التفسير المظهري

المظهري، محمد ثناء الله

سورة الفاتحة

الجزء الأول سورة الفاتحة مكيّة وهي سبع آيات خمسة وعشرون كلمة مائة وثلثة وعشرون حرفا ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فاتحة الكتاب وأم القران سميت بهما لانها اصل القران منها يبدا- وهى السبع المثاني لانها سبع آيات بالاتفاق وتثنى في الصلاة وقيل أنزلت مرتين- بمكة والمدينة- والأصح انها مكية قبل سورة حجر- روى ابن جرير عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هى أم القران وهى فاتحة الكتاب وهى السبع المثاني انتهى- وهى سورة الكنز روى إسحاق بن راهويه عن على رضى الله عنه قال حدثنا نبى الله صلى الله عليه وسلم انها أنزلت من كنز تحت العرش- وهى سورة الشفاء لما سنذكر في الفضائل انها شفاء من كل داء بِسْمِ أسقطت الالف لكثرة استعمالها وطولت الباء عوضا- قال البغوي قال عمر بن عبد العزيز طولوا الباء واظهر والسين ودور والميم تعظيما لكتاب الله عز وجل- والاسم مشتق من السمو دون الوسم بدلالة سمى وسميت والمراد به المسمى او الاسم نفسه- والباء للمصاحبة او الاستعانة او التبرك- والاستعانة يكون بذكر الله متعلق بمقدر بعدها لما في قوله تعالى بسم الله مجريها- وليتحقق الابتداء بالتسمية تحقيقا- روى عبد القادر الرهاوي في الأربعين عن ابى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم كل امر ذى بال لم يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم اقطع- يعنى بسم الله اقرأ اللَّهِ قيل جامد- والحق انه مشتق «1» من الله بمعنى المعبود حذفت الهمزة وعوضت عنها الالف واللام لزوما ومن أجل

_ (1) الاولى ان يقال مأخوذ من الله بمعنى المعبود فان الحذف والتعويض لا يسمى اشتقاقا في عرفهم- منه رحمه الله- الخطبة من الناشر

التعويض «1» اللازم قيل يا الله- إذ لا معنى للاشتقاق إلا كون اللفظين شاركين في المعنى والتركيب- ثم جعل علما لذات الواجب الوجود المستجمع للكمالات المنزه عن الرذائل ولذا يوصف ولا يوصف به- ويقال للتوحيد لا الله الا الله وقد يطلق على الأصل فيقال وهو الله في السّموت وفي الأرض الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) مشتقان من الرحمة بمعنى رقة القلب المقتضى للتفضل والإحسان- واسماء الله تعالى انما تؤخذ باعتبار الغايات دون المبادي فانها انفعالات- قيل هما للمبالغة بمعنى واحد- والحق ان الرحمن ابلغ لزيادة البناء ولذا اختص بالله دون الرحيم قال ابن عباس هما اسمان رقيقان أحدهما ارقّ من الاخر والزيادة قد يعتبر بالكمية فيقال رحمن الدنيا ورحيم الاخرة فان الرحمة في الاخرة للمتقين وقد يعتبر بالكيفية فيقال رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا فان نعم الاخرة في الاخرة للمتقين وقد يعتبر بالكيفية فيقال رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا فان نعم الاخرة كلّها جليلة- وفي الدنيا حقيرة وجليلة وقدّم الرحمن لاختصاصه بالله كالاعلام ولتقدم عموم الرحمة فى الدنيا وهى مقدم بالزمان- ذهب قراء المدينة والبصرة وابو حنيفة وغيره من فقهاء الكوفة الى انها ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور والافتتاح بها للتيمن فقيل وليست من القران- والحق انها من القران أنزلت للفصل روى الحاكم وصححه على شرطهما عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورتين حتى ينزل بسم الله الرّحمن الرّحيم ورواه ابو داؤد مرسلا وقال والمرسل أصح وسئل محمد بن الحسن عنها فقال ما بين الدفتين كلام الله تعالى قلت ولو لم تكن من القران لما كتبوها في المصاحف مع المبالغة في تجريد القران كما لم يكتبوا أمين- والدليل على انها ليست من الفاتحة ما رواه الشيخان عن انس قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف ابى بكر وخلف عمر فلم يجهر أحد منهم ببسم الله الرحمن الرحيم- وما سنذكر من حديث ابى هريرة قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين في الفضائل وما رواه احمد ان عبد الله بن مغفل قال سمعنى ابى وانا فى الصلاة اقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العلمين فلما انصرف قال يا بنى إياك والحدث فى الإسلام فانى صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يفتتحون القران ببسم الله الرحمن الرحيم ولم ار رجلا قط ابغض اليه الحدث منه- ورواه الترمذي فقال

_ (1) مجرد التعويض لا يصلح علة لذلك والا لا نتقض بالناس ونحوه فلا بد في تتميم الكلام من قيد اخر- منه رحمه الله

[سورة الفاتحة (1) : آية 2]

فيه صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان ولم يسمع منهم أحد يقولها- وذهب قراء مكة والكوفة واكثر فقهاء الحجاز الى انها من الفاتحة دون غيرها من السور وانما كتبت عليها للفصل لما روى الحاكم وقال اسناده صحيح عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قال هى أم القران وقال بسم الله الرّحمن الرّحيم الاية السابعة قراها علىّ ابن عباس كما قراتها ثم قال بسم الرحمن الرحيم الاية السابعة ولما روى الترمذي عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم- قلت في الحديث الاول قول ابن عباس بسم الله الرحمن الرحيم الاية السابعة ظن «1» منه ليس بمرفوع وما رواه الترمذي ليس اسناده بقوى- وذهب جماعة الى انها من الفاتحة وكذا من كل سورة الا سورة التوبة وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي لانها كتبت فى المصحف بخط «2» سائر القران- قلت وهذا يدل على انها من القران لا من السورة كيف وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال سورة من القران ثلاثون اية في سورة الملك- وسنذكر هناك ان شاء الله تعالى- ولا يختلف العادون انه ثلاثون اية من غير بسملة. الْحَمْدُ هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري نعمة كان او غيرها فهو أعم من الشكر فى المتعلق فان الشكر يخص النعمة وأخص منه في المورد فان الشكر من اللسان والقلب والجوارح ولذا قال عليه السلام الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده- رواه عبد الرزاق عن قتادة عن عبد الله بن عمرو- والمدح أعم من الحمد مطلقا لانه على مطلق الجميل- والتعريف للجنس اشارة الى ما يعرفه كل أحد- او للاستغراق إذ الحمد كله له تعالى وهو خالق افعال العباد وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وفيه دليل على انه تعالى حىّ قادر مريد عالم حتى يستحق الحمد لِلَّهِ اللام للاختصاص يقال الدار لزيد- والجملة الخبرية الاسمية دالة على استمرار الاستحقاق قصد بها الثناء بمضمونها وفيه تعليم وتقديره قولوا الحمد لله حتى يناسب قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرّبّ بمعنى المالك يقال رب الدار لمالكه ويكون بمعنى التربية وهو التبليغ الى الكمال تدريجا وصف به كالصوم والعدل ولا يقال على غيره تعالى الا مقيدا كرب الدار وفيه دليل على ان العالم محتاج في البقاء ايضا- والعلمين جمع

_ (1) كون الآيات توقيفية لا مجال للعقل فيها امر مقرر عندهم فكيف يظن بابن عباس هذا الظن مع ان للموقوف حكم المرفوع فى أمثال ذلك- قلت المسألة إذا كانت روايات الصحابة فيها مختلفة لا يجوز هناك ان يقال للموقوف حكم المرفوع كذا في اصول القوم الطريق في أمثال ذلك ذكر الروايات- منه نور الله مرقده. (2) اى كتبت على كل سورة اولا بخط سائرها فهو يدل على انها جزؤ من كل سورة- منه رحمه الله

[سورة الفاتحة (1) : آية 3]

عالم لا واحد له في الاستعمال من لفظه- والعالم اسم لما يعلم به الصانع كالخاتم وهو الممكنات بأسرها قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ يعنى موسى رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا وجمع بملاحظة أجناس تحته وغلّب العقلاء- وقال وهب لله ثمانية عشر الف عالم الدنيا عالم منها وما العمران في الخراب الا كفسطاط في صحراء- وقال كعب الأحبار لا يحصى عدد العالمين وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وقيل العالم اسم لذوى العلم من الملائكة والثقلين وتناول غيرهم استتباعا. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) أجاز القراء فيه الروم وقفا وكذا في كل مكسور- فيه دليل على ان البسملة ليست من الفاتحة كيلا يلزم التكرار «1» وقيل كرر للتعليل. ملك يوم الدّين (4) قرا عاصم والكسائي ويعقوب مالك والآخرون ملك وقرا ابو عمرو الرّحيم ملك بإدغام الميم في الميم وكذالك يدغم كل حرفين متحركين من جنس واحد- او مخرج واحد- او قريبى المخرج- امّا إذا كانا مثلين في كلمتين فذلك واقع فى سبعة عشر حرفا- الا في مواضع عديدة وهى الباء والتاء والثاء والحاء المهملة والراء والسين المهملة والعين وعشرة أحرف بعدها نحو لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ثالِثُ ثَلاثَةٍ لا أَبْرَحُ حَتَّى فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ إِنَّكَ كُنْتَ بِنا جَعَلَ لَكُمُ يَعْلَمُ ما أَحْسَنُ نَدِيًّا إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ إِنَّهُ هُوَ ولا تمنع صلة الهاء نُودِيَ يا مُوسى إذا لم يكن الحرف الاول تاء المتكلم او المخاطب كنْتُ تُراباً ... فَأَنْتَ تُكْرِهُ ولا منونا نحو واسِعٌ عَلِيمٌ ولا مشددا نحو فَتَمَّ مِيقاتُ والمواضع العديدة المستثناة منها يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ لا يدغم فيه ابو عمرو لاخفاء النون قبلها اتفاقا- ومنها كل موضع التقيا فيه مثلان بسبب حذف وقع في اخر الكلمة الاولى نحو يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ إِنْ يَكُ كاذِباً يَخْلُ لَكُمْ ففى هذه الكلمات لابى عمرو وجهان الإظهار والإدغام ومنها عند البعض آلَ لُوطٍ والصحيح ادغامه ومنها واو هو إذا كان الهاء مضموما على قراءة ابى عمرو ووقع بعده واو نحو هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وذلك في ثلاثة عشر موضعا فاختلف في ادغامه لكن رواية الإدغام أقوى ومنها واو هو إذا كان الهاء ساكنا على قراءته وهو ثلاثة «2» مواضع فَهُوَ وَلِيُّهُمُ وَهُوَ واقِعٌ

_ (1) منقوض هو بنحو فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وغيرها من الآيات التي كرر تكرارها- قلت تكرار فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما يستحسنه الفصحاء والشعراء كما يكون في الشعر ترجيعا واما التكرار بلا نسق فليس من هذا القبيل كما لا يخفى على من له ادنى تأمل- منه رحمه الله (2) الصحيح خمسة مواضع- ابو محمد عفا الله عنه وفي القران وَما يَعْلَمُ إلخ في الأصل الاحرف في الأصل لك.

قال بعضهم فيها الإظهار بلا خلاف وقال بعضهم بخلاف والإظهار أقوى «1» - هذا إذا كان المثلان فى كلمتين واما إذا كانا في كلمة واحدة فلم يأت عنه الإدغام الا في موضعين مناسككم فى البقرة وما سلككم في المدثر هذا ادغام المثلين- واما ادغام المتقاربين في كلمة واحدة فالقاف تدغم في الكاف إذا كان قبلهما متحرك وبعدهما ميم نحو يَرْزُقُكُمْ بخلاف مِيثاقَكُمْ ونَرْزُقُكَ وحكى الخلاف في ادغام طَلَّقَكُنَّ ولا يدغم غيره- وفي كلمتين تدغم ستة عشر حرفا إذ لم يكن منونا ولا تاء مخاطب ولا مجزوما ولا مشددا- الحاء تدغم في العين في زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وروى ادغامها في العين حيث التقيا «2» نحو ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ... الْمَسِيحُ عِيسَى ... فَلا جُناحَ عَلَيْهِما والقاف في الكاف وبالعكس عند تحرك ما قبلهما نحو خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ... لَكَ قُصُوراً بخلاف فَوْقَ كُلِّ وَتَرَكُوكَ قائِماً والجيم في التاء في كلمة ذِي الْمَعارِجِ تعرج وفي الشين فى أَخْرَجَ شَطْأَهُ والشين في السين في ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا والضاد في الشين في لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ والسين في الزاء في إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وفي الشين في الرَّأْسُ شَيْباً والدال تدغم في حروف عشرة حيث جاءت نحو الْمَساجِدِ تِلْكَ عَدَدَ سِنِينَ الْقَلائِدَ ذلِكَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ يُرِيدُ ثَوابَ تُرِيدُ زِينَةَ نَفْقِدُ صُواعَ مِنْ بَعْدِ ظلم داوُدُ جالُوتَ وفي دارُ الْخُلْدِ جَزاءً خلاف ولم يلق الدال طاء في القران ولم تدغم الدال مفتوحة بعد ساكن بحرف بغير التاء فلا تدغم لِداوُدَ سُلَيْمانَ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ آلَ داوُدَ شُكْراً آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ بعد ظلم بَعْدَ ثُبُوتِها وتدغم كاد تزيغ بعد توليدها ولا ثالث لهما- والتاء تدغم في تلك العشرة الا في التاء من باب المثلين وقد مر ذكره وكذا في الطاء حيث جاءت ولم يلق التاء دالا الا والتاء ساكنة نحو أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما وذلك واجب الإدغام- نحو الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً الذَّارِياتِ ذَرْواً بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ولا ثانى له والنّبوّة ثمّ يقول إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً الْمَلائِكَةُ صَفًّا والْمَلائِكَةُ ظالِمِي فى النساء والنحل ليس غيرهما عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ والتاء لم تقع

_ (1) عند النحاة لا عند القراء- ابو محمد عفا الله عنه (2) وذلك شاذ.

مفتوحة بعد ساكن الا وهو حرف خطاب ولا ادغام فيه الا في مواضع وقعت بعد الف فمنها لا خلاف في ادغامه وهو أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وفي الباقي خلاف نحو حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها- وايضا خلاف في بعض تاء مكسورة آتِ ذَا الْقُرْبى ولْتَأْتِ طائِفَةٌ وفي جِئْتَ شَيْئاً مكسور التاء خلاف في ادغامه مع انه تاء خطاب ولا خلاف في الإظهار إذا كانت مفتوحة جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً والثاء تدغم في خمسة أحرف حيث جاءت نحو حَيْثُ تُؤْمَرُونَ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ وَالْحَرْثِ ذلِكَ وليس غيره وحَيْثُ شِئْتُمْ وحَدِيثُ ضَيْفِ وليس غيره والذال في السين والصاد فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فى الكهف في موضعين- مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً- واللام تدغم في الراء وبالعكس الا إذا انفتحا بعد ساكن فتدغم نحومَثَلِ رِيحٍ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ لا نحو فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ لكن لام قال إذا كان الراء بعده تدغم وان كان مفتوحا بعد ساكن قالَ رَبِّ قالَ رَجُلانِ قالَ رَبُّكُمْ والنون تدغم في اللام والراء إذا تحرك ما قبلها نحو إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ خَزائِنَ رَحْمَةِ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ تَبَيَّنَ لَهُمُ لا إذا سكن ما قبلها نحو يَخافُونَ رَبَّهُمْ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ الا نون نحن تدغم في اللام حيث جاءت وان كانت بعد ساكن نحو نَحْنُ لَهُ وفَما نَحْنُ لَكَ وهو عشر مواضع والميم المتحرك ما قبلها إذا كان بعدها باء تسكن وتخفى- والباء في يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ حيث اتى تدغم في الميم وهى خمسة مواضع سوى ما فى البقرة فانه ساكن الباء في قراءة ابى عمرو وفيه الإدغام الصغير- وحيث ما يجوّز ابو عمرو الإدغام الكبير فله هناك ثلاثة أوجه اخر الإشمام والروم والإظهار غير ان الإشمام يقع في الحروف المضمومة فقط والروم في المضمومة والمكسورة دون المفتوحة والإشمام عبارة عن ضم الشفتين كقبلة المحبوب اشارة الى الضمة والروم عبارة عن الإخفاء والتلفظ ببعض الحركة لكن الإشمام والروم عنده في سائر الحروف غير الباء مع الميم وبالعكس نحو نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ يَعْلَمُ ما أَعْلَمُ بِما كانُوا والإدغام لا يتاتى «1» إذا كان قبل الحرفين حرف ساكن صحيح نحو خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بَعْدِ ظُلْمِهِ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا دارُ الْخُلْدِ جَزاءُ لاجتماع الساكنين فالادغام

_ (1) هذا عند المتأخرين والنحاة واما عند المتقدمين فالادغام المحض أصح قال المحقق والإدغام الصحيح هو الثابت عند قدماء الائمة من اهل الأداء والنصوص مجتمعة عليه- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة الفاتحة (1) : آية 5]

هناك بنطق بعض الحركة وهو الإخفاء والروم والتعبير هناك بالإدغام تجوز اما إذا كان الساكن حرف مد او لين صح الإدغام نحو فِيهِ هُدىً وقالَ لَهُمْ ويَقُولُ رَبَّنا وقَوْمُ مُوسى وكَيْفَ فَعَلَ واللَّهُ أَعْلَمُ- الملك والمالك قيل معناهما واحد الرّبّ مثل فرهين وفارهين وحذرين وحاذرين والحق ان المالك من الملك بالكسر بمعنى الرب يقال مالك الدار ورب الدار والملك من الملك بالضم بمعنى السلطان هما صفتان له تعالى والقراءتان متواترتان فلا يجوز ان يقال الملك هو المختار- وقيل الملك والمالك بمعنى القادر على الاختراع من العدم الى الوجود فلا يطلق على غيره تعالى الا مجازا- ويوم الدّين يوم القيامة والدين الجزاء ومنه كما تدين تدان وهو مثل مشهور وحديث مرفوع رواه ابن عدى في الكامل بسند ضعيف وله شاهد مرسل عند البيهقي واخرج احمد عن مالك ابن دينار انه في التورية والديلمي عن فضالة بن عبيدة مرفوعا انه في الإنجيل وقال مجاهد يوم الدين اى الحساب ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ اى الحساب المستقيم وقيل القهر منه دنته فدان اى قهرته فذل او الإسلام او الطاعة فانه يوم لا ينفع فيه الا الإسلام والطاعة- وانما خص ذلك اليوم بالذكر لان في غيرها من الأيام قد يطلق الملك لغيره تعالى مجازا- ولان فيه إنذار ودعوة الى القول ب إِيَّاكَ نَعْبُدُ أضاف الصفة الى الظرف اجراء له مجرى المفعول به نحو يا سارق الليلة ومعناه الماضي على طريقة نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ فان المتيقن كالواقع فصح وقوعها صفة للمعرفة واجراء هذه الصفات على الله تعالى للتعليل على انه الحقيق بالحمد ومن لم يتصف بتلك الصفات لا يستأهل الحمد فضلا ان يعبد والتمهيد لقوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وقوله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يدل على الاختيار وينفى الإيجاب بالذات والوجوب عليه قضية لسوابق الأعمال ثم لما ذكر الحقيق بالحمد ووصفه بصفات عظام مميزة عن سائر الذوات وتعلق العلم بمعلوم معين خاطب بذلك فقال. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) أجاز القراء فيه الروم والإشمام في حالة الوقف وكذا في كل

[سورة الفاتحة (1) : آية 6]

مضموم- والمعنى يا من هو بالصفات المذكورة نخصك بالعبادة والاستعانة عليها وعلى جميع أمورنا- ومن عادة العرب التفنن في الكلام والالتفات من الغيبة الى الخطاب وبالعكس ومن التكلم إليهما وبالعكس تنشيطا للسامع- والعبادة أقصى الخضوع والتذلل ومنه طريق معبد اى مذلل والضمير في الفعلين للقارى ومن معه- وفيه اشعار على التزام الجماعة- وقدم المفعول للتعظيم والاهتمام والحصر قال ابن عباس معناه نعبدك ولا نعبد غيرك- رواه ابن جرير وابن ابى حاتم من طريق الضحاك عنه وقيل الواو في وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ للحال اى نعبدك مستعنين بك-. اهْدِنَا اى أرشدنا بيان للمعونة المطلوب- او افراد لما هو المقصود الأعظم- والهداية دلالة بلطف ولذلك يستعمل في الخير- وأصله ان يعدى باللام او الى وقد يعدى بنفسه- وهذا الدعاء من المؤمنين ومن النبيّ صلى الله عليه وسلم مع كونهم على الهداية لطلب التثبت او طلب مزيد الهداية فان الألطاف والهدايات من الله تعالى لا تتناهى على مذهب اهل السنة الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) قرأ ابن كثير برواية قنبل الصراط معرفا باللام ومضافا في الفاتحة وسائر القران وكذا منكرا حيث اتى بالسين على الأصل لانه من سرط الطّعام اى ابتلعه- والطريق يسرط السابلة والباقون بالصاد وهو لغة قريش- وقرا خلف كلها بين الصاد والزاء وكذا خلاد هاهنا خاصة- والمستقيم المستوي والمراد طريق الحق- وقيل ملة الإسلام «1» - والقولان أخرجهما ابن جرير عن ابن عباس. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (5) بدل من الاول بدل الكل وفائدته التوكيد والتنصيص على ان طريقهم هو المشهود عليه بالاستقامة والمراد بالذين أنعمت عليهم كل من ثبّته الله تعالى على الايمان والطاعة مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ- قرأ حمزة عليهم- إليهم- لديهم- حيث وقع بضم الهاء وصلا ووقفا والباقون بكسرها- وضم ابن كثير كل ميم جمع مشبعا في الوصل إذا لم يلقها ساكن- وقالون يقول

_ (1) قال ابو العالية والحسن في تفسير اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صراط رسول الله وصاحباه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. وقال اقتدوا بالذين من بعدي ابى بكر وعمر- منه رحمه الله

بالتخيير في الإشباع وعدمه لقيها ساكن اولا «1» - وورش يشبع عند الف القطع فقط- وإذا تلقته الف الوصل وقبل الهاء كسر او ياء ساكنة نحو بِهِمُ الْأَسْبابُ وعَلَيْهِمُ الْقِتالُ ضم الهاء والميم حمزة والكسائي- وكسرهما ابو عمرو- وكذلك يعقوب إذا انكسر ما قبله- والآخرون ضموا الميم على الأصل وكسروا الهاء لاجل الياء والكسرة- وفي الوقف يكسر الهاء عند الكل لكسرة ما قبلها او الياء الا ما ذكرنا خلاف حمزة ويعقوب ابو محمد في الكلمات الثلث غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) بدل من الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ- اى المنعم عليهم هم السالمون من الغضب والضلال- او صفة له مبينة او مقيدة ان اجرى الموصول مجرى النكرة إذا لم يقصد به معهود- كما في قول الشاعر ولقد امرّ على اللّئيم يسبّنى- او جعل غير معرفة لاضافته الى ماله ضد واحد فيتعين- يقال عليكم بالحركة غير السكون- وعليهم في محل الرفع نائب مناب الفاعل- ولا مزيدة لتأكيد ما في غير من معنى النفي- كانه قال لا المغضوب عليهم- والغضب ثوران النفس لارادة الانتقام وإذ أسند الى الله أريد به المنتهى- والضلالة ضد الهداية وهو العدول عن الطريق الموصل وله عرض عريض- اخرج احمد في مسنده- والترمذي وحسنه- وابن حبان في صحيحه وغيرهم عن عدى بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- ان المغضوب عليهم اليهود وان الضالين النصارى- واخرج ابن مردوية عن ابى ذر نحوه- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم التفسير بذلك عن ابن عباس- وابن مسعود- والربيع ابن انس- وزيد بن اسلم- قال ابن ابى حاتم- لا اعلم في ذلك خلافا بين المفسرين- واللفظ عام يعم الكفار والعصاة والمبتدعة- قال الله تعالى في القاتل عمدا- وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ- وقال-فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ- وقال- الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا- والسنة عند ختم الفاتحة ان يقول أمين مفصولا- وأمين مخفف غير مشدد- جاء ممدودا ومقصورا قال البغوي قال ابن عباس معناه اسمع واستجب- واخرج الثعلبي عنه قال سالت النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال افعل- روى ابن ابى شيبة في مصنفه والبيهقي فى الدلائل عن ابى ميسرة ان جبرئيل عليه السلام اقرأ النبىّ صلى الله عليه وسلم الفاتحة فلما قال وَلَا الضَّالِّينَ قال له قل أمين- وروى ابو داود في سننه عن ابى زهير أحد الصحابة

_ (1) هذا التعميم من سباق قلم او من الناسخ لان الإشباع قبل الساكن ممنوع- ابو محمد عفا الله عنه

فصل فى فضائل الفاتحة

قال- أمين مثل الطابع على الصحيفة خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فاتينا على رجل قد ألح في المسألة فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوجب ان ختم- فقال رجل من القوم باىّ شىء يختم فقال أمين- واخرج ابو داود- والترمذي- والدارقطني- وصححه ابن حبان- كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرا ولا الضّالّين قال أمين- وفي الصحيحين عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الامام وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا أمين فان الملائكة تقول أمين- وان الامام يقول أمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. فصل فى فضائل الفاتحة عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده ما انزل في التورية ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القران مثلها- وانها لهى السبع المثاني التي أتاني الله عز وجل- رواه الترمذي وقال حسن صحيح- والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم- وعن ابن عباس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبرئيل إذ سمع نقيضا من فوقه فرفع جبرئيل عليه السلام بصره الى السماء فقال هذا باب فتح من السماء ما فتح قط قال فنزل منه ملك فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرا حرفا منها الا أعطيته- رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى- قسّمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين فنصفها لى ونصفها لعبدى ولعبدى ما سال- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يقول الله حمدنى عبدى- يقول العبد الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يقول الله اثنى علىّ عبدى- يقول العبد مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يقول الله تعالى مجدنى عبدى- يقول العبد إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يقول الله هذه الاية بينى وبين عبدى ولعبدى ما سال- يقول العبد اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ يقول فهؤلاء لعبدى ولعبدى ما سال- رواه مسلم- وعن عبد الملك بن عمير مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- فاتحة الكتاب شفاء من كل داء- رواه الدارمي في مسنده والبيهقي في شعب الايمان بسند صحيح- وعن عبد الله بن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الا أخبرك بأخير سورة نزلت في القران

سورة البقرة

قلت بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فاتحة الكتاب واحسبه قال فيها شفاء من كل داء- وعنه- فاتحة الكتاب شفاء من كل شىء الا السام- والسام الموت- رواه الخلعي فى فوائده- وعن ابى سعيد بن المعلى- أعظم سورة في القران الحمد لله رب العلمين- رواه البخاري والبيهقي والحاكم من حديث انس- أفضل القران الحمد لله رب العلمين- وروى البخاري في مسنده من حديث ابن عباس- فاتحة الكتاب تعدل ثلثى القران- وعن ابى سليمان قال مر بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواتهم على رجل قد صرع فقرأ بعضهم في اذنه بام القران فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- هى أم القران وهى شفاء من كل داء- رواه الثعلبي من طريق معاوية بن صالح عنه- وعن ابى سعيد الخدري مرفوعا- فاتحة الكتاب شفاء من السم- رواه سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب- وعنه قال- كنا في مسير لنا فنزلنا فجاءت جارية فقالت ان سيد الحي سليم فهل معكم راق فقام معها رجل فرقاه بام الكتاب فبرىء فذكر للنبى صلى الله عليه وسلم فقال وما كان يدريه انها رقية- رواه البخاري- ورواه ابو الشيخ وابن حبان في الثواب عنه وعن ابى هريرة معا- وعن السائب بن يزيد قال- عوّذنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب فىّ تفلا- رواه الطبراني في الأوسط- وعن انس- إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فقد امنت كل شىء الا الموت- رواه البزار. سورة البقرة مدنيّة اخرج البخاري عن عائشة قالت ما نزلت سورة البقرة والنّساء الّا وانا عنده وهى مائتان وسبع «1» وثمانون اية وستة الف ومائة واحدى وعشرون كلمة وحروفها خمسة وعشرون الف وخمسمائة حرف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم (1) قيل في المقطعات في أوائل السور انها اسماء السور- وقيل هى مزيدة للتنبيه على انقطاع كلام واستيناف كلام اخر- وقيل هى اشارة الى كلمات منها اقتصرت عليها اقتصار الشاعر فقلت لها قفى فقالت لى قاف- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن

_ (1) عند اهل البصرة اما عند اهل الكوفة فمائتان وست وثمان اية- ابو محمد عفا الله عنه

ابى العالية- الالف آلاء الله- واللام لطفه- والميم ملكه- واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عنه الر وحم ون مجموعها الرحمن- وعن ابن عباس ان الم معناه انا الله اعلم- وقال البغوي روى سعيد بن جبير عن ابن عباس المص انا الله اعلم وافصل والر انا الله ارى والمر انا الله اعلم وارى- وقيل اشارة الى مدد أقوام وآجال بحساب الجمل- روى البخاري في تاريخه وابن جرير من طريق ضعيف انه صلى الله عليه وسلم لما اناه اليهود تلا عليهم الم البقرة فحسبوا فقالوا كيف ندخل في دين مدته احدى وسبعون سنة- فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا فهل غيره فقال المص والر- والمر- فقالوا خلطت علينا فلا ندرى بايها نأخذ- ورد هذه الأقوال بان كونها اسماء السور مستلزم لوقوع الاشتراك في الاعلام من واضع واحد وذلك ينافى المقصود بالعلمية- وايضا التسمية بثلاثة اسماء فصاعدا مستنكر وايضا تسمية بعض السور دون بعض بعيد- وبان هذه الألفاظ لم تعهد مزيدة للدلالة على الفصل والاستيناف- وان كان كذلك كانت على كل سورة- وبان الاقتصار على بعض حروف الكلمة غير مستعمل واما الشعر فشاذ على ان في الشعر قوله قفى في السؤال قرينة على ان قولها قاف من وقفت بخلاف أوائل السور إذ لا قرينة هناك على ان الالف من الآء الله- واللام لطفه ونحو ذلك- وما روى عن بعض الصحابة والتابعين فمصروف عن الظاهر والا فهى اقوال متعارضة- وتخصيص حرف بكلمة من الكلمات المشتملة على تلك الحروف دون غيرها ترجيح بلا مرجح وبان تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فهم اليهودي- الظاهر انه صلى الله عليه وسلم تعجب على جهله- وقيل انه مقسم بها لشرفها من حيث انها بسائط اسماء الله تعالى- ومادة خطابه وهذا التأويل يحوج الى إضمار أشياء لا دليل عليها واختار البيضاوي ان حروف التهجي لما كانت عنصر الكلام وبسائطه التي يتركب منها افتتحت السور بطائفة منها إيقاظا لمن يتحدى بالقران وتنبيها على ان المتلو عليهم كلام منظوم مما ينظمون منه كلامهم فلو كان من عند غير الله لما عجزوا عن الإتيان بمثله وليكون أول ما يقرع الاسماع مستقلا بنوع من الاعجاز- فان النطق بأسماء الحروف من الأمي معجزة كالكتابة سيما وقد روعى في ذلك ما يعجز عنه الأديب الفائق في فنه حيث أورد اربعة عشر اسماء نصف عدد أسامي الحروف في تسع وعشرين سورة بعدد الحروف

مشتملة على انصاف جميع أنواعها من المهموسة والمجهورة والشديدة والرخوة وغيرها كما ذكر تفصيله- وايضا الكلام غالبا يتركب من تلك الحروف الاربعة عشر دون البواقي- قال والمعنى ان هذا المتحدى به مؤلف من جنس هذه الحروف- والحق عندى انها من المتشابهات «1» وهى اسرار بين الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم لم يقصد بها إفهام العامة بل إفهام الرسول صلى الله عليه وسلم ومن شاء افهامه من كمل اتباعه قال البغوي قال ابو بكر الصديق رضى الله عنه في كل كتاب سر وسر الله تعالى في القران أوائل السور- وقال علىّ رضى الله عنه ان لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي- وحكاه الثعلبي عن ابى بكر وعن علىّ وكثير- وحكاه السمرقندي عن عمرو وعثمان وابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين وحكاه القرطبي عن سفيان الثوري- والربيع بن خثعم- وابى بكر ابن الأنباري- وابن ابى حاتم وجماعة من المحدثين- قال السجاوندى المروي عن الصدر الاول في الحروف التهجي انها سر بين الله وبين نبيه صلى الله عليه وسلم- وقد يجرى بين المحرمين كلمات معميات يشير الى اسرار بينهما- وقيل انّ الله تعالى استأثر بعلم المقطعات والمتشابهات ما فهمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من اتباعه- وهذا بعيد جدّا فان الخطاب للافهام فلو لم يكن مفهمة كان الخطاب بها كالخطاب بالمهمل او الخطاب بالهندي مع العربي- ولم يكن القران باسره بيانا وهدى- ويلزم ايضا الخلف في الوعد بقوله تعالى- ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ- فانه يقتضى ان بيان القران محكمه ومتشابهه من الله تعالى للنبى صلى الله عليه وسلم واجب ضرورى- وروى عن ابن عباس انا من الراسخين في العلم وانا ممن يعلم تأويله- وكذا

_ (1) المتشابه فيه قولان أحدهما انه يرجى نيل المراد منه بضرب من التأويل والتأمل والثاني انه لا يرجى نيل المراد منه فعلى القول الاول الرسول وغيره في ذلك سواء والادلة التي ذكرت هاهنا يؤيد هذا القول وعلى القول الثاني هو مختار الحنفية رحمهم الله ايضا الرسول وغيره سواء والادلة المذكورة مخدوشة عندهم فينبغى تفصيل المذهبين وكذا دليل كل من الفريقين مع الجواب عن دليل المخالف حتى ينتظم الكلام- قلت المتشابه التي يشتبه على السامع العارف باللغة المراد بحيث لا يدرك بالطلب ولا بالتأمل الا بعد بيان من الشارع فان بينه النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظهر المراد منه سميت مجملا على اصطلاح الأصوليين كالصلوة والزكوة والحج والعمرة واية الربوا ونحو ذلك وان لم يوجد البيان والتعليم من النبي صلى الله عليه وسلم سميت متشابها على اصطلاحهم- والمتشابه بهذا المعنى أخص من المتشابه بالمعنى المذكور سابقا فالمقطعات واليد والوجه والاستواء على العرش من هذا القبيل- واختلف كلام العلماء في هذا النوع فقيل يمكن تأويله وقيل لا يمكن تأويله بل يجب الايمان به وتفويض المراد منه الى الله سبحانه فقيل استأثر الله سبحانه بعلمه ما فهم النبي صلى الله عليه وسلم مراده ولا أحد من اتباعه وبه قال اكثر العلماء وقيل بل فهمه النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء افهامه من اتباعه وهو سر بين الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم وهو المختار عندى وما يدل على هذا من اقوال الصحابة مذكور في الكتاب- منه برد الله مضجعه

عن مجاهد وادعى المجدد للالف الثاني رضى الله عنه (من الامة المرحومة التي لا يدرى أولها خير أم آخرها ولعل آخرها فوجا هى اعرضها عرضا وأعمقها عمقا وأحسنها حسنا) ان الله تعالى اظهر عليه تأويل المقطعات واسرارها لكنها مما لا يمكن بيانها للعامة فانه ينافى كونها سرّا من اسرار الله تعالى والله تعالى اعلم- وقيل انها اسماء الله تعالى أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية في الأسماء والصفات عن ابن عباس وسنده صحيح- وروى ابن ماجة عن على رضى الله عنه انه كان يقول يا كهيعص اغفر لى- وعن الربيع بن انس كهيعص معناه من يجير ولا يجار عليه- وقيل انها اسماء القران أخرجه عبد الرزاق عن قتادة قالوا ولذلك اخبر عنها بالكتاب والقران قلت ان كانت اسماء لله تعالى كانت دالة على بعض صفاته تعالى- كسائر اسماء الصفات- وكذا ان كانت اسماء للقران كانت دالة على بعض صفات القران كما ان لفظ القران والفرقان والنور والحيوة والروح والذكر والكتاب تدل على صفة من صفاته- وعلى كلا التقديرين فدلالة تلك الألفاظ ليست مما يفهمه العامة بل هى مختصة بفهم المخاطب ومن شاء الله تعالى تفهيمه- والحكم بانها من اسماء الله تعالى لا يتصور الا بعد فهم معناها- فهذان القولان على تقدير صحتهما راجعان الى ما حققناه انها اسرار بين الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم لا يفهمه غيره الا من شاء الله من كمل اتباعه وكذلك قوله تعالى- يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ- وقوله تعالى- الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى - وهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ- ونحو ذلك مما يستحيل حملها على ظواهرها التي تتبعها الذين في قلوبهم زيغ من المجسمة- فان كلا منها تدل على صفة من صفات الله تعالى بحيث فهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الكمل من اتباعه- وتوضيح ذلك ان لله تعالى صفاتا غير متناهية «1»

_ (1) قال البغوي انه قال ابن عباس قالت اليهود أتزعم انا قد أوتينا الحكمة وفي كتابك وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ثم تقول وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا فانزل الله هذه الاية يعنى كلمات علمه وحكمته تعالى غير متناهية ومن هاهنا قال العلماء معلومات الله تعالى غير متناهية وكما ان علومه تعالى غير متناهية وان كان ذلك اللاتناهى بعدم تناهى تعلقاتها- فكذلك جزئيات سائر صفاته تعالى غير متناهية وايضا حصر الصفات فيما يعلمه الناس ممنوع كيف وما ذكر فى المتن من الحديث الصحيح يدل على ان من أسمائه تعالى ما استأثر بعلمه لم يعلّمه أحدا من خلقه فمن الجائز ان يعلم الله سبحانه رسوله من أسمائه وصفاته بالمقطعات ما لم يعلمه قبله غيره- عدم تناهى الصفات انما هو بمعنى عدم تناهى تعلقاتها وحمل الكلمات على الصفات مستبعد كل البعد ولا يجب وضع اللفظ بإزاء كل تعلق تعلق حيث يقدح تناهيها في ادراك الصفات بل اللفظ انما يوضع بإزاء معنى كلى تنطبق على جزئيات غير متناهية- ثم عدم وضع اللفظ بإزاء معنى من المعاني لا يوجب عدم درا ذلك المعنى لجواز ان يتصور المعنى من غير توسط اللفظ ولا امتناع التصور بالكنه يوجب عدم اللفظ إذ التصور بالوجه كاف- ان كان استفادة العلم الضروري بهذه الحروف بطريق الدلالة الوضعية عاد الاشكال بأصله إذ تلك الدلالة ليست موجودة لانها ليست بوضع العرب مع ان القران عربى وان كان لا بطريق الدلالة الوضعية بل بمجرد المقابلة ولزوم الروية يلزم الدرك من الحروف ما لها وضع وكلا الشقين محال قلت واضع الأسماء واللغات كلها هو الله سبحانه دون الناس- وكان ابتداء التعليم من الله سبحانه بالإلهام او البيان والا يلزم التسلسل فعلى هذا يمكن ان يكون هذه الحروف المقطعات في علم الله تعالى موضوعة للمعانى دالة عليها بالوضع فالهم الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم معنى تلك الحروف وصفتها كما الهم آدم عليه السلام معانى سائر الأسماء- منه رحمه الله [.....]

حيث قال الله تعالى- لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي- وقال عز من قائل- وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ- ولا شك ان الألفاظ الموضوعة بإزاء المعاني متناهية- والعقول قاصرة عن درك كنه ذات الله تعالى وكنه صفاته- وانما يتصور دركه بنوع من المعية الذاتية او الصفاتية الغير المتكيفة- هيهات هيهات عن فهم العوام بل الخواص مع دركهم لا يدركون ذلك الدرك في مرتبة الذات حيث قال رئيس الصديقين شعر- العجز عن درك الإدراك ادراك- والبحث عن سر الذات اشراك- غير ان بعض صفاته تعالى لما شارك صفات الممكنات في الغايات او بعض وجوه المشاكلات عبر عنها بالأسماء التي تدل على صفات في المخلوقات كالحيوة والعلم والسمع والبصر والارادة والرحمة والقهر وغيرها فزعم البشر انه فهمها وفي الحقيقة لم يفهم الا بعض وجوهها- وبعضها ليست بهذا المثابة- فمنها ما استأثر الله تعالى بعلمه- ومنها ما افهمه الخواص من خلقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه اللهم انى أسئلك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او أنزلته في كتابك او علمته أحدا من خلقك او استأثرت به في علم الغيب عندك- رواه ابن حبان فى صحيحه- والحاكم في المستدرك واحمد- وابو يعلى في حديث ابن مسعود لمن أصابه هم- والطبراني فى حديث ابى موسى فلعل الله سبحانه من ذلك الأسماء الخفية عن العامة التي لم يوضع بإذائها ألفاظ في لغاتهم علّم والهم بعضها لنبيه صلى الله عليه وسلم ومن شاء من اتباعه بهذه الحروف وخلق فيهم علما ضروريا مستفادا من هذه الحروف كما علم آدم الأسماء وخلق فيه علما ضروريا من غير سبق علمه بوضع ذلك اللفظ لذلك المعنى كيلا يلزم التسلسل- ويتجلى تلك الأسماء والصفات على النبي صلى الله عليه وسلم بتلاوة هذه الحروف- قال شيخى وامامى قدسنا الله بسره السامي انه يظهر بنظر الكشف القران كله كانه بحر ذخار للبركات الالهية ويظهر تلك الحروف في ذلك البحر كانها عيون فوارات تفور ويخرج منها البحر- فعلى هذه المكاشفة لا يبعد ان يجعل هذه الحروف اسماء للقران كانّ القران تفصيل لذلك الإجمال والله اعلم بمراده- وهذا التوجيه لا ينافى ما اختاره البيضاوي فان القران لكل اية منها ظهر وبطن ولكل حد مطلع- ويروى لكل حرف حد ولكل حد مطلع رواه البغوي من حديث ابن مسعود فكما ان هذه الحروف في الظاهر عنصر للقران وبسائطه وغالب

[سورة البقرة (2) : آية 2]

ما يتركب منه- وفيه لطائف الإيراد ووجوه الاعجاز- كذلك المراد من تلك الحروف إجمال للقران وعيون فوارات واسرار بين الله وبين رسوله لا يطلع عليه أحد الا المخاطب او من في معناه والله سبحانه اعلم-. ذلِكَ الْكِتابُ- اى هذا الكتاب الذي يقرأه محمد صلى الله عليه وسلم ويكذّب به المشركون فالمشار اليه ما سبق نزوله من القران على سورة البقرة او القران كله الذي سبق بعضه فذلك مبتدأ والكتاب خبره اى الكتاب المعهود الموعود- او الكتاب الكامل الذي يستأهل ان يسمى كتابا- او صفة وخبره ما بعده- وقيل هذا فيه مضمر اى هذا الذي يوحى إليك ذلك الكتاب الذي وعدنا انزاله في التورية والإنجيل- او وعدناك من قبل بقولنا- إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا- فذلك خبر مبتدأ محذوف والكتاب صفته- والكتاب مصدر بمعنى المكتوب واصل الكتب الضم والجمع يقال للجند كتيبة لاجتماعها سمى به لانه قد جمع في الكتاب حرف الى حرف- او لانه مما يكتب- والاشارة بذلك وهى للبعيد تعظيما لشأنه لا رَيْبَ فِيهِ لوضوحه وسطوع برهانه بحيث لا يرتاب فيه العاقل بعد النظر الصحيح في كونه وحيا- وقيل خبر بمعنى النهى اى لا ترتابوا فيه- ولا لنفى الجنس وفيه خبره- او فيه صفته وللمتقين خبره وهدى نصب على الحال- او الخبر محذوف كما في لا ضير- وفيه خبر هدى قدم عليه لتنكيره والتقدير لا ريب فيه فيه هدى والاولى ان يقال انها جمل متناسقات يقرر اللاحقة السابقة ولذا لم يعطف- ف ذلِكَ الْكِتابُ ملة تفيد انه الكتاب المنعوت بغاية الكمال حيث لا رَيْبَ فِيهِ- وكذا قوله هُدىً لِلْمُتَّقِينَ- قرا ابن كثير فيه بالإشباع في الوصل وكذلك كل هاء ضمير الغائب قبلها ساكن يشبعها وصلا بالياء ان كان الساكن ياء والا بالواو نحو منه كما يشبع القراء كلهم كل هاء قبلها متحرك مكسور ياء نحو به او غير مكسور واوا نحو يضربه له ما لم يلقها ساكن فاذا لقيها ساكن سقط مدة الإشباع لاجتماع الساكنين اجماعا- نحو عليه الكتب وله الحكم غير ان الكلمة إذا كانت ناقصة حذف آخرها لاجل الجزم نحو يؤدّه ونولّه- ونصله- فالقه- ويتّقه- ويأته- ويرضه وبقي ما قبل الهاء متحركا ففيها خلاف القراء نذكرها في مواضعها ان شاء الله تعالى فقرا بعضهم بالإشباع نظرا الى تحرك ما قبلها وبعضهم بالاختلاس نظرا الى كون الحركة عارضية وتنبيها على الحرف المحذوف وبعضهم بالسكون لحلوله محل المحذوف هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) اى هو هدى فهو جملة ثالثة يؤكد كونه حقا لا ريب فيه- او يكون كل جملة منها يستتبع السابقة اللاحقة استتباع الدليل للمدلول فانه لما كان بالغا حد الكمال

[سورة البقرة (2) : آية 3]

لا يسوغ فيه الريب فيكون البتة هدى- وهدى مصدر بمعنى الدلالة على الطريق الموصل او الدلالة الموصلة الى المقصود بمعنى الهادي- او ذكر مبالغة كزيد عدل- وتخصيص الهدى بالمتقين اما على المعنى الاول فلانهم هم المنتفعون به وان كانت الدلالة عامة ولذا قال- هُدىً لِلنَّاسِ- واما على الثاني فظاهر لانه لا يكون دلالة موصلة الا لمن صقل عقله كالغذاء الصالح ينفع الصحيح دون المريض ولذا قال- شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً- والمتقى من يقى نفسه عما يضره في الاخرة من الشرك وذلك أدناه- ومن المعاصي وذلك أوسطه- ومن الاشتغال بما لا يعينه ويشغله عن ذكر الله تعالى وذلك أعلاه وهو المراد بقوله تعالى- حَقَّ تُقاتِهِ- وقال ابن عمر التقوى ان لا ترى نفسك خيرا من أحد- وقال شهر بن حوشب- المتقى الذي يترك ما لا بأس به- حذرا عما به بأس- روى الشيخان وابن عدى عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك ان يواقعه- الا وان لكل ملك حمى الا وان حمى الله في ارضه محارمه الا وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسدت الجسد كله الا وهى القلب- وروى الطبراني في الصغير الحلال بين والحرام بين فدع ما يريبك الى ما لا يريبك- قلت صلاح القلب المذكور في الحديث هو المعبّر باصطلاح الصوفية بفناء القلب وهو أول مراتب الولاية وهو المستلزم لصلاح الجسد والاتقاء عن المشتبهات حذرا من ارتكاب المحرمات- فالتقوى لازم للولاية قال الله تعالى- إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وفي الاية سمى المشارف للتقوى متقيا مجازا على طريقة من قتل قتيلا-. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ- صفة مقيدة للمتقين ان فسر بالتقوى عن الشرك والا فموضحة مشتملة على اصول الأعمال من الايمان فانه رأس الأمر كله- والصلاة فانها عماد الدين- والزكوة فانها قنطرة الإسلام او مادحة- او مبتدأ وخبره أُولئِكَ عَلى هُدىً- قرا ابو جعفر وابو عمرو وورش يومنون بالواو بدلا عن الهمزة- وكذلك ابو جعفر يترك كل همزة ساكنة ويبدلها واوا بعد ضمة- وياء بعد كسرة الا في انبئهم- ونبّئهم- ونبّئنا- وابو عمرو كلها الا ما كان السكون فيه للجزم نحو يهيّئ او يكون فيه خروج من لغة الى لغة كالمؤصدة- ورءيا-

وورش كل همزة ساكنة في فاء الفعل الا تؤى- وتؤويه- ولا يترك الهمزة في عين الفعل الا باب الرّؤيا وما كان على وزن فعل مسكور العين- والايمان في اللغة التصديق كما في قوله تعالى وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا- وذلك يكون بالقلب واللسان وفي الشرع التصديق بالقلب واللسان جميعا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وعلم قطعا- ولا يعتبر التصديق بالقلب بدون اللسان الا في حالة الإكراه- قال الله تعالى وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ- وقال يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ- وقال إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ- ولا يعتبر التصديق باللسان بدون القلب أصلا قال الله تعالى- وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ- واما الأعمال فغير داخلة في الايمان ولذا صح عطف يُقِيمُونَ الصَّلاةَ على يُؤْمِنُونَ وعطف آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ- روى مسلم في الصحيح عن عمر بن الخطاب قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسند ركبتيه الى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام- قال الإسلام ان تشهد ان لا الله الا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكوة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت اليه سبيلا- قال صدقت فعجبنا له يسئله- ويصدقه- قال أخبرني عن الايمان- قال ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وتؤمن بالقدر خيره وشره- قال صدقت قال فاخبرنى عن الإحسان- قال ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك- قال فاخبرنى عن الساعة- قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل- قال فاخبرنى عن اماراتها- قال ان تلد الامة ربتها- وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان- قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لى يا عمر أتدري من السائل- قلت الله ورسوله اعلم- قال فانه جبرئيل أتاكم يعلمكم دينكم- ورواه ابو هريرة مع اختلاف وفيه- إذا رايت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض في خمس لا يعلمهن الا الله ثم قرا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ الاية- متفق عليه وهذا الحديث تدل على ان الإسلام اسم لما ظهر من الأعمال- وكذا قوله تعالى- قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا- ويطلق الإسلام ايضا على الايمان

[سورة البقرة (2) : آية 4]

كما في قوله تعالى قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ فهو في اصطلاح الشرع مشترك فى المعنيين- والغيب مصدر وصف به للمبالغة كالشهادة قال الله تعالى عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ والمراد به ما غاب عن أبصارهم من ذات الله وصفاته والملائكة والبعث والجنة والنار والصراط والميزان وعذاب القبر وغير ذلك فهو واقع موقع المفعول به للايمان والباء صلة- او بمعنى الفاعل وقع حالا من فاعل يؤمنون يعنى يؤمنون غائبين عنكم لا كالمنافقين في حضور المؤمنين خاصة دون الغيبة وقيل عن المؤمن به- روى عن ابن مسعود انه قال ان امر محمد صلى الله عليه وسلم كان بيّنا لمن راه والذي لا الله غيره ما من أحد قط أفضل ايمانا من ايمان بغيب ثم قرا الم ذلِكَ الْكِتابُ الى قوله الْمُفْلِحُونَ- وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ اى يحافظون على حدودها وشرائطها وأركانها وصفاتها الظاهرة من السنن والآداب والباطنة من الخشوع والإقبال- من اقام العود إذا قومه- او يديمونها ويواظبون عليها- من قامت السوق إذا نفقت وأقمتها إذا جعلتها نافقة والصلاة أصله الدعاء وسميت بها لاشتمالها عليه قرا ورش بتغليظ اللام إذا تحرك بالفتح بعد الصاد- او الطاء- والظاء- نحو الصّلوة- ومصلّى- وأظلم- والطّلاق- ومعطّلة- وبطل- ونحو ذلك وقرا الباقون بالترقيق الا في لفظه الله خاصة إذا انفتح او انضم ما قبله فيفخمونه «1» أجمعون- وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) الرزق في اللغة الحظ قال الله تعالى وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ- ويطلق على كل ما ينتفع به الحيوان والانفاق في الأصل الإخراج عن اليد والملك ومنه نفاق السوق حيث يخرج فيه السلعة والمراد به صرف المال في سبيل الخير هذه الاية في المؤمنين من مشركى العرب-. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعنى القران وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ من التورية والإنجيل وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- هم المؤمنون من اهل الكتاب- كذا اخرج ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما- فعلى هذا الآيتان تفصيل للمتقين- او المراد بهم هم الأولون من قبيل قوله شعر الى الملك القوم وابن الهمام- وليت الكتيبة في المزدحم- على معنى انهم الجامعون بين الايمان بما يدركه العقل جملة وإتيان الشرائع وبين الايمان بما لا طريق اليه غير السمع او من قبيل عطف الخاص على العام

_ (1) فى الأصل فيفخمون 12

كقوله تعالى تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ- تعظيما لشأنهم- روى الشيخان عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثة لهم أجران رجل من اهل الكتاب أمن بنبيه وأمن بمحمد الحديث- والانزال نقل الشيء من الأعلى الى الأسفل ويلحق المعاني بتوسط لحوقه الذوات الحاملة لها كجبرئيل- او المراد العلو والسفل في الرتبة انزل من علم الله تعالى الى علم البشر يقصر ابو جعفر وابن كثير ويعقوب والسوسي كل مد وقع بين كلمتين وقالون والدوري يمد ويقصر والباقون بمدونها ولذا سمى هذا المد المنفصل مدا جائزا بخلاف المتصل الواقع في كلمة واحدة نحو السّماء فانهم اتفقوا على مده فيسمى واجبا لكنهم اختلفوا في مقدار المتصل والمنفصل فابن كثير وابو عمرو وقالون يمدون على قدر ثلث حركات وابن عامر والكسائي على قدر اربع حركات وعاصم على قدر خمس حركات وورش وحمزه على قدر ست حركات هذا في المد الذي يقع بعد المدة همزه- اما إذا وقع بعده ساكن نحو وَلَا الضَّالِّينَ والم فجميع القراء اتفقوا على مده على قدر ست حركات ويسمى مدا لازما- الا إذا كان الساكن لعارض الوقف فاتفقوا على ان القاري مخير في مده على قدر حركتين او اربع حركات اوست حركات وفيما كان الساكن في الأصل مضموما نحو نَسْتَعِينُ يمدونها الى سبع «1» حركات- والله اعلم- وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) اى بالدار الاخرة سميت الدنيا لدنوّها- والاخرة لتاخرها فهما صفتان في الأصل غلبتهما الاسمية فصارا اسمين- والإيقان إتقان العلم بنفي الشك عنه نظرا واستدلالا- فلا يسمى الله موقنا- قرا ورش بنقل حركت الهمزة الى اللام وحذف الهمزة وكذلك كل ما وقع الهمزة أول كلمة- والسابق عليه حرف ساكن غير مدولين من اخر كلمة اخرى فانه يلقى حركت الهمزة على الساكن قبلها ويحذفها سواء كان الساكن نون تنوين او لام تعريف او غير ذلك نحو مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا- ومُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا- وكُفُواً أَحَدٌ- وبِالْآخِرَةِ الْأَرْضِ- الْأُولى - واستثنى اصحاب يعقوب عن ورش من ذلك كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ- واختلفوا فى الْآنَ في موضعين وعاداً الْأُولى - ثم ورش يمد مدّا قصيرا ومتوسط او طويلا على هذه المدة- وكذا على كل مدة وقع بعد الهمزة سواء كانت الهمزة ثابتة نحو أمن- وأوحى- وإيمانا- او محذوفة بعد نقل الحركة نحو بالاخرة- وقل اوحى- ومن أمن او مبدلة نحو هؤلاء الهة فقرا ورش هؤلاء يالهة بالابدال والمد او مسهلة نحو جاء ال- الا ياء إسرائيل تحرزا عن ثلث مدات في

_ (1) لا فرق عند القراء في المضموم وغيرها 12 ابو محمد عفا الله عنه

[سورة البقرة (2) : آية 5]

بنى إسرائيل- وبعضهم لا يرون لورش المد الا في الثابتة- وقرا حمزة من رواية خلف بالسكتة على اللام وكذا على كل ساكن غير مدة وقع اخر الكلمة وبعده همزة يسكت عليه سكتة لطيفة من غير قطع نحو من أمن- وهل اتيك- وعليهم ءانذرتهم ابني آدم وخلوا الى شيطينهم- الاخرة- الأرض- وعنه السكتة على لام التعريف وشىء وشيئا لا غير- وقدم الضمير للحصر اى هم الموقنون بالاخرة دون غيرهم من اهل الكتاب لعدم مطابقة اعتقادهم الواقع حيث قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ونحو ذلك-. أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ- الجملة في محل الرفع ان جعل أحد الموصولين منفصلا عن المتقين كانه نتيجة للاحكام بالصفات المذكورة فان اسم الاشارة كاعادة الموصوف بصفاته- ففيه إيذان بان تلك الصفات موجبة لهذا الحكم- وفي كلمة على إيذان على تمكنهم وو استقرارهم على الهداية- ونكر هدى للتعظيم وأكّد التعظيم بان الله معطيه وموفقه وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) اى الفائزون بالمطلوب هذا اللفظ وما يشاركه في الفاء والعين من فلق وفلذ وفلى يدل على الشق والقطع كانّ المفلح انشق من غيره وصار بينهما بون بعيد- او صاروا مقطوعا لهم بالخير في الدنيا والاخرة كرر اسم الاشارة تنبيها على ان اتصافهم بتلك الصفاة يقتضى كل واحدة من الاثرتين ووسط العاطف لاختلاف مفهوم الجملتين بخلاف قوله أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ- أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ- وهم ضمير يفصل الخبر عن الصفة ويؤكد النسبة ويفيد الاختصاص- او مبتدأ والمفلحون خبره والجملة خبر أولئك- وتمسك المعتزلة بان الحصر تدل على خلود مرتكب الكبيرة في النار- ورد بان المراد المفلحون الكاملون في الفلاح ويلزم منه عدم كمال الفلاح لمن ليس مثلهم لا عدم الفلاح مطلقا- ثم لما ورد ذكر خاصة- عباد الله وأوليائه في ضمن ذكر الكتاب او مستقلا ان جعل الموصول منفصلا عن المتقين- عقبهم أضدادهم المردة ولم يعطف لاختلاف السياق-. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا- الكفر لغة ستر النعمة وفي الشرع ضد الايمان وستر نعمة الله- سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ- خبران- وسوآء اسم بمعنى الاستواء نعت به كما ينعت بالمصادر- وما بعده مرفوع على الفاعلية كانه قيل مستو عليهم إنذارك وعدمه-

[سورة البقرة (2) : آية 7]

او خبر لما بعده بمعنى انه إنذارك وعدمه سيان عليهم- والفعل وقع مخبرا عنه باعتبار المعنى التضمني اى الحدث مجازا- وانما عدل عن المصدر الى الفعل لايهام التجدد- والهمزة وأم جردتا عن معنى الاستفهام وذكر التقرير معنى الاستواء وتأكيده- والانذار التخويف من عذاب الله واقتصر عليه لان دفع الضرر أهم من جلب النفع- قرا ورش بابدال الهمزة الثانية الفا- وقالون وابن كثير وابو عمرو يسهّلون الثانية بين بين لكن قالون يدخل الفا بينهما مع التسهيل- وهشام يدخل الفا بينهما من غير تسهيل- والباقون يحققون الهمزتين من غير إدخال- وكذلك المقال في كل همزتين مفتوحتين في كلمة واحدة- وذكر في التيسير مذهب هشام كقالون- واما إذا اختلفتا بالفتح والكسر فى كلمة نحواء ذا كنّا ترابا فالحرميان وابو عمرو يسهلون الثانية وقالون وابو عمرو يدخلان قبلها الفا والباقون يحققون الهمزتين واختلف الرواية عن هشام في إدخال الالف بينهما ففى رواية يدخل مطلقا- وفي رواية لا الا في سبعة مواضع- أإنّكم في الأعراف وفصلت أإنّ لنا لاجرا في الأعراف والشعراء- وفي مريم أَإِذا ما مِتُّ- وفي الصّافّات أَإِنَّكَ وأَ إِفْكاً- وإذا اختلفتا بالفتح والضم فى كلمة فالحرميان وابو عمرو يسهلون الثانية- وقالون يدخل بينهما الفا- وهشام كقالون في ص أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ وفي القمر أَأُلْقِيَ- وكالجمهور في ال عمران قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ والباقون يحققون ولا رابع لها- لا يُؤْمِنُونَ (6) جملة مفسرة لاجمال ما قبلها فيما فيه الاستواء فلا محل لها او حال مؤكدة او بدل عنه- او خبر انّ والجملة قبلها اعتراض بما هو علة الحكم-. خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ- فلا تعى خيرا- والقلب هو المضغة وقد يطلق على المعرفة والعقل قال الله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ- اعلم ان الله تعالى خالق الأشياء كلها اعراضها وجواهرها- والأسباب اسباب عادية يخلق الله تعالى عقيبها المسببات فالله سبحانه بعد استعمال الحواس من السمع والبصر وغيرهما يخلق علما بالمحسوسات وبعد استعمال الذهن فى ترتيب المقدمتين يخلق علما بالنتيجة جريا على عادته- ولو شاء لا يخلق ويتعطل الحواس ويتخبظ الذهن- ولو شاء يحصل العلم بالمحسوس ولا يفيد ذلك العلم اثرا في القلب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء- ثم قال اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك- رواه مسلم عن

عبد الله بن عمرو- فالله سبحانه لمّا لم يردان يطهر قلوب الكفار صرفهم عن التفكر في الآيات ولم يخلق فى قلوبهم تأثرا بالايمان واليقين بعد رؤية الآيات والمعجزات وعبر عن ذلك وعن عدم التأثر بالختم- والطبع- والاغفال- والاقساء- والغشاوة مجازا- او مثل قلوبهم ومشاعرهم بأشياء ضرب عليها الحجاب- او يقال ان المراد بالختم ما يخلق الله تعالى من السواد على القلوب باقتراف المعاصي- روى البغوي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فان تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها وان زاد زادت حتى تعلو قلبه- فذلكم الرين الذي ذكر الله في كتابه كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ- قلت وسواد القلب المذكور هو المعبر فيما مر من الحديث بفساد القلب- حيث قال وإذا فسدت فسدت الجسد وهو ضد صلاح القلب ولما كان حال ذنب المؤمن كذلك فما بال الكافر- وعبر عن احداث هذه الهيئة بالطبع- والاغفال والاقساء ونحوها- والختم في اللغة الكتم- سمى به الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه لانه كتم له- والبلوغ آخره سمى به نظرا الى انه اخر فعل يفعل في إحرازه- وَعَلى سَمْعِهِمْ- اى أسماعهم وحده للامن عن اللبس واعتبار الأصل فانه مصدر في أصله والمصادر لا يجمع- معطوف على قلوبهم لقوله تعالى وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً- ولمّا كان درك السمع والقلب من جميع الجهات جعل مانعهما من جنس واحد وهو الختم بخلاف البصر فانه مختص بالمقابلة فجعل مانعها الغشاوة المختصة بجهة المقابلة- وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ- جمع بصر وهو ادراك العين وقد يطلق مجازا على القوة الباصرة وعلى العضو وكذا السمع امال ابو عمرو والدوري عن الكسائي كل الف بعده راء مجرور في لام الفعل نحو وعلى أبصارهم وصلا ووقفا وكذا اثارهم- والنّار- والغار- وبقنطار- وبدينار- والأبرار- وشبهه وتابعهما ابو الحارث فيما تكررت فيه الراء من ذلك نحو الأشرار- الأبرار- وقرا ورش كل ذلك بين بين وتابعه حمزة فيما كان الراء فيه مكررا وعلى قوله القهّار حيث وقع ودار البوار لا غير- وامال ابن ذكوان الى حمارك والحمار في البقرة والجمعة لا غير- والغشاوة ما يشتمل على الشيء فيغطيه مرفوع على انه مبتدأ او فاعل للظرف وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7) فى الاخرة والعذاب من أعذب الشيء إذا امسك اى عقابا يمنع الجاني عن المعاودة ثم اتسع فاطلق على كل الم وان لم يكن عقابا مانعا

[سورة البقرة (2) : آية 8]

وقيل من التعذيب بمعنى ازالة العذب- والعظيم ضد الحقير يعنى إذا قيس مع ما يجانسه قصر عنه جميعه-. وَمِنَ النَّاسِ روى عن ابى عمرو امالة فتح النّاس في موضع الجر حيث وقع بخلاف عنه وصلا ووقفا مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ اى بيوم القيامة نزلت في المنافقين عبد الله بن ابى بن سلول- ومعتب بن قشير- وجدّ بن قيس وأصحابهم وأكثرهم من اليهود- والناس أصله أناس فحذفت الهمزة وعوض عنها حرف التعريف ولذا لا يجمع بينهما- جمع انسان- وقيل اسم جمع إذ لم يثبت فعال من ابنية الجمع- مشتق من انس لانهم يستأنسون بينهم- او انس لانهم ظاهرون مبصرون- كما سمّى الجنّ لاجتنانهم واللام فيه للجنس ومن موصوفة إذ لا عهد- وقيل للعهد والمعهود هم الذين كفروا- او من موصولة أريد بها ابن ابى وأمثاله حيث دخلوا في الكفار المختوم على قلوبهم واختصوا بزيادة الخداع- وتخصيص الذكر بالايمان بالله واليوم الاخر لما هو مقصود الأعظم من الايمان وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) انكار لما ادعوه وكان أصله وما أمنوا حتى يطابق قولهم في تصريح الفعل دون الفاعل لكنه عكس مبالغة في التكذيب لان إخراجهم من المؤمنين ابلغ من نفى الايمان في ماضى الزمان ولذلك أكد النفي بالباء. يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا- الخدع ان توهم غيرك خلاف ما تخفيه من المكروه- من قولهم خدع الضب إذا توارى في حجره وأصله الإخفاء- وخداعهم مع الله اى مع رسوله بحذف المضاف- او من حيث ان معاملتهم مع الرسول معاملتهم مع الله من حيث انه خليفته قال عز وجل- مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ- وقال عز من قائل- الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ- وهو بمعنى يخدعون وصيغة المفاعلة للمبالغة فان الفعل مع المقابل ابلغ او ان صورة صنيعهم مع الله من اظهار الايمان مع ابطان الكفر وصنع الله معهم بإجراء احكام الإسلام عليهم مع انهم أخبث الكفار وامتثال الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين امر الله في إخفاء حالهم واجراء احكام الإسلام عليهم صورت صنيع المتخادعين وهو بيان ليقول او استيناف بذكر ما هو الغرض منه- وَما يَخْدَعُونَ- قراءة الحرميين وابى عمرو وما يخادعون إِلَّا أَنْفُسَهُمْ فانه لا يخفى على الله خافية- وهو يطلع نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فهم غروا أنفسهم حيث

[سورة البقرة (2) : آية 10]

او هموا أنفسهم انهم أمنوا من العذاب والفضيحة فضرر خداعهم راجع إليهم دون غيرهم- وَما يَشْعُرُونَ (9) اى لا يحسّون لتمادى غفلتهم- الشعور الاحساس بالمشاعر الى الحواس جعل رجوع الضرر إليهم كالمحسوس الذي لا يخفى الا على ماؤف الحواس. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ- لا المرض ما يعرض البدن فيخرجه عن الاعتدال ويضعفه ويفضيه الى الهلاك- ويطلق على الاعراض النفسانية من الجهل والحسد والكفر وسوء العقيدة مجازا فانه مانع من نيل الفضائل ومفضى الى الهلاك الابدى- وهم كانوا على أخبث الاعراض النفسانية وكانوا ايضا متالمين على فوت الرياسة واستعلاء شأن المحسودين من المؤمنين فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً بتقوية تلك الاعراض الخبيثة بالختم والرين- وإنزال الآيات- فكلما كفروا باية ازدادوا كفرا- او نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفضيحهم- قرا حمزة بامالة زاد وكذا جاء وشاء- وران- وخاف- وخاب- وطاب- وحاق- حيث «1» وقع وزاغ- فى والنجم وزاغوا في الصف لا غير- سواء اتصلت هذه الافعال بضمير اولا إذا كانت ثلاثية ماضية وتابعه ابن ذكوان على امالة جاء وشاء حيث وقعا وزاد هاهنا خاصة وقيل حيث وقع وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (5) اى مولم وصف به العذاب مبالغة بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) ما مصدرية- قرأ الكوفيون بالتخفيف اى بكذبهم في قولهم امنّا- والباقون بالتشديد اى بتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم في السّرّ-. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ- الفساد ضد الصلاح يعمان كل ضار ونافع- وفسادهم في الأرض هيجان الحروب بمخادعة المسلمين وممالاة الكفار عليهم بإفشاء الاسرار وتعويق الناس عن الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقران- قرأ الكسائي وهشام- قيل- وغيض- وجىء- وحيل- وسيق- وسيئت وسىء بالاشمام ووافق ابن عامر في الأربع الاخيرة ووافق نافع في الأخيرين- والمراد بالاشمام هاهنا ان ينحا بكسر فائها نحو الضمة واليا نحو الواو- وقيل بضم الفاء مشبعة- وقيل مختلسا- وقيل بل ايماء بالشفتين الى ضمة مقدرة مع اخلاص الكسرة- والاول أصح والباقون بالكسرة قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) وهم كاذبون ردّ للناصح على سبيل المبالغة بكلمة انما او قالوا ذلك فيما بينهم تصور والفساد بصورة الصلاح لما زين لهم سوء أعمالهم. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ

_ (1) ضاق ايضا منهم- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة البقرة (2) : آية 13]

لا يَشْعُرُونَ (12) ردّ لما ادعوه ابلغ ردّ كما ادّعوه لانفسهم مع تعريض للمؤمنين بأبلغ الوجوه بالاستيناف وحرف التنبيه المفيدة للتحقيق وكلمة ان وتعريف الخبر وضمير الفصل والاستدراك بلا يشعرون. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ يعنى المهاجرين والأنصار- او من أمن من اليهود كعبد الله بن «1» سلام- هذا من تمام النصح- فان الاعراض عن الفساد والإتيان بشرائع الايمان كمال الإنسان- وكما أمن الناس في محل النصب على المصدرية وما مصدرية او كافة كما في ربّما قالُوا فيما بينهم أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ والسفه خفة العقل وضده الحلم- وقيل السفيه من تعمد بالكذب- وانما سفهوهم اعتقادا لفساد رأيهم او تحقيرا لشأنهم أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ فانهم مع ما كانوا يرون من المعجزات ويعرفون من التورية أهملوا عقولهم وأنكروا الرسول صلى الله عليه وسلم فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ وفيه رد ومبالغة كما سبق- قرأ الحرميان وابو عمرو السّفهاء الا في الوصل خاصة بتسهيل الهمزة الثانية- وكذا كل ما اجتمعا في كلمتين واختلف حركتهما نحو من الماء او ممّا- وشهداء إذ حضر- ومن يشآء الى صراط- وجاء امّة وحكم التسهيل ان يجعل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها ما لم ينفتح وينكسر ما قبلها او ينضم فانها تبدل مع الكسرة ياء مفتوحة وو مع الضمة واو مفتوحة والمكسورة المضموم ما قبلها تبدل واوا مكسورة والباقون يحققونهما وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) انما ذكر هاهنا لا يعلمون وفيما قبله لا يشعرون لان الوقوف على امور الدين يحتاج الى فكر واما الفساد فيدرك بالحس وادنى التفات-. وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا كايمانكم بيان لمعاملتهم مع المؤمنين والكفار وما صدرت به القصة سبق لبيان مذهبهم وتمهيد نفاقهم وَإِذا خَلَوْا من خلوت بفلان واليه إذا انفردت معه- او من خلاك دم اى عداك ومنه القرون الخالية إِلى شَياطِينِهِمْ اى روسائهم قال ابن عباس- وهم خمسة نفر من اليهود كعب بن اشرف بالمدينة- وابو بردة في بنى اسلم وعبد الدار في جهينة- وعوف بن عامر في بنى اسد- وعبد الله بن السوداء بالشام- والشيطان المتمرد العاتي من الجن والانس قال الله تعالى شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وقال مِنَ الْجِنَّةِ

_ (1) وعن ابن عباس- كما أمن ابو بكر وعمر وعثمان وعلى- منه نور الله مرقده

[سورة البقرة (2) : آية 15]

وَالنَّاسِ- او المراد الكهنة ولا يكون كاهن الا ومعه الشيطان تابع له والشيطان- مشتق من شطن اى بعد يقال بيرشطون اى بعيد العمق سمى لامتداده في الشر وبعده من الخير- او من شاط اى بطل ومن أسمائه الباطل- وحينئذ النون زائدة قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ فى الدين والاعتقاد خاطبهم بالجملة الاسمية المؤكدة بان للدلالة على تحقيق ثباتهم على ما كانوا إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) تأكيد لما قبله لان المستهزئ بالشيء المستخف به مصر على خلافه- او بدل منه لانه من حقّر الإسلام فقد عظّم الكفر- او استيناف كانّ الشياطين قالوا لهم لما قالوا انّا معكم ان صح ذلك فما لكم تدعون الايمان فاجابوا- والاستهزاء السخرية والاستخفاف- هزأت واستهزأت كاجبت واستجبت بمعنى وأصله الخفة ناقة تهزئ اى تسرع قرا ابو جعفر مستهزون- ويستهزون- واستهزوا- وليطفوا ليواطوا- ويستنبؤنك وخطون- وخاطين- ومتّكون- ومتّكين- فمالون- والمنشون- بترك الهمزة فيهن. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ اى يجازيهم على استهزائهم سمى الجزاء به للمقابلة قال البغوي قال ابن عباس- هو ان يفتح لهم باب من الجنة فاذا انتهوا اليه سد عنهم وردوا الى النار- وقيل هو ان يجعل للمؤمنين نور يمشون به على الصراط فاذا وصل المنافقون اليه حيل بينهم وبين المؤمنين قال الله تعالى فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ الاية- قال الحسن- معناه ان الله يظهر على المؤمنين نفاقهم انتهى- واخرج ابن ابى الدنيا في كتاب الصمت عن الحسن- ان المستهزءين بالناس يفتح لاحدهم باب الى الجنة فيقال هلم هلم فيجىء فاذا أتاه غلق دونه فما يزال كذلك الحديث- وهذا مرسل جيد وانّما استونف ولم يعطف ليدل على ان الله تعالى كاف في مجازاتهم لا حاجة للمومنين ان يعارضوهم ولم يقل الله مستهزئ بهم لتجدد الاستهزاء بهم حينا بعد حين- أَوَلا يَرَوْنَ «1» أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ- وَيَمُدُّهُمْ يتركهم ويمهلهم- من مدّ الجيش إذا زاده وقوّاه أصله الزيادة- والمد والامداد واحد غير ان المد كثير امّا يستعمل في الشر والامداد في الخير كما في أمددناكم باموال وبنين- فِي طُغْيانِهِمْ- اى تجاوز الحد في العصيان والكفر- أماله الكسائي حيث وقع- يَعْمَهُونَ (15) يترددون- العمه في البصيرة كالعمى في البصر. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا استبدلوا الضَّلالَةَ- الكفر- بِالْهُدى بالايمان- فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ

_ (1) فى القرآن أفلا ترون المؤلف عفا الله عنه.

[سورة البقرة (2) : آية 17]

التجارة طلب الربح اى الفضل على رأس المال بالبيع والشراء- وأسند الربح إليها مجازا لتلبسها بالفاعل او لانها سبب الريح كالفاعل وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) بالتجارة إذ المقصود من التجارة حصول الربح مع سلامة رأس المال- وهم ضيعوا رأس المال وهى الفطرة وما حصلوا الفضل بإدراك الحق ونيل الكمال-. مَثَلُهُمْ- المثل- والمثل- والمثيل- بمعنى النظير- ثم قيل للقول السائر الممثل مضربة بمورده ولا يضرب الا ما فيه غرابة ثم استعير لكل حال غريب اى حالهم الغريب كَمَثَلِ الَّذِي اى الذين كما في قوله وخضتم كالّذى خاضوا وانما جاز ذلك دون القائم مقام القائمين لانه غير مقصود بالوصف بل الجملة التي هى صلة- ولانه ليس باسم تام بل كالجزء منه وحقه ان لا يجمع وليس الذين جمعه بل ذو زيادة تدلّ على زيادة المعنى ولذا جاء بالياء ابدا- اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ النار- ما حَوْلَهُ اى المستوقد- ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ جواب لمّا ولم يقل بنارهم لان النور هو المقصود- واسناد الفعل الى الله لان الكل بفعله- او لان الإطفاء حصل بسبب خفى- او سماوى- او للمبالغة- او الجواب محذوف للايجاز وعدم الالتباس كما في قوله تعالى- فَلَمَّا «1» ذَهَبُوا بِهِ- والجملة استيناف جواب سائل يقول ما بالهم شبّههم «2» - بحال من استوقد فانطفت ناره- او بدل من جملة التمثيل على سبيل البيان والضمير على هذين الوجهين للمنافقين- وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) ذكر الظلمة وجمعها ونكرها ووصفها بانه لا يتراى فيها شىء للمبالغة في بيان شدته كانها ظلمات متراكمة- ولما تضمن ترك معنى صير جرى مجرى افعال القلوب- وترك مفعول لا يبصرون- كانّ الفعل غير متعد بمعنى لا يقع منهم الابصار- والاية مثل ضربه الله لمن أتاه ضربا من الهدى فاضاعه ولم يتوصل به الى نعيم الابد فبقى متحيرا متحسرا تقريرا وتوضيحا لما تضمنته الاية الاولى- فانهم أضاعوا ما نطقت به ألسنتهم من الحق باستبطان الكفر- او مثل لايمانهم من حيث انه يعود عليهم بحقن الدماء والأموال ومشاركة المسلمين في المغانم- والاحكام بالنار ولذهاب اثره باهلاكهم في الاخرة او افشاء حالهم في الدنيا بإطفاء الله إياه. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ اى هم صم بكم عمى- يعنى الّذى استوقد نارا- لما ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات

_ (1) فى الأصل ولمّا 12 (2) فى الأصل شبّهتهم 12

[سورة البقرة (2) : آية 19]

ادهشتهم واختلت حواسهم فالكلام على الحقيقة- وان كان ضمير بنورهم راجعا الى المنافقين فالمعنى انهم لما لم يصيخوا الى الحق وأبوان ينطقوا به وان يتبصّروا الآيات ويتفكّروا فيه صاروا كانهم انتفت مشاعرهم وقواهم- وإطلاقها عليهم من قبيل التمثيل دون الاستعارة- لان المستعار له يعنى كلمة هم وان كان محذوفا لفظا لكنه منطوق حكما ففات شرط الاستعارة- والاية نتيجة التمثيل. فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) اى هم متحيرون فلا يدرون كيف يرجعون الى حيث ابتدءوا منه- او انهم لا يعودون عن الضلالة الى الهدى الذي ضيعوه. أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ- اى كاصحاب صيب وهو فيعل من الصوب بمعنى النزول يقال للمطر لنزوله وفيه مبالغة- فان الصوب فرط الانسكاب والصيغة للمبالغة والتنكير للتفخيم- وكلمة او للتساوى في الشك ثم اتسع فيها فاطلق للتساوى من غير شك يعنى التشبيه بالقصتين سواء- فانت مخير في التشبيه بايتهما شئت- كما قيل أنت مخير في خصال الكفارة- وتعريف السماء للدلالة على ان الغمام مطبق بافاق السماء كلها فان كل أفق منها يسمى سماء وقيل معناه السحاب فان ما علاك سماء- واللام لتعريف الجنس لكن الظواهر دالة على ان المطر من السماء قال الله تعالى- وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً- وقال- مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ- واخرج ابن حبان عن الحسن- انه سئل عن المطر من السماء أم من السحاب قال من السماء انما السحاب علم- واخرج ابن ابى حاتم وابو الشيخ عن خالد بن معدان قال- المطر يخرج من تحت العرش فينزل من سماء الى سماء حتى يجتمع في سماء الدنيا- فيجتمع في موضع يقال له الأثرم فيجىء السحاب السود فيدخله فيشربه فيسوقه الله حيث شاء- واخرجا عن عكرمة قال ينزل المطر من السماء السابعة- فِيهِ اى الصيب او السماء- والسماء يذكر ويؤنث قال الله تعالى- السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ- وانْفَطَرَتْ- ظُلُماتٍ ظلمة تتابع القطر والسحاب والليل- وَرَعْدٌ وهو الصوت الذي يسمع منه- وَبَرْقٌ وهو النار التي تخرج منه وهما مصدران ولذلك لم يجمعا- قال على- وابن عباس واكثر المفسرين الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نار يزجر به الملك السحاب- وقيل الصوت زجر السحاب وقيل تسبيح الملك- قال مجاهد الرعد اسم الملك ويقال لصوته- وجعل المطر مكانا للرعد والبرق لانهما في منحدره- وارتفاعهما بالظرف- يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ الضمير راجع الى اصحاب صيب فانه

[سورة البقرة (2) : آية 20]

منوى معنى- امال الكسائي آذانهم- وآذاننا- وطغيانهم حيث وقع- واطلق الأصابع موضع الأنامل مبالغة والجملة استيناف كانه قيل كيف حالهم مع ذلك الشدة مِنَ أجل الصَّواعِقِ متعلق بيجعلون- والصعق شدة الصوت بحيث يموت من يسمعها او يغشى عليه- ويطلق على الموت والغشي الحاصل بها- قال الله تعالى- فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ- والصواعق جمع صاعقة والتاء للمبالغة- او مصدرية- ويقال لكل عذاب مهلك صاعقة- والمراد به هاهنا قصفة رعد هائل مع نار لا تمر بشىء الا أهلكته- او المراد به الرعد حَذَرَ الْمَوْتِ مفعول له ليجعلون- وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به- ولا يخلصون من عذابه بالخداع- يميل ابو عمرو والكسائي في رواية الدوري فتحة الكاف من الكفرين إذا كان بعد الراء ياء حيث وقع وقرا ورش ذلك بين بين. يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ استيناف كانه قيل ما حالهم مع تلك الصواعق- وكاد لمقاربة الخبر من الوجود لعروض سببه لكنه لم يوجد لفقد شرط او مانع فهى خبر محض بخلاف عسى فانه رجاء وإنشاء- والخطف الاستلاب بسرعة كُلَّما تدل على التكرار أَضاءَ لَهُمْ لازم بمعنى لمع- او المفعول محذوف اى نور لهم ممشى مَشَوْا فِيهِ لحرصهم على المشي دون الوقوف ولذلك ذكر كلما مع الاضاءة دون الاظلام- وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وقفوا- واظلم ايضا جاء لازما ومتعديا- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ان يذهب بسمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق- حذف لدلالة الجواب لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ فان الرعد والبرق وان كانا في الظاهر سببين لذهاب السمع والبصر لكن تأثير الأسباب كلها في الحقيقة بمشية الله تعالى- فالسبب الحقيقي هو المشية والجواهر والاعراض وافعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى- مرتبطة بمشيته إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) تصريح وتقرير لما سبق والشيء مصدر شاء يطلق بمعنى الفاعل اى الشاءى- ... فيتناول الباري تعالى قال الله تعالى- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ- وبمعنى المفعول اى الشيء وجوده وهو الممكن ومنه قوله تعالى- خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ- فهو على عمومه- وحمزه يسكت على الياء من شىء وشيئا في الوصل خاصة- والقدرة التمكن من إيجاد الشيء- والقادر هو الذي ان شاء فعل وان شاء لم يفعل «1» وفي القدير مبالغة- قلما يوصف به غير الباري تعالى-

_ (1) الاول وان لم يشأ لم يفعل لان عدم الفعل ليس لاجل المشية بل عدم المشية كاف فيه- منه رحمه الله

تمثيل لحال المنافقين من الحيرة والشدة بحال من أخذته السماء في ليلة مظلمة مع رعد قاصف وبرق خاطف وخوف من الصواعق- او يقال شبّه المنافقين باصحاب الصيب- والدين القويم والقران بالصيب- وقال- فيه ظلمت- يعنى مانعة من السير عليه وهى المحن والمكاره من العبادات والجهاد وترك الشهوات روى مسلم واحمد والترمذي عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات- وروى الترمذي وابو داود- والنسائي عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال- لما خلق الله الجنة قال لجبرئيل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها والى ما أعد الله تعالى لاهلها فيها ثم جاء فقال اى رب وعزتك لا يسمع بها أحد الا دخلها- ثم حفها بالمكاره ثم قال يا جبرئيل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال اى رب وعزتك لقد خشيت ان لا يدخلها أحد- قال فلما خلق الله النار قال يا جبرئيل اذهب فانظر إليها قال فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال اى رب وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها- فحفها بالشهوات ثم قال يا جبرئيل اذهب فانظر إليها- فذهب فنظر إليها فقال اى رب وعزتك لقد خشيت ان لا يبقى أحد الا دخلها- وقال الله تعالى- إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ وفيه رعد يعنى آيات مخوفة من عذاب الله وبرق يعنى فتوح ومغانم كثيرة يأخذونها فيسهل به السير على الطريق ويدفع ظلمة المكاره او الحجج الواضحة الداعية الى السلوك على الطريق المستقيم والمسهلة للمكاره- يجعلون اى المنافقون أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ من أجل الرعد والصّواعق قائلين- لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ- حذر الموت بالمحن والمشقات ان أمنوا- وبالقتال ان جاهدوا كما قال في حالهم- فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ- او لانهم يزعمون ان سدهم آذانهم عن سماع آيات العذاب ينجيهم من عذاب الله كما ان الأحمق إذا هوله الرعد ويخاف صواعقه يسد آذانه مع انه لا خلاص له منها بسد الاذان وكما ان الإرنب إذا راى صائدا مقبلا ولا يرى منه مفرا يغمض عينيه زعما منه ان عدم رؤيته ينجيه من قتله- وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ لا يفوتهم ما كتب عليهم من المحن والعذاب في الدنيا بالفضيحة وغيرها وفي الاخرة بالعذاب السرمدي- اولا يفيدهم ولا ينجيهم سد الاذان من الآيات المخوفة عن وقوع العذاب كما لا ينجى الأرنب تغميض العين من الصائد بل يعينه عليه- يكاد البرق- اى الفتوح والمغانم وشوكة الإسلام لاجل حرصهم على الدنيا

يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ او الحجج الواضحة يخطف أبصارهم المؤفة وآرائهم الزائغة التي بها يبصرون الباطل حقا والحق باطلا- على ما زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ- فحينئذ يرون الحق حقا والباطل باطلا فيؤمنوا كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ البرق وظهر الفتح والدولة للمسلمين وراوا حجة الإسلام واضحة مشوا فيه واتبعوا سبيل المؤمنين- وإذا اظلم البرق اى لم يظهر الفتح وأدركوا المحنة نسوا الحجة الواضحة وقاموا ووقفوا عن سلوك والطريق- نظيره قوله تعالى- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ المؤفة بقصيف الرعد وأعطاهم السمع والابصار الصحيحة- نظيره قوله تعالى- وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ- اخرج ابن جرير من طريق السّدى الكبير عن ابى مالك عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود- وناس من الصحابة- قال كان رجلان من المنافقين من اهل المدينة هربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المشركين فاصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد شديد وصواعق وبرق فجعلا كلما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق ان ندخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما- وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه- وإذا لم يلمع لم يبصرا- فاتيا مكانهما يمشيان فجعلا يقولان ليتنا قد أصبحنا فتأتى محمدا صلى الله عليه وسلم فنضع أيدينا في يده فاتياه فاسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما- فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة- وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ان ينزل فيهم او يذكروا بشىء فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان «1» الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما- وإذا أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وكانوا إذا كثرت أموالهم وولدهم وأصابوا غنيمة او فتحا مشوا فيه وقالوا ان دين محمد صلى الله عليه وسلم حينئذ صدق واستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهما البرق وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وكانوا إذا هلكت أموالهم وولدهم وأصابهم البلاء قالوا هذا من أجل دين محمد صلى الله عليه وسلم وارتدوا كفارا- كما قام ذانك المنافقان حين اظلم عليهما البرق- انتهى رواية ابن جرير- قلت ويحتمل ان يكون الظلمات عبارة عن المتشابهات التي لا سبيل للاراء الى دركها- والبرق عن المحكمات التي تساعده الآراء- فالمؤمنون من اهل السنة يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا- والَّذِينَ

_ (1) فى الأصل ذانك المنافقين الخارجين يجعلان 12

فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ سدوا آذانهم عن وعيد حرمة ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ حذر الموت- وهو القول بما لا يساعده آراؤهم ولا يوافق مذهبهم حيث يزعمونه موتا وجعلوا القران تابعا لارائهم الكاسدة- فكلّما أضاء لهم وأدرك عقولهم مشوا فيه وأمنوا به وإذا اظلم عليهم ولم تساعده عقولهم قاموا عن الايمان به ووقفوا لديه وابتغوا تأويله على حسب آرائهم الكاسدة- فمنهم من لم يدرك عقله موجودا لا يكون جسما ولا يكون كمثله شىء أنكر التنزيه وصار مجسما- ومنهم من أنكر الروية- ومنهم من أنكر عذاب القبر ووزن الأعمال والصراط ونحو ذلك- ومنهم من أنكر كون القران كلام الله غير مخلوق فصاروا اثنتين وسبعين فرقة- روافض- وخوارج- واهل الاعتزال والمجسمة ونحو ذلك قائلين نومن ببعض الكتاب ونكفر ببعض- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ حيث جعلوا كتاب الله تعالى تابعا لارائهم وعلى هذا التقدير قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ شامل لاثنين و «1» سبعين فرقة من اهل الأهواء الذين فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ يدّعون الايمان ويقولون آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وانزل الله تعالى فى كتابه وتواتر به الاخبار- يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا- بتأويلاتهم النصوص- وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ بل يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ- فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وزيغ- فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وزيغا حيث القى الشيطان في قلوبهم التأويلات الفاسدة- وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ على الله ويكذّبون ظاهر النصوص- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بتحريف الكلم عن مواضعه وتعويج الدين القويم قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ يعنى اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم واهل بيته وجمهور الناس وهم اهل السنة والجماعة فانهم اكثر الناس وللاكثر حكم الكل ويد الله على الجماعة رواه الترمذي عن ابن عباس

_ (1) مجرد هذا القول وان كان شاملا لكن بعض المعطوفات عليه مثل قوله وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا الاية مختص بمن يجوز التقية في مذهبه من اهل الأهواء دون من يجاهر بها- فلا يصح الشمول لجميع الفرق- قلت عدم شمول بعض المعطوفات لجميع الفرق لا ينافى نزول الآيات في جميع اهل الأهواء كما ان قوله تعالى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ شامل للرجعيات والبائنات وقوله تعالى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ مختص بالرجعيات- وايضا المختص ببعض الفرق انما هو وجوب التقية واما جواز التقية عند استيلاء المخالفين وخوف القتل فغير مختص حتى انه جاز عند اهل السنة ايضا التقية عند استيلاء الكفار وخوف القتل حيث قال الله تعالى إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وقال الله تعالى إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ- ولا شك ان الله سبحانه لكن اهل الحق اهل السنة والجماعة في البلاد وجعل اهل الأهواء مغلوبين مقهورين غالبا خائفين على أنفسهم وأموالهم فكلهم يقولون بحضور اهل السنة خوفا منهم على حسب عقائدهم- منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : آية 21]

مرفوعا- قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ فانه لا يساعد عقائدهم الآراء قالوا ذلك في شأن الصحابة صريحا كالروافض والخوارج ينسبون اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واهل بيته الى السفه والكفر او قالوا ذلك دلالة حيث خالفوهم وزعموا ان تلك العقائد غير معقولة- وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا الاية بيان لما في تلك المذاهب من التقية خوفا من الذين استخلفهم الله تعالى في الأرض غالبا- ومكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم على حسب وعده- وقوله تعالى مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً يحتمل ان يكون مثلا للفريقين من المنافقين واهل الأهواء وايمان اهل الأهواء ولمعان نوره مقتصر على ما حول المستوقد وقربه يعنى فى الدنيا حيث يلتبس الحق بالباطل فاذا ماتوا ذهب الله بنورهم- ويحتمل ان يكون مثلا للمنافقين خاصة واصحاب الصيب مثل اهل الأهواء وكلمة او للتوزيع كما في قوله تعالى أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ- والله تعالى اعلم فان قيل كيف يتصور حمل هذا المثل على اهل الأهواء ولم يكونوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم- قلت خطابات القران عامة للموجودين ومن سيوجد اجماعا- أليس قوله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ في حق اهل الأهواء- فان قيل نزول هذه الآيات كان في حق المنافقين كما تدل عليه الأحاديث وتفاسير السلف- قلت نعم لكن خصوص المورد لا يقتضى تخصيص عموم اللفظ- فالايات وان كانت نازلة في حق المنافقين لكنها بعموم ألفاظها شاملة لاهل الأهواء والله تعالى اعلم-. يا أَيُّهَا النَّاسُ- خطاب لجميع الناس من اهل الخطاب عموما الموجودين ومن سيوجد تنزيلا لهم منزلة الموجودين لما تواتر من دينه صلى الله عليه وسلم ان مقتضى أحكامه وخطابه شامل للقبيلتين تابت الى يوم القيمة وكذا كل جمع او اسم جمع محلى باللام ويدل عليه استدلال الصحابة بعمومها شائعا قال ابن عباس- يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب اهل مكة ويا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب اهل المدينة فان اهل مكة لمّا كان أكثرهم كفارا والمؤمنون كانوا هناك قليلا خاطب بما يعم القبيلتين- واهل المدينة لما كان أكثرهم مؤمنون خاطبهم بعنوان الايمان إظهارا لشرفهم اعْبُدُوا رَبَّكُمُ فان التربية باعثة للعبادة وشكر المنعم وان كان الله تعالى في نفسه مستحقا لها- والخطاب بوجوب العبادة شامل للمؤمنين والكفار- فالكفار مأمورون بها بعد إتيان شرطه من الايمان- وقال ابن عباس- ما ورد في القران من العبادة فمعناه التوحيد فالكفار مأمورون بإتيانها والمؤمنون

[سورة البقرة (2) : آية 22]

بالثبات عليها- الَّذِي خَلَقَكُمْ صفة جرت للتعظيم والتعليل- والخلق إيجاد الشيء على غير مثال سبق- وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يتناول كل ما تقدم الإنسان- والجملة خرجت مخرج المقرر عندهم لاعترافهم به قال الله تعالى- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ- او لتمكنهم من العلم بأدنى تأمل لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) حال من فاعل اعبدوا اى راجين الوقاية من عذاب الله- وحكم الله من ورائكم يفعل ما يشاء فان الايمان يقتضى الخوف والرجاء او راجين ان تدخلوا في زمرة المتقين على ان التقوى هو التنزه عن المحرمات المستلزم لاتيان الواجبات بل التبرؤ عن كل شىء سوى الله تعالى- او من مفعول خلقكم يعنى مرجوا منكم التقوى اى في سورة من يرجى منه نظرا الى كثرة الدواعي اليه- وقيل تعليل اى لكى تتقوا- قال البيضاوي وهو ضعيف لم يثبت في اللغة- قال سيبويه- لعلّ وعسى حرفا ترج- وهى من الله تعالى واجب- قلت ان كان كذلك لزم وجود التقوى من الناس «1» كلهم وليس كذلك اللهم الا ان يقال المراد خلقكم واجبا صدور التقوى منكم ولو من بعضكم- وتعليل العبادة بالنعم السابقة تدل على ان الثواب فضل من الله تعالى غير مستحق بالعبادة فانه كالاجير استوفى اجره قبل عمله وعلى ان الطريق الى معرفته تعالى النظر فى صنعه يعنى الى معرفة صفاته- واما معرفة ذاته فامر وهبى-. الَّذِي جَعَلَ اى صيّر لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً اى بساطا ذلولا يمكن عليها القرار صفة ثانية او مدح منصوب او مرفوع او مبتدأ خبره فلا تجعلوا- وَالسَّماءَ اسم جنس يقع على الواحد والكثير- بِناءً مصدر سمى به المبنى يعنى قبّة مضروبة عليكم- وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فان المطر ينزل من السماء الى السحاب ومنه الى الأرض عطف على جعل- فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ خروج الثمار بقدرة الله تعالى لكن جعل الماء الممزوج بالتراب سببا في إخراجها ظاهرا عادة- ومن للتبعيض او التبيين- ورزقا مفعول بمعنى المرزوق ولكم صفة له- او رزقا مصدر للتعليل ولكم مفعوله اى رزقا إياكم- فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً اى أمثالا تعبدونهم كعبادة الله- او أضدادا والله برىء من المثل والضد- والجملة متعلق باعبدوا- نهى معطوف عليه او نفى منصوب بإضمار أن جواب له- او منصوب بلعل كما في قوله تعالى-

_ (1) لا يخفى ان مدلول لعل على تقدير كونه للوجوب لزوم وجود التقوى من كلهم فلا محذور فيه لامران فليفهم قلت العبادة عبارة عن إتيان امور تدل على الخضوع من الواجبات والمندوبات والتقوى عبارة عن الاجتناب عما نهى الله وكلا الامرين متفاوتان كما يدل عليه ترتيب التقوى على العبادة ولا لزوم بينهما فان من الناس من يأتى بالعبادات ويفرط فيها حتى يبلغ الزهد ولا ينتهى انتهاء كليا عما نهى عنه قال الله تعالى وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها- فلزوم وجود التقوى من العابدين كلهم ايضا ممنوع الا ترى الى بعض الزهاد من الجهال يعملون الرياضات الشاقة والعبادات ويتركون الجمع والجماعات- منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : آية 23]

لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ- والمعنى ان تتقوا ان لا تجعلوا لله أندادا- او متعلق بالذي جعل ان كان استينافا على انه نهى وقع خبرا على تأويل مقول فيه لا تجعلوا والفاء للسببية ادخلت لتضمن المبتدأ معنى الشرط والمعنى من جعلكم بهذه النعم ينبغى ان لا يشرك- وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) حال من ضمير تجعلوا- ومفعول تعلمون مطرح- اى حالكم انكم من اهل العلم والرأى لو تأملتم ادنى تأمل ما أشركتم- والمقصود منه التوبيخ دون التقييد او المفعول محذوف اى وأنتم تعلمون اى ان خالق هذه الأشياء واحد حيث تعترفون قال الله تعالى- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ- ثم لما بين الله سبحانه طريق معرفته التوحيد وهو النظر في صنعه- بين طريق معرفة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وحقيّة القران المشتمل على جميع الايمائيات فقال. وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ شك مِمَّا نَزَّلْنا يعنى نجما نجما بحسب الوقائع- وهذا موجب لريبهم قياسا على كلام الشعراء وقولهم لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً- فكان الواجب تحديهم على هذا الوجه- ازاحة للشبهة وإلزاما للحجة عَلى عَبْدِنا- محمد صلى الله عليه وسلم أضاف الى نفسه تنويها لذكره- وتنبيها على انقياده لحكمه- فَأْتُوا امر تعجيز بِسُورَةٍ وهى قطعة من القران معلومة الاول والاخر منقولة من سور المدنية لانها محيطة بطائفة من القران- او من السورة بمعنى الرتبة فانه يحصل بها للقارى رتبة وشرف- والمراد بقدر سورة وهى ثلث آيات قصار- مِنْ مِثْلِهِ صفة سورة اى كائنة من مثله- والضمير لما نزل ومن للتبعيض او للتبيين او زائدة- اى مثله في البلاغة وحسن النظم- او لعبدنا ومن للابتداء اى كائنة من مثل هذا الرجل الأمي- أو صلة فاتوا والاول اولى كيلا يوهم إمكان صدوره من غير الأمي والقران معجز في نفسه- لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً- وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ واستعينوا بآلهتكم التي تعبدونها وتزعمون انها تشهد لكم يوم القيامة او ادعوا ناسا يحضرونكم- مِنْ دُونِ اللَّهِ اى دون أوليائه يعنى فصحاء العرب ليشهدوا لكم ما أتيتم به مثله فان العاقل لا يرضى لنفسه ان يشهد بصحة ما اتضح فساده- إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) انه من كلام البشر والجواب محذوف دل عليه ما قبله. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فيما مضى وَلَنْ تَفْعَلُوا معترضة بين الشرط والجزاء- وفيه اخبار بالغيب اعجاز اخر فَاتَّقُوا اى لما ظهر انه معجز فامنوا به واتقوا بالايمان النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا اى ما يوقد

[سورة البقرة (2) : آية 25]

به النار النَّاسُ وَالْحِجارَةُ او المضاف محذوف اى وقودها احتراق الناس والحجارة اخرج عبد الرزاق- وسعيد بن منصور- وابن جرير- وابن المنذر- والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم عن ابن مسعود وابن جرير عن ابن عباس واخرج مثله ابن ابى حاتم عن مجاهد وابى جعفر ولم يحك خلافا في الصدر الاول- انها حجارة الكبريت الأسود- وقيل جميع الحجارة لتدل على عظم تلك النار- وقيل أراد به الأصنام- وذكر الله تعالى ان وهى للشك مكان إذا- فانه تعالى لم يكن شاكا تهكما بهم او خطابا معهم على حسب ظنهم فان العجز قبل التأمل لم يكن متحققا عندهم أُعِدَّتْ اى هيئت لِلْكافِرِينَ (24) استيناف او حال بإضمار قد من النار لا من ضمير وقودها للفصل بالخبر- عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- ناركم جزء من سبعين جزء من نار جهنم- متفق عليه وعن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أهون اهل النار عذابا من له نعلان وشرا كان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى ان أحدا أشد منه عذابا وانه لاهونهم عذابا- متفق عليه- وعن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أوقد على النار الف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها الف سنة حعى ابيضت- ثم أوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة- رواه الترمذي- وعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- أنذرتكم النار أنذرتكم النار- فما زال بقولها حتى لو كان في مقامى هذا سمعه اهل السوق وحتى سقطت خميصة كانت عليه عند رجليه- رواه للدارمى وفي الاية والأحاديث دليل على ان النار موجودة الان-. وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على الجملة السابقة على ما جرت به العادة الالهية من تشفيع الترهيب بالترغيب وبالعكس لا عطف الفعل نفسه حتى يطلب المشاكلة او على فاتّقوا يعنى فامنوا فاتقوا النار واستبشروا بالجنة ولم يخاطبهم بالبشارة صريحا تفخيما لشأنهم بعد الايمان والتقوى وإيذانا بانهم احقّاء ان يبشروا ويهنئوا- والبشارة الخير السّارّ- واما قوله تعالى فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ- فعلى التهكم وقيل يستعمل في الخير والشر لكن في الخير اغلب وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وهى من الصفات الغالبة الجارية مجرى الأسماء والأعمال الصالحة ما حسّنه الشرع- وتأنيث الصالحات على تأويل الخصلة- قال البغوي قال معاذ رض- العمل الصالح الذي فيه اربعة أشياء العلم والنية والصبر والإخلاص- وقال عثمان بن عفان وعملوا الصّلحت اى أخلصوا الأعمال عن الرياء- وفيه دليل على ان الأعمال خارج عن الإيمان- واشعار

بان السبب التام في استحقاق البشارة الجمع بين الوصفين أَنَّ لَهُمْ منصوب بنزع الخافض وإفضاء الفعل اليه او مجرور بإضماره جَنَّاتٍ جمع جنة بمعنى البستان سميت لاجتنانها بالأشجار- تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى تحت أشجارها ومساكنها الْأَنْهارُ اى ماؤها على الإضمار- او المجاز او أسند الجري إليها مجازا- وفي الحديث انهار الجنة تجرى من غير أخدود- أخرجه ابن المبارك- وابن جرير والبيهقي- واللام للجنس كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا صفة ثانية لجنات او خبر مبتدأ محذوف اى فهم قالوا او جملة مستانفة تزيح حال أثمارها- وكلّما منصوب على انه ظرف لقالوا ورزقا مفعول به- ومن الاولى والثانية للابتداء او الثانية للبيان وقعتا موقع الحال اى كل حين رزقوا اى أطعموا مرزوقا مبتدأ من الجنة مبتدأ من ثمرة او ذلك المرزوق ثمرة فصاحب الحال الاولى رزقا وصاحب الحال الثانية ضميره المستكن في الحال- وهذا اشارة الى نوع ما رزقوا المستمر بتعاقب افراده- او كان المضاف في الخبر محذوفا اى هذا مثل الذي رزقنا فحذف المثل اشعارا على استحكام الشبه كانه هو بعينه مِنْ قَبْلُ اى من قبل هذا يعنى في الدنيا جعلت متشابهة بثمار الدنيا كيلا يتنفر الطباع عن غير المألوف- ويظهر المزية- وقيل الثمار في الجنة متشابهة في اللون مختلفة في الطعم والداعي لهم على تكرار هذا القول كلما رزقوا فرط تبجحهم بما وجدوا من التفاوت العظيم في اللذة والتشابه البليغ في الصورة- وَأُتُوا بِهِ بالرزق مُتَشابِهاً وعلى الاول الضمير راجع الى ما رزقوا في الدارين- والجملة اعتراض يقرر ما سبق- قال ابن عباس ومجاهد متشابها في الألوان مختلفا في الطعوم- وقال الحسن وقتادة متشابها يشبه بعضها بعضا في الجودة يعنى ثمار الجنة كلها خيار لا رذالة فيها- روى البغوي بسنده عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- اهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوّطون ولا يمتخطون ولا يبزقون يلهمون الحمد والتسبيح كما يلهمون النفس طعامهم جشاء ورشحهم المسك- رواه مسلم- وللاية محمل اخر ان يكون المعنى هذا ثواب الذي رزقنا من قبل في الدنيا من المعارف والأعمال نظيرة في الوعيد ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- روى الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها قيعان وان غراسها هذه يعنى التسبيح والتحميد والتكبير- قوله تعالى وأتوا به بالرزق متشابها اى مماثلا لمعارفهم وطاعاتهم في الشرف

والمزية متفاوتا على حسب تفاوت أعمالهم- روى الترمذي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام- وعن عبادة بن الصامت نحوه وفيه ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض- ذكره صاحب المصابيح في الصحاح ورواه الترمذي وَلَهُمْ فِيها اى في الجنان أَزْواجٌ نساء من حور العين وقال الحسن- هن عجائزكم الغمص العمش طهرن من قذرات الدنيا- مُطَهَّرَةٌ من الغائط والبول والحيض والبصاق والمخاط والمنى وكل قذر ومن مساوى الأخلاق فان التطهير يستعمل في الأجسام والافعال والأخلاق- والمطهرة ابلغ من طاهرة ومتطهرة للاشعار بان الله طهرهن- والزوج يقال للذكر والأنثى وفي الأصل يقال لماله قرين من جنسه كزوج الخف- وَهُمْ فِيها فى الجنان خالِدُونَ (25) دائمون لا يموتون فيها ولا يخرجون منها- لما ذكر الله سبحانه نعماء الجنة أزال عنهم خوف الزوال فانه منغض للنعمة روى البغوي بسنده من طريق البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- ان أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب درّى في السماء اضاءة لا يبولون ولا يتغوّطون ولا يتفلون ... ولا يمتخطون امشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الالوة وأزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء- متفق عليه وعن ابى سعيد رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة تدخل الجنة يوم القيمة صورة وجوهم صورة القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على لون احسن الكواكب فى السماء لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة ... يرى مخ سوقهن دون لحومها ودمائها وحللها- رواه الترمذي وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ان امرأة من نساء اهل الجنة اطلعت على الأرض لاضاءت ما بينهما- ولملئت ما بينهما ريحا- ولنصيفها على راسها خير من الدنيا وما فيها- رواه البخاري- وعن اسامة بن زيد يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الأهل من مشمر للجنة وان الجنة لا خطر لها هى ورب الكعبة نور يتلالا وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد.. وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام ابد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وصبرة ونعمة في محلة عالية بهيئة- قالوا نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها قال قولوا ان شاء الله رواه البغوي- وروى عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل الجنة جرد- مرد كحلى

[سورة البقرة (2) : آية 26]

لا يفنى شبابهم ولا يبلى ثيابهم- وروى مسلم نحوه- وعن على رضى الله عنه قال ان في الجنة لسوقا ليس فيها بيع ولا شرى الا الصور من الرجال والنساء وإذا اشتهى الرجل صورة دخلها وان فيها لمجتمع حور العين ينادين بصوت لم يسمع الخلائق بمثلها نحن الخالدات فلا نبيد ابدا- ونحن الناعمات فلا نبوس ابدا ونحن الراضيات فلا نسخط فطوبى لمن كان لنا وكناله او نحن له- رواه البغوي- وروى الترمذي نحوه عنه مرفوعا وروى احمد بن منيع عن ابى معاوية نحوه مرفوعا- وروى مسلم عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون الى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فنقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا فيقولون وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا- قلت ولما كان مطمح نظر اهل الدنيا في النعماء منحصرا على المساكن والمطاعم والمناكح اقتصر الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم غالبا في الذكر عليها وفي الحقيقة نعماء اهل الجنة أجل وأعلى- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر- واقرؤا ان شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ- متفق عليه وعنه مرفوعا- موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها- متفق عليه وعن ابى سعيد مرفوعا- يقول الله أحل عليكم رضوانى فلا أسخط بعده ابدا- متفق عليه- وروى مسلم في حديث طويل عن جابر بن عبد الله مرفوعا فيرفع الحجاب فينظرون الى وجه الله فما اعطو شيئا أحب إليهم من النظر الى ربهم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ- وعن ابن عمر- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادنى اهل الجنة منزلة لمن ينظر الى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة الف سنة وأكرمهم على الله من ينظر الى وجهه غدوة وعشية ثم قرا وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ- رواه احمد والترمذي- اخرج ابن جرير عن السدى الكبير بأسانيده انه لما ضرب الله تعالى هذين المثلين للمنافقين قوله مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً وقوله أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ- قال المنافقون الله أعلى وأجل من ان ان يضرب هذه الأمثال فانزل الله سبحانه. إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً وقيل ان الله تعالى ذكر الهة المشركين فقال وإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً وذكر كيدهم فجعله كبيت

العنكبوت فقالوا ارايت الله ذكر الذباب والعنكبوت أخرجه الواحدي من طريق عبد الغنى عن ابن عباس وعبد الغنى واه جدّا- والاية مدنية ومعارضة المشركين كانت بمكة- فالاول أصح اسنادا ومعنى- والحياء انقباض النفس من القبيح مخافة الذم وهو الوسط بين الوقاحة وهو الجراة وعدم المبالاة بالقبائح والخجل وهو انحصار النفس عن الفعل مطلقا- وإذا وصف به الباري تعالى كما جاء في الحديث- ان الله يستحيى من ذى الشيبة المسلم ان يعذبه- أخرجه البيهقي في الزهد عن انس- وابن ابى الدنيا عن سلمان- وحديث ان الله حيى كريم إذا رفع اليه العبد يديه ان يردهما صفرا- رواه ابو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن سلمان فالمراد به الترك اللازم للانقباض- وإيراد لفظ الحياء هاهنا مع انه ترك مخصوص بالقبيح- وضرب المثل ليس بقبيح مبنى على المقابلة لما وقع في كلام الكفرة واستقر في أذهانهم نحو جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها- وضرب المثل احتمال وأصله وقع شىء على اخر- وان بصلتها مجرور عند الخليل بإضمار من- ومنصوب عند سيبويه بافضاء الفعل اليه بعد حذفها- وما ابهامية يزيد للنكرة إبهاما ويسد عنها طريق التقييد- او مزيدة وضعت لان يذكر مع غيرها فتزيد له قوة- والبعوض فعول من البعض بمعنى القطع غلب على صغار البق كانها بعض البق والتاء للوحدة- وهو عطف بيان لمثلا- او مفعول ليضرب- ومثلا حال او هما مفعولاه لتضمنه معنى الجعل- فَما فَوْقَها عطف على بعوضة- ومعناه ما زاد عليها في الجثة كالذباب والعنكبوت يعنى لا يستحيى عن ضرب المثل بالبعوض فضلا عما هو اكبر منه- او ما فوقها في الحقارة يعنى ما دونها في الجثة فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اى المثل او ان يضرب هو الْحَقُّ الثابت على ما ينبغى الذي لا يجوز إنكاره يقال ثوب محقق اى محكم نسجه فان الشيء الحقير لا بد ان يمثل بالحقير- كالعظيم بالعظيم وان كان الممثل أعظم من كل عظيم كائنا مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فلا يعلمون ذلك لكمال جهلهم فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا ما استفهامية مبتدأ وذا بمعنى الذي مع صلته خبره- او المجموع اسم واحد بمعنى اى شىء منصوب المحل على المفعولية- والارادة صفة ترجح أحد المقدورين على الاخر وفي هذا استحقار ومثلا منصوب على التميز او الحال يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً جواب ماذا اى إضلال كثير وإهداء كثير- وكثرة كل فريق بالنظر الى أنفسهم ووضع الفعل موضع المصدر للاشعار بالحدوث والتجدد يعنى

[سورة البقرة (2) : آية 27]

كلما نزلت اية فامنت به قوم فاهتدوا وكفرت به قوم فضلوا- وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) الخارجين عن حد الايمان وعن امر الله تعالى يقال فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها والفسق في اصطلاح الشرع ارتكاب الكبيرة وله درجات ثلث أعلاها الكفر بما يجب الايمان به فان الكفر أعظم الكبائر وهو المراد بالفسق في القران غالبا- ثانيها انهماك الكبائر- ثالثها ارتكاب الكبيرة او الإصرار على الصغيرة مستقبحا إياها. الَّذِينَ صفة للفاسقين للذم وتقرير الفسق- او للتقييد ان كان المراد بالفاسقين أعم من الكفار والعصاة يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ الذي عهد إليهم في التورية ان يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويبينوا نعته ولا يكتمونه او الذي عهد إليهم بقوله- أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى - والنقض في الأصل فسخ تركيب الحبل يستعمل في ابطال العهد لان العهد يستعار له الحبل لما فيه ارتباط المتعاهدين- مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ- اى العهد- والميثاق مصدر بمعنى الوثوق- او اسم لما وثق به العهد من الآيات والكتب ومن للابتداء فان ابتداء النقض بعد الميثاق وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ- ان يوصل بدل من الضمير المجرور اى امر الله بان يوصل الايمان بالأنبياء كلهم ويقال لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ- وهم يقطعونه ويقولون نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض- او يقطعون كل ما امر الله به ان يوصل كالارحام وغيرها وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بالمعاصي والكفر بالقران وبمحمد صلى الله عليه وسلم ويهلكون الحرث والنسل أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27) المغبونون حيث اشتروا الفساد بالصلاح- ولما ذكر أوصاف الكفار ومقالاتهم الخبيثة خاطبهم على سبيل الالتفات باستفهام إنكاري عن الحالة التي يقع عليها الكفر لان كل حالة معتورة عليهم من الأحوال الموت والحيوة بعدها- والموت بعدها- والحيوة بعدها والرجوع الى الله تعالى وغيرها من الأحوال حادثة صادرة من الواجب الوجود مقتضية للايمان به تعالى نعمة من الله مقتضية لشكره دون كفرانه ففيه انكار وتوبيخ على كفرهم بأبلغ الوجوه فقال. كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ مع فيام الدلائل على وجوده وَكُنْتُمْ أَمْواتاً- عناصر واغذية واخلاطا ونطفا وعلقات ومضغات وأجساد «1» ابلا روح- وفيه دليل على ان الإنسان وان كان مركبا من الاجزاء العشرة- خمسة منها من عالم الخلق- العناصر الاربعة والنفس الحيواني

_ (1) فى الأصل أجساد

المنبعثة عنها وخمسة من عالم الأمر- القلب والروح والسر والخفي والأخفى كما يظهر بالفراسة «1» الصحيحة الاسلامية لكن العمدة فيها العناصر الاربعة لا سيما عنصر التراب ولذا قال الله تعالى- خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ- ويقول الكافر اى الشيطان الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً - ولذا اختص الإنسان بروية الله سبحانه دون غيره- ويزعمون المشاهدة القلبية كالمطروح في الطريق- فَأَحْياكُمْ بتأليف الأرواح الخمسة وتوديعها فيكم وعطف بالفاء لعدم التراخي بين الاحياء والموت اللازم للعناصر- ثُمَّ يُمِيتُكُمْ بعد انقضاء اجالكم- وعد الاماتة الاولى من النعم لان الوجود بعد العدم خير محض فلمناسبة بالموجود الحقيقي- والاماتة الثانية لكونها وصلة الى الحيوة الابدية ثُمَّ يُحْيِيكُمْ يوم ينفخ في الصور واما في القبر فليس بحياة فان الحيوة عبارة عن تأليف الاجزاء العشرة وليست في القبور- وانتفاؤها لا ينافى الثواب والعذاب في القبر فانهما على بسائط الاجزاء ولا سبيل الى إنكاره لمن يؤمن بقوله تعالى- وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ- وقوله تعالى- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ- وقوله صلى الله عليه وسلم- ان الجبل ينادى الجبل باسمه اى فلانا هل مربك أحد ذكر الله فاذا قال نعم استبشر الحديث- رواه الطبراني عن ابن مسعود- وقوله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها- وليس المراد التسبيح والسجود بدلالة الحال لان قوله تعالى وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ- و

_ (1) الفراسة الصحيحة الاسلامية انما يدل على ان هنالك شيئا غير الجسد يسمى بالقلب تارة وبالروح اخرى وبالسر مرة وبالخفي اخرى فهى جهات واعتبارات للنفس لا انها حقائق- مجازة بجبالها واجزاء اولية من الإنسان بل الآيات والأحاديث والآثار كلها ناطقة بانحصار الإنسان في جزئين جسم وروح وان تركب الجسم من اجزاء اخر ثانوية والروح اعتبر باعتبارات فافهم- لا يخفى ان الثواب والعقاب في القبر انما هو للمكلف المطيع او العاصي وبسائط الاجزاء ليست بمكلفات ولو جاز الجزاء للاجزاء المكلف من دون التأليف لجاز يوم القيامة ايضا فلا يحتاج الى الحشر وغاية ما يثبت من الآيات والأحاديث ان لبسائط الاجزاء شعورا او حياة بمعنى الإدراك لا ان لها تكليفا وجزاء وثوابا وعقابا بل يستفاد منها انها غير مكلفة ولا ينال منها العصيان فلابد من تتميم مد الكلام ليصح- قلت دلالة الآيات والأحاديث على انحصار الإنسان في الجزئين ممنوع بل قوله تعالى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا تدل على ان الروح امر مجرد ليس من قبيل الأجسام ولا يحيط به علم العوام وحديث براء بن عازب وابى هريرة وغيرهما مرفوعا إذا حضر المؤمن أنت ملائكة الرحمة بحرير بيضاء وأكفان الجنة فيقولون أيتها النفس الطيبة اخرجى الى مغفرة الله ورضوانه فتخرج تسيل كما تسيل الماء من السقاء فيجعلونها في ذلك الكفن- وإذا حضر الكافر يقول أيتها النفس الخبيثة اخرجى الى منحط الله وغضبه فيجعلونها في المسوح يدل على ان النفس امر جسمانى حتى يجعل في الحرير او المسوح ومن هذا قال المحققون ان النفس جسم لطيف منبعث من العناصر الاربعة سار في سائر البدن فالروح يتعلق ويمتلى في النفس كما تمتلى الشمس في المراءة ويتصرف في البدن بتوسط النفس لاجل سريانها فيه وعند الموت ينزع النفس من البدن فحينئذ ينقطع تعلق الروح بالبدن ولا يزال تعلق الروح بالنفس ابدا وهى اى النفس تعذب في القبر ويتالم به الروح وهى المشار اليه بانا وهى المكلف بالتكليفات الشرعية لكن يشترط سريانها في البدن هذا واما تعدد لطائف عالم الأمر فالشرع عنه ساكت ويثبت ذلك بكشف الأولياء وكلامهم فيه مختلف منهم من لم بظهر عليه منها الا واحد فزعم انه شىء واحد يسمى تارة بالقلب وتارة بالروح ونحو ذلك كما قال المعترض ومنهم من ظهر عليه منها اثنان او ثلثة او اربعة وظهر على المجدد رض خمسة لكل منها كالات على حدة فمن شاء زيادة الوقوف فليطالع كلام المجدد رض والمعتبر انما هو شهادة الإثبات والاختلاف مبنى على حدة البصيرة ورفعة الدرجة وفوق كل ذى علم عليم- منه نور الله مرقده-

[سورة البقرة (2) : آية 29]

قوله تعالى وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ- يأبى عنه ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) بعد الحشر فيجزيكم بأعمالكم- قرا يعقوب ترجعون في كل القران بفتح التاء والياء على صيغة المبنى للفاعل- والاية مدنية خطاب بالكفار والمنافقين من اليهود العالمين بالبعث والنشور- وان كان خطابا لمنكرى البعث فذلك لتمكنهم من العلم بالبعث بعد نصب الدلائل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وللتنبيه على ان من أحياهم اولا قادر على ان يحييهم ثانيا. هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ اى لانتفاعكم في الدنيا في مصالحكم بوسط او بغير وسط وفي دينكم بالاستدلال والاعتبار ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً بيان للنعمة الاخرى مرتبة على الاولى ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ قال ابن عباس واكثر المفسرين من السلف اى ارتفع الى السماء- فهو من المتشابهات نحو الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى - وقال ابن كيسان والفراء وجماعة النحويين اى اقبل على خلق السماء وقصد من قولهم استوى اليه كالسهم المرسل إذا قصده قصدا مستويا من غير ان يلوى على شىء- قال البيضاوي كلمة ثم لعله لتفاوت ما بين الخلقتين وفضل خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا- لا للتراخى في الوقت فانه يخالف ظاهر قوله تعالى وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها- فانه تدل على تأخر دحوى الأرض المتقدم على خلق ما فيها من خلق السماء وتسويتها وذكر البغوي في تفسير قوله تعالى وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها- انه قال ابن عباس خلق الله الأرض بأقواتها من غير ان يدحوها قبل السماء ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ثم دحى الأرض بعد ذلك- وقيل معناه والأرض مع ذلك دحيها كقوله تعالى عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ اى مع ذلك- وذكر البغوي في حم السجدة- خلق الأرض في يومين يوم الأحد والاثنين وقدر فيها أقواتها في يومين يوم الثلثاء والأربعاء فهما مع الأحد والاثنين اربعة ايام فقال وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ... فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ يوم الخميس والجمعة- وهذا هو المستفاد من اقوال السلف والله تعالى اعلم- فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ اى خلقهن مستويات لا فطور فيها ولا صدوع- وهن ضمير السماء ان فسرت بالاجرام لانه جمع او في معنى الجمع وسبع سموت بدل منه- والا فمبهم تفسيره ما بعده كقولهم ربّه رجلا- فان قيل أليس اصحاب الارصاد اثبتوا تسعة أفلاك كلية منها الفلك الا طلس فلك الافلاك وفلك الثوابت الفلك التاسع «1» لا جزء لهما- واثبتوا للافلاك السبعة اجزاء منها ما هو مركب من ثلثة أفلاك خارج المركز وفيه الكوكب ومثمما حاويا ومتمما محويا ومنها ما هو مركب من خمسة خارج المركز ومتممين حاويين وكذا محويين وأفلاك اخر

_ (1) الصحيح الثامن لعله تحريف من الناسخ 12 [.....]

غير مجوفة ارتكزت فيها الكواكب المتحيرة يسمونها- فلك التدوير- قلت انما اثبتوا عدد الافلاك بعدد حركات الكواكب- فانهم لما راوا جميع الكواكب والشمس دائرة في يوم وليلة اثبتوا فلك الافلاك حاوية على جميع الافلاك محركة لكلها بالقسر من المشرق الى المغرب- ولما راوا حركة جميع الكواكب سوى السبعة على نسق واحد وحركات السبعة على أنحاء مختلفة في السرعة والبطء وفي العرض من البروج الشمالية الى الجنوبية وبالعكس اثبتوا على حسب حركاتها اعداد الافلاك- ولما راوا حركة السيارات غير الشمس تارة سريعة وتارة بطية وتارة الى المشرق وتارة الى المغرب وتارة متوقفة «1» ولذا يسمونها متحيرة أثبتوا التدويرات- فارتقى عدد الافلاك الى قريب من ثلثين- من أراد الاطلاع عليه فليرجع الى علم الهيئة- وهذا اعنى اثبات الافلاك على حسب حركات الكواكب باطل مبنى على امور باطلة- منها ادعاؤهم بامتناع الخرق والالتيام على الاجرام الفلكية- ومنها ان الافلاك كلها متلاصقة بعضها ببعض كتلاصق قشور البصل بعضها على بعض- وذلك يستلزم تحرك الافلاك جميعها بحركة فلك الافلاك قسرا وغير ذلك- وكل ذلك باطل فان انشقاق السماء جائز عقلا واجب سمعا- قال الله تعالى إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ- ونحو ذلك وكذا عدم تلاصق السموات وبعد ما بين كل سمائين ثابت شرعا عن ابى هريرة قال بينما نبى الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذا اتى عليهم سحاب فقال نبى الله صلى الله عليه وسلم هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله اعلم قال هذه العنان هذه روايا الأرض يسوقها الله الى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه- ثم قال هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله اعلم قال فانها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف ثم قال هل تدرون ما بينكم وبينها قالوا الله ورسوله اعلم قال بينكم وبينها خمسمائة عام ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال سما ان بعد ما بينهما خمس مائة سنة ثم قال كذلك حتى عدّ سبع سموات ما بين كل سمائين ما بين السماء والأرض- ثم قال هل تدرون

_ (1) لا يظهر جهة التوقف على هذه المقدمة فانه لو فرض الانفصال فيما بين سطوحها لا وجبت الحركات أفلاكا متفاصلة بعددها نعم لزوم تحرك المحوى من تحرك الحاوي انما يتم على التلاصق دون التفاصل وهو امر اخر وراء تعدد الافلاك- قلت وجه التوقف على كون الافلاك متلاصقة انهم زعموا ان لكل كوكب وكذا للشمس والقمر حركتان حركة قسرية تابعة لحركة الفلك التاسع بها يتم دورانها في يوم وليلة وعليها ابتناء الليل والنهار- وحركة طبعية الى المشرق بها يظهر اختلاف حركاتها وعليها ابتناء اختلاف الفصول واختلاف الشهور وغير ذلك بل لكل كوكب بالقسر حركات شتى أحدها ما ذكر بقسر فلك الافلاك ثانيها بعدد المتممات الحاوية والمحوية وحركة الطبعي للمتحيرات انما هى حركة تدويراتها وما ليس له تدوير فالحركة الطبعي حركة فلكها الذي ذلك الكوكب مرتكز فيه والحركة القسرية لا يتصور بدون التلاصق وعندى في تحقيق هذا المقام مقال لا يسعه المقام وحاصله ان الكواكب والشمس والقمر كلها في السماء الدنيا ولكل منها حركة على حدة مختلفة كل في فلك يسبحون سباحة السمك في الماء ليس شىء منها بقسر فلك اخر- ويرتبط باختلاف حركات الكواكب اختلاف الليل والنهار والفصول وغير ذلك ولهذا الكلام طول لا يسعه المقام- منه رحمه الله

ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال ان فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السمائين- ثم قال هل تدرون ما الذي تحتكم قالوا الله ورسوله اعلم قال انها الأرض- ثم قال هل تدرون ما تحت ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال ان تحتها ارض اخرى ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع ارضين بين كل ارضين مسيرة خمسمائة سنة ثم قال والذي نفس محمد بيده لو انكم دليتم بحبل الى الأرض السفلى لهبط على الله ثم قرا هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ- رواه احمد والترمذي وقال الترمذي- قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم الاية تدل على انه أراد لهبط على علم الله وقدرته وسلطانه- وعلم الله في كل مكان وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه- قلت قوله «1» صلى الله عليه وسلم لهبط على الله من المتشابهات كما انه الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى من المتشابهات ولعل مراده صلى الله عليه وسلم لهبط على عرش الله بحذف المضاف وهذا يدل على كون العرش وكذا ما فيه من السموات السبع كرويا حاويا لجميع جهات الأرض حتى انكم لو دليتم بحبل الى الأرض السفلى لهبط على السموات السبع وعلى عرش الله- والصوفية العلية كما اثبتوا معيّة لا كيف لها وتجليات «2» خاصا لله سبحانه على قلب المؤمن وهو عرش الله سبحانه فى العالم الصغير- واثبتوا تجليا مخصوصا بالكعبة الحسناء بيت الله واختصاصا برب هذا البيت كذلك اثبتوا تجليا خاصا رحمانيا على العرش وهو قلب للعالم الكبير وذلك التجلي هو المومى اليه بقوله تعالى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ومن ثم قيل تجوزا لهبط على الله- كما قال الله تعالى- يسعنى قلب عبدى المؤمن- وروى الترمذي وابو داود من حديث العباس وفيه- ان بعد ما بينهما يعنى السماء والأرض اما واحدة واما اثنان او ثلث وسبعون سنة والسماء التي فوقها كذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين سماء الى سماء ثم فوق ذلك ثمانية او عال بين أظلافهن ودركهن مثل

_ (1) غرض الترمذي ايضا انه من المتشابهات وانه ماول لكنه ذكر تأويلا لا يتوقف على كروية الافلاك والعرش وايضا تأويله مطرد في جميع ما ورد من أمثاله في الأحاديث والآثار فالفضل المتقدم- وقراءة الاية تدل على ان المراد ما ذكره الترمذي فليفهم قلت نعم غرض الترمذي ايضا انه من المتشابهات وانه ماول وما ذكر الترمذي من التأويل لا يتوقف على كروية الافلاك وايضا تأويله مطّرد- لكن غرض المصنف ان كروية الافلاك المشهود عليها ببداهة الحسن ودوران الشمس والقمر لا ينافى هذا الحديث بل هذا التأويل الذي ذكرت يصاعده- فالتأويل الذي به يطابق النقل الحس والعقل اولى وليس فيه رد القول الترمذي وليس بيان احتمال آخر كما تدل عليه كلمة لعل- ولم يقل بل الصواب ونحو ذلك حتى يظهر منه رد قول الترمذي والله اعلم- منه رحمه الله (2) أقول لا معنى للتجلى عند التحقيق الا ظهور الصفات من العلم والقدرة وغيرها على وجه يكون مكشافا وعنوانا للذات فلا نزاع فيما بين الصوفية وغيرهم الا في اللفظ- قلت حمل كلام العقلاء على النزاع اللفظي بعيد من العقلاء- منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : آية 30]

ما بين سماء الى سماء ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه ما بين سماء الى سماء ثم الله فوق ذلك- قلت هذا الاختلاف الوارد في الأحاديث في مسافة البعد اما باختلاف اعتبار السائرين- او المراد كثرة البعد لا تعيين المسافة- وقوله اما واحدة واما اثنان او ثلث شك الراوي- والله اعلم طال الكلام وحاصل المرام ان علم الهيئة باطل أساسا وبناء- والجائز عقلا والثابت شرعا ان الكواكب كلها مرتكزة في السماء الدنيا- قال الله تعالى وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ- كُلٌّ فِي فَلَكٍ اى فلك واحد يسبحون- حسب ارادة الله تعالى فى السرعة والبطوء والجهة كما يسبح السمك في الماء فحينئذ لا حركة للسموات والله اعلم- قال الله تعالى وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) فيه تعليل كانه قال لكونه عالما بكنه الأشياء كلها خلق ما خلق على النمط الأتم الأكمل الانفع- قرا ابو جعفر وابو عمرو والكسائي وقالون وهو وهى بسكون الهاء إذا كان قبل الهاء واو كما هاهنا ونحو وهى تجرى بهم- أو قاء او لام نحو فهو وليّهم- انّ الله لهو الولىّ- فهى كالحجارة- لهى الحيوان- زاد الكسائي وقالون كلمة ثم نحو ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ- وقال البغوي ان في ان يملّ هو ايضا اسكن الكسائي وقالون لكن المشهور عند القراء عدم الإسكان هناك بالإجماع كذا قال الشاطبي-. وَاذكر إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ- تعداد لنعمة ثالثة- فان خلق آدم وتفضيله على الملائكة نعمة تعم ذريته وفيه حث على الإتيان باوامره تعالى- والانتهاء عن مناهيه قال البغوي خلق الله السماء والأرض والملائكة والجن واسكن الملائكة السماء- والجن الأرض- فمكثوا زمانا طويلا في الأرض- ثم ظهر فيهم الحسد والبغي فافسدوا واقتتلوا- فبعث الله إليهم جندا من الملائكة يقالهم الجن وهم خزان الجنان اشتق لهم اسما من الجنة رأسهم إبليس فكان رئيسهم ومرشدهم وأكثرهم علما- فهبطوا الى الأرض وطردوا الجن الى شعوب الجبال وجزائر البحور وسكنوا الأرض وخفف الله عنهم العبادة- واعطى الله إبليس ملك الأرض وملك سماء الدنيا وخزانة الجنة فكان يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء وتارة في الجنة فدخله العجب فقال في نفسه ما أعطاني الله هذا الملك الا لانى أكرم الملائكة عليه فقال الله تعالى له ولجنده إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً- ومما ذكر البغوي يظهران إبليس كان من الملائكة كما يدل عليه ظاهر الاستثناء- فان قيل روى مسلم عن ابى هريرة قال- أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد

وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس- وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في اخر الخلق واخر ساعة من النهار فيما بين العصر الى الليل- وهذا الحديث يدل على ان خلق آدم بعد خلق الأرض يوم سابعة فكيف يتصور مكث الجن زمانا طويلا في الأرض ثم طردهم الى شعوب الجبال وسكونة إبليس وجنوده من الملائكة زمانا طويلا- ثم قوله تعالى لهم إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً- قلت لا دليل في الحديث على ان المراد بالجمعة التي خلق فيها آدم أول جمعة بعد خلق الأرض لعل ذلك الجمعة بعد مضى الدهور- ولولا هذا التأويل لزم خلق السموات والأرض في سبعة ايام والثابت بالقران خلق السموات والأرض في ستة ايام والله اعلم- والمراد بالخليفة آدم عليه السلام فانه خليفة الله في ارضه لاقامة أحكامه وتنفيذ قضاياه وهداية عباده وجذبهم الى الله واعطائهم مراتب قربه تعالى وذلك لا لاحتياج من الله تعالى الى الخليفة بل لقصور المستخلف عليهم عن قبول فيضه وتلقى امره بغير وسط- وكذلك كل نبى بعده خليفة الله قالُوا تعجبا واستخبارا عن مراشد أمرهم لا اعتراضا وحسدا فانهم عباد مكرمون أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ- وهم ذرية آدم- وانما عرفوا ذلك بأخبار من الله تعالى وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ حال مقررة لجهة الاشكال والمعنى أتستخلف العصاة ونحن معصومون احقّاء بالخلافة- والتسبيح تبعيد الله عن السوء من سبح في الأرض والماء اى بعد- وبحمدك في موضع الحال اى متلبسين «1» بحمدك على ما وفقتنا لتسبيحك وَنُقَدِّسُ لَكَ- والتقديس ايضا بمعنى التسبيح ويقال قدس إذا طهر اى بعد عن الاقذار- واللام زائدة اى نقدسك- او المعنى نقدس اى نطهر أنفسنا عن الذنوب لاجلك- كانهم قابلوا الفساد المفسر بالشرك بالتسبيح وسفك الدماء بالتقديس- سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم اى الكلام أفضل قال ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده- رواه مسلم في صحيحه من حديث ابى ذر- وهو صلوة الخلق وعليها يرزقون رواه ابن ابى شيبة عن جابر والبغوي عن الحسن قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) قرا نافع وابن كثير وابو عمر وانّى بفتح الياء والباقون بالسكون- ان الملائكة كانوا يعلمون بأخبار من الله تعالى ان من البشر صالحين وعصاة وكفارا فلا جرم زعموا ان الملائكة أفضل منهم لكونهم كلهم معصومين لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ فاستخلافهم اولى واستخلاف البشر موجب للفساد كما وقع من شرارهم- ولم يعلموا ان الله تعالى يستودع في قلوب بعضهم- محبة ذاتية

_ (1) فى الأصل ملتبسون-

[سورة البقرة (2) : آية 31]

منه تعالى موجبة للمعية الذاتية والمحبوبية الصرفة كما نطق به رأس المحبوبين- المرء مع من أحب- رواه الشيخان من حديث ابن مسعود وانس وابن حبان عن انس وفي الحديث القدسي- لا يزال عبدى يتقرب الى بالنوافل حتى أحببته فاذا أجبته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث- ويكون لهم قرب ومنزلة من الله تعالى لا يتصور لغيرهم- بحيث يكون التقرب الى عباد الله الصالحين موجبا للتقرب اليه تعالى روى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- ان الله تعالى يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدنى قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال اما علمت ان عبدى فلانا مرض فلم تعده اما علمت انك لوعدته لوجدتنى عنده- يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمنى الحديث- اعلم انه قد تقرر عند الأكابر من الصوفية ان ضوء الشمس كما يتحملها الأرض لكثافتها دون غيرها من عناصر الخلق كذلك التجلي الذاتي لا يتحملها الا عنصر التراب واما غيرها من العناصر فلنوع من الكثافة التي فيها يتحمل التجليات الصفاتية دون الذاتية واما لطائف عالم الأمر فلا نصيب لها الا من التجليات الظلية- والإنسان لما كان مركبا من اللطائف العشرة التي هى اجزاء العالم الكبير ولم يجتمع في شىء من افرادها الا بعضها كان هو أهلا للخلافة وحاملا للامانة التي عرضها الله تعالى عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً على نفسه بتحمل ما لم يتحمله غيره جهولا لعظمة المحمول ومسمى بالعالم الصغير صورة واكبر من الكبير معنى- حيث قال الله تعالى لا يسعنى ارضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن- فخلق الله تعالى آدم من أديم الأرض اى وجهها بان قبض من جميع ألوانها وعجنت بالمياه المختلفة وسواه ونفخ فيه الروح اخرج احمد وابو داود والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن مردوية والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنوا آدم منهم الأحمر والأبيض وبين ذلك- والسهل والحزن- والخبيث والطيب- قلت والحكمة فيه استجماع استعداده- قال البغوي- لمّا قال الله تعالى إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالت الملائكة- ليخلق ربنا ما يشاء فلن يخلق خلقا أكرم منا عليه- وان كان فنحن اعلم منه لانا خلقنا قبله وراينا ما لم يره- فاظهر الله تعالى فضله عليهم. وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها قال اهل التفسير المراد اسماء الخلائق- قال البغوي قال ابن عباس ومجاهد وقتادة علمه اسم كل شىء حتى القصعة والقصيعة- وقيل اسم ما كان ويكون

الى يوم القيمة- وقال الربيع بن انس اسماء الملائكة- وقيل اسماء ذريته- وقيل صفة كل شىء قال اهل التأويل علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة- قلت وهذه الأقوال ليست بمرضية عندى فان مدار الفضل على كثرة الثواب ومراتب القرب من الله تعالى دون هذه الأمور- ولو كان هذه الأمور مدارا لفضله لزم فضله على خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم فانه قال أنتم اعلم بامور دنياكم- ولم يكن عليه السلام عالما بجميع اللغات- وعندى ان الله تعالى علم آدم الأسماء الالهية كلها- فان قيل الأسماء الالهية غير متناهية قال الله تعالى لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي- وقال سبحانه وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ- فكيف يحيط به علم البشر الممكن المتناهي- وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم- أسئلك بكلّ اسم سميت به نفسك او أنزلته في كتابك او علمته أحدا من خلقك او استأثرت به في علم الغيب عندك- رواه ابن حبان- والحاكم- وابن ابى شيبة والطبراني- واحمد في حديث ابن مسعود وابى موسى الأشعري يدل على ان الله تعالى استأثر عنده ببعض الأسماء لم يعلّمها أحدا- قلت المراد «1» ان الله تعالى علم آدم الأسماء كلها علما اجماليا فانه لما حصل له معية بالذات تعالت وتقدست حصل له بكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته مناسبة تامة ومعية بحيث انه كلما توجه الى اسم من أسمائه وصفة من صفاته يتجلى له ذلك الاسم والصفة كما انه إذا حصل لرجل ملكة في علم من العلوم كان بحيث كلما يتوجه الى مسئلة من مسائله يحضر تلك المسألة- وليس المراد العلم التفصيلي حتى يلزم المحذور- فان قيل لم يقل بما قلت أحد من المفسرين- فهو قول في القران بالرأى وذلك غير جائز- روى البغوي بطرق عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال في القران برأيه- وفي رواية من قال في القران بغير علم فليتبوأ مقعده من النار- قلت قال البغوي قال شيخنا الامام قد جاء الوعيد فى حق من قال في القران برأيه وذلك فيمن قال من قبل نفسه شيئا من غير علم يعنى التفسير وهو

_ (1) على هذا لا يظهر فضيلة آدم عليه السلام بالنسبة الى الملا الا على والكروبيين فان ولاية الملا الا على ومن في طبقتهم ارفع بكثير على اكثر الولايات البشرية لا سيما الولاية الاسرائيلية فانها شقيقة الولاية المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والتحية- وكل ذلك مصرح به في مكتوبات الشيخ الاجل الرباني مجدد الالف الثاني قدس الله روحه- قلت الظاهر من كلام المجدد رضى الله عنه ان ولاية الملائكة ارفع درجة من ولاية الأنبياء وليس افضلية الأنبياء على الملائكة الا بالنبوة فان الولايات كلها راجعة الى تجليات الصفات- والتجليات الذاتية مختصة بالنبوة ومهبط التجلي الذاتي عنصر الطين ولخلو الملائكة من عنصر الطين اختص النبوة بالبشر وبالنبوة تفضلت الأنبياء على الملائكة وبها لبس خلعة الخلافة وبها وبالقرب الذاتي علم آدم الأسماء كلها علما اجماليا والله اعلم- منه رحمه الله

الكلام في اسباب نزول الاية وشأنها- وقصتها وذلك لا يجوز الا بالسماع بعد ثبوته من طريق النقل- واصل التفسير من التفسرة وهى الدليل من الماء الذي ينظر فيها الطبيب فيكشف عن علة المريض كذلك المفسر يكشف عن شأن الاية وقصتها- فاما التأويل وهو صرف الاية الى معنى محتمل موافق لما قبلها وما بعدها غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط فقد رخص فيه لاهل العلم- واشتقاق التأويل من الاول وهو الرجوع يقال أولته فال اى صرفته فانصرف- روى البغوي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انزل القران على سبعة أحرف لكل اية منها ظهر وبطن ولكل حد مطلع- وروى الطبراني عنه بلفظ- انزل القران على سبعة أحرف لكل حرف منها ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع- قال البغوي- قوله لكل حد مطلع- اى مصعد يصعد اليه من معرفة علمه- يقال المطلع الفهم- وقد يفتح الله على المتدبر والمتفكر في التأويل والمعاني ما لا يفتح على غيره وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ انتهى حاصل كلامه «1» - قلت وما مر من اقوال المفسرين ليس شيئا منها مرفوعا- ولا مما لا يدرك بالرأى حتى يكون في معنى المرفوع بل تأويلات لمعنى الأسماء على حسب آرائهم ومن ثم ترى الاختلاف وما ذكرت لك كذلك- وايضا قول ابن عباس علّمه اسم كل شىء حتى القصعة والقصيعة- وما قيل علّمه اسماء ما كان وما يكون واسماء ذريته وصفة كل شىء لا ينافى تعليمه الأسماء الالهية وهى أفضل مما كان ويكون هو الاول ما كان شىء قبله والاخر لا يكون فيء بعده والظاهر لا شىء فوقه والباطن لا شىء دونه- وانما اقتصر ابن عباس على ذكر اسماء الممكنات خطابا لافهام العوام وكذلك شأن الأكابر يتكلمون الناس على قدر عقولهم والله اعلم ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ قال المفسرون الضمير راجع الى المسميات المذلول عليها ضمنا إذ التقدير اسماء المسميات فحذف المضاف اليه وعوض عنه اللام كما في قوله تعالى اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وتذكير الضمير لتغليب ما اشتمل عليه من العقلاء- وإذا قلت المراد بالأسماء الأسماء الالهية فالضمير راجع الى آدم وجمع الضمير

_ (1) قال الشيخ شهاب الدين السهروردي رضى الله عنه في العوارف- يخالج اسرى ان يكون المطلع ليس بالوقوف بصفاء الفهم على دقيق المعنى- وغامض السر في الاية لكن المطلع ان يطلع عند كل اية على شهود المتكلم بها لانها مستودع وصف من أوصافه ونعت من نعوته فيتجدد له التجليات بتلاوة الآيات وسماعها- وقال المجدد رضى الله عنه في مكتوبه المائة والعشرين من المجلد الثالث- انه يخطر ببالي ان الظهر نظم القران البالغ الى حد الاعجاز والبطن تفسيره وتأويله على اختلاف صفاء الفهم على دقيق المعاني وغامض السر والحد نهاية مراتب الكلام وهو شهود المتكلم بها وهو التجلي النعتى المنبئ عن عظيم الجلال والمطلع ما فوق ذلك التجلي النعتى وهو التجلي الذاتي المعرى عن النسبة والاعتبارات فلابد من الخطوتين خطوة من النظم الدال الى المدلول الذي هو الصفة والخطوة الثانية من الصفة الى الموصوف- وما ذكر الشيخ السهروردي قدس سره الا الخطوة الاولى وأتم بها هذا السير وقال الشيخ في العوارف- نقل عن جعفر الصادق رضى الله عنه انه خر مغشيا عليه وهو في الصلاة فسئل عن ذلك فقال ما زلت اردد الاية حتى سمعتها من المتكلم بها- منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : آية 32]

للتعظيم- او المراد بآدم هو والله كما يقال ربيعة ومضر- كذا قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ فى سورة يونس- ولعل الله سبحانه عرض عليهم آدم ونسمات الأنبياء من ذريته حين أخرجهم من ظهره وأخذ منهم الميثاق واشهدهم على أنفسهم وأخذ من النبيين من محمد صلى الله عليه وسلم ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم عليهم الصلاة والسلام أخذ منهم ميثاقا غليظا وهذا انسب من إرجاع الضمير الى المسميات- لان المسميات غير مذكورة فيما قبل- والضمير للمذكرين العقلاء فلابد فيه من تكلفات- وقرا ابى بن كعب عرضها- وقرا ابن مسعود عرضهنّ- وعلى تينك القراءتين الضمير راجع الى الأسماء- فَقالَ تبكيتا لهم وتنبيها على عدم صلاحيتهم للخلافة أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ المشار اليه هى المسميات على تقرير المفسرين وعلى ما قلت المشار اليه آدم والله والاضافة لادنى ملابسة اى الأسماء التي علمت هؤلاء- حديث كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد- رواه الطبراني عن ابن عباس وابو نعيم في الحلية وابن سعد عن ابى الجدعاء يدل على ان الله سبحانه علمه ما علمه واصطفاه نبيّا بالتجليات الذاتية المختصة بالأنبياء أصالة حين كان آدم بين الروح والجسد يعنى حين تركب روح آدم بجسده فان التجليات الذاتية البحتية كانت مشروطة بالجسد الترابي فاذا صار لادم جسد واستقر نسمات ذريته في ظهره صاروا أهلا لها- إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) انى لا اخلق خلقا الا وكنتم أكرم علىّ منه وأفضل واعلم- قرا قنبل وورش بجعل الهمزة الثانية من هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ياء ساكنة- وقالون والبزي يجعلان الاولى ياء مكسورة وابو عمرو يسقطها والباقون «1» يحققون الهمزتين وكذا في كل همزتين مكسورتين اجتمعتا من كلمتين- وفي رواية عن ورش انه يجعل الثانية ياء مكسورة هاهنا وفي النور عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً واما في غيرهما فكقنبل- واما إذا اجتمعتا مفتوحتين من كلمتين نحو جاءَ أَجَلُهُمْ فورش وقنبل يجعلان الثانية مدة كما في المكسورة- وقالون والبزي وابو عمرو يسقطون الاولى والباقون يحققون الهمزتين واما إذا اجتمعتا مضمومتين من كلمتين وذلك في موضع واحد في الأحقاف أَوْلِياءُ أُولئِكَ فحكمه حكم المكسورة ورش وقنبل يجعلان الثانية واوا ساكنة وقالون والبزي يجعلان الاولى واوا مضمومة وابو عمرو يسقطها والباقون يحققونهما. قالُوا إقرارا بالعجز واعترافا لفضل البشر واستحقاقهم الخلافة واظهار الشكر نعمة ما كشف لهم الحكمة في خلقه سُبْحانَكَ اى نسبحك سبحانا عن خلو افعالك عن الحكم والمصالح لا عِلْمَ لَنا

_ (1) وقرأ ابو جعفر ورويس بتحقيق الاولى وتسهيل الثانية- ابو محمد

[سورة البقرة (2) : آية 33]

لا نحيط بشىء من علمك إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ بخلقك الْحَكِيمُ (32) فى أمرك وله معنيان وهو القاضي العدل والمحكم للامر لا يتطرق اليه الفساد فلما اعترفوا بعجزهم أنعم الله عليهم و. قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ الضمير في بأسمائهم على قول المفسرين راجع الى المسميات- واما على ما قلت فراجع الى الملائكة اى انبئهم بالأسماء التي في وسعهم تعلمها- او التي قدرنا لهم تعلمها- ولم يقل باسمائكم لان تعلم الأسماء كلها لا يمكن الا اجمالا بالوصول الى حضرت الذات وذلك مختص بالبشر دون الملائكة فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيه استذكار لقوله- أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ قرأ الحر ميان وابو عمرو انّى بفتح الياء وكذلك يفتحون كل ياء إضافته بعدها الف قطع مفتوحة الا أحرفا معدودة تذكر في مواضعها ان شاء الله تعالى- ويفتح نافع وابو عمرو عند الالف المكسورة ايضا الا أحرفا معدودة تذكر ان شاء الله تعالى والباقون لا يفتحون الا أحرفا معدودة تذكر ان شاء الله تعالى وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ قال الحسن وقتادة يعنى قولهم أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها- وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) قالا قولهم لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا- قال البغوي قال ابن عباس- هو ان إبليس مر على جسد آدم وهو ملقى بين مكة والطائف لا روح فيه فقال لامر ما خلق هذا ثم دخل في فيه وخرج من دبره وقال انه خلق لا يتماسك لانه أجوف ثم قال للملائكة الذين معه ان فضل عليكم وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون قالوا نطيع امر ربنا- فقال إبليس في نفسه والله لئن سلطت عليه لاهلكنه ولئن سلط علىّ لا عصينه فقال الله تعالى وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ يعنى ما تبديه الملائكة من الطاعة وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعنى ما كتم إبليس من المعصية وفي الاية دليل على ان خواص البشر وهم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة وهم الرسل منهم كما ذهب اهل السنة والجماعة اليه- واما ما قالوا ان عوام البشر اعنى الأولياء منهم الصالحون المتقون أفضل من عوام الملائكة فثابت بالسنة- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن أكرم على الله من بعض ملائكته- رواه ابن ماجة- وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الاخرة قال الله تعالى لا اجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحى كمن قلت له كن فكان- رواه البيهقي في شعب الايمان- ويدل على أفضليتهم اختصاصهم برؤية الله سبحانه في الجنة دون الملائكة- فان قيل روية الله سبحانه في الجنة غير مختص بالأولياء بل يكون لجميع المؤمنين وان كانت على قدر تفاوت درجاتهم فمنهم من يراه غدوة وعشية ومنهم من يراه كل جمعة او بعد سنة او نحو ذلك

[سورة البقرة (2) : آية 34]

فيلزم من ذلك افضلية جميع المؤمنين وان كانوا فساقا على عوام الملائكة فان المؤمنين كلهم يدخلون الجنة ولو بعد العذاب قال الله تعالى- فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ- وقال عليه الصلاة والسلام يخرج من النار من قال لا الله الا الله وفي قلبه وزن برة من خير او من ايمان ويخرج من النار من قالها وفي قلبه وزن ذرة من خير او من ايمان- متفق عليه من حديث انس- وقال ما من عبد قالها ثم مات على ذلك الا دخل الجنة وان زنى وان سرق- وان زنى وان سرق- وان زنى وان سرق- على رغم انف ابى ذر- رواه مسلم من حديث ابى ذر- والقول بافضلية الفساق على المعصومين لا يجوز عقلا ولا شرعا قال الله تعالى- أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ- قلت دخول الجنة للفساق لا يتصور الا بعد المغفرة سواء كانت المغفرة بعد العقاب بمصائب الدنيا او بعذاب في القبر او بعذاب فى النار او بغير شىء من ذلك بالتوبة او بغير التوبة فضلا من الله تعالى وبعد المغفرة لم يبق فسق ولا معصية بل التحقوا بالأولياء المتقين الصلحاء وان كانت مراتب الأولياء أعلى وأجل فحينئذ لا محذور في أفضليتهم على الملائكة والله اعلم- وايضا في الاية دليل على ان علوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة وانهم يستفيدون من البشر- واما قوله تعالى- وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ- فمقتضاه عدم الترقي من مقام الى مقام- يعنى من مقام الأسماء والصفات الى مقام الذات فانه لا يجوز وصولهم الى مقام الذات بخلاف البشر فان له ترقيات من مقام الحجب والحرمان الى مقام الظلال ومنها الى مقام الصفات والأسماء والشئونات ومنها الى مقام الوصول الى الذات وفي ذلك الوصول درجات واعتبارات لا يسعه المقال والمقام-. وَاذكر إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ- قرا ابو جعفر للملائكة اسجدوا بضم التاء بإعطاء حركت همزة الوصل وكذلك قل ربّ احكم بضم الباء والباقون بالكسر- والسجود في الأصل التذلل وفي الشرع وضع الجبهة على الأرض على قصد العبادة- والمأمور به اما المعنى الشرعي فالمسجود له يكون بالحقيقة هو الله تعالى- وجعل آدم قبلة تفخيما لشأنه واعترافا لما أنكروا اولا من فضله- ويدل على ارادة هذا المعنى الشرعي ما رواه احمد ومسلم من حديث ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قرا ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول يا ويله امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلى النار- واللام في لادم حينئذ بمعنى الى كما في قول حسان في مدح الصديق (شعر) أليس أول من صلى لقبلتكم واعرف الناس بالقران والسنن او جعل آدم سببا

[سورة البقرة (2) : آية 35]

لوجوب السجود توبة لما صدر عنهم صورة الاعتراض- واللام حينئذ للسببية نحو صل لدلوك الشمس واما المعنى اللغوي وهو التواضع والتذلل لادم تحية وتعظيما كسجود اخوة يوسف قال البغوي- هذا القول أصح قال ولم يكن فيه وضع الوجه على الأرض انما كان انحناء فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام- قلت لعلهم انما أمروا بتعظيم آدم شكرا له وأداء لحقه في التعليم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- من لم يشكر الناس لم يشكر الله- رواه احمد والترمذي وصححه من حديث ابى سعيد- فَسَجَدُوا يعنى الملائكة كلهم أجمعين إِلَّا إِبْلِيسَ هذا يدل على ان إبليس كان من الملائكة لصحة الاستثناء كما مر عن ابن عباس فعلى هذا لا يكون الملائكة كلهم معصومين بل الغالب منهم العصمة كما ان بعضا من الانس معصومون والغالب منهم عدم العصمة- وقيل كان جنيا نشأ بين الملائكة ومكث فيهم ألوف سنين فغلبوا عليه ويحتمل كون الجن ايضا مامورين بالسجود مع الملائكة لكنه استغنى عن ذكرهم بذكر الملائكة لان الأكابر لما أمروا بالسجود فالاصاغر اولى- ولعل ضربا من الملائكة كانوا متحدى الحنس بالشياطين مختلفين بالعوارض وما روى مسلم عن عائشة خلقت الملائكة من نور وخلقت الجن من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم- يحمل على اختلاف حقيقة بعض الملائكة من حقيقة الجن دون بعضهم وهم الذين لا يوصفون بالذكورة والأنوثة ولا يتوالدون- او يقال النّار والنور حقيقة واحدة والامتياز بينهما بالتهذيب والصفاء وبدونه- وقوله تعالى وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً- وهو قولهم الملائكة بنات الله دليل على اتحاد حقيقتهما والله اعلم بحقيقة الحال- أَبى امتنع من السجود وَاسْتَكْبَرَ من ان يعظّم آدم- او يتخذه وصلة في عبادة ربه- وَكانَ فى علم الله او صار مِنَ الْكافِرِينَ (34) باستقباحه امر الله تعالى إياه بالسجود لادم اعتقادا منه انه أفضل من آدم حيث قال أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ لا بترك الواجب وحده-. وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ- قال البغوي ان آدم لم يكن له في الجنة من يجانسه فنام نومة فخلق الله زوجته حواء من قصيرى شقه الأيسر فلما هب من نومه راها جالسة عند رأسه كاحسن ما خلق الله فقال لها من أنت قالت زوجتك خلقنى الله لك تسكن الىّ واسكن إليك- وانما لم يخاطبهما اولا تنبيها على انه هو المقصود بالحكم وَكُلا مِنْها رَغَداً واسعا كثيرا حَيْثُ شِئْتُما اين شئتما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) منع عن قرب الشجرة مبالغة في النهى عن أكله لان قرب الشيء يورث داعية وميلانا الى ذلك الشيء فيلهيه

[سورة البقرة (2) : آية 36]

عما هو مقتضى العقل والشرع- فالاقتراف بما هو يقرب الى المعصية مكروه والشجرة هى السنبلة على قول ابن عباس ومحمد بن كعب- والعنب على قول ابن مسعود والتين على قول ابن جريح والكافور على قول علىّ وقال قتادة شجرة العلم وفيها من كل شىء- فقيل وقع النهى على جنس من الشجرة- وقيل على شجرة مخصوصة- والظَّالِمِينَ اى الضّارّين أنفسكما بالمعصية واصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه. فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها اى اصدر زلتهما عن الشجرة اى بسبب الشجرة ومن أجل أكلها- او ازلّهما اى اذهبهما اى أبعدهما عن الجنة ويعضده قراءة حمزة فازالهما اى نحاهما- والشيطان من الشطن بمعنى البعد سمى به لبعده من الخير والرحمة- واختلفوا في انه كيف لقى إبليس آدم بعد ما قيل له فَاخْرُجْ ... فَإِنَّكَ رَجِيمٌ- قال البغوي ان إبليس أراد أن يدخل الجنة ليوسوس آدم وحواء فمنعته الخزنة- فاتته الحية وكانت صديقة لابليس وكانت من احسن الدواب لها اربع قوائم كقوائم البعير وكانت من خزان الجنة فسالها إبليس ان يدخله في فمها فادخلته فمرت به على الخزنة وهم لا يعلمون فادخلته الجنة- وكذا اخرج ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس وابى العالية ووهب بن منبه ومحمد بن قيس- وقال الحسن انما راهما على باب الجنة لانهما كانا يخرجان منها- وقال البغوي وقد كان آدم لما دخل الجنة قال لو ان خلدا- فلما دخل الشيطان الجنة وقف بين آدم وحواء وهما لا يعلمان انه إبليس فبكى وناح نياحة احزنتهما وهو أول من ناح- فقالا ما يبكيك قال ابكى عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة فوقع ذلك في أنفسهما واغتما فقال إبليس هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ فابى ان يقبل منه فقاسمهما بالله إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فاغترا وما ظنا ان أحدا يحلف بالله كاذبا- فبادرت حواء الى أكل الشجرة ثم ناولت آدم حتى أكلها- وكان سعيد بن المسيب يحلف بالله ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ولكن حواء سقته الخمر فلما أسكر قادته إليها فاكل- فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ من النعيم قال ابن عباس وقتادة قال الله تعالى لادم الم يكن فيما أبحتك من الجنة مندوحة عن الشجرة قال بلى يا رب ولكن ما ظننت ان أحدا يحلف بك كاذبا- وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الله تعالى يا آدم ما حملك على ما صنعت- قال يا رب زينته لى حواء قال فانى أعقبتها ان لا تحمل الا كرها ولا تضع الا كرها وديتها في الشهر مرتين- فرنت حواء عند ذلك فقيل عليك الرنة وعلى بناتك- وَقُلْنَا اهْبِطُوا اى انزلوا الى الأرض يعنى آدم وحواء وإبليس والحية- بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ حال استغنى

[سورة البقرة (2) : آية 37]

عن الواو بالضمير اى متعادين- روى البغوي عن عكرمة عن ابن عباس قال- لا اعلم الا رفع الحديث انه كان يأمر بقتل الحيات وقال من تركهن خشية او مخافة ثائر فليس منا- وفي رواية- ما سالمناهن منذ حاربناهن- وروى عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ان بالمدينة جنا قد اسلموا فان رايتم منهم شيئا فاذنوه ثلثة ايام فان بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فانه شيطان- وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ موضع قرارا واستقرار وَمَتاعٌ اى تمتع إِلى حِينٍ (36) الى انقضاء اجالكم-. فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ قرا ابن كثير آدم بالنصب وكلمت بالرفع يعنى جاءت الكلمات آدم من ربه وكانت سبب توبته- وقرا الباقون بالعكس اى تعلّم- والكلمات رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا الاية- كذا قال سعيد بن جبير ومجاهد والحسن وقيل غير ذلك من كلمات الدعاء والاستغفار والتضرع قال ابن عباس- بكى آدم وحواء مائتى سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما- ولم يقرب آدم حواء مائة سنة وروى عن يونس بن حباب وعلقمة بن مرثد قالا ولو ان دموع اهل الأرض جمعت لكان دموع داود اكثر حيث أصاب الخطيئة- ولو ان دموع داود مع دموع اهل الأرض جمعت لكان دموع آدم اكثر- قال شهر بن حوشب بلغني انه مكث ثلاثمائة سنين لا يرفع رأسه حياء من الله عز وجل- فَتابَ عَلَيْهِ اى قبل توبته- والتوبة عبارة عن الاعتراف بالذنب والندم عليه والعزم على ان لا يعود- واكتفى بذكر آدم لان حواء كانت تبعا له في الحكم ولذلك طوى ذكر النساء في اكثر القران والسّنن إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرجاع على عباده بالمغفرة- واصل التوبة الرجوع فمن العبد الرجوع من المعصية ومن الله الرجوع عن العقوبة الى المغفرة الرَّحِيمُ (37) المبالغ في الرحمة. قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً- قيل الهبوط الاول من الجنة والثاني من السماء الى الأرض- وقيل كرر للتأكيد او لاختلاف المقصود فان المقصود من الاول العقاب على المعصية ومن الثاني التكليف- وجميعا حال في اللفظ تأكيد في المعنى فلا يستدعى اجتماعهم فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً الفاء للعطف وان حرف شرط وما زائدة أكدت به ان- ولذلك حسن تأكيد الفعل بالنون وان لم يكن فيه معنى الطلب يعنى ان يأتى لكم منى هدى يعنى رسول وكتاب- الخطاب به الى ذرية آدم فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ الشرط الثاني مع جزائه جزاء للشرط الاول

[سورة البقرة (2) : آية 39]

وانما جاء بان حرف الشك لانه محتمل في نفسه غير واجب عقلا- امال الكسائي هداى ومثواى- ومحياى- حيث وقع ورءياك في أول يوسف خاصة- وابو عمرو ورش قرا رءياك خاصة بين بين- قال البيضاوي كرر لفظ الهدى ولم يضمر لانه أراد بالثاني أعم من الاول وهو ما اتى به الرسل واقتضاه العقل اى تبع ما أتاه مراعيا فيه ما شهده العقل- فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلهم وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) على ما خافوا فان الخوف على المتوقع والحزن على الواقع- او المعنى لا خوف عليهم فى الاخرة بحلول مكروه ولا هم يحزنون في الاخرة بفوات محبوب نفى عنهم العذاب واثبت لهم الثواب على ابلغ الوجوه- قرا يعقوب فلا خوف بالفتح باعمال لا والآخرون بالرفع والتنوين. وَالَّذِينَ كَفَرُوا عطف على من تبع كانه قال ومن لم يتبع هداى بل كفروا به وَكَذَّبُوا بِآياتِنا بالقران وغيره من الكتب أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ يوم القيامة هُمْ فِيها خالِدُونَ (39) لا يخرجون منها ولا يموتون فيها- فى القصة دليل على ان الجنة مخلوقة وانها في جهة عالية وان عذاب النار للكفار مخلد تمسكت الحشوية بهذه القصة على عدم عصمة الأنبياء عليهم السلام قالوا كان آدم نبيا وارتكب المنهي عنه- وأجيب بانه لم يكن نبيا حينئذ والمدعى يطالب بالبرهان- او كان النهى للتنزيه وانما سمى نفسه ظالما وخاسرا لانه ظلم نفسه وخسر حظه بترك الاولى- او انه فعل ناسيا لقوله تعالى- فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً- لعله لما قاله إبليس ما نهاكما ربّكما وقاسمهما أورث فيه ميلانا طبعيا ثم انه كف نفسه عنه مراعاة لحكم الله الى ان نسى ذلك وزال شعوره بشرب الخمر فحمله الطبع عليه وانما عوتب بترك التحفظ عن اسباب النسيان- ولعله وان حط عن الامة لم يحط عن الأنبياء لعظم قدرهم- ويحتمل ان يكون رفع الخطاء والنسيان خاصة لهذه الامة- وسيجيئ المسألة اخر السورة- او فعله بسبب خطاء في اجتهاده حيث ظن النهى للتنزيه- او الاشارة الى عين تلك الشجرة فتناول من غيرها من نوعها وكان المراد في النهى الاشارة الى النوع وانما جرى عليه ما جرى على طريق السببية المقدرة دون المؤاخذة كتناول السم على الجهل والله اعلم- ولما ذكر الله تعالى دلائل التوحيد والنبوة وخاطب الناس عامة وعدّ انعاماته العامة- خاطب بنى إسرائيل خاصة وذكّرهم النعماء التي اختصت بهم لان السورة مدنية وكان غالب الخطاب في المدينة مع اليهود لانهم كانوا اهل علم والناس تبع لهم فلو اعترفوا بالنبوة اعتراف غيرهم

[سورة البقرة (2) : آية 40]

بتقليدهم وكان حجة على غيرهم- فقال. يا بَنِي إِسْرائِيلَ اى أولاده والابن من البناء لانه مبنى أبيه ولذلك ينسب المصنوع الى الصانع- ويقال ابو الحرب وبنت فكر- وإسرائيل لقب يعقوب عليه السلام ومعناه بالعبرية عبد الله وايل هو الله- وقيل صفوة الله- وقرا ابو جعفر إسرائيل بغير همزة اذْكُرُوا احفظوا- والذكر يكون بالقلب وباللسان فانه دليل على ذكر القلب وقيل اشكروا لان فى الشكر ذكرا- قال الحسن- ذكر النعمة شكرها- نِعْمَتِيَ لفظها واحد ومعناها جمع الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ- قيد النعمة بهم حتى يحملهم على الرضاء والشكر- واما النعمة على غيرهم فقد يوجب الغيرة والحسد قال قتادة هى النعم التي خصت بها بنوا إسرائيل من فلق البحر وانجائهم من فرعون باغراقه وتظليل الغمام في التيه- وإنزال المن والسلوى- وبعث الأنبياء فيهم- وجعلهم ملوكا وإنزال التورية وغيرها- وقال غيره هى جميع النعم على العباد وَأَوْفُوا بِعَهْدِي بالايمان والطاعة أُوفِ بِعَهْدِكُمْ بالاثابة- والعهد يضاف الى المعاهد والمعاهد- ولعل اولا أضاف الى الفاعل وثانيا الى المفعول فان الله تعالى عهد إليهم بالايمان ووعدهم بالثواب- او في كليهما أضاف الى المفعول اى أوفوا بما عاهدتمونى أوف بما عاهدتكم- اخرج ابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس قال- أوفوا بعهدي في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم أوف بعهدكم في رفع الاصار والاغلال- قال البغوي قال الكلبي عهد الله الى بنى إسرائيل على لسان موسى انى باعث في بنى إسماعيل نبيا اميا فمن تبعه وصدّق بالنور الذي يأتى به غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين وهو قوله وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعنى في امر محمد صلى الله عليه وسلم- قلت وهذا قوله تعالى في جواب ما قال موسى رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ- الى قوله إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ- الاية- وقال قتادة ومجاهد أراد بها ما ذكر في المائدة وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً الى ان قال لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ الاية- وقال الحسن هو قوله وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ- فهو شريعة التورية- قلت وان هذين القولين راجعان الى ما قال ابن عباس والكلبي فان في الاول وآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ- وكذلك شريعة التورية حاكمة بالايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم

[سورة البقرة (2) : آية 41]

والا فهى منسوخة وَإِيَّايَ منصوب بفعل مقدر بعده يفسّره فَارْهَبُونِ (40) فخافون في نقض العهد وفي كل فعل وترك- والرهبة خوف معه تحرز- وهذا أكد في إفادة التخصيص من ايّاك نعبد لما فيه من تقديم المفعول وتكريره وتكرير الفعل تقديرا ولفظا والفاء الجزائية- تقدير الكلام ان كنتم راهبين فاياى ارهبوا فارهبونى- والاية متضمنة للوعد والوعيد دالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وان المؤمن ينبغى ان لا يخاف أحدا الا الله- اثبت يعقوب الياءات المحذوفة في الخط مثل فارهبون فاتّقون- واخشون كلها وجملتها احدى وستون ياء لا غير- واثبت نافع في رواية ورش منها في الوصل سبعا وأربعين وفي رواية قالون عشرين- واختلف عن قالون في اثنين وهما التّلاق- والتّناد- فى غافروا ثبت ابن كثير في الوصل والوقف احدى وعشرين واختلف عنه في ست تقبّل دعاء في ابراهيم- يدع الدّاع في القمر- بالواد- وأكرمن- وأهانن في الفجر فاثبت الخمس البزي في الحالين- واثبت قنبل انّه من يتّق في يوسف في الحالين وبالواو في الفجر في الوصل فقط وفيه خلاف عنه واثبت ابو عمرو من ذلك في الوصل خاصة أربعا وثلثين وخير في أكرمن وأهانن- واثبت الكسائي ياءين يوم يأت في هود وما كنّا نبغ في الكهف لا غير- واثبت حمزة في الوصل خاصة وتقبّل دعاء في ابراهيم- وفي الحالين أتمدّونن في النمل لا غير وحذف كلهن عاصم واختلف عنه في يائين في النمل فما ءاتان الله فتحها حفص فى الوصل وأثبتها ساكنة في الوقت وفي الزخرف يعباد لا خوف فتحها ابو بكر في الوصل وأسكنها في الوقف وشعبة بحذف الاولى كحفص في الاخرى- واثبت ابن عامر في رواية هشام ثمّ كيدون في الأعراف وفي رواية ابن ذكوان في الكهف فلا تسئلنى- وسياتى جميع ما ورد من ذلك الاختلاف في أماكنها ان شاء الله تعالى-. وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ يعنى القران عطف تفسيرى على أوفوا او تخصيص بعد التعميم فان الايمان هو العمدة في الوفاء بالعهود مُصَدِّقاً اى موافقا في القصص وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ونعته وفي الوعد والوعيد والدعوة الى التوحيد- والايمان بالأنبياء بلا تفريق بينهم وبما جاءوا به من ربهم والى امتثال الأوامر والانتهاء عن المناهي- او شاهدا على كونها من الله تعالى لِما مَعَكُمْ من الكتب الالهية التورية وغيرها- وفي التقييد بكون القران مصدّقا لمّا معهم تنبيه على ان اتباعها يوجب الايمان به ولذلك عرّض بقوله وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ-

[سورة البقرة (2) : آية 42]

بل الواجب ان تكونوا أول من أمن به كما ان ورقة بن نوفل لما كان عالما بالتورية صار أول من أمن به- فالمراد به التعريض دون الحقيقة كقولك اما انا فلست بجاهل فلا يقال كيف نهوا عن التقدم في الكفر مع سبق مشركى مكة فيه- او المراد ولا تكونوا أول كافر من اهل الكتاب او أول من كفر بما معه فان الكفر بالقران كفر بما يصدقه- قلت او المراد بالاولية الاولية بالذات «1» يعنى كونهم سببا لكفر غيرهم فان ايمان العلماء والأحبار والرؤساء سبب لايمان غيرهم وكفرهم سبب لكفر غيرهم- فلذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الا ان شر الشرار شرار العلماء- وان خير الخيار خيار العلماء رواه الدارمي من حديث الأحوص بن حكيم عن أبيه- والمعنى لا تكونوا سببا لكفر اتباعكم فيكون عليكم اثم الأريسيين وأول كافر خبر من ضمير الجمع بتأويل أول فريق- او بتأويل أول فريق- او بتأويل لا يكن كل واحد منكم أول كافر كقولك كسانا حلة- وأول افعل لا فعل له من لفظه- وقيل أصله أوال من وال على وزن سأل أبدلت همزته واوا من غير قياس او ااول من أول قلبت الهمزة واوا وأدغمت- قال البغوي نزلت الاية في كعب بن اشرف وأصحابه من علماء اليهود وَلا تَشْتَرُوا اى لا تستبدلوا بِآياتِي اى بالايمان بايات القران اولا تستبدلوا بايات التورية ببيان نعت محمد صلى الله عليه وسلم ثَمَناً اى عرضا من الدنيا قَلِيلًا فان اعراض الدنيا وان جلت فهى قليلة رذيلة بالاضافة الى ما يفوتهم من حظوظا لاخرة وذلك ان رؤساء اليهود وعلماءهم كانت لهم مأكلة يصيبونها من سفلتهم وجهّالهم يأخذون كل عام منهم شيئا معلوما من ذروعهم وضروعهم ونقودهم فخافوا فواتها ان بينوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم واتبعوه- فاختاروا الدنيا على الاخرة وغير وانعته وكتموا اسمه وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) بالايمان واختيار الاخرة على الدنيا- وهذا مثل فايّاى فارهبون- غير ان في الاية السابقة خطاب لعوام بنى إسرائيل ولذا فصلت بالرهبة التي هى مقدمة التقوى وفي الثانية خطاب لعلمائهم ولذلك فصلت بالتقوى الذي هو منتهى الأمر-. وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ اى

_ (1) لا يخفى ان الاولية بالذات يستلزم التقدم بحسب الزمان او المعية بحسبه فالاشكال بسبق مشركى مكة فيه باق كما كان ويحتاج في بيان سببية كفرهم لكفر غيرهم من التخصيص باتباعهم وهو تطويل للمسافة بلا طائل قلت كفر اهل الكتاب سبب لكفر غيرهم من الأميين حيث يزعمون لو كان الإسلام حقّا لما تركه اهل الكتاب فهو سبب لثبات مشركى مكة على كفرهم- فسبق كفر مشركى مكة بالزمان لا ينافى اولية كفر اهل الكتاب بالذات وكونه سببا لكفرهم يعنى لثباتهم على الكفر والله اعلم- منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : آية 43]

لا تخلطوا- واللبس الخلط وقد يلزمه جعل الشيء مشتبها بغيره- يعنى لا تخلطوا الحق الذي أنزلت عليكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم بالباطل الذي تكتبونه بايديكم من التغير حتى لا يمين بينهما- وقال مقاتل ان اليهود أقرّوا ببعض صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتموا بعضا ليصدّقوا فى ذلك فالحق إقرارهم وبيانهم والباطل كتمانهم- وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ مجزوم داخل تحت حكم النهى اى لا تكتموا- او منصوب بإضمار ان بعد الواو للجمع اى لا تجمعوا بين لبس الحق بالباطل وكتمان الحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) انه نبى مرسل وانكم تكتمون صفته فانه أقبح فان الجاهل قد يعذر-. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ اى صلوة المسلمين وزكاتهم- فيه دليل على ان الكفار مخاطبون بالفروع- والزكوة مشتق من زكا الزرع إذ انما- او من تزكّى اى تطهر فان فيه تطهير المال وتنميته قال الله تعالى- يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ- وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) مع المصلين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه- ذكر بلفظ الركوع وهو ركن من اركان الصلاة لان صلوة اليهود لم يكن فيه ركوع- وفيه حث على الصلاة بالجماعة (مسئلة) الجماعة ركن عند داود- وقال احمد فريضة وليست بركن وعند الجمهور سنة مؤكدة قريب من الواجب يترك سنة الفجر مع كونها أكد السنن عند خوف فواتها- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة الجماعة تفضل صلوة الفرد بسبع وعشرين درجة- متفق عليه من- حديث ابن عمر. أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ- اى بالطاعة وفيه تقرير مع توبيخ وتعجيب والبرّ التوسع في الخير مشتق من البر وهو الفضاء الواسع يتناول كل خير- قال البغوي نزلت في علماء اليهود وذلك ان الرجل منهم كان يقول لقريبه وحليفه من المسلمين إذا ساله عن امر محمد صلى الله عليه وسلم اثبت على دينه فان امره حق وقوله صدق- وكذا اخرج الواحدي عن ابن عباس- وقيل هو خطاب لاحبارهم حيث أمروا اتباعهم بالتمسك بالتورية وهم خالفوا التورية وغيروا نعت محمد صلى الله عليه وسلم فيه- وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ تتركونها من البر كالمنسيات- وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ التورية وفيها نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته وفيها الوعيد على العناد ومخالفة القول العمل وترك البر أَفَلا تَعْقِلُونَ (44) قبح صنعكم او أفلا عقل لكم يمنعكم عما تعلمون قبح عاقبته- والعقل في الأصل الحبس ومنه

[سورة البقرة (2) : آية 45]

عقال الدابة- فان العقل يمنع الإنسان عما يضره يعنى ما تفعلون مخالف للعلم والعقل- روى البغوي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رايت ليلة اسرى بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبرئيل قال هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب- وروى ايضا عن اسامة بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق اقتابه فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع اهل النار عليه فيقولون اى فلان ما شأنك الست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت أمركم بالمعروف ولا اتيه وأنهاكم عن المنكر واتية- قال البيضاوي المراد بالآية حث الواعظ على تزكية النفس وتكميله لا منع الفاسق عن الوعظ فان الإخلال بأحد الامرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالاخر- قلت فمعنى قوله تعالى. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ان معصية العالم اكبر مقتا عند الله من معصية الجاهل لا ان امره بالمعروف ممقوت- والله اعلم ثم لمّا أمرهم الله تعالى بما شق عليهم من ترك الرياسة والاعراض عن الدنيا ارشدهم بما يعينهم على ذلك ويكفيهم في إنجاح حوائجهم فقال. وَاسْتَعِينُوا على ما يستقبلكم من الحوائج وانواع البلاء بِالصَّبْرِ بانتظار النجح والفرح توكّلا على الله وحبس النفس عن الجزع فانه لا يغنى من القدر شيئا وحبس النفس عن المعاصي وعلى الطاعات فانه تعالى يقول ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ- وقال مجاهد أراد بالصبر الصوم ومنه سمى شهر رمضان شهر الصبر وذلك ان الصوم يزهده في الدنيا والصلاة يرغبه في الاخرة- وَالصَّلاةِ قيل الواو بمعنى على اى استعينوا بالصبر على الصلاة- قال الله تعالى- وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها- او هى بمعناها وللصلوة مدخلا فى دفع الهموم وإنجاح الحوائج- روى احمد وابو داود وابن جرير من حديث عبد العزيز أخي حذيفة بن اليمان انه عليه الصلاة والسلام- كان إذا خرّ به امر فزع الى الصلاة- ويجوز ان يراد بها الدعاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له حاجة الى الله او الى أحد من بنى آدم فليتوضأ وليحسن وضوءه ثم ليصل ركعتين ثم يثنى على الله ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم- وليقل لا الله الا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العلمين أسئلك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل اثم لا تدع لى ذنبا الا غفرته ولا هما الا فرجته

[سورة البقرة (2) : آية 46]

ولا حاجة هى لك رضا الا قضيتها يا ارحم الراحمين- رواه الترمذي من حديث عبد الله بن ابى اوفى- والحاكم في المستدرك نحوه- وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ اى الاستعانة بهما- او جملة ما أمروا بها ونهوا عنها- او كل واحد من الخصلتين كما في قوله تعالى- كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها اى كل واحدة منهما او الصلاة ان كانت الواو في والصّلوة بمعنى على وقيل خصت الصلاة برد الضمير إليها لعظم شأنها- او استجماعها ضروبا من الصبر كما قال الله تعالى- وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ- ان رضاء الرسول داخل في رضاء الله تعالى وقيل معناه استعينوا بالصبر وانه لكبير وبالصلوة وانها لكبيرة اى ثقيلة شاقة فحذف أحدهما اختصارا إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45) والخشوع السكون ومنها الخشعة للرملة المتطأمنة- وهو في الصوت والبصر قال الله تعالى- خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ- وقال- خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ- والخضوع اللين والانقياد- ولذلك يقال الخشوع بالجوارح والخضوع بالقلب- والمراد المؤمنين الساكنين الى طاعة الله تعالى الخائفين المتواضعين-. الَّذِينَ يَظُنُّونَ اى يتوقعون لقاء الله او يستيقنون به- قال البغوي- الظن من الاضداد يكون شكا ويقينا يعنى مشترك بينهما- او يقال اطلق على اليقين مجازا لما شابهه في الرجحان قلت وفي إيراد لفظ الظن هاهنا دون العلم واليقين اشعار بان من كان غالب ظنه انه ملاقى الله وان الله تعالى مجازيه على اعماله فالعقل الصحيح يهوّن عليه الصبر على الطاعة وعن المعصية مخافة الضرر الا ترى ان من كان غالب ظنه ان ماء القدح مسموم فهو يصبر على مشقة العطش ولا يشرب من ذلك الماء وكذا من كان غالب ظنه ان ما في القدح يورث الشفاء والقوة فهو يصبر على مرارته ويشربه- فكيف من كان يؤمن بالله وبجزائه فانه يستحقر المشقة نظرا الى تحصيل رضائه وعظم جزائه بل يستلذ بامتثال امر المحبوب وتوقع لقائه ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام جعلت قرة عينى في الصلاة- أخرجه الحاكم والنسائي- أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ اى معاينوه يرونه في الاخرة- والصلاة معراج المؤمن تكون للعبد وسيلة الى رؤية الله قال الله تعالى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً وعن ربيعة بن كعب قال كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتيته بوضوئه وحاجته فقال لى سل فقلت أسئلك مرافقتك في الجنة قال او غير ذلك قال هو ذاك قال فاعنّى على نفسك بكثرة السجود- رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- اقرب ما يكون العبد الى الرب وهو ساجد-

[سورة البقرة (2) : آية 47]

رواه مسلم وقيل المراد باللقاء الصيرورة والحشر اليه-. وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) فيجازيهم بأعمالهم- وملاحظة الرجوع الى الله يهون الصبر عليه ولذلك سن للمصاب قول إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ-. يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ كرره للتأكيد وتذكير التفضيل وهو أجل النعم وربطه بالوعيد الشديد وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ يريد تفضيل ابائهم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام وبعده ما لم يغيروا دينهم- فضلهم الله تعالى بما سنح عليهم من النبوة والكتاب والايمان والعلم والأعمال الصالحة والملك والعدالة ومناصرة الأنبياء وانما عد نعمة عليهم لان فضل الآباء يوجب شرفا في الأبناء- وفيه حثهم على تحصيل ذلك الفضل إذ لم يكن فضلهم الا باتباع الوحى والأنبياء والكتاب ويمكنهم تحصيله باتباع محمد صلى الله عليه وسلم والقران وفيه اتباع موسى والتورية عَلَى الْعالَمِينَ (47) اى على عالمى زمانهم كذا اخرج ابن جرير عن مجاهد وابى العالية وقتادة- او على من لم يستجمع ذلك الفضائل من العالمين. وَاتَّقُوا يَوْماً اى ما فيه من العذاب لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ كافرة- للايات والأحاديث الدالة على الشفاعة لاهل الكبائر وعليه انعقد الإجماع شَيْئاً من الحقوق فنصبه على المفعولية او لا تجزى شيئا من الجزاء فنصبه على المصدرية- وقيل لا تغنى شيئا من الإغناء وقيل لا تكفى شيئا من الشدائد- والعائد محذوف تقديره لا تجزى فيه ومن لم يجوز حذف العائد قال اتسع فيه فحذف الجار وأجري مجرى المفعول به ثم حذف وَلا يُقْبَلُ قرا ابن كثير وابو عمرو ويعقوب بالتاء المنقوطة من فوق والباقون بالياء فان الفاعل مؤنث غير حقيقى يجوز فيه التذكير والتأنيث مِنْها اى من العاصية او من الشافعة شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ اى فدية وقيل البدل وأصله التسوية وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) يمنعون من عذاب الله تعالى- والضمير لما دلت عليه النفس الثانية المنكرة الواقعة فى سياق النفي الدالة على العموم والكثرة- أريد بالآية نفى ان يدفع العذاب عن أحد من الكفار أحد بوجه من الوجوه- فانه اما ان يكون قهرا فهو النصرة- او بلا قهر مجانا وهو الشفاعة- او بأداء ما كان عليه وهو ان يجزى عنه او بغيره وهو ان يعطى عنه عدلا- والاية نزلت ردا لما كانت اليهود تزعم ان آباءهم يشفعهم-. وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ- اى اسلافكم تفصيل لما أجمله من النعم عطف على نعمتى عطف الخاص

[سورة البقرة (2) : آية 50]

على العام وفيه منة عليهم حيث نجوا بنجاتهم مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ اى اتباعه واهل دينه أصله اهل بدليل اهيل خص بالاضافة الى العظماء من الأنبياء والملوك- وفرعون لقب لملك العمالقة وكان فرعون موسى وليد بن مصعب بن الريان عمّر اكثر من اربعمائة سنة- وفرعون يوسف ريان وكان بينهما اكثر من اربعمائة سنة- يَسُومُونَكُمْ يكلفونكم ويذيقونكم- واصل السوم الذهاب في طلب الشيء وقيل معناه يصرفونكم في اصناف العذاب كالابل السائمة في البرية وذلك ان فرعون جعل بنى إسرائيل أصنافا في الأعمال يبنون ويحرثون- ويحملون الأثقال- ويؤدون الجزية والنساء يغزلن لهم سُوءَ الْعَذابِ اى أشده وسواه وهو مصدر ساء يسوء- مفعول ليسومونكم والجملة حال من الضمير في نجينكم- او من ال فرعون- او منهما جميعا يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ بيان ليسومونكم ولذلك لم يذكر بالعطف بل على البدل وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ- قال البغوي وذلك ان فرعون راى في منامه كانّ نارا أقبلت من بيت المقدس وأحاطت بمصروا حرقت لكل قبطى بها ولم يتعرض لبنى إسرائيل فهاله ذلك وسال الكهنة عن رؤياه فقالوا يولد في بنى إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك- كذا اخرج ابن جرير عن السدى- قال البغوي- فامر فرعون بقتل كل غلام يولد في بنى إسرائيل وجمع القوابل فقال لهن لا يولد غلام من بنى إسرائيل الا قتل ولا جارية الا تركت حتى قيل انه قتل في طلب موسى اثنى عشر الف صبى- وقال وهب- بلغني انه ذبح تسعون الفا «1» - ثم اسرع الموت في مشيخة بنى إسرائيل فدخل رءوس القبط على فرعون وقالوا ان الموت قد وقع في بنى إسرائيل فيذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك ان يقع العمل علينا فامر فرعون ان يذبحوا سنة ويتركوا سنة فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها وموسى في السنة التي يذبحون فيها وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ البلاء معناه الاختبار فتارة تكون بالشدة والعذاب يختبر مصابرتهم- وتارة بالنعمة والرخاء يختبر به شكرهم قال الله تعالى- وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً- فالواجب الشكر عند الرخاء والصبر عند الشدة- والمشار اليه بذلكم اما انجاؤهم من ال فرعون فالمراد به الثاني- واما سومهم سوء العذاب فالمراد به الاول مِنْ رَبِّكُمْ بتسليط فرعون او ببعث موسى وتوفيقه تخليصكم عَظِيمٌ (49) صفة بلاء-. وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فلقناه بدخولكم- وقيل معناه فرقنا لكم وذلك انه لما دنا هلاك فرعون وامر الله موسى ان يسرى ببني إسرائيل امر موسى قومه ان يسيروا بالليل ويسرّجوا

_ (1) فى الأصل تسعون الف 12

فى بيوتهم- واخرج الله كل ولد زنا في القبط من بنى إسرائيل إليهم وبالعكس والقى الموت على القبط واشتغلوا بدفنهم حتى أصبحوا وطلعت الشمس وخرج موسى في ستمائة الف او اكثر- وكانوا دخلوا مصر مع يعقوب اثنين وسبعين إنسانا- فلما أرادوا السير في الليل ضرب عليهم التيه فلم يدراين يذهبون- فسال مشيخة بنى إسرائيل فقالوا ان يوسف لما حضره الموت أخذ على اخوته عهدا ان لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم فسالهم عن قبره فلم يعلموا فنادى موسى انشد الله كل من يعلم موضع قبر يوسف الا أخبرني به ومن لم يعلم به فصمت أذناه عن قولى- فلم يسمع الا عجوز فقالت لو دللت أتعطيني كل ما سالتك فابى وقال حتى اسئل ربى فامره الله- فقالت لا أستطيع المشي فاخرجنى من مصر وفي الاخرة لا تنزل في غرفة من الجنة الا نزلتها معك قال نعم- قالت «1» انه في جوف النيل فدما الله فحسر عنه فاخرجه في صندوق وحمله ودفنه بالشام- فساروا وموسى على ساقتهم وهارون على مقدمتهم- وامر فرعون قومه ان لا يخرجوا في طلب بنى إسرائيل حتى يصيح الديك فو الله ما صاح ديك تلك الليلة- فخرج فرعون وعلى مقدمته هامان في الف الف وسبعمائة الف- وكان فيهم سبعون الفا من دهم- فسارت بنوا إسرائيل الى البحر والماء في غاية الزيادة- فاذا هم بفرعون حين أشرقت فتحيروا- فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ موسى كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ فاوحى الله اليه أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وظهر فيه اثنا عشر طريقا بعدد الأسباط وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى يبس الطرق وخاضت كل سبط بنى اسراءيل في طريق ولا يرى بعضهم بعضا بحجاب الماء فخافوا على إخوانهم بالغرق- فاشتبك الماء بإذن الله حتى يرى بعضهم من بعض ويسمع فعبروا سالمين. فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ- وذلك ان فرعون لما راى البحر منفلقا قال هذا من هيبتى حتى أدرك عبيدى الآبقين- وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون أنثى فجاء جبرئيل على فرس أنثى فاقتحم البحر فلما اشتم أدهم فرعون ريحها اقتحم البحر في اثرها وهم لا يرونه ولا يملك فرعون من امره شيئا واقتحم الخيول جملة خلفه في البحر وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يسوقهم ويقول الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم وكان بين طرفى البحر اربعة فراسخ وهو بحر قلزم بحر من بحار فارس

_ (1) فى الأصل قال 13

[سورة البقرة (2) : آية 51]

قال قتادة بحر من وراء مصر يقال له اساف وذلك بمراء من بنى إسرائيل فذالك قوله تعالى وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) الى مصارعهم-. وإذ وعدنا- قرا ابو جعفر وابو عمرو وعدنا ووعدنكم حيث وقع بلا الف والباقون واعدنا بالألف ومعناهما واحد نحو عاقبت اللص- وقال الزجاج كان من الله الأمر ومن موسى القبول ومن ثم ذكر المواعدة- وقيل وعد الله الوحى ووعده موسى «1» المجيء الى الطور مُوسى قرا حمزة والكسائي بالامالة وكذا يميلان كل ما كان من الأسماء والافعال من ذوات الياء نحو موسى وعيسى ويحيى والموتى- وطوبى- وأخرى- وكسالى وأسارى- ويتمى وفرادى ونصرى- والأيامى والحوايا وبشرى وذكرى- وضيزى وشبهها مما الفه للتانيث وكذلك العمى والهدى والضّحى والرّؤيا- ومأويه وماويكم- ومثويه- ومثويكم وما كان مثله من المقصور وكذلك الأدنى- وازكى واولى وأعلى وشبهها من الصفات وكذا نحو اتى وسعى وزكّى- فسوّى- ويخفى ويرضى- ويهوى وشبهها من الافعال مما الفه منقلبة من ياء وكذلك اما لا انّى التي بمعنى كيف نحو انّى شئتم وانّى لك- وكذلك متى وبلى وعسى حيث كان وكذلك ما أشبهه مما هو مرسوم بالياء ما خلا حمس وهى حتّى ولدى وعلى والى وما زكى فانها مفتوحات اجماعا- وكذلك مفتوح بالإجماع جميع ذوات الواو من الأسماء والافعال نحو الصّفا وسنا برقه وبدا ودنا وعفا وعلا وشبهها ما لم يقع بين ذوات الياء فى سورة اواخر ايها ياء او تلحقه زيادة نحو تدعى- وتبلى- فمن اعتدى ومن استعلى وانجيكم ونجّينا ونجّيكم- وزكّيها وشبهها فانها بالزيادة التحقت بذوات الياء- وقرا ابو عمرو بالامالة مما تقدم ما كان فيها راء بعدها ياء وما كان راس اية في سورة او اخر ايها على ياء هاء والف او كان على وزن فعلى بفتح الفاء «2» او الكسر او الضم ولم يكن فيه راء قراها بين اللفظين وما عدا ذلك بالفتح- وقرا ورش جميع ذلك بين بين الا ما كان في سورة او اخر ايها على هاء والف فانه أخلص الفتح فيه- وامال ابو بكر رمى في الأنفال وأعمى في الموضعين في سبحان وتابعه ابو عمرو على امالة أعمى في الاول لا غير وفتح ما عدا ذلك وامال حفص مجريها في هود لا غير- وروى عن ابى عمرو يويلتى يحسرتى وانّى إذا كان استفهاما بين اللفظين ويا سفى بالفتح- وكلما ذهب الالف الممال لاجتماع الساكنين وصلا لا يمال وصلا ويمال وقفا نحو هدى للمتّقين- وموسى الكتب فعند الوقف على هدى

_ (1) في الأصل الموسى (2) فى الأصل بفتح العين وهو سبق قلم او من الناسخ- ابو محمد عفا الله عنه

وموسى يمال لا وصلا- وروى اليزيدي عن ابى عمرو امالة الراء مع الساكن وصلا نحو يرى ويرى الذين أمنوا- والنّصرى المسيح- والكبرى اذهب- والقرى الّتى وشبهها- وتفرد الكسائي بامالة أحيا- فاحيا به- وأحياها حيث وقع وخطيكم- وخطيهم وخطينا- ورؤيا ورءياى- ومرضات الله ومرضاتى حيث وقع وحقّ تقته في ال عمران قد هدان في الانعام ومن عصانى في ابراهيم- وما أنسانيه في الكهف وآتاني الكتب وأوصاني بالصّلوة في مريم ممّا آتان الله في النمل- ومحياهم في الجاثية- دحيها فى النازعت- تلها وطحيها في والشمس وسجى في والضحى واتفق الكسائي مع حمزة في امالة يحيى- ولا يحيى- وأمات وأحيا إذا كان منسوقا بالواو ولا غير والدّنيا والعليا والحوايا- والضّحى وضحيها والرّبوا وانّنى هدينى وآتاني في هود ولو انّ الله هدينى- ومنهم تقة- ومزجية واناه وتابعهما هشام في امالة اناه فقط وفتح الباقون جميع ذلك- أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثلثون من ذى القعدة وعشر من ذى الحج- لما عادوا الى مصر بعد هلاك فرعون وعد الله موسى ان ينزل عليه التورية فقال موسى انّى ذاهب الى ربّى وواعدهم أربعين ليلة واستخلف هارون وجاء جبرئيل على فرس الحيوة لا يصيب شيئا الا احيى ليذهب بموسى الى ربه فلما راى السامري موضع الفرس يخضر وكان رجلا صائغا من اهل باجرمى وقيل من اهل كرمان وكان منافقا اظهر الإسلام وكان من قوم يعبدون البقر أخذ قبضة من تربة حافر فرس جبرئيل وكان بنوا إسرائيل استعاروا حليا كثيرة من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر لعلة عرس لهم فاهلك الله فرعون وبقيت الحلي عندهم- فلما فصل موسى قال السامري ان الحلي التي استعرتم من قوم فرعون غنيمة لا تحل لكم فاحفروا حفرة وادفنوا فيها حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه- وقال السدى أمرهم بها هرون- فاخذ السامري وصاغها عجلا في ثلثة ايام والقى فيها القبضة التي أخذها من تراب حافر فرس جبرئيل فخرجت عجلا من ذهب مرصعا بالجواهر يخور خورة ويمشى- فقال السامري هذا إل هكم وإله موسى فنسى- وكان «1» بنوا إسرائيل عدوا اليوم مع الليلة يومين فلما مضت عشرون يوما ولم يرجع موسى قالوا مات فوقعوا في الفتنة بروية العجل وأضلهم السامري- وقيل كان موسى وعد لهم ثلثين ليلة ثم زيدت العشرة وفيها فتنتهم فعبدوا العجل كلهم الا هارون مع اثنى عشر الف رجل- ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ الها- اظهر ابن كثير وحفص الذال من أخذت واتّخذت وما ورويس بخلاف عنه- ابو محمد

_ (1) فى الأصل وكانت.

[سورة البقرة (2) : آية 52]

كان من لفظه حيث وقع والباقون يدغمونها مِنْ بَعْدِهِ اى موسى يعنى بعد ذهابه وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (51) ضارون أنفسكم واضعون العبادة في غير موضعه. ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ حين تبتم- والعفو محو الجريمة من عفا إذا درس- مِنْ بَعْدِ ذلِكَ الاتخاذ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) لكى تشكرون- قيل الشكر هو الطاعة ويكون بالقلب واللسان والجوارح قال الحسن- شكر النعمة ذكرها- وقال سيد الطائفة جنيد شكر النعمة صرفها في رضاء المنعم- وقيل حقيقة الشكر العجز عن الشكر- قال البغوي حكى عن موسى قال- الهى أنعمت علىّ النعم السوابغ وأمرتني بالشكر وانما شكرى إياك نعمة منك- قال الله تعالى يا موسى تعلمت العلم الذي لا يفوقه علم حسبى من عبدى ان يعلم انّ ما به من نعمة فهو منى- وقال داود سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكرا كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة. وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعنى التورية. وَالْفُرْقانَ قيل هى التورية ذكرها باسمين وقال الكسائي الفرقان نعت الكتاب والواو زائدة يعنى الفارق بين الحق والباطل وقيل أراد بالفرقان المعجزات الفارقة بين المحق والمبطل- او الشريعة الفارقة بين الحلال والحرام لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) بتدبر الكتاب-. وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ الذين عبدوا العجل يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أضررتم أنفسكم بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا فارجعوا إِلى بارِئِكُمْ اى من خلقكم بريّا من التفاوت وميّز بعضكم عن بعض بصور وهيات مختلفة- واصل التركيب لخلوص الشيء من غيره اما على سبيل التقضي نحو برىء المريض والمديون او الإنشاء نحو برا لله آدم من الطين قرا ابو عمرو بارئكم في الحرفين ويأمركم- ويأمرهم- وينصركم- ويشعركم باختلاس حركة الاعراب وقيل بالإسكان فيصير الهمزة ياء «1» على مذهبه وقرا الباقون بتمام الحركة وامال الكسائي بارئكم بالحرفين والبارئ المصوّر- وسارعوا- ويسارعون ويسارع حيث وقع والجار في الموضعين وجبّرين في الموضعين والجوار في الشورى والرحمن وكورت ومن انصارى الى الله في المكانين وكمشكوة في النور وقرا ورش الجار والجبّارين بين بين- فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ اى ليقتل البريء منكم المجرم تماما لتوبتكم- ويجوز ان يكون الفاء لتفسير التوبة يعنى فاقتلوا أنفسكم هذه توبتكم

_ (1) والمختار بل الصحيح عدم الابدال واليه ذهب المحققون جميعا- ابو محمد [.....]

[سورة البقرة (2) : آية 55]

ذلِكُمْ اى القتل خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ لانه طهرة من الشرك ووصلة الى الحيوة الابدية والبهجة السرمدية- فلما أمرهم موسى بالقتل قالوا نصبر بامر الله- فجلسوا في الافنية محتبين وقيل من حل حبوته أو مد طرفه الى قاتله- او اتقاه بيد او رجل فهو ملعون مردود توبته وسلت القوم عليهم الخناجر فكان الرجل يرى ابنه وأباه وأخاه وقريبه وصديقه فلم يمكنهم المضي لامر الله تعالى قالوا يا موسى كيف نفعل فارسل الله ضبابة يعنى بخارا متصاعدا من الأرض او سحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا وكانوا يقتلون الى المساء فلما كثر القتل دعا موسى وهارون وبكيا وتضرعا وقالا يا رب هلكت بنوا إسرائيل فكشف الله السحابة وأمرهم ان يكفوا عن القتل فتكشف عن ألوف من القتلى- روى عن على انه قال كان عدد قتلى سبعين الفا فاشتد ذلك على موسى فاوحى الله تعالى اليه اما يرضيك ان ادخل القاتل والمقتول في الجنة وكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي مكفرا عنه ذنوبه فَتابَ عَلَيْكُمْ فتجاوز عنكم متعلق بمحذوف- فان كان من كلام موسى فتقديره ان فعلتم القتل فقد تاب الله عليكم- والا فتقديره على طريقة الالتفات من الغيبة الى الخطاب ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم- إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ القابل للتوبة يكثر قبولها او يكثر توفيق التوبة الرَّحِيمُ (54) . وَإِذْ قُلْتُمْ حين امر الله موسى ان يأتيه في ناس من بنى إسرائيل معتذرين اليه من عبادة العجل فاختار سبعين رجلا من خيارهم- وقال لهم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم ففعلوا فخرج بهم الى طور سيناء فقالوا له اطلب لنا نسمع كلام ربنا- فلما دنا موسى من الجبل وقع عليهم عمود الغمام وتغشى الجبل كله فدخل في الغمام وقال لهم حين دخلوا في الغمام خروا سجدا- وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد ان ينظر اليه فضرب دونهم الحجاب فسمعوه وهو يكلم بأمره وينهاه- وأسمعهم الله انى انا الله لا اله الا انا ذو بكة أخرجتكم من ارض مصر بيد شديدة فاعبدونى ولا تعبدوا غيرى- فلما فرغ موسى وانكشف الغمام واقبل إليهم- قالوا يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ اى لاجل قولك- او لن نقر لك ان الله الذي اعطاك التورية وكلمك او انك نبى حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً- عيانا وهى في الأصل مصدر جهرت بالقراءة- استعير للمعاينة ونصبها على المصدر لانها نوع من الرؤية او الحال من الفاعل او المفعول به

[سورة البقرة (2) : آية 56]

فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ اى الموت وقيل نار جاءت من السماء فاحرقتهم وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ينظر بعضكم الى بعض ما أصابكم بنفسه او اثره- فلما هلكوا جعل موسى عليه السلام يبكى ويتضرع ويقول ماذا أقول لبنى إسرائيل وقد أهلكت خيارهم لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا- فلم يزل يناشد ربه حتى أحياهم الله تعالى رجلا بعد رجل بعد ما ماتوا يوما وليلة ينظر بعضهم الى بعض كيف يحيون فذلك قوله تعالى. ثُمَّ بَعَثْناكُمْ أحييناكم والبعث اثارة الشيء من محله مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ قال قتادة أحياهم ليستوفوا بقية اجالهم وأرزاقهم ولو ماتوا بآجالهم لم يبعثوا الى يوم القيامة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) نعمة البعث او ما كفرتموه لما رايتم بأس الله بالصاعقة-. وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ الغمام من الغم أصله التغطية وهو يغطى وجه الشمس لما لم يكن لهم في التيه كنّ يسترهم فشكوا الى موسى عليه السلام فارسل الله غما ما ابيض رقيقا أطيب من غمام المطر فظلّهم من الشمس- وجعل لهم عمدا من نور تضىء لهم بالليل إذا لم يكن قمر- وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ فى التيه قيل هو الخبز الرقاق- والأكثرون على انه الترنجبين وقال مجاهد هو شىء كالصمغ كان يقع على الأشجار طعمه كالشهد فقالوا يا موسى قتلنا هذا لمن بحلاوته فادع لنا ربك يطعمنا اللحم فانزله الله وَالسَّلْوى وهو طائر يشبه السمانى- وقيل هو السمانى بعث الله تعالى سحابة فمطرت السمانى في عرض ميل وطول رمح في السماء بعضه على بعض وكان ينزل المن والسلوى كل صباح من طلوع الفجر الى طلوع الشمس فيأخذ كل واحد منهم ما يكفيه يومه وليلته فاذا كان يوم الجمعة أخذ ما يكفيه ليومين ولم يكن ينزل يوم السبت وقلنا لهم كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ حلالات لذيذات ما رَزَقْناكُمْ ولا تدخروا لغد ففعلوا فقطع الله ذلك عنهم وفسد ما ادخروه- روى احمد والشيخان عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- لولا بنوا إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم- ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها- وَما ظَلَمُونا فيه اختصار وأصله فظلموا بكفران النعمة وما ظلمونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) باستيجابهم عذابى وقطع مادة الرزق الذي ينزل عليهم بلا مشقة في الدنيا ولا حساب في الاخرة-. وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ قال ابن عباس هى أريحا وهى قرية الجبارين كان

[سورة البقرة (2) : آية 59]

فيها بقية عاد يقال لهم العمالقه- وقال مجاهد بيت المقدس- وقيل ايليا وقيل الشام فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً- واسعا نصبه على المصدر او الحال من الواو اى موسعا عليكم- وَادْخُلُوا الْبابَ اى بابا من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب سُجَّداً اى خضعا منحنين قال وهب اى إذا دخلتموه فاسجدوا لله شكرا- وَقُولُوا حِطَّةٌ اى مسئلتنا حطة اى تحط عنا خطايانا- قال ابن عباس قولوا لا الله الا الله لانها تحط الذنوب- نَغْفِرْ لَكُمْ من الغفر وهو الستر قرا نافع بالياء المضموم وفتح الفاء- وقرا ابن عامر بالتاء المضموم وفي الأعراف قرا كلاهما. ويعقوب بالتاء المضموم والباقون بالنون المفتوح وكسر الفاء فيهما خَطاياكُمْ أصله خطاىء على وزن ذبايح أبدلت الياء الزائدة همزة واجتمعت الهمزتان فابدلت الثانية ياء عند سيبويه وعند الخليل قدمت الهمزة على الياء فصار خطاءى- وعلى التقديرين أبدلت الياء الفا وكانت الهمزة بين الفين فابدلت ياء- وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) ثوابا- جعل الامتثال ثوبته للمسىء وزيادة ثواب للمحسنين- أخرجه عن صورة الجواب إيهاما بان الامتثال يفعله المحسن البتة-. فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ظاهر الاية تدل على ان بنى إسرائيل لم يبدّلوا كلهم ولذا لم يضمروا بل بدّل بعضهم بما أمروا به من التوبة والاستغفار طلب ما يشتهون من اعراض الدنيا- روى البغوي بسنده من طريق البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لبنى إسرائيل ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعيرة فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا- كرره مبالغة في تقبيح أمرهم واشعارا بان الانزال عليهم بسبب ظلمهم بوضع غير المأمور به في موضعه- وإتيانهم موجب هلاكهم- قلت ولعله لتخصيص ذلك العذاب بالذين ظلموا منهم دون سائرهم رِجْزاً عذابا اخرج ابن جرير عن ابن عباس كل شىء في القران من الرجز عنى به العذاب- والرجز فى الأصل ما يعاف عنه ويتنفر عنه الطبع وكذلك الرجس مِنَ السَّماءِ قيل أرسل عليهم طاعون فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون الفا- واخرج ابن جرير عن ابن زيد- الطاعون رجز نزل على من كان قبلكم بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59) اى يخرجون من امر الله تعالى-. وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ- لما عطشوا في التيه فسالوا موسى فَقُلْنَا اضْرِبْ

[سورة البقرة (2) : آية 61]

بِعَصاكَ وكانت من أس الجنة طولها عشرة اذرع على طول موسى ولها شعبتان تتقدان في الظلمة نورا حملها آدم من الجنة فتوارثت الأنبياء حتى وصلت الى شعيب فاعطاها موسى الْحَجَرَ اللام فيه للعهد قال ابن عباس كان حجرا مربعا مثل رأس الرجل كان يضعه في مخلاته- وقال عطاء- كان للحجر اربعة وجوه لكل وجه ثلث أعين لكل سبط عين- قال سعيد بن جبير هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه ليغتسل ففرّ بثوبه «1» ومر به على ملإ من بنى إسرائيل حين رموه بالادرة- فلما وقف أتاه جبرئيل فقال ان الله عزّ وجلّ يقول ارفع هذا الحجر فلى فيه قدرة ولك فيه معجزة- فرفعه ووضعه في مخلاته- وقصة فرار الحجر في الصحيحين وليس فيهما انه لما وقف أتاه جبرئيل الى آخره- واخرج عبد بن حميد عن قتادة انه كان حجرا من الطور يحملونه معهم- قيل كان الحجر من الرخام وقيل كان من الكدان فيه اثنا عشرة حفرة ينبع كل حفرة عين ماء عذب فاذا فرغوا وأراد موسى حمله ضربه بعصاه فيذهب الماء- وكان يسقى كل يوم ستمائة الف- او كان اللام للجنس كما قال وهب- انه لم يكن حجرا معينا بل كان موسى يضرب اىّ حجر كان فينفجر عيونا- قال عطاء- كان موسى يضربه ثنتى عشرة ضربة فيظهر على موضع كل ضربة مثل ثدى المرأة يعرق منه ثم ينفجر الأنهار ثم يسيل- فَانْفَجَرَتْ متعلق بمحذوف تقديره فان ضربت انفجرت او فضرب فانفجرت- قال اكثر المفسرين انفجرت- وانبجست بمعنى واحد وقال ابو عمرو انبجست عرقت وانفجرت سالت مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً على عدد الأسباط قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ كل سبط مَشْرَبَهُمْ موضع شربهم لا يدخل سبط على غيره في شربه- وقلنا لهم كُلُوا من المن والسلوى وَاشْرَبُوا من الماء فهذا كله مِنْ رِزْقِ اللَّهِ الذي يأتيكم بلا مشقة وَلا تَعْثَوْا العثى أشد الفساد فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) حال مؤكدة وقال البيضاوي- انما قيد لان العثى وان غلب في الفساد فانه قد يكون منه ما ليس بفساد كمقابلة الظالم المتعدى بفعله- ومنه ما يتضمن صلاحا راجحا كقتل الخضر الغلام وخرقه السفينة- قلت ويمكن ان يراد بالعثى مطلق التبذير كما في حديث عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم كسرى وقيصر يعثيان فيما يعثيان فيه وأنت هكذا يعنى يبذّران المال تبذيرا- وحينئذ قوله تعالى مفسدين تقييد-. وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ يعنى ما رزقوا في التيه

_ (1) فى الأصل ثوبه-

من المن والسلوى وأرادوا بالواحد ما لا يتبدل ولا يتغير ألوانه فَادْعُ لَنا رَبَّكَ سله يُخْرِجْ لَنا مجزوم في جواب ادع مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ من للتبعيض وأسند الفعل الى الأرض مجازا اقامة للقابل مقام الفاعل مِنْ بَقْلِها وهو ما أنبته الأرض من الخضر وَقِثَّائِها وَفُومِها قال ابن عباس الفوم الخبز وقال عطاء الحنطة وَعَدَسِها وَبَصَلِها الظرف بيان وقع موقع الحال وقيل بدل باعادة الجار قالَ لهم الله او موسى أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى اخس واردا- واصل الدنو القرب في المكان فاستعير للخسة كما استعير البعد في الشرف والرفعة بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ يعنى المن والسلوى فانه أفضل واشرف لكونه بلا تعب في الدنيا وحساب في الاخرة وانفع للبدن فان أبيتم الا ذلك فانزلوا من التيه واهْبِطُوا مِصْراً من الأمصار وقال الضحاك هو مصر فرعون وانصرف لسكون أوسطه- فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ اى أحيطت بهم احاطة القبة بمن ضربت عليه او الصقت بهم من ضرب الطين على الحائط مجازاة لهم على كفران النعمة الذِّلَّةُ الهوان وَالْمَسْكَنَةُ اى الفقر فانه يقعد المرء عن الحركة ويسكنه فترى اليهود وان كانوا مياسير كانهم فقراء بلباس الذلة وقيل هى فقر القلب والحرص على المال وَباؤُ رجعوا ولا يستعمل الا في الشر بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ الغضب بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ بالإنجيل والقران وآيات التورية التي في نعت محمد صلى الله عليه وسلم وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ قرا نافع بهمزة النّبيئين- والنّبىء- والأنبياء- والنّبوءة- وترك قالون الهمز في الأحزاب للنّبىّ ان أراد- وبيوت النّبىّ الّا ان يؤذن في الوصل خاصة بناء على أصله في الهمزتين المكسورتين- وإذا كان مهموزا فمعناه المخبر من أنبأ ينبئ ونبأ ينبىء والباقون بترك الهمز- فحينئذ ترك الهمزة اما ان يكون للتخفيف لكثرة الاستعمال او يكون معناه الرفيع من النّبوة وهى المكان المرتفع بِغَيْرِ الْحَقِّ- يعنى في اعتقادهم إذ لم يروا منهم ما يعتقدون به جواز القتل وانما حملهم عليه اتباع الهوى وحب الدنيا- وانما قلت ذلك لان قتل النبي لا يكون الا بغير الحق روى ان اليهود قتلت سبعين نبيا في يوم واحد أول النهار ذلِكَ اى الكفر والقتل وانما جاز الاشارة الى اثنين بالمفرد بتأويل ما ذكر والذي حسّن ذلك ان تثنية المضمرات والمبهمات وجمعها ليست على الحقيقة ولذلك جاز الذي بمعنى الجمع بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) يعنى كثرة المعاصي والاعتداء

[سورة البقرة (2) : آية 62]

فيه افضاهم الى الكفر وقتل الأنبياء وقيل كرر الاشارة للدلالة على ان لحوق الغضب بهم كما هو بسبب الكفر كذلك بالمعاصي واعتداء حدود الله-. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد صلى الله عليه وسلم بألسنتهم أعم من ان يؤمنوا بقلوبهم أو لم يؤمنوا فدخل فيهم المنافقون وَالَّذِينَ هادُوا اى تهوّدوا- يقال هاد إذا دخل في اليهودية ويهود اما عربى من هاد بمعنى تاب سموا بذلك لما تابوا من عبادة العجل- او لقولهم انّا هدنا إليك واما معرّب يهودا سموا بذلك اسم اكبر أولاد يعقوب عليه السلام وَالنَّصارى جمع نصران كندمان والياء في النصراني للمبالغة كما في أحمري سموا بذلك لانهم نصروا المسيح او لانهم نزلوا مع المسيح في قرية يقال لها ناصرة او نصران- وَالصَّابِئِينَ قرا اهل المدينة بغير الهمزة والباقون بالهمزة وأصله الخروج يقال صبا فلان إذا خرج من دين الى اخر- وصبا ناب البعير إذا خرج- وهم خرجوا من كل دين- قال عمرو ابن عباس هم قوم من اهل الكتاب- فقال عمر يحل ذبائحهم وقال ابن عباس لا يحل ذبائحهم ولا مناكحتهم- وقال مجاهدهم قوم نحو الشام بين اليهود والمجوس من اهل الكتاب- وقال الكلبي هم بين اليهود والنصارى- وقال قتادة ... هم قوم يقرءون الزبور ويعبدون الملائكة ويصلّون الى الكعبة أخذ ومن كل دين شيئا مَنْ آمَنَ منهم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مع محمد صلى الله عليه وسلم بالقلب واللسان- وقيل المراد بالذين أمنوا المخلصين من امة محمد صلى الله عليه وسلم- وقيل هم المؤمنون من الأمم الماضية- وقيل هم الذين أمنوا قبل البعث وهم طلاب الدين مثل حبيب النجار- وقس بن ساعدة- وزيد بن عمرو بن نفيل- وورقة بن نوفل- والبراء الشنّى- وابى ذر الغفاري وسلمان الفارسي- وبحيرا الراهب- ووفد النجاشي فمنهم من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه ومنهم من لم يدركه قال الخطيب الّذين أمنوا بإبراهيم عليه السلام وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ الذين كانوا على دين موسى وعيسى قبل النسخ- وحينئذ المراد بمن أمن اى مات منهم على الايمان- قلت ويمكن ان يكون من أمن اشارة الى الذين «1» كمل ايمانهم بتصفية القلب وتزكية النفس والقالب وهم الصوفية- كما في قوله عليه السلام ... لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده وولده والناس أجمعين- رواه الشيخان واحمد والنسائي وابن ماجة عن انس

_ (1) لكن يلفو حينئذ ذكر العمل الصالح لان كمال الايمان بتصفية لقلب وتزكية النفس والقالب ليس وراءه مرتبة يعز عنها بالعمل الصالح- قلت العمل الصالح لازم لتصفية القلب وتزكية النفس والقالب ومترتب عليه لاغيره قال عليه السلام ان في جسد بنى آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله فجاز العطف وذكر العمل الصالح- منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : آية 63]

مرفوعا- وحديث لا يؤمن أحدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه. رواه الشيخان واحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن انس- وحديث لا يبلغ العبد حقيقة الايمان- حتى يحزن من لسانه- رواه الطبراني وصححه- قال البغوي ويجوز ان يكون الواو مضمرة اى ومن أمن بعدك- وَعَمِلَ صالِحاً على حسب امر الله تعالى فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ الذي وعد لهم يعنى الجنة لجميع المؤمنين ومراتب القرب والتسنيم وعينا يشرب بها المقربون الكاملين وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) حين يخاف الكفار من العقاب ويحزن المقصرون على تضيع العمر وتفويت الدرجات ومن مبتدأ خبره فلهم أجرهم والجملة خبر انّ- او بدل من اسم ان وخبره فلهم أجرهم- والفاء لتضمن المسند اليه معنى الشرط ومنع سيبويه دخولها في خبر ان- ورد بقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ. وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ باتباع موسى والعمل بالتورية وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ وهو الجبل بالسريانية- قال البغوي وذلك ان الله تعالى انزل التورية على موسى عليه السلام فامر موسى قومه ان يقبلوها ويعملو باحكامها فابوا ان يقبلوها للاصار والاغلال التي فيها وكانت شريعة ثقيلة فامر الله تعالى جبرئيل فقلع جبلا على قدر عسكرهم وكان فرسخا في فرسخ فرفعه فوق رءوسهم مقدار قامة الرجل كالظلة وقال لهم ان لم تقبلوا التورية أرسلت هذا الجيل عليكم- كذا اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس وقال عطاء عن ابن عباس رفع الله فوق رءوسهم الطور وبعث نارا من قبل وجوههم وأتاهم البحر الملح من خلقهم انتهى- وقلنا لهم خُذُوا ما آتَيْناكُمْ من التورية بِقُوَّةٍ بجد واجتهاد وَاذْكُرُوا وادرسوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) لكى تتقوا المعاصي- او رجاء منكم ان تكونوا متقين- او لكى تتقوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في الاخرة- فلما راوا ان لا مهرب قبلوا وسجدوا وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود- فصارت سنة في اليهود يسجدون على انصاف وجوههم ويقولون بهذا السجود رفع العذاب عنا. ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ أعرضتم عن الوفاء بالميثاق مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ، يعنى بالامهال وتأخير العذاب- ويمكن ان يراد لولا فضل الله عليكم ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم حيث جعله رحمة للعالمين

[سورة البقرة (2) : آية 65]

فبوجوده صلى الله عليه وسلم أمهل الكفار واخر عنهم العذاب ورفع عنهم الخسف والمسخ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64) المغبونين المعذبين في الحال كما كنتم معذبين الهالكين بوقوع الطور لو لم تقبلوا حكم الله حينئذ. وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ اللام موطية للقسم- والسبت في الأصل القطع لان الله تعالى قطع فيها الخلق- او لان اليهود أمروا بقطع الأعمال فيه والتجرد للعبادة والقصة انهم كانوا زمن داود عليه السلام نحوا من سبعين «1» الفا بأرض حاضر البحر يقال لها ايلة حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت وابتلاهم بانه إذا دخل السبت لم يبق حوت في البحر الا اجتمع هناك يخرجون خراطيمهم من الماء حتى لا يرى الماء من كثرتها- ويوم لا يسبتون لا تأتيهم فاحتالوا للصيد وحفروا حياضا وشرعوا إليها الجداول فاذا كان يوم السبت اقبل الموج بالحيتان الى الحياض فلا يقدرن على الخروج منها لبعد عمقها وقلة مائها فيصطادون يوم الأحد- وقيل كانوا ينصبون الحبائل والشصوص يوم الجمعة ويخرجونها يوم الأحد- وصار اهل القرية ثلثة اصناف صنف امسك ونهى وصنف امسك ولم ينه وصنف انتهك الحرمة- وكان الناهون اثنى عشر الفا فلما ابى المجرمون قبول نصحهم لعنهم داود وغضب الله عليهم فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا امر تكوين قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) باعدين مطرودين. فَجَعَلْناها اى تلك العقوبة نَكالًا عبرة تنكل اى تمنع المعتبر ومنه النكل للقيد لِما بَيْنَ يَدَيْها اى لمعاصريهم وَما خَلْفَها اى من بعدهم فما بمعنى من او لاجل ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر- وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره فجعلناها وما خلفها اى ما أعد لهم من العذاب في الاخرة نكالا لمّا بين يديها من ذنوبهم وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) للمؤمنين من امة محمد صلى الله عليه وسلم. وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ أول هذه القصة قوله تعالى وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها- وانما قدمت عليه ليدل بالاستقلال على نوع اخر من مساويهم وهو الاستهزاء بالأمر والاستقصاء في السؤال وترك المسارعة الى الامتثال- والقصة انه كان في بنى إسرائيل رجل غنىّ اسمه عاميل وله ابن عم فقير لا وارث له سواه فلما طال له موته قتله ليرثه وحمله

_ (1) فى الأصل الف

الى قرية اخرى وألقاه بفنائهم- ثم أصبح يطلب ثاره وجاء بناس يدّعى عليهم القتل- فسالهم موسى عليه السلام فجحدوا فاشتبه الأمر على موسى فسالوه ليبين لهم بدعائه فقال موسى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً- مأخوذ من البقر بمعنى الشق وهى تبقر الأرض للحراثة قالُوا استبعادا لما قاله واستخفافا به أَتَتَّخِذُنا هُزُواً مصدر بمعنى المفعول اى مهزوّا بنا- او حمل مبالغة او بحذف المضاف اى اهل هزو- قرا حفص هزوا- وكفوا بضم الزاء والفاء من غير همز- وحمزة بإسكان الزاء والفاء «1» وبالهمز وصلا فاذا وقف أبدل الهمزة واوا على أصله «2» والباقون بالضم والهمزة- قالَ موسى أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) فان الاستهزاء والجواب لا على وفق السؤال من عادة الجهال- نفى عن نفسه ما رمى به على طريقة البرهان واخرج فى صورة الاستعاذة استعظاما له- فلما علم القوم ان ذبح البقرة عزم من الله عز وجل وكان حصول المقصود من ذبح البقرة مستبعدا عندهم وزعموا انها بقرة عظيمة الشأن فاستوصفوها ولم يكن ذلك الا لفرط حماقتهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ذبحوا اى بقرة أرادوا لاجزتهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم- رواه سعيد بن منصور عن عكرمة مرسلا وأخرجه ابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس موقوفا وكان لله تعالى فيه حكمة- وذلك انه كان في بنى إسرائيل رجل صالح له ابن طفل وكان له عجل اتى بها الى غيضة وقال اللهم انى استودعك هذه العجل لابنى حتى يكبر ومات الرجل فصارت العجلة في الغيضة عوانا وكانت تهرب من كل من راها- فلما كبر الابن كان بارا بوالدته وكان يقسّم الليلة ثلاثة أثلاث يصلى ثلثا وينام ثلثا ويجلس عند رأس امه ثلثا فاذا أصبح انطلق فاحتطب على ظهره فيأتى به الى السوق فيبيعه بما شاء الله ثم يتصدق بثلثه ويأكل ثلثه ويعطى والدته ثلثه فقالت له امه يوما ان أباك ورثك عجلة استودعها الله في غيضة كذا فانطلق فادع الله ابراهيم وإسماعيل وإسحاق عليهم السلام ان يردها عليك وعلامتها انك إذا نظرت إليها تخيل إليك ان شعاع الشمس يخرج من جلدها- وكانت تلك البقرة تسمّى المذهّبة لحسنها وصفرتها- فاتى الفتى الغيضة فراها ترعى فصاح بها وقال اعزم عليك باله ابراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب- فاقبلت تسعى حتى قامت بين يديه فقبض على عنقها يقودها- فتكلمت بإذن الله تعالى وقالت ايها الفتى البار

_ (1) قرأ يعقوب ايضا كفؤا بإسكان الفاء- ابو محمد (2) اصل الحمزة في أمثاله النقل وإسقاط الهمزة- ابو محمد

[سورة البقرة (2) : آية 68]

بوالدته اركبنى فان ذلك أهون عليك- فقال الفتى ان أمي لم تأمرنى ولكن قالت خذ بعنقها- فقالت البقرة باله بنى إسرائيل لو ركبتنى ما كنت تقدر علىّ ابدا فانطلق فانك لو أمرت الجبل ان ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل لبرك بامك- فسار الفتى الى امه فقالت له انك فقير لا مال لك وشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل فانطلق فبع هذه البقرة- قال بكم أبيعها- قالت- بثلاثة دنانير ولا تبع بغير مشورتى- وكانت ثمن البقرة ثلثة دنانير- فانطلق بها الى السوق فبعث الله ملكا ليرى خلقه قدرته وليختبر كيف بره بامه وكان به خبيرا فقال الملك- بكم تبيع هذه البقرة قال بثلاثة دنانير واشترط عليك رضا والدتي- فقال له الملك خذ ستة دنانير ولا تستأمر والدتك- فقال الفتى لو أعطيتني وزنها ذهبا لم أخذ الا برضا أمي فردها الى امه وأخبرها فقالت ارجع فبعها بستة دنانير على رضى منى- فانطلق بها الى السوق واتى الملك فقال استأمرت أمك- فقال الفتى انها أمرتني ان لا أنقصها من ستة على ان استأمرها- فقال الملك انى أعطيك اثنى عشر على ان لا تستأمرها- فابى الفتى ورجع الى امه وأخبرها بذلك- فقالت ان الذي يأتيك ملك يأتى في صورة آدمي ليختبرك فاذا اتى فقل له أتأمرنا ان نبيع هذه البقرة أم لا- ففعل- فقال له الملك اذهب الى أمك فقل لها أمسكي هذه البقرة فان موسى بن عمران عليه السلام يشتريها منكم لقتيل يقتل في بنى إسرائيل فلا تبيعوها الا بملا مسكها دنانير- فامسكوها وقدر الله تعالى على بنى إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها- فما زالوا يستوصفون حتى وصف لهم تلك مكافاة له على بره بوالدته فضلا منه ورحمة- فذلك قوله تعالى. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ اى ما حالها- كان حقه ان يقول اى بقرة- او كيف هى لان السؤال بما يكون عن الجنس غالبا لكنهم لما راوا ظهور القتل بذبح اىّ فرد من جنس البقرة مستبعدا وزعموا انها بائنة عن سائر البقرات بونا بعيدا حتى يكون كانه جنس اخر أجروه مجرى ما لا يعرفون حقيقته- قالَ موسى إِنَّهُ اى الشأن يَقُولُ يعنى الله تعالى إِنَّها اى البقرة المأمور بها- فان قيل عود الضمر إليها تدل على ان المراد من أول الأمر كانت بقرة معينة ويلزمه تأخير البيان عن وقت الخطاب- قلت تأخير البيان عن وقت الخطاب جائز- وانما لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة- وايضا عود الضمير إليها لا يدل على ان المراد كان من أول الأمر ذلك- كيف والمطلقة تدل على الإطلاق ولا دليل هناك على التقييد ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ذبحوا اىّ بقرة اجزتهم

[سورة البقرة (2) : آية 69]

لكن يدل على جواز تقييد المطلق المأمور به بعد ما كان جاريا على إطلاقه ويكون التقييد في حكم النسخ ان كان متراخيا كما في ما نحن فيه ويجوز النسخ قبل إتيان المأمور به كما في خمسين صلوة وجبت ليلة الاسراء ويكون تخصيصا ان لم يكن متراخيا كما في قوله تعالى فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ في قراءة الجمهور في كفارة اليمين- وثلثة ايّام متتابعات في قراءة ابن مسعود رضى الله عنه- ولذلك ذهب ابو حنيفة الى ان المطلق لا يجوز حمله على المقيد ان كانتا في حادثتين كما في قوله تعالى تحرير رقبة في كفارة الظهار ورقبة مؤمنة في كفارة القتل- وكذا ان كانا فى حادثة واحدة وكان الإطلاق والتقييد في السبب نحو قوله صلى الله عليه وسلم أدوا عن كل حر وعبد وفي حديث اخر أدوا عن كل حر وعبد من المسلمين- فعندنا يجب صدقة الفطر عن عبد مسلم بالحديثين جميعا وعن عبد كافر بالحديث الاول فقط لكن ان كانا في الحكم والحادثة الواحدة «1» يحمل المطلق على المقيد البتة إذ لا سبيل الى الجمع بينهما الا به والمطلق يحتمل التقييد ولذا قلنا بوجوب التتابع في صيام الكفارة في اليمين- روى ابن جرير عن ابى هريرة انه لما نزلت وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ قال عكاشة بن محصن أكل عام فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعاد ثلثا فقال لا ولو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم- وهذا يدل على ان المطلق يحتمل التقييد بَقَرَةٌ لا فارِضٌ مسنة لا تلد يقال فرضت البقرة فروضا من الفرض بمعنى القطع كانها انقطعت سنها وَلا بِكْرٌ صغيرة لم تلد قط وتركيب البكر للاولية ومنه الباكورة وحذفت الهاء منهما للاختصاص بالإناث كالحائض- عَوانٌ اى نصف قال الأخفش العوان التي نتجت مرارا يقال عونت المرأة إذا زادت على الثلثين- بَيْنَ ذلِكَ اى ما ذكر من الفارض والبكر فانه يضاف الى متعدد فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68) اى ما تؤمرونه بمعنى تؤمرون به او أمركم اى مأموركم- وفيه حث الى المسارعة فى الامتثال وتوبيخ على تكرار السؤال. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها- فاقع تأكيد لصفرة لونها مرفوع على الفاعلية قال ابن عباس شديد الصفرة وقال الحسن الصفراء السوداء- وليس بشىء فان الفقوع خلوص الصفرة ولذلك يؤكد به فيقال اصفر فاقع كما يقال اسود حالك- واحمر قانى- واخضر ناضر وابيض تقق للمبالغة تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) إليها «2» - اى تعجبهم والسرور لذة في القلب عند حصول نفع او توقعه. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ تكرير للسوال الاول واستكشاف

_ (1) فى الأصل واحدة- (2) فى الأصل إليهم

[سورة البقرة (2) : آية 71]

زائد وقوله إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا اعتذار عنه اى البقرة الموصوفة بما ذكر كثيرة فاشتبه علينا ما يحصل به مقصودنا ولم يقل تشابهت لتذكير لفظ البقر وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) الى ذبحها او الى القاتل واحتج به أصحابنا على ان الحوادث بارادة الله تعالى والمعتزلة والكرامية على حدوث الارادة وأجيب بأن التعليق باعتبار التعلق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم يستثنوا لما بينت لهم اخر الابد- رواه البغوي عن ابى هريرة وأخرجه ابن جرير معضلا. قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ اى غير مذللة بالعمل تُثِيرُ الْأَرْضَ تقلبها للزراعة وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ لا زائدة والفعلان صفتا ذلول يعنى لا ذلول مثيرة وساقية مُسَلَّمَةٌ سلمها الله تعالى من العيوب او أهلها من العمل لا شِيَةَ فِيها اى لون يخالف لون جلدها- وهى في الأصل مصدر على وزن عدة من وشى يشى وشيا وشية فهو واش إذا خلط بلونه لونا اخر قال الجزري الوشي النقش قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ اى بحقيقة وصف البقرة وتمام بيانها- وطلبوها بكمال أوصافها فلم يجدوها الا مع الفتى فاشتروها بملا مسكها ذهبا فَذَبَحُوها فيه اختصار تقديره فحصلوا البقرة فذبحوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71) لكثرة مراجعاتهم او لاختلافهم فيما بينهم او لخوف الفضيحة في ظهور القاتل او لعدم وجدانها بتلك الصفات او لغلاء ثمنها. وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً هذا أول القصة فَادَّارَأْتُمْ فِيها اى تدارأتم وتدافعتم يحيل بعضكم على بعض ويدفع عن نفسه وَاللَّهُ مُخْرِجٌ اى مظهر اعمل لانه حكاية مستقبل كما أعمل باسط ذراعيه لانه حكاية حال ماضية ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فان القاتل يكتم القتل. فَقُلْنا اضْرِبُوهُ عطف على ادّارءتم وبينهما اعتراض والضمير المنفس بتأويل الشخص بِبَعْضِها اى ببعض البقرة اىّ بعض كان وفيه اختصار تقديره فضرب فحيى قال ابن عباس- ضربوه بالعظم الذي يلى الغضروف وهو المقتل- وقيل بعجب الذنب وقيل بلسانها وقيل بفخذه الايمن فقام القتيل حيا بإذن الله تعالى وأوداجه تشخب دما وقال قتلنى فلان- ثم سقط ميتا فحرم قاتله الميراث وفي الحديث ما ورث قاتل بعد صاحب البقرة كَذلِكَ مثل احياء ذلك القتيل يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى خطاب لمن حضر حيوة القتيل او نزول الاية والظاهر هو الاول بدليل قوله وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)

[سورة البقرة (2) : آية 74]

ايها الحمقاء من بنى إسرائيل فان القادر على احياء نفس قادر على احياء الأنفس كلها- ولعله تعالى انما لم يحيه ابتداء وشرط فيه ما شرط لما جرى عادته تعالى في الدنيا بتعليق الأشياء بالأسباب الظاهرة ولما فيه من التقرب وأداء الواجب ونفع اليتيم والتنبيه على ان من حق الطالب ان يقرب قربة- والمتقرب ينبغى ان يتحرى الأحسن ويغالى في ثمنه اخرج ابو داود عن عمر رضى الله عنه انه ضحى بنجيبة اشتراها بثلاثمائة دينار. ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ القساوة عبارة عن الغلظ مع الصلابة والمراد به خروج الرحمة واللين والخير عن قلوبهم ويترتب عليه طول الأمل ونسيان الذكر واتباع الشهوات وكلمة ثم لاستبعاد القسوة بعد موجبات الرقة مِنْ بَعْدِ ذلِكَ يعنى احياء القتيل او جميع ما عد من الآيات قال الكلبي قالوا بعد ذلك نحن لم نقتله فَهِيَ فى القساوة كَالْحِجارَةِ أَوْ بل هى أَشَدُّ أزيد منها قَسْوَةً او انها مثلها بل مثل ما هو أشد منها قسوة فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه- وفي أشد من المبالغة في القساوة ما ليس في أقسى- ويكون او للتخيير في التشبيه او للترديد بمعنى من عرف حالها شبهها بالحجارة او بما هو أقسى منها وترك ضمير المنفصل عليه لعدم اللبس- وانما ذكر الحجارة دون الحديد والنحاس لان الحديد ونحوها تلين بالنار دون الحجارة ثم بين وجه الخير في الحجارة دون القلب القاسي فقال وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ يعنى عيونا دون الأنهار فينتفع بها عباد الله بخلاف قلوب الكفار حيث لا منفعة فيها أصلا وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ من أعلى الجبل مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقلوبكم لا تلين ولا تخشع- فان قيل الحجر جماد فكيف يتصور منه الخشية قال البيضاوي الخشية مجاز عن انقيادها للاوامر التكوينية- قلت وهذا ليس بشىء فان الانقياد للاوامر التكوينية موجود في قلوب الكفار ايضا قال الله تعالى خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ- فهم انقادوا للختم وقال- وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً- وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك- رواه مسلم- والتحقيق ما قال البغوي ان مذهب اهل السنة والجماعة ان لله تعالى علما في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره- فلها صلوة وتسبيح وخشية قال الله تعالى- وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا

[سورة البقرة (2) : آية 75]

يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ - وقال- وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ- وقد مر الكلام في هذا الباب في ذكر عذاب القبر في تفسير قوله تعالى ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ قال البغوي روى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان على ثبير والكفار يطلبونه فقال الجبل انزل عنى فانى أخاف ان تؤخذ على فيعاقبنى الله تعالى بذلك- وقال له جبل حراء الىّ الىّ يا رسول الله وروى البغوي بسنده عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لاعرف حجرا بمكة كان يسلم علىّ قبل ان ابعث وانى لا عرفه الان هذا حديث صحيح أخرجه مسلم- قال وصح عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه- وعن ابى هريرة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم اقبل على الناس بوجهه فقال بينا رجل يسوق بقرة إذ عيي فركبها فضربها فقالت انا لم نخلق لهذا انما خلقنا لحراثة الأرض فقال الناس سبحان الله بقرة تتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانى او من به وابو بكر وعمرو ماهما ثم- وقال بينا رجل في غنم له إذ عدا الذئب على الشاة منها فادركها صاحبها فاستنقذها فقال الذئب فمن لها يوم السبع يوم لا راعى لها غيرى فقال الناس سبحان الله ذئب تتكلم فقال او من به وابو بكر وعمر وما هما ثم متفق عليه وصح عن ابى هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء وابو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم اهدأ فما عليك الا نبى او صديق او شهيد أخرجه مسلم- وروى بسنده عن على قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فرحنا في نواحيها خارجا من مكة بين الجبال والشجر فلم نمر بشجرة ولا جبل الا قال السلام عليك يا رسول الله- وروى بسنده عن جابر بن عبد الله يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم استند الى جذع نخلة من سوارى المسجد فلما صنع له المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية تحن كحنين الناقة حتى سمعها اهل المسجد حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكنت- وقال قال ... مجاهد لا ينزل الحجر من أعلى الى أسفل الا من خشية الله تعالى وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) وعيد قرا ابن كثير يعملون بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية. أَفَتَطْمَعُونَ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أَنْ يُؤْمِنُوا يعنى اليهود لَكُمْ اى لاجل دعوتكم او يصدقوكم وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ يعنى التورية ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ اى فهموه بلا ريب

[سورة البقرة (2) : آية 76]

كنعت محمد صلى الله عليه وسلم واية الرجم وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) انهم كاذبون هذا قول مجاهد وقتادة- وعكرمة- والسدى وجماعة او المراد قد كان فريق من أسلافهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه وهذا ما قال ابن عباس انها نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى عليه السلام لميقات ربه فهم لمّا رجعوا بعد ما سمعوا كلام الله الى قومهم فاما الصادقون منهم فادوا كما سمعوا وقالت طائفة منهم سمعنا يقول في اخر كلامه ان استطعتم ان تفعلوا فافعلوا وان شئتم فلا تفعلوا فهذا تحريفهم وهم يعلمون انه الحق. وَإِذا لَقُوا يعنى من اليهود الذين كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وقد مر ذكرهم من قبل الَّذِينَ آمَنُوا من اهل المدينة حين شاوروهم في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم قالُوا آمَنَّا يعنى صدقنا في أنفسنا بان رسولكم هو المبشر به في التورية فاتبعوه وأمنوا به- وقال ابن عباس المراد بهم المنافقون من اليهود وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا كايمانكم وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الى كعب بن الأشرف ووهب بن يهود او غيرهم من رؤساء اليهود لاموهم على ذلك وقالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وعلمه وبيّنه في التورية لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ يوم القيامة انهم كانوا يعلمون بصدق محمد صلى الله عليه وسلم ويأمروننا باتباعه ومع ذلك كفروا به علانية او سرّا- وأشار البيضاوي الى البحث في هذا التقرير وقال وقيل عند ربّكم في القيامة وفيه نظر إذا لا خفاء لا يدفعها- قلت نعم الإخفاء لا يدفعها لكنهم لكمال حماقتهم قالوا هذا كما قالوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ مع ادعائهم بانزال التورية على موسى- وقد مر في قصصهم من أقوالهم وأفعالهم بعد ما راووا الآيات البينات من موسى عليه السلام ما لا يقولها إلّا مجنون- وكما ان اصحاب الصيب يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ مع ان جعلهم الأصابع في الاذان لا يجديهم من الصواعق شيئا ويؤيد هذا التفسير تذئيل الاية أَفَلا تَعْقِلُونَ والاية الذي بعده- او المراد لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ اى ليحتج اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عليكم بما انزل ربكم في كتابه جعل محاجتهم بكتاب الله وحكمه محاجة عنده مجازا- كما يقال عند الله كذا ويراد به في كتابه وحكمه كذا- او كان بحذف المضاف اى عند كتاب ربكم- او عند رسول ربكم- وارتضى البيضاوي هذه التأويلات- وحمل الاية على مقال المنافقين دون من يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم من المجهرين بالكفر قلت وهذه التأويلات مع ما فيها

[سورة البقرة (2) : آية 77]

من التكلفات مشكلة لان احتجاج المؤمنين على المنافقين لا يتصور في الدنيا فانهم مستسلمون فى الظاهر لا يتصور معهم الخصومة الا في الاخرة- وقيل انهم أخبروا المؤمنين بما عذبهم الله على الجنايات فقال بعضهم لبعض أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اى بما انزل الله عليكم من العذاب نظيره قوله تعالى لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ اى أنزلنا عليهم لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ اى ليرووا الكرامة لانفسهم عليكم عند ربكم قال الله تعالى أَفَلا تَعْقِلُونَ (86) ايها الحمقاء من اليهود ان احتجاج المؤمنين عليكم عند الله لا يتوقف على تحديثكم به في الدنيا- او خطاب للمؤمنين متصل بقوله تعالى أَفَتَطْمَعُونَ او كان من تمام كلام اللائمين وتقديره أَفَلا تَعْقِلُونَ انهم يحاجوكم. أَوَلا يَعْلَمُونَ هؤلاء اللائمين أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (77) فاخفاؤهم نعت محمد صلى الله عليه وسلم لا يدفع عنهم الاحتجاج- ويحتمل ان يكون ضمير يعلمون الى المنافقين فان نفاقهم وان كان النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون لا يعلمونه فا الله يعلمه ويجازيهم عليه- او الى اليهود أجمعين فان الله تعالى يعلم اسرار بعضهم بالكفر وإعلان بعضهم وإخفاء نعت محمد صلى الله عليه وسلم وتحريف الكلم وسائر ما يعملون من موجبات غضب الله وعذابه في السر والعلانية. وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ اى جهاتهم لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ التورية إِلَّا أَمانِيَّ استثناء منقطع- والأماني جمع امنية وهى في الأصل ما يقدّره الإنسان في نفسه من منىّ والمراد الأكاذيب التي افتروها أحبارهم كذا قال مجاهد وقتادة- قال الفراء الأماني الأحاديث المفتعلة ومنه قول عثمان رضى الله عنه ما تمنيت منذ أسلمت اى ما كذبت- او المراد الّا ما تمناه أنفسهم من غير حجة مثل قولهم لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى - وقولهم- لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ كذا قال الحسن وابو العالية- او المراد به الا ما يقرءون الكتاب بألسنتهم غير عارفين بمعاني الكتاب منه قوله تعالى إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ كذا قال ابن عباس- قرا ابو جعفر أماني بتخفيف الياء في كل القران والباقون بالتشديد وَإِنْ هُمْ ما هم إِلَّا قوم يَظُنُّونَ (88) بالتقليد لا علم عندهم. فَوَيْلٌ اى تحسر وهلك قال الزجاج ويل كلمة يقولها كل واقع في هلكة- وقال ابن عباس شدة العذاب- وقال سعيد بن المسيب ويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال جهنم لانماغت ولذابت من شده حره- وروى البغوي بسنده عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

[سورة البقرة (2) : آية 80]

الويل «1» واد في جهنم يهوى به الكافر أربعين خريفا قبل ان يبلغ قعره والصعود جبل من تار جهنم يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى فهو كذلك «2» لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ المحرف بِأَيْدِيهِمْ تأكيد كقوله كتبته بيمينى- ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا عرضا من اعراض الدنيا فانه وان جل فهو قليل بالنسبة الى ما استوجبوه من العذاب- وذلك ان أحبار اليهود خافوا ذهاب مأكلتهم فعمدوا الى صفته في التورية وكانت صفته فيها حسن الوجه حسن الشعر اكحل العينين ربعة- تغيروها وكتبوا طوال ازرق سبط الشعر- فاذا سالهم سفلتهم عن صفته قرءوا ما كتبوه فيجدونه مخالفا لصفته فيكذبونه فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ من المحرف وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ () من المال والأعمال. وَقالُوا اى اليهود لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً- المس إيصال الشيء بالبشرة بحيث يتاثر به الحاسة- قال ابن عباس كانت اليهود يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وانما نعذب بكل الف سنة يوما- وقال قتادة وعطاء يعنون أربعين يوما التي عبد فيها اباؤهم العجل- وقال الحسن وابو العالية قالوا ان ربّنا عتب علينا في امر فاقسم ليعذبنا أربعين يوما فلن تمسنا النار الا أربعين يوما تحلة القسم- فقال الله تعالى لتكذيبهم قُلْ يا محمد أَتَّخَذْتُمْ استفهام انكار- قرا ابن كثير وحفص بإظهار الذال في اتخذتم وأخذتم وما كان مثله من لفظه وادغم الباقون عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً عهده إليكم ان لا يعذب الا هذا المقدار فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ جواب شرط محذوف اى ان اتخذتم عهدا فلن يخلف- وفيه دليل على ان الخلف في وعد الله محال وانه من الرذائل قال ابن مسعود عهدا بالتوحيد يدل عليه الا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً يعنى قول لا الله الا الله يعنى ما قلتم الا اله الا الله حتى يكون لكم عند الله عهدا أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ () كذبا- أم يحتمل ان تكون متصلة ومنقطعة. بَلى اثبات لما نفوه من مساس النار زمانا طويلا مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً معصية والكسب استجلاب النفع وتعليقه بالسيئة على سبيل التهكم نحو فبشّرهم بعذاب اليم وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ اى استولت عليه وشملت جملة أطرافه حتى صار كالمحاط بها لا يخلوا عنها شىء من جوانبه- فهذا لا يصدق الا على الكفار لا على من في قلبه

_ (1) اخرج الترمذي وغيره بسند حسن عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويل واد فى جهنم يهوى فيه الكافر أربعين خريفا قبل ان يبلغ قعره- منه رحمه الله (2) في الأصل الويل في جهنم.

وزن ذرة من ايمان ومن ثم قال ابن عباس والضحاك وابو العالية والربيع وجماعة هى الشرك الذي يموت عليه صاحبه- فلا يصح للمعتزلة والخوارج الاحتجاج بها على ادعاء خلود مرتكب الكبيرة النار- قرا اهل المدينة خطيئته بالجمع والباقون بالإفراد- وقرا حمزة في الوقف بابدال الهمزة ياء والإدغام وكذلك كلما تحركت الهمزة المتوسط وما قبلها ياء ساكنة زائدة نحو هنيئا- مريئا- بريؤن- خطيئة- خطيئتكم وشبهها- واما إذا كان قبلها ساكن «1» غيرها حركتها ان لم يكن الفا بحركة الهمزة وألقيت الهمزة نحو شيئا وخطئا- والمشئمة- وتجئرون ويسئلون- وسئل- والظّمان- والقرءان- ومذءوما ومسئولا وسيئت والموءودة- وان كان الساكن الفا سواء كانت مبدلة او زائدة جعلت الهمزة بعدها بين بين وأنت مخير في مد الالف وقصرها نحو نسائكم- وابنائكم وماء وغثآء- وسواء- وآباؤكم- وهاؤم اقرءوا ومن آبائهم- وملئكته- وإذا كان قبل الهمزة متحركا فانفتحت وانكسر ما قبلها او انضم أبدلتها مع الكسرة ياء ومع الضمة واوا نحو ننشئكم- وانّ شانئك ولؤلؤا ويؤدّه- والا جعلتها بين بين ما لم يكن صورتها ياء نحو انبّئكم وسنقرئك فانك تبدلها ياء مضمومة واما إذا كانت الهمزة توسطت ساكنة فهى تبدل حرفا خالصا حال تسهيلها نحو المؤمنون ويؤفكون والرّؤيا- فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ ملازموها في الاخرة كما انهم ملازموا أسبابها في الدنيا هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنا فى التورية مِيثاقَ العهد الشديد بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ قرا ابن كثير وحمزة والكسائي لا يعبدون بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب- وهذا اخبار في معنى النهى كقوله تعالى لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ فحسن عطف أحسنوا وقولوا عليه- وقال البغوي معناه ان لا تعبدوا فلما حذف ان صار الفعل مرفوعا وعلى هذا بدل من الميثاق او معمول له بحذف الجار- قرا أبيّ بن كعب لا تعبدوا على النهى- وقيل انه جواب قسم دل عليه المعنى تقديره حلّفناهم لا يعبدون- وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً متعلق بمحذوف اى تحسنون بالوالدين او أحسنوا بالوالدين ويكون معطوفا على لا تعبدون- او ووصيناهم بالوالدين إحسانا فيكون معطوفا على أخذنا- والإحسان بهما البر بهما والعطف عليهما وامتثال أمرهما ما لم يخالف امر الله تعالى- وَذِي الْقُرْبى عطف على الوالدين والقربى كالحسنى مصدر وَالْيَتامى جمع يتيم وهو الطفل الّذى لا اب له وَالْمَساكِينِ

_ (1) فى الأصل ساكنا

[سورة البقرة (2) : آية 84]

جمع مسكين مفعيل من السكون كانّ الفقر المسكنة والإحسان بهم الرحمة عليهم وأداء حقوقهم وَقُولُوا لِلنَّاسِ معطوف على أحسنوا او تقديره قلنا لهم قولوا عطفا على أخذنا حُسْناً اى قولا حسنا قرا حمزة والكسائي ويعقوب حسنا بفتح الحاء والسين على انه صفة والباقون على المصدر والحمل على المبالغة كزيد عدل- وهذا شامل لكل كلام محمود خبر صادق في شأن محمد صلى الله عليه وسلم وبيان صفته كما قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغيره او امر بمعروف ونهى عن منكر كما قال الثوري او قول لين في المعاشرات او شهادة بحق او غير ذلك مما يثاب عليه وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ أعرضتم عن العهد فيه التفات عن الغيبة الى الخطاب خاطب به الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبلهم على التغليب إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ يعنى الذين أمنوا منهم كعبد الله بن سلام وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) اى قوم عادتهم الاعراض عن وفاء العهود والمعنى ثم تولّت آباؤكم الا قليلا منهم حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وأسند الفعل اليه وحينئذ المعنى وأنتم معرضون كاعراض ابائكم. وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ على نحو ما سبق من لا تعبدون اى لا يتعرض بعضهم بعضا بالقتل والاجلاء وانما جعل قتل الرجل او إخراجه غيره قتل نفسه وإخراجه لاتصاله نسبا ودينا كذا يطلقون في محاوراتهم وقيل معناه لا ترتكبوا ما يبيح سفك دمائكم وإخراجكم من دياركم وقيل معنى لا تخرجوا لا تسيؤا في الجوار فتلجؤهم بسوء جواركم ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ بهذا العهد وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) على أنفسكم بالميثاق فهو تأكيد- او المعنى وأنتم ايها الموجودون تشهدون على اقرار اسلافكم فحينئذ أسند الإقرار إليهم مجازا-. ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ استبعاد لما ارتكبوه بعد الميثاق أنتم مبتدأ وهؤلاء خبره والمعنى أنتم بعد ذلك هؤلاء الناقضون كقولك أنت ذلك الرجل الّذى فعل كذا- نزّل تغيير الصفة منزلة تغيير الذات والجملة بعده حال والعامل فيه معنى الاشارة- او بيان لجملة أنتم هؤلاء او يقال أنتم مبتدأ وهؤلاء تأكيد والخبر الجملة بعده او يقال هؤلاء بمعنى الذي والجملة صلته والمجموع خبر أنتم او يقال أنتم يا هؤلاء تقتلون تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ قرا عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الظاء بحذف تاء التفاعل وكذا في التحريم والباقون بالإدغام بين التاء من التاءين

والظاء- والتظاهر التعاون من الظهر حال من فاعل يخرجون او مفعوله او كليهما وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى قرا حمزة اسرى وكلاهما جمع أسير تُفادُوهُمْ اى تبادلوهم بمعنى مفاداة الأسير بالأسير وقرا ابن كثير وابو عمرو وابن عامر وحمزة وابو جعفر «1» تفدوهم بفتح التاء اى بالمال وتنقذوهم وقيل معنى القراءتين واحد قال السدّى ان الله تعالى أخذ على بنى إسرائيل في التورية ان لا يقتل بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم وأيما عبد وامة وجدتموهم من بنى إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه- فكانت قريظة حلفاء الأوس والنضير حلفاء الخزرج وكانوا يقتتلون في حرب سمين فيقاتل بنو قريظة وحلفاؤهم النضير وحلفاءهم- وإذا غلبوا خرّبوا ديارهم وأخرجوهم منها- وإذا اسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه وان كان الأسير من عدوهم فتعيرهم العرب ويقول كيف تقاتلونهم وتفدونهم- قالوا انا أمرنا ان نفديهم فيقولون فلم تقاتلونهم قالوا انا نستحيى ان يستذل حلفاؤنا فعيرهم الله تعالى بقوله تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ الاية فهم خالفوا في ثلثة من الاحكام ترك القتل والإخراج والمظاهرة وأخذوا واحدا اى الافداء وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ الضمير للشان او راجع الى ما دل عليه يخرجون من المصدر- او الى محذوف تقديره وان يأتوكم اسرى تفدوهم مع ما صدر منكم إخراجهم وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ- وعلى التقديرين إخراجهم تأكيد- او الضمير مبهم يفسره قوله تعالى إِخْراجُهُمْ ووجه اتصال هذه الجملة بما سبق انهم حين انقيادهم للحكم بالافداء ارتكبوا المحرم وهو الإخراج فطاعتهم لا يخلو عن المعصية فضلا عن معصيتهم الخالصة- وبهذا يظهر وجه تخصيص تحريم الإخراج بالاعادة دون تحريم القتل وقال البيضاوي ان الجملة متعلق بقوله تعالى تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ وما بينهما اعتراض وحينئذ لا يظهر وجه تخصيص ذكر تحريم الإخراج والله اعلم أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ يعنى وجوب الفداء وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ يعنى حرمة القتل والإخراج- قال مجاهد يقول ان وجدته في يد غيرك فديته وأنت تقتله بيدك فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ اى الايمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض مِنْكُمْ يا معشر اليهود إِلَّا خِزْيٌ عذاب وهو ان واصل الخزي ذل يستحيى منه فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فكان خزى قريظة القتل والسبي وخزى النضير الاجلاء الى أذرعات وأريحا وضرب الجزية هناك عليهم وعلى غيرهم- وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ اى النار المخلد وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) قرا ابن كثير ونافع

_ (1) قرأ ابو جعفر كالنافع فعده مع ابن كثير وغيره لعله من الناسخ او من سباق قلم- ابو محمد

[سورة البقرة (2) : آية 86]

وابو بكر بالغيبة على ان الضمير لمن والباقون بالخطاب. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا استبدلوا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ يهون عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) لا يمنعون من عذاب الله-. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التورية وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ اى أرسلنا قفاه رسلا تترى فقوله من بعده تأكيد لمعنى قفينا لتضمنه معنى البعدية يعنى يوشع واشموئيل وشمعون وداؤد وسليمان وأيوب وشعيا وارميا وعزيرا «1» وحزقيل- واليسع- يونس وزكريا- ويحيى والياس وغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين-. وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ الدلالات الواضحات من إبراء الأكمه والأبرص واحياء الموتى وغير ذلك او المراد الإنجيل وَأَيَّدْناهُ قويناه- بِرُوحِ الْقُدُسِ قرا ابن كثير بسكون الدال والآخرون بضمها- والمراد بالروح جبرئيل- او الروح الذي نفخ في عيسى- والقدس الطهارة مصدر بمعنى الفاعل اى الطاهر- وهو الله تعالى اضافه الى نفسه تكريما- نحو بيت الله وناقة الله نظيره فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا- او الاضافة على طريقة حاتم الجود فيكون الطهارة في المعنى صفة للروح وطهارة جبرئيل وعيسى لاجل عصمتهما ولطهارة عيسى عن مس الشيطان عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من بنى آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها- متفق عليه ولانه لم يشتمل عليه أصلاب الفحول ولا أرحام الطوامث- وتائيد عيسى بجبرئيل انه امر ان يسير معه حيث سار حتى صعد به الى السماء- وقيل المراد بالروح اسم الله الأعظم الذي كان عيسى يحيى به الموتى ويرى الناس العجائب وقيل المراد به الإنجيل نظيره أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا- فان كتاب الله تعالى سبب لحيوة القلوب وعلى هذين التأويلين اضافة الروح الى الله وتوصيفه بالطهارة ظاهرة- قال البغوي فلما سمعت اليهود ذكر عيسى عليه السلام قالوا يا محمد لا مثل عيسى كما تزعم عملت ولا كما تقص علينا من الأنبياء فعلت- فأتنا بما اتى به عيسى ان كنت صادقا فقال الله تعالى أَفَكُلَّما جاءَكُمْ يا معشر اليهود رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اى بما لا تحبه يقال هوى بالكسر إذا أحب وبالفتح إذا سقط معطوف على الجمل السابقة- ووسطت الهمزة بين الفاء وما تعلقت به توبيخا لهم على تعقيبهم ذاك بهذا وتعجيبا

_ (1) فى الأصل عزير

من شأنهم- ويحتمل ان يكون استينافا والفاء للعطف على مقدر كانّ السائل يقول فما فعلوا بهم فاجاب فكفروا بهم وقال توبيخا أكفرتم بهم فكلما جاءكم الاية اسْتَكْبَرْتُمْ تكبرتم عن الايمان واتباع الرسل فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ كعيسى ومحمد وغيرهما عليهم الصلوات والسلام والفاء للسببية او للتفصيل- وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) اى قتلتم مثل زكريا ويحيى وشعيا وغيرهم ذكر بلفظ المضارع على حكايت الحال الماضية استحضارا لها في النفوس فان الأمر فظيع ومراعاة للفواصل وللدلالة على انكم تريدون قتل محمد عليه السلام حيث سحرتموه وتقاتلونه لكى تقتلوه- عن عائشة قالت- سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انه ليخيل اليه انه فعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم عندى دعا الله ودعاه ثم قال أشعرت يا عائشة ان الله تعالى قد أفتاني فيما استفتيته جاءنى رجلان جلس أحدهما عند رأسى والاخر عند رجلى ثم قال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي قال فيما ذا قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فاين هو قال في بئر ذروان- فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه الى البئر فقال هذه البئر التي أريتها- وكان ماؤها نقاعة الحناء وكان نخلها رؤس الشياطين فاستخرجه- متفق عليه قلت ويجوز ان يكون تقتلون بمعناه الاستقبالى اى وفريقا تقتلون في المستقبل يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم فانه مات شهيد الاجل الشاة المسمومة التي أهدتها يهودية من اهل خيبر وحينئذ يكون ذكر من مضى قتلهم من الأنبياء متروكا- او مقدرا تقديره وفريقا قتلتم وفريقا تقتلون- عن جابر رضى الله عنه- ان يهودية من اهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فاكل منها وأكل رهط من أصحابه معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفعوا ايديكم وأرسل الى اليهودية فدعاها فقال- سممت هذه الشاة- فقالت من أخبرك قال أخبرتني هذه في يدى الذراع- قالت نعم قلت ان كان نبيا فلن يضره وان لم يكن نبيا استرحنا منه فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها وتوفى أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة- رواه ابو داؤد والدارمي وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما زال أجد الم الطعام الذي أكلت بخيبر وهذا او ان وجدت «1»

_ (1) اضافه الى الفعل بتأويل المصدر- منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : آية 88]

انقطاع أبهري من ذلك السم- رواه البخاري فان قيل المقتولون منهم داخلون فيمن كذّبهم اليهود فما وجه تخصيص التكذيب بفريق منهم- قلت يظهر بتخصيص التكذيب بفريق منهم انهم لم يكذبوا فريقا منهم مثل يوشع وعزير ولا يضركون بعضهم داخلا في كلا الفريقين إذ العطف بالواو والله اعلم. وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ جمع الا غلف وهو الّذى عليه غشاوة خلقية فلا تعى ولا تفقه ما تقول نظيره قوله تعالى قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ- كذا قال مجاهد وقتادة- وقيل أصله غلف بضم اللام خفف ويؤيده قراءة الأعرج وما قرا ابن عباس بضم اللام وهو جمع غلاف اى قلوبنا اوعية لكل علم فلا نحتاج الى علمك كذا قال ابن عباس وعطاء وقال الكلبي معناه اوعية لكل علم فهى لا يسمع حديثا إلا وعته الا حديثك فلا يعقله ولا تعيه ولو كان فيه خيرا لوعته وفهمته فرد الله قولهم اى ليس قلوبهم مغشاة في اصل الخلقة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود الا يولد على الفطرة فابوه يهودانه وينصرانه ويمجسانه الحديث متفق عليه من حديث ابى هريرة- وليست اوعية للعلم ايضا بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ اى طردهم وابعدهم عن كل خير وخذلهم بِكُفْرِهِمْ كما قال الله تعالى فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ- فانى لهم دعوى العلم والاستغناء فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (88) نصب قليلا على الحال وما مزيدة للمبالغة ومعناه فيؤمنون حال كونهم اقل قليل اى لا يؤمن منهم الا اقل قليل فان من أمن من المشركين اكثر ممن أمن من اليهود كذا قال قتادة- او منصوب على المصدرية يعنى إيمانا قليلا يؤمنون- او بنزع الخافض اى بقليل مما وجب الايمان به يؤمنون وهو ايمانهم ببعض الكتاب- وقال الواقدي معناه لا يؤمنون قليلا ولا كثيرا كقول الرجل للاخر ما اقل ما تفعل كذا اى لا تفعله أصلا- فالقلة مجاز عن العدم. وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعنى القران مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ يعنى التورية وجواب لمّا محذوف دل عليه جواب لمّا الثانية وَكانُوا اى اليهود مِنْ قَبْلُ اى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُونَ يستنصرون عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا اى على مشركى العرب ويقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في اخر الزمان الذي نجد صفته في التورية- وكانوا ينصرون وكانوا يقولون لاعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبى يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وثمود وارم او المعنى ان اليهود كانوا يفتحون على المشركين نعت النبي صلى الله عليه وسلم ويعرّفونهم ان نبيا يبعث منهم وقد قرب زمانه والسين حينئذ

[سورة البقرة (2) : آية 90]

للمبالغة- والاشعار ان الفاتح كانه يسئل عن نفسه ذلك فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا ما موصولة فاعل جاء والعائد محذوف اى ما عرفوه يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم اعرفوه بنعته في التورية كَفَرُوا بِهِ حسدا او خوفا على المال والرياسة فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) اى عليهم- اتى بالمظهر للدلالة على سبب استحقاقهم اللعنة فاللام للعهد ويجوزان يكون للجنس وهم داخلون فيهم. بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ما بمعنى شيئا تميز لفاعل بئس المضمر فيه واشتروا صفته بمعنى باعوا وأنفسهم مفعول اشتروا الى بئس ما باعوا به حظ أنفسهم من الاخرة- او المعنى اشتروا به أنفسهم في ظنهم حيث خلصوها عن الذل بترك الرياسة أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ هو المخصوص بالذم بَغْياً مفعول له ليكفروا «1» «2» دون اشتروا للفصل- واصل البغي الطلب والفساد يقال بغى يبغى بغيا إذا طلب وبغى الجرح إذا فسد- ويطلق الباغي على الظالم لانه مفسد وعلى الخارج على الامام لانه مفسد وطالب للظلم وعلى الحاسد فانه يظلم المحسود ويطلب ازالة نعمته- والمعنى انهم يكفرون حسدا وطلبا لما ليس لهم وفسادا في الأرض أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ القران متعلق ببغيا بتقدير اللام- قرا ابن كثير وابو عمرو ينزل وبابه إذا كان مستقبلا مضموم الاول بالتخفيف من الانزال حيث وقع واستثنى ابن كثير وما ننزّله في الحجر- وننزّل من القران- وحتّى تنزّل علينا في الاسراء واستثنى ابو عمرو على أن ينزّل اية في الانعام- والذي في الحجر ما ننزّل الملئكة الّا بالحقّ مجمع عليه بالتشديد- والباقون بالتشديد من التنزيل في الجميع غير ان حمزة والكسائي يخففان ينزل الغيث في موضعين أحدهما فى لقمان والثاني في الشورى مِنْ فَضْلِهِ بلا سبق عمل يقتضيه- عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم فَباؤُ بِغَضَبٍ بسبب كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقران عَلى غَضَبٍ قد سبق عليهم بكفرهم بعيسى والإنجيل وترك العمل بالتورية وعبادة العجل وقولهم عزير ابن الله والاعتداء في السبت وغير ذلك وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) يراد به إذلالهم بخلاف عذاب العصاة من المؤمنين فانه لتطهيرهم عن الذنوب. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ من القران وسائر الكتب الالهية قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا اى التورية وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ حال عن الضمير في قالوا- والوراء فى الأصل مصدر جعل ظرفا ويضاف الى الفاعل فيراد ما يتوارى به وهو خلفه- والى المفعول ويراد

_ (1) فى الأصل مفعول له يكفرون [.....] (2) فيه تسامح لانه غير داخلة في الضابطة لانه في قرارة ابن كثير ومن معه بفتح الاول- لعله رحمه الله أراد به وما ننزله وصدر من سباق قلم هذا- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة البقرة (2) : آية 92]

به ما يواريه وهو قدامه ولذلك عدّ من الاضداد- وقد يطلق بمعنى سواء كقوله تعالى فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ اى سواه وَهُوَ الْحَقُّ الضمير لما وراءه يعنى القران والإنجيل مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ من التورية حال مؤكدة فيه رد لمقالهم- فانه لمّا كفروا بما يوافق التورية فقد كفروا بها- قُلْ لهم يا محمد فَلِمَ أصله لما حذف الالف فرقا بين الخبر والاستفهام كقولهم- فيم- وبم- وعمّ- تَقْتُلُونَ اى قتلتم وانما أسند إليهم مع انه فعل ابائهم لانهم راضون به وهم في صدد قتل نبيهم- أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ اى قبل هذا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) بالتورية والتورية تحكم بانه إذا جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ- وتنهى عن تكذيبهم فضلا عن قتلهم والجزاء محذوف دل عليه ما قبله. وَلَقَدْ جاءَكُمْ قرا ابو عمرو وحمزة والكسائي وهشام بإدغام دال قد في الجيم حيث وقع- وكذا حيث وقع في الذال نحو لقد ذّرانا- والزاء نحو لقد زيّنّا- والسين نحو قد سمع- والشين نحو قد شّغفها- والضاد المعجمة نحو فقد ضلّ- والظاء المعجمة نحو فقد ظلم- واما الطاء المهملة فلم يقع في القران بعد دال قد والا لادغمت- وكذا ادغموا غير هشام «1» فى الصاد المهملة حيث وقع نحو لقد صرّفنا- وتابعهم ابن ذكوان فى الاربعة في الذال والزاء والضاد والظاء لا غير وورش في الأخيرين فقط وقرا ابن كثير وعاصم وقالون بغير ادغام في الاحرف الثمانية كلها ويدغم الدال في الدال اجماعا نحو قد دخلوا- وكذا في التاء اجماعا نحو قد تبيّن الا ان الحسين روى عن نافع الإظهار عند التاء مُوسى بِالْبَيِّناتِ بالدلالات الواضحات وهى تسع ايت بيّنت وغيرها من المعجزات ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ الها مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد مجيى موسى او ذهابه الى الطور وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92) حال بمعنى اتخذتم العجل ظالمين بعبادته- او اعتراض بمعنى وأنتم قوم عادتكم الظلم- وسياق الاية وما بعدها للرد عليهم فى قولهم نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا- والتنبيه على ان طريقتهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم طريقة ابائهم مع موسى لا لتكرير القصة. وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ وقلنا لهم خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا يعنى استجيبوا وأطيعوا سميت الطاعة والاستجابة سمعا إطلاقا للسبب على المسبب قالُوا سَمِعْنا قولك وَعَصَيْنا أمرك قال اهل المعاني انهم لم يقولوا هذا بألسنتهم ولكن لمّا تلقوه بالعصيان نسب ذلك الى القول قلت

_ (1) ادغم هشام في الصاد ايضا بلا خلاف لكن له في الظاء في سورة ص اظهار من طرق الشاطبية- ابو محمد

[سورة البقرة (2) : آية 94]

وهو الظاهر فانهم لو قالوا ذلك لم يرفع عنهم الطور- وَأُشْرِبُوا يعنى تداخل كما يتداخل الصبغ الثوب فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ اى حبه بِكُفْرِهِمْ اى بسبب كفرهم- وذلك انهم لفرط حماقتهم كانوا مجسمة او حلولية ولم يروا جسما اعجب منه فتمكن في قلوبهم ما سوّل لهم السّامرىّ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ بالتورية والمخصوص محذوف يعنى هذا الأمر او ما تفعلون من القبائح الظاهرة القباحة المذكورة في الآيات الثلث إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) تقدير للقدح في دعواهم والجواب محذوف يدل عليه ما قبله تقديره ان كنتم مؤمنين بالتورية فبئسما يأمركم به ايمانكم بها هذا الأمر لان المؤمن لا يتعاطى الا ما يقتضيه إيمانه لكن الايمان لا يأمر به فلستم بمؤمنين بها او ان كنتم مؤمنين بالتورية ما فعلتم تلك القبائح لكنكم فعلتم فلستم بمؤمنين- ولما كانت اليهود يدّعون دعاوى باطلة مثل قولهم لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ- ولَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى - ونَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ كذّبهم الله تعالى بقوله. قُلْ لهم يا محمد إِنْ كانَتْ لَكُمُ خبر كان الدَّارُ الْآخِرَةُ اسمها عِنْدَ اللَّهِ ظرف خالِصَةً يعنى خاصة بكم منصوب على الحال من الدار مِنْ دُونِ النَّاسِ سائرهم واللام للاستغراق او الجنس- او المسلمين واللام للعهد فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ يعنى فاسئلوه لانه من أيقن انه من اهل الجنة ومن أحباء الله تعالى تمنى التخلص إليها من الدار ذات الشوائب واشتاق الى لقاء الله تعالى اخرج ابن المبارك في الزهد والبيهقي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحفة المؤمن الموت- والديلمي عن جابر مثله وعن الحسين بن على مرفوعا مثله بلفظ الموت ريحانة المؤمن- وقال حبان بن الأسود الموت جسر يوصل الحبيب الى الحبيب- وهذه الاية والأحاديث تدل على ان القبر أول منزل من منازل الاخرة رواه الترمذي وابن ماجة عن عثمان مرفوعا- وعلى ان الوصل بلا كيف مع الله تعالى يحصل بعد الموت قبل القيامة فوق ما كان حاصلا في الدنيا ولولا ذلك لما كان في تمنى الموت فائدة ولم يكن الموت جسرا موصلا الى الحبيب- وقيل معنى الاية ادعوا بالموت على الفرقة الكاذبة فهى نظيرة اية الابتهال- روى عن ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم قال لو تمنوا الموت لغض كل انسان منهم بريقه وما بقي على وجه الأرض يهودى الا مات أخرجه البيهقي في الدلائل وكذا أخرجه البخاري والترمذي عنه مرفوعا بلفظ لو تمنوا الموت لماتوا واخرج ابن ابى حاتم

وابن جرير عنه موقوفا نحوه- إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) فيما ادعيتم والجزاء محذوف دل عليه ما قبله- (فصل) هل يجوز التمني بالموت والدعاء به- والجواب انه ان كان لضرّ نزل به في مال او جسم او اهل او ولد فلا يجوز لحديث انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتمنّينّ أحدكم الموت لضرّ نزل به فان كان ولا بد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحيوة خيرا لى وتوفنى إذا كانت الوفاة خيرا لى- متفق عليه وفي رواية لهما إذا مات أحدكم انقطع عمله وانه لا يزيد عمره إلا خيرا- وعن ابى هريرة مرفوعا لا يتمنين أحدكم الموت امّا محسنا فلعل ان يزداد وامّا مسيئا فلعل ان يستعتب رواه البخاري وعنه لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل ان يأتيه انه إذا مات انقطع عمله وانه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا رواه مسلم وروى النهى عن تمنى الموت احمد والبزار والبيهقي عن جابر والمروزي عن القاسم مولى معاوية وعن ابن عباس- واحمد وابو يعلى والحاكم والطبراني عن أم الفضل واحمد عن ابى هريرة كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- ولا بد ان يعلم ان المنهي عنه انما هو التمني للموت باللسان والسؤال به دون التمني بالقلب والرغبة اليه فان الكف عنه غير مقدور فلا تكليف عليه- واما ان كان التمني لخوف الفتنة في الدين فلا بأس به- اخرج مالك والبزار عن ثوبان في دعائه صلى الله عليه وسلم وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضنى إليك غير مفتون- واخرج مالك عن عمر رضى الله عنه انه قال اللهم قد ضعفت قوتى وكبر سنى وانتشر رعيتى فاقبضنى إليك غير مضيع ولا مقصد- فما جاوز ذلك الشهر حتى قبض- واخرج الطبراني عن عمرو بن عنبسة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتمنى أحدكم الموت الا ان لا يثق بعمله فان رايت في الإسلام ست خصال فتمنوا الموت وان كانت نفسك في يدك فارسلها اضاعة الدم وامارة الصبيان وكثرة الشرط وامارة السفهاء وبيع الحكم ونشوء يتخذ القران مزامير- واخرج ابن عبد البر في التمهيد انه تمنى الموت فلما قيل له لم تتمنى وقد نهى عنه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بادروا بالموت ستا امرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم واستخفافا بالدم وقطيعة الرحم ونشوء يتخذون القران مزامير- واخرج الحاكم عن ابن عمر وابن سعد عن ابى هريرة نحوه- وقد تمنى بالموت لخوف الفتنة بعض السلف- رواه ابن سعد عن خالد بن معدان- وابن عساكر وابو نعيم عنه وعن مكحول

وابن ابى الدنيا عن ابى الدرداء- وابن ابى شيبة وابن ابى الدنيا عن ابى جحيفة- وابن ابى الدنيا والخطيب وابن عساكر عن ابى بكرة- وابن ابى شيبة والبيهقي عن ابى هريرة- والطبراني وابن عساكر عن العرباض بن السارية- واما ان كان التمني شوقا الى لقاء الله تعالى فذلك محمود- اخرج ابن عساكر عن ذى النون المصري قال الشوق أعلى المقامات وأعلى الدرجات إذا بلغها العبد استبطأ الموت شوقا الى ربه وحبا الى لقائه والنظر اليه شعر أروم وقد طال المدى منك نظرة- وكم من دماء دون مرماى ظلت قلت وهو المقصود بالخطاب الى اليهود حيث قال إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ شوقا الى لقاء ربكم ان كنتم صدقين وروى ابن سعد والشيخان عن عائشة قالت كنت اسمع انه لا يموت نبى حتى يخير بين الدنيا والاخرة قالت أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم شديدة فى مرضه فسمعته يقول مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فظننت انه خير وروى النسائي عنها قالت أغمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجرى فجعلت امسحه وادعوا له بالشفاء بهذه الكلمات اذهب البأس رب الناس فافاق فانتزع يده من يدى فقال بل اسئل الله الرفيق الأعلى- واخرج الطبراني ان ملك الموت جاء الى ابراهيم ليقبض روحه فقال ابراهيم يا ملك الموت هل رايت خليلا يقبض روح خليله- فعرج ملك الموت الى ربه فقال قل له هل رايت خليلا يكره لقاء خليله فرجع فقال اقبض روحى الساعة- وقال يوسف تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ- وعن على رضى الله عنه انه قال لا أبالي أسقط على الموت او أسقط الموت على- أخرجه ابن عساكر في تاريخه وعن عمار رضى الله عنه انه قال بصفين الان الاقى الاحبة محمدا صلى الله عليه وسلم وحزبه- أخرجه الطبراني في الكبير وابو نعيم في الدلائل وقال حذيفة حين احتضر جاء حبيب على فاقة لا أفلح من ندم- أخرجه ابن سعد عن الحسن- فان قيل روى احمد عن ابى امامة قال جلسنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكّرنا ورققنا فبكى سعد بن ابى وقاص فاكثر البكاء فقال يا ليتنى مت فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا سعد أعندي تتمنى الموت فردد ذلك ثلث مرات ثم قال يا سعد ان كنت خلقت للجنة فما طال عمرك وحسن عملك فهو خير لك- وهذا الحديث يدل على ان تمنى الموت لا يجوز وان لم يكن لاجل ضرّ نزل به في ماله او جسمه او نحو ذلك فان سعدا لم يتمن الا لخوف عذاب الله- قلت نعم لكن الموت لا يغنى من عذاب الله

[سورة البقرة (2) : آية 95]

شيئا بل لا بد لذلك من الاستغفار والمبادرة في الأعمال الصالحة والاجتناب عن المعاصي ومن ثم نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تمنى الموت- والتحقيق في ذلك ان التمني بالموت عنه خوف المعصية والتقصير في الطاعة جائز قطعا لا ريب فيه- واما من غير ذلك بل شوقا الى لقاء المحبوب فقد وقع عن بعض السلف عند الاحتضار كما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن خليل الرحمن عليه السلام وعن عمار وحذيفة وغيرهم انه إذا حضرهم الموت ولم يبق لهم طمع في ازدياد الأعمال اشتاقوا الى لقاء ذى الجلال- عن عبادة ابن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقالت عائشة او بعض أزواجه انا لنكره الموت قال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر «1» برضوان الله وكرامته فليس شىء أحب اليه مما امامه فاحب لقاء الله فاحب الله لقاءه وان الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شىء اكره اليه مما امامه فكره لقاء الله فكره الله لقاءه- متفق عليه- واما في حالة الصحة فلم يرد عن السلف التمني بالموت الا عند خوف الفتنة والتقصير كما روينا عن عمر رضى الله عنه ويحمل عليه ما روى عن على رضى الله عنه او عند غلبة الحال وذلك في الأولياء غالبا دون الأنبياء ومن في معنا هم من اصحاب الصحو من الصديقين والأولياء فانهم مع شدة شوقهم الى لقاء الرحمن يغتنمون ازدياد الحسنات شعر فانى في الوصال عبيد نفسى- وفي الهجران مولى للموالى واما اليهود فلشدة جهلهم وعنادهم لما كانوا يدّعون انهم أحباء الله تعالى وانهم غير محتاجين الى الأعمال قيل لهم ان كنتم صادقين في دعواكم لا بد لكم من تمنى المنى ولما كانوا كاذبين في دعواهم رد الله تعالى عليهم قولهم وقال. وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً فى هذه الجملة اخبار بالغيب ومعجزة على اليهود بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من موجبات النار كالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم والقران وتحريف التورية وغير ذلك من الأعمال- ولما كانت اليد العاملة مختصة بالإنسان فمعز الدولة لقدرته بها عامة صنائعه ومنها اكثر منافعه عبر بها عن النفس تارة وعن القدرة اخرى وَاللَّهُ عَلِيمٌ

_ (1) البشارة برضوان الله عنا اقتراب الموت للاولياء اما يكون بالكشف وكلام الهاتف ونحو ذلك واما يكون بذوقهم كثرة نزول البركات عليهم في ذلك الحالة واما عند رؤية ملائكة الموت وملائكة الرحمة واما البشارة للكافر بالعذاب فلا يكون الا عند رؤية ملائكة الموت والعذاب- منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : آية 96]

بِالظَّالِمِينَ (95) تهديد لهم وتنبيه على انهم ظالمون في دعواهم. وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ اللام لام القسم والنون لتأكيد القسم وتجد من افعال القلوب مفعوله الاول ضمير الغائب ومفعوله الثاني احرص- وبتنكير حيوة أريد فرد من افرادها وهى المتطاولة وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا- معطوف على الناس من حيث المعنى كانه قال احرص من الناس ومن الذين أشركوا او على احرص ويكون متعلقا بمحذوف دل عليه ما قبله يعنى احرص من الذين أشركوا- وافرادهم بالذكر مع دخولهم في الناس للمبالغة والاهتمام كما في عطف جبرئيل على الملائكة فان حرص المشركين شديد إذ لم يعرفوا الا الحيوة الدنيا وزيادة حرصهم على الدنيا مع اعراضهم عن الاخرة وهم عالمون بالجزاء بخلاف المشركين دليل على كمال مصابرتهم على النار ففيه زيادة توبيخ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ قيل لو مصدرية بمنزلة ان الّا انها لا تنصب فهو مفعول يود وقال البيضاوي لو بمعنى ليت وكان أصله لو اعمّر فاجرى على الغيبة لقوله يود كقولك حلف بالله ليفعلن- فحينئذ كلمة التمني حكاية لو دادهم فحذف مفعول يود لما يدل عليه ما بعده وفيه بيان لزيادة حرصهم على سبيل الاستيناف ويحتمل ان يكون جملة يود صفة لمبتدأ محذوف والظرف المستقر يعنى من الذين أشركوا خبره تقديره ومن الّذين أشركوا أناس يودّ أحدهم لو يعمّر الف سنة- والمراد من الذين أشركوا اليهود القائلون عزير ابن الله- وقال ابو العالية والربيع أراد بالذين أشركوا المجوس فان تحية بينهم- زى هزار سال- فقال سبحانه اليهود احرص الناس فهم احرص من المجوس والمجوس يريد تعمير الف سنة- واصل سنة سنوة بدليل سنوات وقيل سنهة- وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ بمباعده مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ ضمير هو راجع الى أحدهم وان يعمر فاعل مزحزحه والمعنى وما أحدهم بمن يزحزحه من العذاب تعميره او الى مصدر يعمر ويعمر بدل منه- او ضمير مبهم ان يعمر تفسيره- فان قيل طول العمر في الدنيا مباعد للعذاب الأخروي البتة فكيف يحكم بعدم التبعيد- قلت لما كان الف سنة بل تمام عمر الدنيا بالنسبة الى الاخرة المؤبدة كساعة من النهار او كلمح البصر بالنسبة الى الزمان المتناهي لم يعتد التبعيد الحاصل بتعمير الف سنة تبعيدا إذ المراد بنفي تبعيده من العذاب تبعيده بالعمل الصالح ففيه زيادة توبيخ حيث لا يزيدهم طول عمرهم الا العذاب وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (92) فيجازيهم- قرا يعقوب بالتاء للخطاب مع اليهود والباقون بالياء للغيبة انتهى-

[سورة البقرة (2) : آية 97]

اخرج اسحق بن راهويه في مسنده وابن ابى شيبة- وابن ابى حاتم- وابن جرير من طرق عن الشعبي عن عمر انه كان يأتى اليهود فيسمع من التورية فيتعجب كيف يصدق ما في القران قال فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت نشدتكم بالله أتعلمون انه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عالمهم- نعم نعلم انه رسول الله قلت فلم لا تتبعونه قالوا سالناه من يأتيه بنبوته فقال عدونا جبرئيل لانه ينزل بالغلظة والشدة والحرب والهلاك- قلت فمن سلمكم من الملائكة قالوا ميكائيل ينزل بالقطر والرحمة- قلت وكيف منزلتهما من ربهما قالوا أحدهما عن يمينه والاخر بالجانب الاخر- قلت فانه لا يحل لجبرئيل انه يعادى ميكائيل ولا يحل لميكائيل ان يسالم عدو جبرئيل وانى اشهد انهما وربهما سلم لمن سالموا وحرب لمن حاربوا- ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وانا أريد ان أخبره فلما لقيته قال الا أخبرك بايات نزلت علىّ فقرا. قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ حتى بلغ الكفرين قلت يا رسول الله والله ما قمت من عند اليهود الا إليك لا خبرك بما قالوا لى وقلت لهم فوجدت الله قد سبقنى- واسناده صحيح الى الشعبي واعتضد الطرق بعضها ببعض لكن الشعبي لم يدرك عمر واخرج ابن جرير من طريق السدى عن عمر- ومن طريق قتادة عن عمرو هما ايضا منقطعان واخرج ابن ابى حاتم من طريق اخر عن عبد الرحمن بن ابى ليلى ان يهوديا لقى عمر بن الخطاب فقال ان جبرئيل الذي يذكر صاحبكم عدوّ لنا فقال عمر من كان عدوّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكيل فان الله عدوه- قال فنزلت على لسان عمر- وقد نقل ابن جرير الإجماع على ان سبب نزول الاية ذلك- وروى البخاري عن انس قال سمع عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ارض يحترف فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال انى سائلك عن ثلاث لا يعلمهن الا نبى ما أول اشراط الساعة- وما أول طعام اهل الجنة- وما ينزع الولد الى أبيه والى امه- قال أخبرني بهن جبرئيل آنفا قال نعم قال ذلك عدو اليهود من الملائكة فقرا هذه الاية- قال الشيخ ابن حجر ظاهر السياق ان النبي صلى الله عليه وسلم قرا الاية ردا على قول اليهود ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ وهذا هو المعتمد- واخرج احمد والترمذي والنسائي من طريق بكير بن شهاب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال أقبلت اليهود الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم انا نسئلك عن خمسة أشياء فان انبأتنا بهن عرفنا انك نبى فذكر الحديث-

[سورة البقرة (2) : آية 98]

وفيه انهم سالوا عما حرم إسرائيل على نفسه وعن علامة النبي وعن الرعد وصوته وكيف تذكر المرأة وتؤنث وعمن يأتيه بخبر السماء الى ان قالوا فاخبرنا من صاحبك قال جبرئيل قالوا ذلك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان فنزلت وقال البغوي بلا سند انه قال ابن عباس ان حبرا من الأحبار يقال له عبد الله بن صوريا قال للنبى صلى الله عليه وسلم اىّ ملك يأتيك من السماء قال جبرئيل قال ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لا منابك ان جبرئيل عادانا مرارا انزل على نبينا ان بيت المقدس سيخرب على يد رجل يقال له بخت نصر وأخبرنا بوقته فبعثنا رجلا ليقتل بخت نصر حين كان غلاما مسكينا ببابل فدفع عنه جبرئيل وكبر بخت نصر وخرب بيت المقدس- وقال مقاتل قالت اليهود ان جبرئيل عدونا لانه امر ان يجعل النبوة فينا فجعل في غيرنا- قلت ولعل القصتين وقعتا معا قبل نزول الاية لقى عمر مع اليهود فكلهم ما كلمهم ولقى اليهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت فكلموه فنزل الاية- قرا ابن كثير جبريل هنا في الموضعين وفي التحريم بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز- وقرا ابو بكر بفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة من غير ياء جبرئل وقرا حمزة والكسائي مثله الا انهما يجعلان ياء بعد الهمزة جبرءيل والباقون بكسر الجيم والراء من غير همز جبريل فَإِنَّهُ يعنى جبرئيل نَزَّلَهُ يعنى القران- والإضمار من غير ذكر المرجع لفخامة شأنه وتبادر الذهن اليه كانه لم يحتج الى سبق فى الذكر عَلى قَلْبِكَ يا محمد فان القابل للوحى اولا القلب وكان الحق قلبى ولكنه جرى على حكاية كلام الله تعالى بِإِذْنِ اللَّهِ بامره حال من فاعل نزل مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) احوال من مفعوله والظاهر ان جواب الشرط فانّه نزّله والمعنى من كان عدو الجبرئيل فانه خلع عن عنقه ربقة الانصاف وكفر بما معه من الكتاب لان جبرئيل نزل القران مصدقا لما بين يديه من الكتاب فحذف الجواب وأقيم علته مقامه- او المعنى من عاداه فالسبب في عداوته انه نزل عليك وقيل جواب الشرط محذوف فليمت غيظا- او فهو عدو لى وانا عدوه يدل عليه ما بعده. مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ خصّهما بعد التعميم لاظهار فضلهما «1» كانهما من جنس اخر- ولان الكلام كان فيهما- وللتنبيه على ان

_ (1) اخرج الحاكم عن ابى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وزير اى من اهل السماء جبرئيل وميكائيل ومن اهل الأرض ابو بكر وعمر- واخرج الطبراني بسند حسن عن أم سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان في السماء ملكين أحدهما يأمر بالشدة والاخر يأمر باللين فكل مصيب وذكر جبرئيل وميكائيل ونبيان أحدهما يأمر باللين والاخر يأمر بالشدة وكل مصيب وذكر ابراهيم ونوحا ولى صاحبان أحدهما يأمر باللين والاخر بالشدة وكل مصيب وذكر أبا بكر وعمر- منه رحمه الله تعالى

[سورة البقرة (2) : آية 99]

معاداة الواحد والكل سواء في الكفر واستجلاب العداوة من الله تعالى- قرا حفص ويعقوب وابو عمر وميكيل بغير همز ولا ياء- ونافع بهمزة بلا ياء وميكئل والباقون بالياء بعد الهمز ميكئيل فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (98) وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على ان الله تعالى عاداهم لكفرهم وعلى ان عداوة الملائكة والرسل كفر- اخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس انه قال قال ابن صوريا ما جئتنا بشىء نعرفه فانزل الله تعالى. وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ (99) المتمردون في الكفر فان الفسق إذا استعمل في نوع من المعاصي دل على عظمه كانه متجاوز عن حده واللام للجنس او العهد اشارة الى اليهود واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس انه قال قال مالك بن الضيف لمّا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في دين محمد صلى الله عليه وسلم والله ما عهد إلينا في مجد ولا أخذ علينا الميثاق- فانزل الله تعالى. أَوَكُلَّما الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره اكفروا بالآيات وكلما عاهَدُوا يعنى اليهود عَهْداً لان خرج محمد صلى الله عليه وسلم لنؤمنن به يدل عليه قراءة ابى الرجاء العطاردي او كلّما عوهدوا- وقال عطاء- هى العهود التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود ان لا يعاونوا المشركين على قتاله فنقضوها كفعل بنى قريظة والنضير قوله تعالى الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ نَبَذَهُ نقضه وطرحه فَرِيقٌ مِنْهُمْ وان لم ينقض كلهم- ولما توهم هذا الكلام ان النابذين هم الأقلون قال بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100) بالله او بالتورية فلا يعدون نقض المواثيق ذنبا. وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كعيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ من التورية نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ يعنى التورية وَراءَ ظُهُورِهِمْ ولم يعملوا به ولو عملوا به لامنوا بكل نبى- مثل لاعراضهم وعدم التفاتهم الى احكام التورية في الايمان والنصر لمن جاء بعدها من الأنبياء باعراض من يرمى شيئا خلفه فلا يلتفت اليه كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) انه كتاب الله أولا يعلمون بما فيه ولكنهم يتجاهلون عنادا. وَاتَّبَعُوا اى عملوا يعنى اليهود وتحدثوا وتعلموا عطف على نبذ اى نبذوا كتاب الله واتبعوا

كتب السحر والشعوذة بل عطف على الشرطية فان تقييد الاتباع بمجى الرسول غير ظاهر ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ حكاية حال ماضية معناه ما تلت والعرب يستعمل الماضي موضع المستقبل وبالعكس مجازا- وتتلوا اما مشتق من التلاوة بمعنى القراءة او من التلو بمعنى التبعية يعنى اتبعوا كتب السحر التي كانت تقراها الشياطين من الجن والانس وتتبعها وتعمل بها عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ متعلق بتتلوا على تضمين الافتراء اى تتلوا الشياطين مفتر بين على ملك سليمان قائلين بان ملكه كان به وحينئذ يرتبط ما كفر سليمن ارتباطا تاما او يكون على بمعنى في اى في وقت سلطنته- قال البغوي قال السدى كانت الشياطين تصعد الى السماء فيسمعون كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت وغيره فيأتون الكهنة ويخلطون بما سمعوا في كل كلمة سبعين كذبة ويخبرونهم بها- فاكتتب الناس وفشا ذلك في بنى إسرائيل ان الجن تعلم الغيب- وبعث سليمان عليه السلام وجمع تلك الكتب وجعلها في صندوق ودفنه تحت كرسيه وقال لا اسمع أحدا يقول ان الشيطان يعلم الغيب الا ضربت عنقه- فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون امر سليمان ودفنه الكتب وخلف من بعدهم خلف تمثل الشيطان على صورة انسان فاتى نفرا من بنى إسرائيل فقال هل أدلكم على كنز لا تأكلونه ابدا احفروا تحت الكرسي فاراهم المكان وقام ناحية وذلك انه لم يكن يدنو شيطان من الكرسي الا احترق- فحفروا واخرجوا الكتب قال الشيطان ان سليمان كان يضبط الجن والانس والشياطين والطير بهذه ثم طار الشيطان وفشا في الناس ان سليمان كان ساحرا- وأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب فلذلك اكثر ما يوجد السحر في اليهود فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم برّا الله تعالى سليمان من ذلك- قلت والظاهر ان ما دفنه سليمان كان كتب السحر دون ما ألقته الشياطين الى الكهنة مما سمعته من الملائكة في الحوادث اليومية فان ذلك الكهانة ولا يفيد ذلك بعد مضى الدهور حين استخرجوها بعد موت سليمان- وقال الكلبي ان الشياطين كتبوا السحر والنير نجات على لسان اصف بن برخيا هذا ما علّم اصف بن برخيا سليمان الملك ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع الله الملك عنه ولم يشعر بذلك سليمان فلما مات استخرجوها وقالوا للناس انما ملككم سليمان بهذا- فاما علماء بنى إسرائيل وصلحاؤهم فقالوا معاذ الله ان يكون هذا من علم سليمان واما السفلة فقالوا هذا علم سليمان واقبلوا على تعلمه ورفضوا كتب أنبيائهم وفشت الملامة لسليمان حتى برّاه الله في القران وقال وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ يعنى ما سحر سليمان

فيكفر عبّر عن السحر بالكفر ليدل على ان السحر كفر وان من كان نبيا كان معصوما عنه وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا قرا ابن عامر وحمزة والكسائي بتخفيف نون لكن ورفع الشّيطين والباقون بالنون المشددة ونصب الشّيطين وكذلك ولكن البرّ «1» وكذلك في الأنفال ولكن الله قتلهم ولكن الله رمى يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ حال من الضمير في كفروا- والسحر علم بألفاظ واعمال يتقرب بها الإنسان الى الشياطين تصير بها الشياطين مسخرات له فيعينونه على ما يريد وتؤخر تلك الألفاظ والأعمال في النفوس والأبدان بالامراض والموت والجنون وتخيل في الاسماع والابصار كما سمعت في سحرة فرعون انهم القوا حبالهم وعصيّهم يخيّل الى موسى من سحرهم انّها تسعى- وليس تلك التأثيرات الا بخلق من الله تعالى ابتلاء منه وقيل انها تؤثر في قلب الأعيان ايضا فيجعل الإنسان حمارا والحمار كلبا قال البغوي السحر وجوده حق عند اهل السنة ولكن العمل به كفر وقال الشيخ ابو منصور القول بان السحر كفر على الإطلاق خطا بل يجب البحث عن حقيقته فان كان في ذلك رد ما ثبت بالشرع قطعا فهو كفر والا فلا- قال البغوي حكى عن الشافعي رضى الله عنه انه قال السحر يخيل ويمرض وقد يقتل حتى أوجب القصاص على من قتل به فهو من عمل الشيطان يتلقاه الساحر منه بتعليمه إياه- فاذا تلقاه منه استعمله في غيره انتهى- وقول الشافعي ايضا يدل على ان السحر بعضها كفر دون بعض- وكذا ما في المدارك حيث قال ان السحر الذي هو كفر يقتل عليه الذكور دون الإناث يعنى عند الحنفية كما في المرتد وما ليس بكفر وفيه إهلاك النفس ففيه حكم قطاع الطريق ويستوى فيه الذكور والإناث ويقبل توبته إذا تاب وان كان سحره كفرا ومن قال لا يقبل توبته فقد غلط فان سحرة فرعون قبلت توبتهم مع كونهم كفارا انتهى- قلت وتعبير الله سبحانه السحر بالكفر وقوله وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وقوله تعالى وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ كل ذلك يدل على ان ألفاظ السحر واعماله كلها او عامتها من موجبات الكفر ومناقضا لشرائط الايمان وينبغى ان يكون كذلك فان الشيطان لا يرضى من الإنسان الا بالكفر فلا يتصور التقرب اليه وتسخيره الا به نعوذ بالله منه وما قال الشافعي والشيخ ابو منصور رحمهما الله فمبنى على الاحتمال العقلي (فائدة) واعلم انه من قتل إنسانا لا يحل قتله او اضره بسلب نعمة البدنية او المالية او غير ذلك بالسيفى والدعاء وان كان ذلك بأسماء الله تعالى الجلالية وان لم يكن ذلك كفرا فهو فاسق البتة وحكمه حكم قطاع الطريق قال الله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ

_ (1) لعله من سباق قلم لانه قرأه بالتخفيف نافع وابن عامر والباقون بالتشديد- ابو محمد

الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً- وقال عليه الصلاة والسلام المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده- متفق عليه- من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ومن هذا القبيل دعوة بلعم بن باعور على موسى عليه السلام وسيجيئ قصته في سورة الأعراف في تفسير قوله تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها الاية- وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ عطف على السحر او على ما تتلوا والمراد بالمعطوف والمعطوف عليه واحد والعطف لتغائر الاعتبار او لانه نوع اخر أقوى منه بِبابِلَ ظرف او حال من الملكين او من الضمير في انزل قال ابن مسعود بابل ارض الكوفة وقيل جبل دماوند- وهذا يدل على ان السحر ايضا من العلوم المنزلة من السماء ابتلاء من الله تعالى فان الله تعالى هو الهادي والمضل يفعل ما يشاء- والمأمور به غير ما أراد وشاء- فالله تعالى امتحن الناس بالملكين فمن شقى تعلم السحر منهما وكفر بالله ومن سعد تركه وبقي على الايمان وكان الملكين يذكران بطلان السحر ويصفانه ويأمران بالاجتناب عنه والله اعلم وقيل ما نافية وقد كانت اليهود يقولون ان السحر من العلوم المنزلة من السماء على الملكين فرد الله سبحانه تعالى قولهم وقال وَما أُنْزِلَ يعنى السحر على الملكين عطفا على ما كفر سليمن وحينئذ قوله تعالى بِبابِلَ متعلق ب يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ هارُوتَ وَمارُوتَ عطف بيان للملكين على التقدير الاول كما هو الظاهر- وقيل بدل من الشياطين بدل البعض على تقدير كون ما نافية وَما يُعَلِّمانِ يعنى هاروت وماروت مِنْ أَحَدٍ يعنى أحدا ومن زائدة حَتَّى يَقُولا ناصحين على تقدير كونهما ملكين إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ابتلاء من الله وامتحان فَلا تَكْفُرْ اى لا تتعلم السحر فتكفر اطلق المسبب على السبب- قيل انهما كانا يقولان ذلك سبع مرات قال عطاء والسدىّ فان ابى الا التعلم قالا له ايت هذا الرماد فبل عليه فيخرج منه نور ساطع في السماء فتلك الايمان والمعرفة وينزل شىء اسود شبيه الدخان حتى يدخل مسامعه وذلك غضب الله نعوذ بالله منه- وعلى التقدير الثاني ما يعلمانه حتى يقولا انا مفتونان فلا تكن مثلنا- قلت وهذا القول نصيحة يستبعد ان يصدر من الشياطين ومن ثم قلنا ان الاول هو الظاهر فَيَتَعَلَّمُونَ الضمير لما دل عليه من أحد مِنْهُما اى هاروت وماروت والجملة معطوفة على مقدر وتقديره فيأبون فيتعلمون او هى معطوفة على يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ اى يعلمونهم فيتعلمون ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ اى من السحر ما يبغض كل واحد منهما صاحبه وَما هُمْ اى السحرة او الشياطين

بِضارِّينَ به اى بالسحر مِنْ أَحَدٍ اى أحد إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعنى بقضائه وقدره ومشيته فان الأسباب كلها اسباب ظاهرية عادية غير مؤثرة بالذات- بل جرت عادة الله سبحانه بخلق التأثيرات والتأثرات بعد وجود الأسباب ان شاء وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ اى السحر فانه موجب لكفرهم وَلا يَنْفَعُهُمْ شيئا وفيه اشارة الى ان تعلّم العلوم الغير النافعة كالطبيعى والرياضي ونحو ذلك مكروه لاضاعة الوقت ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انى أعوذ بك من علم لا ينفع رواه الحاكم فى المستدرك في حديث ابن مسعود فائدة العلم الذي لا ينفع نوعان نوع منه لا ينفع أحدا من الناس حيث لا يتصور الانتفاع منه كالطبيعى ونحوه ونوع منه لا ينفع العالم إذا لم يعمل بعلمه والله اعلم واما العلوم الضارة فلا شك في حرمتها كالسحر والشعبدة والإلهيات الفلاسفة الا إذا كانت بنية صالحة وذكر البغوي عن ابن عباس والكلبي وقتادة وغيرهم في شأن هاروت وماروت قصة ان الملائكة لما راوا ما يصعد الى السماء من سيات بنى آدم عيروهم فقال الله تعالى لو انزلتكم الى الأرض وركّبت فيكم مثل ما ركّبت فيهم لارتكبتم مثل ما ارتكبوا فقالوا سبحانك ما لنا ان نعصيك قال فاختاروا من خياركم فاختاروا هاروت وماروت وعزائيل- فركّب الله فيهم الشهوات واهبطهم الى الأرض وأمرهم ان يحكموا بين الناس بالحق ونهاهم عن الشرك والقتل بغير الحق والزنى وشرب الخمر- فاما عزائيل لما وقعت الشهوة في قلبه استقال ربه وسأل ان يرفعه الى السماء فاقاله فسجد أربعين سنة ولم يزل بعد مطاطيا رأسه حياء- واما الآخران فكانا يقضيان بين الناس فاذا امسيا ذكرا اسم الله تعالى الأعظم وصعدا الى السماء فما مر عليهما شهر حتى افتتنا وذلك انه اختصم إليهما ذات يوم امرأة تسمى زهرة وزوجها وكانت ملكة من اهل فارس فعشقا عليها فراوداها عن نفسها فابت وقالت لا الا ان تعبدا الصنم وتقتلا النفس تعنى زوجها وتشربا الخمر فعرضت عليهما حتى شربا الخمر وزنيابها فراهما انسان فقتلاه فمسخ الله الزهرة شهابا فلما امسى هاروت وماروت بعد ما ارتكبا المعاصي وأراد الصعود ما طاوعتهما أجنحتهما فقصدا إدريس النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم وسالاه ان يشفع لهما الى الله فخيرهما الله تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الاخرة فاختارا عذاب الدنيا لانقطاعها- فهما ببابل يعذبان معلقان بشعورهما في جب ملئت نارا- روى ابن راهويه وابن مردوية عن على قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله الزهرة فانما هى التي فتنت الملكين هاروت وماروت- والله اعلم-

وهذه القصة من اخبار الآحاد بل من الروايات الضعيفة الشاذة ولا دلالة عليها في القران بشىء وفي بعض روايات هذه القصة ما يأباه النقل والعقل وهو ما حكى عن الربيعة بن انس انه مسخ الله الزهرة كوكبا وصعدت الى السماء حين تعلمت الاسم الأعظم وتكلمت به ولم يستطع هاروت وماروت الصعود الى السماء مع كونهما معلمين الزهرة ومساواتهما لها في ارتكاب المعصية بل كان كفرهما دون كفر زهرة لاجل سكرهما والله اعلم- قال محمد بن يوسف الصالحي في سبيل الرشاد قال الشيخ كمال الدين- وائمة النقل لم يصححوا لهذه القصة ولا اثبتوا روايتها عن على ولا عن ابن عباس رضى الله عنهما- قال العاصي ان هذه الاخبار لم يرو منها شىء صحيح ولا سقيم عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال وهذه الاخبار من كعب اليهود وافترائهم- قال الصالحي ذكروا في تأويل الاية ان الله تعالى كان قد امتحن الناس بالملكين فان السحر كان قد ظهر وظهر قول اهله فانزل الله تعالى ملكين يعلمان الناس حقيقة السحر ويوضحان امره ليعلم الناس ذلك ويميّزوا بينه وبين المعجزة والكرامات فمن جاء يطلب ذلك منهما انذراه وأعلماه انما أنزلنا فتنة لتعليم السحر فمن تعلّمه ليجتنبه ويعلم الفرق بينه وبين المعجزات والكرامات وما يظهره الله تعالى على أيدي عباده المؤمنين فذلك هو المرضى ومن تعلمه لغير ذلك ادّى به الى الكفر- فلهذا كان الملكان «1» يقولان انما نحن فتنة فلا تكفر ثم يقولان له إذا فعل الساحر كذا فرق بين المرء وزوجه- فعلى هذا يكون فعل الملكين طاعة لامر الله تعالى ولا ينافى عصمة الملائكة- قال البيضاوي هذه القصة محكى عن اليهود ولعله من رموز الأوائل وحله لا يخفى على ذوى البصائر- أقول في حله لعل المراد بالملكين القلب والروح وسائر لطائف عالم الأمر وانما ذكر الاثنين مع انها خمسة لارادة التعدد دون العدد المعين او لانه قد ينكشف على بعض السالكين الاثنين منها القلب والروح دون البواقي- فكنى ذلك الرجل عما انكشف عليه والمراد بالمرأة النفس المنبعثة من العناصر فانها الامّارة بالسوء- ولما زوج الله سبحانه بحكمته البالغة لطائف عالم الأمر مع النفس وجعل بينها محبة وعشقا اسودت اللطائف وانكدرت وغفلت عن خالقها وهى محبوسة منكوسة في القالب الظلماني الذي امتلأت من نار الشهوات وذلك هو المراد بالجب ببابل مملوة نارا- ثم إذا مات الإنسان وقامت قيامة واستدركه الرحمة خلصت من السجن ان بقي فيها نور الايمان- واما النفس الكائنة في قالب رجل من الأبرار فبمجاورة لطائف عالم الأمر والرياضات المأمورة وذكر اسم الله الأعظم صعدت

_ (1) فى الأصل ملكين-

[سورة البقرة (2) : آية 103]

الى السماء كانها كوكب درى تتوقد بيضاء حتى قيل لها يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي- فالنفس وان كانت خبيثة شريرة في الابتداء قبل الاهتداء لكنها تفضلت على جميع لطائف عالم الأمر بالقوة الاستعدادية المستودعة في الغبراء فان خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا من كلام سيد الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والتسليمات واحسن الثناء رواه مسلم عن ابى هريرة وَلَقَدْ عَلِمُوا يعنى اليهود لَمَنِ اشْتَراهُ اى استبدل ما تتلوا الشياطين بكتاب الله تعالى- واللام للابتداء علقت علموا عن العمل ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ نصيب وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ يعنى باعوا به حظوظ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102) ذلك ويتفكرون فيه والجواب محذوف دل عليه ما قبله يعنى ما شروه- فان قيل أليس قد قال الله تعالى وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ على التأكيد القسمي فما معنى قوله تعالى لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ- قيل معناه انهم لما لم يعملوا بما علموا فكانهم ما علموا وقيل المثبت العقل العزيزي والعلم الإجمالي بقبح الفعل وترتب العقاب والمنفي العلم بحقيقة ما يلحقه من العذاب والمختار عندى ان العلم علمان علم يتعلق بظاهر القلب وذا لا يستتبع العمل ومنه علم اليهود يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ لا يجديهم معرفتهم شيئا مثلهم كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً وعلم وهبى يتخلص الى صميم القلب بعد انجلائه والى النفس بعد اطمينانه وهو المعنى في قوله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ وقوله عليه الصلاة والسلام العلماء ورثة الأنبياء يحبهم اهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا الى يوم القيامة- رواه ابن النجار عن انس- وأشار الى كلا العلمين أفضل الأنبياء عليه الصلاة والثناء خير الخيار خيار العلماء وشر الشرار شرار العلماء- رواه الدارمي من حديث الأحوص بن حكيم وعن الحسن قال العلم علمان فعلم في القلب فذلك العلم النافع وعلم على اللسان فذلك حجة الله على ابن آدم- رواه الدارمي. وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقران وَاتَّقَوْا عذاب الله بترك المعاصي والسحر لَمَثُوبَةٌ يعنى ادنى ثواب سمى الجزاء ثوابا ومثوبة لان المحسن يثوب ويميل اليه مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ جواب لو واصله لا ثيّبوا مثوبة من عند الله خيرا ممّا شروا به أنفسهم او مما سواه فحذف الفعل وجعل الباقي جملة اسمية ليدل على ثبات المثوبة والجزم بخيريتها وحذف المفضل عليه إجلالا للمفضل من ان

[سورة البقرة (2) : آية 104]

ينسب اليه او للتعميم وعدم تخصيص التفضيل بشىء مما سواه- وقيل لو للتمنى ولمثوبة كلام مبتدأ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103) ان ثواب الله خير والكلام فيه كالكلام فيما سبق- اخرج ابن المنذر انه كان المسلمون يقولون راعنا يا رسول الله من المراعاة اى ارعنا سمعك اى فرّغ سمعك لكلامنا يقال أرعى الى الشيء وأرعاه وراعاه إذا أصغى اليه واستمعه- او المعنى راعنا اى راقبنا وتانّ بنا فيما تلقينا حتى نفهمه- والرعي حفظ الغير لمصلحته- وكان هذا اللفظ سبّا قبيحا بلغة اليهود قيل كان معناه اسمع لا سمعت وقيل كان معناه يا أحمق من الرعونة فسمع اليهود فخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم بنية السب ويضحكون فيما بينهم لعنهم الله ففطن بها سعد بن معاذ رضى الله عنه فقال لان سمعتكم تقولون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا قتلنكم فقالوا ولستم تقولونها فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا يعنى انظر إلينا واسمع كلامنا او انتظر وتأنّ بنا حتى نفهم كلامك وَاسْمَعُوا ما تؤمرون به وأطيعوا والمعنى أحسنوا الاستماع مع جمع حتى لا تحتاجوا الى طلب المراعاة وَلِلْكافِرِينَ يعنى اليهود الذين سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنهم الله عَذابٌ أَلِيمٌ (104) اى مولم- كان المسلمون يقولون لحلفائهم من اليهود أمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقالت اليهود ما هذا الذي تدعوننا اليه بخير مما نحن عليه ولو دونا لو كان خيرا فانزل الله تعالى تكذيبا لهم. ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ الود محبة الشيء مع تمنيه ولذلك استعمل في كل منهما- ومن للبيان ولا زائدة عطف على اهل الكتاب أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ مفعول يودّ من الاولى مزيدة للاستغراق والثانية للابتداء والخير الوحى- والمعنى انهم يحسدونكم ولا يودون ان ينزل عليكم وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ- بنبوته مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (106) الفضل ابتداء احسان بلا علة- ولمّا قال المشركون ان محمدا صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بامر ثم ينهاهم عنه ويأمر بخلافه ما يقوله الا من تلقاء نفسه فانزل الله تعالى. ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ من بيانية- والنسخ عبارة عن شيئين أحدهما النقل والتحويل ومنه نسخ الكتاب وثانيهما الرفع والازالة يقال نسخت الشمس الظل والمراد هاهنا الثاني وهو في الحقيقة بيان لانتهاء التعبد بقراءتها فقط دون حكمها مثل اية الرجم-

[سورة البقرة (2) : آية 107]

او بحكمها المستفاد منها فقط دون قراءتها مثل اية الوصية للاقارب واية عدة الوفاة بالحول- او بهما جميعا كما قيل انها كانت سورة الأحزاب مثل سورة البقرة فرفع أكثرها تلاوة وحكما- ثم المنسوخ حكمها منها ما أقيم غير ذلك الحكم مقامه كما في وصية الأقارب نسخت بالميراث وعدة الوفاة بالحول نسخت الى اربعة أشهر وعشر ومنها ما لم يقم غيره مقامه كامتحان النساء- والنسخ انما يعترض الأوامر والنواهي دون الاخبار- قرا الجمهور بفتح النون والسين من نسخ اى نرفعها- وقرا ابن عامر بضم النون وكسر السين من الانساخ اى نأمرك او جبرئيل بنسخها او تجدها منسوخة وما شرطية جازمة لننسخ منتصبة على المفعولية أَوْ نُنْسِها قرا ابن كثير وابو عمرو بفتح النون الاول والسين مهموزا اى نؤخرها من النساء اى نؤخر حكمها ونرفع تلاوتها كما في اية الرجم فعلى هذا يكون النسخ الاول بمعنى رفع التلاوة والحكم- او المعنى تؤخرها في اللوح المحفوظ يعنى لم ننزلها عليك- فمعنى النسخ الرفع بعد الانزال ومعنى النساء عدم الانزال وقرا الباقون ننسها بضم النون وكسر السين من الانساء والنسيان ضد الحفظ اى نمحّها عن قلبك روى عن ابى امامة بن سهل بن حنيف- ان قوما من الصحابة رضى الله عنهم قاموا ليلة ليقرءوا سورة فلم يذكروا منها الا بسم الله الرحمن الرحيم فغدوا الى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبروه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك سوره رفعت بتلاوتها وأحكامها- وقيل معناه نتركها اى لا ننسخها كما قال الله تعالى نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ يعنى تركوه فتركهم وهذا غير مستقيم لقوله تعالى نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها فانها تدل على إزالتها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها فى النفع للعباد وبالسهولة او كثرة الثواب لان اية خير من اية فان كلام الله واحد وكله خير أَوْ مِثْلِها فى ذلك أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) استفهام تقرير اى انك تعلم واحتج بهذه الاية من يمنع النسخ بلا بدل او بدل أثقل منه او نسخ الكتاب بالسنة- وأجيب بانه قد يكون عدم الحكم أصلح وان ما هو الأثقل فهو انفع من حيث الثواب- وان السنة ايضا مما أتاه الله تعالى وعلّمه لنبيه صلى الله عليه وسلم. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فهو كالدليل على قوله تعالى أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وعلى جواز النسخ ولذلك ترك العاطف وَما لَكُمْ يا معشر الكفار عند نزول العذاب مِنْ دُونِ اللَّهِ مما سواه مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (107) الولي القريب وهو قد يضعف عن النصر والنصير قد يكون أجنبيا من المنصور فبينهما عموم وخصوص من وجه والله اعلم-

[سورة البقرة (2) : آية 108]

اخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس قال قال رافع بن حرملة ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد اتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه او فجر لنا الأرض عيونا نتبعك ونصدقك فانزل الله تعالى. أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ وقال البغوي نزلت في اليهود حين قالوا اتنا بكتاب من السماء جملة كما اتى موسى بالتورية- وقيل نزلت في المشركين حين قالوا لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ- واخرج ابن جرير عن مجاهد قال ... سالت قريش محمدا صلى الله عليه وسلم ان يجعل لهم الصفا ذهبا فقال نعم وهو لكم كالمائدة لبنى إسرائيل ان كفرتم فابوا ورجعوا فنزلت- واخرج السدى قال سالت العرب محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالله فيروه جهرة فنزلت- وكذا قال البغوي انه قيل سالوه فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى ... تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا- واخرج السدى عن ابى العالية قال قال رجل يا رسول الله لو كانت كفاراتنا ككفارات بنى إسرائيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اعطاكم الله خيرا «1» كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفاراتها فان كفّرها كانت له خزى في الدنيا وان لم يكفّرها كانت له خزى في الاخرة وقد اعطاكم الله خيرا من ذلك قال الله تعالى مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً والصلاة الخمس والجمعة الى الجمعة كفارات لما بينهن- فانزل الله تعالى أم تريدون الاية- وأم منقطعة ومعناه بل أتريدون والمراد به التوصية بعدم الاقتراح بالسؤال- قال البغوي أم بمعنى الهمزة يعنى أتريدون والميم زائدة وقيل بل تريدون ويمكن ان يقال انها متصلة داخلة على الجملة للتسوية بين الجملتين معطوفة على الهمزة في قوله تعالى الم تعلم والخطاب فيه وان كان الى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لكن المراد به هو وأمته امة الاجابة او الدعوة لقوله تعالى وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ- وانما أفرد لانه صلى الله عليه وسلم أعلمهم ومبدا علمهم فالتقدير ألم تعلموا انّ الله له ملك السماوات والأرض قادر على الأشياء كلها يأمر وينهى كما أراد أم تعلمون ذلك وتقترحون بالسؤال كما اقترحت اليهود على موسى- وهذا انما يستقيم ان كان نزول الآيتين في واقعة دفعة واحدة واما على تقدير اختلاف شأن نزولهما فلا- ومنع السكاكي كونها متصلة وقال علامة كون أم متصلة وقوع المفرد بعدها وكونها منقطعة وقوع الجملة بعدها كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ ساله قومه أرنا الله جهرة وَمَنْ يَتَبَدَّلِ اى يستبدل الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ

_ (1) فى الأصل خير

[سورة البقرة (2) : آية 109]

اى ترك الثقة بالآيات البينات وشك فيها واقترح غيرها فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108) حتى وقع في الكفر بعد الايمان والمعنى لا تقترحوا فتضلوا- قال البغوي قال نفر من اليهود لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد لو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعا الى ديننا فنحن اهدى سبيلا منكم الحديث فنزلت. وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس انها نزلت في حييّ وابى ياسر بنى اخطب من اليهود وكانا من أشد يهود حسدا للعرب إذا خصهم الله تعالى برسوله وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا لَوْ يَرُدُّونَكُمْ يا معشر المؤمنين- لو مصدرية تنوب ان في المعنى دون العمل في اللفظ فهو مفعول ودّ- او هو بمعنى ليت حكاية وبيان لودادهم مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً مرتدين جال من ضمير المخاطبين حَسَداً منصوب على انه علة ود- او على المصدرية اى يحسدونكم حسدا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ متعلق بود اى تمنوا ذلك من خبث أنفسهم لم يأمرهم الله تعالى بذلك- او بحسد اى حسدا منبعثا من عند أنفسهم مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ بالمعجزات ومعرفة النعوت المذكورة فى التورية فَاعْفُوا فاتركوهم وَاصْفَحُوا وتجاوزوا- كان هذا قبل الأمر بالقتال حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ الذي هو الاذن في القتال وضرب الجزية وقيل قتل قريظة واجلاء بنى النضير إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) فيقدر على الانتقام منهم. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ عطف على فاعفوا يعنى اتركوهم وخالفوهم بالإلجاء الى الله تعالى بالعبادة وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ صلوة او صدقة او غير ذلك تَجِدُوهُ اى ثوابه عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) . وَقالُوا اى اهل الكتاب من اليهود والنصارى لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى لف بين قولى الفريقين اعتمادا بفهم السامع- اى قالت اليهود لن يدخل الجنة الا من كان هودا ولا دين الا دين اليهودية- وقالت النصارى لن يدخل الجنة الا من كان نصارى ولا دين الا النصرانية حين اجتمع وفد نجران في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود فكذّب بعضهم بعضا قال الفرّاء هودا بمعنى يهودا حذف الياء الزائدة- وقال الأخفش اليهود جمع هائد كعود جمع عائد وحّد ضمير اسم كان وجمع الخبر نظرا الى اللفظ والمعنى تِلْكَ يعنى مودتهم ان لا ينزل عليكم خير من ربكم المستفادة من قوله تعالى ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا الاية وقوله تعالى وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ

[سورة البقرة (2) : آية 112]

أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ الآية- وان لا يدخل الجنة الا هم- او المضاف محذوف اى أمثال تلك الامنية يعنى لا يدخل الجنة الا هم أَمانِيُّهُمْ اى شهواتهم الباطلة جمع امنية افعولة من التمني كالاضحوكة والاعجوبة والجملة معترضة قُلْ يا محمد هاتُوا أصله أتوا قلبت الهمزة هاء بُرْهانَكُمْ على اختصاصكم بدخول الجنة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111) فى دعويكم فان الدعوى على امر مستقبل بلا برهان باطل كاذب والجواب محذوف دل عليه ما قبله. بَلى يعنى ليس كما قالوا مَنْ أَسْلَمَ اى أخلص وَجْهَهُ والمراد به نفسه او قصده لِلَّهِ وحده وَهُوَ مُحْسِنٌ يعبد ربه بالإخلاص كانه يراه كذا مر تفسير الإحسان في المتفق عليه من حديث تعليم جبرئيل فَلَهُ أَجْرُهُ الذي وعده على عمله ثابتا عِنْدَ رَبِّهِ والجملة جواب من ان كانت شرطية وخبرها ان كانت موصولة والفاء فيها لتضمنها معنى الشرط والوقف على بلى وبهاتم الرد ان كانت شرطية وكذا يحتمل ان كانت موصولة- ويحتمل ان يكون الموصول مع صلتها فاعل فعل محذوف اى بلى يدخلها من اسلم- وحينئذ فله أجره جملة مبتدأة معطوفة على ما سبق وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) فى الاخرة اخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس انه لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا فقال رافع بن حريملة ما أنتم على شىء وكفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل وقال رجل من اهل نجران لليهود ما أنتم على شىء وجحدوا بنبوة موسى عليه السلام والتورية فانزل الله تعالى. وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ يصح ويعتد به وَهُمْ والحال انهم يَتْلُونَ الْكِتابَ اى التورية التي تصدق عيسى والإنجيل- او الإنجيل التي يصدق موسى والتورية كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ اى مشركوا العرب وغيرهم من عبدة الأوثان والمجوس والقرون الخالية من الكفار حيث كذّب كل طائفة غيرها وان كانوا على الحق مِثْلَ قَوْلِهِمْ بيان لمعنى ذلك فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ اى يقضى بين الفريقين وغيرهم يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) اى يكذّبهم ويدخلهم النار ويصدّق اهل الحق ويدخلهم الجنة- اخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن يزيد ان مشركى مكة لما صدوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية انزل الله تعالى. وَمَنْ أَظْلَمُ من مبتدأ استفهام واظلم خبره والمعنى لا أحدا ظلم

[سورة البقرة (2) : آية 115]

مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ انما أورد لفظ الجمع وان كان المنع واقعا على مسجد وأحد لان الحكم عام وان كان المورد خاصا أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ثانى مفعولى منع كما في قوله تعالى وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ- او الخافض محذوف اى من ان يذكر او منصوب على العلية اى كراهة ان يذكر وَسَعى فِي خَرابِها بالتعطيل عن ذكر الله فانهم لما منعوا من يعمّره بالذكر فقد سعوا في خرابه وكذا ذكر البغوي عنه وعن عطاء- وذكر عن قتادة والسدى ان المراد بمن مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ ... وَسَعى فِي خَرابِها طيطوس بن اسبسيانوس الرومي وأصحابه حملهم بغض اليهود على معاونة بخت نصر البابلي المجوس فغزوا اليهود فقتلوا مقاتليهم وسبوا ذراريهم وحرّقوا التورية وخربوا بيت المقدس وذبحوا فيه الخنازير والقوا فيه الجيف وكان بيت المقدس موضع حج النصارى ومحل زيارتهم- قلت ولعل الغرض من ذلك تعيير النصارى بما فعل اباؤهم وهم به راضون كما ان الغرض من ذكر ما صدر من أسلاف اليهود من عبادة العجل وغير ذلك تعييرهم أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ فى علم الله وقضائه أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ فيه وعد للمؤمنين بالنصر واستخلاص المساجد منهم وقد أنجز الله وعده حين فتح مكة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وامر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا ينادى الا لا يحجن بعد العام مشرك وفتح الروم على عمر بن الخطاب وكان بيت المقدس خرابا فبناه المسلمون- وقيل هذا خير بمعنى الأمر او النهى اى قاتلوهم حتى لا يدخلها أحد منهم الا خائفا من القتل والسبي او لا تمكنوهم من الدخول في المساجد- وقيل المعنى ما كان ينبغى لهم ان يدخلوها الا بخشية وخضوع فضلا عن تخريبها وحينئذ الجملة في محل النصب على الحال من فاعل منع وسعى- لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ قتل وسبى وذلة بضرب الجزية وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114) النار المؤبدة بكفرهم وظلمهم. وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ اى له الأرض كلها مشارقها ومغاربها ملكا وخلقا والمخلوقات كلها مظاهر وجوده ومجال نوره وهو نور السموات والأرض وقيم الأشياء فلا يختص به مكان دون مكان- وانما امر القبلة امر تعبدي والتكليف انما هو بقدر الطاقة فاذا لم تقدروا على استقبال القبلة في الفرائض لعدوّ- او اشتبه القبلة وتحريتم فيها وغلطتم فيه- او تحرجتم في نوافل السفر فى النزول عن المراكب والامتناع من السير والنوافل أسهل من امر الفرائض فَأَيْنَما شرط تُوَلُّوا مجزوم به اى الى اى جهة تولوا يعنى وجوهكم والجواب فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ اى جهة المأمور

[سورة البقرة (2) : آية 116]

باستقبالها يعنى قبلة الله كذا قال الحسن ومجاهد وقتادة ومقاتل- وقيل رضأ الله- وقيل هى من المتشابهات كقوله تعالى كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ- ويَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ- اخرج مسلم والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته تطوعا أينما توجهت به وهو جاء من مكة الى المدينة ثم قرا ابن عمرو لله المشرق والمغرب- وقال مجاهد أنزلت هذه الاية واخرج الحاكم عنه قال أنزلت فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ان يصلى حيثما توجهتك راحلتك في التطوع- وقال صحيح على شرط مسلم- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس نزول هذه الاية حين تحولت القبلة وقالوا ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها- واسناده قوى- قلت والاول أصح سندا ومعنى فان جواب ما وليهم نازل هناك حيث قال قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- وفي شأن نزول الاية روايات اخر ضعيفة منها ما اخرج الترمذي وابن ماجة والدارقطني حديث ربيعة قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر اين القبلة فصلى كل رجل منا على خياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت- وما اخرج الدارقطني والبيهقي حديث جابر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها فاصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فصلوا وخطوا خطوطا فلما أصبحوا أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما قفلنا من سفرنا سالنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت وانزل الله تعالى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ الاية- واخرج ابن مردوية عن ابن عباس نحوه وفيه فاخذتهم ضبابة فلم يهتدوا الى القبلة- ومنها ما اخرج ابن جرير عن مجاهد قال لمّا نزلت ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ قالوا الى اين فنزلت الاية إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ بإحاطة نوره ووجوده الأشياء كلها منها مشارق الأرض ومغاربها احاطة غير متكيفة ولا مدركا كنهها قال المجدد رضى الله عنه فى حقيقة الصلاة انها وسعة ذاتية بلا كيف لا تدرك كنهها عَلِيمٌ (115) باعذار العباد ومصالحهم ونياتهم. وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً نزلت في يهود المدينة قالوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وفي نصارى نجران قالوا المسيح ابن الله وفي مشركى العرب قالوا الملائكة بنات الله- قرا ابن عامر قالوا بلا واو باعتبار انه استيناف قصة اخر والجمهور بالواو عطفا على قالت اليهود او على منع او على مفهوم من اظلم يعنى ظلموا وقالوا.... سُبْحانَهُ أسبحه سبحانا وانزهه تنزيها من ذلك فان التوليد يقتضى التشبه والتجزى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم كذّبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمنى ولم يكن له ذلك فامّا

[سورة البقرة (2) : آية 117]

تكذيبه إياي فزعم انى لا اقدر ان أعيده كما كان واما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحانى ان اتخذ صاحبة ولا ولدا- رواه البخاري وروى عن ابى هريرة نحوه وفيه اما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدانى وليس أول الخلق باهون على من إعادته واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الأحد الصمد الذي لم الد ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقا وملكا فكيف يتصور التوالد حيث لا مجانسة بين المخلوق الممكن المحتاج في الوجود وتوابعه الهالك في نفسه والخالق الواجب الغنى القيوم المتأصل بوجوده كُلٌّ ما في السموات والأرض لَهُ قانِتُونَ (116) اى قائمون بالشهادة على توحيده مقرّون بعبوديته فان الممكن يشهد ويدل انه عبد محتاج الى خالق واجب واحد لا يماثله ممكن فهو نظير قوله تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ لا يفقه شهادتهم وتسبيحهم وتحميدهم الا ارباب القلوب بمشاعر قلوبهم التي يدرك بها حياتهم او ارباب العقول المستدلين بذواتهم واحتياجاتهم- واصل القنوت القيام قال عليه الصلاة والسلام أفضل الصلاة طول القنوت- رواه مسلم واحمد والترمذي- والمعنى انهم مطيعون روى احمد بسند حسن عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم كل حرف من القران يذكر فيه القنوت فهو الطاعة قلت يعنى لا يمتنعون عن مشيته وتكوينه وكلما هذا شأنه لا يجانس الواجب- وجاء بما لشموله لما لا يعقل وقال قانتون تغليبا لذوى العقول او لانه لما اثبت لهم القنوت التي هى هيئة ارباب العقول جمعهم على هيئتهم وقيل معناه كلما زعموه الها من المسيح وعزير والملائكة كلهم له قانتون مطيعون مقرّون بالعبودية فيكون إلزاما بعد اقامة الحجة-. بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى مبدعهما وخالقهما وخالق كل شىء كما هو خالق ما فيهما او المعنى بديع سمواته وارضه وَإِذا قَضى أَمْراً اى أراد شيئا- واصل القضاء الفراغ ومنه إطلاقه على إتمام الشيء قولا كقوله تعالى وَقَضى رَبُّكَ- او فعلا كقوله تعالى فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ويطلق على تعلق الارادة الالهية بوجود شىء من حيث انه يوجبه فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) من كان التامة لعدم الخبر اى أحدث فيحدث- واما كون الشيء موصوفا بصفة فليس مدلولا لهذه الاية- قرا الجمهور فيكون بالرفع استينافا او عطفا على يقول في جميع المواضع غير ان الكسائي تابع ابن عامر في النحل ويس فنصب- وقرا ابن عامر فيكون بالنصب في جميع المواضع «1»

_ (1) يعنى هنا وفي ال عمران فيكون ونعلمه وفي النحل ومريم ويس وغافر- منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : آية 118]

الا في ال عمران كن فيكون الحقّ- وفي سورة الانعام كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ- وانما نصبها بتقدير ان بعد الفاء في جواب الأمر- وهاهنا مباحث أحدها انه لا يجوز الخطاب مع المعدوم وأجيب بانه لما قدر وجوده كان كالموجود فصح الخطاب- وقال ابن الأنباري معنى انما يقول له اى لاجل تكوينه فعلى هذا لم يبق معنى الخطاب- وقال البيضاوي ليس المراد به حقيقة الأمر والامتثال بل تمثيل لحصول ما تعلقت به إرادته بلا مهلة بطاعة المأمور المطيع بلا توقف وفيه تقرير لمعنى الإبداع- ثانيها انه نصب يكون بتقدير ان يقتضى ان يكون صيغة الأمر بمعناه حتى يقدر بعده بعد الفاء ان في جوابه وليس الأمر كذلك بل هو على سبيل تمثيله بسرعة حصول المراد فكيف يتصور النصب- وأجيب بان نصبه على جواب الأمر بالفاء في ظاهر اللفظ وان لم يكن في المعنى كذلك- ثالثها ان من شرائط تقدير ان سببيّة ما قبل الفاء لما بعده- وحينئذ يلزم ان يكون للمكن كونان وأجيب عنه بان المراد بالكون الاول الوجوب مجازا إطلاقا بالمسبب على السبب فان الممكن ما لم يجب لم يوجد فتقديره ليكن وجوب ذلك الشيء موجودة- قلت ويمكن الجواب بان المراد بالكونين كونه في دار العمل السبب وكونه في دار الجزاء المسبب لكن هذا التأويل يقتضى الاختصاص بالمكلفين وسياق الاية يقتضى العموم- والصواب ان يقال في الجواب المراد بالكونين كونه في «1» مرتبة الأعيان الثابتة لوجود علمى وكونه في الخارج الظلي بوجود ظلى كذا قالت الصوفية العلية ولا يلزم منه كون مرتبة الأعيان الثابتة حادثة حدوثا زمانيا بل حدوثا ذاتيا- وعلى هذا التأويل هذا الاية تدل على التوحيد الشهودى كما قال به المجدد رضى الله عنه دون التوحيد الوجودي كما قال به الشيخ الأكبر محى الدين العربي قدس سره ان الممكنات ما شمت رائحة الوجود يعنى في الخارج والله اعلم. وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ قال ابن عباس المراد به اليهود- وكذا اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عنه انه قال قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان كنت رسولا من الله كما تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه- وقال مجاهد المراد به النصارى- وانما نفى العلم عن الفريقين لتجاهلهم- وقال قتادة المراد به الأميون من مشركى العرب لَوْلا هلّا وكذا كل ما في القران لولا فهو بمعنى هلّا الا في قوله تعالى فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ معناه فلو لم يكن يُكَلِّمُنَا اللَّهُ كما يكلم الملائكة وكلم موسى فلا يحتاج الى رسول او يكلمنا بانّك رسوله أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ حجة على صدقك والاول استكبار والثاني جحود لما أتاهم من الآيات استهانة

_ (1) فى الأصل في المرتبة

[سورة البقرة (2) : آية 119]

وعنادا كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى أسلاف اليهود والنصارى مِثْلَ قَوْلِهِمْ فقالوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً وقالوا هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ اى تشابهت قلوب الأخلاف قلوب الاسلاف في العمى والعناد قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) اى يطلبون اليقين بما هو الحق عند الله تعالى خصهم لان منفعة الآيات راجعة إليهم لا الى المجادلين عتوا وعنادا. إِنَّا أَرْسَلْناكَ متلبسا بِالْحَقِّ ومؤيدا به قال ابن عباس المراد بالحق القران قال الله تعالى بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ بَشِيراً لاهل الطاعة وَنَذِيراً مخوفا لاهل المعصية وَلا تُسْئَلُ قرا نافع ويعقوب على صيغة النهى المبنى للفاعل- والباقون بالرفع على النقي المبنى للمفعول عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) هو معظم النار والمعنى على قراءة الجمهور انه لا تسئل انهم لم لم يؤمنوا انما عليك البلاغ وعلينا الحساب وعلى قراءة نافع النهى عن السؤال كناية عن شدة عقوبة الكفار يقال لا تسئل عن شر؟؟ فانه فوق ما تحسب او انه عسير مفزع سماعها- وما ذكر البغوي انه قال عطاء عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم ليت شعرى ما فعل أبواي فنزلت هذه الاية- وقال عبد الرزاق أخبرني الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي عنه- واخرج ابن جرير من طريق ابن جريح أخبرني داود بن عاصم عنه فذكرا نحوه فليس بمرضى عندى وليس بقوى- ولو صح ذلك فهذا زعم من ابن عباس فانه لو سلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليت شعرى ما فعل أبواي ونزلت في هذا اليوم تلك الاية اتفاقا فلا دليل فيه على ان المراد باصحاب الجحيم أبواه صلى الله عليه وسلم وعلى تقدير التسليم فتلك الاية لا تدل على كفرهما فان المؤمن قد يكون من اصحاب الجحيم لاكتساب بعضى المعاصي حتى تدركه المغفرة بشفاعة شافع او دون ذلك او يبلغ الكتاب اجله- وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه رواه البخاري من حديث ابى هريرة وقال صلى الله عليه وسلم ما افترق الناس فرقتين الا جعلنى الله فى خيرهما فاخرجت من بين أبوي ولم يصبنى شىء من عهد الجاهلية خرجت من نكاح لم اخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت الى ابى وأمي فانا خيركم نفسا وخيركم أبا- ورواه البيهقي في دلائل النبوة من حديث انس وابو نعيم في دلائل النبوة من حديث ابن عباس نحوه- وقد صنف الشيخ

[سورة البقرة (2) : آية 120]

الاجل جلال الدين السيوطي رضى الله عنه في اثبات اسلام اباء النبي صلى الله عليه وسلم رسائل وأخذت من تلك الرسائل رسالة فذكرت فيها ما يثبت إسلامهم ويفيد اجوبة شافية لما يدل على خلافه فلله الحمد. وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ الملة ما شرع الله لعباده على لسان أنبيائه- من أمللت الكتاب إذا املاته- قيل انهم كانوا يسئلون الهدنة ويطمعونه انه ان امهلهم يؤمنوا فنزلت- واخرج الثعلبي عن ابن عباس ان يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلّى الى قبلتهم فلما صرف القبلة الى الكعبة ايئسوا منه فنزلت- وفي الاية مبالغة في اقناط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إسلامهم يعنى انهم يريدون ان تتبع ملتهم فكيف يتبعونك- ولعلهم قالوا مثل ذلك ولذا القن الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم جوابهم حيث قال قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ الذي هو الإسلام هُوَ الْهُدى اى الحق لا ما يدعون اليه وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ الهوى رأى يتبع الشهوة بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ اى الوحى او الدين المعلوم صحته ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) يدفع عنك عقابه. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ اى القران قال قتادة وعكرمة هم اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقيل هم المؤمنون عامة او المراد به مؤمنوا اهل الكتابين قال ابن عباس نزلت في اهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن ابى طالب وكانوا أربعين رجلا اثنان وثلثون من الحبشة وثمانية من رهبان الشام منهم بحيرا- وقال الضحاك هم الذين أمنوا من اليهود منهم عبد الله بن سلام وسعية بن عمرو وتمام بن يهودا وأسيد وأسد ابنا كعب بن يامين وعبد الله بن صوريا فحينئذ الموصول للمعهود يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ الضمير راجع الى الكتاب اى يتلون الكتاب بمراعاة اللفظ عن التحريف والتدبر فى معناه والعمل بمقتضاه «1» - وقال الكلبي الضمير راجع الى محمد صلى الله عليه وسلم اى يصفونه في كتبهم حق صفته لمن سألهم من الناس- وهذا على تقدير كون المراد بالموصول مومنوا اهل الكتاب- وقوله تعالى يتلونه حق تلاوته حال مقدرة والخبر ما بعده او خبر وقوله تعالى أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ خبر بعد خبر اى بكتابهم او بمحمد صلى الله عليه وسلم وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ اى بالكتاب بالتحريف-

_ (1) اخرج الخطيب بسند فيه مجاهيل عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أي يتبعونه حق اتباعه- وعن عمر في قوله تعالى يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ قال إذا مر بذكر الجنة سال الله الجنة وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار- منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : الآيات 122 إلى 123]

او بالكفر بما يصدقه او بمحمد صلى الله عليه وسلم فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121) حيث اشتروا الكفر بالايمان. يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) لمّا صدر قصتهم بالأمر بذكر النعمة والقيام بحقوقها والحذر عن اضاعتها والخوف عن الساعة وأهوالها كرر ذلك وختم به الكلام معهم مبالغة في النصح وإيذانا بانه فذلكة القصة والمقصود منها-. وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ- قرا هشام إبرهم في جميع هذه السورة وهى خمسة عشر وفي النساء ثلثة وهى الاخيرة وفي الانعام الحرف الأخير وفي التوبة الحرفان الآخران وفي ابراهم حرف وفي النحل الحرفان وفي مريم ثلثة أحرف وفي العنكبوت الحرف الأخير وفي الشورى حرف وفي الذاريات حرف وفي النجم حرف وفي الحديد حرف وفي الممتحنة الحرف الاول- فذلك ثلثة وثلثون حرفا وجملته تسع وستون «1» وقرا ابن ذكوان في البقرة خاصة بالوجهين «2» والباقون ابراهيم بالياء في الجميع والابتلاء في الأصل التكليف بالأمر الشاق من البلاء وهو يستلزم الاختبار فظن ترادفهما والمراد بالكلمات مدلولاتها وهى الأوامر والنواهي قال عكرمة عن ابن عباس هى ثلثون سهما هن شرايع الإسلام لم يبتل أحد بهذا الدين فاقامه كلّه الا ابراهيم فكتب له البراءة فقال وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى- عشرة في براءة التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ وعشر في الأحزاب ان الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ- وعشر في المؤمنين وسال سائل قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ الاية الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ

_ (1) هكذا في الأصل لعله سبق قلم- ابو محمد عفا الله عنه (2) فى الأصل الوجهين-

لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ- وقال طاؤس ابتلاه الله بعشرة أشياء هى الفطرة خمس في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وخمس في البدن تقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان والاستنجاء بالماء- وقال الربيع وقتادة ... مناسك الحج- وقال الحسن ابتلاه الله بسبعة أشياء بالكوكب والقمر والشمس فاحسن فيها النظر وعلم ان ربه دائم لا يزول وبالنار فصبر عليها وبالهجرة وبذبح ابنه وبالختان فصبر عليها- وقال سعيد بن جبير هو قول ابراهيم وإسماعيل إذ يرفعان قواعد البيت رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا فرفعاه بسبحان الله والحمد لله ولا الله الا الله والله اكبر- وقال يمان بن رباب هن محاجة قومه قال الله تعالى وحاجّه قومه الى ان قال وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ- وقيل هى قوله الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ الى اخر الآيات- وقيل المراد بالكلمات ما تضمنه الآيات التي بعدها- قلت والجمع بين هذه الأقوال اولى فالمراد به والله تعالى اعلم ان الله ابتلاه بالأوامر والنواهي كلها منها الثلاثون ومنها العشرة ومنها السبعة وغير ذلك فَأَتَمَّهُنَّ اى فاداهن كلهن كملا وقام بهن حق القيام وقالَ الله تعالى إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً كلمة قال فعل تعلق به الظرف المتقدم اعنى إذ ابتلى معطوفة على ما قبلها- وان كان الظرف متعلقا بمحذوف يعنى اذكر فهى استيناف كانه قيل فماذا قال ربه حين اتمهن فاجيب بذلك او بيان لقوله ابتلى فيكون الكلمات ما ذكره من الامامة وتطهير البيت ورفع قواعده والإسلام وجاعل من الجعل الذي له مفعولان والمراد بالامامة هاهنا النبوة او ما هو أعم منه اعنى من يؤتم به ويجب اطاعته- وليس المراد به السلطنة او الامامة بالمعنى الأخص الذي اخترعه الامامية وليس له في اللغة والشرع اصل- وقد جعل الله تعالى لابراهيم عليه السلام امامة عامة حتى قال لسيد الأنبياء اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً قالَ ابراهيم وَمِنْ ذُرِّيَّتِي عطف على الكاف اى بعض ذريتى- والذرية نسل الرجل فعليّة او فعّولة قلبت راءها الثالثة ياء كما في دسّها- مشتق من الذر بمعنى التفرق- او فعولة او فعيلة من الذرء بمعنى الخلق قلبت

[سورة البقرة (2) : آية 125]

همزتها ياء قالَ الله تعالى لا يَنالُ عَهْدِي يعنى الامامة قرا حفص وحمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها الظَّالِمِينَ (124) من ذريتك أجاب دعاءه وخص ذلك بالمتقين- والمراد بالظالم الفاسق ان كان المراد بالامامة النبوة لان العصمة شرط في النبوة اجماعا- او المراد به الكافر ان كان المراد بالامامة أعم من النبوة كل من يؤتم به ويقتدى فان الكافر لا يجوز ان يؤخذ أميرا ولا مطاعا حيث قال الله تعالى وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا وقال وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً- ولو قلنا ان المراد بالامامة كونه مطاعا وبالظالم الفاسق قلنا معنى قوله تعالى لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ان الفاسق وان كان أميرا فلا يجوزا طاعته في الظلم والمعصية لقوله عليه السلام لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق- رواه مالك واحمد من حديث عمران والحكيم بن عمرو الغفاري وروى البخاري ومسلم وابو داود والنسائي من حديث علىّ بلفظ لا طاعة لاحد في معصية الله انما الطاعة في المعروف «1» - واما النصوص الواردة في وجوب إطاعة اولى الأمر كقوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ- وقوله عليه الصلاة والسلام اسمعوا وأطيعوا ولو كان عبدا حبشيا كانّ رأسه زبيبة- فمختصة بما لم يخالف أمرهم امر الشارع فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فليس في الاية حجة للروافض على كون العصمة شرطا في الامامة والله اعلم-. وَاذكر إِذْ جَعَلْنَا ادغم ابو عمرو وهشام الذال من إذ في الجيم هاهنا وحيث وقع وكذا فى الزاء نحو إذ زيّن وفي السين نحو إذ سمعتموه- والصاد نحو إذ صرفنا- والتاء نحو إذ تبرّا والدال نحو إذ دخلوا- وادغم ابن ذكوان في الدال وحدها وخلف «2» في الدال والتاء واظهر خلاد والكسائي عند الجيم فقط ونافع وابن كثير وعاصم يظهرون الذال عند ذلك كله الْبَيْتَ الكعبة غلب عليها كالنجم على الثريا مَثابَةً لِلنَّاسِ اى مرجعا يثوبون اليه من كل جانب- او موضع ثواب لهم بحج وعمرة وصلوة فيها قال عليه الصلاة والسلام صلاته في المسجد الحرام بمائة الف صلوة- رواه ابن ماجة وَأَمْناً اى مأمنا يأمنون فيه من إيذاء المشركين فانهم كانوا لا يتعرضون لاهل مكة ويقولون هم اهل الله ويتعرضون لمن حوله كما قال الله تعالى أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ان هذا البلد

_ (1) واخرج ابن مردوية بسند ضعيف عن على بن ابى طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ قال لا طاعة الا في المعروف- منه رحمه الله (2) وكذا خلف في اختياره- ابو محمد عفا عنه [.....]

حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة وانه لن يحل القتال فيه لاحد ولم يحل لى الا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته الا من عرّفها ولا يختلى خلاها- فقال العباس يا رسول الله الا الاذخر فانه لقينهم ولبيوتهم فقال الا الاذخر- متفق عليه من حديث ابن عباس وفي رواية ابى هريرة نحوه- وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى والمراد به الركعتان بعد الطواف روى مسلم فى حديث طويل عن جابر بن عبد الله حتى إذا اتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلثا ومشى أربعا ثم تقدم الى مقام ابراهيم عليه السلام فقرا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فجعل المقام بينه وبين البيت والله اعلم- وكلمة من للتبعيض ان كان المراد بمقام ابراهيم الحرم كله كما قال ابراهيم النخعي- او المسجد كما قال ابن يمان- او مشاهد الحج كلها عرفة ومزدلفة وغيرهما كما قال به بعض الناس- وللابتداء ان كان المراد بمقام ابراهيم الحجر الذي في المسجد يصلى اليه الائمة- وذلك الحجر هو الذي قام عليه ابراهيم عند بناء البيت وكان اثر أصابع رجليه عليه بينا فاندرس بكثر المسح بالأيدي وهذا القول أصح ويدل عليه ما ذكرنا من حديث جابر- فتقديره واتخذوا مصلى قريبا من مقام ابراهيم يعنى في المسجد او في الحرم- قرا نافع وابن عامر بفتح الخاء على الماضي عطفا على جعلنا- وقرا الآخرون بالكسر على الأمر فهو معطوف على جعلنا بتقدير وقلنا اتّخذوا- او على المقدر عاملا لاذ يعنى واذكروا إذ جعلنا واتخذوا او اعتراض معطوف على مقدر تقديره توبوا اليه واتخذوا- وعلى التقديرين الأخيرين خطاب لامة محمد صلى الله عليه وسلم عن انس قال قال عمر بن الخطاب وافقت ربى في ثلث ووافقنى ربى في ثلث قلت يا رسول الله لو اتخذت مقام ابراهيم عليه السلام مصلى فانزل الله واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى- وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فانزل الله تعالى اية الحجاب قال وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فدخلت عليهن فقلت ان انتهيتن او ليبدّلن الله رسوله خيرا منكن فانزل الله عز وجل عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ الاية- رواه البخاري وهذه الاية حجة لابى حنيفة ومالك في القول بوجوب الركعتين بعد كل أسبوع من الطواف لان صيغة الأمر للوجوب والاخبار ادل على الثبوت والوجوب وكان القياس فرضية الركعتين للنص القطعي لكن لما كان ورد الاية

فى تلك الصّلوة ثابتا بأحاديث الآحاد قلنا بالوجوب دون الفرضية- وايضا ثبت الركعتين بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما من غير ترك مرة ولا مرتين مع قوله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى مناسككم- عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج او العمرة أول ما تقدم سعى ثلثة ومشى اربعة ثم سجد سجدتين ثم تطوف بين الصفا والمروة- متفق عليه وفي البخاري تعليقا قال اسمعيل بن امية قلت للزهرى ان عطاء يقول يجزيه المكتوبة من ركعتى الطواف قال السنة أفضل لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم اسبوعا قط الأصلي ركعتين- وصله عبد الرزاق عن الزهري كما ذكرنا- ووصله ابن ابى شيبة عن الزهري بلفظ مضت السنة ان مع أسبوع ركعتين وقال احمد بن حنبل الأمر للاستحباب وهى رواية عن مالك وللشافعى قولان- ولا يجوز حمل الأمر على الاستحباب لانه مجاز الا عند عدم تصور الوجوب ويجوز ركعتى الطواف في جميع المسجد بل خارج المسجد ايضا اجماعا- وفي الصحيحين في حديث أم سلمة- قال ص إذا أقيمت صلوة الصبح فطوفى على بعيرك والناس يصلون قالت ففعلت ذلك- ولم تصل يعنى أم سلمة بعد الطواف حتى خرجت اى من المسجد او من مكة- وروى البخاري تعليقا ان عمر رضى الله عنه صلى ركعتى الطواف خارج الحرم بذي طوى رواه مالك قلت وذلك للزوم الحرج غالبا في تقييد الصلاة بموضع معين- الا ترى انه كان القياس عدم جواز الصلاة والصوم والحج والزكوة إذا لم يقترن النية والإخلاص مع جميع اجزائها مقارنا للاداء لقوله تعالى فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ- وقوله عليه الصلاة والسلام انما الأعمال بالنيات- متفق عليه من حديث عمر لكنه للزوم الحرج في ذلك جازت الصلاة والحج بوجود النية عند الإحرام والزكوة بوجودها عند إفراز قدر الواجب عن المال- ولما كان في اشتراط النية عند أول جزء من الصيام يعنى عند طلوع الفجر وهو أوان نوم وغفلة غالبا حرج جاز الصوم بالنية من الليل بل عند ابى حنيفة رحمه الله يجوز النية في الصوم الى الضحوة الكبرى كذلك كان القياس تقييد ركعتى الطواف بالمقام لظاهر الاية لكنه جازت ركعتا «1» الطواف في المسجد بل في الحرم كلها للزوم الحرج في تعيين المصلى مع كثرة الطائفين- وقد سمى الله تعالى الحرم كله بالمسجد حيث قال الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ الاية- وقال ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ- واما صلوة عمر رضى الله عنه بذي طوى فكانه قضاء للواجب للضرورة- او نقول ذكر مقام

_ (1) فى الأصل ركعتى-

ابراهيم وقع اتفاقا جريا على الغالب عند عدم الازدحام كما في قوله تعالى وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ وذلك لان أسبوع الطواف ينتهى على الحجر الأسود عند المقام فالغالب الصلاة عند المقام ان لم يمنع مانع كما ان الغالب كون الربائب في الحجور والله اعلم- قال البغوي روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما اتى ابراهيم بإسماعيل وهاجر ووضعهما بمكة وأتت على ذلك مدة ونزلها الجرهميون وتزوج إسماعيل منهم امراة وماتت هاجر استأذن ابراهيم سارة ان يأتى هاجر فاذنت له وشرطت عليه ان لا ينزل- فقدم ابراهيم عليه السلام وقد ماتت هاجر فذهب الى بيت إسماعيل فقال لامراته اين صاحبك قالت ذهب يتصيد وكان إسماعيل يخرج من الحرم فيصيد فقال لها ابراهيم هل عندك ضيافة قالت ليست عندى وسالها عن عيشهم فقالت نحن في ضيق وشدة وشكت اليه فقال لها إذا جاء زوجك فاقرايه السلام وقولى له فليغير عتبة بابه- وذهب ابراهيم فجاء إسماعيل عليهما السلام فوجد ريح أبيه فقال لامراته هل جاءك أحد قالت جاءنى شيخ صفته كذا وكذا كالمستخفة بشأنه قال فما قال لك قالت قال اقرئي زوجك السلام وقولى فليغير عتبة بابه- قال ذاك ابى وقد أمرني ان أفارقك الحقي باهلك فطلقها وتزوج منهم اخرى فلبث ابراهيم عليه السلام ما شاء الله ان يلبث ثم استأذن سارة ان يزور إسماعيل فجاء ابراهيم حتى انتهى الى باب إسماعيل فقال لامراته اين صاحبك قالت ذهب يتصيد وهو يجىء ان شاء الله تعالى فانزل رحمك الله قال هل عندك ضيافة قالت نعم فجاءت باللبن واللحم- وسالها عن عيشهم فقالت نحن بخير وسعة فدعا لهما بالبركة ولو جاءت يومئذ بخبز بر او شعير او تمر لكانت اكثر ارض الله برا وشعيرا وتمرا- وقالت له انزل حتى اغسل رأسك فلم ينزل- فجاءته بالمقام فوضعته عن شقه الايمن فوضع قدمه عليه فغسلت شق رأسه الايمن ثم حولته الى شقه الأيسر فغسلت شق رأسه الأيسر فبقى اثر قدميه عليه فقال لها إذا جاء زوجك فاقرايه السلام وقولى له قد استقامت عتبة بابك فاضبطها فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامراته هل جاءك أحد قالت نعم شيخ احسن الناس وجها وأطيبهم ريحا فقال لى كذا وكذا وقلت له كذا وكذا وغسلت رأسه وهذا موضع قدميه فقال ذلك ابراهيم وأنت العتبة أمرني ان امسكك- ثم لبث عنهم ما شاء الله تعالى ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل عليه السلام يبرىء نبلا تحت دوحة قريبة من زمزم فلما راه قام اليه فصنعا كما يصنع

[سورة البقرة (2) : آية 126]

الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال يا إسماعيل ان الله أمرني بامر أتعيننى عليه قال أعينك عليه- قال ان الله تعالى أمرني ان ابني بيتا فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتيه بالحجارة وابراهيم عليهما السلام يبنى فلما ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام ابراهيم على حجر المقام وهو يبنى وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ- وفي الحديث- الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة- رواه مالك عن انس مرفوعا وعن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لاضاء اما بين المشرق والمغرب- رواه الترمذي وذكر البغوي بلفظ لولا ما مسته أيدي المشركين لاضاءتا ما بين المشرق والمغرب- ولاهل الاعتبار هاهنا استنباط وهو ان في كل مكان مكث فيه رجل من اهل الله تعالى حينا من الدهر ينزل هناك بركات من السماء وسكينة تجذب القلوب الى الله تعالى ويتضاعف هناك اجر الحسنات وكذا وزر السيئات والله اعلم- وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ اى امرناهما وأوصينا إليهما أَنْ طَهِّرا اى بان طهرا ويجوز ان يكون ان مفسرة لتضمين العهد معنى القول بَيْتِيَ اضافه اليه تفضيلا يعنى ابنيا على الطهارة والتوحيد قال سعيد بن جبير وعطاء طهراه من الأوثان والريب وقول الزور- وقيل بخراه وخلّقاه- قرا نافع وهشام وحفص بفتح الياء هاهنا وفي سورة الحج وزاد حفص في سورة نوح لِلطَّائِفِينَ حوله وَالْعاكِفِينَ المقيمين عنده او المعتكفين فيه وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) جمع راكع ساجد يعنى المصلين. وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا المكان بَلَداً آمِناً ذا أمن كقوله عيشة راضية اى ذات رضية- او أمنا من فيه كقولك ليل نائم وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ دعا بذلك لانه كان واديا غير ذى زرع- وفي القصص ان الطائف كانت من مدائن الشام بأردن- فلما دعا ابراهيم عليه السلام أمر الله جبرئيل حتى اقتلعها من أصلها وأدارها حول البيت سبعا ثم وضعها هاهنا ومنها اكثر ثمرات مكة مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بدل من اهله بدل البعض خصهم بالدعاء كيلا يكون امانة للكفار على كفرهم قالَ الله تعالى وَمَنْ كَفَرَ عطف على من أمن والمعنى وارزق من كفر وتم الكلام- وفيه تنبيه على ان الرزق الذي هو رحمة دنيوية يعم المؤمن والكافر ولذلك يقال رحمن الدنيا

[سورة البقرة (2) : آية 127]

ورحيم الاخرة بخلاف النبوة وكونه مطاعا في الدين او يكون من كفر مبتدأ تضمن معنى الشرط خبره فَأُمَتِّعُهُ قرا ابن عامر مخففا من الافعال والباقون مشددا من التفعيل ومعناهما واحد قَلِيلًا اى متاعا قليلا فان متاع الدنيا قليل بالنسبة الى الاخرة او قليل رتبة عند الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء- رواه الترمذي وصححه وايضا عن سهل بن سعد- او في زمان قليل الى مدة اجالهم- فان قيل الكفر لا يكون سببا للتمتع فكيف ادخل الفاء على خبره أجيب بانه سبب لتقليل التمتع حيث يجعل نعماء الدنيا مقصورة على حظوظها العاجلة ويمنع كونها وسائل لنيل درجات الاخرة بخلاف المؤمن فان ما أنعم الله عليه في الدنيا لاجل شكره عليه وصرفه في مرضات ربه سبب لنيل درجات الاخرة المؤبدة- ويمكن ان يقال متاع الحيوة الدنيا خبيثة ملعونة عند الله فيمكن ان يكون الكفر سببا لحصوله الم تسمع قوله تعالى- وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا- يعنى ان المقتضى الأصلي للكفر متاع الحيوة الدنيا ولولا مانع كون الناس امة واحدة لاقتضى الكفر كون بيوتهم وأبوابهم وسررهم فضة وذهبا- قال عليه الصلاة والسلام الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما- رواه ابن ماجة عن ابى هريرة والطبراني بسند صحيح في الأوسط- وفي الكبير بسند صحيح عن ابى الدرداء بلفظ الا ما ابتغى به وجه الله عز وجل ثُمَّ أَضْطَرُّهُ اى ألجئه والزه لزة المضطر لكفره وصرفه المتاع فى غير مرضات ربه معطوف على أمتعة إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) هو اى العذاب قال مجاهد وجد عند المقام مكتوبا انا الله ذوبكة صنعتها يوم خلقت الشمس والقمر وحرمتها يوم خلقت السموات والأرض وحففتها بسبعة املاك يأتيها رزقها من ثلثة سبل مبارك لها في اللحم والماء-. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ حكاية حال ماضية جمع قاعدة وهى الأساس صفة غالبة من القعود بمعنى الثبات مجاز من القعود ضد القيام- ورفعها البناء عليها فانه ينقلها من هيئة الانخفاض الى هيئة الارتفاع وقال الكسائي القواعد الجدر وكل جدار قاعدة ما وضع فوقه ورفعها بناؤها وَإِسْماعِيلُ عطف على ابراهيم وسبب فصله عنه

بتقديم المفعول ان الباني لم يكن الا ابراهيم ولذا أفرده اولا بالذكر وكان إسماعيل يناوله الحجارة فكان له مدخل في البناء ولذا عطف عليه ثانيا- قال البغوي روت الرواة ان الله سبحانه خلق موضع البيت قبل الأرض بألفي عام وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها فلما اهبط الله تعالى آدم عليه السلام الى الأرض استوحش فشكا الى الله عز وجل فانزل الله تعالى البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد اخضر باب شرقى وباب غربى فوضعه على موضع البيت وقال يا آدم انى أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول العرش وتصلى عنده كما يصلّى عند عرشى- وانزل الحجر وكان ابيض فاسود من لمس الحيض في الجاهلية- فتوجه آدم من ارض الهند الى مكة ماشيا وقيض الله له ملكا يدل له على البيت- فحج البيت واقام المناسك فلما فرغ تلقته الملائكة وقالوا برّ حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام- قال ابن عباس حج آدم أربعين حجة من الهند الى مكة على رحلته- فكان على ذلك الى ايام الطوفان فرفعه الله تعالى الى السماء الرابعة يدخله كل يوم سبعون الف ملك ثم لا يعودون اليه- وبعث جبرئيل حتى خبا الحجر الأسود في جبل ابى قبيس- صيانة له من الغرق- فكان موضع البيت خاليا الى زمن ابراهيم عليه السلام- ثم ان الله تعالى امر ابراهيم عليه السلام بعد ما ولد له إسماعيل وإسحاق ببناء البيت يذكر فيه فسأل الله عز وجل ان يبين موضعه فبعث السكينة لتدله على موضع البيت- وهى ريح خجوج لها رأسان شبيه الحية- وامر ابراهيم ان يبنى حيث يستقر السكينة- فتبعها ابراهيم حتى أتيا مكة فتطوت السكينة على موضع البيت كتطوى الجحفة هذا قول على والحسن- وقال ابن عباس بعث الله تعالى سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير وابراهيم يمشى في ظلها الى ان وافت مكة ووقفت على موضع البيت فنودى منها ابراهيم ان ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص- وقيل أرسل الله جبرئيل ليدله على موضع البيت فذلك قوله تعالى وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ- فكان ابراهيم يبنى وإسماعيل يناوله الحجر- قال ابن عباس بنى البيت من خمسة اجبل طور سينا وطور زيتا ولبنان وهو جبل بالشام والجودي وهو جبل بالجزيرة وبنى قواعد من حرا وهو جبل بمكة فلما انتهى الى موضع الحجر الأسود قال لاسماعيل ايتني بحجر حسن يكون للناس علما فاتاه بحجر فقال ايتني بأحسن من هذا فمضى إسماعيل بطلبه فصاح ابو قبيس يا ابراهيم ان لك عندى وديعة فخذها فاخذ الحجر الأسود فوضعه مكانه- وقيل ان الله تعالى بنى في السماء بيتا وهو البيت المعمور ويسمى ضراح وامر الملائكة ان يبنوا

[سورة البقرة (2) : آية 128]

الكعبة في الأرض بحياله على قدره ومثاله- وقيل أول من بنى الكعبة آدم واندرس زمن الطوفان ثم أظهره الله تعالى لابراهيم عليه السلام حتى بناه رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ لدعائنا الْعَلِيمُ (127) بنياتنا. رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ اى منقادين لجميع او أمرك ظاهرا وباطنا قال عليه الصلاة والسلام المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده- متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر والمعنى من لا يصدر عنه معصية فيسلم هو من عذاب الله ويسلم غيره من إيذائه او من خبث صحبته وهذا هو الإسلام الكامل المعبر بالإسلام الحقيقي ولا يتصور الا بعد اطمينان النفس وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ من للتبعيض دعوالهم بشفقة الابوة وخصا «1» بعضهم لما علما مما سبق ان يكون بعضهم كفارا- ويحتمل ان يكون من للبيان فصل به بين العاطف والمعطوف كما في قوله تعالى خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ- وَأَرِنا اى عرّفنا أصله أرانا على وزن اكفنا- قرا ابن كثير وابو شعيب أرنا وأرنى ساكن الراء حيث وقع بحذف الهمزة مع كسرتها للتخفيف وقرا ابو عمر بالاختلاس والباقون مكسور الراء بحذف الهمزة بعد نقل بعض حركتها او كلها الى الراء مَناسِكَنا اى شرائع ديننا واعلام حجنا والنسك في الأصل غاية العبادة شاع في الحج لما فيه من الكلفة غالبا- قال البغوي فاجاب الله دعوتهما وبعث جبرئيل فاراهما المناسك في يوم عرفة فلما بلغا عرفات قال عرفت يا ابراهيم قال نعم فسمى الوقت والمكان عرفة وَتُبْ عَلَيْنا قالا ذلك الدعاء هضما لانفسهما وإرشادا لذريتهما إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) لمن تاب إليك. رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ من أنفسهم فاجاب الله دعونهما وبعث محمدا صلى الله عليه وسلم- عن العرباض بن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انى عند الله مكتوب خاتم النبيين وان آدم لمنجدل في طينته وساخبركم باول امرى دعوة ابراهيم وبشارة عيسى عليهما السلام ورؤيا أمي التي رات حين وضعتني وقد خرج منها نور أضاءت لها منه قصور الشام- رواه البغوي في شرح السنة واحمد عن ابى امامة عن قوله ساخبركم الى آخره يَتْلُوا عَلَيْهِمْ يقرا آياتِكَ الدلائل على التوحيد والنبوة وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ القران وَالْحِكْمَةَ ما يكمل نفوسهم من المعارف والاحكام وقيل هى السنة- وقيل هى القضاء وقيل الفقه وَيُزَكِّيهِمْ اى يطهرهم من الشرك والذنوب- وقيل يأخذ الزكوة من أموالهم وقال ابن كيسان يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة

_ (1) فى الأصل خص-

[سورة البقرة (2) : آية 130]

إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ قال ابن عباس العزيز من لا يوجد مثله وقال الكلبي المنتقم- وقيل المنيع الذي لا يناله الأيدي ولا يصل اليه شىء- وقيل الغالب الذي لا يغلبه أحد الْحَكِيمُ (129) ذو الحكمة البالغة والله اعلم- قال ابن عساكر روى ان عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا الى الإسلام وقال لهما قد علمتهما ان الله عز وجل قال في التورية انى باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه احمد فمن أمن به فقد اهتدى ومن لم يؤمن به فهو ملعون فاسلم سلمة وابى مهاجران يسلم فانزل الله تعالى. وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ استبعاد وانكار لان يكون أحد يرغب عن ملته الواضحة الغراء اى لا يرغب أحد عن ملته- والرغبة إذا عدى بالى فالمراد به الارادة وان عدى بعن فالمراد به الترك إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ السفه في الأصل الخفة ويقال لمن يتعجل في الافعال باتباع الهوى والشهوة من غير تدبر وتفكر في منافعه ومضاره خفيف وسفيه- وضده الحليم- ويسند السّفه بهذا المعنى الى نفس الشخص والى رأيه فيقال زيد سفيه وسفه نفسه وسفه رأيه اى خف نفسه فيأتى بالافعال على خلاف ما اقتضاه العقل وخف رأيه وحينئذ لا يتعدى الى مفعول وقد يستعمل بحرف الجر فيقال سفه زيد في نفسه وفي رأيه ولمّا كان السفه والخفة مستلزم لاهانة النفس واهلاكها وخفة الرأى مستلزم للجهل فيستعار ويقال سفه نفسه اى أهانها او أهلكها او جهلها فحينئذ يتعدى الى مفعول- او يقال تعدى الى مفعول بتضمين معنى أهلك- او أهان او جهل ولهذا قيل في تفسير الاية سفه نفسه اى جعلها مهانا وذليلا حيث كفر بخالقه وعبد مخلوقا مثله- وقال ابو عبيدة أهلك نفسه- وقال الأخفش نصب بنزع الخافض وإفضاء الفعل اليه والمعنى سفه في نفسه- وقال الفراء أصله سفه نفسه بالرفع فلما أسند الفعل الى صاحبها نصب على التميز كما يقال ضقت به ذرعا وطاب زيد نفسا في ضاق ذرعى وطاب نفس زيد- وقال ابن كيسان والزجاج معناه جهل نفسه وذلك انه من عبد غير الله فقد جهل نفسه لانه لم يعرف الله خالقها- وقد جاء من عرف نفسه فقد عرف ربه- قلت ومعنى من عرف نفسه فقد عرف ربه انه من عرف حقيقة نفسه انه ممكن لا يقتضى ذاته وجوده ولا بقاءه لا يتصور له في نفسه وجود ولا قيام ولا بقاء- ولا يجوز حمله على نفسه حملا أوليا نحو زيد زيد الا بعد انتسابه الى واجب وجوده قائم بنفسه قيوم لغيره لو لاه لم يوجد غيره وهو كالاصل للظلال وهو نور السموات والأرض قيم الأشياء واقرب الى الأشياء من أنفسها

[سورة البقرة (2) : آية 131]

حيث لم يجز حمل أنفسها عليها الا بعد انتسابها اليه فقد عرف ربا واجبا واحد قيوما نورا مبينا قريبا ومن سفه نفسه اى جهلها جهل ربه وفي الاخبار ان الله تعالى اوحى الى داود اعرف نفسك وأعرفني- فقال يا رب كيف اعرف نفسى وكيف أعرفك- فاوحى الله تعالى اليه اعرف نفسك بالضعف والعجز والفناء وأعرفني بالقوة والقدرة والبقاء- واعلم ان الجهل يكون ضد العلم الذي هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع المتعلق بالنسبة الحكمية التي بين القضية فيقتضى المفعولين- والعلم يحصل بالبداهة او بالاستدلال او الوحى او الإلهام وضده الجهل وهو عدم أصلي يستند الى عدم تلك الأشياء ويكون ضد المعرفة التي يقتضى مفعولا واحدا وهو من باب التصورات ويحصل المعرفة بالبداهة او البصيرة الموهوبة لارباب القلوب والمراد بالسفه هو الجهل بالمعنى الثاني حيث عدى الى مفعول واحد اى لم يعرف نفسه بالبصيرة والله اعلم- وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ نديما وخليلا فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الأنبياء الصَّالِحِينَ (130) فى مراتب القرب- الصلاح ضد الفساد وذلك بالمعاصي القلبية او القالبية فكمال الصلاح بالعصمة ودون ذلك بدون ذلك والمراد هاهنا كماله وفي هذه الاية حجة وبيان لما سبق فانه من كان هذا شأنه فلا يرغب عن اتباعه إلا سفيه جاهل ضعيف العقل. إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ يعنى نفسك الى الله عز وجل وفوض أمورك اليه كذا قال عطاء وقال الكلبي أخلص دينك وعبادتك له- قال ابن عباس قاله ذلك حين خرج من السرب- والظرف متعلق باصطفيناه تعليل له او منصوب بإضمار اذكر كانه قيل اذكر ذلك الوقت ليعلم انه المصطفى قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) فوضت اليه أموري- ومقتضى هذا التسليم انه عليه السلام لما رمى مغلولا بالمنجنيق في نار نمرود قال له جبرئيل هل لك حاجة- فقال اما إليك فلا- فقال- فاسئل ربك- قال حسبى من سوالى علمه بحالي- فجعل الله تعالى ببركة تفويض أموره الى الله تعالى حظيرة النار روضة ولم يحترق منه إلا وثاقه رواه ( «1» ) . وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ قرا اهل المدينة واهل الشام واوصى من الافعال وكذلك في مصاحفهم والباقون وصّى من التفعيل مثل نزّل وانزل والتوصية هو التقدم الى الغير بفعل فيه صلاح وقربة- أصلها الوصلة يقال وصّاه إذا وصله- وفصّاه إذا فصله كانّ الموصى يصل فعله بفعل الموصى- والضمير في بها راجع الى الملة او بقوله أسلمت على تأويل الكلمة بَنِيهِ الثمانية إسماعيل وامه هاجر القبطية وإسحاق وامه سارة

_ (1) هكذا بياض في الأصل-

[سورة البقرة (2) : آية 133]

وستة أمهم قنطورا بنت يقطن الكنعانية تزوجها ابراهيم بعد وفاة سارة وَيَعْقُوبُ عطف على ابراهيم ووصّى بها ايضا يعقوب بنيه اثنى عشر يا بَنِيَّ على إضمار القول عند البصريين ومتعلق بوصي عند الكوفيين لانه نوع منه إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى اختار لَكُمُ الدِّينَ دين الإسلام فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) مؤمنون مخلصون مفوضون أموركم الى الله تعالى- والنهى في الظاهر وقع على الموت- وفي الحقيقة نهى عن ترك الإسلام في حين من الأحيان كيلا يقع الموت في تلك الحين وهو موت لا خير فيه ومن حقه ان لا يحل لهم- قالت اليهود للنبى صلى الله عليه وسلم- الست تعلم ان يعقوب يوم مات اوصى بنيه باليهودية فنزلت. أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ حاضرين إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ اى قاربه فام منقطعة تقديره ليس الأمر كما قلتم ايها اليهود بل أكنتم يعنى ما كنتم حاضرين فلم تدّعون دعاوى باطلة- وقيل الخطاب للمؤمنين والمعنى ما شهدتم ذلك وانما علمتموه بالوحى إِذْ قالَ لِبَنِيهِ بدل من إذ حضر ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي اى اى شىء تعبدونه أراد به تقريرهم على التوحيد والإسلام وأخذ ميثاقهم قال عطاء ان الله تعالى لم يقبض نبيا حتى خيره بين الموت والحيوة فلما خير يعقوب قال أنظرني حتى اسئل ولدي واوصيهم ففعل ذلك فجمع ولده وولد ولده وقال لهم قد حضر اجلى فما تعبدون بعدي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ عطف بيان لابائك وكان اسمعيل عمالهم والعرب يسمى العم أبا كما يسمى الخالة امّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عم الرجل صنو أبيه- رواه الترمذي وصححه من حديث على والطبراني عن ابن عباس- وقال عليه السلام في عمه العباس ردوا على ابى فانى أخشى ان تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود وذلك انهم قتلوه إِلهاً واحِداً بدل من المضاف في إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ وفائدته التصريح بالتوحيد ودفع التوهم الناشي من تكرير المضاف تتعذر العطف على المجرور به بدونه- او منصوب بمقدر اى نريد بإلهك واله آبائك إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) حال من فاعل نعبد او مفعوله او منهما- ويحتمل ان يكون اعتراضا. تِلْكَ أُمَّةٌ اى جماعة يعنى ابراهيم ويعقوب وابناءهما- والامة في الأصل المقصود سمى بها الجماعة لان الفرق تأمّها قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ من العمل وَلَكُمْ

[سورة البقرة (2) : آية 135]

ما كَسَبْتُمْ فلا ينفع حسناتهم إياكم بانتسابكم إليهم ما لم توافقوهم فيها وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) بل يسئل كل عن عمله دون عمل غيره- اخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس قال ابن صوريا لنبى الله صلى الله عليه وسلم ما الهدى الا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتدى وقالت النصارى مثل ذلك- وقال البغوي قال ابن عباس ان رءوس يهود بالمدينة كعب بن اشرف ومالك بن الضيف ووهب بن يهودا وابى ياسر بن اخطب ونصارى اهل نجران السيد والعاقب وأصحابهما خاصموا المسلمين في الدين وزعمت كل فرقة انها أحق بدين الله فقالت اليهود نبينا موسى أفضل الأنبياء وكتابنا التورية أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفروا بعيسى والإنجيل ومحمد والقران- وقالت النصارى نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفروا بمحمد والقران وقال كلا الفريقين للمؤمنين كونوا على ديننا فلا دين الا ذلك فانزل الله تعالى. وَقالُوا اى اليهود والنصارى كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى كلمة او للتنويع يعنى مقالهم أحد هذين القولين تَهْتَدُوا جواب للامر قُلْ يا محمد بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ يعنى لا نكون هودا ولا نصارى بل تكون ملة ابراهيم اى اهل ملته او على ملته فحذف على فصار منصوبا- او المعنى بل نتبع ملة ابراهيم او المعنى بل اتبعوا أنتم ايها اليهود والنصارى ملة ابراهيم حَنِيفاً أصله من الحنف بمعنى الميل عن الطريق يعنى مائلا من الأديان كلها الى الإسلام منصوب على الحال من المضاف اى ملة مائلة من الباطل او من المضاف اليه يعنى ابراهيم مائلا كما في قوله تعالى وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً وعند نحاة الكوفة منصوب على القطع أراد بل ملة ابراهيم الحنيف فلما أسقطت الالف واللام لم تتبع النكرة المعرفة فانقطع منه فنصب وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) تعريض باهل الكتابين فانهم يدّعون اتباعه وهم مشركون. قُولُوا ايها المؤمنون آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا يعنى القران قدم لانه سبب لنا للايمان بغيره وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وهو عشر صحف أنزلت على ابراهيم فتعبد بها هو وبنوه وأحفاده ولذا نسب انزالها إليهم كما نسب إنزال القران إلينا بمتابعة محمد صلى الله عليه وسلم والأسباط بمعنى الجماعات من بنى إسرائيل كالقبائل من العرب

[سورة البقرة (2) : آية 137]

والشعوب من العجم وكانت بنوا إسرائيل اثنى عشر سبطا لكل ولد من أبناء يعقوب سبط- وقيل المراد بالأسباط أبناء يعقوب اثنا عشر سموا بذلك لانه ولد لكل منهم سبط وجماعة- او لان سبط الرجل حافده ومنه قيل للحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهما وأبناء يعقوب كانوا «1» أحفادا لإبراهيم عليه السلام وَما أُوتِيَ مُوسى يعنى التورية وَعِيسى يعنى الإنجيل وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ كلهم مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ كما فرّق اليهود والنصارى امنت كل فرقة ببعض دون بعض وَنَحْنُ لَهُ اى لله مُسْلِمُونَ (136) وهذا هو الإسلام الذي كان ملة لابراهيم الحنيف ودينا لكل نبى من الأنبياء ودينا لمحمد صلى الله عليه وسلم لا ما زعمته اليهود والنصارى فانه اشراك- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا اولى الناس بعيسى بن مريم في الاولى والاخرة الأنبياء اخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد وليس بيننا نبى متفق عليه قلت معنى قوله عليه السلام الأنبياء اخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد ان أصلهم واحد وهو الوحى من الله تعالى واستعداداتهم مختلفة فلاجل اختلاف الاستعدادات التي هى بمنزلة الأمهات اختلفوا في فروع الشرائع ودينهم واحد وهو اتباع او امر الله تعالى ونواهيه على ترك الهوى والايمان بذاته وصفاته وأحكامه واخباره في المبدا والمعاد- عن ابى هريرة قال كان اهل الكتاب يقرءون التورية بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لاهل الإسلام فقال عليه السلام لا تصدقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا أمنا بالله الاية- رواه البخاري. فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ اى أمنوا إيمانا مثل ايمانكم فالباء زائدة كما في قوله جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها- او لفظ المثل مقحم كما في قوله تعالى وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ اى عليه ويشهد له قراءة ابن عباس فان آمنوا بما آمنتم به فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا اى اعرضوا عنه فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ اى خلاف من الحق وشق غير شق الحق وقيل في عداوة فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ «2» وعد بالحفظ والنصر للمؤمنين وقد أنجز وعده بإجلاء النضير وقتل قريظة وضرب الجزية على اليهود والنصارى وَهُوَ السَّمِيعُ لاقوال المؤمنين والكفار الْعَلِيمُ (137) بنياتهم وأحوالهم كلهم يجزى

_ (1) روى من طرق متعددة ان المصريين لما دخلوا على عثمان كان المصحف بين يديه فضربوه بالسيف على يديه فجر الدم على فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فقال عثمان والله انها لاول يدخطت المفصل- قيل فما مات منهم رجل سويا- منه رحمه الله (2) كتب في الأصل كما في قوله تعالى ثم حك منه لفظ تعالى لعله من الناسخ وهذه الجملة موجودة ابن القران في سورة يونس في اية 27- ابو محمد عفا الله منه

[سورة البقرة (2) : آية 138]

كلهم بما كسب. صِبْغَةَ اللَّهِ اى دين الله كذا قال ابن عباس في رواية الكلبي وقتادة والحسن سمى الدين صبغة لظهور اثر الدين على المتدين كالصبغ على الثوب فهو منصوب على انه مصدر مؤكد لقوله امنّا- او على البدل من ملة ابراهيم- او على الإغراء اى عليكم صبغة الله وقيل المراد بصبغة الله الختان لانه يصبغ صاحبه بالدم فهو منصوب على الإغراء اى الزموا صبغة الله الختان قال ابن عباس كانت النصارى إذا ولد لهم ولد فاتت عليه سبعة ايام غمسوه في ماء لهم يقال له المعبودى يزعمون تطهيره بذلك يفعلونه مكان الختان فاذا فعلوا به ذلك قالوا الان صار نصرانيا حقا فاخبر الله تعالى ان دينه الإسلام وأحكامه من الختان وغيره وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً دينا وتطهيرا يعنى لا احسن منه وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (138) تعريض لهم اى لا نشرك كشرككم معطوف على امنّا على تقدير كون صبغة الله منصوبا على المصدرية والا فهو معطوف على صبغة الله او على اتبعوا ملة ابراهيم بتقدير قولوا- يعنى الزموا صِبْغَةَ اللَّهِ وَقولوا نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ او المعنى اتبعوا ملة إبرهم وقولوا. قُلْ يا محمد لليهود والنصارى أَتُحَاجُّونَنا تجادلوننا فِي اللَّهِ اى في دينه واصطفائه نبيا من العرب دونكم وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لا اختصاص له بقوم دون قوم يصطفى بالنبوة من يشاء من عباده وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لكل واحد جزاء عمله وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) وأنتم به مشركون فنحن أحق به منكم قال سعيد بن جبير الإخلاص ان يخلص العبد دينه وعمله لله فلا يشرك به في دينه ولا يرائى بعمله قال الفضل ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص ان يعافيك الله عنهما. أَمْ منقطعة والهمزة للانكار وقيل أم بمعنى الهمزة فقط للتوبيخ تَقُولُونَ قرا ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص على الخطاب والآخرون على الغيبة إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وقد اخبر الله تعالى انه ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً بخلاف اليهود والنصارى فانهم مشركون- واما الذين كانوا على الدين الحق لموسى وعيسى قبل النسخ كانوا اتباعا لابراهيم في الدين وما كانوا مشركين وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ فكيف يتبع ابراهيم وموسى وعيسى بل

[سورة البقرة (2) : آية 141]

يتبعانه وقد علمت اليهود والنصارى بهذا لكنهم كتموا الشهادة بالحق وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً ثابتة في التورية عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ من للابتداء متعلق بشهادة يعنى لا أحد اظلم ممن كتم شهادة الله تعالى لابراهيم بالحنفية والبراءة من اليهودية والنصرانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة التي هى في التورية والإنجيل وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) وعيد لهم. تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141) تكرير للمبالغة في التحذير والزجر عن الافتخار بالآباء والاتكال عليهم- وقيل الخطاب فيما سبق لهم وفي هذه الاية لنا تحذيرا عن الاقتداء بهم وقيل المراد بالآية الاولى الأنبياء وبالثانية أسلاف اليهود والنصارى والله اعلم. سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ الذين خف عقولهم حيث ضيعوها بالتقليد والاعراض عن النظر الصحيح او العناد وهم المنافقون واليهود والمشركون ما وَلَّاهُمْ صرفهم عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها يعنى البيت المقدس وفائدة تقديم الاخبار توطين النفس واعداد الجواب- والقبلة في الأصل هى الحالة التي عليها الإنسان من الاستقبال كالجلسة نقل الى المكان المتوجه اليه عند الصلاة- نزلت في اليهود ومشركى مكة لما طعنوا في تحويل القبلة من بيت المقدس الى مكة اخرج ابن جرير من طريق السدى بأسانيده قال لما صرف الله النبي صلى الله عليه وسلم نحو الكعبة بعد صلاته الى بيت المقدس قال المشركون من اهل مكة تحير محمد في دينه فتوجه بقبلته إليكم وعلم انكم اهدى منه سبيلا ويوشك ان يدخل في دينكم- وذكر البغوي انه قال رؤساء اليهود لمعاذ بن جبل رضى الله عنه ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ لا يختص به مكان دون مكان وانما امر القبلة امر تعبدى والعبرة فيها لامر الله تعالى لا دخل فيه لخاصية في المكان يَهْدِي مَنْ يَشاءُ من عباده إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) اى الى ما يرتضيه. وَكَذلِكَ اشارة الى مفهوم الاية المتقدمة اى هديناكم الى صراط مستقيم- او الى ما مر سابقا اى كما اصطفينا ابراهيم فى الدنيا وجعلناه في الاخرة من الصالحين جَعَلْناكُمْ يا امة محمد صلى الله عليه وسلم أُمَّةً وَسَطاً- «1» خيارا ممن عداهم عدولا مزكين بالعلم والعمل والمعرفة- وهو في الأصل اسم للمكان

_ (1) اخرج احمد والحاكم وصححاه عن ابى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى امّة وسطا قال عدولا- اخرج الدارمي عن ابن عباس- انه سال كعب الأحبار كيف تجد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التورية قال كعب- نجده محمد بن عبد الله يولد بمكة ويهاجر منه الى طابة ويكون ملكه بالشام وليس بفحاش ولا سحاب في الأسواق ولا يكافى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر أمته الحمّادون يحمدون الله في كل السراء والضراء ويكبرون على كل نجد ويوضعون أطرافهم ويأتزرون في أوساطهم ويصفّون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم دويهم في مساجدهم كدوى النحل يسمع مناديهم- واخرج الدارمي عن كعب الأحبار في السطر الاول محمد رسول الله عبدى المختار لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام وفي السطر الثاني- محمد رسول الله أمته الحمادون يحمدون الله في السراء والضراء يحمدون الله في كل منزلة ويكبرون على كل شرف رعاة الشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة ويأتزرون على أوساطهم ويوضعون أطرافهم أصواتهم بالليل في جو السماء كاصوات النحل- منه رحمه الله

الذي يستوى اليه المساحة من الجوانب ثم استعير لخير الخصال والمحمودة منها لوقوعها بين طرفى افراط وو تفريط كالجود بين الإسراف والبخل والشجاعة بين التهور والجبن ثم اطلق على المتصف بها- مستويا فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث كسائر الأسماء التي يوصف بها قال الله تعالى قال أوسطهم اى خيرهم وقال الكلبي حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه اى اهل دين وسط بين الغلو والتقصير- واستدل به على حجية الإجماع لان بطلان ما اجمعوا عليه ينافى عدالتهم- فان قيل ان اخطأ مجتهد في اجتهاده لا ينتفى منه عدالته فمالك تحكم بها إذا اتفقوا على الخطاء اتفاقا- قلت قد سمعت ان لفظ الوسط استعير اولا للخصال ثم اطلق على المتصف بها كما يقال زيد عدل وعلى قول الكلبي انما هو صفة لدينهم فاطلاق الامة الأوسط عليهم يدل على ان شرائع دينهم وخصالهم المتفقة عليها كلها محمودة فعلى تقدير وقوع الخطاء في إجماعهم وان كانوا معذورين في ذلك غير متصفين بالفسق لكن بعض خصالهم المتفق عليها مذموم البتة فكيف يكون خصالهم كلها محمودة والله اعلم- عن ابى سعيد الخدري قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد العصر فما ترك شيئا الى يوم القيامة الا ذكره في مقامه ذلك حتى إذا كانت الشمس على رءوس النخل وأطراف الحيطان قال اما انه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها الا كما بقي من يومكم هذا إلا وإن هذه الامة توفى سبعين امة هى أخيرها وأكرمها على الله عز وجل رواه البغوي- وروى الترمذي وابن ماجة والدارمي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده نحوه والحمد لله رب العلمين لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ يوم القيامة ان الرسل قد بلغتهم تعليل لجعلهم عدولا ودليل على ان العدالة شرط للشهادة وَيَكُونَ الرَّسُولُ محمد صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُمْ اى على عدالتكم شَهِيداً يعنى يكون معدّلا ومزكيا لكم- ولما كان الشهيد كالرقيب جىء بكلمة الاستعلاء وان كان حق المقام اللام- ذكر البغوي ان الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم يقول لكفار الأمم أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ فيقولون ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فيسئل الأنبياء

عليهم السلام عن ذلك فيقولون كذبوا قد بلغناهم فيسئلهم البينة وهو اعلم بهم اقامة للحجة فيؤتى بامة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم انهم قد بلّغوا فيقول الأمم الماضية من اين علموا وانهم أتوا بعدنا فيسئل هذه الامة فيقولون أرسلت إلينا رسولا وأنزلت عليه كتابا اخبرتنا فيه بتبليغ الرسل وأنت صادق فيما أخبرت ثم يؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسئل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم- وروى البخاري والترمذي والنسائي عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاء بنوح عليه السلام يوم القيامة فيقال له هل بلغت فيقول نعم يا رب فيسئل أمته هل بلغكم فيقولون ما جاءنا من نذير فيقال من شهودك فيقول محمد وأمته قال محمد صلى الله عليه وسلم فيجاء بكم فتشهدون ثم قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً فتشهدون له بالابلاغ واشهد عليكم- واخرج احمد والنسائي والبيهقي عنه بلفظ يجىء النبي يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان واكثر من ذلك فيقال لهم هل بلغتم فيقولون نعم فتدعى قومهم فيقال لهم هل بلغوكم فيقولون لا فيقال للنبيّن من يشهد لكم انكم بلغتم فيقولون امة محمد صلى الله عليه وسلم فتدعى امة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون انهم قد بلغوا فيقال لهم وما أعلمكم انهم قد بلغوا فيقولون جاءنا نبينا بكتاب أخبرنا انهم قد بلغوا فصدقناه فيقال صدقتم- وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها الجعل اما متعد الى مفعول واحد فحينئذ الموصول مع الصلة صفة للقبلة والمضاف محذوف يعنى ما جعلنا تحويل القبلة التي كنت عليها وهى بيت المقدس- واما متعد الى مفعولين ومفعوله الثاني محذوف اى ما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة- ويحتمل ان يكون القبلة مفعوله الاول والموصول مع الصلة بمعنى الجهة التي كنت عليها مفعوله الثاني والمراد بالموصول البيت المقدس- والمعنى ما جعلنا في سابق الزمان القبلة الجهة التي كنت عليها يعنى ان اصل أمرك ان تستقبل الكعبة وما جعلنا قبلتك في سابق الزمان بيت المقدس الا لنعلم- ويحتمل ان يكون كنت عليها بمعنى أنت عليها الان يعنى الكعبة الا لنعلم- وقيل في تفسيره وما جعلنا القبلة الان الجهة التي كنت عليها قبل الهجرة وهى الكعبة- وهذا مبنى على انه صلى الله عليه وسلم كان يصلى قبل الهجرة الى الكعبة وهذا التأويل يستلزم النسخ مرتين ويخالف سياق قوله تعالى سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها فان

المراد هناك بالموصول بيت المقدس لا غير- وكان القياس ان يقال وما جعلنا التي كنت عليها قبلة لكن قدم القبلة وجعل أول المفعولين للاهتمام به او هو من باب القلب إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ فى الصلاة حيثما توجه بامر الله تعالى مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ فيرتد كما في الحديث ان القبلة لما حولت ارتد قوم من المسلمين الى اليهودية وقالوا رجع محمد صلى الله عليه وسلم الى دين ابائه- والعلم اما بمعنى المعرفة ومن يتبع الرسول مفعوله وممن ينقلب متعلق به او هو متعلق لما في من معنى الاستفهام- او يكون من موصولة مفعوله الاول وممن ينقلب مفعوله الثاني اى لنعلم من يتبع الرسول مميزا ممن ينقلب- فان قيل علم الله تعالى قديم فكيف يتصور غاية لتحويل القبلة أجيب عنه بوجوه منها ما قال اهل المعاني ان اللام للتعليل لا لبيان الغاية وصيغة المضارع بمعنى الماضي كما في قوله تعالى فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ فالمعنى الا لما علمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه يعنى لما سبق في علمنا ان تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة آخرين- ومنها ما قيل ان المراد بالعلم رسولنا واولياؤنا حذف المضاف وأسند الفعل الى نفسه مجازا كما مر في الحديث القدسي مرضت فلم تعدنى إظهارا لشرفهم واختصاصهم وفي هذه التأويلات قول بالمجاز وتكلفات والتحقيق ما قال الشيخ ابو منصور الماتريدى رحمه الله ان المعنى الا لنعلم كائنا موجودا ما قد علمنا انه يكون ويوجد فالله سبحانه عالم في الأزل بكل ما أراد وجوده انه يوجد في الوقت الذي شاء وجوده فيها ولا يجوزان يقال انه عالم في الأزل بانه موجود كائن في الحال لانه ليس بموجود فكيف يعلمه موجودا كائنا على خلاف الواقع والتغير على المعلوم لا على العلم وهو المراد بما قيل في هذا وأشباهه ان المراد بالعلم تعلقه الحالي الذي هو مناط الجزاء ومعنى الا لنعلم اى ليتعلق علمنا بوجوده وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إن مخففة من المثقلة واللام فاصلة بينها وبين الشرطية قال سيبويه ان تأكيد شبيه باليمين ولذلك دخلت اللام في جوابها- وقال الكوفيون ان نافية واللام بمعنى الا والضمير المرفوع راجعة الى ما دل عليه جعلنا القبلة من الجعلة او الى التحويلة او الى القبلة إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ اى هداهم الله وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ اى ثباتكم على ايمانكم او ايمانكم بالقبلة المنسوخة وقيل المراد بالايمان الصلاة وذلك ان حيى بن اخطب وأصحابه من اليهود

[سورة البقرة (2) : آية 144]

قالوا للمسلمين أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس ان كانت هدى فقد تحولتم عنها وان كانت ضلالة فقد دنتم الله بها ومن مات منكم عليها- فقال المسلمون انما الهدى ما امر الله به والضلالة ما نهى عنه- قالوا فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا- وقد كان مات قبل ان تحول القبلة اسعد بن زرارة من بنى النجار والبراء بن معرور من بنى سلمة وكانا من النقباء ورجال آخرون فانطلق عشائرهم الى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله قد صرفك الله الى قبلة ابراهيم عليه السلام فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون الى بيت المقدس فانزل الله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ اى صلاتكم الى بيت المقدس وفي الصحيحين عن البراء بن عازب قال مات قبل ان تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فانزل الله الاية إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (43) قرا نافع وابن كثير وابن عامر وحفص لرءوف مشبعا على وزن شكور والآخرون بالاختلاس على وزن فعل- والرأفة أشد الرحمة قدمه على الرحيم لرعاية الفواصل-. قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ تردد وجهك في جهة السماء تطلّعا للوحى- كان يودّ ان يحوله الله الى الكعبة لانها قبلة أبيه ابراهيم عليه السلام وادعى للعرب الى الايمان ومخالفة اليهود- وهذا أول القصة وامر القبلة أول ما نسخ من امور الشرع بعد الهجرة- واختلف العلماء في كيفية قبلته صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بمكة فقال قوم انه صلى الله عليه وسلم كان يصلى وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه- رواه احمد عن ابن عباس ورواه ابن سعد ايضا وسنده جيد واطلق آخرون وقالوا انه كان يصلى الى بيت المقدس- وقال البغوي كان يصلى الى الكعبة فلما هاجر الى المدينة استقبل بيت المقدس- روى ابن جرير وغيره بسند جيد قوى عن ابن عباس قال لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة امره الله ان يستقبل بيت المقدس- وقال ابن جريح انه صلى الله عليه وسلم أول ما صلى الى الكعبة ثم صرف الى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج ثم هاجر الى المدينة- والاول أصح وأقوى وعند الجمع يؤل اليه الأحاديث- واختلف الرواية في انه كم صلى بعد الهجرة الى بيت المقدس فعند ابى داود وغيره عن ابن عباس سبعة عشر شهرا وعند الطبراني والبزار عن عمرو بن عوف وعند ابن ابى شيبة، وابى داود وغيرهما عن ابن عباس وعنه الامام مالك وغيره عن سعيد بن المسيب ستة عشر شهرا وعند البخاري عن البراء بن عازب

ستة عشرا وسبعة عشر شهرا بالشك- والحق انه كان ستة عشر شهرا وأياما فانه صلى الله عليه وسلم خرج من مكة يوم الاثنين خامس ربيع الاول ودخل المدينة يوم الاثنين ثانى عشر ربيع الاول وكان التحويل بعد الزوال خامس عشر من رجب من السنة الثانية قبل وقعة بدر بشهرين على الصحيح وبه جزم الجمهور ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس فمن اعتبر الأيام شهرا كاملا عد سبعة عشر وإلا فستة عشر- وما روى ثلثة عشر او تسعة عشر او ثمانية عشر او شهرين او سنتين فضعيف والله اعلم- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه ان تكون قبلته قبل الكعبة لان اليهود قالوا يخالفنا محمد في ديننا ويتبعنا قبلتنا- فقال عليه السلام لجبرئيل عليه السلام وددت لو حولنى الله تعالى الى الكعبة فانها قبلة ابى ابراهيم- فقال جبرئيل انما انا عبد مثلك وأنت كريم على ربك فاسئل أنت ربك فانك عند الله بمكان- فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا الله ويكثر النظر الى السماء ينتظر امر الله تعالى فانزل الله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً اى نمكننك من استقبالها- من وليته بمعنى صيرته واليا- او المعنى فلنجعلنك تلى جهتها- او المعنى فلنحولنك الى قبلة تَرْضاها تحبها لاغراض صحيحة مرضية لله تعالى فَوَلِّ حول وَجْهِكَ من البيت المقدس عند الصلاة شَطْرَ الشطر في الأصل لما انفصل عن الشيء من شطر إذا انفصل ودار شطور منفصلة عن الدور ثم استعمل لجانبه وان لم ينفصل منصوب بنزع الخافض اى الى شطره وقيل منصوب على الظرفية اى اجعل تولية الوجه تلقاء الْمَسْجِدِ الْحَرامِ اى في جهته وسمته والحرام بمعنى المحرم فيه القتال والاصطياد وقطع الشجر والشوك ونحو ذلك- وذلك هو الحرم وانما ذكر الحرم او المسجد دون الكعبة مع انها هى القبلة اشارة الى ان الواجب على النائى استقبال جهة الكعبة دون عينه- روى الترمذي عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما بين المشرق والمغرب قبلة قلت أراد بالمشرق مشرق اقصر ايام السنة وبالمغرب مغرب اقصر الأيام وذلك جهة الجنوب وهى قبلة اهل المدينة وكذا لاهل كل قطر قبلة فلاهل الهند القبلة بين المغربين مغرب رأس السرطان ومغرب رأس الجدى- ذكر فى المواهب وسبيل الرشاد انه صلى الله عليه وسلم زارام بشر بن براء بن معرور في بنى سلمة يعنى بعد ما مات براء بن معرور فصنعت له طعاما وحانت الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

بأصحابه في مسجد هناك الظهر فلما صلى ركعتين نزل جبرئيل فاشار اليه ان صلى الى البيت فاستدار الى الكعبة واستقبل الميزاب فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين- قال الواحدي هذا عندنا اثبت- فصلى الظهر أربعا ثنتين الى بيت المقدس وثنتين الى الكعبة فخرج عباد بن بشر رضى الله عنه وكان صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على قوم من الأنصار ببني حارثة وهم راكعون في صلوة العصر فقال اشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البيت- فاستداروا- وفي صحيح البخاري من حديث البراء بن عازب انه صلى الله عليه وسلم صلى أول صلوة صلاها الى الكعبة صلوة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على اهل مسجد وهم راكعون فقال اشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل مكة- فمحمول على ان البراء لم يعلم صلاته صلى الله عليه وسلم فى مسجد بنى سلمة الظهر- او المراد انه أول صلوة صلاها كاملا الى الكعبة- او أول صلوة صلى في مسجده صلى الله عليه وسلم هو العصر- واما اهل قبا فلم يبلغهم الخبر الا في صلوة الفجر من الغد كما في الصحيحين عن ابن عمر بينما الناس بقبا في صلوة الصبح إذ جاءهم ات فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمران نستقبل الكعبة فاستقبلوها- وكانت وجوههم الى الشام فاستداروا الى الكعبة وقال رافع بن خديج انه أتانا ات ونحن نصلى في بنى عبد الأشهل فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمران يوجه الى الكعبة فادارنا امامنا الى الكعبة ودرنا معه- وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ خطاب للامة فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ خص الرسول صلى الله عليه وسلم اولا بالخطاب تعظيما له وذلك الخطاب وان كان شاملا للامة لكن بعد ذلك خوطب الامة تصريحا لعموم الحكم وتأكيدا لامر القبلة روى البخاري عن ابن عباس قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال هذه القبلة- وفي الصحيحين عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو واسامة وبلال وعثمان بن طلحة وأغلقها عليه ثم مكث فيها- قال ابن عمر سالت بلالا حين خرج ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلثة اعمدة وراءه ثم صلى- وكان البيت يومئذ على ستة اعمدة- قلت وهذين الحديثين الواقعتين «1» فلا تعارض

_ (1) فى الأصل واقعتين-

[سورة البقرة (2) : آية 145]

وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ يعنى التحويل او التوجه الى الكعبة الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كانوا يعلمون من التورية ان خاتم النبيين يصلى الى القبلتين وانما أنكروا ذلك تعنتا وعنادا وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) قرا ابو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بالتاء الفوقانية خطابا للمؤمنين والباقون بالياء التحتانية حكاية عما يفعل اليهود ففيه وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين- ولما قالت اليهود والنصارى اتنا باية على ما تقول انزل الله تعالى. وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ برهان على ان الكعبة قبلة واللام موطية للقسم ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ يعنى الكعبة جواب قسم مقدر ساد مسد جواب الشرط يعنى انما تركوا قبلتك عنادا لا لاجل شبهة تزيلها بالحجة وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ يعنى امر القبلة محكم مستمر لا ينسخ ابدا- وفيه قطع لاطماعهم في رجوعه صلى الله عليه وسلم الى قبلتهم- وقبلتهم وان تعددت لكنها متحدة من جهة البطلان ومخالفة امر الله تعالى وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ لان اليهود يستقبل بيت المقدس وهو في المغرب من المدينة والنصارى يستقبل مطلع الشمس لا يرجى توافقهم كما لا يرجى موافقتهم لك وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فى امر القبلة وظهر لك من الحق إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) صدق الشرطية لا يقتضى صدق طرفيها كما فى قوله تعالى قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ فلا ينافي العصمة- والمقصود من الاية نهى الامة وتهديدهم عن اتباع الأهواء على خلاف العلم الذي جاء من الله تعالى بأبلغ الوجوه حيث أورد الله سبحانه الشرط مؤكدا بالقسم المقدر واللام الموطئة وتعليق الفعل بكلمة ان فانه يدل على انه اىّ جزء يوجد من الاتباع فهو ظلم- والخطاب الى النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه حبيبا لله تعالى فغيره اولى بالتهديد- والتفصيل بعد الإجمال في قوله ما جاءك من العلم- وتعظيم العلم بذكره معرفا باللام والجزاء بانّ المؤكدة- واللام في خبرها- والجملة الاسمية- والتعبير بإذن- وكلمة من فان قولك زيد من العلماء ابلغ من قولك زيد عالم- وتعريف الظالم المستلزم لنسبة كمال الظلم اليه لان المطلق محمول على الكامل- وتعميم الظلم حيث حذف متعلقة. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ يعنى علماءهم يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم

[سورة البقرة (2) : آية 148]

انه هو الذي وصف في التورية وأخذ الميثاق على الايمان به ونصرته فالضمير المنصوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان لم يسبق ذكره لدلالة الكلام عليه وقيل للعلم او القران او تحويل القبلة والاول اظهر بقرينة قوله تعالى كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ فانه لا يلتبس من ولد على فراشه بغيره عندهم فمن أنكر منهم انما أنكر تعصبا وعنادا ولو كان الضمير في يعرفونه الى القران لكان المناسب ان يقول كما يعرفون التورية قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام رضى الله عنهما ان الله تعالى قد انزل على نبيه الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ فكيف هذه المعرفة- قال عبد الله يا عمر لقد عرفته حين رايته كما اعرف ابني ومعرفتى بمحمد صلى الله عليه وسلم أشد من معرفتى بابني- فقال عمر وكيف ذلك فقال اشهد انه رسول الله حق وقد نعته الله في كتابنا ولا أدرى ما تصنع النساء- فقال عمر وفقك الله يا ابن سلام فقد صدقت وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ يعنى صفة محمد صلى الله عليه وسلم وامر الكعبة وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ الحق خبر مبتدأ محذوف اى هذا الحق ومن ربك حال او خبر بعد خبر او هو فاعل فعل مقدر اى جاءك الحق من ربك او مبتدأ خبره من ربك اى الحق ما ثبت من ربك كالذى أنت عليه لا غير ذلك كالذى عليه اهل الكتاب فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) من الشاكّين في انه من ربك او من الذين كتموا الحق عالمين به وجعلوا أنفسهم من الممترين مع كونهم من المستيقنين- وليس المراد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشك لانه غير متوقع منه وايضا الشك مما لا اختيار فيه ولا في الكف عنه- بل المراد انه امر محقق بحيث لا يشك فيه ناظرا او يقال انه امر لامته بمصاحبة العارفين واكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الأبلغ والاجتناب عن مصاحبة الشاكين فان مصاحبتهم يورث الشكوك والأوهام-. لِكُلٍّ وِجْهَةٌ التنوين في كل عوض من المضاف اليه والوجهة اسم للمتوجه اليه اى لكل امة من اهل الأديان قبلةوَ الضمير راجع الى كل وقال الأخفش كناية عن الله تعالى وَلِّيها أحد المفعولين محذوف اى مولّيها وجهه اى مقبلها عليه يقال وليته ووليت اليه إذا أقبلت عليه ووليت عنه إذا أدبرت عنه- وقرا ابن عامر هو مولّيها اى مصروف إليها يعنى ان الله تعالى يولى الأمم الى قبلتهم جعل لموسى عليه السلام قبلة ولمحمد صلى الله عليه وسلم قبلة ولكل نبى قبلة فامر القبلة امر تعبدى لا يدرك بالرأى ولا يجوز فيه النزاع وليس ذلك لاقتضاء مكان كونه قبلة حتى يبحث عن ترجيح

[سورة البقرة (2) : آية 149]

بعضها على بعض اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ يعنى بادروا بامتثال كلما أمركم الله وان كان قدم أمركم في بعض الأحيان بالاستقبال الى بيت المقدس وفي بعضها الى الكعبة فانه تعالى يحكم ما يشاء فلا تنازعوا في امر القبلةيْنَ ما تَكُونُوا فى مكان مرضى لله تعالى من حيث الاستقبال او غير مرضى أْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً يقبض الله تعالى أرواحكم ثم يحشركم الى الجزاء فيجازيكم على حسب أعمالكم ولو قبض أرواحكم وأنتم في الصلاة او فارغ الذمة من الواجب فذلك غاية السعادة او المعنى ان لكل من المسلمين قبلة وهى جانب الكعبة هو مولى وجهه «1» إليها ان علم بها وان غم عليه جهة القبلة فقبلته جهة التحري وان كان متنفلا خارج المصر على الدابة فاىّ جهة استقبلتها دابته فهى قبلته امر الله تعالى بالتولية إليها فاستبقوا الخيرات وبادروا بالصلوات ولا تؤخروها عن أوقاتها عند اشتباه القبلة اين ما تكونوا من أقطار الأرض شرقا او غربا يأت بكم الله تعالى يعنى بصلاتكم الى القبلة ويجعلها الى جهة واحدة كانها بحذاء الكعبةنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) . وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ كلمة حيث متروك الاضافة والجار مع المجرور متعلق بخرجت والمعطوف عليه مقدر تضمّن معنى الشرط فادخل الفاء في الجواب تقديره أينما كنت ومن حيث اى من اىّ مكان خرجت فول- وقيل من حيث خرجت بمعنى اين ما كنت وتوجهت مجازا- وقال التفتازانيّ حيث مضاف الى خرجت والجار مع المجرور متعلق بقوله تعالى فول وما بعد الفاء في مثله يعمل فيما قبله- لكن يلزم حينئذ اجتماع الواو والفاء الا ان يقدر المعطوف عليه تقديره فول وجهك اين ما كنت ومن حيث خرجت فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إذا صليت كرر هذا الحكم لبيان ان حكم صلوة السفر والحضر واحد عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلنا على الناس بثلث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء- رواه مسلم وفي رواية لمسلم فضلت على الأنبياء بستة الحديث وَإِنَّهُ وان هذا الأمر لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) قرا ابو عمرو بالياء التحتانية والباقون بالفوقانية. وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ قيل كرر هذا الحكم لتعدد علله فانه تعالى ذكر للتحويل ثلث علل تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بابتغاء مرضاته وجرى العادة الالهية على ان يولى كل امة من

_ (1) فى الأصل وجيها

[سورة البقرة (2) : آية 151]

امم اولى العزم من الرسل الى قبلة يستقبلها- ودفع حجج المخالفين- وقرن بكل علة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله- وايضا القبلة لها شأن والنسخ من مظان الفتنة والشبهة فبالحرىّ ان يؤكد أمرها ويكرر ذكرها لِئَلَّا يَكُونَ علة لقوله فولوا لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ يعنى لليهود فانهم يعلمون من التورية ان الكعبة قبلة ابراهيم وان محمدا صلى الله عليه وسلم سيحوّل إليها فلولا التحويل لاحتجوا بها- وللمشركين من اهل مكة فانهم ايضا كانوا يعلمون ان قبلة ابراهيم كانت الكعبة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدّعى انه على ملة ابراهيم حنيفا فلولا التحويل لقالوا ان محمدا يدّعى ملة ابراهيم ويخالف قبلته إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ استثناء من الناس اى لئلا يكون لاحد من الناس حجة الا للمعاندين- فاما الظالمون من قريش فقالوا رجع محمد الى الكعبة لانه علم انا اهدى منه وسيرجع الى ديننا- واما الظالمون من اليهود فقالوا انه لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بانه الحق الا حسدا وانه يعمل برأيه- وسمى هذه حجة كقوله تعالى حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ لانهم يسوقونهم مساقها- وقيل الحجة بمعنى الاحتجاج- وقيل الاستثناء للمبالغة في نفى الحجة رأسا للعلم بأن الظالم لا حجة له- والموصول على هذه التأويلات في موضع الجر بدلا من الناس- وقيل الاستثناء منقطع معناه ولكن الذين ظلموا يجادلونكم بالباطل فَلا تَخْشَوْهُمْ فانى وليّكم أظهركم عليهم بالحجة والنصرة ومطاعنهم لا يضركم وَاخْشَوْنِي فلا تخالفوا امرى وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) معطوف على لئلا اى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ- لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ... وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ- ويحتمل ان يكون معطوفا على محذوف يعنى واخشوني لا حفظكم ولاتم نعمتى ولكى تهتدوا- عن معاذ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار- رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وعن على رضى الله عنه تمام النعمة الموت على الإسلام-. كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ يا معشر قريش- خاطبهم والناس تبع لهم لقوله تعالى لابراهيم إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ يعنى ابراهيم وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ولقوله صلى الله عليه وسلم الناس تبع لقريش- متعلق بأتم يعنى لاتم نعمتى إتماما كما اتممتها بإرسال رسول منكم- قال محمد بن جرير دعا ابراهيم دعوتين أحدهما اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ والثانية ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ- فمعنى الاية أجيب دعوة ابراهيم فيكم بان أهديكم لدينه وأجعلكم مسلمين وأتم

نعمتى عليكم كما أجبت دعوته حيث أرسلت فيكم رسولا- او هو متعلق بما بعده اى كما ذكرتكم بالإرسال فيكم اذكروني أذكركم وبهذا يتضح ان ذكر العبد له تعالى محفوف بذكرين منه تعالى إياه ذكر سابق بالتوفيق وذكر لا حق بالاثابة رَسُولًا مِنْكُمْ محمدا صلى الله عليه وسلم يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ يعنى ظاهرهما وقد مر شرحه في دعاء ابراهيم عليه السلام- قدّم التزكية هاهنا باعتبار القصد وأخره هناك باعتبار الفعل وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) تكرار الفعل يدل على ان هذا التعليم من جنس اخر ولعل المراد به العلم اللدني المأخوذ من بطون القران ومن مشكوة صدر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا سبيل الى دركه الا الانعكاس واما درك دركه فبعيد عن القياس قال رئيس الصديقين والعجز عن درك الإدراك ادراك عن حنظلة بن الربيع الأسيدي قال لقينى ابو بكر رضى الله عنه فقال كيف أنت يا حنظلة- قلت نافق حنظلة- قال سبحان الله ما تقول- قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكّرنا بالنار والجنة كانا رأى عين فاذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا- قال ابو بكر فو الله انا لنلقى مثل هذا- فانطلقت انا وابو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت نافق حنظلة يا رسول الله- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك- قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كانا رأى عين فاذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده لو تدومون على ما تكونون عندى وفي الذكر لصافحتكم الملائكة- على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلث مرات رواه مسلم وعن ابى هريرة قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين فاما أحدهما فبثثته فيكم واما الاخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم يعنى مجرى الطعام- رواه البخاري- قيل المراد من الوعاء الذي لم يبثثه الأحاديث التي بيّن فيها اسماء أمراء الجور كقوله أعوذ بالله من رأس الستين وامارة الصبيان مشيرا الى امارة يزيد بن معاوية قلت اطلاق الوعاء على علم بجزئيات معدودة غير مستحسن ولا يتصور جعله قسيما ونظير العلوم الشريعة بل المراد به العلم اللدني- فان قيل فما معنى قوله فلو بثثته لقطع هذا البلعوم- قلت معناه انه لو بثثته باللسان لقطع هذا البلعوم لان تلك العلوم والمعارف لا يمكن تعليمها ولا تعلمها بلسان المقال بل انما تدرك بالانعكاس ولسان الحال- كيف والتعلم باللسان يتوقف على

[سورة البقرة (2) : آية 152]

امور منها كون المعلوم مما يدرك بالعلم الحصولى- ومنها كون اللفظ موضوعا بإزائه- ومنها كون الوضع معلوما للسامع- وليس شىء منها متحققا في المعارف المدنية- فان إدراكها تكون بالعلم الحضوري الذي لا يمكن ذهولها- بل سبيل ذلك وراء العلم الحصولى والحضوري وانّى هناك وضع الألفاظ وهيهات هيهات للسامعين العلم بوضعها- ومن أراد أن ينطق بتلك المعارف فلا بد له من إيراد مجازات واستعارات لا يهتدى الى مرامها العوام فيتخبط به عقولهم ويفهمون غير مراد المتكلم فيفسقونه ويكفرونه- كما ترى للعوام ينكرون على اولياء الله تعالى من غير سبيل الى درك مرادهم وذلك يفضى الى قطع البلعوم- فان قيل إذا كان ذلك العلم بحيث لا يمكن اخذه ولا إعطاؤه بالبيان ويفضى الى تلك المفسدة وقطع البلعوم النطق باللسان فاىّ ضرورة في التكلم بها- وما بال القوم يصنفون فيها مجلدات كالفصوص والفتوحات واىّ فائدة في تلك التصنيفات قلت ليس الغرض من تلك التصنيفات إعطاء تلك العلوم ولا يحصل بمطالعة تلك الكتب شىء من القرب والولاية بل الغرض منها تنبيه العارفين المحصلين تلك العلوم بالجذب والسلوك على بعض تفاصيلها- وتطبيق احوال المريدين ومواجيدهم على احوال الأكابر ومواجيدهم كى يظهر صحة أحوالهم وتطمئن به قلوبهم- وكثيرا ما يتكلمون بتلك المعارف في غلبة الحال- فالطريق السوي للعوام عند مطالعة كتبهم وسماع كلامهم عدم الإنكار وحمله على ظاهر الشريعة مهما أمكن بالتأويلات فان كلامهم رموز وإشارات او تفويض علمه الى علام الغيوب كما هو شأن المتشابهات فان في كلامهم مجازات واستعارات مصروفة عن الظاهر وليس شىء منها مخالفا للشرع بل هى لب الكتاب والسنة رزقنا الله سبحانه بفضله ومنه- ولما كان طريق تحصيل تلك المعارف منحصرا في الإلقاء والانعكاس وكان كثرة الذكر والمراقبة اما في ملإ من الذاكرين او في خلإ من الناس يفيد للقلب والنفس صلاحية تلك الانعكاس من مشكوة صدر النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة او بوسائط- عقب الله سبحانه لقوله. فَاذْكُرُونِي «1» قرا ابن كثير بفتح الياء والباقون بالإسكان أَذْكُرْكُمْ- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا عند ظن عبدى بي وانا معه إذا ذكرنى فان ذكرنى في نفسه ذكرته في نفسى وان ذكرنى في ملإ ذكرته في ملا خير منه وان تقرب الى شبرا تقرّبت اليه ذراعا وان تقرب الى ذراعا تقربت اليه باعا وان أتاني يمشى أتيته هرولة متفق عليه- وروى البغوي عن انس عنه وفيه قال سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله

_ (1) اخرج ابو الشيخ والديلمي في مسند الفردوس من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ- يقول اذكروني يا معشر العباد بطاعتي أذكركم بمغفرتى- منه رحمه الله تعالى

[سورة البقرة (2) : آية 153]

عليه وسلم عدد انا ملى هذه العشرة- وعن عبد الله بن شقيق عنه صلى الله عليه وسلم قال ما من ادعى الا لقلبه بيتان في أحدهما الملك وفي الاخر الشيطان فاذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر الله وضع الشيطان منقاره في قلبه فوسوس له- رواه ابن ابى شيبة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات- رواه مسلم فاعلم ايها الأخ السعيد ان الذكر عبارة عن طرد الغفلة والغفلة هى الموجبة للقساوة فكل امر مشروع من قول او فعل او تفكر أريد به وجه الله تعالى بالإخلاص والحضور فهو ذكر وما كان بلا اخلاص فهو شرك وما كان بغفلة فغير معتد به قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ- وفَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ- وأفضل الذكر لا الله الا الله وأفضل الدعاء الحمد لله- رواه النسائي والترمذي وابن ماجة وابن حبان ومالك بسند صحيح عن جابر عنه صلى الله عليه وسلم وعن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الكلام اربع سبحان الله والحمد لله ولا الله الا الله والله اكبر- رواه مسلم وفي رواية هى أفضل الكلام بعد القران وهى من القران رواه احمد وفي الحديث القدسي من شغله القران عن ذكرى ومسئلتى أعطيته أفضل ما اعطى السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه- رواه الترمذي والدارمي من حديث ابى سعيد ومن أجل ذلك الاخبار اختار الصوفية العلية التهليل بالقلب او باللسان جهرا او اخفاتا واما المجدد رضى الله عنه فالمختار عنده تلاوة القران لما ذكرنا من فضله ولان القران صفة حقيقية قائمة بالله تعالى بلا واسطة طرقه بيد الله وطرفه بايدينا فمن استهلك فيه فلا مزيد عليه والصلاة فانها معراج المؤمن- لكن هذا بعد فناء النفس واما قبل الفناء فالمختار عنده الاقتصار على النفي والإثبات لقوله تعالى لا يمسه يعنى القران الا المطهرون يعنى من رذائل النفس والله اعلم وَاشْكُرُوا لِي على ما أنعمت عليكم من إرسال الرسول والهداية والجذب وتوفيق السلوك وغير ذلك وَلا تَكْفُرُونِ (152) بجحد النعم وتكذيب الرسل او عصيان الأمر او اضاعة الوقت والاعراض عن الذكر-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا على قضاء حوائجكم الدينية والدنيوية خصوصا على نيل درجات القرب والمعارف اللدنية بِالصَّبْرِ عن الشهوات فان النار محفوفة بها- وعلى المكاره في النفوس والأموال فان الجنة محفوفة بها وعلى الذكر والطاعات والعزلة عن سوء

[سورة البقرة (2) : آية 154]

المجالسات حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مال المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن- رواه البخاري وَالصَّلاةِ خصها بعد التعميم لرفعة شأنها فانها أم العبادات جامعة للطاعات معراج للمؤمن- عن على مرفوعا الصلاة عماد الدين- رواه صاحب مسند الفردوس- وعن انس مرفوعا الصلاة نور المؤمن- رواه ابن عساكر قال المجدد رضى الله عنه غاية مقامات العابدين حقيقة الصلاة والترقي هناك بكثرة الصلاة- وقد مر ذكر صلوة الحاجة فيما مر إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) قيل بالعون والنصر واجابة الدعوة- قلت بل معية غير متكفية يتضح على العارفين ولا يدرك كنهه غير احسن الخالقين. وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ اى هم أموات نزلت في قتلى بدر من المسلمين وكانوا اربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار- كان الناس يقولون لمن يقتل في سبيل الله مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا فانزل الله هذه الاية بَلْ أَحْياءٌ يعنى ان الله تعالى يعطى لارواحهم قوة الأجساد فيذهبون من الأرض والسماء والجنة حيث يشاؤن وينصرون أولياءهم ويدمرون أعداءهم ان شاء الله تعالى ومن أجل ذلك الحيوة لا تأكل الأرض أجسادهم ولا أكفانهم قال البغوي قيل ان أرواحهم تركع وتسجد كل ليلة تحت العرش الى يوم القيامة- قال عليه السلام ان الشهداء إذا استشهدوا انزل الله جسدا كاحسن جسد ثم يقال لروحه ادخلى فيه فينظر الى جسده الاول ما يفعل به ويتكلم فيظن انهم يسمعون كلامه وينظر إليهم فيظن انهم يرونه حتى تأتيه أزواجه من الحور العين فيذهبن به- رواه ابن منذر مرسلا- وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود مرفوعا أرواح الشهداء عند الله في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوى الى قناديل تحت العرش- فذهب جماعة من العلماء الى ان هذه الحيوة مختص بالشهداء والحق عندى عدم اختصاصها بهم بل حيوة الأنبياء أقوى منهم وأشد ظهورا اثارها في الخارج حتى لا يجوز النكاح بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بخلاف الشهيد- والصديقون ايضا أعلى درجة من الشهداء والصالحون يعنى الأولياء ملحقون بهم كما يدل عليه الترتيب في قوله تعالى مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ ولذلك قالت الصوفية العلية أرواحنا أجسادنا وأجسادنا أرواحنا- وقد تواتر عن كثير من الأولياء انهم ينصرون أولياءهم ويدمرون أعداءهم ويهدون الى الله تعالى من يشاء الله تعالى- وقد

[سورة البقرة (2) : الآيات 155 إلى 156]

ذكر المجدد رضى الله عنه- ان ارباب كمالات النبوة بالوراثة أقلت وهم الصديقون والمقربون في لسان الشرع) يعطى لهم من الله تعالى وجودا موهوبا- ويدل على ان أجساد الأنبياء والشهداء وبعض الصلحاء لا يأكلها الأرض ما أخرجه الحاكم وابو داود عن أوس بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله حرم على الأرض ان تأكل أجساد الأنبياء- واخرج ابن ماجة عن ابى الدرداء نحوه- واخرج مالك عن عبد الرحمن ابن صعصعة انه بلغه ان عمرو بن الجموح وعبد الله بن جبير الأنصاري كان قد حفر السبيل قبرهما وكان قبرهما مما يلى السيل وكانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم أحد- فحفرا ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كانهما ماتا بالأمس وكان بين أحد وبين حفر عنهما ست وأربعون «1» سنة- واخرج البيهقي ان معاوية لما أراد ان يجرى كظامة نادى من كان له قتيل بأحد فليشهد فخرج الناس الى قتلاهم فوجدهم رطايا ينبتون فاصابت المسحات رجل رجل منهم فانبعث دما ولقد كانوا يحفرون التراب فحفروا نثرة من تراب ناح عليهم ريح المسلك- هكذا اخرج الواقدي عن شيوخه واخرج ابن ابى شيبة نحوه واخرج البيهقي عن جابر وفيه فاصابت المسحات قدم حمزة فانبعث دما- واخرج الطبراني عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن المحتسب كالشهيد المتشخط في دمه إذا مات لم يدود في قبره- واخرج ابن مندة عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات حامل القران اوحى الله الى الأرض ان لا تأكل لحمه فيقول الأرض اى رب كيف أكل لحمه وكلامك في جوفه- قال ابن مندة وفي الباب عن ابى هريرة وابن مسعود قلت لعل المراد بحامل القرآن الصديق فان مساس بركات القران مختص به حيث قال الله تعالى لا يمسّه إلّا المطهّرون- واخرج المروزي عن قتادة قال بلغني ان الأرض لا تسلط على جسد الذي لم يعمل خطيئة- قلت لعل المراد بالذي لم يعمل خطيئة الصّالحون من عباد الله اعنى الأولياء لما كانوا محفوظين من الخطايا ومغفورين حتى صلحت قلوبهم وأجسادهم والله اعلم وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) فيه تنبيه على ان حياتهم ليست من جنس ما يحسّه كل أحد وانما هى امر لا يدرك بالعقل ولا بالحس بل بالوحى او الفراسة الصحيحة المقتبسة من الوحى-. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ اى لنصيبنكم يا امة محمد إصابة من يختبر لاحوالكم هل تصبرون للبلاء وتستسلمون للقضاء حتى يفاض عليكم بركات من السماء وانما أخبرهم بذلك قبل وقوعه لتوطينهم عليه نفوسهم بِشَيْءٍ قليل وانما قلله بالاضافة الى ما وقاهم عنه وذكر بالتنكير للتقليل ليخفف عليهم

_ (1) فى الأصل أربعين-

[سورة البقرة (2) : آية 157]

ويريهم رحمة لا يفارقهم مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ عن ابن عباس الخوف خوف العدو والجوع القحط وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ عطف على شىء او الخوف يعنى الخسران والهلاك وَالْأَنْفُسِ يعنى بالقتل والموت وقيل بالمرض والشيب وَالثَّمَراتِ يعنى الجوايح في الثمار- وحكى عن الشافعي انه قال الخوف خوف الله عز وجل والجوع صيام رمضان ونقص من الأموال أداء الزكوة والصدقات والأنفس الأمراض والثّمرات موت الأولاد- عن ابى موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته اقبضتم ولد عبدى قال فيقولون نعم قال اقبضتم ثمرة فواده قالوا نعم قال فماذا قال قالوا استرجع وحمدك قال ابنوا لعبدى بيتامى الجنة وسموه بيت الحمد- رواه الترمذي وحسنه وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ عبيدا وملكا وكل ما أعطانا من النعم فهو من مواهبه الهنيئة وعواريه المستودعة فحق علينا ان نرضى بقضائه ولا نكفر عند استرداد أماناته فان المالك يتصرف في ملكه كيف يشاء وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (155) فى الاخرة وكذا في الدنيا بالذكر والمراقبة فيعطينا ان شاء الله أفضل مما استرد منا الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ولكل من يأتى منه البشارة- والمصيبة كل ما يصيب الإنسان من مكروه- انقطع نعال النبي صلى الله عليه وسلم فاسترجع فقالوا مصيبة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب المؤمن مما يكره فهو مصيبة- رواه الطبراني في الكبير من حديث ابى امامة وله شواهد مرفوعة وموقوفة- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انقطع شسع أحدكم فليسترجع فانه المصاب- رواه البيهقي في شعب الايمان وفي الحديث من استرجع عند المصيبة خير الله مصيبته واحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه- أخرجه ابن ابى حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الايمان قال سعيد بن جبير ما اعطى أحد في المصيبة ما اعطى هذه الامة يعنى الاسترجاع ولو اعطى أحد لاعطى يعقوب الا تسمع قوله في فقد يوسف يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ. أُولئِكَ اى اهل هذه الصفة عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ الصلاة في الأصل الدعاء ومن الله ما يترتب عليه من البركة والمغفرة والرحمة جمعها للتنبيه على كثرة أنواعها وذكر الرحمة بعدها تأكيدا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) للحق والصواب حيث استرجع ورضى بقضاء الله سبحانه- كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الى معاذ يعزيه في ابن له قبضه

[سورة البقرة (2) : آية 158]

منك بأجر كثير الصلاة والرحمة والهدى ان احتسبت- رواه الحاكم في المستدرك وابن مردوية- وقال عمر رضى الله عنه نعم العدلان ونعمت العلاوة فالعدلان الصلاة والرحمة والعلاوة الهداية- وقد وردت الاخبار في حق ثواب اهل البلاء واجر الصابرين- منها ما روى عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يودّ اهل العافية يوم القيامة حين يعطى اهل البلاء الثواب لو ان جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب- وعن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها الا كفر الله بها من خطاياه- متفق عليه- وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم انها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مصيبة يصيب عبدا فيقول إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ اللهم أجرني في مصبتى واخلف لي خيرا منها الا اجره الله في مصيبته واخلف له خيرا منها- رواه مسلم وعن محمد بن خالد السلمى عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده او في ماله او في ولده ثم صبّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله- رواه احمد وابو داود- وعن سعد قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم اى الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الا مثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان في دينه صلب اشتد بلاؤه وان كان في دينه رقة هون عليه فما زال كذلك حتى يمشى على الأرض ماله ذنب- رواه الترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجة والدارمي وفي الباب أحاديث كثيرة لا تحصى-. إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ جبلين بمكة مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ الشعائر جمع شعيرة وهى العلامة- والمراد هاهنا المناسك الّتى جعلها الله تعالى اعلاما لطاعته فان الطواف بينهما واجب في الحج والعمرة اجماعا الا في رواية عن احمد فقال سنة لقوله تعالى فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما فان نفى الجناح تدل على الإباحة وكذا قوله فَمَنْ تَطَوَّعَ- والحق ان الإباحة والتطوع كل واحد منهما أعم من الوجوب فلا ينفيانه والحج لغة القصد والاعتمار الزيارة وفي الشرع عبارتان عن العبادتين المعروفتين والجناح بمعنى الميل عن القصد والمعنى لا اثم عليه- واصل يطوّف يتطوّف أدغمت التاء فى الطاء والمعنى ان يدور بهما- وسبب نزول هذه الاية انه كان على الصفا والمروة صنمان اساف ونائلة فكان اساف على الصفا ونائلة على المروة وكان اكثر اهل الجاهلية يطوفون بينهما تعظيما للصنمين و

يتمسحون بهما فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كان المسلمون يتحرجون عن السعى بين الصفا والمروة لاجل الصنمين وكانت الأنصار قبل الإسلام يعبدون المناة ويهلون لها وكان من اهلّ لها يتحرج ان يطوف بالصفا والمروة فلما اسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقالوا كنا نتحرج ان نطوف بين الصفا والمروة فنزلت الاية في الفريقين- اما الاول فقد رواه الحاكم عن ابن عباس قال كانت الشياطين فى الجاهلية تعرف الليل اجمع بين الصفا والمروة وكان بينهما أصنام لهم فلما جاء الإسلام قال المسلمون يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة فانه شىء كنا نصنعه في الجاهلية فانزل الله الاية واخرج البخاري عن عاصم قال سألت أنسا عن الصفا والمروة قال كنا نرى انهما من امر الجاهلية فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما فأنزل الله إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ الاية- واما الثاني ففى الصحيحين عن عروة عن عائشة قال قلت أرأيت قول الله تعالى إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما فقالت عائشة بئسما قلت يا ابن أختي انها لو كانت على ما أولتها عليه كانت فلا جناح عليه ان لا يطوف بهما ولكنها «1» انما نزلت في الأنصار قبل ان يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية وكان من اهلّ لها يتحرج ان يطوف بالصفا والمروة فسالوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله كنا نتحرج ان نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية فانزل الله ان الصفا والمروة الاية- ويدل على وجوب السعى حديث صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت تجراه قالت رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم بطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى حتى ارى ركبتيه من شدة اسعى يدور به إزاره وهو يقول اسمعوا ان الله عز وجل كتب عليكم السعى- أخرجه الشافعي واحمد- وفي اسناده عبد الله بن مؤمل يضعفه الدارقطني وجماعة لكن قال ابن الجوزي قال يحيى ليس به بأس- ورواه الدارقطني من طريق منصور بن عبد الرحمن قال ابو حاتم لا يحتج به وقال يحيى بن معين ثقة وقال الذهبي ثقة مشهور من رجال مسلم- قال الحافظ لهذا الحديث طرق اخرى عند الطبراني عن ابن عباس إذا انضمت الى الاولى قويت- وقد يستدل على الوجوب بحديث ابى موسى المتفق عليه قال له النبي صلى الله عليه وسلم فطف بالبيت وبالصفا والمروة- فان الأمر للوجوب ثم القائلون بالوجوب اختلفوا- فذهب ابو حنيفة على أصله ان ادلة الوجوب إذا كانت ظنية لا يزاد بها على الكتاب فقال- هو واجب في الحج ليس بركن فينجبر بالدم وقال الشافعي وغيره انه ركن لعدم التفرقة عندهم بين الفرض والواجب- واجمع العلماء على ان السعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط- وعلى ان

_ (1) فى الأصل ولكنهما-

الذهاب من الصفا الى المروة شوط والعود من المروة الى الصفا شوط اخر- وحكى عن جرير الطبري وابى بكر الصوفي من الشافعية والطحاوي من الحنفية ان الذهاب من الصفا الى المروة ثم العود منها الى الصفا شوط واحد قياسا على الطواف بالبيت حيث كان المنتهى الى المبدء- وقيل الرجوع الى الصفا ليس معتبرا من الشوط بل لتحصيل الشوط الثاني- لنا حديث جابر الطويل وفيه فلما كان اخر طوافه بالمروة قال لو استقبلت من امرى الحديث- رواه مسلم وعمل الجمهور المبنى على النقل المستفيض يكفى لنا حجة واجمعوا على ان للسعى شرائط منها الترتيب وهى البداية من الصفا والختم على المروة وما قيل انه ليس بشرط عند ابى حنيفة باطل- والحجة على الترتيب مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك- وقوله فى حديث جابر ابدا بما بدا لله فبدا بالصفا فرقى عليه- رواه مسلم ورواه احمد ومالك وابو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والنسائي بلفظ- نبدا- وروى الدارقطني بلفظ ابدءوا على صيغة الأمر وصححه ابن حزم فلو ثبت صيغة الأمر فهو اظهر للايجاب والا فهو حجة على الوجوب إذا ضم اليه قوله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى مناسككم فانى لا أدرى لعلى لا أحج بعد حجتى- رواه مسلم- ومنها كونه مرتبا على أحد الطوافين اما طواف القدوم او طواف الزيارة والفصل لا يضره ما لم يكن بينهما وقوف بعرفة- فمن سعى قبل طواف القدوم لا يعتد به اجماعا الا ما روى عبد الرزاق عن عطاء انه قال لو سعى ثم طاف جاز- والحجة لهذا القول حديث اسامة بن شريك ورد فيه السؤال عن السعى قبل الطواف فقال النبي صلى الله عليه وسلم افعل ولا حرج- والجواب ان الامة ترك العمل بهذا الحديث فهو شاذ- لنا انه عبادة غير معقولة فيقتصر على كيفية ما ورد عليها الشرع- وعن عائشة قالت قدمت مكة وانا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة قالت فشكوت ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال افعلي كما يفعل الحاج غير ان لا تطوفى بالبيت حتى تطهرى- متفق عليه- وهذا صريح في ان النبي صلى الله عليه وسلم منع عائشة عن الطواف واجازها في غيره من المناسك وانها امتنعت عن الطواف والسعى جميعا وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وقال لها يجزئ عنك طوافك بالبيت وبالصفا والمروة عن حجك وعمرتك- فبهذا ظهر ان السعى بين الصفا والمروة تابع للطواف- ويبتنى على هذا انه من طاف للزيارة ولم يسع أصلا لا بعد طواف القدوم ولا بعد طواف الزيارة يجب عليه الدم لترك السعى ولا يقضى السعى لان السعى لم يدرك عبادة الا بعد الطواف- واما من

[سورة البقرة (2) : آية 159]

فاته الطواف والسعى جميعا يجب عليه قضاء الطواف والسعى جميعا- والسنة انه إذا وقف على الصفا يكبر ثلثا ويقول لا الله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعوا ويصنع على المروة مثل ذلك- وإذا نزل من الصفا مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى يخرج منه ثم إذا رقي المروة مشى كنا في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر وغيره وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً- قرا حمزة والكسائي يطّوّع بالياء التحتانية وتشديد الطاء على صيغة المضارع المجزوم وكذلك فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا- ووافق يعقوب في الاولى فقط وقرا الجمهور بالتاء وفتح العين على الماضي- ومعناه فعل طاعة فرضا كان او نفلا- وقال مجاهد معناه فمن تطوع بالطواف بين الصفا والمروة- بناء على انه سنة- وقال مقاتل والكلبي فمن تطوع زاد في الطواف بعد الواجب- وقيل- من تطوع بالحج والعمرة بعد أداء الحجة الواجبة عليه- وقال الحسن أراد سائر الأعمال يعنى فعل غير المفترض عليه من صلوة وزكوة وطواف وغيرها من انواع الطاعات- وخيرا منصوب على انه صفة مصدر محذوف- او بحذف الجار وإيصال الفعل اليه- او بتعدية الفعل لتضمنه معنى اتى- فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158) يثيب على الطاعة ولا يخفى عليه شىء والله اعلم- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال سال معاذ بن جبل وسعد بن معاذ وخارجة ابن زيد نفرا من أحبار اليهود عن بعض ما في التورية فكتموهم إياه وأبوا ان يخبروهم فانزل الله تعالى. إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ الشاهدة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وَالْهُدى اى ما يهدى الى الطريق المستقيم واتباع محمد صلى الله عليه وسلم- مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ اى التورية أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) اصل اللعن الطرد- ومعنى يلعنهم اللّاعنون انهم يسئلون الله لعنهم- واللّاعنون الذين يأتى منهم اللعن عليهم من الملائكة وللمسلمين من الجن والانس ودواب الأرض كلها- عن البراء بن عازب قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال ان الكافر يضرب بين عينيه فيسمعه كل دابة غير الثقلين فيلعنه كل دابة سمعت صوته فذلك قول الله تعالى وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ- أخرجه ابن ماجة وابن ابى حاتم وابن جرير قال ابن عباس جميع الخلائق الا الجن والانس- وقال قتادة هم الملائكة وقال عطاء الجن والانس- وقال الحسن جميع عباد الله- وقال مجاهد اللّاعنون البهائم

[سورة البقرة (2) : آية 160]

يلعن عصاة بنى آدم إذا سننت السنة وامسك المطر وقالت من شوم بنى آدم. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا عن الكتمان وغيره من المعاصي وَأَصْلَحُوا ما أفسدوا بالتدارك وَبَيَّنُوا ما في التورية فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ أتجاوز عنهم فان التوبة من العبد الرجوع من المعصية ومن الله الرجوع من العقوبة وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) المبالغ في قبول التوبة والرحمة- عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه- متفق عليه وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب اليه من أحدكم كان راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فايس منها فاتى شجرة فاضطتجع في ظلها قد ايئس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فاخذ بحطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدى وانا ربك من شدة الفرح- رواه مسلم. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ يعنى ومن لم يتب من الكاتمين حتى مات أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) قال ابو العالية هذا يوم القيامة يوقف الكافر فيلعنه الله ثم يلعنه الملائكة ثم يلعنه الناس- فان قيل الملعون من الناس فكيف يلعن نفسه قيل قال الله تعالى يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً- وقيل انهم يلعنون الظالمين وهم منهم. خالِدِينَ فِيها اى في اللعنة او في النار واضمارها قبل الذكر تفخيما لشأنها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) لا يمهلون من الانظار- او لا ينتظرون ليعتذروا- او لا ينظر إليهم نظر رحمة- قال البغوي ان كفار قريش قالوا يا محمد صف وانسب لنا ربك فانزل الله تعالى سورة الإخلاص وقوله تعالى. وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ وصف الإله بالواحد للتأكيد مع دلالة تنوين الله على الوحدة وفيه تقدير للوحدانية ما ليس في قولك إلهكم واحد والخطاب عام اى المستحق للعبادة منكم ايها العالمين الله واحد لا يمكن له نظير ولا شريك- ويجوزان يكون خطابا للكاتمين زجرا لهم على معاملتهم مع الله تعالى حيث يكتمون التوحيد ويقولون عزير ابن الله والمسيح ابن الله بعد زجرهم على كتمان الرسالة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ صفة ثانية لتقرير الوحدانية وتأكيدها بعد تقرير- او هو خبر إلهكم بعد خبر الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163) خبران آخران لقوله إِلهُكُمْ- او المبتدأ محذوف- وفيه اشارة الى الحجة على استحقاقه العبادة فانه المنعم على الإطلاق مولى النعم كلها أصولها وفروعها

[سورة البقرة (2) : آية 164]

وما سواه منعم عليه- عن اسماء بنت يزيد انها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ان في هاتين الآيتين اسم الله الأعظم وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ- واللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ- رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي- واخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي في شعب الايمان عن ابى الصخر قال لما نزلت وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ- تعجب المشركون وقالوا الها واحدا فليأتنا باية ان كان من الصادقين- فانزل الله تعالى-. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وما فيها من الشمس والقمر والكواكب- واخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية من طريق جيد موصول عن ابن عباس قال قالت قريش للنبى صلى الله عليه وسلم- ادع الله ان يجعل لنا الصفا ذهبا نتقوى به على عدونا فاوحى الله تعالى الى النبي صلى الله عليه وسلم انى معطيهم ولكن ان كفروا بعد ذلك عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فقال رب دعنى وقومى فادعوهم يوما بيوم- فانزل الله تعالى هذه الاية يعنى انهم كيف يسئلون الصفا ذهبا وهم يرون من الآيات ما هو أعظم منه في الوجود ومثله في الإمكان وَالْأَرْضِ وما فيها من الأشجار والأنهار والجبال والبحار والجواهر وانواع النباتات والحيوانات واختلاف التأثيرات والأقطار والأقاليم- وانما جمع السموات وأفرد الأرض لان تعدد السموات كان مقررا عند المخاطبين بناء على مشاهدتهم تعدد حركات الكواكب بخلاف الأرض فان تعددها لم يثبت الا بالشرع والاستدلال انما هو بما هو معلوم عندهم- وقيل لان السموات مختلفة بالحقيقة بخلاف الأرضين فان كلها من جنس واحد وهو التراب- وقيل لان طبقات السموات متفاصلة بخلاف الأرضين وهذا ليس بشىء فان الثابت بالسنة كون كل واحد من السموات والأرضين متناصلة كما روينا الأحاديث سابقا في تفسير قوله تعالى فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ اى تعاقبهما في الذهاب والمجيء وقصر الليالى وطول الأيام في الصيف وعكسها في الشتاء وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ كيف سخرها الله تعالى لكم تحمل الأثقال ولا ترسب في البحر- والفلك واحد وجمعه سواء فاذا أريد به الجمع تؤنث صفته وإذا أريد به المفرد يذكر نحو أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ - وكُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ- وتَجْرِي فِي الْبَحْرِ- بِما يَنْفَعُ النَّاسَ اى ينفعهم او بالذي ينفعهم من الركوب عليها والحمل فيها في التجارات والمكاسب وانواع المطالب وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ من الاولى للابتداء والثانية للبيان فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها يبسها وجذوبتها

[سورة البقرة (2) : آية 165]

وَبَثَّ اى نشر فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ صغيرة لا يكاد يبصر وكبيرة لا يتصور تسخيرها الا بحول الله وقوته عطف على انزل او على أحيا فان الدواب ينمون من الخصب ويعيشون بالماء وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ الى المشرق والمغرب والجنوب والشمال مفيدة ومضرة- لينة وعاصفة- حارة وباردة- اعلم ان الريح كلما وقع في القران المعرف باللام اختلف القراء في جمعها وافرادها الا في الذاريات الرّيح العقيم فانهم اتفقوا على الافراد- والا في الحرف الاول من سورة الروم الرّياح مبشّرت فانهم اجمعوا على جمعها- فقرا حمزة والكسائي تصريف الريح هنا وفي الكهف والجاثية والأعراف والنمل والثاني من الروم وفاطر بالإفراد وتابعهما ابن كثير في الاربعة الاخيرة- وقرا ابن كثير في الفرقان وحمزة في الحجر بالإفراد والباقون في جميعها بالجمع- وقرا نافع في ابراهيم والشورى بالجمع والباقون بالإفراد- وقرا ابو جعفر «1» كل ما ذكر على الجمع جميعا- وكل ريح في القران منكر فهو بالإفراد اجماعا والله اعلم وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا ينزل ولا ينقشع مع ان الطبع يقتضى أحدهما حتى يأتى امر الله وايضا هو مسخر فى الجو يقلبه الله حيث يشاء قال ابن وهب ثلثة لا يدرى من اين يجىء الرعد والبرق والسحاب لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) يتفكرون فيها وينظرون الى انها امور حادثة ممكنة في ذواتها لا يقتضى ذواتها وجوداتها ولا شيئا من اثارها موجودة على وجوه مخصوصة من وجوه كثيرة كلها محتملة فلا محالة من وجود صانع يقتضى ذاته وجوده حى عليم حكيم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد متصف بصفاة الكمال منزه عن النقص والزوال متعال عن مماثل ومعارض إذ لو كان معه اله يقدر على ما يقدر عليه لزم اما اجتماع المؤثرين على اثر واحد بالشخص وهو محال او عجز أحدهما او التمانع الموجب للفساد- وينظرون الى ما في تلك المخلوقات من اثار رحمة الله تعالى فيعرفون انه تعالى هو المستحق للعبادة والشكر دون غيره- اخرج ابن ابى الدنيا في كتاب التفكر عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ثم قال ويل لمن قرا ولم يتفكر فيها- وقيل للاوزاعى فما غاية التفكر فيهن قال يقرا وهو يعقلهن- والله اعلم. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً أصناما او رؤساءهم الذين كانوا يطيعونهم او ما هو أعم منهما يعنى كل ما كان مشغلا عن الله تعالى مانعا عن امتثال او امره يُحِبُّونَهُمْ يعظمونهم ويطيعونهم كَحُبِّ اللَّهِ كتعظيمهم لله اى يسوون بينه وبينهم في المحبة والطاعة والمحبة

_ (1) وقرا ابو جعفر ايضا بالجمع في الاسراء والأنبياء وسبا وص وعنه خلاف في الحج- ابو محمد

ميل القلب كذا قال الزجاج او المعنى يحبون الهتهم كحب المؤمنين الله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ من حب الكافرين الهتهم لانه لا ينقطع محبة المؤمنين ولا يعرضون عن الله تعالى في السراء والضراء والشدة والرخاء بخلاف الكفار فان محبتهم لاغراض موهومة فاسدة تزول بأدنى سبب ولذلك كانوا يعدلون عن الهتهم عند الشدائد الى الله تعالى ويعبدون الصنم زمانا ثم يرفضونه الى غيره قال سعيد بن جبير ان الله عز وجل يأمر يوم القيامة من احرق نفسه في الدنيا على روية الأصنام ان يدخلوا جهنم مع أصنامهم فلا يدخلون ثم يقول للمؤمنين بين يدى الكافرين ان كنتم احبائى فادخلوا جهنم فيقتحمون «1» فيها وينادى منادى من تحت العرش وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ- قلت ويمكن ان يكون المعنى الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ من حب كل أحد لكل أحد لان محبتهم فيما بينهم اما لتوقع جلب منفعة او دفع مضرة او لالتذاذ يحصل بروية الجمال او لانتسابهم الى أنفسهم بالنبوة او الابوة فهى في الحقيقة محبة لانفسهم لا للمحبوبين ومن ثم ترى زوالها بزوال تلك الأسباب- ثم الكفار منهم اقتصر نظرهم على الحظوظ العاجلة ولا يعرفون لله سبحانه الا وجودا موهوما وينسبون المنافع والمضار الى العباد او الكواكب او اسماء سموها هم واباؤهم فيحبونهم كحب الله او أشد منه- والذين يدّعون الإسلام من اهل الأهواء كالمعتزلة والروافض والخوارج فلاعتقادهم بالمنافع والمضار المختصة بالدار الاخرة واعترافهم بان مالك يوم الدين هو الله الواحد القهار يحبون الله تعالى أشد من حبهم لغيره تعالى حيث يزعمون ان منافعهم ومضارهم مختصة بالدنيا- ومن اختار الدنيا على الاخرة منهم فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه فلا كلام فيه فهؤلاء الناس مشركون غيره تعالى به تعالى في اصل الحب المبنى على إيصال النفع والضرر المبنى على اعتقادهم بان افعال العباد مخلوقة لهم لا لله تعالى- فهم بسبب اقتدارهم بقاذورات الفلاسفة اكفاء للمشركين ومجوس في هذه الامة واما اهل السنة والجماعة فلاعتقادهم بان افعال العباد مخلوقة لله تعالى وان الله تعالى هو الضار النافع دون غيره فكما انهم لا يعبدون غير الله تعالى كذلك لا يحمدون غيره الا بنوع من التجوز باذنه وامره وكذلك لا يحبون غيره تعالى الا لله تعالى فحمدهم وحبهم كلها راجعة الى الله تعالى انما الحب الحب لله وانما البغض البغض لله غير ان حب عامتهم راجع الى اغراض صحيحة اخروية مرضية لله تعالى- واما اهل التحقيق منهم وهم الصوفية العلية الرضية فكل حب مبنى على خوف او طمع

_ (1) وهؤلاء إذا اقتحموا في النار يجدوها بردا وسلاما- منه رحمه الله

دنيوى او اخروى لا يسمونه حبا- بل الحب عندهم نار يشتعل في قلوب المحبين تحرق ما سوى المحبوب لا تبقى ولا تذر حتى يسقط عن نظر بصيرته نفسه فكيف ينظر نفعه وضرّه وما سواه هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً نعم رب قد اتى على الإنسان حين مستمر من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ولا مخطورا- والسرّ في ذلك ان اقرب الأشياء عند العوام أنفسهم فهم لا يحبون الا أنفسهم او لاجل أنفسهم واما المحققون فاقرب الأشياء إليهم هو الله سبحانه الذي قال نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ ايها العوام فهم لا يحبون أحدا الا الله سبحانه ويحبون أنفسهم لاجله تعالى لا بالعكس ويحبون كل محبوب لاجله تعالى وأولئك هم الصادقون في دعوى المحبة الذاتية- وإذا بلغت المحبة الى هذه المثابة يكون إيلام المحبوب عندهم كانعامه بل احلى وألذ فإن في إيلامه اخلاص ما ليس في انعامه- وهؤلاء هم الذين يقال لهم يوم القيامة بين يدى الكافرين ان كنتم احبائى فادخلوا جهنم فيقتحمون فيها وينادى مناد من تحت العرش وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ- أليس تعلم انه من كان يعبد الله تعالى خوفا من جهنم وطمعا في الجنة كيف يختار النار المؤبدة ابتغاء مرضات الله ولا يتصور ذلك الا من له محبة ذاتية وهو حامل امانة الله التي حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا وَلَوْ يَرَى قرا نافع وابن عامر ويعقوب بالتاء على انه خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم او لكل مخاطب ومفعوله بعده- وقرا الباقون بالياء وفاعله ضمير السامع يعنى لو يرى السامع او فاعله بعده الَّذِينَ ظَلَمُوا باتخاذ الانداد وحبهم كحب الله ومفعوله محذوف يعنى أنفسهم إِذْ يَرَوْنَ الكفار الْعَذابَ يوم القيامة قرا ابن عامر بضم الياء على البناء للمفعول والباقون بالفتح- وجواب لو محذوف يعنى لرايت امرا فظيعا عظيما- او لندموا ندامة شديدة- وفائدة الحذف انّ لو إذا جاء فيما يشوق اليه او يخوف منه فيحذف الجواب هناك يذهب القلب فيه كل مذهب ويستفاد منه كمال الشوق او كمال الفظع- ولو وإذ تدخلان على الماضي وانما دخلتا على المستقبل لان في اخبار الله تعالى المستقبل كالماضى في التحقق أَنَّ يعنى لان الْقُوَّةَ الغلبة «1» لِلَّهِ جَمِيعاً حال وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) اى شديد عذابه يتعلق بالجواب المحذوف على قراءة العامة- وقرا ابو جعفر ويعقوب أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ بكسر الهمزة في ان في الجملتين فهذا استيناف والكلام قد تم عند قوله إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ ويحتمل على قراءة لو يرى الّذين ظلموا على الغيبة ان يكون الروية بمعنى الروية القلبية

_ (1) فى الأصل والغلبة-[.....]

[سورة البقرة (2) : آية 166]

والذين ظلموا فاعله وان القوة الى آخره ساد مسد مفعوليه- والمعنى ولو يعلم الذين ظلموا حين يرون العذاب والمصائب في الدنيا ان القوة لله جميعا وان الله تعالى هو الضارّ والنافع وان افعال العباد لم يوجد الا بقدرته ومشيته وخلقه وان الله شديد العذاب في الدنيا والاخرة لا مانع لما يعطيه ولا معطى لما منعه ولا راد لقضائه أحدكما يعلم المؤمنون لما اتخذوا أندادا وما أحبوا غير الله تعالى كالمؤمنين- او المعنى لو يعلم الذين ظلموا ان القوة لله جميعا حين يرون العذاب يوم القيامة لندموا أشد ندامة- ويحتمل ان يكون ان القوة لله جميعا جواب لو والمعنى ولو يرى الذين ظلموا اندادهم لا ينفع لعلموا ان القوة لله جميعا-. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا منصوب بتقدير اذكر او بدل من إذ يرون وَرَأَوُا الْعَذابَ الواو للحال وقد مضمرة او للعطف على تبرا وكذا في قوله تعالى وتقطّعت وذلك التبري يوم القيامة حين يجمع الله القادة والاتباع فيتبرا بعضهم من بعض وقيل الشياطين يتبرءون من الانس وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ اى عنهم الْأَسْبابُ (166) اى اسباب المحبة التي كانت بينهم في الدنيا وهى توقعات فاسدة في النفع ودفع الضرر- واصل السبب ما يوصل به الى شىء من ذريعة او قرابة او مودة ومنه يقال للجبل وللطريق سبب. وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً اى رجعة الى الدنيا فَنَتَبَرَّأَ منصوب على جواب لو بمعنى ليت مِنْهُمْ اى من المتبوعين كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا اليوم كَذلِكَ الاراءة يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ ندامات عَلَيْهِمْ حسرات ثالث مفاعيل يرى ان كان من روية القلب والا فحال ما تركوا من الحسنات واتباع الرسول يندمون على تضييعها وما اثروا من السيئات واختاروا الدنيا على الاخرة يتحسرون على إتيانها- قال السدى يرفع لهم الجنة فينظرون إليها والى بيوتهم فيها لو أطاعوا الله فيقال لهم تلك مساكنكم لو أطعتم الله تعالى ثم يقسم بين المؤمنين فبذلك يندمون ويتحسرون وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) أصله ما يخرجون فعدل الى الجملة الاسمية للمبالغة في الخلود والاقناط عن الخلاص والرجوع الى الدنيا. يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر ابن صعصعة وبنى مدلج فيما حرموا على أنفسهم من الحرث والانعام والبحيرة

[سورة البقرة (2) : آية 169]

والسّائبة والحام والوصيلة حَلالًا مفعول كلوا او حال من ما في الأرض ومن للتبعيض- والحلال ضد الحرام اى ما لم يمنعه الشرع فان الأصل في الأشياء الحل لقوله تعالى خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً طَيِّباً مستلذا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ اى لا تقتدوا به في اتباع الهوى فتحرموا الحلال وتحلوا الحرام قرا ابو جعفر وابن عامر والكسائي وحفص ويعقوب بضم الطاء والباقون بسكونها وهما لغتان في جمع خطوة وهى ما بين قدمى الخاطي- وخطوات الشيطان اثارها وزلاتها يعنى طرقه «1» فى المعاصي إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) ظاهر العداوة عند اهل البصيرة وان كان يظهر الموالات لمن يغويه ولذلك سماه وليّا في قوله أولياؤهم الطّاغوت- او مظهرها حيث ابى من سجود آدم وأخرجه من الجنة وحلف لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ- وابان يكون لازما ومتعديا- ثم ذكر عداوته. إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ السوء في الأصل اسم لما يسوء صاحبه يقول ساءه يسوءه سواء ومساءة اى أحزنه وسأته فسىء اى حزنته فحزن- والفحشاء مصدر على وزن بأساء وضراء والمراد بهما الإثم والعطف لاختلاف الوصفين فانه سوء لاغتمام العاقل به وفحشاء لاستقباحه إياه وقيل السوء مطلق المعصية والفحشاء الكبيرة او ما فيه حد- والمراد بامره وسوسته وذالا يقتضى سلطانه الا على من اتبعه من الغاوين عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه يفتنون الناس فادناهم منه منزلة أعظم فتنة يجىء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا- ثم يجىء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت- رواه مسلم وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فاما لمة الشيطان فايعاد بالشر وتكذيب بالحق واما لمة الملك فايعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم انه من الله فليحمد الله ومن وجد الاخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرا الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ- رواه الترمذي وفى حديث ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي رد امره الى الوسوسة- رواه ابو داود- وَأَنْ تَقُولُوا في موضع الجر عطفا على السوء عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (169) من تحريم الحرث والانعام-. وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اى لليهود اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قصة مستانفة والضمير عن غير مذكور- اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود الى

_ (1) في الأصل طروقه

[سورة البقرة (2) : آية 171]

الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عن عذاب الله ونقمته «1» فقال رافع بن حريملة ومالك بن عوف بل تتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا اعلم وخيرا منا فانزل الله تعالى- والمراد ب ما أَنْزَلَ اللَّهُ القران او التورية فانها ايضا تأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم- وقيل هى نازلة في مشركى العرب وكفار قريش والضمير راجع الى قوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ- وقيل الضمير راجع الى الناس في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا- وعدل عن الخطاب عنهم إيذانا على ضلالتهم كانه التفت الى العقلاء وقال قال لهم انظروا الى هؤلاء الحمقاء ماذا يجيبون قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ قرا الكسائي بل نتّبع بإدغام اللام فى النون فانه يدغم لام هل وبل في ثمانية أحرف التاء- والثاء- والزاء- والسين- والطاء- والظاء- والضاد- والنون- نحو هل نعلم- وهل ثّوّب- وبل زيّن- وبل سوّلت- بل طبع- بل ظننتم- بل ضلّوا- هل ندلّكم- هل ننبّئكم- وهل نحن وشبهه وادغم حمزة في التاء والثاء والسين فقط واختلف عن خلاد عند الطاء في قوله تعالى بل طبع الله- واظهر هشام عند النون والضاد وعند التاء في الرعد هل تستوى لا غير وادغم ابو عمرو هل ترى من فطور في الملك- فهل ترى لهم فى الحاقة لا غير واظهر الباقون اللام في الثمانية ما أَلْفَيْنا ما وجدنا عَلَيْهِ آباءَنا من اتباع التورية او من التحريم والتحليل أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) الواو فى الأصل واو العطف ويقال في هذا المقام واو التعجب دخلت عليها الف الاستفهام للتوبيخ يعنى أيتبعون آباءهم لو كان اباؤهم يعقلون ولو كان اباؤهم لا يعقلون فحذف صدر الجملة- والجملة حال وكلمة لا يعقلون عام ومعناه الخصوص اى لا يعقلون شيئا من امر الدين لانهم كانوا يعقلون امر الدنيا- فان قيل نزول الاية في اليهود فكيف يتصوران آباءهم لا يعقلون شيئا فانهم كانوا متبعين للتورية- قلت بل لم يكونوا متبعين للتورية ولو كانوا متبعيها لما كفروا بعيسى عليه السلام- او يقال فيه تعريض بانهم لعلهم ألفوا آباءهم على تحريف التورية فحرفوها إذ لو وجدوهم على التورية لوجدوهم طالبين لدين محمد صلى الله عليه وسلم منتظرين له-. وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً النعق والنعيق صوت الراعي بالغنم والاية ان كانت في عبدة الأوثان فلا حاجة في تأويلها ومعناه مثل الذين كفروا فى عبادتهم ودعائهم للاوثان حيث لا يسمعون دعاءهم كمثل الذي ينعق

_ (1) فى الأصل ونعمته-

[سورة البقرة (2) : آية 172]

بما لا يسمع كما في قوله تعالى إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ- والتمثيل من باب التمثيل المركب فلا محذور في قوله تعالى الّا دعاء ونداء- وان كانت الاية في اليهود فالتوجيه ان مثل الذين كفروا من اليهود في جواب دعائك إياهم الى الإسلام بقولهم بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا- كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ من البهائم فانه كما ان الناعق لا يقصد بصوته معنى بل يتكلم بمهل كذلك الكافر لا يقول جوابا مقبولا بل يقول صوتا غير مغن- او الغرض منه تشبيه الكفار بالبهائم فحينئذ لا بد من التأويل فتقديره مثلك ومثل الذين كفروا- او مثل داعى الذين كفروا بحذف المضاف في المشبه- او تقديره ومثل الذين كفروا كمثل المنعوق به فالكلام خارج على الناعق والمراد به المنعوق به وهو فاش في كلام العرب يقلّبون الكلام يقولون فلان يخافك خوف الأسد وقال الله تعالى ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ وانما العصبة تنوء بالمفاتيح- والمعنى ان الكفرة لانهماكهم في التقليد لا يلقون أذهانهم الى ما يتلى عليهم ولا يتاملون فيه كالبهائم التي ينعق عليها فيسمع الصوت ولا يفهم معناه- او المعنى مثل الذين كفروا في اتباع ابائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها كمثل المنعوق به من البهائم التي يسمع الصوت ولا يفهم ما تحته فان آباءهم الذين كانوا قبل نسخ التورية كانوا يتبعون ما انزل الله في التورية ينتظرون محمدا صلى الله عليه وسلم والقران وهؤلاء يدّعون اتباع التورية بعد ما نسخت ويخالفون التورية في انكار القران صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ رفع على الذم اى لا يسمعون سماع تفكر ولا ينطقون بالخير ولا يبصرون الهدى فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) امر الدين للاخلال عن النظر ولما امر الله تعالى الناس بأكل الحلال الطيب والكف عن اتباع الشيطان وطال الكلام فيما يتعلق بالكف وكان لاكل الحلال الطيب غاية وهو الشكر وأراد الله تعالى ذكره أعاد الأمر بالأكل ليتصل به قوله واشكروا ولما كان الشكر مختصا باهل التوحيد والايمان خاطب هنا بخطاب اهل الايمان فقال. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ حلالات مستلذات ما رَزَقْناكُمْ عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله طيب لا يقبل الا الطيب وان الله امر المؤمنين بما امر المرسلين فقال يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً- وقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ- ثم ذكر الرجل يطيل السفر يمديده الى السماء يا رب يا رب اشعث اغبر مطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذّى بالحرام فانى يستجاب لذلك- رواه مسلم وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) يعنى ان صح انكم تخصونه بالعبادة

[سورة البقرة (2) : آية 173]

وتقرون بانه مولى النعم كلها فاشكروه فان عبادتكم لا يتم الا بالشكر عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى انى والانس والجن في نبإ عظيم اخلق ويعبد غيرى وارزق ويشكر غيرى- أخرجه الطبراني في مسندات الشاميين والبيهقي في شعب الايمان والديلمي من حديث ابى الدرداء-. إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ قرا ابو جعفر الميّتة في كل القران بالتشديد والباقون انما شددوا البعض وسنذكرها ان شاء الله تعالى فان قيل كلمة انما الحصر وكم من حرام لم يذكر- قلنا المختار عند الحنفية ما قال نحاة الكوفة ان كلمة انما ليست للقصر بل هى مركبة من انّ للتحقيق وما الكافة وعلى تقدير التسليم فالقصر إضافي بالنسبة الى ما حرمه الكفار من بحيرة وسائبة ووصيلة وحام ونحوها والله اعلم- والميتة حيوان مات من غير ذكوة وقد كان من شانها الذكوة فالسمك والجراد غير داخلتين فيها او هما خصتا منها بالحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل لنا ميتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال- أخرجه ابن ماجة والحاكم من حديث ابن عمرو الحق بها بالسنة ما أبين من الحي اخرج ابو داود- والترمذي وحسنه عن ابى واقد الليثي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميتة- واجمعوا على انه لا يجوز بيع الميته ولا أكل ثمنه ولا الانتفاع بشحمه ولا بجلده قبل الدباغ عن جابر انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله ارايت شحوم الميتة فانه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال لا هو حرام ثم قال عند ذلك قاتل الله اليهود ان الله لمّا حرم شحومها اجملوه ثم باعوه فاكلوا ثمنه- متفق عليه وعن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها- متفق عليه وعن عبد الله ابن عكيم قال أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الا لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب رواه احمد والشافعي واصحاب السنن الاربعة- وفي رواية للشافعى واحمد وابى داود «1» - قبل موته بشهر وفي رواية احمد بشهر او شهرين قال الترمذي حسن صحيح- وعن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينتفع من الميتة بشىء- رواه ابو بكر الشافعي واسناده حسن وعن اسامة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع- رواه ابو داود والنسائي والحاكم وصححه وزاد وان يفترش- وعن معاوية بلفظ نهى عن ركوب النمار- رواه ابو داود والنسائي وعن المقدام بن معديكرب قال نهى رسول الله صلى الله

_ (1) فى الأصل ابو داود

عليه وسلم عن الحرير والذهب ومناثر النمور- رواه احمد والنسائي- وعن ابى هريرة مرفوعا لا تصحب الملائكة رقعة فيها جلد نمر- رواه ابو داود واختلفوا في جلد الميتة بعد الدباغ فقال ابو حنيفة والشافعي رحمهما الله يطهر بالدباغ فيجوز بيعه والانتفاع به وقال مالك واحمد لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به- لنا أحاديث منها حديث ابن عباس قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة فقال الا استمتعتم بجلدها فقالوا يا رسول الله انها ميتة قال انما حرم أكلها او ليس في الماء والقرظ ما يطهر- وفى بعض الروايات- الا استمتعتم بجلدها- وفي بعضها- انما حرم لحمها ورخص لكم في مسكها- قال الدارقطني أسانيده صحاح- وحديثه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اى إهاب دبغ فقد طهر- رواته مسلم وعن ابن عمر مرفوعا مثله رواه الدارقطني بسند حسن- وعن سفيان مثله رواه مسلم وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم طهور كل أديم دباغه- وعنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر ان ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت- وعن سودة ماتت شاة لنا فدبغنا مسكها- رواه البخاري واحتج اصحاب مالك واحمد بما ذكرنا سابقا من الأحاديث انه لا يجوز الانتفاع من الميتة بشىء قالوا هذا اخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ورد في حديث عبد الله بن عكيم أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر او شهرين- قلنا حديث عبد الله بن عكيم مضطرب سنده ومتنه فلا يصادم ما روينا من الصحاح فلا يكون ناسخا على ان الإهاب اسم للجلد قبل الدباغ ونحن نقول بحرمة الانتفاع به- فان قيل ورد في حديث عبد الله بن عكيم عند الطبراني في الأوسط وابن عدى- قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في ارض جهينة انى كنت رخصت لكم في جلود الميتة فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب- قلنا هذا الطريق لا يصح فان فيه فضالة بن مفضل قال ابو حاتم الرازي لم يكن باهل ان يكتب منه اهل العلم- واختلفوا في شعر الميتة وعظمها وعصبها وقرنها وحافرها فقال ابو حنيفة طاهر يجوز بيعه والانتفاع به- وقال الشافعي نجس- واحمد ومالك معنا في الشعر ومعه في العظم والعصب- وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم لا ينتفع من الميتة بشىء- واحتج الشافعي على نجاسة الشعر بحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادفنوا الأظفار والدم والشعر فانه ميتة- والجواب ان الحديث الثاني فيه عبد الله بن عزيز قال ابو حاتم الرازي أحاديثه منكرة وليس محله الصدق عندى- وقال على بن الحسين بن الجنيد

لا يساوى فلسا يحدث بأحاديث كذب- واما الحديث الاول فقد تكلّم عليه ولو سلم عن التكلم فهو معارض بما تقدم من حديث ابن عباس المتفق عليه انما حرم أكلها وطرقه متكثرة- ولنا ايضا حديث ابن عباس بلفظ انما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمها فاما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به- لكن فيه عبد الجبار ضعيف وذكره ابن حبان في الثقات وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الا كلّ شىء من الميتة حلال الا ما أكل منها فاما الجلد والشعر والصوف والسن والعظم فكل هذا حلال وفيه ابو بكر الهذلي متروك قال غندر كذاب وقال يحيى وعلى ليس بشىء- وحديث ثوبان اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج- فيه حميد وسليمان مجهولان- ولنا من الآثار ما ذكره البخاري معلقا قال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون فيها لا يرون به بأسا- قلت أسلاف الزهري هم الصحابة رضى الله عنهم او كبار التابعين وقال حماد بن ابى سليمان لا بأس بريش الميتة- وقال ابن سيرين وابراهيم لا بأس بتجارة العاج- والله اعلم وَالدَّمَ أراد به الجاري منه اجماعا كما في قوله تعالى او دما مسفوحا وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ اجمعوا على ان الخنزير نجس عينه لا يجوز بيع شىء من اجزائه حتى شعره- وانما خص اللحم بالذكر لانه معظم ما يقصد من الحيوان وسائر اجزائه كالتابع له- ويدل على حرمة عينه قوله تعالى فانّه رجس وسنذكر تفسيره في سورة الانعام ان شاء الله تعالى وهل يجوز الانتفاع بشعره قال ابو حنيفة ومالك يجوز الانتفاع به للخزر للضرورة- ومنع منه الشافعي وكرهه احمد- ولو وقع في الماء القليل أفسده وعند محمد لا يفسد لان اطلاق الانتفاع دليل طهارته- ولابى يوسف ان الإطلاق للضرورة ولا يظهر الضرورة الا في حالة الاستعمال وحالة الوقوع بغايرها- كذا في الهداية وقال الفقيه ابو الليث لو لم يوجد الا بالشراء جاز شراؤه- وقال ابن همام قد قيل ايضا أن الضرورة ليست ثابتة في الخرز به بل يمكن ان يقام بغيره وقد كان ابن سيرين لا يلبس خفا خرز بشعر الخنزير قال ابن همام فعلى هذا لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ قال الربيع بن انس يعنى ما ذكر عند ذبحه اسم غير الله والإهلال أصله روية الهلال يقال اهل الهلال ثم لما جرت العادة برفع الصوت بالتكبير عند روية الهلال سهى لرفع الصوت مطلقا الإهلال- وكان الكفار إذا ذبحوا لالهتهم يرفعون أصواتهم بذكرها فجرى ذلك من أمرهم حتى قيل لكل ذابح وان لم يجهر مهلّ- واما متروك

[سورة البقرة (2) : الآيات 174 إلى 175]

لتسمية فسنذكرها في سورة الانعام ان شاء الله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ قرا عاصم وابو عمرو وحمزة بكسر النون هاهنا ومن أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وأَنِ احْكُمْ ولكِنِ انْظُرْ وأَنِ اغْدُوا وشبهه وكسر الدال من لقد استهزىء والتاء من قالَتِ اخْرُجْ والتنوين من فتيلان انظر ومبينان اقتلوا وشبهه إذا كان بعد الساكن الثاني ضمة لازمة وابتدأت همزة الوصل بالضم- ووافقهم ابن عامر في التنوين فقط وكذا قرا عاصم وحمزة بكسر اللام والواو مثل قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ وتابعهما يعقوب الا فى الواو- وقرا الباقون بالضم في كلها بضمة أول الفعل- وقرا ابو جعفر بكسر الطاء اتباعا لكسر النون والمعنى انه من اضطر الى أكل الميتة او نحوه مما ذكر سواء كان الاضطرار لاجل المخمصة او الإكراه او غير ذلك حل له أكلها بالإجماع غَيْرَ باغٍ حال اى أكل غير باغ للذة وشهوة وَلا عادٍ اى متجاوز قدر الحاجة فالحاصل انه لا يجوز للمضطر الاكل منه الا قدر سد الرمق- وفي قول للشافعى يجوز له الشبع- وهو قول مالك واحدى «1» الروايتين عن احمد- والراجح من مذهب الشافعي انه ان توقّع حلالا قريبا لم يجز غير سد الرمق وانّ للمنقطع ان يشبع ويزوّد- وقال بعض اصحاب الشافعي في تأويل الاية غير باغ على الوالي ولا عاد بقطع الطريق او فساد في الأرض- قال البيضاوي وهو ظاهر مذهب الشافعي وقول احمد- وقال البغوي وهو قول ابن عباس رضى الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير وقالوا لا يجوز للعاصى بسفر ان يأكل الميتة إذا اضطر إليها ولا ان يترخص برخص المسافرين حتى يتوب- قلت والظاهر ان البغي والعدوان راجعان الى الاكل- وقال مقاتل بن حبان غير باغ اى مستحل لها ولا عاد اى مقصر في طلب ما أبيح له- فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ فى أكلها إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لما أكل في حالة الاضطرار رَحِيمٌ (173) حيث رخص العباد في ذلك- وهذا يدل على ان المضطر ان لم يأكل الميتة ونحوها حتى مات فلا اثم عليه ايضا فان الاكل عند الاضطرار مباح رخصة من الله تعالى وليس بواجب وهو أصح قول الشافعي- وقال ابو حنيفة بل يأثم ويجب عليه حينئذ أكله لقوله تعالى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ- حيث استثنى ما اضطررتم اليه من المحرم فبقى على الأصل مباحا والمباح واجب أكله عند خوف الهلاك وانما سمى ذلك رخصة مجازا. إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ يعنى آيات التورية في شأن محمد صلى الله عليه وسلم- نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والمأكل-

_ (1) فى الأصل أحد-

[سورة البقرة (2) : آية 176]

وكانوا يرجون ان يكون النبي المبعوث منهم- فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم فعمدوا الى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فغيروها ثم أخرجوها إليهم- فلما نظرت السفلة الى النعت المغير وجدوه مخالفا لصفة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يتبعوه ذكره البغوي وكذا اخرج الثعلبي عن ابى صالح عن ابن عباس- واخرج ابن جريح عن ابن عباس- ان هذه الاية والتي في ال عمران نزلتا جميعا في اليهود وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا يعنى اعراض الدنيا فانها وان جلت فهى قليلة بالنسبة الى ثواب الاخرة أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ سمّى الرشوة والحرام نارا لانه يودى إليها- او لانه صير نارا في الاخرة- او المعنى ما يأكلون في الاخرة الا النار- ومعنى في بطونهم ملاء بطونهم وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ بالرحمة وبما يسرهم او هى كناية عن غضبه عليهم نعوذ بالله منه وَلا يُزَكِّيهِمْ اى لا يثنى عليهم او لا يطهرهم من دنس الذنوب بخلاف عصاة المؤمنين فانهم ان عذبوا بالنار كان ذلك تطهيرا لذنوبهم وإعدادا لهم لدخول الجنة وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فى الدنيا. وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فى الاخرة بكتمان الحق لاغراض دنيّة دنيوية فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) يعنى ما أشد صبرهم عليها تعجيب للمؤمنين على اختيارهم موجبات النار مع علمهم بتحقيق المصير إليها كانهم صبروا عليها والا فاىّ صبر. ذلِكَ العذاب ومحله الرفع وقيل محله النصب يعنى فعلنا ذلك بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ يعنى التورية او جنس الكتاب التورية والقران وغيرهما بِالْحَقِّ فاختلفوا- وقيل معناه ذلك الاجتراء من اليهود على الله وصبرهم على النار من أجل ان الله تعالى نزل الكتاب بالحق وهو قوله تعالى سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ اللام للجنس واختلافهم ايمانهم ببعض الكتاب وكفرهم بالبعض- او للعهد والاشارة اما الى التورية واختلافهم فيه اتباعهم بعض أحكامه وتركهم بعضه وهو اتباع محمد صلى الله عليه وسلم- واما الى القران واختلافهم فيه قولهم انه سحر او كلام يقوله بشرا وأساطير الأولين لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (172) عن الحق-. لَيْسَ الْبِرَّ قرا حفص وحمزة بالنصب على انه خبر ليس واسمها ما بعده والباقون بالرفع بعكس التركيب- والبر كل فعل مرضى لله تعالى أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة قال كانت اليهود يصلى قبل المغرب يعنى الى بيت المقدس والنصارى

قبل المشرق فانزل الله تعالى هذه الاية يعنى ليس البر ما عليه اليهود والنصارى فان قبلتهم منسوخة ودينهم كفر- وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن ابى العالية- قال البغوي هذا قول قتادة ومقاتل بن جبان وقيل المراد به المسلمون وذلك ان الرجل كان في ابتداء الإسلام قبل نزول الفرائض إذا اتى بالشهادتين وصلى الصلاة الى اىّ جهة كانت ثم مات على ذلك وجبت له الجنة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت الفرائض وحدّت الحدود وصرّفت القبلة الى الكعبة انزل الله تعالى هذه الاية يعنى ليس البر كله مقتصرا في ان تصلوا قبل المشرق والمغرب ولا تعملوا غير ذلك ولكن البر ما ذكر في هذه الاية قال البغوي هذا قول ابن عباس ومجاهد والضحاك- قلت واخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة نحوه- قلت ذكره تعالى بتولية الوجوه وعدم تسميته بالصلوة قرينة على ان المخاطبين «1» بها اليهود والنصارى دون المؤمنين وقد قال الله تعالى للمؤمنين انّ الله «2» لا يضيع ايمانكم يعنى صلاتكم وَلكِنَّ الْبِرَّ قرا نافع وابن عامر لكن مخففة والبر بالرفع في الموضعين والباقون بالتشديد والنصب فيهما مَنْ آمَنَ لا بد للحمل ان يعتبر المصدر بمعنى الفاعل مبالغة او يقدر المضاف في الاسم او الخبر يعنى لكن البار او ذا البر من أمن او لكن البرّ برّ من أمن وهذا أوفق بالسياق بِاللَّهِ المتوحد بجلال ذاته وكمال صفاته المنزه عن وسمة الحدوث والمناقص بحيث لا يتصور ثناؤه الا بما اثنى به نفسه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعنى يوم القيامة فانه اخر الأيام والمراد به من وقت النشور الى الابد المشتمل على البعث والحساب والميزان والصراط والجنة وما فيها والنار وما فيها والشفاعة والمغفرة وخلود الثواب والعذاب وكل ما ثبت بالكتاب والسنة وَالْمَلائِكَةِ بانهم خلقوا من نور أجسام ذوو أرواح أولوا اجنحة مثنى وثلث ورباع- وراى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل وله ستمائة جناح- لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون قوتهم التسبيح والتهليل لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ يموتون ثم يبعثون ومنهم رسل يأتون بالوحى على الأنبياء عليهم الصلوات والتسليمات وجزاء أعمالهم رضوان الله تعالى منهم ومراتب قربهم عند الله تعالى حيث قال عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ فهم غير محتاجين في جزاء أعمالهم الى دخول الجنة بل خزنة النار وملائكة العذاب ايضا يوفون أجورهم وهم لا يظلمون- فلا يذهب عليك ان عوام المؤمنين أفضل من الملائكة أجمعين حيث يدخلون الجنة لاجل الجزاء دون الملائكة نعم خواص البشر يعنى الأنبياء والرسل منهم أفضل من جميع الملائكة لاجل التجليات الذاتية المختصة بالبشر لاختصاصها بالتراب- وكما ان جزاء اعمال الملائكة غير متوقفة بدخول

_ (1) فى الأصل ان المخاطبون (2) وفي القران وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ

الجنة كذلك بعض الأصفياء من البشر يحصل لهم في الدنيا بعض ما يحصل لهم في الجنة قال الله تعالى فى حق خليله عليه السلام آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ وَالْكِتابِ والمراد به الجنس او المراد به القران فان الايمان به مستلزم لجميع الكتب المنزلة- والقران وغيره من الكتب والصحف كلام الله غير مخلوق- والحق انه النظم والمعنى جميعا- وتعاقبه وترتبه على السنة البشر وأسماعهم المقتضى للحدوث لا يستلزم كونه كذلك قائما به سبحانه وتعالى- وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى - وَالنَّبِيِّينَ- أجمعين لا نفرق بين أحد من رسله أولهم آدم عليه السلام وخاتمهم وأفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين ولا يجوز تعيين العدد في الايمان بالنبيين لان الله سبحانه قال مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ والعدد انما ورد في بعض أحاديث الآحاد وذا لا يفيد القطع ومبنى الايمان على القواطع- كلهم معصومون من الصغائر والكبائر يصدق بعضهم بعضا لا خلاف بينهم في الايمانيات انما الخلاف في فروع الأعمال بناء على نسخ الاحكام ومن هاهنا يظهر بطلان قول الروافض حيث يجعلون الايمان بالائمة داخلا في الايمان إذ لو كان كذلك لذكر الله تعالى ذلك كما ذكر الايمان بالأنبياء والملائكة والله اعلم وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ الجار والمجرور في موضع الحال والضمير راجع الى الله سبحانه فان كل ما اعطى لوجه الله فثوابه على الله وما كان لغير الله فالله سبحانه منه برىء عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أول الناس يقضى عليه يوم القيامة ثلثة نفر ثالثهم رجل وسع الله وأعطاه من اصناف المال كله فاتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما علمت فيها قال ما تركت من سبيل تحب ان ينفق فيه في سبيل الله الا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم امر به فسحب على وجهه حتى القى في النار- رواه مسلم- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم- رواه مسلم- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه- وفي رواية فانا منه برىء هو الذي عمله- رواه مسلم- او الضمير راجع الى المال اى اعطى المال في حال صحته ومحبته المال كذا قال ابن مسعود- وعن ابى هريرة قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اى الصدقة أعظم اجرا قال ان تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر

وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان- متفق عليه ويؤيد إرجاع الضمير الى المال قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ- ويحتمل ان يكون حينئذ معناه اعطى المال حال كون ذلك المال أحب الأموال اليه فهو نظير قوله تعالى أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ- «1» وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ الاية- او الضمير راجع الى المصدر يعنى تعطى المال على حب الإعطاء بسخاوة القلب وشرح الصدر ذَوِي الْقُرْبى القربى مصدر بمعنى القرابة قدمهم لان إيتاءهم اولى وأحق ويدخل في ذوى القربى ذوى القربى النسبي والسببى من الزوج والزوجة والمملوك- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقته على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها اجرا الذي أنفقته على أهلك- رواه مسلم وعن زينب امراة ابن مسعود قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدّقن يا معشر النساء ولو من حليكم فقالت هى وامراة اخرى اتجزى الصدقة عنهما على ازواجهما وعلى أيتام في حجورهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما أجران اجر القرابة واجر الصدقة متفق عليه وعن سلمان بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على المسكين صدقة وهى على ذى الرحم ثنتان صدقة وصلة- رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وَالْيَتامى إذا فقد الصبى أباه قبل البلوغ فهو يتيم - قال البيضاوي في ذوى القربى واليتامى يريد المحاويج منهم ولم يقيد لعدم الالتباس- قلت هذا التقييد غير ظاهر فان الكلام في إيتاء المال تطوعا او ما هو أعم من الفريضة والتطوع واما الزكوة المفروضة فسيرد ذكره بعد ذلك والإيتاء تطوعا لا يتقيد بالمحاويج فان صلة الرحم وتفريح اليتيم قد يكون مع كون المعطى له غنيا بل لا يتوقف الصلة على اسلام المعطى له قال الله تعالى وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً- عن اسماء بنت ابى بكر قالت قدمت على أمي وهى مشركة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صليها- متفق عليه- وعن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان ال ابى فلان ليسوا لى باولياء انما وليي الله وصالحوا المؤمنين ولكن لهم رحم ابلها ببلالها- متفق عليه وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الواصل بالمكافئ لكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها- رواه البخاري- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا وكافل اليتيم في الجنة هكذا- وفي رواية-

_ (1) وفي القران ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا إلخ

كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى- رواه البخاري واحمد وابو داود والترمذي وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ قال مجاهد هو المسافر المنقطع عن اهله يمر عليك- وقيل هو الضيف عن ابى شريح قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه- متفق عليه وَالسَّائِلِينَ عن أم عبيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ردوا السائل ولو بظلف محرق- وفي رواية ان لم تجدى الّا ظلفا محرقا فادفعيه اليه- رواه احمد وابو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح- وعن الحسين بن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل حق وان جاء على فرسه رواه احمد- واخرج ابو داود من حديث على واسناده جيد- وابن راهويه في مسنده من حديث فاطمة الزهراء عليها السلام والطبراني من حديث الهرماس بن زياد- واخرج احمد في الزهد عن سالم بن ابى الجعد قال قال عيسى بن مريم عليه السلام ان للسائل حقا وان أتاك على فرس مطوق بالف ضة- قلت وهذا الحديث يدل على ان إعطاء السائل لا يتوقف على كونه محتاجا فان السؤال وان كان حراما على غير المحتاج لكن على المسئول منه حق ان يعطيه وَفِي الرِّقابِ يعنى المكاتبين فهو نظير قوله تعالى وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ- وقيل عتق النسمة فهو نظير قوله تعالى فَكُّ رَقَبَةٍ- وقيل فداء الأسارى قال الله تعالى وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً- وَأَقامَ الصَّلاةَ المفروضة والنافلة يعنى ادّاها بحقوقها ورعاية سننها وآدابها- وَآتَى الزَّكاةَ المفروضة وفيما سبق كان ذكر الصدقات النوافل او ما هو أعم من الفريضة والنافلة فذكر الفريضة بعدها لمزيد الاهتمام- وقيل المقصود منه ومما سبق واحد وهى الزكوة المفروضة لكن الغرض مما سبق بيان مصارفها وبالثاني أداؤها والحث عليها- قلت والاول اولى لان الكلام في بيان البر وهو من الافعال ما هو مرضى لله تعالى فريضة كانت او نافلة ويؤيده حديث فاطمة بنت قيس قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان في المال لحقا سوى الزكوة ثم تلا لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الاية- رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي والمراد بالحق أعم من ان يكون واجبا او منه وبا بالإجماع «1» لحديث طلحة بن عبيد الله قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل عن الإسلام فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات وصيام شهر رمضان والزكوة- فقال هل عليّ غيرها قال لا الا ان تطوع- متفق عليه-

_ (1) فى الأصل اجماع-

[سورة البقرة (2) : آية 178]

وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا فيما بينهم وبين الله تعالى يوم الميثاق وفي الحيوة الدنيا إذا حلفوا او نذروا أوفوا- وفيما بينهم وبين الناس إذا وعدوا انجزوا وإذا قالوا صدقوا وإذا اؤتمنوا أدوا وإذا استشهدوا على الحق شهدوا عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اية المنافق ثلث إذا حدث كذب وإذا وعد خلف وإذا اؤتمن خان- متفق عليه- زاد مسلم وان صام وصلى وزعم انه مسلم- وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر- متفق عليه معطوف على من أمن وَالصَّابِرِينَ ايضا معطوف على من أمن ونصبها على تطاول الكلام ومن شأن العرب تغيير الاعراب إذا طال الكلام كذا قال ابو عبيدة- ومثله في المائدة والصّابئون وفي سورة النساء والمقيمين الصّلوة- وقال الخليل منصوب على المدح ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال لان أفضل الأعمال أدوم وذلك بالصبر وتقديره اخصّ الصابرين بمزيد البرا وامدح الصابرين بمزيد البر- فحينئذ من عطف الجملة على الجملة- وقيل منصوب عطفا على ذوى القربى يعنى واتى الصابرين- نظيره قوله تعالى لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ فِي الْبَأْساءِ اى الشدة والفقر وَالضَّرَّاءِ المرض والزمانة وَحِينَ الْبَأْسِ اى القتال والحرب أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا فى الايمان والبر وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) عن الكفر وسائر الرذائل والاية جامعة للكمالات الانسانية صريحا او ضمنا دالة على صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس وهذا منصب الأبرار واما الصديقون المقربون فمزيد فضلهم مبنى على الفضل والاجتباء ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى القصاص المساوات والمماثلة- قال البغوي قال الشعبي والكلبي وقتادة نزلت هذه الاية في حيين من احياء العرب اقتتلوا فى الجاهلية قبل الإسلام بقليل فكانت بينهما قتلى وجراحات لم يأخذها بعضهم من بعض حتى جاء الإسلام قال مقاتل بن حبان كانت بين القريظة والنضير- وقال سعيد بن جبير كانت بين الأوس والخزرج- قالوا جميعا- وكان لاحد الحيين على الاخر طول في الكثرة والشرف وكانوا ينكحون نساءهم بغير مهود

فاقسموا لنقتلن بالعبد «1» منا الحرّ وبالمرأة منا الرجل منهم وبالرجل منا الرجلين منهم وجعلوا جراحاتهم ضعفى جراحات أولئك فرفعوا أمرهم الى النبي صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى هذه الاية وامر بالمساوات فرضوا وسلموا- كذا اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير- قلت ورضاؤهم وتسليمهم وخطاب الله تعالى إياهم بقوله يا ايها الذين أمنوا دليل على ان المخاطبين به هم الأوس والخزرج الذين صاروا أنصار الله دون قريظة والنضير فانهم كانوا اعداء الله كفارا- وفي قوله تعالى كتب عليكم القصاص حجة لابى حنيفة رحمه الله على قوله ان الواجب في القتل العمد القصاص فقط دون الدية وانه لا يجوز أخذ المال الا برضاء القاتل- ويؤيده قوله عليه السلام في العمد القود- رواه الشافعي وابو داود والنسائي وابن ماجة من حديث ابن عباس في حديث طويل واختلف في وصله وإرساله وصحح الدارقطني الإرسال والمرسل عندنا حجة ورواه الدارقطني من طريق عبد الله بن ابى بكر بن محمد بن حزم عن أبيه عن جده مرفوعا العمد قود والخطاء دية- وفي اسناده ضعف ولكل واحد من مالك والشافعي واحمد في المسألة قولان أحدهما ان الواجب هو القود لكن يجوز لورثة المقتول ان يعفو عن القود الى الدية من غير رضاء الجاني- وثانيهما ان الواجب أحدهما لا بعينه اما القصاص واما الدية- والفرق بين القولين يظهر إذا عفى مطلقا من غير ذكر الدية فعلى القول الاول يسقط القصاص بلادية وعلى القول الثاني يثبت الدية- واحتجوا على جواز أخذ المال من غير رضاء الجاني بأحاديث- منها حديث ابى شريح الكعبي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة بعد مقامى هذا فاهله بين خيرتين ان أحبوا قتلوا وان أحبوا أخذوا العقل- رواه الترمذي والشافعي وروى ابن الجوزي والدارمي عن ابى شريح الخزاعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أصيب بدم او خبل والخبل الجرح فهو بالخيار بين احدى ثلاث فان أراد الرابعة فخذوا على يديه بين ان يقتص او يعفوا ويأخذ العقل فان أخذ من ذلك شيئا ثم عدا بعد ذلك فله النار خالدا فيها مخلدا ابدا- ومنها حديث ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما ان يفدى واما ان يقتل- متفق عليه- ومنها حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل متعمدا دفع الى اولياء المقتول فان شاء واقتلوه وان شاءوا أخذوا العقل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة في بطونها أولادها- رواه احمد والترمذي وابن ماجة- قال اصحاب ابى «2» حنيفة رحمه الله في الجواب عن هذه الأحاديث ان المراد ان اولياء المقتول

_ (1) فى الأصل العبد منا الحر والمرأة- (2) فى الأصل ابو حنيفة

بالخيار في القود والصلح والصلح لا يكون الا برضاء القاتل والظاهر ان القاتل يرضاه لحقن دمه فترك النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رضاء القاتل بناء على الظاهر والله اعلم الْحُرُّ يقتل بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى وهذا لا يدل على ان الحر لا يقتل بالعبد- والعبد لا يقتل بالحر- والأنثى لا يقتل بالذكر- او الذكر لا يقتل بالأنثى- فان ذلك الاحكام مسكوت عنها في هذه الاية ولا عبرة بالمفهوم عند ابى حنيفة رحمه الله مطلقا- وكذا فى هذه الاية عند القائلين بالمفهوم إذا المفهوم عندهم انما يعتبر حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم- وكان الغرض هاهنا دفع استطالة أحد الحيين على الاخر فالمفهوم المعتبر من هذه الاية على ما يقتضيه القصة ان الحر إذا تفرد بقتل الحر يقتل القاتل وحده ولا يقتل معه غيره لاجل شرف المقتول وكذا العبد إذا قتل العبد يقتل ذلك العبد القاتل بالعبد المقتول ولا يقتل حر مكان ذلك لاجل شرف المقتول وكذا الأنثى إذا قتل الأنثى قتلت القاتلة لا رجل مكان امراة والله اعلم- بقي المبحث عن الاحكام المسكوت عنها في تلك الاية- فقال ابو حنيفة رحمه الله يقتل النفس حرا كانت او رقيقا- ذكرا كانت او أنثى- مسلما كان او ذميّا بالنفس كيف ما كانت لعموم قوله تعالى وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ- والاحكام الالهية في الكتب المنزلة السّابقة إذا ثبتت عندنا حكايتها بالقران او السنة ولا عبرة بقول الكفار من اليهود والنصارى فهى باقية واجبة اتباعها إذ الحاكم واحد والشرع واحد قال الله تعالى فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وقال الله تعالى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى - ولا يختلف الاحكام الا لاجل النسخ سواء كان في كتاب واحد او كتب وما لم يظهر النسخ يبقى الحكم- ويدل ايضا على بقاء هذا الحكم حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله الا بإحدى ثلاث النفس بالنفس- والثيب الزاني- والمارق لدينه التارك للجماعة- متفق عليه- وحديث ابى امامة ان عثمان اشرف يوم الدار فقال أنشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث زنى بعد إحصان او كفر بعد اسلام او قتل نفسا «1» بغير حق- الحديث رواه الشافعي واحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وفي الباب عن عائشة رواه مسلم وابو داود وغيرهما- لكن قال ابو حنيفة لا يقتل رجل يقتل عبده ولا مدبره ولا مكاتبه وبعبد ملك

_ (1) فى الأصل نفس-

بعضه ولا بعبد ولده لانه لا يستوجب لنفسه على نفسه القصاص ولا ولده عليه- وبه قال الجمهور خلافا لداود محتجا بما روى الترمذي وابو داود وابن ماجة والدارمي عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه- قال الجمهور هذا الحديث محمول على السياسة والحديث مرسل لم يسمع الحسن عن سمرة وقد روى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا قتل عبده متعمدا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة جلدة ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقد به وامره ان يعتق رقبة- لكن فيه اسمعيل بن عياش ضعيف والله اعلم- واما غير ابى حنيفة رحمه الله فاتفقوا على ان العبد يقتل بالحر والأنثى بالذكر والكافر بالمسلم لان في كل ذلك تفاوت الى نقصان والناقص يجوز ان يستوفى بالكامل دون عكسه- واتفقوا ايضا على ان الذكر يقتل بالأنثى لما روى عن عمرو بن حزم ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه الى اهل اليمن ان الذكر يقتل بالأنثى هذا طرف من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم- وهو مشهور رواه مالك والشافعي- واختلف اهل الحديث فى صحة هذا الحديث- قال ابن حزم- صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا يقوم بها حجة وسليمان بن داود «1» راويه متفق على تركه- وقال ابو داود سليمان بن داود وهم انما هو سليمان بن أرقم- وصححه الحاكم وابن حبان والبيهقي- ونقل عن احمد انه قال ارجوا ان يكون صحيحا- وقد اثنى على سليمان بن داود ابو زرعة وابو حاتم وجماعة من الحفاظ- وصحح الحديث جماعة من الائمة لا من حيث الاسناد بل من حيث الشهرة فقال الشافعي في رسالته- لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم انه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال ابن عبد البر هذا كتاب مشهور عند اهل السير معروف ما فيه عند اهل العلم- بقي الاختلاف في انه هل يقتل الحر بالعبد عبد غيره فقال مالك والشافعي واحمد لا يقتل وقال ابو حنيفة يقتل- احتجوا بحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقتل حر بعبد رواه الدارقطني والبيهقي- وحديث على قال من السنة ان لا يقتل حر بعبد- رواه ايضا الدارقطني والبيهقي- والجواب ان حديث ابن عباس فيه جويبر وعثمان البزي ضعيفان متروكان كذا قال ابن الجوزي والحافظ ابن حجر وحديث على فيه جابر الجعفي كذاب- وفي انه هل يقتل المسلم بالكافر الذمي- فقال الشافعي واحمد لا يقتل احتجا بحديث ابى جحيفة عن على قال سالت عليا هل عندكم شىء ليس في القران قال والذي فلق الحبة وبرىء النسمة ما عندنا الا ما في القران الا فهما

_ (1) فى الأصل هاهنا سليمان بن ابى داود

يعطى الرجل في كتابه وما في هذه الصحيفة قلت وما في الصحيفة- قال العقل وفكاك الأسير وان لا يقتل مسلم بكافر- رواه البخاري ورواه احمد بلفظ لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده- وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى- لا يقتل مسلم بكافر رواه احمد واصحاب السنن الا النسائي ورواه ابن ماجة من حديث ابن عباس ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر- وروى الشافعي عن عطاء وطاءوس والحسن ومجاهد مرسلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح لا يقتل مؤمن بكافر ورواه البيهقي من حديث عمران بن حصين- وحديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل قتل مسلم الا في احدى ثلاث خصال زان محصن فيرجم ورجل يقتل مسلما متعمدا ورجل يخرج من الإسلام فيحارب الله ورسوله فيقتل او يصلب او ينفى من الأرض- رواه ابو داود والنسائي وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه ان مسلما قتل رجلا من اهل الذمة فرفع الى عثمان فلم يقتله به وغلظ عليه الدية- قال الحافظ قال ابن حزم هذا في غاية الصحة ولا يصح عن أحد من الصحابة فيه بشىء غير هذا الا ما رويناه عن عمر انه كتب في مثل ذلك ان يقاد به ثم الحقه كتابا فقال لا تقتلوه ولكن اعتقلوه- والجواب ان المراد بالكافر في قوله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم بكافر الحربي دون الذمي ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ولا ذو عهد في عهده- يعنى لا يقتل الذمي في عهده بكافر ولا شك ان الذمي يقتل بالذمي اجماعا فالمراد بالكافر هو الحربي لا غير وفتوى عثمان وعمر رضى الله عنهما كان بالرأى ولذا اختلف الجواب عن عمر رضى الله عنه- واما قيد الإسلام في حديث عائشة فقد وقع اتفاقا- واحتج صاحب الهداية على وجوب قتل المسلم بالذمي بما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلما بذمي- قلت وهذا الحديث رواه الدارقطني عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مسلما بمعاهد وقال انا أكرم من اوفى بذمته- قال الدارقطني لم يسنده غير ابراهيم بن يحيى وهو متروك الحديث- قال ابن الجوزي ابراهيم بن يحيى كذاب والصواب عن ابن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وابن سليمان ضعيف لا يقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف بما يرسله- قلت والاولى بالاحتجاج ما ذكرنا سابقا النفس بالنفس- وحديث ابن مسعود وعثمان وعائشة واختلفوا في انه هل يقتل الوالد بولده قال مالك إذا اضتجعه فذبحه قتل به وقال داود لا يقتل به «1»

_ (1) فى الأصل والنقول ولا يظهر منه الفرق بين مذهب داود ومذهب ابى حنيفة ومن معه فعل مذهب داود يقتل بكل حال

بكل حال- وقال ابو حنيفة والشافعي واحمد لا يقتل- لنا حديث عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقاد الوالد بالولد رواه الترمذي وفي اسناده الحجاج بن ارطاة- وله طريق اخر عنه احمد واخر عند الدارقطني والبيهقي أصح منهما وصحح البيهقي سنده- ورواه الترمذي ايضا من حديث سراقة واسناده ضعيف وفيه اضطراب واختلاف على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فقيل عن عمرو قيل عن سراقة وعند احمد عن عمرو بن شعيب بلا واسطة وفيه ابن لهيعة ضعيف- ورواه الترمذي وابن ماجة من حديث ابن عباس وفيه إسماعيل بن مسلم المكي ضعيف لكن تابعه الحسن بن عبد الله العنبري عن عمرو بن دينار قاله البيهقي وقال عبد الحق هذه الأحاديث كلها معلولة لا يصح منها شىء وقال الشافعي- حفظت عن عدد من اهل العلم ان لا يقتل الوالد بالولد وبذلك أقول والله اعلم- واتفق أكثرهم على انه إذا قتل الجماعة واحدا قتلوا- وقال داود وهو رواية عن احمد لا يقتلون ويجب الدية- روى عن سعيد بن المسيب ان إنسانا قتل بصنعاء وان عمر قتل به سبعة نفر وقال لو قالا عليه اهل صنعاء لقتلتهم به- رواه مالك في المؤطا والشافعي عنه ورواه البخاري من وجه اخر نحوه ... واختلفوا في واحد قتل جماعة فقال ابو حنيفة ومالك- ليس عليه الا القود لجماعتهم ولا يجب عليه شىء اخر- وقال الشافعي ان قتل واحدا بعد واحد قتل بالأول وللباقين الديات وان قتلهم في حالة واحدة اقرع بين اولياء المقتولين فمن خرجت قرعته قتل له وللباقين الديات- وقال احمد ان حضر الأولياء وطلبوا القصاص قتل بجماعتهم ولا دية عليه وان طلب بعضهم القصاص وبعضهم الدية قتل لمن طلب القصاص ووجب الدية لمن طلبها وان طلبوا كلهم الدية كان لكل واحد منهم دية كاملة- واتفقوا على انه لا قصاص في الخطاء انما القصاص في العمد- واختلفوا في تفسير العمد فقال ابو حنيفة رحمه الله- هو ما تعمد ضربه بسلاح او ما جرى مجرى السلاح كالمحدد من الخشب والمروة ونحو ذلك والنار- وقال الشعبي والنخعي والحسن البصري- لا عمد الا بحديد فحسب ولا قود في غيره واما ما تعمد ضربه بما ليس بسلاح ولا ما اجرى مجرى السلاح فهو شبه العمد لا قود فيه وفيه الدية- وقال ابو يوسف ومحمد والشافعي واحمد إذا ضربه بحجر عظيم او بخشبة عظيمة يقتل به غالبا فهو عمد وفيه القود وكذا ان أغرقه في الماء او خنقه او منعه من الطعام والشراب أياما يموت فيه غالبا فمات- وقال مالك ان تعمد ضربه بعصا او سوط او حجر صغير لا يقتل به غالبا فمات به فهو ايضا عمد وفيه القود

وقال الجمهور هو خطاء العمد لا قود فيه وفيه الدية- غير ان الشافعي قال ان تكرر الضرب حتى مات فعليه القود- والحجة للجمهور في وجوب القصاص بالقتل بالمثقل ما في الصحيحين عن انس بن مالك ان يهوديا رضخ رأس امراة بين حجرين فقتلها فرضخ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بين حجرين- وما روى احمد عن ابن عباس عن عمر انه نشد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين فجاء ابن مالك فقال كنت بين امرأتين فضربت أحدهما الاخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وان تقتل بها- والحجة لهم في عدم القود في قتيل السوط والعصا حديث عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان قتيل الخطا شبه العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة ابل منها أربعون فى بطونها أولادها- رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وعن ابى هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الاخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان دية جنينها غرة عبدا ووليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها- متفق عليه- وعن المغيرة بن شعبة نحوه رواه مسلم- وعن ابن عباس من قتل في عميا في رمى يكون بينهم بالحجارة او جلد بالسياط او ضرب بعصا فهو خطا وعقله عقل الخطأ ومن قتل عمدا فهو قود- رواه ابو داود والنسائي- واما حجة ابى حنيفة على عدم القود بالمثقل فحديث على مرفوعا لا قود في النفس وغيرها الا بحديدة- رواه الدارقطني وفي سنده معلى بن هلال قال يحيى ابن معين كان يضع الحديث- وقال الجمهور ان صح فهو محمول على انه لا قود الّا بالسيف وقد ورد حديث لا قود الا بالسيف- وفي رواية الا بالسلاح من حديث ابى هريرة وابن مسعود وراويهما ابو معاذ سليمان بن أرقم متروك- وروى مثله من حديث ابى بكرة والنعمان بن بشير وراويهما مبارك ابن فضالة كان احمد لا يعبأ به وفي الباب حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم كل شىء خطأ الا السيف وفي كل خطأ أرش- وفي رواية كل شىء خطأ إلا بحديدة وفي رواتهما جابر الجعفي كذاب- واختلفوا في انه هل يجوز القصاص بمثل ما قتله القاتل فقال ابو حنيفة واحمد لا قود الا بالسيف وقد مر سنده وما فيه من البحث- وقال الشافعي ومالك واحمد في قوله الثاني يقتل بمثل ما قتله- لقوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ- والقصاص هو المساوات ولما مر من حديث انس في الصحيحين ان يهوديا رضخ رأس امراة بين حجرين فقتلها فرضخ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بين حجرين- ولما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من غرق غرقناه ومن حرق حرقناه رواه البيهقي في المعرفة من حديث عمرو بن نوفل بن

يزيد بن البراء عن أبيه عن جده وفي اسناده بعض من يجهل- فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ قال صاحب القاموس العفو الصفح وترك عقوبة المستحق عفى عنه ذنبه وعفى له ذنبه ومن هذه العبارة يستفادان العفو يتعدى الى الذنب بنفسه والى الجاني بعن واللام وعلى هذا من مبتدأ اما شرطية او موصولة والمراد به القاتل- ومن في مِنْ أَخِيهِ اما للابتداء والظرف لغو والمراد بالأخ ولى المقتول- واما للتبعيض يعنى من دم أخيه بحذف المضاف والمراد بالأخ المقتول والظرف مستقر وقع حالا مقدما- وشىء مفعول به للعفو أسند اليه الفعل والمراد به الجناية- والمعنى من عفى له من القاتلين شىء من الجناية كائنة من دم أخيه- او عفى له من ولى المقتول شىء من الجناية فاتباع بالمعروف- وقال البيضاوي عفا لازم وما قيل انه بمعنى ترك وشىء مفعول به ضعيف إذ لم يثبت عفا الشيء بمعنى تركه بل اعفى عنه ويتعدى بعن الى الجاني والى الذنب قال الله تعالى عَفَا اللَّهُ عَنْكَ- وعفا عنها فاذا عدى به الى الذنب عدى الى الجاني باللام وعليه ما في الاية كانه قيل من عفى له عن جنايته من جهة أخيه يعنى ولى الدم شىء من العفو فهو مسند الى المصدر وحينئذ من في من أخيه للابتداء- وعلى هذين التركيبين تنكير شىء ليدل على ان المتروك بعض الجناية- او الموجود بعض العفو لا كله ولذا صح اسناد الفعل الى المصدر لانه مفعول مطلق للنوع والمراد عفو قليل نحو إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا- فلا يدل الاية على ان بعد عفو كل الجناية من جميع الأولياء يجب الدية- فليس فيه حجة الشافعي رحمة الله ومن معه- وقال الأزهري العفو في الأصل الفضل ومنه يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ- يقال عفوت لفلان بمالى إذا أفضلت له وأعطيت وعفوت له عن مالى عليه- وحينئذ المراد بالأخ ولى المقتول والمعنى من عفى له يعنى من اعطى له من اولياء المقتول من أخيه يعنى من مال أخيه يعني القاتل شىء صلحا- وانما ذكر القاتل او المقتول او ولى المقتول بلفظ الاخوة الثابتة بالجنسية او الإسلام ليرق له ويعطف عليه- وفيه دليل على ان القاتل لا يصير كافرا بالقتل حيث ذكر الاخوة الاسلامية بين القاتل والمقتول وايضا خاطب بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَاتِّباعٌ اى فليكن من ولى المقتول- او فالامر لولى المقتول اتباع بِالْمَعْرُوفِ فلا يعنف وَعلى القاتل أَداءٌ إِلَيْهِ يعنى الى ولى المقتول بِإِحْسانٍ بلا مطل وبخس ذلِكَ اى الحكم المذكور من جواز الصلح او وجوب الدية لبعض الورثة بعد عفو البعض تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ اخرج ابن جرير عن قتادة ان رحم الله هذه

[سورة البقرة (2) : آية 179]

الامة وأطعمهم الدية وأحل لهم ولم يحل لاحد قبلهم- وكان على اهل التورية انما هو القصاص او العفو ليس بينهم أرش- وكان على اهل الإنجيل انما هو العفو أمروا به وجعل الله لهذه الامة القتل والعفو والدية فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ يعنى قتل بعد العفو او بعد أخذ الدية فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (170) فى الاخرة لما مر من حديث ابى شريح الخزاعي فان أخذ من ذلك شيئا ثم عدا بعد ذلك فله النار خالدا فيها مخلدا ابدا- وقال ابن جريح يتحتم قتله في الدنيا حتى لا يقبل العفو لما روى سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أعافي أحدا قتل بعد اخذه الدية- رواه ابو داود. وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ عرّف القصاص ونكّر الحيوة ليدل على ان في هذا الجنس من الحكم نوعا عظيما من الحيوة- وذلك لان العلم به يردع القاتل عن القتل فيكون سببا لحيوة نفسين ولانهم كانوا يقتلون غير القاتل والجماعة بالواحد فتثور الفتنة فاذا اقتص من القاتل سلم الباقون ويصير ذلك سببا لحياتهم- وعلى الاول التقدير ولكم في شرع القصاص حيوة- وعلى الثاني ولكم في القصاص حيوة للباقيين- وايضا في القصاص حيوة للقاتل في الاخرة فانه إذا اقتص منه فى الدنيا لم يؤاخذ في الاخرة فيحيى هناك حيوة طيبة- وخاطب اولى الألباب لانهم هم الذين يفهمون الحكم والمصالح في الاحكام الشرعية لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) عن القتل مخافة القود او تتقون بالقصاص عن عذاب الاخرة او تتقون عن ترك القصاص بالاطلاع على الحكمة-. كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ اى حضر أسبابه وغلب على الظن اقترابه إِنْ تَرَكَ خَيْراً ذكر الماضي وأراد المستقبل يعنى ان كان له خير يتركه- والخير هو المال قال الله تعالى وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ- وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ- وقيل المراد بالخير المال الكثير لما روى عن على رضى الله عنه ان مولى له أراد ان يوصى وله تسعمائة درهم فمنعه وقال قال الله تعالى ان ترك خيرا والخير هو المال الكثير- رواه ابن ابى شيبة في المصنف وعن عائشة- ان رجلا أراد ان يوصى فساكته كم مالك فقال ثلاثة آلاف فقالت كم عيالك قال اربعة قالت انما قال الله تعالى ان ترك خيرا وان هذا الشيء يسير فاتركه لعيالك- الْوَصِيَّةُ مفعول سد مسد الفاعل لكتب وترجح تذكير الفعل مع جواز التأنيث لوجود الفصل او على تأويل ان يوصى او الإيصاء ولذلك ذكّر الراجع في قوله فمن بدّله والعامل في إذا الافتراض المدلول لكتب لا الوصية لتقدمه عليها لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ متعلق بالوصية

وبهذه الاية كانت الوصية للاقارب فريضة في بدو الإسلام ثم نسخت الاية- قالوا نسخت هذه الاية اية المواريث وقوله صلى الله عليه وسلم ان الله قد «1» اعطى كل ذى حق حقه الا لا وصية لوارث وفيه نظر لان اية المواريث لا يعارضه بل يؤكده فانها تدل على تقديم الوصية على الإرث- فكيف تكون ناسخة- والحديث حديث الآحاد لا يجوز به نسخ الكتاب- والتحقيق ان الاية منسوخة الحكم للاجماع على عدم جواز الوصية لوارث الا عند رضاء الورثة- ولاتفاق الائمة الاربعة وجمهور العلماء على عدم وجوب الوصية لغير الوارث من الأقارب- وما روى عن الزهري وابى بكر الحنبلي وبعض اصحاب الظواهر وجوبها في حق من لا يرث من الأقارب فلا عبرة به لمخالفتهم الجمهور وإذا ثبت الإجماع ظهر انه ثبت عندهم دليل قطعى ناسخ للاية به تركوا نص الكتاب وإلا ما تركوه وان لم يصل ذلك الناسخ إلينا بطريق قطعى- ونورد هاهنا أحاديث يصلح ان يكون سندا للاجماع- منها حديث ابى امامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة حجة الوداع ان الله قد اعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث- رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الحافظ حسن الاسناد وكذا رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث عمرو بن خارجة ورواه ابن ماجة من حديث سعيد بن ابى سعيد عن انس والبيهقي من طريق الشافعي عن ابن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا وصية لوارث- ورواه الدارقطني من حديث جابر وصوب إرساله من هذا الوجه- ومن حديث على واسناده ضعيف- ومن حديث ابن عباس بإسناد حسن- وروى الدارقطني حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا وصية لوارث الا ان يجيزه الورثة- وروى بهذا اللفظ ابو داود عن عطاء الخراسانى مرسلا ووصله يونس بن راشد عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس رواه الدارقطني وهذه الأحاديث تدل على ان الاية منسوخة في حق الورثة- واما فى حق غير الورثة من الأقارب فلا دلالة لهذه الأحاديث على نفيها ولا إثباتها- وأورد لهذا الحكم ابن الجوزي حديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما حق امرئ يبيت ليلتين- وفي رواية لمسلم ثلاث ليال وله مال يريد ان يوصى فيه الا ووصيته مكتوبة عنده- متفق عليه- وجه الحجة انه علق الوصية بالارادة فدل على انه ليس بواجب والله اعلم وبعد اتفاقهم على ما ذكرنا واتفاقهم على جواز الوصية لغير الوارث من الأقارب كالاجنبى بل اولى وأحب فان الصدقة على ذى رحم صدقة وصلة اتفقوا على ان الوصية لا يجوز فيما زاد على الثلث الا برضاء الورثة خلافا لاحد قولى الشافعي في الاستثناء حيث قال لا يصح عند رضاء الورثة

_ (1) فى الأصل ان الله اعطى [.....]

[سورة البقرة (2) : آية 182]

ايضا- وفي الباب حديث سعد بن ابى وقاص جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودنى من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ الوجع ما ترى اوصى بما لى كله قال لا قلت فالشطر قال لا قلت الثلث قال الثلث والثلث كثير انك ان تدع ورثتك اغنياء خير من ان تدعهم عالة يتكففون الناس- متفق عليه وحديث ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة لكم في حسناتكم ليجعل لكم زكوة في أموالكم- رواه الدارقطني والبيهقي وفيه إسماعيل بن عياش وشيخه ضعيفان- ورواه احمد من حديث ابى الدرداء وابن ماجة والبزار والبيهقي من حديث ابى هريرة واسناده ضعيف وفي الباب عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه رواه العقيلي من طريق حفص بن عمرو هو متروك بِالْمَعْرُوفِ بالعدل لا يرجح بعض الأقرباء على بعض ولا يوصى للغنى ويدع للفقير حَقًّا منصوب على المصدرية يعنى حق حقا او على المفعولية يعنى جعل الله الوصية حقّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ اى غير الإيصاء من الأوصياء والأولياء والشهود بَعْدَ ما سَمِعَهُ اى بعد سماع قول الموصى او وصل اليه وتحقق عنده فَإِنَّما إِثْمُهُ فاثم الإيصاء المغيّر او اثم التبديل عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ على مبدليه إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بما اوصى به الموصى عَلِيمٌ (181) بتبديل المبدل. فَمَنْ خافَ اى توقع وعلم كقوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ مِنْ مُوصٍ قرا حمزة والكسائي وابو بكر ويعقوب بفتح الواو وتشديد الصاد من التفعيل والباقون بسكون الواو والتخفيف من الافعال جَنَفاً ميلا من الحق خطا أَوْ إِثْماً ظلما عمدا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ قال مجاهد معناه ان الرجل إذا حضر مريضا وهو يوصى فراه يميل عن الحق فامره بمعروف ونهاه عن منكر كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن ابى وقاص عن زيادة الوصية على الثلث ونهى على وعائشة عن اصل الوصية كما مرو عن النعمان بن بشير ان أباه اتى به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى نحلت ابني هذا غلاما فقال أكل ولدك نحلت مثله قال لا قال فارجعه وفي رواية قال لا اشهد على جور- متفق عليه- وقال الآخرون معناه انه إذا أخطأ الميت في وصيته أو جاف متعمدا فوليه او وصيه او والى امور المسلمين يردّ الوصية الى العدل والحق ولا ينفذ الوصية الباطلة- قلت والاولى ان يراد به أعم المعنيين فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ بل كان الإثم على الموصى وللمصلح اجر الإصلاح- عن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فيجب لهما النار- رواه ابو داود

[سورة البقرة (2) : آية 183]

والترمذي وحسنه- وانما قال فلا اثم عليه لان الفعل كان من جنس ما يؤثم يعنى تبديل الوصية المنهي عنه- قال الكلبي كان الأولياء والأوصياء يمضون وصية الميت بعد نزول قوله تعالى فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ الاية وان استغرق المال كله ولم يبق للورثة شىء ثم نسخها الله تعالى بقوله فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً الاية إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) وعد للمصلح- وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الإثم والله اعلم-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ اى فرض عَلَيْكُمُ الصِّيامُ والصوم في اللغة الإمساك يقال صام النهار إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة لان الشمس إذا بلغت كبد السماء يرى كانها وقفت ساعة- وفي الشرع عبارة عن الإمساك عن الاكل والشرب والجماع مع النية في وقت مخصوص كما سيظهر فيما بعد كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ من الأنبياء والأمم والظاهر ان التشبيه فى نفس الوجوب- وذلك لا يقتضى المشابهة من كل جهة في الكيفية والوقت وغير ذلك قال سعيد بن جبير كان صوم من قبلنا من العتمة الى الليل القابلة- وكذلك كان في ابتداء الإسلام فاشتبها- وقال جماعة من اهل العلم ان صيام رمضان كان واجبا على النصارى كما فرض علينا فربما كان يقع في الحر الشديد فيشق عليهم لاجل العطش او في البرد الشديد فيشق عليهم لاجل الجوع- فاجتمع علماؤهم ورؤساؤهم فجعلوه في الربيع وزادوا فيه عشرة ايام كفارة لما صنعوا فصار أربعين- ثم اشتكى ملكهم فجعل لله عليه ان برىء من مرضه ان يزيد في صومهم اسبوعا فبرىء فزاد فيه اسبوعا ثم ولا هم ملك اخر فقال اتموه خمسين يوما- وقال مجاهد أصابهم موتان فقالوا زيدوا في صيامكم.. فزادوا عشرا قبل وعشرا بعد- قال الشعبي لو صمت السنة كلها لا فطرت اليوم الذي يشك فيه فيقال من شعبان ويقال من رمضان وذلك ان النصارى فرض عليهم شهر رمضان فصاموا قبل الثلثين يوما وبعدها يوما ثم لم يزل القرن الاخر يستن بسنة القرن الذي قبله حتى صاروا الى خمسين يوما- كذا قال البغوي وأخرجه ابن جرير عن السّدى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) المعاصي فان الصوم يكسر الشهوة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه اغض للبصر وأحصن للفرج- ومن لم يستطع فعليه بالصوم- متفق عليه من حديث ابن مسعود- او المعنى تتقون الإخلال بالصوم. أَيَّاماً منصوب بمقدر اى صوموا لا بالصيام للفصل بالاجنبى

مَعْدُوداتٍ يعنى قلائل فان القليل يعد في العادة دون الكثير- قيل ان المراد بذلك الأيام صوم ثلثة ايام من كل شهر وصوم عاشورا فانه كان واجبا في ابتداء الهجرة من ربيع الاول الى شهر رمضان سبعة عشر شهرا ثم نسخ بصوم رمضان قال ابن عباس- أول ما نسخ بعد الهجرة أم القبلة والصوم ويقال نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وايام- وكان غزوة بدر يوم الجمعة بسبع عشرة ليلة خلت من رمضان في السنة الثانية من الهجرة- عن عائشة قالت- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بالصوم يوم عاشورا فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر- متفق عليه- وعن سلمة بن الأكوع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا ينادى في الناس يوم عاشورا ان من أكل فليتم او فليصم ومن لم يأكل فلا يأكل فان اليوم يوم عاشورا- متفق عليه- وقيل المراد بقوله تعالى أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ شهر رمضان والاية غير منسوخة- قال الحافظ والّذى يترجح من اقوال العلماء ان عاشورا لم يكن فرضا من الله تعالى قط بل كان النبي صلى الله عليه وسلم استحبه باجتهاده او كان يفعله ويأمر به على عادته- عن ابن عباس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فراى اليهود يصوم يوم عاشورا- فقال ما هذا قالوا هذا يوم صالح نجى الله بنى إسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال انا أحق بموسى منكم فصامه وامر بصيامه- متفق عليه وعن عائشة قالت كان يوم عاشورا يصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية فلما قدم المدينة صامه وامر بصيامه فلمّا فرض رمضان نزك يوم عاشورا- متفق عليه قال السيوطي رحمه الله اخرج احمد وابو داود والحاكم عن معاذ بن جبل يعنى وجوب عاشورا وثلثة ايام من كل شهر لكن كان ذلك قبل نزول هذه الاية وانه نسخ بهذه الاية- فالمراد بايّام معدودات شهر رمضان لا غير والله اعلم فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً خاف زيادة مرضه او امتداده وكذا من كان في معناه وهو ضعيف غلب على ظنه حدوث المرض بالصوم وحامل ومرضع خافتا على أنفسهما او على ولدهما- اعلم ان جواز الفطر للمريض مجمع عليه غير ان احمد قال لا يجوز له الفطر بالجماع ويجوز بالأكل والشرب- ولو جامع المريض او المسافر فعليه الكفارة عنده الا ان أفطر بغير الجماع قبل الجماع- وما قيدنا المريض بخوف زيادة المرض او الامتداد ايضا متفق عليه الا ما روى عن ابن سيرين انه قال- يبيح الفطر ادنى ما يطلق عليه اسم المرض للاطلاق في الاية- وقال الحسن وابراهيم هو المرض الذي يجوز معه الصلاة قاعدا أَوْ عَلى سَفَرٍ

يعنى راكب سفر- وفيه ايماء على ان من سافر في أثناء اليوم لم يفطر وعليه انعقد الإجماع الا ما روى عن داود فانه قال يجوز في السفر القصير والطويل- واختلفوا على مقدار مسافة السفر المرخص للفطر وقصر الصلاة- فقال مالك والشافعي واحمد ادنى مسافة السفر ستة عشر فرسخا اربعة برد بحديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا اهل مكة لا تقصروا الصلاة في ادنى من اربعة برد من مكة الى غسفان رواه الدارقطني فيه إسماعيل بن عياش ضعيف وعبد الوهاب أشد ضعفا قال احمد ويحيى ليس عبد الوهاب بشىء- وقال الثوري هو كذاب- وقال النسائي متروك الحديث- وقال الأوزاعي- يقصر في مسيرة يوم وقال ابو حنيفة مسيرة ثلثة ايام ولياليها سير الإبل ومشى الاقدام- وقدر ابو يوسف بيومين واكثر اليوم الثالث- احتج ابو حنيفة بحديث على بن ابى طالب انه سئل عن المسح على الخفين قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثة ايام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم- رواه مسلم الحديث صحيح والاستدلال به ضعيف- واطلاق الاية يدل على ان سفر المعصية ايضا يبيح الفطر وبه قال ابو حنيفة رحمه الله وقال مالك والشافعي واحمد سفر المعصية لا يبيح مستدلا بقوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ والحق ان البغي والعدوان ليس في نفس السفر بل ملاصق به- وقد ذكرنا تفسير غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ وان لا دلالة فيه على مرادهم فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يعنى فكتب عليه او فالواجب عليه صيام عدة ايام مرضه وسفره من ايام اخر ان أفطر حذف الفعل او المبتدأ والمضاف والمضاف اليه والشرط للعلم بها بدلالة المقام- وبإطلاق الاية تثبت ان التتابع ليس بشرط في القضاء وعليه انعقد الإجماع- وقال داود يجب التتابع- ويؤيد اطلاق الاية حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قضاء رمضان قال- ان شاء فرق وان شاء تابع- رواه الدارقطني متصلا ومرسلا وحديث محمد بن المنكدر قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء شهر رمضان فقال ذلك إليك- الحديث رواه الدارقطني مرسلا واسناده حسن وقد روى موصولا ولا تثبت وروى الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو في اسناده الواقدي وابن لهيعة ضعيفان- وروى سعيد بن منصور عن انس نحوه واخرج البيهقي حديث ابى عبيد ومعاذ بن جبل وانس وابى هريرة ورافع بن خديج- واحتج داود بحديث ابى هريرة قال من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه- رواه الدارقطني فيه عبد الرحمن بن ابراهيم بن العاص قال ابن معين ليس بشىء- وقال الدارقطني ضعيف ليس بالقوى-

[سورة البقرة (2) : آية 185]

واختلفوا في الحامل والمرضع إذا أفطر تاهل يجب عليهما الفدية مع القضاء أم لا مع اتفاقهم على ان المريض والمسافر لا يحب عليهما مع القضاء فدية فقال ابو حنيفة لا وهو رواية عن مالك- وفي رواية عن مالك يجب على المرضع دون الحامل وقال احمد وهو الراجح من مذهب الشافعي انه يجب ولا سند يعتمد عليه لهذا القول والمروي عن ابن عمرو ابن عباس ان على الحامل والمرضع يجب الكفارة دون القضاء- ومن اخّر قضاء رمضان من غير عذر حتى جاء رمضان اخر قال مالك والشافعي واحمد وجبت عليه الفدية مع القضاء- وقال ابو حنيفة لا يجب عليه الا القضاء ولو ادّى بعد سنين لامتناع الزيادة على الكتاب من غير قاطع- ومن اخر بعذر مرض او سفر حتى جاء رمضان اخر فعليه القضاء فقط بالإجماع- وروى عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما بطرق صحيحة- عن نافع عن ابن عمر قال من تابعه رمضانان وهو مريض لم يصح بينهما قضى الاخر منهما بصيام وقضى الاول منهما باطعام- قال الطحاوي تفرد بهذا القول ابن عمر قال الحافظ وعند عبد الرزاق عن ابن جريح عن يحيى ابن سعيد قال بلغني مثل ذلك عن عمر لكن المشهور عن عمر خلافه- احتجوا بحديث ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل مرض في رمضان فافطر ثم صح فلم يصم حتى أدركه رمضان اخر يصوم الذي أدركه ثم يصوم الذي أفطر فيه ويطعم عن كل يوم مسكينا رواه الدارقطني وهذا الحديث لا يصح فيه ابراهيم بن نافع قال ابو حاتم كان يكذب وفيه عمر بن موسى كان يضع الحديث قال الحافظ لم يثبت فيه شىء مرفوع انما ثبت فيه اثار الصحابة وسمى صاحب المهذّب منهم عليا وجابرا «1» والحسين بن على ولم اطلع على سند صحيح عنهم غير ابى هريرة وابن عباس- ولو كان الحديث المرفوع فيه صحيحا فحينئذ ايضا لم يجز به الزيادة على الكتاب لكونه من الآحاد- وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ يعنى الصوم فِدْيَةٌ قال البغوي اختلف العلماء في تأويل هذه الاية وحكمها فذهب أكثرهم الى ان الاية منسوخة وهو قول ابن عمر وسلمة بن الأكوع وغيرهما- وذلك انهم كانوا في ابتداء الإسلام مخيرين بين ان يصوموا وبين ان يفطروا ويفتدوا خيرهم الله تعالى لئلا يشق عليهم فانهم لم يكونوا معتادين بالصوم ثم نسخ التخيير ونزلت العزيمة بقوله تعالى. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ- قلت وعلى هذا التقدير فالمريض والمسافر كانا حينئذ مخيرين في ثلثة امور الصوم والفطر بنية القضاء والفدية ثم إذا انسخت الفدية بقي لهما التخييريين الصوم والقضاء- وقال قتادة هى خاصة في الشيخ الكبير الذي يطيق الصوم ولكن يشق عليه رخص له في ان يفطر ويفدى ثم نسخ بذلك

_ (1) فى الأصل جابر-

وقال الحسن هذا في المريض الذي يستطيع الصوم خير بين ان يصوم وبين ان يفطر ويفدى ثم نسخ بذلك وعلى هذه الأقوال كلها لم يثبت حكم الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم بنص القران ومن ثم قال مالك والشافعي في أحد قوليه ان الشيخ الفاني يجوز له الفطر للعجز حيث لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ولا يجب عليه الفدية لان إيجاب الفدية لا بد له من دليل والمثل الغير المعقول لا يثبت بالرأى- وذهب جماعة الى ان الاية غير منسوخة ومعناه وعلى الذين كانوا يطيقونه في حال الشباب فعجزوا عنه بعد الكبر الفدية بدل الصوم- وهذا التأويل لا يصاعده نظم الكلام- وقال الشيخ الاجل جلال الدين في تفسير الاية بتقدير لا يعنى وعلى الّذين لا يطيقونه فدية- كما في قوله تعالى يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا اى لان لا تضلّوا- قلت وتقدير لا ايضا بعيد فانه ضد ما هو ظاهر العبارة حيث يجعل الإيجاب سلبا- فان قيل مذهب ابى حنيفة واحمد والأصح من مذهب الشافعي وبه قال سعيد بن جبير ان الواجب على الشيخ الفاني الفدية مكان الصوم ومبنى هذه الأقوال ليس الا هذه الاية ولولا ذلك التأويل الذي لم ترتض منه فبم تقول بوجوب الفدية على الشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه- قلت والله اعلم ان التأويل هو الاول وحاصله ان حكم الاية كان في ابتداء الإسلام التخيير بين الصوم والفدية للذين يطيقون الصوم وللذين لا يطيقونه بدلالة النص بالطريق الاولى لانه سبحانه لما خير المطيقين فضلا وتيسيرا فغير المطيقين اولى بالتخيير ومن ثم قلت ان المريض والمسافر كانا حينئذ مخيرين بين ثلثة امور- ثم لما نزل فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً «1» الاية نسخ حكم الفدية في حق الذين كانوا يطيقونه حالا وفي حق الذين يطيقونه مالا وهم المرضى والمسافرين الذين يرجون القضاء بعد الشفاء وصار أداء الصوم او قضاؤه حتما في حقهم وبقي حكم من لا يطيقونه لا في الحال ولا في المال على ما كان عليه من جواز الفدية ثابتا بدلالة النص لعدم دخولهم في قوله تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ يعنى صحيحا مقيما فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً يرجوا الشفاء أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وانما قيدنا المريض بقولنا يرجوا الشفاء بدلالة العقل- فان من لا يرجوا الشفاء تكليفه بالقضاء تكليف بما لا يطيق- ومنسوخية الحكم الثابت بعبارة النص لا يستدعى منسوخية الحكم الثابت بالدلالة والله اعلم طَعامُ مِسْكِينٍ قرا نافع وابن ذكوان فدية طعام مسكين بإضافته فدية وجمع المسكين بفتح النون- وهشام بتنوين فدية ورفع طعام على البدل وجمع مسكين والباقون بتنوين فدية ورفع طعام وتوحيد مسكين بكسر النون- والفدية الجزاء وإضافته الى الطعام

_ (1) فى الأصل ومن كان منكم مريضا-

بيانية وهو نصف صاع من بر او صاع من شعير او تمر على قول ابى حنيفة قياسا على صدقة الفطر وقال الشافعي كل يوم مسكينا مدا من الطعام من غالب قوة البلد- وقال احمد نصف صاع من شعيرا ومد من بر وقال بعض الفقهاء ما كان المفطر يتقوّيه يومه الذي أفطره- وقال ابن عباس يعطى كل مسكين عشاءه وسحوره وسيجيئ عنقريب تحقيق طعام الفدية في تفسير قوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ ان شاء الله تعالى فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فزاد في الفدية فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ من اصل الفدية وَأَنْ تَصُومُوا ايها المطيقون خَيْرٌ لَكُمْ من الفدية- هذا صريح في ان المراد ب الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ هم المطيقون لا غير المطيقين من الشيخ والمريض فان كون صومهم خيرا لهم ممنوع وهذه الاية تدل على ان المسافر إذا لم يكن له بالصوم ضرر بين فالافضل في حقه الصوم كذا قال الجمهور خلافا لاحمد والأوزاعي وسعيد بن المسيب والشعبي احتجوا بالأحاديث منها ما روى عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فراى ازحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا قالوا صائم- فقال ليس من البر الصوم في السفر- متفق عليه وعنه- انه صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح الى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس اليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك ان بعض الناس قد صام فقال أولئك العصاة أولئك العصاة- روا مسلم عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر- رواه ابن ماجة قلنا هذه الأحاديث «1» في حق من يتضرر بالصوم غاية التضرر ولا شك ان الفطر فى حقه أفضل سواء كان مسافرا او مريضا- وكذا الفطر أفضل إذا اقترب الجهاد لحديث ابى سعيد انه صلى الله عليه وسلم قال انكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم- قال وكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلا اخر فقال انكم تصبحون «2» عدوكم والفطر أقوى لكم فافطروا- فكانت عزيمة فافطرنا- رواه مسلم وأخرجه مالك في المؤطا عن بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- واخرج «3» الشافعي عنه في المسند وابو داود- وصححه الحاكم وابن عبد البر واما إذا لم يتضرر بالصوم فالصوم أفضل بهذه الاية وحديث ابى الدرداء انه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قال وان أحدنا نضع يده على رأسه من شدة الحر وما منا صائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة- متفق عليه- قلت وما ذكرنا من التفصيل انما هو في حق المسافر لان الرخصة له دائرة على نفس السفر سواء كانت له مشقة في الصوم

_ (1) فى الأصل هذا الأحاديث (2) فى الأصل تصبحوا (3) فى الأصل واخرج عنه الشافعي عنه-

اولا واما الشيخ والمريض والضعيف والحامل والمرضع فالرخصة في حقهم دائرة على نفس المشقة والتضرر بالصوم فلولا التضرر لا رخصة لهم وإذا تضرروا بالصوم وهو خوف زيادة المرض او حدوثه فحكمه حكم المتضرر بالسفر والله اعلم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) ما في الصوم من الفضيلة- وجواب «1» ان محذوف دل عليه ما قبله يعنى اخترتموه على الفطر والفداء عند التخيير واما بعد نسخ التخيير فمن أفطر في رمضان بلا عذر فان كان مستحلا يكفر والا يفسق ويجب عليه القضاء لوجوب التدارك بقدر الإمكان وبدلالة ما ورد في المعذور بالطريق الاولى من قوله تعالى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ويجب عليه الاستغفار بالإجماع وقال النخعي لا يقضى صوم رمضان إذا أفطر من غير عذرا لا بألف عام- وقال على وابن مسعود رضى الله عنهما لا يفيد صوم الدهر- شَهْرُ رَمَضانَ مبتدأ خبره ما بعده او خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلك شهر رمضان او بدل من الصيام على حذف المضاف اى كتب عليكم الصيام صيام شهر رمضان وذلك على تقدير كون هذه الاية متصلا في النزول بقوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ لا على تقدير كونه متراخيا عنه ناسخا لما سبق والشهر مشتق من الشهرة ورمضان مصدر رمض إذا احترق فاضيف اليه الشهر وجعل علما ومنع من الصرف للعلمية والالف والنون- عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما سمى رمضان لان رمضان يرمض الذنوب- رواه الاصبهانى في الترغيب الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ سمى القران قرانا لانه تجمع السور والاى والحروف وجمع فيه القصص والأمر والنهى والوعد والوعيد واصل القران «2» الجمع او هو مشتق من القراءة بمعنى المقر وقرا ابن كثير القران وقرانا- وقرانه حيث وقع بحذف الهمزة بعد إلقاء الحركة على الراء ووافقه حمزة وقفا فقط- والباقون بالهمزة قال البغوي كان يقرا الشافعي غير مهموز ويقول ليس هو من القراءة ولكنه اسم لهذا الكتاب كالتورية والإنجيل- قال البغوي روى مقسم عن ابن عباس انه سئل عن قوله تعالى شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ- وقوله إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ- وقوله إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ وقد نزل في سائر الشهور وقال الله تعالى قُرْآناً فَرَقْناهُ فقال- انزل القران جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان الى بيت العزة في السماء الدنيا ثم نزل به جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما في عشرين سنة فذلك قوله تعالى عز وجل بِمَواقِعِ النُّجُومِ- وقال داود بن ابى هند قلت الشعبي شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ اما كان ينزل في سائر السنة قال بلى ولكن جبرئيل عليه السلام

_ (1) فى الأصل وجواب لو (2) فى الأصل واصل القرا

كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وانزل عليه فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء وينسيه ما يشاء- وروى عن ابى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انزل صحف ابراهيم في ثلاث ليال مضين من رمضان- ويروى في أول ليلة من رمضان وأنزلت تورية موسى في ست ليال مضين من رمضان وانزل الإنجيل في ثلاث عشرة مضت من رمضان وانزل زبور داود في ثمان عشر ليلة من رمضان وانزل القران على محمد صلى الله عليه وسلم في الاربعة وعشرين لست بقين بعدها- واخرج احمد والطبراني من حديث واثلة بن الأسقع نزلت صحف ابراهيم أول ليلة من رمضان وأنزلت التورية لست مضين والإنجيل لثلاث عشرة والقران لاربع وعشرين- والله اعلم والموصول بصلته خبر لشهر رمضان على تقدير كونه مبتدأ وصفته على تقدير كونه خبرا او بدلا ويحتمل ان يكون صفة للمبتدأ وخبره فمن شهد والفاء لوصف المبتدأ بما يتضمن معنى الشرط وعلى هذا التقدير معنى قوله أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ اى في شأنه القران وهو قوله كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ حتى يتحقق كون الانزال سببا لاختصاصه بوجوب الصوم هُدىً لِلنَّاسِ من الضلالة باعجازه وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ اى دلالات واضحات مما يهدى الى الحق من الحلال والحرام والحدود والاحكام ويفرق بين الحق الذي من الله وبين الباطل الذي من شياطين الجن والانس حالان من القران فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ يعنى أدرك الشهر صحيحا مقيما طاهرا من الحيض والنفاس- اما المريض والمسافر فخصا منه بالآية اللاحقة- واما الحائض والنفساء فبالنقل المستفيض وعليه انعقد الإجماع- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب قولها وما نقصان دينها يا رسول الله أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم- متفق عليه ((فائدة)) اجمعوا على ان الحائض يحرم عليها الصوم ولو صامت لم يصح ولزمها القضاء والله اعلم فَلْيَصُمْهُ البتة لا يكفيه الفدية كما كان في بدء الإسلام- قال البغوي اختلف اهل العلم فيمن أدركه الشهر وهو مقيم ثم سافر روى عن على انه قال لا يجوز له الفطر وبه قال عبيدة السلماني لقوله تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ اى الشهر كله- وذهب اكثر الصحابة والفقهاء الى انه إذا إنشاء السفر في شهر رمضان جاز له ان يفطر بعد ذلك اليوم- قلت وعليه انعقد الإجماع- ومعنى الاية فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ يعنى فليصم ما شهد منه ان شهد كله فكله وان شهد بعضه فبعضه ويؤيد ذلك التأويل ما مر من حديث جابر وحديث ابن عباس قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الى مكة عام الفتح في رمضان فصام

حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس معه وكانوا يأخذون بالأحدث فالاحدث من امر رسول الله صلى الله عليه وسلم مسئلة ولو كان مقيما في أول النهار ثم سافر لا يجوز له الفطر من ذلك اليوم عند ابى حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله لهذه الاية لانه شهد أول اليوم فليصمه وقال احمد وداود جاز له الفطر في ذلك اليوم ايضا- احتج ابن الجوزي بحديث ابن عباس المذكور حتى إذا بلغ كراع الغميم أفطر- وحديث ابن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرا في رمضان حتى اتى عسفان فدعى اناء من شراب نهارا ليرى الناس ثم أفطر حتى قدم- قلنا لم يكن صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم مقيما أول النهار فان كراع الغميم وعسفان لم يكونا في أول مرحلة من المدينة مسئلة ولو أصبح مسافر او مريض صائمين ثم أراد الفطر جاز عند احمد وكذا ذكر صاحب المنهاج مذهب الشافعي رحمه الله وقال ابن الهمام مذهب ابى حنيفة ان اباحة الفطر المسافر إذا لم ينو الصوم فاذا نواه ليلا وأصبح من غير ان ينقص عزيمته قبل الفجر أصبح صائما فلا يحل فطره في ذلك اليوم لكن لو أفطر فيه لا كفارة عليه كما في المسألة السابقة لمكان الشبهة- وحديث كراع الغميم حجة لاحمد والشافعي في هذه المسألة كما لا يخفى وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ اى فالواجب عليه عدة مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ كرر ذلك الحكم ليدل على ان المنسوخ انما هو الفدية دون الفطر والقضاء للمعذور ولو لم يكن حكم الفدية منسوخا وكان المراد بقوله تعالى أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ هو شهر رمضان لا غير فحينئذ لم تكن لتكرار حكم المريض والمسافر فائدة- فائدة ويلحق بالمريض والمسافر في حق وجوب القضاء الحائض والنفساء بالإجماع والأحاديث عن معاذة العدوبة انها قالت لعائشة ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة قالت عائشة كان تصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة- رواه مسلم- مسئلة وبهذه الاية يثبت ان المسافر والمريض إذا صح واقام فعليه قضاء الصيام عدد ما أدرك من الأيام صحيحا مقيما طاهرا بعد رمضان فمن فاته عشرة من صيام رمضان وأدرك بعد الصحة والاقامة يومين من غير رمضان ثم مات يجب عليه قضاء يومين فحسب واختلفوا في انه من أدرك عدة من ايام اخر ولم يقض حتى مات هل يجب على الوارث الفدية او القضاء فقال ابو حنيفة ومالك لا يجب على الوارث شىء الا ان يوصى الميت بالفدية فيجب إنفاذ وصيته من الثلث لا فيما زاد على الثلث الا برضاء الورثة وكذا إذا كان عليه صوم نذر او كفارة- وقال الشافعي في القديم صام عنه وليه سواء كان من رمضان او من نذر وفي الجديد

انه يطعم فيهما الولي القريب- وقال احمد في صوم رمضان يطعم ولا يصام وإذا كان عليه نذر صام عنه وليه- احتجوا على وجوب الصوم على الولي بحديث ابن عباس قال أتت النبي صلى الله عليه وسلم امراة فقالت يا رسول الله ان أمي ماتت وعليها صوم شهر فاقضى عنها قال ارايت لو كان على أمك دين اما كنت تقضيه قالت بلى قال فدين الله عز وجل أحق- متفق عليه- وعن عائشة- انها سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن مات وعليه صيام فقال يصوم عنه وليه- متفق عليه- وحديث بريدة عن أبيه ان امراة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت «1» يا رسول الله أمي كان عليها صوم شهرا فتجزئها ان أصوم عنها قال نعم- رواه احمد- وحديث ابن عباس ان امراة ركبت البحر فنذرت ان الله عز وجل ان نجاها ان تصوم شهرا فانجاها الله فلم تصم حتى ماتت فجاءت «2» قرابة لها فذكرت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال صومى- وحديث ابن عباس ان سعد بن عبادة سال النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على امه توفيت قبل ان تقضيه فقال اقضه عنها- فمن هذه الأحاديث ما هو صريح في النذر وما هو مطلق فقال احمد بوجوب الصيام في النذر ويحمل ما ليس فيه ذكر النذر على صوم النذر- قلت لا وجه للحمل على النذر مع اطلاق اللفظ بل الأحاديث المذكورة الصحيحة تدل على جواز صوم الولي عن الميت مطلقا سواء كان الصوم عن نذر او رمضان فلا بد من اتباعها «3» - وليس شىء منها تدل على وجوب الصوم على الوارث فلا يكون حجة على ابى حنيفة كيف وقد قال الله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فكيف يعذب الوارث بترك الصوم عن الميت واحتجوا على وجوب الإطعام عن الميت بحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ومن مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا- رواه الترمذي وقال لا نعرفه مرفوعا الا من هذا الوجه يعنى من طريق الأشعث بن سوار وهو ليس بشىء ومحمد بن عبد الرحمن بن ابى ليلى وهو ضعيف مضطرب الحديث- والصحيح انه موقوف على ابن عمر- ووجه قول ابى حنيفة ان الطاعة لا يجرى فيها النيابة لان المقصود منه النية والامتثال وهو مناط الثواب والعذاب ووجوب الصوم او المال على الوارث يمنعه قوله تعالى لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فلا يجب عليه شىء غير انه إذا اوصى به المورث فانفاذ وصيته واجب بقوله تعالى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ والمرجو من فضل الله سبحانه ان يقبل منه والله اعلم- قلت والتحقيق في المقام ان الوارث ان تطوع عن الميت بالصوم او الصدقة فالثابت بالأحاديث ان الله تعالى يقبله بفضله ويفك رقبة الميت ولكن ليس ذلك واجبا

_ (1) فى الأصل فقال (2) فى الأصل فجاء (3) فى الأصل اتباعها-

على الوارث لما ذكرنا وقد ورد في رواية البزار في حديث عائشة فليصم عنه وليه إنشاء- وهذا اظهر لكن الرواية ضعيفة لانها من طريق ابن لهيعة- يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ بإباحة الفطر والقضاء في المرض والسفر وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ قرا ابو جعفر العسر واليسر ونحوهما بضم السين والباقون بالسكون- وهذه الاية تدل على ان الفطر للمريض والمسافر رخصة لاجل اليسر وليس هو العزيمة حتى لو صام المريض والمسافر صح اجماعا الا ما روى عن ابن عباس وابى هريرة وعروة ابن الزبير وعلى بن الحسين رضى الله عنهم انهم قالوا لا يجوز الصوم في السفر ومن صام فعليه القضاء لظاهر قوله تعالى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ حيث جعل الله تعالى الواجب صيام عدة من ايام اخر لا غير فمن صام في الحال فقد صام قبل وجوبه فلا يجوز- قلنا سبب الوجوب الشهر والسفر مانع لوجوب الأداء لا لنفس الوجوب فمن صام فقد صام بعد نفس الوجوب فصح كمن ادى الزكوة قبل حولان الحول ويؤيد مذهب الجمهور حديث ابى سعيد غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشر مضت من رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصائم الفطر ولا للفطر الصائم- رواه مسلم- فحديث جابر عند مسلم وحديث انس في المؤطا وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ اى عدد شهر رمضان بقضاء ما أفطر منه عن ابن عمر رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فان غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين- متفق عليه قرا ابو بكر بتشديد الميم والباقون بالتخفيف وهو مع ما عطف عليه معطوف على اليسر اما لان اليسر علة معنى وتقديره شرعنا ذلك الاحكام يعنى اباحة الفطر للمريض والمسافر ووجوب القضاء بعدد ايام المرض من ايام اخر ليسهل عليكم الأمر ولتكملوا العدة- او بان يجعل اللام زائدة للتأكيد وتكملوا مع ان مقدرة معطوف على اليسر مفعول به ليريد تقديره يريد الله بكم اليسر وان تكملوا وان تكبروا وان تشركوا- لو متعلق بفعل محذوف معطوف على يريد الله بكم اليسر في اباحة الفطر ويأمركم بالقضاء لتكملوا العدة وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ ما مصدرية او موصولة اى على إرشادكم او على الذي أرشدكم اليه مما تكسبوا به مرضات ربكم وفراغ ذمتكم وجزيل المثوبة- قال ابن عباس هو تكبيرات ليلة الفطر روى الشافعي عن ابن المسيب وعروة وابى سلمة انهم كانوا يكبرون ليلة الفطر يجهرون بها- وقيل تكبيرات يوم الفطر قلت ويمكن ان يراد بالتكبير صلوة العيد او تكبيرات

صلوة العيد فحينئذ تجب تكبيرات العيد وتجب الصلاة ايضا بالالتزام لان التكبير خارج الصلاة في يوم الفطر او ليلة الفطر لم يجب اجماعا فنحمله على تكبيرات الصلاة او على الصلاة تسمية الكل باسم الجزء كما في قوله تعالى وَقُرْآنَ الْفَجْرِ والله اعلم- ولم يفترض صلوة العيد لمكان الاحتمال- وتايّد وجوب الصلاة بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم والله اعلم وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) ولكى تشكروا على وجوب الصوم فانه وسيلة لنيل الدرجات وعلى اباحة الفطر للمريض والمسافر فان فيه تخفيفا ورخصة معطوف على لتكبروا- فصل في فضائل شهر رمضان وصيامه- عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال- إذا دخل رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادى مناديا باغي الخيرا قبل ويا باغي الشرا قصر ولله عتقاء من النار وذلك فى كل ليلة- رواه الترمذي وابن ماجة واحمد- وفي الصحيحين نحوه اقصر منه- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه- متفق عليه- وعن سلمان رضى الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في اخر يوم من شعبان فقال يا ايها الناس قد أظلكم شهر عظيم وفي رواية اطلكم بالطاء المهملة بمعنى اشرف شهر مبارك شهر فيه ليلة القدر خير من الف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليلة تطوعا ومن تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن ادى فريضة فيما سواه ومن ادى فيه فريضة كان كمن ادى سبعين فريضة فيما سواه- وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزداد فيه الرزق من فطّر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل اجره من غير ان ينقص من اجره شىء- قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطّر به الصائم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى الله هذا الثواب لمن فطّر صائما على مذقة لبن او تمرة او شربة من ماء ومن أشبع صائما سقاه الله عز وجل من حوضى شرية لا يظمأ حتى يدخل الجنة وهو شهر اوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار فاستكثروا فيه بأربع خصال خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غنى بكم عنهما اما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة ان لا الله الا الله وتستغفرونه واما اللتان لاغنى

[سورة البقرة (2) : آية 186]

بكم عنهما فتسئلون الجنة وتعوذون به من النار- رواه البغوي وروى البيهقي في شعب الايمان الى قوله عتق من النار وفيه ومن خفف عن مملوكة غفر الله له واعتقه من النار- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عمل ابن آدم تضاعف الحسنات بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف قال الله تعالى الا الصوم فانه لى وانا اجزى به- يدع طعامه وشرابه وشهوته من اجلى للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه- ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك الصوم جنة الصوم جنة- فاذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فان سابّه أحدا وقاتله فليقل انى امرا صائم- متفق عليه وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصيام والقران يشفعان العبد تقول الصيام رب انى منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفّعنى فيه ويقول القران رب انى منعته النوم بالليل فشفّعنى فيه فيشفعان- رواه البيهقي في شعب الايمان- وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يغفر لامته في اخر ليلة من رمضان قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال لا ولكن العامل انما يوفى اجره إذا قضى عمله «1» - رواه احمد والله اعلم- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردوية وابو الشيخ وغيره من طرق عن جرير بن عبد الحميد عن عبد السجستاني عن الصلت بن حكيم بن معاوية بن جبيرة عن أبيه عن جده ان اعرابيّا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فسكت عنه فانزل الله تعالى. وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ يعنى فقل لهم انى قريب- واخرج عبد الرزاق عن الحسن سال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم ابن ربنا فانزل الله- وهذا مرسل قلت ولعل السائل هو الاعرابى- واخرج ابن عساكر عن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجزوا عن الدعاء فان الله انزل علىّ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ قالوا لا نعلم اىّ ساعة ندعوا فنزلت الى قوله يرشدون- قال البغوي روى الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال قال يهود المدينة يا محمد كيف يسمع ربنا دعاءنا وأنت تزعم ان بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام وان غلظ كل سماء مثل ذلك فنزلت هذه الاية قلت والظاهر ان تشريف السائل بالاضافة الى نفسه في قوله تعالى وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي يأبى ان يكون السائل يهوديا متعنتا في السؤال والله اعلم

_ (1) اخرج الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذاكر الله في رمضان مغفور له وسائل الله لا يخيب- منه رحمه الله

ونزول هذه الاية في جواب السائل أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ارشاد على الذكر الخفي دون الجهر كما لا يخفى- وعن ابى موسى الأشعري قال لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى خيبر اشرف الناس على وادفر فعوا أصواتهم بالتكبير لا الله الا الله والله اكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعوا على أنفسكم انكم لا تدعون أصم ولا غائبا انكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم- رواه البخاري- قال المفسرون معناه انى قريب منهم بالعلم لا يخفى علىّ شىء- قال البيضاوي هو تمثيل لكمال علمه بافعال العباد وأقوالهم واطلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم- قلت وهذا التأويل منهم مبنى على ان القرب عندهم منحصر في القرب المكاني والله تعالى منزه عن المكان ومماثلة المكانيات والحق انه سبحانه قريب من الممكنات قربا لا يدرك بالعقل بل بالوحى او الفراسة الصحيحة وليس من جنس القرب المكاني ولا يتصور شرحه بالتمثيل إذ ليس كمثله شىء واقرب التمثيلات ان يقال قربه الى الممكنات كقرب الشعلة الجوالة بالدائرة الموهومة فان الشعلة ليست داخلة في الدائرة للبون البعيد بين الموجود الحقيقي والموجود فى الوهم وليست خارجة عنها ولا عينها ولا غيرها وهو اقرب الى الدّائرة من نفسها حيث ارتسمت الدائرة بها ولا وجود لها في الخارج بل في الوهم بوجود تلك النقطة في الخارج والله اعلم أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ قرا اهل المدينة غير قالون وابو عمرو بإثبات الياء فيهما في الوصل والباقون بحذفهما وصلا ووقفا وكذا اختلف القراء في اثبات الباءات المحذوفة من الخط وحذفها في التلاوة ويثبت يعقوب جميعا وصلا ووقفا واتفقوا على اثبات ما هو مثبت في الخط وصلا ووقفا فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي اى ليطلبوا منى اجابة دعواتهم- وانما عدى باللام لان طلب الحاجة والدعاء عبادة من العبد لله تعالى- وقيل الاستجابة بمعنى الاجابة اى فليجيبوا لى بالطاعة إذا دعوتهم للايمان والعبادة كما أجيبهم إذا دعونى لحوائجهم والاجابة في اللغة إعطاء ما سئل فهو من الله تعالى العطاء ومن العبد الطاعة وَلْيُؤْمِنُوا بِي قرا بفتح الياء ورش والباقون بالإسكان- امر بالثبات والمداومة على الايمان إذ اصل الايمان ثابت في المؤمنين- والاولى ان يحمل على انه طلب الايمان الحقيقي المترتب على فناء النفس بعد الايمان المجازى فان التنصيص اولى من التأكيد لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) راجين إصابة الرشد او لكى يرشدوا ويهتدوا- والرشد ضد الغى وهو النيل الى المقصود والوصل العريان ان شاء الله تعالى- فان قيل أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ وادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وعد بالاجابة لا يجوز خلفه وقد يدعوا العبد كثيرا ولا يجاب قال البغوي في الجواب اختلفوا في معنى الآيتين قيل معنى الدعاء هاهنا

[سورة البقرة (2) : آية 187]

الطاعة ومعنى الاجابة الثواب فلا إيراد- وقيل معنى الآيتين خاص وان كان لفظهما عاما تقديرهما أجيب دعوة الداعي ان شئت نظيره قوله تعالى فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ فحينئذ المقصود من الاية رد قول الكفار الذين زعموا ان الله لا يسمع دعاءنا وانه غائب- او تقديرهما أجيب ان كانت الاجابة خيرا له- عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يستجيب الله لاحدكم ما لم يدع بإثم او قطيعة رحم او يستعجل- قالوا وما الاستعجال يا رسول الله قال يقول قد دعوتك يا رب قد دعوتك يا رب فلا أراك تستجيب لى فيخسر عن ذلك فيدع الدعاء- رواه مسلم او تقديره أجيبه ان لم يسئل محالا- وقيل هو عام لكن معنى قوله أجيب انى اسمع وليس في الاية اكثر من اجابة الدعوة فاما إعطاء المنية فليس بمذكور فيها- وقيل معنى الاية انه يجيب دعاءه فان قدر له ما سال أعطاه وان لم يقدر له ادخر ثوابه في الاخرة او كف عنه سوءا عن عبادة بن الصامت ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما على الأرض رجل مسلم يدعوا الله بدعوة الا أتاه الله إياه او كف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم او قطيعة رحم- رواه البغوي- وروى احمد عن ابى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم ما من مسلم ينصب وجهه لله تعالى في مسئلة الا أعطاها إياه اما ان يعجلها له واما ان يدخرها له- وروى الترمذي عن جابر مرفوعا مثله بلفظ الا أتاه الله ما سال او كف من السوء مثله ما لم يدع بإثم او قطيعة رحم- وقيل ان الله يجيب دعوة المؤمن في الوقت ويؤخر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع صوته ويعجل إعطاء من لا يحبه لانه يبغض صوته وقيل ان للدعاء آدابا وشرائط وهى اسباب الاجابة فمن استكملها كان من اهل الاجابة ومن اخلّ بها كان من اهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الاجابة- وقد مر حديث ابى هريرة انه صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر يمد يده الى السماء يا رب اشعث اغبر مطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فانى يستجاب لذلك رواه مسلم والتحقيق في الباب عندى ان ما ذكرنا من الأقوال كلها صحيحة وانه ليس كل دعاء مستجاب ومدلول الاية ان مقتضى الدعاء الاجابة فانه تعالى جواد كريم قادر على كل شىء ومن كان هذا صفته لا يمنع مسئوله عقلا ونقلا روى الترمذي وابو داود عن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ربكم حى كريم- يستحيى من عبده إذا رفع يديه ان يردهما صفرا- وانما يظهر تخلف الاستجابة عن الدعاء او تاخره عنه اما لحكمة او لمانع من الاستجابة او فقد شرط عقوبة للداعى والله اعلم-. أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ الرفث كناية عن الجماع-

قال الزجاج الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجال من النساء- وعدى بالى لتضمنه معنى الإفضاء روى احمد- وابو داود- والحاكم من طريق عبد الرحمن بن ابى ليلى عن معاذ بن جبل قال كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فاذا ناموا امتنعوا ثم ان رجلا من الأنصار يقال له صرمة صلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فاصبح مجهودا وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك فانزل الله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الى قوله ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ- الحديث مشهور عن ابن ابى ليلى وهو لم يسمع من معاذ وله شواهد- اخرج البخاري عن البراء قال كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل ان يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسى وان قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار اتى امرأته فقال عندك طعام فقالت لا ولكن انطلق فاطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عينه وجاءت امرأته فلما رات قالت خيبة- فلما انتصف النهار غشى عليه فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية- واخرج البخاري عن البراء قال لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله فكان رجال يخونون أنفسهم فانزل الله «1» عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ- واخرج احمد وابن جرير وابن ابى حاتم من طريق عبد الله بن كعب عن أبيه قال كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فامسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمر عنده وأراد من امرأته فقالت انى قد نمت قال ما نمت ووقع عليها- وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فغدا عمر الى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فنزلت وقال البغوي كان في ابتداء الأمر إذا صلى العشاء او رقد قبلها حرم عليها الطعام والشراب والجماع الى القابلة وان عمر بن الخطاب واقع اهله بعد العشاء فاعتذر الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت جديرا بذلك يا عمر فقام رجال فاعترفوا بمثله فنزل هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ استيناف بيان لسبب التحليل وهو قلة الصبر عنهن وصعوبة اجتنابهن لكثرة المخالطة وشدة الملابسة- ولما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل منهما على صاحبه شبه باللباس- او لان اللباس كما يستر صاحبه كذلك يكون كل واحد منهما لصاحبه ستراعما لا يحل- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تزوج فقد احرز ثلثى دينه عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ

_ (1) فى الأصل علم انكم

كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ اى تخونونها وتظلمونها بالمجامعة بعد العشاء او بعد النوم بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها من الثواب- والاختيان ابلغ من الخيانة فَتابَ عَلَيْكُمْ لما تبتم وَعَفا عَنْكُمْ محا ذنوبكم فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ جامعوهن حلالا كنى بالمباشرة عن الجماع وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ من الولد تدل الاية على انه ان جامع رجل امرأته ينبغى ان يريد به الولد دون قضاء الشهوة فحسب حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجوا الودود الولود فانى مكاثر بكم الأمم رواه ابو داود والنسائي عن معقل بن يسار- وعلى ان العزل مكروه وعلى ان اباحة الجماع مقتصر على محل الولد- قال البغوي قال معاذ بن جبل ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ يعنى ليلة القدر قلت وهذا بعيد من السياق وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ يعنى بياض النهار من سواد الليل- سميا خيطين لان كل واحد منهما إذا بدا في الابتداء امتد جنوبا وشمالا كالخيط- وقوله من الفجر حال من الخيط الأبيض بيان له- ولم يبين الخيط الأسود لظهوره بظهور الخيط الأبيض- ومن للبيان او للتبعيض اى كائنا الفجر او كائنا بعض الفجر- ولم يقل حتى يتبين لكم الفجر دلالة على حرمة الاكل عند ظهور خيطه يعنى أول جزء منه- ولم يقل حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الفجر بلا ذكر الخيط الأسود ليدل على ان المراد بالفجر هو الفجر الصادق لانه خيط ابيض معترض جنوبا وشمالا يلاصقه خيط اسود معترض في الجانب الغربي هو طرف لسواد الليل بخلاف الفجر الكاذب فانه خيط ابيض مستطيل شرقا وغربا يحيط به السواد من الجوانب كلها ويحتمل ان يكون قوله من الفجر بيانا لمجموع الخيطين فان في الفجر سوادا وبياضا وهذا اولى حيث لا يلزم حينئذ الفصل بين الحال وصاحبه بالاجنبى والله اعلم- عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق- رواه الترمذي وعن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان بلالا ينادى بليل فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم «1» رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له أصبحت أصبحت- فان قيل قد صح عن على رضى الله عنه انه صلى الصبح ثم قال الان يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود- رواه ابن المنذر بإسناد صحيح وكذا روى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابى بكر الصديق انه قال لولا الشهوة لصليت الغداة ثم لتسحرت- وروى ابن المنذر وابن ابى شيبة من طريق عن ابى بكر انه امر بغلق الباب حتى لا يرى الفجر- فهذه الآثار تدل على جواز الاكل بعد انتشار الصبح فما وجه هذه الأقوال- قلت والله اعلم لعل وجه هذه الأقوال ان أبا بكر و «2» عليّا رضى الله عنهما زعما ان من للسببية والخيط في معناه الحقيقي- لكن ثبت بالسنة ان من للبيان والمراد بالخيط الأبيض هو الصبح وعلى ذلك انعقد الإجماع عن عدى بن حاتم قال لما نزلت حَتَّى يَتَبَيَّنَ

_ (1) فى اصل حتى ينادى ابن أم مكتوم رجلا أعمى (2) فى الأصل وعلىّ-[.....]

لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ عمدت الى عقال اسود والى عقال ابيض فجعلتهما تحت وسادتى فجعلت انظر في الليل فلا يستبين لى فغدوت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال انما ذلك سواد الليل وبياض النهار- متفق عليه وفي رواية- انك لعريض القفا انما ذلك بياض النهار وسواد الليل- وعن سهل بن سعد قال أنزلت كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ولم ينزل قوله من الفجر وكان الرجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رويتهما فانزل الله تعالى بعد قوله من الفجر فعلموا انه يعنى بهما الليل والنهار متفق عليه- فان قيل حديث سهل بن سعد يدل على ان نزول قوله تعالى من الفجر كان متاخر او متراخيا عما سبق ويلزم منه تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك غير جائز قلت استعمال الخيط الأبيض والأسود في سواد الليل وبياض النهار كان مشتهرا ظاهر الدلالة غير واجب البيان وان خفى على البعض لقلة تدبرهم فهو من باب المشكل الذي خفى مراده من جهة الصيغة باستعمال تجوز او غير ذلك بحيث يدرك المراد بالتأمل والطلب ونزول قوله تعالى من الفجر انما هو للاحتياط وحفظ القاصرين وإغناء السامعين عن الطلب والتأمل ولم يكن من باب المجمل الذي لا يتصور درك مرامه الا من جهة الشارع فلا محذور فى تراخى نزوله- ولو سلمنا انه من باب المجمل فلعل بيانه صدر من الشارع في الوحى الغير المتلو وثبت بالسنة كما يدل عليه حديث عدى بن حاتم ثم نزل قوله من الفجر لتأئيد ما ثبت بالسنة وتأكيده- وقال الطحاوي انه من باب النسخ وان الحكم كان على ظاهر المفهوم من الخيطين ويؤيد قول الطحاوي حديث حذيفة تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والله النهار غير ان الشمس لم تطلع رواه سعيد بن منصور وكذا عند الطحاوي- فلعل تسحر حذيفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول قوله تعالى- من الفجر- فان قيل قوله من الفجر غير مستقل والناسخ انما يكون كلاما مستقلا فكيف يتصور كونه ناسخا- وعلى تقدير كونه متراخيا لا يتصور كونه من باب القصر لغير المستقل لان من ضروراته الاتصال فكيف التوجيه- قلت التوجيه عندى انه نزل اولا تمام الاية من غير تقييد بقوله من الفجر ثم بعد مدة نزل الاية مرة ثانية مع قوله تعالى من الفجر فنسخت الاية الاولى حكما وتلاوة والله اعلم (فائدة) حديث عدى بن حاتم انما كان بعد نزول قوله تعالى من الفجر- البتة لان إسلامه في السنة التاسع وكان نزول اية الصيام في السنة الثانية ونزول قوله تعالى

من الفجر بعد ذلك بيسير بسنة او نحوه فما كان من عدى بن حاتم جعل الخيطين تحت وسادثه لم يكن الا زعما منه ان من للسببية والله اعلم (فائدة) وفي تجويز المباشرة الى الفجر دليل على جواز تأخير الغسل للمجنّب الى ما بعد الصبح وصح صوم من أصبح جنبا بالإجماع ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ بيان لاخر وقته عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم- رواه البخاري فبهذه الاية ظهر حقيقة الصوم انه الإمساك من المفطرات الثلث من الصبح المعترض الى غروب الشمس مع النية- ووجوب النية مستفاد من قوله تعالى ثم أتموا فان الإتمام فعل اختياري او لانه عبادة فلا بد له من النية لقوله تعالى وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ- وقوله صلى الله عليه وسلم انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى الدنيا نصيبها او امراة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه- أخرجه الجماعة كلهم غير مالك في المؤطا الا ان مالكا روى عنه البخاري والحديث متواتر بالمعنى ولفظه تواتر عن يحيى بن سعيد انفرد هو عن محمد بن ابراهيم وهو عن علقمة ابن وقاص وهو عن عمرو قد تلقته «1» الامة بالقبول واجمعوا على ان كل عبادة مقصودة لا يصح الا بالنية وكان القياس ان يشترط اقتران النية بتمام العبادة لكن سقط ذلك للزوم الحرج فاشترط في الصلاة اقترانها بجزئها الاول اعنى التحريمة حتى تعتبر باقيه حكما مع جميع اجزائها- ولم يشترط ذلك في الصوم اجماعا لان الجزء الاول من الصوم حين طلوع الفجر او ان غفلة غالبا فجوزوا الصوم بنية سبقت من شروعه وتعتبر باقية اجماعا ما لم يرفض- واختلفوا في انه هل يجوز الصوم بنية بعد طلوع الفجر أم لا- فقال ابو حنيفة يصح أداء صوم رمضان والنذر المعين والنفل بنية قبل نصف النهار الشرعي وقال الشافعي واحمد يصح النفل بنية قبل الزوال لا غير وقال مالك لا يصح شىء من الصيام بنية من النهار وهو القياس- ويؤيده حديث حفصة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له- رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وابن ماجة والدارقطني والدارمي- وفي رواية فلا يصوم وفي رواية لا صيام لمن لم يفرضه من الليل وفي رواية من لم يثبت الصيام قبل الفجر فلا صيام له- فان قيل قال ابو داود لا يصح رفعه- وقال الترمذي الموقوف أصح- قلنا رفعه ابن جريح وعبد الله بن ابى بكر كلاهما عن الزهري عن سالم عن

_ (1) فى الأصل تلقت

أبيه عنها- وابن جريح وعبد الله بن ابى بكر من الثقات والرفع زيادة والزيادة من الثقة مقبولة ومن عادة المحدثين الوقوف عند الموقوف والمرسل- وكون الموقوف أصح لا ينافي صحة المرفوع- وقال الحاكم في المرفوع انه صحيح على شرط الشيخين- وقال في المستدرك صحيح على شرط البخاري- وقال البيهقي والدارقطني رواته كلهم ثقات- وفي الباب حديث عائشة من لم يثبت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له- رواه الدارقطني وقال رجاله ثقات- لكن فيه عبد الله بن عباد ذكره ابن حبان في الضعفاء وفيه يحيى بن أيوب ليس بالقوى- وحديث ميمونة بنت سعد مرفوعا من اجمع الصوم من الليل فليصم ومن أصبح فلم يجمعه فلا يصم- رواه الدارقطني وفيه الواقدي ليس بشىء- واحتجوا على جواز النقل بنية من النهار بحديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل علىّ قال هل عندكم طعام فاذا قلنا الا قال انى صائم فدخل علىّ يوما فقلت يا رسول الله اهدى لنا حيس فقال ادنيه ولقد أصبحت صائما- وفي رواية لمسلم قال هل عندكم شىء قلت ما عندنا شىء قال فالى صائم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاهديت لنا هدية فلما رجع قالت أهديت لنا هدية قال ما هو قلت حبس قال هاتيه فجئت به فاكل ثم قال قد كنت أصبحت صائما- وأجيب بانه لا يدل هذا الحديث على ان النبي صلى الله عليه وسلم نوى الصوم من النهار بعد ما لم يكن ناويا للصوم من الليل بل الظاهر انه كان يصبح صائما ناويا للصوم من الليل ثم يأتى اهله فقد يفطر الصوم النافلة- ويدل عليه قوله قد كنت أصبحت صائما- وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ- العكوف هو الاقامة على الشيء والاعتكاف في الشرع هو الاقامة في المسجد على عبادة الله تعالى مع النية- قال البغوي الاية نزلت في نفر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعتكفون في المسجد فاذا عرضت لرجل منهم الحاجة الى اهله خرج إليها فجامعها ثم اغتسل فرجع الى المسجد فنهوا عن ذلك ليلا ونهارا حتى يفرغوا من اعتكافهم فالجماع يفسد به الاعتكاف ويحرم فيه اجماعا غيران الشافعي يقول بالوطى ناسيا لا يفسد الاعتكاف قياسا على الصوم قلنا ان حالة الاعتكاف مذكرة بخلاف الصوم وعن الحسن البصري والزهري من باشر اهله معتكفا فعليه كفارة اليمين والإجماع على انه لا كفارة عليه- ولو قبّل او لمس بشهوة فانزل يبطل الاعتكاف بالإجماع وان لم ينزل يحرم اجماعا ولا يبطل الاعتكاف الا عند مالك- واما اللمس الذي لا يقصد به التلذذ

فلا بأس به- عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف ادنى الىّ رأسه فارجّله- متفق عليه- وكان لا يدخل البيت الا لحاجة الإنسان- رواه مسلم- وقوله تعالى وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ يدل على ان الاعتكاف لا يكون الا في المسجد وهو مسجد الجماعة دون مسجد البيت- وإطلاقه يدل على انه يجوز الاعتكاف في كل مسجد ولا يختص بالمسجد الحرام او مسجد النبي صلى الله عليه وسلم- او المساجد الثلاثة يعنى المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولا بمسجد الجمعة- وروى عن حذيفة الاختصاص بالمساجد الثلاثة وعن عطاء بمسجد مكة وعن ابن المسيب بمسجد المدينة وعند مالك يختص بمسجد الجمعة وأوى اليه الشافعي في القديم- قال ابن عباس ابغض الأمور البدع وان من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور- أخرجه البيهقي- وعن على قال لا اعتكاف الا في مسجد جماعة- رواه ابن ابى شيبة وعبد الرزاق في مصنفهما- وعن حذيفة قال اما انا قد علمت انه لا اعتكاف الا في مسجد جماعة- رواه الطبراني- وروى ابن الجوزي عن حذيفة مرفوعا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل مسجد له مؤذن وامام فالاعتكاف فيه يصلح قال ابن الجوزي هذا في نهاية الضعف- وعن عائشة قالت السنة على المعتكف ان لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امراة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة الا ما لا بد منه ولا اعتكاف الا بصوم ولا اعتكاف الا في مسجد جامع رواه ابو داود وفي رواية لا اعتكاف الا في مسجد جماعة (مسئلة) الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان سنة مؤكدة لحديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى يتوفاه الله عز وجل ثم اعتكفه أزواجه من بعده- متفق عليه وحديث ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان- يتفق عليه وعن انس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاما فلما كان العام المقبل اعتكف العشرين- رواه للترمذى ورواه ابو داود وابن ماجة عن ابى بن كعب- قلت لكن تركه اكثر الصحابة قال ابن نافع انه كان كالوصال وأراهم تركوه لشدته ولم يبلغنى عن أحد من السلف انه اعتكف الا عن ابى بكر بن عبد الرحمن- وقال الحافظ قد حكيناه عن غير واحد من الصحابة- قلت ومن أجل تركه من اكثر الصحابة قال بعض الحنفية انه سنة على الكفاية والله اعلم تِلْكَ الاحكام التي ذكرت من حرمة الاكل والشرب والجماع في الصوم وحرمة المباشرة

[سورة البقرة (2) : آية 188]

فى الاعتكاف حُدُودُ اللَّهِ اى ما منع الله عنها واصل الحد المنع فَلا تَقْرَبُوها نهى عن اقترابها فضلا ان يتخطى عنها مبالغة في المنع وقد مرّ في أوائل السورة قوله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في المشتبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك ان يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في ارضه محارمه- متفق عليه ولاجل حرمة الاقتراب بالمحرم الحق الائمة دواعى الجماع من اللمس بشهوة ونحوها بالجماع فقالوا بحرمتها في الصوم والاعتكاف وان انزل باللمس او القبلة فسد الصوم والاعتكاف والله اعلم- كَذلِكَ اى كما بينا تلك الاحكام يُبَيِّنُ اللَّهُ سائر آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) اى لكى يتقوا مخالفة الأوامر والنواهي- فيتقون من النار. وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ كالدعوى الزور والشهادة بالزور او الحلف بعد إنكار الحق او الغصب والنهب والسرقة والخيانة او القمار واجرة المغني ومهر البغي وحلوان الكاهن وعسب التيس والعقود الفاسدة او الرشوة وغير ذلك من الوجوه الّتى لا يبيحه الشرع- وبين منصوب على الظرف او الحال من الأموال والاية بنزلت في امر القيس بن عابس الكندي ادعى عليه ربيعة بن عبدان الحضرمي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا انه غلبنى عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمى ألك بينة قال لا قال فلك يمينه فانطلق يحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- اما ان حلف على ماله ليأكل ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض- كذا اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ عطف على المنهي- او نصب بإضمار أن اى ولا تلقوا حكومتها الى الحكام- قال مجاهد يعنى لا تخاصم وأنت ظالم وقال ابن عباس هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه بينة فيجحد المال ويخاصم به الى الحاكم ليحلف كاذبا- وقال الكلبي هو ان يقيم الشهادة الزور- قلت واللفظ يعم ذلك كله لِتَأْكُلُوا بالتحاكم فَرِيقاً طائفة مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ اى بما يوجب الإثم كالشهادة الزور واليمين الكاذبة او متلبسين «1» بالإثم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) انكم مبطلون بخلاف الحكام فانهم لا يعلمون بحقيقة الحال

_ (1) فى الأصل متلبسين

[سورة البقرة (2) : آية 189]

وانما يحكمون بالظاهر فالحاكم ان حكم على حسب الشرع من غير ميل الى أحدهما فهو مأجور وان كان المحكوم له اثما وبهذا يظهران قضاء القاضي لا يحل حراما عن أم سلمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انما انا بشر وأنتم تختصمون الىّ ولعل بعضكم ان يكون الحسن بحجته من بعض فاقضى له على نحو ما اسمع منه فمن قضيت له بشىء من حق أخيه فلا يأخذنه فانما اقطع له قطعة من النار- رواه الشافعي عن مالك وفي الصحيحين نحوه وقال ابو حنيفة رحمه الله فى حرمة المال على المبطل بنحو ما قالوا غير انه يقول- قضاء القاضي في العقود والفسوخ ينفذ ظاهرا وباطنا خلافا للجمهور احتج ابو حنيفة بما روى ان شاهدين شهدا عند على عليه السلام على امراة بالنكاح فقضى به فقالت المرأة انه لم يكن بيننا نكاح فان كان ولا بد فزوجنى منه فقال على عليه السلام- شاهداك زوجاك- والله اعلم. يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الانصاريين قالا يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يمتلى نورا ثم يعود دقيقا كما بدا لا يكون على حال واحد- كذا ذكر البغوي- وأخرجه ابو نعيم وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق السدى الصغير عن ابن عباس- واخرج ابن ابى حاتم من طريق العوفى عنه قال سال الناس عن الاهلة فنزلت- واخرج ابن ابى حاتم عن ابى العالية قال- بلغنا انهم قالوا يا رسول الله لم خلقت الاهلة فنزلت قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ- ان كان السؤال عن الحكمة في اختلاف حال القمر وتبدل امره فقد طابق الجواب السؤال حيث امر الله سبحانه بان يجيب بان الحكمة الظاهرة في ذلك ان يكون معالم للناس يوقتون بها أمورهم ومعالم للعبادات الموقتة كالحج والصوم وغير ذلك يعرف بها أوقاتها- وان كان السؤال عن علة تبدل احوال القمر وهو الظاهر فهو جواب على اسلوب الحكيم تنبيها بان اللائق بحال السائل ان يسئل بالفائدة دون العلة إذ لا فائدة في ذلك السّؤال إذ حينئذ يلزمه الاشتغال بما لا يعنيه وهذا يدل على ان الاشتغال بالعلوم الغريبة كالهيئة والنجوم وغير ذلك مما ليس فيه فائدة دينية معتدة بها لا يجوز والمواقيت جمع ميقات اسم فمعز الدولة من الوقت والمراد به ما يعرف به اوقات الحج والصوم وآجال الديون وانقضاء العدة وغير ذلك-

وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ قرا ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي البيوت «1» والعيون والشيوخ وابن عامر وحمزة والكسائي جيوبهن وحمزة وابو بكر الغيوب بكسر اوائلهن لمكان الياء والباقون بالضم على الأصل مِنْ ظُهُورِها روى البخاري عن البراء قال كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيوت من ظهورها فانزل الله الاية- واخرج ابن ابى حاتم والحاكم وصححه عن جابر قال كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب فى الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا يا رسول الله ان قطبة رجل فاجر وانه خرج معك من الباب فقال ما حملك على ما فعلت. قال رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت فقال انى رجل احمسى قال فان دينى دينك فانزل الله- واخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه- واخرج عبد بن حميد عن قيس بن جبير نحوه ولكن فيه رفاعة بن نابوت مكان قطبة بن عامر- وذكر البغوي انه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيتا لبعض الأنصار فدخل رفاعة على اثره من الباب الحديث- وقال الزهري كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شىء وكان الرجل يخرج مهلّا بالعمرة فيبدو له الحاجة بعد ما يخرج من بيته فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب فيفتح الجدار من ورائه ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته حتى بلغ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل زمن الحديبية بالعمرة فدخل حجرة فدخل رجل على اثره من الأنصار من بنى سلمة الحديث- ووجه العطف وعدم الفصل اما انهم سالوا الامرين معا في حادثة واحدة- او انه لما سالوه عما لا يعنونه ولا يتعلق بعلم النبوة وتركوا السؤال عما يعنونه ويختص بعلم النبوة عقب بذكره كانّه قال اللائق ان يسئلوا أمثال ذلك- ويمكن ان يقال السؤال عن حقائق الممكنات على وجه لا يفيد يشبه دخول البيت من ظهرها فان الخوض في العلوم بمنزلة الدخول في البيت فكما ان الموضوع

_ (1) البيوت قراء قالون وابن كثير وابن عامر ابو بكر وحمزة والكسائي وخلف والعيون والشيوخ قراهما ابن كثير وابن ذكوان وابو بكر وحمزة والكسائي جيوبهن قراه ابن كثير وابن ذكوان وحمزة والكسائي الغيوب إلخ- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة البقرة (2) : آية 190]

لاجل الدخول في البيت انما هو الباب ليستمتع بمنافع البيت كذلك الموضوع للخوض والتفكر في الحقائق وجوه منافعها والاستدلال على صانعها دون افعال النفس فيما لا يجد به من مسائل الهيئة وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى قد مرّ وجه الحمل واختلاف القراء فيما سبق وَأْتُوا الْبُيُوتَ فى حالة الإحرام مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما حرم عليكم لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) لكى تفوزوا بالبر اخرج الواحدي عن ابى صالح عن ابن عباس لما صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت عام الحديبية ثم صالحه المشركون على ان يرجع عامه «1» ويأتى القابل- فلما كان العام القابل تجهز هو وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا ان لا يفىء قريش بذلك وان يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام فانزل الله تعالى. وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فى طاعة الله الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ يعنى الذين يتوقع منهم القتال وَلا تَعْتَدُوا بقتل النساء والصبيان والشيوخ الكبار والرهبان ومن القى إليكم السلم- عن بريدة رضى الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا قال اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا امراة ولا وليدا ولا شيخا كبيرا- رواه البغوي وروى مسلم في حديث طويل وفيه ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا- وعن عبد الله بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان- متفق عليه وعن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انطلقوا بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امراة ولا تغلوا وضموا غنائكم وأصلحوا وأحسنوا ان الله يحب المحسنين- رواه ابو داود فعلى هذا التأويل الاية محكمة غير منسوخة وهو قول ابن عباس ومجاهد- وقيل كان في ابتداء الإسلام امر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالكف عن قتل المشركين ثم لمّا هاجر الى المدينة امره بقتال من قاتلهم منهم بهذه الاية قال الربيع هذه اوّل اية نزلت في القتال ثم امر بقتال المشركين كافة قاتلوا او لم يقاتلوا بقوله تعالى وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً- فحينئذ معنى قوله تعالى وَلا تَعْتَدُوا اى لا تبدوهم بالقتال إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) اى لا يريد بهم الخير. وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ قال مقاتل بن حبان هذه الاية منسوخة

_ (1) فى الأصل على الا يرجع عامة القابل 12

[سورة البقرة (2) : آية 192]

بقوله تعالى وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ- قلت بل هى مخصصة لاجل اقترانهما مثل قوله تعالى أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا إذا الناسخ انما يكون متراخيا- الثقف الحذق بالشيء في إدراكه علما كان او عملا فهو يتضمن معنى الغلبة فالمعنى حيث تمكنتم على قتلهم وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ يعنى من مكة وقد فعل ذلك بمن لم يسلم يوم الفتح وَالْفِتْنَةُ يعنى شركهم بالله تعالى وصدهم إياكم عن المسجد الحرام أَشَدُّ أعظم وزرا عند الله مِنَ الْقَتْلِ اى قتلكم إياهم ومن ثم اباحه الله تعالى لكم كذا اخرج ابن جرير عن مجاهد والضحاك وقتادة والربيع وابن زيد وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعنى في الحرم حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فى الحرم فَاقْتُلُوهُمْ فيه- قرا حمزة والكسائي ولا تقتلوهم حتّى يقتلوكم فان قتلوكم بغير الف فيهن من القتل على معنى ولا تقتلوا بعضهم حتى يقتلوا بعضكم يقول العرب قتلنا بنوا فلان يعنى قتل بعضنا وقرا الباقون بالألف- قيل كان هذا في ابتداء الإسلام كان لا يحل بدايتهم بالقتال فى البلد الحرام ثم صار منسوخا بقوله تعالى وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ هذا قول قتادة وقال مقاتل نسخها اية السيف في براءة والحق عندى ان هذه الاية محكمة ولا يجوز ابتداء القتال في الحرم وبه قال مجاهد وجماعة- ويؤيده ما رواه الشيخان عن ابن عباس وابى هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة وانه لن يحل القتال فيه لاحد قبلى ولم يحل لى الا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده الحديث- وعن جابر مرفوعا لا يحل لاحدكم ان يحمل بمكة السلاح رواه مسلم كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) يفعل بهم مثل ما فعلوه. فَإِنِ انْتَهَوْا عن القتال والكفر فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يغفر لهم ما قد سلف رَحِيمٌ (192) بالعباد. وَقاتِلُوهُمْ يعنى المشركين حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ اى شرك وفساد وَيَكُونَ الدِّينُ الطاعة والعبادة لِلَّهِ وحده ولا يعبد غيره عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا الله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة

[سورة البقرة (2) : آية 194]

ويؤتوا الزكوة فاذا فعلوا ذلك عصموا منى دماؤهم وأموالهم الا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى- متفق عليه ولا دليل في هذه الاية على ان الوثني لا يقبل منه الا الإسلام فان ابى قتل كما قال البغوي إذ لا فرق بين الوثني والمجوسي والكتابي فان الدين عند الله الإسلام والفتنة كما يكون بالوثنى يكون بالكتابي والمجوسي ايضا وينتهى منهما بالانقياد وقبول الجزية ولولا قوله تعالى حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ لما قبل من أحد منهم الجزية- ثم لما ثبت أخذ الجزية عن اهل الكتاب بهذه الاية مع كونهم على الدين الباطل ثبت أخذ الجزية عن المجوسي والوثني ايضا بالقياس عند ابى حنيفة رحمه الله خلافا لغيره وسنذكر مسئلة الجزية فى سورة التوبة ان شاء الله تعالى فَإِنِ انْتَهَوْا عن الشرك او الحرب بإعطاء الجزية فَلا عُدْوانَ الفاء الاول للتعقيب والثانية للجزاء اى لا سبيل الى القتل والاسر والنهب إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) اى على الذين بقوا على الشرك والحرب كذا قال ابن عباس في تأويل العدوان كما في قوله تعالى أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ او يقال سمى جزاء العدوان عدوانا للمشاكلة كما في قوله تعالى. فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ قلت ويحتمل ان يقال فى التأويل فان انتهوا فلا عدوان اى لا اثم العدوان الا على الظالمين فانكم ان تعرضتم للمنتهين صرتم ظالمين وينعكس الأمر- عن المقداد بن الأسود انه قال يا رسول الله ارايت ان لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب احدى يدى بالسيف فقطعها ثم لازمنى بشجرة فلما أهويت لا قتله قال لا الله الا اللهء أقتله بعد ان قالها- قال لا تقتله قال يا رسول الله انه قطع احدى يدى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله فان قتلته فانه بمنزلتك قبل ان تقتله وأنت بمنزلته قبل ان يقول كلمة التي قال- متفق عليه واخرج ابن جرير عن قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خرجوا معتمرين ومعهم الهدى في ذى القعدة سنة ست فصده المشركون بالحديبية فصالح اهل مكة على ان ينصرف عامه ذلك ويأتى من قابل فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضى عمرته في ذى القعدة سنة سبع واقام بمكة ثلث ليال وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه فانزل الله تعالى الشَّهْرُ الْحَرامُ يعنى ذى القعدة اللاتي دخلتم بمكة فيه وقضيتم عمرتكم بِالشَّهْرِ الْحَرامِ

[سورة البقرة (2) : آية 195]

الذي صددتم فيه وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ والقصاص المساواة يعنى كل حرمة يجرى فيها القصاص والمساواة وقيل هذه الاية في محل التعليل لما سبق من قوله تعالى وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا- يعنى لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء وخاف المسلمون ان لا يف المشركون بعهدهم ويصدوهم عن البيت كما فعلوا في العام الماضي ويقع القتال في الحرم والإحرام والشهر الحرام فامرهم الله تعالى بالقتال وقال الشهر الحرام بالشهر الحرام يعنى ان هتكوا حرمة الحرم والشهر ويقاتلوكم فقاتلوهم فيه فانه قصاص لما فعلوا وهذا التأويل أوفق بالسياق حيث قال الله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ في الحرم والشهر الحرام وأنتم محرمون فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ سمى الجزاء باسم الابتداء للمشاكلة وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما لم يرخص لكم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) فينصرهم ويصلح شأنهم-. وَأَنْفِقُوا أموالكم فِي سَبِيلِ اللَّهِ فى الجهاد وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ قيل الباء زائدة وعبر بالأيدي عن الأنفس وقيل فيه حذف اى لا تلقوا أنفسكم بايديكم يعنى باختياركم والإلقاء طرح الشيء وعدى بالى لتضمن معنى الانتهاء- والقى بيده لا يستعمل الا في الشر إِلَى التَّهْلُكَةِ اى الهلاك- قيل كل شىء يصير عاقبته الى الهلاك فهو التهلكة وقيل التهلكة ما يمكن الاحتراز عنه والهلاك ما لا يمكن الاحتراز عنه روى البخاري عن حذيفة قال نزلت هذه الاية في النفقة واخرج ابو داود والترمذي وصححه ابن حبّان والحاكم وغيرهم عن ابى أيوب الأنصاري رضى الله عنه قال نزلت هذه الاية فينا معشر الأنصاري لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا ان أموالنا قد ضاعت وان الله تعالى قد أعز الإسلام فلو أقمنا في أموالنا فاصلحنا ما ضاع منها- فانزل الله تعالى يردّ علينا ما قلنا فكانت التهلكة الاقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو- قلت المعنى انكم لو تركتم الغزو يغلب عدوكم عليكم فتهلكون- قال البغوي فما زال ابو أيوب رضى الله عنه يجاهد في سبيل الله حتى كان اخر غزوة غزاها بقسطنطنية فاستشهد ودفن في اصل سور قسطنطنية وهم يستسقون به وروى عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات ولم يغز ولم يحدث

[سورة البقرة (2) : آية 196]

نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق- وقال بعضهم نزلت الاية في البخل وترك الانفاق فى سبيل الله وهو قول حذيفة والحسن وقتادة وعكرمة وعطاء وبه قال ابن عبّاس اخرج الطبراني بسند صحيح عن ابى جبيرة بن الضحاك قال كانوا «1» يتصدقون ويعطون ما شاء الله فاصابتهم سنة فامسكوا فانزل الله تعالى هذه الاية- وقال محمد بن سيرين وعبيدة السلماني الإلقاء الى التهلكة القنوط من رحمة الله- كذا قال ابو قلابة اخرج الطبراني بسند صحيح عن النعمان بن بشير قال كان الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفر الله لى فانزل الله تعالى وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وله شواهد عن البراء أخرجه الحاكم وَأَحْسِنُوا أعمالكم وأخلاقكم وتفضلوا على المحاويج اعلم ان الإحسان يكون في العبادات ويكون في المعاملات اما الذي في العبادات فما في الصحيحين في حديث طويل عن عمر بن الخطاب قال قال يعنى جبرئيل أخبرني عن الإحسان قال عليه السلام ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك يعنى بالحضور والخشوع- واما الذي في المعاملات فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك- رواه احمد عن معاذ وقال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده رواه اصحاب السنن عن ابى هريرة ورواه احمد عن عمرو بن عنبسة في جواب اىّ الإسلام أفضل وقال ان من احبّكم الىّ أحسنكم أخلاقا- رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو وفي الصحيحين بلفظ من خياركم أحسنكم أخلاقا- وقال ان الله تعالى كتب الإحسان على كل شىء فاذا قتلتم فاحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته- رواه مسلم عن شداد بن أوس إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) . وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ هذه الاية حجة على وجوب الحج والعمرة ووجوب إتمامهما وعدم جواز فسخ الحج بالعمرة- اما وجوب الحج فقد انعقد الإجماع على انه فرض محكم على الأعيان وهو أحد اركان الإسلام قال الله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى الإسلام على خمس شهادة ان لا الله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وإيتاء الزكوة والحج وصوم رمضان- متفق عليه وفي الباب أحاديث كثيرة- واما وجوب العمرة فهو مذهب احمد وبه قال الشافعي في أصح قوليه وهو مروى عن

_ (1) فى الأصل كانت 12

ابى حنيفة رحمهم الله وقال مالك العمرة سنة وهو المشهور من مذهب ابى حنيفة وأحد قولى الشافعي وتأويل الاية عندهم انها تجب بالشروع كالحج بالإجماع- ويدل على ما قال به احمد قراءة علقمة وابراهيم النخعي واقيموا الحجّ والعمرة لله وهى قراءة على عليه السّلام أخرجه ابن جرير وابن ماجة وابن حبان ومن الأحاديث ما رواه ابن خزيمة والدارقطني وابن حبان والحاكم في كتابه المخرج على صحيح مسلم عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب حديث تعليم جبرئيل وفيه قال يا محمد أخبرني عن الإسلام قال ان تشهد ان لا الله الا الله وان محمدا رسول الله وان تقيم الصلاة وتؤتى الزكوة وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان- وهذه الزيادة يعنى قوله وتعتمر وان لم يذكر في الصحاح لكن رواه الثقات وحكم الدارقطني عليه بالصحة وذكره ابو بكر الجوسعى فى كتابه المخرج على الصحيحين فهى مقبولة ومنها حديث عائشة قالت يا رسول الله على النساء جهاد قال عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة- رواه ابن ماجة ومنها أحاديث اخر ضعاف لم نذكرها- واثار الصحابة قال الضبي بن معبد لعمر رايت الحج والعمرة مكتوبتين علىّ فاهللت بهما فقال عمر هديت سنة نبيك- أخرجه ابو داود وقال ابن عمر ليس في خلق الله أحد الا عليه حج وعمرة واجبتان من استطاع اليه سبيلا- رواه ابن خزيمة والدارقطني والحاكم وسنده صحيح وعلقه البخاري- واثر ابن عباس رواه الشافعي وعلقه البخاري- واحتج القائلون بكونها سنة بأحاديث منها حديث جابر بن عبد الله اتى أعرابي فقال يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وان تعتم خير لك- رواه الترمذي واحمد والبيهقي من رواته الحجاج بن ارطاة وهو مدلس متروك تركه ابن مهدى والقطان ويحيى بن سعين واحمد بن حنبل وابن المبارك والنسائي لكن قال الذهبي صدوق وقال الترمذي الحديث حسن صحيح- ورواه البيهقي من طريق اخر وفيه يحيى بن أيوب قال احمد سيىء الحفظ وقال ابو حاتم لا يحتج به لكن قال ابن معين صالح وقال ابن عدى صدوق قلت وتعارض هذا الحديث ما روى عن جابر مرفوعا الحج والعمرة فريضتان أخرجه ابن عدى من طريق ابن لهيعة لكن ابن لهيعة ضعيف- ومنها حديث ابى امامة مرفوعا من مشى الى صلوة مكتوبة فاجره كحجة ومن مشى الى صلوة تطوع فاجره كعمرة- رواه الطبراني

من طريق يحيى بن الحارث- ومنها حديث عبد الله بن قانع عن ابى هريرة مرفوعا الحج جهاد والعمرة تطوع- ورواه الشافعي عن ابى صالح الحنفي مرسلا وحديث طلحة بن عبد الله وابن عباس مرفوعا نحوه رواه البيهقي قال الدارقطني عبد الله بن قانع كان يخطئ وقال الترقانى ضعيف لكن قال الشيخ تقى الدين هو من كبار الحفاظ- وابو صالح الحنفي اسمه ماهان ضعفه ابن حزم لكن قال ابن همام تضعيفه ليس بصحيح وثقه ابن معين وروى عنه جماعة وفي حديث طلحة عمرو بن قيس فيكلم فيه قال الحافظ اسناده ضعيف وحديث ابن عباس في سنده مجاهيل وفي الباب اثار الصحابة قال ابن مسعود الحج فريضة والعمرة تطوع رواه ابن ابى شيبة قال ابن همام كفى بعبد الله قدوة- واثر ابى هريرة مثل مرفوعه قال الدارقطني في مرفوعه الصحيح انه موقوف واثر جابر مثل مرفوعه فالتحقيق ان الأحاديث في الباب متعارضة وكذا الآثار قال ابن همام إذا تعارضا لا يثبت الوجوب بالشك وقال صاحب الهداية لا تثبت الفرضية مع التعارض- وقول صاحب الهداية اولى فان الفريضة تبتنى على القطع فالاولى ان يقال بالوجوب دون الفريضة عند التعارض احتياطا كيلا يلزم تكرار النسخ- واما عدم جواز فسخ الحج بالعمرة فمذهب الجمهور محتجين بهذه الاية خلافا لاحمد وله قصة حجة الوداع- ان النبي صلى الله عليه وسلم امر الصحابة وكانوا مهلين بالحج ان يفسخوا الحج ويجعلوها عمرة وقال اجعلوا اهلالكم بالحج عمرة الا من قلد الهدى- وشهد على هذا بضعة عشر حديثا صحيحا بحيث يزيل الشك ويوجب العلم منها حديث ابى موسى الأشعري قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم الى قومى باليمن فجئت وهو بالبطحاء فقال بما أهللت- قال أهللت كاهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال هل معك من هدى قال لا فامرنى فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أحللت ثم أهللت بالحج يوم التروية- فقدم عمر (يعنى في خلافته) فقال ان نأخذ بكتاب الله فان الله امر بالإتمام قال الله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ- وان نأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فانه لم يحل حتى نحر الهدى- وعن جابر قال قد أهلوا بالحج مفردا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلوا من إحرامكم بطواف البيت والصفا والمروة وقصروا ثم اقيموا حلالا الحديث- وحديث ابن عباس أمرهم ان يجعلوها عمرة- وحديث

عائشة وحديث حفصة وفيه فما يمنعك يا رسول الله ان تحل معنا قال انى لبدت رأسى وقلدت هديى فلا أحل حتى انحر- وحديث ابن عمر وهذه الأحاديث الستة في الصحيحين- وحديث ابى سعيد الخدري عند مسلم- خرجنا نصرخ بالحج حتى إذا طفت بالبيت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها عمرة الا من كان معه هدى- وحديث انس مرفوعا عند البخاري لولا ان معنى الهدى لا حللت- وحديث البراء ورواه اصحاب السنن وحديث الربيع بن سبرة عن أبيه وغير ذلك سردناها في منار الاحكام- فان قيل أَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ قطعى وتخصيص القطعي ونسخه بأحاديث الآحاد لا يجوز- قلت هذه الأحاديث بلغت حد الشهرة بحيث لا ينكر ثبوت هذه «1» الوقعة على ان قوله تعالى وأتموا الحج عام خص منه البعض بقوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ- ثم اخرج النّبى صلى الله عليه وسلم من ذلك الحكم من فات حجه وأجاز له الخروج بافعال العمرة وعليه انعقد الإجماع فظهر ان الاية ظنى الدلالة جاز تخصيصه بخبر الآحاد قالوا فى جواب احتجاج احمد- ان ما احتججتم به كان مخصوصا بالصحابة دون غيرهم لحديث بلال بن حارث قال قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة قال بل لنا خاصة- رواه ابو داؤد والنسائي قال ابن الجوزي لا يروى ذلك غير عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال ابو حاتم لا يحتج به وقال احمد لا يصح حديث في ان الفسخ كان لهم خاصة- قلت ولولا ما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قوله- متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا احرمهما- يعنى اظهر حرمتهما التي ثبت عندى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا احرمهما- يعنى اظهر حرمتهما التي ثبت عندى من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يندفع أحاديث فسخ الحج بحديث بلال المذكور فانه ضعيف في الظاهر لكن قول عمر يدل على صحة ذلك الحديث معنى وقد مر قول عمر في حديث ابى موسى الأشعري المتفق عليه انه قال في خلافته- ان نأخذ بكتاب الله الحديث وكذا اثر عثمان انه سئل عن متعة الحج قال كان لنا ليست لكم- رواه ابو داود بإسناد صحيح ولو لم يثبت عند عمر وعثمان اختصاص الفسخ بالصحابة لما خالفا امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما احتج عمر بالآية الظنى الدلالة في مقابلة ما سمعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم امره بالفسخ المفيد للقطع في حقهما والله اعلم- والمراد بالمتعة في قول عمر وعثمان انما هو فسخ الحج بالعمرة دون التمتع بالعمرة الى الحج الذي نطق به كتاب الله تعالى بحيث لا مرد له وانعقد عليه

_ (1) فى الأصل هذا الوقعة

الإجماع كيف وقد قال عمر للضبىّ بن معبد حين قال أهللت بهما هديت سنة نبيك «1» أخرجه ابو داود ويؤيد حديث بلال اثر ابى ذر انه كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة لم يكن ذلك الا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابو داود وفي رواية عنه انما كانت المتعة لنا خاصة- قال ابن الجوزي اثر ابى ذر يرويه رجل من اهل الكوفة لم يلق أبا ذر قلت فهو مرسل والمرسل عندنا حجة والله اعلم- فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ يعنى عن الحج او العمرة التي أمرتم بإتمامها كما يقتضيه السياق والاية نزلت في قصة الحديبية باتفاق اهل النقل- وقد صح انه صلى الله عليه وسلم كان عام الحديبية محرما بالعمرة فاحصر فتحلل فهو حجة على مالك حيث يقول في رواية ان الإحصار خاص بالحج لا يجوز التحلل بالاحصار في العمرة- ومعنى أحصرتم اى منعتم من الوصول الى البيت الحرام والمضي على الإحرام بعد ومسلم او كافرا ومرض يمنعه من المضي او هلاك نفقة- او موت محرم للمرءة ونحو ذلك كذا فسر ابو حنيفة رحمه الله لان الإحصار والحصر في اللغة المنع باىّ سبب كان بل غالب استعمال الإحصار في الإحصار بالمرض ونحوه نقل عن الفراء والكسائي والأخفش وابى عبيدة وابن السكيت وغيرهم من اهل اللغة ان الإحصار بالمرض والحصر بالعدوّ وقال ابو جعفر النحاس على ذلك جميع اهل اللغة قلت المراد بقولهم الإحصار بالمرض والحصر بالعدو ان غالب الاستعمال هكذا- لا ان الإحصار خاص بالمرض حتى يرد عليهم ان الاية نزلت في قصة الحديبية ثبت ذلك في المتفق عليه من رواية جماعة من الصحابة- وقال الشافعي لا خلاف فى ذلك- وقال البغوي الحصر والإحصار بمعنى واحد يقول العرب حصرت الرجل عن حاجته فهو محصور واحصره العدوّ إذا منعه من السير فهو محصر- فالاية بعموم لفظه حجة لابى حنيفة على مالك والشافعي واحمد حيث قالوا لا حصر إلا حصر العدوّ- روى الشافعي هذا اللفظ بإسناد صحيح عن ابن عباس- وقالوا ان الاية نزلت فيه- قلنا العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص سبب النزول فان قيل سياق الاية يقتضى التخصيص حيث يقول الله تعالى فَإِذا أَمِنْتُمْ فان الامن يكون من الخوف

_ (1) روى عن عمر انه قال- افصلوا بين حجكم وعمرتكم اجعلوا الحج في أشهر الحج واجعلوا العمرة في غير أشهر الحج أتم لحجك وعمرتك- قلت لعل هذا ما هو الأفضل عند عمر رضى الله عنه 12 منه رحمه الله

قلنا هذا لا يدل على ان الإحصار لا يكون الا بالعدوّ بل يدل على ان الإحصار بالعدوّ ايضا إحصار كما في قوله تعالى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ- وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ- فانه لا يدل على ان المراد بالمطلقات الرجعيات فقط بل يدل على ان الرجعيات ايضا داخلة في المطلقات- احتجوا على تخصيص الإحصار بالعدوّ بحديث عائشة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها لعلك أردت الحج قالت والله ما أجدني الا وجعة فقال لها حجى واشترطى وقولى ان محلى حيث حبستنى متفق عليه- ولمسلم من حديث ابن عباس قصة ضباعة- ولابى داود والنسائي انها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انى أريد الحج فاشترط قال نعم قالت كيف أقول قال قولى لبيك اللهم لبيك محلى من الأرض حيث تحبسنى فان لك على ربك ما استثنيت- وصححه الترمذي وأعله بالإرسال قال العقيلي روى ابن عباس قصة ضباعة بأسانيد ثابتة جياد- وأخرجه ابن خزيمة من حديث ضباعة نفسها والبيهقي عن انس وجابر ولهذا قال احمد والشافعي لو اشترط جاز له التحلل بغير العدو- وصح القول بالاشتراط عن عمر وعثمان وعلى وعمار وابن مسعود وعائشة وأم سلمة وغيرهم من الصحابة- قال ابن الجوزي لو كان المرض يبيحها التحلل ما كان لاشتراطها معنى- قلنا حديث ضباعة من الآحاد لا يزاحم عموم الاية- وقيل الاشتراط منسوخ روى ذلك عن ابن عباس لكن فيه الحسن بن عمارة متروك- ووجه الجمع عندى ان حديث ضباعة محمول على الندب فمن خاف المرض او غير ذلك يستحب له ان يشترط عند الإحرام حتى لا يلزمه خلف الوعد وان كان ذلك جائزا بعذر- ويؤيد قول ابى حنيفة حديث عكرمة عن حجاج بن عمرو الأنصاري انه صلى الله عليه وسلم قال من كسر او عرج فقد حل وعليه الحج من قابل رواه الترمذي وابو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي وزاد ابو داود في رواية اخرى عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن حجاج عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عرج او كسر او مرض فذكر معناه قال الترمذي حديث حسن وذكر البغوي تضعيفه- قلت لا وجه للتضعيف الا انه قد اختلف فيه على يحيى بن كثير فاخرجه اصحاب السنن وابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طرق- قال الحافظ الصواب عن يحيى عن عكرمة عن الحجاج وقال في آخره عن عكرمة فسالت أبا هريرة وابن عباس

فقالا صدق- ووقع في رواية يحيى القطان وغيره في سياقه سمعت الحجاج وأخرجه ابو داود والترمذي من طريق معمر عن يحيى عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج قال الترمذي وتابع معمرا على زيادة عبد الله بن رافع معاوية بن سلام وسمعت محمدا يعنى البخاري يقول رواية معمر ومعاوية أصح قلت وهذا لا ينافي صحة الحديث لانه ان كان عكرمة سمعه من الحجاج بن عمرو فذاك والا فالواسطة بينهما عبد الله بن رافع ثقة وان كان البخاري لم يخرج له كذا قال الحافظ- قلت ويمكن ان عكرمة سمعه من الحجاج بلا واسطة وايضا سمعه من عبد الله بن رافع عن حجاج والله اعلم ومذهبنا مروى عن ابن مسعود فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ اى فعليكم ما استيسر او الواجب ما استيسر أو اهدوا ما استيسر من الهدى من بدنة او بقرة او شاة والشاة أدناه- وهذه الاية حجة على مالك حيث قال لا يجب عليه الهدى ثم القائلون بوجوب الهدى اختلفوا فقال الشافعي في رواية إذا لم بجد الهدى يطعم بقيمة الشاة طعاما وان لم يجد ما ينفق يصوم عن كل مد من الطعام يوما قياسا على دم الجناية وقال ابو حنيفة وهو القول الثاني للشافعى انه لا يجوز الا الهدى لان نصب الابدال بالرأى لا يجوز ودم الإحصار ليس من باب دم الجناية- وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ- واختلفوا في تفسير محله فقال ابو حنيفة رحمه الله محله الحرم- قال الله تعالى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ- ولان الاراقة لم يعرف قربة الا في زمان او مكان فلا يقع قربة دونه فلا يقع به التحلل فالواجب عنده انّ المحصر يبعث الهدى الى الحرم لا يجوز له الا ذلك ويعين يوما يذبح فيه ويحل المحصر في ذلك اليوم ولا يختص عنده للذبح يوم النحر وقال ابو يوسف ومحمد في الحج يختص الذبح بيوم النحر فلا حاجة الى تعينه عندهما- وقال مالك والشافعي واحمد محله هو ذبحه بالموضع الذي أحصر فيه سواء كان في الحل او في الحرم لحديث المسور بن مخرمة في قصة الحديبية قال فلما فرغ من قصة الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فو الله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات فلمّا لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقى من الناس فقالت أم سلمة يا نبى الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك

فيحلقك- فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما راوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما- رواه البخاري وروى يعقوب بن سفيان من طريق مجمع بن يعقوب عن أبيه قال لما حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا بالحديبية وحلقوا وبعث الله ريحا فحملت شعورهم فالقاها في الحرم- وذكر مالك فى المؤطا بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدى وحلقوا رءوسهم وحلوا من كل شىء- قال مالك والشافعي والحديبية خارج الحرم- وأجاب عنه الحنفية بوجهين- أحدهما ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث هديه الى الحرم مع ناجية بن جندب الأسلمي رواه الطحاوي بسنده عن ناجية- وكذا اخرج النسائي ثانيهما ان الحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم روى الطحاوي بسنده عن المسور ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالحديبية خباؤه في الحل ومصلاه في الحرم وإذا كان كذلك فالظاهر انهم نحروا في الحرم- قلت وحديث ناجية شاذ مخالف للمشهور ولو ثبت فلعل النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعض هداياه الى الحرم بعد ما نحر بعضها في الحل جمعا بين الروايتين- وايضا قوله تعالى هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ دليل واضح على ان الهدى لم يبلغ محله وهو الحرم وعلى ان محله هو الحرم لا غيره فالاحسن ما ذكر- البخاري تعليقا عن ابن عباس انه ينحر المحصر حيث أحصر ان كان لا يستطيع ان يبعث به الى الحرم وان استطاع يجب عليه ان يبعث فحينئذ معنى قوله تعالى وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ- ان استطعتم ذلك فهو عام خص منه البعض بفعل النبي صلى الله عليه وسلم الثابت بالأحاديث المشهورة وبقوله تعالى وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً والله اعلم فان قيل روى ابو داود عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن ميمون قال سمعت أبا حاصر الحميرى يحدث أبا ميمون بن مهران قال خرجت معتمرا عاما «1» حاصر اهل الشام ابن الزبير بمكة وبعث معى رجال من قومى بهدى فلما انتهينا الى اهل الشام منعونا ان ندخل الحرم فنحرت الهدى مكانى ثم أحللت ثم رجعت فلما كان من العام القابل خرجت لاقضى عمرتى فاتيت ابن عباس فسالته فقال أبدل الهدى فان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر أصحابه ان يبدلوا الهدى الذي نحروا عام الحديبية- فان هذا الحديث يقتضى ان

_ (1) فى الأصل عام حاصر

النحر خارج الحرم لا يجوز ويقتضى الاعادة- قلت محمد بن إسحاق مختلف فيه وقد مرّ ذكره- والحديث ترك الامة كلهم العمل به ولم يقل به أحد- وهاهنا خلافيات منها ان الواجب على القارن عند ابى حنيفة رحمه الله دمان لاجل إحرامي الحج والعمرة وعند الجمهور دم واحد قالوا الإحرام واحد فيكفيه دم واحد وعموم قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ يؤيد قول الجمهور ومنها ان التحلل يحصل بنفس الإحصار او بالذبح بعد الإحصار بنية التحلل او بالحلق بعد الذبح مع نية التحلل الثالث قول الشافعي والجمهور لهم ان بالاحصار سقط مناسك الحج دون احكام الإحرام والحلق عرف محللا فلا يسقط وكونه موقتا بالحرم من حيث انه محلل ممنوع والحجة على وجوب الحلق او القصر واولوية الحلق قوله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية يرحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين فقال في المرة الثالثة والمقصرين رواه الطحاوي من حديث ابن عباس وابى سعيد- وقال ابو حنيفة ومحمد ان أحصر في الحرم يجب عليه الحلق وان أحصر في الحل فلا حلق لان الحلق لم يعرف عبادة الا في زمان او مكان كذا في الكافي- وفي الهداية ان الحلق عندهما ليس بواجب والتحلل انما يحصل بالذبح وعند ابى يوسف يجب الحلق لان النبي صلى الله عليه وسلم امر بذلك عام الحديبية وان لم يفعل لا شىء عليه والتحلل يحصل بالذبح فقط وقال مالك التحلل يحصل بالاحصار والذبح ليس بواجب عليه والحجة عليه هذه الاية- احتج مالك بحديث جابر نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية سبعين بدنة كل بدنة عن سبعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشترك النفر في الهدى- رواه الدارقطني فان هذا الحديث مع ما رواه الشيخان عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم احرم بالعمرة سنة ست ومعه الف واربعمائة يدل على ان الهدى لا يجب على كل محصر والتحلل يحصل بمجرد النية دون الذبح لان سبعين بدنة لا يكفى الا لما دون خمسائة فبقى باقى الناس من لا هدى لهم قلت لعل باقى الناس ذبحوا غنما على ان هذا استدلال بحديث الآحاد في مقابلة القطعي من الكتاب فلا يقبل- والخلافية الثالثة ان المحرم بالعمرة او بالحج النافلة إذا أحصر وحل بالذبح هل يجب عليه القضاء فقال مالك والشافعي واحمد لا يجب عليه القضاء وقال ابو حنيفة يجب عليه

ان حلّ من حج حج وعمرة- ومن عمرة عمرة ومن قران حج وعمرتان قضاء لما فات- قال البيضاوي- اقتصاره سبحانه تعالى في الاية على الهدى دليل على عدم القضاء- وقال ابن الجوزي ان النبي صلى الله عليه وسلم احرم بالعمرة سنة ست ومعه الف واربعمائة كذا في الصحيحين ثم عاد في السنة الاخرى ومعه جمع يسير فلو وجب عليهم القضاء لنبههم على ذلك- وقد سبق الى ذلك القول الشافعىّ حيث قال قد علمنا في متواطى أحاديثهم إذا اعتمر عمرة القضاء تخلف بعضهم من غير ضرورة ولو لزمهم القضاء لامرهم- فان قيل لو لم يكن القضاء واجبا فلم سميت عمرة القضاء أجيب بانه انما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضات التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش- روى الواقدي عن ابن عمر قال لم يكن هذه العمرة قضاء ولكن كان على شرط قريش ان يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدوا فيه- لنا ان الأداء واجب بعد الشروع بالإجماع لقوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ولا حاجة في وجوب القضاء الى نص جديد وقوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ لا يدل الا على رخصة التحلل بعذر الإحصار لا على سقوط القضاء فلا يسقط وما احتجوا به فجوابه من وجهين أحدهما انه لا نسلم انه عاد معه في السنة الاخرى جمع يسير- ولا نسلم انه لم يأمرهم بالقضاء- وقد روى الواقدي في المغازي عن جماعة من مشائخه قالوا لما دخل «1» ذو القعدة سنة سبع امر النبي صلى الله عليه وسلم ان يعتمروا قضاء لعمرتهم التي صدوا عنها ولا يتخلف ممن شهد الحديبية فلم يتخلف الا من قتل بخيبر أو مات وخرج معه ناس ممن لم يشهد الحديبية وكان عدد من معه من المسلمين الفين - وخبر الواقدي في المغازي مقبول إذا لم يخالف الاخبار الصحيحة- ثانيهما ان جزم الشافعي بان جماعة تخلفوا بغير عذر انما هو مبنى على زعم الراوي وشهادته على نفى العذر غير مقبول فمن تخلف عن الخروج لعله كان له عذر وانهم قضوا عمرتهم بعد ذلك ولنا ايضا حديث حجاج بن عمر الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرج او كسر فقد حل وعليه الحج من قابل والله اعلم فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ ايها المحرمون مَرِيضاً بحيث يحوجه المرض الى الحلق أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ كجراحة او قمل فحلق فَفِدْيَةٌ اى فالواجب عليه فدية وكذلك الحكم على من تطيب او لبس المخيط بعذر قياسا على الحلق مِنْ صِيامٍ ثلثة ايام لانه ادنى الجمع ولا يشترط فيها التتابع لاطلاق النص

_ (1) فى الأصل ذى القعدة

أَوْ صَدَقَةٍ وهذا مجمل لحقه البيان من السنة روى البخاري عن كعب بن عجرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم راه وقمله تسقط على وجهه فقال أيؤذيك هوامّك قال نعم فامره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحلق وهو بالحديبية لم يتبين لهم انهم يحلون بها وهم على طمع ان يدخلوا مكة فانزل الله الفدية فامره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يطعم فرقا بين ستة مساكين او يهدى شاة او يصوم ثلثة ايام قلت والفرق ثلثة أصوع أَوْ نُسُكٍ جمع نسيكة اى ذبيحة أعلاها بدنة أوسطها بقرة أدناها شاة- وقوله من صيام بيان للفدية وكل هدى يلزم المحرم يذبح بمكة بالإجماع الا ما مر الخلاف في دم الإحصار فَإِذا أَمِنْتُمْ من الإحصار بان زال خوفكم من العدو او كنتم مرضى فبرئتم منه وأنتم ما أحللتم من إحرامكم او كنتم في سعة وأمن من الأصل فَمَنْ تَمَتَّعَ اى انتفع بالتقرب الى الله تعالى بِالْعُمْرَةِ فى أشهر الحج منضما إِلَى الْحَجِّ من تلك السنة فحينئذ يشتمل نظم القران التمتع والقران وقيل معناه من استمتع بعد التحلل من عمرته باستباحة محظورات الإحرام الى ان يحرم بالحج وحينئذ لا يشتمل القران وعلى هذا التأويل لا معنى للباء في قوله تعالى بالعمرة فان الاستمتاع حصل بالارتفاق بمحظورات الإحرام لا بالعمرة فالتأويل الاول اولى لفظا من أجل الباء ومعنى حيث يجب الهدى على القارن ايضا بالإجماع فَمَا اسْتَيْسَرَ يعنى فالواجب عليه شكر النعمة التمتع ما استيسر مِنَ الْهَدْيِ أدناه شاة هذا مذهب ابى حنيفة واحمد رحمهما الله فيجوز له أكله لانه دم شكر وقال الشافعي هو دم جبر لا يجوز للناسك الاكل منه- ولنا على جواز الاكل أحاديث منها حديث جابر الطويل قال فيه ثم امر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فاكلا يعنى النبي صلى الله عليه وسلم وعلىّ من لحمها وشربا من مرقها وجه الاحتجاج انه صلى الله عليه وسلم كان قارنا ولما امر ان يجعل من كل بدنة ببضعة فاكل منها ثبت الاكل من هدى القران والتطوع بل ثبت استحباب الاكل والا لما امر ببضعة كل منها واستدل ابن الجوزي في الباب بما روى عبد الرحمن بن ابى حاتم في سننة من حديث على قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدى التمتع ان أتصدق بلحومها سوى ما نأكل وهذا اصرح في الدلالة احتج الشافعي على حرمة الاكل من مطلق الهدايا الواجبة بحديث ناجية الخزاعي وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت يا رسول الله كيف اصنع بها عطب من البدن قال انحره واغمس نعله في دمه واضرب صفحه وخل بين الناس وبينه فليأكلوه- رواه مالك واحمد والترمذي

وابن ماجة وقال الترمذي حديث صحيح وفي رواية الواقدي ولا نأكل أنت ولا أحد من رفقتك منه شيئا دخل بينه وبين الناس- وكذا حديث ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة عشر بدنة مع رجل وامره «1» الحديث- وفيه ولا تأكل منها أنت ولا أحد من رفقتك- رواه مسلم وكذا حديث ذويب مثله رواه مسلم قلت لا مساس لهذه الأحاديث بالقران والتمتع لانه ليس شىء منها في حجة الوداع بل هى اما قصة الحديبية او غير ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحج بعدا هجرة سوى حجة الوداع فكيف يكون ذلك هدى تمتع بل هى هدى تطوع البتة ونحن نقول انه لا يجوز الاكل من هدى التطوع إذا عطب وذبحت فى الطريق والله اعلم ولا يجوز تقديم ذبح هدى التمتع قبل يوم النحر عنه ابى حنيفة والشافعي واحمد بل يجب ان بذبح بعد الرمي- وقال بعض اهل العلم يجوز قبل يوم النحر- لنا حديث حفصة قالت ما يمنعك يا رسول الله ان تحل معنا قال انى أهديت ولبدت ولا أحل حتى أنحر هديى- وقوله صلى الله عليه وسلم لولا انى سقت الهدى لا حللت- وقد مر الحديثان «2» - ولو كان ذبح هدى القران جائزا قبل يوم النحر لما صح اعتذاره عن عدم التحلل لسوق الهدى- والله اعلم فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الهدى فَصِيامُ يعنى فالواجب عليه صيام ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ يعنى في إحرام الحج أخرها يوم عرفة ولو صام قبل ذلك في الإحرام جاز اجماعا ولا يجوز بعد ذلك لعدم الإحرام بعد ذلك على ان الصوم يوم النحر وايام التشريق حرام فلا يتادى به الواجب في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم واليوم الاخر تأكلون فيه من نسككم- متفق عليه وكذا في المتفق عليه من حديث ابى سعيد وحديث ابى هريرة وغيرهم- وعن عمرو بن العاص انه قال لابنه في ايام التشريق انها الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومهن وامر بفطرهن رواه ابو داود وابن المنذر وصححه ابن خزيمة والحاكم- وروى مسلم عن كعب بن مالك مرفوعا ايام منى ايام أكل وشرب- وكذا عند مسلم عن بنشة الهذلي وحديث بشر بن سحيم مثله رواه النسائي بسند صحيح وحديث عقبة بن عامر رواه اصحاب السنن والحاكم وابن حبان بسند صحيح- وعند البزار عن عبد الله بن عمر مرفوعا ايام التشريق ايام أكل وشرب وصلوة فلا يصومها أحد- وفي الباب أحاديث كثيرة غيرها وقال مالك والشافعي واحمد المتمتع ان لم يجد الهدى ولم يصم قبل يوم النحر جاز له ان يصوم في ايام التشريق واما في يوم النحر فلا

_ (1) فى الأصل امراة (2) فى الأصل الحديثين-

[سورة البقرة (2) : آية 197]

يجوز اجماعا لحديث ابن عمر وعائشة قالا لم يرخص في ايام التشريق ان يصمن الا لمن لم يجد الهدى رواه البخاري- وروى البخاري عن ابن عمر رض قال الصيام لمن تمتع بالعمرة الى الحج الى يوم عرفة فان لم يجد هديا ولم يصم صام ايام منى- قالوا هذا في حكم المرفوع- قلنا لا نسلم انه في حكم المرفوع ولعل ابن عمر وعائشة افتيا يجوز الصوم في ايام التشريق استنباطا من قوله تعالى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ زعما منهما ان تلك الأيام ايضا من ايام الحج حيث يوجد بعض المناسك اعنى الرمي فيها- فان قيل ورد حديث ابن عمر عند الدارقطني بلفظ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدى ان يصوم ايام التشريق- وروى الطحاوي عن عائشة- وابن عمر نحوه قلنا في حديث ابن عمر يحيى بن سلام ليس بالقوى ضعفه الدارقطني والطحاوي- وايضا فيه ابن ابى ليلى طعن الطحاوي فيه بفساد الحفظ وحديث عائشة ايضا ضعيف فكيف يصادم أحاديث النهى قال الطحاوي قد توارت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصيام وهو مقيم بمنى والحاج مقيمون بها وفيهم المتمتعون- قلت بل كانوا كلهم متمتعين او قارنين فانه امر صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج الى العمرة في تلك السنة ثم بالإحرام يوم التروية فائدة وتأويل الاية على قول مالك والشافعي واحمد صيام ثلثة ايام في اركان الحج او ايام الحج قلت وهذا التأويل لا يصح فان اركان الحج لا يتصور ظرفا للصيام وايام الحج قد انتهت بعرفة كما سيجيئ ان المراد به بقوله تعالى. الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ شهران وتسعة ايام او عشرة ليال الى طلوع الصبح يوم النحر وايضا قوله تعالى فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ يستلزم ان لا يكون ايام التشريق فى الحج فانها ايام كل وشرب ورفث يعنى جماع ويجوز فيه الصيد وغير ذلك والله اعلم ومن قدر على الهدى في خلال الصوم او بعده قبل الحلق يجب عليه الذبح خلافا لمالك والشافعي واحمد لنا انه قدر على الأصل قبل تادى الحكم بالخلف فصار كمن وجد الماء وهو يصلى بالتيمم وان وجد المهدى بعد الحلق وقد صام ثلثة ايام لا يجب الهدى عليه اتفاقا كمن وجد الماء بعد الصلاة بالتيمم- وان فاتت صوم الثلاثة في الحج تعين الدم- وقال مالك والشافعي يقضى تلك الثلاثة بعد الحج بناء على انه قضاء بمثل معقول- وقلنا ان الصوم بدل من الهدى والابدال لا ينصب الا شرعا

ولا يتصور الصوم ان يكون بدلا عن الهدى الا بخصوصيات منصوصة والله اعلم وَصيام سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ اى فرغتم من اعمال الحج عند ابى حنيفة رحمه الله واحمد رحمه الله- وقال مالك وهو قول للشافعى اى خرجتم من مكة قاصدين أوطانكم والمشهور من مذهب الشافعي وهو رواية عن احمد إذا رجعتم الى أهلكم اى وصلتم الى أوطانكم- قال الشافعي الرجوع هو الرجوع الى اهله فلا يجوز قبل ذلك وقال مالك إذا خرج من مكة الى اهله صدق انه رجع فجاز له الصيام قبل الوصول الى الأهل وقال ابو حنيفة الرجوع هو الفراغ من الحج الم تر انه من توطن بمكة بعد الحج او لم يكن له وطن جاز له الصيام بمكة اجماعا فكذا من كان له وطن غير مكة لئلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز والله اعلم تِلْكَ عَشَرَةٌ ذكره على سبيل التأكيد لئلا يتوهم ان الواو بمعنى او وان يعلم العدد جملة كما علم تفصيلا فان اكثر العرب لم يكونوا يحسنون الحساب كامِلَةٌ صفة مؤكدة- مفيد المبالغة في محافظة العدد ذلِكَ اى التمتع جائر لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فلا يجوز التمتع للمكى كذا قال ابو حنيفة رحمة الله وعند مالك والشافعي واحمد يجوز للمكى التمتع ايضا لكن لا يجب عليه الهدى قالوا المشار اليه بذلك الحكم بوجوب الهدى لنا ان اللام في قوله تعالى لِمَنْ لَمْ يَكُنْ وليل على تأويلنا لان اللام يستعمل فيما يجوز لنا ان نفعله ولذا قلنا في تقديره جاز ولو كان المشار اليه وجوب الهدى كان تقديره يجب فكان المناسب حينئذ كلمة على وما ذكرنا من التأويل مروى عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس رضى الله عنهم روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر انه سئل عن متعة الحج فقال ان الله أنزله في كتابه وسنة نبيه واباحه للناس غير اهل مكة قال الله تعالى ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ- وقال ابن همام صح عن عمر انه قال ليس لاهل مكة تمتع ولا قران- والمراد ب حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ عند ابى حنيفة رحمه الله ان يكون دون الميقات وبه قال عكرمة وقال الشافعي كل من كان وطنه من مكة على اقل من مسافة السفر- وقال طاؤس وطائفة هم اهل الحرم لان المسجد غير مراد اجماعا فالمراد به الحرم كما في قوله تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ وقوله تعالى الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ- وقال مالك

المراد به اهل مكة بعينها- وبه قال نافع والأعرج واختاره الطحاوي من الحنفية والله اعلم فان تمتع المكي يجب عليه عند ابى حنيفة دم جبر لارتكابه المحظور وهذا لدم لا يقوم الصوم مقامه ولا يجوز المناسك الاكل منه وقال الشافعي وغيره لا يجب عليه شىء وَاتَّقُوا اللَّهَ فى أوامره ونواهيه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) اعلم ان الله سبحانه ذكر في هذه الاية من المناسك الحجّ والعمرة وذكر أداء كل منهما مفردا وأوجب إتمامهما ثم ذكر أداءهما مجتمعا وهو التمتع- ثم ثبت بالسنة ان الجمع على وجهين- أحدهما ان يحرم بهما جميعا ويحل منهما جميعا وهو القران- ثانيهما ان يحرم بالعمر ولا ثم يحل بعد أداء العمرة ويسكن بمكة حلالا وذلك إذا لم يسق الهدى ثم يحرم يوم التروية للحج من مكة مفردا ويحل يوم النحر- ويسمى هذا عند الفقهاء تمتعا وكل ذلك جائز اجماعا لا خلاف فيه- انما الخلاف في انه ايها أفضل- وفي ان النبي صلى الله عليه وسلم هل كان فارنا في حجة الوداع او متمتعا او مفردا- وفي ان القارن هل يكفيه طواف واحد وسعى واحد للحج والعمرة جميعا كما قال به الجمهور او لا بد له من طوافين «1» وسعيين كما قال به ابو حنيفة وهذه أبحاث طويلة ذكرناها في منار الاحكام والتحقيق انه صلى الله عليه وسلم كان قارنا وان القران أفضل من التمتع ان ساق الهدى- والتمتع أفضل ان لم يسق الهدى وكل منهما أفضل من الافراد- وانه صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة طاف وسعى بين الصفا والمروة ثم لم يقرب الكعبة بطوافه بها حتى رجع من عرفة رواه البخاري قلت وذلك الطواف والسعى كان لعمرته وكفاه عن طواف القدوم لحجه- وكان ذلك الطواف والسعى ماشيا- كما هو مصرح في حديث حبيبة بنت ابى تجراه وابن عمر وجابر عند مسلم وغيره ثم انه صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة ثانيا بعد طواف الزيارة كما يدل عليه حديث جابر قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف وليسئلوه رواه مسلم- وفي رواية طاف في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن بمحجنه الحديث- هذا ما حصل لى بعد جمع الروايات المختلفة والله اعلم الْحَجُّ اى وقت الحج بل وقت إحرام الحج فان وقت اركان الحج انما هو يوم عرفة ويوم النحر لا غير أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ اخرج الطبراني عن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شوال وذو القعدة وذو الحجة- قلت المراد شوال وذو القعدة

_ (1) فى الأصل طوافين

وتسع من ذى الحجة الى طلوع الفجر من يوم النحر- ويروى عن ابن عمر شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة قال البغوي كل واحد من اللفظين صحيح والمال واحد غير مختلف فيه فمن قال عشر عبر عن الليالى ومن قال تسع عبر عن الأيام- وانما قال اشهد بلفظ الجمع لانها وقت والعرب تسمى الوقت تاما بقليله وكثيره- قال الله تعالى- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا وانما اسرى في بعض الليل- وهذا هو محمل لما روى عن عمر انه قال شوال وذو القعدة وذو الحجة- وقال عروة بن الزبير وغيره أراد بالأشهر شوالا وذا القعدة وذا الحجة كملا لانه يبقى على الحاج امور بعد عرفة يجب عليه فعلها مثل الذبح والرمي والحلق وطواف الزيارة والمبيت بمنى ورمى الجمار في ايام التشريق فكانت في حكم الحج- قلت هذه الافعال كلها ينتهى الى ثالث عشر من ذى الحجة فكيف يعد ذو الحجة بهذا التوجيه كاملا- وقال البيضاوي وذو الحجة كله من أشهر الحج بناء على ان المراد بالوقت عنده ما لا يحسن فيه غيره من المناسك وقال فان مالكا يكره العمرة في بقية ذى الحجة- قلت وهذا غير مستقيم فان العمرة في أشهر الحج للافاقى غير مكروه اجماعا- وقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اربع عمر كلها في ذى القعدة وكذا للمكى عند مالك والشافعي فان التمتع للمكى عندهما جائز كما ذكرنا- وهذه الاية حجة للشافعى حيث قال لا يجوز إحرام الحج قبل الأشهر وان احرم انعقد الإحرام للعمرة- وقال داود- من احرم للحج قبل الأشهر لغى ولا ينعقد أصلا- وقال ابو حنيفة ومالك واحمد ان احرم قبل الأشهر للحج انعقد لكنه يكره- وجه قول ابى حنيفة ومن معه ان الإحرام شرط للحج ليس بركن ومن ثم جاز الإحرام مبهما ثم صرفه الى ما شاء من حج او عمرة او قران يدل عليه حديث انس بن مالك قال قدم علىّ على النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال بما أهللت فقال بما اهل به النبي صلى الله عليه وسلم- وحديث ابى موسى قال أهللت كاهلال النبي صلى الله عليه وسلم- والحديثان في الصحيحين- وإذا ثبت انه شرط جاز تقديمه على الوقت كالوضوء للصلوة لكن فيه شبه بالأركان فاذا أعتق العبد بعد ما احرم قبل يوم عرفة لا ينادى فرضه- ولذا قلنا بالكراهة وإذا سمعت ان وقت إحرام الحج أشهر معلومات لا وقت الأركان فان وقت أركانه يومان فحسب فحينئذ الظاهر قول الشافعي فان الإحرام وان كان شرطا

للحج لا ركنا له والشرط وان جاز تقديمه على وقت المشروط لكن لا يجوز تقديمه على وقت نفسه- كما ان العشاء شرط لاداء الوتر فمن ادى العشاء قبل غروب الشفق لا يجوز وتره لا لانه ادى العشاء قبل وقت الوتر بل لانه ادلها قبل وقت نفسها والله اعلم فَمَنْ فَرَضَ اى أوجب على نفسه فِيهِنَّ الْحَجَّ يعنى احرم بالحج اختلفوا في ان الإحرام ما هو- فقال مالك والشافعي واحمد انما هو النية بانقلب كما في الصوم ولا يشترط فيه التلبية- الا ان مالكا قال التلبية عند الإحرام واجب يلزم بتركه دم وهى رواية عن احمد والشافعي والمشهور عنهما ان التلبية سنة- وقال ابو حنيفة الإحرام هو التلبية مع النية كالتكبير في الصلاة وهى رواية عن الشافعي- لنا ان القياس بالصلوة أشبه منه بالصوم- وروى عن ابن عباس في تأويل هذه الاية انه قال فرض الحج الإهلال- وقال ابن عمر التلبية- وروى ابن ابى شيبة قول ابن مسعود كقول ابن عمر- ولنا قوله صلى الله عليه وسلم يهل اهل المدينة من ذى الحليفة الحديث- متفق عليه من حديث ابن عمر وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة من كان معه هدى فليهل بالحج مع العمرة امر بالإهلال وهو رفع الصوت بالتلبية والأمر للوجوب فهو حجة على من لم يقل بوجوبه- ثم انه صلى الله عليه وسلم عبّر الإحرام بالإهلال فظهران الإحرام هو التلبية- لكن يقول ابو حنيفة- من قلد بدنة وتوجه معها يريد الحج فقد احرم وان لم يلب- جعل الفعل مكان القول فان الذكر كما يحصل بالقول يحصل بالفعل الا ترى انه من سمع الاذان للصلوة فمشى الى الصلاة على الفور كان هذا المشيء مكان جواب الاذان فان اجابة الداعي بالفعل أقوى منه بالقول- وليس معنى التلبية الا الألباب والقيام الى الطاعة والله اعلم- واستدل صاحب الهداية على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم من قلد بدنة فقد احرم- وهذا الزبير قال ابن همام وقفه ابن ابى شيبة في مصنفه على ابن عباس وابن عمر قلت لا مساس لهذين الأثرين بالمدعى لانه كان مذهب ابن عباس وابن عمر انه من بعث الى مكة هديا وهو لا يريد الحج فهو إذا قلد هديا يحرم عليه ما يحرم على المحرم حتى ينحر هديه بمكة وهو المراد بقول ابن عباس وابن عمر من قلد هديا فقد احرم وكذا روى عن غيرهما من الصحابة ثم انعقد الإجماع على خلاف ذلك- روى البخاري في صحيحه ان زياد بن ابى سفيان كتب الى عائشة ان عبد الله بن عباس قال من اهدى هديا حرم عليه

ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه- فقالت عائشة ليس كما قال ابن عباس انا قتلت قلائد هدى النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ثم فلذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعث بها مع ابى فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شىء أحل الله له- قال الحافظ كان ذلك سنة تسع فلا يظن ظان انه كان أول الإسلام ثم نسخ فَلا رَفَثَ تقى بمعنى النهى يعنى فلا ترفثوا والرفث هو الجماع- وقال الزجاج هى كلمة جامعة لكل ما يريد الرجال من النساء- وقيل الرفث الفحش والقول القبيح قلت وذلك حرام ابدا لا وجه لتعليقه بالإحرام وَلا فُسُوقَ قال ابن عمر هو ما نهى عنه المحرم يعنى لا تركبوا محرمات الإحرام وهى ستة أشياء اجماعا- منها الرفث يعنى الوطي ودواعيه أفرده الله تعالى بالذكر لشدة امره فان الجماع يفسد الحج والعمرة اجماعا بخلاف غيره من المحظورات حيث يلزم بها الدم لكن إذا كان الجماع بعد الوقوف بعرفة ففى إفساده الحج خلاف ولا خلاف في حرمته- ومنها قتل صيد البر والاشارة اليه والدلالة عليه قال الله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ... - وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً- وسيجيئ البحث عنه في سورة المائدة ان شاء الله تعالى ومنها ازالة الشعر والظفر قال الله وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ- وقتل القمل المتولد من الوسخ ملحق بالشعر- ومنها استعمال الطيب في الثوب او البدن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا شيئا مسّه زعفران او ورس- متفق عليه عن ابن عمر- وهذه الأشياء عامة حرمتها للرجال «1» والنساء- ومنها ما اختص بالرجال وهو أمران لبس المخيط والخفين الا انه من لم يجد النعلين فيلبس الخفين ومن لم يجد الإزار فيلبس السراويل كذا في المتفق عليه من حديث ابن عباس وعن جابر نحوه وتغطية الرأس واما تغطية الوجه فيعم الرجال والنساء عند ابى حنيفة ومالك رحمهما الله وقال الشافعي واحمد بل يختص بالنساء لقول ابن عمر إحرام الرجل في راسه وإحرام المرأة في وجهها- رواه الدارقطني والبيهقي وقد روى مرفوعا ولا يصح ولحديث عثمان ابن عفان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخمر وجهه وهو محرم رواه الدارقطني وقال الدارقطني الصواب انه موقوف- فى المؤطا عن الفراقصة انه راى عثمان بالعرج يغطى وجهه وهو محرم- ولنا حديث ابن عباس في قصة رجل- وقصته راحلته وهو محرم قال عليه الصلاة والسلام لا تخمروا رأسه ولا وجهه فانه يبعث يوم القيمة ملبيا- رواه مسلم والنسائي وابن ماجة والسابع ما اختلفوا في حرمتها في الإحرام وهو عقد النكاح فقال مالك والشافعي و

_ (1) فى الأصل الرجال

احمد لا يجوز للمحرم ان يعقد النكاح لنفسه او لغيره او يؤكل النكاح غيره- وان ارتكب لا ينعقد- لحديث عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب- رواه مسلم وابو داود وغيرهما- وقال ابو حنيفة يجوز وينعقد لحديث ابن عباس قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف- متفق عليه وأجاب الجمهور بانه اختلف الرواية في نكاح ميمونة روى مسلم في صحيحه عن يزيد بن الأصم قال حدثتنى ميمونة بنت الحارث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال قال وكانت خالتى وخالة ابن عباس- قالوا وحديث ميمونة نفسها أرجح فانها كانت اعرف بحالها عن ابن عباس ولو تعارضت الرواية في نكاح ميمونة بقي حديث عثمان سالما عن المعارضة- على ان حديث عثمان قولى وقصة ميمونة فعل منه عليه السلام يحتمل التخصيص به صلى الله عليه وسلم وكان للنبى صلى الله عليه وسلم في باب النكاح خصوصيات لم يكن لغيره- وقال ابن عباس الفسوق «1» هو المعاصي كلها والظاهر هو الاول فان ذلك لا يختص بالحج قرا ابن كثير وابو عمر وبالرفع والتنوين بابطال عمل لا بالتكرار في فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ والباقون بالنصب من غير تنوين ونظيره في جواز الامرين لا حول ولا قوة الا بالله وَلا جِدالَ قرا ابو جعفر بالرفع والتنوين والباقون بالنصب- كان اهل الجاهلية يقفون مواقف مختلفة كلهم يزعم ان موقفه موقف ابراهيم ويتجادلون فيه فبعضهم يقف بعرفة وبعضهم بالمزدلفة- وكان بعضهم يحج في ذى القعدة وبعضهم في ذى الحجة- وكل يقول ما فعلته هو الصواب فقال الله تعالى وَلا جِدالَ اى استقر امر الحج على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا اختلاف فيه يعنى لا تختلفوا فيه- وقال مجاهد معناه ولا شك في الحج انه في ذى الحجة فابطل النسيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان الزمان استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض الحديث متفق عليه من حديث ابى بكرة فِي الْحَجِّ خبر لما قبله وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ فيجازيكم به حث على الخير بعد النهى عن الشر وَتَزَوَّدُوا روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال كان اهل اليمن يحجون فلا يتزودون ويقولون نحن متوكلون فاذا قدموا مكة سالوا الناس- وقال البغوي انما يفضى حالهم الى النهب والغضب فانزل الله تعالى وتزوّدوا يعنى تزودوا ما تبلغون به وتكففون وجوهكم فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى

_ (1) اخرج الطبراني بسند لا بأس به عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفث التعرض النساء بالجماع والفسوق بالمعاصي والجدال جدال الرجل صاحبه عنه رحمه الله [.....]

[سورة البقرة (2) : آية 198]

اى ما يتقيكم عن السؤال والنهب ونحو ذلك وَاتَّقُونِ قرا ابو عمر وبإثبات الياء وصلا فقط والباقون بالحذف وصلا ووقفا يا أُولِي الْأَلْبابِ (317) فان اقتضاء اللب خشية الله القريب الغالب-. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا تطلبوا فَضْلًا عطاء ورزقا مِنْ رَبِّكُمْ بالتجارة ونحو ذلك في سفر الحج روى البخاري عن ابن عباس قال ثلاث كانت اسواقا في الجاهلية عكّاظ- ومجنة- وذو المجاذ فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها فانزل الله تعالى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فى مواسم الحج قال البغوي كذا قرا ابن عباس واخرج احمد وابن ابى حاتم وابن جرير والحاكم وغيرهم من طرق عن ابى امامة التيمي قال قلت لابن عمر انا قوم نكرى في هذا الوجه يعنى الى مكة فيزعمون ان لا حج لنا فقال ألستم تحرمون كما يحرمون وتطوفون كما يطوفون وترمون كما يرمون قلت بلى قال أنت حاجّ جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فساله عن الذي سالتنى عنه فلم يجب بشىء حتى نزل جبرئيل بهذه الاية فَإِذا أَفَضْتُمْ دفعتم والافاضة دفع بكثرة مِنْ عَرَفاتٍ جمع عرفة جمعت بما حولها وسميت بها وهى بقعة واحدة- وانما سمى الموقف عرفات واليوم عرفة لانه نعت لابراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه أخرجه ابن جرير عن السدى- او لانه كان جبرئيل يدور به في المشاعر فلما أراه قال عرفت أخرجه ابن جرير عن ابن عباس وعلى- وذكر البغوي قال عطاء وذكر البغوي ايضا انه قال الضحاك ان آدم عليه السلام لما اهبط الى الأرض وقع بالهند وحواء بجدة فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا بعرفات يوم عرفة فتعارفا- وقال السدى لمّا اذّن ابراهيم في الناس بالحج وأجابوه بالتلبية وأتاه من أتاه امره الله ان يخرج الى عرفات ونعتها له فخرج فلما بلغ الشجرة عند العقبة استقبله الشيطان يرده فرماه بسبع حصياة يكبر مع كل حصاة فطار فوقع على الجمرة الثانية فرماه وكبر قطار فوقع على الجمرة الثالثة فرماه وكبر فلما راى الشيطان انه لا يطيقه ذهب فانطلق ابراهيم حتى اتى ذا المجاز ثم انطلق حتى وقف بعرفات فعرفها بالنعت فسمى الوقت عرفة والموضع عرفات حتى إذا امسى ازدلف الى جمع فسمى المزدلفة- وروى عن ابى صالح عن ابن عباس ان ابراهيم راى ليلة التروية في منامه انه يؤمر بذبح ابنه فلما أصبح روّى يومه اجمع اى فكر أمن الله هذه الرؤيا أم من الشيطان فسمى اليوم يوم التروية ثم راى ذلك ليلة عرفة ثانيا

[سورة البقرة (2) : الآيات 199 إلى 200]

فلما أصبح عرف ان ذلك من الله فسمى عرفة فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وهو ما بين جبلى المزدلفة من مازمى عرفة الى محسر وليس المازمان ولا المحسر من المشعر- سمى مشعرا من الشعار وهو العلامة لانه من معالم الحج- واصل الحرام من المنع وهو في الحرم فهو ممنوع من ان يفعل فيه ما لم يؤذن فيه- وسمى المزدلفة جمعا لانه يجمع فيه بين صلوتى العشاء. وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة- ومزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر بالإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم- عرفة كلها موقف وارتفعوا من بطن عرفة والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا من بطن محسر- رواه الطبراني والطحاوي والحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا وقال صحيح على شرط مسلم- ورواه البيهقي موقوفا ومرفوعا وفي الباب عن جابر وجبير بن مطعم وابى هريرة وابى رافع وفي إسنادها مقال ورواه مالك في المؤطا بلاغا وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ كما علمكم او كما هديكم هداية حسنة الى المناسك وغيره يعنى اذكروه بالتوحيد لا كما كان الكفار يذكرونه بالشرك وما مصدرية او كافة وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ اى قبل الهدى لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) اى من المشركين او الجاهلين بالايمان والطاعة وان مخففة واللام هى الفارقة- وقيل ان نافية واللام بمعنى الا مثل إِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ-. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ- اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كانت العرب تقف بعرفة- وكانت قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة فانزل الله- ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ- واخرج ابن المنذر عن اسماء بنت ابى بكر قالت كانت قريش تقف بالمزدلفة وتقف النّاس بعرفة الا شيبة بن ربيعة فانزل الله هذه الاية- قال البغوي كانت قريش وهم الحمس وحلفاوهم يتعظمون ان يقفوا مع سائر العرب بعرفات ويقولون نحن اهل الله ووطان حرمه فلا نخلف الحرم ولا نخرج منه- وسائر الناس يقفون بعرفات فاذا أفاض الناس من عرفات أفاض الحمس من المزدلفة فامرهم الله تعالى ان يقفوا بعرفات ويفيضوا منها الى جمع مع سائر الناس وأخبرهم انه سنة ابراهيم وإسماعيل- فالمراد بالناس على هذه الروايات العرب كلهم غير الحمس- وقال الضحاك الناس هاهنا ابراهيم عليه السلام وحده كقوله تعالى أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ وأراد به محمدا صلى الله عليه وسلم وحده وكذا في قوله تعالى قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ والمراد بالناس الاول نعيم بن مسعود الأشجعي- وقال الزهري الناس هاهنا آدم عليه السلام وحده دليله قراءة سعيد بن جبير ثمّ

أفيضوا من حيث أفاض النّاسى بالياء وهو آدم عليه السلام نسى عهد الله- وقيل معنى الاية ثمّ يعنى بعد افاضتكم من عرفات أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ يعنى من المزدلفة الى منى والاول قول اكثر المفسرين لكن يشكل على الاول لفظ ثم لانه مقدم على الوقوف بالمشعر الحرام فقيل ثم هاهنا بمعنى الواو- والاوجه ان كلمة ثم هاهنا لتفاوت ما بين الافاضتين رتبة فان الافاضة من عرفات فريضة ركن للحج اجماعا يفوت الحج بفواته بخلاف الوقوف بالمزدلفة فانه ليس بركن للحج اجماعا الا ما روى عن ليث وعلقمة فانهما قالا بركنيته- ونظيرها في القران فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا- فان مقتضى هذه الاية ان الايمان أعظم درجة من سائر الحسنات والله اعلم. ثم بعد ما اجمعوا على ان الوقوف بمزدلفة ليس بركن اختلفوا في انه واجب يجب بفواته الدم او سنة فقال الشافعي رحمه الله سنة وقال الجمهور واجب ثم القائلون بالوجوب اختلفوا في القدر الواجب منه فقال ابو حنيفة الوقوف بمزدلفة بعد طلوع الفجر من يوم النحر واجب- وقال مالك المبيت بمزدلفة ليلة النحر ولو ساعة واجب- وقال احمد المبيت ما بعد نصف الليل واجب وهذه الاية حجة للقائلين بالوجوب على الشافعي فان قوله تعالى فَإِذا «1» أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ- يدل بعبارته على وجوب الوقوف بمزدلفة وبإشارته على وجوب الوقوف بعرفات فان سوق الكلام للامر بالذكر عند المشعر الحرام والافاضة من عرفات شرط له فهذا اولى بالوجوب فان قيل الذكر غير واجب اجماعا فالامر بالذكر انما هو للاستحباب فكيف يحتج به في الخلافية وهو وجوب الوقوف بمزدلفة قلنا الذكر عبارة عن طرد الغفلة وذلك كما يحصل بالقول باللسان يحصل بالعمل بالجوارح ايضا قال صاحب الحصين كل مطيع لله ذاكر فالوقوف بمزدلفة بنية العبادة ذكر لا محالة وهو المامور به فهو واجب- ثم التلبية والدعاء وصلوة العشاءين والفجر لازم للوقوف وكل ذلك ذكر فيمكن ان يطلق اللازم ويراد به الملزوم كما في قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ يعنى صلوا ما تيسر- ويؤيد مذهبنا من السنة حديث عروة بن مضرس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- من شهد صلاتنا هذه يعنى الفجر يوم النحر بمزدلفة ووقف معنا حتى ندفع ووقف بعرفة قبل ذلك ليلا او نهارا فقدتم حجه- رواه اصحاب السنن الاربعة وابن حبان والحاكم وقال

_ (1) فى الأصل إذا

صحيح على شوط كافة اهل الحديث- علق رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام الحج به فهو دليل الوجوب- وروى النسائي الحديث المذكور بلفظ من أدرك جمعا مع الامام والناس حتى يفيضوا فقد أدرك الحج ومن لم يدرك مع الامام والناس فلم يدرك الحج- ولابى يعلى ومن لم يدرك جمعا فلا حج له- وهذا الحديث حجة لابى حنيفة في قوله الواجب الوقوف بعد الصبح- وايضا في هذه الاية احتجاج لابى حنيفة على وجوب الوقوف بعد الصبح لان الوقوف بمزدلفة مرتب على الوقوف بعرفات بمقتضى هذه الاية والإجماع انعقد على ان وقت الوقوف بعرفات الى اخر الليل فمن وقف بعرفة الى آخر ليلة النحر ولو ساعة فقد أدرك الحج فحينئذ لا بد ان يكون وقت الوقوف يجمع بعد الصبح- وحديث عبد الرحمن بن يعمر الديلمي قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات فاقبل أناس من اهل نجد فسالوه عن الحج قال الحج يوم عرفة ومن أدرك جمعا قبل صلوة الصبح فقد أدرك الحج ايام منى ثلاثة ايام التشريق فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ- رواه الطحاوي وفي هذه الحديث حجة لمالك في وجوب المبيت بمزدلفة قبل الصبح لكن هذا الحديث رواه اصحاب السنن والحاكم والدارقطني والبيهقي بلفظ- الحج عرفة من جاء قبل صلوة الصبح من ليلة جمع فقد ثم حجه وهذا الفظ لا يدل على الوقوف بمزدلفة والحجة لاحمد على وجوب المبيت بمزدلفة انه صلى الله عليه وسلم بات بمزدلفة ووقف بعد صلوة الصبح وقال- خذوا عنى مناسككم- فكان مقتضى هذا الاستدلال ان يكون المبيت والوقوف بعد الصبح كلاهما واجبين لكن لما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفة اهله في الرواح من مزدلفة الى منى من اخر الليل ظهران الوقوف بعد الصبح غير واجب روى الشيخان في الصحيحين عن ابن عباس انا ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضعفة اهله- وفي الصحيحين عن اسماء بنت ابى بكر ان النبي صلى الله عليه وسلم اذن للظعن يعنى في الرواح الى منى من الليل بعد غروب القمر- وفي الباب في الصحيحين عن ابن عمر وكذا في الصحيح عن أم حبيبة- قلنا الرخصة للضعفاء لا ينفى الوجوب عن الأقوياء- فان قيل مقتضى هذه الاية وجوب الوقوف بعرفة وكذا وجوب الوقوف بمزدلفة- وليس الوقوف بمزدلفة ركن فهم تقولون ان الوقوف بعرفة ركن قلنا بالإجماع على فوات الحج بفوات عرفة دون المزدلفة- وسند الإجماع قوله صلى الله عليه وسلم والحج عرفة- وحديث الآحاد يصلح سند الإجماع ولعل اهل الإجماع أخذوا ركنية عرفات من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله اعلم واختلفوا في وقت

الوقوف بعرفة فقال احمد وقته من طلوع الفجر الثاني يوم عرفة- وقال ابو حنيفة والشافعي بعد الزوال يوم عرفة- وقال مالك أول وقته من غروب الشمس ليلة النحر الى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر اجماعا- احتج مالك بما مر من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلمي قوله صلى الله عليه وسلم من جاء قبل صلوة الصبح من ليلة جمع فقد تم حجه- ولاحمد حديث عروة بن مضرس وفيه واتى عرفات قبل ذلك ليلا او نهارا فقد تم حجه- ولابى حنيفة والشافعي حديث جابر عند مسلم وغيره انه صلى الله عليه وسلم ركب الى منى يوم التروية فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت «1» الشمس فامر بقبة من شعر فضرب له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل حتى إذا لاغت الشمس امر بالقصوى فرحلت له واتى بطن الوادي الحديث- ولو كان وقت الوقوف قبل الزوال لبادر اليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينزل فى قبته وأجيب بان ذلك يدل على الافضلية ولا يدل على انه من وقف قبل الزوال لا يجزيه- وكذا حديث سالم بن عبد الله ان عبد الله بن عمر جاء الى الحجاج يوم عرفة حين زالت الشمس وانا معه فقال الرواح ان كنت تريد السنة فقال هذه الساعة قال نعم- والله اعلم وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ على ما فعلتم في جاهليتكم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ اى فرغتم من اركان الحج ومناسكها وذلك يوم النحر بعد رمى جمرة العقبة والذبح والحلق والطواف والسعى اعلم ان اركان الحج الإحرام والوقوف بعرفة وطواف الزيادة بالإجماع وقال الشافعي السعى والحلق ايضا وقد مر بحث السعى وسنذكر بحث الحلق في سورة الحج ان شاء الله تعالى فَاذْكُرُوا اللَّهَ بالتكبير والتحميد والثناء عليه كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ وذلك ان العرب كانوا إذا فرغوا من الحج وقفوا عند البيت فذكروا مفاخر ابائهم فامرهم الله تعالى بذكره فان الله تعالى مولى النعم إليهم والى ابائهم وهو خالقهم دون ابائهم فهو اولى بالذكر قال الله تعالى أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ- قال ابن عباس وعطاء معناه فَاذْكُرُوا اللَّهَ كذكر الصبيان الصغار الآباء- قلت وعلى هذا كان ذكر الأمهات اولى من الآباء أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً يعنى بل أشد ذكرا- وأشد اما مجرور معطوف على الذكر يعنى واذكروا الله ذكرا كذكركم او كذكر أشد منه ذاكرية- او على ما أضيف اليه يعنى كذكر قوم أشد منكم ذاكرية- واما منصوب بالعطف على ابائكم فحينئذ

_ (1) فى الأصل طلع الشمس

[سورة البقرة (2) : آية 201]

ذكرا مصدر بمعنى المفعول يعنى- او كذكركم أشد مذكورية من ابائكم- او التقدير كونوا أشد ذكرا لله منكم لابائكم فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ يعنى من كان طمعه الدنيا فقط وهم المشركون المنكرون للبعث يقولون رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حذف المفعول الثاني ايماء على التعميم يعنى اتنا في الدنيا كل شىء او كل ما تعطيناه آتناه في الدنيا- كان المشركون لا يسئلون في الحج الا الدنيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) من نصيب. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً التنكير للتعظيم يعنى حسنة عظيمة هو اخلاص العمل لله والعافية ويحتمل ان يراد به جنس الحسنة عموما والنكرة في الإثبات قد تعم بمصاعدة المقام والقرينة كما في قوله صلى الله عليه وسلم تمرة خير من جرادة يعنى كل تمرة خير من كل جرادة- فاعطاء التمرة في جزاء قتل الجرادة يكفى للمحرم فهذه الاية نظير ما ورد في السنة اللهم انى أسئلك من الخير كله عاجله واجله ما علمت منه وما لم اعلم وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وهى رضوان الله تعالى او كل شىء من نعماء الاخرة وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) بالعفو والمغفرة روى البغوي بسنده عن انس رضى الله عنه قال راى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قد صار مثل الفرخ فقال هل كنت تدعو الله بشىء او تسئله إياه قال يا رسول الله كنت أقول اللهم ما كنت معاقبى به في الاخرة فعجله لى في الدنيا فقال سبحان الله لا تستطيعه او لا تطيقه هلا قلت رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ وعنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر ان يقول رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ- متفق عليه وعن عبد الله بن السائب انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين ركن بنى جمح والركن الأسود رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ- رواه ابو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وابن ابى شيبة- وروى ابو الحسن بن الضحاك عن انس رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لو دعا بمائة مرة يفتح بها ويختم بها رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ ولو دعا بدعوتين لجعلها أحدهما- وروى تقى بن مخلد عنه قال- كان في أول دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي وسطه وفي آخره اللهم اتنا في الدّنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النّار. أُولئِكَ اشارة الى القريق الثاني وقيل إليهما لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا سمى الدعاء كسبا لانه من الأعمال

[سورة البقرة (2) : آية 203]

وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202) قال الحسن اسرع من لمح البصر وقيل معناه إتيان القيامة قريب فاطلبوا الاخرة-. وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ وهى ايام التشريق سميت معدودات لقلتهن كذا روى عن ابن عباس وغيره ويدل على ذلك قوله تعالى فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ من ايام التشريق يعنى استعجل في النفر ونفر في ثانى ايام التشريق- اتفقوا على انه من لم ينفر ودخل عليه الثالث من ايام التشريق وجب عليه رمى ذلك اليوم واختلفوا في انه هل يعتبر دخول الليلة الثالثة من ليالى ايام التشريق او الثالث من أيامها فقال الجمهور المعتبر دخول الليل فمن اقام بمنى حتى دخلت الليلة الثالثة لا يحل له النفر حتى يرمى الجمار في اليوم الثالث- وقال ابو حنيفة لا يجب ذلك حتى يصبح بمنى وله ان ينفر من الليل وإذا طلع الفجر لزمه الرمي- قال ابو حنيفة وقت الرمي انما هو النهار فمن نفر من الليل كان كمن سافر قبل وقت الجمعة- وقال غيره الليل وان لم يكن وقت المرمى فهو وقت للمبيت والمبيت بمنى واجب فبعد دخول الليل وجب المبيت فلا يحل النفر- والله اعلم فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ فانه أخذ بالرخصة وَمَنْ تَأَخَّرَ فى النفر حتى يرمى اليوم الثالث فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وهو اولى وأفضل وفيه رد على اهل الجاهلية كان منهم من اثم المتعجل ومنهم من اثم المتأخر لِمَنِ اتَّقى اى هذه الاحكام لمن اتقى فانه هو المنتفع به- وقيل لمن اتقى ان يصيب في حجه شيئا مما نهاه الله عنه رجع مغفورا لا ذنب عليه سواء تعجل في النفر او تأخر قال البغوي هذا قول على وابن مسعود رضى الله عنهما- ويؤيده من المرفوع قوله صلى الله عليه وسلم من حج لله ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه- متفق عليه من حديث ابى هريرة وعنه في الصحيحين مرفوعا الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة- وعن ابن مسعود قال- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكبير خبث الحديد رواه الشافعي والترمذي وعن عمر ونحوه رواه احمد اعلم ان المقام بمنى ايام التشريق والمبيت بها في لياليها وكذا الرمي ليس بركن اجماعا لقوله تعالى فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ فان الترتيب والتعقيب يدل على المغائرة- واختلفوا فى وجوبها فقال احمد المبيت والرمي كلاهما واجبان- وقال مالك المقام والمبيت واجب والرمي سنة مؤكدة- وقال ابو حنيفة بالعكس وهو رواية عن احمد- وللشافعى قولان أحدهما كاحمد والثاني كابى حنيفة- وقال بعضهم انما شرع الرمي حفظا للتكبير فان ترك وكبر أجزأه حكاه ابن جرير

عن عائشة وغيرها وهذا المذهب يوافق ظاهر الاية لكنه خلاف ما استقر عليه الإجماع احتج احمد بهذه الاية وقال هذه الاية يحتمل إيجاب الامرين وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم التحق بيانا لاجمالها وقد قال عليه السلام خذوا عنى مناسككم- وقال ابو حنيفة- المقصود بالمقام والمبيت هو الرمي بدليل ما رواه البخاري عن ابن مسعود انه رمى من بطن الوادي فقيل له ان نا ساير مونها من فوقها فقال والذي لا الله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة فان هذا القول اشارة الى ان هذه الاية في الرمي لا غير- وما رواه عاصم بن عدى قال- أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة بمنى يرمون يوم النحر ثم- يرمون الغدو من بعد الغد ثم يرمون يوم النفر- رواه مالك وغيره وفي النسائي رخص للرعاء فى البيتوتة يرمون يوم النحر واليومين الذين بعده يجمعونهما في أحدهما- قال مالك تفسير الحديث انهم يرمون يوم النحر فاذا مضى اليوم الذي يلى يوم النحر رموا من الغد وذلك اليوم النفر الاول يرمون اليوم الذي مضى قضاء ثم يرمون ليومهم وجه الاحتجاج ان إيجاب قضاء الرمي دون المبيت دليل على وجوب الرمي مقصودا وعدم وجوب المبيت الا تبعا للرمى- قال احمد الترخيص في المبيت للرعاء للضرورة لا يدل على عدم الوجوب مطلقا بل يدل على الوجوب فان الرخصة لا يكون الا فيما هو واجب- والحجة لمالك انه قد روى عن عمر وابنه انهما كانا يكبران تلك الأيام خلف الصلوات وفي المجالس وعلى الفراش والفسطاط وفي الطريق ويكبر الناس بتكبيرهما ويتاولان هذه الاية- وجه الاحتجاج ان الذكر في ايام التشريق مطلقا سواء كان بمنى او غيره ليس بواجب اجماعا بل هو مقيد بمنى يدل عليه قوله تعالى فَمَنْ تَعَجَّلَ يعنى في النفر الاية ولا شك ان المقام هناك بنية التقرب ذكر وانضمام الذكر اللساني اولى وأفضل فمحمل الاية هو المقام بمنى دون الرمي قلنا هذا لا ينافى ان يكون محمل الاية كلا الامرين المقام والرمي كما لا يخفى والله اعلم واعلم انه ثبت بالسنة وهو بيان لا جمال الاية ان الرمي يوم النحر في جمرة العقبة بسبع حصيات ووقته من طلوع الفجر يوم النحر عند ابى حنيفة ومالك- ومما بعد نصف الليل من ليلة النحر عند احمد والشافعي- ومن طلوع الشمس يوم النحر عند مجاهد والحجة لمجاهد حديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّم ضعفة اهله وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس- رواه الترمذي وقال هذا حديث صحيح- قلنا هذا محمول على الاستحباب ويدل على الجواز بعد الصبح قبل طلوع الشمس ما رواه الطحاوي بأسانيده عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع النقل وقال لا ترموا

الجمرة حتى تصبحوا «1» - وهو حجة لنا على الشافعي واحمد في عدم جواز الرمي قبل الصبح- وما احتج به الشافعي واحمد من حديث عائشة قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فافاضت- رواه الدارقطني حديث ضعيف في سنده لا ضحاك بن عثمان لينه القطان ثم هو محمول على انها «2» رمت قبل صلوة الفجر لا قبل طلوع الفجر فهو حجة لنا على مجاهد- واخر وقته عند ابى يوسف الى الزوال لانه صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة- يوم النحر ضحوة- وعند الجمهور الى الغروب لحديث ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل يوم النحر بمنى فيقول لا حرج- فساله رجل فقال حلقت قبل ان اذبح قال اذبح ولا حرج- قال رميت بعد ما أمسيت فقال لا حرج- رواه البخاري وغيره ومعنى قوله بعد ما أمسيت اى بعد الزوال إذ المساء يطلق على بعد الزوال وليس المراد بعد الغروب لان يوم النحر يطلق قبل الغروب لا بعده وفي بعض طرق الحديث صريح ان السؤال كان وقت الظهر- واخر وقته المكروه الى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر لان النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء ان يرموا ليلا رواه ابن ابى شيبة عن ابن عباس وهذا يدل على الجواز للمعذور وعلى الكراهة لغير المعذور والرمي فى ايام التشريق في ثلثة جمار الجمرة الدنيا والجمرة الوسطى والجمرة العقبة يرمى عند كل جمرة بسبع حصيات وأول وقتها في أول ايام التشريق يعنى يوم القرار «3» وثانيها يعنى يوم النفر الاول بعد الزوال اجماعا لما في حديث جابر وغيره- ثم لم يرم النبي صلى الله عليه وسلم حتى زالت الشمس واخر وقته في كل يوم بلا كراهة الى الغروب وللمعذورين الى طلوع الفجر من اليوم الثاني وذلك مع كراهة لغير المعذور لما مر انه صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء ان يرموا ليلا وكذا في اليوم الثالث من ايام التشريق يوم النفر الاخر عند الجمهور وبه قال ابو يوسف ومحمد غير انه لا يجوز الرمي بعد الغروب من ذلك اليوم اجماعا لان تلك الليلة ليست من ايام التشريق- وقال ابو حنيفة يجوز الرمي في ذلك اليوم قبل الزوال- ولم اطلع على دليل لهذا القول غير ما ذكر ابن همام عن ابن عباس انه قال إذا انتفخ النهار من يوم النفر فقد حل الرمي والصدر- رواه البيهقي قال والانتفاخ الارتفاع- وفي سنده طلحة بن عمرو ضعفه البيهقي وابن معين والدارقطني وقال احمد متروك الحديث- وهل يشترط الترتيب بين الجمار في ايام التشريق فعند الجمهور الترتيب واجب وعند ابى حنيفة سنة- وجه قول الجمهور- ان كل شىء لا يدرك بالرأى فرعاية جميع الخصوصيات الواردة فيه واجب ولم ينقل فوات الترتيب- وقال ابو حنيفة لو كان الرمي

_ (1) فى الأصل حتى يسبحوا (2) فى الأصل انه (3) فى الأصل يوم القر

[سورة البقرة (2) : آية 204]

فى الجمرات الثلاث نسكا واحدا كان مراعات خصوصياته واجبا لكن الرمي في كل جمرة نسك برأسه فلابد في كل واحد منها رعاية خصوصياته واما الترتيب بين المناسك العديدة فليس بشرط كما ان الترتيب بين الرمي والذبح والحلق ليس بشرط- قلت فكان القياس على قول ابى حنيفة ان ذلك الترتيب ان لم يكن شرطا لكن ليكن واجبا ينجبر بالدم كالترتيب بين الرمي والذبح والحلق ولم يظهر لى وجه الفرق بين المسألتين والله اعلم وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) فيجازيكم على حسب أعمالكم وإخلاصكم والله اعلم قال البغوي قال الكلبي ومقاتل وعطاء كان الأخنس بن شريف الثقفي حليف بنى زهرة وسمى الأخنس لانه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بنى زهرة عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر وكان يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجالسه ويظهر الإسلام ويقول انى لاحبك ويحلف بالله على ذلك- وكان منافقا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنى مجلسه فنزل. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ اى يعظم في قلبك وتستحسنه قَوْلُهُ يعنى الأخنس كذا اخرج ابن جرير عن السدى- واخرج ابن ابى حاتم وابن إسحاق عن ابن عباس قال لما أصيب السرية التي يعينها عاصم ومرثد بالرجيع قال رجلان من المنافقين- يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا لا هم قعدوا في أهليهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فانزل الله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قوله فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلق بيعجبك يعنى يعجبك قوله في الحيوة الدنيا حلاوة وفصاحة ولا يعجبك في الاخرة لما يعتريه الفضيحة او متعلق بالقول اى قوله في معنى الدنيا من ادعاء المحبة واظهار الإسلام وَيُشْهِدُ اللَّهَ ذلك المنافق اى يحلف بالله ويستشهده عَلى ما فِي قَلْبِهِ يعنى على ان ما فى قلبه مطابق للسانه فيقول والله انى بك مومن ولك محب وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) اى أشد الخصومة والجدال للمسلمين والخصام مصدر خاصمه خصاما- وقال الزجاج هو جمع خصم مثل بحر وبحار- والجملة حال من فاعل يشهد- عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ان ابغض الرجال الى الله عز وجل الألد الخصم- قال قتادة هو شديد القسوة في المعصية جدل بالباطل يتكلم بالحكمة ويعمل بالخطيئة. وَإِذا تَوَلَّى اى أدبر سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ روى ان الأخنس كانت بينه وبين ثقيف خصومة فبيّنهم ليلا فاخرق زروعهم وأهلك مواشيهم- وقال مقاتل خرج الى الطائف مقتضيا مالا له على

[سورة البقرة (2) : آية 206]

غريم فاحرق له كدسا وعقر له أتانا- والنسل نسل كل دابة والإنسان منهم وقال الضحاك معنى إذا تولى اى صار واليا ملكا سعى في الأرض بالفساد- وقال مجاهد في قوله تعالى إِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ انه إذا ولى عمل بالعدوان والظلم فامسك الله المطر وأهلك الحرث والنسل وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) لا يرتضيه فاحذروا غضبه عليه. وَإِذا قِيلَ لَهُ للاخنس اتَّقِ خف الله أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ حملته الانفة وحميّة الجاهلية والتكبر بِالْإِثْمِ اى على الإثم يقال أخذته بكذا اى حملته عليه وألزمته إياه- او الباء للسببية والمعنى أخذته العزة من أجل الإثم الذي في قلبه وهو الكفر فَحَسْبُهُ كفته جزاء- وعذابا جَهَنَّمُ علم لدار العقاب وهو في الأصل مرادف لنار وقيل معرّب وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206) اى الفراش جواب قسم مقدر والمخصوص بالذم محذوف يعنى جهنم- قال البغوي قال ابن مسعود ان من اكبر الذنب عند الله ان يقال للعبد اتق الله فيقول عليك بنفسك- وروى انه قيل لعمر بن الخطاب رضى الله عنه اتق الله فوضع خده على الأرض تواضعا لله عز وجل. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي اى يبيع ويبذل في الجهاد او الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر نَفْسَهُ حتى يقتل نظيره قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الاية عن ابى امامة ان رجلا قال يا رسول الله اىّ الجهاد أفضل- قال أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر- رواه احمد وابن ماجة والطبراني والبيهقي- وابن ماجة عن ابى سعيد ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ- طلبا لرضائه كانّ مرضات الله ثمن يطلبها ببذل نفسه وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) حيث ارشدهم لمثل هذه التجارة الرابحة- اخرج الحارث بن ابى اسامة في مسنده وابن ابى حاتم عن سعيد بن السيب قال اقبل صهيب مهاجرا الى النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال يا معشر قريش لقد علمتم انى من ارماكم رجلا وايم الله لا تصلون الىّ حتى ارمى كل سهم معى في كنانتى ثم اضرب بسيفى ما بقي منه شىء ثم افعلوا ما شئتم وان شئتم وللتم على ما لى بمكة وخليتم سبيلى قالوا نعم- فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال ريح البيع أبا يحيى ريح البيع أبا يحيى ونزلت هذه الاية واخرج الحاكم في المستدرك نحوه من طريق ابن المسيب عن صهيب نفسه موصولا واخرج ايضا من طريق حماد بن سلمة عن انس وفيه التصريح بنزول الاية فيه وقال صحيح على شرط مسلم- واخرج ابن جرير عن عكرمة

قال نزلت في صهيب بن سنان الرومي اخذه المشركون في رهط من المؤمنين فعذبوه فقال لهم صهيب انى شيخ كبير لا يضركم امنكم كنت أم من غيركم فهل لكم ان تأخذوا مالى وتذرونى ودينى ففعلوا- وسياق هذا الحديث- يخالف سياق ما سبق والاول هو الصحيح- وقيل نزلت الاية في سرية الرجيع ذكر ابن إسحاق ومحمد بن سعد وغيرهم ان بنى لحيان من هذيل بعد قتل سفيان بن نبيح الهذلي مشوا الى عضل والقارة وهما حيان وجعلوا لهم فرائض على ان يقدموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكلموه فيخرج إليهم نفر من أصحابه يدعونهم الى الإسلام ويعلمونهم الشرائع قالوا فنقتل من أردنا ونسير بهم الى قريش بمكة فنصيب بهم ثمنا فقدم سبعة نفر من عضل والقارة مقرين بالإسلام فقالوا يا رسول الله ان فينا الإسلام فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خبيب بن عدى الأنصاري ومرثد بن ابى مرشد الغنوي وخالد بن بكير وعبد الله بن طارق وزيد بن الدثنة وامّر عليهم عاصم بن ثانت الأنصاري- وفي الصحيح البخاري عن ابى هريرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عينا وامّر عليهم عاصم بن ثابت فغدروا بهم فاستصرخوا عليهم قريبا من مائة رام وفي رواية فنفروا لهم من مائتى رجل- قلت لعل الرامي منهم مائة- فلما احسن بهم عاصم وأصحابه لجاءوا الى فدقد وجاء القوم فاحاطوا بهم فقالوا لكم العهد والميثاق ان نزلتم ان لا نقتل منكم وانّا والله لا نريد قتلكم انما نريد نصيب شيئا من اهل مكة فقال عاصم اما انا فلا انزل في ذمة كافر اللهم انى احمى لك اليوم دينك فاحم لحمى اللهم اخبر عنا رسولك فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم يوم أصيبوا فقاتلوهم فرموهم حتى قتلوا عاصما في سبعة وبقي خبيب وزيد وعبد الله بن طارق فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه فمنعه الدبر فسمى حمى الدبر فبعث الله سبحانه فسال الوادي فاحتمله فذهب به وكان عاصم قد اعطى الله العهد ان لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك فبرّا الله قسمه واما زيد بن الدثنة وابن طارق وخبيب فاسروهم ثم خرجوا الى مكة ليبيعوهم حتى انا كانوا بالظهر ان انتزع عبد الله بن طارق يده من القران ثم أخذ سيفه فرموه بالحجارة حتى قتلوه وقبره بالظهران وباعوا زيدا وخبيبا بمكة- قال ابن إسحاق وابن سعد اشترى زيدا صفوان بن امية (واسلم بعد ذلك) ليقتله بابيه امية بن خلف فبعثه مع نسطاس مولى له (واسلم بعد ذلك) الى

التنعيم ليقتله واجتمع من جمع قريش فيهم ابو سفيان حتى قدم ليقتل فقال ابو سفيان أنشدك الله يا زيد أتحب ان محمدا عندنا بمكانك يضرب عنقه وانك في أهلك فقال والله ما أحب ان محمدا صلى الله عليه وسلم الان في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وانا جالس في أهلي فقال ابو سفيان ما رايت من الناس أحدا يحب أحدا كحب اصحاب محمد ثم قتله نسطاس- واما خبيب فابتاعه بنو الحارث حيث قتل خبيب الحارث يوم بدر فلبث خبيث عندهم أسيرا حتى اجمعوا على قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موسى لتستحد بها فاعارث فدرج بنى لها وهى غافلة فما راع المرأة إلا بخبيب قد اجلس الصبى على فخذه والموسى بيده فصاحت المرأة- فقال خبيب أتخشين ان اقتله ما كنت لأفعل ذلك ان الندر ليس من شأتنا- فقالت بعد- والله ما رايت أسيرا خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وهو الموثق بالحديد وما كان بمكة من ثمرة الا كان رزقا رزقه الله ثم انهم خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل وأرادوا ان يصلبوا فقال لهم دعونى أصلي ركعتين فتركوه فكانّ خبيبا هو سنّ لكل مسلم قتل صبرا الصلاة فركع ركعتين ثم قال لهم لولا ان تحسبوا ان مابى من جزع لزدتّ فقال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا «1» ولا تبق منهم أحدا وإنشاء يقول (شعر) ولست أبالي حين اقتل مسلما على اى شق كان في الله مصرع وذلك في ذات الإله وان يشاء يبارك في او ضال شلو؟؟ ممزع- فصلبوه حيا رواه البخاري فقال خبيب اللهم بلغ سلامى رسولك. ويقال كان رجل من المشركين يقال له سلامان ابو ميسرة معه رمح فوضعه بين ثدى خبيب فقال له خبيب اتق الله فما زاده ذلك الا عتوا وطعنه فابعده- فذلك قوله تعالى وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ الاية- روى محمد بن عمرو بن مسلمة عن اسامة بن زيد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عليه السلام ورحمة الله وبركاته هذا جبرئيل يقرؤنى من خبيب السلام- فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الخبر قال لاصحابه أيكم يختزل «2» خبيبا من خشبته وله الجنة- فقال الزبير انا وصاحبى المقداد بن الأسود- فخرجا يمشيان بالليل ويكتمان بالنهار حتى أتيا التنعيم ليلا وإذا حول الخشبة أربعون من المشركين فانزلا فاذا هو رطب يتثنى لم يتغير منه شىء بعد أربعين يوما ويده على جراحته ينض «3» دما اللون لون الدم والريح ريح المسك

_ (1) بددي بكسر الباء جمع بدة وهى الحصة والنصيب اى اقتلهم حصصا مقسّمة لكل واحد حصته ونصيب ويروى بالفتح اى متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد- نهاية جزرى منه رحمة الله- (2) يختزل اى يقتطع ويذهب به ويتفرد به- نهاية منه- رح (3) ينض وما اى ينبع يقال نضّ الماء من العين اى نبع (منه رحمه الله) .

[سورة البقرة (2) : آية 208]

فحمله الزبير على فرسه وسارا فانتبه الكفار وقد فقدوا خبيبا فاخبروا قريشا فركب منهم سبعون فلما الحقوهما قذف الزبير خبيبا فابتلعه الأرض فسمى بليع الأرض وقد ما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبرئيل عنده فقال يا محمد ان الملائكة لتباهى بهذين من أصحابك- فنزل في الزبير والمقداد وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ حين شريا أنفسهما لانزال خبيب من خشبته والله اعلم اخرج ابن جرير عن عكرمة قال قال عبد الله بن سلام وثعلبة وابن يامين واسد وأسيدا بنى كعب- وسعيد بن عمرو وقيس بن زيد كلهم مؤمنى اليهود يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه وان التوراة كتاب الله فدعنا فلتقم بها بالليل وكذا قال البغوي وقال وكانوا يكرهون لحوم الإبل وألبانها بعد ما اسلموا فنزلت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً السلم بالكسر والفتح الاستسلام والطاعة لذلك يطلق على المصلح والإسلام والمراد هاهنا الإسلام قرا نافع وابن كثير والكسائي السّلم هاهنا بفتح السين والباقون بكسرها- وفي سورة الأنفال بالكسر ابو بكر والباقون بالفتح وفي سورة محمد صلى الله عليه وسلم بالكسر حمزة وابو بكر والباقون بفتحها- وكآفّة اسم للجملة لانها تكف الاجزاء من التفرق حال من الضمير أو السلم لانها تؤنث كالحرب- والمعنى استسلموا لله وأطيعوه جملة ظاهرا وباطنا- قلت وذا لا يتصور الا عند الصوفية- او المعنى ادخلوا في الإسلام بكليتكم ولا تخلطوا به غيره- او في شعب الإسلام وأحكامه كلها ولا تخلّوا بشىء منها- قال حذيفة بن اليمان في هذه الاية ان الإسلام ثمانية أسهم فعدّ الصلاة والصوم والزكوة والحج والعمرة والجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قال وقد خاب من لا سهم له- قلت انما ذكر ما ذكر على سبيل التمثيل والا فالمراد بالآية الامتثال بكل ما امر الله به والانتهاء عن كل ما نهى عنه او يقال ان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يشتمل الجميع- فان الأمر بالمعروف يقتضى الإتيان به والنهى عن المنكر يقتضى الانتهاء عنه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الايمان بضع وسبعون شعبة فافضلها قول لا الله الا الله وأدناها اماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان- رواه مسلم وابو داود والنسائي وابن ماجة وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ قد مر اختلاف القراءة فيه الشَّيْطانِ يعنى إنارة من تحريم السبت وتحريم الإبل وغير ذلك بعد ما نسخ إِنَّهُ لَكُمْ

[سورة البقرة (2) : آية 209]

عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) ظاهر العداوة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر فقال انا نسمع أحاديث من يهود يعجبنا افترى ان نكتب بعضها- فقال «1» أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعى- رواه احمد والبيهقي في شعب الايمان. فَإِنْ زَلَلْتُمْ يعنى زلت أقدامكم فلم تستقيموا على الإسلام مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ الآيات والحجج الشاهدة على انه الحق فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يعجزه الانتقام حَكِيمٌ (209) لا ينتقم الا بحق ولا يمهل الا لحكمة فيه دفع توهم الناشي من الامهال. هَلْ يَنْظُرُونَ النظر بمعنى الانتظار يعنى ما ينتظرون إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ جمع ظلة وهى كلما اظلك مِنَ الْغَمامِ قال البغوي هو السحاب الأبيض الرقيق سمى غماما لانه يغم اى يستر- وقال مجاهد هو غير السحاب ولم يكن الا لبنى إسرائيل في تيههم وقال مقاتل كهيئة الضباب ابيض- وقال الحسن في سترة من الغمام فلا ينظر اليه اهل الأرض وَالْمَلائِكَةُ قرا ابو جعفر بالجر عطفا على الغمام او يكون الجر للجوار والباقون بالرفع اى ويأتيهم الملائكة وَقُضِيَ الْأَمْرُ وجب العذاب للكفار والثواب للمؤمنين- وفزع من الحساب وذلك يوم القيامة والله اعلم- اجمع علماء اهل السنة من السلف والخلف ان الله سبحانه منزه عن صفات الأجسام وسمات الحدوث فلهم في هذه الاية سبيلان أحدهما الايمان به وتفويض علمه الى الله تعالى والتحاشى عن البحث فيه وهو مسلك السلف قال الكلبي هذا من المكتوم الذي لا يفسر وكان مكحول والزهري والأوزاعي ومالك وابن المبارك وسفيان الثوري والليث واحمد وإسحاق رحمهم الله تعالى يقولون فيه وفي أمثاله امرّوها كما جاءت بلا كيف قال سفيان بن عيينة كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عنه ليس لاحدان يفسره الا الله ورسوله وبه قال ابو حنيفة رحمه الله حيث قال في المتشابهات ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ بالوقف عليه ثانيهما تأويله بما يليق به بناء على ما قيل ما يَعْلَمُ «2» تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ بالعطف قال البيضاوي وغيره الا ان يأتيهم الله اى امره او بأسه بحذف المضاف فهو كقوله تعالى وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ - جاءَهُمْ بَأْسُنا- او المعنى- ان يأتيهم الله

_ (1) التهوك الوقوع في الأمر بغير رويّة قبيل التحبير منه رحمه الله (2) وفي القران وما يعلم إلخ

يبأسه فحذف المأتى به للدلالة عليه بقوله أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قال وانما يأتى العذاب في الغمام لان الغمام مظنة الرحمة فاذا جاء منه العذاب جاء من حيث لا يحتسبه فكان أفظع- قلت وما ذكر البيضاوي من التأويل يأبى عنه ما جاء في تفسير هذه الاية وأمثاله من الأحاديث اخرج الحاكم وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا عن ابن عباس انه قرا يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ قال يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد الجن والانس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق فيشقق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم اكثر ممن فى الأرض من الجن والانس وجميع الخلق فيحيطون بالجن والانس وجميع الخلق فيقول اهل الأرض أفيكم ربنا فيقولون لاثم ينزل اهل السماء الثانية وهم اكثر من اهل السماء الدنيا ومن اهل الأرض فيقولون أفيكم ربنا فيقولون لا فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم وبالجن والانس وجميع الخلائق ثم ينزل اهل السماء الثالثة هكذا ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة وهم اكثر من اهل السموات واهل الأرض فيقولون أفيكم ربنا فيقولون لا ثم ينزل ربنا فى ظلل من الغمام وحوله الكروبيون وهم اكثر من اهل السموات السبع والأرضين- وحملة العرش لهم قرون ككعوب القناما بين أقدام أحدهم كذا وكذا- ومن اخمص قدمه الى كعبه مسيرة خمسمائة عام ومن كعبه الى ركبته خمسمائة عام ومن ركبته الى أرينه خمسمائة عام ومن ارينه الى ترقوته خمسمائة عام ومن ترقوته الى موضع القرط خمسمائة عام قلت وايضا لو كان معنى الاية كما قال البيضاوي بحذف المضاف ونحوه فهو نظير قوله تعالى «1» وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها يعنى واسئلوا اهل القرية- ولم يقل انه من المتشابهات أحد فحينئذ لم يكن اية في القران من المتشابهات وقد قال الله تعالى مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ- ولاصحاب القلوب في تلك الآيات سبيل اخر وهو ان لله سبحانه تجليات في بعض مخلوقاته وظهورات لا كيف لها كما ذكرنا في القلب المؤمن والكعبة الحسناء والعرش العظيم وعامتها تكون على الإنسان فانه خليفة الله وتلك التجليات قد تكون برقيا كالبرق الخاطف وقد تكون دائميا وتلك لا تستدعى حدوث امر في ذاته تعالى وكونه محلا للحوادث ومتنزلا عن مرتبة التنزيه بل هى مبنية على حدوث امر في الممكن كما ان المرأة المحاذية للشمس كلما صوقلت الجلت الشمس فيها ويظهر في المراءة اثارها من الاضاءة والإحراق- وهذه التجليات هى المصداق لقوله تعالى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ وقوله تعالى

_ (1) وفي القران واسئل القرية الّتى إلخ

[سورة البقرة (2) : آية 211]

يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ يعنى يتجلّى لهم يوم القيامة في الغمام- فاما من اكتسب قلبه في الدنيا بصيرة ينفذ بصره من وراء الغمام الى الله سبحانه كما ينفذ البصر من الاجرام الزجاجية الى الاجرام الفلكية ولا استحالة في الرؤية من وراء الغمام بعد ما اثبتوا لرؤية في الجنة من غير حجاب كما ترون القمر ليلة البدر- واما من لم يكتسب قلبه بصيرة وهو فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا فيكون له الغمام ساترا وحجابا- قال السيوطي في البدور السافرة رايت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي ما نصه قال سلمة ابن القاسم في كتاب غرائب الأصول حديث تنزل الله يوم القيامة ومجيئه في ظلل محمول على ان الله تعالى يغير أبصار خلقه حتى يرونه كذلك وهو على عرشه غير متغير ولا منتقل- قلت يعنى يرونه كذلك من وراء الحجاب السجنجلى قال السيوطي وكذلك جاء معناه عن عبد العزيز الماجشون انه تعالى يغير أبصار خلقه فيرونه نازلا متجليا مناجى خلقه ومخاطبهم وهو غير متغير عن عظمته ولا منتقل وقد وجدنا ان جبرئيل كان يأتى النبي صلى الله عليه وسلم تارة في صورته وتارة في صورة دحية وجبرئيل أجل من صورة دحية انتهى قلت وما ذكرنا من التأويل لا مساس له بأقوال الخلف لكنه هو المراد مما ذكرنا من اقوال السلف امّروها كما جاءت بلا كيف يعنى هذه الأمور كلها من الاستواء والنزول وغير ذلك ثابتة كما جاءت في النصوص لكن بلا كيف بحيث لا يزاحم مرتبة التنزيه- وهذا امر من لم يذقه لم يدر ومن ورى لا يمكنه التعبير عنه كما هو بل يختبط إفهام السامعين فيفهون غير مراده فعليكم بالسكوت عنه والايمان به وليس لاحدان يفسره الا الله ورسوله وعطف الرسول على الله يقتضى انه صلى الله عليه وسلم كان عالما بتفسير المتشابهات قلت وكذا كمل اتباعه والله اعلم وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) قرا ابن عامر حمزة والكسائي ويعقوب ترجع الأمور حيث وقع بفتح التاء وكسر الجيم من الرجوع اللازم والباقون بضم التاء وفتح الجيم من الإرجاع المتعدى. سَلْ يا محمد بَنِي إِسْرائِيلَ يهود المرينة والمراد بهذا السؤال تقريعهم كَمْ آتَيْناهُمْ يعنى آباءهم وأسلافهم وكم استفهامية معلقة سل عن المفعول الثاني- او خبرية وهى ثانى مفعولى اتينا ومميزها مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ظاهرة ويحتمل ان يكون كم مبتدأ والعائد من الخبر محذوف يعنى كم من اية بينة آتيناهم ايالها فبدلوها بعد معرفتها وجملة كم آتيناهم على تقدير كونها استفهامية حال اى سل بنى إسرائيل قائلا كم

[سورة البقرة (2) : آية 212]

آتيناهم وعلى تقدير كونها خبرية جواب عن سوال هل كانت لهم آيات متكثرة والمراد بالآيات اما المعجزات الواضحات الدالة على نبوة موسى عليه السلام والآيات المحكمات في التورية الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والثاني اظهر وَمَنْ يُبَدِّلْ يغير نِعْمَةَ اللَّهِ اى ما أنعم الله عليه من الآيات لانها سبب الهداية او كتاب الله فترك العمل به مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ اى وصلت اليه وتمكن من معرفتها فيه تعريض بانهم بدلوها بعد ما عقلوها فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (211) فيعاقبه أشد عقوبة حيث ارتكب أشد جريمة. زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا والمزين هو الله تعالى حيث خلق الأشياء الحسنة والمناظر العجيبة وخلق فيهم القوى الشهوانية- واشرب محبتها في قلوبهم حتى تهالكوا عليها وقال الزجاج زين لهم الشيطان يعنى وسوس إليهم الخواطر الشهوانية- قلت والله سبحانه خالق افعال العباد ومنهم الشياطين فهو المزين نعم تجوّز الاسناد الى الشياطين من حيث كونها كاسبة للوسوسة والله اعلم قيل نزلت الاية في مشركى العرب ابى جهل وأصحابه وهم يَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا اى يستهزءون فقراء المؤمنين- قال ابن عباس أراد بالذين أمنوا عبد الله بن مسعود وعمارا وصهيبا وبلالا وخبيبا وأمثالهم- وقال مقاتل- نزلت في المنافقين عبد الله بن ابى وأصحابه كانوا يتنعمون «1» فى الدنيا ويسخرون من ضعفاء المؤمنين ويقولون انظروا الى هؤلاء الذين يزعم محمد صلى الله عليه وسلم انه يغلب بهم وقال عطاء نزلت في رؤساء اليهود كانوا يسخرون بفقراء المؤمنين فوعد الله المؤمنين ان يعطيهم اموال بنى قريظة والنضير بغير قتال وَالَّذِينَ اتَّقَوْا يعنى هؤلاء الفقراء الذين كنوا بالّذين أمنوا وضع المظهر موضع المضمر ليدل على انهم متقون وان استعلاء هم للتقوى وان العمل خارج من الايمان فَوْقَهُمْ فى المكان او الرتبة او الغلبة لان المتقين فى أعلى عليين وفي كرامة الله ويتطاولون على الكفار فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدنيا والكفار في أسفل السافلين وفي مذلة يَوْمَ الْقِيامَةِ كما ان المؤمنين خير واشرف عند الله من الكفار في الدارين عن سهل بن سعد رضى الله عنه قال مرّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس ما رأيك في هذا- فقال رجل من اشراف الناس هذا والله حرّى ان خطب ان ينكح وان شفع ان يشفع- قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيك في هذا فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا

_ (1) فى الأصل ينعمون-

[سورة البقرة (2) : آية 213]

حرّى ان خطب ان لا ينكح وان شفع ان لا يشفع وان قال ان لا يسمع لقوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير من ملا الأرض مثل هذا رواه البخاري وعن اسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفت على باب الجنة فرايت اكثر أهلها المساكين ووقفت على باب النار فرايت اكثر أهلها النساء وإذا اهل الجد محبوسون الا من كان منهم من اهل النار فقد امر به الى النار- رواه البغوي وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ فى الدارين بِغَيْرِ حِسابٍ (202) قال ابن عباس يعنى كثيرا لان كل ما دخل عليه الحساب فهو قليل- وقيل معناه بغير حساب عليه تعالى فيما يعطى ولا اعتراض فقد يعطى الكثير من لا يحتاج اليه وقد لا يعطى القليل من يحتاج وقيل معناه لا يخاف نفاد خزائنة فيحتاج الى حساب.. كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً اخرج البزار في مسنده وابن جرير وابن ابى حاتم وابن المنذر في تفاسيرهم والحاكم فى المستدرك وصححه عن ابن عباس قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن قتادة انهم كانوا عشرة قرون كلهم علماء يهتدون من الحق ثم اختلفوا فبعث الله نوحا وكان نوح أول رسول أرسله الله الى الأرض- وقال الحسن وعطاء كان الناس من وقت وفات آدم الى مبعث نوح عليه السلام امة واحدة على الكفر أمثال البهائم فبعث الله نوحا وغيره من النبيين- والجمع بين القولين انهم كانوا اولا كلهم مسلمين ثم اختلفوا حتى صاروا كلهم كفارا في زمن نوح غير أبوي نوح فانهما كانا مؤمنين بدليل قول نوح رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ الاية- وقيل المراد بالناس العرب قال الحافظ عماد الدين بن كثير كان العرب على دين ابراهيم الى ان ولى عمرو بن عامر الخزاعي مكة اخرج احمد في مسنده عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أول من سيّب السوائب وعبد الأصنام ابو حزاعة عمرو بن عامر وانى رايت قصبه في النار- وفي الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رايت عمرو بن عامر بن لحى ابن قمعة بن خندق يجر قصبه في النار انه أول من سيّب السوائب- واخرج ابن جرير في تفسيره عنه نحوه وفيه انه أول من غير دين ابراهيم- لكن يأبى تأويل الناس بالعرب صيغة النبيين بالجمع إذ لم يبعث في العرب غير محمد صلى الله عليه وسلم- لينذر قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ وروى عن ابى العالية عن ابى بن كعب قال كان الناس حين عرضوا على آدم و

اخرجوا من ظهره وأقروا بالعبودية امة واحدة مسلمين كلهم ولم يكونوا امة واحدة قط غير ذلك اليوم- قلت ويمكن ان يقال كان الناس امة واحدة مستعدين لقبول الحق مولودين على القطرة فاخبطهم شياطين الانس والجن فاختلفوا عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء متفق عليه فَبَعَثَ اللَّهُ معطوف على كان النّاس امّة واحدة ان كان المراد اجتماعهم على الكفر ومعطوف على مقدر يعنى فاختلفوا فبعث الله ان كان المراد اجتماعهم على الحق- فان البعث ليس الا لدفع الكفر والفساد ويدل على هذا التقدير قوله تعالى فيما بعد فيما اختلفوا فيه النَّبِيِّينَ قال ابو ذر قلت يا رسول الله كم وفاء عدة الأنبياء قال- مائة الف واربعة وعشرون الفا المرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا- رواه احمد- وفي رواية عنه ثلاثمائة وبضعة عشر- قال البغوي والمرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر والمذكور في القران باسمه العلم ثمانية وعشرون نبيا- قلت بل المذكور في القران انما هم ستة وعشرون منهم ثمانية عشر في قوله تعالى وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ وثمانية غيرهم آدم وإدريس وهود وصالح وشعيب وذو الكفل وعزير ومحمد سيد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقيل يوسف الذي ذكر في سورة المؤمن غير يوسف بن يعقوب عليه السلام بل هو يوسف بن ابراهيم بن يوسف بن يعقوب فصاروا سبعة وعشرين- وقيل بنبوة مريم أم عيسى فكمل ثمانية وعشرون لكن قوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا ... مِنْ أَهْلِ الْقُرى «1» يأبى نبوة مريم- ويحتمل ان يكون الثامن والعشرون لقمان والله اعلم مُبَشِّرِينَ بالثواب لمن أطاع وَمُنْذِرِينَ بالعقاب لمن عصى وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ يريد به الجنس بِالْحَقِّ حال من الكتاب اى متلبسا بالحق شاهدا به لِيَحْكُمَ الله او الكتاب او النبي المبعوث معه وقرا ابو جعفر ليحكم بضم الياء وفتح الكاف هاهنا و

_ (1) وفي القران الّا رجالا نوحى إليهم

[سورة البقرة (2) : آية 214]

فى ال عمران وفي النور في الموضعين فحينئذ نائب الفاعل الظرف والمعنى ليحكم به يعنى بالكتاب بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ اى في الحق الذي اختلفوا فيه او فيما التبس عليهم وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ اى في الكتاب إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ الموصول للعهد والمراد به اليهود والنصارى مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ اى الآيات المحكمات في التورية الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر والمبشرة بمجىء محمد صلى الله عليه وسلم الناعتة بصفاته الكريمة- قال السيوطي في التفسير قوله من بعد متعلق باختلف وهى وما بعده مقدم على الاستثناء في المعنى يعنى في الكلام تقديم وتأخير- قلت والاولى ان يقال انه متعلق بمحذوف اى اختلفوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ لان ما قبل الا لا تعمل فيما بعدها الا في المستثنى ولا يستثنى متعدد بحرف واحد فهو جواب سوال مقدر كانّه قيل متى اختلفوا فاجيب- ومعنى اختلافهم قولهم نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض وتحريفهم الكلم عن مواضعه وانكارهم صفات محمد صلى الله عليه وسلم والقران بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا يعنى امة محمد صلى الله عليه وسلم لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ للحق الذي اختلفوا فيه مِنَ الْحَقِّ بيان لما بِإِذْنِهِ بامره او بإرادته او بلطفه- قال ابن زيد اختلفوا فى القبلة فمنهم من يصلى الى المشرق ومنهم من يصلى الى المغرب ومنهم من يصلى الى البيت المقدس فهدانا الله للكعبة واختلفوا في الصيام فهدانا الله لشهر رمضان- واختلفوا في الأيام فاخذت النصارى الأحد واليهود السبت فهدانا الله للجمعة واختلفوا في ابراهيم قالت اليهود كان يهوديا والنصارى نصرانيا فهدانا الله للحق من ذلك واختلفوا في عيسى فجعله اليهود الفرية وجعله النصارى الها فهدانا الله للحق فيه وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) لا يضل سالكه. أَمْ حَسِبْتُمْ- أم منقطعة لان المتصلة يلزمه الهمزة وهى بمعنى بل والهمزة فبل للاضراب عن اختلاف اليهود والنصارى- والهمزة لانكار حسبان المؤمنين واستبعاده والغرض منه تشجيعهم على الصبر والثبات على البأساء والضراع وقال الفراء معناه احسبتم والميم زائدة وقال الزجاج بل حسبتم- نزلت الاية يوم الأحزاب حين أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بلاء وحضروا شدة الخوف والبرد وانواع الأذى قال الله تعالى وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً- وقيل

[سورة البقرة (2) : آية 215]

نزلت في حرب أحد وقال عطاء لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة اشتد عليهم لانهم كانوا خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم ما يدى المشركين وأظهرت اليهود العداوة فانزل الله أم حسبتم أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ لمّا كلم في المعنى والعمل وفيه توقع لا في لم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا حالهم الذي هو مثل في الشدة مِنْ قَبْلِكُمْ من النبيين والمؤمنين مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ شدة الفقر والمرض وَزُلْزِلُوا حركوا بانواع البلا والشدائد حَتَّى يَقُولَ إذا كان بعد حتى مستقبلا بمعنى الماضي يجوز فيه النصب والرفع فقرا نافع بالرفع والباقون بالنصب الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ استبطؤا النصر فقيل لهم أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات- رواه مسلم عن انس وابى هريرة واحمد عن ابى هريرة وابن مسعود والله اعلم- اخرج ابن المنذر عن ابى حيان ان عمر بن الجموح سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما ننفق من أموالنا واين نضعها- واخرج ابن جرير عن ابن جريح قال سال المؤمنون فنزلت. يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ بيّن المصرف بالعبارة وجواب السائل بالاشارة بتعميم ما أنفقتم من خير بناء على ان ملاحظة المصرف أهم فان اعتداد النفقة باعتباره وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ اىّ خير كان صدقة او غير ذلك فيه معنى الشرط وحوابه فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) يعلم به كنهه ونياتكم فيوفى ثوابه على حسب نياتكم قال اهل التفسير كان هذا قبل فرض الزكاة فنسخت بالزكاة- والحق انه لا ينافى فرضية الزكوة حتى ينسخ به فالاية محكمة. كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ قال عطاء الجهاد تطوع والمأمورون بالآيات اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيرهم واليه ذهب الثوري محتجا بقوله تعالى فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى قالا لو كان القاعد تاركا للفريضة لم يكن وعدا له بالحسنى- وقال سعيد بن المسيب انه فرض عين على كافة المسلمين الى قيام الساعة والحجة له هذه الاية وحديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات ولم يعز ولم يحدث نفسه بالغزو ومات

على شعبة من النفاق- رواه مسلم والجمهور على ان الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقيين مثل صلوة الجنازة وعليه انعقد الإجماع- واتفقت الائمة على انه يجب على كل اهل بلد ان يقاتلوا من يليهم من الكفار فان عجزوا او جبنوا وجب على من يليهم الأقرب فالاقرب وعلى انه يجب الجهاد على الأعيان عند النفير العام وعند هجوم الكفار على بلاد الإسلام وعلى انه من لم يتعين عليه الجهاد لا يخرج الا بإذن أبويه ان كانا مسلمين ومن عليه الدين لا يخرج الا بإذن غريمه- والحجة للجمهور ما ذكرنا من ادلة الفريقين وقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ وسيجيئ في سورة التوبة ان شاء الله تعالى وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ان رجلا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال أحى والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد اذهب فبرّهما متفق عليه ولابى داود والنسائي وابن ماجة نحوه- وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ اى شاق عليكم قال اهل المعاني هذا الكره من حيث نفور الطبع عنه لما فيه من مؤنة المال والنفس لا انهم كرهوا امر الله وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ومنه الجهاد فان فيه الظفر والغنيمة والاستيلاء في الدنيا والشهادة والثواب وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ كالقعود «1» عن الجهاد فان فيه المعصية والذلة والحرمان من الاجر والغنيمة- وانما ذكر كلمة عسى وهو للشك لان النفس إذا ارتاضت يكون هواه تبعا لما شرع فلا يكره الا ما كره الله ولا يحب الا ما أحب الله تعالى وَاللَّهُ يَعْلَمُ خيركم وشركم وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) ذلك فبادروا بما أمركم الله تعالى حتى تفوزوا بما هو خير لكم في الدارين (فصل) فى فضائل الجهاد عن ابن مسعود قلت يا رسول الله اىّ الأعمال أفضل قال الصلاة على ميقاتها قلت ثم اىّ قال بر الوالدين قلت ثم اىّ قال الجهاد في سبيل الله ولو استزدته لزادنى- رواه البخاري وعن ابى هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم اىّ العمل أفضل قال ايمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا قال حج مبرور متفق عليه وهذه وان كان في الصورة معارضة فان الحديث الاول يدل على افضلية الصلاة على الجهاد والثاني بالعكس لكن الجمع بينهما بحمل كل على ما يليق بحال السائل- او يقال ان الصلاة والزكوة المفروضتين مرادة بلفظ الايمان في حديث ابى هريرة- فلا تعارض او يقال

_ (1) فى الأصل كالعقود [.....]

جعل الجهاد بعد الايمان في حديث ابى هريرة صادق وان كان الجهاد بعد الصلاة والزكوة- وعن عمران بن حصين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل عند الله من عبادة ستين سنة- رواه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري- وعن ابى هريرة مرفوعا مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما- رواه الترمذي وعن ابى هريرة قيل يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله قال لا تستطيعونه فاعادوا عليه مرتين او ثلاثا كل ذلك يقول لا تستطيعونه ثم قال مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القائم القانت بايات الله لا يفتر عن صلاته ولا صيامه حتى يرجع المجاهد في سهيل الله- متفق عليه وعن ابى امامة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية قمر رجل بغار فيه شىء من ماء ويقل فحدث نفسه بان يقيم فيه ويتخلى من الدنيا فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لم ابعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكنى بعثت بالحنفية السمحة والذي نفس محمد بيده لغدوة او روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة- رواه احمد قلت وهذه الأحاديث يدل على افضلية الجهاد على الصلاة والصيام والنوافل وذلك لان الجهاد فرض على الكفاية وكلما وقع عن أحد يقع فريضته ويستوعب الأوقات ويفضى الى الشهادة التي هى قرينة للنبوة بخلاف الصلاة والصوم فانهما ما عدا الفرائض لا يقع الا نافلة والنافلة لا تعدل الفريضة- فان قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- ما عمل آدمي أنجى من عذاب الله من ذكر الله- قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله الا ان يضرب لسيفه حتى ينقطع قاله ثلث مرات رواه احمد والطبراني وابن ابى شيبة من حديث معاذ وهذا يعارض مامر من أحاديث وعمران وابى هريرة وابى امامة فما وجه التوفيق- قلنا المراد بالذكر في هذا الحديث الحضور الدائمى الذي لا فتور فيه لا الصلاة والصوم الذين هما حظ الزهاد- وهو المراد من الجهاد الأكبر فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رجع من الغزو رجعتا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر فان قيل الم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في الجهاد الأصغر مشتغلا بالجهاد الأكبر- قلنا نعم كان مشتغلا بذلك لكن الحال تتفاوت بمزيد الاهتمام والله اعلم عن ابى هريرة مرفوعا في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء

[سورة البقرة (2) : آية 217]

والأرض فاذا سالتم الله فسئلوه الفردوس فانه اوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تنفجرا نهار الجنة- رواه البخاري- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد القطيفة وعبد الخميصة ان اعطى رضى وان لم يعط سخط طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله اشعث رأسه مغيرة قدماه وان كان في الحراسة في الحراسة وان كان فى الساقة كان في الساقة ان استأذن لم يؤذن له وان شفع لم يشفع «1» - رواه البخاري وسيأتى فضائل الرباط اخر سورة ال عمران ان شاء الله تعالى- وانما فضل الجهاد على سائر الحسنات وكونه ذروة سنام الإسلام لانه سبب الا شاعة الإسلام وهداية الخلق فمن اهتدى ببدل جهده كان حسناته داخلا في حسناته وأفضل من ذلك تعليم العلوم الظاهرة والباطنة فان فيه اشاعة حقيقة الإسلام والله اعلم. يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ بدل اشتمال يعنى يسئلونك عن قتال في الشهر- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم والطبراني في الكبير وابن سعد والبيهقي في سننه عن جندب بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الاخر سنة قبل قتال بدر بشهرين وبعث معه ثمانية نفر من المهاجرين سعد بن ابى وقاص الزهري- وعكاشة بن محصن الأسدي- وعتبة بن غزوان السلمى- وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة- وسهيل بن بيضاء وعامر بن ربيعة- وواقد بن عبد الله- وخالد بن بكير- وذكر بعضهم سهل بن بيضاء ولم يذكر سهيلا ولا خالدا ولا عكاشة وذكر بعضهم المقداد بن عمر- قال ابن سعد كانوا اثنى عشر كل اثنين يعتقبان بعيرا وكتب لاميرهم عبد الله بن جحش كتابا وقال سر على اسم الله ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين فاذا نزلت فافتح الكتاب واقراه على أصحابك ثم امض ما امرتك ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على السير معك فسار وكان قبل مسيره قال يا رسول الله اىّ ناحية قال النجدية فسار عبد الله يومين ثم نزل وفتح الكتاب فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فترصد بما عير قريش لعلك ان تأتينا منه بخير فلما نظر في الكتاب قال سمعا وطاعة-

_ (1) وعن ابى بكر الصديق ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من اغبرت قدماه في سبيل الله حرم الله عليه النار- وكذا روى احمد والبخاري والترمذي والسنائي عن ابى عيص- وعن عثمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خرس ليلة في سبيل الله أفضل من الف ليلة قيام ليلها وصيام نهاره وعن ابى بكر الصديق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك قوم الجهاد الا عمهم الله تعالى بالعذاب منه رحمه الله

ثم قال لاصحابه ذلك وقال انه نهانى ان استكره أحدا منكم فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ومن كره فليرجع ثم مضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد حتى كان بمعدن فوق القرع بموضع من الحجاز يقال له بخران أضل سعد بن ابى وقاص وعتبة بن غزوان بغيرهما يعتقبانه فتخلفا في طلبه ومضى ببقية أصحابه حتى نزلوا بطن نخلة بين مكة والطائف- فبينماهم كذلك مرت عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة الطائف فيهم عمر والحضرمي والحكم بن كيسان مولى هشام بن مغيرة وعثمان بن عبد الله بن مغيرة واخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان- فلما راوا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هابوهم فقال عبد الله بن جحش ان القوم قد وعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم فحلقوا رأس عكاشة ثم اشرف عليهم فقالوا قوم عمار لا بأس عليكم فامنوهم وكان ذلك في يوم يرونه اخر يوم من جمادى الاخر وهو من رجب فتشاور القوم وقالوا لئن تركتموهم الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم ويدخل عليكم الشهر الحرام فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو الحضرمي بسهم فقتله وشد المسلمون عليهم فاسروا عثمان بن عبد الله بن مغيرة والحكم بن كيسان وهرب نوفل فاعجزهم واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقيل عزل عبد الله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس تلك الغنيمة وقسم سائرها بين أصحابه وكان أول خمس خمس في الإسلام وأول غنيمة وأول قتيل من المشركين عمر والحضرمي وأول أسير عثمان والحكم وكان ذلك قبل ان يفرض الخمس من المغانم ثم فرض الخمس على ما صنع عبد الله بن جحش في تلك الغير فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فاوقف العير والأسيرين وابى ان يأخذ من ذلك شيئا- وقالت قريش لمن كان بمكة من المسلمين يا معشر الصبأة استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه- فعظم ذلك على اصحاب السرية وظنوا انهم قد هلكوا وسقط في أيديهم وقالوا يا رسول الله انا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا الى هلال رجب فلا ندرى أفي رجب أصبناه أم في الجمادى- فاكثر الناس في ذلك فانزل الله تعالى هذه الاية- فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس الذي عزله عبد الله بن جحش- او أخذ العير فعزل منها الخمس وقسّم الباقي بين اصحاب السرية- وقيل أوقف غنائم اهل نخلة حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم

اهل بدر- وبعث اهل مكة في فداء اسيريهم فقال- بل نوقفهما «1» حتى يقدم سعد وعتبة فانا نخشاكم عليهما- وان لم يقدما قتلناهما بهما فقدم سعد وعتبة فافدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين بأربعين اوقية كل أسير- فاما الحكم فاسلم واقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقتل يوم بير معونة شهيدا واما عثمان بن عبد الله بن مغيرة فرجع الى مكة فمات بها كافرا واما نوفل فضرب بصن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعا وقتله الله فطلب المشركون جيفته بالثمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوه فانه خبيث الجيفة خبيث الدية قُلْ يا محمد قِتالٍ فِيهِ اى في الأشهر الحرم كَبِيرٌ ذنب كبير قال اكثر العلماء انه منسوخ بقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ قال ابن الهمام وهو بناء على التجوز بلفظ حيث في الزمان ولا شك انه كثير الاستعمال قلت لفظ حيث للمكان حقيقة ومجيئه للزمن تجوز لا دليل عليه- ولو فرضا انه مشترك في الزمان والمكان ففى شموله للازمنة شك ولا يجوز النسخ مع الشك- وقال البيضاوي هو نسخ الخاص بالعام- وفيه خلاف يعنى نسخ الخاص بالعام جائز عند ابى حنيفة حيث يقول العام ايضا قطعى الدلالة فيما يشتمله كالخاص- وغير جائز عند الشافعي وغيره حيث قالوا ان العام ظنى الدلالة بخلاف الخاص إذ ما من عام الا وقد خص منه البعض- والبحث عنه في اصول الفقه قال البيضاوي والاولى منع دلالة الاية على حرمة القتال في الأشهر الحرام مطلقا فان قتال فيه نكرة في حيز مثبت فلا تعم- قلت النكرة في الإثبات تعم عند قيام القرينة كما في قوله عليه السلام- تمرة خير من جرادة ولولا هاهنا النكرة للعموم لما استقام جواب السؤال واستدل ابن همام على نسخ الحرمة بالعمومات نحو قوله تعالى وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً «2» - وقوله عليه السلام أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا الله الا الله- قلت وهذا ليس بسديد فان عموم تلك الآيات في المكلفين وأحوالهم دون الازمنة حتى يدخل فيها الأشهر الحرم فيلحقها الفسخ بل عموم الازمنة لو ثبت لثبت باقتضاء النص ولا عموم للمقتضى فلا يجرى فيه التخصيص والنسخ وكيف يدعى نسخ حرمة القتال في الأشهر الحرم مع ان قوله تعالى إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ يعنى بالقتال فيهن وَقاتِلُوا

_ (1) فى الأصل نقفهما (2) فى الأصل اقتلوا المشركين

الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ- إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ يعنى القتال في الشهر الحرام زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ وهذه الاية اخر آيات القتال نزولا وهى اية السيف نزلت في اخر السنة التاسعة وفيه ذكر حرمة الأشهر فهو مخصص لوجوب القتال فيما عدا الأشهر والله اعلم وايضا يدل على حرمة القتال في الأشهر الحرم خطبته صلى الله عليه وسلم يوم النحر في حجة الوداع قبل وفاته بشهرين حيث قال فيه الا ان الزمان استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض السنة اثنا عشر «1» شهرا منها اربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر وقال في اخر الحديث ان دماءكم وأموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا- متفق عليه من حديث ابى بكرة- قال ابن همام حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف لعشر يقين من ذى الحجة الى اخر المحرم او الى شهر يعنى بهذا منسوخية الاية وهذا القول غريب وانما كان حصار الطائف في شوال سنه- عن ابى سعيد الخدري خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح من المدينة لليلتين خلتا من شهر رمضان رواه احمد بسند صحيح- وروى البيهقي عن الزهري بسند صحيح قال فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم لثلاث عشرة خلت من رمضان- قلت بهذا ظهر انه اقام في الطريق اثنى عشر يوما واقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما- وفي لفظ سبعة عشر رواه البخاري وفي رواية ثمانى عشرة ثم بعد فتح مكة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنين يوم السبت لست خلون من شوال- وقال ابن إسحاق لخمس وبه قال عروة واختاره ابن جرير وروى ابن مسعود فوصل الى حنين لعشر خلون من شوال فلما انهزم الهوازن وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين قدم فل ثقيف بالطائف وأغلقوا عليهم الأبواب وتهيئوا للقتال فلم يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة ولا عرج على شىء الا على غزو الطائف قبل ان يقسم غنائم حنين وترك السبي بالجعرانة وحاصر الطائف روى مسلم عن انس انه كان مدة حصاره أربعين ليلة- واستغربه في البداية- وذكر ابن إسحاق حاضر ثلاثين ليلة- وقال ابن إسحاق

_ (1) فى الأصل اثنى عشر

فى رواية حاصرهم بضعا وعشرين ليلة- وقيل عشرين يوما- وقيل بضع عشرة ليلة- رواه ابو داود- قال ابن حزم هو الصحيح بلا شك ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة وانتهى مسيره الى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذى القعدة- فاقام بالجعرانة ثلث عشرة ليلة واعتمر ثم انصرف الى المدينة ليلة الأربعاء لثنتى عشر ليلة بقيت من ذى القعدة ودخل المدينة يوم الجمعة لثلاث بقين من ذى القعدة- قال ابو عمر كان مدة غيبته صلى الله عليه وسلم من حين خرج من المدينة الى مكة فافتتحها وواقع هوازن وحارب اهل الطائف الى ان رجع الى المدينة شهرين وستة عشر يوما- بل شهرين وستة وعشرين يوما- فكيف يتصور ما قال ابن همام حاصر الطائف لعشر بقين من ذى الحجة الى اخر المحرم- فلم يثبت منسوخية حرمة الأشهر والله اعلم لكن هذه الاية منسوخة بما مر من قوله تعالى لشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ لانها تدل على اباحة القتال في الأشهر الحرم ان كانت البداية في القتال من الكفار لان هذه الاية نزلت قبل غزوة بدر وتلك نزلت في عمرة القضاء سنة سبع كما ذكرنا فبقى البداية بالقتال في الأشهر محرما والله اعلم وَصَدٌّ اى صرف ومنع عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى عن الإسلام والطاعات وَكُفْرٌ بِهِ اى بالله وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ بحذف المضاف يعنى وصد المسجد الحرام ولا يجوز عطفه على الضمير المجرور لوجوب إعادة الجار حينئذ- ولا على سبيل الله لان عطف قوله وكفر به مانع منه إذ لا يقدم العطف على الموصول على العطف على الصلة وَإِخْراجُ أَهْلِهِ اى اهل المسجد وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مما فعله السرية فان كلما ذكر مما صدى عن كفار مكة صدر عمدا وتعنتا وما صدر من السرية انما صدر خطا وبناء على الظن وَالْفِتْنَةُ يعنى الشرك أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ اى قتل الحضرمي فكيف يعيرونهم كفار مكة على ما ارتكبوه خطا مع ارتكابهم ما هو أشد من ذلك عمدا وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ يعنى كفار قريش حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ اخبار عن دوام عداوتهم إِنِ اسْتَطاعُوا هو استبعاد لاستطاعتهم وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ استدل الشافعي بهذه الاية على ان المرتد لا يحبط عمله ما لم يمت على الكفر فان صلى

[سورة البقرة (2) : آية 218]

رجل الظهر مثلا ثم ارتد نعوذ بالله منها ثم أمن والوقت باق لا يجب عليه إعادة الصلاة وكذا من حج ثم ارتد ثم اسلم لا يجب عليه الحج وهذا احتجاج بمفهوم الصفة وهو غير معتبر عند ابى حنيفة رحمه الله- وقال ابو حنيفة يجب عليه إعادة الصلاة ان اسلم والوقت باق وكذا يجب عليه الحج- لنا قوله تعالى وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وهذا مطلق والمطلق لا يحمل على المقيد عندنا والله اعلم فِي الدُّنْيا فلا يترتب على إسلامه في الدنيا عصمة الدم والمال فيحل قتله ولا يجب استمهاله الى ثلثة ايام لكنه يستحب فهو حجة على الشافعي في قوله بوجوب الامهال وَالْآخِرَةِ بسقوط الثواب وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) كسائر الكفار- فقال اصحاب السرية- يا رسول الله هل نؤجر على وجهنا هذا وهل يكون سفرنا هذا غزوا فانزل الله تعالى. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كروا الموصول لتعظيم الهجرة والجهاد كانهما مستقلان فى تحقق الرجاء أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ اى ثوابه اثبت لهم الرجاء اشعارا «1» بان العمل غير موجب ولا قاطع في الدلالة لا سيما انما العبرة بالخواتيم وَاللَّهُ غَفُورٌ لما فعلوا خطأ رَحِيمٌ (210) بإعطاء الثواب. يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ اخرج احمد عن ابى هريرة قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما فانزل الله يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فقال الناس ما حرم علينا انما قال اثم كبير وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوم صلى رجل من المهاجرين امّ أصحابه في المغرب خلط فى قرأته فانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى الاية ثم نزلت اغلظ من ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الاية في المائدة الى قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قالوا انتهينا ربنا الحديث- قال البغوي جملة القول ان الله تعالى انزل في الخمر اربع آيات نزلت بمكة وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً فكان المسلمون يشربونها وهى لهم حلال يومئذ ثم لما نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار لما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله أفتنا في الخمر والميسر فانهما مذهبتان «2» للعقل مسلبتان «3» للمال فانزل الله هذه الاية فتركها قوم لقوله تعالى إِثْمٌ كَبِيرٌ وشربها قوم لقوله منافع للنّاس الى ان صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) فى الأصل اشعار (2) فى الأصل مذهبة (3) فى الأصل مسلبة

وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا فحضرت صلوة المغرب فقدّموا بعضهم ليصلى بهم فقرا (قل يا ايّها الكافرون اعبد ما تعبدون) هكذا الى اخر السورة بحذف لا فانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سكارى الاية فحرم السكر في اوقات الصلاة فتركها قوم وقالوا لا خير في شىء يحول بيننا وبين الصلاة وشربها قوم في غير اوقات الصلاة كان الرجل يشرب بعد صلوة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر او بعد صلوة الصبح فيصحوا الى وقت الظهر واتخذ عتبان بن مالك صيفا ودعا رجالا من المسلمين فيهم سعد بن ابى وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير فاكلوا منه وشربوا الخمر حتى سكروا منها ثم انهم افتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الاشعار وانشد سعد قصيدة فيها هجاء الأنصار وفخر لقومه فاخذ رجل من الأنصار لحيى بعير فضرب به رأس سعد فشجّه موضحة فانطلق سعد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا اليه الأنصاري فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا- فنزلت ما في المائدة والله اعلم. اختلف العلماء في ان الخمر ما هو فقال ابو حنيفة رحمه الله هو التي من ماء العنب إذا صار مسكر او قذف بالزبد ولم يشترط صاحباه القذف بالزبد- وقال مالك والشافعي واحمد كل شراب أسكر كثيره فهو خمر- قالت الحنفية الخمر اسم خاص لما ذكرنا وهو المعروف عند اهل اللغة ولهذا اشتهر استعماله فيه واشتهر في غيرها مما ذكرنا من المسكرات اسم اخر كالمثلث- والطلا- والمنصف- والباذق- ونحو ذلك واللغة لا يجرى فيها القياس- وقال الجمهور اسم الخمر لغة لكل ما خامر العقل- والتحقيق عندى ان الخمر لفظ مشترك بين الخاص والعام اما حقيقة واما بعموم المجاز والمراد في الاية هو المعنى الأعم- قال صاحب القاموس الخمر ما أسكر من عصير العنب او عام والعموم أصح- وقال ابن عمر حرمت الخمر وما بالمدينة منها شىء رواه البخاري وحديث انس كنت ساقى القوم يوم حرمت الخمر وما شرابهم الا الفضيح البسر والتمر- متفق عليه وفي رواية- انى لقائم أسقي أبا طلحة فلانا فلانا وسمى في بعض الروايات أبا عبيدة بن الجراح وابى بن كعب وسهيلا «1» إذ جاء رجل فقال قد حرمت الخمر فقالوا أهرق هذا القلال يا انس قال فما سالوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل- وعنه قال لقد حرمت الخمر حين حرمت وما نجد خمر الأعناب الا قليلا وعامة خمرنا اليسر والتمر- فهذه الآثار تدل على ما ذكرت ان الخمر قد يستعمل فى المعنى الأخص لكن المراد بالآية هو المعنى الأعم ولو بالمجاز وان كان المراد بالخمر في الاية المعنى

_ (1) فى الأصل سهيل

الأخص لما طابق الجواب السؤال فان السؤال انما كان عن الشراب الذي كانوا يشربونه حين سالوا قال عمر ومعاذ- أفتنا يا رسول الله عن الخمر فانها مذهبة للعقل- وقال الله تعالى إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ وهذا غير مختص بماء العنب بل لم يكن ماء العنب مستعملا لهم والله اعلم وفي الباب حديث عمر بن الخطاب انه قال فى خطبته- نزل تحريم الخمر وهى من خمسة أشياء العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل والخمر ما خامر العقل- متفق عليه ورواه احمد في مسنده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحنطة خمر ومن الشعير خمر ومن التمر خمر ومن الزبيب خمر ومن العسل خمر- وفي الباب عن النعمان بن بشير مرفوعا نحوه رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة وروى احمد وفي آخره وانما انهى عن كل مسكر وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام وكل مسكر خمر- رواه مسلم وعن انس قال الخمر من العنب والتمر والعسل والذرة فما خمرت من ذلك فهو الخمر- رواه احمد وإذا ثبت ان اسم الخمر تعم الاشربة المسكرة فثبت بنص القران ان ما أسكر كثيره فقليله حرام ونجس فيحد شاربه من اىّ شىء كان ولا يجوز بيعها ولا يضمن متلفها غير انه لا يكفر مستحل ما سوى التي من ماء العنب لمكان الاختلاف وقال ابو حنيفة رحمه الله يحرم من الاشربة سوى الخمر ثلثة أحدها الطلا وهو عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب اقل من ثلثه فان ذهب نصفه فهو المنصف او اقل منه وهو الباذق إذا غلا واشتد وقدف بالزبد ثانيها السكر وهو التي من ماء التمر إذا غلا واشتد وقذف بالزبلة ثالثها نقيع الزبيب وهو التي من الزبيب إذا اشتد وغلا وقذف بالزبد ولم يشترط ابو يوسف القذف بالزبد فهذه الاشربة نجسة نجاسة خفيفة فى رواية وغليظة في اخرى فيحرم القليل منه كما يحرم البول لما مر من قوله صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين لكن لا يحد شاربه حتى يسكر لان حرمتها اجتهادية ظنية والحدود تندرئ بالشبهات ويجوز بيعها ويضمن متلفها عند ابى حنيفة خلافا لصاحبيه- والمثلث العنبي ونبيذ التمر والزبيب إذا طبخ ادنى طبخة وان اشتد إذا شرب منه ما يغلب على ظنه انه لا يسكر فكل ذلك عند ابى حنيفة وابى يوسف رحمهما الله حلال خلافا لمحمد رحمه الله هذا إذا قصد به التقوى واما إذا قصد به التلهي فلا يحل بالاتفاق- والقدر المسكر من هذه الثلاثة حرام بالاتفاق يحد شاربه- قال ابو حنيفة وابو يوسف انما يحرم من هذه الثلاثة إذا اسكرت القدح الأخير لانه

هو المسكر حقيقة- وما سوى ذلك من الاشربة وهو ما يتخذ من الحنطة والشعير والذرة والعسل والفانبذ والبنج ولبن الرماك وغير ذلك فهو حلال عند ابى حنيفة وابى يوسف رحمهما الله وان أسكر ولا يحد شاربه ولا يقع طلاق السكران منه- وفي رواية عنهما انه ان أسكر فهو حرام ويحد شاربه قال في الهداية قالوا الأصح انه يحد وبه قال محمد رحمه الله انه حرام ويحد شاربه ويقع طلاقه إذا أسكر منه كما في سائر الاشربة لكن هذه الاشربة ليست بنجسة عند الثلاثة حيث لا يقولون بحرمة قليلها- وفي فتاوى النسفي ان البنج حرام وطلاق البنجى واقع ومن يعتقد حليته يقتل ويحد شاربه كما يحد شارب الخمر- ويدل على ان كل مسكر حرام وعلى ان ما أسكر كثيره فقليله حرام من الأحاديث حديث جابر ان رجلا قدم من اليمن سال النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له الموز فقال النبي صلى الله عليه وسلم او مسكر هو قال نعم قال كل مسكر حرام- رواه مسلم- وعن سعد بن ابى وقاص انه صلى الله عليه وسلم نهى عن قليل ما أسكر كثيره- رواه النسائي وابن حبان والبزار ورجاله رجال الصحيح وعن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أسكر كثيره فقليله حرام- رواه الترمذي وحسنه وابو داود وابن ماجة وحديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم قال ما أسكر منه الفرق فملا الكف منه حرام- رواه احمد والترمذي وحسنه وابو داود وابن حبان في صحيحه وعن أم سلمة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر رواه ابو داود وعن ديلم الحميرى قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم انا بأرض باردة ونعالج فيها عملا شديدا وانا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على عملنا وعلى برد بلادنا قال هل يسكر قلت نعم قال فاجتنبوه قلت ان الناس غير تاركيه قال ان لم يتركوه قاتلوهم رواه ابو داود وعن ابى مالك الأشعري انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها- رواه ابو داود- وفي الباب عن على عند الدارقطني- وعن خوات بن جبير في المستدرك واحتجوا على اباحة النبيذ بأحاديث منها حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذله أول الليلة فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجىء والغد والليلة الاخرى والغد الى العصر فان بقي شىء سقاه الخادم او امر به فصب- رواه مسلم قالوا لو كان حراما لما سقاه الخادم- والجواب انه ان لم يكن مسكرا ولكن ذهب حلاوته وخاف ان سيكون مسكرا اعطى الخادم وان غلب على ظنه كونه مسكرا امر به فصب فلا حجة فيه- واحتجوا على ان الحرام مما سوى الخمر القدح الأخير دون قليله بما أسند الى ابن مسعود

كل مسكر حرام قال هى الشربة التي اسكرتك- أخرجه الدارقطني- قال ابن همام انه ضعيف فيه الحجاج بن ارطاة وعمار بن مطر وانما هو قول النخعي وأسند ابن المبارك انه ذكر له حديث ابن مسعود هذا فقال حديث باطل- واحتجوا بما روى عن ابن عباس حرمة الخمر بعينها والسكر من كل شراب- قال ابن همام انه لم يسلم وذكر ابن الجوزي انه روى ابو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقال هذا موقوف ولا يتصل الى ابى سعيد- قال ابن همام نعم هو متصل من طريق جيد عن ابن عباس بلفظ حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب- وفي لفظ وما أسكر من كل شراب- قال ابن همام ولفظ أسكر تصحيف- قلت ومعنى اثر ابن عباس ان المسكر من كل شراب حرام قليلها وكثيرها واحتجوا ايضا بحديث ابى مسعود الأنصاري ان النبي صلى الله عليه وسلم عطش وهو يطوف بالبيت فأتى بنبيذ من السقاية فعطب فقال رجل أحرام يا رسول الله قال لا علىّ بدلو من ماء زمزم فصبه عليه ثم شرب وهو يطوف بالبيت- وعن المطلب بن ابى وداعة السهمي نحوه وفي آخره إذا اشتد عليكم شرابكم فاصنعوا هكذا- وعن ابن عمر انه سئل عن النبيذ الشديد فقال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فوجد ريح نبيذ فارسل فاتى به فوضع رأسه فيه فوجده شديدا فصب عليه الماء ثم شرب ثم قال إذا اغتلت أسقيتكم فاكسروها بالماء- وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه روى هذه الأحاديث كلها الدارقطني- وعن ابى مسعود سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيذ إحلال أم حرام قال حلال- رواه ابن الجوزي- وعن سعيد بن ذى لقوة قال شرب أعرابي نبيذا من اداوة عمر فسكر فامر به فجلد فقال انما شربت نبيذا من إداوتك فقال عمر انما نجلدك على السكر- رواه ابن الجوزي- والجواب ان حديث ابى مسعود قال الدارقطني هو معروف بيحيى بن يمان قال احمد بن حنبل كان يحيى بن يمان مغلط وضعفه قيل له أرواه غيره قال لا الا من هو أضعف منه قال النسائي لا يحتج به وقال ابو حاتم مضطرب الحديث- وحديث المطلب بن وداعة في رواته محمد بن السائب الكلبي وهو كذاب ساقط كذا قال ليث وسليمان والسعدي وقال النسائي والدارقطني متروك وقال ابن حبان وضوح الكذب اظهر فيه- واما حديث ابن عمر فيه عبد الملك بن نافع وهو مجهول ضعيف والصحيح عن ابن عمر مرفوعا ما أسكر كثيره فقليله حرام- واما حديث ابن عباس فتفرد به القاسم بن بهرام قال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به بحال- واما حديث ابى مسعود فيه عبد العزيز بن

ابان قال احمد تركته وقال ابن نمير هو كذاب يضع الحديث- واما حديث سعيد بن لقوة فقال ابو حاتم هو شيخ دجال وروى ابن ابى شيبة عن عمرو نحوه وفيه انقطاع- ثم انه لا خلاف في النبيذ فانه ان غلا واشتد فهو حرام قليله وكثيره بالاتفاق وان كم يسكر فهو حلال بالاتفاق فلا مساس لهذه الأحاديث بالخلافية أصلا والله اعلم وَالْمَيْسِرِ مصدر كالموعد سمى به القمار لانه أخذ مال الغير بيسر او سلب يسار الغير- قال عطاء وطاوس ومجاهد كل شىء فيه قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب- قال البغوي روى عن على رضى الله عنه في النرد والشطرنج انهما من الميسر- روى البيهقي في شعب الايمان عن على انه كان يقول الشطرنج هو ميسر الأعاجم- وقد ورد في النهى عن عن النرد والشطرنج ونحوهما عن بريدة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال- من لعب بالنردشير فكانما صبغ يده بلحم خنزير- وروى عبدان وابو موسى وابن حزم عن حبة بن مسلم مرسلا- ملعون من لعب بالشطرنج والناظر إليها كالاكل لحم الخنزير- وعن ابى موسى الأشعري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله- رواه احمد وابو داود- وعنه انه قال لا يلعب بالشطرنج الا خاطئ وعنه انه سئل عن لعب الشطرنج فقال هى من الباطل ولا يحب الله الباطل رواه البيهقي في شعب الايمان وعن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم- نهى عن الخمر والميسر والكوبة- رواه ابو داود وعن ابن عباس مرفوعا نحوه قيل الكوبة الطبل رواه البيهقي في شعب الايمان وعن ابى هريرة- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم راى رجلا يتبع حمامة قال شيطان يتبع شيطانة رواه احمد وابو داود وابن ماجة والبيهقي في الشعب- والتحقيق ان اللعب بكل شىء حرام اجماعا وما روى عن الشافعي انه أباح اللعب بالشطرنج فقد صح انه رجع عن هذا القول- وان اضاعة المال والتبذير باى وجه كان كالرشوة والقمار والربوا وغير ذلك ايضا حرام اجماعا قال الله تعالى إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وفي الميسر اجتمع الأمران اللعب واضاعة المال فامره أشد وهو كبيرة من الكبائر اجماعا سواء كان المقامرة بما كان به عادة العرب او بغير ذلك من الشطرنج والغرد ونحوهما قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ فانهما يستلزمان الأوزار العظيمة من المخاصمة ما لمشاتمة ويوقعان العداوة والبغضاء ويصدان عن ذكر الله وعن الصلاة قرا حمزة والكسائي أتم كثير بالثاء من حيث تعدد اقسام الأوزار- وقال الباقون كبير بالباء بناء على عظم المعصية وكونهما من الكبائر عن معاذ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشربنّ خمرا فانه رأس كل

فاحشة- رواه احمد وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين لسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن الحديث رواه البخاري وعن ابن عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الخمر أم الفواحش واكبر الكبائر ومن شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على امه وخالته وعمته- رواه الطبراني بسند صحيح- وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب من شرب الخمر لم يقبل الله لصلوة أربعين صباحا فان تاب تاب الله عليه فان عاد لم تهبل الله له صلوة أربعين صباحا فان تاب تاب الله عليه فان عاد لم يقبل الله له صلوة أربعين صباحا فان تاب تاب الله عليه فان عاد في الرابعة لم يقبل الله له صلوة أربعين صباحا فان تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخيال رواه النسائي وابن ماجة والدارمي وعن عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الخمر أم الخبائث فمن شربها لم يقبل صلاته أربعين يوما فان مات وهى في بطنه مات ميتة جاهلية- رواه الطبراني بسند حسن وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال لا يدخل الجنة عاق ولا قمار ولا منان ولا مدمن خمر رواه الدارمي وعن ابن عمر مرفوعا ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مد من الخمر والعاق والديوث- رواه احمد والنسائي وعن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للعالمين وأمرني ربى عز وجل بمحق المعازف والمزامير والأوثان والصليب وامر الجاهلية وحلف ربى عز وجل بعزتي لا يشرب عبد من عبيدى جرعة من خمر الا سقيته من الصديد مثلها ولا يتركها مخافتى إلا سقيته من حياض القدس- رواه احمد وعن ابى موسى الأشعري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يدخل الجنة مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق السحر- رواه احمد وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مدمن الخمر ان مات لقى الله كعابد وثن- رواه احمد- وروى ابن ماجة عن ابى هريرة والبيهقي- وعن ابى موسى انه كان يقول ما أبالي شربت الخمر او عبدت هذه السارية دون الله- رواه النسائي وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ فان في الخمر لذة عند شربها والفرح واستمراء الطعام وتشجيع الجبان وتوقير المروة وتقوية الطبيعة- ودفع بعض الأمراض وفي الميسر إصابة المال من غير كد ولا تعب (مسئلة) اجمعوا على انه لا يجوز الانتفاع بالخمر في حالة الاختيار واما في حالة الإكراه والاضطرار فيجوز لقوله تعالى إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ- وقوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ- فمن غص بلقمة ولم يجد غير الخمر جاز له

ان يسقيها عند ابى حنيفة والشافعي واحمد وقال مالك في المشهور عنه لا يجوز- واختلفوا في انه هل يجوز التداوى بالخمر فقال ابو حنيفة ومالك واحمد لا يجوز وبه قال الشافعي في أصح قوليه وفي قول له انه يجوز القليل للتداوى قال في الهداية كره شرب ودردى الخمر والامتشاط به لان فيه اجزاء الخمر والانتفاع بالمحرم حرام- ولهذا لا يجوز ان يداوى به جرحا او دبرة دابة ولا ان يسقى ذميا ولا ان يسقى صبيا للتداوى والوبال على من سقاه- وكذا لا يسقيها الدّواب عن وائل بن حجر ان رجلا سال النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه عنها قال انما صنعتها للدواء فقال النبي صلى الله عليه وسلم انها داء وليست بدواء- رواه مسلم وعن طارق بن سويد قال قلت يا رسول الله ان بأرضنا أعنابا نعصرها ونشربها قال لا فعاودته فقال لا فقلت انا نستسقى بها المريض قال ان ذاك ليس بشفاء لكنه داء- رواه احمد- وعن أم سلمة قالت نبذت نبيذا في كور فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغلى فقال ما هذا قلت اشتكت ابنة لى فصنعت لها هذا فقال ان الله لم يجعل شفاء كم فيما حرم عليكم- رواه البيهقي وابن حبان ولفظ ابن حبان ان الله لم يجعل شفاءكم فى حرام وذكره البخاري عن ابن مسعود تعليقا- قلت ليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم لم يجعل شفاءكم في حرام انه لم يخلق فيه شفاء فانه خلاف منطوق الاية وبالتحريم لا ينتفى المنافع الخلقية لا تبديل لخلق الله- بل المعنى انه لم يرخص لكم في تحصيل الشفاء بالحرام وقد يحتج على جواز التداوى بالحرام بحديث انس ان رهطا من عكل او قال عرينة قدموا المدينة فامولهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم ان يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها فشربوا حتى إذا برءوا قتلوا الراعي الحديث متفق عليه والجواب انه منسوخ فان قصة العرنيين كان قبل نزول سورة المائدة على ان الشافعي يستدل بهذا الحديث على طهارة بول ما يؤكل لحمه فلا يجوز له الاحتجاج بهذا الحديث على جواز التداوى بالمحرم- واختلفوا في انه هل يجوز تخليل الخمر فقال ابو حنيفة يجوز ويطهر بالتخليل وقال مالك يكره لكن يطهر بالتخليل وقال الشافعي واحمد لا يجوز ولا يطهر- لابى حنيفة حديث أم سلمة انها كانت لها شاة يحلبها ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما فعلت الشاة قالوا ماتت قال أفلا انتفعتم باهابها فقلنا انها ميتة فقال دباغتها تحل كما تحل خل الخمر- رواه الدارقطني قال الدارقطني تفرد به الفرج بن فضالة وهو ضعيف

وقال ابن حبان بقلب الأسانيد يلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة لا يحل الاحتجاج به- وقد ذكروا أحاديث لا اصل لها منها خير خلكم خل خمركم ويطهر الدباغ الجلد كما يحل الخمر- وهذا لا يعرف والحجة للشافعى واحمد حديث انس ان أبا طلحة سال النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال اهرقها قال اولا نجعلها خلا- قال لا أخرجه مسلم ولهذا الحديث طرق اخر أخرجها الدارقطني وفي بعضها الى اشتريت لايتام في حجرى خمرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهرق الخمر واكسر الدنان فاعاد ذلك عليه ثلاث مرات- وحديث ابى سعيد قال قلنا الرسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمت الخمر ان عندنا خمر ليتيم لنا فامرنا فاهرقناها وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما قال البغوي قال الضحاك إثمهما بعد التحريم اكبر من نفعهما قبل التحريم- وقيل إثمهما اكبر من نفعهما قبل التحريم- والظاهر عندى ان إثمهما بعد التحريم اكبر من نفعهما كذلك لان مضار الإثم راجعة الى الاخرة ومنافعها راجعة الى الدنيا ومتاع الدنيا قليل والساعة أدهى وامر والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس ان نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا انا لا ندرى ما هذه النفقة التي امرتنا بها في أموالنا فما ننفق منها- واخرج ايضا عن يحيى انه بلغه ان معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله ان لنا ارقاء وأهلين فما ننفق من أموالنا فانزل الله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ (5) قُلِ الْعَفْوَ قرا ابو عمر وبالرفع يعنى الذي ينفقون هو العفو قال عطاء وقتادة والسدى هو ما فضل عن الحاجة وكان الصحابة يكتسبون المال فيمسكون قدر النفقة ويتصدقون بالفضل بحكم هذه الاية- عن ابى امامة ان رجلا من اهل الصفة نوفى وترك دينارا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيّة قال ثم توفى اخر وترك دينارين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيتان- رواه احمد والبيهقي في شعب الايمان وعن ابى هاشم بن عقبة قال عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا سمعته يقول انما يكفيك من جمع المال خادم ومركب- رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة ثم نسخ هذا الحكم باية الزكوة قلت وهذا ليس بسديد فان إنزال الحكم بالزكاة في صدر سورة البقرة ونزولها في السنة الاولى او الثانية من الهجرة فآية الزكوة مقدمة نزولا على هذه الاية- فاما ان يقال المراد

بهذه الاية اشتراط ان يكون نصاب المال في الزكوة فاضلا عن الحاجة الاصلية من الدين وغير ذلك او يقال السؤال انما كانت عن الصدقة النافلة ومقتضى الاية ان الأفضل التصدق عن ظهر غنى قال مجاهد معناه التصدق عن ظهر غنى حتى لا يبقى كلا على الناس- وقال عمرو بن دينار العفو الوسط من غير إسراف ولا إقتار قال الله تعالى وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا- وقال طاؤس العفو ما يسر ومنه قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ اى الميسور من اخلاق الناس فينفق ما تيسر له بذله ولا يبلغ منه الجهد عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول- رواه البخاري وابو داود والنسائي- وعن حكيم بن حزام نحوه متفق عليه وروى البغوي عن ابى هريرة نحوه وزاد واليد العليا خير من اليد السفلى- وعن ابن عباس مثله بلفظ خير الصدقة ما أبقت غنى- رواه الطبراني وعن ابى هريرة قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندى دينار فقال أنفقه على نفسك- قال عندى اخر قال أنفقه على ولدك قال عندى اخر قال أنفقه على أهلك قال عندى اخر قال أنفقه على خادمك قال عندى أنت اعلم- رواه ابو داود والنسائي- وعن جابر ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب أصابها فى بعض المغانم فقال خذها منى صدقة فاعرض عنه ثم كرر مرارا فقال هاتها مغضبا فاخذها فخذفها حذفا لو أصابه لشجه ثم قال يأتى أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس انما الصدقات عن ظهر غنى- رواه البزار وابو داود ابن حبان والحاكم عند البزار في بعض المغانم والباقيين في بعض المغازي فان قيل لهذا الحديث والاية يدلان على كراهة انفاق جميع المال وكراهة جهد المقل- فان العفو ضد الجهد وحديث ابى امامة يدل على وجوب انفاق جميع المال- وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم- انه سئل اىّ صدقة أفضل قال جهد المقل وابدأ بمن تقول- رواه ابو داود من حديث ابى هريرة- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان لى مثل أحد ذهبا لسرنى ان لا يمر على ثلاث ليال وعندى منه شىء الا شىء ارصده لدين رواه البخاري وعن اسماء قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انفقى ولا تحصى فيحصلى الله عليك ولا توعى فيوعى الله عليك ارضحى ما استطعت- متفق عليه قلت الحكم يختلف باختلاف الاشخاص والأحوال فمن كان بعد ما يتصدق كل ماله يتكفف الناس ولا يستطيع الصبر على الفقر لا يجوز له ذلك ومن يقدر على الصبر وليس عليه حق من حقوق الناس فالافضل

[سورة البقرة (2) : آية 220]

فى حقه البذل في سبيل الله- وحقوق الناس من الديون ونفقة العيال والخادم مقدم على التصدق على الأجنبي لا محالة فان ذلك فريضة وهذه نافلة- ومن التزم على نفسه التزهد والمعاش على حسب عيش النبي صلى الله عليه وسلم كاهل الصفة من الصحابة واهل الخانقاه من الصوفية فيكره له إمساك ما فضل عن الحاجة وعليه يحمل حديث ابى امامة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم عبر التحسر على فوات الأفضل من الأعمال بالكلية- فان قيل لو أنفق ما فضل عن الحاجة قبل بلوغ النصاب والحول فقط ادى نافلة ولو اتفق بعد ما بلغ المال نصابا وحال عليه الحول فقد ادى فريضة وأداء الفريضة يكون أفضل من النافلة فكيف يقال بالعكس- قلنا سبب وجوب الانفاق هو نفس تملك المال وبه يحصل القدرة الممكنة فان الشكر عبارة عن صرف النعمة في رضاء المنعم واشتراط النصاب والنماء والحول رخصة من الله تيسيرا وتفضلا وبه يحصل القدرة الميسرة فمن ترك الانفاق لفوات القدرة الميسرة فلا اثم عليه بناء على الرخصة- ولكن من أنفق مع فوات القدرة الميسرة بعد الممكنة فقد اتى بالعزيمة- والواجب في المال بعد النصاب وان كان ربع العشر مثلا لكن من أنفق كل المال في سبيل الله يقع كل ذلك عن الفريضة كما ان الواجب من القراءة في الصلاة يتادى بالفاتحة وثلاث آيات قصار لكن من قرا القران كله في ركعة يقع عن الواجب لان فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ- وأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ شامل لهما- وكون المال فاضلا عن الحاجة يكفى لصدق من التبعيضية في قمار رزقنكم كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ الكاف في موضع النصب صفة مصدر محذوف يعنى يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ تبيينا مثل ذلك التبيين فى امر النفقة وغيرها من الاحكام وانما وحدّ العلامة والمخاطب به جمع على تأويل القبيل والجمع او هو خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وخطابه يشتمل على خطاب الامة كقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فى الدلائل والاحكام فتعلمون ان تلك الآيات لا يتصور الا من الله العليم بمصالح الأمور وعواقبها الحكيم المتقن فتبادروا بامتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه فتفوزوا بمنافع الدارين. فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ الظرف متعلق بيبين تقدير الكلام يبين الله لكم الآيات ما يصلح لكم في امر الدنيا والاخرة لعلكم تتفكرون وقيل الظرف متعلق بتتفكرون والمعنى تتفكرون فيما يتعلق بالدنيا والاخرة فتأخذون بما هو

أصلح لكم فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم المعاش في الدنيا وتنفقون الفاضل فيما ينفعكم في العقبى او المعنى لعلكم تتفكرون في الدارين فتؤثرون ابقاءهما وأكثرهما منافع- عن على رضى الله عنه قال ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الاخرة مقبلة ولكل واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الاخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل- رواه البخاري في ترجمة باب ورواه البيهقي فى شعب الايمان عن جابر مرفوعا- وعن ابن مسعود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نام على حصير وقام وقد اثر في جسده فقال ابن مسعود يا رسول الله لو امرتنا ان نبسط لك فقال ما لى وللدنيا ما انا والدينا الا كراكب استظل نحت شجرة ثم راح وتركها- رواه احمد والترمذي وابن ماجة- وعن ابى الدرداء مرفوعا ان إمامكم عقبة كؤدا لا يجوّزها المثقلون- رواه البيهقي في الشعب والله اعلم اخرج ابو داود والنسائي والحاكم وصححه من حديث ابن عباس انه لما نزلت قوله تعالى وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً الاية تحرج المسلمون تحرجا شديدا حتى عزلوا اموال اليتامى عن أموالهم فكان يصنع لليتيم طعام فيفضل منه شىء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد فاشتد ذلك عليهم وسالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ يعنى إصلاح اموال اليتامى وأمورهم خير فان رايتم الإصلاح في المجانبة فذاك وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ ورايتم إصلاحهم في المخالطة فَإِخْوانُكُمْ اى انهم إخوانكم فى الدين والنسب والاخوان يعين بعضهم بعضا ويصيب بعضهم من مال بعض على وجه الإصلاح وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ يعنى الذي يقصد بالمخالطة الخيانة وإفساد مال اليتيم وأكله بغير حق مِنَ الْمُصْلِحِ الذي يقصد به الإصلاح وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ اى لضيّق عليكم وما أباح لكم ذلك ولكنه خفف عنكم فاباح لكم مخالطتهم على قصد الإصلاح إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب يحكم ما يشاء سهّل على العبادا وشق عليهم حَكِيمٌ يحكم بفضله على ما يقتضيه الحكمة ويتسع له الطاقة والله اعلم قال البغوي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا مرثد الغنوي الى مكة ليخرج منها ناسا من المسلمين سرّا- فلما قدمها سمعت به امراة مشركة يقال لها عناق وكانت خليلة له في الجاهلية فاتته وقالت يا أبا مرثد

[سورة البقرة (2) : آية 221]

الا تخلو فقال لها ويحك يا عناق ان الإسلام قد حال بيننا وبين ذلك قالت فهل لك ان تتزوج بي قال نعم ولكن ارجعه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمره فقالت ابى تبترم ثم استغاثت عليه فضربوه ضربا شديدا ثم خلوا سبيله فلما قضى حاجته بمكة وانصرف الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلمه بالذي كان من امره وامر عناق وقال يا رسول الله أتحل لى ان أتزوجها فانزل الله تعالى. وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وكذا اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم والواحدي عن مقاتل- وقال السيوطي ليس هو في نزول هذه الاية انما هو في نزول اية سورة النور الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً الاية كذا أخرجه ابو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن عمر وهذه الاية منسوخة في حق الكتابيات لقوله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وهن مشركات حيث يعبدون عزيرا او مسيحا وَلَأَمَةٌ اى امراة حرة كانت او امة فان الناس عباد الله واماؤه مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ يعني بمالها وجمالها وشمائلها- والواو للحال ولو بمعنى ان تعليل لما سبق من النهى- قال البغوي نزلت في خنساء وليدة كانت كحذيفة بن اليمان فاعتقها فتزوجها واخرج الواحدي من طريق الواقدي عن ابى مالك عن ابن عباس انه كانت امة سوداء لعبد الله بن رواحة وانه غضب عليها فلطمها ثم فزع فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره بذلك فقال له عليه السلام وما هى يا عبد الله فقال هى تشهدان لا الله الا الله وانك رسول الله وتصوم رمضان وتحسن الوضوء وتصلى- فقال هذه مؤمنة- قال عبد الله فو الذي بعثك بالحق لاعتقها ولا تزوجها ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا أتنكح امة وعرضوا عليه حرة مشركة فانزل الله هذه الاية- ويستفاذ من هذه الاية بالقياس ان امرأة تقية ذات اخلاق حسنة وان كانت فقيرة ذميمة اولى بالنكاح من امراة فاسقة سيئة الأخلاق وان كانت غنية جميلة- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لاربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك- متفق عليه وعن عبد الله بن عمر ومرفوعا خير متاع الدنيا المرأة الصالحة- رواه مسلم وعن ابى سعيد الخدري مرفوعا اتقوا النساء فان أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء رواه مسلم-

[سورة البقرة (2) : آية 222]

وَلا تَنْكِحُوا مسلمة حذف احدى المفعولين والخطاب الى الأولياء او الى الحكام يعنى امنعوهن عن نكاح المشركين الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا- هذه الاية محكمة لا يجوز نكاح المؤمنة بالمشرك كتابيا كان او غيره اجماعا وَلَعَبْدٌ اى رجل مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ بماله او جاهه او غير ذلك أُولئِكَ يعنى المشركات والمشركين يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ اى الى الكفر والمعاصي فان للصحبة والموالات تأثير في النفوس يصير المرء على دين خليله وجليسه وَاللَّهُ يَدْعُوا على لسان رسله- او المعنى واولياء الله حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه تفخيما لشأنهم إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ يعنى الى اعتقادات واعمال توجب الجنة والمغفرة فاولياء الله أحق بالمواصلة بِإِذْنِهِ بتوفيقه وتيسيره او لقضائه وإرادته وَيُبَيِّنُ آياتِهِ او امره ونواهيه لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) لكى يتذكروا او ليكونوا بحيث يرجى منهم التذكر والله اعلم روى البخاري ومسلم والترمذي عن انس ان اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك- واخرج «1» عن ابن عباس ان السائل ثابت بن الدحداح- واخرج ابن جرير عن السدى نحوه فانزل الله تعالى. وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ- المحيض مصدر كالمجئ والمبيت- والمعنى يسئلونك عما يفعل بالنساء في المحيض- ذكر الله سبحانه يسئلونك بغير واو ثلثا ثم بالواو ثلثا لعله كانت السؤالات السابقة في اوقات متفرقة والثلاثة الاخيرة كانت في وقت واحد فلذلك ذكرها بلفظ الجمع. قُلْ يا محمد هُوَ يعنى المحيض أَذىً قذر مستقذر فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ والمراد باعتزال النساء ترك الوطي اجماعا- دون ترك المخالطة في الاكل والشرب والمضاجعة وغير ذلك- روى البخاري ومسلم في حديث انس المذكور انه حين نزل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شىء الا النكاح وعن عائشة قالت كنت اغتسل انا والنبي صلى الله عليه وسلم من اناء واحد وكلانا جنب وكان يأمرنى فاتزر فيباشرنى وانا حائض وكان يخرج رأسه الىّ وهو معتكف فاغسله وانا حائض متفق عليه وعنها قالت كنت اشرب وانا حائض ثم انا وله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه موضع فيّ فيشرب واتعرق العرق وانا حائض ثم انا وله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه موضع فيّ رواه مسلم وعنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكى في حجرى وانا حائض ثم يقرأ القران متفق عليه وعنها قالت قال لى النبي صلى الله عليه وسلم ناولنى الخمرة من المسجد فقلت

_ (1) هكذا بياض في الأصل 12

انى حائض فقال ان حيضتك ليست في يدك- رواه مسلم عن ميمونة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى في مرط بعيضه علىّ وبعضه عليه وانا حائض- متفق عليه وعن أم سلمة قالت حضت فاخذت ثياب حيضتى فلبستها فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفست قلت نعم فادخلنى معه في الخميلة- رواه البخاري وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ تأكيد للحكم السابق وبيان للغاية قرا عاصم برواية ابى بكر وحمزة والكسائي بتشديد الطاء والهاء وقرا الآخرون بسكون الطاء وضم الهاء مخففا ومعنى القراءتين عند مالك والشافعي واحمد وأحد يعنى حتى يغتسلن فلا يجوز عندهم قربان الحائض بعد انقطاع دمها قبل الاغتسال أصلا- وقال ابو حنيفة معنى قراءة التخفيف حتى يطهرن من الحيض وتنقطع دمهن فيجوز على هذه القراءة القربان بغد الانقطاع قبل الغسل ومعنى قراءة التشديد الاغتسال فعلى هذه القراءة لا يجوز ذلك فيحمل ابو حنيفة قراءة التخفيف على ما إذا انقطع دمها بعد عشرة ايام وقراءة التشديد على ما دون العشرة- ويرد عليه ان قراءة التشديد ناطق بالمنع عن القربان قبل الاغتسال وقراءة التخفيف لا يدل على اباحة القربان قبل الاغتسال الا بالمفهوم والمفهوم لا يعارض المنطوق- وبعد ما اجمعوا على حرمة الوطي في الحيض اختلفوا في انه من ارتكب ذلك هل يجب عليه كفارة أم لا- فقال ابو حنيفة ومالك لا يجب عليه الكفارة بل الاستغفار فحسب- وهو الجديد من قول الشافعي- وقال احمد يتصدق بدينار فان لم يجد فنصف دينار- وقال الشافعي في القديم ان اتى حائضا فى اقبال الدم فعليه دينار وفي ادبار الدم فنصف دينار- لحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فى الذي يأتى امرأته وهى حائض قال يتصدق بدينار او نصف دينار- رواه احمد عن يحيى عن شعبة عن الحكم عن عبد الحميد عن مقيم عنه ورواه اهل السنن والدارقطني ورواة هذا الحديث مخرج في الصحيحين الا مقيما انفرد بإخراجه البخاري وصححه ابن القطان والحاكم وابن دقيق العبد فلا يضر رواية من رواه موقوفا فان الرفع زيادة مقبولة من الثقة واحتجوا للقول القديم الشافعي بما روى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم- إذا كان دما اصفر فنصف دينار واحمر فدينار- ومدار هذا الحديث على عبد الكريم ابى امية وهو مجمع على تركه كان ابو أيوب السجستاني يرميه بالكذب وقال احمد ويحيى ليس بشىء واختلفوا في الاستمتاع بما تحت الإزار

دون الجماع فقال احمد يجوز وقال الجمهور لا يجوز لاحمد ما مر من حديث انس اصنعوا كل شىء الا النكاح- وعن عكرمة عن بعض ازواج النبي صلى الله عليه وسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا القى على فرجها شيئا رواه ابن الجوزي- واحتج الجمهور بحديث معاذ بن جبل قال قلت يا رسول الله ما يحل لى من امراتى وهى حائض قال ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل- رواه رزين- قال محيى السنة اسناده ليس بالقوى- وعن عبد الله بن «1» نحوه رواه ابو داود- وعن زيد بن اسلم قال- ان رجلا سال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما يحل لى من امراتى وهى حائض فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها- رواه مالك والدارمي مرسلا- والتحقيق انه ان ملك اربته فلا بأس بالمساس تحت الإزار دون الفرج لان المراد بالآية هو النهى عن الجماع والجمع بين الحقيقة وو المجاز لا يجوز- والا فالترك واجب فانه من حال حول الحمى يوشك ان يقع فيه- واجمعوا على ان الحيض يمنع جواز الصلاة ووجوبها ويمنع جواز الصوم لا وجوبه- فلذا لا تقضى الصلاة وتقضى الصوم قالت عائشة- كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرنا بقضاء الصيام ولا يأمرنا بقضاء الصلاة- رواه مسلم والترمذي- وهذا حديث مشهور روى معناه عن كثير من الصحابة صريحا ودلالة- وفي الصحيحين قوله عليه السلام أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم- وايضا قوله صلى الله عليه وسلم إذا أقبلت الحيضة فاتركى الصلاة- ويمنع الحيض دخول المسجد والطواف ومس المصحف وقراءته اجماعا- قال الله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- وجهوا هذه البيوت عن المسجد فانى لا أحل المسجد لحائض ولا جنب رواه ابو داود وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقرا الحائض ولا الجنب شيئا من القران- رواه الترمذي وابن ماجة والدارقطني- وله شاهد من حديث جابر- رواه الدارقطني مرفوعا وفي اسناد هذين الحديثين مقال والله اعلم فَإِذا تَطَهَّرْنَ اتفق القراء هاهنا على التشديد فظهر ان الاغتسال شرط لاباحة الوطي فَأْتُوهُنَّ فجامعوهن يعنى أبا حكم الله الجماع بعد التطهر مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ يعنى الفرج دون الدبر-

_ (1) هكذا في الأصل

[سورة البقرة (2) : آية 223]

وانما ذكرنا الإباحة لان الأمر بالجماع للاباحة دون الوجوب- قال مجاهد وقتادة وعكرمة اى من حيث أمركم ان تعتزلوهن منه وهو الفرج- وكذا قال ابن عباس قيل من هاهنا بمعنى في يعنى فى حيث أمركم الله وهو الفرج كقوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ اى في يوم الجمعة- وقال ابن الحنفية من قبل الحلال دون الفجور إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ من الكفر والمعاصي وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) من الاقذار كمجامعة الحائض والإتيان في الدبر ومن الأحداث والاخباث فحرمة إتيان النساء في أدبارهن ثبت بهذه الاية بالاشارة او بالقياس على حرمة وطى الحائض فانه مستقذر كالوطى في الحيض- بل الوطي مطلقا مستقذر سواء كان في القبل او في دبر الرجل او الامرأة ومن ثم يجب الغسل به لكن أبيح الوطي في القبل لضرورة ابقاء النسل وجعل للاباحة شرائط من النكاح وعدم المحرمية وبراءة الرحم والطهارة من الحيض وغير ذلك- ولا ضرورة في الوطي في الدبر سواء كان المفعول به رجلا او امراة فبقى على حرمته لعلة الاستقدار- وقد ثبت حرمة إتيان الرجل الرجل في دبره بالنصوص القطعية والإجماع وهلك في ذلك قوم لوط عليه السلام فكذا إتيان المرأة في دبرها- ومن ثم قيد الله سبحانه قوله فَأْتُوهُنَّ بقوله مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ- ولدفع توهم حرمة الجماع بعلة الأذى وبيان وجه ضرورة الإباحة عقب الله تعالى تلك الاية بقوله-. نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ- يعنى مواضع حرث لكم شبههن بها تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف بالبذور يعنى أبيح لكم إتيانهن ضرورة ابقاء النسل فَأْتُوا حَرْثَكُمْ يعنى فروجهن فهو كالبيان لقوله فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنَّى شِئْتُمْ يعنى كيف شئتم فان كلمة انى مشتركة في معنى كيف واين ولا يتصور هاهنا معنى اين فانه تدل على عموم المحل ومحل الحرث ليس؟؟ فتعين معنى كيف ويقتضيه ما سنذكر من التحقيق في سبب نزول الاية والله اعلم وبما قلنا من حرمة إتيان النساء فى أدبارهن قال ابو حنيفة واحمد وجمهور اهل السنة- ويحكى عن مالك جواز إتيان المرأة في دبرها واكثر أصحابه ينكرون ان يكون ذلك مذهبا له والصحيح انه كان مذهبا له ثم رجع عنه هو او رجع عنه أصحابه- والشافعي فيه قولان القول القديم عنه ما حكى عن ابن عبد الحكم عن الشافعي انه قال لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا في تحليله شىء والقياس انه حلال فكانه قاس

على من عالج امرأته بذكره في فخذها او يدها- روى الحاكم بسنده عن ابن عبد الحكم انه كلم الشافعي فى مسئلة إتيان المرأة في دبرها فقال سالنى محمد بن الحسن فقلت له ان كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وان لم تصح فانت اعلم وان تكلمت بالمناصفة كلمتك قال على المناصفة قلت فباىّ شىء حرمته قال لقوله عز وجل فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ- فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ والحرث لا يكون الا في الفرج قلت أفيكون ذلك محرما لما سواه قال نعم قلت فما تقول لو وطيها بين ساقيها او تحت بطنها او أخذت ذكره بيدها أفي ذلك حرث قال لا قلت أفتحرم ذلك قال لا قلت فلم تحتج بما لا حجة فيه قال فان الله قال وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ الاية قال فقلت له ان هذا ما يحتجون به للجواز ان الله اثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته وما ملكت يمينه فقلت أنت تقول للحفظ من زوجته وما ملكت يمينه- قلت ولما ذكرنا من ان سبب حرمة إتيان النساء في الأدبار الاستقذار وذلك منتف فيمن وطيها بين ساقيها ونحو ذلك فظهروهن قياس الشافعي ومن ثم رجع الشافعي عن قوله ذلك- قال الحاكم لعل الشافعي كان يقول ذلك في القول القديم فاما في الجديد المشهور انه حرمه- وقال الربيع كذب ابن عبد الحكم والله الذي لا الله الا هو قد نص الشافعي على تحريمه في سننه وحكاه عنه جماعة منهم الماوردي في الحاوي وابو نصر بن الصباح في الشامل وغيرهم- وقال الشيخ ابن حجر العسقلاني بتكذيب الربيع لابن عبد الحكم لا معنى له لانه لم يتفرد به فقد تابعه اخوه عبد الرحمن- والتحقيق ان للشافعى فيه قولان والجديد المرجوع اليه انه وأفق الجمهور في التحريم- وقد ورد في حرمة الإتيان في الدبر أحاديث قال ابن الجوزي روى ذلك عن جماعة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعلى بن ابى طالب وخزيمة بن ثابت وابى هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن مسعود وعقبة بن عامر والبراء بن عازب وطلق بن على وأبو ذر وجابر بن عبد الله- قلت اما حديث عمر فقد أخرجه النسائي والبزار من طريق زمعة بن صالح عن ابن طاءوس عن أبيه عن الهاد عن عمر وزمعة ضعيف ضعفه احمد وابو حاتم وقال الذهبي صالح الحديث وقد اختلف عليه في رفعه ووقفه- واما حديث على فقد أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة بلفظ ان الله لا يستحيى من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن- واما حديث خزيمة بن ثابت ان رجلا سال

النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال- حلال- فلما ولى الرجل دعا فقال كيف قلت فى اى الحزبتين أمن دبرها في قبلها فنعم او من دبرها في دبرها فلا ان الله لا يستحى من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن- رواه الشافعي واحمد والترمذي وابن ماجة والدارمي وفيه عمرو بن اجنحة مجهول الحال ورواه النسائي من طريق وهب بن سويد بن هلال عن أبيه عن على بن السائب عن حصين بن محصين عن هرمى بن عبد الله عن خزيمة- ومن طريق هرمى ايضا أخرجه احمد والنسائي وابن حبان وهو لا يعرف حاله ايضا- وقال البزار لا اعلم في هذا الباب حديثا صحيحا وكلما روى عن خزيمة بن ثابت فغير صحيح وكذا روى الحاكم عن الحافظ ابى على النيشابوري ومثله عن النسائي وقال قبلهما البخاري- واما حديث ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ملعون من اتى امراة في دبرها وفي لفظ لا ينظر الله يوم القيمة الى رجل اتى امراة في دبرها- رواه احمد وابو داود وبقية اصحاب السنن من طريق سهيل بن ابى صالح عن الحارث بن مخلد عن ابى هريرة- وأخرجه البزار وقال- الحارث بن مخلد ليس بمشهور- وقال ابن القطان لا يعرف حاله- وقد اختلف فيه على سهيل فرواه إسماعيل بن عيّاش عنه عن محمد بن المنكدر عن جابر أخرجه الدارقطني وابن شاهين- ورواه عمر مولى عفرة عن سهيل عن أبيه عن جابر أخرجه ابن عدى واسناده ضعيف- ولحديث ابى هريرة طريق اخر أخرجها احمد والترمذي من طريق حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن ابى تميمة عنه بلفظ من اتى حائضا او امرأة في دبرها او كاهنا فصدقه ما يقول فقد كفر بما انزل على محمد قال الترمذي غريب لا نعرفه الا من حديث حكيم وقال البخاري لا يعرف لابى تميمة سماعا عن ابى هريرة- وقال البزار هذا حديث منكر وحكيم لا يحتج به وما تفرد به فليس بشىء- وله طريق ثالث أخرجها النسائي من رواية الزهري عن ابى سلمة عنه- قال حمزة الكتاني هذا حديث منكر وعبد الملك راويه قد تكلم فيه دحيم وابو حاتم وغيرهما- والمحفوظ الموقوف وله طريق رابع أخرجها النسائي من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن ابى هريرة بلفظ- من اتى شيئا من الرجال او النساء في الأدبار فقد كفر وبكر وليث ضعيفان- وله طريق خامس رواه عبد الله بن عمر بن حبان عن مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء عن أبيه عن ابى هريرة بلفظ ملعون من اتى النساء في أدبارهن- رواه احمد والنسائي ومسلم ضعفه النسائي وغيره وقال الذهبي صدوق وثقة يحيى بن معين وغيره-

واما حديث ابن عباس أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان واحمد والبزار من طريق كثير بن عباس قال البزار لا نعلمه يروى عن ابن عباس بإسناد احسن من وهب- انفرد به ابو خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن سلميان عن كريب- وكذا قال ابن عدى ورواه النسائي عن هناد عن وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح عندهم من المرفوع وعن ابن عباس من طريق اخر موقوفا رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاؤس عن أبيه ان رجلا سأل عن ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها فقال تسئلنى عن الكفر وأخرجه النسائي من رواية ابن المبارك عن معمر واسناده قوى- واما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فقد أخرجه احمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يأتى المرأة في دبرها فقال هى اللواطة الصغرى- وأخرجه النسائي وأعله والمحفوظ عن عبد الله بن عمرو من قوله كذا أخرجه عبد الرزاق وغيره- وفي الباب عن انس أخرجه الإسماعيلي في معجمه وفيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف وعن ابى بن كعب في خبر الحسن بن عرفة بإسناد ضعيف جدا وعن ابن مسعود عند ابن عدى بإسناد واه وعن عقبة بن عامر عند احمد فيه ابن لهيعة- وهذا الأحاديث كلها وان كانت ضعيفة كما سمعت لكن باعتضاد بعضها ببعض يحصل العلم قطعا بورود النهى عن النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا مرد له فوجب القول به والله اعلم- واحتج القائلون بإباحته بما صح عن ابن عمر بطرق كثيرة انه قال نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ نزلت في إتيان النساء في أدبارهن- رواه البخاري- وكذا روى الطبراني بسند جيد عنه انه قال- انما نزلت رخصة في الإتيان الدبر- واخرج ايضا عنه- ان رجلا أصاب امراة فى دبرها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فانكر ذلك الناس فانزل الله تعالى- وكذا اخرج ابن جرير وابو يعلى وابن مردوية من طريق عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن ابى سعيد الخدري ان رجلا أصاب امراة في دبرها فانكر الناس عليه ذلك فانزل الله تعالى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ- قلت هذا وهم من ابن عمر وابى سعيد اخطئا في تاويل الاية- ولو كان هذا سبب نزول هذه الاية لما طابق الحكم الوقعة فان قوله تعالى فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ حكم بإتيان الحرث لا بإتيان الدبر فانه ليس بمحل الحرث فلا ينتهض حجة لاباحة الدبر- وقيل هذا وهم من نافع لما روى عن عبد الله بن الحسن انه لقى سالم بن عبد الله فقال له يا أبا عمر ما حديث يحدث نافع عن ابن عمر

انه لم يكن يرى بأسا بإتيان النساء في أدبارهن قال كذب العبد واخطأ انما قال عبد الله يؤتون في فروجهن من أدبارهن- قلت وقول سالم هذا ليس بسديد فانه لم ينفرد به نافع عن ابن عمر بل رواه زيد بن اسلم وعبيد الله بن عبد الله بن عمر وسعيد بن يسار وغيرهم عنه كذا ذكر الشيخ ابن حجر فالصحيح ان الوهم انما هو من ابن عمر وقد حكم بكونه وهما من ابن عمر رأس المفسرين ابن عباس- اخرج ابو داود والحاكم عن ابن عباس قال ان ابن عمر والله يغفر له أوهم- انما كان اهل هذا الحي من الأنصار وهم اهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم اهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من امر اهل الكتاب لا يأتون النساء الا على حرف وذلك استر ما تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار أخذوا بذلك وكان هذا الحي من قريش يسرحون النساء سرحا ويتلذ ذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امراة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فانكرته عليه وقالت انما كنا نؤتى على حرف فسرى أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ- اى مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعنى بذلك موضع الولد وهكذا في سبب نزول هذه الاية روى البخاري وابو داود والترمذي عن جابر قال كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فاكذبهم الله تعالى وقال نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ اى كيف شئتم في الفرج يريد بذلك موضع الولد للحرث- وكذا روى احمد عن عبد الرحمن بن سابط قال دخلت على حفصة بنت عبد الرحمن فقلت انى سائلك عن أمر وأنا استحيى ان أسئلك- قالت لا تستحيى يا ابن أخي قلت عن إتيان النساء في أدبارهن قالت كانت اليهود تقول من حبا امرأته كان ولده أحول فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار فحبوهن فابت امراة ان تطيع زوجها قالت لن نفعل ذلك حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت على أم سلمة- فذكرت لها ذلك فقالت اجلسي حتى يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيت الانصارية ان تسئله فخرجت فحدثت أم سلمة فقال ادعى الانصارية فدعيت فتلا عليها هذه الاية نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ صماما واحدا- واخرج احمد والترمذي عن ابن عباس قال جاء عمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما أهلكك- قال حولت رجلى الليلة- فلم يرد عليه فانزل الله تعالى هذه

الاية فقال عليه السلام اقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة- وبهذا ظهر انه صلى الله عليه وسلم فسر هذه الاية بقوله اقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة كما فسر قوله تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ بقوله اصنعوا كل شىء الا النكاح وان كان ظاهر تلك الاية لا تدل على جواز مخالطة النساء في المأكل والمشارب فظهر اندفاع ما ذكر ابن عبد الحكم عن الشافعي- ان هذه الاية ليست محرمة للدبر كما انها ليست محرمة للموطى في الساق وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ- يعنى لا تقصدوا بالنكاح الحظوظ العاجلة فقط بل اقصدوا المنافع الراجعة الى الدين من تحصين الفرج والولد الصالح يدعو له ويستغفر ولا افراط فان الأمور المباحة باقتران النية الصحيحة الصالحة تصير عبادة- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها اجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيه وزر فكذلك إذا وضعها في حلال كان له اجر- رواه مسلم في حديث ابى ذر وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلثة صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له- رواه مسلم وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يموت لاحد من المسلمين ثلثة من الولد فتمسه النار الا تحله القسم- متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسوة من الأنصار لا يموت لاحداكن ثلثة من الولد فتحتسبه الا دخلت الجنة فقالت امراة منهن او اثنان يا رسول الله قال واثنان- رواه مسلم وعن ابن عباس مرفوعا من كان له فرطان من أمتي ادخله الله بهما الجنة- فقالت عائشة فمن كان له فرط من أمتك قال ومن كان له فرط الحديث- رواه الترمذي ويمكن ان يقال قوله تعالى وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ عطف تفسيرى لقوله فَأْتُوا حَرْثَكُمْ- ومعناه ان في إتيانكم حرثكم تقديم منكم لانفسكم من الافراط والدعوات والاستغفارات من صالحى الأولاد وبه يظهر فائدة النكاح وان لم تكن له نية صالحة- وقال عطاء ومجاهد المراد به التسمية والدعاء عند الجماع- روى البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال- لو ان أحدكم إذا أراد ان يأتى اهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا- فانه ان يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان ابدا وَاتَّقُوا اللَّهَ بالاجتناب عن معاصيه وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ فيجزيكم بأعمالكم ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (233) عن صهيب قال قال رسول الله

[سورة البقرة (2) : آية 224]

صلى الله عليه وسلم عجبا لامر المؤمن ان أصابته سراء شكر فكان خير انه وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له- رواه مسلم ذكر البغوي انه كان بين عبد الله بن رواحة وبين ختنه على أخته بشير بن النعمان الأنصاري شىء فحلف عبد الله ان لا يدخل عليه ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين خصمه وإذا قيل له قال حلفت بالله ان لا افعل فلا يحل لى الا ان تبر يمينى فانزل الله تعالى. وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ اى الحلف بالله او يمين الله على حذف المضاف عُرْضَةً فعلة بمعنى المفعول كالقبضة يطلق لما يعرض دون الشيء فيكون حاجزا عنه يعنى لا تجعلوا الحلف بالله مانعا عن الحسنات لِأَيْمانِكُمْ اللام صلة لعرضة لما فيها من الاعتراض- والمراد- بالايمان الأمور التي يحلف عليها أَنْ تَبَرُّوا مع ما عطف عليه عطف بيان لايمانكم- ويحتمل ان يكون اللام في لايمانكم للتعليل ويتعلق ان بالفعل او بعرضة اى لا تجعلوا الله عرضة لاجل ايمانكم لان تبرّوا- وقد يطلق عرضة للمعرض للامور لا يزال يقع عليه يقال جعلته عرضة لكذا اى نصبته له وفي القاموس العرضة الاعتراض في الخير والشر يعنى لا تقعوا على الحلف بالله في كل امر ولا تجعلوه كالهدف المنصوب للزمى- ولا تعرضوا باليمين في كل ساعة فحينئذ أَنْ تَبَرُّوا اما علة للنهى اى أنهاكم عن الحلف لان تبروا وعلة للمنهى بتقدير لا اى لا تكثر والحلف لان لا تبروا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وبهذه الاية تبت ان الإكثار بالحلف مكروه وان الحلّاف مجترئ على الله لا يكون برا متقيا ولا موثوقا به في إصلاح ذات البين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلف حنث او ندم- رواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عمر ورواه البخاري في تاريخه- وانه من حلف على ترك عمل من اعمال البر يجب عليه ان لا يجعل يمينه مانعا من البر بل يحنث ويكفر- عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف بيمين فراى غيرها خيل منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير- رواه مسلم وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن سمرة نحوه وعن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى والله ان شاء الله لا احلف على يمين فارى غيرها خيرا منها الا كفرت عن يمينى وأتيت الذي هو خير- متفق عليه وقيل هذه الاية نزلت في الصديق رضى الله عنه لما حلف ان لا ينفق على مسطح لافترائه على عائشة أخرجه ابن جرير عن ابن جريج وَاللَّهُ سَمِيعٌ لايمانكم عَلِيمٌ (224) لنياتكم-.

[سورة البقرة (2) : آية 225]

لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بالعقاب في الاخرة وهو المراد بالمؤاخذة هاهنا في كلا الكلمتين وكذا في المائدة لا كما قيل ان المراد فى المائدة والمؤاخذة الدنيوية بالكفارة او أعم منهما- لان الكفارة كالزكوة خالص حق الله تعالى لا مؤاخذة به في الدنيا ولهذا من مات وعليه الزكوة او الكفارة ولم يوص لا يمنعان من تعلق حق الورثة بخلاف ديون العباد والعشر والخراج وايضا لا يجب الكفارة بنفس اليمين بل بالحنث بعد اليمين فلا يتصور تعليق المؤاخذة بالكفارة بعقد اليمين- فالمراد بالمؤاخذة هو العقاب والكفارة شرعت لرفع ذلك المؤاخذة بِاللَّغْوِ الكائن فِي أَيْمانِكُمْ واللغو في اللغة الساقط الذي لا يعتد به من الكلام او من غيره كذا في القاموس والمراد هاهنا ماجرى من اليمين على اللسان من غير عقد وقصد سواء كان في الإنشاء او الخير الماضي او المستقبل- وهذا التفسير مروى عن عائشة روى الشافعي انها قالت لغواليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله- وأخرجه ابو داود عن عائشة مرفوعا- والى هذا ذهب الشعبي وعكرمة وبه قال الشافعي- وهذا هو المناسب للمعنى اللغوي المذكور فانه إذا كان من غير قصد فهو ساقط عن الاعتبار غير معتد به ولا يترتب عليه الإثم اجماعا ان كان في الاخبار- وكذا لا ينعقد عند الشافعي إذا كان هذا القسم من اليمين فى الإنشاء- فلا يجب عليه الكفارة ان حنث والحجة له هذه الاية بهذه لتفسير وقال ابو حنيفة رحمه الله ينعقد اليمين ويجب الكفارة ان حنث لقوله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين كذا قال صاحب الهداية- وهذا الحديث لم نجده في كتب الحديث لكن وجدنا حديث ابى هريرة من طريق عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء عن يوسف بن ماهك عنه مرفوعا ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة- أخرجه احمد وابو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم والدارقطني قال الترمذي حسن وقال الحاكم صحيح وقال ابن الجوزي عطاء هو ابن عجلان متروك الحديث وقال الحافظ ابن حجر وهم ابن الجوزي انما هو عطاء بن ابى رباح- وعبد الرحمن بن حبيب مختلف فيه قال النسائي- منكر الحديث ووثقه غيره فالحديث حسن وأخرجه ابن عدى في الكامل بلفظ ثلاث ليس فيها لعب من تكلم بشىء منها لاعبا فقد وجب عليه الطلاق والعتاق والنكاح وفيه ابن لهيعة ضعيف واخرج عبد الرزاق عن على وعمر موقوفا انهما قالا- ثلاث لا لعب فيهن النكاح والطلاق والعتاق- وفي

رواية عنها اربع وزاد النذر- قال ابن همام ولا شك ان اليمين في معنى النذر فيقاس عليه- قلت ما ذكره الشافعي حديث مرفوع التحق بيانا وتفسيرا للاية والقياس في مقابلة النص لا يعتد به مع ان المقيس عليه وقع في اثر موقوف ليس بمرفوع وقال ابن همام ولو ثبت حديث اليمين لم يكن فيه دليل لان المذكور فيه جعل الهزل باليمين جدا والهازل قاصد لليمين غير راض لحكمه فلا يعتبر عدم رضاه به بعد مباشرته السبب مختارا- والناسي لم يقصد شيئا أصلا ولم يدر ما صنع وكذا المخطى لم يقصد التلفظ به بل بشىء اخر فليس هو في معنى الهازل فلا نص فيه ولا قياس على ان أبا حنيفة قال في تفسير اللغو في اليمين ان يحلف على شىء يرى انه صادق فيه ثم يتبين له خلاف ذلك وهو قول الزهري والحسن وابراهيم النخعي وقتادة ومكحول قالوا لا كفارة فيه ولا؟؟ اثم مع ان الحالف يقصد فيه اليمين مع ظن البر فما لم يقصد لا أصلا بل هو كالنائم يجرى على لسانه اولى ان لا يعتد بيمينه وقال الشافعي اليمين الذي تعلق به القصد وان كان على ظن الصدق ان كان على خلاف نفس الأمر يجب فيه الكفارة لانه ليس من اللغو على تفسيره بل هو من كسب القلب كالغموس غير انه معذور بناء على ظنه فلا اثم فيه- قلت وان لم يكن هو من اللغو لكن لا كفارة فيه ولا اثم اما عدم الإثم فلقوله تعالى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ واما عدم الكفارة فلان الكفارة مبنى على الإثم فانها لازالة الإثم وليس فليس ولانها غير داخلة فيما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ والكفارة راجعة إليها- فان قيل لو كانت الكفارة مبينة على الإثم والإثم مرفوع عن الخطاء والنسيان بالإجماع والحديث فلم تجب الكفارة على القتل خطأ قلنا امر القتل أشد فجعل الله تعالى إثمين اثم القتل نفسه وهو كبيرة وذلك في القتل عمدا ولا يرتفع بالكفارة فلهذا لم نقل بوجوب الكفارة فيه وقد ارتفع ذلك الإثم بالخطأ واثم ترك الاحتياط وانما وجبت الكفارة في الخطأ لذلك الإثم- وقال سعيد بن جبير اللغو في اليمين هو اليمين على المعصية لا يؤاخذه الله بالحنث فيها بل يحنث ويكفر- وعلى هذا القول يتحدا للغو مع المنعقدة فى مادة والاية تدل على القسمة وهى ثنا في الشركة- وايضا القول بوجوب الكفارة تنافي القول بعد ما لمؤاخذة إذا الكفارة تبتنى على الإثم- وقال مسروق ليس عليه كفارة في اليمين على المعصية اتكفر خطوات الشيطان- وقال الشعبي في الرجل حلف على المعصية كفارته ان

يتوب منها- قلت اليمين على المعصية يشتمله عموم قوله تعالى وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فان فيه عقدا على الإيفاء فهو من المنعقدة دون اللغو فهو يوجب الكفارة وكونه على المعصية يوجب الرفض وهذا بعينه مقتضى قوله عليه السلام فليكفر وليأت بما هو خير والله اعلم وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ اى عزمتم وقصدتم الى اليمين الكاذبة وارتكبتم العصيان بقصدكم ارادتكم وانما قلنا ذلك بقرينة المؤاخذة فان المؤاخذة لا يكون الا على العصيان- فخرج بهذا القيد الايمان الصادقة كلها وما كان بظن الصدق وكذا اخرج به اليمين المنعقدة لانه لا معصية فيه بل في الحنث بعد اليمين- فان قيل ورد في المائدة وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ وذلك يدل على ثبوت المعصية والمؤاخذة عليها فكيف تقول انه خرج به اليمين المنعقدة الى آخره- قلت تقدير الكلام هناك وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ان حنثتم وليس ذلك التقدير هاهنا لان التقدير نوع من المجاز- والحقيقة والمجاز لا يجتمعان والمؤاخذة على الغموس بمجرد اليمين- فالمراد بهذه الاية اليمين الغموس بأقسامها فقط وليس هاهنا ذلك التقدير- والمراد بما في المائدة المنعقدة فقط وفيها التقدير والله اعلم- وقال الشافعي المراد بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وبِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ واحد وهو ضد للغو؟؟ فقالوا كسب القلب هو العقد والنية فقوله بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وقوله بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ كلاهما يشتملان الغموس والمنعقدة والمظنونة ايضا فيجب الكفارة في جميع ذلك- قلنا ليس كذلك بل عقد اليمين الزام شىء على نفسه باليمين بحيث يجب ايفاؤه بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ولا معصية فيه ولا مؤاخذة الا بعد الحنث- وكسب القلب ضد لغو اليمين على تفسير عائشة فكان أعم منه مطلقا لكنا حملناه على كسب المعصية بمجرد اليمين بقرينة المؤاخذة من غير تقدير في الاية فهو الغموس فقط فلا كفارة في الغموس- لان الضمير في قوله تعالى فَكَفَّارَتُهُ راجع الى ما عقّدتّم الايمان فقط ولان الغموس كبيرة محضة فلو وجبت عليها كفارة فاما ان تكون سائرة ومزيلة لمعصية الغموس اولا وعلى الثاني لا تكون الكفارة كفارة- وعلى الاول يسع لكل امرئ ان يقتطع مال امرئ مسلم باليمين الفاجرة ثم يكفر عنها ولم يقل به أحد وقد قال الله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وقال إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ- وقال عليه

الصلاة والسلام- الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنب الكبائر- فظهران الطاعات لا تكون مكفرات الا للصغائر دون الكبائر- واما الكبائر فلا محيص عنها الا بالاستغفار الا ان يتغمّده الله برحمته ويغفر له ولعل الله سبحانه أشار الى ذلك بقوله وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) يغفر الكبائر ان شاء بتوبة او بغير توبة والظاهران الوعد بالمغفرة والحلم راجع الى قوله لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ فان سوق الكلام كان في يمين اللغو واليمين الغموس ذكر تبعا واستطرادا يدل عليه ما رواه البخاري عن عائشة انها قالت أنزلت هذه الاية لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ فى قول الرجل لا والله وبلى والله- والله اعلم- اعلم ان اليمين في الأصل القوة قال الله تعالى لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ويقال للجارحة ضد اليسار يمين لقوته ويقال للقسم فان فيه تقوية الكلام بذكر اسم الله تعالى وهو على نوعين الاول ان يجرى على اللسان من غير قصد سواء وقع في الخير الماضي او المستقبل صادقا كان او كاذبا او في الإنشاء وهو اللغو من اليمين وهو غير معتد به ولا يتعلق به حكم الا ما ذكرنا خلاف ابى حنيفة في الإنشاء- والثاني ما يتعلق به القصد وهو على نوعين اما في الخبر واما في الإنشاء فان كان في الخبر فالخبر ان كان صادقا في الواقع وفي زعم المتكلم ايضا كقولك والله ان محمدا رسول الله وان الساعة لاتية لا ريب فيها وانه لقد طلعت الشمس فلا كلام فيه انه عبادة ومن ثم لا يجوز الحلف بغير الله تعالى عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- ان الله ينهاكم ان تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله او ليصمت- متفق عليه- وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- من حلف بغير الله فقد أشرك- رواه الترمذي- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحلفوا بآبائكم ولا بامهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله الا وأنتم صادقون- رواه ابو داود والنسائي- وان كان كاذبا في الواقع صادقا في زعم المتكلم فان كان زعمه مبنيا على دليل ظنى كحديث الآحاد وقد كذب فيه الراوي او أخطأ هو في تأويله او اثر من السلف الصالح او غلط في الحس او استصحاب الحال او نحو ذلك ولم يكن هناك دليل قاطع على كذبه فهو اليمين المظنون واللغو على تفسير ابى حنيفة وقد ذكرنا حكمه- وان لم يكن زعمه مبنيا على

[سورة البقرة (2) : آية 226]

دليل كقوله زيد قائم او سيقوم من غير علم ولا روية ولا اخبار من أحد فهو من الغموس المنهي عنه قال الله تعالى وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ- وما قام على كذبه دليل فهو من الغموس بالطريق الاولى كقول الكفار الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ- وانّ الله لا يبعث من في القبور- وان كان صادقا في الواقع كاذبا في زعم المتكلم كقول المنافقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ- او كاذبا في الواقع وكذا في زعم المتكلم كقول اليهود ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ وقولهم لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ وقول المديون ليس لك علىّ شىء فهو اليمين الغموس لا يحل اقترابه وهو كبيرة من الكبائر عن عبد الله ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس- رواه البخاري- وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين صبر وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله يوم القيامة وهو عليه غضبان فانزل الله تعالى تصديق ذلك إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الاية- متفق عليه وعن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة- رواه مسلم وعن عبد الله بن أنيس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من اكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس- رواه الترمذي وعن حزيم ابن فاتك مرفوعا قال عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله ثلث مرات ثم قرأ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ- رواه ابو داود وابن ماجة وان كان في الإنشاء بان يلزم على نفسه شيئا او كف النفس عن شىء كان اليمين منعقدة وهو المراد بقوله تعالى وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ- فى المائدة وسنذكر حكمها هناك ان شاء الله تعالى-. لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ اى يحلفون ان لا يجامعوهن- والالية اليمين وتعديته بعلى لكن لما ضمن معنى البعد عدى بمن قال قتادة كان الإيلاء طلاقا لاهل الجاهلية- وقال سعيد بن المسيب كان ذلك ضرارا من اهل الجاهلية كان الرجل لا يحب امرأته ولا يريد ان يتزوجها غيره فيحلف ان لا يقرابها ابدا فيتركها لا ايمان ولا ذات بعل وكانوا عليه في ابتداء الإسلام فضرب له أجل في الإسلام تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مبتدأ خبره ما قبله او فاعل للظرف- والتربص الانتظار والتوقف أضيف الى الظرف على الاتساع- اى للمولى حق التلبث في هذه المدة لا يقع

[سورة البقرة (2) : آية 227]

فيه الطلاق او لا يطالب فيه بطلاق على خلاف يأتي فَإِنْ فاؤُ اى رجعوا عن اليمين الى النساء بالوطى بعد الأشهر الاربعة على قول الشافعي ومالك واحمد بتاء على ظاهر الاية فان الفاء للتعقيب وبناء على ذلك قالوا الرجل لا يكون موليا لو حلف على اربعة أشهر كما لا يكون موليا فيما دون ذلك بل إذا حلف على اكثر منها فان الفيء لا بد ان يكون فى مدة الإيلاء وان الطلاق لا يقع بمضى أربعة أشهر- وقرا ابن مسعود فان فاؤا فيهنّ يعنى فى أربعة أشهر وبناء على هذه القراءة قال ابو حنيفة انه لو حلف على اربعة أشهر يكون موليا وانه لا يصح الفيء الا فى اربعة أشهر فالخلاف مبنى على ان القراءة الشاذة هل يجوز العمل بها أم لا- قالوا لا يجوز فانه ليس بحديث ولا قران ولو كان قرانا لتواتر- وقال ابو حنيفة يجب العمل بها فانها لا تخلوا اما ان تكون قرانا او خبرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسيرا للقران وكل منهما حجة- فان قيل سلمنا كونه حجة لكنه لما وقع التعارض بينها وبين القراءة المتواترة وجب سقوطها- قلنا انما يجب سقوطها إذا لم يمكن الجمع بينهما وهاهنا الجمع ممكن فان الفاء كما يجىء للتعقيب فى الزمان قد يكون لتفصيل مجمل قبلها وغير ذلك كما فى قوله تعالى وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وقوله تعالى يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً وهاهنا لما ذكر ان لهم تربص اربعة أشهر من غير وطى كان موضعا يقتضى لتفصيل الحال فقال فَإِنْ فاؤُ الى قوله سَمِيعٌ عَلِيمٌ- وايضا على تقدير كون الفاء للتعقيب فى الزمان يحتمل ان يكون التعقيب بالنسبة الى الإيلاء يعنى فان فاءو بعد الإيلاء- والقراءة المتواترة يدل على جواز الفيء مطلقا سواء كان فى اربعة أشهرا وبعدها والشاذة مقيدة بكون الفى عليهم فيحمل المطلق على المقيد- قال ابو حنيفة قراءة ابن مسعود مشهورة يجوز به تخصيص الكتاب وحمل مطلقه على المقيد فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) قال الحسن وابراهيم وقتادة إذا فاء المولى لا كفارة عليه لان الله تعالى وعد المغفرة والرحمة- وعند الجمهور يجب عليه الكفارة فان وعد المغفرة لا ينفى الكفارة الثابتة بالآية فى سورة المائدة وقوله عليه السلام من حلف على يمين فراى غيرها خيرا منها فليكفر وليأت بما هو خير-. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ قال مالك والشافعي واحمد معناه ان لم يفيؤا بعد الأشهر

الاربعة وعزموا الطلاق وطلقوا فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لقولهم بالتطليق عَلِيمٌ (227) لنياتهم- وبناء على هذا التأويل قالوا لا يقع الطلاق بمجرد مضى الأشهر الاربعة بل يتوقف على تطليقة إذ لو لم يتوقف على تطليقة ويقع الطلاق بمجرد انقضاء الأشهر لا تكون لعزمه على الطلاق معنى ولا يناسبه التذييل بقوله تعالى فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ وعلى هذا التأويل ليس الترديد دائرا بين النفي والإثبات وبقي شق ثالث وهو ان لا يفىء ولا يعزم على الطلاق وحكم هذا الشق مسكوت عنه فاختلف فيه قول القائلين بهذا التأويل- فقال أكثرهم يطلّق الحاكم عليه لانه لما امتنع عن الإمساك بالمعروف ينوب الحاكم عنه فى التسريح بالإحسان كما فى العنين- وفى رواية عن الشافعي واحمد انه يضيق الحاكم عليه حتى يطلق- وقال ابو حنيفة تأويله ان عزموا وقوع الطلاق باستمراره على ترك الفيء حتى انقضى المدة وقع الطلاق به «1» - قالوا لو لم يقع الطلاق به لجاز له الفيء بعد الأشهر فلا يكون لتقييد الفيء بقوله فيهن على قراءة ابن مسعود معنى- ولو قلنا بانه لا يجوز له الفيء بعد الأشهر وعليه التطليق حتما يلزم خرق الإجماع المركب إذ لم يقل به أحد على ان الترديد الواقع فى الاية يأبى عنه وعلى هذا التأويل معنى قوله تعالى فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما يقارن ترك الفيء من المقاولة والمجادلة وحديث النفس به كما يسمع وسوسة الشيطان- او انه سميع للايلاء الذي هو طلاق موقوف على مضى الأشهر الاربعة من غير وطى عليم بما استمروا عليه من الظلم وفيه معنى الوعيد على ذلك واثار الصحابة فى الباب متعارضة فقد روى عن عمر وعثمان وعلى وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عباس وابن عمر مثل ما قال ابو حنيفة غير ان ما روى عن عمر يدل على الطلقة الرجعية- اخرج الدارقطني عن إسحاق حدثنى مسلم بن شهاب عن سعيد بن المسيب وابى بكر بن عبد الرحمن ان عمر بن الخطاب كان يقول إذا مضت اربعة أشهر فهى تطليقة وهو املك بردها ما دامت فى عدتها- واخرج عبد الرزاق حدثنا معمر عن عطاء الخراسانى عن ابى سلمة بن عبد الرحمن ان عثمان بن عفان وزيد بن ثابت كانا يقولان فى الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر فهو تطليقة واحدة وهى أحق بنفسها وتعتد عدة المطلقة وأخرج عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة أن عليا وابن مسعود قالا إذا مضت أربعة أشهر فهى تطليقة- وهى أحق بنفسها وتعتد عدة المطلقة- واخرج عبد الرزاق حدثنا معمر وابن عيينة عن ابى قلابة قال الى النعمان من امرأته وكان جالسا عند ابن مسعود فضرب فخذه وقال إذا مضت اربعة أشهر فاعترف بتطليقة- واخرج ابن ابى شيبة حدثنا ابو معاوية عن الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن عمر

_ (1) فى الأصل ووقع الطلاق به

قالا- إذا الى فلم يفى حتى مضت اربعة أشهر فهى تطليقة بائنة- وقد يروى عن عثمان وعلى وابن عمر ايضا ما يخالف ذلك ويوافق مذهب الشافعي- وكذا روى عن غيرهم من الصحابة روى الدارقطني قال حدثنا ابو بكر الميموني قال ذكرت لاحمد بن حنبل حديث عطاء الخراسانى عن عثمان قال لا أدرى ما هو قد روى عن عثمان خلافه قيل له من رواه قال حبيب بن ثابت عن طاؤس عن عثمان- وروى مالك فى المؤطا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على بن ابى طالب انه كان يقول إذا الى الرجل من امرأته لم يقع عليه الطلاق فان مضت الاربعة الأشهر يوقف حتى يطلق او يفىء- وروى البخاري عن ابن عمر بسنده انه كان يقول فى الإيلاء الذي سمى الله تعالى لا تحل بعد ذلك الاجل الا ان يمسك بالمعروف او يعزم بالطلاق كما امر الله تعالى- وقال البخاري قال لى إسماعيل بن اويس حدثنى مالك عن نافع عن ابن عمر قال إذا مضت اربعة أشهر يوقف حتى يطلق- وقال الشافعي حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركت بضع عشر رجلا من الصحابة كلهم يقولون يوقف المولى- قلت وذكر البغوي فيمن ذهب الى الوقف من الصحابة عمر وأبا الدرداء «1» ايضا قال ابن همام ما روينا عن عثمان وزيد بن ثابت اولى مما روى احمد عن عثمان لان سندنا جيد موصول بخلاف ما رواه احمد فان حال رجاله لا يعرف الى حبيب وهو اعضله ولا يعلم ان طاءوسا أخذ عن عثمان- ورواية محمد بن على عن على بن ابى طالب مرسل مثل رواية قتادة عنه وهما متعاصران- وما روينا عن ابن عمر وابن عباس رجاله كلهم اخرج لهم الشيخان فى الصحيحين فلا مزية لما فى صحيح البخاري عن ابن عمر عليه- قال البغوي والى الوقف ذهب من التابعين سعيد بن جبير وسليمان بن يسار ومجاهد والى خلاقه ذهب سفيان الثوري وسعيد بن المسيب والزهري لكن قالا يقع تطليقة رجعية- واخرج عبد الرزاق نحو مذهب ابى حنيفة من التابعين عن عطاء وجابر بن يزيد وعكرمة وسعيد بن المسيب وابى بكر «2» ابن عبد الرحمن ومكحول- واخرج الدارقطني نحوه عن ابن الحنفية والشعبي والنخعي ومسروق والحسن وابن سيرين وقبيصة وسالم وابى سلمة- وقيل فى الترجيح انه لا شك ان الظاهر من القراءة المتواترة يفيد مذهب الشافعي وغيره واما مذهب ابى حنيفة فلا يستفاد منه الا بتكلف لا يجوز المصير اليه الا بالسماع فمن قال من الصحابة على ظاهر الاية يعلم انه قال بالرأى ومن قال منهم بما

_ (1) فى الأصل وابى الدرداء (2) فى الأصل وأبا بكر

[سورة البقرة (2) : آية 228]

قال ابو حنيفة يحمل قوله على السماع قال ابن همام وهذا ترجيح عام- والله اعلم وهاهنا خلافيات اخر أحدها انه إذا اتى بغير يمين الله كالطلاق والعتاق والصدقة وإيجاب العبادات هل يكون موليا أم لا فقال ابو حنيفة يكون موليا سواء يقصد به الإضرار بها- او المصلحة لها بان كانت مريضة مثلا او المصلحة لنفسه بان كان مريضا مثلا- وقال مالك لا يكون موليا الا ان يحلف حال الغضب او لقصد الإضرار بها- وقال احمد الا ان يقصد الإضرار- وعن الشافعي قولان أصحهما كقول ابى حنيفة- وثانيهما انه من ترك وطى زوجته للاضرار بها من غير يمين اكثر من اربعة أشهر هل يكون موليا- فقال مالك وأحمد فى احدى روايتيه نعم وقال الجمهور لا ثالثها ان مدة إيلاء الرقيق كالحر اربعة أشهر عند الشافعي واحمد لعموم الاية قالا انها ضربت لامر يرجع الى الطبع وهو قلة صبر المرأة عن الزوج فى تلك المدة فيستوى فيه الحر والعبد كمدة الغيبة- وعند ابى حنيفة ومالك ينتصف المدة بالرق لكن عند ابى حنيفة برق المرأة وعند مالك برق الزوج بناء على اختلافهما فى الطلاق رابعها انه إذا تعذر الوطي فالفىء عند ابى حنيفة بقوله فئت ثم ان قدر على الوطي قبل مضى المدة يجب عليه الوطي وعند الشافعي لا فىء الا بالوطى إذ لا حنث الا به-. وَالْمُطَلَّقاتُ هذا اللفظ عام يشتمل الرجعيات والبائنات الحاملات والحائلات والمدخول بهن وغيرهن والحرائر والإماء- خص الإماء عنها بالسنة والإجماع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق الامة طلقتان وعدتها حيضتان- رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة والدارمي من حديث عائشة وسنذكر البحث فى هذا الحديث وما فى هذه المسألة من تخصيص العام من الكتاب بخبر الآحاد فى تفسير قوله تعالى الطَّلاقُ مَرَّتانِ ان شاء الله تعالى- ونسخ حكم هذه الاية فى الحوامل بقوله تعالى وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وفى غير المدخول بها بقوله تعالى فى الأحزاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ يَتَرَبَّصْنَ خبر بمعنى الأمر للتأكيد بِأَنْفُسِهِنَّ فيه بعث للنساء على التربص اى يحبسن انفسهن ويغلبنّها وان كان على خلاف هواها ثَلاثَةَ قُرُوءٍ فلا يتزوجن فيها- والقرء لفظ مشترك من الاضداد يطلق على الحيض والطهر كليهما بإجماع اهل اللغة فقال الشافعي ومالك وهو المروي عن عائشة وابن عمرو زيد بن ثابت ان المراد هاهنا

الطهر لحديث ابن عمر انه طلق امرأته وهى حائض فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فان بدا له ان يطلقها فليطلقها طاهرا قبل ان يمسها فتلك العدة التي امر الله ان يطلق بها النساء- متفق عليه وجه الاحتجاج ان الله سبحانه قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قالوا اللام فى لعدتهن للوقت اى وقت عدتهن والمشار اليه فى الحديث بتلك العدة الطهر الذي لا مسيس فيه فظهر ان المراد بالقروء الاطهار قلنا اللامر للوقت بمعنى فى غير معهود فى الاستعمال ويستلزم ذلك تقدم العدة على الطلاق او مقارنة له لاقتضائه وقوعه فى وقت العدة- بل اللام هناك لافادة معنى استقبال عدتهن يقال فى التاريخ بإجماع اهل العربية خرج لثلاث بقين من رمضان- ويؤيد ما قلنا ان ابن عباس وابن عمر كانا يقران يا ايّها النّبىّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ فى قبل عدّتهنّ- وفى هذا الحديث فى رواية لمسلم انه صلى الله عليه وسلم تلا وإذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لقبل عدّتهنّ- او نقول المراد بالعدة فى قوله صلى الله عليه وسلم فتلك العدة التي امر الله بها الوقت للطلاق اى تلك الوقت الذي امر الله ان يطلق بها النساء لا العدة التي يجب بعد الطلاق- وقد يحتج للشافعى بان التاء فى ثلثة يدل على تذكير المميز والقرء بمعنى الحيض مؤنث وبمعنى الطهر مذكر فهى المراد- وهذا ليس بشىء فان الشيء إذا كان له اسمان مذكر كالبر ومؤنث كالحنطة وليس هناك تأنيث حقيقى فالعبرة للمذكر منهما وهاهنا كذلك فان الحيض مؤنث والقرء مذكر وإذا كان التأنيث حقيقيا واللفظ مذكر كالشخص يعبر به عن المرأة ففيه وجهان جائزان- وقال ابو حنيفة واحمد المراد به الحيض ويحتج له بوجوه أحدها ما مر فى احتجاج الشافعي من حديث ابن عمر برواية مسلم وقراءة ابن عباس وابن عمر- ثانيها ان لفظ ثلاثة عدد خاص لا يدل على اقل منه ولا على أزيد منه والطلاق على وجه السنة لا يكون الا فى الطهر اجماعا ولما مر من حديث ابن عمر فثلاثة قروء لا يتصور الا فى الحيض دون الاطهار إذ لا يخلوا اما ان لا يعد هذا الطهر الذي وقع فيه الطلاق من العدة وهو خلاف الإجماع ولم يقل به أحد وايضا يلزم حينئذ الزيادة على الثلاث- او يعد فتكون العدة طهرين «1» وبعض طهر وذلك ليست بثلاثة- ولو جاز اطلاق الثلاثة على طهرين وبعض طهر لجاز اطلاق ثلاثة أشهر فى قوله تعالى فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ- على شهرين

_ (1) فى الأصل طهران [.....]

وبعض شهر ولم يقل به أحد- فان قيل أليس فى قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ اطلاق الأشهر على شهرين وبعض شهر قلنا هناك لم يقل الحج ثلاثة أشهر بل قال أشهر- وهاهنا لم يقل قروء بل قال ثلاثة قروء فهذا ادل واصرح فلا يجوز حملها على ما دون ثلاثة تجوزا فان كلمة ثلاثة يمنع عن التجوز ومما يدل على ان المعتبر الأقراء التامات دون بعض القرء ما احتج به الشافعي من حديث ابن عمر فانه صلى الله عليه وسلم لم يجوز الطلاق فى الطهر الذي يلى الحيضة التي أوقع فيه الطلاق او لا كيلا يجتمع الطلقتان بلا فصل قرء تام- ثالثها قوله صلى الله عليه وسلم طلاق الامة تطليقتان وعدتهما «1» حيضتان- مع الإجماع على انه لا يخالف الامة الحرة فيما به الاعتداد بل فى الكمية فظهر ان المراد بالقروء الحيض- رابعها ان العدة شرعت لتعرف براءة الرحم وذلك بالحيض دون الطهر ومن ثم وجب الاستبراء فى الامة بالحيض دون الطهر- خامسها انه لو كان القرء بمعنى الطهر تنقضى العدة بدخول الحيض الثالثة ولو كان بمعنى الحيض لم ينقض ما لم تطهر من الحيضة الثالثة فلا تنقضى العدة بالشك- ومذهبنا مأثور من الخلفاء الراشدين والعبادلة وابى بن كعب ومعاذ بن جبل وأبى الدرداء وعبادة بن الصامت وزيد بن ثابت وابى موسى الأشعري- وزاد ابو داود والنسائي ومعبد الجهني وبه قال من التابعين سعيد بن المسيب وابن جبير وعطاء وطاءوس وعكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك والحسن البصري ومقاتل وشريك القاضي والثوري والأوزاعي وابن شبرمة وربيعة والسدى وابو عبيدة وإسحاق واليه رجع احمد بن حنبل قال محمد بن الحسن فى المؤطا حدثنا عيسى بن ابى عيسى الخياط عن الشعبي عن ثلاثة عشر من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم قالوا الرجل أحق بامراته حتى تغتسل من الحيضة الثالثة- والله اعلم وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ من الحمل والحيض استعجالا فى العدة وابطالا لحق الزوج فى الرجعة- وفيه دليل على ان قولها مقبول فى ذلك إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ والجزاء محذوف يعنى إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ لا يكتمن فان من شأن المؤمن ان لا يرتكب المحرم- والغرض منه التأكيد والتوبيخ والله اعلم وَبُعُولَتُهُنَّ جمع يعل والتاء لتانيث الجمع كالعمومة- واصل البعل المالك والسيد سمى الزوج بعلا لقيامه بأمر زوجته- والضمير راجع الى الرجعيات منهن ولا امتناع فيه كما كرر الظاهر وخصصه ثانيا-

_ (1) فى الأصل وعدته

او البعولة مصدر أقيم مقام المضاف المحذوف اى اهل بعولتهن أَحَقُّ افعل هاهنا بمعنى الفاعل اى حقيق بِرَدِّهِنَّ الى النكاح بالرجعة سواء رضيت المرأة اولا فِي ذلِكَ اى فى زمان التربص إِنْ أَرادُوا بالرجعة إِصْلاحاً لا ضرارا بالمرأة كما كانوا يفعلونه فى الجاهلية كان الرجل يطلق امرأته فاذا اقترب انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها- وليس المراد منه شريطة قصد الإصلاح للرجعة حتى لو راجعها بقصد الإضرار كان رجعة بل هو للمنع عن قصد الإضرار والتحريض على الإصلاح او يكون التقدير ان أرادوا إصلاحا فلا جناح عليه فى الرجعة- اجمعوا على جواز الرجعة من الطلاق الرجعى واختلفوا فى انه هل يجوز وطيها فى العدة أم لا- فقال ابو حنيفة واحمد فى اظهر روايتيه يجوز وفى اخرى له كقول الشافعي لا يجوز قال الشافعي الزوجية زائلة لوجود القاطع وهو الطلاق- قلنا تأخر عمل الطلاق الى انقضاء العدة اجماعا لجريان التوارث بينهما وجواز الرجعة بغير رضاها ووجوب النفقة فظهر ان النكاح قائم ويدل عليه قوله تعالى بُعُولَتُهُنَّ قالوا اطلاق البعل تجوز بناء على ما كان ولفظ الرد يدل على زوال النكاح- قلنا القول بالتجوز فى لفظ البعل ليس اولى من القول به فى الرد فانه يقال رد البيع فى بيع كان الخيار للبائع- ثم إذا تعارض احتمالا «1» المجاز فى لفظ البعل ولفظ الرد فى تلك الاية تساقط اعتبارهما وبقي قوله تعالى فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ وقوله فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ سالما فان الإمساك يدل على البقاء- ويمكن حمل الرد على الرد الى الحالة الاولى وهى كونها بحيث لا يحرم بعد مضى العدة فلا إشكال حينئذ أصلا- واختلفوا فى انه هل يشترط للرجعة القول- فقال الشافعي لا يحصل الرجعة الا بالقول بناء على ما قال ان الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح وقال ابو حنيفة وأحمد إذا وطيها او قبلها أو لمسها بشهوة او نظر الى فرجها بشهوة يصير مراجعا ايضا كما يصير مراجعا بالقول بناء على ما ذكرنا ان الرجعة عندهما ليست بمنزلة ابتداء النكاح بل هو ابقاء لها فيكفى فيها الفعل الدال على الاستدامة كما فى إسقاط الخيار- وقال مالك فى المشهور عنه انّ بالوطى ان نوى الرجعة حصلت والا فلا- واختلفوا فى انه هل يشترط الاشهاد للرجعة- فقال احمد وهو قول الشافعي يشترط عملا بقوله تعالى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فى سورة الطلاق- وقال ابو حنيفة ومالك والشافعي فى أصح قوليه واحمد فى احدى «2» روايتيه- انه لا يشترط ذلك والأمر فى الاية محمول على الاستحباب إذ لو كان الاشهاد واجبا لكان الاشهاد على الفرقة

_ (1) فى الأصل احتمالي المجاز (2) فى الأصل أحد-

ايضا واجبا لاقترابه بقوله تعالى أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ولم يقل به أحد ولو كان واجبا لكان واجبا بالاستقلال ولم يكن شرطا للرجعة لعموم قوله تعالى فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَهُنَّ اى للنساء على الأزواج حقوق مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ للازواج فى الوجوب واستحقاق المطالبة لا فى الجنس بِالْمَعْرُوفِ بكل ما يعرف فى الشرع من أداء حقوق النكاح وحسن الصحبة فلا يجوز لاحد ان يقصد ضرار الاخر بل ينبغى ان يريدوا إصلاحا قال ابن عباس انى أحب ان اتزيّن لامراتى كما تحب امراتى ان تتزين لى لان الله تعالى قال وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ- عن معاوية القشيري قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال ان تطعمها إذا طعمت وان تكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر الا فى البيت- رواه احمد وابو داود وابن ماجة وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فى قصة حجة الوداع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبته يوم عرفة فاتقوا الله فى النساء فانكم أخذتموهن بامان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ان لا يؤطين فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرج ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف- رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم- رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه ابو داود الى قوله خلقا- وروى الترمذي نحوه عن عائشة وعن عبد الله بن زمعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد الحديث- متفق عليه وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم خيركم لاهله وانا خيركم لاهلى- رواه الترمذي والدارمي ورواه ابن ماجة عن ابن عباس وعن ابى هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استوصوا بالنساء خيرا فانهن خلقن من ضلع وانّ اعوج شىء فى الضلع أعلاه فان ذهبت تقيمه كسرته وان تركته لم يزل اعواج فاستوصوا بالنساء- متفق عليه وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ زيادة فى الحق وفضلا قال النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت امر أحدا «1» ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها لما جعل الله لهم عليهن من حق- رواه ابو داود عن قيس بن سعد- واحمد عن معاذ بن جبل والترمذي عن ابى هريرة نحوه والبغوي عن ابى ظبيان وعن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) فى الأصل امر أحدا

[سورة البقرة (2) : آية 229]

أيما امراة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة- رواه الترمذي وعن طلق بن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا الرجل دعا زوجته فلتأته وان كانت على التنور- رواه الترمذي وَاللَّهُ عَزِيزٌ يقدر على الانتقام ممن ظلم على الاخر حَكِيمٌ (228) يشرع الاحكام لحكم ومصالح. الطَّلاقُ الذي يعقب الرجعة بدليل ما سيأتى من ذكر الثالثة وذكر الإمساك بعد المرتين «1» مَرَّتانِ روى انه صلى الله عليه وسلم سئل اين الثالثة فقال عليه السلام او تشريح بإحسان- أخرجه ابو داود فى ناسخه وسعيد بن منصور فى سننه وابن مردوية من حديث ابن رزين الأسدي وأخرجه الدارقطني وابن مردوية من حديث انس قال البغوي روى عروة بن الزبير قال كان الناس فى ابتداء الإسلام يطلقون من غير حصر ولا عدد كان الرجل يطلق امرأته فاذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها كذلك ثم راجعها بقصد مضارتها فنزل الطّلاق مرّتن فاذا طلق ثالثا لم تحل له الا بعد نكاح زوج اخر- وفيما قال مرتان دون ثنتان دلالة على كراهة الطلقتين دفعة واحدة فان كلمة مرتان تدل بالعبارة على التفرق وبالاشارة على العدد واللام للجنس وليس وراء الجنس شىء فكان القياس ان لا يكون الطلقتين المجتمعتين معتبرة شرعا- وإذا لم يكن الطلقتين معتبرة لم يكن الثلاث مجتمعة معتبرة بالطريق الاولى لوجودهما فيها مع زيادة- وقيل المراد بالطلاق التطليق والمعنى ان التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق فى الاطهار دون الجمع وحينئذ لم يرد بالمرتين التثنية بل التكرير كما فى قوله تعالى ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يعنى كرة بعد كرة لكن يشكل حينئذ عطف قوله تعالى فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ وقوله تعالى فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ له من بعد لان قوله تعالى الطلاق على هذا التأويل يشتمل الطلقات الثلاث أيضا وعلى كلا التأويلين يظهران جمع الطلقتين او ثلاث تطليقات بلفظ واحد أو بألفاظ مختلفة فى طهر واحد «2» حرام بدعة مؤثم خلافا للشافعى فانه يقول لا بأس به- لكنهم أجمعوا على انه من قال لامراته أنت طالق ثلاثا يقع ثلاثا بالإجماع وقالت الامامية ان طلق ثلاثا دفعة واحدة لا يقع أصلا لهذه الاية- وقال بعض الحنابلة- يقع طلقة واحدة لما روى فى الصحيحين ان أبا الصهباء قال لابن عباس- الم تعلم ان الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابى بكر وستين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال ان الناس قد استعجلوا فى امر كان لهم اناءة فلو أمضيناه عليهم فامضاه عليهم- واى تاخرا منه رح

_ (1) فى الأصل المرتبتين- (2) فى الأصل واحدة

روى ابن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال طلق ركانة بن عبد زوجته ثا؟؟ فى مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فساله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقها قال طلقتها ثلاثا فى مجلس واحد قال انما تلك طلقة واحدة فارتجعها- ونقل عن طاؤس وعكرمة انهم قالوا من طلق ثلاثا فقد خالف السنة فيردّ الى السنة وبه قال ابن إسحاق ومن الناس من قال ان فى قوله أنت طالق ثلاثا يقع فى المدخول بها ثلثا وفى غير المدخول بها واحدة لما روى مسلم وابو داود والنسائي ان أبا الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس فقال اما علمت ان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا جعلوها واحدة قال ابن عباس- بل كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل ان يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابى بكر وصدرا من خلافة عمر فلما راى الناس قد تتابعوا فيها قال اجتزوهن عليهم- والحجة للشافعى على جواز الطلقات بكلمة واحدة ووقوعهن من غير اثم ما فى الصحيحين من حديث سهل بن اسعد ان عويمر العجلى لا عن امرأته فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا- وفى لفظ فهى طالق ثلاثا ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم- وفى بعض روايات فاطمة بنت قيس طلقنى زوجى ثلاثا قلم يجعل لى النبي صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى- وطلق عبد الرحمن بن عوف تماظر فى مرضه وطلق الحسن بن على امرأته شهباء ثلاثا لما هنّته بالخلافة بعد موت على عليهما السلام فههنا مقامان أحدهما ان فى صورة الإيقاع ثلاثا تقع ثلاثا- وثانيهما انه يأثم به- والحجة لنا السنة والإجماع- اما السنة فحديث ابن عمر انه طلق امرأته وهى حائض ثم أراد ان يتبعها بطلقتين أخريين عند القرائن فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله قد اخطأت السنة السنة ان تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء فامرنى فراجعتها فقال إذا هى طهرت فطلق عند ذلك او امسك فقلت يا رسول الله ارايت لو طلقتها ثلاثا أكان يحل لى ان أراجعها قال لا كانت تبين منك وكانت معصية- رواه الدارقطني وابن ابى شيبة فى مصنفه عن الحسن قال حدثنا ابن عمر قد صرح بسماعه عنه- وأعله البيهقي بعطاء الخراسانى قال اتى بزيادات لم يتابع عليها وهو ضعيف لا يقبل ما تفرد به- قال ابن همام تعليل البيهقي مردود حيث تابعه شعيب بن رزيق سندا ومتنا- رواه الطبراني- وما ذكر

من حديث ابن عباس فيه دلالة على ان الحديث منسوخ فان إمضاء عمر الثلاث بمحضر من الصحابة وتقرر الأمر على ذلك يدل على ثبوت الناسخ عندهم وان كان قد خفى ذلك قبله فى خلافة ابى بكر- وقد صح فتوى ابن عباس على خلاف ما رواه روى ابو داود عن مجاهد قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال انه طلق امرأته ثلاثا فسكت حتى ظننت انه رادها اليه ثم قال يطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول يا ابن عباس- وان الله عز وجل قال وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً عصيت ربك وبانت منك امرأتك وروى الطحاوي بلفظ ان رجلا طلق امرأته مائة قال ابن عباس عصيت ربك وبانت منك امرأتك لم تتق الله فيجعل لك مخرجا الحديث- وفى مؤطا مالك بلغه ان رجلا قال لابن عباس انى طلقت امراتى مائة تطليقة فماذا ترى فقال ابن عباس طلقت منك ثلاثا وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا- وعلى وقوع الطلقات الثلاث انعقد الإجماع وروى عن فقهاء الصحابة فى المؤطا بلغه ان رجلا جاء الى ابن مسعود فقال انى طلقت امراتى ثمانى تطليقات فقال ما قيل لك فقال قيل لى بانت منك قال صدقوا هو مثل ما يقولون- وظاهره الإجماع على هذا الجواب وأسند عبد الرزاق عن علقمة قال جاء رجل الى ابن مسعود فقال انى طلقت امراتى تسعا وتسعين فقال له ابن مسعود ثلاث تبينها وسائرهن عدوان- وفى سنن ابى داود وموطا مالك عن محمد بن إياس بن البكير قال طلق رجل امرأته ثلاثا قبل ان يدخل بها ثم بدا له ان ينكحها فجاء يستفتى فذهبت معه فسال ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك معا فقالا لا نرى ان تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك قال فانما طلاقى إياها واحدة فقال ابن عباس انك أرسلت بين يديك ما كان لك من فضل- وفى مؤطا مالك مثله عن ابن عمرو روى وكيع عن الأعمش عن حبيب بن ثابت قال جاء رجل الى على بن ابى طالب فقال انى طلقت امراتى الفا فقال بانت منك بثلث واقسم سائرهن على نسائك- وروى وكيع عن معاوية بن ابى يحيى قال جاء رجل الى عثمان بن عفان فقال طلقت امراتى الفا فقال بانت منك بثلاث وأسند عبد الرزاق عن عبادة بن الصامت ان أباه طلق امراة له الف تطليقة فانطلق عبادة فسال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بانت بثلاث فى معصية الله وبقي تسعمائة وسبع وتسعون عدوان وظلم ان شاء عذبه وان شاء غفر له- وروى الطحاوي عن انس قال لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره- وكان عمر بن الخطاب إذا اتى برجل طلق امرأته ثلاثا أوجع ظهره- وروى ايضا

[سورة البقرة (2) : آية 230]

عن انس عن عمر فيمن طلق البكر ثلاثا انه لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره- وما ذكر الخصم من حديث ابن عباس يمكن تأويله بان قول الرجل أنت طالق أنت طالق أنت طالق كان واحدة فى الزمن الاول لقصدهم التأكيد فى ذلك الزمان- ثم صاروا يقصدون التجديد فالزمهم ثلثا لما علم قصدهم او للاحتياط- واما حديث ركانة فمنكر والأصح ما رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة ان ركانة طلق زوجته البتة فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ما أراد الا واحدة فردها اليه فطلقها الثانية فى زمن عمر والثالثة فى زمن عثمان- قال ابو داود- هذا أصح وبما ذكرنا من الأحاديث والآثار كما يثبت وقوع الطلقات الثلاث دفعة واحدة يثبت انه بدعة معصية وما ذكره الشافعي من تطليق عويمر ثلثا بعد التلاعن فهو استدلال بعدم إنكاره صلى الله عليه وسلم فهو شهادة على النفي لا عبرة بعد ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الإنكار فى قصة اخرى ولعله صلى الله عليه وسلم أنكر ولم يذكره الراوي- او لم ينكر لانها بعد التلاعن لم تبق محلا لطلاق- ورواية حديث فاطمة بنت قيس بلفظ الثلاث غير صحيح والصحيح انه طلقها البتة وايضا حين طلقها كان زوجها غائبا عنها فى سرية ولم يكن بمحضر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظهر تقريره وانما ثبت تقريره فى وقوع الثلاث- وايضا حديث فاطمة بنت قيس رده عمر وقال- لا ندرى صدقت أم كذبت حفظت أم نسيت- واثر عبد الرحمن بن عوف وحسن رضى الله عنهما ليس بحجة فى مقابلة المرفوع (مسئلة) - الطلاق ثلاثا مجتمعا بدعي حرام وبالتفريق على الإظهار مباح جائز بهذه الاية الى قوله تعالى. فَإِنْ طَلَّقَها الاية والأحسن من ذلك كله إذا اضطر الرجل الى طلاق امرأته ان يطلقها واحدة ثم ان لم يرد المراجعة يتركها حتى تنقضى عدتها- لان الطلاق ابغض المباحات عند الله والحاجة اندفعت بالواحدة قال الله تعالى فى ذم السحر فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ- وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه يفتنون الناس فادناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجىء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا ثم يجىء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه ويقول نعم أنت- قال الأعمش أراه قال فيلتزمه- رواه مسلم وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابغض الحلال الى الله الطلاق- رواه ابو داود-

(مسئلة) - الطلاق فى الحيض يقع طلاقا اجماعا خلافا للامامية قالوا لا يقع أصلا- وعندنا يقع لكنه حرام اجماعا يجب الرجعة بعده وما مر من حديث ابن عمر يدل على الوقوع والحرمة ووجوب الرجعة- واختلفوا فى انه ان أراد طلاقها ثانيا بعد الرجعة على وجه السنة متى يفعل- فقال ابو حنيفة إذا طهرت من تلك الحيضة ثم حاضت ثم طهرت فحينئذ يطلقها- كذا ذكر محمد فى المبسوط ولم يذكر خلافا عنه ولا عن صاحبيه وبه قال مالك واحمد وهو المشهور من مذهب الشافعي وهو المستفاد من حديث ابن عمر المذكور الذي فى الصحيحين حيث قال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فان بدا له ان يطلقها فليطلقها قبل ان يمسها فتلك العدة كما امر الله عز وجل- وفى رواية حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيه- وذكر الطحاوي قول ابى حنيفة انه يطلقها فى الطهر الذي يلى الحيضة التي طلقها اولا فيها وهو أحد قولى الشافعي وقال الطحاوي الاول قول ابى يوسف- والحجة للقول الثاني رواية سالم فى حديث ابن عمر المذكور- مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا او حاملا- رواه مسلم واصحاب السنن- والاولى اولى لانها أقوى صحة واكثر تفسيرا وفيها زيادة والاخذ بالزيادة اولى- قال ابن همام قوله عليه السلام يمسكها حتى تطهر يدل على ان استحباب الرجعة او وجوبها مقيد بتلك الحيضة التي طلقها فيها فان لم يراجع فيها حتى طهرت تقررت المعصية- فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ- بالمراجعة وحسن المعاشرة- هذا يعنى الإمساك بعد الطلقتين ثابت اجماعا إذا كان الزوجان حرين- واما إذا كانا رقيقين فلا رجعة بعد الثنتين اجماعا- وان كانت امة تحت حرا وحرة تحت عبد فاختلفوا فيه- فقال مالك والشافعي واحمد ان كان الزوج حرا فطلاقه ثلاث وان كانت تحته امة- وان كان عبدا فثنتان وان كانت الزوجة حرة- وهو قول عمر وعثمان وزيد بن ثابت- وقال ابو حنيفة بعكس ذلك يعتبر الطلاق بالنساء وهو قول على وابن مسعود- قال ابن الجوزي قد رويت الأحاديث فى الطرفين وكلها ضعاف- روى ابن الجوزي عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق العبد ثنتان وقرء الامة حيضتان- وروى ابو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي والدارقطني عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق الامة تطليقتان وعدتها حيضتان- قال ابن الجوزي فى سند كلا الحديثين مظاهر بن اسلم قال يحيى بن سعيد مظاهر ليس بشىء وقال ابو حاتم هو منكر الحديث وقال ابن همام

وثقه ابن حبان وقال الحاكم مظاهر شيخ من اهل البصرة لم يذكر أحد من متقدمى مشائخنا فيه بجرح- وقال ابن الجوزي- قد روى بعض من قال الطلاق بالرجال عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال الطلاق بالرجال والعدة بالنساء وانما هو من كلام ابن عباس- وروى ابن الجوزي من طريق الدارقطني عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق الامة ثنتان وعدتها حيضتان- قال ابن الجوزي هذان حديثان لا يثبتان اما الاول ففيه سليم بن سالم كان ابن المبارك يكذبه وقال يحيى ليس حديثه بشىء وقال السعدي ليس بثقة- واما الثاني فقال الدارقطني تفرد به عمرو بن شبيب مرفوعا وكان ضعيفا قال يحيى بن معين عمرو بن شبيب ليس بشىء وقال ابو زرعة واهي الحديث- والصحيح انه من قول ابن عمر ويمكن ترجيح مذهب ابى حنيفة بانا قد أثبتنا من قبل ان الطلاق لا بد فيه من التفريق على الاطهار فعدد الطلقات لا يتصور الا على عدد الاطهار وقد اجمعوا ان عدة الامة حيضتان فثبت ان طلاق الامة ايضا طلقتان والله اعلم وهاهنا إشكال على مذهب ابى حنيفة ان العام على اصل ابى حنيفة قطعى الشمول لافراده لا يجوز تخصيص العام من الكتاب بخبر الآحاد او القياس كما لا يجوز نسخه بهما وقوله تعالى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ- وقوله تعالى الطَّلاقُ مَرَّتانِ كل منهما عام يشتمل الحرائر والإماء فتخصيصهما بقوله عليه السلام- طلاق الامة ثنتان وعدتها حيضتان وهو من حديث الآحاد لا يصح لا يقال العام القطعي إذا خص منه اولا بقطعى يصير فى الباقي ظنيا فحينئذ يجوز تخصيصه بخبر الآحاد والقياس وقوله تعالى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ خص اولا بالآيات من قوله تعالى وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ الاية وقوله تعالى وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ الاية فجاز تخصيصه بحديث الآحاد لانا نقول المخصص لا يكون الا متصلا وما كان متراخيا فهو ناسخ وليس بمخصص وما تلوتم من الآيات ليس شيئا منها متصلا بهذه الاية بل متراخ فهو ناسخ ونسخ الحكم عن بعض افراد العام لا يجعل العام فى الباقي ظنيا بل هو قطعى فى الباقي كما كان من قبل- والتفصى عن هذا الاشكال بان يقال لما ثبت اجماع الامة على ان اية العدة واية الطلاق مخصوصتان بالاحرار يظهر بذلك ان الأوائل من اهل الإجماع وهم الصحابة قد سمعوا قولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قاطعا فى حقهم خصوا بذلك القول تلك الآيات وان لم يصل ذلك القول إلينا بالتواتر ولو لم يسمعوا فى ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجترؤا

على تخصيص الاية القطعية والا يلزم اجتماعهم على الضلالة ثم الاتباع سلكوا مسلكهم للمنع عن ابتغاء سبيل غير سبيلهم- فان قيل ليس الإجماع على ان الطلاق معتبر بالرجال او النساء فكيف يجرى هذا الجواب هناك قلنا ثبت بالإجماع ان قوله تعالى الطَّلاقُ مَرَّتانِ ليس على عمومه وذلك الخلاف لا يضر والله اعلم أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ قيل المراد به الطلقة الثالثة قلت وذلك غير سديد لانه معطوف على قوله فامساك بمعروف يعنى فالواجب أحد الامرين إمساك بمعروف او طلقه ثالثة وليس كذلك بل يجوز له ان لا يمسك ولا يطلق ويترك حتى تنقضى عدتها- وقيل التسريح بإحسان هو ان لا يراجعها حتى تبين بالعدة ويرد على هذا القول مثل ما يرد على الاول- ذكر القولين البغوي وغيره- والاولى ان يفسر قوله او تسريح بإحسان بان يبينها مطلقا اما بطلاق ثالث او بانقضاء العدة والمعنى فالواجب ان يمسكها بمعروف او يبينها بإحسان سواء طلق ثالثا اولا والغرض منه تحريم الإمساك بالإضرار بغير معروف وعلى هذا فقوله تعالى فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ تفصيل لاحد احتماليه- ولو كان المراد بالتسريح الطلقة الاخرى لكان ذلك طلقة رابعة- فان قيل روى انه صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى الطَّلاقُ مَرَّتانِ فاين الثالثة يا رسول الله قال او تسريح بإحسان- رواه ابو داود فى ناسخه وسعيد بن منصور فى سننه وابن مردويه من حديث ابى رزين الأسدي مرسلا وأخرجه الدارقطني من حماد بن سلمة عن قتادة عن انس متصلا وصححه ابن القطان وقال البيهقي ليس بشىء- ورواه ايضا الدارقطني والبيهقي من حديث عبد الواحد بن زياد عن إسماعيل عن انس وقالا جميعا الصواب عن إسماعيل عن ابى رزين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا- قال البيهقي كذا رواه الجماعة عن الثقات وقال ابن القطان المسند ايضا صحيح قلنا قوله عليه السلام فى جواب اين الثالثة او تسريح بإحسان- معناه انه أحد احتماليه والله اعلم روى ابو داود فى الناسخ والمنسوخ عن ابن عباس قال كان الرجل يأكل من مال امرأته الذي نحلها وغيره لا يرى عليه جناحا فانزل الله تعالى وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً اى من المهر خطاب مع الأزواج وقيل خطاب مع الحكام واسناد الاخذ والإيتاء إليهم لانهم آمرون بهما عند الترافع وهذا بعيد إِلَّا أَنْ يَخافا قرا الستة من القراء على البناء للفاعل اى يعلم الزوجان من أنفسهما أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ تخاف «1» المرأة ان تعص الله فى امر زوجها- ويخاف الزوج اضاعة حقوقها او انه إذا لم يطلق امرأته ان تعتدى عليه- وفى الكلام التفات من الخطاب

_ (1) فى الأصل يخاف

الى الغيبة وقرا ابو جعفر وحمزة ويعقوب يخافا على البناء للمفعول اى يخاف الحكام الزوجين وحينئذ ان مع صلته بدل اشتمال من ضمير يخافا فَإِنْ خِفْتُمْ ايها الحكام أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ اى افتدت المرأة نفسها به- قال الفراء أراد بقوله عليهما الزوج فقط دون الزوجة وانما ذكرهما جميعا لاقترانهما كقوله تعالى نَسِيا حُوتَهُما وانما الناسي فتى موسى دون موسى- قلت والظاهر انه كما كان الجناح على الزوج فى أخذ المال بدليل قوله تعالى- لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً- الاية وقوله تعالى وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً كذلك كان الجناح على الزوجة فى اعطائها المال على طلب الطلاق فان طلب الطلاق معصية لقوله صلى الله عليه وسلم أيما امراة سالت زوجها الطلاق فى غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة- رواه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجة والدارمي من حديث ثوبان وإعطاء المال على المعصية حرام بل الإنسان ممنوع من إتلاف المال بغير حق يعنى بغير فائدة دينية او دنيوية وهذا هو المحمل لقوله عليه السلام المختلعات هن المنافقات- رواه الترمذي فاذا خيف منهما عدم اقامة حدود الله وارتكاب المعصية جاز لهما الاخذ والإعطاء هذا على تقدير خوف النشوز من الجانبين- اما إذا كان النشوز من جانب الزوج فقط فلا يحل له الاخذ قال صاحب الهداية يكره يعنى تحريما والحق انه يحرم لما تلونا ولعدم دليل الإباحة ولانه أخذ مال المسلم بغير حق وإمساكها لا لرغبة إضرار او تضيقا ليقتطع مالها- وان كان النشوز من جانبها يحرم عليها وعصت هى لا هو لما ذكرنا- وان لم يكن النشوز من جانب ولا يخافان ان لا يقيما حدود الله فلا يحل أخذ المال للزوج ولا طلب الطلاق وبذل المال للزوجة لكن يقع الخلع ويجب المال للزوج على الزوجة فى جميع الصور قضاء اجماعا خلافا للظاهرية لنا ان الخلع سواء كان طلاقا او فسخا فهو امر شرعى والناهي عن الأمور الشرعية يدل على الانعقاد والنفاذ حتى يتصور الابتلاء- وذهب المزني الى ان الخلع غير مشروع أصلا وهذه الاية منسوخة بقوله تعالى وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ لاية والجواب انه ليس فى تلك الاية ذكر الاخذ والإعطاء بمعاوضة ملك النكاح برضاء الزوجين فلا تعارض ولا نسخ بدون التعارض والله اعلم واختلفوا فى ان الخلع هل هو طلاق او فسخ- فقال ابو حنيفة ومالك وهو المشهور من

قولى الشافعي انه طلاق وهو رواية عن احمد- وقال احمد وهو رواية عن الشافعي انه فسخ وليس بطلاق فمن قال انه فسخ لا ينقص عنده منه عدد الطلاق ولا يلحقه طلاق اخر ولا يرث أحدهما من الاخر فى العدة وبهذه الاية استدل كلا الفريقين وجه استدلال القائلين بانه فسخ ان الله سبحانه ذكر الطلقتين فى أول الاية ثم ذكر الخلع ثم ذكر الطلاق الثالث بقوله فان طلّقها فلا تحلّ له فلو كان الخلع طلاقا لزم كون عدد الطلاق أربعا وهذا الاستدلال مروى عن ابن عباس روى ابن الجوزي بسنده عن طاؤس قال سمعت ابراهيم بن سعيد يسئل ابن عباس عن رجل طلّق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه فقال ينكحها ان شاء انما ذكر الطلاق فى أول الاية وآخرها والخلع فيما بين ذلك- ورواه عبد الرزاق وروى الدارقطني عن ابن عباس الخلع فرقة وقالوا روى نافع مولى ابن عمر انه سمع ربيع بنت معوذ بن عفراء تخبر ابن عمر انها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان فجاء عمها الى عثمان فقال ان ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل فقال عثمان لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها الا انها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية ان يكون بها حبل- فقال ابن عمر عثمان خيرنا وأعلمنا- ووجه استدلالنا ان الله تعالى ذكر الطلاق المعقب للرجعة مرتين ثم ذكر افتداء المرأة وفى تخصيص اسناد الافتداء الى المرأة مع اقتضاء سوق الكلام الى اسناد الفعل إليهما وعدم وقوع الفرقة الا بفعل من الزوج دليل واضح على تقرير فعل الزوج على ما سبق وهو الطلاق فقد بين الطلاق بنوعيه بغير مال وبمال ثم قال فان طلّقها فلا تحلّ له- والفاء لفظ خاص للتعقيب وقد عقب الطلاق الافتداء فان لم يقع الطلاق بعد الخلع تبطل موجب الفاء والقول بانه متصل باول الكلام وقوله تعالى وَلا يَحِلُّ لَكُمْ الى قوله الظَّالِمُونَ معترض تحكّم وإخلال بنظم الكلام بلا دليل- وما قال الشافعي ان الله سبحانه ذكر الطلاق فى أول الاية وآخرها وذكر الخلع فيما بين ذلك ليس بشىء فانه لم يذكر الخلع والفسخ فى الكلام أصلا انما ذكر افتداء المرأة وسكت عن فعل الزوج فليس فعله الا ما ذكر من الطلاق فظهر ان الطلاق المذكور سابقا ان لم يكن بمال فهو رجعى وان كان بمال فهو بائن حتى يتحقق الافتداء ولا يجتمع البدل والمبدل منه فى ملك الزوج سواء كان ذلك بلفظ الطلاق او بلفظ الخلع او غيرهما مما يؤدى معناه وتسميته خلعا اصطلاح لم يثبت من القران والله اعلم-

ويدل على كون الخلع طلاقا سبب نزول هذه الاية وهو ان جميلة بنت عبد الله بن أبيّ امراة ثابت بن قيس (واخرج الدارقطني ان اسمها زينب قال ابن حجر لعل لها اسمين ووقع فى حديث آخر أن اسمها حبيبة بنت سهل قال ابن حجر والذي ظهر انهما قضيتين وقعتا له فى امرأتين لشهرة الحديثين وصحة الطريقين واختلاف السياقين) أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت اليه زوجها وارته اثارا من ضربه وقالت يا رسول الله لا انا ولا هو فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ثابت فقال مالك ولا هلك فقال والذي بعثك بالحق ما على وجه الأرض أحب الىّ منها غيرك قال لها ما تقولين فقالت يا رسول الله ما كنت أحدثك حديثا ينزل عليك خلافه هو من أكرم الناس حنة لزوجته ولكن أبغضه فلا انا ولا هو- وروى البخاري فى صحيحه عن ابن عباس ان امراة ثابت بن قيس أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما اعيب عليه فى خلق ولا دين ولكنى اكره الكفر فى الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين حديقته قالت نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل الحديقة وطلقها تطليقة- واخرج البيهقي من وجه اخر عن ابن عباس- ان جميلة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تريد الخلع فقال لها ما أصدقك قالت حديقة قال روى عليه حديقته- واخرج ابن جرير عن ابن عباس قال- أول خلع كان فى الإسلام- امراة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله لا يجتمع رأسى ورأس ثابت انى رفعت الخباء فرايته اقبل فى عدة فاذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها- فقال أتردين حديقته قالت «1» نعم وان شاء زدته ففرق بينهما واخرج ابو داود وابن حبان والبيهقي عن حبيبة بنت سهل انها كانت عند ثابت بن قيس فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت لا انا ولا ثابت الحديث- واخرج ابن جرير عن ابن جريح قال- نزلت هذه الاية فى ثابت بن قيس وفى حبيبة وكانت اشتكت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تردين عليه حديقته قالت نعم فدعاه يذكر ذلك قال ويطيب لى قال نعم قال قد فعلت فنزلت هذه الاية- فهذه القصة تدل على ان الخلع طلاق كما فى الصحيح انه صلى الله عليه وسلم قال اقبل الحديقة وطلقها تطليقة- فان قيل عمل الراوي على خلاف مروية ينزل على اصل ابى حنيفة منزلة الناسخ وما فى البخاري هو من رواية ابن عباس وقد

_ (1) فى الأصل قال-

ذكر قول ابن عباس فيما سبق ان الخلع فرقة قلنا لعل ابن عباس زعم ان ثابتا طلق امرأته امتثالا لامر النبي صلى الله عليه وسلم وصار هذا طلاقا على مال وليس بخلع ثم افتى بتأويل الاية ان الخلع فسخ فليس عمله على خلاف روايته على زعمه وحين قال ابن عباس كان هذا أول خلع فى الإسلام يحمل قوله على المجاز ولا يلزم علينا اتباع زعم ابن عباس- ومما يدل على كون الخلع طلاقا ما روى عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة وهذا مرسل صحيح والمرسل عندنا حجة وقد حكم الشافعي بان مراسيل سعيد بن المسيب لها حكم الوصل قال فانى وجدتها مسانيد- وقد روى كون الخلع طلاقا عن ابن مسعود قال لا يكون طلقة بائنة الا فى فدية او إيلاء- رواه ابن ابى شيبة وكذا روى عن على ايضا- وروى عن أم بكرة انها اختلعت من زوجها فارتفعها الى عثمان فى ذلك فقال هى طلقة بائنة الا ان يكونا سميا شيئا فهو على ما سميت- رواه مالك وما قيل ان من رواة هذا الأثر جمها؟؟ ن لا يعرف قال ابن همام هو ابو العلى مولى الأسلميين ويقال مولى يعقوب القبطي تابعي روى عن سعد بن ابى وقاص وعثمان بن عفان وابى هريرة وأم بكرة وروى عنه عروة بن الزبير وموسى بن عبيدة الزبيدي وغيرهما ذكره ابن حبان فى الثقات- (مسئلة) اجمعوا على ان الخلع على الأكثر من الصداق صحيح بناء على عموم الاية لكن يكره عند ابى حنيفة واحمد وقال أكثرهم لا يكره وهو رواية جامع الصغير عن ابى حنيفة- وقد سبق الخلاف فى هذه المسألة بين الصحابة وجه الكراهة ما رواه ابو داود فى مراسيله وابن ابى شيبة وعبد الرزاق فى قصة امراة ثابت بن قيس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها أتردين عليه حديقته التي أصدقك قالت نعم وزيادة قال اما الزيادة فلا وأخرجه الدارقطني كذلك وقال قد أسنده الوليد عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس والمرسل أصح واخرج ابن الجوزي من طريق الدارقطني عن ابى الزبير ان ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبيّ ابن «1» سلول وكان أصدقها حديقة فكرهته فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته التي اعطاك قالت نعم وزيادة فقال النبي صلى الله عليه وسلم اما الزيادة فلا ولكن حديقته قالت نعم فاخذها له فخلى سبيلها فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال قد قبلت قضاء رسول الله صلى الله

_ (1) فى الأصل بنت عبد الله ابن ابى سلول

عليه وسلم- قال ابن الجوزي اسناده صحيح وقال الدارقطني سمعه ابو الزبير من غير واحد واخرج الدارقطني بسنده عن عطاء ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يأخذ الرجل من المختلعة اكثر مما أعطاها- وروى ابن ماجة عن ابن عباس ان جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فامره ان يأخذ حديقته ولا يزداد- فلا شك فى ثبوت هذه الزيادة بمرسل صحيح اعتضد بمسند ومرسل- وفى الباب اثر على لا يأخذ منها فوق ما أعطاها- رواه عبد الرزاق ووكيع نحوه- وما روى عبد الرزاق عن الربيع بنت معوذ انها اختلعت من زوجها بكل شىء تملكه فخوصم فى ذلك الى عثمان فاجازه وامره ان يأخذ عقاص رأسها فما دونها- وما روى عن نافع ان عمر جاءته مولاة لامراته اختلعت من كل شىء لها وكل ثوب حتى نقبتها فلا ينافى هذان الاثران القول بالكراهة لانهما يدلان على النفاذ قضاء ولم ينكره أحد- ووجه عدم الكراهة هذه الاية حيث قال الله تعالى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ فان كلمة ما عام يشتمل القليل والكثير وشرط قبول الأحاديث من الآحاد أن لا يعارض الكتاب القطعي وقد عارضت- قلت وهذا مبنى على اصل ابى حنيفة ان العام قطعى الدلالة فى الشمول لا يجوز تخصيصه بخبر الآحاد ولو قلنا بجواز التخصيص بخبر الآحاد لقلنا ان حكم الاية مخصوص بمقدار الصداق وما دون ذلك بتلك الأحاديث والله اعلم- وقد روى ما يدل على عدم الكراهة حديث ابى سعيد الخدري قال كانت أختي تحت رجل من الأنصار تزوجها على حديقة الحديث وفيه قال عليه السلام تردين عليه حديقته ويطلقك قالت نعم وأزيده قال روى عليه حديقته وزيديه رواه ابن الجوزي لكن هذا الحديث لا يصح فيه عطية العوفى قال ابن حبان لا يحل كتب حديثه- وفيه الحسن بن عمارة قال شعبة هو كذاب تِلْكَ اشارة الى او امر الله ونواهيه حُدُودَ اللَّهِ يعنى ما منع عن المجاوزة عنه فَلا تَعْتَدُوها فلا تجاوزوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. (228) فَإِنْ طَلَّقَها بعد الثنتين وهو أحد محتملى قوله تعالى أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ خص الله سبحانه ذلك الاحتمال بحكم فقال فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ذلك وبقي الاحتمال الثاني وهو الترك من غير تطليق الى انقضاء العدة على الأصل وهو حل النكاح مع الزوج الاول حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ يعنى تتزوج نكاحا صحيحا وانما قيدنا بالصحيح لان المطلق ينصرف

الى الكامل والتزوج والنكاح يجوز اسناده الى كل من الزوجين لانه ينعقد بالإيجاب والقبول وذا يصدر منهما- وبناء على ظاهر هذه الاية قال سعيد بن المسيب وداود ان عقد النكاح من غير جماع من الزوج الثاني يحل للزوج الاول- والإجماع انعقد على ان الوطي من الزوج الثاني شرط للحمل «1» ومن ثم قيل المراد بالنكاح فى الاية الجماع فانه فى اللغة بمعنى الجماع فان قيل هذا لا يستقيم فان الوطي فعل الزوج والمرأة محله فاسناده الى المرأة لا يجوز قلنا يجوز تجوزا والاية لا تخلوا عن التجوز فان كان النكاح بمعنى العقد فالتجوز فى لفظ الزوج بناء على ما يؤل اليه وان كان بمعنى الوطي فالتجوز فى الاسناد ويمكن ان يقال المراد بالنكاح تمكينها من الوطي مجازا- والباعث على هذا الإجماع وتأويل الاية بهذه التأويلات البعيدة حديث عائشة قالت دخلت امراة رفاعة القرظي وانا وابو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ان رفاعة طلقنى البتة وان عبد الرحمن بن الزبير تزوجنى وانما عنده مثل الهدبة وأخذت هدبة من جلبابها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كانك تريدين الرجوع الى رفاعة لا حتى تذوقين عسيلته ويذوق عسيلتك رواه الجماعة وفى لفظ فى الصحيحين انها كانت تحت رفاعة فطلقها اخر ثلاث طلقات- وفى المؤطا انا مالك عن المسور ابن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير- ان رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب ثلاثا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فلم يستطع ان يمسها ففارقها فاراد رفاعة ان ينكحها فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يحل لك حتى تذوق العسيلة- وروى الجماعة من حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل طلق زوجته ثلاثا فتزوجت زوجا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل ان يواقعها أتحل لزوجه الاول قال لا حتى ذاق الاخر من عسيلتها ما ذاق الاول- واخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حبان قال نزلت هذه الاية فى عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك وانها كانت عند رفاعة بن وهب بن عتيك وهو ابن عمها فطلقها طلاقا بائنا فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي فطلقها فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت انه طلقنى قبل ان يمسنى أفأرجع الى الاول قال لا حتى تمس ونزل

_ (1) يعنى لا يحل له أصلا لا بملك اليمين ولا بملك النكاح فلو طلقها ثلاثا فارتدت المرأة ولحقت بدار الحرب ثم ظهر على الدار واسترقت وملكها الزوج الاول لا يحل له وطيها يملك اليمين حتى يزوجها بزوج غيره ويطاها الزوج الثاني ويطلقها- منه نور الله مرقده

فيها فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها بعد ما جامعها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا- ذكر البغوي انه روى انها لبثت ما شاء الله ثم رجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان زوجى مسنى فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت بقولك الاول فلن نصدقك فى الاخر فلبثت ما شاء الله حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فاتت أبا بكر وقالت ان زوجى مسنى وطلقنى فقال لها ابو بكر قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتيته وقال لك ما قال فلا ترجعى فلما قبض ابو بكر أتت عمرو قالت له مثل ذلك فقال عمر لان رجعت لارجمنك- وعلى تقدير تأويل النكاح بالتزويج يكون بهذا الحديث زيادة على الكتاب والزيادة على الكتاب بخبر الآحاد جائز عند الشافعي وغيره لكن يشكل ذلك على اصل ابى حنيفة فان عنده لا يجوز ذلك- فقيل فى توجيه مذهب ابى حنيفة ان الحديث المشهور يجوز به الزيادة على الكتاب وليس كذلك فان الحديث من الآحاد لكن يمكن ان يقال انه لما انعقد الإجماع على وفق هذا الحديث وتلقته جمهور الامة بالقبول التحق الحديث بالمشهور فيجوز به الزيادة على الكتاب فَإِنْ طَلَّقَها الزوج الثاني بعد الوطي فَلا جُناحَ عَلَيْهِما اى على المرأة والزوج الاول أَنْ يَتَراجَعا بنكاح جديد يدل على ذلك اسناد الفعل إليهما بخلاف ما مر من قوله تعالى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ حيث أسند الفعل هناك الى البعولة بانفرادهم إِنْ ظَنَّا رجعا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ ولا يمكن هاهنا تفسير الظن بالعلم لعدم إمكان العلم بالغيب ولان ان الناصبة للتوقع وهو ينافى العلم- (مسئلة) اجمعوا على ان الوطي من الزوج الثاني يهدم الطلقات الثلاث من الزوج الاول- فان عادت اليه يملك الزوج الاول الطلقات الثلاث اجماعا- واختلفوا فى انه هل يهدم ما دون الثلاث ايضا أم لا- اعنى ان طلق الزوج الاول طلقة او طلقتين وانقضت عدتها وتزوجت بزوج اخر بنكاح صحيح ثم طلقها الثاني بعد الوطي وانقضت العدة ثم رجعت الى الزوج الاول هل يملك الزوج الاول الطلقات الثلاث او يملك ما بقي بعد الطلقة او الطلقتين- فقال ابو حنيفة وأبو يوسف يهدم مادون الثلاث ايضا ويملك الزوج الاول ثانيا الطلقات الثلاث بتمامها وقال محمد لا يهدم ما دون الثلاث لان الله سبحانه جعل الوطي من الزوج الثاني غاية الحرمة المغلظة الحاصلة

[سورة البقرة (2) : آية 231]

بالطلقات الثلاث فى قوله فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ فكان منهيا لها ولا إنهاء قبل الثبوت- ولنا ان فى هذه الاية جعل الله سبحانه الطلاق من الزوج الثاني بعد الوطي موجبا للحل للزوج الاول حيث قال فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا وكذا قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله المحلّل والمحلّل له جعل الزوج الثاني محللا للزوج الاول والأصل فى الحل الحل كله فيملك ثلاث تطليقات- وايضا إذا كان الوطي من الزوج الثاني هادما للحرمة الغليظة كان هادما للحرمة الخفيفة بالطريق الاولى والله اعلم (مسئلة) اختلفوا فى انه بعد ما طلق الزوج الاول ثلاثا لو نكح المرأة زوجا اخر واشترطت منه ان يطلقها فطلقها بعد الوطي وانقضت عدتها فقال ابو حنيفة حلت للاول لوجود الدخول فى نكاح صحيح والنكاح لا يبطل بالشروط وعن محمد انه يصح النكاح لما بيّنّا ولا يحلها على الاول لانه استعجل ما آخره الشرع فيجازى بمنع مقصوده كما فى قتل المورث- وقال احمد ومالك وابو يوسف لا يصح النكاح وللشافعى قولان أصحهما انه لا يصح النكاح لانه فى معنى الموقت وإذا لم يصح النكاح لا يحل للزوج الاول لفقدان الشرط وهو النكاح الصحيح احتجوا على عدم الصحة بحديث ابن مسعود قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلّل والمحلّل له- رواه الدارمي وقال الترمذي صحيح ورواه ابن ماجة عن على وابن عباس وعقبة بن عامر- قلنا هذا حجة لنا لا علينا فانه عليه السلام جعله محللا فيدل على ثبوت الحل وذلك يقتضى صحة النكاح غير انه يدل على كون الزوج مرتكبا لامر محرم ونحن نقول به فان تزوجها ولم يشترط ذلك الا انه كان فى عزمه صح النكاح عند ابى حنيفة وصاحبيه والشافعي وقال مالك واحمد لا يصح ولا خلاف فى كراهته قال البغوي قال نافع اتى رجل ابن عمر فقال ان رجلا طلق امرأته ثلاثا فانطلق أخ له من غير موامرة فتزوجها ليحلها للاول فقال- لا الا نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله المحلّل والمحلّل له وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ اى الاحكام المذكورة يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) يفهمون ويعملون بمقتضى العلم. وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ اى عدتهن الاجل يطلق على المدة وعلى منتهاها فيقال لعمر الإنسان وللموت الذي به ينتهى عمره والمراد هاهنا منتهاه لان شروع العدة عقيب الطلاق والبلوغ هو الوصول الى الشيء وقد يقال للدنو منه على المجاز وهو المراد فى الاية ليصح ان يترتب عليه فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ إذ لا

إمساك بعد انقضاء الاجل والمعنى فراجعوهن من غير ضرار او اتركوهن حتى تنقضى عدتهن- وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً اى لا تراجعوهن بارادة الإضرار بهن- ونصب ضرارا على العلة او الحال بمعنى مضارين لِتَعْتَدُوا اى لتظلموهن بالتطويل والإلجاء الى الاقتداء- واللام متعلق بلا تمسكوهنّ فهو ايضا مفعول له كانه بيان للضرار- او هو متعلق بالضرار وعلى هذا التقدير ايضا بيان للضرار- وليس بتقييد فان الضرار مطلقا ظلم واعتداء ومنهى عنه امر الله سبحانه اولا بالإمساك بالمعروف ثم نهى عن ضده وهو الإمساك بالضرار ثم صرح بكونه اعتداء وظلما ثم عقب ذلك بقوله وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ يعني بتعريضها للعقاب للمبالغة والاهتمام- اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس قال كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها يفعل ذلك ليضارها ويعضلها فانزل الله تعالى هذه الاية وذكر البغوي وكذا اخرج ابن جرير عن السدّى قال نزلت فى رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتى إذا قرب انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها مضارة فأنزل الله تعالى وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا الاية وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً بالاعراض عنها والتهاون فى العمل بما فيها- قال الكلبي يعنى قوله فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وكل من خالف الشرع فهو متخذ آيات الله هزوا واخرج ابن ابى عمرو فى مسنده وابن مردوية عن ابى الدرداء قال كان الرجل يطلق ثم يقول لعبت- ويعتق ثم يقول لعبت وذكر البغوي قول ابى الدرداء وذكر فيه وينكح ويقول مثل ذلك فانزل الله وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً واخرج ابن مردوية نحوه عن ابن عباس- واخرج ابن جرير نحوه عن الحسن مرسلا- واخرج ابن المنذر عن عبادة بن الصامت نحوه بلفظ ثلاث من قالهن لاعبا او غير لاعب فهن جائزات عليه الطلاق والعتاق والنكاح وقد مرّ فى ما سبق حديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ومن جملتها الهداية وإنزال آيات القران على محمد صلى الله عليه وسلم بالشكر والقيام بحقوقها وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ يعنى القران وَالْحِكْمَةِ يعنى الوحى الغير المتلو على محمد صلى الله عليه وسلم يَعِظُكُمْ بِهِ بما انزل عليكم وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) تأكيد وتهديد-.

[سورة البقرة (2) : آية 232]

وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ اى انقضت عدتهن عن الشافعي انه دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين فَلا تَعْضُلُوهُنَّ اى لا تمنعوهن والعضل المنع وأصله الضيق والشدة يقال الداء العضال ما لا يطاق علاجه أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ- المخاطب به الأولياء نزلت الاية فى جملاء بنت يسار اخت معقل بن يسار طلقها بداح بن عاصم بن عدى بن عجلان- روى البخاري وابو داود والترمذي وغيرهم عن معقل بن يسار قال زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وفرشتك واكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك ابدا وكان الرجل لا بأس به وكانت المرأة تريدان ترجع اليه فانزل الله تعالى فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ فقلت الان افعل يا رسول الله قال فزوجها إياه وأخرجه ابن جرير من طرق كثيرة ثم اخرج عن السدى قال نزلت في جابر بن عبد الله الأنصاري كانت له ابنت عمر فطلقها زوجها فانقضت عدتها ثم رجع يريد نكاحها فابى جابر والاول أصح لاقوى ولعلها نزلت فى القصتين معا- وسياق الاية يقتضى ان الخطاب مع الأزواج الذين خوطبوا بقوله وإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ الذين يعضلون نساءهم بعد مضى العدة ان ينكحن أزواجا غيرهم عدوانا وقسرا وما ذكرنا من رواية البخاري وغيره فى شأن النزول يقتضى ان الخطاب مع الأولياء حيث كان العضل من معقل بن يسار أخو جملاء- فالصواب عندى ان الخطاب مع الناس كلهم فانه يضاف الفعل الى الجماعة حين يصدر عن واحد منهم كما فى قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ يعنى لا يأكل بعضكم اموال بعض وقوله تعالى لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ يعنى لا يخرج بعضكم نفس بعضكم من ديارهم- وحينئذ لا مزاحمة بين سياق الاية وسبب نزولها والمعنى حينئذ إذا طلق رجال منكم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ايها الأولياء والأزواج السابقين وغيرهم ان ينكحن أزواجهن- وفى لفظ الأزواج تجوز على جميع التقادير فانه اطلاق بناء على ما كان او على ما يؤل اليه والله اعلم والشافعية بعد ما حملوا الخطاب فى الاية على انه مع الأولياء قالوا فيه دليل على ان المرأة لا تزوج نفسها إذ لو تمكنت منه لم يكن لعضل الولىّ معنى وحملوا اسناد النكاح الى المرأة على التجوز وقالوا اسناد النكاح إليهن بسبب توقفه على اذنهن- وهذا الاستدلال ضعيف فانه يمكن المنع من الولي على تقدير كون النكاح فعلا اختياريا للمرءة الا ترى انه صلى الله عليه وسلم

قال لا تمنعوا إماء الله عن مساجد الله مع ان إتيان المساجد فعل اختياري للمرءة بل المنع والحث انما يتصوران فى الفعل الاختياري فالاولى لهم فى هذه المسألة الاستدلال بقوله تعالى وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا فان الأصل فى الاسناد الحقيقة. ((مسئلة)) هل يجوز نكاح الحرة العاقلة البالغة من غير ولى- فقال ابو حنيفة وابو يوسف يجوز لها نكاحها نفسها بعبارتها وعبارة وكيلها برضاها وان لم يعقد عليها ولى سواء كان الزوج كفوالها اولا الا انه فى غير الكفو للولى الاعتراض وفى رواية عنهما لا ينعقد فى غير الكفو وعند محمد ينعقد فى الكفو وغيره موقوفا على اجازة الولي- وقال مالك ان كانت ذات شرف وجمال او مال يرغب فى مثلها لا يصح نكاحها الا بولي وان كانت بخلاف ذلك جاز ان يتولى نكاحها اجنبى برضاها ولا يجوز النكاح بعبارتها وقال الشافعي واحمد لا نكاح الا بولي وهى رواية عن ابى يوسف احتجوا بهذه الاية وقد سمعت ما عليه وبأحاديث منها حديث عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما امراة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فان اشتجر فالسلطان ولى من لا ولى له- رواه اصحاب السنن من حديث ابن جريح عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة وحسنه الترمذي- قال الطحاوي حدثنا ابن ابى عمران قال أخبرنا يحيى بن معين عن ابن علية عن ابن جريح انه قال لقيت الزهري فأخبرته عن هذا الحديث فانكره- وأجاب عنه ابن الجوزي بان الزهري اثنى على سليمان بن موسى فكان الإنكار عن نسيان من الزهري- وحديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولي والسلطان ولى من لاولى له رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة وفيه الحجاج بن ارطاة ضعيف- وعنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولي وشاهدى عدل رواه الدارقطني وفيه يزيد بن سنان وأبوه قال الدارقطني هو وأبوه ضعيفان وقال النسائي هو متروك الحديث وضعفه احمد وغيره وعنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بد للنكاح من أربعة الولي والزوج وشاهدين رواه الدارقطني وفيه نافع بن ميسر ابو خطيب مجهول- وحديث ابى بردة عن أبيه ابى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولي رواه احمد وحديث ابن عباس مرفوعا لا نكاح

الا بولي والسلطان ولى من لاولى له رواه احمد من طريق الحجاج بن ارطاة وهو ضعيف ومن طريق أخر فيه عدى بن الفضل وعبد الله بن عثمان ضعيفان- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البغايا اللتي ينكحن انفسهن لا يجوز النكاح الا بولي وشاهدين ومهر قل وكثر رواه ابن الجوزي وفيه النهاس قال يحيى ضعيف وقال ابن عدى لا يساوى شيئا- وحديث ابن مسعود وابن عمر قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولي وشاهدى عدل فى حديث ابن مسعود بكير بن بكار قال يحيى ليس بشىء وفيه عبد الله بن محرز قال الدارقطني متروك وفى حديث ابن عمر ثابت بن زهير منكر الحديث كذا قال ابو حاتم وقال ابن حبان لا يحتج به- وحديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزوج المرأة المرأة ولا يزوج المرأة نفسها فان الزانية هى التي يزوج نفسها رواه الدارقطني من طريقين فى أحدهما جميل بن الحسن وفى الثاني مسلم بن ابى مسلم لا يعرفان- وحديث جابر مرفوعا لا نكاح الا بولي مرشد وشاهدى عدل رواه ابن الجوزي وفيه محمد بن عبيد الله العزرمي قال النسائي ويحيى متروك لا يكتب حديثه وفيه قطن بن يسير ضعيف- وحديث معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما امراة زوجت نفسها من غير ولى فهى زانية رواه الدارقطني وفيه ابو عصمة اسم ابن ابى مريم قال يحيى ليس بشىء وقال الدارقطني هو متروك واحتج الحنفية بقوله تعالى حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ وقوله أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ لان الأصل فى الاسناد حقيقة ان تباشر المرأة- وبحديث ابن عباس مرفوعا الايم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن فى نفسها واذنها صماتها رواه مسلم ومالك وابو داود والترمذي والنسائي وجه الاستدلال ان للاولياء ليس الا حق المباشرة والايم أحق منه بنفسها فهى اولى بالمباشرة وبحديث ابى سلمة بن عبد الرحمن قال جاءت امراة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ان ابى انكحنى رجلا وانا كارهة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابيها لا نكاح لك اذهبي انكحى من شئت رواه ابن الجوزي قالوا هذا مرسل والمرسل ليس بحجة قلنا المرسل حجة- وبحديث عائشة ان فتاة دخلت عليها فقالت ان ابى زوجنى ابن أخيه ليرفع خسيسته وانا كارهة- قالت اجلسي فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرته فأرسل الى أبيها فجعل الأمر إليها فقالت

يا رسول الله قد أجزت ما صنع ابى وانما أردت ان أعلّم النساء ان ليس الى الآباء من الأمر شىء رواه النسائي وجه الاستدلال ان فى هذا الحديث تقريره صلى الله عليه وسلم قولها ان ليس الى الآباء من الأمر شىء يعارض حديث عائشة المذكورة وحديث لا نكاح الا بولي قالت الحنفية إذا تعارضت النصوص فيجب سلوك طريق الترجيح او الجمع بضرب من التأويل- فعلى طريقة الترجيح ما رواه مسلم أصح وأقوى سندا بخلاف ما رووه من الأحاديث فانها لم تخل من ضعف او اضطراب- وعلى طريقة الجمع فنقول معنى قوله عليه الصلاة والسلام لا نكاح الا بولي يعنى لا نكاح على الوجه المسنون او نقول لا نكاح الا بمن له ولاية لينفى نكاح الكافر المسلمة والنكاح مع المحرمية والنكاح فى عدة زوج قبله وغير ذلك من الانكحة الفاسدة ويحمل حديث عائشة على امراة نكحت نفسها من غير كفو- والمراد بالباطل حقيقة على قول من لم يصحح ما باشرته من غير كفو وحكما على قول من يصححه ويثبت للولى حق الخصومة فى فسخه وكل ذلك شائع فى إطلاقات النصوص ويجب ارتكابه لدفع التعارض او نقول حديث عائشة يدل على ان المرأة إذا نكحت نفسها بإذن وليها فذلك النكاح جائز اما على اصل الشافعي فانه يقول بالمفهوم- واما على اصل ابى حنيفة فانه غير داخل فى حكم البطلان والأصل الجواز فثبت بهذا ان مباشرة المرأة غير قادحة فى النكاح انما القادح حق الولي المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم الايم أحق بنفسها من وليها وحق الولي الاعتراض فى غير الكفو دفعا للعار- إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ اى الخطّاب والنساء- وهو ظرف لان ينكحن- وبناء على اشتراط التراضي اجمعوا على انه لا يجوز إجبار المرأة البالغة إذا كانت ثيبة واختلفوا فى البكر البالغة فقال الشافعي يجوز للاب والجد انكاحها بغير رضاها وبه قال مالك فى الأب وهو أشهر الروايتين عن احمد لان الاية فى الثيبات واحتج ابن الجوزي بمفهوم ما رواه ابن عباس مرفوعا بلفظ الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها فى نفسها- قلنا هذا استدلال بالمفهوم المخالف من الحديث او الاية والمفهوم ليس بحجة عندنا على ان هذا الحديث وهذه الاية حجة لنا لا علينا فان الحديث منطوقه يدل على وجوب استيمار البكر والاستيمار ينافى الإجبار وفى الاية قوله تعالى ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ الاية يدل على ان تحريم العضل واشتراط الرضاء

مبنى على المفاسد فى العضل والإجبار كما سنذكر والمفاسد فى إجبار البكر والثيب سواء- فان قيل لو كان البكر والثيب فى اثبات الاختيار لهما سيّان فما وجه الفرق فى قوله عليه الصلاة والسلام الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وكذا ما وجه ذكر البكر بعد قوله الايم أحق على رواية مسلم- قلنا وجه الفرق بيان كيفية اذنها بقوله اذنها صماتها بخلاف الثيب فان صماتها لم تعتبر اذنا بل لا بد لها من توكيل سابق او اذن لا حق صريحا- وايضا البكر لا تباشر العقد غالبا ولهذا خصها بعد التعميم كيلا يتساهلون فى الاستيمار- واحتج ابن الجوزي ايضا بما روى عن الحسن مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستأمر الابكار فى انفسهن فان أبين اجبرن وهذا الحديث ساقط متنا وسندا اما متنا فللتناقض بين الاستيمار والإجبار إذ لا فائدة حينئذ فى الاستيمار واما سندا فلان فى سنده عبد الكريم قال ابن الجوزي قد اجمعوا على الطعن فيه ولنا أحاديث منها ما ذكرنا ومنها حديث ابن عباس ان جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ان أباها زوجها وهى كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم رواه احمد وابو داود والنسائي وابن ماجة بسند متصل ورجال صحيح وقول البيهقي انه مرسل لا يضر فانه مرسل من بعض الطرق والمرسل حجة ومتصل من طرق اخر صحيحة قال ابن القطان حديث ابن عباس هذا صحيح وليست هذه خنساء بنت خدام التي زوجها أبوها وهى ثيب فكرهت فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها رواه البخاري وقال ابن همام روى ان خنساء ايضا كانت بكرا اخرج النسائي حديثها وفيه انها كانت بكرا لكن رواية البخاري يترجح وروى الدارقطني حديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح بكر وثيب انكحهما أبو هما وهما كارهتان وروى الدارقطني عن ابن عمران رجلا زوج ابنته بكرا فكرهت ذلك فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها وفى رواية اخرى عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتزع النساء من أزواجهن ثيبات وأبكار ابعد ان يزوجهن الآباء إذا كرهن ذلك وروى الدارقطني عن جابران رجلا زوج ابنته وهى بكر من غير أمرها فاتت النبي النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما وحديث عائشة قالت جاءت فتاة الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ان ابى نعم الأب هو زوجنى ابن أخيه ليرفع من خسيسته «1» قالت «2» فجعل الأمر

_ (1) الخسيس الدنى والخسيسة والخساسة الحالة التي يكون عليها الخسيس يقال رفعت خسيسته ومن خسيسة إذا فعلت فعلا يكون فيه رفعته- منه رحمه الله (2) فى الأصل قال

إليها فقالت انى قد أجزت ما صنع ابى ولكنى أردت ان «1» تعلم النساء ان ليس الى الآباء قال الدارقطني حديث ابن عباس وجابر وعائشة مراسيل وابن بريدة لم يسمع من عائشة وقد أنكر احمد حديث جابر وقال الدارقطني الصحيح انه مرسل عن عطاء ان رجلا- ووهم شعيب في رفعه وقال ابن الجوزي حديث ابن عمر لا يثبت فان ابن ابى ذئب لم يسمعه عن نافع انما سمعه من عمر بن حسين وقد سئل عن هذا الحديث احمد فقال باطل قلنا المراسيل حجة لا سيما للاستشهاد والتقوية- وقول ابن الجوزي ان هذه الأحاديث محمول على ما أنكحت البكر البالغة من غير كفو حمل على خلاف الظاهر من غير سبب على ان في حديث عائشة زوجنى ابى ابن أخيه صريح على ابطال ذلك الحمل فان ابن العم يكون كفوا والقول بان ابن الأخ كان من قبل أم ايضا احتمال بعيد بلا دليل والله اعلم ((مسئلة)) اجمعوا على ان للاب ولاية الكاح الصغيرة البكر واختلفوا في الثيب الصغيرة فقال مالك والشافعي واحمد لا يجوز نكاح الثيب الصغيرة أصلا لان اذنها لا يصح قبل البلوغ لابتنائه على العقل ولا معتبر بالعقل قبل البلوغ فنكاحها لا يكون الا بغير اذنها ونكاح الثيب بغير اذنها لا يجوز فنكاحها لا يجوز اما الصغرى فبديهى بعد الإجماع واما الكبرى فلقوله عليه الصلاة والسلام الثيب أحق بنفسها وقد مر وحديث ابى هريرة لا ينكح الثيب حتى تستامر- رواه الترمذي وقال هذا حديث صحيح وحديث خنساء ان أباها زوجها وهى كارهة وكانت ثيبا فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها- رواه البخاري وحديث ابن عباس ليس للولى مع الثيب امر رواه الدارقطني وهذا حديث ضعيف أعله الدارقطني- والجواب ان خنساء كانت بالغة للاجماع على ان الثيب الصغيرة لا تستأمر ولا يصح اذنها وعلى انه لا يجوز لها مباشرة النكاح- وقال ابو حنيفة يجوز للاب انكاحها وان لم ترض لان سبب الولاية في البكر الصغيرة اما الصغر او البكارة لا غير والبكارة غير معتبر في البالغة لما قررنا فكذا في الصغيرة فلم يبق الا الصغر وهو موجود فيها- بِالْمَعْرُوفِ اى بما يعرفه الشرع ويستحسنه المروّة- حال من الضمير المرفوع او صفة مصدر محذوف اى تراضيا كائنا بالمعروف- وفيه دلالة على ان العضل عن التزويج من غير كفو والتزويج الذي لا يجوز في الشرع كالنكاح في العدة وغير ذلك من الموانع جائز غير منهى عنه ذلِكَ اشارة الى ما مضى من الاجتناب عن العضل ورعاية التراضي والخطاب الى الجميع على تأويل كل واحد

_ (1) فى الأصل يعلم

[سورة البقرة (2) : آية 233]

او يكون الكاف لمجرد الخطاب دون تعيين المخاطبين- او يقال الكاف ليس لها محل من الاعراب فيتوهم ان الكاف من نفس الكلمة وليست بكاف خطاب وعلى هذا يقول العرب موحدا منصوبة في الواحد والتثنية والجمع والمذكر والمؤنث- او يقال انه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ هذا يدل على ان الكفار غير مخاطبين بالشرائع- او يقال خصهم بالذكر لانهم هم المتعظون المنتفعون بها ذلِكُمْ خطاب الى الناس أجمعين أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ من دنس الآثام فان العضل ان كان عن مطلق النكاح يلزم غالبا وقوعهن في العنت وان كان عن النكاح ممن يرضين مع الإجبار على النكاح ممن لا يرضين يخاف ان لا يقيما حدود الله ويقع الخلع او الطلاق وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فيه النفع والصلاح وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) لقصور عقلكم وجهلكم بعواقب الأمور. وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ أضاف الأولاد إليهن لتكون باعثا على العطف والأوضاع وهذا امر عبر عنه بالخير للمبالغة وهو للوجوب لكنه نسخ ذلك فيما إذا تعاسرت الامّ من الإرضاع اى لم تقدر ويقدر الأب على الاستيجار ويرتضع الصبى من غيرها بقوله تعالى وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى - او مخصوص بقوله تعالى لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وبقي الحكم فيما سوى ذلك على أصله- ومن ثم قال ابو حنيفه رحمه الله ان استأجر رجل زوجته او متعته لترضع ولدها لم يجز وقال الشافعي يجوز استيجارها- لنا ان الإرضاع مستحق عليها ديانة الا انه عذرت قضاء لظن عجزها حين امتنعت عن الرضاع مع وفور شفقتها فاذا أقدمت عليه بالأجر ظهرت قدرتها وكان الفعل واجبا عليها فلا يجوز أخذ الاجر عليه فان قيل هذا الدليل يقتضى ان لا يجوز استيجار المطلقة بعد انقضاء عدتها لترضع ولدها مع انه جائز اتفاقا- قلنا جواز استيجارها بعد انقضاء العدة ثبت بقوله تعالى فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ الاية فظهر بهذا ان إيجاب الإرضاع على الام مقيد بايجاب رزقها على الأب بقوله تعالى وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ففى حالة الزوجية والعدة هو قائم برزقها وفيما بعد العدة ليس عليه رزق فيقوم الاجرة مقامه حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ أكده بصفة الكمال لانه يتسامح فيه وكان مقتضى هذا القيد وجوب الإرضاع الى كمال الحولين لكن لما عقب الله سبحانه بقوله فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما

ظهر ان التقييد لنفى جواز الإرضاع بعد الحولين- وايضا نفى جواز الإرضاع بعد الحولين مبنى على أصله فان الأصل ان الانتفاع بأجزاء الآدمي غير جائز لكرامته- وايضا يظهر نفى جواز الإرضاع بعد الحولين بقوله تعالى لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ إذ لا شىء بعد تمامه- وهو بيان لمن يتوجه اليه الحكم بالوجوب يعنى ذلك الإرضاع الى حولين لمن أراد إتمام الرضاعة او هو متعلق بيرضعن فان الأب يجب عليه الإرضاع كالنفقة والام يجب عليها الرضاع ان لم يعسر عليها وقال قتادة فرض الله تعالى على الوالدات الإرضاع حولين كاملين ثم انزل التخفيف بقوله لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ فبهذه الاية ثبت ان مدة الإرضاع حولين لا يجوز بعدها ولا يثبت المحرمية بالإرضاع بعدها وبه قال ابو يوسف ومحمد والشافعي واحمد وهو مروى عن ابن عباس وعمر رواهما الدارقطني وعن ابن مسعود وعلى أخرجهما ابن ابى شيبة وقال مالك خولان وشىء ولم يحده وقال ابو حنيفة ثلاثون شهرا وقال زفر ثلاثة سنين واستفادوا الزيادة على الحولين بقوله كاملين لان الكمال يقتضى ان لا يطعم في الحولين فحينئذ لا بد من مدة يعتاد فيها الصبى بالطعام ويغتذى باللبن وقدّر كل الزيادة برأيه ولم يقدر مالك قلنا اقتضاء الكمال ان لا يطعم فيها ممنوع بل ذكر الكمال لئلا يحمل الحولان على ما دونهما تسامحا ويدل على قولنا من السنة حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لارضاع الا ما كان في حولين ورواه ابن الجوزي والدارقطني قال الدارقطني عن ابن عيينة رجاله «1» صحيح الا الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ وكذا وثقه احمد والعجلى وابن حبان وغير واحد وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ يعنى الأب فان الولد يولد له وينسب اليه وتغيير العبارة للاشارة الى المعنى المقتضى لوجوب الإرضاع ومؤن المرضعة عليه- واللام للاختصاص ومن ثم قال ابو حنيفة في ظاهر الرواية ان نفقة الابنة البالغة والابن الزمن البالغ على الأب خاصة دون الام كالولد الصغير وفي رواية الخصاف والحسن عنه انها على أبويه أثلاثا على حسب الميراث رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وذلك الرزق والكسوة ان كانت الام زوجة له او معتدة فهو جار عليهما بحكم الزوجية وان كانت اجنبيه بانقضاء عدتها يجب ذلك بناء على الاجرة كما يدل عليه قوله تعالى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وقدر النفقة على قدر وسعه لقوله تعالى لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها فيه دليل على ان التكليف بما

_ (1) لعله رجاله رجال صحيح. [.....]

لا يطاق وان كان جائزا عقلا لكنه منتف شرعا فضلا من الله تعالى ومنه لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ قرا ابن كثير ويعقوب وابو عمر- ابو محمد لا تضارّ بالرفع بدلا عن قوله لا تكلّف فهو خبر بمعنى الناهي وقرا الآخرون بالنصب على صيغة النهى- وعلى التقديرين الصيغة يحتمل ان يكون مبنيا للفاعل وان يكون مبنيا للمفعول والباء للسببية والمعنى لا تضار والدة زوجها بسبب ولدها فتعنف به وتطلب منه زيادة في النفقة او الاجرة وان تشتغل قلبه بالتفريط فى شأن الولد وان تقول بعد ما الفها الصبى اطلب لها ظيرا وما أشبه ذلك- ولا يضار الأب امرأته بسبب ولده بان يأخذ منها الولد وهى تريد ارضاعه بمثل اجر الاجنبية او ينقص من أجرها او يكرهها على ارضاعه مع إمكان ظير اخرى وهى لا تقدر على ارضاعه وما أشبه ذلك هذا على انه مبنى للفاعل- وان كان مبنيا للمفعول فالمعنى كذلك مع عكس الترتيب ويحتمل ان يكون معنى لا تضار لا تضر والباء زائدة يعنى لا يضر الوالدة ولدها او الأب ولده بان يفرط في شأنه وتعهده وارضاعه وبذل النفقة عليه ولا يدفعه الام الى الأب- أو يأخذه الأب بعد ما الفها وذكر الولد باضافة كل منهما استعطافا لهما وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ عطف على قوله وعلى المولود له وما بينهما تفسير للمعروف معترض بين المعطوف والمعطوف عليه واختلفوا في تفسير الوارث فقال مالك والشافعي المراد بالوارث هو الصبى نفسه الذي هو وارث أبيه المتوفى يكون اجر رضاعه ونفقته من ماله فان لم يكن له مال فعلى الام ولا يجبر على نفقة الصبى الا الوالدان وقيل المراد به الباقي من والدي المولود بعد وفات الاخر عليه مثل ما كان على الأب من اجرة الرضاع والنفقة والكسوة وهذا القول ايضا يوافق مذهب الشافعي ومالك- ويرد على القول الاول ان انفاق الصبى من ماله مقدم على إيجاب نفقته على غيره أبا كان او غيره ولا يجب على الأب الا إذا فرض انه ليس للصبى مال فلا يحسن ان يقال على الصبى نفقته مثل ما كان له على أبيه بل الأمر بالعكس وكيف يقال ذلك بعد ما فرض انه ليس له مال- وعلى القول الثاني انه ان كان الباقي الأب فقط او الأبوين جميعا فالحكم قد سبق انه عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ فلا حاجة الى التكرار بل هذه الاية تقتضى في صورة بقائهما ان يكون النفقة عليهما وهو ينافى ما سبق وان كان الباقي الام فقط

فالمعنى على الام رزق الام وحينئذ يلزم ان تكون هى مستحقة ومستحقة عليها- وقال أحمد وإسحاق وقتادة وابن ابى ليلى المراد بالوارث وارث الصبى من الرجال والنساء يجبر على نفقته كل وارث على قدر ميراثه عصبة كان او غيره سواء كان الصبى وارثا منه اولا كما إذا كانت صبية أنثى يرث منها ابن عمها وابن أخيها دون هى منه وفي رواية عن احمد لا يجبر الا من كان ممن يجرى التوارث بينهما وبالرواية الاولى لاحمد قال ابو حنيفة وهو الظاهر المتبادر من الاية لا غبار عليه غير ان أبا حنيفة قيد الوارث بذي رحم محرم فخرج بهذا القيد المعتق وابن العم ونحو ذلك ووجه التقييد قراءة ابن مسعود وعلى الوارث ذى الرّحم المحرم مثل ذلك فقد ذهب ابو حنيفة على اصل ان قراءة ابن مسعود يجوز به تخصيص الكتاب والزيادة عليه- وقيل المراد بالوارث العصبة فيجبر عصبات الصبى مثل الجد والأخ وابنه والعم وابنه- قال البغوي وهو قول عمر بن الخطاب وبه قال ابراهيم والحسن ومجاهد وعطاء وسفيان وقيل ليس المراد النفقة بل معناه وعلى الوارث ترك المضارة قال البغوي به قال الزهري والشعبي قلت هذا ليس بسديد لان وجوب ترك المضارة غير مختص بالوارث وانما ذكر في الوالدين لدفع توهم المضارة الناشي مما سبق وايضا كلمة ذلك بحسب الوضع للبعيد وهو وجوب النفقة دون القريب اعنى المضارة والله اعلم وبهذه الاية قال أبو حنيفة يجب النفقة على الغنى لكل ذى رحم محرم إذا كان صغيرا فقيرا او كانت امراة بالغة فقيرة او كان ذكرا زمنا او أعمى فقيرا وانما قيد بهذه الأمور لان مورد النص الصغير والصغر من اسباب الاحتياج فيلتحق كل واحد منهم بالصغير بجامع الاحتياج بخلاف الفقير المكتسب فانه غنى بكسبه فلا يلتحق بالصغير ولا يجب نفقته على غيره- ويعتبر قدر الميراث لان اضافة الحكم الى المشتق يدل على علية مأخذ الاشتقاق فيكون النفقة على الام والجد أثلاثا- ونفقة الأخ الزمن المعسر على الأخوات المتفرقات الموسرات أخماسا على قذر الميراث وقال العلماء المعتبر اهلية الإرث لا إحرازه إذ هو لا يعلم الا بعد الموت فالمعسر إذا كان له خال وابن عم يكون نفقته على خاله دون ابن عمه ولا يجب النفقة لهم مع اختلاف الدين لبطلان اهلية الإرث وهو العلة للوجوب- ولا يجب النفقة على الفقير لانها يجب صلة وهو يستحقها على غيره فكيف يستحق عليه وأما ما قال ابو حنيفة انه يجب على الرجل ان ينفق على أبويه وأجداده وجداته إذا

كانوا فقراء وان كانوا كفارا وان نفقتهم على الولد فقط لا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد وان نفقتهم على الذكور والإناث على السوية في ظاهر الرواية لا على طريقة الإرث خلافا لاحمد فانه يقول على الذكر والأنثى أثلاثا وهو رواية عن ابى حنيفة فمبنى قول ابى حنيفة هذا ليست هذه الاية بل قالوا ان نفقتهم لاجل الجزئية دون الإرث قال الله تعالى في الأبوين الكافرين وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً- وليس من المعروف ان يموتا جوعا وهو غنى وقال عليه الصلاة والسلام أنت ومالك لابيك رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة وروى اصحاب السنن الاربعة عن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أطيب ما أكل الرجل من كسب ولده وان ولده من كسبه وحسنه الترمذي وروى ابو داود وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا قال ان لى مالا وان والدي يحتاج الى مالى- قال عليه الصلاة والسلام أنت ومالك لوالدك ان أولادكم من أطيب كسبكم كلوا من كسب أولادكم وكان مقتضى هذه الأحاديث ثبوت الملك للاب في مال الابن لكنه مصروف عن الظاهر بالإجماع وبدلالة اية الميراث ونحو ذلك فمعناه يجوز الوالد التملك عند الحاجة فيجب نفقتهما على الولد لا يشاركهما غيره من الورثة وإذا لم يثبت النفقة بناء على الإرث لا يعتبر فيه طريقة الإرث واما الجد والجدة فلهما حكم الأب والام قياسا ولهذا يحرزان ميراث الأب والام ويتولى في النكاح- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال انى فقير ليس لى شىء ولى يتيم قال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متاثل رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة- ولمّا فسر الشافعي ومالك الوارث فبما ذكرنا قال مالك لا يجب الا للابوين الادنيين والأولاد الصلبية دون الأجداد والجدات وأولاد الابن والبنت وقال الشافعي يجب النفقة للاصول والفروع مطلقا ولا يتعدى عمودى النسب وقال الشافعي النفقة على الذكور خاصة الجد والابن وابن الابن دون الإناث وقال مالك النفقة على أولاد الصلب الذكر والأنثى بينهما سواء إذا كانا غنيين فان كان أحدهما غنيا والاخر فقيرا فالنفقة على الغنى- والله اعلم فَإِنْ أَرادا يعنى الوالدين فِصالًا قبل الحولين لان الفصال بعد الحولين واجب

لما مر ان غاية الإرضاع الى الحولين لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ- فان قيل الفاء يقتضى ان يقدر الفصال بعد الحولين قلنا الفاء للتعقيب عن مطلق الرّضاع لا عن الحولين وفي المدارك اطلق الحكم وقال زادا على الحولين او نقصا وقال هذا توسعة بعد التحديد وانما قال ذلك ليوافق مذهب ابى حنيفة انه يجوز الإرضاع بعد الحولين الى نصف السنة قلت ولو كان هذا ناسخا للتحديد ويكون الحكم مطلقا او مقيدا ببعد الحولين لزم جواز الإرضاع بعد ثلاث سنين ايضا وهو خلاف الإجماع لم يقل به أحد فلا وجه للتحديد بالحولين ونصف ونحو ذلك وما قالوا ان الحولين ونصف يثبت بقوله تعالى وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً- فليس بشىء وسنذكر ذلك في موضعه في سورة النساء في تفسير قوله تعالى وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ان شاء الله تعالى- فان قيل على تقدير حمل الفصال على ما قبل الحولين ايضا يلزم نسخ التحديد بالحولين قلنا وجوب الإرضاع الى تمام الحولين مقيد بقوله لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ- وهذه الاية تدل على اباحة الفصال عند ارادتهما بالتراضي والتشاور فلا منافاة ولا نسخ- والله اعلم عَنْ تَراضٍ اى صادرا عن تراض مِنْهُما من الأبوين وَتَشاوُرٍ اى تشاور من اهل العلم به فيجيزوا ان الفطام في ذلك الوقت لا يضر بالولد والمشاورة استخراج الرأى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فى ذلك وانما اعتبر تراضيهما لئلا يقدم أحدهما على ما يتضرر به الطفل لغرض او غيره وهذا يدل على انه لا يجوز لاحد هما قبل الحولين الفصال من غير تراض بينهما وتشاور مع اهل الرأى وَإِنْ أَرَدْتُمْ ايها الآباء أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ مراضع غير أمهاتهم ان أبت أمهاتهم ان يرضعنهم لعلة بهن او انقطاع لبن او أردن نكاحا او طلبن اجرا زائدا على غيرهن وانما قيدنا بهذه القيود لما سبق من دفع الضرار عن الوالدين وحذف المفعول الاول للاستغناء عنه فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ الى أمهاتهم اى مرضعاتهم ما آتَيْتُمْ يعنى أعطيتم اى ما أردتم ايتاءه كقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ- او المراد بما أتيتم ما سميتم لهن من اجرة الرضاع بقدر ما أرضعن- او المعنى إذا سلمتم أجور المراضع إليهن والتسليم ندب لا شرط للجواز اجماعا- قرا ابن كثير ما أتيتم هاهنا وفي الروم وما أتيتم من ربا بقصر الالف ومعناه ما فعلتم والتسليم حينئذ بمعنى الاطاعة وعدم الاعتراض يعنى إذا أطاع أحد الأبوين ما فعله الاخر

[سورة البقرة (2) : آية 234]

من الاسترضاع بِالْمَعْرُوفِ بالوجه المتعارف المستحسن شرعا متعلق بسلمتم وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله وَاتَّقُوا اللَّهَ مبالغة في المحافظة على ما شرع في الأطفال والمراضع وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) حث وتهديد-. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ اى يموتون والتوفى أخذ الشيء وافيا بتمامه يعنى يتوفون اجالهم حال كونهم مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ اى ينتظرن الضمير عائد الى الأزواج يعنى تتربص أزواجهم او المضاف محذوف في المبتدأ يعنى ازواج الذين يتوفون يتربصن بعدهم بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً انث العشر باعتبار الليالى لانها غرر الشهور والأيام- والعرب إذا أبهمت العدد بين الليالى والأيام غلبت عليها الليالى ولا يستعمل التذكير فى مثله قط حتى انهم يقولون صمت عشرا وقال الله تعالى إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً ثم قال إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً والاية تشتمل الحوامل وغيرهن ثم نسخ حكمها في الحوامل بقوله تعالى وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ قال ابن مسعود من شاء باهلته ان سورة النساء القصرى يعنى سورة الطلاق نزلت بعد سورة النساء الطولى يعنى سورة البقرة وعليه انعقد الإجماع- عن المسور بن مخرمة ان سبيعة الاسلمية نفست بضم الفاء اى ولدت بعد زوجها بليال فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته ان تنكح فاذن لها فنكحت- رواه البخاري وكذا في الصحيحين من حديث سبيعة- ومن حديث أم سلمة- ورواه النسائي انها ولدت بعد وفات زوجها لنصف شهر وفي رواية البخاري بأربعين ليلة وفي رواية قريبا من عشر ليال- ورواه احمد من حديث ابن مسعود فقال بعده بخمس عشرة وروى عن على وابن عباس انها تعتد الى ابعد الأجلين أخرجه ابو داود في ناسخه عن ابن عباس وروى عن عمرانه قال لو وضعت وزوجها على السرير حلت- رواه مالك والشافعي وابن ابى شيبة ((مسئلة)) وعدة الامة المتوفى عنها زوجها شهران وخمسة ايام اجماعا ((فصل)) يجب الإحداد في عدة الوفاة بالإجماع الا ما حكى عن الحسن والشعبي انه لا يجب- وفي عدة الطلاق الرجعى لا أحد أدبا بالإجماع- واختلفوا في المعتدة للبائن فقال ابو حنيفة يجب وقال مالك لا يجب وعن الشافعي واحمد كالمذهبين- ولا احداد عندنا على الصغيرة فانها

غير مكلفة- ولا على الذمية فانها غير مخاطبة بالشرائع- وعند مالك والشافعي واحمد يجب عليهما والإحداد ترك الطيب والزينة من الكحل والحنا ولبس ما صبغ لاجل الزينة كالمعصفر والمزعفر ونحوهما والحرير والديباج والخضاب وتدهين الرأس والجسد بالدهن المطيب وغير المطيب- وقال الشافعي لا بأس بتدهين غير الرأس من البدن بدهن لا طيب فيه فان اضطرت الى كحل فقد رخص فيه كثير من العلماء وقال الشافعي يكتحل ليلا ويمسحه بالنهار وكذا لا بأس في الخضاب ونحوه ان كان بعذر- ولا يجوز للمطلقة الرجعية والبائنة الخروج من بيتها ليلا ولا نهارا لقوله تعالى «1» لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ والمتوفى عنها زوجها يخرج نهارا او بعض الليل ولا تبيت في غير منزلها- وقال الشافعي يجوز للمتوفى عنها زوجها الخروج مطلقا- وللبائنة الخروج نهارا قال عطاء اية الميراث نسخت السكنى فتعتد حيث شاءت ووجوب الإحداد ثبت بحديث أم حبيبة وزينب بنت جحش عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامراة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث نيال الا على «2» زوج اربعة أشهر وعشر متفق عليه عن أم عطية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاتحد امراة على ميت فوق ثلاث الا على زوج اربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا الا إذا طهرت نبذة من قسط او اظفار متفق عليه وزاد ابو داود ولا تختضب ما صبغ عزله قبل النسخ منه؟؟ رح وعن أم سلمة قالت جاءت امراة الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرتين او ثلثا كل ذلك يقول لاثم قال انما هى اربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن ترمى بالبعرة على رأس الحول متفق عليه وعن أم سلمة قالت دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفى ابو سلمة وقد جعلت علىّ صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة قلت انما هو صبر ليس فيه طيب فقال انه يشب الوجه فلا تجعليه الا بالليل وتنزعيه بالنهار ولا تمتشطى بالطيب ولا بالحناء فانه خضاب قلت باى شىء امتشط يا رسول الله قال بالسدر تغفلين به رأسك رواه ابو داود والنسائي وعنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل رواه ابو داود والنسائي وعن زينب بنت كعب ان الفريعة بنت مالك بن سنان وهى اخت ابى سعيد الخدري

_ (1) فى الأصل ولا تخرجوهنّ (2) فى الأصل الا زوج

[سورة البقرة (2) : آية 235]

أخبرتها انها جاءت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسئله ان «1» ترجع الى أهلها في بنى خدرة فان زوجها خرج في طلب اعبد له فقتلوه قالت فسالت رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ارجع الى أهلي فان زوجى لم يتركنى في منزل يملكه ولا نفقة فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعم فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة او في المسجد دعانى فقال امكثى في بيتك حتى يبلغ الكتاب اجله قالت فاعتدت فيه اربعة أشهر وعشرا رواه مالك وابن حبان في صحيحه والترمذي وابو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي ورواه الحاكم من وجهين وقال صحيح الاسناد من الوجهين جميعا ولم يخرجاه وقال الترمذي حديث صحيح وقال ابن عبد البر انه حديث مشهور واحتجوا بما رواه الدارقطني انه عليه السلام امر المتوفى عنها زوجها ان تعتد حيث شاءت فقال فيه لم يسنده غير ابى مالك الا شجعى وهو ضعيف وقال ابن القطان ومحبوب بن محرر ايضا ضعيف وعطاء بن السائب مختلط وابو بكر بن مالك أضعفهم ولذلك أعله الدارقطني- قال ابو حنيفة فان كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها وأخرجها «2» الورثة من نصيبهم انتقلت لان هذا انتقال بعذر والعبادات تؤثر فيها الاعذار فصار كما إذا خافت سقوط المنزل او كانت فيها بأجر ولا تجد ما يؤديه ولا يخرج عما انتقلت اليه فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ اى انقضت عدتهن فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ايها الائمة والمسلمون فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ من الزينة والتزويج والخروج بِالْمَعْرُوفِ بالوجه الذي لا ينكره الشرع ومفهومه انهن لو فعلن ما ينكر الشرع فعليهم ان يمنعوهن فان النهى عن المنكر واجب فان قصروا فيه فعليهم الجناح وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (232) فيجازيكم على حسب أعمالكم. وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ايها الخطاب فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ الخطبة الاستنكاح والتعريض من الكلام ما يفهم به السامع مراد المتكلم من غير ان يكون اللفظ موضوعا لمراده حقيقة ولا مجازا- والكناية هى الدلالة على الشيء- بذكر لوازمه كقولك طويل النجاد لطول القامة وكثير الرماد للضايف ومن التعريض ما روى ان سكينة بنت حنظلة تايّمت من زوجها فدخل عليها ابو جعفر محمد بن على الباقر عليهم السلام في عدتها وقال يا بنت حنظلة انا من قد علمت قرابتى من رسول الله صلى الله

_ (1) فى الأصل وان ترجع (2) فى الأصل أخرجه

عليه وسلم وحق جدى على وقدمه في الإسلام فقالت سكينة أتخطبني وانا في العدة وأنت تؤخذ عنك فقال انما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهى في عدة زوجها ابى سلمة فذكر لها منزلته من الله عز وجل وهو متحامل على يده حصيرا حتى اثر الحصير في يده من شدة تحامله على يده أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ اى أضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه صريحا او تعريضا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ بالقلوب ولا تصبرون على السكوت عنهن فاباح لكم التعريض ولا مؤاخذة على الإضمار- فيه نوع توبيخ على الخطبة وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا- استدراك عن محذوف دل عليه ستذكرونهن فاذكروهن في القلوب وعرضوا بالخطبة ولكن لا تواعدوهنّ سرّا نكاحا صريحا او جماعا يعبر بالسر عن الوطي لانه يسر ثم عن العقد لانه سبب فيه إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً (5) وهو ان يعرضوا ولا يصرحوا والمستثنى منه محذوف اى لا تواعدوهن مواعدة الا مواعدة معروفة او الا مواعدة بقول معروف- اعلم ان المعتدة من فرقة الرضاع ونحوه والمباينة باللعان والمطلقة ثلاثا ممن لا يحل لزوجها الاول تزويجها فيجوز ايضا تعريضها للاجنبى بالخطبة وان كانت بائنة فمن يحل لزوجها الاول تزويجها يجوز لزوجها خطبتها تعريضا وتصريحا- وهل يجوز للغير تعريضا أم لا قيل يجوز كالمطلقة ثلاثا لانقطاع حق زوجها الاول وقيل لا يجوز لان المعاودة جائزة له واثر النكاح باق والاول اظهر وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ كناية عن النهى عن عقد النكاح في العدة فان العزم لازم للعقد وهذا ابلغ في النهى من قوله لا تعقدوا للنكاح- وليس فيه دلالة على حرمة العزم فانه لا مؤاخذة على عزم القلب اجماعا وقد سبق اباحته بقوله تعالى- عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ الاية وهذا كمن قال زيد طويل النجاد وكثير الرماد فانه غير كاذب ان كان زيد طويلا مضيفا وان لم يكن له نجاد ورماد أصلا ويمكن ان يكون على الحقيقة ويكون نهيا عن العزم على عقد النكاح في العدة وحينئذ يكون النهى للتنزيه نهى عن العزم بناء على انه من يحوم حول الحمى يوشك ان يقع فيه حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ العدة سماها كتابا لكونها فرضا كقوله تعالى كتب عليكم اى فرض عليكم أَجَلَهُ منتهاه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ من العزم هذا يدل على كراهة العزم فَاحْذَرُوهُ فخافوه

[سورة البقرة (2) : آية 236]

ولا تعزموا وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن عزم ولم يفعل خشية من الله حَلِيمٌ (235) ولما كان الطلاق ابغض المباحات ذكر هاهنا بلفظ. لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وقرا حمزة والكسائي «1» لا تمسّوهنّ بالألف هاهنا وفي الأحزاب على المفاعلة والمعنى واحد اى لم تجامعوهن أَوْ تَفْرِضُوا يعنى الا ان تفرضوا او حتى تفرضوا او وتفرضوا اى تسموا لَهُنَّ فَرِيضَةً فعلية بمعنى المفعول والتاء لنقل اللفظ من الوصفية الى الاسمية فهو منصوب على المفعولية ويحتمل ان يكون منصوبا على المصدرية- والمعنى انه لا يجب عليكم المهر إن طلقتم قبل المسيس الا ان تفرضوا فحينئذ يجب نصف المفروض كما سيجيئ حكمه فيما بعد واما إذا كان الطلاق بعد المسيس فيجب المفروض كله بقوله تعالى آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وان لم يفرض يجب مهر المثل اجماعا وَمَتِّعُوهُنَّ عطف على مقدر فطلقوهن ومتعوهن اى أعطوهن من مالكم ما يتمتعن به وهذه المتعة واجبة عند ابى حنيفة والشافعي واحمد يعنى إذا طلق قبل المسيس ولم يفرض لها مهر وقال مالك- لا يجب بل هى مستحبة والأمر للندب قلنا كلمته حقا وكلمة على في قوله تعالى حقّا على المحسنين ينفى الاستحباب والأصل فى الأمر الوجوب- واختلفوا في مقدار الواجب فقال ابو حنيفة ثلاثة أثواب درع وخمار وملحفة من كسوة مثلها يعتبر بحالها لقيامها مقام مهر المثل لا يجاوز نصف مهر المثل ولا ينقص من خمسة دراهم وهو قول الكرخي والصحيح انه يعتبر حاله لقوله تعالى عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ قال ابن همام وهذا التقدير مروى عن عائشة وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء والشعبي وقال البغوي روى عن ابن عباس أعلاها خادم وأوسطها ثلاثة أثواب درع وخمار وإزار ودون ذلك وقاية او شىء من الورق وقال الشافعي فى أصح قوليه واحمد في رواية انه مفوض الى اجتهاد الحاكم وعن الشافعي انه مقدر بما يقع عليه اسم المال قل أو جل والمستحب عنده ان لا ينقص عن ثلاثين درهما- وفي رواية عن احمد انها مقدرة بكسوة يجوز فيها صلاتها وذلك ثوبان درع وخمار قال البغوي- طلق عبد الرحمن بن عوف امراة ومتعها جارية سوداء ومتع الحسن بن على امراة بعشرة آلاف درهم مَتاعاً نصب على المصدر بِالْمَعْرُوفِ بالوجه الذي يستحسنه الشرع لا بإكراه

_ (1) فهو سبق قلم الصحيح لم تمسّوهنّ- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة البقرة (2) : آية 237]

من الحاكم حَقًّا اى حق حقا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) . وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ اى الواجب نصف ما فرضتم لهن ولا يجب المتعة زائدا على نصف المهر في هذه الصورة عند الجمهور الا ما روى عن الحسن وسعيد بن جبير ان لكل مطلقة متعة سواء كان قبل الفرض والمسيس او بعد الفرض قبل المسيس لقوله تعالى وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ ولقوله تعالى في سورة الأحزاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا وهن يشتملن المفوضات وغير «1» المفروضات- وللجمهور ان يقولوا المتعة في هذه الصورة هو نصف المهر فان المهر في مقابلة البضع والبضع عادت إليها سالما فلم يجب نصف المهر الا على سبيل المتعة إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ اى المطلقات اى يتركن النصف فيعود جميع الصداق الى الزوج أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ اى الزوج المالك لعقده وحله بترك ما يعود اليه بالتشطير فيسوق المهر إليها «2» كاملا- والتفسير للّذى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ بالزوج أخرجه الطبراني في الأوسط عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا وأخرجه البيهقي في سننه عن على وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والشعبي وشريح ومجاهد وقتادة وهو مذهب ابى حنيفة والجديد الراجح من مذهب الشافعي وتسميتها عفوا اما على المشاكلة واما لانهم كانوا يسوقون المهر الى النساء عند التزوج فمن طلق قبل المسيس استحق استرداد النصف فاذا لم يستردها فقد عفا عنها «3» - وعن جبير بن مطعم انه تزوج امراة وطلقها قبل الدخول فاكمل لها الصداق وقال انا أحق بالعفو أخرجه البيهقي في سننه- وقيل المراد بالّذى بيده عقدة النّكاح هو الولي أخرجه البيهقي عن ابن عباس وهو مذهب مالك والقول القديم للشافعى وعن احمد روايتان كالقولين فمعنى الاية عندهم الا ان تعفو المرأة بترك نصف المهر الى الزوج ان كانت ثيبا من اهل العفو او يعفو وليها ان كانت المرأة بكرا او غير جائزة الأمر فيجوز عفو وليها وهو قوله علقمة وعطاء والحسن والزهري وربيعة- لنا ان المهر خالص حقها فلا يجوز لغيرها

_ (1) في الأصل المفوضات وغير المفوضات (2) فى الأصل اليه (3) فى الأصل عنه

[سورة البقرة (2) : آية 238]

التصرف فيها ومن ثم لا يجوز للولى ان يهب شيئا من مال الصغير ولا يجوز له هبة مهرها قبل الطلاق اجماعا فلا يجوز تأويل الاية الا على ما قلنا وَأَنْ تَعْفُوا موضع رفع بالابتداء يعنى عفو بعضكم عن بعض أَقْرَبُ لِلتَّقْوى اى الى التقوى والخطاب للرجال والنساء جميعا لان المذكر يغلب على المؤنث وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ اى لا تنسوا ان يتفضل بعضكم على بعض فان المعطى أفضل من المعطى له إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) . لما طال الكلام في احكام الأزواج والأولاد نبّه الله سبحانه على ان الاشتغال بشأنهم لا يلهيهم عن ذكر الله وعن الصلاة التي هى عماد الدين ومكفرة الذنوب وصداء القلوب فقال. حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ بالأداء لاوقاتها والمداومة عليها وإتمام أركانها وصفاتها- اجمع الامة على انها فريضة قطعية يكفر جاحدها- واما تارك الصلاة عمدا فقال احمد يكفر وقال مالك والشافعي وهو رواية عن احمد انه لا يكفر لكن يستتاب فان تاب والا قتل وقال ابو حنيفة لا يقتل لكن يحبس ابدا حتى يموت او يتوب وجه رواية احمد حديث جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة رواه مسلم وحديث بريدة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم العهد الذي بيننا وبينهم ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وحديث عبد الله بن عمر وعن النبي صلّى الله عليه وسلم انه ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورا ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيّ بن خلف رواه احمد- والجمهور يؤولون هذه الأحاديث بناء على عطف اقامة الصلاة على الايمان- وحاصل هذه الأحاديث ان امر الصلاة أشد من سائر الاحكام والعبادات فمن تركها فكانه كفر او المعنى انه من تركها استخفافا فقد كفر والله اعلم وفي فضائل الصلاة أحاديث كثيرة جدا عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارايتم لو ان نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا هل يبقى من درنه شىء قالوا لا يبقى من درنه شىء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهنّ الخطايا متفق عليه- وعن عبادة ابن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات افترضهن الله تعالى من احسن وضوئهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهدا ان

يغفر له ومن لم يفعل فليس على الله عهد ان شاء غفر له وان شاء عذبه رواه احمد وابو داود وروى مالك والنسائي نحوه وهذا الحديث حجة للجمهور على ان تارك الصلاة لا يكفر والله اعلم وَالصَّلاةِ الْوُسْطى عطف الخاص على العام لمزيد الاهتمام- والوسطى تأنيث الأوسط- قال البغوي اختلف العلماء من الصحابة فمن بعدهم في الصلاة الوسطى- فقال قوم هى صلوة الفجر وهو قول عمر وابن عمرو ابن عباس ومعاذ بن جبل رضى الله عنهم- وبه قال عطاء وعكرمة ومجاهد واليه ذهب مالك والشافعي- وذهب قوم الى انها صلوة الظهر وهو قول زيد بن ثابت وابى سعيد الخدري وأسامة لانها في وسط النهار وهى اوسط صلوات النهار والحجة لهم ما رواه البخاري في تاريخه واحمد وابو داود والبيهقي وابن جرير عن زيد بن ثابت ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى الظهر بالهاجرة وكانت أثقل الصلاة على أصحابه فنزلت حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى واخرج احمد من وجه اخر عن زيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى الظهر بالهاجرة فلا يكون وراءه الا الصف والصفان والناس في قائلتهم وتجارتهم فانزل الله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ الاية فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لينتهينّ رجال او لاحرقن بيوتهم قلنا هذين الحديثين لا يدلان ان صلوة الوسطى صلوة الظهر فان حافظوا على الصّلوت يشتمل الظهر- وقال الأكثرون وهو أرجح الأقوال انها صلوة العصر رواه جماعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول على وابن مسعود وابى أيوب وابى هريرة وعائشة رضى الله عنهم وبه قال ابراهيم النخعي وقتادة والحسن وهو مذهب ابى حنيفة واحمد لحديث على ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب ملا الله بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس متفق عليه وفي رواية لمسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلوة العصر ملا الله قلوبهم وبيوتهم نارا وحديث ابن مسعود قال حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلوة العصر حتى اصفارت الشمس او احمارت الشمس فقال شغلونا عن الصلاة الوسطى ملا الله أجوافهم وقبورهم نارا رواه مسلم وحديث ابى يونس مولى عائشة قال أمرتني عائشة ان اكتب لها مصحفا ثم قالت إذا بلغت هذه الاية فاذنّى فلما بلغتها أذنت فاملات حافظوا على الصّلوت والصّلوة الوسطى وصلوة العصر وقالت سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلم رواه

مسلم وحديث البراء بن عازب قال نزلت هذه الاية حافظوا على الصّلوات والصلاة العصر فقراناها ما شاء الله عز وجل ثم نسخها فنزلت حافظوا على الصّلوت والصّلوة الوسطى رواه مسلم واخرج مالك وغيره عن عمرو بن رافع قال كنت اكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم فاملات علىّ- حافظوا على الصّلوت والصّلوة الوسطى وصلوة العصر واخرج ابو داود عن عبد بن رافع قال كتبت مصحفا لام سلمة فقالت اكتب حافظوا على الصّلوة والصّلوة الوسطى وصلوة العصر واخرج ابو داود عن ابن عباس انه قرا كذلك واخرج ابو داود عن ابى رافع مولى حفصة قال كتبت مصحفا فقالت اكتب حافظوا على الصّلوت والصّلوة الوسطى وصلوة العصر فلقيت أبيّ بن كعب فاخبرته فقال هو كما قالت او ليس اشغل ما يكون عند صلوة الظهر في غنمنا ونواضحنا واصحاب الشافعي جعلوا أحاديث عائشة وحفصة وغيرهما حجة لهم قالوا عطف صلوة العصر على صلوة الوسطى دليل على المغائرة قلنا بل هو عطف تفسيرى- وروى البغوي في تفسيره حديث عائشة بلفظ حافظوا على الصّلوت والصلاة الوسطى صلوة العصر- بغير الواو والله اعلم وقال اقبيصة ابن ذويب هى صلوة المغرب لانها وسط ليست بأقلها يعنى ثنائيا ولا باكثرها يعنى رباعيا ولم ينقل عن أحد من السلف انها صلوة العشاء وذكر بعض المتأخرين انها صلوة العشاء لانها بين صلوتين لا تقصران- وقال بعضهم هى احدى الصلوات الخمس لا بعينها ابهمها الله تحريضا للعباد على المحافظة على أداء جميعها كما أخفى ليلة القدر وساعة الجمعة والاسم الأعظم والظاهر من كلام الأكثر ان تخصيص صلوة الوسطى بعد التعميم لمزية لها على غيرها من الصلوات- وعندى ليس كذلك بل زيادة التأكيد والاهتمام فيها لاجل ان وقت صلوة العصر وقت المشاغل بالسوق فروعى فيها زيادة التأكيد والاهتمام كيلا يفوت تلك الصلاة او يتادى على وجه الكراهة بلا جماعة او في وقت مكروه فعلى هذا اىّ صلوة من الصلوات يكون فيها مانع عن إتيانها على وجه السنة لا بد فيها زيادة التعاهد والاهتمام كصلوة الصبح والعشاء في الشتاء والظهر في الصيف والعصر لاهل السوق ان كان رواج سوقهم فى ذلك الوقت والمغرب لاهل المواشي ونحو ذلك والله اعلم-

وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) المراد بالقنوت السكوت عن كلام الناس لحديث زيد بن أرقم قال كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ويكلم الرجل منا صاحبه الى جنبه حتى نزلت وقوموا لله قنتين فامرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام رواه الائمة الخمسة وغيرهم واخرج ابن جرير عن مجاهد قال كانوا يتكلمون في الصلاة وكان الرجل يأمر أخاه بالحاجة فانزل الله تعالى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ وقال مجاهد المراد بالقنوت الخشوع قال ومن القنوت طول الركوع وغض البصر والركود وحفض الجناح كان العلماء إذا قام أحدهم يصلى يهاب الرحمن ان يلتفت او يقلب الحصا او يعبث بشىء اى السكون منه 27 او يحدث نفسه بشىء من امر الدنيا الا ناسيا وقيل المراد بالقنوت طول القيام لما رواه الترمذي عن جابر قال قيل للنبى صلى الله عليه وسلم اىّ الصلاة أفضل قال طول القنوت وهذا القول ضعيف لان الأصل في الأمر الوجوب وطول القيام ليس بواجب وقال اصحاب الشافعي المراد بالقنوت دعاء القنوت لما روى عن ابن عباس قال قنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهرا متتابعا يدعوا على احياء من سليم ورعل وذكوان وعصية وهذا القول ضعيف ايضا فان سياق الاية يدل على عموم القنوت في الصلوات كلها لا يختص بشهر دون شهر ولا بصلوة دون صلوة- وقد صح ان قنوت الفجر بدعة عن ابى مالك الأشجعي قال قلت لابى يا أبت قد صليت خلف النبي صلّى الله عليه وسلم وخلف ابى بكر وخلف عمر وعثمان وعلىّ هاهنا بالكوفة قريبا من خمس سنين أكانوا يقنتون فقال اى بنى بدعة رواه احمد- وفى لفظ صليت خلف النبي صلّى الله عليه وسلم فلم يقنت وصليت خلف ابى بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف على فلم يقنت ثم قال اى بنى بدعة واسم ابى مالك سعد بن طارق بن الأسلم قال البخاري طارق بن الأسلم له صحبة واسناد هذا الحديث صحيح وفي نفى قنوت الفجر تسعة أحاديث- وما رووه في قنوت الفجر اما ضعيف واما محمول على قنوت النوازل والكلام طويل لا يسعه المقام- وقال الشعبي وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وطاءوس القنوت الطاعة قال الله تعالى امّة قانتا اى مطيعا قال الكلبي ومقاتل لكل اهل دين صلوة يقومون فيها عاصين فقوموا أنتم فى صلاتكم قانتين اى مطيعين- وقيل معناه مصلين كقوله تعالى أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ اى

[سورة البقرة (2) : آية 239]

مصل- وقيل القنوت الذكر اى ذاكرين له تعالى في القيام- والأظهر هو المعنى الاول فان حديث زيد بن أرقم اصرح في المراد وأصح بخلاف غير ذلك فانها احتمالات لا يصادم المسموع. فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً رجالا جمع راجل مثل صاحب وصحاب وقائم وقيام ونائم ونيام وركبان جمع راكب واستدل الشافعي واحمد بهذه الاية على جواز الصلاة حال المسابقة واحتج ابن الجوزي بما رواه البخاري عن نافع ان ابن عمر كان إذا سئل عن صلوة الخوف وصفها ثم قال وان كان الخوف أشد من ذلك صلوا رجالا وقياما على أقدامهم او ركبانا مستقبلى القبلة او غير مستقبليها قال نافع لا ارى ابن عمر ذكر ذلك الا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابو حنيفة لا يجوز الصلاة حال المشي والمسابقة وليس في الاية دليل على جواز الصلاة حال المسابقة فانه ليس معنى الراجل الماشي بل الراجل القائم على الرجلين وكذا في الحديث رجالا وقياما عطف تفسيرى لا يدل على جواز الصلاة ماشيا على ان كونه مرفوعا زعم من نافع ليس في صريح الرفع- فان قيل قد جوز في صلوة الخوف الذهاب والمجيء اجماعا كما سنذكر في سورة النساء ان شاء الله تعالى فليجز الصلاة حالة المشيء ايضا- قلنا ما ثبت شرعا مما لا مدخل للرأى فيها لا يتعداه على ان المشي في أثناء الصلاة كالمشى لاجل الوضوء للذى أحدث في الصلاة أهون من الصلاة ماشيا فلا يلحق الا على بالأدنى (مسئلة) بناء على هذه الاية اجمعوا على انه ان اشتد الخوف صلوا ركبانا يؤمون بالركوع والسجود الى اى جهة كان إذا لم يقدروا على التوجه الى القبلة لكن قال ابو حنيفة لا يجوز الافرادى وعن محمد انهم يصلون بجماعة قال في الهداية وليس بصحيح لانعدام الاتحاد في المكان (مسئلة) لا ينتقص عدد الركعات بالخوف عند الائمة الاربعة والجمهور وروى مسلم عن مجاهد عن ابن عباس قال فرض الله تعالى الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وهو قول عطاء وطاووس والحسن ومجاهد وقتادة وسنذكر مسائل صلوة الخوف في سورة النساء ان شاء الله تعالى فَإِذا أَمِنْتُمْ وزال خوفكم فَاذْكُرُوا اللَّهَ صلوا الصلاة تامة بشرائطها وأركانها وآدابها كَما ذكرا مثل ما عَلَّمَكُمْ على لسان نبيه صلّى الله عليه وسلم وما مصدرية او موصولة ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) مفعول ثان لعلّم-.

[سورة البقرة (2) : آية 240]

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ يا معشر الرجال وَيَذَرُونَ يتركون أَزْواجاً اى زوجات وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ قرا ابو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص وصيّة بالنصب على معنى فليوصوا وصية وقرا الباقون بالرفع اى كتب عليكم وصية ويؤيده قراءة كتب عليكم وصيّة لازواجكم او المعنى حكمهم وصية مَتاعاً نصب على المصدر اى متعوهن متاعا او هو مفعول لمضمر اى ليوصوا متاعا- او لوصية اى ليوصوا وصية متاعا يعنى ما يتمتعن به من النفقة والكسوة من موتهم إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ بدل منه او مصدر مؤكد كقولك هذا القول غير ما تقول او حال من أزواجهم اى غير مخرجات او منصوب بنزع الخافض اى من غير إخراج- والمعنى انه يجب على المحتضرين ان يوصوا لازواجهم بان يتمتعن من أموالهم بالنفقة والكسوة الى تمام الحول فكان ذلك الوصية للزوجات واجبا على الأزواج بهذه الاية كما كانت الوصية للوالدين والأقربين واجبا بقوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ثم نسخ هذا الحكم كما نسخ ذلك والناسخ لهذا ما هو ناسخ لذلك اعنى اية الميراث وقوله صلّى الله عليه وسلم لا وصية لوارث اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس انه سقطت النفقة بتوريثها الربع والثمن- وما ذكرنا من البحث والتحقيق في تفسير قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ الاية جار هاهنا ايضا فلم نعده- وكانت النساء يحدون في الجاهلية وكذا في بدء الإسلام بعد الوفاة حولا كاملا كما يدل عليه قوله صلّى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة قد كانت إحداكن ترمى بالبعرة على رأس الحول متفق عليه قيل ثم نسخت المدة بقوله تعالى أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فذلك الاية وان كانت مقدما على هذه الاية في التلاوة لكنها متاخرة عنها في النزول- اخرج الشيخان عن عثمان بن عفان انه نسخت المدة بقوله تعالى أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً- قال البغوي نزلت الاية في رجل من الطائف يقال له حكيم بن الحارث هاجر الى المدينة وله أولاد ومعه أبواه وامرأته ومات فانزل الله تعالى هذه الاية فاعطى النبىّ صلّى الله عليه وسلم والديه وأولاده من ميراثه ولم يعط امرأته شيئا وأمرهم ان ينفقوا عليها من تركة زوجها حولا وكذا اخرج إسحاق بن راهويه في تفسيره عن مقاتل بن حبان ان رجلا من اهل الطائف قدم المدينة الحديث قلت لكن سياق الاية ينافى

[سورة البقرة (2) : آية 241]

هذا الحديث لان الاية تقتضى وجوب الوصية والحديث يقتضى وجوب نفقتها من تركة زوجها من غير وصية ولعله مات بعد نزول الاية واوصى بالإنفاق حولا على حسب تلك الاية فعمل النبي صلى الله عليه وسلم كذلك- وايضا هذا الحديث يقتضى نزول هذه الاية بعد قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ وقبل قوله تعالى وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ الاية والله اعلم فَإِنْ خَرَجْنَ يعنى الأزواج قبل الحول من غير إخراج الورثة فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ايها الائمة فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ من ترك الحداد والتزيين والتزويج مِنْ مَعْرُوفٍ مما لم ينكره الشرع فليس عليكم منعهن قال البغوي الخطاب الى اولياء الميت ولدفع الجناح وجهان أحدهما ما ذكرت وثانيهما لا جناح عليكم في قطع النفقة عنهن إذا خرجن قبل انقضاء الحول قلت هذا التأويل لا يصاعده عبارة النص لانه لو كان كذلك كان ينبغى ان يقال فيما فعلتم يعنى من ترك النفقة ولم يتبع فيما فعلن والله اعلم- وهذه الاية تدل على ان الاعتداد والإحداد الى تمام الحول لم يكن واجبا عليهن وانما يفعلن ذلك على رسم الجاهلية تأسفا على فراق الميت- فاوجب الله تعالى الوصية لهن بالنفقات على سبيل المروة ماد من يتاسفن على فراقه ولم يخرجن من منزله فما انزل الله تعالى في عدة الوفاة اربعة أشهر وعشرا حكم جديد ليس بناسخ لحكم اخر سابق عليه والله اعلم وَاللَّهُ عَزِيزٌ ينتقم من خالف حكمه حَكِيمٌ (240) يحكم على حسب المروة ورعاية المصالح. وَيجب لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ يعنى على الموسع قدره وعلى المقتر قدره حق ذلك حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) عن الشرك- قيل المراد بمتاع في هذه الاية نفقة ايام العدة كما هو المراد فيما سبق من قوله تعالى وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ- بجامع ان المرأة في كلا الصورتين الموت والطلاق محبوسة لحقوق الزوج فيجب الانفاق في ماله وهذا الحكم وهو وجوب الانفاق في عدة الطلاق مجمع عليه ان كان الطلاق رجعيا- واما إذا كان الطلاق بائنا فكذلك الحكم عند ابى حنيفة رحمه الله تعالى لعموم اللفظ في هذه الاية ولقوله تعالى أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ- فانه في قراءة ابن مسعود بلفظ اسكنوهنّ من حيث سكنتم وأنفقوا عليهنّ من وجدكم ولحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة رواه الدارقطني فان قيل قال ابن الجوزي فيه الحرث بن ابى العالية قال يحيى بن معين هو ضعيف قلنا قال الذهبي حرث بن ابى العالية ابو معاذ شيخ لعبد الله القواريري ضعف بلا حجة ولجامع معنى الاحتباس لحقوق الزوج وهو ظهور براءة الرحم او المروة في معاملة الإحداد والتأسف على فراقه ولم ينسخ الانفاق على المتوفى عنها زوجها بالكلية بل وجب لها الميراث عوضا عن الانفاق فكانه لم ينسخ- وقال مالك والشافعي لا يجب لها النفقة لكن يجب لها السكنى وهو رواية عن احمد- وعند احمد لا سكنى لها ولا نفقة احتجوا بحديث فاطمة بنت قيس ان أبا عمر وبن حفص طلقها البتة وهو غائب فارسل إليها وكيله الشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شىء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ليس لك نفقة فامرها ان تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امراة يغشاها أصحابي اعتدى عند ابن أم مكتوم رواه مسلم وفي رواية ان زوجها طلقها ثلاثا فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا نفقة لك الا ان تكونى حاملا وروى احمد عن ابن عباس قال حدثتنى فاطمة بنت قيس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة وفي سند هذا الحديث حجاج بن ارطاة- وروى احمد عنها انها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما النفقة والسكنى للمرءة ما كانت له عليها رجعة فاذا لم تكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى فبهذا الحديث قال احمد لا سكنى لها- واما الشافعي ومن معه فاوجبوا السكنى بقوله تعالى «1» أَسْكِنُوهُنَّ فكانهم تركوا العمل بهذا الحديث من وجه ولنا في الجواب ان حديث فاطمة بنت قيس مخالف للكتاب فهو متروك وقد ترك العمل به عمر بن الخطاب بمحضر من الصحابة روى الترمذي بسنده عن مغيرة عن الشعبي قال قالت فاطمة بنت قيس طلقنى زوجى ثلاثا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سكنى لك ولا نفقة قال مغيرة فذكرته لابراهيم فقال قال عمر لا ندع كتاب الله وسنة تبينا صلى الله عليه وسلم بقول امراة لا ندرى احفظت أم نسيت وكان عمر يجعل لها السكنى قال ابن الجوزي ان ابراهيم لم يدرك عمر وقد رواه جماعة ان عمر قال لا نذر كتاب الله ولم يقل سنة نبيه وهو أصح ثم لا يقبل قول الصحابي إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضده- قلنا ان لم يدرك ابراهيم عمر فهو مرسل والمرسل عندنا

_ (1) فى الأصل وأسكنوهن

[سورة البقرة (2) : آية 242]

حجة- وإذا ثبت قول عمر سنة نبينا فهو رواية رقعه- ولو سلمنا فما اعترف به ابن الجوزي من صحة قول عمر لا تذر كتاب الله يكفينا للمدعى فان قول عمر هذا يدل على صحة قراءة ابن مسعود أنفقوا عليهنّ «1» من وجدكم فثبت به المدعى- وقيل في تأويل الآية المراد بمتاع بالمعروف هو المتعة غير النفقة وهى ثلاثة أثواب كما في المطلقة غير الممسوسة- وعلى هذا التأويل اللام في للمطلقات للعهد الخارجي عند ابى حنيفة رحمه الله يدل عليه ما أخرجه ابن جرير عن ابن زيد قال لما نزلت ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقّا على المحسنين قال رجل ان أحسنت فعلت وان لم ار ذلك لم افعل فانزل الله وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ- فعلى هذا انما يثبت المتعة الا للمطلقة قبل المسيس وبه قال ابو حنيفة رحمه الله فان قيل لو كان التأويل هكذا فما وجه قول ابى حنيفة بان المتعة يستحب إعطاؤها للمطلقة بعد المسيس فرض المهر اولا- قلنا استحباب المتعة للمطلقة بعد المسيس لا يثبت بهذه الاية بل بقوله تعالى في سورة الأحزاب فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا والله اعلم- وقال الشافعي اللام للاستغراق ومن ثم يجب المتعة عنده لكل مطلقة الا التي طلقت قبل المسيس بعد فرض المهر- قلت لو كان التأويل هكذا فلا وجه لاستثناء المطلقة التي طلقت قبل المسيس الا ان يقال وجهه الاستثناء ان يقال ان المتعة في هذه الصورة هو نصف المهر كما ذكرنا من قبل وحينئذ نقول ان ما ذكر الشافعي من التأويل هو أحد الاحتمالات المذكورة كما سمعت فوقع الشك فى وجوب المتعة لكل مطلقة ولا يثبت الوجوب بالشك فقلنا بالاستحباب عملا على أحد الاحتمالات والله اعلم. كَذلِكَ اشارة الى ما سبق من احكام الطلاق والعدة يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وعد بانه سيبين لعباده من الدلائل والاحكام ما يحتاجون اليه معاشا ومعادا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) اى تفهمون وتستعملون العقل فيها-. أَلَمْ تَرَ تعجيب وتشويق لاستماع ما بعده فصار مثلا في التعجيب ويخاطب به من لم ير ولم يسمع قبل- او هو تقرير لمن سمع قصتهم من اهل الكتاب وارباب التواريخ او المعنى الم تعلم باعلامى إياك وفيه ايضا تعجيب وهكذا التأويل في كل ما ورد في القران لفظ الم تر ولم يره النبي صلى الله عليه وسلم إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ قال عطاء

_ (1) فى الأصل هاهنا اتفقوا هن من وجد كم- ابو محمد عفا الله عنه

الخراسانى ثلاثة آلاف وقال وهب اربعة آلاف كذا أخرجه الحاكم وصححه من ابن عباس وقيل ثمانية آلاف وقال السدىّ بضعة وثلاثين الفا وقال ابن جريح أربعين الفا- واخرج ابن جرير من طريق منقطع عن ابن عباس أربعون الفا وثمانية آلاف وقال عطاء «1» بن رباح سبعين الفا- وقيل المراد به وهم مؤتلفة قلوبهم من الالفة حَذَرَ الْمَوْتِ مفعول له قال البغوي ان اهل داوردان قرية قبل واسط وقع بها طاعون فخرجت طائفة منها وبقيت طائفة فهلك اكثر من بقي في القرية وسلم الذين خرجوا- فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين فقال الذين بقوا أصحابنا كانوا احزم منالو صنعنا كما صنعوا لبقينا ولئن وقع الطاعون ثانيا لنخرجن الى ارض لا وباء بها فوقع الطاعون من قابل فهرب عامة أهلها وخرجوا حتى نزلوا واديا افيح فلما نزلوا المكان الذي يبتغون فيها النجاة ناداهم ملك من أسفل الوادي واخر من أعلاه ان موتوا فماتوا جميعا كذا اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس وروى احمد والبخاري ومسلم والنسائي عن اسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم بالطاعون في ارض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض فلا تخرجوا منها وأنتم فرار منه وروى البغوي بسنده ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه خرج الى الشام فلما جاء سرغ بلغه ان الوباء قد بلغ بالشام فاخبره عبد الرحمن بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم بأرض الحديث فرجع عمر من سرغ وقال الكلبي ومقاتل والضحاك انما فروا من الجهاد وذلك ان ملكا من ملوك بنى إسرائيل أمرهم ان يخرجوا الى قتال عدوهم فعسكروا ثم جبنوا وكرهوا الموت واعتلوا وقالوا لملكهم ان الأرض التي تأتيها بها الوباء فلا نأتيها حتى ينقطع منه الوباء فارسل الله عليهم الموت فخرجوا من ديارهم فرارا من الموت فلما راى الملك ذلك قال اللهم رب يعقوب والله موسى قد ترى معصية عبادك فارهم اية من أنفسهم حتى يعلموا انهم لا يستطيعون الفرار منك فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ عقوبة لهم مُوتُوا امر تحويل فماتوا جميعا وماتت دوابهم كموت رجل واحد فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم فحظروا عليهم حظيرة دون السباع وتركهم فيها فاتت على ذلك مدة قيل ثمانية ايام وقيل حتى بليت أجسادهم وعريت عظامهم ثُمَّ أَحْياهُمْ الله تعالى عطف على محذوف يدل عليه قوله موتوا يعنى فماتوا اخرج ابن جرير من طريق السدىّ عن ابى مالك انه مر حزقيل عليه السلام على اهل داوردان

_ (1) عطاء بن ابى رباح- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة البقرة (2) : آية 244]

وقد عريت عظامهم وتفرقت أوصالهم فتعجب من ذلك- فاوحى الله اليه ناد فيهم ان قوموا بإذن الله فنادى فقاموا وحزقيل بن يوزى كان ثالث خلفاء بنى إسرائيل بعد موسى عليه السلام قال الحسن ومقاتل هو ذو الكفل سمى به لانه تكفل بسبعين نبيا وأنجاهم من القتل وقال مقاتل والكلبي هم كانوا قوم حزقيل «1» فلما أصابهم ذلك خرج حزقيل في طلبهم فوجدهم موتى فبكى وقال يا رب كنت في قوم يحمدونك ويسبحونك ويقدسونك ويكبرونك ويهللونك فبقيت وحيد الا قوم لى فاوحى الله اليه انى جعلت حياتهم إليك فقال أحيوا بإذن الله فعاشوا- قال مجاهد انهم قالوا حين أحيوا سبحانك «2» ربنا ونحمدك لآله الّا أنت- فرجعوا الى قومهم وعاشوا دهرا؟؟ الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبا الا عاد وسما مثل الكفن حتى ماتوا لاجالهم التي كتبت لهم- قال ابن عباس فانها ليوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح قال قتادة مقتهم الله على فرارهم من الموت فاماتهم عقوبة ثم بعثهم ليستوفوا اجالهم ولو جاءت اجالهم ما بعثوا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ حيث أحياهم ليعتبروا ويفوزوا وقص عليكم حالهم لتستبصروا- والمراد به فضل الله على الناس كافة يعنى في الدنيا بقرينة قوله تعالى وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعنى الكفار لا يَشْكُرُونَ (243) ذكر الله تعالى هذه القصة حثا للمؤمنين على التوكل والاستسلام للقضاء وتشجيعا على الجهاد فكانه تمهيد لقوله تعالى. وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذ الفرار عن الموت لا يفيد والمقدر واقع لا محالة فالاولى القتال في سبيل الله إذ لو جاء أجلهم ففى سبيل الله والا فالنصر والثواب وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما يقوله المتخلف والسابق عَلِيمٌ (244) بما يضمر انه والله اعلم روى البخاري في صحيحه وابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن عمر انه قال لما نزلت قوله تعالى مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ الاية- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رب زدامتى فانزل الله تعالى. مَنْ ذَا الَّذِي من استفهامية مرفوعة

_ (1) عن اشعث بن اسلم البصري قال بينما عمر يصلى ويهوديان خلفه قال أحدهما لصاحبه هو هو قالا انا نجده فى كتابنا قرنا من حديد يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله- فقال عمر ما نجد في كتاب الله حزقيل ولا أحيا الموتى بإذن الله الا عيسى قالا اما تجد في كتاب الله رسلا لم نقصصهم فقال عمر بلى قالا اما احياء الموتى فنحدثك ان بنى إسرائيل وقع عليهم الوباء فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على ميل أماتهم الله فبنوا عليهم حائطا حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال ما شاء الله فبعثهم الله فانزل الله في ذلك أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ- منه رحمه الله (2) فى الأصل سبحان ربنا

المحل بالابتداء وذا خبره والذي صفة ذا او بدله يُقْرِضُ اللَّهَ القرض في اللغة القطع سمى به ما يعطى من ماله شيئا لاخر ليرجع اليه مثله لان فيه قطع من ماله- والمراد هاهنا بالقرض اما حقيقته فيكون فى الكلام تجوز بتقدير المضاف اى يقرض عباد الله كما جاء في الحديث عن ابى هريرة مرفوعا ان الله يقول يوم القيامة يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمنى قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال استطعمك عبدى فلان فلم تطعمه اما علمت انك لو أطعمته لوجدتّ ذلك عندى الحديث رواه مسلم وفي فضيلة القرض أحاديث منها حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل قرض صدقة رواه الطبراني بسند حسن- والبيهقي وعنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرة الا كان كصدقته مرتين رواه ابن ماجة وصححه ابن حبان وأخرجه البيهقي مرفوعا وموقوفا- واما مجازه وهو تقديم عمل صالح يطلب به ثوابه ويدل عليه ما ذكرنا من حديث البخاري في سبب النزول قَرْضاً حَسَناً منصوب على المفعولية اى مقرضا حلالا طيبا- او على المصدرية اى قرضا مقرونا بالإخلاص وطيب النفس واخرج ابن ابى حاتم عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه قال القرض الحسن المجاهدة والانفاق في سبيل الله فَيُضاعِفَهُ لَهُ يعنى يضاعف الله جزاءه قرا ابن كثير وابو جعفر وابن عامر ويعقوب فيضعّفه وبابه بالتشديد حيث وقع ووافقهم ابو عمرو في سورة الأحزاب- والتشديد للتكثير وقرا الباقون بالألف على المفاعلة للمبالغة- وقرا ابن عامر وعاصم ويعقوب بالنصب وكذلك في سورة الحديد على جواب الاستفهام بإضمار أن والباقون بالرفع عطفا على يقرض- فههنا اربع قراءات قرا ابن كثير وابو جعفر فيضعّفه بالرفع وابن عامر ويعقوب بالنصب وعاصم فيضعفه بالنصب والباقون بالرفع أَضْعافاً جمع ضعف ونصبه على الحال من الضمير المنصوب او على المفعول الثاني لتضمن المضاعفة معنى التصيير او على المصدر على ان الضعف اسم المصدر وجمعه للتنويع كَثِيرَةً قال السدىّ هذا التضعيف لا يعلمه الا الله وقيل الواحد بسبع مائة والاول أصح لما ذكرنا من حديث البخاري في سبب النزول وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ قرا ابو عمرو وقنبل وحفص وهشام وحمزة بخلاف عن خلاد ويبسط هاهنا وبسطة في الأعراف بالسين والباقون بالصاد- اى يقبض الرزق لمن يشاء ويبصط لمن يشاء فلا تبخلوا في التصدق كيلا يبدل حالكم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

[سورة البقرة (2) : آية 246]

ما من يوم يصبح العباد فيه الا ملكان ينزلان من السماء فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الاخر اللهم أعط ممسكا تلفا متفق عليه وقيل هذا في القلوب لما أمرهم الله بالصدقة أخبرهم بانهم لا يمكنهم ذلك الا بتوفيقه يعنى يقبض بعض القلوب فلا ينشط للخير ويبسط بعضها فيقدم لنفسه خيرا عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما الى ثديهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها متفق عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء وقيل يقبض الصدقات ويبسط في الجزاء والثواب عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب (ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل متفق عليه وقيل الله يقبض الأرواح والأنفس حين موتها والتّي لم تمت في منامها فيمسك الّتى قضى عليها الموت ويبسط «1» الاخرى الى أجل مسمّى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) بعد الموت فيجازيكم على ما قدمتم من أعمالكم- قال قتادة الهاء راجعة الى التراب كناية عن غير مذكور اى الى التراب ترجعون-. أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ هى الجماعة من وجوه الناس واشرافهم يجتمعون للتشاور لا واحد له من لفظه كالقوم وجمعه إملاء مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ موت مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ قال قتادة هو يوشع بن نون وقال السدى شمعون والأكثر انه اشموئيل قال وهب وابن ابى إسحاق والكلبي وغيرهم انه لما مات موسى خلف في بنى إسرائيل يوشع فمات فخلف فيهم كالب فمات فخلف حزقيل فلما مات وعظمت فى بنى إسرائيل الأحداث ونسوا عهد الله حتى عبدوا الأوثان بعث الله تعالى الياس بتجديد ما نسوا من التورية ثم خلقه اليسع فمات وخلفت فيهم خلوف وعظمت الخطايا وظهر عليهم عدوهم العمالقة فوم جالوت ساكنوا ساحل البحر بين مصر وفلسطين غلبوا على ارضهم وسبوا ذراريهم وأسروا من أبناء ملوكهم اربعمائة وأربعين غلاما وضربوا عليهم الجزية

_ (1) وفي القران ويرسل الاخرى [.....]

[سورة البقرة (2) : آية 247]

وأخذوا توراتهم ولقى بنوا إسرائيل منهم شدة ولم يكن نبى يدبر أمرهم وكان سبط النبوة لم يبق منهم الا امراة حبلى فولدت غلاما فسمته اشموئيل فاسلمته لتعلم التورية في بيت المقدس وكفله شيخ من علمائهم فلما بلغ الغلام أتاه جبرئيل وهو نائم عند الشيخ فدعاه جبرئيل بلحن الشيخ يا اشموئيل فقام الغلام فزعا الى الشيخ فقال يا أبتاه دعوتنى فكره الشيخ ان يقول لا فيفزع الغلام فقال يا بنى ارجع فنم فنام ثم دعاه الثانية فقال الغلام دعوتنى قال ان دعوتك ثالثا فلا تجبنى فلما كانت الثالثة ظهر له جبرئيل وقال اذهب الى قومك فبلغهم رسالة ربك فان الله قد بعثك نبيا فكذبوه وقالوا ان كنت صادقا ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جزم على جواب الأمر وكان قوام أمرهم بالملوك وهم كانوا يطيعون الأنبياء قالَ لهم اشموئيل هَلْ عَسَيْتُمْ قرا نافع هاهنا وفي سورة القتال عسيتم بكسر السين في كل القران والباقون بالفتح ادخل هل على فعل التوقع مستفهما عما هو متوقع عنده تقريرا وتثبيتا إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ شرط وقع بين الجملة الجزائية أَلَّا تُقاتِلُوا خبر عسى والمعنى ان كتب عليكم القتال أتوقع ان لا تقاتلوا مع ذلك الملك قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال الأخفش ان هاهنا زائدة ومعناه ومالنا لا تقاتل وقال الكسائي معناه ما يمنعنا ان نقاتل والصحيح ان مالك لا تفعل ومالك ان لا تفعل لغتان صحيحتان وَقَدْ أُخْرِجْنا يعنى قد اخرج من اسرمنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهم الذين جاوزوا النهر كما سيجيئ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وعيد على ترك الجهاد فسال اشموئيل ربه ان يبعث لهم ملكا فاتى بعصا وقرن فيه دهن القدس فمن كان طوله طول هذا العصا و؟؟ نش الدّهن الذي في القرن إذا دخل فدهّن به رأسه وملّكه على بنى إسرائيل فبينا طالوت إذا ضل حمره وخرج في طلبه وكان دبّاغا او سقاء دخل بيت اشموئيل ليسئله عن الحمر إذ نش الدهن فقام اشموئيل فقاس طالوت بالعصا فكان على طولها فدهّن رأسه وملّكه. وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً ولما كان من بنى إسرائيل سبط النبوة سبط لاوى بن يعقوب وسبط المملكة سبط يهودا وكان طالوت من سبط بنيامين وكان رجلا فقيرا قالُوا أَنَّى من اين يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا

[سورة البقرة (2) : آية 248]

وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ فانّا من سبط المملكة والواو للحال وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ ونحن اغنياء قالَ نبيهم إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ قال الكلبي كان اعلم الناس بالحرب وَالْجِسْمِ وكان طالوت أجمل في بنى إسرائيل وأطولهم يمد رجل يده حتى يبلغ رأسه- وقيل أتاه الوحى حين اوتى الملك- قلت ولمّا احسن الله الثناء على طالوت بالاصطفاء وبسطة العلم والظاهر ان المراد بالعلم علم الشرائع فان به يصلح امور الدين والدنيا ظهر ان ما يذكرون في قصة طالوت انه حسد داود عليه السلام في اخر الأمر وأراد قتله فهرب داود وطعن علماء بنى إسرائيل طالوت فقتل طالوت كل عالم منهم الى اخر القصة باطل لا اصل له ولذا لم اذكره وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ اى واسع الفضل يوسع على الفقير ويغنيه عَلِيمٌ (247) بمن يليق بالملك- رد الله تعالى استبعادهم ملكه اولا بان السبب الحقيقي للتملك إيتاء الله واصطفاؤه وذالا يتوقف على سبق قابلية من جهة النسب او الحسب او غير ذلك- وثانيا بان السبب الظاهري لصلاحية التملك وإصلاح امور الناس العلم والقدرة على العمل على وفق العلم بالقوة والجسامة فى البدن دون كثرة المال فان المال غاد ورايح لا عبرة لوجوده وفقده- وثالثا بانه لا يجوز الاستبعاد بعد ما قضى الله ورسوله فانه تعالى اعلم بالمصالح منكم. وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ لما طلبوا منه اية على اصطفائه إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فعلوت من التوب اى الرجوع فانه لا يزال يرجع اليه ما يخرج منه- قيل أريد به الصندوق كان من خشب الشمشاد مموها بالذهب نحوا من ثلاثة اذرع في ذراعين أخرجه ابن المنذر عن وهب ابن منبه فقيل ان الله تعالى انزل تابوتا على آدم فيه صور الأنبياء فكان عند آدم ثم كان عند شيث وتوارثه الأنبياء حتى وصل الى موسى فكان موسى يضع فيه التورية وشيئا من متاعه فاذا مات موسى تداولته أنبياء بنى إسرائيل- وقيل كان صندوقا للتورية فكانوا إذا حضر القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم فاذا سار التابوت ساروا وإذا وقف وقفوا فِيهِ اى في إتيانه سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى تسكن به قلوبكم فلا تشكوا في ملك طالوت او الضمير راجع الى التابوت يعنى مودع فيه ما تسكتون اليه وهو التورية- او المعنى ان فيه خاصية ان تسكن قلوبكم بحضوره اخرج ابن إسحاق

وابن جرير عن وهب بن منبه انه كان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه فتسكن نفوس بنى إسرائيل ولا يفرون قلت ولا شك ان يذكر الله تعالى وروية اثار الصالحين من الأنبياء واتباعهم تطمئن القلوب وتذهب عنها وساوس الشيطان- واخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ان السكينة هى صورة كانت في التابوت من زبرجد او ياقوت لها رأس وذنب كرأس الهرة وذنبه وله جناحان فتانّ فيزف التابوت نحو العدو وهم يتبعونه وإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر كذا ذكر البغوي عن مجاهد- وعن على عليه السلام انه ريح خجوج هفافة لها رأسان ووجهه كوجه الإنسان واخرج الطبراني عن على عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السكينة ريح خجوج والله اعلم وعن ابن عباس هى طشت من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ يعنى أنفسهما ولفظ الال مقحم لتفخيم شأنهما او المراد من ال هما أنبياء بنى إسرائيل لانهم أبناء عمهما- قيل كان فيه لوحان من التورية ورصاص الألواح التي تكسرت وعصاء موسى ونعلاه وعمامة هارون وعصاه وقفيز من «1» المنّ الذي كان ينزل على بنى إسرائيل وكان ذلك التابوت قد فقده بنوا إسرائيل حين عصوا الله وأحدثوا في القربان وخبثوا في القدس فقيل رفعه الله الى السماء وقيل غلب عليه العدو وذلك انه كان مشوطا لقربان الذي كانوا يشوطونه به كلابين فماجاءه كان للكاهن الذي يشوطه فلما صار عيلى الذي ربّى اشموئيل صاحب قربانهم جعل ابناه كلاليب- وكان النساء يصلين في القدس فكانا يتشبثان بهن- فقال الله تعالى لعيلى على لسان اشموئيل منعك حب الولد من ان تزجر ابنيك ان يحدثا في قرباتى وقدسى لانزعن منك الكهانة ومن ولدك ولاهلكنّكم فسار إليهم عدو فخرج ابناؤه واخرج معهما التابوت فقتلا وذهب العدو بالتابوت فلما سمع عيلى شهق فمات- فلما بعث الله طالوت ملكا انزل الله التابوت من السماء تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ هذا على القول الاول- واما على قول الثاني فلما ذهب العمالقة بالتابوت وضعوه في بيت الأصنام تحت صنم لهم أعظم فاصبح الصنم ملقى تحت التابوت وأصبحت الأصنام منكسرة فوضعوه في ناحية فهلك اكثر اهل الناحية فاخرجوه الى قرية اخرى فبعث الله على اهل تلك القرية فادّا يبيت الرجل فيصبح وقد أكل الفارة ما في جوفه- فقالت امراة من سبى بنى إسرائيل لا تزالون ترون ما تكرهون مادام

_ (1) فى الأصل وقفيز منّ الذي-

[سورة البقرة (2) : آية 249]

هذا التابوت فيكم فاخرجوه عنكم فاتوا بعجله وحملوه عليه ثم علقوها على ثورين وضربوا جنوبهما فوكل الله اربعة من الملائكة يسوقونها فجاءوا به الى بنى إسرائيل- وقيل كان التابوت في التيه خلفه موسى عند يوشع بن نون فبقى هناك الى زمن طالوت فجاءت به تحمله الملائكة حتى وضعته فى دار طالوت إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) يحتمل ان يكون تمام كلام النبي اشموئيل ويحتمل ان يكون ابتداء خطاب من الله تعالى- قال ابن عباس ان تابوت وعصاء موسى في البحيرة الطبرية وانهما يخرجان قبل يوم القيامة-. فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ اى خرج والفصل في الأصل القطع وهو فعل متعد يعنى فصل نفسه عن بلده فلما كثر استعماله حذف مفعوله فصار كاللازم بمعنى انفصل عن بلده شاخصا الى العدو بِالْجُنُودِ هو في موضع الحال من فاعل فصل اى مختلطا بالجنود وذلك انهم لما راوا التابوت واستيقنوا النصر تسارعوا الى الجهاد كلهم فقال طالوت لا يخرج معى إلا شاب نشيط فارغ فخرج على هذا سبعون الفا على قول مقاتل وقيل ثمانون الفا وكانوا فى حر شديد فسالوا ان يجرى الله لهم نهرا قالَ طالوت اما بوحي الله ان كان نبيا واما بإرشاد نبيهم إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ قال ابن عباس والسدىّ هو نهر فلسطين وقال قتادة نهر بين الأردن وفلسطين- والابتلاء الاختبار- يعنى يعاملكم معاملة المختبر ليظهر المطيع من العاصي فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي اى من اتباعى او ليس بمتحد معى وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ اى لم يذقه من طعم لشىء إذا اذاقه ماكولا او مشروبا فَإِنَّهُ مِنِّي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بالإسكان إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ استثناء من قوله فمن شرب وانما قدمت الجملة الثانية للعناية بها والمعنى الرخصة في القليل دون الكثير- ولعل الحكمة في ذلك ان شرب الماء الكثير في شدة الحر والعطش يضربا لناس يهلك او يضعف عن القتال- ويحتمل ان يكون ذلك التحريم عقابا لهم لما اقترحوا بجريان النهر- قرا اهل الحجاز والبصرة غرفة بفتح الغين والباقون بالضم قال الكسائي بالضم ما يحصل في الكف من الماء عند الاغتراف وبالفتح الاغتراف فهو منصوب على المفعولية او المصدرية على اختلاف القراءتين فَشَرِبُوا مِنْهُ اى كرعوا فيه إذ المعنى الحقيقي لمن الابتدائية ان

[سورة البقرة (2) : آية 250]

لا يكون بوسط واما الاول فعلى عموم المجاز بقرينة الاستثناء- او المعنى افرطوا في الشرب إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ منصوب على الاستثناء قال السدىّ كانوا اربعة آلاف والصحيح ما رواه البخاري عن البراء بن عازب قال كنا اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث ان عدة اصحاب يدر على عدة اصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ولم يجاوز معه الا مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة- ويروى ثلاثمائة وثلاثة عشر- فكان من اغترف غرفة قوى قلبه وذهب عطشه- ومن شرب وخالف امر الله تعالى جبنوا ولم يرووا واسودت شفاههم وبقوا على شط النهر فلم تجاوزوا النهر مع طالوت وقيل جاوزوا النهر كلهم والظاهر انهم لم يجاوزوا حيث قال الله تعالى فَلَمَّا جاوَزَهُ اى طالوت النهر هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ اى أطاعوه في الشرب قالُوا يعنى من وراء النهر الذين جبنوا وبقوا عليه للذين جاوزوا اعتذارا للتخلف وتحذيرا لهم لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ لغلبة العطش والضعف او لقلة العدد بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ لكثرتهم وقوتهم قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ اى يستيقنون أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ وتوقعوا ثوابه وهم الذين اكتفوا على الغرفة وجاوزوا النهر- ويحتمل ان يكون ضمير قالوا راجعا الى الذين جاوزوا النهر والمعنى انه قال بعضهم لبعض اولا لا طاقة لنا ثم قال خلصهم كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ كم خبرية موضعها الرفع بالابتداء- او استفهامية استفهام تقرير ومن زائدة- والفئة الفرقة من الناس من فاوتّ رأسه إذا شققته او من فاء إذا رجع على وزن فعة او فلة- وقيل هى جمع لا واحد له بمعنى الجماعة غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ بقضائه وإرادته وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) بالنّصر والاثابة- وقالت الصوفية بالمعية التي لا كيف لها-. وَلَمَّا بَرَزُوا طالوت وجنوده لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ اى تراء الفئتان والتقيا قالُوا يعنى طالوت ومن معه رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) هذا سنة الأنبياء والصالحين انهم إذا استصعبوا امرا التجئوا الى الله تعالى بالدعاء. فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ اى بنصره او مصاحبين بنصره- وكان داود عليه السلام مع أبيه في ثلاث عشر ابنا له في جند طالوت وعبر معه النهر

وكان أصغر اخوته يرعى الغنم فاوحى الله تعالى الى نبيهم انه يقتل جالوت وقد كلمه في الطريق ثلاثة أحجار وقالت انك بنا تقتل جالوت فحملها في مخلاته وأعطاه طالوت فرسا ودرعا وسلاحا فقال ان لم ينصرنى الله لم يغن عنى هذا السلاح شيئا- فلزك داود كل ذلك وأخذ مخلاته ومضى نحو العدو وكان داود رجلا قصيرا مسقاما مصغارا فلما راه جالوت وكان رجلا من أشد الناس وأقواهم يهزم الجيوش وحده القى الله في قلبه من داود رعبا فقال أتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى الكلب قال نعم أنت شر من الكلب فوضع داود الأحجار الثلاثة في مقلاعه وقال باسم اله ابراهيم وإسحاق ويعقوب ورمى به فاصاب دماغه وخرج من قفاه وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وزوجه طالوت ابنته وَآتاهُ يعنى داود اللَّهُ الْمُلْكَ بعد ما مات طالوت وقيل لم يجتمع بنو إسرائيل قبل داود على ملك وَالْحِكْمَةَ النبوة جمع الله تعالى له الامرين ولم يجتمعا قبل ذلك بل كان الملك في سبط والنبوة في سبط وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ أتاه الله الزبور وعلمه صنعة الدروع وألان له الحديد فكان لا يأكل الا من عمل يده عن المقدام بن معديكرب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكل أحد طعاما خيرا من ان يأكل من عمل؟؟؟ ان نبى الله داود كان يأكل من عمل يديه رواه البخاري وعلمه منطق الطير وكلام النمل وغيرها وأعطاه صوتا حسنا قيل كان إذا قرا الزبور يدنو منه الوحوش حتى تؤخذ بأعناقها وتظله الطير ويركد الماء الجاري وتسكن الريح- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابى موسى الأشعري يا أبا موسى لقد أعطيت مزمارا من مزامير ال داود متفق عليه وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ قرا نافع ويعقوب دفع الله بالألف وكسر الدال هاهنا وفي الحج وفيه مبالغة وقرا الباقون بفتح الدال وسكون الفاء بلا الف النَّاسَ بَعْضَهُمْ يعنى الكفار بدل بعض من الناس بِبَعْضٍ يعنى بالمؤمنين لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ يعنى لغلب المشركون الأرض- فافسدوا فيها فخربوا البلاد وقتلوا العباد وظلموهم وهدمت صوامع وبيع «1» ومسجد يذكر فيها اسم الله كثيرا وصدوا الناس عن الايمان بالله وعبادته كذا قال ابن عباس ومجاهد فيه دليل على ان العلة لافتراض الجهاد دفع الفساد كما سنذكر في قوله تعالى لا اكراه في الدّين وقال بعض المفسرين لولا دفع بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار العذاب لهلكت الأرض بمن

_ (1) وفي القران صوامع وبيع وصلوات ومسجد إلخ

[سورة البقرة (2) : آية 253]

فيها روى البغوي بسنده من طريق عبد الله بن احمد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يدفع بالمسلم الصالح عن مائة اهل بيت من جيرانه البلاء ثم قرا وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ الاية. وايضا في الحديث ولولا رجال ركع وصبيان رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) تِلْكَ مبتدأ خبره ما بعده اشارة الى ما ذكر من قصة ألوف وتمليك طالوت او إتيان تابوت وانهزاما لجبائرة وقتل داود جالوت وايتائه الملك والحكمة وتعليمه ممّا يشاء آياتُ اللَّهِ دلائل على قدرته وعلى نبوتك نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ بالوجه المطابق للواقع الذي لا؟؟ فيه اهل الكتاب وإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) وتلك الآيات اعجاز لك شواهد على رسالتك حيث لم يكن بها علم لمن لم يقرا الكتاب أكد بأنّ وغيرها ردا لقول الكفار لست مرسلا-. تِلْكَ الرُّسُلُ اشارة الى جماعة المرسلين التي علمت بقوله وانّك لمن المرسلين واللام للاستغراق والموصوف مع الصفة مبتدأ خبره فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ الفضل هو زيادة أحد الشيئين على اخر في وصف مشترك بينهما وفي العرف والاصطلاح يختص ذلك بوصف الكمال وهو ما يقتضى مدحا في الدنيا وثوابا في الاخرة- فان كان أحدهما مختصا بوصف كمال والاخر بوصف كمال اخر فلكل واحد منهما فضل جزئى على الاخر في مطلق الكمال اعنى في استحقاق المدح والثواب والفضل الكلى لمن له زيادة الثواب ومزية القرب عند الله تعالى فالرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام شركاء في درجة الرسالة او النبوة وموجبات الاجر والثواب وفيما بينهم تفاضل عند الله تعالى بناء على كثرة الثواب ومزيد القرب لا يعلمه كما هو الا الله تعالى وقد يدرك بعض ذلك بتعليمه تعالى كقوله مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ قال اهل التفسير هو موسى عليه السلام لقوله تعالى وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ، وهذه الاية لا يقتضى تخصيصه عليه السلام بذلك الفضيلة فقيل انه موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام كلم الله موسى على الطور ومحمدا ليلة المعراج حين كان قاب قوسين او ادنى فاوحى الى عبده ما اوحى وشتان ما بينهما وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ على بعضهم او على كلهم- اما رفع درجات

بعضهم على بعضهم ففى كثير من الأنبياء والرسل حيث فضل الرسل على الأنبياء واولى العزم من الرسل على غيرهم ونحو ذلك واما رفع درجات بعضهم على كلهم فذلك مختص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثابت ذلك بوحي غير متلو وانعقد عليه الإجماع عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من بنى آدم فمن سواه الا تحت لواثى وانا أول من تنشق الأرض ولا فخر وانا أول شافع وأول مشفع ولا فخر رواه احمد والترمذي وابن ماجة وعن ابن عباس قال جلس ناس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون قال بعضهم ان الله اتخذ ابراهيم خليلا وقال اخر موسى كلمه الله تكليما وقال اخر عيسى كلمة الله وروحه وقال اخر آدم اصطفاه الله فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد سمعت كلامكم وعجبكم ان ابراهيم خليل الله وهو كذلك وموسى نجى الله وهو كذلك وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك وآدم اصطفاه الله وهو كذلك الا وانا حبيب الله ولا فخر وانا حامل لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه ولا فخر وانا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر وانا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لى فيدخلنى ومعى فقراء المؤمنين ولا فخروانا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر رواه الترمذي والدارمي وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا قائد المرسلين ولا فخر وانا خاتم النبيّين ولا فخر وانا أول شافع ومشفع ولا فخر رواه الدارمي- وعن أبيّ بن كعب قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة كنت امام النبيّين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر رواه الترمذي- وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انا أول من ينشق عنه الأرض فاكسى حلة من حلل الجنة ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيرى رواه الترمذي- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سلوا الله الوسيلة قالوا يا رسول الله ما الوسيلة قال أعلى درجة الجنة لا ينالها الا رجل واحد أرجو أن أكون انا هو رواه الترمذي وهذه الأحاديث وان كانت من الآحاد لكنها متواترة من حيث المعنى وتلقته الامة بالقبول- قال الامام محى السنة البغوي رضى الله عنه ما اوتى نبى اية الا اوتى نبينا صلى الله عليه وسلم مثل تلك الاية وفضل على غيره بايات مثل انشقاق القمر بإشارته- وحنين الجذع على مفارقته- وتسليم الحجر والشجر عليه- وكلام البهائم والشهادة برسالته- ونبع الماء من بين أصابعه وغير ذلك من المعجزات

والآيات التي لا تحصى وأظهرها القران الذي عجز اهل السماء والأرض عن الإتيان بمثله ثم روى بسنده عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من نبى الا وقد اعطى من الآيات ما أمن على مثله البشر وانما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله الى فارجوان أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة متفق عليه وبسنده عن جابران النبي صلى الله عليه وسلم قال أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا فايما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل- وأحلت لى الغنائم ولم يحل لاحد قبلى- وأعطيت الشفاعة- وكان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة متفق عليه وبسنده عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فضلت على الأنبياء بست أوتيت بجوامع الكلم- ونصرت بالرعب- وأحلت لى الغنائم- وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا- وأرسلت الى الخلق كافة- وختم بي النبيون- رواه مسلم- وهذا الباب طويل جدا لا يسعه المقام وقد صنف فيه مجلدات وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ تكلم الناس في المهد وكان يبرئ الأكمه والأبرص ويحى الموتى وانزل عليه مائدة من السماء وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وقد مر تفسيره فيما قبل خص الله سبحانه عيسى بالتعيين لافراط اليهود والنصارى في تحقيره وتعظيمه وَلَوْ شاءَ اللَّهُ هداية الناس جميعا مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ اى من بعد الرسل مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ المعجزات الواضحات وَلكِنِ اخْتَلَفُوا بارادة الله سبحانه اظهار صفاته الجلالية والجمالية وأسمائه من الهادي والمضل والغفار والقهار والمنتقم والعفو وغيرها فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ تفضلا بهدايته وتوفيقه التزام دين الأنبياء وهم الذين كان دينهم صفة الهداية وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ بخذلانه عدلا وهم الذين كان دينهم صفة الإضلال- عن ابى موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول ان الله خلق خلقه في ظلمة فالقى عليهم نوره فمن أصاب ذلك النور اهتدى ومن أخطأ ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله رواه احمد والترمذي وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا كرره للتأكيد وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (253) لا يجوز عليه الاعتراض ولا يبلغ الى كنه حكمته غيره قال البغوي سال رجل على بن ابى طالب فقال يا امير المؤمنين أخبرني عن القدر قال طريق مظلم فلا تسلكه فاعاد السؤال فقال بحر عميق فلا تلجه فاعاد فقال سر خفى فلا تفشه- يعنى هو امر لا يمكن دركه

[سورة البقرة (2) : آية 254]

بالعقل وتفتيشه يوجب الهلاك كما يوجب الهلاك الولوج في البحر العميق والسلوك في الطريق المظلم- عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تكلم في شىء من القدر سئل عنه يوم القيامة ومن لم يتكلم فيه لم يسئل عنه رواه ابن ماجة وقال ابى بن كعب لو ان الله عذب اهل سمواته وارضه عذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كان رحمته خير الهم من أعمالهم ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم ان ما أصابك لم يكن ليخطيك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار وقال ابن مسعود وحذيفة بن اليمان مثل ذلك- وحدث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك رواه احمد وابو داود وابن ماجة- فان قيل هذه الاية تدل على كون بعض الرسل أفضل من بعض فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا تفضلوا بين أنبياء الله وفي رواية لا تخيروا بين الأنبياء متفق عليه من حديث ابى سعيد وابى هريرة وقوله صلى الله عليه وسلم لا تخيرونى على موسى وقوله صلى الله عليه وسلم لا أقول ان أحدا أفضل من يونس بن متى متفق عليه من حديث ابى هريرة- قلنا معناه انه لا يجوز الحكم بتفضيل بعضهم على بعض بالرأى من غير دليل وتوقيف من الله سبحانه لان الفضل عبارة عن كثرة الثواب وزيادة القرب الى الله تعالى وذا لا يدرك بالرأى فاما إذا ثبت بالكتاب او السنة فان كان الدليل ظنى المتن او السند فلا بأس بالقول به مع تجويز نقيضه وان كان قطعيا يجب الاعتقاد به وكذا الحال في تفضيل غير الأنبياء بعضهم على بعض- واما قوله عليه السلام لا تخيرونى على موسى ولا أقول ان أحدا أفضل من يونس بن متى فمحمول على انه كان قبل علمه بافضليته صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء والله اعلم ((مسئلة)) وهذه الاية حجة لاهل السنة على المعتزلة في ان الحوادث كلها بيد الله تعالى تابعة لمشيته خيرا كان او شرا إيمانا كان او كفرا- وليس الأصلح ولا شىء من الأشياء واجبا عليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك رواه مسلم وروى عنه احمد والترمذي نحوه والترمذي وابن ماجة عن انس واحمد عن ابى موسى نحوه. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا ما أوجبت عليكم إنفاقه مِمَّا رَزَقْناكُمْ

[سورة البقرة (2) : آية 255]

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا تقدرون فيه على تدارك ما فرطتم والخلاص من عذاب الله إذ لا بَيْعٌ فِيهِ فتحصلون الأموال وتنفقونها في سبيل الله او تفتدون بها من العذاب فتشترون به أنفسكم وَلا خُلَّةٌ حتى يعينكم عليه اخلاءكم او يسامحونكم به وَلا شَفاعَةٌ الا بإذن الله قرا ابن كثير وابو عمر وكلها مبنيا على الفتح من غير تنوين على الأصل وكذلك في سورة ابراهيم لا بيع فيه ولا خلل وفي سورة الطور لا لغو فيها ولا تأثيم وقرا الآخرون كلها بالرفع لانها فى تقدير جواب هل فيه بيع او خلة او شفاعة وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) حيث يضعون العبادة في غير موضعها ويضعون الأموال في غير موضعها ويصرفونها على غير وجهها- وايضا هم يظلمون أنفسهم بترك ما أمرهم الله وتعريض أنفسهم للعذاب فلا تكونوا ايها الذين أمنوا على هيئتهم- او المعنى والكافرون الذين ينكرون فريضة الزكوة هم الظالمون- وقال البيضاوي أراد بالكافرين التاركين للزكوة وضع الكافرون موضعه تغليظا كقوله من كفر مكان من لم يحج وكقوله تعالى ويل للمشركين الّذين لا يؤتون الزّكوة إيذانا بان ترك الزكوة من صفات الكفار عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه- قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب وقالوا لا نؤدى زكوة فقال ابو بكر لو منعونى عقالا لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله تالف الناس وارفق بهم فقال لى أجبّار في الجاهلية وخوّار في الإسلام انه قد انقطع الوحى وتم الدين أينقص وانا حى رواه رزين-. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ مبتدأ وخبر والمعنى انه تعالى هو المستحق للعبادة لا غير الْحَيُّ هو الذي يصح ان يعلم ويسمع ويبصر ويقدر ويريد وكل ما يصح له فهو واجب له ما زال ولا يزال ثابت له ازلا وابدا لامتناعه عن القوة والإمكان فالحيوة صفة لله تعالى سبد الجميع صفات الكمال الْقَيُّومُ 5 قرا عمرو ابن مسعود القيّام وقرا علقمة القيّم- قال البغوي كلها لغات بمعنى واحد قال ابن مجاهد القيوم القائم على كل شىء قال الكلبي القائم على كل نفس بما كسبت وقيل هو القائم بالأمور وقال ابو عبيدة الذي لا يزول وقال البيضاوي الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه فيقول من قام بالأمر إذا حفظه وقال السيوطي الدائم البقاء قلت مرجع الأقوال انه دائم الوجود القائم بنفسه وقيم الأشياء كلها لا يتصور قيام شىء وبقاؤه

إلا به فمقتضى هذا الاسم ان ما سواه يحتاج اليه في بقائه كما يحتاج اليه في وجوده كالظل بالنسبة الى الأصل بل أشد منه احتياجا ولله المثل الأعلى لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ السنة فتور يتقدم النوم في الوجود ولذا قدم ذكره مع ان قياس المبالغة يقتضى العكس- والنوم حالة تعرض الحيوان من استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبات الابخرة المتصاعدة بحيث يعطل الحواس الظاهرة عن الاحساس رأسا- وهذه الجملة صفة سلبية ينفى التشبيه فهى تأكيد لكونه حيا قيوما فانه من اخذه نعاس او نوم كان ما دون الحيوة فان النوم أخ الموت قاصرا في حفظ الأشياء وقيوميتها ولذاك ترك العاطف عن ابى موسى رضى الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال ان الله لا ينام ولا ينبغى له ان ينام- يخفض «1» القسط ويرفعه- يرفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل- «2» حجابه النور لو كشفت لا حرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه رواه مسلم لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تقرير لقيوميته واحتجاج على تفرده في الالوهية والمراد بما فيهما ما وجد فيهما داخلا في حقيقتهما او خارجا عنهما متمكنا فيهما فهو ابلغ من قولنا له السموات والأرض وما فيهن مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ بيان لكبرياء شأنه وانه لا أحد يساويه او يدانيه يستقل بان يدفع ما يريده شفاعة فضلا من ان يعاوقه مناصبة يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ اى ما قبلهم وما بعدهم- او ما يدركونه وما لا يدركونه- او ما يأخذونه وما يتركونه- فان ما تركوه كانهم نبذوه خلف ظهورهم- والضمير لما في السموات والأرض تغليبا للعقلاء على غيرهم او لمدلول ذا من الملائكة والأنبياء وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ اى من معلوماته انما قيد بقوله من علمه مع ان كل شىء معلومه تنبيها على ان المراد بالاحاطة الإحاطة العلمية- ولم يقل ولا يعلمون شيئا تنبيها على ان العلم التام المحيط بكنه الأشياء كلها مختص به تعالى ولا يوجد احاطة علم غيره بكنه شىء الا نادرا- او المراد بعلمه العلم المختص به وهو علم الغيب فهم لا يحيطون بشىء من علم الغيب إِلَّا بِما شاءَ احاطته وذلك قليل قال الله تعالى وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا والواو في ولا يحيطون اما للحال من فاعل يعلم ما بين أيديهم او للعطف وانما ذكر بالعطف لان مجموع الجملتين يدل على تفرده بالعلم الذاتي التام المحيط بأحوال خلقه

_ (1) قال البغوي ولكنه يخفض القسط ويرفعه اليه عمل الليل 12 منه (2) قال البغوي ورواه المسعودي عن عمرو بن مرة وقال حجاب الدار 12 منه

الدال على وحدانيته وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قال البيضاوي تصوير لعظمته وتمثيل مجرد ولا كرسى في الحقيقة ولا قاعد وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أراد بالكرسي علمه وهو قول مجاهد ومنه قيل لصحيفة العلم كراسة وقيل كرسيه ملكه وسلطانه والعرب تسمى الملك القديم كرسا- قلت ولو كان الكرسي بمعنى العلم او الملك كان هذه الجملة بعد قوله له ما في السّموت وما في الأرض يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم مستدركا والمشهور عند المحدثين ان الكرسي جسم قال البغوي اختلفوا في الكرسي قال الحسن هو العرش نفسه وقال ابو هريرة الكرسي موضوع امام العرش ومعنى قوله وسع كرسيّه السّموت والأرض اى سعته مثل سعة السموات والأرض- وروى ابن مردوية من حديث ابى ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما السموات السبع والأرضون السبع مع الكرسي الا كحلقة في فلاة- وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ويروى عن ابن عباس ان السموات السبع في الكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس وقال على ومقاتل كل قائمة من الكرسي طولها مثل السموات السبع والأرضين السبع وهو بين يدى العرش ويحمد الكرسي اربعة املاك لكل ملك اربعة وجوه وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى مسيرة خمسمائة عام ملك على صورة سيد البشر آدم عليه السلام وهو يسئل للادميين الرزق من السّنة الى السّنة وملك على صورة سيد الانعام وهو الثور وهو يسئل للانعام الرزق من السنة الى السنة وعلى وجهه عضاضة منذ عبد العجل وملك على صورة سيد السباع وهو الأسد يسئل للسباع الرزق من السنة الى السنة وملك على صورة سيد الطير وهو النسر يسئل للطير الرزق من السنة الى السنة وفي بعض الاخبار ان بين حملة العرش وحملة الكرسي سبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من نور غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة سنة لولا ذلك لاحترقت حملة الكرسي من نور حملة العرش والكرسي في الأصل اسم لما يقعد عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد كانه منسوب الى الكرسي وهو «1» ضم الشيء بعضه الى بعض- ونسبة الكرسي الى الله تعالى كنسبة العرش اليه وكذا نسبت بيت الله اليه لنوع من التجلي مختص به وقد ذكرنا فى تفسير قوله تعالى فسوهنّ سبع سموات ان المستنبط من الحديث ان العرش كروى محيط بالسماوات وما ذكرنا هاهنا من حديث ابى ذر يستفاد منه ان الكرسي محيط بالسماوات والعرش

_ (1) فى الأصل وهم-

محيط به واحاطة بعضها بعضا يقتضى كون كل منها كرويا ومن هاهنا قال من قال ان الكرسي هو الفلك الثامن والعرش الفلك التاسع- ولعل العرش والكرسي متبائتان من السموات في الماهية وممتازان بانواع التجليات ومن ثم لم يعد «الله من السموات ولم يزد عدد السموات على سبع والله اعلم وَلا يَؤُدُهُ اى لا يثقله مأخوذ من الأود وهو الاعوجاج حِفْظُهُما اى السموات والأرض او الكرسي وما وسعه فهذه الجملة مع ما عطف عليه بيان لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها او لجلاله وعظمة قدره وعموم قيوميته للاشياء فهاتين الجملتين كان كحكم جملة واحدة ولمّا كان كل جملة منها تأكيدا وبيانا لما سبق لم يذكر العاطف بين تلك الجمل وَهُوَ الْعَلِيُّ المتعالي عن الانداد والأشباه ليس كمثله شىء في الذات ولا في شىء من الصفات بوجه من الوجوه فهو متعال من ان يحمده الحامدون ويصفه الواصفون كما يليق به الْعَظِيمُ (255) المستحقى بالاضافة اليه كل ما سواه- ولما كانت هذه الاية خالصة في مباحث الذات والصفات دالة على كونه تعالى هو المتوحد بالوجود المتأصل المتصف بصفات الكمال من الحيوة وما يستتبعه من العلم والقدرة والارادة والسمع والبصر والكلام المفيض للوجود والتقوم لكل ما سواه بحيث يكون قيام كل ما سواه به تعالى لا كقيام العرض بالعين كما يتوهم من كلام بعض الأكابر حيث قال العالم اعراض مجتمعة في عين واحد بل على نحو لا يسعه مجال الخيال واقرب العبارات التي يعبر بها ذلك القيام انه تعالى اقرب إلينا من حبل الوريد المنزه عن التحيز والحلول والمبرا عن التغير والفتور مالك الملك والملكوت ذو البطش الشديد الذي لا يطاق انتقامه الا بشفاعة من اذن له عالم بالأشياء علما محيطا بالاحاطة التامة بكنه كل جلى وخفى متوحدا بعلومه لا يعلم أحد شيئا منها الا بتعليمه واسع الملك والقدرة يتجلى على بعض مخلوقاته تجليا لا ينافى علو تنزيهه لا يؤده شاق ولا يغنيه شأن عن شأن متعال عما لا يليق به بل متعال من ان يصفه الواصفون عجز عن حمده من بيده لواء الحمد يوم القيامة حيث قال أنت كما أثنيت على نفسك عظيم يستحقر بإضافته كل شىء ولا يحيط به علم عالم ولا تناسب عظمته عبادة عابد معترف بالقصور في عبادته اسبق السابقين حيث قال ما عبدناك حق

عبادتك فلذلك لما قيل يا رسول الله اىّ اية أعظم قال اية الكرسي اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ- ولما قيل اى سورة أعظم قال قل هو الله أحد رواه الدارمي من حديث اسقع بن عبد الكلاعى- واخرج الحارث بن اسامة عن الحسن مرسلا أعظم اية اية الكرسي واخرج مسلم من حديث ابى بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» يا أبا المنذر اى اية من كتاب الله أعظم قلت الله لا الله الّا هو الحىّ القيّوم قال فضرب في صدرى وقال ليهنئك العلم ثم قال والذي نفسى بيده ان لهذه الاية لسانا وشفتين يقدس الملك عند ساق العرش قلت لعل معنى هذا الحديث ان حملة العرش يقدسون الله بهذه الاية- والظاهر ان يقال لكل شىء صورة في المثال حتى القران وآياته ورمضان وغير ذلك واخرج ابن مردوية من حديث ابن مسعود- وابن راهويه في مسنده من حديث عوف بن مالك- وأحمد ومالك من حديث ابى ذر نحوه واخرج الترمذي والحاكم من حديث ابى هريرة مرفوعا سيد اى القران اية الكرسي اخرج احمد من حديث انس اية الكرسي ربع القران وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرا حين يصبح اية الكرسي وايتين من حم تنزيل الكتب من الله العزيز العليم حفظ من يومه ذلك حتى يمسى فان قراها حين يمسى حفظ من ليلته تلك حتى يصبح رواه الترمذي والدارمي وقال الترمذي هذا حديث غريب وعن ابى هريرة قال وكلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكوة رمضان فاتى ات فجعل بحثوا من الطعام فاخذته وقلت لا رفعنك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى محتاج وعلىّ عيال ولى حاجة شديدة فخليت عنه فاصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال اما انه قد كذبك وسيعود فعرفت انه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سيعود فرصدته فجاء يحثوا من الطعام فاخذته فقلت لا رفعنك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعنى إلخ كما قال اولا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال اولا ثم قال ابو هريرة في المرة الثالثة هذا اخر ثلاث مرات انك تزعم لا تعود ثم تعود قال دعنى أعلمك كلمات ينفعك الله بها إذا أويت الى فراشك فاقرأ اية الكرسي اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الاية فانك لن تزال عليك من الله حافظا ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله- فاصبحت فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) فى الأصل بغير النداء

[سورة البقرة (2) : آية 256]

ما فعل أسيرك البارحة قلت زعم انه يعلمنى كلمات ينفعنى الله بها قال اما انه صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال قلت لا قال ذاك شيطان رواه البخاري- واخرج النسائي وابن حبان والدارقطني من حديث ابى امامة والبيهقي في شعب الايمان من حديث الصلصال الديهمى ومن حديث على بن ابى طالب عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قرأ اية الكرسي دبر كل صلوة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة الا الموت وفي رواية من قراها حين يأخذ مضجعه امنه الله على داره ودار جارّه واهل دويرات حوله واخرج البيهقي في شعب الايمان من حديث انس مرفوعا من قرا اية الكرسي في دبر كل صلوة مكتوبة حفظه الله الى الصلاة الاخرى ولا يحافظ الا نبى او صديق او شهيد والله اعلم «1» - روى ابو داود والنسائي وابن حبان عن ابن عباس قال كانت المرأة تكون مقلّاة فتجعل في نفسها ان عاش لها ولدان تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا لا ندع أبناءنا فانزل الله تعالى. لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خير أصحابكم فان اختاروكم فمنكم وان اختاروهم فاجلوهم معهم- وقال مجاهد كان ناس مسترضعين في اليهود من الأوس فقال «2» الذين كانوا المسترضعين فيهم لنذهبن معهم او ليدينن بدينهم فمنعهم أهلهم فنزلت- واخرج ابن جرير من طريق سعيد او عكرمة عن ابن عباس قال نزلت في رجل من الأنصار من بنى سالم بن عوف يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان وكان هو مسلما فقال للنبى صلى الله عليه وسلم الا استكرههما فانهما قد أبيا الا النصرانية فانزل الله تعالى لا اكراه في الدّين يعنى لا يتصور الإكراه في ان يؤمن أحد إذ الإكراه الزام الغير فعلا لا يرضى به الفاعل وذالا يتصور الا فى افعال الجوارح واما الايمان فهو عقد القلب وانقياده لا يوجد بالإكراه- او المعنى لا تكرهوا في الدين فهو اخبار بمعنى النهى- ووجه المنع اما ما ذكرنا انه لا يوجد الايمان بالإكراه فلا فائدة فيه

_ (1) واخرج الدينوري في المجالس عن الحسن ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان جبرئيل أتاني فقال ان عفر يتامن الجن يكيدك فاذا أويت الى فراشك فاقرأ اية الكرسي وفي الفردوس من حديث ابى قتادة من قرأ اية الكرسي عند الكرب أعانه الله عن ابن عمران عمر بن الخطاب خرج ذات يوم الى الناس فقال أيكم يخبر لى بأعظم اية في القران- وأعدلها- واخوفها- وارجاعا فسكت القوم فقال ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أعظم اية في القران الله لا الله الّا هو الحىّ القيّوم- واعدل اية في القران انّ الله يأمر بالعدل والإحسان الاية- وأخوف اية فى القران فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره وارجا اية في القران قل يعبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم الاية- منه برد الله مضجعه (2) فى الأصل فقال المسترضعين-

واما لان إيجاب الايمان وسائر العبادات انما هو للابتلاء قال الله تعالى ليبلوكم ايّكم احسن عملا والمعتبر فيها الإخلاص قال الله تعالى واعبدوا الله مخلصين له الدّين والإكراه ينافى الابتلاء والإخلاص- فقيل هذا الحكم بعدم الإكراه خاص باهل الكتاب لنزوله فيما ذكرنا من شأن الأنصار كان أبناؤهم هودا او نصارى- قلت خصوص المورد لا يقتضى تخصيص النص وهو عام- وقيل هذا الحكم منسوخ بقوله تعالى قاتلوا المشركين كافّة- وجاهد الكفّار والمنفقين قال البغوي هو قول ابن مسعود قلت لا يتصور النسخ الا بعد التعارض ولا تعارض فان الأمر بالقتال والجهاد ليس لاجل الإكراه على الدين بل لدفع الفساد من الأرض فان الكفار يفسدون في الأرض ويصدون عباد الله عن الهدى والعبادة فكان قتلهم كقتل الحية والعقرب والكلب العقور بل أهم من ذلك ومن ثم جعل الله تعالى غاية قتلهم إعطاء الجزية حيث قال حتّى يعطوا الجزية عن يدوّهم صغرون- ولاجل هذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان والنساء والمشائخ والرهبان والعميان والزمنا الذين لا يتصور منهم الفساد في الأرض وكيف يقال بالنسخ مع ان الإكراه في الدين لا يتصور ولا يفيد كما ذكرنا قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ يعنى وضح الأمر ودلت الدلائل العقلية والمعجزات النبوية على ان الايمان رشد يوصل الى السعادة الابديّة والكفر غىّ يؤدى الى الشقاوة السرمدية فتم حجة الله على الخلق وزال عذرهم وصح ابتلاؤهم ولا حاجة الى إكراههم- وقال البيضاوي في تفسير الاية ان الإكراه الزام الغير فعلا لا يرى فيه خيرا فلا اكراه في الدين- إذ قد تبيّن الرّشد من الغىّ والعاقل متى تبين له ذلك بادرت نفسه الى الايمان طلبا للفوز بالنجاة والسعادة ولم يحتج الى الإكراه والإلجاء وهذا التقدير لو تم لزم ان يكون كل عاقل مؤمنا طوعا ولو أريد بالعاقل من له عقل سليم وتم معرفته فذا لا ينفى الإكراه من الكفار فان عقلهم غير سليم ولذلك لم يبادروا فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ فعلوت من الطغيان قلب عينه ولامه او فاعول منه حذف لامه وزيدت التاء بدلا من اللام والمراد به كل ما عبد من دون الله او ما صد عن عبادة الله من شياطين الجن والانس وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ كما ارشد به الرسول فان الايمان بالله تعالى كما ينبغى لا يتاتى الا بعد تصديق الرسول والاهتداء به فَقَدِ اسْتَمْسَكَ اى طلب الإمساك من نفسه بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى من الحبل الوثيق وهى مستعارة لمتمسك الحق لَا انْفِصامَ

[سورة البقرة (2) : آية 257]

لَها اى لا «1» انقطاع وَاللَّهُ سَمِيعٌ لدعائك إياهم ولا قوالك وأقوالهم عَلِيمٌ (256) بحرصك إياهم وبنيات كل حثّ على تصحيح الأعمال والنيات وتهديد على الكفر والنفاق. اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا محبهم ومتولى أمرهم والمراد به من أراد إيمانه يُخْرِجُهُمْ بهدايته وتوفيقه مِنَ الظُّلُماتِ ظلمات الجهل واتباع الهوى وقبول الوساوس والشبه المؤدية الى الكفر إِلَى النُّورِ 5 الى الهدى الموصل الى الايمان- قال الواقدي كل ما في القران من الظلمة والنور فالمراد به الكفر والايمان غير ما في الانعام جعل الظّلمت والنّور فانه الليل والنهار- وهذه الاية تدل على ان الايمان امر وهبى والجملة خبر بعد خبرا وحال من المستكن في الخبر او من الموصول او منهما او استيناف مبيّن او مقرد للولاية وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يعنى شياطين الجن والانس منهم كعب بن الأشرف وحيى بن اخطب وغيرهما- او المضلات من الهوى والشياطين وغيرهم فهؤلاء متولى أمورهم ومحبيهم فى زعمهم وإلا ففي الحقيقة هم أعداؤهم يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ الذي هو في اصل الفطرة كما في حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه متفق عليه واخرج ابن جرير عن عبدة بن ابى لبابة قال هم الذين كانوا أمنوا بعيسى فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به إِلَى الظُّلُماتِ اى الشكوك والشبهات والانهماك في الشهوات وفساد الاستعداد الموجب الى الكفر- واسناد الإخراج الى الطاغوت باعتبار السبب والكسب لا يأبى تعلق قدرته تعالى وإرادته به- والطاغوت يكون مذكرا ومؤنثا وواحدا وجمعا قال الله تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ- وقال والّذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها- اخرج ابن جرير عن مجاهد قال كان قوم آمنوا بعيسى وقوم كفروا به فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أمن به الذين كفروا بعيسى وكفر به الذين آمنوا بعيسى فانزل الله تعالى هذه الاية واخرج ابن المنذر والطبراني في الكبير عن ابن عباس انها نزلت في قوم آمنوا بعيسى فلما بعث محمد كفروا به والله اعلم

_ (1) عن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من بعدي ابى بكر وعمر فانهما حبل الله الممدود فمن تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها- منه رحمه الله.

[سورة البقرة (2) : آية 258]

أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) وعيد وتحذير- قيل عدم مقابلته بوعد المؤمنين لتعظيم شأنهم- والاولى ان يقال ان قوله تعالى الله ولىّ الّذين أمنوا تضمن كل ما يتصور من الوعد-. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ تعجيب من محاجة نمرود وحماقته قال البغوي هو أول من وضع التاج على رأسه وتجبر في الأرض وادّعى الربوبية أَنْ اى لان آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فطغى اى كان محاجته لاجل بطر الملك وطغيانه- او أسند المحاجة الى إيتاء الملك على طريقة العكس يعنى كان الواجب عليه الشكر فعكس كما يقال عاديتنى لانى أحسنت إليك- او المعنى وقت ان أتى الله الملك وهو حجة على منع إيتاء الملك الكافر من المعتزلة قال البغوي ملك الأرض اربعة مؤمنان وكافران سليمان وذو القرنين ونمرود وبخت نصر قيل لما كسر ابراهيم الأصنام سجنه نمرود ثم أخرجه ليحرقه فقال من ربك الذي تدعونا اليه- وقيل كان هذا بعد القائه في النار قحط الناس فكانوا يمتارون من عند نمرود فكان نمرود إذا أتاه رجل ساله من ربك فان قال أنت باع منه الطعام فاتاه ابراهيم فقال من ربك قال ربّى الّذى يحيى ويميت فحاجه ولم يعطه شيئا فرجع ابراهيم فمر على كثيب من رمل فاخذ منه تطيبا لقلوب اهله فلما اتى اهله ووضع متاعه نام- فقامت امرأته الى متاعه ففتحته فاذا هو أجود طعام فصنعت له منه فقرّبت اليه فقال من اين هذا؟ قالت «1» من الطعام الذي جئت به فحمد الله تعالى إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ ظرف لقال انا احيى وأميت- وهو بيان لحاج- او هو استيناف في جواب سوال مقدر كانه قيل كيف حاج او الظرف متعلق لحاجّ وقال بيان له او استيناف- او الظرف بدل من ان آتاه الله الملك ان كان المصدر مقدرا بالوقت رَبِّيَ قرا حمزة بإسكان الياء وصلا ووقفا وكذا في رَبِّيَ الْفَواحِشَ- وعَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ- وقُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ وآتانِيَ الْكِتابَ- ومَسَّنِيَ الضُّرُّ- وعِبادِيَ الصَّالِحُونَ- وعِبادِيَ الشَّكُورُ- ومَسَّنِيَ الشَّيْطانُ- وإِنْ أَرادَنِيَ «2» اللَّهُ وإِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ- ووافقه ابن عامر والكسائي في لعبادى الّذين أمنوا- وابن عامر في آياتي الّذين وو فتح الآخرون كلها الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ جواب لقول نمرود من ربك الذي تدعونا اليه استدل ابراهيم عليه السلام على وجود الصانع الواجب الوجود بالآثار الدالة عليه من الاحياء

_ (1) فى الأصل قال- 2 ابو محمد (2) فى الأصل إرادتي-

[سورة البقرة (2) : آية 259]

والاماتة المشهودتين في عالم الإمكان- ونمرود لعله كان دهريا غبيا يزعم الحوادث بالاتفاق كما يزعمه الدهريون- ويزعم ان ذوى العقول من الممكنات خالقة لافعالها كما يزعمه المعتزلة والروافض- فدعا برجلين فقتل أحدهما واستحيى الاخر وقالَ نمرود أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قرا اهل المدينة انا بإثبات الالف والمد في الوصل إذا تلقتها همزة متحركة- والباقون بحذف الالف ووقفوا جميعا بالألف فلما راى ابراهيم غباوته عن الاستدلال بالحوادث المعتادة قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ يعنى وهو قادر على ان يأتيها من المغرب او كيف يشاء فَأْتِ بِها أنت مِنَ الْمَغْرِبِ ان كنت تزعم انك قادر على ما تفعل وتنكر الواجب فان الممكنات كلها سواء في الخلق فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ اى تحير ودهش وانقطعت حجته- لما راى انه لو سال ابراهيم ربه فربه يأتى بالشمس من المغرب كما جعل النار عليه بردا وسلاما وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) وان يروا كلّ اية حتّى يروا العذاب الأليم. أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ يعنى بيت المقدس او دير هرقل كما سنذكر القصة والكاف زائدة والموصول معطوف على الذي حاج- والذي مر هو آدميا وهو الخضر عليه السلام على ما رواه محمد بن إسحاق- واخرج الحاكم عن علىّ وإسحاق بن بشير عن عبد الله بن سلام وابن عباس انه عزيز- وقال مجاهد هو كافر شك في البعث نظرا الى نظمه مع نمرود وهذا ليس بشىء فان الكافر لا يستحق تلك الكرامة ولو قيل انه أمن حين راى الاحياء بعد الاماتة قلنا هذا ليس إيمانا بالغيب فلا يعتد به ونظم القصتين معا انما هو لاشتراكهما في التعجيب بلا دعاء الربوبية فمن يرى عجزه في كل حين وزمان اعجب من الحيوة بعد الممات بإذن الله تعالى فان ذلك شائع كما ترى تصير النطفة رجلا والبذر شجرا ونحو ذلك وَهِيَ خاوِيَةٌ خالية ساقطة حيطانها عَلى عُرُوشِها يعنى سقطت سقوفها ثم وقعت حيطانها عليها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ القرية اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها قال ذلك على الطلب والتمني في إحيائها مع استبعادها عادة وهضما لنفسه عن مرتبة الاستجابة- وكان القصة على ما روى محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه ان الله تعالى بعث ارميا الى ناشية بن اموص ملك بنى إسرائيل ليسدد امره وكان ملكا صالحا

يأتيه ارميا باحكام الله تعالى فعظمت المعاصي في بنى إسرائيل فاوحى الله تعالى الى ارميا لا قبضن عليهم فتنة ولا سلطنّ عليهم جبارا ولاهلكن أكثرهم فصاح ارميا وبكى فاوحى الله تعالى اليه ان لا اهلكنهم ما لم تأذن فاستبشر فلبثوا ثلاث سنين وما زادوا لا معصية وطغيانا فلما بلغ الاجل وقلّ الوحى دعاهم الملك الى التوبة فلم يفعلوا فسار بخت نصر من بابل الى بيت المقدس في جنود لا قبل لها ففزع ملك بنى إسرائيل فقال ارميا انى واثق بما وعدني الله فبعث الله تعالى الى ارميا ملكا في صورة رجل من بنى إسرائيل فقال يا نبى الله استفتيك في أهلي لم ات إليهم الا حسنا ولا يزيدون بي الا اسخاطا قال احسن وصلهم والبشر بخير ثم بعد ايام جاء اليه الملك في صورة ذلك الرجل فقال مثل مقاله وأجيب مثل ما أجيب اولا ثم بعد زمان لما حاصر بخت نصر بيت المقدس وارميا قاعد على جداره وملك بنى إسرائيل يقول اين ما وعدك الله وارميا واثق مستبشر بالوعد إذ جاءه الملك في صورة ذلك الرجل وشكى اهله اليه فقال ارميا الم يأن ان ينزجروا من الذي هم فيه فقال له الملك يا نبى الله كل شىء كان يصيبنى قبل ذلك اليوم صبرت عليه وهم اليوم على عمل عظيم من سخط الله فغضبت لله وأسئلك بالله الذي بعثك بالحق ان تدعو الله عليهم ليهلكنهم فقال ارميا يا ملك السموات والأرض ان كانوا على عمل لا ترضاه فاهلكهم فارسل الله صاعقة فالتهب مكان القربان وخسف سبعة أبواب فقال ارميا يا رب اين ميعادك فنودى انه ما أصابهم الا بدعائك فعلم ان ذلك السائل كان رسول ربه فلحق ارميا بالوحوش وخرب بخت نصر بيت المقدس ووطى الشام وقتل بنى إسرائيل وسباهم- فكانت هذه الوقعة الاولى التي أنزلها الله ببني اسراءيل بظلمهم فلما ولى بخت نصر عنهم راجعا الى بابل اقبل ارميا على حمار له معه عصير عنب في ركود وسلة تين حتى جاء ايليا فلما وقف عليها وراى خرابها قال انّى يحى هذه الله بعد موتها وانى في موضع النصب على الظرف بمعنى متى- او على الحال بمعنى كيف- ثم ربط ارميا حماره بحبل والقى الله عليه النوم فَأَماتَهُ اللَّهُ ضحى أخرجه سعيد بن منصور عن الحسن وابن ابى حاتم عن قتادة فلبث ميتا مِائَةَ عامٍ وحماره ومصيره وتينه عنده وأعمى الله عنه العيون فلم يره أحد فلما مضى من موته سبعين سنة أرسل الله ملكا الى ملك من ملوك فارس يقال له نوشك فقال ان الله يأمرك ان تعمر بيت المقدس وايليا حتى يعودا عمر ما كان فجعل يعمرها- وأهلك الله

بخت نصر ببعوضة دخل دماغه ونجى الله من بقي من بنى إسرائيل ولم يمت ببابل وردهم جميعا الى بيت المقدس ونواحيه وعمروها ثلاثين سنة حتى عادوا على احسن ما كانوا عليه فاحيا الله ارميا ثُمَّ بَعَثَهُ وكان بعثه قبل غيبوبة الشمس فبعث الله اليه ملكا قالَ الملك لا رميا كَمْ لَبِثْتَ فلما زعم ارميا ان الشمس غربت من ذلك اليوم الذي نام فيه قالَ لَبِثْتُ يَوْماً ثم التفت فراى بقية من الشمس فقال أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ له الملك بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ يعنى التين وَشَرابِكَ يعنى العصير لَمْ يَتَسَنَّهْ اى لم يتغير فكان التين كانّه قطف من ساعته والعصير كانّه عصر من ساعته قال الكسائي كانّه لم يأت عليه السنون قرا حمزة والكسائي ويعقوب لم يتسنّ بحذف الهاء في الوصل وإثباته في الوقف وكذلك فبهديهم اقتد وقر الآخرون بالهاء وصلا ووقفا فمن أسقط الهاء في الوصل جعلها صلة زائدة ومن أثبتها جعلها اصلية «1» قالوا اشتقاقه من السنة والهاء اصلية ان قدر لام السنة هاء أصله سنهة بدليل سنيهة والفعل منه مسانهة- وهاء سكت ان قدر لامه واوا فابدلت الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فحذف الالف للجزم وزيدت الهاء في الوقف- وقيل أصله لم يتسنّن من الحماء المسنون فابدلت النون الثالثة حرف علة كما فى قوله تعالى دسّها- وأفرد الضمير لان الطعام والشراب كالجنس الواحد وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ فنظر قيل فراه قائما واقفا كهيئته يوم ربطه حيا لم يطعم ولم يشرب مائة عام ونظر الى حبله في عنقه جديدة لم يتغير- وقيل راى حماره قد هلك وبليت عظامه فبعث الله ريحا فجاءت بعظام الحمار من كل سهل وجبل ذهبت بها الطيور والسباع فاجتمعت- قلت والظاهر هو القول الثاني يدل عليه تكرار كلمة انظر ولو كان الحمار باقيا على حاله كالطعام والشراب لكان المناسب ان يقال فانظر الى طعامك وشرابك وحمارك وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ على البعث بعد الموت قيل الواو مقحمة وقال الفراء دخلت الواو فيه دلالة على انها متعلق بفعل مقدر اى وفعلنا ذلك لنجعلك اية وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ اى عظام الحمار على تقدير كونه هالكا وبه قال اكثر المفسرين- وقال قوم أراد به عظام نفسه أحيا الله عينه ورأسه وسائر جسده ميت صار عظاما بيضاء متفرقا ويردّ

_ (1) اما عند القراء فهى زائدة اجماعا زيدت لاظهار فتحة النون- ابو محمد عفا الله عنه

هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم ان الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء كَيْفَ نُنْشِزُها قرا اهل الحجاز والبصرة ننشرها بالراء المهملة معناه نحييها قال الله تعالى ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ- واليه النّشور- وقرا الآخرون بالزاء المعجمة اى نرفعها من الأرض ونركب بعضها على بعض- وكيف منصوب بنشز والجملة حال من العظام ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فلما كسى العظام لحما ودما فصار الرجل حيا او صار الحمار حمارا لا روح فيه فنفخ فيه الملك فقام الحمار ونهق بإذن الله تعالى- وفي الاية تقديم وتأخير وتقديره قال بل لبثت مائة عام امتناك ثم أحيينا فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر الى حمارك وانظر الى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحما وفعلنا ذلك لنجعلك اية للنّاس فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ما فعل به قالَ الرجل أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) قرا الجمهور على صيغة المضارع للمتكلم وقرا حمزة والكسائي على صيغة الأمر وحينئذ يكون القائل الملك او الله سبحانه او الرجل خاطب به نفسه وقيل ان بخت نصر لمّا خرّب بيت المقدس وقدم بابل بسبى بنى إسرائيل كان فيهم عزيز ودانيال وجماعة من ال داود فلما نجا عزيز من بابل ارتحل على حمار له حتى نزل دير هرقل على شط دجلة فطاف في القرية فلم ير أحدا وعامة شجرها حامل فاكل من الفاكهة واعتصر من العنب فشرب منه وجعل فضل الفاكهة في سلّة وفضل العصير في زق فلما راى خراب القرية وهلاك أهلها قال انّى يحى هذه الله بعد موتها الى اخر الحديث قال قتادة عن كعب والضحاك عن ابن عباس والسدّى عن مجاهد عن ابن عباس وابن عساكر عنه لما أحيا الله عزيرا بعد ما أماته مائة عام ركب حماره واتى محلته فانكر الناس ومنازلهم وأنكره الناس فاتى منزله على وهم فاذا بعجوز عمياء مقعدة أتت عليها مائة وعشرون سنة كانت امة لعزيز خرج عزير عنهم وهى بنت عشرين سنة فقال لها عزيز هذا منزل عزيز قالت نعم وقالت ما رايت أحدا منذ كذا يذكر عزيرا قال فانى عزيز أماتني الله مائة عام ثم بعثني قالت فان عزيزا كان رجلا مستجابا فان كنت عزيزا فادع الله ان يردّ عليّ بصرى فدعا ربه ومسح يده على عينيها فصحتا وأخذ بيدها فقال قومى بإذن الله فقامت صحيحة فنظرته فعرفته فقالت اشهد انك عزيز فانطلقت الى بنى إسرائيل وهم في مجالسهم وابن لعزيز شيخ ابن مائة سنة وأولاد بنيه شيوخ وعجائز وهو اسود الرأس واللحية فنادت هذا عزير

[سورة البقرة (2) : آية 260]

فكذبوها فقالت انا فلانة مولاتكم دعالى ربه فردّ على بصرى واطلق رجلى وزعم ان الله أماته مائة عام ثم بعثه فنهض الناس فقال ابنه كان لابى شأمة سوداء مثل الهلال بين كتفيه فكشف عن كتفيه فاذا هو عزيز وقال السدى والكلبي لما رجع عزيز الى قومه وقد احرق بخت نصر التورية بكى عزيز على التورية فاتاه ملك باناء فيه ماء فسقاه فمثلت التورية في صدره فرجع الى بنى إسرائيل وقد علمه الله التورية وبعثه نبيا فقال انا عزيز فلم يصدقوه فاملا عليهم التورية من ظهر قلبه قالوا ما جعل الله التورية فى قلب رجل بعد ما ذهبت الا انه ابنه فقالوا عزيز ابن الله وسيأتى القصة في سورة التوبة ان شاء الله تعالى. وَاذكر إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قال الحسن وقتادة وعطاء الخراسانى وابن جريح كان سبب هذا السؤال انه كانت جيفة حمار بالساحل فكان إذا مدّ البحر أكلت منها دواب البحر وإذا جزر أكلت السباع والطيور فراها ابراهيم وتعجب وقال يا رب قد علمت انك تجمعها من البحر والبر فارنى كيف تحييها لاعاين فازداد يقينا- وقيل لما قال نمرود انا أحيي وأميت وقتل أحد الرجلين واطلق الاخر قال ابراهيم ان الله يحيى بعد ما يميت فقال له نمرود أنت عاينته فلم يقدر ان يقول نعم فحينئذ سال ربه ان يريد احياء الموتى حتى إذا قيل له بعد ذلك أنت عاينته يقول نعم وقال سعيد بن جبير لما اتخذ الله ابراهيم خليلا جاء ملك الموت بإذن الله الى ابراهيم ليبشره بذلك فبشره فقال ابراهيم ما علامة ذلك قال ان الله يجيب دعاءك ويحيى الموتى بسوالك فحينئذ سال ابراهيم ذلك قالَ الله تعالى أَوَلَمْ تُؤْمِنْ بانى قادر على الاحياء باعادة التركيب بعد الاماتة وانما قال ذلك وقد علم انه أقوى الناس في الايمان ليجيب بما أجاب فيعلم السامعون قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ويزيد بصيرتى وسكون قلبى بضم العيان الى الوحى والاستدلال او ليطمئن قلبى انك اتخذتني خليلا وتجيبنى إذا دعوتك عن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أحق بالشك من ابراهيم إذ قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى الاية ورحم الله لوطا لقد كان يأوي الى ركن شديد ولو لبثت السجن طول ما لبث يوسف لاجبت الداعي متفق عليه وللعلماء في هذا المقام مقال فقال إسماعيل بن يحيى المزني لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ابراهيم في ان الله يحيى الموتى وانما شكافى انه هل يجيبهما الله تعالى الى ما سالاه وهذا القول لا يصاعده قوله تعالى أَوَلَمْ تُؤْمِنْ

قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي - وقال الامام ابو سليمان الخطانى ليس في الحديث اعتراف بالشك على نفسه ولا على ابراهيم بل فيه نفى الشك عنهما يعنى إذا لم أشك انا فابراهيم اولى بان لا يشك وانما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا وهضما لنفسه وكذلك قوله لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لاجبت الداعي وفيه اعلام بان المسألة من ابراهيم لم تعرض من جهة الشك لكن لاجل طلب زيادة العلم بالعيان فان العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الخبر كالمعائنة ان الله اخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا القى الألواح فانكسرت رواه احمد والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس وروى الطبراني عن انس والخطيب عن ابى هريرة بسند حسن وليس فيه ذكر موسى- وقيل لما نزلت هذه الاية قال قوم شك ابراهيم ولم يشك نبينا صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تواضعا وتقديما لابراهيم على نفسه- قلت هذا القول وهذا التأويل في الحديث ضعيف لان نفى الشك عن ابراهيم ثبت بنفس كلام الله تعالى حيث قال بلى ولكن ليطمئن قلبى فكيف يقال شك ابراهيم وايّ حاجة الى دفع ذلك التوهم- والتحقيق عندى ما قالت الصوفية العلية ان لاهل الله تعالى في السلوك مقامان الاول مقام العروج وهو الانخلاع عن الصفات البشرية والتلبس بالصفات الملكية والصفات القدسية ويحكى عن هذا المقام قوله صلى الله عليه وسلم حين نهى عن صوم الوصال لست كهيئتكم أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى ويقال فى اصطلاحهم بهذا السير السير الى الله والسير في الله- والثاني مقام النزول وهو التلبس بالصفات البشرية ثانيا بعد الانخلاع التام وهذا المقام مقام التكميل ودعوة الخلق الى الله تعالى ويقال لهذا السير السير من الله بالله والحكمة في النزول انه لا بد بين المفيض والمستفيض من المناسبة حتى يتيسر به الاستفاضة على طريقة الصبغ والانصباغ ولاجل هذا أرسل الرسل من البشر لدعوة البشر ولم يتصور للعوام أخذ الفيض من الله تعالى لفقد المناسبة وهو تعالى غنى عن العالمين ولا من الملائكة قال الله تعالى قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا وقال وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ وكلّما كان لرجل نزوله أتم كان دعوته أشمل وأكمل كما ان الرامي إذا كان في أعلى مكان من المرمى اليه

ما أصاب رميته غالبا قال الشيخ الأكبر محى الدين ابن العربي قدس سره أنكروا دعوة نوح لما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم لما كان من القران يعنى لما كانت استعدادات العوام في غاية الانخفاض ونوح عليه السلام كان في مقام العروج لم يتأثر العوام منه لاجل الفراق بينهما ولما نزل محمد صلى الله عليه وسلم غاية النزول أجابوا دعوته لحصول مقارنة- إذ سمعت هذا فاعلم ان العارف تام المعرفة قد يظهر عليه اثار النزول فحينئذ يكون على هيئة العوام متشبثا بالأسباب- ويحكى عن هذا المقام انه صلى الله عليه وسلم لبس في الحرب درعا من حديد فوق درع وحفر الخندق حول المدينة وفي هذا المقام يتشبث العارف لطلب زيادة اليقين واطمينان القلب بتحتم الاستدلال ونحو ذلك وعن هذا المقام قصة ابراهيم عليه السلام هذه وقصة لوط حين قال لو انّ لى قوّة «1» او أوى الى ركن شديد- وعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب زيادة اليقين بالشك مجازا للمشابهة الصورية واخبر عن مقام نزوله بقوله نحن أحق بالشك من ابراهيم بمعنى ان نزولنا أتم من نزول ابراهيم فنحن اولى بطلب زيادة اليقين منه ولا شك ان نزوله عليه السلام كان أتم من نزول ابراهيم يدل عليه كونه مبعوثا الى كافة الأنام كما ان عروجه صلى الله عليه وسلم كان فوق كل عروج فكان قاب قوسين او ادنى فهو المحدد لجهات الكمال عليه وعلى الله الصلاة والسلام ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم رحم الله لوطا لقد كان يأوى الى ركن شديد انه كان في مقام النزول فهذا مدح له عليه السلام وقوله صلى الله عليه وسلم لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لا جبت الداعي ايضا يدل على ان نزول محمد صلى الله عليه وسلم كان أتم من نزول يوسف عليه السلام ولو كان نزول يوسف مثل نزوله عليه السلام لاجاب الداعي والله اعلم- قالَ الله تعالى فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ الطير مصدر اسمى به او جمع طائر كصحب وصاحب قال مجاهد وعطاء بن «2» رباح وابن جريح أخذ طاء وساوديكا وحمامة وغرابا وحكى عن ابن عباس تسر بدل الحمامة وقال عطاء الخراسانى اوحى الله اليه انّ خذ بطة خضراء وغرابا اسود وحمامة بيضاء وديكا احمر قلت لعله امر بأخذ اربعة من الطير لان الإنسان وكذا سائر الحيوانات مركب من الاخلاط الاربعة المتولدة من العناصر الاربعة فالديك الأحمر يحكى عن الدم والحمامة البيضاء عن البلغم والغراب الأسود عن السوداء والبط الخضراء عن الصفراء-

_ (1) فى القران بكم قوّة- ابو محمد عفا الله عنه (2) الصحيح ابن ابى رباح- ابو محمد عفا الله عنه [.....]

فاحياؤها بعد الاماتة دليل على احياء اجزاء الإنسان بعد الاماتة- قال البيضاوي فيه ايماء الى ان احياء النفس بالحياة الابدية انما يتاتى باماتة حب الشهوات والزخارف الذي هو صفة الطاووس والصولة المشهور بها الديك وخسة النفس وبعد الأمل المتصف بها الغراب والترفع والمسارعة الى الهوى الموسوم بها الحمام- قلت لما كان ابراهيم عليه السلام في مقام النزول والدعوة علمه الله تعالى طريق الإرشاد من إعطاء المريد الفناء والبقاء فاخذها وقطعها ينبىء عن السلوك والفناء ودعاؤها بإذن الله تعالى ينبىء عن الجذب الى الله والبقاء وهذه كلمات من اهل الاعتبار لا مدخل لها في التفسير والله اعلم فَصُرْهُنَّ قرا ابو جعفر وحمزة بكسر الصاد اى قطعهن ومزقهن من صار يصير صيرا إذا قطع قال الفراء هو مقلوب من صرى يصرى صريا وقرا الآخرون بضم الصاد ومعناه املهن يقال صرت اصتورا إذا أملته وقال عطاء معناه اجمعهن يقال صار يصور إذا جمع إِلَيْكَ متعلق بصرهنّ على قراءة الجمهور ومتعلق بمحذوف حال من المفعول على قراءة حمزة اى منضما إليك ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً قرا عاصم برواية ابى بكر بضم الزاء والهمز حيث وقع وقرا ابو جعفر بتشديد الزاء بلا همز والآخرون بإسكان الزاء والهمزة- اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس امر الله تعالى ابراهيم ان يذبح تلك الطيور وينتف ريشها ويخلطها ودماءها ولحومها بعضها ببعض ثم امره ان يجعل اجزاءها على الجبال فجزاها سبعة اجزاء على سبعة اجبل وامسك رءوسهن عنده وكذا اخرج ابن جريح والسدى وروى ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس وقتادة انه جعل كل طائر اربعة اجزاء على كل جبل ربعا من كل طائر ثُمَّ ادْعُهُنَّ قل لهم تعالين بإذن الله يَأْتِينَكَ سَعْياً ساعيات مسرعات طيرانا او مشيا فدعاهن فجعل كل قطرة من دم طائر يصير الى قطرة اخرى وكل ريشة يصير الى الريشة الاخرى وكل عظم وبضعة الى اخرى وابراهيم ينظر حتى تمت كل جثة بغير رأس ثم اقبلن الى رءوسهن فصرن كما كن بإذن الله تعالى وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يعجزه شيء عما يريد حَكِيمٌ (260) ذو حكمة بالغة في كل ما يفعل ويذر- ذكر الله سبحانه في القصة السابقة أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وذكره هاهنا اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يدل على انه قوله أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها كان على سبيل التعجب والاستبعاد

[سورة البقرة (2) : آية 261]

من حيث كونه على خلاف العادة وقول ابراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى كان مبنيا على حال لطيف يقتضيه الحكمة والله اعلم- قال البيضاوي كفى لك شاهدا على فضل ابراهيم ويمن الضراعة في الدعاء وحسن الأدب في السؤال انه تعالى أراه ما أراد في الحال على أيسر الوجوه وارى عزيزا بعد ما أماته مائة عام. مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الجهاد او غير ذلك من أبواب الخير كَمَثَلِ حَبَّةٍ فيه تقدير المضاف اما في المبتدأ او في الخبر يعنى مثل نفقة الّذين ينفقون كمثل حبّة او مثلهم كمثل باذر حبّة أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ أسند الإنبات الى الحبة مجازا لما كانت من الأسباب عادة فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ كما يكون في الدخن وغير ذلك وَاللَّهُ يُضاعِفُ ما يشاء من الأضعاف لِمَنْ يَشاءُ من عباده في الدنيا والاخرة وَاللَّهُ واسِعٌ لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة عَلِيمٌ (261) بنيات المنفقين يجزى على حسب نياتهم الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال البغوي قال الكلبي جاء عبد الرحمن بن عوف باربعة آلاف درهم صدقة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كانت عندى ثمانية آلاف فامسكت منها لنفسى وعيالى اربعة آلاف واربعة آلاف اقرضتها ربى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله فيما أمسكت وفيما أعطيت- وعثمان جهّز المسلمين في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وأحلاسها فنزلت هذه الاية وقال قال عبد الرحمن ابن سمرة جاء عثمان بألف دينار في جيش العسرة فصبّها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فرايت النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيها يده ويقلبها ويقول ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم فانزل الله تعالى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وروى احمد عن عبد الرحمن بن سمرة وليس فيه ذكر نزول الاية ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً ذكر كلمة ثم للتفاوت بين الانفاق وترك المن والأذى- والمن ان يعتد بإحسانه على من احسن اليه والأذى ان يتطاول عليه او يقول الى كم تسئل وكم تؤذيني او يذكر إنفاقه عليه عند من لا يجب وقوفه قال البغوي قال عبد الرحمن بن زيد بن اسلم كان ابى يقول إذا أعطيت رجلا شيئا ورايت أن سلامك يثقل عليه فكف سلامك عنه لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ

[سورة البقرة (2) : آية 263]

وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) لعله لم يدخل الفاء فيه وقد تضمين المبتدأ معنى الشرط إيهاما بانهم اهل لذلك وان لم يفعلوا فكيف بهم إذا فعلوا. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ كلام حسن ورد جميل على السائل قال الكلبي دعاء صالح يدعو لأخيه بظهر الغيب وقال الضحاك نزل في إصلاح ذات البين وَمَغْفِرَةٌ اى تجاوز عن السائل الملح بالرد الجميل وقال البغوي اى يستر على السائل خلته ولا يهتك عنه ستره وقيل المراد به نيل مغفرة من الله بالرد الجميل- وقيل المراد مغفرة السائل المسئول عنه بان يعذره ويغتفر رده وقال الكلبي والضحاك والمراد بالمغفرة التجاوز عن من ظلمه خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً خبر عنهما وانما صح الابتداء بالنكرة لاختصاصها بالصفة وَاللَّهُ غَنِيٌّ عن انفاق بمن وإيذاء حَلِيمٌ (263) عن معاجلة من يمن ويؤذى بالعقوبة-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا أجور صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ على السائل وقال ابن عباس بالمن على الله وَالْأَذى اى بكل واحد منهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة منان ولا عاق- رواه النسائي والدارمي كَالَّذِي الكاف في محل النصب على المصدر او الحال اى ابطالا كابطال الذي او مماثلين الذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ منصوب على السببية او الحال او المصدرية اى لان يرى الناس او مرائيا او إنفاقا رياء وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ليس هذا قيدا لابطال الصدقة فان الصدقة يبطل بالرياء وان كان المنفق مؤمنا بالله واليوم الاخر لكن ذكر هذا تنبيها على ان الانفاق رياء ليس من شأن المؤمن بل هو من سيرة المنافق فَمَثَلُهُ اى المرائى كَمَثَلِ صَفْوانٍ حجرا ملس قيل هو واحد جمعه صفى وصفى وقيل جمع واحده صفواته عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ مطر عظيم القطر فَتَرَكَهُ صَلْداً أملس نقيّا من التراب لا يَقْدِرُونَ الضمير راجع الى الموصول باعتبار المعنى فان المراد به الجنس او الجمع عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا اى لا يقدرون في الاخرة على الانتفاع بشيء ممّا كسبوا في الدنيا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) فيه تعريض بان الرياء والمن والأذى من صفات الكفار لا ينبغى لمؤمن ارتكابه او المعنى انه من فعل من هذه الأمور

شيئا فهو كافر لنعمة المنعم الحقيقي غير شاكر- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه- وفي رواية فانا منه بريء هو للذى عمله رواه مسلم- وعن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع سمع الله به ومن يرائى يرائى الله به متفق عليه- وعن ابى سعيد بن ابى فضالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله فان الله اغنى الشركاء عن الشرك رواه احمد- وعن معاذ بن جبل قال سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان يسار الرياء شرك الحديث رواه ابن ماجة- وعن شداد بن أوس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى يرائى فقد أشرك ومن صام يرائى فقد أشرك ومن تصدق يرائى فقد أشرك رواه احمد- وعن محمود بن لبيد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر قال الرياء رواه احمد وزاد البيهقي في شعب الايمان يقول الله لهم يوم يجازى العباد بأعمالهم اذهبوا الى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء او خيرا وعن شداد بن أوس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اتخوّف على أمتي الشرك والشهوة الخفية- قال قلت أتشرك أمتك من بعدك قال نعم اما انهم لا يعبدون شمسا ولا قمرا ولا حجرا ولا وثنا ولكن يراءون بأعمالهم والشهوة الخفية ان يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه رواه احمد والبيهقي وعن ابى هريرة ان أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد- فاتى به فعرّفه نعمته فعرفها فقال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لان يقال جرىء فقد قيل ثم امر به فسحب على وجهه حتى القى في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرا القران فاتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرات فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال انك عالم وقرات القران ليقال هو قارئ فقد قيل ثم امر به فسحب على وجهه حتى القى في النار ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من اصناف المال كله فاتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب ان ينفق في سبيل الله الا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت

[سورة البقرة (2) : آية 265]

ليقال هو جواد فقد قيل به ثم امر به فسحب على وجهه ثم القى في النار رواه مسلم وروى البغوي نحوه وفي آخره ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتى فقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تعالى تسعر بهم النار يوم القيامة-. وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ اى لطلب رضائه وَتَثْبِيتاً للاسلام وتصديقا بما وعده الله من الجزاء واحتسابا- ويحتمل ان يكون معناه تثبيتا للمال فان الباقي من المال ما ينفعه في الاخرة وما سوى ذلك هالك عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايّكم مال وارثه أحب اليه من ماله- قالوا يا رسول الله ما منا أحد الا ماله أحب اليه من مال وارثه قال فان ماله ما قدم ومال وارثه ما اخر- رواه البخاري وعن عائشة قالت انهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما بقي منها قالت ما بقي منها الا كتفها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي كلها غير كتفها رواه الترمذي وصححه مِنْ أَنْفُسِهِمْ من للابتداء متعلق بالتثبيت يعنى تثبيت الايمان والتصديق او المال يبتدى من نفسه- او للتبعيض ويكون ظرفا مستقرا صفة لمفعول محذوف اى تثبيتا شيئا من أنفسهم على الايمان فان للنفس قوى بعضها مبدأ لبذل المال وبعضها مبدأ لبذل الروح والمال شقيق الروح فمن بذل المال لوجه الله فقد ثبّت بعض نفسه على الايمان ومن بذل المال والروح جميعا فقد ثبت كل نفسه عليه قال البيضاوي فيه تنبيه على ان حكمة الانفاق للمنفق تزكية النفس عن البخل وحب المال قلت ومن ثم قال ابو حنيفة لا يجب الزكوة في مال الصبى حتى يؤديها الولي لان الحكمة فيها ابتلاء المكلف ببذل ما هو شقيق الروح ابتغاء مرضات الله تعالى وذا لا يحصل بأداء الولي كَمَثَلِ جَنَّةٍ اى بستان بِرَبْوَةٍ قرا ابن عامر وعاصم هاهنا والى ربوة في سورة المؤمنين بفتح الراء والباقون بالضم وهما لغتان وهى المكان المرتفع المستوي الذي تجرى فيه الأنهار فلا يعلوه الماء ولا يعلوا عن الماء وانما قيد الجنة بهذه لان شجرها يكون احسن وازكى أَصابَها وابِلٌ مطر عظيم القطر فَآتَتْ اعطت أُكُلَها قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بإسكان الكاف للتخفيف والباقون بالضم يعنى ثمرتها ضِعْفَيْنِ نصبه على الحال اى مضاعفا ومثلى ما كانت تثمر بلا وابل فالمراد بالضعف المثل كما أريد بالزوج

[سورة البقرة (2) : آية 266]

فى قوله تعالى زوجين اثنين وقيل اربعة أمثاله اى مضاعفا بتضعيفين فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ أصابها او فاصابها طل أتت أكلها على قدر وعلى كلا التقديرين إصابة الوابل وعدمه لا تضيع تلك الجنة او المعنى فطل يكفيها لكرم منبتها وبرودة هوائها- والطل هو المطر صغير القطر- ومعنى الاية اما بتقدير المضاف يعنى مثل نفقات الذين ينفقون كمثل جنة فكما ان تلك الجنة لا يضيع كذلك نفقات المؤمن لا يبطل بل اما ان ينضم اليه امور توجب تضاعف الاجر فحينئذ تضاعفت الأجود الى ما شاء الله تعالى او لا فحينئذ لا يبطل اصل العمل ويوجب الاجر- واما بغير تقدير يعنى مثل المؤمن الذي ينفق كمثل جنة يعنى كما ان الجنة تثمر على حسب الوابل كذلك المؤمن المنفق يؤجر على حسب النفقة قل او كثر لا يضيع منها شيء وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) هذه الجملة يتعلق بكلا الفريقين الذين يبطلون صدقاتهم بالمن والأذى او ينفقون أموالهم رئاء الناس والذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله ففيه تحذير وترغيب. أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ الهمزة للانكار وهذه الاية مرتبطة بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جعل النخيل والأعناب بيانا للجنة مع ما فيها من سائر الأشجار تغليبا لهما لشرفهما وكثرة منافعهما ثم ذكر ان فيها من كل الثمرات ليدل على عدم اقتصار الجنة عليهما وَأَصابَهُ الْكِبَرُ بحيث لا يقدر على الكسب والواو للحال بمعنى وقد أصابه الكبر او للعطف حملا على المعنى بمعنى أيود أحدكم لو كانت له جنة وأصابه الكبر وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ صغار او نساء لا يقدرون على الكسب والواو للعطف على أصابه او للحال من ضمير المفعول لاصابه فَأَصابَها إِعْصارٌ ريح عاصفة ترتفع الى السماء كانها عمود عطف على أصابه او على تكون باعتبار المعنى فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ والمعنى انه لا يود أحدكم ان يكون له مال جيد كما ذكر فيحترق في حال كمال حاجته الى ذلك المال فيخيب ويتحسر ما دام حيّا في عالم الفناء فكيف يود أحدكم ان يبطل حسناته يوم القيامة في حال كمال حاجته إليها فيخيب ويتحسر ابدا في عالم البقاء قال عبيد بن عمير قال عمر رضى الله عنه لاصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيم ترون هذه الاية نزلت أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ الاية قالوا الله اعلم فغضب عمر وقال قولوا نعلم اولا نعلم فقال ابن عباس في نفسى منها شيء قال عمر يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك

[سورة البقرة (2) : آية 267]

قال ابن عباس ضربت مثلا لعمل قال عمر لرجل يعمل بطاعة الله بعث الله له شيطانا فعمل بالمعاصي حتى أغرق اعماله كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) فيها فتعتبرون بها-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ جياد وقال ابن مسعود ومجاهد من حلالات ما كَسَبْتُمْ عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكسب عبد مال حرام فيتصدق منه فيقبل منه ولا ينفق منه فيبارك له فيه ولا يترك خلف ظهره الا كان زاده الى النار لا يمحو السّيء بالسّيئ لكن يمحو السّيّء بالحسن ان الخبيث لا يمحو الخبيث رواه احمد- وهذه الاية سند للاجماع وحجة للجمهور على داود حيث قال لا يجب الزكوة الا فى الانعام او النقود وعند الجمهور يجب في العروض والعقار ايضا إذا كان للتجارة وانما شرطوا بنية التجارة لان النمو شرط لوجوب الزكوة بالإجماع ولا نمو في العروض الا بنية التجارة- عن ابن عمر ليس في العروض زكوة الا ما كان للتجارة رواه الدارقطني وعن سمرة بن جندب كان يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نخرج الزكوة مما نعد للبيع رواه ابو داود والدارقطني والبزار- وعن سليمان بن سمرة عن أبيه عند البزار وفي اسناده جهالة- ومما يدل على وجوب الزكوة في العروض ما روى عن حماس قال مررت على عمر بن الخطاب وعلى عنقى ادمة احملها فقال الا تودى زكاتك يا حماس فقال مالى غير هذا اوهب في القرط قال تلك مال ضعها فوضعها بين يديه فحسبها فوجدها قد وجبت الزكوة فيها فاخذ منها الزكوة رواه الشافعي واحمد وان ابى شيبة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور والدارقطني- وعن ابى ذر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي البز صدقته قالها بالزاء المعجمة رواه الدارقطني بثلاثة طرق ضعاف مدار الطريقين على موسى بن عبيدة الزيدي قال احمد لا يحل الرواية عنه وفي الطريق الثالث عبد الله بن معاوية بن عاصم ضعفه النسائي وأنكره البخاري وفيه ابن جريح عن عمر ان ابن أنيس قال البخاري لم يسمع ابن جريح عنه وله طريق رابع رواه الدارقطني والحاكم فى الإبل صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البقر صدقتها وفي البز صدقته ومن رفع دراهم او دنانير لا يعدها لغريم ولا ينفقها في سبيل الله فهو كنز يكون به يوم القيامة وهذا اسناد لا بأس به قال ابن دقيق الذي رايته في نسخة المستدرك البر بضم الباء الموحدة والراء المهملة ثم اختلف

العلماء فيما إذا لم يبع عروض التجارة سنين- فقال مالك لا يجب عليه شيء وان طال زمانه فاذا باعه فليس عليه الا زكوة واحدة- وقال الائمة الثلاثة يجب عليه زكوة في كل سنة وان لم يبع لعموم قوله عليه الصلاة والسلام يخرج الزكوة مما يعد للبيع يعنى سواء بيع او لا وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ قيل هذه الاية في صدقات التطوع عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا فيأكل منه انسان او طير او بهيمة الا كانت له به صدقة رواه احمد والشيخان والترمذي- قلت هذا الحديث يدل على استحباب الزرع- وحديث ابى امامة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل هذا يعنى شيئا من فمعز الدولة الحرث بيت قوم الا ادخله الذل رواه البخاري يدل على شومه والله اعلم والصحيح ان الاية في الزكوة لان الأمر للوجوب ولا وجه لحملها على التطوع فهذا امر بإخراج العشور من خارج الأرض (مسئلة) اجمع العلماء على وجوب العشر في النخيل والكروم وفيما يقتات من الحبوب ان كان مسقيا بماء السماء او العيون او الاودية والأنهار التي لا مؤنة فيها ونصف العشر ان كان مسقيا بغرب او دالية- وعلى انه لا صدقة في كلاء وحطب مما لا يراد به اشتغلال الأرض- واختلفوا فيما سوا ذلك من الأصناف- فقال ابو حنيفة يجب في جميع اصناف الخارج من الحبوب والثمار والخضروات محتجا بعموم هذه الاية وعموم قوله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء والعيون او كان عشريا العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر رواه البخاري وابو داود والنسائي وابن حبان وابن جار ودمن حديث ابن عمر ورواه مسلم من حديث جابر ورواه الترمذي وابن ماجة من حديث ابى هريرة ورواه النسائي وابن ماجة من حديث معاذ ورواه ابو داود وغيره من حديث على- وقال مالك والشافعي لا زكوة الا فيما يقتات به كالرطب والعنب والحنطة والشعير والحمص والارز ونحوها لا غير- وقال ابو يوسف ومحمد واحمد يجب فيما يبقى في أيدي الناس مما يكال او يوزن فيجب عندهم في مثل السمسم والشهرانج واللوز والبندق والفستق والزعفران والكمون والقرطم ايضا- احتجوا على نفى الصدقة في الخضروات بحديث معاذ قال فيما سقت السماء والسيل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر يكون ذلك من التمر

والحنطة والحبوب واما القثاء والبطيخ والرمان والقصب والخضروات فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي وفيه ضعف وانقطاع إسحاق وابن نافع من رواته ضعيفان قال يحيى بن معين إسحاق ليس بشيء لا يكتب حديثه وقال احمد والنسائي متروك- ورواه الترمذي بلفظ انه كتب الى النبي صلى الله عليه وسلم يسئله عن الخضروات وعن البقول قال ليس فيها صدقة وهو ضعيف ايضا قال الترمذي اسناد هذا الحديث ليس بصحيح ولا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء وانما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا- وذكر الدارقطني في العلل وقال الصواب مرسل وروى البيهقي من حديث موسى بن طلحة وقال عندنا كتاب معاذ ورواه الحاكم وقال موسى تابعي كبير لا ينكر انه لقى معاذا وقال ابن عبد البر لم يلق معاذا ولا أدركه ورواه الدارقطني بطرق عن موسى بن طلحة عن أبيه مرفوعا ليس في الخضروات صدقة- وفي أحد طرقه الحراث بن بنهان حكى تضعيفه عن جماعة وفي طريقه الثاني نصر بن حماد قال يحيى كذاب وقال يعقوب بن ابى شيبة ليس بشيء وقال مسلم واهي الحديث وفي طريقه الثالث محمد بن جابر ليس بشيء قال احمد لا يحدث عنه إلا شر منه- وروى الدارقطني من طريق مروان بن محمد السخاوي عن موسى بن طلحة عن انس ومروان بن محمد لا يحل الاحتجاج به وروى ابو يوسف في كتاب الخراج عن موسى بن طلحة انه كان لا يرى صدقة الا في الحنطة والشعير والنخل والكرم والزبيب وقال عندنا كتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم عن معاذ والتحقيق ان المرسل عن موسى بن طلحة يصح كذا قال الترمذي وغيره والمرسل حجة لا سيما باعتضاد ما ذكرنا من المسانيد ويؤيده حديث عليّ مرفوعا رواه الدارقطني وفيه صقر بن حبيب ضعيف جدا ورواه ابو يوسف موقوفا وفيه قيس ابن الربيع صدوق سيّء الحفظ ليس بالقوى- وحديث عائشة مرفوعا ليس فيما أنبتت الأرض من الخضرة زكوة رواه الدارقطني وفيه صالح بن موسى قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك وحديث محمد بن حجش ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر معاذا حين بعثه الى اليمن ان يأخذ من كل أربعين دينارا دينارا وليس في الخضروات صدقة- رواه الدارقطني وفيه صالح بن موسى قال البخاري والنسائي متروك منكر الحديث- وهاهنا أحاديث

اخر تدل على نفى الزكوة في غير اربعة أشياء التمر والزبيب والحنطة والشعير روى الحاكم والبيهقي من حديث ابى بردة عن ابى موسى ومعاذ حين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم الى اليمن يعلمان الناس امر دينهم لا تأخذوا الصدقة الا من هذه الاربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر قال البيهقي رواته ثقات وهو متصل- ورواه الطبراني من حديث موسى بن طلحة عن عمر انما سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكوة في هذه الاربعة فذكرها وكذا روى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- وروى ابو يوسف عن موسى بن طلحة عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا زكوة الا في اربعة التمر والزبيب والحنطة والشعير- وروى البيهقي عن الشعبي ... كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اهل اليمن انما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب وقد روى الزكوة في خمسة الاربعة المذكورة والذرة لكنه ضعيف واه- قلت ولما اجمع العلماء على عدم حصر الزكوة في هذه الاربعة وجب تأويله بحذف المضاف يعنى لا زكوة الا في مثل هذه الاربعة فاعتبر مالك والشافعي المماثلة في الاقتيات في حالة الاختيار والاولى ان يعتبر المماثلة في الكيل او الوزن والادخار لان المقصود في باب الزكوة الغناء الحاصل بالمال لا الاقتيات وكل ما يكال ويؤزن ويدخر يحصل به الغناء فيجب فيه الزكوة- ولا يشترط في زكوة الزرع حولان الحول اجماعا لان اشتراطها للتفمية وهذا انماء كله- ولا يشترط العقل والبلوغ لوجوب العشر عند ابى حنيفة ايضا كما لا يشترطان عند غيره في جميع الأموال وجه الفرق لابى حنيفة ان زكوة الأموال عبادة محضة لا بد فيه من النية واما العشر فهو عبادة فيه معنى المئونة فمن حيث كونه عبادة يشترط فيه الإسلام فيجب على الكافر الخراج دون العشر وكذا إذا اشترى الكافر أرضا عشرية عند الجمهور خلافا لمحمد- ومن حيث كونه مؤنة يجب على الصغير والمجنون ايضا كما يجب عليه نفقة الزوجة ونحوها- واختلفوا في اشتراط النصاب فقال ابو حنيفة لا يشترط فيه النصاب وتجب الصدقة في الخارج وان قل للعمومات المذكورة في الخلافية الاولى وهو المروي عن عمر بن عبد العزيز ومجاهد وابراهيم النخعي اخرج عبد الرزاق وابن ابى شيبة عن الثلاثة فيما أنبتت من قليل او كثير العشر وزاد في حديث النخعي حتى في عشر وستجات بقل وستجة واخرج ابو يوسف عن ابى حنيفة عن حماد عن ابراهيم نحوه- وقال مالك والشافعي واحمد وابو يوسف ومحمد يشترط فيه النصاب وذلك

خمسة اوسق كل وسق ستون صاعا مما يكال بالاوسق ومما لا يكال بالاوسق يعتبر حمسة اعداد من أعلى ما يقدر به ذلك الجنس عند محمد ففى القطن خمسة أحمال كل حمل ثلاثمائة من وفي الزعفران خمسة أمناء ويعتبر بقيمة خمسة اوسق من ادنى ما يدخل تحت الوسق عند ابى يوسف والحجة للجمهور على اشتراط النصاب قوله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة اوسق صدقة متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري ورواه مسلم من حديث جابر ورواه احمد والدارقطني من حديث ابى هريرة والبيهقي من حديث عمرو بن حزم والدارقطني من حديث عائشة والله اعلم (مسئلة) هذه الاية تدل على ان العشر واجب في خارج كل ارض للاطلاق وعدم تقييده بأرض دون ارض فان ملك المسلم ارض خراج وزرع فيه فاما ان يسقط عنه الخراج فيجب عليه العشر فقط او يجتمع هناك عشر في الزرع وإخراج في الأرض وذلك عند الجمهور فان الخراج وظيفة الأرض والعشر زكوة الزرع لا زكوة الأرض ومن ثم يشترط النصاب في الخارج وقال ابو حنيفة لا يسقط الخراج عن ارض خراجية قط ولا يجتمع في ارض عشر وخراج فان العشر عنده زكوة الأرض دون الزرع ومن ثم لا يشترط النصاب عنده في الخارج- ومسئلة سقوط الخراج وعدمه لا مقام لها هاهنا ولم يثبت منع الجمع بين العشر والخراج بدليل شرعى وما رواه ابن الجوزي وذكره ابن عدى في الكامل عن يحيى بن عنبسة حدثنا ابو حنيفة عن حماد عن ابراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع على مسلم عشر وخراج باطل قال ابو حاتم ليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحيى بن عنبسة دجال يضع الحديث كذب على ابى حنيفة ومن بعده الى رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقال ابن عدى لا يروى هذا الحديث غير يحيى بن عنبسة بهذا الاسناد وانما يروى هذا من قول ابراهيم وقول ابراهيم ليس بحجة وكذا قول الشعبي وعكرمة لا يجتمع عشر وخراج في ارض او في مال روى الأثرين ابى شيبة واحتج صاحب الهداية بالإجماع فقال أحد من ائمة الجور والعدل لم يجمع بينهما وكفى بإجماعهم حجة- ودعوى الإجماع ممنوع فانه نقل ابن المنذر الجمع في الاخذ عن عمر بن عبد العزيز وهو كان مقتفيا لاثار عمر بن الخطاب ولو كانت المسألة مجمعا عليها لم يختف على ابن عبد العزيز-

(مسئلة) قوله تعالى وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ شامل لما يخرج من المعدن من الذهب والفضة عند مالك وعند الشافعي في المشهور عنه فيؤخذ عندهما منه ربع العشر إذا بلغ نصابا ويصرف مصرف الزكوة عند الشافعي ومصرف الفيء عند مالك وهى رواية عن احمد- وعند ابى حنيفة واحمد هذه الاية غير شامل لما يخرج من المعدن بل الواجب فيه الخمس لقوله تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ الاية لانه من اجزاء الأرض كان في أيدي الكفار وصل إلينا فصار كسائر أموالهم وهو رواية عن الشّافعى- ووجه قولنا ان قوله تعالى مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ غير شامل لما يخرج من المعدن ان الإخراج معناه الحقيقي نقل شيء موجود فى باطن شيء منه الى الظاهر وهذا المعنى غير موجود في الزرع والثمار فارادة الحبوب والثمار من قوله مما أخرجنا لكم من الأرض ليس الا مجازا فالمعنى المجازى هاهنا مراد اجماعا فلا يجوز ارادة المعنى الحقيقي لامتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز كما حقق في الأصول وعند الشافعي يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز ونظير هذه الاية قوله تعالى أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ أريد به الجماع اجماعا مجازا فلا يجوز ان يراد به مس المرأة ناقضا للوضوء عند ابى حنيفة خلافا للشافعى فالخلافية مبنية على الخلافية فى الأصول ثم عند احمد يجب الخمس في كل معدن سواء كان جامدا لا يذوب كالجص والنورة او كان غير جامد كالقير والنفط او كان جامدا يذوب وينطبع كالذهب والفضة والحديد ونحوها لان كل ذلك صالح لكونه غنيمة وقال ابو حنيفة لا يجب الا في القسم الثالث لان اسم الركاز يطلق على القسم الثالث وما لا يذوب وهو جنس الأرض يجوز به التيمم فليس بركاز وقد قال عليه السلام فى الركاز الخمس- وقال مالك والشافعي الواجب انما هو الزكوة وهى في النقدين فقط لا في غيرهما من الأموال فيختص الواجب بمعدن الذهب والفضة ولا يجب في معدن الحديد ونحو ذلك قلت اشتراط الثمنية في الزكوة انما هو للتنمية والخارج من الأرض نمو كله ولذلك لا يشترط فيه الحول اجماعا ومن ثم يجب الزكوة في الحبوب والثمار مع انها ليست من النقود فما وجه تخصيص الزكوة بالنقود في المعادن والله اعلم والحجة للشافعى على انه يجب في المعدن الزكوة ما رواه مالك في المؤطا عن ربيعة بن عبد الرحمن- عن غير واحد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن حارث المزني المعاون القبلية وهى من ناحية الفرغ فتلك المعادن لا يؤخذ منه

الى اليوم الا الزكوة- قال ابن عبد البر هذا منقطع في المؤطا وقال ابن الجوزي ربيعة قد لقى الصحابة والجهل بالصحابي لا يضر ولا يقال هذا مرسل- قال ابو عبيد في كتاب الأموال حديث منقطع ومع انقطاعه ليس فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بذلك وانما قال تؤخذ منه الى اليوم فيجوز ان يكون من اهل الحكومات اجتهادا منهم- وقال الشافعي بعد ان روى حديث مالك ليس هذا مما يثبته اهل الحديث ولم يكتبوه ولم يكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم الا اقطاعه واما الزكوة في المعادن فليست مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم- واخرج الحاكم في المستدرك عن الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ابن الجوزي رواية الدراوردي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ منه زكوة المعادن القبلية واحتج ابو حنيفة بقوله صلى الله عليه وسلم وفي الركاز الخمس أخرجه اصحاب الكتب الستة من حديث ابى هريرة وجه الاستدلال ان الركاز يعم المعدن والكنز قال في القاموس الركاز ما ركزه الله تعالى فى المعادن اى أحدثه ودفين الجاهلية وقطع الذهب والفضة من المعدن- وفي النهاية الركاز عند اهل الحجاز كنوز الجاهلية وعند اهل العراق المعادن والقولان يحتملهما اللغة- قلت وحينئذ فاذا اطلق لفظ الركاز وحلى بلام الاستغراق وجب الحكم على جميع افرادها ووجب القول بوجوب الخمس فى المعادن وليس هذا من قبيل الاشتراك كما زعمه البخاري بل هو من قبيل المواطاة لاشتراك معنى الارتكاز فيهما- ويؤيد مذهب ابى حنيفة ما رواه البيهقي من حديث ابى هريرة مرفوعا قال في الركان الخمس قيل يا رسول الله ما الركاز قال الذهب والفضة التي خلقت في الأرض يوم خلق الله السموات والأرض لكن الحديث ضعيف- والجواب عن حجة الشافعي ان يقال المراد بالزكاة فيما قال الراوي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكوة من المعدن القبلية هو الخمس مجازا الا ترى ان الكنز مع ان الواجب فيه الخمس اجماعا يصرف عند الشافعي مصرف الزكوة ويطلق عليه لفظ الزكوة- قال في المنهاج فقه الشافعي انما يملك الكنز الواجد ويلزمه الزكوة والله اعلم وعلى تقدير التعارض حديث في الركان الخمس أصح وأقوى والله اعلم- وَلا تَيَمَّمُوا اى لا تقصدوا- كان في الأصل تا ان أسقطت إحداهما فقرا ابن كثير برواية البترى بتشديد التاء في الوصل في احدى وثلاثين موضعا في القران برد الساقطة أحدها

هذه وفي ال عمران وَلا تَفَرَّقُوا وفي النساء إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ وفي المائدة وَلا تَعاوَنُوا وفي الانعام فَتَفَرَّقَ بِكُمْ وفي الأعراف فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ وكذا في طه وكذا في الشعراء وفي الأنفال وَلا تَوَلَّوْا ولا تَنازَعُوا وفي التوبة قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ- وفي هود وَإِنْ تَوَلَّوْا ... فَإِنْ تَوَلَّوْا ولا تَكَلَّمُ نَفْسٌ وفي الحجر ما نُنَزِّلُ وفي النور إِذْ تَلَقَّوْنَهُ ... فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما وفي الشعراء عَلى مَنْ تَنَزَّلُ- الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ وفي الأحزاب وَلا تَبَرَّجْنَ- ولا أَنْ تَبَدَّلَ وفي الصّافات لا تَناصَرُونَ وفي الحجرات وَلا تَنابَزُوا- ولا تَجَسَّسُوا- ولِتَعارَفُوا- وفي الممتحنة أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وفي الملك تَكادُ تَمَيَّزُ وفي ن والقلم لَما تَخَيَّرُونَ وفي عبس عَنْهُ تَلَهَّى وفي والليل ناراً تَلَظَّى وفي القدر تَنَزَّلُ- وزاد بعضهم عن البزي موضعين أحد هما في آل عمران وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ وفي الواقعة فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ فان ابتدا بهذه التاءات خففن لا غير- وان كان قبلهن حرف مد كما في هذه الاية زيد في تمكينه والباقون بتخفيف في التاءات كلهن في الحالين الْخَبِيثَ مِنْهُ يعنى الردى تُنْفِقُونَ حال مقدرة من فاعل تيمّموا ويجوز ان يتعلق به منه ويكون الضمير للخبيث والجملة حالا منه- روى الحاكم والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن البراء قال نزلت هذه الاية فينا معشر الأنصار كنا اصحب نخل فكان الرجل يأتى في نخله على قدر كثرته وقلته وكان من لا يرغب في الخير يأتى بالقنو فيه الشيص «1» والحشف «2» والقنو قد انكسر فتعلفه فنزلت- وروى ابو داود والنسائي والحاكم عن سهيل بن حنيف قال كان الناس يتممون ش؟؟ مارهم يخوجونها في الصدقة فنزلت- وروى الحاكم عن جابر قال امر النبي صلى الله عليه وسلم بزكوة الفطر بصاع من نمر فجاء بتمر روى فانزل الله تعالى هذه الاية- وروى ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون فانزل الله تعالى هذه الاية وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ اى وحالكم انكم لا تأخذون الخبيث الردى في حقوقكم لرداءته إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ الإغماض غضّ البصر المراد هاهنا المسامحة مجازا- يعنى لو كان لاحدكم على رجل حق فجاءه بهذا لم يأخذه الا وهو يرى انه قد ترك حقه- قال الحسن وقتادة لو وجدتموه يباع فى السوق ما أخذتموه بسعر الجيد- وروى عن البراء انه قال لو كان اهدى ذلك لكم ما أخذتموه

_ (1) التمر الذي لا يشتد نواه وتقوى وقد لا يكون له نوى أصلا نهايه منه رح (2) اليابس الفاسد من التمر وقيل الضعيف الذي لا قوى له أصلا نهايه منه نور الله مرقده

[سورة البقرة (2) : آية 268]

الا استحياء من صاحبه وغيظا فكيف ترضون لله ما لا ترضون لانفسكم- هذا إذا كان المال كله جيدا فليس له إعطاء الردى- وان كان كل ماله رديا فلا بأس بإعطاء الردى ولو كان بعضه جيدا وبعضه رديا فليعط من كل جنس بحصته وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عن صدقاتكم انما يعود منفعتها إليكم حَمِيدٌ (267) محمود في أفعاله. الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ والوعد يستعمل في الخير والشر لكن إذا لم يكن هناك قرينة يقال في الخير وعدته وفي الشر أوعدته- والفقر سوء الحال وقلة ذات اليد أصله من كسر الفقار- يعنى الشيطان يخوفكم بالفقر إذا تصدقتم وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ اى المعصية وهى منع الزكوة او ما يعم ذلك قال الكلبي كل فحشاء في القران فهو الزنى الا هذا وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ فى الانفاق مَغْفِرَةً مِنْهُ لذنوبكم وَفَضْلًا خلفا أفضل مما أنفقتم في الدارين او في الاخرة وَاللَّهُ واسِعٌ الفضل لمن أنفق عَلِيمٌ (268) عن ابى هريرة مرفوعا ما من يوم يصبح العباد فيه الا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الاخر اللهم أعط ممسكا تلفا- متفق عليه وعن اسماء قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انفقى ولا تحصى فيحصى الله عليك ولا توعى فيوعى الله عليك ارضحى ما استطعت- متفق عليه- وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الأخسرون ورب الكعبة قلت ومن هم قال هم الأكثرون أموالا الا من قال هكذا وهكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم- متفق عليه- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار وجاهل سخى أحب الى الله من عابد بخيل- رواه الترمذي- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السخا شجرة في الجنة فمن كان سخيا أخذ بغصن منها فلم يتركه الغصن حتى يدخله الجنة والشح شجرة في النار فمن كان شحيحا أخذ بغصن منها فلم يتركه الغصن حتى يدخله النار ... رواه البيهقي وعن عليّ مرفوعا بادروا بالصدقة فان البلاء لا يتخطاها- رواه رزين. يُؤْتِي الْحِكْمَةَ اى العلم النافع على ما هو في نفس الأمر الموصل الى رضاء الله تعالى

[سورة البقرة (2) : آية 270]

والعمل به وذلك لا يتصور الا بالوحى فهو للانبياء أصالة ولغيرهم وراثة- اخرج ابن مردوية من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا قال الحكمة القران قال ابن عباس يعنى تفسيره فانه قد قراه البر والفاجر مَنْ يَشاءُ مفعول أول اخّر للاهتمام بالمفعول الثاني ولذلك بنى الفعل للمفعول لانه هو المقصود في قوله تعالى وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فى قراءة الجمهور وقرا يعقوب بالكسر اى من يؤتيه الله الحكمة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً التنكير للتعظيم اى خيرا كثيرا يجمع خير الدارين- عن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وانما انا قاسم والله يعطى- متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلاثة صدقة جارية- او علم ينتفع به- او ولد صالح يدعوله- رواه مسلم وعن ابى مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دل على خير فله اجر مثل اجر فاعله- رواه مسلم وعن ابى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وان العلماء ورثة الأنبياء وان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن اخذه أخذ بحظ وافر رواه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجة والدارمي- وعن ابى امامة الباهلي قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والاخر عالم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله وملائكته واهل السموات والأرض حتى النملة في حجرها وحتى الحوت في الماء ليصلّون على معلم النّاس الخير- رواه الترمذي وَما يَذَّكَّرُ اى يتعظ بما قص الله عليه من الآيات في الانفاق وغيره ويتفكر فيما أودع الله تعالى في قلبه من العلوم بالفعل او بالقوة إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (269) اى ذووا العقول السليمة عن معارضة الوهم وخطرات الشيطان- قلت وذلك بعد الفناء الأتم للنفس-. وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ قليلة او كثيرة في سر او علانية في حق او باطل أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ اى ما أوجبتم لله تعالى على أنفسكم من الطاعات بشرط او غير شرط فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ فيجازيكم عليه- الضمير عائد الى ما وَما لِلظَّالِمِينَ الذين

[سورة البقرة (2) : آية 271]

لا ينفقون في سبيل الله ولا يوفون بالنذور أو ينفقون رياء او في معصية مِنْ أَنْصارٍ (270) ينصرونهم ويدفعون عذاب الله عنهم. إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ اى تظهروها «1» لا على قصد الرياء فَنِعِمَّا هِيَ اى فنعم شيئا ابداؤها- قرا ابن كثير وورش وحفص هنا وفي النساء بكسر النون والعين- وقالون وابو بكر وابو عمرو بكسر النون وإخفاء حركة العين ويجوز إسكانها والباقون بفتح النون وكسر العين وكلها لغات صحيحة وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ مع الإخفاء فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وأفضل من الصدقة العلانية عن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة السّر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر- رواه الطبراني بسند حسن- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله امام عادل- وشاب نشأ في عبادة الله- ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود اليه- ورجلان تحابا في الله عز وجل اجتمعا على ذلك وتفرقا- ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه- ورجل دعته امراة ذات حسب وجمال فقال انى أخاف الله تعالى- ورجل تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه- متفق عليه وعن ابن مسعود يرفعه قال ثلاثة يحبهم الله رجل قام من الليل يتلو كتاب الله- ورجل تصدق بصدقة بيمينه يخفيها (أراه قال) من شماله ورجل كان في سرية فانهزم أصحابه فاستقبل العدو- رواه الترمذي- وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم «2» الله فاما الذين يحبهم الله فرجل اتى قوما فسالهم بالله لم يسئلهم لقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلف رجل بأعيانهم فاعطاه سرا لا يعلم عطيته الا الله والذي أعطاه وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا رؤسهم فقام يتملقنى ويتلوا آياتي ورجل كان في سرية فلقى العدو فهزموا فاقبل بصدر حتى يقتل او يفتح له- والثلاثة الذي يبغضهم الشيخ الزاني والفقير المختال والغنى الظلوم- رواه الترمذي والنسائي وَيُكَفِّرُ قرا ابن كثير وابو عمرو وابو بكر بالنون على صيغة المتكلم المعلوم والرفع وقرا حفص وابن عامر بالياء على صيغة الغائب والرفع على انه جملة فعلية مبتدئة او اسمية معطوفة

_ (1) عن الشعبي قال نزلت هذه الاية ان تبدوا الصّدقت فنعمّا هى الاية في ابى بكر الصديق وعمر جاء عمر بنصف ماله يحمله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رءوس الناس وجاء ابو بكر بماله اجمع يكاد ان يخفيه من نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- ما تركت لاهلك- قال عدة الله وعدة رسوله فقال عمر لابى بكر ما استبقنا الى باب خير قط الا سبقتنا اليه منه رحمه الله (2) فى الأصل يبغضهم

[سورة البقرة (2) : آية 272]

على ما بعد الفاء اى ونحن نكفر او الله يكفر او يكفر الله- وقرا نافع وحمزة والكسائي بالنون والجزم على انه معطوف على محل الفاء لان موضعها موضع الجزم بالجزاء عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ قيل من زائدة وقيل هو للتبعيض اى يكفر الصغائر من الذنوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة السر تطفى الذنب- رواه الطبراني في الصغير من حديث ابى سعيد وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) ترغيب في الاسرار روى النسائي والطبراني والبزار والحاكم وغيرهم عن ابن عباس قال كانوا يكرهون ان يرضحوا لانسابهم من المشركين فسالوا فرخص لهم فنزلت ليس عليك هدهم- وكذا روى ابن ابى شيبة عن محمد بن حنفية مرسلا واخرج ابن ابى حاتم عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر ان لا يتصدق الا على اهل الإسلام فنزلت-. لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ فامر بالصدقة على كل انسان من كل دين- وكذا ذكر البغوي قول سعيد بن جبير وروى ابن ابى شيبة مرسلا عن سعيد بن جبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا الأعلى اهل دينكم فانزل الله تعالى لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ الاية فقال عليه الصلاة والسلام تصدقوا على اهل الأديان كلها- يعنى لا يجب عليك ان تجعل الناس مهديين حيث تمنعهم من الصدقة ليدخلوا في الإسلام لحاجة منهم إليهم- وذكر البغوي قول الكلبي في سبب نزوله ان ناسا من المسلمين كانت لهم قرابة واصهار في اليهود وكانوا ينفقونهم قبل ان يسلموا فلما اسلموا كرهوا ان ينفقوهم وارادوهم على ان يسلموا وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي اى يجعل مهديا مَنْ يَشاءُ فان الهداية من الله تعالى وبمشيته وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ من نفقة معروفة او المراد بالخير المال فَلِأَنْفُسِكُمْ يعنى يعود نفعها الى أنفسكم فلا تمنوا به على الفقير ولا تنفقوا الخبيث وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ الواو للحال من فاعل تنفقوا يعنى ما تنفقوا من خير غير منفقين الا ابتغاء وجه الله فهو لا نفسكم- او هو عطف على ما قبله يعنى ليس نفقتكم ايها المؤمنون الا ابتغاء وجه الله فما لكم تمتون بها على الفقير او تنفقون الخبيث فهو اخبار عن حال للمؤمنين يقتضى ذلك الحال ترك المن ونحو ذلك او هو نفى لفظا ونهى معنى يعنى لا تنفقوا الا ابتغاء وجه الله- وهذا يقتضى تحريم الانفاق إذا لم يكن فيه ابتغاء وجه الله فانه

[سورة البقرة (2) : آية 273]

اضافة المال وذلك حرام وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ يوفر لكم ثواب أضعافا مضاعفة ولما كان فيه معنى الأداء عدى بالى- او المعنى ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ خلفه استجابة لقول الملك اللهم أعط منفقا خلفا كما مر- ذكر بين الجمل الثلاث حرف العطف مع ان الظاهر ان هذه الشرطية تأكيد للشرطية السابقة فينبغى ان لا يعطف- لانه ليس المقصود به التأكيد فقط بل أريد به إيراد دليل بعد دليل على قبح المن والأذى فان الجملة الاولى تدل على ان المنة على الغير بما فيه منفعة لكم قبيح- والثانية على ان المنة على الفقير بالذي يبتغون به وجه الله طلب عوض من غير من هو له والثالثة بانه منة على الغير بما تأخذون العوض منه أضعافا مضاعفا ولا مفة فيما يؤخذ منه العوض مرة كالبيع وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) اى لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا- وهذا في صدقة التطوع يجوز ان يعطى الذمي منها- واما الصدقة المفروضة فلا يجوز وضعها الا في المسلمين- واختلفوا في صدقة الفطر والكفارات والنذور فقال ابو حنيفة يجوز دفعها الى الذمي لعموم قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وانما لم يجز دفع الزكوة اليه لحديث بعث معاذ الى اليمن وفيه قد فرض الله عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم- متفق عليه من حديث ابن عباس قال صاحب الهداية هو حديث مشهور جازبه الزيادة على اطلاق الكتاب وقال ابن همام الاية عام خص منه الحربي بالإجماع مستندين الى قوله تعالى إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ- الاية فجاز تخصيصه بعد بخبر الواحد. لِلْفُقَراءِ الظرف اما لغو متعلق بقوله ما تُنْفِقُوا يعنى ما تنفقوا من خير للفقراء فهو لانفسكم يؤف إليكم او هو متعلق بفعل محذوف دل عليه ما سبق يعنى اعمدوا للفقراء او اجعلوا ما تنفقونه للفقراء- او هو ظرف مستقر خبر مبتدأ مقدر قبله يعنى صدقاتكم للفقراء او مقدر بعده يعنى للفقراء الذين أحصروا حق عليكم الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فى تحصيل العلوم الظاهرة والباطنة والجهاد لا يَسْتَطِيعُونَ لاشتغالهم بالعلم والجهاد ضَرْباً ذهابا فِي الْأَرْضِ للكسب والتجارة يَحْسَبُهُمُ قرا ابو جعفر وابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين في المضارع على وزن يسمع وقرا الآخرون

بالكسر وهو شاذ في غير المثال الْجاهِلُ بحالهم أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ اى من أجل تعففهم من السؤال- والتعفف تفعل من العفة وهو ترك السؤال تكلفا لقناعتهم تَعْرِفُهُمْ يعنى تعرف ايها النبي حاجتهم وفقرهم بِسِيماهُمْ لا بقولهم والسيماء العلامة التي يعرف بها الشيء- يعنى بصفرة ألوانهم من الجوع والضرّ ورثاثة ثيابهم لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً إلحاحا وهو ان يلازم المسئول منه حتى يعطيه- والمعنى انهم لا يسئلون غالبا ولاجل هذا يحسبهم الجاهل بحالهم اغنياء وتعرف حاجتهم بسيماهم وان سالوا عن ضرورة أحيانا لم يلحفوا وقيل هو نفى لمطلق السؤال يعنى لا يسئلون أصلا «1» فيقع فيه الالحاف- منصوب على المصدر فانه كنوع من السؤال- او على الحال اى ملحفين- اخرج ابن المنذر عن ابن عباس هم اهل الصّفة كانوا نحوا من اربعمائة رجل من فقراء المهاجرين لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر يسكنون صفة المسجد يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والعبادة وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم- فحث الله تعالى عليهم الناس فكان من عنده فضل أتاهم به إذا امسى- عن عطاء بن يسهار عن رجل من بنى اسد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سال منكم وله وقية او عدلها فقد سال إلحافا- رواه مالك وابو داود والنسائي وعن الزبير بن العوام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لان يأخذ أحدكم حبله فيأتى بحزمة حطب على ظهره فيكف الله بها وجهه خير له من ان يسئل الناس أعطوه او منعوه- رواه البخاري- وعن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة اليد العليا خير من اليد السفلى- متفق عليه وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سال الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسئلته في وجهه خموش «2» او خدوش او كدوح- قيل يا رسول الله وما يغنيه قال خمسون درهما او قيمتها من الذهب- رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وعن سهل بن حنظلة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سال وعنده

_ (1) اخرج احمد عن ابن ابى مليكة قال- ربما سقط الحطام من يد ابى بكر الصديق فضرب بذراع ناقته فينحها فيأخذه فقالوا له فلا امرتنا نتناولكه فقال ان حبيبى صلى الله عليه وسلم امرني ان لا اسئل الناس شيئا- منه رحمه الله تعالى (2) خموش الخدوش نهاية خدوش جمع خدش وخدش الجلد قشره بعود او نحوه نهاية الكدوح الخدش وكل اثر من خدش او عض فهو كدح- نهاية منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : آية 274]

ما يغنيه فانما يستكثر من النار «1» - قال النفيلى وهو أحد رواته وما الغنى الذي لا ينبغى معه المسألة قال قدر ما يغديه ويغشيه وقال في موضع اخر ان يكون له شبع يوم او ليلة ويوم- رواه ابو داود قلت والجمع بين هذه الأحاديث الواردة في نصاب حرمة السؤال الحمل على اختلاف احوال الرجال فمن كان عنده شبع يوم وليلة وكان يرجو تيسر شبع الغد في الغد لا يحل له المسألة ومن كان لا يرجو ذلك يجوز له السؤال حتى يحصل عنده ما يكفى لمدة يتيسر له ما يحتاج اليه غالبا ومن كان له شبع ولا يكون عنده ما يستر به عورته او ما يسد به خلته يجوز له سوال ما يحتاج اليه وأربعون درهما نصاب لحرمة السؤال مطلقا والله اعلم وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) وعليه مجاز ترغيب في الانفاق خصوصا على مثل هؤلاء. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً يعنى في جميع الأوقات والأحوال كلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا في قضائها ولم يؤخروه ولم يعللوا بوقت ولا حال- اخرج ابن المنذر عن ابن المسيب انها نزلت في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان في نفقتهم في جيش العسرة- واخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن ابى حاتم والطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال نزلت في على بن ابى طالب كانت معه اربعة دراهم فانفق باليل درهما وبالنهار درهما وسرا درهما وعلانية درهما- وذكر البغوي عن الضحاك عن ابن عباس قال لما نزلت لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا الاية بعث عبد الرحمن بن عوف بدنانير كثيرة الى اصحاب الصفة وبعث على بن ابى طالب في جوف الليل بوسق من تمر فانزل الله تعالى فيهما عنى بالنهار علانية صدقة عبد الرحمن وبالليل سرا صدقة على- وذكر البغوي انه قال ابو امامة وابو الدرداء ومكحول والأوزاعي انها نزلت في الذين يرتبطون الخيل للجهاد فانها تعتلف ليلا ونهارا سرا وعلانية وكذا اخرج الطبراني وابن ابى حاتم عن يزيد بن عبد الله بن غريب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ويزيد وأبوه مجهولان- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله

_ (1) اخرج احمد وابو يعلى عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما والله ان أحدكم ليخرج بمسئلته من عندى تبا بطنها نارا قال عمر يا رسول الله لم تعطها إياهم قال فما اصنع يأبون الا مسئلتى ويأبى الله لى البخل وفي الصحيحين عن ابن عمر ان عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطنى العطاء فاقول أعطه من هو أفقر اليه منى فقال خذه إذ جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه فتقبله ان شئت كله وان شئت تصدق به وما لا فلا تتبعه نفسك قال سالم بن عبد الله فلا جل ذلك كان عبد الله لا يسئل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه- منه

[سورة البقرة (2) : آية 275]

صلى الله عليه وسلم من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فان شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة- رواه البخاري فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ خبر لقوله تعالى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ وحينئذ الفاء للسببية وقيل قوله تعالى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ الى آخره مبتدأ خبره محذوف اى منهم الّذين ينفقون وحينئذ الفاء لعطف الجملة على الجملة وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) . الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا كتبت بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة وزيدت الالف بعدها تشبيها بواو الجمع لا يَقُومُونَ من قبورهم كذا اخرج عبد الرزاق في تفسيره عن عبد الله بن سلام إِلَّا كَما يَقُومُ اى قياما كقيام الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ يعنى الجن والخبط الضرب الشديد والإفساد- فى القاموس خبط الشيطان فلانا مسّه بأذى كتخبطه او يتخبطه يفسده مِنَ الْمَسِّ اى الجنون او اللمس متعلق بيقوم او بيتخبط اى لا يقومون الا كما يقوم من الجنون الذي مسّه الشيطان بأذى وأفسد عقله او الا كقيام الذي يفسده الشيطان من اللمس يعنى عرضه الجنون وفساد العقل بمس الشيطان وخبطه والمرض والصرع والجنون قد يحصل بمس الشيطان فلا يحتاج ذلك الى ما قيل انه وارد على ما يزعمون ان الشيطان يخبط الإنسان فان حدوث المرض بمس الشيطان ثابت بالكتاب والسنة قال الله تعالى في قصة أيوب عليه السلام ربّ انّى مسّنى الشّيطن بنصب وعذاب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المستحاضة ركضة من ركضات الشيطان وقيام أكلة الربوا هكذا لاجل ان الله تعالى يربى ما في بطونهم ما أكلوه من الربوا فيكون بطونهم كالبيوت فيها حيات فاثقلهم- عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الاسراء قال فانطلق بي جبرئيل الى رجال كثيرة كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم متصدين على ساهلة ال فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا قال فيقبلون مثل الإبل المنهومة يخبطون الحجارة والشجر لا يسمعون ولا يعقلون فاذا أحس بهم اصحاب تلك البطون قاموا فتميل بهم بطونهم فيصرعون ثم يقوم أحدهم فتميل به بطنه فيصرع فلا يستطيعون ان يبرحوا حتى يغشاهم الى فرعون فيترددونهم مقبلين ومدبرين فذالك عذابهم في البرزخ

بين الدنيا والاخرة قال وال فرعون يقولون اللهم لا تقم الساعة ابدا قال ويوم القيامة يقول ادخلوا ال فرعون أشدّ العذاب- قلت يا جبرئيل من هؤلاء قال هؤلاء الّذين يأكلون الرّبوا لا يقومون الّا كما يقوم الّذى يتخبّطه الشّيطن من المسّ- رواه البغوي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيت ليلة اسرى بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل قال هؤلاء أكلة الربوا- رواه احمد وابن ماجة- واخرج ابو يعلى عن ابن عباس في هذه الاية قال يعرفون يوم القيامة بذلك لا يستطيعون القيام الا كما يقوم المتخبط المخفق- واخرج ابن ابى حاتم بسند صحيح عنه قال أكل الربوا يبعث يوم القيامة مجنونا يخفق- والطبراني عن عوف بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم نحوه- بلفظ مجنونا يتخبط- ويحتمل ان يقال في تأويل الاية انهم لا يقومون من مجلس يأكلون فيه مال الربوا الا كما يقوم المجنون بمعنى ان أكل الربوا يسود به قلبه بمجرد الاكل فلا يميز بعد ذلك بين الحق والباطل والحلال والحرام كما لا يميز المجنون بين الخير والشر فان لقمة الحرام يصير جزء من بدنه فيتغير به حقيقته بخلاف غير ذلك من المعاصي فانها كالاعراض الزائدة على الحقيقة ومن ثم لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الربوا وجعله أشد من الزنى عن جابر وابن مسعود عند مسلم- وعن ابى جحيفة عند البخاري قال- لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الربوا ومؤكله- وزاد ابو داود والترمذي عن ابن مسعود ومسلم عن جابر- وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء- وعن عليّ نحوه رواه النسائي وفيه مانع الصدقة مكان شاهديه- وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم درهم ربوا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية- رواه احمد والدارقطني وعن انس نحوه رواه ابن ابى الدنيا- وعن ابن عباس نحوه وزاد من نبت لحمه بالسحت فالنار اولى به- رواه البيهقي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الربوا سبعون حوبا أيسرها ان ينكح الرجل امه- رواه ابن ماجة والبيهقي والحوب الإثم ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا اى ذلك العقاب بسبب كفرهم واستحلالهم الحرام وهذا يدل على ان هذا العقاب مخصوص بالكفار دون من ارتكبه من المؤمنين معترفا بتقصيره- او يكون ذلك اشارة الى تأبيد

هذا العذاب المستفاد من قوله تعالى لا يَقُومُونَ إِلَّا كذلك فانه نفى داخل على مصدر منكر في زمان منكر من الازمنة المستقبلة والنكرة في حيز النفي تفيد العموم- فمعناه ان تأبيد هذا العذاب مخصوص بالكفار واما من ارتكبه من المؤمنين فقد يلحقه ذلك العذاب الى ان يتداركه شفاعة من نبيه او رحمة من ربه وكلمة لا الله الا الله محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان الأصل- انما الربوا مثل البيع لكن عكس للمبالغة في نفى تحريم الربوا كانهم جعلوا أصلا في الحل وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ قال فخر الإسلام البيع لغة مبادلة المال بالمال وكذا في الشرع لكن زيد فيه قيد التراضي- والصحيح ان التراضي مأخوذ في المعنى اللغوي ايضا فانه ما لا يكون بالتراضي يطلق عليه في اللغة اسم الغصب دون البيع- والمبادلة بالاختيار والتراضي لا بد فيه من التميز ومن ثم انعقد الإجماع على انه لا يصح بيع المجنون والصبى الذي لا يعقل- واختلفوا في بيع الصبى العاقل فقال مالك والشافعي لا يصح لقصور عقله- وقال ابو حنيفة واحمد يصح لكن يشترط انضمام رأى الولي لدفع ضرر عنه متوقع من قصور عقله وهذا الاشتراط ثابت بالشرع قال الله تعالى فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وقال الله تعالى وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ- وذلك المبادلة إنشاء امر يحصل بالإيجاب والقبول بلفظي ماض نحو بعت واشتريت فان الشرع وضع تلك الألفاظ لذلك الإنشاء- ويقوم المعاطاة مقام الإيجاب والقبول عند ابى حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى وهو رواية عن الشافعي واحمد- وقال الكرخي انما ينعقد بالتعاطى في الخسيس دون النفيس وبه قال احمد والراجح من مذهب الشافعي انه لا ينعقد بالتعاطى- قلنا التعاطي يدل على التراضي كالقول وهو المقصود قال الله تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ- ويشترط في المباشر من ولاية شرعية كائنة من ملك او وكالة او وصية او قرابة او غير ذلك (مسئلة) واختلفوا في بيع الفضولي فقال ابو حنيفة ومالك الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة فيصح بيعه ويتوقف على اجازة المالك- وكذلك شراء الفضولي عندهما يتوقف على اجازة المشترى له إذا أضاف الفضولي العقد الى المشترى له بان قال بع عبدك لزيد فقال بعت فقال الفضولي اشتريت لزيد- واما إذا لم يضف ينفذ على العاقد وبه قال الشافعي

فى القديم والراجح من مذهب الشافعي انه لا يصح- وعن احمد كالروايتين- احتج الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك وما رواه ابن الجوزي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بيع ما ليس عندك ولا ربح ما لم يضمن- قلنا المراد به البيع الذي تجرى فيه المطالبة من الجانبين وهو النافذ فالمنهى عنه بيع شيء معدوم عنده وقت البيع ثم يشتريه فيسلمه المشترى- يفيد هذا المراد سياق قصة حديث حكيم حيث قال حكيم يا رسول الله ان الرجل يأتينى فيطلب منى سعة ليست عندى فابيعها منه ثم ادخل السوق فاشتريها فاسلمها قال عليه السلام- لا تبع ما ليس عندك- رواه احمد واصحاب السنن وابن حبان فى صحيحه من حديث يوسف بن ماهك عن حكيم ووقع التصريح عن يوسف انه حدثه حكيم وادخل فى بعض الطرق عبد الله بن عصمة بين يوسف وحكيم وزعم عبد الحق ان عبد الله ضعيف جدا ونقل عن ابن حزم انه مجهول- قال ابن حجر هذا جرح مردود وقد روى عنه الثلاثة واحتج به النسائي- وقال الترمذي حسن صحيح ولنا حديث عروة البارقي ان النبي صلى الله عليه وسلم دفع دينار اليه ليشترى به شاة فاشترى شاتين وباع أحدهما بدينار وجاء بشاة ودينار فقال بارك الله لك في صفقة يمينك فكان لو اشترى ترابا ربح فيه- رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني وفي اسناده سعيد بن زيد ضعفه القطان والدارقطني ووثقه ابن معين- واخرج عنه مسلم في صحيحه وفيه ابو لبيد لمازة بن زياد قيل انه مجهول لكن وثقه ابن سعد واثنى عليه احمد وقال المنذرى والنووي اسناده حسن صحيح ورواه الشافعي والكرخي بسند اخر عن ابن عيينة عن شبيب بن عرفدة سمعه من قومه عن عروة البارقي- وقال الشافعي ان صح قلت به قال البيهقي انما ضعفه الشافعي لان قومه غير معروف فهو مرسل كذا قال الخطابي- وروى الكرخي بسند اخر عن شبيب بن عرفدة أخبرنا الحسن عن عروة البارقي فذهب الإرسال واتصل وايضا المرسل عندنا حجة وقد اعتضد بمسند ذكرنا قبله عن ابى لبيد عن عروة- وروى الترمذي من طريق حبيب بن ابى ثابت عن حكيم ابن حزام ان النبي صلى الله عليه وسلم دفع اليه دينارا ليشتري أضحية فاشترى شاة ثم باعها بدينارين ثم اشترى شاة بدينار فجاء بالشاة والدينار الى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره بذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم بارك الله في صفقتك فاما الشاة فضحى بها واما الدينار

فتصدق- قال الترمذي لا يعرف هذا الحديث الا من هذا الوجه وحبيب لم يسمع عندى من حكيم وروى ابو داود من طريق شيخ من اهل المدينة عن حكيم قال البيهقي ضعيف من أجل هذا الشيخ والله اعلم وإذا ظهر لك ان البيع هو مبادلة مال بمال والمال ينقسم الى قسمين ما هو مقصود بذاته فيقصد به صورته وماليته وهو العين- وما هو غير مقصود بذاته بل هو وسيلة لتحصيل غيره خلقه وهو النقدين- فالبيع ينقسم الى اربعة اقسام بيع العين بالنقد وهو البيع المطلق حيث ينصرف الذهن عند الإطلاق اليه فالعين هو المبيع والنقد هو الثمن ويشترط فيه وجود المبيع وتعيينه عند العقد اجماعا لانه هو المقصود بذاته ويقصد صورته وماليته ويدل على اشتراط كونه موجودا «1» حديث حكيم بن حزام وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المذكورين وحديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم تهى عن بيع الكالى بالكالئ- رواه الدارقطني- ولا يشترط فيه وجود الثمن ولا تعيينه بل يثبت في الذمة لانه غير مقصود بذاته ولا يقصد صورته- وكان القياس ان يشترط وجوده لان المعدوم ليس بمال لكن الشرع أبطل هذا الشرط دفعا للحرج واعتبر وجوده في الذمة لكن يشترط ان يكون الثمن معروفة الجنس والقدر والصفة والاجل ان كان مؤجلا كيلا يفضى الى المنازعة وهى يمنع الجواز- عن عائشة رضى الله عنها قالت اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودى طعاما الى أجل ورهنه درعا له من حديد- متفق عليه وعنها قالت توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودى بثلاثين صاعا من شعير- رواه البخاري وكذا روى احمد والترمذي عن ابن عباس وقال الترمذي هذا حديث صحيح وانعقد الإجماع على اشتراط تعيين المبيع دون الثمن وكون الثمن معروفا- والقسم الثاني بيع العين بالعين ويسمى مقائضة فكل واحد من البدلين هاهنا مبيع يشترط فيه ما يشترط في المبيع اجماعا ان كان البدلان «2» من ذوات القيم وان كان أحدهما من ذوات الأمثال والاخر من ذوات القيم تعين هذا المبيع وذلك للثمن لان الثمن لا يشترط وجوده فيكون في الذمة ولا يتصور الوجود في الذمة الا ما يحيط الذهن بقدره ووصفه- وان كانا من ذوات الأمثال فعلى قول علماء الحنفية يجب وجود أحدهما وتعيينه فيكون ذلك مبيعا وما كان

_ (1) فى الأصل موجود (2) فى الأصل البدلين

فى الذمة يكون ثمنا- وعلى ما ارى يجب وجودهما وتعيينهما معا لعدم ترجيح أحدهما على الاخر فى كونه مبيعا ولقوله عليه السلام إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد- وفي رواية عينا بعين- وعليه يحمل رواية يدا بيد- والقسم الثالث بيع النقد بالنقد ويسمى صرفا- ولما انتفى فيه المبيع ولا وجه لجعل أحدهما مبيعا والاخر ثمنا اعطى هاهنا ايضا كلا البدلين حكم المبيع ويجب وجودهما وتعيينهما في المجلس بل يجب قبضهما ايضا في المجلس لان النقدين لا يتعينان بالتعيين بل بالقبض- والقسم الرابع السلم وهو ضد البيع المطلق وهو ان يكون المبيع معدوما والثمن موجودا- وكان القياس ان لا يجوز هذا العقد لما ذكرنا لكن الشرع اباحه لدفع حاجة المساكين واعطى للثمن حكم المبيع واشترط في جانب المبيع شرائط وسنذكر هذه المسألة في تفسير اية المداينة ان شاء الله تعالى- وإذا تقرر ان البيع لا يكون الا مبادلة مال بمال ظهر ان بيع الميتة والدم والخمر والخنزير وكذا أكل ما ليس بمال او أبطل الشرع ماليته باطل لفقد ان معنى البيع- وكذا بيع ثوب ونحوه بتلك الأشياء خلافا لابى حنيفة فى بيع الثوب بالخمر والخنزير فانه قال فاسد حيث يملك المشترى عنده الثوب بالقبض ويجب عليه القيمة ولكل واحد منهما حق الفسخ دفعا للاثم وَحَرَّمَ الرِّبا الربوا في اللغة الزيادة قال الله تعالى ويربى الصّدقت والمعنى ان الله تعالى حرم الزيادة في القرض على القدر المدفوع والزيادة في البيع لاحد البدلين على الاخر- قال جمهور العلماء هذا مجمل طلب الزيادة بطريق التجارة غير محرم في الجملة قال الله تعالى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فالمحرم انما هو زيادة على صفة مخصوصة لا تدرك الا من قبل الشارع فهو مجمل وما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرمة الربوا في الأشياء الستة التحقه بيانا عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فاذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد- رواه مسلم وفي رواية لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق الى اخر الستة الأسواء بسواء عينا بعين يدا بيد لكن تبيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير

والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر يدا بيد كيف شئتم نقص أحدهما الملح او التمر او زاد أحدهما من زاد او ازداد فقد اربى- رواه الشافعي- وروى مسلم عن ابى سعيد الخدري كما روى عن عبادة وزاد في آخره فمن زاد او استزاد فقد اربى الاخذ والمعطى فيه سواء- وفي رواية عنه- لا تبيعوا الذهب بالذهب الا مثلا بمثل ولا تشفّوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق الا مثلا بمثل ولا تشفّوا بعضها على بعض ولا تبيعوا غائبا منها بناجز- متفق عليه- وفي رواية- لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق الا وزنا بوزن- وفي الباب عن عمر في الستة وعن على في المستدرك وعن ابى هريرة في مسلم- وعن انس في الدارقطني وعن ابى بكر في الصحيحين وعن بلال في البزار وعن ابن عمر في البيهقي فقال اصحاب الظواهر وابن عقيل من الحنابلة ان حرمة الربوا مقتصرة في هذه الأشياء الستة وهو المروي عن قتادة وطاءوس وعند الجمهور حكم الحرمة معلول وصف في هذه الأشياء يتعدى منها الى غيرها فذهب قوم الى ان العلة في الجميع امر واحد وهو المالية فاثبتوا الربوا في جميع الأموال- وذهب الأكثرون الى ان الربوا نثبت في النقدين بوصف وفي الاربعة بوصف اخر- اما النقدين فقال الشافعي ومالك العلة فيهما الثمنية فلا يتعدى الحكم عنهما الى غيرهما- وقال ابو حنيفة واحمد العلة فيهما الوزن فيتعدى منهما الى الحديد والرصاص والزعفران وكل موزون واما الاربعة فقال ابو حنيفة العلة فيها الكيل مع الجنس فيثبت الربوا في كل مكيل يباع بجنسه مطعوم وغير مطعوم- وبه قال احمد وفي رواية عنه الطعم مع الجنس وقال مالك- الاقتيات مع الجنس- وقال الشافعي في القديم الطعم مع الكيل او الوزن فكل مطعوم مكيل او موزون يثبت فيه لا فيما ليس بمكيل ولا موزون كالبيض وفي الجديد علة الربوا عنده الطعم مع الجنس فيثبت الربوا في جميع المطعومات من الثمار والفواكه والبقول والادوية- وجه قول مالك والشافعي في كون العلة هو الثمنية والطعم او الاقتيات ان اشتراط التقابض والتماثل في هذه الأموال يشعر بالعزة والخطر كاشتراط الشهادة فى النكاح لاظهار خطر البضع فوجب تعليلها بعلة يوجب العزو في الطعم بل في الاقتيات ذلك لتعلق بقاء النفوس به وفي الثمنية التي بها يتوصل الى جميع المقاصد اولى ان يعتبر العز والخطر ولا اثر للجنسية والكيل والوزن في ذلك فجعلناه شرطا والحكم قد يدور مع الشرط كالرجم مع الإحصان

وايضا يدل على كون الطعم علة حديث معمر بن عبد الله مرفوعا الطعام بالطعام مثلا بمثل- رواه مسلم فان ترتب الحكم على المشتق يدل على علية ماخذ الاشتقاق- والجواب انه لا بد في التعليل من كون العلة مناسبا- والترتيب على المشتق ايضا انما يدل على علية المأخذ بشرط المناسبة- والمناسبة هاهنا مفقودة لان ما به بقاء النفوس يشتد به الحاجة وما يشتد به «1» الحاجة يجرى فيه من الله تعالى التوسعة كالماء والكلاء ولا يناسب به التضيق- وايضا كون الطعام اسما مشتقا ممنوع بل هو اسم لبعض الأعيان كالبر والشعير لا يعرف به المخاطبون غيره من المطعومات كالقمر مع انه غالب مأكولاتهم ووجه قول ابى حنيفة في كون العلة الكيل او الوزن ان الحكمة في تحريم الربوا صيانة اموال الناس عن التوى ولاجل ذلك الصيانة وضع الكيل والوزن وامر الله تعالى بالعدل فيهما وقال وزنوا بالقسطاس المستقيم وقال وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة وأوجب المماثلة والزيادة والمماثلة لا يعرف الا بالكيل او الوزن فالمناسب ان يجعل ذلك علة وقد اعتبره رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا وماكيل فمثل ذلك وإذا اختلف النوعان فلا بأس به- رواه الدارقطني من حديث عبادة وانس وفي حديث ابى سعيد وابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سواد بن عرية وامّره على خيبر فقدم عليه بتمر جنيب يعنى طيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا قال لا والله يا رسول الله انا نشترى الصاع بالصاعين والصاعين بثلاثة اصع من الجمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- لا تفعل ولكن بع هذا بثمنه واشتر بثمنه من هذا وكذلك الميزان- يعنى ما يدخل في الميزان- رواه الدارقطني- قال العبد الضعيف عفا الله تعالى عنه والذي سخ لى ان اية الربوا ليست بمجلة فان المجمل ما لا يدرك معناه بالطلب والتأمل بل من جهة الشرع فقط وهاهنا ليس كذلك لكن فيه نوع إشكال يظهر بالتأمل وبيانه ان الربوا في اللغة الزيادة والزيادة عبارة عن فضل يعلو على المماثلة والمساوات وهى ضد الجنس والتنقيص فهذه الاية نظير قوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ فالله سبحانه كما أوجب ضمان العدوان بالمثل والمساوى كذلك أوجب في المبايعة والمقارضة

_ (1) وفي الأصل وما به يشتد الحاجة-

المماثلة والمساوات والواجب في ضمان العدوان في ذوات الأمثال اعنى المكيلات والموزونات المثل صورتا ومعنى برعاية اتحاد الجنس والقدر وفي ذوات القيم حيث لا يتصور المماثلة صورة ومعنى يكتفى بالمماثلة معنى ويقال الواجب هناك القيمة عملا بقدر الإمكان والقيمة عبارة عما يعتبره اهل البصارة مثلا له في المالية وذلك يختلف باختلاف الازمنة بكثرة الراغبين وقلتهم هذا في ضمان العدوان واما في المبادلات فالمعتبر في المماثلة المماثلة بالاجزاء كيلا او وزنا ان اتحد جنس البدلين وكانا من ذوات الأمثال كما في ضمان العدوان وان اختلف جنسهما سواء كانا من ذوات الأمثال او لم يكن أحدهما او كلاهما من ذوات الأمثال فحينئذ لا يتصور المماثلة صورة ومعنى لاختلافهما في الصورة فيكتفى حينئذ على المماثلة المعنوية في القيمة لما ذكرنا في ضمان العدوان- غير انه فى ضمان العدوان لم يسبق من المالك جعل شيء مثلا لماله فاعتبر هناك تحكيم اهل البصارة وفي المبادلات لما رضى مالكا البدلين بالمبادلة فقد حكم كل واحد منهما بالمماثلة بين البدلين فحكهما على أنفسهما اولى من حكم غيرهما عليهما- فصار مجموع كل من البدلين مثلا لمجموع البدل الاخر باصطلاحهما ولم يظهر الفضل ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم- وإذا تقرر هذا ثبت ان المكيلات والموزونات إذا بيع شيء منها بجنسه يحرم التفاضل بالاجزاء قطعا لقوله تعالى وَحَرَّمَ الرِّبا ويحرم النساء ايضا لان للنقد مزية على النسية فبعد تحقق المساوات في الكيل او الوزن يبقى ذلك المزية زيادة ربوا ولا جائز ان يجعل بعض الاجزاء مقابلا للاجل كما إذا بيع عشرة دراهم حالا بأحد عشر نسية لان الدرهم ذات والاجل وصف لا يعقل بينهما المساوات عقلا ولم يثبت شرعا بل الشرع أبطله ونهى عنه- فبقى بيع عشرة بأحد عشر وهو ربوا وكما لا يجوز ان يجعل بعض الاجزاء مقابلا لاجل كذلك لا يجوز ان يجعل بعض الاجزاء مقابلا لوصف الجودة لان الجودة ايضا وصف لا يعقل المساوات بينه وبين الذات عقلا ولا شرعا بل ثبت عن الشرع نفيه والنهى عنه كما ذكرنا حديث ابى سعيد وابى هريرة في قصة سواد بن عرية والله اعلم- وهل يحرم التفاضل بوصف الجودة مع المساوات في الكيل او الوزن فالجمهور على انه لا يحرم ذلك بل الوصف ملغاة شرعا قال صاحب الهداية لقوله صلى الله عليه وسلم جيدها ورديئها سواء فان صح هذا الحديث فهو حجة والا

فنقول الأوصاف لا يمكن ضبطها واعتبارها قال ابن همام فينسد باب البيعات قلت باب البيعات لا ينسد إذ يمكن ان يبيع الردى بالثمن ثم يشترى به الجيد كما امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ينسد باب القرض وقد قال الله تعالى وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ يعنى لستم بآخذى الردى في مقابلة الجيد ان كان لاحدكم على اخر حق من قرض او غير ذلك الا ان تغمضوا فيه فالاستثناء يدل على ان مراعاة الوصف في القرض ليس بلازم لكن يدل على ان صاحب الحق لو لم يأخذ الردى مكان الجيد كان له ذلك والله اعلم (مسئلة) وإذا بيع الرطب بالتمر او الذبيب بالعنب فالظاهر انه لا يجوز ذلك أصلا لا متساويا فى الكيل ولا متفاضلا وبه قال الجمهور وكذا الحال في الحنطة الرطبة واليابسة والمقلية- وقال ابو حنيفة يجوز بيع الرطب بالتمر وفي الذبيب والعنب عنه روايتان- لنا حديث سعد بن ابى وقاص قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسئل عن الرطب بالتمر فقال أينقص إذا يبس قالوا نعم قال فلا اذن وفي رواية- فنهى عن ذلك- رواه مالك والشافعي واحمد واصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبزار والبيهقي كلهم من حديث زيد ابى عياش قال في الهداية ضعفه اصحاب النقل قلت لم يثبت تضعيفه عن أحد- وقال ابن الجوزي قال ابو حنيفة زيد ابو عياش مجهول فان كان لا يعرفه ابو حنيفة فقد عرفه اهل النقل انتهى وقال ابن حجر وذكر روايته الترمذي وصححها وذكره مسلم في كتاب الكنى وقال سمع من سعد وروى عن عبد الله بن يزيد وذكره ابن خزيمة في رواية العدول عن العدول وقال الدارقطني هو ثقة قلت فصح الحديث وهذا الحديث يدل على ان الرطوبة ليست من اجزاء الاصلية الرطب والمعتبر المساوات في الاجزاء وذا لا يدرك فلا يجوز بيعه متفاضلا ولا متساويا- وقال الحنفية الرطب ان كان من جنس التمر جاز البيع لقوله صلى الله عليه وسلم بيعوا مثلا بمثل- وان كان من غير جنسه جاز لقوله صلى الله عليه وسلم فبيعوا كيف شئتم- قلنا انه من جنسه لكن لاجل رطوبته وتخلخل اجزائه لا يدرك المماثلة بالكيل فصار كالمجاز؟؟ فة- والعددى المتقارب كالجوز والبيض ايضا من المثليات فالظاهر ان لا يجوز بيع الجوز بالجوز وكذا البيض بالبيض إذا كانا من حيوان واحد لاحتمال التفاضل في الاجزاء الا بالوزن فان الوزن معتبر للتسوية شرعا ويحصل في هذا النوع به التسوية

وان لم يعهد وان كان البيض من حيوانين فحكمهما حكم مختلف الجنسين (مسئلة) وإذا بيع البر مثلا بالشعير فجميع ما قوبل من كل من البدلين صار مثلا لجميع الاخر باصطلاحهما فجاز الفضل بينهما ولم يجز النسية لان نقدية أحد البدلين زائد على المثل المصطلح فكان ربوا ولا يجوز جعلها مقابلا لبعض الاجزاء لما ذكرنا في المثلين الحقيقيين- (مسئلة) وإذا بيع البر بالحديد مثلا فقياس قولنا هذا يقتضى ان لا يجوز هناك النسية ايضا ويجوز التفاضل وبه يحكم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد (مسئلة) وإذا بيع الحيوان بالبر او نحوه او بالحديد او نحوه فحينئذ كان الحيوان مبيعا والمكيل او الموزون ثمنا ولا يشترط وجود الثمن بل يصح البيع بالثمن المؤجل اجماعا وكان القياس عدم جواز هذا البيع لكن ترك القياس بالنصوص والإجماع (مسئلة) وإذا بيع الحيوان بالحيوان من جنس واحد او من جنسين جاز التفاضل اجماعا وهل يجوز فيه النسية فقال ابو حنيفة لا يجوز مطلقا وقال الشافعي واحمد يجوز مطلقا وقال مالك ان كان من جنس واحد لا يجوز النسية مع التفاضل ويجوز من غير التفاضل وان كانا من جنسين يجوز مطلقا- احتج القائلون بالجواز مطلقا بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر جيشا فقال عبد الله بن عمرو ليس عندى ظهر قال فامره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبتاع ظهرا الى خروج المصدق فابتاع عبد الله بن عمرو البعير بالبعيرين الى أجل وسنذكر هذا الحديث في مسئلة السلم في اية المداينة ان شاء الله تعالى- وجه قول ابى حنيفة ان الحيوان لا يكون ثمنا في الذمة لكونه غير معلوم قدرا ووصفا ولا ينضبط بذكر الجنس والنوع والوصف ولذلك لا يجوز السلم فيه لعدم انضباطه ومن المنقول ما رواه احمد والترمذي والنسائي والدارمي وابن ماجة وابو داود عن سمرة ابن جندب ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسية وروى الدارقطني عن ابن عباس نحوه- وروى الترمذي واحمد عن الحجاج بن ارطاة عن ابى الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيوان اثنين بواحد لا يصح نساء ولا بأس به يدا بيد قال الترمذي حديث حسن واخرج الطبراني عن ابن عمر نحوه وروى ابن الجوزي حديث سمرة

وابن عباس وجابر ولم يذكر الطعن- وإذا تعارض هذه الأحاديث بحديث عبد الله بن عمرو في بيع البعير بالبعيرين الى أجل يترجح هذه الأحاديث بوجهين- أحدهما ان الاخذ بالمحرم اولى من المبيح احتياطا ولئلا يلزم تكرار النسخ- ثانيهما ان هذه الأحاديث موافق للقياس دون ذلك- (مسئلة) والشروط التي لا يقتضيها العقد في البيع وفيه منفعة لاحد العاقدين فهو من باب الربوا يفسد به البيع عند ابى حنيفة والشافعي وقال ابن ابى ليلى والنخعي والحسن البيع جائز والشرط فاسد- وقال ابن شبرمة واحمد البيع والشرط جائزان وقال مالك الشرط بمنفعة يسيرة للبائع من المبيع يصح والباقي لا يصح- لنا ان قوله تعالى وَحَرَّمَ الرِّبا يشتمله لانه زيادة فى أحد البدلين بعد التماثل بالاجزاء في متحد الجنس من المثليات وبالقيمة المصطلحة من العاقدين في غير ذلك ولا يمكن جعل الشرط مقابلا لبعض الاجزاء كالاجل والجودة- وكذا قول ابى حنيفة في كل شرط لا يقتضيه العقد وفيه نفع للمبيع وهو من اهل النفع كما إذا باع عبدا او امة على ان يعتقه او يكاتبه او يستولدها- روى ابن حزم في المحلى والطبراني في الأوسط والحاكم في علوم الحديث والخطابي من طريق محمد بن سليمان الذهلي عن عبد الوارث ابن سعيد قال قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن ابى ليلى وابن شبرمة فسالت أبا حنيفة عن رجل باع بيعا وشرط شرطا قال البيع باطل والشرط باطل- ثم أتيت ابن ابى ليلى فسالته فقال- البيع جائز والشرط باطل- ثم أتيته ابن شبرمة فسالته فقال- البيع جائز والشرط جائز- فقلت سبحان الله ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا في مسئلة واحدة فاتيت أبا حنيفة فاخبرته فقال ما أدرى ما قالا حدثنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع وشرط البيع باطل والشرط باطل- ثم أتيت ابن ابى ليلى فاخبرته فقال ما أدرى ما قالا حدثنى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أمرني النبي صلى الله عليه وسلم ان اشترى بريرة فاعتقها البيع جائز والشرط باطل- ثم أتيت ابن شبرمة فاخبرته فقال ما أدرى ما قالا حدثنى مسعر عن محارب بن دثار عن جابر قال بعت من النبي صلى الله عليه وسلم ناقة وشرط لى حملانها الى المدينة البيع جائز والشرط جائز انتهى فان قيل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرسل عند كثير من اهل العلم- أجيب بان هذا إذا لم يصرح بمرجع

الضمير من جده وقد ورد هاهنا التصريح فيما أخرجه ابو داود والترمذي والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل سلف ولا بيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك- قال الترمذي حديث حسن صحيح- ويؤيده حديث حكيم بن حزام في مؤطا مالك بلاغا- وأخرجه الطبراني من حديث محمد بن سيرين عن حكيم قال نهانى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اربع خصال فى البيع عن سلف وبيع وشرطين في بيع وبيع ما ليس عندك وربح ما لم يضمن- ومعنى السلف فى البيع البيع بشرط ان يقرضه دراهم وهو فرد من البيع الذي شرط فيه منفعة لاحد المتعاقدين هذا تحقيق ما احتج به ابو حنيفة من حديث عمرو بن شعيب- واما ما احتج به ابن ابى ليلى من حديث عائشة فقد رواه الشيخان في الصحيحين من حديثها انها قالت جاءت بريرة فقالت انى كاتبت على تسع أواق في كل عام وقية فاعينينى فقالت عائشة ان أحب أهلك ان أعدها لهم عدة واحدة واعتقك فعلت ويكون ولائك لى فذهبت الى أهلها فابوا الا ان الولاء لهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذيها فاعتقيها ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط فقضاء الله أحق وشرط الله أوثق انما الولاء لمن أعتق- وفي رواية ان عائشة أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم ان مواليها لا يبيعونها الا بشرط ان يكون لهم الولاء فقال لها اشترى واشترطى لهم الولاء انما الولاء لمن أعتق- متفق عليه ايضا بهذا اللفظ قال الرافعي قالوا ان هشاما تفرد بقوله اشترطى لهم الولاء ولم يتابعه سائر الروات- قال ابن حجر وقد قيل ان عبد الرحمن بن ايمن تابع هشاما على هذا فرواه عن الزهري عن عروة نحوه- واما حديث جابر فقد رواه الشيخان عنه قال غزوت ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا على ناضح قد أعيى فلا يكاد يسير فتلا حق بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما لبعيرك قلت قد أعيى فتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجره فدعاله فما زال بين يدى الإبل قدامها تسير فقال لى كيف ترى بعيرك قلت بخير قد أصابته بركتك قال افتبيعنيه بوقية- فبعته على ان لى فقار ظهره الى المدينة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة

غدوت عليه بالبعير فاعطانى ثمنه وردده علىّ- وفي رواية قال بعنيه بوقية- قال فبعته واستثنيت حملانه الى أهلي- متفق عليه وفي رواية للبخارى قال للبلال اقضه دينه وزده وزاد قيراطا- واحتج ابن الجوزي على جواز البيع والشرط بحديث جابر هذا- وبما روى بسنده عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق- وعن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم ما وافق الحق من ذلك- فلا بد هاهنا من البحث والتأمل حتى يندفع تعارض الأحاديث ويظهر المراد فنقول قوله عليه الصلاة والسلام ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط- لا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم ما وافق الحق من ذلك فان كلا الحديثين يدلان على ان من الشروط ما هو باطل ومنها ما هو صحيح وعليه انعقد الإجماع حيث يجوز في البيع شرط الخيار اجماعا ويبطل شرط ان يكون الولاء للبائع اجماعا فظهر ان حديث سمرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط ليس على عمومه بل المراد منه بعض انواع الشرط فحينئذ لا بد ان يبحث عن الشروط ايها يبطل في نفسها ولا يفسد به البيع ويكون ذلك محملا لقصة بريرة- وايها يبطل بحيث يفسد به البيع فيكون موردا للنهى في حديث سمرة- وايها لا يبطل فيكون محملا لحديث انس وعائشة فنقول اما الذي يبطل في نفسه ولا يفسد به البيع فمنها شرط لا يمكن للمشروط عليه إتيانه مثل شرط ان لا يقع العتق بإعتاق المشترى او ان يكون الولاء للبايع فمثل هذا الشرط باطل لغو وان كان مائة شرط ويعتبر كانه لم يكن فلا يفسد البيع وقصة بريرة من هذا الباب قال الشيخ ابن حجر ليس فيه التصريح بانهم اشترطوا العتق بل انما اشترطوا الولاء لهم- ومنها شرط ليس على مقتضى العقد حتى يصح وليس فيه منفعة لاحد حتى يكون في معنى الربوا كبيع ثوب على ان يلبسه المشترى في الأعياد او دابة على ان يكثر لها العلف فهو لغو لا يفسد البيع به- واما الذي لا يبطل من الشروط ويجب الإتيان بها ويكون محملا لحديث انس وعائشة فمنها ما كان على مقتضى العقد كشرط ان يحبس البائع المبيع الى ان يقبض الثمن فيجوز لانه مؤكد لموجب العقد- ومنها ما ثبت تصحيحه شرعا بما لا مرد له كشرط الاجل في الثمن في البيع المطلق- وفي المثمن في السلم فيجوز ايضا للنص وان كان على

خلاف القياس والحق ابو حنيفة بهذا ما كان متعارفا في الصدر الاول كشراء نعل على ان يحذوها البائع او يشركها- ومنها ما يتضمن التوثق بالثمن كالبيع بشرط الكفيل او الرهن فيجوز ايضا لانه مقرر لمقتضى العقد وهو تسليم الثمن- فان كان الكفيل حاضرا وقت البيع وقبل الكفالة وكان المرهون معلوما وقبضه البائع بإذن المشترى تم البيع والكفالة والرهن- والا فان اتى المشترى بما شرط عليه فبها والا يؤمر بدفع الثمن فان لم يدفع الثمن خير البائع في الفسخ- واما الذي يبطل العقد فشرط ليس مما ذكرنا وفيه منفعة لاحد العاقدين او للاجنبى او للمبيع وهو من اهل الاستحقاق كبيع الحنطة بشرط ان يطحنها البائع او يتركها في داره شهرا او يوما- او ثوب على ان يخيطه البائع او جمل على ان يركبه البائع الى مراحل او على ان يبيعه المشترى من فلان- فهذه الشروط يفسد العقد لانه زيادة عارية عن العوض فهو ربوا- ومن هذا الكلام اندفع التعارض وثبت العمل باية الربوا وبالأحاديث كلها غير حديث جابر انه شرط الركوب الى المدينة- فقيل الشرط في حديث جابر وهو استثناء حملانه لم يقع في صلب العقد قال ابن همام كذا قال الشافعي- قلت ولفظ الصحيحين يأبى عن ذلك وقال مالك لا بأس بشرط يكون فيه منفعة يسيرة لاحد المتعاقدين عملا بهذا الحديث قلت العمل بهذا الحديث ليس اولى من العمل باية الربوا فالاولى ان يقال حديث جابر منسوخ لان اية الربوا من اخر آيات القران نزولا قال الشعبي عن ابن عباس اخر اية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم اية الربوا وايضا تقرر في الأصول ان المحرم والمبيح إذا تعارضا قدم المحرم على المبيح احتياطا وكيلا يلزم تكرار النسخ وامر الربوا أشد واغلظ فيحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره قد ذكر الله تعالى الوعيد على الربوا بخمسة أوجه اولا بالتخبط حيث قال لا يقومون الّا كما يقوم الّذى يتخبّطه الشّيطن وثانيا بالخلود في النار حيث قال ومن عاد فاولئك اصحاب النّار هم فيها خلدون وثالثا بالحق حيث قال يمحق الله الرّبوا ورابعا بالكفر حيث قال وذروا ما بقي من الرّبوا ان كنتم مؤمنين وخامسا بالحرب حيث قال فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله- وعن عمر بن الخطاب ان اخر ما نزلت اية الربوا وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ولم يفسره لنا فدعوا الربوا والريبة- فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعنى بلغه بتبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم

[سورة البقرة (2) : آية 276]

حرمة الربوا ونهيه عنه فَانْتَهى اى اتبع النهى فَلَهُ ما سَلَفَ اى ما تقدم اخذه قبل التحريم لا يسترد منه وما مضى من أخذ الربوا غفر له- وما في موضع الرفع بالظرف ان جعل من موصولة وبالابتداء ان جعلت شرطية على رأى سيبويه إذا الظرف غير معتمد على ما قبله وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ فيما يستقبل من المعاصي ان شاء عذبه عليها وان شاء غفر له- وقيل معناه ان الله يجازيه ان كان قد انتهى بصدق النية- وقيل معناه وامره بعد النهى الى الله ان شاء عصمه حتى يثبت على الانتهاء وان شاء خذله حتى يعود فيه وَمَنْ عادَ الى أكل الربوا او الى القول بانما البيع مثل الربوا فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) على التأويل الثاني ظاهر فان استحلال الحرام كفر موجب للخلود في النار واما على التأويل الاول فالخلود مجاز عن المكث البعيد كما في قوله تعالى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها-. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا اى يذهب بركته ويهلك المال الذي يدخل فيه- عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أحد اكثر من الربوا الا كان عاقبة امره الى قلة رواه ابن ماجة وصححه الحاكم وفي رواية له الربوا وان كثر فان عاقبته الى قل وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ اى يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه- قد مر حديث ابى هريرة مرفوعا ان الله يقبل الصدقة فيربيها كما يربى أحدكم فلوه الحديث- متفق عليه وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما نقصت صدقة من مال ومازاد الله بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله الا رفعه- رواه مسلم والترمذي وروى احمد من حديث عبد الرحمن بن عوف بلفظ- ما نقص مال من صدقة- وقد تقدم حديث الملكين النازلين كل يوم يقول أحدهما- اللهم أعط منفقا خلفا الحديث وَاللَّهُ لا يُحِبُّ اى يبغض فان مقتضى القيومية المحبة ولا ينتفى المحبة الا بعارض يوجب البغض وهو الكفر ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الخلق عيال الله فاحب الخلق الى الله من احسن الى عياله- رواه البيهقي في الشعب عن عبد الله كُلَّ كَفَّارٍ مصر على تحليل المحرمات أَثِيمٍ (276) منهمك في الآثام. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالله ورسله وبما جاءوا به منه وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ- أتوا بما أمرهم الله على لسان رسله وانتهوا عما نهى عنه ومنه الربوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ خصهما بعد التعميم لاظهار شرفهما

[سورة البقرة (2) : آية 278]

فانهما رأس العبادات البدنية والمالية لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من ات وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) على ما فات عنهم بعد ما أدركوا أعظم نعم الله تعالى وهو الايمان مع الأعمال الصالحة- اخرج ابو يعلى في مسنده وابن مندة من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال بلغنا ان بنى عمرو بن عوف الثقفي كانوا يداينون بنى المغيرة بن عبد الله بن عمير بن مخزوم وكانوا يربون فلما اظهر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على مكة ووضع يومئذ الربوا كله فاتوا بنو عمر وبنو المغيرة الى عتاب بن أسيد وهو على مكة فقال بنو المغيرة ما جعلنا الله أشقى الناس بالربا ووضع عن الناس غيرنا فقال بنوا عمرو وصولحنا على ان لنا ربوانا فكتب عتاب في ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآيتين. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا اى اتركوا بقايا ما شرطتم على الناس من الربوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) بقلوبكم فامتثلوا بما أمركم الله به فان امتثال الا وامر والنواهي دليل صدق الايمان- واخرج ابن جرير عن عكرمة انها نزلت في ثقيف اربعة اخوة منهم مسعود وعبدياليل وحبيب وربيعة بنوا عمرو بن عمير كذا قال مقاتل وقال البغوي قال السدى نزلت في العباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربوا الى بنى عمرو بن عمير ناس في ثقيف فجاء الإسلام ولهما اموال عظيم في الربوا فانزل الله هذه الاية فقال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته يوم عرفة- الا كل شيء من امر الجاهلية تحت قدمى موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وان أول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بنى سعد فقتله هزيل وربوا الجاهلية موضوعة وأول ربوا أضعها ربوا عباس بن عبد المطلب فانها موضوعة كلها وروى مسلم في حديث جابر في قصة حجة الوداع في خطبة يوم عرفة هذه العبارة ولم يذكر ذكر نزول الاية فيه- وقال البغوي قال عطاء وعكرمة ان العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان رضى الله عنهما اسلفا في التمر فلما حضر الجذاذ قال لهما صاحب التمر ان أنتما أخذتما حقكما لا يبقى لى ما يكفى عيالى فهل لكما ان تأخذ النصف وتؤخر النصف وأضعف لكما ففعلا فلما حل الاجل طلبا الزيادة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله

[سورة البقرة (2) : آية 279]

عليه وسلم فنهاهما وانزل الله تعالى هذه الاية فسمعا وأطاعا وأخذا رءوس أموالهما. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا اى لم تذروا ما بقي من الربوا فَأْذَنُوا قرا حمزة وابو بكر فاذنوا بالمد على وزن أمنوا وكسر الذال اى فاعلموا غيركم انكم حرب الله ورسوله- واصله من الاذن اى أوقعوا في الاذان وقرا الآخرون فاذنوا بهمزة ساكنة على وزن المجرد بفتح الذال اى اعلموا أنتم وأيقنوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ تنكير الحرب للتعظيم- قال سعيد بن جبير عن ابن عباس يقال لا كل الربوا يوم القيامة خذ سلاحك للحرب وعن ابن عباس قال- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يشترى التمرة حتى يطعم وقال إذا ظهر الربوا في قرية فقد أحلوا بانفسهم عذاب الله رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد وعن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من قوم يظهر فيهم الربوا الا أخذوا بالسّنة وما من قوم يظهر فيهم الرشا الا أخذوا بالرّعب رواه احمد وَرَسُولِهِ قال اهل المعاني حرب الله النار وحرب الرسول السيف- ومن ثم قال البيضاوي ذلك يقتضى ان يقاتل المربى بعد الاستتابة حتى يفىء الى امر الله كالباغى- قلت والظاهر انه ان لم يكن له منعه يجب على الامام ان يحبسه حتى يتوب وان كان له منعه لا يقدر الامام على حبسه فهو الباغي يقاتل معه حتى يفىء الى امر الله وهذا هو الحكم فيمن ترك فريضة من الفرائض كالصلوة والزكوة ونحوهما او ارتكب كبيرة من الكبائر وأصر عليها بالإعلان روى رزين عن عمر بن الخطاب في مناقب ابى بكر- انه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب وقالوا لا نؤدى زكوة فقال ابو بكر لو منعونى عقالا لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله تالف الناس وارفق بهم فقال لى أجبّار في الجاهلية وخوار في الإسلام انه قد انقطع الوحى وتم الدين أينقص وأنا حي- وفي الصحيحين من حديث ابى هريرة قال ابو بكر- والله لا قاتلن من فرق بين الصلاة والزكوة فان الزكوة حق المال والله لو منعونى عناقا كانوا يؤدونها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال فعرفت انه الحق وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ بأخذ الزيادة عليها وَلا تُظْلَمُونَ (279) بالمطل والنقصان عن رأس المال- عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطلق الغنى ظلم وإذا اتبع على ملئى فليتبع- متفق عليه قال البيضاوي يفهم منه انهم ان لم يتوبوا

[سورة البقرة (2) : آية 280]

فليس لهم ما لهم إذا المصر على التحليل مرتد وماله فيء وهو سديد على ما قلنا يعنى على قول الشافعي فان مال المرتد كله فيء عنده- واما عند ابى حنيفة رحمه الله فما اكتسبه في حال الإسلام ينتقل بعد قتله او لحوقه بدار الحرب الى ورثته المسلمين وما اكتسبه في حالة الردة كان فيا والمفهوم ليس بحجة عند ابى حنيفة على انه إذا كان لورثته لم يكن له والله اعلم قال البغوي لما نزلت هذه الاية قالت بنو عمر والمربون بل نتوب الى الله تعالى لا يدلنا بحرب الله ورسوله- فرضوا برأس المال- هذا تتمة حديث ذكره ابو يعلى قال البغوي فشكا بنوا مغيرة العسرة وقالوا أخرونا الى ان تدرك الغلات فابوا ان يؤخروا فانزل الله تعالى. وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ كان هاهنا تامة لا يقتضى الخبر يعنى ان وقع غريم ذو عسرة- وقال البغوي لم يأت لها بخبر وذلك جائز في النكرة يقول ان كان رجل صالح فاكرمه- قلت يعنى ان كان ذو عسرة غريما- قرا ابو جعفر عسرة بضم السين والباقون بالإسكان فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ اى فالحكم نظرة او فعليكم نظرة- او فليكن نظرة وهى الامهال قرا نافع بضم السين والباقون بفتحها عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يسر على معسر «1» يسر الله عليه في الدنيا والاخرة- رواه مسلم في حديث وابن حبان هكذا مختصرا وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ اكثر ثوابا من الانظار- ويحتمل ان يراد بالتصدق هو الانظار لحديث عمران ابن حصين مرفوعا لا يحل دين امر مسلم فيؤخره الا كان له بكل يوم صدقة- رواه احمد يعنى الانظار خير لكم مما تأخذون- والظاهر ان المراد بالتصدق الإبراء وهو خير واكثر ثوابا من الانظار عن ابى هريرة قال اشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعته يقول ان أول الناس يستنظل في ظل الله يوم القيامة لرجل انظر معسرا حتى يجد شيئا او تصدق عليه مما يطلبه يقول مالى عليك صدقة ابتغاء وجه الله ويحرق صحيفته- رواه الطبراني وروى البغوي في شرح السنة بلفظ من نفّس عن غريم او محى عنه كان في ظل العرش يوم القيامة- وعن عثمان بن عفان نحوه- وروى البغوي عن ابى اليسر نحوه وروى الطبراني في الكبير من حديث اسعد بن

_ (1) عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب ان يسمع الله دعوته ويفرج كربته في الدنيا والاخرة فلينظر معسرا وليدع له ومن سره ان يظله الله من قعر جهنم يوم القيامة ويجعله فى ظله فلا يكونن على المؤمنين غليظا وليكن بهم رحيما منه رحمه الله

[سورة البقرة (2) : آية 281]

زرارة- وفي الأوسط من حديثه شداد بن أوس نحوه وعن ابى قتادة- انه كان يطلب رجلا بحق فاختبى منه فقال ما حملك على ذلك قال العسرة فاستخلفه على ذلك فحلف فدعا بصكه فاعطاه إياه وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من انظر معسرا ووضع عنه أنجاه الله من كرب يوم القيامة- وروى مسلم المرفوع منه- وعن ابى مسعود قال ان الملائكة تسلقت روح رجل كان قبلكم فقالوا له هل عملت خيرا قط قال لا قالوا تذكّر قال لا الا انى رجل كنت اداين الناس فكنت امر فتياتى ان تنظروا الموسر وتتجاوزوا عن المعسر قال الله تعالى تجاوزوا عنه- رواه مسلم- وروى مسلم عن عقبة بن عامر نحوه- وفي الصحيحين عن حذيفة نحوه إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) فضل الانظار والتصدق ما شق ذلك عليكم. وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ اى يوم القيامة او يوم الموت فتاهبوا لمصيركم اليه- قرا ابو عمرو ويعقوب بفتح التاء اى تصيرون والآخرون بضم التاء وفتح الجيم على البناء للمفعول اى تردون ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ اى جزاء ما كسبت من خير او شر وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281) بتنقيص ثواب او تضعيف عقاب قال ابن عباس هذه اخر اية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له جبرئيل ضعها على رأس مأتى اية وثمانين اية من سورة البقرة كذا قال البغوي وأخرجه الثعلبي من طريق السدى الصغير عن الكلبي عن ابى صالح عنه وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولها أحد وعشرين يوما كذا قال البغوي وقيل أحد وثمانين يوما أخرجه الفرياني عن ابن عباس وقيل سبع ليال ومات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الاول حين زاغت الشمس سنة أحد عشر من الهجرة كذا أخرجه ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير والله اعلم وان الله قد ختم الوحى باية التهديد-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ اى تعاملتم معاملة يجب فيه دين في ذمة أحد المتعاقدين- وانما قيدنا بقولنا في ذمة أحد المتعاقدين- لانه لا يجوز بيع الكالى بالكالئ بالإجماع مستندا بحديث ابن عمر- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه- رواه الدارقطني وهذه الاية يشتمل البيع والسلم والاجارة والقرض بل النكاح والخلع والصلح ايضا بِدَيْنٍ انما ذكره لئلا يتوهم من التداين المجازات وليكون مرجعا لضمير فاكتبوه- وهو نكرة وقع في حيز الشرط فيعم كل دين ثمنا كان او مثمنا مكيلا او موزونا او غيرهما مؤجلا كان او حالا- وبقوله

إِلى أَجَلٍ خرج منه ما كان حالا فانه لا حاجة الى كتابته غالبا مُسَمًّى اى سمى مدته بالأيام او الأشهر او السنين حتى يكون معلوما- وانما قيد به لان البيع بثمن مؤجل والسلم لا يجوز ما لم يكن الاجل معلوما فان جهالته يفضى الى المنازعة والاجل يلزم في الثمن في البيع وفي المبيع فى السلم وفي النكاح وغير ذلك الا في القرض فلا يكون لصاحب الحق الطلب قبل محله ولا لمن عليه الحق المطل بعد محله- واما في القرض فلا يلزم الاجل بالتأجيل لان الشرع اعتبره عارية كانّ المؤدّى عين المدفوع كيلا يلزم ربوا النساء- فهذه الاية بعبارته يشتمل البيع بثمن مؤجل والسلم وهو المعنى من قول ابن عباس اشهد ان السلف المضمون الى أجل مسمّى قد أحله الله في الكتاب واذن فيه قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ الاية- أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه على شرطهما عن قتادة عن ابى حسان الأعرج عنه ورواه الشافعي في مسنده والطبراني وابن ابى شيبة وعلقه البخاري والقياس يقتضى عدم جواز السلم لانه بيع المعدوم إذا المقصود من البيع هو المبيع والثمن انما يكون وسيلة اليه فيكفى فى الثمن وجوده الاعتباري وصفا ثابتا في الذمة واما المبيع فهو محل لورود البيع فانعدامه يوجب انعدام البيع ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك- لكن ترك هذا القياس لورود النصوص بإباحته وانعقاد الإجماع عليه- عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين وربما قال والثلاث فقال من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم الى أجل معلوم- متفق عليه- وعن عبد الله بن ابى اوفى قال كنا نستسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر في الحنطة والشعير والتمر والزبيب- رواه البخاري- وروى ابن الجوزي من طريق احمد سالت ابن ابى اوفى هل كنتم تسلفون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في البر والشعير والزيت قال نعم كنا نصيب غنائم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسلفها في البر والشعير والتمر والزيت فقلت عند من كان له زرع او عند من لم يكن له ذرع قال ما كنا نسئلهم عن ذلك- ثم انطلق الراوي الى ابن ابى أبزى فقال مثل ما قال ابن ابى اوفى- ولما كان جواز السلم على خلاف القياس اقتصر على مورد النص وهو المؤجل فلا يجوز السلم حالا عند ابى حنيفة ومالك واحمد وقال الشافعي يجوز حالا بالطريق الاولى او المساواة

قلنا انما أبيح على خلاف القياس لرفع حاجة الفقير العاجز حالا عن نفقة عياله القادر على المسلم فيه مالا وحاجة المشترى الى الاسترباح لعياله وهو بالسلم أسهل إذ يكون المبيع في السلم نازلا عن قيمته فى البيع غالبا وذا لا يكون الا بالتأجيل فليس الحال في معنى المؤجل- (مسئلة) اجمعوا على انه لا يجوز السلم الا فيما ينضبط في الذهن بذكر جنسه ونوعه وصفته وقدره- وعلى انه لا يجوز الا بذكر هذه الاربعة وذكر قدر الاجل حتى يتعين المبيع بقدر الإمكان ولا يقضى الى المنازعة وايضا يشترط عند الجمهور معرفة قدر رأس المال خلافا لابى يوسف ومحمد فيما إذا عين رأس المال بالاشارة- قلنا ربما يوجد بعضها زيوفا ولا يستبدل فى المجلس فلو لم يعلم قدره لا يدرى في كم بقي السلم وربما لا يقدر على المسلم فيه فيحتاج الى رد رأس المال والموهوم في هذا العقد كالمتحقق لشرعه مع المنافى- وزاد ابو حنيفة شرطا سابعا وهو تسمية مكان التسليم إذا كان لحمله مؤنة- وقال باقى الائمة مكان التسليم متعين وهو مكان العقد- وايضا زاد ابو حنيفة شرطا ثامنا وهو ان يكون المبيع موجودا من وقت العقد الى محله- وقال الجمهور لا يشترط ذلك بل يكفى وجوده عند محله- وجه قول الجمهور انه لم يرد هذا الشرط من الشرع والأصل العدم والعمومات كافية للاباحة- ووجه قول ابى حنيفة ما رواه ابو داود وابن ماجة واللفظ له عن ابن إسحاق عن رجل نجرانى قلت لعبد الله بن عمر اسلم في نخل قبل ان تطلع قال لا قلت لم قال لان رجلا اسلم في حديقة نخل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان يطلع النخل فلم يطلع النخل شيئا ذلك العام فقال المشترى أؤخرك حتى تطلع وقال البائع انما النخل هذه السنة فاختصما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للبائع أخذ من نخلك شيئا قال لا قال بم تستحل ماله اردد اليه ما أخذت منه ولا تسلموا في نخل حتى تبدأ صلاحها واخرج البخاري عن ابى البختري- سالت ابن عمر عن السلم في النخل قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يصلح وعن بيع الورق نسأ بناجز- وسالت ابن عباس عن السلم في النخل قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يؤكل- قلت وذلك الحديث فيه رجل نجرانى مجهول وابن إسحاق مختلف فيه والآثار لا يصلح حجة لكن قول ابى حنيفة أحوط في

عقد شرع مع المنافى (مسئلة) اتفقوا على جواز السلم في المكيلات والموزونات والمزروعات التي تنضبط فيجوز السّلم في هذه الديار في ثوب غليظ يكون في عرضه ثلاثمائة او اربعمائة او خمسمائة خيطا فانه قلما يتفاوت تلك الثوب ولا يجوز في غير مثل ذلك من الأثواب- وفي المعدودات التي لا يتفاوت احادها كالجوز والبيض الا في رواية عن احمد- واختلفوا في المعدودات المتفاوتة كالرمان والبطيخ فقال ابو حنيفة لا يجوز فيه السلم لا وزنا ولا عددا وهذا في ديار يباع فيها البطيخ عددا واما في ديارنا فيباع وزنا فيجوز وقال مالك يجوز مطلقا- وقال الشافعي- يجوز وزنا- وهو رواية عن احمد- (مسئلة) لا يجوز السلم في الحيوان عند ابى حنيفة ويجوز عند الثلاثة احتجوا بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امره ان يجهّز جيشا فنفدت الإبل فامره ان يأخذ على قلائص الصدقة وكان يأخذ البعير بالبعيرين الى ابل الصدقة- رواه ابو داود عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن ابى حبيب عن مسلم بن جبير عن ابى سفيان عن عمرو بن حريش عنه- ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وقال ابن القطان هذا حديث ضعيف مضطرب الاسناد فرواه حماد بن سلمة هكذا ورواه جرير بن حازم عن ابن إسحاق فاسقط يزيد ابن ابى حبيب وقدم أبا سفيان على مسلم بن جبير- قلت كذا ذكر ابن الجوزي في التحقيق ورواه عفان عن حماد بن سلمة فقال فيه عن ابن إسحاق عن يزيد بن ابى حبيب عن ابى حبيب عن مسلم عن ابى سفيان عن عمرو بن حريش- ورواه ابو بكر بن ابى شيبة عن عبد الأعلى فاسقط يزيد بن ابى حبيب وقدم أبا سفيان كما فعل جرير بن حازم وقال مكان مسلم بن جبير مسلم بن كثير ومع هذا الاضطراب فعمرو بن حريش مجهول الحال ومسلم بن جبير لم أجد له ذكرا وابو سفيان فيه نظر- وقال الشيخ ابن حجر ابن إسحاق قد اختلف فيه لكن أورده البيهقي في السنن وفي الخلافيات من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وصححه قلت ورواه ابن الجوزي- قلت هذا الحديث معارض بما ذكرنا من قبل من حديث سمرة وابن عباس وجابر انه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسية فيقدم المحرم على المبيح كما ذكرنا ثمه- واحتج ابو حنيفة على عدم جواز السلم في الحيوان بما أخرجه الحاكم والدارقطني عن إسحاق بن ابراهيم بن حوتا

حدثنا عبد الملك الذمارى حدثنا سفيان الثوري عن معمر عن يحيى بن ابى كثير عن عكرمة عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان وقال الحاكم صحيح الاسناد ولم يخرجاه- قال ابن الجوزي قال ابو ذرعة عبد الملك الذمارى منكر الحديث- وقال الرازي ليس بالقوى ووثقه العلاس واما إسحاق بن ابراهيم فمجهول- قلت لعل الحاكم عرف إسحاق حتى حكم بصحة الحديث والظاهر ان الحديث حسن قال ابن همام تضعيف ابن معين ابن حوتا فيه نظر بعد تعدد ما ذكر من الطرق الصحيحة والحسان مما هو بمعناه يرفعه الى الحجية بمعناه- وفي الباب اثر ابن مسعود رواه ابو حنيفة عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم قال دفع عبد الله بن مسعود الى زيد بن خويلة البكري مالا مضاربة فاسلم زيد الى عريس بن عرقوب الشيباني فى قلائص فلما حلت أخذ بعضها وبقي بعض فاعسر عريس وبلغه ان المال لعبد الله فاتاه يسترفقه فقال عبد الله افعل زيد فقال نعم فارسل اليه يسئله فقال عبد الله اردد ما أخذت وخذ رأس مالك ولا تسلمن ما لنا في شيء من الحيوان- قال صاحب التنقيح فيه انقطاع يعنى بين ابراهيم وعبد الله فانه انما يروى بواسطة علقمة او الأسود- قال ابن همام هذا غير قادح عندنا خصوصا فى إرسال ابراهيم النخعي- قلت لو صح هذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان لكان سندا لابى حنيفة في خلافية اخرى وهو انه لا يجوز قرض الحيوان عنده خلافا لمالك والشافعي واحمد احتجوا على جواز فرض الحيوان بحديث ابى رافع ان النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فاتاه ابل من ابل الصدقة فقال أعطوه فقالوا لا نجد الا رباعيا خيارا قال أعطوه فان خير الناس أحسنهم قضاء رواه مسلم وحديث ابى هريرة- كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّا فاغلظ له فهم له أصحابه فقال دعوه فان لصاحب الحق مقالا فقال لهم اشتروا سنّا فاعطوه إياه فقالوا انا لا نجد سنّا الا خيرا من سنه قال اشتروه وأعطوه فان خيركم أحسنكم قضاء- متفق عليه وجه قول ابى حنيفة في عدم جواز القرض فى الحيوان انه لا ينضبط فلا يجوز قرضه كما لا يجوز جعله ثمنا في البيع نسية والسلم فيه- وهذا التعليل في مقابلة الحديثين الصحيحين غير مقبول ما لم يصح حديث النهى عن السلف في الحيوان فان السلف يعم السلم والقرض فان صح حديث ابن عباس يجب تقديم المحرم

على المبيح والا فما ثبت عن رسول الله من استقراض البكر يقتصر على مورده ولا يقاس عليه غيره من الحيوانات لانه معدول عن سنن القياس فان قيل ان كان الحيوان غير منضبط ولا يجوز ثبوته في الذمة فلم جوزتم النكاح والخلع على عبد او امة او فرس وأوجبتم فيه الوسط- قلنا هاهنا قياسين قياس على البيع حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع نسية وقياس على الدية حيث أوجب فيها الإبل فقلنا ما كان فيه مبادلة مال بمال لا بد فيه كمال الانضباط وذلك كالبيع والاجارة والصلح عن الإقرار بمال- وما كان فيه مبادلة مال بغير مال كالنكاح والخلع والصلح عن دم عمد والصلح عن انكار لا يشترط فيه كمال الانضباط فيجوز فيه ذلك قياسا على الدية- ومن ثم اجمع المسلمون على ان غرة جنين الحرة عبد او امة وليس ذلك في غرة جنين الامة بل فيه دراهم او دنانير عشر قيمة الجنين او نصفه عند ابى حنيفة- ونصف عشر قيمة أم الجنين عند غيره وفي غرة البهائم ما نقص أم الجنين- ووجه الفرق ان في مبادلة المال بالمال يجرى المشاجرة والمماكسة عادة غالبا دون في مبادلة ما ليس بمال بمال فان المال فيه بمنزلة الصلة- ولعل الإبل في تلك البلاد بعد رعاية السن وغيره من الأوصاف تكون قليل التفاوت والتفاوت القليل مفتقر ضرورة والله اعلم- واعلم ان القياس يقتضى عدم جواز القرض مطلقا لانه ان كان في الدراهم او الدنانير يلزم النسية في الصرف وان كان في غيرهما يلزم بيع المعدوم ويلزم ربوا النسية ايضا في بعض المواد ولما ثبت بالنصوص والإجماع جواز الاقراض لاجل الضرورة قال العلماء في توجيه تصحيحه ان الشرع اعتبر القرض عارية كانّ المستقرض استعار مال الغير للانتفاع به ولمّا كان من الأموال ما لا يمكن الانتفاع به الا بالاستهلاك كالدراهم والدنانير والطعام وكان دفعه بعد الانتفاع به غير ممكن اعطى الشرع لمثله حكم عينه فمن ادى القرض بمثله كان كمن دفع المأخوذ بعينه ولاجل ذلك لا يلزم الاجل في القرض كما لا يلزم في العادية فان للمعير استرداد ماله من المستعير متى شاء فكلما يمكن فيه ذلك التوجيه قلنا بجواز الاقراض فيه ومالا فلا- وإذا تمهد هذا فنقول لا يتصور الاقراض الا في الدراهم والدنانير وما كان مثليا ينتفع به بالاستهلاك كالطعام واما ما كان باقيا بعد الانتفاع به كالثوب والدابة والعبد والامة والدار ونحو ذلك فلا يتصور ذلك التوجيه فيه إذ مع بقاء عين المدفوع الى المستقرض

عنده لا يمكن اعتبار مثله عينه بل حينئذ ان اعطى المالك ماله لغيره للانتفاع به يجب على المعطى له رد عين المأخوذ الى المعطى فيكون ذلك عارية حقيقة ومن ثم قال ابو حنيفة لا يجوز قرض الحيوان والثياب والإماء والعبيد وغير ذلك واختلف في بعضها- واجمعوا على عدم جواز اقراض الامة للوطى- (مسئلة) ان اهدى المستقرض الى المقرض شيئا او حمله على دابته او اسكنه في داره ولم يكن ذلك عادة بينهما او اعطى اكثر مما أخذ منه او أجود هل يحل ذلك للمقرض أم لا- فقال ابو حنيفة ومالك واحمد لا يحل له ذلك بل يكره وان لم يشترط- وقال الشافعي ان كان بغير شرط جاز وان كان بشرط لم يجز- احتج الجمهور بحديث انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اقرض أحدكم قرضا فاهدى اليه طبقا فلا يقبله او حمله على دابة فلا يركبها الا ان يكون بينه وبينه قبل ذلك- رواه ابن ماجة والبيهقي ورواه البخاري في التاريخ بلفظ فلا يأخذ هدية وعن سالم بن ابى الجعد قال جاء رجل الى ابن عباس فقال انى اقترضت رجلا يبيع السمك عشرين درهما فاهدى الىّ سمكة قومتها ثلاثة عشر درهما فقال خذ منه سبعة دراهم رواه ابن الجوزي- وعن عبد الله بن سلام إذا كان لك على رجل حق فاهدى إليك حمل تين او حمل شعيرا وحمل قت فلا تأخذه فانه ربوا- رواه البخاري وعن على رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة رواه الحارث بن اسامة في مسنده وفي اسناده سوار بن مصعب متروك ورواه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربوا- ورواه البيهقي فى السنن الكبير عن ابن مسعود وابى بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم واحتج الشافعي بما مر من حديث ابى رافع وابى هريرة- قالوا انا لا نجد الا سنا هو خير من سنة قال أعطوه فان خيركم أحسنكم قضاء- ويؤيد قول الشافعي حديث عائشة انها قالت- سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمير والخبز يقرضه الجيران فيردون اكثر او اقل فقال- ليس بذلك بأس انما هو امر يترافق بين الجيران وليس يراد به الفضل- وعن معاذ بن جبل انه سئل عن استقراض الخمير والخبز فقال سبحان الله هذا مكارم الأخلاق فخذ الصغير وأعط الكبير وخذ الكبير واعط الصغير خيركم أحسنكم قضاء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك- رواهما ابن الجوزي لكن يمكن ان يقال المساهلة والمهاداة جارية بين الجيران والخلاف فيما لم يجر بينه وبينه ذلك- و

هذين الحديثين حجة للجمهور في جواز اقراض الخبز والخمير فقيل يجوز اقراضها عددا وقيل وزنا وقال ابو حنيفة- لا يجوز والله اعلم فَاكْتُبُوهُ اى اكتبوا الذي تداينتم به لانه أوثق وادفع للنزاع- والجمهور على انه امر استحباب فان تركت فلا بأس به كقوله تعالى فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا- وقال بعضهم هى واجبة- وقال الشعبي- كانت كتابة الدين والاشهاد او الرهن فرضا ثم نسخ الكل بقوله تعالى فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ- قلت الناسخ ما يكون متراخيا في النزول وهذا ليس كذلك بل الآيتين نزلتا معا فهو قرينة دالة على كون الأمر بالكتابة ونحوها للاستحباب وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ يكتب برعاية حقوق الطرفين لا يزيد ولا ينقص امر للكاتب بالعدل وذلك امر وجوب ويتضمن ذلك امرا للمتداينين باختيار كاتب فقيه متدين وَلا يَأْبَ اى لا يمتنع كاتِبٌ من يعلم الكتابة أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ مثل ما علّمه من كتبة الوثائق - او لا يأب ان ينفع غيره بكتابته كما نفعه الله بتعليمها كقوله تعالى أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ- فَلْيَكْتُبْ تلك الكتابة المعلمة- امر بها بعد النهى عن الإباء بها تأكيدا- ويجوز ان يكون كما علّمه متعلقا به فيكون الأمر بالكتابة مطلقا في ضمن النهى عن الإباء عنها ثم الأمر بها مقيدة- واختلفوا في وجوب الكتابة على الكاتب وتحمل الشهادة على الشاهد- فقال مجاهد بوجوبها إذا طولب- وقال الحسن بوجوبها إذا تعين نهما يعنى واجب على الكفاية وقال الضحاك- كانت واجبة على الكاتب والشاهد فنسخها قوله تعالى وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وفيه ما ذكرنا فيما قبل وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ- والإملال والاملاء لغتان فصيحتان بمعنى واحد- يعنى ليكن الممل «1» على الكاتب المديون لان إقراره حجة عليه بخلاف الدائن فان قوله لا يعتد به ما لم يقربه المديون او يحكم به الحاكم بعد ثبوت شرعى وَلْيَتَّقِ المملل او الكاتب اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ اى لا ينقص من الحق الذي عليه او مما املى عليه المديون شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ناقص العقل مبذرا ويدخل فيه المجنون والمعتوه أَوْ ضَعِيفاً اى صغيرا او شيخا كبيرا اختل عقله وقيل هو ضعيف العقل «2» لصغر أو عته او جنون أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ لخرس اوعى او جهل باللغة او حبس او مرض

_ (1) فى الأصل المملى (2) فى الأصل ضعيف عقل-

او غيبة لا يمكنه حضور الكاتب او كانت امراة مخدرة لا تستطيع حضور الكاتب فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ اى الذي يليى امره من ولى الصبى او الذي اختل عقله او الوكيل او المترجم- قال البغوي قال ابن عباس ومقاتل أراد بالولى صاحب الحق يعنى ان عجز من عليه الحق من الإملال فليملل ولى الحق وصاحب الدين بِالْعَدْلِ لا يزيد على حقه لانه اعلم بالحق واولى من غيرهما للاملال فان قيل ايّ فائدة في املال الدائن مع ان قوله ليس ملزما على غيره قلنا فائدة الكتابة ان لا ينسى العاقد ان قدر الثمن او قدر رأس المال او المسلم فيه او الاجل او نحو ذلك لا ان يكون حجة فان الحجة انما هو الشهود- وَاسْتَشْهِدُوا اى اطلبوا ان يشهد المداينة شَهِيدَيْنِ اثنين مِنْ رِجالِكُمْ اى من المسلمين الأحرار فانهم هم المخاطبون بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ والمداينة غالبا لا يكون إلا بين الأحرار فلا يجوز عندنا شهادة الصبى لانه ليس برجل وبه قال مالك والشافعي واحمد وعامة العلماء- وفي رواية عن مالك يقبل في الجراح إذا كانوا مجتمعين لامر مباح قبل ان يتفرقوا- ويروى ذلك عن ابن الزبير والوجه لعدم قبول شهادتهم نقصان العقل والتميز فلا يجوز شهادة المجنون والمعتوه ايضا وعليه انعقد الإجماع لانه في معنى الصبى بل اولى لعدم القبول- ولا يجوز شهادة العبد عندنا وبه قال مالك والشافعي- وقال احمد تقبل شهادة العبد على الأحرار والعبيد- وهو قول انس بن مالك وبه قال إسحاق وداود- قال البخاري في صحيحه قال انس شهادة العبد جائزة إذا كان عدلا واجازه شريح وزرارة بن ابى اوفى- وقال ابن سيرين شهادته جائزة الا العبد لسيده- واجازه الحسن وابراهيم وقال شريح كلكم بنوا عبيد وإماء- الى هاهنا لفظ البخاري ولا يجوز شهادة كافر على مسلم اجماعا- وكذا لا يجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض عند مالك والشافعي واحمد لانه فاسق قال الله تعالى وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ- وعند ابى حنيفة يجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض وان اختلف ملتهم لان الذمي من اهل الولاية بخلاف العبد بدليل ولاية الذمي على أولاده الصغار وقال الله تعالى بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وبدليل مالكيته وكفره فسق في نفس الأمر واما في زعمه فديانة والكذب حرام في الأديان كلها- وقال ابن ابى ليلى وابو عبيدة مع اختلاف الملة لا تقبل شهادتهم

كشهادة اليهودي على النصراني- قال البيضاوي قوله تعالى مِنْ رِجالِكُمْ دليل على اشتراط الإسلام قلت الخطاب مع المؤمنين فالاية لا تدل على اشتراط سلام الشهود الا إذا كان المشهود عليه مؤمنا- واحتج ابن الجوزي بحديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يرث ملة ملة ولا يجوز شهادة اهل ملة على ملة الا أمتي فانه يجوز شهادتهم على من سواهم رواه الدارقطني وابن عدى- وهذا الحديث لو صح لكان حجة لابن ابى ليلى ولا يكون حجة لاحمد- وقال ابو حنيفة الكفر ملة واحد قال الله تعالى فَمِنْهُمْ «1» مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وحينئذ يكون حجة لابى حنيفة ايضا- لكن الحديث ضعيف في سنده عمر بن راشد قال الدارقطني ضعيف واحتج ابو حنيفة بحديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة اهل الكتاب بعضهم على بعض رواه ابن ماجة- وعنه قال- جاءت اليهود برجل وامراة منهم زنيا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لليهود ما يمنعكم ان تقيموا عليهما الحد فقالوا كنا نفعل إذا كان الملك لنا فلما ان ذهب ملكنا فلا نجترئ على الفعل فقال لهم ايتوني بأعلم رجلين منكم- فاتوه بابني صوريا فقال لهما أنتما اعلم من ورائكما قالا يقولون قال انشد كما بالله الذي انزل التورية على موسى كيف تجدون حدهما في التورية فقالا إذا شهد اربعة انهم راوا يدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة رجم- فقال ايتوني بالشهود فشهد اربعة فرجمهما النبي صلى الله عليه وسلم- رواه ابو داود وإسحاق بن راهويه وابو يعلى الموصلي والبزار والدارقطني- ورواه الطحاوي بلفظ قال عليه الصلاة والسلام تأتونى باربعة منكم يشهدون وهذان «2» الحديثان لجابر كلاهما ضعيفان تفرد به مجالد بن سعيد قال احمد- هو ليس بشيء- وقال يحيى- لا يحتج بحديثه- فَإِنْ لَمْ يَكُونا اى الشهود رَجُلَيْنِ اى لم؟؟ تشهادهما فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ اى فليستشهد رجل وامرأتان- واشتراط عدم تيسر رجلين للاستشهاد بالمرأتين مع الرجل يشعر كونهما بدلا من الرجل وان الأصل عدم الاستشهاد بهن فلشبهة البدلية لا يجوز شهادة النساء فيما يندرىء بالشبهات من الحدود والقصاص اجماعا- ويؤيده ما روى ابن ابى شيبة حدثنا حفص عن حجاج عن الزهري قال مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين بعده انه لا يجوز شهادة النساء في الحدود والدماء انتهى- وهذا مرسل والمرسل عندنا حجة وتخصيص

_ (1) فى الأصل منهم-[.....] (2) فى الأصل وهذين الحديثين

الخليفتين يعنى أبا بكر وعمر لانهما اللذان كان معظم تقرير الشرع وانعقاد الإجماعات في زمانهما وبعدهما ما كان من غيرهما الا الاتباع وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من بعدي ابى بكر وعمر رواه الترمذي عن حذيفة- قال الشيخ ابن حجر روى عن مالك عن عقيل عن الزهري كما رواه ابن ابى شيبة وزاد ولا في النكاح ولا في الطلاق- ولا يصح هذا عن مالك وقال الشافعي ومالك لا يجوز شهادة النساء الا في الأموال خاصة وتوابعها كالاذن وشرط الخيار والشفعة والاجارة وقتل الخطاء وكل جرح لا يوجب الا المال لا في النكاح والطلاق والوكالة والوصية والعتق والرجعة والنسب ونحو ذلك- وقال ابو حنيفة يجوز شهادة رجل وامرأتين في الحقوق كلها سوى الحدود والقصاص- وجه قولهم ان قبول شهادة رجلين او رجل وامرأتين امر تعبدى على خلاف القياس لانه من باب خبر الآحاد لا يفيد اليقين بصدق المدعى وكذب الاخر فكيف يرجب الزام المدعى عليه دعوى المدعى مع احتمال صدقه وكذب الشهود فيقتصر على مورد النص وهو الأموال كيف وقد قال الله تعالى في الرجعة واشهدوا ذوى عدل منكم- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولي «1» وشاهدى عدل رواه الدارقطني عن عائشة وابن مسعود وابن عمر وابن عباس نحوه- بخلاف رواية الحديث فانه ليس هناك الزام بل المسلمون ملتزمون احكام الله تعالى طالبون العلم به يلتمسون طرقه- فاذا وصل إليهم حكم بطريق قطعى اعتقدوه وعملوا به وان وصل إليهم بطريق ظنى بحيث لم يترتب عليه العلم اليقيني عملوا به رجاء للثواب او خوفا عن العذاب ما لم يعارضه حكم اخر بطريق أقوى منه وهذا امر يقتضيه العقل وايضا ثبت وجوب العمل بأحاديث الآحاد بالنصوص القطعية والإجماع ولهذا لا يشترط في الرواية

_ (1) (فائدة) اجمع العلماء على اشتراط الإعلان في النكاح لكن قال أكثرهم يحصل الإعلان بشهادة رجلين- وقال مالك لا يحصل- فلما ثبت اشتراط الإعلان بالإجماع جاز به الزيادة على الكتاب وهو قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم- وقوله تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ- منه قدس سره فائدة- قال احمد- لم يثبت في الشهادة في النكاح شيء وكذا قال ابن المنذر فان قيل إذا لم يثبت في اشتراط الشهادة في النكاح شيء فما وجه القول بكون الشهادة شرطا في النكاح قلت قد صح قوله صلى الله عليه وسلم أعلنوا النكاح- رواه احمد وابن حبان والحاكم في المستدرك والطبراني وابو نعيم في الحلية من حديث ابن الزبير والترمذي من حديث عائشة وحسنه فقال ابو حنيفة ومن معه في اشتراط الشهود في النكاح ان الا علان لما كان شرطا في النكاح يعتبر فيه ما هو طريق الظهور شرعا وذلك بشهادة شاهدين فان مع شهادتهما لا يبقى سرا وذلك ادنى مراتب الإعلان إذ لاحد لاقصاه قال الكرخي نكاح السر ما لم يحضره شهود فاذا حضروا فقد علن- وقال مالك الا علان قد يحصل بالدف وبالأخبار بعد النكاح ويفوت الإعلان إذا اشهد رجلين على النكاح ثم قيل لهما لا تخبرا بهذا النكاح أحدا- قلت بعد النكاح انما هى حالة البقاء ولا يشترط الإعلان في حالة البقاء اجماعا ولا ينفسخ النكاح بعد الانعقاد بالكتمان والإنكار- والضرب بالدف انما يوجب الإعلان بعد الانعقاد- ولذا شرطنا حضور الشاهدين وسما عهما سعا الإيجاب والقبول عن العاقدين حتى يثبت الإعلان في حال الانعقاد- منه رحمه الله

ما يشترط في الشهادة من الحرية والذكورة والعدد- ووجه قول ابى حنيفة- ان قبول الشهادة وان كان امرا تعبديا على خلاف القياس لكنه جار في جميع الحقوق اجماعا ماليا كان او لا- وهذه الاية لما اثبت جواز قبول شهادة النساء في الأموال بالعبارة أثبتت في غير ذلك من الحقوق بالدلالة بالطريق الاولى او المساوى- لان قبول الشهادة مطلقا انما شرع صيانة لحقوق الناس من الأموال والاعراض والإيضاع وصيانة الابضاع والاعراض اولى من صيانة الأموال او مثله قال عليه الصلاة والسلام في خطبته يوم عرفة ويوم النحر في حجة الوداع ان دماءكم وأموالكم واعراضكم حرام- الحديث في الصحيحين وغيرهما وقال حرمة مالكم كحرمة دمكم- وقال عليه الصلاة والسلام من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون اهله فهو شهيد- رواه احمد وابن حبان عن سعيد بن زيد وانما قلنا بعدم جواز شهادة النساء في الحدود ونحوها لوجوب اندرائها بالشبهات ولا كذلك النكاح وغير ذلك- وقوله وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ- لا يدل على عدم قبول شهادة النساء والزيادة على النص بدلالة نص اخر جائز اجماعا- واما حديث لا نكاح الا بولي وشاهدى عدل- فليس بصحيح اما حديث عائشة ففيه محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه قال احمد وعلى ضعيف وقال يحيى ليس بثقة وقال النسائي متروك الحديث وقال الدارقطني هو وأبوه ضعيفان وفي طريقة الاخر نافع بن ميسر ابو خطيب مجهول- واما حديث ابن عباس فقيه النهاش قال يحيى ضعيف وقال ابن عدى لا يساوى شيئا- واما حديث ابن مسعود ففيه بكر بن بكار قال يحيى ليس بشيء وايضا فيه عبد الله بن محرز قال الدارقطني متروك واما حديث ابن عمر فيه ثابت بن زهير منكر الحديث أحاديثه يخالف الثقات خرج عن جملة من يحتج به كذا قال ابو حاتم وابن عدى وابن حبان- (مسئلة) بهذه الاية يحتج ابو حنيفة على انه لا يجوز الحكم بشاهد واحد مع يمين المدعى في الأموال كما لا يجوز فى غيرها بالإجماع- والجمهور يجوزون في الأموال دون غيرها محتجين بما روى عن رسول صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد- رواه ابن الجوزي من حديث جابر وعليّ وقال وقد روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وابن عباس وابو هريرة وابن عمر وزيد بن ثابت وابو سعيد الخدري وسعد بن عبادة وعامر ابن ربيعة وسهل بن سعد وعمارة وعمرو ابني حزم والمغيرة بن شعبة وبلال بن الحارث وسلمة بن قيس وانس بن مالك وتميم الداري وزينب بنت ثعلبة وبيرق- قلت الحديث جابر فرواه احمد والترمذي وابن ماجة والبيهقي والطحاوي من حديث عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عنه قال الترمذي ورواه الثوري وغيره

يعنى مالكا «1» عن جعفر عن أبيه مرسلا وهو أصح ورواه الدارقطني عن أبيه عن على عليهم السلام بلفظ ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد واحد ويمين صاحب الحق- وهو منقطع قال الدارقطني في العلل كان جعفر ربما أرسله وربما وصله وقال الشافعي والبيهقي عبد الوهاب وصله وهو ثقة قلت قال الذهبي اختلط في اخر عمره- واما حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد- أخرجه ابو داود والطحاوي وحسنه الترمذي وقال الطحاوي حديث منكر لانه من رواية قيس بن سعد عن عمرو بن دينار ولا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشىء- واما حديث ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين- رواه الشافعي واصحاب السنن وابن حبان وقال ابن ابى حاتم عن أبيه هو صحيح وهذا الحديث رواه سهيل بن ابى صالح عن أبيه وسمعه منه ربيعة ابن ابى عبد الرحمن ثم اختلط حفظه بشيخه فكان يقول أخبرني ربيعة انى أخبرته عن ابى عن ابى هريرة- ذكر هذه القصة الشافعي والطحاوي عن الدراوردي- وروى هذا الحديث البيهقي من حديث مغيرة بن عبد الرحمن بن الزياد عن الأعرج عن ابى هريرة ونقل عن أحمد أن حديث الأعرج ليس في الباب أصح منه وروى الطحاوي عن سهيل بن ابى صالح عن أبيه عن زيد بن ثابت نحوه- وقال الطحاوي- منكر لان أبا صالح لا يعرف وله رواية عن زيد وفيه عثمان بن الحكم شيخ عبد الله بن وهب ليس بالذي يثبت مثل هذا بروايته- قلت قال الذهبي عثمان بن الحكم الجرامى شيخ لابن وهب قال ابو حاتم ليس بالمتين- قال ابو حنيفة- هذا الحديث لو صح فهو حديث احاد لا يجوز به الزيادة على الكتاب مع انه معارض بما هو أقوى منه روى الشيخان في الصحيحين عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو ان الناس اعطوا بدعواهم لادعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه- ورواه البيهقي بلفظ ولكن البيّنة على المدعى واليمين على من أنكر- وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه- رواه الدارقطني والترمذي- وحديث وائل بن حجر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمدعى بينتك فقال ليس لى بينة قال يمينه قال إذا يذهب بها يعنى بالأرض قال ليس الا ذلك- رواه الطحاوي بطرق- وجه التعارض ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل جنس اليمين على المدعى عليه وليس سوى الجنس شىء يرد على المدعى- وايضا القسمة بين المدعى والمدعى عليه بالبينة واليمين ينافى الشركة قال الطحاوي وما رويتم انه صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين يحتمل ان يكون مراده كما ذكرتم من يمين المدعى مع شاهد واحد ليحكم له ويجوز ان أريد به يمين المدعى عليه يعنى لما يقم المدعى على دعواه الا شاهدا واحدا فلم يعتد به

_ (1) فى الأصل مالك-

النبي صلى الله عليه وسلم واستحلف المدعى عليه ليحكم له فروى ذلك ليعلم الناس ان المدعى يجب له اليمين بمجرد الدعوى لا كما قيل لانه لا يجب له اليمين ما لم يقم بينة انه كانت بينه وبين المدعى عليه خلط ولبس- ويحتمل ان يكون الشاهد الذي شهد وحده خزيمة الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم ذا الشهادتين- قلت وهذا التأويل الثاني بعيد جدا- قلت وعندى تأويل اخر وهوان اللام في الشاهد واليمين للعهد اى بالشاهد المعهود في الشرع وهو رجلين او رجل وامرأتين من المدعى وباليمين المعهود على المنكر- او للجنس كما في حديث البينة للمدعى واليمين على من أنكر يعنى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاهد واليمين لا بشىء اخر من الوحى وغير ذلك- وتأويل آخر أن اللام للجنس والمراد باليمين يمين الشاهد يعنى قضى بالشاهد مع يمينه والمراد باليمين قوله اشهد فان لفظة اشهد من صيغ اليمين ويشترط لقبول الشهادة لفظة اشهد وهذه التأويلات وان كانت بعيدة لكن يرتكب مثلها لدفع تعارض النصوص والله اعلم والتحقيق ان المسألة مبنية على خلافية اصولية انه يجوز الزيادة على الكتاب بخبر الآحاد عندهم لا عنده والله اعلم- ((مسئلة)) اجمعوا على انه يجوز شهادة النساء وحدهن فيما لا يطلع عليه الرجال كالولادة والبكارة وعيوب النساء ثم اختلفوا فقال ابو حنيفة يكفى هناك شهادة امراة واحدة حرة مسلمة عادلة والثنتان أحوط- وقال مالك لا بد من ثنتين- وقال الشافعي لا بد من اربع لانه أقيمت شهادة امرأتين مقام رجل واحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل- ووجه قول مالك ان المعتبر في الشهادة العدد والذكورة لكن الذكورة سقطت للضرورة فبقى العدد لنا ما رواه محمد بن الحسن عن ابى يوسف عن غالب بن عبد الله عن مجاهد عن سعيد بن المسيب وعطاء بن رياح «1» وطاؤس قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر اليه- وهذا مرسل يجب العمل به وجه الاحتجاج ان اللام للجنس لعدم العهد فيصح بواحدة والأكثر احسن- وروى عبد الرزاق عن ابن جريح عن الزهري قال مضت السنة انه يجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال من ولادات النساء وعيوبهن- ورواه ابن ابى شيبة- وروى عبد الرزاق عن ابن عمر قال لا يجوز شهادة النساء وحدهن الا ما لا يطلع عليه الا هن من عورات النساء- وله مخارج اخرى- وعن حذيفة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة قابلة- رواه الدارقطني من حديث محمد بن عبد الملك عن الأعمش قال الدارقطني هو لم يسمع من الأعمش بينهما رجل مجهول- مِمَّنْ تَرْضَوْنَ- يعنى من كان غير متهم في شهادته بالفسق او قلة المروة او العداوة الدنيوية

_ (1) ابى رباح-

بينه وبين المشهود عليه او القرابة بينه وبين المشهود له- فلا يقبل شهادة الفاسق اجماعا لان العدالة شرط في الرواية حيث قال الله تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا- ففى الشهادة بالطريق الاولى والعدالة هو إتيان الواجبات والاجتناب عن الكبائر وترك الإصرار على الصغائر- وفي تفسير الكبائر كلام وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر الشرك بالله- والسحر- وقتل النفس- وأكل الربوا- وأكل مال اليتيم- والتولي يوم الزحف- وقذف المؤمنات المحصنات في المتفق عليه عن ابى هريرة وعقوق الوالدين- واليمين الغموس عند البخاري عن عبد الله بن عمر وشهادة الزور في المتفق عليه عن انس وابى بكرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أنبئكم بأكبر الكبائر قال الشرك وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس وقال الا وقول الزور الا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت وقال عليه السلام لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن الحديث فذكر نحوه- السرقة- وشرب الخمر والنهبة- والغلول رواه البخاري عن ابى هريرة وقال عليه الصلاة والسلام اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر متفق عليه عن عبد الله بن عمرو وفي المتفق عليه عن ابى هريرة ثلاث فذكر إذا وعدا خلف بدل الأخيرين وقيل الكبيرة ما فيه حد وقيل ما ثبت حرمته بنص القران- وقيل ما كان حراما بعينه كاللواطة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذى غمر على أخيه ولا يجوز شهادة القانع لاهل البيت ويجوز شهادته لغيرهم- والقانع الذي ينفق عليه اهل البيت رواه احمد وابو داود وابن ماجة وابن دقيق العبد والبيهقي وزاد ابو داود بعد قوله ولا خائنة ولا زان ولا زانية- قال ابن الجوزي فيه محمد بن راشد ضعيف- وقال في التنقيح- وثقه احمد بن حنبل- وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حدا ولا ذى غمر لاخيه يعنى ذى عداوة ولا قانع لاهل البيت لهم ولا ظنين في ولاد ولا قرابة رواه الترمذي والدارقطني والبيهقي من حديث يزيد بن زياد الدمشقي وهو ضعيف وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا يجوز شهادة الوالد لولده ولا الوالدة ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامراته ولا العبد لسيده ولا السيد لعبده ولا الشريك لشريكه في الشيء بينهما ولكن في غيره ولا الأجير لمن استأجر- رواه الخصاف بسنده-

((مسئلة)) قال ابو حنيفة يقتصر الحاكم في العدالة على ظاهر صلاحه ولا يسئل عن حاله الا إذا طعن فيه الخصم- وقال ابو يوسف ومحمد لا بدان يسئل عنهم سرا وعلانية طعن الخصم او لا- وبه قال الشافعي واحمد وقال مالك من كان مشهورا بالعدالة لا يسئل عنه ومن عرف جرحه ردت شهادته ويسئل إذا شك- احتج ابو حنيفة بقوله صلى الله عليه وسلم- المسلمون عدول بعضهم على بعض الا محدودا في قذف- رواه ابن ابى شيبة- وعن عمر بن الخطاب انه كتب لابى موسى الأشعري وفيه المسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجلودا في قذف او مجربا في شهادة زورا وظنينك في ولاء او قرابة- رواه الدارقطني من طريق فيه عبد الله ابو حميد وهو ضعيف ومن طريق اخر حسنه واخرج البيهقي من طريق غير الطريقين قال العلماء الحنفية والفتوى على قول ابى يوسف ومحمد قالوا والخلاف انما هو خلاف زمان لا خلاف حجة وبرهان لان الغالب في زمان ابى حنيفة كان الصلاح ثم فسد الزمان في وقت صاحبيه والحق كذلك قلت والفتوى في زماننا هذا على قول ابى حنيفة لان في زماننا لا يوجد رجل عدل على ما شرط في الكتب فلو ضيقنا الأمر يتوى حقوق الناس وينسد باب القضاء بل في زماننا هذا الفاسق إذا كان وجيها ذا مروة يغلب على الظن انه لا يكذب في الشهادة او دلت القرائن على صدقه يقبل شهادته- واختار المتأخرون تحليف الشهود مقام التزكية- فان قيل هذا تعليل فى مقابلة النص فلا يقبل- قلنا بل هو مقتضى النص فان قوله تعالى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ... - مِمَّنْ تَرْضَوْنَ يقتضى كون الشهداء من رجال كل قرن مرضيين منهم وكيف يمكن في قرتنا هذا ان تستشهد مثل ابى حنيفة إذ لا يوجد عادل في هذا القرن وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه انكم في زمان من ترك منكم عشر ما امر به هلك ثم يأتى زمان من عمل منهم عشر ما امر به نجا- رواه الترمذي عن ابى هريرة- وتأويل هذا الحديث ان الله سبحانه يغفر ذنوب رجال يريدون الله والدار الاخرة في الازمنة الفاسدة اكثر مما يغفر ذنوب رجال صالحين من القرون الصالحة وان كان ذنوبهم اكثر من ذنوب أولئك لان المعاصي صارت مباحة في هذه القرون ومثل الفريقين كمثل العسكرين عسكر يجاهدون كلهم كمال المجاهدة وعسكر في أكثرهم وصبر بعضهم نوع صبر ولم يفروا فالسلطان يعطى هؤلاء الصابرين اكثر مما يعطى أولئك المجاهدين والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ويغفر لمن يشاء الكبائر ويعذب من يشاء على الصغائر مِنَ الشُّهَداءِ كلمة من للتبعيض فهو يدل على ان الفاسق ايضا اهل للشهادة فان قبل القاضي

شهادته جار لكنه يأثم إذا لم يبالغ في طلب الحق غاية وسعه أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما قرأ حمزة ان بكسر الهمزة فحينئذ تضل مجزوم بناء على الشرط لم يظهر جزمه بالتشديد ومعناه ينسى فَتُذَكِّرَ بالرفع على انه خبر مبتدأ والجملة الاسمية جزاءاى فهى تذكرها إِحْداهُمَا الْأُخْرى وقرأ العامة ان بالفتح ونصب تضل بان فتذكّر منصوبا معطوفا على ما سبق قرا ابن كثير وابو عمرو فتذكر مخففا من الافعال والباقون مشددا من التفعيل ومعناهما واحد من الذكر ضد النسيان- وفيه اشعار على نقصان عقلهن وقلة ضبطهن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رايت من ناقصات عقل ودين اذهب للب الرجل الحازم من إحداكن قلن يا رسول الله ما نقصان عقلنا قال أليس شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل قلن بلى قال فذلك من نقصان عقلها قلن فما نقصان ديننا يا رسول الله قال أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم قال فذلك من نقصان دينها وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا قيل أراد به إذا دعو التحمل لشهادة واسم الشهداء حينئذ مجاز فيمن سيتصف بالشهادة وهو امر إيجاب عند بعضهم وقال قوم يجب الاجابة إذا لم يكن غيرهم فان وجد غيرهم فهم مخيرون وهو قول الحسن- وقال قوم هو امر ندب- وقيل معناه إذا دعوا لاداء شهادة تحملوها من قبل وهو قول مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وذلك واجب البتة بدليل قوله تعالى وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وعن ابى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كتم شهادة إذا دعى إليها كان كمن شهد بالزور رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفي سنده عبد الله بن صالح كاتب ليث احتج به البخاري ((مسئلة)) إذا دعى الشاهد الى مجلس الحاكم كى يؤدى شهادته قيل يلزم ذلك إذا كان مجلس القاضي قريبا فان كان بعيدا فلا لقوله تعالى وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ- وعن نصر ان كان بحال يمكنه الرجوع الى اهله فى يومه يجب لانه لا ضرر عليه ((مسئلة)) لو كان الشاهد شيخا فاركبه الطالب على دابته فلا بأس به- وعن سليمان فيمن اخرج الشهود الى ضيعه فاستأجر لهم حميرا فركبوها لا يقبل شهادتهم- وفصّل في النوازل بين كون الشاهد شيخا لا يقدر على المشي ولا يجد ما يستاجر به دابة فيقبل وما ليس كذلك فلا يقبل- قال ابن همام وفيه نظر لان إكرام الشهود مأموربه ((مسئلة)) ولو وضع للشهود طعاما فاكلوا ان كان مهيا من قبل ذلك يقبل شهادتهم وان صنعه لاجلهم لا يقبل هذا قول ابى حنيفة وعن محمد لا يقبل فيهما وعن ابى يوسف يقبل فيهما- قال ابن همام وهو الاوجه للعادة الجارية بالطعام

من حل محله ممن يعز عليه شاهدا كان اولا هذا فيما لا يشترط واما إذا اشترط فهو اجرة ورشوة حرام على الشاهد اخذه وعلى المشهود له إعطاؤه وان أخذ الشاهد لا يقبل شهادته سواء تعين هو للشهادة بان لا يكون غيره شاهدا او لم يتعين لانه إذا اشترط صارا جيرا عاملا لنفسه بالاجرة- وقال الشافعي ان تعين عليه لا يجوز له أخذ الاجرة وان لم يتعين عليه جاز لانه ليس بفريضة عليه- قلنا ان تعين فهو فرض عين والا ففرض كفاية ولو سلمنا فهو مندوب ولا يجوز أخذ الاجرة على العبادة عندنا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في النار رواه الطبراني في الصغير عن ابن عمر بإسناد حسن- وَلا تَسْئَمُوا اى لا تملوا من كثرة مدايناتكم أَنْ تَكْتُبُوهُ اى الدين او الحق او الكتاب صَغِيراً كان الحق أَوْ كَبِيراً مضافا إِلى أَجَلِهِ اى وقت حلوله ذلِكُمْ اشارة الى ان تكتبوه أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ اى اكثر عدلا وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ اى اثبت لاداء الشهادة وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا اى اقرب ان لا تشكوا عند الشهادة في جنس الدين او قدره او اجله او نحو ذلك وهما مبيّنان لاقسط- او يكون المعنى ذلك اى الكتابة اقسط عند الله في حق من له ومن عليه الحق فلا ينسى ما له وما عليه فلا يدعى المدعى الزيادة ويقربه المدعى عليه وأقوم في حق الشاهد للشهادة فلا يزيد ولا ينقص فى الشهادة وقت الأداء وأدنى ان لا ترتابوا ايها الخصماء والشهداء- قيل فائدة الكتابة في الشاهد ليس الا ان يتذكر الوقعة التي شهدها ولا يجوز للشاهدان راى خطه ان يشهد الا ان يتذكر شهادته كذا ذكر في القدورى وغيره وقال صاحب الهداية هذا قول ابى حنيفة وعندهما يحل له الشهادة إذا راى خطه وان لم يتذكر وقيل هذا يعنى عدم جواز الشهادة بالاتفاق- وانما الخلاف فيما إذا وجد القاضي شهادته في ديوانه وهو تحت ختمه يؤمن عليه من الزيادة والنقصان هل يجوز للقاضى العمل عليه- ولا كذلك الشهادة فى الصك إذا كان في يد المدعى لانه لا يؤمن من التغير والخط يشبه الخط وهذا يدل على انه ان كان المكتوب عند الشاهد بحيث لا يحتمل التغير يجوز للشاهد ان يشهد عليه وان لم يتذكر عند ابى يوسف ومحمد وقال ابو حنيفة لا يجوز وجه قول الصاحبين ان المكتوب إذا كان مامونا من التغير فهو كالمتذكر الا ترى ان الصحابة والتابعين كانوا يعملون على كتب النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه كما كانوا يعملون على خطاباته- وقد مرقصة عبد الله بن جحش وكتابه في تفسير قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ- ووجه قول ابى حنيفة ان الشهادة مبنىّ على المشاهدة ومن ثم يشترط لفظ الشهادة

وقد قال عليه الصلاة والسلام- إذا رايت مثل الشمس فاشهد إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً قراهما عاصم بالنصب على خبر كان والاسم مضمر اى الا ان تكون التجارة تجارة حاضرة ورفعها «1» الآخرون على انه اسم كان تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ ليس فيها أجل- وهذه الجملة صفة لتجارة على قراءة عاصم وكذا على قراءة الجمهور ان كان تامة والا فهو خبرها- والاستثناء منصرف الى الأمر بالكتابة- والتجارة الحاضرة يعم المبايعة بدين حال او عين فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها اى التجارة- وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ قال الضحاك وداود الأمر للوجوب فالاشهاد واجب سواء كان بالنقد او النسية- وقال ابو سعيد الخدري كان واجبا فنسخ بقوله تعالى- فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً- وعند الجمهور الأمر للندب- وكثيرا ما لم يشهد النبي صلى الله عليه وسلم عند المبايعة روى احمد من حديث عمارة بن خزيمة عن عمه وهو من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي فاسرع النبي صلى الله عليه وسلم في المشي ليؤتى ثمن فرسه وابطا الاعرابى فطفق «2» رجال يعرضون للاعرابى فيساومون بالفرس لا يشعرون ان النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم الاعرابى في السوم على ثمن الفرس فنادى الاعرابى النبي صلى الله عليه وسلم ان كنت مبتاعا لهذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الاعرابى فقال او ليس قد ابتعته منك- فقال لا والله ما بعتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلى قد ابتعته فطفق الاعرابى يقول هلم شهيدا يشهدانى قد بايعتك- فطفق الناس يقولون للاعرابى ويلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقول الا حقا حتى جاء خزيمة فاستمع مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ومراجعة الاعرابى وطفق الاعرابى يقول هلم شهيدا يشهد انى بعتك فقال خزيمة انا اشهد انك قد بايعته- فاقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال بم تشهد قال بتصديقك يا رسول الله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين- قلت وعندى ان النبي صلى الله عليه وسلم انما حكم كذلك لعلمه بانه قد بايع وان الاعرابى كاذب في إنكاره لا بشهادة خزيمة وحده وانما جعل شهادة خزيمة بشهادة رجلين لما راى قوة إيمانه ولمال عقله ودرايته- ويستنبط من هذا الحديث ان القاضي لو كان عالما بالحق يسعه الحكم على وفق علمه لان علمه فوق ما يحصل من الظن بشهادة رجلين- كما ان أبا بكر حكم على فاطمة بمنع الإرث بحديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الأنبياء لا نورث- وان السلطان او القاضي او غيرهما لو ابتاع من غيره شيئا او كان له حقّ «3» على الغير وهو يعلم ذلك يقينا وسعه ان يأخذ من ذلك الغير حقه جبرا وان كان ذلك الغير

_ (1) فى الأصل رفعها (2) فى الأصل فطق (3) فى الأصل حقا

[سورة البقرة (2) : آية 283]

منكرا لحقه ولا تبيعة عليه في ذلك عند الله تعالى- لكن لو رفع هذا الأمر الى قاضى غيره لا يجوز لذلك الغير الحكم بعلم السلطان والقاضي المدعى ما لم يقم عليه بينة والله اعلم وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ يحتمل ان يكون لا يضار مبنيا للفاعل يعنى لا يضر كاتب ولا شهيد أحدا من المتبايعين من ترك الاجابة إذا كان متعينا للشهادة والكتابة والتحريف والتغيير في الكتابة او الشهادة وهذا قول طاؤس والحسن وقتادة- ويحتمل ان يكون مبنيا للمفعول اى لا يضر المتبايعان الكاتب فلا يعطيان جعله ولا الشاهد ان يدعوه الى الشهادة وهو على شغل او مريض او ضعيف وهو غير معين للشهادة بل كان على تلك الوقعة شهود «1» غيره ايضا وَإِنْ تَفْعَلُوا سانهيتكم من الضرار فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ اى خروج عن طاعة الله تعالى ومعصيته لاحق بكم فيها وَاتَّقُوا اللَّهَ فى مخالفة امره وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ مصالح دينكم ودنياكم وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) كرر لفظ الله في الجمل الثلاث لاستقلالها فان الاولى حث على التقوى والثانية وعد بانعامه والثالثة تعظيم لشأنه-. وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ اى مسافرين وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ قرأ ابن كثير وابو عمرو بضم الراء والهاء والباقون فرهان بكسر الراء والف بعد الهاء- ورهن جمع رهن بفتح الراء وسكون الهاء مثل بغل وبغال- ورهن بالضمتين جمع رهان جمع الجمع كذا قال الفراء والكسائي وقال ابو عبيد وغيره رهن بالضمتين جمع رهن بالفتح والسكون ايضا على وزن يسقف وسقف- والرهن لغة حبس الشيء قال الله تعالى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ- وفي الشرع جعل اسما لما يحبس بحق يمكن استيفاؤه منه- ولما كان الحبس هو معناه اللغوي والمعنى اللغوي يكون معتبرا في المعنى الشرعي فهو عقد لازم لا يجوز للراهن استرداده من المرتهن ما بقي عليه درهم- وقوله تعالى فرهن خبر مبتدأ محذوف او فاعل فعل محذوف مبنى للمفعول اى فالذى يستوثق به رهن او فليؤخذ رهن او فعليكم رهان- والأمر ليس للايجاب اجماعا بل للارشاد والشرط خرج مخرج العادة على الأعم الا غلب فليس مفهوم معتبرا عند القائلين بالمفهوم ايضا حيث يجوز الرهن في الحضر ومع وجود الكاتب اجماعا وقال مجاهد وداود لا يجوز الا في السفر عند عدم الكاتب- لنا حديث عائشة رواه الائمة الستة وحديث انس رواه البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه بالمدينة من يهودى بعشرين صاعا من شعير اخذه لاهله ومات عليه السلام وكان درعه مرهونا عنده مَقْبُوضَةٌ لاجل هذا القيد قال ابو حنيفة والشافعي واحمد لا يجوز الرهن اى لا يلزم بدون القبض- وقال مالك يلزم بنفس العقد ويجبر الراهن على التسليم لنا ان مشروعيته ولزومه ثبت بنص القران مقبوضة وكان

_ (1) فى الأصل شهودا

القياس يقتضى كونه تبرعا غير لازم لان الراهن لا يستوجب بمقابلته على المرتهن شيئا فيقتصر على مورد النص- ولاجل اشتراط القبض في الرهن قال ابو حنيفة لا يجوز رهن المشاع سواء كان قابلا للقسمة اولا لان الشيوع ينافى دوام القبض بل يقتضى المهاباة فصار كما إذا قال رهنتك يوما دون يوم والرهن بمعنى الحبس يقتضى دوام الحبس لان المطلق ينصرف الى الكامل- بخلاف الهية فان المانع هناك من الهبة في المشاع غرامة القسمة على الواهب وهو فيما يحتمل القسمة لا فيما لا يحتمله وقال مالك والشافعي واحمد يجوز رهن المشاع مطلقا سواء كان قابلا للقسمة اولا- (مسئلة) وإذا تم الرهن بالقبض خرج المرهون من ملك الراهن يدا وبقي في ملكه رقبة وملكه المرتهن يد الا رقبة فلا يجوز للراهن الانتفاع بالمرهون من ركوب الدابة المرهونة والسكون في الدار ولبس الثوب ونحو ذلك الا برضاء المرتهن لانه ينافى مالكية المرتهن يدا ولزوم حبسه دائما هذا عند ابى حنيفة رحمه الله وقال الشافعي يجوز للراهن الانتفاع به لقوله صلى الله عليه وسلم الرهن مركوب محلوب- رواه الدارقطني والحاكم عن حديث الأعمش عن ابى صالح عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم واعل هذا الحديث ابن ابى حاتم فقال قال ابى رفعه مرة ثم ترك الرفع بعده- ورجح الدارقطني ثم البيهقي رواية من وقفه عن من رفعه- قلنا هذا الحديث مجمل يحتمل ان يكون مركوبا للراهن ويحتمل ان يكون مركوبا للمرتهن فلا يجوز الاستدلال به (مسئلة) ولا يجوز للراهن شىء من التصرفات الشرعية في المرهون- فان فعل فما كان منها يحتمل الفسخ كالبيع والهبة ونحو ذلك ينعقد بناء على ملك الرقبة ويتوقف على اجازة المرتهن او فك الرهن- واما ما لا يحتمل الفسخ كالعتق فينفذ بناء على ملك الرقبة وعدم احتمال الفسخ- ويجب عليه قيمة العبد رهنا عند المرتهن ان كان موسرا وعلى العبد السعى في قيمته ان كان معسرا هذا عند ابى حنيفة واحمد- وعند مالك يتوقف عتقه كالبيع- وعند الشافعي ينفذ ان كان موسرا ولا ينفذ ان كان معسرا- (مسئلة) يجب على الراهن نفقة المرهون بناء على ملك الرقبة- وزوائد المرهون من الولد والصوف واللبن والثمر ونحوه كلها ملك الراهن اجماعا قال عليه الصلاة والسلام له غنمه وعليه غرمه وقيل ملك للمرتهن عند احمد لكن عبارة ابن الجوزي في التحقيق يقتضى انه ملك الراهن عنده حيث قال للمرتهن استيفاء النفقة من دره وظهره (مسئلة) زوائد المرهون يكون مرهونا عند

ابى حنيفة رحمه الله لان لها حكم الأصل فيكون مملوكة للراهن رقبة وللمرتهن يدا- وبناء على عدم مالكيته رقبة لا يجوز للمرتهن الانتفاع بالمرهون بل يكون ذلك ربوا ولا يجوز للمرتهن في المرهون شىء من التصرفات المبنية على الملك (مسئلة) ما أنفق المرتهن على المرهون ان كان بإذن الراهن يكون دينا عليه وان كان بغير اذنه يكون متطوعا- وقال احمد يكون دينا عليه مطلقا ويجوز للمرتهن استيفاؤه من ظهره ودره- واستدل على ذلك ابن الجوزي بحديث الرهن مركوب محلوب وبما رواه البخاري عن الشعبي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرهن بما فيه يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة- ورواه ابو داؤد بلفظ يحلب مكان يشرب ورواه الطحاوي بلفظ الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا- قلنا هذا الحديث يدل على ان نفقة الرهن واجب على من يركب والإجماع انعقد على ان نفقة الرهن على الراهن فلعل هذا الحكم كان قبل تحريم الربوا حين لم يكن القرض الذي يجر منفعة منهيا عنه- وحين لم يكن أخذ الشيء بالشيء وان كانا غير متساويين بالمعيار الشرعي من غير عقد جرى بين المالكين منهيا عنه فهذا الحكم منسوخ على ما يقتضيه الإجماع باية الربوا- وبقوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ- وبقوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ واما قوله الرهن بما فيه فغير منسوخ ومعناه الرهن مضمون بما رهن فيه من الدين يعنى ان كان الدين مثل الرهن او اقل منه فالدين يسقط بهلاك الرهن والفضل من الرهن امانة- (مسئلة) إذا مات الراهن يباع المرهون في دين المرتهن فقط ولا يتعلق به حق سائر غرماء الراهن لانه كان مالكا يدا من الابتداء ومستحقا لملك الرقبة وكان يده يد استيفاء (مسئلة) وان هلك الرهن في يد المرتهن من غير تعد كان مضمونا عند ابى حنيفة ومالك لانه كان مالكا يدا ويده كان يد استيفاء وبالهلاك تقرر الاستيفاء فلو وجب على الراهن أداء الدين ثانيا لزم الربوا- فقال مالك- يضمن بالقيمة لوقوع الاستيفاء به وقال ابو حنيفة- بالأقل من الدين والقيمة والفضل امانة- كذا روى الطحاوي عن عمر رضى الله عنه- وعند شريح والحسن والشعبي مضمون بالدين وقال الشافعي واحمد أمانته فى يد المرتهن لا يضمن الا بالتعدي لقوله صلى الله عليه وسلم لا يعلق الرهن من صاحبه الذي رهنه الرهن لمن رهن له غنمه وعليه غرمه- رواه ابن حبان في صحيحه والدارقطني والحاكم من طريق زياد

ابن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابى هريرة مرفوعا لا يعلق الرهن له غنمه وعليه غرمه قال الدارقطني زياد بن سعد أحد الحفاظ الثقات وهذا حديث حسن متصل- وأخرجه ابن ماجة من طريق إسحاق بن راشد عن الزهري- وأخرجه الحاكم من طرق عن ابى هريرة موصولا ايضا- ورواه الأوزاعي ويونس وابن ابى ذئب عن الزهري- عن سعيد مرسلا- ورواه الشافعي عن ابن ابى فديك وابن ابى شيبة عن وكيع- وعبد الرزاق عن الثوري كلهم عن ابن ابى ذئب كذلك ولفظه لا يعلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه- وصحح ابو داود والبزار والدارقطني إرساله وله طرق عند الدارقطني والبيهقي كلها ضعيفة وروى ابن حزم والدارقطني من طريق شبابة عن ورقاء عن ابن ابى ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وابى سلمة بن عبد الرحمن عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلق الرهن الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه- قال ابن حزم- هذا حديث حسن وصحح ابن عبد البر وعبد الحق وصله قال الحافظ ابن حجر فيه عبد بن نصر له أحاديث منكرة- وقوله له غنمه وعليه غرمه قيل انها مدرجة من قول ابن المسيب- كذا قال ابو داود في المراسيل- قال ابن عبد البر هذه اللفظة اختلف في رفعها ووقفها فرفعها ابن ابى ذئب ومعمر وغيرهما مع كونهم أرسلوا الحديث على اختلاف على ابن ابى ذئب ووقفها غيرهم وجه احتجاج الشافعي بهذا الحديث ان الحديث يدل على ان الرهن لا يخرج من ملك الراهن وهو معنى قوله لا يعلق الرهن- ومعنى قوله- لصاحبه غنمه يعنى سلامته وعليه غرمه يعنى هلاكه- قلنا تأويل الحديث ليس هكذا بل تأويله على ما ذكره ابن الجوزي عن ابراهيم النخعي انهم كانوا يرهنون ويقولون ان جئتك بالمال الى وقت كذا والا فهو لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلق الرهن- وروى الطحاوي بسنده عن ابراهيم نحوه وروى عن مالك بن انس وسفيان بن سعيد انهما يفسران هكذا- ومعنى قوله له غنمه يعنى زوائد المرهون له وعليه غرمه يعنى عليه نفقته وهذا المعنى مجمع عليه ولنا في وجوب الضمان ما رواه الطحاوي ثنا محمد بن خزيمة ثنا عبيد الله بن محمد التيمي قال انا عبد الله بن مبارك قال ثنا مصعب بن ثابت عن عطاء بن ابى رباح ان رجلا ارتهن فرسا فمات الفرس في يد المرتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب حقك هذا مرسل والمرسل عندنا حجة ويؤيده ما رواه البخاري عن ابى هريرة الرهن بما فيه وقد مر وكذا عن انس عند الدارقطني رواه ابن الجوزي بطريقين ضعيفين وهذا يدل على ان ما فضل من القيمة فهو امانة وهو القياس إذا الاستيفاء لا يتحقق الا بقدر الواجب-

فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً اى بعض الدائنين بعض المديونين واستغنى بامانته عن الرهن والكتابة- وفي قراءة أبيّ فان ائتمن والمعنى واحد فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ اى دينه سماه امانة لايتمانه بترك الكتابة والرهن عن انس قال فلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الا قال لا ايمان لمن لا امانة له ولا دين لمن لا عهد له- رواه البيهقي في الشعب وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ فى الخيانة والإنكار من الحق وفيه مبالغات- وقد مر في الحديث اية المنافق ثلث وذكر فيه إذا اؤتمن خان وَلا تَكْتُمُوا ايها الشهداء الشَّهادَةَ على المديونين إذا ما خانوا ولم يؤدوا ما أمن بعضكم بعضا وأنكروا الحق الذي عليهم- ويحتمل ان يكون المراد لا تكتموا ايها المديونين الشهادة بالحقوق الذي عليكم اى أقروا على أنفسكم وَمَنْ يَكْتُمْها اى الشهادة بالحق فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ مرفوع بالفاعلية او الابتداء اى يأثم قلبه او قلبه اثم- والجملة خبران وأسند الإثم الى القلب لان الكتمان فعل القلب ففى الاسناد اليه تأكيد ومبالغة كما يقال رايته بعيني وسمعته بأذنى وحفظته بقلبي او لانه رئيس الأعضاء وأفعاله أعظم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان في جسد بنى آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله الا وهى القلب- متفق عليه عن النعمان بن بشير قيل أراد به مسخ القلب نعوذ بالله منها وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من الشهادة والكتمان عَلِيمٌ (283) تهديد وهذه الاية دليل على ان كتمان الشهادة حرام وأداؤها فريضة وان لم يسئله المشهود له- وإذا كان المشهود له لا يعلم بشهادة الشاهد يجب على الشاهد ان يعلّمه بانه شاهد- وقال قوم الشهادة من قبل ان يستشهد مذموم لحديث عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أمتي قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم ان بعدهم قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن- وفي رواية ويحلفون ولا يستحلفون- متفق عليه- وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- أكرموا أصحابي فانهم خياركم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يظهر الكذب حتى ان الرجل ليحلف ولا يستحلف ويشهد ولا يستشهد رواه النسائي واسناده صحيح وفي الباب حديث ابى هريرة نحوه وحديث ابن مسعود بلفظ يسبق شهادتهم ايمانهم وايمانهم شهادتهم- روى الطحاوي الحديثين بطرق- قلنا المراد بهذه الشهادة المذمومة الشهادة على الكذب بقرينة قوله ثم يفشوا الكذب وقوله ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون- وقد روى الطحاوي بسنده من طريق مالك عن زيد بن خالد الجهني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم

[سورة البقرة (2) : آية 284]

قال- الا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتى بشهادته قبل ان يسئل عنها- او يخبر بشهادته قبل ان يسئلها-. لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا وملكا وملكا قيل فيه دليل على ان كل ما سواه تعالى متحيز ولا شىء من الممكنات مجردا والا لكان بيان خالقيته ومالكيته قاصرا لان الأهم اثبات مالكية المجردات وهذا ليس بشىء بل التحقيق ان من الممكنات مجردات وهى أرواح البشر والملائكة وغيرهم وقد انكشف على ارباب القلوب من المجردات القلب والروح والسر والخفي والأخفى والله تعالى اعلم بخلقه ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وانما اقتصر هاهنا على ذكر ما في السموات وما في الأرض بناء على قصر نظر العوام عليها وذكرها كاف للاستدلال على الصانع جلت قدرته- ولان الاستدلال لا يتصور الا بامور مشهودة معلومة للعوام لا بامور مختفية على الخواص ومن ثم لم يذكر هاهنا العرش والكرسي مع انهما ليسا في السموات والأرض والله اعلم- وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ من الرذائل كالنفاق والرياء والعصبية «1» وحب الدنيا والغضب والكبر والعجب والأمل والحرص وترك التوكل والصبر والحسد والحقد ونحو ذلك مما هو من افعال القلوب والنفوس- عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من دعا على عصبيته وليس منا من مات على عصبيته رواه ابو داؤد وعن حارثة بن وهب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أخبركم باهل الجنة كل ضعيف متضعّف لو اقسم على الله لابره الا أخبركم باهل النار كل عتلّ «2» جوّاظ «3» مستكبر- متفق عليه- وفي رواية لمسلم كل جواظ زنيم «4» متكبر- وعن الحسن مرسلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- حب الدنيا رأس كل خطيئة- رواه البيهقي في شعب الايمان عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب ابى بكر وعمر ايمان وبغضهما نفاق- رواه ابن عدى- وعن جابر مرفوعا حب ابى بكر وعمر من الايمان وبغضهما كفر وحب الأنصار من الايمان وبغضهم كفر وحب العرب من الايمان وبغضهم «5» كفر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله ومن حفظنى فيهم فانا احفظه يوم القيامة- رواه ابن عساكر وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال- حب علىّ عبادة «6» وعن علىّ قال والذي فلق الحبة وبرىء النسمة لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم الى ان لا يحبنى الا مؤمن ولا يبغضنى الا منافق رواه مسلم وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك مثل من عيسى «7» أبغضته اليهود حتى بهتوا امه وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليست له- ثم قال يهلك فيّ رجلان محب مفرط يفرطنى بما ليس في ومبغض يحمله شتانى على ان يبهتنى- رواه احمد وعن ابى هريرة مرفوعا

_ (1) العصبية والتعصب المحامات- نهاية يعنى حمية الجاهلية- منه (2) عتل الشديد الجافي الفظ الغليظ من الناس- منه رح (3) الجواظ الجموع المنوع وقيل الكثير اللحم المختال- منه رح (4) الزنيم الملحق بالقوم ليس منهم- منه رح (5) فى الأصل وبعضهم (6) هكذا بياض في الأصل- ابو محمد [.....] (7) وفي الأصل مثل عيسى

قال الله تعالى الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته النار- رواه مسلم وعن عطية السعدي مرفوعا ان الغضب من الشيطان- رواه ابو داؤد وعن بهزين حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا ان الغضب يفسد الايمان كما يفسد الصير العسل- رواه البيهقي في الشعب وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أول صلاح هذه الامة اليقين والزهد وأول فسادها البخل والأمل- رواه البيهقي وعن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سعادة ابن آدم رضاؤه بما قضى الله ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله- رواه احمد والترمذي- وعن معاذ بن جبل مرفوعا قال يطلع الله الى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه الا المشرك او مشاحن- رواه الدارقطني وصححه ابن حبان- وفي رذائل النفس ومحامدها أحاديث لا تكاد تحصى- وقيل معناه إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ- من كتمان الشهادة- كذا قال الشعبي وعكرمة- او من ولاية الكفار فهو نظير ما في ال عمران لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ الى ان قال قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ الاية- كذا قال مقاتل- والتحقيق ان كتمان الشهادة وولاية الكفار داخلان فيما استقر في أنفسكم ولا وجه للتخصيص بعد ثبوت المؤاخذة على الجميع بالنصوص والإجماع- وقيل المراد به العزم المصمم على المعاصي من افعال الجوارح قال عبد الله بن المبارك قلت لسفيان أيؤاخذ الله العبد بالهمّ قال إذا كان عزما أخذ بها- قلت لو ثبت المؤاخذة على العزم فالعزم ايضا داخل في المعاصي القلبية- لكن الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال من هم بسيئة فلم يعمل بها لم يكتب عليه وإذا عمل بها كتب بمثلها- الحديث يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ يوم القيامة اما حساب عرض حسابا يسيرا فَيَغْفِرُ وذلك لِمَنْ يَشاءُ مغفرته واما حساب مناقشة فيأخذ به وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ تعذيبه- قرأ ابو جعفر وابن عامر وعاصم ويعقوب برفع الفعلين على الاستيناف والباقون بالجزم عطفا على جواب الشرط وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من العذاب والمغفرة وغير ذلك قَدِيرٌ (284) لا يمكن لاحد الاعتراض عليه ان شاء عذب على الصغيرة وان شاء غفر الكبيرة من غير توبة اجمع اهل السنة والجماعة على ان الحساب على المعاصي القلبية والنفسانية والقالبية حق والتعذيب على الذنوب صغائرها وكبائرها حق لكنه ليس بواجب بل في مشية الله تعالى- روى طاؤس عن ابن عباس قال فيغفر لمن يشاء الذنب العظيم يعنى سواء تاب عنه المذنب او لم يتب ويعذب من يشاء على الذنب الصغير لا يسئل عما يفعل- وأنكر المعتزلة والروافض وغيرهم الحساب

وقالت المعتزلة وغيرهم بوجوب العذاب على العصاة وهذه الاية وغيرها من الآيات والأحاديث حجة لنا عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس أحد يحاسب يوم القيامة الا هلك قلت او ليس يقول الله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا فقال انما ذلك العرض ولكن من نوقش في الحساب يهلك متفق عليه وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يدنى المؤمن فيضع عليه كتفه ويستر فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم اى رب حتى قرره بذنوبه وراى في نفسه انه قد هلك قال سترتها عليك في الدنيا وانا اغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته فاما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤس الخلائق هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ- متفق عليه- وعن عائشة قالت جاء رجل فقعد بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان لى مملوكين يكذبوننى ويخونوننى ويعصوننى واشتمهم واضربهم فكيف انا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم فان كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك وان كان عقابك إياهم دون ذنبهم كان فضلا لك وان كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل الحديث- رواه الترمذي وفي كلى بابى الحساب والمغفرة أحاديث كثيرة لا تحصى (فصل) ومن الناس من يدخلون الجنة بغير حساب عن ابى امامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وعدنى ربى ان يدخل الجنة من أمتي سبعين الفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل الف سبعون الفا وثلاث حثيات «1» من حثيات ربى- رواه احمد والترمذي وابن ماجة- وعن اسماء بنت يزيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحشر الناس في صعيد واحد يوم القيامة فينادى مناد فيقول اين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يؤمر سائر الناس الى الحساب- رواه البيهقي- وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة من أمتي سبعون الفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكّلون- متفق عليه وعنه كذلك في حديث طويل قلت والذي يظهر من سياق الكتاب والسنة ان هؤلاء الذين لا يحاسبون هم الصوفية العلية المتعشقة فان الله سبحانه علق الحساب برذائل النفس حيث قال وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ- وذكر ابدائها واخفائها للتسوية كما في قوله تعالى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ- وانما علقه برذائل النفس دون اعمال الجوارح مع ان الحساب ليس مختصا بها لانها أشد واغلظ من اعمال الجوارح ولانه منشأ للمعاصى القالبية غالبا وبعد تزكية النفس

_ (1) حثية واحدة اى غرفة بيديه وحثيات جمع كناية عن المبالغة في الكثرة والا فلا حثية ثم- نهاية- وحتى خاك انداختن بر شىء- صراح منه رح

وتصفية القلب لا يصدر المعاصي الا نادرا- كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله- ولإن صدرت المعاصي نادرا فالنفس المطمئنة بالخيرات والقلب المصفى عن الزيغ والكدورات يندم فورا ويتوب الى الله متابا بحيث يجعل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما- عن ابن مسعود مرفوعا- التائب من الذنب كمن لا ذنب له- رواه ابن ماجة والبيهقي وعنه في شرح السنة موقوفا الندم توبة- وهؤلاء القوم هم المسميون بفقراء المؤمنين في قوله صلى الله عليه وسلم انا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لى فيدخلنى ومعى فقراء المؤمنين ولا فخر- وقد مر في تفسير قوله تعالى وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ اعلم ان الفقير من لا شىء له وهؤلاء القوم لا شىء لهم من الوجود وتوابعه- اما الرذائل وصفات النفس الا مادة بالسوء فقد انسلبت منهم بأسرها- واما الوجود وصفات الكمال فوجدوها مستعارة مستودعة من الله ذى الجلال والإكرام فلما أدوا الامانة الى أهلها ونسبوها اليه تعالى لم يبق منهم اسم ولا رسم ولذلك لا ترى منهم عجبا ولا كبرياء ولا شيئا من مقتضيات الالوهية الباطلة نعوذ بالله منها- وكلمة مع فى قوله صلى الله عليه وسلم سبعون الفا مع كل الف سبعون الفا- تدل على ان سبعين الفا تابع لكل الف فلعل المراد به (والله اعلم بمراده) انهم سبعون الفا من المكملين مع كل الف منهم سبعون الفا من الكاملين من العلماء الراسخين والصديقين والأولياء الصالحين- وقوله صلى الله عليه وسلم وثلاث حثيات من حثيات ربى الظاهر انه ليس المراد به كثرتهم لانه لو أريد الكثرة فحثية واحدة من حثيانه تعالى يتسعه الأولون والآخرون فانّ الأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ- بل المراد به التنويع- فلعل المراد بالحثيات الثلاث الذين بذلوا أنفسهم في سبيل الله وهم الشهداء- والذين بذلوا عمرهم في طاعة الله (ما عدا المذكورين السابقين) من العلماء المريدين المتشبثين بالأولياء- والذين بذلوا أموالهم ابتغاء مرضات الله هؤلاء هم الذين أحبوهم وسلكوا سبيلهم وان لم يبلغوا درجة الأولين- وقوله عليه الصلاة والسلام وعلى ربهم يتوكلون صفتهم من حيث الباطن وتتجافى جنوبهم سيماهم من حيث الظاهر- جعلنى الله سبحانه منهم بفضله ومنّه- روى البخاري ومسلم واحمد وغيرهم عن ابى هريرة وروى مسلم وغيره فحوه عن ابن عباس انه لمّا نزلت وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ الاية- اشتد ذلك على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجثوا على الركب وقالوا- يا رسول الله كلفنا من الأعمال

[سورة البقرة (2) : آية 285]

ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت إليك هذه الاية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون ان تقولوا كما قال اهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا واطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير- فلما اقتراها القوم وذلت بها ألسنتهم انزل الله تعالى في اثرها-. آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ قلت لعل الصحابة حين نزلت وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ الاية فهموا منه ان الله يحاسب على خطرات الأنفس- او انهم بناء على هضم أنفسهم اتهموا أنفسهم بالرذائل فاشتد ذلك عليهم فعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم طريقة التسليم والرضاء والتوكل التي هى صفات النفوس المطمئنة الكريمات- وانزل الله تعالى لرفع ظنهم عن محاسبة الخطرات وتسلّيتهم بالشهادة على صدق ايمانهم وصحة نياتهم وتزكية نفوسهم وتصفية قلوبهم فان زوال رذائل النفس مقتضى الايمان- والايمان الحقيقي الكامل لا يكون الا بعد فناء النفس وزوال رذائلها والمطلق ينصرف الى الكامل- والمراد بالمؤمنين المؤمنون الموجودون في ذلك الزمان وهم الصحابة رضى الله عنهم كما في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والتحق بهم من كان ايمانهم كايمانهم من اهل السنة والجماعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة- قالوا من هى يا رسول الله قال ما انا عليه وأصحابي رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو كُلٌّ التنوين فيه عوض عن المضاف اليه اى كل واحد منهم- قال البيضاوي لا يخلو من ان يعطف المؤمنون على الرسول فيكون الضمير الذي ينوب عنه التنوين راجعا الى الرسول والمؤمنين او يجعل المؤمنون مبتدأ فيكون الضمير للمؤمنين وباعتباره يصح وقوع كل مع خبره خبر مبتدأ- ويكون افراد الرسول بالحكم اما لتعظيمه أو لأن إيمانه عن مشاهدة وعيان وايمانهم عن نظر واستدلال آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ قرأ حمزة والكسائي وكتابه على الافراد يعنى القران والايمان به يتضمن الايمان بجميع الكتب او المراد بالكتاب الجنس والفرق بينه وبين الجمع انه شائع في وحدان الجنس والجمع في جموعه ولذلك قيل الكتاب اكثر من الكتب وَرُسُلِهِ وقالوا او قائلين لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ اى في الايمان بهم كما فرق اليهود فقالوا نؤمن ببعض ونكفر ببعض- وأحد نكرة فى سياق النفي فعمت كلهم ولذلك دخل عليه بين- وقرأ يعقوب لا يفرّق على الغيبة والضمير راجع

[سورة البقرة (2) : آية 286]

الى كل نظرا الى لفظه كضمير أمن راجع اليه وَقالُوا الضمير راجع الى الرسول والمؤمنين جميعا او الى لفظة كل من حيث المعنى سَمِعْنا قولك وَأَطَعْنا أمرك وأجبناك- قال البغوي روى عن حكيم بن جابر رضى الله عنه ان جبرئيل عليه السلام قال للنبى صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الاية- ان الله قد أثني عليك وعلى أمتك فسل تعطه فسال بتلقين الله عز وجل فقال غُفْرانَكَ اى اغفر غفرانك او نسئلك غفرانك رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) المرجع بعد الموت وهو اقرار منهم بالبعث فهو داخل فى الايمان- وما ذكرنا من حديث الصحيحين يدل على «1» ان قولهم سمعنا إلخ كان قبل نزول هذه الاية فذكر الله تعالى حكاية عنهم وثناء عليهم وهو الأرجح-. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اى ما يسعه قدرتها وذلك فيما يبتنى من الاحكام على القدرة الممكّنة- او ما دون مدى قدرتها وذلك فيما يبتنى من الاحكام على القدرة الميسرة كالزكوة على نمو المال وحولان الحول وغير ذلك- وهذا يدل على عدم وقوع التكليف بالمحال ولا يدل على امتناعه- والمراد بالقدرة هاهنا هى القدرة الموهومة الموجودة قبل الفعل من سلامة الأسباب والآلات بعد اقامة الدلائل والبراهين على الأوامر والاحكام من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة- لا القدرة الحقيقية التي لا توجد الا مع الفعل- ولهذا يتوجه الخطاب والعذاب الى قوم نوح وفرعون وابى جهل وأشباههم الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة واخبر عنهم بانهم لا يؤمنون قال الله تعالى لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ- ومشية الله تعالى غير مقدور للبشر فكذا مشيته التي علقت بمشيت الله تعالى- وهذا سر من اسرار الله تعالى يجب الايمان به والسكوت عنه وترك البحث فيه فانه مزلة الاقدام قال ابو هريرة فيما روى عنه الشيخان وغيرهما ان الصحابة لما اشتد عليهم نزول قوله تعالى إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ الاية وقالوا يعنى بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ انزل الله تعالى هذه الاية فنسخ بهذا ذلك قلت وقول ابى هريرة فنسخ بهذا ذلك مبنى على التجوز فان حقيقة النسخ هو رفع حكم شرعى بعد ثبوته وذا لا يتصور الا في الاحكام دون الاخبار- وذلك اخبار بالمؤاخذة على افعال القلوب- وهذا اخبار بعدم وقوع التكليف فوق الطاقة فلا يحتمل النسخ غير ان هذه الاية لما كان مزيلا لظنهم بالمؤاخذة على حديث النفس وموجبا لتسليتهم عبر ابو هريرة بالنسخ مجازا

_ (1) فى الأصل يدل ان لو لهم 12

الا ان يقال ان قوله تعالى وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ الاية وان كان اخبارا لكنه يدل على تحريم رذائل النفس كما يدل قوله تعالى كتب عليكم الصّيام على الإيجاب وكان بصيغته شاملا لحديث النفس وقوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ الاية على عدم التكليف على حديث النفس فانه ليس في وسعنا والتحريم تكليف فهو يدل على عدم التحريم فكان ناسخا للتحريم في بعض ما اشتملت عليه الاية الاولى والله اعلم- عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به او تتكلم- متفق عليه قال البغوي- ذهب ابن عباس وعطاء واكثر المفسرين الى انه تعالى أراد بهذه الاية حديث النفس الذي ذكره في قوله وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ الاية- قلت معناه ان حديث النفس داخل في حكم الآيتين بالمؤاخذة وعدم التكليف فلزم النسخ كما ذكرنا لا ان حكم الآيتين منحصر في حديث النفس بل عموم الآيتين ظاهر والله اعلم- (فائدة) بعد ما ثبت ان المؤاخذة على رذائل النفس أشد من المؤاخذة على اعمال الجوارح وان التكليف فوق الطاقة غير واقع أرجو أن المؤمن إذا بذل جهده وصرف همته مهما أمكن على دفع رذائل النفس بالمجاهدة ولم يقتف هواها ولو بالتكلف وتشبث بأذيال الفقراء مريد إزالتها لعل الله تعالى يغفر له رذائلها ولم يؤاخذه عليها لانه قد بذل جهده ووسعه في الانتهاء عما نهى الله عنه وان الله تعالى وعد العفو عما ليس في وسعه- واما من لم يرفع رأسه لملاحظة عيوبها ولم يقصد دفع رذائلها فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً- وبهذا يظهر فرضية أخذ طريقة الصوفية والتشبث بأذيال الفقراء كفرضية قراءة كتاب الله تعالى وتعلم أحكامه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى- رواه «1» فلا بد من أخذ كتاب الله تعالى لاستنباط أحكامه والعمل والتذكر والاتعاظ به وصعود مدارج القرب بتلاوته وأخذ أذيال آل رسوله وعترته لتهذيب النفوس والقلوب على حسب مرضات الله تعالى وهدايته لَها اى للنفس اجر ما كَسَبَتْ من خير بواسطة الجوارح او بغير واسطتها وَعَلَيْها وزر مَا اكْتَسَبَتْ من شر كذلك يعنى لا ينتفع بطاعتها ولا يتضرر بمعصيتها الا هى وتخصيص الخير بالكسب والشر بالاكتساب لان الاكتساب فيه اعتمال والشر يشتهيه النفس ويجتذب اليه فكانت اجدّ في تحصيله واعمل بخلاف الخير- رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا تقديره قولوا ربّنا لا تؤاخذنا اى لا تعاقبنا إِنْ نَسِينا اى تركنا

_ (1) هكذا بياض في الأصل-

شيئا مما وجب علينا بالنسيان وهو ضد الذكر أَوْ أَخْطَأْنا فى إصابة العمل من قلة مبالاة- وهذه الاية تدل على ان المؤاخذة على الخطاء والنسيان لم يكن ممتنعا عقلا فان الذنوب كالسموم فكما ان تناول السموم يؤدى الى الهلاك وان كان خطأ كذلك تعاطى الذنوب يفضى الى العقاب لو لم يغفره الله وان كان بغير عزم او يوجب ضيق الصدر وغين القلب- كان حضرت الشيخ الشهيد رضى الله عنه يروى عن شيخه السيد السند نور محمد البداونى رضى الله عنه انه كان إذا اهدى اليه طعام او شىء يتوجه اليه بنظر البصيرة فان لم يرفيه ظلمة أكله واستعمله او اعطى غيره وربما دفن بعض الاطعمة التي أهديت اليه فقال له من لا بصيرة له ماذا تفعل ايها الشيخ هلّا تطعم به غيرك فيقول سبحان الله هل يجوز لمسلم راى في طعام سمّا ولا يأكله فيعطى غيره ليأكل- وهؤلاء الرجال هم المخاطبون بقوله صلى الله عليه وسلم استفت قلبك وان أفتاك المفتون- «1» لكن ثبت بالسنة وانعقد عليه الإجماع ان الله سبحانه بفضله ورحمته تجاوز لهذه الامة عن الخطاء والنسيان فورود هذا الدعاء لاجل الاستدامة واعتداد النعمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- رفع عن أمتي الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه- أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر وقد مر فيما قبل- ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطاء والنسيان الحديث- انه رفع إثمهما فلا يؤاخذ بها الله تعالى في الاخرة ولا اثر لهذا الرفع في الدنيا فان الخطاء والنسيان والإكراه واقع محسوس غير مرفوع والدنيا دار العمل فاذا وقع شىء منها لا بد للمكلف تداركها مهما أمكن ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاته او نسيها فليصلها إذا ذكرها فلا يسقط قضاء الصلاة والصوم ونحو ذلك بعلة الخطاء والنسيان اجماعا ويجب سجدتا السهو بالسهو في الصلاة اجماعا والقتل خطأ يوجب الكفارة والحرمان عن الإرث اجماعا والشافعي رحمه الله قد يعتبر الخطأ والنسيان في احكام الدنيا ايضا- (مسئلة) الكلام في الصلاة ناسيا يفسد الصلاة عند ابى حنيفة لما قلنا وقال الشافعي لا يفسد لحديث ابى هريرة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم احدى صلوة العشى اما المظهر واما العصر فسلم في ركعتين ثم اتى جذعا في قبلة المسجد

_ (1) هكذا بياض في الأصل-

فاستند اليه مغضبا وفي القوم ابو بكر وعمر فهابا ان يكلماه وخرج سرعان الناس فقالوا قصرت فقام ذو اليدين فقال يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة فنظر يمينا وشمالا فقال ما يقول ذو اليدين فقالوا صدق لم تصل الا ركعتين فصلى ركعتين وسلم ثم كبر ثم سجد ثم كبر فرفع ثم كبر فسجد ثم كبر ورفع- متفق عليه قلنا هذا الحديث منسوخ بقوله تعالى قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ وحديث زيد بن أرقم وقد مر في تفسير تلك الاية- ((مسئلة)) الحج يفسد بالجماع ناسيا عند الجمهور خلافا للشافعى وطلاق المكره والمخطى يقع عندنا خلافا للشافعى- ومبنى الخلاف الخلاف في تفسير قوله عليه السلام رفع عن أمتي ((مسئلة)) والصوم يفسد بالأكل خطاء عند ابى حنيفة وصاحبيه ومالك- وقال احمد والشافعي لا يفسد- ويفسد الصوم بالأكل ناسيا عند مالك وهو القياس وعند الجمهور لا يفسد وانما قال ابو حنيفة بعدم فساد الصوم بالنسيان لحديث ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا نسى أحدكم فاكل وشرب فليتم صومه فانما أطعمه الله وسقاه- متفق عليه (مسئلة) الذبيحة يحرم بترك التسمية ناسيا عند مالك واما عندنا فلا يحرم بالحديث على خلاف القياس- وسنذكر هذه المسألة في سورة الانعام ان شاء الله تعالى (فائدة) قال الكلبي كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمروا به او أخطئوا عجلت لهم العقوبة فحرم عليهم شىء من مطعوم او مشروب على حسب ذلك الذنب- رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً- عباء ثقيلا يأصر صاحبه اى يحبسه- والمراد به التكاليف الشاقة التي لا يستطيع القيام بها كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا يعنى اليهود وذلك بان الله تعالى فرض عليهم خمسين صلوة- وأمرهم بأداء ربع المال في الزكوة- ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها- ومن أصاب ذنبا أصبح وذنبه مكتوب على بابه- ولما عبدوا العجل قيل لهم فَتُوبُوا «1» إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وقيل المراد بالإصر ذنب لا توبة له معناه اعصمنا من مثله- او المعنى لا تجعل في شريعتنا ذنبا لا يكون له توبة رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ

_ (1) فى الأصل توبوا-

من البلاء والعقوبة او من التكاليف الشاقة وهذا يدل على جواز التكليف بما لا يطاق وقد ثبت بالشرع عدم وقوعه فضلا- والتشديد هاهنا لتعدية الفعل الى المفعول الثاني وَاعْفُ عَنَّا اى تجاوز عن المعاقبة على ذنوبنا وَاغْفِرْ لَنا اى امح ذنوبنا واسترها علينا- وَارْحَمْنا فانا لا نأتى بالحسنات ولا نترك السيئات الا برحمتك لا حول ولا قوة الا بك أَنْتَ مَوْلانا سيدنا وناصرنا وحافظنا وولينا فَانْصُرْنا تفريع على الولاية فان من حق المولى ان ينصر عبيده ومواليه عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (287) المراد بهم عامة الكفرة من الجن والانس حتى النفس الامارة بالسوء قال البغوي كان معاذ رضى الله عنه إذا ختم سورة البقرة قال أمين- ورد في الصحيحين في حديث ابى هريرة الذي ذكرناه سابقا ان الله سبحانه قال نعم يعنى بعد ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا وكذا بعد الجملة الثانية الى قوله من قبلنا والثالثة الى قوله ما لا طاقة لنا به والرابعة الى اخر السورة كل ذلك قال نعم- وفي رواية ابن عباس عند مسلم والترمذي قال كل ذلك قد فعلت بدل نعم وفي رواية عنه قال بعد غفرانك قد غفرت لكم وعبد قوله او أخطأنا لا اؤاخذكم وبعد لا تحمل علينا لا احمل عليكم وبعد لا تحمّلنا لا أحملكم واعف عنّا الى آخره قد عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم ونصرتكم على القوم الكفرين- هذا الحديث تدل على اجابة الدعاء من الله تعالى- فاما عدم المؤاخذة على النسيان والخطاء فثابت في حق جميع الامة اجماعا وكذا عدم حمل الإصرار وتحميل ما لا طاقة لنا به كما يدل عليه قوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لان الشرع واحد مؤبد فما سقط عن الأوائل سقط عن الأواخر ولا نسخ ولا تبديل بعد النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين واما العفو والمغفرة لجميع الذنوب والرحمة العامة والنصرة على القوم الكفرين فالظاهر ان الاجابة في هذه الأمور مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين كانوا معه يدل عليه صيغة قد عفوت وغفرت ورحمت ونصرت والا لزم مذهب المرجئة بل الذنوب كلها في مشية الله تعالى ان شاء غفر

وان شاء عذب ومن ثم ترى في كثير من الأوقات عدم النصر على الكفار والخذلان- كيف والنصر متفرع على الولاية كما يدل عليه كلمة الفاء فانى يكون النصر عند ارتكاب المعاصي اللهم اغفر امة محمد اللهم ارحم امة محمد اللهم أصلح امة محمد صلى الله عليه وسلم- ((فصل)) قد مر في فضائل سورة الفاتحة قول ملك نزل من السماء ابشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما الا أعطيته يعنى تعليم الله سبحانه الدعاء بقوله اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الى اخر السورة وبقوله رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا الى اخر السورة مختص بنبينا صلى الله عليه وسلم ولهذا لا يضل أمته بعد الى يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع أمتي على الضلالة رواه ( «1» ) وقال لا يزال من أمتي امة قائمة بامر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتى امر الله وهم على ذلك رواه الشيخان في الصحيحين من حديث معاوية- عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال لما اسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به الى السدرة المنتهى وهو في السماء السادسة إليها ينتهى ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهى ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى فراش من ذهب قال فاعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا اعطى الصلوات الخمس واعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات- رواه مسلم يعنى وعد بمغفرة المقحمات اما بالتوبة او برحمة من الله تعالى لمن شاء من غير تعذيب ولو لم يتب او برحمة من الله تعالى بعد العقاب- والحاصل ان المؤمن لا يخلد في النار لاجل الكبائر كما زعمه المعتزلة والروافض والخوارج خذلهم الله تعالى- وعن ابن مسعود الأنصاري قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الآيتان من اخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه- رواه الائمة الستة وعن النعمان بن بشير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

_ (1) هكذا بياض في الأصل-

ان الله تبارك وتعالى كتب كتابا قبل ان يخلق السموات والأرض بألفي عام انزل منه ايتين ختم بهما سورة البقرة فلا تقران في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان رواه البغوي- وعن ابى مسعود الأنصاري مرفوعا انزل الله ايتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل ان يخلق الخلق بألفي سنة من قراهما بعد العشاء الاخرة اجزتاه من قيام الليل- أخرجه ابن عدى في الكامل- وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السورة التي يذكر فيها البقرة قسطاس القران فتعلّموها فان تعلّمها بركة وتركها حسرة ولن يستطيعها البطلة- قيل وما البطلة قال السحرة «1» أخرجه الديلمي في مسند الفردوس- تم بحمد الله في الخامس 25 والعشرين من الربيع الثاني سنة الف ومائة وست وتسعين سنة 1196 والحمد لله والصلاة على رسوله. بتصحيح: مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى 1412 هـ 1991 م.

_ (1) روى البيهقي في الشعب من حديث الصلصال بسند ضعيف مرفوعا من قرأ سورة البقرة توج بتاج في الجنة اخرج الديلمي من حديث ابى هريرة مرفوعا آيتان هما قران وهما يشفعان وهما مما يحبهما الله الآيتان من اخر سورة البقرة- اخرج ابو عبيد من حديث- ان الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة البقرة تقرأ فيه وفي الباب عن ابن مسعود وابى هريرة وعبد الله بن مغفل- واخرج احمد من حديث بريدة تعلموا سورة البقرة فان أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة- تعلموا سورة البقرة وال عمران فانهما الزهرا وان تظلان صاحبهما كانهما عمامتان او غيابتان او فرقان من طير صواف- واخرج ابن حبان وغيره من حديث سهل بن سعد ان لكل شىء سنام وسنام القران سورة البقرة من قرأها في بيته نهارا لم يدخله الشيطان ثلاثة ايام ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخله الشيطان ثلاث ليال- واخرج ابو عبيدة عن عمر بن الخطاب موقوفا من قرأ البقرة وال عمران في ليلة كتب من القانتين- اخرج الدارمي عن المغيرة بن شفيع وكان من اصحاب عبد الله قال من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه لم ينس القران اربع من أولها واية الكرسي وآيتان بعدها وثلث من آخرها- منه نور الله مرقده

فهرس للتفسير المظهرى من الفاتحة إلى اخر البقرة

(بسم الله الرّحمن الرّحيم (1)) فهرس للتفسير المظهرى من الفاتحة الى اخر البقرة المضمون/ الصفحة فاتحة الكتاب 2 حديث هى أم القران وفاتحة الكتاب والسبع المثاني- 2 حديث انها أنزلت من كنز تحت العرش- 2 البسملة- 2 ما ورد فيه- 3 الحمد- 4 الإدغام الكبير- 4 الروم والإشمام في نستعين- 8 مسئلة اختلاف القراء في حركة هاء عليهم 9 إليهم- لديهم- بهم الأسباب ونحوها- إشباع ضمير الجمع- 9 حديث المغضوب عليهم اليهود 10 والضّالّين النصارى- ما ورد في أمين- 10 فصل في فضائل الفاتحة- 11. سورة البقرة 12 الم تحقيق المقطعات على الرواية والكشف 12 فيه مسئلة إشباع هاء ضمير الغائب- 17 ذكر المتقين- 18 ما ورد في التقوى وصلاح القلب اى فناء القلب- 18 حديث الحلال بين إلخ- 18 حديث ان في الجسد مضغة إلخ- 18 يؤمنون- 18 مسئلة همزة مفردة ساكنة- 18 مسئلة الايمان التصديق بالقلب واللسان 19 جميعا بما جاء به النبي ولا يعتبر التصديق بالقلب بدون اللسان الا في حالة الإكراه ولا يعتبر التصديق باللسان بدون القلب أصلا- مسئلة الأعمال غير داخلة في الايمان- 19 المضمون/ الصفحة حديث جبرئيل في الإسلام والايمان والإحسان- 19 حديث ثلاثة لهم أجران رجل من اهل الكتاب إلخ 21 مسئلة مد منفصل ومتصل ولازم 21 وبالاخرة- 21 مسئلة نقل الحركة من الهمزة المفردة وحذفها 21 والسكتة قبلها- مسئلة يمدورش مدا قصيرا ومتوسطا وطويلا على 21 كل مدة وقع بعد همزة ثابتة او محذوفة او مبدلة- ذكر الّذين كفروا- 22 ءانذرتهم- 22 مسئلة الهمزتين المتحركتين في أول الكلمة 23 ختم الله على قلوبهم- 23 مسئلة خلق العلم بعد استعمال الحراس وكذا بعد 23 ترتيب المقدمتين امر عادى- حديث ان القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن- 23 حديث ان المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء- 24 مسئلة الامالة وفتح أبصارهم وكل الف بعدها راء 24 ذكر المنافقين- 25 مسئلة امالة الف النّاس في موضع الجر- 25 مسئلة امالة زاد- جاء- شاء- ران- خاف- 26 خاب- طاب حاق- زاغ- (وضاق ابو محمد) مسئلة إشمام قيل- غيض- جىء- حيل- سيق 26 سيئت- سىء- مسئلة الهمزتين المتحركتين اجتمعتا من كلمتين و 27 حركتهما مختلفة مسئلة حذف الهمزة للفردة المضمومة قبل الواو 28 بعد الكسر نحو مستهزءون حديث المستهزئ بالناس يفتح له باب الى الجنة 28 فاذا اتى اغلق-

مثلهم اى المنافقين- 29 ما ورد في ان المطر من السماء- 30 مسئلة امالة آذانهم- وآذاننا- وطغيانهم- 31 مسئلة امالة فتح الكفرين- 31 بيان وجه المثلين للمنافقين على ما قرر السلف 31 وعلى ما سخ لى وحينئذ يشتمل اثنتين وسبعين فرقة اهل الأهواء- حديث حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات 32 حديث يد الله على الجماعة 34 يا ايّها النّاس اعبدوا إيجاب العبادة والتوحيد 34 فاتوا بسورة إيجاب الايمان بالرسول- 37 ما ورد في النار التي وقودها الناس والحجارة- 38 وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ- 38 العمل الصالح منه العلم- والنية والصبر والإخلاص 38 ما ورد في الجنات والأنهار وما أعدت لاهل الجنة فيهن 38 إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما 41 حديث ان الله يستحيى عن ذى الشيبة المسلم ان يعذبه 42 حديث ان الله حيى كريم إذا رفع اليه العبد 42 يديه ان يردهما صفرا- كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ- انكار على الكفر ببيان 43 موجبات الايمان من الاحياء والاماتة والبعث- ذكر الثواب والعذاب في القبر- 44 هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ 45 اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ- قول اصحاب الارصاد في السماوات 45 ما ثبت بالشرع هيئة السماوات والأرضين- 46 تجلى الرحمن على العرش والقلب والكعبة- 47 مسئلة اسكان هاء هو وهى بعد الواو والفاء واللام وثم 48 إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً 48 ذكر اسكان الملائكة السماء- والجن الأرض زمانا ثم 48 إعطاء ملك الأرض وغيرها لابليس مع جند من الملائكة وإعجابه بنفسه واستخلاف آدم- حديث خلق الله التربة يوم السبت والجبال يوم الأحد 48 والشجر يوم الاثنين الحديث الى قوله وآدم بعد العصر يوم الجمعة ذكر استبعاد الملائكة استخلاف آدم ووجه استحقاقه 49 حديث سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ايّ الكلام 49 أفضل قال سبحان الله وبحمده- حديث المرء مع من أحب- 50 حديث لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل إلخ 50 حديث يا ابن آدم مرضت فلم تعدنى- 50 حديث ان الله خلق آدم من قبضة قبضها من 50 جميع الأرض لاستجماع استعداده إلخ- وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ- اى اسماء الخلائق عندهم 49 واسماء الله عندى علما اجماليا وفيه ذكر المعية الذاتية والصفاتية- حديث أسئلك بكل اسم هو لك الحديث- 51 مسئلة ما لا يجوز في القران القول بالرأى وما يجوز- 51 حديث كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد- 53 التجلي الذاتي مشروط بالجسد 53 مسئلة اجتماع الهمزتين المكسورتين من 53 كلمتين والمفتوحتين والمضمومتين- مسئلة خواص البشر أفضل من خواص الملائكة 54 وعوام البشر يعنى الأولياء أفضل من بعض الملائكة ووجه أفضليته بالنقل والكشف- مسئلة عصاة المؤمنين بعد العذاب او المغفرة 55 بعد دخول الجنة التحقوا بالأولياء- مسئلة ترقيات الملائكة والبشر في مقامات الصفات 55 وغير ذلك- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ- 55 حديث إذا قرا ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى 55 حديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله- 56 حديث خلقت الملائكة من نور إلخ- 56 قصة اسكان آدم الجنة وإخراجه- 57 حديث قتل الحيات- 58

مسئلة امالة هداى- ومثواى- ومحياى ودعياك 59 مسئلة الجنة مخلوقة موجودة في الجهة العالي- 59 مسئلة عذاب الكفار مخلد- 59 مسئلة عصمة الأنبياء- 59 يبنى إسرائيل- خوطبوا خاصة بعد خطاب 60 الناس عامة- مسئلة اثبات الياءات المحذوفة في الخط- 61 حديث الا ان شر الشرار شرار العلماء وان خير 62 الخيار خيار العلماء- مسئلة الكفار مخاطبون بالفروع- 63 مسئلة الجماعة في الصلاة وما ورد فيه- 63 ما ورد في الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم 64 ما جاء في الصلاة عند الفزع والحاجة والصبر على 64 الطاعة وعن المعصية خوفا وطمعا واستلذاذا بامر المحبوب- حديث جعلت قرة عينى في الصلاة- 65 مسئلة الصلاة معراج المؤمن تكون وسيلة للرؤية 65 حديث قيل أسئلك مرافقتك في الجنة قال فاعنى 65 بكثرة السجود- حديث اقرب ما يكون العبد الى الرب وهو ساجد- 65 وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ- 66 قصة عذاب فرعون على بنى إسرائيل وقتل أبنائهم 67 قصة نجاة بنى إسرائيل وغرق فرعون واله- 68 مسئلة امالة ذوات الياء والف التأنيث المقصورة 69 من الأسماء والافعال والصفات وانى وبلى ومتى وعسى غير حتى والى وعلى ولدي (وما زكى ابو محمد) قصة ذهاب موسى الى الطور وعبادة بنى إسرائيل 70 العجل وإيتاء التورية ونزول توبتهم بقتل أنفسهم- فتيب عليهم مسئلة ادغام الذال في التاء- 70 مسئلة اختلاس بارئكم ويأمركم ويأمرهم 171 وينصركم ويشعركم- مسئلة امالة بارئكم وسارعوا ونحوه والجار و 71 جبّارين والجوار وانصارى الى الله ولمشكوة في النور- قصة قولهم لن نؤمن لك حتّى نرى الله- وصعقهم 72 وبعثهم- وتظليل الغمام- ونزول المن والسلوى وأمرهم بدخول القرية سجدا قائلين حطة فقالوا غير الذي قيل لهم ونزول الرجز عليهم- ذكر استسقاء موسى وانفجار العيون من الحجر بضربه 74 ذكر استبدال بنى إسرائيل من المن والسلوى العدس 76 والبصل- قيل اهبطوا مصرا- 76 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا الى اخر الاية 77 حديث لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه- 77 حديث لا يؤمن أحدكم حتى يحب لاخيه ما يجب لنفسه- 78 حديث لا يبلغ العبد حقيقة الايمان حتى يحزن 78 من لسانه- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ- 78 قصة ابتلائهم بمنع الصيد في السبت وجعلهم قردة- 79 قصة أمرهم بذبح البقرة حين قتلوا نفسا وتدارءوك 80 وان البقرة كانت لفتى بارا لامه- 80 ولبره لامه اعطى بملا مسكها دنانيز- 81 مسئلة لا يجوز حمل المطلق على المقيد ان كانا في- 82 حادثتين- او دخل التقييد في السبب دون الحكم وعندى انه يحتمل التقييد- مسئلة الحوادث بإرادة الله 83 تنبيه- من حق الطالب ان يقرب قربة والمتقرب يبتغى 84 الأحسن والغالي في الثمن- مسئلة ذهب اهل السنة ان الله تعالى علما في الجمادات 84 والحيوانات فلها تسبيح وصلوة وخشية- ما ورد في تسليم الأحجار والأشجار على النبي صلّى الله عليه وسلم 85 وحديث ان أحدا يحبنا ونحبه- وكلام البقر وحنين الجزع- 85 قطع طمع النبي صلى الله عليه وسلم عن ايمانهم وذكر منافقيهم 85 حديث الويل في جهنم يهوى به الكافر أربعين خريقا- 88

ذكر قبائح اليهود ونقضهم العهود- 88 مسئلة وقف حمزة بابدال الهمزة المنفردة او 89 حذفها او تسهيلها- وايّدنه بروح القدس- 92 حديث ما من بنى آدم مولود الا يمسه الشيطان إلخ- 92 وفريقا تقتلون- 93 حديث سحر رسول الله صلّى الله عليه وسلم- 93 حديث يهودية سمت شاة وأهدت- 93 حديث هذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم- 93 حديث ما من مولود الا يولد على الفطرة إلخ- 94 مسئلة ادغام دال قد في أحرف 8- 96 حديث تحفة المؤمن الموت- 97 حديث القبر أول منزل- 97 حديث لم تمنوا اى اليهود الموت لماتوا- 97 فصل هل يجوز التمني بالموت- 98 مسئلة عداوة الملائكة والرسل كفر- 104 مسئلة السحر كفر وحكم من قتل رجلا بالسحر- 106 مسئلة حكم من قتل إنسانا بالسيفى والدعاء- 106 وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ 107 ما روى في هذه القصة عن ابن عباس- 108 قال البيضاوي هذه القصة من رموز الأوائل- 109 ما قلت في حله- 109 مسئلة علم يتعلق بظاهر القلب وعلم يتخلص 110 الى صميم القلب- حديث العلماء ورثة الأنبياء- 110 حديث خير الخيار خيار العلماء- 110 مسئلة النسخ والانساء- 112 ما ورد في الصلاة على الراحلة في السفر 117 ما ورد في الصلاة في ليلة مظلمة فلم يدر اين القبلة- 117 مسئلة حقيقة الصلاة وسعة ذاتية بلا كيف- 117 حديث قدسى كذبنى ابن آدم وشتمنى إلخ- 117 حديث أفضل الصلاة طول القنوت- 118 مسئلة كن فيكون بالنصب يدل على كون في 119 الأعيان الثابتة وكون في الخارج بوجود ظلى وعلى التوحيد الشهودى دون الوجودي- حديث ليت شعرى ما فعل أبواي- 120 مسئلة ايمان اباء النبي صلّى الله عليه وسلم وما ورد فيه 120 مسئلة امامة الفاسق- 124 حديث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق- 124 حديث اسمعوا وأطيعوا ولو كان عبدا حبشيا 124 مسئلة ادغام ذال إذ في أحرف 6 124 حديث ان هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات إلخ 125 مسئلة الركعتان بعد الطواف هل هى واجبة 126 ومكان أدائها وما ورد فيها- حديث انما الأعمال بالنيات- 126 قصة اسكان ابراهيم إسماعيل وهاجر بمكة و 127 وتزويج إسماعيل وبناء البيت ومقام ابراهيم- حديث الركن والمقام ياقوتتان إلخ- 128 إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً 128 آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ- حديث لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة إلخ 129 حديث الدنيا ملعونة إلخ 129 قصة بناء البيت وأول امره 130 حديث المسلم من سلم المسلمون إلخ- 131 حديث انى عند الله مكتوب خاتم النبيين وآدم 131 بدل في طينة وساخبركم باول امرى ودعوة ابراهيم إلخ- سفه نفسه- تفسيره من عرف نفسه فقد عرف ربه- 132 كمال الصلاح العصمة- 133 قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ- 133 قال له جبرئيل لما رمى في النار هل لك حاجة قال لما إليك فلا- 133 حديث عم الرجل صنو أبيه- 134 حديث ردوا على ابى يعنى العباس- 134 حديث انا اولى الناس بعيسى- الأنبياء اخوة 136 من علات ومعناه إلخ-

1 سيقول السّفهاء من النّاس ما وليهم 138 عن قبلتهم جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً- 138 حديث هذه الامة توفى سبعين امة هى أخيرها- 139 ما ورد في كون هذه الامة شهداء للانبياء على الأمم- 139 مسئلة علم الله تعالى قديم وبيان حدوث التعلق- 141 ذكر كيفية قبلته صلّى الله عليه وسلم قبل الهجرة- 142 وبيان التحويل الى الكعبة بعد الهجرة- 142 حديث ما بين المشرق والمغرب قبلة- 143 قصة استدارة النبي صلّى الله عليه وسلم في الظهر في 144 مسجد بنى سلمة وأول صلوة صلّى الى الكعبة العصر بتمامه واهل قبا استداروا في الفجر- ما ورد في الصلاة في الكعبة- 144 فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ- امر للامة 146 بمصاحبة العارفين والاجتناب عن الشاكين- حديث فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا 147 كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا- حديث تمام النعمة دخول الجنة- 148 مسئلة ما ورد في العلم اللدني- 149 ما ورد في الاذكار- وما اختار المجدد رضى الله عنه في العزلة 151 حديث خير مال المسلم الغنم 152 حديث الصلاة عماد الدين- الصلاة نور المؤمن- 152 مسئلة حيوة الشهداء- والأنبياء- والأولياء 152 والصديقين يعنى ارباب كمالات النبوة- والوجود الموهوب- ما ورد في ثواب المصيبة والاسترجاع 154 مسئلة السعى بين الصفا والمروة وشرائطها- 157 حديث ان الكافر يضرب بين عينيه يعنى في القبر- 158 ما ورد في التوبة- 159 حديث في هاتين الآيتين الاسم الأعظم إلهكم 160 اله واحد- والله لا الله الّا هو الحىّ القيّوم- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ- الآيات على وجود الصانع 160 وصفاته- مسئلة افراد الريح وجمعه 161 وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ- 162 مسئلة تحقيق الحب لله تعالى من العوام والخواص- 163 مسئلة إيلام المحبوب ألذ- 163 حديث ان إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه 165 حديث ان للشيطان لمة وللملك لمة 165 مسئلة ادغام لام هل وبل في أحرف 8- 166 حديث ان الله طيب لا يقبل الا الطيب إلخ ثم ذكر 167 الرجل يطيل السفر يمد يده الى السماء مطعمه حرام إلخ حديث قدسى انى والانس والجن في نبأ عظيم اخلق 168 ويعبد غيرى وارزق ويشكر غيرى- مسئلة حرمة الميتة الا السمك والجراد وان لا يجوز 168 بيعه ولا أكل ثمنه ولا الانتفاع بشحمه ولا بجلده قبل الدباغ- 169 مسئلة الجلد بعد الدباغ- 169 مسئلة شعر الميتة وعظمها وعصبها وقرنها وحافرها- 169 مسئلة الخنزير نجس عينه لا يجوز بيع شيء من اجزائه- 170 مسئلة هل يجوز الانتفاع بشعره 170 مسئلة أكل الميتة ونحوها عند الاضطرار- 171 مسئلة الايمان بالله ويوم القيمة مع ما فيه والملائكة 173 وماهيتهم وكيف جزاء أعمالهم- والكتب والنبيين وكيفية الايمان بها وبهم وليس منها الايمان بالائمة- مسئلة ما ورد في الانفاق على حب الله من غير رياء وفي 174 حالة الصحة وخشية الفقر ومن أحب الأموال وبسخاوة القلب مسئلة ما ورد في انفاق على ذوى القربى- 175 حديث ان ال ابى فلان ليسوا لى اولياء انما وليي الله 175 وصالحوا المؤمنين ولكن لهم رحم ابلها- 175 حديث ليس الواصل بالمكافئ- 175 حديث انا وكافل اليتيم كهاتين- 175 حديث من كان يؤمن بالله فليكرم ضيفه- 176 ما ورد في حق السائل- 176 حديث ان في المال حقا سوى الزكوة إلخ- 176

حديث اية المنافق إذا حدث كذب إلخ- 177 بيان منصب الأبرار واما الصديقون المقربون 177 فمزيد فضلهم مبنى على الفضل والاجتباء- 177 مسائل القصاص- 177 مسئلة هل يجوز لوارث المقتول أخذ المال 178 من غير رضاء الجاني- ما ورد في قتل النفس بالنفس- 179 مسئلة هل يقتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر- 180 مسئلة هل يقتل الوالد بالولد 182 مسئلة إذا قتل الجماعة واحدا قتلوا- 182 مسئلة واحد قتل جماعة هل يجب عليه القصاص 182 والدية معا- مسئلة لا قصاص في الخطأ والعمد ما هو- 182 مسئلة هل يقتص بمثل ما قتل 183 مسئلة القاتل لا يصير كافرا- 185 مسئلة القاتل لا يصير كافرا- 185 مسئلة الوصية للوالدين والأقربين كانت فريضة 187 ثم نسخت في حق الورثة وبقي جائزا في حق غير الورثة من الأقارب ويجوز للاجانب- مسئلة لا يجوز الوصية فيما زاد على الثلث الا 186 برضاء الورثة- مسئلة ان جار الموصى في الوصية يجب الإصلاح 187 على الحاضرين وولاة امور المسلمين- حديث ان الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله فيضاران 187 فى الوصية يجب لهما النار كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ- 188 حديث يا معشر الشباب من استطاع الباه فليتزوج 188 ومن لم يستطع فعليه بالصوم- ما ورد في صوم عاشوراء- 189 مسئلة يجوز الفطر للمريض والمسافر- 189 مسئلة مقدار السفر المرخص- ماذا 190 حديث المسح على الخفين ثلاثة ايام للمسافر- 190 مسئلة سفر المعصية هل يبيح الفطر- 190 مسئلة وجوب القضاء على المريض والمسافر 190 والتتابع ليس بشرط مسئلة الحامل والمرضع إذا أفطرتا هل يجب عليهما 191 الفدية مع القضاء- مسئلة من اخّر قضاء رمضان بعذر حتى جاء رمضان 191 اخر فلا فدية عليه وان اخّر بغير عذر فهل يجب عليه الفدية مع القضاء- مسئلة كانوا في ابتداء الإسلام مخيرين بين الصوم 191 والفدية مع القدرة على الصوم ومن غير قدرة بالطريق الاولى ثم نسخ مع القدرة فيجوز للشيخ الفاني الفطر وهل يجب عليه الفدية- مسئلة ما مقدار الفدية- 193 مسئلة الصوم أفضل للمسافر ان لم تضرر به والا 193 فالفطر أفضل كالمريض ولا فطر للمريض بلا تضرر- مسئلة اثم من أفطر رمضان بلا عذر- 194 حديث انما سمى رمضان لانه يرمض الذنوب 194 ما ورد في نزول القران وغيره من الكتب السماوية في رمضان- 195 مسئلة لا يصح صوم الحائض- 195 مسئلة من سافر في رمضان جازله الفطر- 195 مسئلة من سافر وهو صائم هل يجوز فطر ذلك اليوم 196 مسئلة يجب القضاء على الحائض والنفساء- 196 مسئلة من مات وعليه صوم فان اوصى بالفدية 197 يجب الإنفاذ من الثلث وهل يجب على الوارث الفدية او القضاء ان لم يوص والتحقيق انه ان تطوع الوارث بالقضاء من الميت يجزيه- مسئلة يجوز الصوم من المريض والمسافر- 197 حديث الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى ترووا الهلال ولا تفطروا- فان غم عليكم إلخ- 198 مسئلة صلوة العيد والتكبيرات- 198 فصل في فضائل شهر رمضان وصيامه- 199 حديث اربعوا على أنفسكم انكم لا تدعون اصمّ ولا غائبا 201 مسئلة قربه تعالى بالمخلوقات- 201 مسئلة اجابة الدعاء وما ورد فيه وما يمنعه- 201

مسئلة اباحة الجماع ليلة رمضان بعد ما لم يكن 203 مباحا بعد النوم والعشاء او في رمضان كله- حديث من تزوج فقد احرز ثلثى دينه- 203 مسئلة من جامع امرأته ينبغى ان يريد الولد دون 204 قضاء الشهوة فالعزل مكروه- والجماع مقتصر على محل الولد- ما ورد في جواز الاكل للصائم بعد الفجر المستطيل 204 يعنى الكاذب ما لم يطلع المستطير يعنى الصادق- ما يدل على جواز الاكل بعد الفجر ما لم يتبين الخيطان 205 الأبيض والأسود ثم نسخ واستقر الأمر على ان المراد بالخيط الأبيض هو الفجر- مسئلة حقيقة الصوم الإمساك من الصبح الى 206 الغروب مع النية- مسئلة هل يجوز النية بعد الفجر- 206 مسائل الاعتكاف وانه في العشر الأخير سنة- 208 مسئلة دراعى الوطي حرام في الصوم والاعتكاف 209 وان انزل فسدا- لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ- 209 حديث اما ان حلف على ماله ليأكل ظلما إلخ- 209 مسئلة حرمة الدعوى الباطل وانكار الحق عند الحكام 209 مسئلة قضاء القاضي لا يحل حراما وهل ينفذ في 210 العقود والفسوخ باطنا- مسئلة الاشتغال بالعلوم التي ليس فيها فائدة 210 دينية لا ينبغى- ما ورد في النهى عن قتل النساء والصبيان والشيوخ 212 والرهبان من اهل الحرب- مسئلة لا يجوز في الحرم البداية بالقتال- 213 حديث أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا الله الا الله إلخ- 213 مسئلة لا فرق بين الوثني والكتابي- 214 حديث لا تقتله يعنى الكافر بعد قول لا الله الا الله 214 فان قتلته فانه بمنزلتك قبل ان تقتله وأنت بمنزلته إلخ- مسئلة يجوز القتال في الحرم والشهر الحرام 215 والإحرام ان كان البداية في القتال من الكفار- حديث من مات ولم يغزو لم يحدث نفسه بالغزوة إلخ 215 ما ورد في وجوب الحج وما ورد في وجوب العمرة وكونها سنة- 217 هل يجوز فسخ الحج بالعمرة أم نسخت هذه المتعة ايضا- 218 مسئلة الإحصار عن الحج او العمرة بمرض أوعدوا وغيرهما- 220 والاشتراط بالتحلل لعذر- 221 مسئلة وجوب الهدى على المحصر- 222 مسئلة محل الذبح للمحصر- 222 مسئلة على القارن المحصر دمان او دم 224 مسئلة التحلل يحصل بنفس الإحصار او الذبح او الحلق والحلق واجب املا- 224 مسئلة المحصر إذا حل هل يجب عليه القضاء وقضاء 225 العمرة عمرة وللحج حج وعمرة- 225 مسئلة إذا حلق المحرم بعذر 225 مسئلة في القران والتمتع يجب دم فهل هو دم شكر 226 فيجوز أكلها ودم جبر فلا يجوز مسئلة لا يجوز ذبح دم التمتع قبل يوم النحر 227 مسئلة المتمتع إذا لم يجد الهدى صام ثلاثة ايام 227 فى الحج آخرها يوم عرفة وجاز قبل ذلك في الإحرام ولا يجوز بعد ذلك لعدم الإحرام- ما ورد في النهى عن صوم يوم الفطر ويوم النحر و 227 ايام التشريق. مسئلة المتمتع إذا لم يصم الى يوم عرفة هل يصوم 227 فى ايام التشريق- مسئلة إذا لم يصم الثلاثة في الحج هل يقتضى الثلاثة 228 او تعين عليه الدم مسئلة متى يصوم السبعة- 229 مسئلة هل يجوز للمكى التمتع وان تمتع هل يجب عليه الهدى فان وجب إلخ- مسئلة ما دون المواقيت او دون مسافة السفر في حكم 229 المكي اولا-

مسئلة التمتع أفضل او القران- 230 مسئلة النبي صلّى الله عليه وسلم كان مفردا وقارنا او متمتعا 230 مسئلة هل يكفى للقارن طواف وسعى للنسكين او 230 لا بد من طوافين وسعيين- صحّ انه صلّى الله عليه وسلم طاف للقدوم والزيارة وسعى سعيين 230 الحجّ أشهر معلومت يعنى وقت الإحرام- 230 مسئلة هل يجوز الإحرام قبل ذلك- 231 مسئلة الإحرام شرط للحج- 231 مسئلة الإحرام ما هو- 232 مسئلة ما يحرم على المحرم وهل يجوز له النكاح ويعقد 233 مسئلة يكره الحج بلا زاد 234 مسئلة يجوز التجارة في الحج- 235 حديث عرفة كلها موقف وارتفعوا من بطن عرنة ومزدلفة كلها إلخ 236 مسئلة الوقوف بعرفة ركن وبالمزدلفة ليس بركن وهل 237 هو واجب وما القدر الواجب منه- مسئلة وقت الوقوف بعرفة- 239 مسئلة مناسك يوم النحر الرمي والذبح والحلق 239 والطواف والسعى ان لم يسع بعد طواف القدوم- مسئلة اركان الحج الإحرام والوقوف بعرفة وطواف 239 الزيادة وقيل السعى والحلق ايضا- ما ورد في قوله رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ الاية- 240 فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ- 241 مسئلة لا يحل النفر بعد دخول الليلة الثالثة او طلوع 241 الصبح الا بعد الرمي- مسئلة المقار بمنى ايام التشريق والمبيت بها في لياليها 241 والرمي ليس شيء منها ركن فقيل بوجوب الثلاثة- وقيل بالرمي فقط وقيل بهما دون الرمي- مسئلة وقت الرمي- 242 مسئلة الترتيب بين الجمار وهى ثلاث في ايام التشريق 244 وجمرة العقبة فقط يوم النحر بسبع حصيات- حديث ابغض الرجال الى الله الا لد الخصام- 244 حديث أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر- 245 قصة سرية الرجيع أميرهم عاصم بن ثابت وفيهم خبيب وزيد بن الدلعة 246 حديث الايمان بضع وسبعون شعبة فافضلها قول لا إله الا الله إلخ 248 حديث أمتهوّكون أنتم لقد جئتكم بيضاء نقية ولو كان 249 موسى حيا ما وسعه الا اتباعى إلخ- اقوال السلف والخلف وقول الصوفية في قوله تعالى ان 250 يأتيهم الله في ظلل من الغمام- حديث يجمع الله الخلق فينزل اهل كل سماء الى قوله ثم 250 ينزل ربنا في ظلل من الغمام إلخ حديث هذا (يعنى رجلا من فقراء المسلمين ان خطب 253 لا ينكح) خير من ملا الأرض مثل هذا (يعنى الذي قيل فيه انه من اشرف الناس ان خطب ان ينكح) حديث وقفت على باب الجنة فرايت اكثر أهلها للمساكين- 253 حديث قال أول من سيّب الصوائب وعبد الأصنام عمرو بن عامر 253 حديث رايت عمرو بن عامر يجر قصبه في النار- 253 حديث ما من مولود الا يولد على الفطرة إلخ- 254 ذكر عدد الأنبياء ... 124 والرسل 315 والمذكور في القران 26 254 مسئلة الجهاد فرض على الكفاية- 257 حديث أحيّ والداك قال نعم قال عليه السلام ففيهما جاهد إلخ 257 فصل في فضائل الجهاد- 257 مسئلة الجهاد أفضل من الصلاة والصوم النافلة 258 والذكر أفضل من الجهاد- والذكر هو الحضور الدائمى المعبر بالجهاد الأكبر- قصة بعث عبد الله بن جحش- 259 مسئلة حرمة القتال في الأشهر حرام وما ورد فيه 261 ما ورد في خروج النبي صلّى الله عليه وسلم عام الفتح الى مكة والى 262 حنين ومحاصرة الطائف ورجوعه بالمدينة ومدة الغيبة مسئلة الارتداد إذا تعقبه التوبة والإسلام هل يحبط 263 ما عمل قبل الردة- مسئلة العمل غير موجب ولا قاطع في الدلالة- 264 مسئلة تحريم الخمر وكل شراب أسكر كثيرة وما ورد فيه- 266 مسئلة نجاسة الخمر وحد شاربه- 266 مسئلة حرمة الميسر وما ورد في النهى عن النرد والشطرنج وغيرهما 269

ما ورد في اثم الخمر- 270 مسئلة لا يجوز الانتفاع بالخمر في الاختيار وفي الاضطرار 270 يجوز وهل يجوز التداوى وما ورد فيه- مسئلة هل يجوز تخليل الخمر- 271 قوله صلّى الله عليه وسلم كيّة لمن ترك دينارا- 272 ما ورد في قوله صلّى الله عليه وسلم خير الصدقة ما كان عن 273 ظهر غنى- ما ورد في ان الأفضل من الصدقة جهد المقل- 273 وجه التوفيق بينهما باختلاف الاشخاص- 273 حديث ارتحلت الدنيا مدبرة والاخرة مقبلة ولكل واحد منهما بنون إلخ 275 حديث مالى وللدنيا ما انا والدنيا الا كراكب إلخ- 275 حديث ان إمامكم عقبة كؤدا لا يجوّزها المثقلون إلخ 275 مسئلة لا يجوز للمؤمن نكاح مشركة او تزويج بالعكس- 276 حديث تنكح المرأة لاربع فاظفر بذات الدين ألح- 276 حديث خير متاع الدنيا المرأة الصالحة- 276 حديث اتقوا النساء إلخ- 276 مسئلة جواز مخالطة الحائض وما ورد فيه- 277 مسئلة حرمة الوطي في الحيض وهل يجوز بعد الانقطاع 278 قبل الغسل وهل يجب الكفارة على من اتى حائضا- مسئلة هل يجوز من الحائض استمتاع ما تحت الإزار 278 دون الجماع- مسئلة الحيض تمنع جواز الصلاة والصوم ووجوب الصلاة 279 دون الصوم ودخول المسجد والطواف ومس المصحف والقراءة- مسئلة اباحة الجماع منحصر في القبل بشرائطها ... 280 والدبر حرام من الرجل والمرأة مطلقا- ما ورد في حرمة الدبر وما قيل في الرخصة وأجيب عنه- 281 مسئلة ينبغى ان يقصد بالنكاح ما يرجع الى الدين 285 حديث في بضع أحدكم صدقة إلخ- 285 حديث إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلاثة إلخ 285 حديث لا يموت لاحد من المسلمين ثلاثة من الولد إلخ- 285 حديث من كان له فرطان إلخ- 285 حديث من يقول عند الجماع- 285 حديث عجبا لامر المؤمن ان أصابته سراء شكر- 286 مسئلة الإكثار بالحلف مكروه- 286 حديث الحلف حنث او ندم- 286 مسئلة ما ورد فيمن حلف بيمين فراى غيرها خيرا 286 منها فليكفر عن يمنه وليفعل الذي هو خير- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ- 287 مسئلة إذا كان اليمين من غير قصد نحو لا والله و 287 بلى والله فلا اثم عليه وهل ينعقد ويجب عليه الكفارة- حديث ثلاث جد هن جدو هزلهن جد- وفي رواية اربع- 287 مسئلة من حلف على شيء يرى انه صادق فيه ثم تبين 288 له خلاف ذلك فلا اثم عليه ولا كفارة وقيل فيه كفارة- حديث الصلاة الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان 290 الى رمضان كفارات بيان اقسام الايمان وأحكامها 290 ما ورد في النهى عن الحلف بغير الله- 290 ما ورد في يمين الغموس- 291 لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ 291 مسئلة من حلف على اكثر من اربعة أشهر يكون موليا 292 وفي اقل منها لا- وهل يكون في اربعة أشهر- وهل يجوز الفيء بعد اربعة أشهر 292 مسئلة هل يجب العمل على القراءة الشاذّة وهل يجوز 292 تخصيص الكتاب بقراءة ابن مسعود- مسئلة إذا مضى اربعة أشهر هل يقع الطلاق- او يجبر 293 الزوج على الطلاق او ينوب عنه الحاكم في التسريح بالإحسان- مسئلة هل يكون موليا باليمين بالطلاق ونحوه- 295 مسئلة من ترك وطيها اربعة أشهر بغير يمين هل يكون موليا 295 مسئلة مدة إيلاء الرقيق- 295 مسئلة هل يجوز القيء بالقول عند تعذر الوطي- 295 وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ- 295 حديث طلاق الامة طلقتان وعدتها حيضتان- 295 مسئلة هل المراد بالقروء الحيض او الطهر- 295 مسئلة قول المرأة مقبول فيما لا يعرف الا بخبرها- 297

مسئلة الرجعة في عدة الرجعى جائز وهل يجوز الوطي في العدة 298 مسئلة هل يشترط للرجعة القول او تحصل الرجعة بالوطى 298 والدواعي ايضا- وهل يشترط الاشهاد للرجعة- 298 ما ورد في حق المرأة على الزوج- 299 ما ورد في حق الزوج على المرأة- 299 الطّلاق مرّتن- يعنى الرجعى- 300 مسئلة جمع الطلقتين بلفظ او بألفاظ في طهر حرام 300 اولا ويقع الطلقتان وكذا الثلاث- مسئلة تفريق الطلقات على أطهار ثلاث جائز- 303 حديث ان إبليس يضع عرشه على الماء- 303 حديث ابغض الحلال الى الله الطلاق- 303 مسئلة الطلاق في الحيض يقع لكنه حرام يجب الرجعة 304 بعده فان شاء ان يطلقها على وجه السنة متى يفعل- مسئلة عدد الطلاق بالنساء او بالرجال- 304 حديث او تسريح بإحسان حين سئل اين الطلقة الثالثة- 306 مسئلة طلب الطلاق معصية إذا كان النشوز من جانبها- 307 حديث أيما امرأة إلخ- 307 حديث المختلعات هن المنافقات 307 وان كان النشوز من جانبه فلا يحل له أخذ المال لكن 307 ينعقد الخلع- 307 مسئلة الخلع هل هو طلاق او فسخ- 307 قصة امراة ثابت بن قيس في الخلع- 309 حديث جعل الخلع تطليقة- 310 مسئلة الخلع على اكثر من الصداق صحيح هل يكره أم لا- 310 فان طلّقها يعنى ثالثا فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح 311 زوجا غيره- مسئلة الوطي من الزوج الثاني شرط للحل- 312 حديث لا حتى تذوقى عسيلته ويذوق 312 عسيلتك- مسئلة الوطي من الزوج الثاني يهدم الطلقات 313 الثلاث وهل يهدم ما دون الثلاث ايضا- مسئلة لو نكحت زوجا اخر واشترطت منه ان يطلقها 314 فطلقها بعد الوطي فهذا النكاح صحيح أم لا وان صح فهل يحل للزوج الاول أم لا- وان كان في عزمهما ذلك ولم يشترطا هل يصح النكاح اولا فان صح حلت للزوج الاول لكنه يكره لحديث كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم- حديث لعن الله المحلّل والمحلّل له- 314 مسئلة هل يجوز نكاح الحرة العاقلة البالغة من غير ولى 317 مسئلة لا يجوز إجبار الحرة البالغة الثنية وهل يجوز 319 إجبار البكر البالغة- مسئلة للاب إجبار البكر لصغيرة وهل له إجبار الثيب الصغيرة 321 مسئلة إرضاع الأولاد واجب على الام فان لم تقدر 322 ويقدر الأب على الاستيجار فعليه وان استاجر زوجته او معتدته لترضع ولدها لم يجز وقيل يجوز وبعد العدة يجوز- مسئلة مدة الإرضاع ما هى- 322 مسئلة نفقة الابن الصغير على أبيه والكبير الزمن 323 والأنثى كذلك وقيل على الأبوين - مسئلة قدر نفقة الزوجة على حسب وسع الزوج- 323 مسئلة التكليف بما لا يطاق جائز عقلا منتف شرعا- 323 مسئلة إذا لم يكن للصغير اب فعلى من يجب نفقته- 325 مسئلة تجب النفقة على الوارث الغنى لكل ذى رحم محرم فقير 325 عندنا إذا كان صغيرا- او امرأة- او زمنا بقدر إرثه والمعتبر اهلية الإرث- مسئلة لا يجب النفقة على الفقير ولا مع اختلاف 325 الدين الا للابوين وأجداده ان كانوا فقراء- ونفقة الأصول على الأولاد فقط على السوية- حديث أنت ومالك لابيك- 326 حديث ان أطيب ما أكل الرجل من كسب ولده إلخ- 326 حديث كل من مال يتيمك غير مسرف إلخ- 326 مسئلة لا يجوز الفصال قبل الحولين من غير 327 تراض بينهما- مسئلة يجوز الاسترضاع من غير الام بشرائط- 327

مسئلة عدة المتوفى عنها زوجها اربعة أشهر وعشرة 328 وعدة الحوامل عن طلاق كانت او وفاة وضع الحمل- حديث ان سبيعة الاسلمية ولدت بعد زوجها بليال 328 فاذن لها فنكحت- فصل يجب للاحداد في عدة الوفاة لا في الرجعى وهل 328 يجب في البائن- مسئلة لا يجوز للمطلقة في العدة الخروج من بيتها 329 وهل يجوز للمتوفى عنها بعذر- ما ورد في الإحداد- 329 مسئلة يجوز التعريض في العدة من الوفاة- 330 حديث ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم لام سلمة وهى معتدة منزلته من الله 331 وفي العدة من الطلاق البائن هل يجوز التعريض أم لا وفي الرجعى لا يجوز 331 مسئلة لا يجب المهر في المفوضة المطلقة قبل المسيس و 332 هل يجب المتعة وهى ثلاثة أثواب بحسب حاله وقيل غير ذلك- مسئلة يجب نصف المسمى للمطلقة قبل المسيس الا ان 333 يعفون النصف او يعفو الزوج فيعطى الكل- مسئلة المعطى أفضل من المعطى له- 334 مسئلة الصلاة فريضة قطعيّة يكفر جاحدها وهل 334 يكفر تاركها بغير عذر ويقتل او يفسق ويحبس حتى يتوب ما ورد من الوعيد في تاركها وفي فضلها- 334 مسئلة الصلاة الوسطى ما هى- 335 مسئلة اىّ صلوة يكون فيها مانع عن الإتيان لا بد فيه زيادة النعامة 336 حديث كنا نتكلم في الصلاة فنزلت وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فامرنا بالسكوت 337 حديث اىّ الصلاة أفضل قال صلّى الله عليه وسلم طول القنوت- 337 حديث قنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهرا- 337 مسئلة قنوت الفجر بدعة- 337 مسئلة تجوز صلوة الخوف رجالا وركبانا وهل يجوز حال 338 المسابقة وان صلوا ركبانا فهل يجوز بجماعة- مسئلة لا ينتقص عدد الركعات بالخوف- 338 مسئلة الوصيه للزوجات بالنفقة الى الحول 339 كانت واجبة فنسخت- حديث كانت إحداكن ترمى بالبعرة الى رأس الحول- 339 مسئلة تعقة العدة والسكنى واجب في الرجعى وهل 340 يجب في البائن كلاهما او السكنى فقط وما ورد فيه- مسئلة هل يجب المتعة للمطلقة بعد المسيس او لا بل يستحب 342 قصة اهل داورد ان الذين خرجوا حذر الموت حتى وقع الماعون- 343 حديث إذا سمعتم بالطاعون في ارض إلخ 343 حديث رب زد أمتي حين نزلت مثل الّذين ينفقون 344 أموالهم في سبيل الله كمثل حبة- فنزلت من ذا الّذى يقرض الله الاية- حديث قدسى ابن آدم استطعمتك فلم تطعمنى إلخ- 345 ما ورد في فضيلة القرض- 345 حديث ما من يوم يصبح فيه العباد الا ملكان ينزلان إلخ- 346 حديث مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما 346 جبّتان من حديد إلخ- حديث من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب إلخ 346 قصة بنى إسرائيل واشموئيل وملك طالوت والتابوت 346 وقتل داود جالوت- حديث ما أكل أحد خيرا من ان يأكل من عمل يديه إلخ 352 حديث أعطيت مزمارا من مزامير ال داود- 352 حديث ان الله يدفع بالمسلم الصالح عن مائة اهل بيت إلخ 353 حديث لولا رجال ركع إلخ- 353 تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ- 353 ما ورد في افضلية النبي صلّى الله عليه وسلم على الناس 354 أجمعين وبعض معجزاته وخصائصه- حديث ان الله خلق خلقه في ظلمة فالقى عليهم نوره إلخ 355 مسئلة الايمان بالقدر- 356 تأويل حديث لا تفضلوا بين أنبياء الله وحديث لا تخيرونى 356 على موسى وحديث لا أقول ان أحدا أفضل من يونس- مسئلة الحوادث كلها بيد الله ولا يجب على الله شيء- 356 قال عمر لمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم ارتدت العرب 357 وقالوا لا نؤدى زكوة فقال ابو بكر إلخ- مسئلة العالم يحتاج الى الصانع في الوجود والبقاء 358 أشد احتياجا من الظل الى الأصل-

حديث ان الله لا ينام ولا ينبغى له ان ينام- 358 ذكر الكرسي وحديث ما السموات السبع والأرضون مع الكرسي إلخ 359 ما ورد في فضائل اية الكرسي- 361 لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ- وانما الجهاد لدفع الفساد دون الإكراه 362 مسئلة الايمان امر وهبى- 364 حديث ما من مولود الا يولد على الفطرة إلخ- 364 أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ- قصة نمرود مع ابراهيم عليه السلام- 365 مسئلة يا ات أسكنها حمزة- 365 أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ- قصة ارميا 366 او عزير حين راى خراب بيت المقدس او دير هرقل- حديث ان الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء- 369 وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى - 370 حديث نحن أحق بالشك من ابراهيم إلخ- 370 حديث ليس الخبر كالمعاينة إلخ- 371 ما قالت الصوفية في العروج والنزول- 371 حديث ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم- 374 حديث لا يدخل الجنة منان ولا عاق- 375 ما ورد في الرياء والسمعة- 376 حديث أيكم مال وارثه أحب اليه من ماله إلخ- 377 حديث بقي كلها غير كتفها في شاة- بقي كتفها من الانفاق 377 مسئلة لا يجب الزكوة في مال الصبى عندنا 377 حديث لا يكسب عبد مال حرام فيتصدق منه إلخ 379 مسئلة تجب الزكوة في العروض والعقار إذا كانت للتجارة 379 وهل تجب كل سنة إذا لم يبع سنين- حديث ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا إلخ- 380 حديث لا يدخل هذا يعنى شيئا من فمعز الدولة الحرث بيت قوم 380 الا ادخله الذل- مسئلة يجب العشر ونصف العشر في النخيل والكرام وما يقتات 380 من الحبوب وهل يجب في الخضروات وغير ذلك مطلقا او في ما يبقى في أيدي الناس خاصة- مسئلة لا يشترط في زكوة الزرع حولان الحول ولا العقل ولا البلوغ 382 ويشترط الإسلام وهل يشترط فيه النصاب وهى خمسة اوسق ونحو ذلك فيما لا يكال 382 مسئلة إذا ملك المسلم ارض خراج وزرع فيه هل يجب 383 عليه العشر اما بعد سقوط الخراج او معه او لا يجب عليه العشر فلا يجتمعان- مسئلة هل يجب في المعدن ربع العشر فيصرف مصرف الزكوة 384 او الفيء او يجب الخمس وهل يختص هذا الحكم بمعدن الذهب والفضة او في كل ما يذوب وينطبع او أعم من ذلك- مسئلة قراءة ابن كثير بالتشديد برد التاء الساقطة في 386 ولا تيمّموا وغيره في احدى وثلاثين موضعا وتفصيلها- مسئلة إذا كان له مال جيد لا ينبغى له ان يعطى العفو 387 الردى وان كان المال كله رديا فلا بأس به وان كان مختلطا يعطى بحسابه- ما ورد في فضل الانفاق وذم الإمساك- 387 ما ورد في فضل العلماء- 388 ما ورد في افضلية الصدقة السر من العلانية- 389 وفيه حديث سبعة يظلّهم الله- 389 حديث ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم- 389 حديث صدقة السرّ تطفئ الذنب- 390 مسئلة اضاعة المال حرام- 391 مسئلة صدقة التطوع يجوز ان يعطى الذمي منها 391 واما الصدقة المفروضة فلا يجوز وضعها الا في المسلمين مسئلة المشتغلين بالعلوم الظاهر والباطن والجهاد 392 والممتنعين عن السؤال أحق بالإنفاق كاصحاب الصفة كانوا اربع مائة رجل- ما ورد في النهى عن السؤال والالحاف ونصاب 392 حرمة السؤال- الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ- الاية 393 حديث من احتبس فرسا في سبيل الله إلخ 394 الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ الّا كما 394 يقوم الّذى يتخبّطه الشّيطن- حديث في قصة الاسراء فانطلق بي جبرئيل الى رجال 394 كثير كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم إلخ وفي رواية بطونهم كالبيوت فيها الحيات-

1 ما ورد في أكل الربوا ومؤكله وكاتبه وشاهديه- 395 مسئلة تأبيد هذا العذاب مخصوص بالكفار- 395 مسئلة البيع ما هو- 396 مسئلة لا يصح بيع المجنون والصبى الذي لا يعقل 396 مسئلة بيع الصبى العاقل- 396 مسئلة البيع بالتعاطى- 396 مسئلة يشترط في المباشرة من ولاية شرعية- 396 مسئلة بيع الفضولي وشراؤه ما ورد فيه- 396 مسئلة البيع اربعة- البيع المطلق- والمعائضة والصرف والسلم وبيان أحكامها- مسئلة حرمة الربوا- 399 ما ورد في الأشياء الستة الربوية- 400 مسئلة حرمة الربوا معلول في البحث عن علته- وما سنح 401 لى ان اية الربوا ليست بمجمل وبيانه- مسئلة المكيلات والموزونات إذا بيع شيء 402 منها بجنسه يحرم التفاضل والنساء ولا جائز ان يجعل بعض الاجزاء مقابلا للاجل او الجودة ولا عبرة بالجودة- مسئلة بيع الرطب بالتمر- والزبيب بالعنب 403 والحنطة الرطبة واليابسة والمقلية مسئلة بيع العددى المتقارب بمثله- 403 مسئلة بيع البر بالشعير- 404 مسئلة بيع البر بالحديد 404 مسئلة بيع الحيوان بالبرا وبالحديد- 404 مسئلة بيع الحيوان بالحيوان من جنس واحد او جنسين وما ورد فيه- مسئلة الشروط في البيع وما اختلفوا فيه- 405 وما احتجوا به- البحث عن الشروط منها ما يبطل في نفسها ولا 407 يفسد به البيع ومنها ما لا يبطل ويجب الإتيان بها ولا يفسد البيع- ومنها ما يفسد به البيع وهو فى معنى الربوا- مسئلة استحلال الحرام كفر- 409 حديث ما أحد اكثر من الربوا الا كان عاقبة 409 امره الى قلة- حديث ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله 409 بعفو الا عزّا وما تواضع أحد لله إلا رفعه- حديث الخلق عيال الله- 409 حديث في خطبته الا كل شيء من امر الجاهلية تحت 410 قدمى موضوع- حديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان 411 تشترى التمرة حتى تطعم وقال إذا ظهر الربوا فى قرية إلخ- حديث ما من قوم يظهر فيهم الربوا إلخ 411 مسئلة المربى يحبس حتى يتوب وان كان له 411 منيعة لا يقدر على حبسه يقاتله الامام وهو الحكم فى كل من اصرّ على ترك فريضة وارتكاب كبيرة- قال ابو بكر لو منعونى عقالا لا جاهدنهم- حديث مطل الغنى ظلم إلخ- 411 مسئلة مال المرتد بعد قتله او موته- او لحوقه 412 ما اكتسب في حال الردة فيء- وما اكتسب في الإسلام فهو لورثته المسلمين وقيل فيء- مسئلة يجب امهال المعسر- 412 حديث من يسر على معسر إلخ- 412 ما ورد في تأجيل الدين والإبراء عنه والتصدق به- 413 وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ هذا 413 اخر اية نزولا فعاش بعده النبي صلى الله عليه وسلم أحدا وعشرين يوما او اكثر او اقل ومات لليلتين خلتا من ربيع الاول سنة- مسئلة السلم جائز- 414 مسئلة البيع بثمن مؤجل والسلم لا يجوز 414 ما لم يكن الاجل معلوما- مسئلة الاجل يلزم في الثمن في البيع وفي 414 المبيع في السلم وفي النكاح وغير ذلك ولا يلزم في القرض-

مسئلة السلم لا يجوز الا فيما ينضبط في 415 الذهن يذكر جنسه ونوعه وصفته وقدره ولا يجوز الا بذكر هذه الاربعة ومقدار الاجل- وهل يشترط معرفة قدر رأس المال وان يكون المبيع موجودا من وقت العقد الى المحل ومكان التسليم هل هو متعين او يشترط بعينه- فيجوز السلم في المكيلات- مسئلة يجوز السلم في المكيلات والموزونات 416 والمزروعات التي لا تتفاوت والمعدودات التي لا تتفاوت وهل يجوز في المعدودات المتفاوتة- مسئلة هل يجوز السلم في الحيوان- 416 مسئلة هل يجوز قرض الحيوان- 417 مسئلة يجوز النكاح والخلع والصلح على عبد 418 او فرس غير معين وكذا كل ما كان فيه مبادلة مال بغير مال وما كان فيه مبادلة مال بمال كالبيع والاجارة والصلح عن اقرار يشترط فيه كمال الانضباط- مسئلة الشرع اعطى القرض حكم العارية و 418 جعل دفع مثله كدفع عينه مسئلة ما يجوز قرضه وما لا يجوز- 419 مسئلة ان اهدى المستقرض الى المقرض شيئا 419 او حمله على دابته لا يحل ان كان بشرط- وهل يحل لعان كان بغير شرط ولم يكن بينهما عادة- ويحل ان كان بينهما عادة- مسئلة هل يجوز اقراض الخبز او الخير- 419 مسئلة كتابة الدين مستحب- 420 مسئلة العدل على الكاتب واجب- 420 مسئلة الكاتب إذا طلب للكتابة هل يجب عليه 420 الكتابة او يستحب- مسئلة الإقرار بلا بخس على المديون واجب 420 وإقراره حجة- مسئلة لا يجوز شهادة الصبى والمجنون والمعتوه 421 وهل يجوز شهادة العبد- مسئلة لا يجوز شهادة الكافر على مسلم و 421 هل يجوز شهادة بعضهم على بعض مسئلة نصاب الشهادة في الزنى اربعة من الرجال 423 وفي غير ذلك رجلان او رجل وامرأتان الا انه لا يجوز شهادة النساء في الحدود والقصاص وهل يجوز فى غير المال كالنكاح والطلاق ونحوهما مسئلة لا يشترط في رواية الحديث الحرية 424 والذكورة والعدد- حديث ان دماءكم وأموالكم واعراضكم حرام- 424 حديث حرمة ما لكم كحرمة دمكم- 424 حديث من قتل دون ماله فهو شهيد ومن 424 قتل دون دمه إلخ- مسئلة لا يجوز الحكم بشاهد واحد مع يمين المدعى 424 فى غير الأموال وهل يجوز في الأموال- مسئلة يشترط لقبول الشهادة لفظة اشهد 426 مسئلة يجوز شهادة النساء وحدهن فيما لا يطلع 426 عليه الرجال وهل يكفى شهادة امرأة او لا بد من اثنتين او من اربع- مسئلة لا يجوز شهادة الفاسق- 427 مسئلة العدالة إتيان الواجبات والاجتناب عن 427 الكبائر وترك الإصرار على الصغائر- ما ورد في الكبائر- 427 ما ورد فيمن لا يقبل شهادتهم لاجل الفسق 427 او التهمة بالعداوة الدنيوية او بالولاد والازدواج او نحو ذلك او لكونه محدودا في قذف- مسئلة هل يقتصر الحاكم على ظاهر صلاح 428 الشاهد أم يسئل عنه سرّا وعلانية- مسئلة في زماننا هذا يقبل شهادة الفاسق 428 إذا دلت القرائن على صدقه وغلب على الظن انه لا يكذب- مسئلة اختار المتأخرون تحليف الشهود 428 مكان التزكية-

حديث انكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به 428 هلك ثم يأتى زمان إلخ- مسئلة الفاسق اهل للشهادة فان قبل القاضي 428 شهادته جاز لكنه يأثم إذا لم يبالغ في طلب الحق غاية وسعه- مسئلة هل يجب تحمل الشهادة إذا مادعوا- 429 مسئلة يجب أداء الشهادة بعد التحمل إذا ما دعوا- 429 حديث من كتم شهادة إلخ- 429 مسئلة إذا دعى الشاهد الى مجلس القاضي يجب 429 عليه ان كان مجلس القاضي قريبا- 429 مسئلة لو كان الشاهد شيخا فاركبه الطالب 429 على دابته او استأجر له حمارا هل تقبل شهادته- مسئلة لو وضع للشاهد طعاما ولم يشترط ذلك 429 حديث الراشي والمرتشي في النار- 430 مسئلة هل يجوز للشاهد ان يشهد برؤية 430 خطه من غير تذكر- مسئلة هل يجوز للقاضى ان يعمل بما وجد مكتوبا 430 فى ديوانه- حديث إذا رايت مثل الشمس فاشهد- 431 مسئلة الاستشهاد عند المبايعة مستحب- 431 حديث ابتاع النبي صلى الله عليه وسلم فرسا 431 من أعرابي الحديث وفيه جعل شهادة خزيمة بشهادة رجلين- مسئلة القاضي لو كان عالما بحق وسعه 431 الحكم على علمه- مسئلة السلطان او غيره لو ابتاع من غيره 431 شيئا او كان له حق على الغير وهو يعلم ذلك يقينا- ومن عليه الحق منكر جاز له عند الله ان يأخذ حقه جبرا- مسئلة ولو رفع الأمر الى قاضى اخر لا يجوز له الحكم 432 بعلم السلطان او القاضي المدعى- مسئلة لا يضر كاتب وشاهد أحدا من المتبايعين 432 ولا أحدهما كاتبا او شاهدا- مسئلة الرهن مشروع لازم لا يجوز للراهن 432 استرداده ما بقي عليه درهم- مسئلة يجوز الرهن في الحضر ومع وجود 432 الكاتب ايضا- مسئلة لا يلزم الرهن بدون القبض ولا يجوز 432 رهن المشاع وقيل يلزم ويجوز- مسئلة لا يجوز للراهن الانتفاع بالمرهون الا 433 برضاء المرتهن- مسئلة لا يجوز للراهن شيء من التصرفات الشرعية 433 فى المرهون فان فعل يتوقف البيع والهبة ونحوهما على اجازة المرتهن او الفك وينعقد العتق ونحوه ويجب عليه قيمته رهنا ان كان موسرا والا على العبد- مسئلة يجب على الراهن نفقة المرهون- 433 مسئلة زوائد المرهون ملك للراهن ويكون 433 مرهونا- مسئلة ما أنفق المرتهن على المرهون- 434 مسئلة إذا مات الراهن يباع المرهون في 434 بدل الرهن ولا يتعلق به حق سائر الغرماء- مسئلة ان هلك الرهن في يد المرتهن من غير 434 تعد هل يكون مضمونا بالدين او بالقيمة او باقلهما- او لا يضمن الا بالتعدي- حديث لا ايمان لمن لا امانة له ولا دين لمن 436 لا عهد له- مسئلة كتمان الشهادة حرام- 436 مسئلة إذا كان المشهود له لا يعلم بشهادة الشاهد 436 يجب على الشاهد ان يعلّمه بانه شاهد- حديث خير أمتي قرنى ثم الذين يلونهم 436 حديث الا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتى 437 بشهادته قبل ان يسئل-

مسئلة ان من الممكنات مجردات- 437 مسئلة المؤاخذة ثابتة على افعال القلوب والنقوس 437 ما ورد في رذائل النفس ومحامدها- 437 حديث من هم بسيئة فلم يعمل بها إلخ- 438 مسئلة الحساب حق- 438 مسئلة التعذيب على الذنوب صغائرها و 438 كبائرها حق لكنه ليس بواجب يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء- فصل من الناس من يدخل الجنة بغير حساب 439 وما ورد فيه والتحقيق فيه بانهم الصوفية العلية والشهداء والمتشبثون بهم ومن يلحق بهم- مسئلة مدح ايمان الصحابة واهل 441 السنة والجماعة- حديث ان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين 441 وسبعين ملة إلخ مسئلة التكليف بالمحال غير واقع والقدرة 442 شرط اى القدرة الموهومة الموجودة قبل الفعل لا القدرة الحقيقية التي مع الفطر- حديث ان الله تجاوز عن أمتي ما وسوست 443 به صدورها- فائدة أرجو ان المؤمن إذا بذل جهده لدفع 443 رذائل النفس ان لا يؤاخذ عليها- حديث تركت فيكم الثقلين- 443 مسئلة لا بد من أخذ كتاب الله وأخذ أذيال 443 الفقراء عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسئلة تعاطى الذنوب وان كان خطأ يوجب 444 ضيق الصدر وغير القلب لكن الله تعالى وعد ان لا يؤاخذ على الخطأ والنسيان في الاخرة واما في الدنيا فالمؤاخذة لم ترتفع يجب قضاء الصلاة والصوم بالنسيان والسجدتان بعد السلام بالسهو فيها والكفارة وحرمان الإرث بالقتل خطأ- مسئلة الكلام ناسيا في الصلاة هل يفسدها- 444 مسئلة الحج هل يفسد بالجماع ناسيا- 445 مسئلة هل يقع طلاق المكره والمخطئ- 445 مسئلة الصوم هل يفسد بالأكل خطأ 445 لكنه لا يفسد بالأكل ناسيا وقيل يفسد- 445 مسئلة هل يحرم الذبيحة بترك التسمية 445 ناسيا- مسئلة يستحب للقارى ان يقول أمين بعد 446 إتمام سورة البقرة- فصل فيما ورد في فضل الآيتين اخر البقرة 447 وفي فضل سورة البقرة- مسئلة المؤمن لا يخلد في النار 447 لاجل الكبائر- تمت البقرة.

سورة ال عمران

القسم الأول من الجزء الثاني [سورة ال عمران] نحمدك يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انك مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شىء قدير أنت ربّنا وربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ ونصلّى ونسلّم على رسولك وحبيبك سيّدنا ومولانا محمّد وبه على جميع النّبيّين والمرسلين وعلى عبادك الصّالحين (سورة ال عمران) مدنية وايها مائتان ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج ابن ابى حاتم عن الربيع بن انس ان النصارى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فخاصموه فى عيسى فانزل الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الى بضع «1» وثمانين اية من ال عمران وقال ابن إسحاق حدثنى محمد بن سهل بن ابى امامة قال لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئلونه عن عيسى بن مريم نزلت فيهم فاتحة ال عمران الى رأس الثمانين منها كذا اخرج البيهقي فى الدلائل وكذا قال البغوي عن الكلبي والربيع بن انس وغيرهما نزلت هذه الآيات فى وفد نجران وكانوا ستين راكبا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم اربعة عشر رجلا من اشرافهم وفى الاربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤل أمرهم العاقب أميرهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون الا عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم واسمه الا بهم وابو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم- دخلوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى العصر عليهم ثياب حبرات جبب وأردية فى جمال رجال لحارث بن كعب يقول من راهم ما راينا وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا للصلوة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) قلت الظاهر انها اربعة وثمانون اية الى قوله تعالى لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وبعد ذلك قوله تعالى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ وما بعده نزلت فى رجال ارتدوا كما سيذكر- منه برد الله مضجعه الخطبة 12 الناشر

[سورة آل عمران (3) : الآيات 1 إلى 2]

دعوهم فصلوا الى المشرق- فكلم السيد والعاقب فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلما فقالا قد اسلمنا قبلك قال كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاءكما لله ولدا وعبادتكم الصليب وأكلكما الخنزير قالا ان لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه وخاصموه جميعا فى عيسى عليه السلام فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الستم تعلمون ان ربنا حى لا يموت وان عيسى يأتى عليه الفناء قالوا بلى قال ألستم تعلمون ان ربنا قيم على كل شىء يحفظه ويرزقه قالوا بلى قال فهل يملك عيسى من ذلك شيئا قالوا لا قال ألستم تعلمون ان الله تعالى لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ قالوا بلى قال فهل يعلم عيسى عليه السلام من ذلك الا ما علم قالوا لا قال فان ربنا صور عيسى عليه السلام فى الرحم كيف شاء وربنا لا يأكل ولا يشرب قالوا بلى قال ألستم تعلمون ان عيسى حملته امه كما تحمل المرأة ووضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذى كما يغذى الصبى ثم كان يطعم ويشرب ويحدث قالوا بلى قال فكيف يكون هذا كما زعمتم فسكتوا فانزل الله صدر سورة ال عمران الى بضع وثمانين اية منها فقال عز من قائل الم (1) اللَّهُ قرا ابو يوسف يعقوب بن خليفة الأعشى عن ابى بكر الم مقطوعا بسكون الميم على الوقف كما هو فى سائر المقطعات ثم قطع الهمزة للابتداء وقرا الجمهور بالوصل «1» مفتوح الميم فعند سيبويه فتح الميم لالتقاء الساكنين الميم ولام الله لا يقال ان التقاء الساكنين غير محذور فى باب الوقف لانا نقول ان الوقف ليس مرويا عند الجمهور وانما هو على قراءة ابى يوسف يعقوب كما ذكر وفى صورة الوقف كما قرا يعقوب يتحمل التقاء الياء والميم الساكنين فى كلمه ميم دون التقاء ثلاث ساكنات وحركت الميم بالفتح لكونها أخف الحركات ولم تكسر لاجل الياء وكسر الميم قبلها تحاميا عن توالى الكسرات وقال الزمخشري انما هى فتحة همزة الوصل من الله نقلت الى الميم وانما جاز ذلك مع ان الأصل فى همزة الوصل إسقاطها مع حركتها لان الميم كان حقها الوقف ومقتضى الوقف ابقاء همزة الوصل كما قراء به يعقوب لكنها أسقطت للتخفيف فابقيت حركتها لتدل على انها فى حكم الثابت ونظرا على ان الميم فى حكم الموقوف وليس بموقوف اجمع القراء على جواز المد الطويل فى مد الميم بقدرست حركات والمد القصير بقدر حركتين والله اعلم- والله مبتدا وخبره لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبر لا محذوف تقديره لا اله فى الوجود الا هو والمستثنى فى موضع الرفع بدل

_ (1) والحق ان الوقف بمد الطويل والوصل بالقصر والمد جائز ان للكل

من موضع لا واسمه الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) بدل من هو او خبر مبتدا محذوف اى هو الحي القيوم وقد ذكرنا شرح الاسمين فى اية الكرسي- اخرج ابن ابى شيبة والطبراني وابن مردوية من حديث ابى امامة مرفوعا اسم الله تعالى الأعظم فى ثلاث سور البقرة وال عمران وطه قال القاسم صاحب ابى امامة فالتمستها فوجدت انه الحي القيوم لاجل اية الكرسي فى البقرة وهذه الاية فى ال عمران وو عنت الوجوه للحىّ القيّوم فى طه وقال الجزري صاحب الحصين وعندى انه لا اله الّا هو الحىّ القيّوم قلت عندى هو لا اله الا هو جمعا بين حديث ابى امامة هذا وحديث اسماء بنت يزيد قالت «1» سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فى هاتين الآيتين اسم الله الأعظم وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ واللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة والدارمي وحديث سعد بن ابى وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة ذى النون إذا دعا ربه وهو فى بطن الحوت لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لم يدع بها رجل مسلم فى شىء الا استجاب له رواه احمد والترمذي- وفى المستدرك للحاكم اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به اعطى لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ وحديث يزيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول اللهم انى أسئلك بانى اشهد ان لا اله الّا أنت الأحد الصّمد الّذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد- فقال دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به اعطى وإذا دعى به أجاب رواه احمد واصحاب السنن الاربعة وابن حبان والحاكم وقال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين- وروى هؤلاء الجماعة كلهم عن انس قال كنت جالسا فى المسجد ورجل يصلى فقال اللهم انى أسئلك بان لك الحمد لا اله الا أنت الحنان المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حى يا قيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به اعطى ولم يذكر ابن ابى شيبة يا حى يا قيوم قلت فهذه الأحاديث كلها يقتضى ان الاسم الأعظم انما هو القدر المشترك بينها وذلك هو التهليل النفي والإثبات- ولا اله الا هو موجود فى السور الثلاث البقرة وال عمران وكذا فى طه الله لا اله الّا هو له الأسماء الحسنى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا اله الا الله هو أفضل الذكر رواه الترمذي وغيره من حديث جابر مرفوعا وهو مفتاح الجنة رواه احمد عن معاذ مرفوعا وقد تواتر معناه-

_ (1) فى الأصل قال- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة آل عمران (3) : آية 3]

((فائدة)) وردت صيغة التهليل فى أحاديث اسم الله الأعظم بلفظ لا اله الّا هو او لا اله الّا أنت وهذا اللفظ ارفع درجة من لفظ لا اله الا الله لان الضمائر وضعت للذات البحت ففى كلمة لا اله الا هو ينتقل الذهن اولا الى الذات بلا ملاحظة اسم من الأسماء وصفة من الصفات وشأن من الشئونات وكلمة الله وان كان اسما للذات لكن الذهن هناك ينتقل اولا الى الاسم وثانيا الى المسمى وقد ينتقل الذهن من حيث الاشتقاق الى معنى الالوهية فيكون من اسماء الصفات غير ان صفة الالوهية يستدعى الاتصاف بجميع صفات الكمال والتنزه عن جميع شوائب النقص والزوال فيكون أتم وأشمل من سائر اسماء الصفات- والصوفية العلية انما اختاروا كلمة لا اله الا الله لاجل المبتدى فان المبتدى لا سبيل له الى الذات البحت الا بتوسط اسم من الأسماء او صفة من الصفات- قلت ولعل وجه كون النفي والإثبات أعظم الأسماء ان اثبات الالوهية له تعالى يقتضى اثبات جميع صفات الكمال له تعالى باقتضاء ذاته وسلب جميع النقائص عنه كذلك فانه من ليس كذلك لا يستحق العبادة- ونفى الالوهية عما عداه يقتضى حصر تلك الصفات الايجابية والسلبية فيه تعالى فهو أعظم الأسماء وأشملها والله اعلم. نَزَّلَ اى هو نزل عَلَيْكَ الْكِتابَ اى القران نجوما فان التفعيل للتكثير بِالْحَقِّ حال من الكتاب اى متلبسا بالصدق فى اخباره او بالدين الذي هو الحق عند الله مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ اى لما قبله من الكتب فكان من حقه ان يؤمن به كل من أمن بما قبله فهو حجة على النصارى واليهود حين كفروا به وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) جملة ومن ثم عدل هاهنا من التنزيل الى الانزال فان الانزال أعم منه- قرا ابو عمرو وابن ذكوان والكسائي التّورية بالامالة فى جميع القران ونافع وحمزة بين بين والباقون بالفتح- والتورية اسم عبرانى للكتاب الذي انزل على موسى عليه السلام والإنجيل اسم سريانى للكتاب الذي انزل على عيسى عليه السلام وليست الكلمتان عربيتان فمن قال انه فوعلة او تفعلة من ورى الزند وافعيل من النجل فقد تكلف. مِنْ قَبْلُ اى قبل تنزيل القران حتى يستعد الناس للايمان به هُدىً لِلنَّاسِ اى لجميع الناس ولا وجه لتخصيص الناس بقوم موسى وعيسى عليهما السلام فان الكتب السماوية كلها تدعوا جميع الناس الى التوحيد والايمان بجميع ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 5]

الأنبياء وتوجب العلم بالمبدأ والمعاد وتهدى الى سبيل الرشاد من امتثال أوامر الله تعالى والانتهاء عن المناهي- وتخبر التورية والإنجيل والزبور عن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وكون بعض الآيات منها منسوخة فى فروع الأعمال فى بعض الأحيان لا ينافى كونها هدى كما ان بعض آيات القران نسخت بالبعض فان النسخ لبيان مدة الحكم فالاية حجة لنا على ان شرائع من قبلنا يلزمنا على انه شريعة لنبينا صلى الله عليه وسلم وقال الشافعي لا يلزمنا- وقوله هدى حال من التورية والإنجيل حمل عليهما للمبالغة او بتأويل اسم الفاعل ولم يثن لانه مصدر وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ 5 اى جنس الكتب الالهية واللام للاستغراق- ذكر ذلك بعد الكتب الثلاثة ليعم ما عداها كانّه قال وانزل سائر الكتب الفارقة بين الحق والباطل- او المراد به القران وكرر ذكره مدحا وتعظيما واظهار الفضلة فانه يشارك والجميع فى كونه منزلا من الله تعالى يتميز عما عداها باعجاز اللفظ الموجب للفرق بين المحق والمبطل- وانما أعاد انزل لبعد المعطوف عليه ولئلا يلتبس بالعطف على هدى مفعولا له او اشارة الى ان للقران انزالا يعنى الى السماء الدنيا ليلة القدر وتنزيلا نجما نجما على حسب الحوادث وقال السدى فى الاية تقديم وتأخير تقديرها وانزل التورية والإنجيل من قبل والفرقان هدى للناس إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ المنزلة فى شىء من الكتب لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بسبب كفرهم كما يعترف به اهل الكتاب وَاللَّهُ عَزِيزٌ غالب لا يمنعه من التعذيب أحد ذُو انْتِقامٍ (4) لا يقدر على مثله منتقم والنقمة عقوبة المجرم والفعل منه نقم بفتح العين والكسر- وعيد بعد تقرير التوحيد والاشارة الى صدق الرسول بمطابقة ما جاء به الكتب السماوية وكونه معجزا-. إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ كائن فِي الْأَرْضِ وَلا شىء كائن فِي السَّماءِ (5) والمراد به شىء كائن فى العالم كليّا كان او جزئيا- وانما عبر عن العالم بهما لان الحس لا يتجاوزهما- وانما قدم الأرض على السماء لان المقصود بالذكر انه تعالى يعلم اعمال العباد فيجازيهم عليه- وهذه الجملة كالدليل على كونه حيا وما بعده كالدليل على كونه قيوما اى. هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ على صور ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 7]

وألوان وإشكال مختلفة ذكرا او أنثى على ما أراد لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فلا يعلم ولا يقدر أحد سواه الا بتعليم وأقداره على كسبه على حسب إرادته الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) بدل من المستثنى او خبر لمبتدا محذوف اى هو العزيز الحكيم اشارة الى كمال قدرته وتناهى حكمته عن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة ثم تكون علقة مثل ذلك ثم تكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله الملك اليه بأربع كلمات فيكتب رزقه وعمله واجله وشقى او سعيد قال وان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها- وان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها- متفق عليه- وعن حذيفة بن أسيد يبلّغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر فى الرحم بأربعين او بخمس وأربعين ليلة فيقول يا رب أشقى او سعيد فيكتبان فيقول اى رب اذكر او أنثى فيكتبان ويكتب عمله واثره واجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص رواه البغوي. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ اى القران مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ التي أحكمت وأتقنت عباراتها بحيث لا يشتبه على سامع عالم باللغة منطوقه ولا مفهومه ولا مقتضاه اما بلا تأمل كقوله تعالى قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ وقوله تعالى وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وقوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ واما بعد طلب وتأمل من غير حاجة الى بيان من الشارع كقوله تعالى السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ يظهر شموله للطرّار بأدنى تأمل لوجود معنى السرقة فيه مع زيادة وعدم شموله للنباش لنقصان معنى السرقة فيه فان السرقة أخذ مال مملوك لغيره على سبيل الخفية وكفن الميت غير مملوك لاحد فان الميت باعتبار احكام الدنيا ملحق بالجماد لا يصلح للمالكية وحق الورثة لا يتعلق الا بعد التكفين وكقوله تعالى وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فانه بعد التأمل يظهر انه معطوف على المغسولات لضرب الغاية فيه وقوله تعالى ثَلاثَةَ قُرُوءٍ فانه بعد التأمل يظهر ان المراد به الحيضات دون الاطهار لان الطلاق مشروع فى الطهر فلا يتصور عدد الثلاثة بلا نقصان او زيادة الا فى الحيضات وقوله تعالى قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ يظهر ... ...

بالتأمل ان المراد كون صفائها كصفاء القوارير كائنا من جنس الفضة فعلى هذا دخل فى المحكم الظاهر والنص والمفسر والمحكم والخفي والمشكل على اصطلاح الأصوليين وما ذكرنا من تفسير المحكم هو للمستفاد من قول ابن عباس وهو المعنى من قول محمد بن جعفر بن الزبير ان المحكم ما لا يحتمل من التأويل غير وجه واحد وما قيل المحكم ما يعرف معناه ويكون حجة واضحة ودلائله لائحة هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ قال فى القاموس الام الوالدة وأم كل شىء أصله وعماده وللقوم رئيسهم وكل شىء انضمت اليه أشياء قلت الكتاب هاهنا اما بمعنى المكتوب اى المفروض كما فى قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ فالاضافة بمعنى اللام والام بمعنى الوالدة او الأصل يعنى المحكمات هن والدات واصول لما كتب علينا إتيانه او الكف عنه من الفرائض والمحرمات- واما بمعنى القران فالاضافة حينئذ اما بمعنى من يعنى انها أم للاحكام من الكتاب يؤخذ منها الاحكام بلا حاجة بيان من الشارع واما بمعنى اللام والمعنى انها عماد للقران وبمنزلة رئيس القوم لسائر الآيات يحتاج إليها غيرها ويضم إليها حتى يستفاد من غيرها المراد منها يردها الى المحكمات وكان القياس ان يقال أمهات الكتاب لكن أورد لفظ المفرد ليدل على ان المحكمات كلها بمنزلة أم واحدة لان الاحكام المفروضة تؤخذ من جميعها لا من كل واحدة منها وكذا مرجع المتشابهات الى مجموعها باعتبار بعضها لا الى كل واحدة منها وَآيات أُخَرُ جمع اخرى معدول من الاخر او اخر من ولذا منع من الصرف للعدل والوصف مُتَشابِهاتٌ التي يشتبه على السامع العارف باللغة المراد منه بحيث لا يدرك بالطلب ولا بالتأمل الا بعد بيان من الشارع بعبارة محكمة فان وجد البيان والتعليم من جهة الشارع وظهر المراد منها سميت مجملا على اصطلاح الأصوليين كالصلوة والزكوة والحج والعمرة واية الربوا ونحو ذلك وان لم يوجد البيان والتعليم سميت حينئذ متشابها على اصطلاحهم ولا يجوز هذا القسم الا فيما لا يتعلق به العمل كيلا يلزم التكليف بما لا يطاق وذلك كالمقطعات القرآنية وقوله تعالى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ والرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى وقد يظهر مراد تلك القسم من الآيات على بعض العرفاء بتعليم من الله تعالى بالإلهام كما عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها واقتباس أنوار النبوة بعد شرح الصدر وان كان ذلك المراد أحيانا بحيث لا يمكن تعليمه وتعلمه باللسان لعدم شمول خزينة العلم من العوام على مراده ولا على العلم بوضع لفظ بإزائه- واما ما يتعلق به التكليف فلا يجوز ... ...

تأخير بيانه عن وقت الحاجة كيلا يلزم التكليف بما لا يطاق- فان قيل قال الله تعالى الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ وقال فى موضع اخر كتبا متشابها فكيف فرق هاهنا فقال مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ... - وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ قلنا حيث جعل القران كله محكما فمعناه انه متقن محفوظ عن فساد المعنى ودكاكة اللفظ لا يستطيع أحد معارضته والطعن فيه- وحيث جعل كله متشابها أراد ان بعضه يشبه بعضا فى الحسن والكمال- وفرق هاهنا من حيث وضوح المعنى وخفائه- فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ اى ميل عن الحق قال الربيع هم وفد نجران خاصموا النبي صلى الله عليه وسلم فى عيسى عليه السلام وقالوا له الست تزعم انه كلمة الله وروح منه قال بلى قالوا «1» حسبنا فانزل الله تعالى هذه الاية وقال الكلبي هم اليهود طلبوا علم أجل هذه الامة واستخراجه بحساب الجمل قال ابن عباس انّ رهطا من اليهود منهم حيى بن اخطب وكعب بن الأشرف ونظراؤهما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال حيى بلغنا انه انزل عليك الم فننشدك الله انزل عليك قال نعم قال فان كان ذلك حقا فانى اعلم مدة تلك أمتك هى احدى وسبعون سنة فهل انزل غيرها قال نعم المص قال فهذه اكثر هى احدى وستون ومائة سنة فهل غيرها قال نعم الر قال هذه اكثر هى مائتين واحدى وثلاثون سنة فهل غيرها قال نعم المر قال هذه اكثر وهى مائتان واحدي وسبعون سنة ولقد خلطت علينا فلا ندرى ابكثيره نأخذ أم بقليلة ونحن مما لا نؤمن بهذا فانزل الله تعالى هذه الاية وقال ابن جريح هم المنافقون وقال الحسن هم الخوارج كذا اخرج احمد وغيره عن ابى امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم- وكان قتادة إذا قرا هذه الاية فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ قال ان لم يكونوا الحرورية والسابية فلا أدرى من هم وقيل هم جميع المبتدعة والصحيح ان اللفظ عام لجميع من ذكر وجميع اصناف المبتدعة عن عائشة قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ الى قوله أُولُوا الْأَلْبابِ قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا رايت الذين يتبعون ما تشابه منه فاولئك الذين سمى الله فاحذروهم رواه البخاري- وعن ابى مالك الأشعري انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما أخاف على أمتي الا ثلاث خلال وذكر منها ان يفتح لهم الكتاب فيأخذه يبتغى تأويله وليس «2» يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ

_ (1) فى الأصل قال (2) وفى القران وَما يَعْلَمُ

يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ اى يتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب اليه المبتدع تبعا لهواه من غير رجوع الى المحكمات من الآيات والأحاديث وبلا حملها على ما يطابقها من المحكمات او السكوت مع الايمان والتسليم بمرادها- فالواجب رد المتشابهات الى المحكمات مهما أمكن حتى يتبين مراد المجمل فيعمل به كما فى الصلاة والزكوة والربوا او السكوت عن تأويله مع الايمان بها والتسليم بمرادها- فلما ثبت بإجماع الامة ومحكم نصوص الأحاديث المتواترة ان المؤمنين يرون الله سبحانه فى الاخرة كما يرون القمر ليلة البدر فلا بد ان يؤمن به ويقول المراد بالروية والنظر فى قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ هى النظر بالبصر وما لم يثبت كذلك كما فى قوله تعالى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ والرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى يسكت فيه مؤمنا به ولا يحمل على ظاهره ويتبع المحكم من قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فيقول بكونه تعالى منزها عن صفات الممكنات ولا يتعب نفسه فى تأويل المقطعات فانه غير ماذون فيه ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ منصوب على العلية من قوله فيتّبعون «1» اى يفعلون ذلك لطلب ان يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك «2» والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه وهذا وظيفة المنافقين كما حكى ان بعض اليهود لما راوا «3» دولة الإسلام واستعلاءه حسدوا على ذلك وتيقنوا ان ذلك التأييد من الله تعالى للمسلمين لاجل دينهم فنافقوا ودخلوا فى الإسلام ظاهرا واتبعوا المتشابهات بتأويلات زائغة وأظهروا المذاهب الباطلة فصاروا حرورية ومعتزلة وروافض ونحو ذلك ابتغاء الفتنة وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ عطف على ابتغاء الفتنة اى طلبوا ان

_ (1) فى الأصل يبتعون. [.....] (2) اخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب قال انه سيأتيكم ناس يجادلونكم بشبهات القران فخذوهم بالسنن فان اصحاب السنن اعلم بكتاب الله وعن ابى هريرة قال كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل يسئل عن القران امخلوق هو او غير مخلوق فقام عمر فاخذ بمجامع ثوبه حتى قاده الى على بن ابى طالب فقال يا أبا الحسن اما تسمع ما يقول هذا قال وما يقول قال جاءنى يسئل عن القران امخلوق هو او غير مخلوق فقال على هذه كلمة سيكون لها ثمرة ولو وليت من الأمر ما وليت ضربت عنقه واخرج الدارمي عن سليمان بن يسار ان رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسئل من متشابه القران فارسل اليه عمر وقدا عدله عراجين النخل قال له ومن أنت قال انا عبد الله صبيغ فقال انا عبد الله عمر فاخذ عرجونا من تلك العراجين فضرب به حتى دمئ رأسه فقال يا امير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجدني رأسى وعن ابى عثمان النهدي ان عمر كتب الى بصرة ان لا تجالسوا صبيغا- قال فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا وعن محمد بن سيرين قال كتب عمر بن الخطاب الى ابى موسى الأشعري بان لا تجالس صبيغا وان تحرم عطاءه ورزقه قال الشافعي حكمى فى اهل الكلام حكم عمر فى صبيغ ان يضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم فى العشائر والقبائل وينادى عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة واقبل على علم الكلام- منه رحمه الله. (3) فى الأصل راى- ابو محمد عفا الله عنه.

يأولوه على ما يشتهونه وقد يكون ابتغاء التأويل بناء على الجهل فقط وذلك من بعض المتأخرين من المبتدعة واما من الأوائل المنافقين منهم فكان الداعي على اتباع المتشابهات غالبا مجموع الطلبين وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ اى بيان المتشابه من الآيات على ما هو المراد منه عند الله تعالى إِلَّا اللَّهُ اى لا يجوز ان يعلمه غيره تعالى الا بتوقيف منه ولا يكفى لمعرفته العلم بلغة العرب- فالحصر إضافي نظيره قوله تعالى لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ- يعنى لا يعلم الغيب غيره تعالى الا بتوقيف منه- فهذه الاية لا تدل على ان النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكمل من اتباعه لم يكونوا عالمين بمعاني المتشابهات- كيف وقد قال الله تعالى ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ فانه يقتضى ان بيان القران محكمه ومتشابهه من الله تعالى للنبى صلى الله عليه وسلم واجب ضرورى لا يجوز ان يكون شىء منها غير مبين له عليه السلام والا يخلوا الخطاب عن الفائدة ويلزم الخلف فى الوعد- والحق ما حققناه فى أوائل سورة البقرة ان المتشابهات هى اسرار بين الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم لم يقصد بها إفهام العامة بل إفهام الرسول ومن شاء افهامه من كمل اتباعه بل هى مما لا يمكن بيانها للعامة وانما يدركها أخص الخواص بعلم لدنى مستفاد بنوع من المعية الذاتية او الصفاتية الغير المتكيفة- وَالرَّاسِخُونَ اى الذين رسخوا اى ثبتوا وتمكنوا فِي الْعِلْمِ بحيث لا تعترضه شبهة وهم اهل السنة والجماعة الذين عضوا بالنواجذ على محكمات الكتاب والسنة واقتفوا فى تفسير القران اجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين الذين هم خيار الامة ورد والمتشابهات الى المحكمات وتركوا الأهواء والتلبيسات- وقيل الراسخون فى العلم مؤمنوا اهل الكتاب- قلت لا وجه لتخصيصهم- وقالت الصوفية العلية الراسخون فى العلم هم المنسلخون عن الهواء بالكلية بفناء القلب والنفس والعناصر المتفوضون فى التجليات الذاتية حيث لا يعتريهم شبهة المترنمون بما قالوا لو كشفت الغطاء ما ازددت يقينا اخرج الطبراني وغيره عن ابى الدرداء ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الراسخين فى العلم قال من برّت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه وعفف بطنه وفرجه فذلك من الراسخين فى العلم قلت هذا شأن الصوفية ثم اختلف العلماء فى نظم هذه الاية فقال قوم الواو للعطف والمعنى ان تأويل المتشابه يعلمه الله ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 8]

ويعلمه الراسخون فى العلم فعلى هذا قوله تعالى يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ حال منهم يعنى قائلين امنّا نظيره قوله تعالى لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ الى ان قال وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ثم قال وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وهذا قول مجاهد والربيع- وروى عن ابن عباس انه كان يقول فى هذه الاية انا من الراسخين فى العلم وعن مجاهد انا ممن يعلم تأويله- وذهب الأكثرون الى ان الواو للاستيناف وتم الكلام عند قوله وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ فعلى هذا الراسخون فى العلم مبتدا وما بعده خبره وهو قول أبيّ بن كعب وعائشة وعروة بن الزبير ورواية طاءوس عن ابن عباس وبه قال الحسن واكثر التابعين واختاره الكسائي والفراء والأخفش ومما يؤيد هذا القول قراءة عبد الله بن مسعود ان تأويله الّا عند الله والرّاسخون فى العلم يقولون امنّا به وقراءة أبيّ بن كعب ويقول الرّاسخون فى العلم امنّا به ومن هاهنا قال عمر بن عبد العزيز انتهى علم الراسخين فى العلم بتأويل القران الى ان قالوا أمنا به كُلٌّ من المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وما علمنا المراد منه وما لم نعلم مِنْ عِنْدِ رَبِّنا قلت فحال الراسخين فى العلم يبائن حال الزائغين قلوبهم من الأهواء المتبعين الآراء كلّما أضاء لهم ووافق النصوص آراءهم مشوا فيه وأمنوا به وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ تأويلات النصوص ولم يوافق آراءهم قاموا ولم يؤمنوا به قال البغوي هذا القول أقيس فى العربية وأشبه بظاهر الاية يعنى القول باستيناف الكلام وعدم العطف قلت وجه كون هذا القول أقيس وأشبه ان الاستثناء من النفي اثبات بإجماع اهل العربية واللام فى الراسخون للاستغراق فلو كان قوله الراسخون فى العلم معطوفا على الله لزم ان يعلم تأويل المتشابهات كل راسخ فى العلم وليس كذلك على ما يشهده البداهة والرواية وَما يَذَّكَّرُ أصله يتذكر اى ما يتعظ بما فى القران إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) ذووا العقول السليمة فان سلامة العقل يقتضى ان يفوضوا ما لا علم لهم به الى المتكلم العليم الحكيم ولا يقعوا فى الجهل المركب وهم فى كل واد يهيمون- قالت الأكابر لا أدرى نصف العلم-. رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا ولا تملها عن الحق كما ازغت قلوب الذين فى قلوبهم ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 9]

زيغ- جاز ان يكون هذا من مقال الراسخين تقديره يقولون امنّا به ويقولون ربّنا إلخ وجاز ان يكون تعليم مسئلة من الله تعالى عند البلوغ الى المتشابه بتقدير قولوا رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا بانزال كتابك ووفقتنا بالايمان بالمحكم والمتشابه وبعد منصوب على الظرفية وإذ فى موضع الجر بإضافته اليه وقيل إذ هاهنا بمعنى ان المصدرية وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً توفيقا وتثبيتا إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) لكل مسئول فيه دليل على ان الهدى والضلالة من الله تعالى بتوفيقه او خذلانه وانه المتفضل على عباده لا يجب عليه شىء عن النواس بن سمعان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من قلب الا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن إذا شاء ان يقيمه اقامه وان شاء ازاغه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك والميزان بيد الرحمن جل جلاله يرفع قوما ويضع آخرين الى يوم القيامة رواه البغوي وروى نحوه احمد والترمذي من حديث أم سلمة ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو والترمذي وابن ماجة من حديث انس- وفى الصحيحين من حديث عائشة وعن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل القلب كريشة بأرض فلاة يقلبها الرياح ظهرا ببطن رواه احمد. رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ اى لقضاء يوم وقيل اللام بمعنى فى اى فى يوم لا رَيْبَ فِيهِ اى لا شك فى وقوعه ووقوع ما فيه من الجزاء إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9) مفعال من الوعد فالخلف فى الوعد محال لكونه رذيلة ينافى الالوهية واما فى الوعيد فيجوز عندنا المغفرة وان لم يتب- وقالت الوعيدية من المعتزلة لا يجوز الخلف فى الوعيد ايضا الا بعد التوبة محتجا بهذه الاية قلنا وعيد الفساق كما هو مشروطة بعدم التوبة باتفاق بيننا وبينكم كذلك مشروطة بعدم العفو لاطلاق قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وقوله تعالى فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وقوله تعالى وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ وقوله تعالى لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ونحو ذلك وفى الباب أحاديث لا يحصى-. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعم المشركين واهل الكتاب لَنْ تُغْنِيَ اى لا تجزى عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ اى بدلا من رحمته او طاعته ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 11]

شَيْئاً من الإغناء فهو منصوب على المصدرية دون المفعولية لان الإغناء غير متعد الا ان يقال معناه على التضمين لا تدفع عنهم من الله اى من عذابه شيئا فعلى هذا منصوب على المفعولية والجار والمجرور ظرف مستقر حال منه وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) اى حطبها عطف على لن تغنى. كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ دأب مصدر من داب فى العمل إذا كدح فيه والجار والمجرور فى محل الرفع خبر مبتدا محذوف تقديره دأبهم كدأب ال فرعون ومعناه فعلهم وصنيعهم فى الكفر وتكذيب الرسل كفعل ال فرعون كذا قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد- وقيل هو منقول من معنى الفعل الى معنى الشأن- وقال ابو عبيدة معناه كسنة ال فرعون وقال الأخفش كامر ال فرعون وشأنهم وقال النصر بن شميل كعادة ال فرعون يعنى عادة هؤلاء الكفار وطريقتهم وشأنهم فى تكذيب الرسل ونزول العذاب كشأن ال فرعون وطريقتهم وسنتهم وجاز ان يكون الجار والمجرور متصلا بما قبله يعنى توقد بهم النار كما توقد بال فرعون فوقود النار بهم بضم الواو شأنهم كما هو شان ال فرعون ولن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم كما لم يغن بال فرعون فيكون شأنهم كشأنهم عند حلول العذاب وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مثل عاد وثمود وقوم لوط معطوف على ال فرعون وحينئذ قوله تعالى كَذَّبُوا اما حال بتقدير قد او استيناف لبيان حالهم كانّه فى جواب ما شأنهم وجاز ان يكون الموصول مبتدا وما بعده خبره بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ وعاقبهم بِذُنُوبِهِمْ اى بسبب ذنوبهم وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (11) شديد عقابه- روى ابو داود فى سننه وابن جرير والبيهقي فى الدلائل من طريق ابن إسحاق عن محمد بن ابى محمد عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من اهل بدر ما أصاب ورجع الى المدينة جمع اليهود فى سوق بنى قينقاع وقال يا معشر يهود اسلموا قبل ان يصيبكم مثل ما أصاب قريشا فقالوا يا محمد لا يغرنك من نفسك ان قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا «1» لا يعرفون القتال انك لو قاتلتنا لعرفت انا نحن الناس وانك لم تلق مثلنا فانزل الله. قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعنى اليهود سَتُغْلَبُونَ الى قوله لاولى الابصار فقد صدق الله تعالى وعيده بقتل بنى قريظة واجلاء بنى النضير وفتح خيبر وضرب الجزية عليهم

_ (1) الأغمار جمع غمر بالضم وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور- نهايه منه رح

[سورة آل عمران (3) : آية 13]

وقال مقاتل نزول هذه الاية قبل وقعة بدر والمراد بهم مشركوا مكة يعنى قل لكفار مكة ستغلبون يوم بدر فلما نزلت هذه الاية قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ان الله تعالى غالبكم وحاشركم الى جهنم وقال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ان يهود المدينة قالوا لمّا هزم الله تعالى المشركين يوم بدر هذا والله النبي الذي بشرنا به موسى لا ترد له رأية وأرادوا اتباعه ثم قال بعضهم لبعض لا تعجلوا حتى تنظروا الى وقعة اخرى فلما كان يوم أحد ونكب اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكّوا فغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا وقد كان بينهم وبين اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الى مدة فنقضوا ذلك العهد وانطلق كعب بن الأشرف فى ستين راكبا الى مكة يستنفرهم فاجمعوا أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى فيهم هذه الاية قرأ حمزة وخلف- ابو محمد والكسائي سيغلبون بالياء على ان الله تعالى امر رسوله صلى الله عليه وسلم ان يحكى لهم ما أخبره به من وعيدهم وكذا قوله وَتُحْشَرُونَ فى الاخرة إِلى جَهَنَّمَ وقرا الباقون بالتاء فيهما على الخطاب على انه مقولة قل وَبِئْسَ الْمِهادُ (12) اى الفراش اى جهنم هذا من تمام ما يقال لهم او استيناف اى بئس ما مهّدوه لانفسهم او بئس ما مهّد لهم-. قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ الخطاب لليهود على تقدير كون الاية السابقة فيهم يعنى قد كانت لكم يا معشر اليهود اية اى دليل «1» واضح على صدق ما أقول لكم انكم ستغلبون او خطاب للمشركين على تقدير كون الاية فيهم يعنى قد كانت لكم يا معشر الكفار اية معجزة ودليل «2» على النبوة فِي فِئَتَيْنِ اى فرقتين انما يقال الفرقة فئة لان فى الحرب يفىء بعضهم الى بعض الْتَقَتا يوم بدر للقتال فِئَةٌ مؤمنة يعنى رسول الله وأصحابه تُقاتِلُ العدو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فى طاعة الله كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سبع وسبعون رجلا من المهاجرين وصاحب رأيتهم على بن ابى طالب وهو الصحيح وقيل مصعب بن عمير ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار وصاحب رأيتهم سعد بن عبادة وكان فيهم سبعون بعيرا وفرسان فرس لمقداد «3» بن عمرو فرس لمرثد بن ابى مرثد وأكثرهم رجالة وكان معهم من السلاح ست اذرع وثمانية سيوف وفئة أُخْرى كافِرَةٌ وهم مشركوا مكة

_ (1) فى الأصل دليلا واضحا (2) فى الأصل دليلا (3) فى الأصل للمقداد

كانوا تسعمائة وخمسين رجلا من المقاتلة رأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد الشمس وفيهم مائة فرس وكانت حرب بدر أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة بثمانية عشر شهرا فى رمضان سنه يَرَوْنَهُمْ قرا نافع وابو جعفر- ابو محمد ويعقوب بالتاء على الخطاب فان كان الخطاب لليهود فالمعنى يا معشر اليهود ترونهم يعنى كفار مكة مِثْلَيْهِمْ اى مثلى المسلمين وذلك ان جماعة من اليهود حضروا قتال بدر لينظروا على من يكون الدبرة فراوا المشركين مثلى عدد المسلمين وراوا النصرة مع ذلك للمسلمين فان قيل كيف قال مثليهم وهم كانوا ثلاثة أمثالهم قلنا لعل المراد كثرتهم وتكرار أمثالهم دون التثنية كما فى قوله تعالى ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يعنى كرة بعد اخرى- وان كان الخطاب للمشركين فالمعنى ترونهم يا معشر الكفار اى المسلمين مثليهم وذلك حين القتال ولا تناقض بين هذا وبين قوله تعالى فى سورة الأنفال وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لانهم قلّلوا فى أعينهم قبل القتال حتى اجترءوا عليهم فلما تلاقوا وشرعوا فى الحرب كثر المسلمون فى أعينهم حتى جبنوا وغلبوا وقرا الجمهور بالياء على الغيبة وعلى هذا فالضمير المرفوع جاز ان يكون راجعا الى المشركين والمعنى يرى المشركون المسلمين مثلى المشركين او مثلى المسلمين وجاز ان يكون راجعا الى المسلمين يعنى يرى المسلمون المشركين مثلى المسلمين حيث قللهم الله تعالى فى أعينهم حتى راوهم مثلى أنفسهم مع كونهم ثلاثة أمثالهم ليثبتوا لهم وتيقنوا بالنصر الذي وعدهم الله تعالى فى قوله فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ثم قللهم الله تعالى حتى راوهم مثل عدد أنفسهم قال ابن مسعود نظرنا الى المشركين فرايناهم يضعّفون علينا ثم نظرنا إليهم فما رايناهم يزيدون علينا رجلا واحدا ثم قللهم الله تعالى ايضا فى أعيننا حتى رايناهم عددا يسيرا اقل من أنفسنا حتى قلت لرجل الى جنبى نراهم سبعين قال أراهم مائة والروية هاهنا بمعنى العلم حتى يكون مثليهم مفعولا ثانيا له إذا المعنى لا يساعد كونه حالا فعلى هذا قوله تعالى رَأْيَ الْعَيْنِ مبنى على المبالغة فى علمهم بكونهم مثليهم وتشبيه لهذا العلم بالعلم الحاصل بروية العين فاطلق رأى العين وأريد به العلم الحاصل به مجازا تسمية المسبب باسم السبب فهو منصوب على المصدرية وجاز ان يكون منصوبا بنزع الخافض اى كرأى العين وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكر من التقليل والتكثير ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 14]

وغلبة القليل عديم القدرة على الكثير شاكى السلاح لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13) اى لذوى العقول- وقيل لمن راى الجمعين-. زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ الزين ضد الشين وهو كون الشيء ذا حسن وجمال مستحقا للمدح محبوبا وذا قد يكون بصفات نفسانية كالعلم والعقل ونحو ذلك او بدنية كالقوة والقامة وحسن المنظر او خارجية كاللباس والمركب والمال والجاه- والتزيين جعل الشيء كذلك اما فى الحقيقة كما فى قوله تعالى زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ او فى اعتقاد من زين له سواء كان الاعتقاد مطابقا للواقع كما فى قوله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ او غير مطابق له كما فى قوله تعالى زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ والشهوة هى توقان النفس وكمال رغبتها الى الشيء والمراد بالشهوات هاهنا المشتهيات فانها هى المزينات المحبوبات حقيقة لكن سميت بالشهوات وجعل موردا لتزيين حب الشهوات دون أنفسها مبالغة فى التوبيخ وايماء على انهم انهمكوا فى محبتها حتى أحبوا شهواتها بل حب شهواتها كانّ تقدير الكلام حبب الى الناس حب محبة النساء ونحوها نظيره أحببت حبّ الخير وقال صاحب الكشاف سميت شهوات مبالغة فى التنفير عنها لان الشهوات علم فى الخسة شاهد على البهيمية إذ المقام مقام التنفير عنها والترغيب فيما عند الله وقال بعض الأفاضل بل مبالغة فى التحذير عن مخالطتها وكمال التوجه إليها فانها لكمالها فى كونها مشتهيات تشغل اللاهي بكليته الى أنفسها وتقطعه عما عند الله والمزين هو الله تعالى لانه الخالق للجواهر والاعراض والافعال الاختيارية للعباد والدواعي كلها- ولعله زينه ابتلاء «1» قال الله تعالى إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ولكونه سببا لمجاهدة المؤمنين وباعثا لشكر النعمة ووسيلة الى السعادة الاخروية وموجبا لفضل البشر على الملائكة- وسببا لخذلان الكافرين وموجبا لاضلالهم يضلّ من يشاء ويهدى من يشاء وايضا فى التزيين حكمة التعيش وبقاء النوع قال الله تعالى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وقيل المزين هو الشيطان فان الاية فى معرض الذم وقد نسب الله تعالى تزيين الأشياء تارة الى نفسه باعتبار الخلق حيث قال كذلك زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ وزَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ وزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وتارة

_ (1) همه انداز من بتوانيست ... كه تو طفلى وجامه رنگين است : منه رح

[سورة آل عمران (3) : آية 15]

الى الشيطان باعتبار كسبه إلقاء الوسوسة فى القلوب والإلهاء حيث قال إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وقوله لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ وزيّن لهم الشّيطن أعمالهم فصدّهم عن السّبيل مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ جمع قنطار وهو المال الكثير بعضه على بعض سمى قنطارا من الاحكام يقال قنطرت الشيء إذا أحكمته ومنه سميت القنطرة- وقال معاذ بن جبل الف ومائتا اوقية وقال ابن عباس الف ومائتا مثقال او اثنا عشر الف درهم او الف دينار وقال سعيد بن جبير وعكرمة هو مائة الف ومائة منّ ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم وعن السدى اربعة آلاف مثقال وقال الحكم القنطار ما بين السماء والأرض وقيل ملا مسك ثور «1» واختلف فى انه فعلال او فنعال الْمُقَنْطَرَةِ مأخوذة من القنطار للتأكيد كقولهم بدرة مبدرة يعنى الكثيرة المنضمة بعضها الى بعض وقال الضحاك المحصنة المحكمة وقال يمان المدفونة وقال السدىّ المضروبة وقال الفراء المضعفة فالقناطير أريد به جمع القنطار وبالمقنطرة جمع الجموع مِنَ الذَّهَبِ قيل سمى به لانه يذهب وَالْفِضَّةِ قيل سمى بها لانها تنفض اى تتفرق وَالْخَيْلِ جمع فرس لا واحد له من لفظه الْمُسَوَّمَةِ قال مجاهد يعنى المطهمة الحسان اى محكم الخلق حسن الجمال وتسويمها حسنها وقال سعيد بن جبير هى الراعية اى السائمة وقال الحسن وابو عبيدة هى المعلمة من السيماء اى العلامة ثم منهم من قال سيماها الشية واللون وهو قول قتادة وقيل الكي وَالْأَنْعامِ جمع نعم والنعم جمع لا واحد له من لفظه ويطلق على الإبل والبقر والغنم وقال ابو حنيفة رحمه الله يطلق على الدواب الوحشي ايضا ولذا فسر قوله فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ اى مثل ما قتل من النعم الوحش وَالْحَرْثِ اى الزرع ذلِكَ المذكورات مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا اى يتمتع بها فى الدنيا ثم يفنى وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) اى المرجع الحسن الذي كانه عين الحسن ففيه كمال التحريض على استبدال ما فى الدنيا من الشهوات الفانية بما عند الله من المستلذات القوية «2» الباقية-. قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ المذكورات فيه توبيخ للكفار واشارة الى

_ (1) اخرج الحاكم وصححه عن انس عنه صلى الله عليه وسلم قال القنطار الف اوقية.. واخرج احمد وابن ماجة عن ابى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال اثنا عشر الف اوقية- منه رح (2) عن قتادة فى هذه الاية ذكر لنا ان عمر بن الخطاب كان يقول اللهم زينت لنا الدنيا وانبأتنا ان ما بعدها خير منها فاجعل حظنا فى الذي هو خير وأبقى- منه رح

ان النبي صلى الله عليه وسلم كانه متردد فى ان ينبئهم شفقة عليهم وامتثالا لامر الله تعالى او لا ينبئهم لملاحظة بعدهم عن قبول الحق وتقرير لما سبق اليه الاشارة من ان ثواب الله خير من مستلذات الدنيا لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ مبتدا والظرف خبر مقدم عليه والجملة استيناف لبيان ما هو خير ويجوز ان يكون الظرف متعلقا بخير او يكون ظرفا مستقرا صفة لخير واختصاص المتقين لانهم هم المنتفعون به وجنات خبر مبتدا محذوف اى هو جنات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ صفة لجنات خالِدِينَ فِيها اى مقدرين الخلود فيها إذا دخلوها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ مما يستقذر من النساء كالحيض والنفاس والبول والغائط وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ قرا ابو بكر عن عاصم بضم الراء فى جميع القران غير الحرف الثاني فى المائدة ورضوانه سبل السّلم والباقون بالكسر وهما لغتان كالعدوان والعدوان- قيل ذكر الله سبحانه من جنس ما يشتهونه الجنات التي هى من جنس الحرث والأزواج المطهرة التي هى من جنس النساء ولم يذكر البنين لان المقصود منهم فى الدار الفانية الاعانة وبقاء النوع- ولا الخيل ولا الانعام ولا الذهب والفضة لانهم مستغنون عن مشاق ركوب الخيل والانعام لنيل المقاصد وعن البيع والشراء المحوج الى الأثمان وزاد لهم ما لا زيادة عليه وهو رضوان الله ونكر الرضوان اشارة الى انه امر لا يحيط العلم بإدراكه عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تبارك وتعالى يقول لاهل الجنة يا اهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير فى يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول الا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب واىّ شىء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده ابدا متفق عليه وعندى ان ذكر الجنان واقع فى مقابلة جميع ما يشتهونه لقوله تعالى وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ فان الأبناء والأقارب كلهم تجتمعون فى الجنة ويدوم لقاؤهم ابدا قال الله تعالى أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الولد من قرة العين وتمام السرور فهل يولد لاهل الجنة فقال المؤمن إذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله وضعه وسنه فى ساعة كما يشتهى رواه الترمذي وحسنه والبيهقي وهناد فى الزهد عن ابى سعيد والحاكم فى التاريخ والاصبهانى فى الترغيب- واما قناطير ... ...

الذهب والفضة فان الله تعالى خلق الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك- رواه البزار والطبراني والبيهقي عن ابى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وفى الحديث المرفوع جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما متفق عليه من حديث ابى موسى- واما الخيل والانعام فقد قال أعرابي يا رسول الله انى أحب الخيل أفي الجنة خيل قال ان دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوت له جناحان فحملت عليه ثم طار بك حيث شئت رواه الترمذي عن ابى أيوب وروى الترمذي والبيهقي نحوه عن بردة مرفوعا والطبراني والبيهقي بسند جيد عن عبد الرحمن بن ساعدة مرفوعا- واخرج ابن المبارك عن شفى بن مانع ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من نعيم الجنة انهم يتزاورون على المطايا والبخت وانهم يؤتون فى يوم الجمعة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث ولا تبول فيركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله- واخرج ابن ابى الدنيا وابو الشيخ والاصفهانى عن على مرفوعا قال ان فى الجنة شجرة تخرج من أعلاها حلل ومن أسفلها خيل بلق من ذهب سرجها وزمامها الدر والياقوت وهن ذوات الاجنحة خطوّها مد البصر لا تروث ولا تبول فيركبها اولياء الله فيطير بهم حيث شاءوا فيقول «1» الذي أسفل منهم قد اطفؤوا نورنا من هؤلاء فقال انهم كانوا ينفقون وكنتم تبخلون وكانوا يقاتلون وكنتم تجلسون واخرج ابن المبارك عن ابن عمران فى الجنة عتاق الخيل وكرام النجائب يركبها أهلها واخرج ابن وهب عن الحسن البصري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان ادنى اهل الجنة منزلة الذي يركب فى الف الف من خدم من الولدان المخلدين على خيل من ياقوت احمر لها اجنحة من ذهب واما الحرث فقد روى البخاري عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان رجلا من اهل الجنة استأذن ربه فى الزرع فقال له الست فيما شئت قال بلى ولكنى أحب ان ازرع قال فيزرع فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده فكان أمثال الجبال فيقول الله تعالى دونك يا ابن آدم فانه لا يشبعك شىء واخرج الطبراني وابو الشيخ نحوه وفيه حتى تكون سنيلة اثنا عشر ذراعا ثم لا يبرح مكانه حتى يكون منه ركام أمثال الجبال- ولعل وجه تخصيص الأزواج من بين نعيم الجنة بالذكر اما شدة ما كان بالعرب من شهوة النساء واما ان الأزواج تكون لكل من يدخل الجنة أجمعين واما البنون ونحو ذلك فلمن كان له بنون فى الدنيا او لمن يشتهيهم فيها وهم لا يشتهون ذلك غالبا لما روى عن

_ (1) فى الأصل شاء

ابى سعيد انه إذا اشتهى المؤمن فى الجنة الولد كان فى ساعة ولكن لا يشتهى رواه الترمذي والدارمي يعنى لا يشتهى غالبا جمعا بين الروايات- وذكر الله سبحانه ما زاد على نعماء الدنيا ولا مزيد عليه وهو رضوان الله فانه هو الفارق البائن بين نعماء الدنيا ونعماء الجنة فان الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ما ابتغى به وجه الله عز وجل وفى رواية الا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما رواه الطبراني فى الأوسط عن ابن مسعود وفى الصغير عن ابى الدرداء وابن ماجة عن ابى هريرة واما نعماء الجنة فهى مرضيات لله تعالى عن ربيعة الحرسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لى فى المنام سيد بنى دارا وصنع مادبة وأرسل داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد قال والله سيد ومحمد الداعي والدار الإسلام والمأدبة الجنة رواه الدارمي- قلت والسر فى ان نعيم الدنيا غير مرضية لله تعالى لا ينبغى ان يلتفت إليها قال الله تعالى وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ونعيم الجنة مرضية لله تعالى ممدوح من يطمع فيها قال الله تعالى وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ان مبادى تعينات النشئة الدنيوية غالبا هى الاعدام التي تقررت فى مرتبة العلم واستضاءت بالتقابل بعكوس نقائضها التي هى صفات الكمال لله تعالى كالجهل فى مقابلة العلم والعجز فى مقابلة القدرة ونحو ذلك وسميت ظلالا ولاجل ذلك يسرع الفناء الى هذه النشئة والعدم فى نفسه شر محض لا نصيب له من الحسن والجمال والخير والكمال الا بالتموية بخلاف النشئة الاخروية فان مبادى تعيناتها انما هى صفات الله تعالى الحسناء فحبها حب الله تعالى والانشغاف بها الانشغاف به تعالى كذا ذكر المجدد رضى الله عنه فى سر محبة يعقوب عليه السلام بيوسف عليه السلام مع ان الأنبياء بل الأولياء لا يلتفتون الى غير الله سبحانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا لا تخذن أبا بكر خليلا وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا رواه مسلم قال المجدد رضى الله عنه وذلك ان حسن يوسف عليه السلام كان من جنس حسن اهل الجنة فكان حبة والعشق به حب الله تعالى وعشقه وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) هذا الكلام فى مقام التعليل لما سبق واللامم اما للاستغراق اى بصير بجميع العباد محسنهم ومسيئهم فيجازيهم على حسب ما عملوا- ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 16]

واما للعهد يعنى بصير بالذين اتقوا ولذا أعد لهم الجنات-. الَّذِينَ يَقُولُونَ مجرور على انه صفة للمتقين او للعباد وجاز ان يكون منصوبا على المدح او مرفوعا رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الفاء للسببية وفيه دليل على ان مجرد الايمان سبب لاستحقاق المغفرة عن معاذ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ان لا يعذب من لا يشرك به شيئا قال معاذ افلا ابشر به الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا متفق عليه. الصَّابِرِينَ على خلاف النفس مانعيها عن الجزع فى المصائب وعن اتباع الشهوات والرذائل حابسيها على الطاعات والفضائل وَالصَّادِقِينَ فى المقال وادعاء الأحوال وجميع الدعاوى والروايات والشهادات- واصدق الصدق شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وَالْقانِتِينَ الدائمين على الطاعات المشتغلين بالله تعالى وَالْمُنْفِقِينَ أموالهم فى مرضات الله- فاستوعب الكلام انواع الطاعات من الأخلاق والأقوال والأعمال البدنية والمالية وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) يعنى انهم مع ما هم فيه من الطاعات الظاهرة والباطنة خائفون من الله يعترفون على أنفسهم بالتقصير فيستغفرون منه كيف لا وان العباد لا يمكن ان يعبدوا كما ينبغى لكبريائه وعظمته- بل العبد إذا لاحظ الى انّ أفعاله مخلوقة لله تعالى وانه تعالى منّ عليه بتوفيقه لعبادته وارتضاه لنفسه حيث لم يتركه الى غيره علم ان كل ما صدر منه ان كان قابلا للقبول فهو مستوجب للشكر والامتنان ولا يتصور أداء شكر نعمائه الا ان يتغمده الله بمغفرته ورضوانه يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا- «1» بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وخص الاسحار بالاستغفار لكونها اقرب للاجابة عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل الله تعالى الى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول انا الملك من ذا الذي يدعونى فاستجيب له من ذا الذي يسئلنى فاعطيه من ذا الذي يستغفرنى فاغفر له متفق عليه وفى رواية لمسلم ثم يبسط يديه ويقول من يقرض غير عدوم ولا ظلوم حتى ينفجر الفجر قال البغوي حكى عن الحسن ان لقمان قال لابنه يا بنى لا تكونن أعجز من هذا الديك يصوت

_ (1) وفى القران بعد أَنْ أَسْلَمُوا- قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ إلخ-

[سورة آل عمران (3) : آية 18]

بالأسحار وأنت نائم على فراشك وعن زيد بن اسلم انه قال هم الذين يصلون الصبح فى الجماعة وقيد بالسحر لقربه من الصبح وقال الحسن مدوا الصلاة الى السحر ثم استغفروا قال نافع كان ابن عمر يحيى الليل ثم يقول يا نافع اسحرنا فاقول لا فيعاود الصلاة فاذا قلت نعم قعد يستغفر الله ويدعو حتى يصبح وتوسيط واو العطف دليل على استقلال كل واحدة منها فى الكمال وكمالهم فيها او لتغائر الموصوفين بها فالصابرون الصوفية اصحاب القلوب والنفوس الزاكية والغزاة والشهداء والصادقون العلماء الناطقون بالروايات الصادقة والقانتون الزهاد المصلون بطول القنوت الداعون الله خوفا وطمعا والمنفقون الأغنياء الصالحون من المؤمنين يكتسبون الأموال من الوجوه المباحة وينفقونها فى سبيل الله والمستغفرون بالأسحار الذين يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم رواه مسلم- وروى احمد وابو يعلى من حديث ابى سعيد نحوه- قدم الله سبحانه فى الذكر الا فضل فالافضل-. شَهِدَ اللَّهُ اى بيّن بنصب الدلائل العقلية وإنزال الآيات السمعية أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ حكى البغوي عن الكلبي قال قدم حبران من أحبار الشام على النبي صلى الله عليه وسلم فلما ابصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج فى اخر الزمان فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة فقالا له أنت محمد قال نعم قالا وأنت احمد قال انا محمد واحمد قالا فانا نسئلك عن شىء فان اخبرتنا أمنا بك وصدقناك فقال سلا فقالا أخبرنا عن أعظم شهادة فى كتاب الله عز وجل فانزل الله تعالى هذه الاية فاسلم الرجلان قال ابن عباس خلق الله الأرواح قبل الأجساد باربعة آلاف سنة وخلق الأرزاق قبل الأرواح باربعة آلاف سنة فشهد بنفسه لنفسه قبل ان خلق الخلق حين كان ولم يكن سماء ولا ارض ولا بحر ولا بر فقال شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وشهدت الْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ يعنى مؤمنى الانس والجن كلهم أمنوا بالجنان وشهدوا بتوحيد الله تعالى باللسان قائِماً بتدبير مصنوعاته منصوب على الحال من الله فاعل شهد وجاز لعدم اللبس يعنى شهد الله ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 19]

فى حال قيامه بتدبير مصنوعاته فان قيامه عليه كذلك دليل واضح على توحيده- او على الحال من هو والعامل فيها معنى الجملة اى تفرد قائما- او احقه لانه حال مؤكدة- او على المدح وعلى هذا يكون مندرجا فى المشهود به- وجاز ان يكون مفعولا للعلم اى أولوا المعرفة قائما بِالْقِسْطِ اى متلبسا بالعدل فى قسمه وحكمه لا يتصور منه الظلم لانه مالك الملك يتصرف فى ملكه كيف يشاء فلا يجب عليه ثواب المطيع بل ذلك بفضل منه ولا عذاب العاصي فانه يغفر لمن يشاء فلا دليل فيه للمعتزلة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة ادلة التوحيد والحكم به بعد اقامة الحجة الْعَزِيزُ فى ملكه الْحَكِيمُ (18) فى صنعه صفتان لله فاعل شهد او بدلان من هو قدم العزيز لتقدم العلم بقدرته على العلم بحكمته-. إِنَّ الدِّينَ المرضى عِنْدَ اللَّهِ هو الْإِسْلامُ قرا الكسائي بفتح انّ على انه بدل الكل ان فسر الإسلام بالايمان قال قتادة شهادة ان لا اله الا الله والإقرار بما جاء به الرسل من عند الله وهو دين الله الذي شرعه لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءه ولا يقبل غيره ولا يجزى الا به- او فسر بما يتضمنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ان تشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكوة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت اليه سبيلا متفق عليه من حديث عمر فى حديث طويل قصة سوال جبرئيل- وبدل اشتمال ان فسر الإسلام بالشريعة المحمدية فانه الدين المرضى عند الله فى هذا الزمان بعد نسخ الأديان المنزلة من الله تعالى سابقا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان موسى حياما وسعه الا اتباع رواه احمد والبيهقي من حديث جابر- وقرا الجمهور بكسر انّ على انه كلام مبتدا عن الأعمش انه قام من الليل يتهجد فمر بهذه الاية شَهِدَ اللَّهُ الاية ثم قال وانا اشهد بما شهد الله به واستودع الله هذه الشهادة وهى لى عند الله وديعة إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ فلما فرغ من صلاته سئل عنه فقال حدثنى ابو وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله ان لعبدى هذا عندى عهدا وأنا أحق من وفى العهد ادخلوا عبدى الجنة رواه البغوي بسنده وأخرجه الطبراني والبيهقي فى الشعب بسند ضعيف وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعنى اليهود والنصارى فى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وحقية الإسلام حتى ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 20]

نفاه بعضهم وقال بعضهم انه مخصوص بالعرب إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بانّ الدّين عند الله الإسلام حيث بين الله ذلك فى التورية والإنجيل بَغْياً منصوب على العلية بَيْنَهُمْ ظرف مستقر صفة لبغيا يعنى ما تركوا الحق واختلفوا بشبهة وخفاء فى الأمر بل بعد العلم بكونه حقا لاجل بغى وحسد مستقر بينهم ولاجل طلب الملك والرياسة- واخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر انها نزلت فى نصارى نجران ومعناها وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعنى الإنجيل فى امر عيسى عليه السلام حتى قال بعضهم انه ابن الله إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بان الله واحد لم يلد وان عيسى عبده ورسوله بَغْياً بَيْنَهُمْ اى معاداة لليهود ومخالفة لهم حيث أنكروا نبوته وبهتوا امه بعد ما جاءهم العلم فى التورية انه عبده ورسوله واخرج ابن ابى حاتم عن الربيع ان موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين رجلا من أحبار بنى إسرائيل فاستودعهم التورية واستخلف يوشع بن نون فلما مضى القرن الاول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم وهم المراد بقوله تعالى وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من أبناء أولئك السبعين حتى اهرقوا بينهم الدماء ووقع الشر إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ يعنى بيان ما فى التورية بَغْياً بَيْنَهُمْ فسلط الله عليهم الجبابرة وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فيجازيه على كفره وعيد لمن كفر منهم. فَإِنْ حَاجُّوكَ يا محمد وقالت اليهود والنصارى ان ديننا هو الإسلام وانّما اليهودية والنصرانية نسب فَقُلْ لانزاع فى اللفظ بل أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ فتح الياء نافع وابو جعفر- ابو محمد عفا عنه وابن عامر وحفص واسكن الباقون لِلَّهِ اى انقدت لله تعالى وحده لا أشرك به غيره ولا اتبع هو اى فيما امر به بقلبي ولسانى وجميع جوارحى- وانما خص الوجه لانه أكرم جوارح الإنسان او المعنى أخلصت توجهى ظاهرا بالجوارح واللسان وباطنا بالنفس والقلب لله تعالى لا التفت الى غيره- او المعنى فوضت وجهى يعنى ذاتى لله تعالى ومقتضى هذا الإسلام والتفويض ان لا يشرك به غيره وان يسارع فى امتثال أوامره وانتهاء نواهيه وان يتبع كل شريعة جاءت من عنده ما لم ينسخ وَمَنِ اتَّبَعَنِ عطف على الضمير المرفوع فى أسلمت وحسن للفصل اى واسلم من اتبعنى- وجاز ان يكون مفعولا معه- اثبت الياء نافع وكذا ابو جعفر وصلا ويعقوب فى الحالين- وابو عمرو فى الوصل على الأصل وحذفها الباقون فى الحالين تبعا للخط وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ عطف على قل أسلمت يعنى قل ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 21]

لنفسك أسلمت واحضر الإسلام فى قلبك واجعله مطمئنا به وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من اليهود والنصارى وَالْأُمِّيِّينَ الذين لا كتاب لهم كمشركى العرب أَأَسْلَمْتُمْ كما أسلمت بعد ما وضح بالدلائل العقلية وآيات التورية والإنجيل إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ أم أنتم بعد على كفركم- فهذا استفهام صيغة وامر معنى كما فى قوله تعالى فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ يعنى انتهوا وفيه تعبير لهم بالبلادة او المعاندة فَإِنْ أَسْلَمُوا كما أسلمت فَقَدِ اهْتَدَوْا فقرا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية فقال اهل الكتاب اسلمنا فقال لليهود ان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته فقالوا «1» معاذ الله وقال للنصارى أتشهدون ان عيسى عبد الله ورسوله فقالوا معاذ الله ان يكون عيسى عبدا- فقال الله تعالى وَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإسلام كما أسلمت فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ اى فلا يضرونك انما عليك تبليغ الرسالة دون الهداية وقد بلغت وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) مؤمنهم وكافرهم يجزئ كل واحد بما عمل-. إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ يعنى اليهود يكفرون بالقران والإنجيل وآيات التورية التي فيها نعت النبي صلى الله عليه وسلم وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ اى قتل اوائلهم الأنبياء وهم يرضون بفعلهم يريدون ان يفعلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ما فعل اوائلهم فقاتلوه وسحروه وجعلوا السم فى طعامه حتى مات به شهيدا حين مات وقد ذكر قصة السحر وللسم فى سورة البقرة بِغَيْرِ حَقٍّ يعنى فى اعتقادهم والا فقتل النبي لا يكون الا بغير حق وانما حملهم على القتل حب الرياسة ولم يروا منهم ما يجوز به القتل وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ اى بالعدل مِنَ النَّاسِ وهم اتباع الأنبياء- قرا حمزة يقاتلون من المفاعلة قال ابن جريج كان الوحى يأتى الى أنبياء بنى إسرائيل ولم يكن يأتيهم كتاب فيذكّرون قومهم فيقتلون فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكّرون قومهم فيقتلون ايضا فهم الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ روى البغوي عن ابى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم اىّ الناس أشد عذابا يوم القيامة قال رجل قتل نبيا او رجل امر بالمنكر ونهى عن المعروف ثم قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ الى قوله وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عبيدة قتلت بنوا إسرائيل ثلاثة

_ (1) فى الأصل فقال- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة آل عمران (3) : آية 22]

وأربعين نبيا من أول النهار فى ساعة فقام مائة واثنا عشر رجلا من عباد بنى إسرائيل فامروا من قتلوهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من اخر النهار فى ذلك اليوم فهم الذين ذكرهم الله فى كتابه وانزل الاية فيهم فَبَشِّرْهُمْ اى أخبرهم يا محمد ذكر لفظ البشارة تهكما بهم بِعَذابٍ أَلِيمٍ (21) وجيع قال سيبويه جملة فبشرهم لا يصلح ان يكون خبرا لانّ ولا يجوز عنده دخول الفاء على خبران قياسا على خبر ليت ولعل فعلى هذا خبران اما قوله تعالى. أُولئِكَ الَّذِينَ الى آخره- وجملة فبشّرهم معترضة نظيره زيد فافهم رجل صالح واما محذوف وأقيم المسبب مقامه والتقدير لهم عذاب اليم فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ- وقال الجمهور جملة فبشّرهم خبر لانّ فقال البغوي انما ادخل الفاء على خبران على الغاء ان وتقديره الذين يكفرون ويقتلون فبشرهم وقال اكثر النحويين يجوز دخول الفاء على خبران لشبه اسمها الموصول بالشرط كالمبتدا الموصول بخلاف اسم ليت ولعل فانهما ينقلان الجملة الخبرية الى الإنشاء فينفيان المشابهة بالشرط فعلى هذا الجملة التالية خبر بعد خبر أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ اى ضاعت أَعْمالُهُمْ فلهم اللعنة والخزي فِي الدُّنْيا وَالعذاب فى الْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (22) يحفظ أعمالهم من الحبط ويدفع عنهم العذاب- اخرج ابن المنذر وابن إسحاق وابن جرير وابن ابى حاتم عن عكرمة عن ابن عباس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس على جماعة من اليهود فدعاهم الى الله تعالى فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على اى دين أنت يا محمد قال على ملة ابراهيم ودينه قالا فان ابراهيم كان يهوديا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلما الى التورية فهى بيننا وبينكم فابيا عليه فانزل الله تعالى. أَلَمْ تَرَ استفهام للتقرير والتعجيب إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً يعنى نصيبا حقيرا حيث لا نصيب لهم من بطون الكتاب ولا من الايمان بجميع ما فيه مِنَ الْكِتابِ ومن للتبعيض وجاز ان يكون للبيان والمراد بالكتاب التورية او جنس الكتب السماوية يُدْعَوْنَ حال من الموصول مفعول أَلَمْ تَرَ يعنى يدعوهم محمد صلى الله عليه وسلم إِلى كِتابِ اللَّهِ يعنى التورية على ما ذكرنا من الرواية- وكذا على ما قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ان رجلا وامراة من اهل خيبر زنيا وكان فى كتابهما الرجم فكرهوا رجمهما لشرفهما فيهم فرفعوا أمرهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 24]

ورجوا ان يكون عنده رخصة فحكم عليهما بالرجم فقال له النعمان بن او فى وبحرى بن عمر وجرت عليهما يا محمد ليس عليهما الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينى وبينكما التورية قالوا قد أنصفتنا قال فمن أعلمكم بالتورية قالوا رجل اعور ليسكن فدك يقال له ابن صوريا فارسلوا اليه فقدم المدينة- وكان جبرئيل قد وصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ابن صوريا قال نعم قال أنت اعلم اليهود قال كذلك يزعمون قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشىء من التورية فيه الرجم مكتوب فقال له اقرأ فلما اتى اية الرجم وضع كفه عليها وقرا ما بعدها فقال ابن سلام يا رسول الله قد جاوزها وقام فرفع كفه عنها ثم قرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اليهود بان المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما وان كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما فى بطنها فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهوديين فرجما فغضب اليهود لذلك وانصرفوا فانزل الله تعالى هذه الاية لِيَحْكُمَ الكتاب أسند الحكم الى الكتاب لكونه سببا للحكم او ليحكم النبي صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ على وفق الكتاب ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ عطف على يدعون وفيه استبعاد لتوليتهم مع علمهم بانه الحق من ربهم وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) اى هم قوم عادتهم الاعراض عن الحق والجملة حال من فريق وهى نكرة مخصصة بالصفة وقال قتادة معناه ان اليهود دعوا الى حكم كتاب الله يعنى القران فاعرضوا عنه وروى الضحاك عن ابن عباس فى هذه الاية ان الله تعالى جعل القرآن حكما فيما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم القران على اليهود والنصارى انهم على غير الهدى فاعرضوا عنه. ذلِكَ التولي عن كتاب الله بعد العلم به والاعراض عن الحق بِأَنَّهُمْ اى بسبب تسهيل امر العقاب على أنفسهم باعتقاد فاسد وهو انهم قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أربعين يوما عدد ايام عبادة ابائهم العجل كما مر فى سورة البقرة وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) اى هذا القول او ان آباءهم الأنبياء يشفعون لهم او ان يعقوب وعده الله تعالى ان لا يعذب أولاده. فَكَيْفَ خبر لمبتدا محذوف يعنى فكيف حالهم إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ اى جزاء ما عملت من خير او شر وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25) ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 26]

الضمير لكل نظرا الى المعنى فان معناه كل انسان لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم- اخرج ابن ابى حاتم عن قتادة قال ذكر لنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سال ربه ان يجعل ملك فارس والروم فى أمته وقال البغوي قال ابن عباس وانس بن مالك رضى الله عنهم انه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعدامته ملك فارس والروم قالت المنافقون واليهود هيهات هيهات من اين لمحمد ملك فارس والروم هم اعزوا منع من ذلك الم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع فى ملك فارس والروم فانزل الله تعالى على اختلاف الروايتين. قُلِ اللَّهُمَّ الى آخره ويمكن الجمع بينهما- وذكر البيضاوي انه روى انه صلى الله عليه وسلم لما خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا وأخذوا يحفرون فظهر فيه صخرة عظيمة لم يعمل فيها المعاول فوجهوا سلمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فجاء واحذ المعول منه فضربها ضربة صدعتها وبرق برقا أضاء ما بين لابتيها لكانّ مصباحا فى جوف بيت مظلم فكبر وكبر معه المسلمون فقال أضاءت لى منها قصور حيرة كانّها أنياب الكلاب- ثم ضرب الثانية فقال أضاءت لى منها القصور الحمر من ارض الروم- ثم ضرب الثالثة فقال أضاءت لى قصور صنعاء وأخبرني جبرئيل ان أمتي ظاهرة على كلها فابشروا- فقال المنافقون الا تعجبون يمنّيكم ويعدكم الباطل ويخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة من ارض فارس وانها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق من الفرق فنزلت هذه الاية- وقد ذكر البيهقي وابو نعيم فى الدلائل هذه القصة من غير ذكر نزول الاية- بالتحريك الخوف- نهايه منه رح وذكر ابن خزيمة عن قتادة مختصرا وفيه ذكر نزول الاية قوله تعالى قُلِ يا محمد والمقولة بعد ذلك اللَّهُمَّ أصله يا الله حذف حرف النداء وزيدت الميم عوضا عنه ولذلك لا يجتمعان وهذا من خصائص هذا الاسم الرفيع كدخول حرف النداء عليه مع لام التعريف وقطع همزته ودخول تاء القسم عليه- وقيل أصله يا الله امّنا بخير اى اقصدنا فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته فبقى اللهم وربما خففوا فقالوا لا هم وكل ذلك لكثرة الاستعمال نظيره هلم إلينا كان أصله هل امّ إلينا اى هل قصد إلينا- وإذا قيل اللهم اغفر لى فقوله اغفر لى بيان لامّنا بخير وكذا فى قوله اللهم العن رعلا وذكوان فان لعن الأعداء يصلح بيانا لامّنا بخير مالِكَ الْمُلْكِ صفة للمنادى وقيل نداء بعد نداء حذف منه ايضا ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 27]

حرف النداء تقديره يا مالك الملك ولا يجوز جعله صفة للمنادى لان المنادى الاول مكفوف كصوت بلحوق كلمة هو ومثله لا يوصف كذا قال سيبويه ونقض بسيبويه النحوي ودفع بان الصوت هنا لم يبق على معناه بجعله جزءا للكلمة بخلاف ما نحن فيه- والملك مصدر يشتق منه الملك والمراد به المفعول أريد به عالم الإمكان واللام للاستغراق فان الله تعالى خالقه ومالكه يتصرف فيه كيف يشاء ويهب منه ما يشاء لمن يشاء لا يجوز لاحد ان يتصرف فى شىء من الأشياء الا باذنه وتمليكه تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ واللام فى اللفظين للعهد الذهني والمعنى تعطى من الملك ما تشاء من تشاء وتسترد كذلك- عدل من الضمير الى الظاهر وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ فى الدنيا او فى الاخرة او فيهما بالنصر والأدبار والتوفيق والخذلان فى الدنيا والثواب والعذاب فى الاخرة بِيَدِكَ الْخَيْرُ قيل تقديره بيدك الخير والشر فاكتفى بذكر أحدهما كما فى قوله تعالى سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ اى الحر والبرد وقيل خص ذكر الخير لسياق الكلام فيه حيث وعد النبي صلى الله عليه وسلم أمته ملك فارس والروم وقيل ذكر الخير وحده لانه المقضى بالذات والشر مقضى بالعرض إذ لا يوجد شر جزئى ما لم يتضمن خيرا كليا او لمراعات الأدب فى الخطاب- قلت لعل المراد بالخير الوجود فالوجود الحقيقي الذي لاحظّ له من العدم مختص بالواجب لذاته خير محض ليس فيه شائبة من الشر- والوجود الظلي الذي به تحقق الممكن فى الخارج الظلي مستفاد من الواجب- والعدم الذي هو حصة من الشر فى الممكن ذاتى له غير مستفاد من العلة- ومعنى اسناد الشر الى الله تعالى ان الممكن الذي الشر داخل فى مفهومه وبعض افراده اكثر شرا من البعض وحصة الوجود منه مستند الى الوجود الحق واما حصة الشر منه فذاتى له فما اصدق قوله تعالى بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) ولا يقدر أحد غيرك على شىء أصلا وقدرة العباد انما هى قدرة متوهمة بها يسمى العبد كاسبا والله خلقهم وما يعملون- قال البيضاوي نبه بهذه الجملة على ان الشر ايضا بيده- قلنا نعم لكن معنى كونه تعالى قادرا على الشر وكون الشر بيده انه تعالى قادر على عدم افاضة الخير فان القدرة معناه ان شاء فعل وان شاء لم يفعل وإذا لم يفعل الخير بقي الممكن على الشر الأصلي-. تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ يعنى تدخل أحدهما فى الاخر ... ...

بالتعقيب او الزيادة فى أحدهما بالنقصان فى الاخر وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ قرا نافع وابو جعفر ويعقوب وخلف- ابو محمد عفا عنه وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم الميّت بتشديد الياء هاهنا وفى الانعام ويونس والروم وفى الأعراف لبلد ميّت وفى الفاطر الى بلد ميت- وزاد نافع او من كان ميّتا فاحييناه- ولحم أخيه ميّتا- والأرض الميّتة أحييناها- والباقون يخففون الجميع ويعقوب الحىّ من الميت ولحم أخيه ميتا- قيل معناه يخرج الحيوان من النطفة والبيضة ويخرج النطفة والبيضة من الحيوان والنبات الطري من الحب اليابس والحب اليابس من النبات كذا قال ابن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وعكرمة والكلبي والزجاج وقال الحسن وعطاء يخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر قال الله تعالى أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الاية كذا أخرجه ابن ابى حاتم عن عمر بن الخطاب وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27) اى من غير تضييق وتقتير بحيث لا يعرف الخلق عدده ومقداره وان كان معلوما عند الله عقب الله سبحانه هذه الجمل الخمس ليستدل بها على قدرة الله على إيتاء الملك من يشاء ونزعه ممن يشاء روى البغوي بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن على عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فاتحة الكتاب واية الكرسي وايتين من ال عمران شهد الله الى قوله إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وقُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ الى قوله بِغَيْرِ حِسابٍ مشفعات ما بينهن وبين الله عز وجل حجاب قلن يا رب تهبطنا الى أرضك والى من يعصيك قال الله عز وجل بي حلفت لا يقرؤكن أحد من عبادى دبر كل صلوة الا جعلت الجنة مأواه على ما كان فيه والا أسكنته فى حظيرة القدس والا نظرت اليه يعنى كل يوم سبعين مرة وأقضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة والا أعذته من كل عدو وحاسد ونصرته عليه واخرج الطبراني عن معاذ ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له الا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك الدين مثل ثبير اداه الله عنك قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ الى قوله بِغَيْرِ حِسابٍ رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما نعطى من تشاء منهما وتمنع من تشاء ارحمني رحمة تغننى بها عن رحمة من سواك- والله اعلم- اخرج ابن جرير من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس قال كان الحجاج بن عمرو حليفا لعمرو بن الأشرف وابن ابى الحقيق وقيس بن زيد قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 28]

فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لاولئك النفر اجتنبوا هؤلاء اليهود لا يفتنونكم عن دينكم فابى أولئك النفر الا مباطنهم فانزل الله تعالى. لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ نهوا عن موالاتهم بقرابة او صداقة ونحو ذلك او عن الاستعانة بهم فى الغزو وسائر الأمور الدينية مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فيه اشارة الى ان ولايتهم لا يجتمع ولاية المؤمنين لاجل منافاة بين ولاية المتعادين ففى ولاية الكفار قبح بالذات وقبح بالعرض بالحرمان عن ولاية المؤمنين- وذكر البغوي قول مقاتل انها نزلت فى حاطب بن ابى بلتعة وغيره كانوا يظهرون المودة لكفار مكة وذكر قول الكلبي عن ابى صالح انها نزلت فى المنافقين عبد الله بن ابى وأصحابه كانوا يتولون المشركين واليهود ويأتونهم بالأخبار يرجون ان يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى هذه الاية ونهى المؤمنين عن فعل مثل فعلهم- (فصل) الحب فى الله والبغض فى الله باب عظيم من أبواب الايمان عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب متفق عليه وعن انس مرفوعا نحوه بلفظ أنت مع من أحببت متفق عليه وعن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الجليس الصالح والسوء «1» كحامل المسك ونافح الكير» فحامل المسك اما ان يحذيك اى يعطيك- نهايه منه واما ان تبتاع منه واما ان تجد منه ريحا طيبة ونافح الكير اما ان يحرق ثيابك واما ان تجد منه ريحا خبيثة متفق عليه وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابى ذر يا أبا ذر اىّ عرى الايمان أوثق قال الله ورسوله اعلم قال الموالاة فى الله والحب فى الله والبغض فى الله رواه البيهقي فى الشعب وعن ابى ذر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ان أحب الأعمال الى الله تعالى الحب فى الله والبغض فى الله رواه احمد وابو داود وفى الباب أحاديث كثيرة وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى اتخاذهم اولياء فَلَيْسَ الضمير المرفوع عائد الى من يفعل مِنَ اللَّهِ حال من شىء قدم عليه لتنكيره فِي شَيْءٍ خبر ليس والتنكير للتحقير يعنى ليس هو كائنا فى شىء حقير من ولاية الله او من دين الله يعنى كما ان ولاية الكفار لا يجتمع ولاية المؤمنين كذلك لا يجتمع ولاية الله ايضا- ولو قال

_ (1) مثنوى- دور شو از اختلاط يار بد ... يار بد بدتر بود از مار بد مار بد تنها همين بر جان زند ... يار بد بر جان وبر ايمان زند - منه رح (2) ضارب كير الحداد الذي يجعل من الطين- منه رح [.....]

[سورة آل عمران (3) : آية 29]

من دون الله والمؤمنين لافاد ذلك الفائدة مع الاختصار لكن المقصود كمال المبالغة فى البعد عن ولاية الله إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا استثناء مفرغ منصوب على الظرفية وهو من حيث المعنى متعلق بكلا الجملتين السابقتين ومن حيث اللفظ بإحداهما مقدرا للاخرى كما هو داب التنازع يعنى لا يجوز موالاة الكفار فى شىء من الأوقات الا وقت ان تتقوا منهم ومن يفعل ذلك ليس هو من اولياء الله فى شىء من الأوقات الا وقت الاتقاء- والاتقاء افتعال من الوقاية يعنى وقاية نفسه من شرهم ويلزمه الخوف ولاجل ذلك قيل معناه الا ان تخافوا مِنْهُمْ تُقاةً كذا قرا الجمهور وقرا مجاهد ويعقوب تقيّة على وزن فعيلة وعلى التقديرين مصدر من غير باب الفعل يقال توقيته تقاة وتقى وتقية وتقوى وإذا قلت اتقيت كان مصدره اتقاء ثم المصدر جاز ان يكون بمعناه ويكون منصوبا على المصدرية والمعنى لا يجوز موالاة الكفار فى شىء من الأوقات الا وقت ان تتقوا أنفسكم منهم اى من شرهم تقاة وجاز ان يكون بمعنى المفعول فالمعنى الا وقت ان تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه ومقتضى الاستثناء اباحة موالاتهم وقت الخوف من شرهم- ولا شك ان الضروري يتقدر بقدر الضرورة فلا يجوز حينئذ الا اظهار الموالاة دون ابطانها ولا يجوز حينئذ ان يستحل دما حراما او مالا حراما او ارتكاب معصية او يظهر الكفار على عورات المسلمين او يطلعهم على اسرار المؤمنين- وأنكر قوم التقية بعد ظهور الإسلام قال معاذ بن جبل كانت التقية فى جدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة الإسلام فاما اليوم فليس ينبغى لاهل الإسلام ان يتقوا من عدوهم- ثم بالغ سبحانه فى المنع عن ولاية الكفار وزاد على نفى ولاية المؤمنين ونفى ولاية الله عمن تولى بالكفار بالوعيد فقال وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ اى يخوفكم سخطه وعقابه فى موالاة الكفار وذكر النفس ليعلم ان المحذر منه عقاب يصدر منه تعالى فلا يبالى بما يخاف أحدكم من الكفار فهذا وعيد شديد مشعر بتناهي المنهي فى القبح وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) اى مصيركم اليه تعالى لا تقوتونه وهذا وعيد اخر. قُلْ يا محمد إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ اى قلوبكم من مودة الكفار وغيرها أَوْ تُبْدُوهُ قولا او فعلا يَعْلَمْهُ اللَّهُ لا يخفى عليه شىء والغرض من الكلام تسوية المبدى والمخفي بالنسبة الى علم الله تعالى والا فالعلم بالمخفي يقتصى العلم بالمبدى بالطريق الاولى فلا حاجة الى ذكره او تبدوه وَيَعْلَمُ ما فِي ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 30]

السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) جملة يعلم استيناف غير معطوف على جزاء الشرط وهو فى مقام التعليل لما سبق يعنى إذا لم يخف عليه شىء فكيف تخفى عليه ضمائركم واقتصر فى الذكر على علم ما فى السموات وما فى الأرض لانحصار نظر العوام عليهما والمقصود احاطة علمه تعالى بكل موجود فان وجود كل شىء مستفاد منه فكيف يخفى عليه شىء وفى ذكر احاطة علمه تعالى بكل شىء وقدرته على كل شىء بيان لقوله تعالى ويحذركم الله نفسه لانه متصف بالعلم الشامل والقدرة الكاملة فلا يجوز التجاسر على عصيانه عند العقل- وجاز ان يكون المراد انه تعالى لا يخفى عليه شىء يمكن به تعذيبكم فى الدنيا والاخرة وهو على كل شىء قدير فيعذبكم باىّ شىء يريد فى الدنيا او فى الاخرة او فيهما ولا شك ان موالاة الكفار والمداهنة فى الدين يستلزم التعذيب فى الدنيا ايضا بضرب المذلة وسلب السلطنة والله اعلم-. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً الظرف اعنى يوم متعلق بتود وما موصولة ليست بشرطية لاجماع القراء على رفع تود ولو كانت شرطية لذهب بعضهم الى جزمه بناء على جواز الرفع والجزم إذا كان الشرط ماضيا مع ان المروي عن المبرّد ان الرفع شاذ يعنى إذا كان الشرط ماضيا والجزاء مضارعا والموصول مع صلته مفعول لتجدو هى بمعنى تصيب فلا يقتضى الا مفعولا واحدا ومحضرا حال منه وما عملت من سوء معطوف على ما عملت من خير- ولعل المراد حينئذ بكل نفس هاهنا نفس مؤمنة خلطت عملا صالحا واخر سيّئا- واما من ليس له الا عمل صالح او الا عمل سىء فيظهر حاله بالمقايسة والمفهوم- فالله سبحانه برأفته بحضر للمؤمن عمله الصالح على رءوس الخلائق دون عمله السوء بل تجده فى نفسه وتود ان لا يظهره الله او يظهره الله على الإخفاء والتستر كما فى الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يدنى المؤمن فيضع عليه كتفه ويستر فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم اى رب حتى قدره بذنوبه وراى فى نفسه انه قد أهلك قال سترتها عليك فى الدنيا وانا اغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته واما الكافر والمنافق فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ- وان كان تجد بمعنى تعلم فحينئذ محضرا يكون مفعولا ثانيا له محمولا على ما عملت من خير ... ...

وفيما عطف عليه يقدر مثله كما فى قوله علمت زيدا فاضلا وعمروا يعنى تجد الخير والشر محضرين وكلمة لو مقحمة وان مع اسمها وخبرها مفعول لتودا وهى بمعنى ليت حكاية لودادهم وان مع اسمها وخبرها بمنزلة الاسم مع الخبر لليت وحذف مفعول تود لما يدل عليه ما بعده- وجاز ان يكون لو مصدرية وبعدها فعل مقدر فاعلها ان مع اسمها وخبرها وذلك الفعل بتأويل المصدر مفعول لتود وضمير بينه راجع الى اليوم او الى ما عملت من سوء تقدير الكلام حين تصيب كل نفس عملها الخير اى صحيفة عملها او جزاءه حال كونه محضرا وتصيب عملها الشر او تعلم جزاء خيرها وشرها محضرين عندها تود اى تتمنى مسافة بعيدة بينها وبين ذلك اليوم وهو له لما يرى من عملها السوء وان كان ذلك مع ما يرى من صالح عمله فان طمع النفع لا يصير مطمح نظره عند خوف الضرر او بينها وبين عملها السوء او يتمنى ثبوت مسافة بينها وبينه- والأمد الاجل والغاية التي ينتهى إليها- قال الحسن يسر أحدهم ان لا يلقى عمله السوء ابدا وقيل يود انه لم يعمله وجاز ان يكون يوم متعلقا بقدير ووجه تخصيص القدرة باليوم مع شموله لجميع الازمنة وقوع الثواب او العذاب فى ذلك اليوم والمعنى والله بكل شىء من ثوابكم وعذابكم قدير يوم تجد- وجاز ان يكون يوم منصوبا بمضمر فيقدر اذكر- والاولى ان يقدر يحذركم الله يوم تجد فلا يكون فى عطف ويحذركم خفاء وعلى هذه الوجوه تود حال مقدرة من الضمير فى عملت من سوء يعنى تجد ما عملت من سوء مقدرا حين ما عملت ذلك الوداد يوم القيامة- وجاز ان يكون تود خبرا لما عملت من سوء ويكون الواو فى وما عملت من سوء للاستيناف وتمت الجملة الاولى على ما عملت من خير وجاز ان يكون الواو للعطف وتود بمنزلة المفعول الثاني لتجد محمولا على ما عملت من سوء اى تجد ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء هائلا بحيث تودّ انّ بينها وبينه أمدا بعيدا- عن عدى بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه فينظر ايمن منه فلا يرى الا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى الا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى الا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ جملة مستانفة للتحذير عن ترك الواجبات وإتيان السيئات كما ان ما سبق كان للتحذير عن موالاة الكفار فلا تكرار- وجاز ان يكون معطوفة على تود اى يهاب من هذه اليوم او من عمله السوء ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 31]

وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ بإظهار قهاريته يوم تجد- ولو كان الظرف متعلقا با ذكر جاز ان يكون هذه الجملة معطوفة على تجد اى اذكر يَوْمَ تَجِدُ ويوم يحذّركم الله بإظهار قهاريته وهذه الجملة لبيان المعاملة مع الكفار وقوله تعالى وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) اى بعباده المؤمنين لبيان المعاملة مع المسلمين وجاز على التأويل الاول ان يكون هذه الجملة فى مقام التعليل للجملة الاولى يعنى انما يحذّركم الله نفسه لانه رؤف بالعباد يريد إصلاحهم- اخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن مرسلا قال قال أقوام على عهد نبيّنا صلى الله عليه وسلم والله يا محمد انا لنحب ربنا فانزل الله تعالى. قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ الاية- وروى ابن إسحاق وابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير انها نزلت فى وفد نجران لمّا قالوا انما نعبد المسيح حبّا لله وقال البغوي نزلت فى اليهود والنصارى حيث قالوا نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وقال الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش وهم فى المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام وجعلوا فى آذانها الشنوف وهم يسجدون لها فقال والله يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملة أبيكم ابراهيم وإسماعيل فقال قريش انما نعبدها حبّا لله لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى فقال الله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ الحب بضم الحاء وكسره وكذا الحباب بهما والمحبة مصادر من أحبه يحبه فهو محبوب على غير قياس ومحبّ قليل وحببته أحبه حبا من ضرب يضرب شاذ- وهو عبارة عن اشتغال قلب المحب بالمحبوب وأنسه به بحيث يمنعه عن الالتفات الى غيره ولا يكون له بد من دوام التوجه اليه والاشتغال به وهذا هو المعنى من قولهم العشق نار فى القلوب تحرق ما سوى المحبوب- يعنى يقطع عن قلبه التوجه الى غير المحبوب فيجعله نسيا منسيا كان لم يكن فى الوجود غير محبوبه حتى يسقط عن نظر بصيرته نفسه فلا يرى نفسه كما لا يرى غيره ومقتضى تلك الصفة ابتغاء مرضات المحبوب وكراهة ما يكرهه طبعا وبالذات بلا ملاحظة طمع فى ثوابه او خوف من عقابه وان اجتمع مع ذلك طمع وخوف ايضا- هذا تعريف المحبة من العبد واما محبة الله تعالى لعبده فالله سبحانه منزه عن القلب واشتغاله ولا يمنعه شأن عن شأن فهى فى حقه تعالى عبارة عن الانس الساذج المقتضى لجذب العبد الى جنابه وعدم إهماله وتركه الى غيره- ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 32]

وجذب الله العبد الى جنابه سبب للمحبة من العبد لله تعالى فمحبة العبد لله تعالى فرع لمحبة الله تعالى إياه وظل لها قال الله تعالى وألقيت عليك محبّة منّى وقال يحبّهم ويحبّونه قدم يحبهم على يحبونه هذا ما ذكرت هو المحبة الذاتية وما ذكر البيضاوي ان المحبة ميل النفس الى الشيء لكمال أدرك فيه بحيث يحمله على ما يقربه اليه فهو بيان للمحبة الصفاتية وهى بمراحل عن المحبة الذاتية الا ترى ان الام يحب ولدها بلا ملاحظة كمال فيه فذلك قريب من المحبة الذاتية وليست منها لان محبة الام تتفرع على علم انتساب الولد إليها واما محبة الله تعالى فهى اعزوا على من ذلك فقد ورد فى الصحيحين وغيرهما عن ابى هريرة وابن عباس وغيرهما مرفوعا بألفاظ مختلفة ان لله تبارك وتعالى مائة رحمة منها رحمة واحدة قسّمها بين الخلائق يتراحمون بها وادخر لاوليائه تسعة وتسعين- واما ما ذكر البغوي ان حب المؤمنين لله تعالى اتباعهم امره وإيثار طاعته وابتغاء مرضاته وحب الله المؤمنين ثناؤه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم فليس هذا تعريفا للمحبة بل بيان لمقتضاه وما يدل عليه فَاتَّبِعُونِي الفاء للسببية وذلك لان المحبة سبب لابتغاء مرضات الله تعالى- والمرضى من غير المرضى لا يدرك بالرأى بل بتعليم الله تعالى بتوسط الرسل فثبت ان المحبة سبب لاتباع الرسل والاتباع دليل على وجودها وعدمه دليل على عدمها فمن ادعى المحبة مع مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كذاب يكذبه كتاب الله تعالى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ جواب للامر تقديره ان تتبعونى يحببكم الله- فان قيل مقتضى هذه الاية ان محبة الله تعالى العبد يتفرع على اتباع الرسول المتفرع على محبة من العبد لله تعالى المسبوق بمحبة من الله للعبد فيلزم الدور- قلنا هذه محبة اخرى من الله تعالى سوى المحبة السابقة فمحبة العبد لله تعالى محفوف بمحبتين من الله سبحانه سابق ولاحق فالمحبة السابقة ما ذكرناه سابقا والمحبة اللاحقة هى التي تقتضى الرحمة والتفضل الكامل الذي ورد فى الحديث ان جزءا واحدا منها اى من الرحمة قسمها الله بين الخلائق وادخر لاوليائه تسعة وتسعين- ولاقتضاء تلك المحبة اللاحقة من الله تعالى المغفرة والرحمة عطف عليه قوله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قال البغوي لما نزلت هذه الاية قال عبد الله بن ابى لاصحابه ان محمدا يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا ان نحبه كما أحبت النصارى عيسى بن مريم فنزل. قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 33]

وَالرَّسُولَ يعنى ان إطاعة الله والرسول واحد فان إطاعة الرسول من حيث هو رسول الله انما هى إطاعة الله تعالى لا غير ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أمتي يدخلون الجنة الا من ابى قالوا ومن يأبى يا رسول الله قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصانى فقد ابى متفق عليه من حديث ابى هريرة حيث جعل دخول الجنة فرع اطاعته- وقال عليه السلام من أطاع محمدا فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس رواه البخاري فى حديث طويل عن جابر فَإِنْ تَوَلَّوْا يحتمل ان يكون ماضيا وان يكون مضارعا بحذف أحد التاءين أصله فان تتولوا اى تعرضوا عن إطاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32) وضع المظهر موضع الضمير ولم يقل لا يحبهم لقصد العموم والدلالة على ان التولي كفر والكفر ينفى المحبة وان المحبة مخصوصة بالمؤمنين وجاز ان يكون جزاء الشرط محذوفا وقوله تعالى فانّ الله لا يحبّ الكفرين مسبب له دليل عليه أقيم مقامه تقديره فان تولّوا فانّ الله لا يحبهم لانه لا يحبّ الكفرين والجملة الشرطية تدل على ان التولي عن الاطاعة دليل على عدم محبة الله تعالى إياه- ومحبة العبد محفوف بالمحبتين من الله سابق ولا حق والله اعلم. إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى افتعال من الصفوة وهى الخالص من كل شىء يعنى اختار لنفسه ولمحبته ورسالته آدَمَ أبا البشر عليه السلام حتى اسجد له ملائكته واسكنه فى جنته واخرج من ذريته الأنبياء كلهم وهو أول النبيين المصطفين وَنُوحاً حين اختلف الناس وصاروا كفارا بعد ما كانوا على شريعة الحق ودين آدم عليه السلام فاختاره الله تعالى على من سواه وأهلك الكفار كلهم بدعائه وجعل ذريته هم الباقين وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ قيل أراد بال ابراهيم وال عمران أنفسهما كما فى قوله تعالى وبقيّة ممّا ترك ال موسى وال هرون يعنى موسى وهارون- وقال آخرون أراد بال ابراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وسائر أنبياء بنى إسرائيل ومحمدا صلى الله عليه وسلم- واما عمران فقال مقاتل هو عمران بن يصهر بن قاهت بن لاوى بن يعقوب والد موسى وهارون وقيل عمران بن ماثان من أولاد سليمان بن داود عليهما السلام والد مريم أم عيسى وقال الحسن ووهب كذلك لكنهما قالا ابو مريم عمران بن أشهم بن امون من أولاد سليمان بن داود وبين عمرانين الف وثمانون سنة وقيل الف وثمان مائة ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 34]

سنة والظاهر ان المراد بال عمران هاهنا عمران ابو مريم لدلالة سياق الكلام عليه فان قوله تعالى إذ قالت امراة عمرن واقع فى مقام البيان لما سبق من الاصطفاء- وانما خص هؤلاء بالذكر لان الأنبياء والرسل كانوا كلهم او أكثرهم من نسلهم عَلَى الْعالَمِينَ (33) ان كان ما ذكر شاملا لنبينا صلى الله عليه وسلم وابراهيم عليه السلام كما هو شامل لموسى وعيسى فاصطفاؤهم على العالمين أجمعين ظاهر وبه يستدل على افضلية خواص البشر على خواص الملائكة والا فالمراد بالعالمين عالمى زمانهم- قال البغوي قال ابن عباس رضى الله عنهما قالت اليهود نحن أبناء ابراهيم وإسحاق ويعقوب ونحن على دينهم فانزل الله تعالى هذه الاية يعنى ان الله اصطفى هؤلاء بالإسلام وأنتم على غير دين الإسلام وقال البيضاوي لما أوجب طاعة الرسل وبين انها الجالبة لمحبة الله عقب ذلك بيان مناقبهم تحريضا عليها وقال بعض الأفاضل لما أمرهم بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم وجعل متابعته سببا لمحبة الله وعدم اطاعته سببا لسخطه وسلب محبته أكد ذلك بتعقيبه بما هو عادة الله تعالى من اصطفاء أنبيائه على مخالفيهم ورفعهم وتذليل أعدائهم واعدامهم تخويفا للمتمردين عن متابعته- فذكر اصطفاء آدم على من عداه حتى جعله مسجودا للملائكة ولعن عدوه إبليس واصطفاء نوح على أعدائه كفار اهل الأرض أجمعين حتى اهلكهم بالطوفان وجعل ذرّيّته هم الباقين واصطفاء ال ابراهيم على العالمين مع ان العالم كانوا كلهم كافرين فى زمن ابراهيم حتى جعل دينهم شائعا وذلل مخالفيهم واصطفاء موسى وهارون حتى القى السحرة ساجدين وأغرق فرعون وجنوده فلم يبق منهم أحد مع كثرتهم قلت وجعل متابعى عيسى عليه السلام بعد رفعه الى السماء مع كونهم مغلوبين بالكلية غالبين الى يوم القيامة حيث قال وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ولذا خص آدم ونوحا والآلين ولم يذكر ابراهيم ونبينا سيد المرسلين إذ ابراهيم لم يغلب على العالم بالكلية وهذا الكلام لبيان ان نبينا صلى الله عليه وسلم سيغلب والله اعلم. ذُرِّيَّةً فعّيلة من الذر وهى صغار النمل والياء للنسبة ووجه ذلك انهم استخرجوا من صلب آدم كالذر او فعولة من الذرء بمعنى الخلق أبدلت همزتها ياء ثم قلبت الواو ياء وكسرت ما قبلها وأدغمت فى الياء ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 35]

ويسمى الأولاد والآباء ذرية فالاولاد ذرية لانه ذراهم والآباء ذرية لانه ذرا الأبناء منهم قال الله تعالى واية لهم انّا حملنا «1» ذرّيّتهم فى الفلك المشحون اى آباءهم- ويقع على الواحد والجمع منصوب على الحالية او البدلية من الآلين او منهما ومن نوح بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ مبتدا وخبر فى موضع النصب صفة لذرية يعنى اصطفى نوحا والآلين حال كونهما خلقة مستخرجة كالذر بعضها كائنة من نسل بعض او بعضها من شيعة بعض فى التناصر واتحاد الدين كما فى قوله وانّ من شيعته لابرهيم ولو اعتبر فى الذرية معنى الاشتقاق وقد اعتمد على ذى الحال فلا يبعد ان يقال ان بعضها فاعل له ومن بعض متعلق به يعنى خلقة مخلوقة او مستخرجة بعضها من بعض- وجاز ان يكون معنى بعضها من بعض ان عادة الله تعالى اصطفاء واحد «2» من قوم فلا ينبغى ان يستبعد قريش اصطفاء النبي صلى الله عليه وسلم حال كونه واحدا منهم وَاللَّهُ سَمِيعٌ يسمع اقوال الناس باستبعاد اصطفاء بعضهم من بعض عَلِيمٌ (34) يعلم من يصلح للاصطفاء- او سميع بقول امراة عمران عليم بنيتها-. إِذْ قالَتِ إذ متعلق بعليم او منصوب بإضمار اذكر امْرَأَتُ عِمْرانَ ابن ماثان او ابن أشهم وكان بنو ماثان رءوس بنى إسرائيل وأحبارهم وملوكهم واسم امرأة عمران حنّة بنت قاقودا وهى كانت عقيمة وقد أسنت فبينا هى فى ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخا فتحركت لذلك نفسها للولد وكانت من اهل بيت كانوا من الله بمكان فدعت الله ان يهب لها ولدا فحملت بمريم كذا اخرج ابن جرير عن ابن إسحاق وعن عكرمة نحوه رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً منصوب على الحالية اى معتقا لخدمة بيت المقدس لا اشغله بشىء من الدنيا خالصا مفرغا لعبادة الله تعالى- وكان هذا النذر مشروعا فى دينهم فى الغلمان أخرجه ابن جرير عن قتادة والربيع كان إذا حرّر غلام جعل فى الكنيسة يكنسها ويخدمها ولا يبرحها حتى يبلغ الحلم ثم يخير ان أحب اقام فيه وان أحب ذهب حيث شاء- ولم يكن أحد من الأنبياء والعلماء الا ومن نسله محرّر لبيت المقدس ولم يكن يحرر الا الغلمان فلعل حنة بنت الأمر على التقدير او طلبت ذكرا فَتَقَبَّلْ مِنِّي فتح الياء نافع وابو جعفر- ابو محمد وابو عمرو وأسكنها الباقون يعنى تقبل منى ما نذرته إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ لقولى الْعَلِيمُ (35) بنيتي فقال لها زوجها ويحك ما صنعت ارايت

_ (1) فى الأصل جعلنا لعله من سباق قلم او من الناسخ (2) فى الأصل واحدا- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة آل عمران (3) : آية 36]

ان كان ما فى بطنك أنثى لا يصلح لذلك فوقعا من ذلك فى هم فهلك عمران وحنة حامل بمريم. فَلَمَّا وَضَعَتْها الضمير لما فى بطنها وتأنيثه لانه كان فى الواقع أنثى او على تأويل النفس او الحبلة قالَتْ تحسرا وقد كانت ترجوا غلاما رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى او قالت اعتذارا الى الله فى جعلها محررة لخدمة البيت وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ قرا ابن عامر وابو بكر ويعقوب بإسكان العين وضم التاء على التكلم على انه من كلام امراة عمران تسلية منها لنفسها اى لعل لله تعالى فيه سرا والأنثى كان خيرا والباقون بفتح العين واسكان التاء على الغيبة فهو استيناف من الله تعظيما لموضوعها وتجهيلا لها بشأنها وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى جاز ان يكون هذه الجملة من قولها اعتذارا الى الله فى جعلها محررة لخدمة البيت يعنى ليس الذكر فى خدمة الكنيسة لقوته وصلاحيته كالانثى لعورتها وضعفها وما يعتريها من الحيض والنفاس فاللام فى الكلمتين للجنس- وجاز ان يكون من كلام الله تعالى اى ليس الذكر الذي طلبت كالانثى التي وهبت بل هى أفضل من الذكر واللام فيهما للعهد وهذا التأويل اولى من الاولى إذ لو كان على وجه الاعتذار لقالت وليست الأنثى كالذكر وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ عطف على ما قبلها من مقالتها وما بينهما اعتراض- ومعناه العابدة فى لغتهم قالت ذلك لان يجعلها الله تعالى كاسمها عابدة وفى تقديم المسند اليه اشارة الى تخصيصها بالتسمية يعنى ليس لها اب فهى يتيمة وفيه استعطاف وَإِنِّي فتح الياء نافع وأسكنها الباقون أُعِيذُها أجيرها بِكَ وَذُرِّيَّتَها أولادها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (37) المطرود اصل الرجم الرمي بالحجارة عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مولود يولد الا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل من مسه الا مريم وابنها متفق عليه يعنى ببركة هذه الاستعاذة- وعنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم كل بنى آدم يطعن الشيطان فى جنبيه بإصبعيه غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فظعن فى الحجاب- قلت وقد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة حين زوجها عليا اللهم انّى أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطين الرجيم وكذا قال لعلى حينئذه رواه ابن حبان من حديث انس ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم اولى بالقبول من دعاء ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 37]

امراة عمران فارجو عصمتها وأولادها من الشيطان وعدم مسه إياهم- وحصر عدم المس فى مريم وابنها الثابت بالحديث على هذا يكون حصرا إضافيا بالنسبة الى الأعم الأغلب-. فَتَقَبَّلَها بمعنى قبلها يعنى مريم من حنة مكان الذكر او المعنى استقبلها اى أخذها فى أول أمرها حين ولدت كتعجل بمعنى استعجل رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ القبول هاهنا ليس بالمعنى المصدري والا يقال قبولا حسنا بل هو اسم لما يقبل به الشيء كالسعوة واللدود اى بوجه حسن يقبل به النذائر والقبول الحسن هو قبول المرادين اهل الاجتباء دون قبول المريدين اهل الهداية فان الله تعالى اصطفاها لنفسه وفضلها على نساء العالمين وطهرها من الذنوب ومن الحيض من غير سابقة عمل منها واجتهادها- وان كان القبول بالمعنى المصدري فتقديره بامر ذى قبول حسن وذلك الأمر هو الاختصاص وكون مبدا تعينها من مبادى نعينات اهل الاصطفاء وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً مصدر من غير باب الفعل والمعنى أنبتها فنبتت نباتا حسنا فكانت تنبت فى اليوم كما ينبت المولود فى العام- اخرج ابن جرير عن عكرمة وقتادة والسدى ان حنة لما ولدت مريم لفتها فى خرقة وحملتها الى المسجد فوضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم يومئذ يلون بيت المقدس ما تلى الحجبة من الكعبة فقالت دونكم هى النذيرة فتنافس فيها الأحبار لما كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم فقال لهم زكريا انا أحقكم بها عندى خالتها وهى أشياع بنت قاقودا أم يحيى عليه السلام فابوا الا القرعة فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين رجلا الى نهر جار قال السدى هو نهر الأردن فالقوا أقلامهم فى الماء على ان من ثبت قلمه فى الماء وصعد فهو اولى بها قيل كانوا يكتبون التورية فالقوا أقلامهم التي كانت بايديهم فارتز قلم زكريا فارتفع فوق الماء وانحدرت أقلامهم ورسبت فى النهر قاله محمد بن إسحاق وقال السدى وجماعة بل ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كانه فى طين وجرت أقلامهم- وقيل جرى قلم زكريا مصعدا الى أعلى الماء وجرى أقلامهم مع جرى الماء فذهب بها الماء- فسهمهم وقرعهم زكريا وكان رأس الأحبار ونبيهم وَكَفَّلَها قرا حمزة وخلف- ابو محمد والكسائي وعاصم بتشديد الفاء من باب التفعيل والفاعل هو الله تعالى لتقرره فى الأذهان او الضمير المرفوع ... ...

مستتر فيها راجع الى ربها والباقون بالتخفيف والفاعل زكريّاء بالمد عند الجمهور مرفوع لفظا وقرا حمزة وخلف- ابو محمد والكسائي وحفص عن عاصم بالقصر منصوب المحل بالمفعولية وابو بكر عن عاصم بالمد منصوبا لفظا والمعنى على قراة الجمهور قام بامرها زكريا وعلى قراءة الكوفيين ضمها الله بالقرعة زكريا بن اذن بن مسلم بن صدون من أولاد سليمان بن داود عليهم السلام فبنى زكريا لها بيتا واسترضع لها- وقال محمد بن إسحاق ضمها الى خالتها أم يحيى حتى إذا شبّت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محرابا فى المسجد وجعل بابه فى وسطها لا يرقى إليها الا بالسلّم مثل باب الكعبة ولا يصعد إليها غيره وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا بالمد والقصر كما مر فى سائر القران لم يعطف هذه الجملة لكونها مقررة لما قبلها اعنى تقبلها بقبول حسن او لعدم الجامع باعتبار المسند او المسند اليه- وكلما ظرف زمان فيه معنى الشرط منصوب بما وقع جوابه اعنى وجد الْمِحْرابَ اى الغرفة التي بنى لها والمحراب اشرف المجالس ومقدمها- ويقال ايضا للمسجد المحراب لانه محل محاربة مع الشيطان- قال المبرد لا يكون المحراب الا ان يرتقى اليه بدرج اخرج ابن جرير عن الربيع بن انس قال كان إذ اخرج اغلق عليها سبعة أبواب فاذا دخل عليها غرفتها وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً اى فاكهة فى غير حينها فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف قالَ زكريا استبعادا يا مَرْيَمُ أَنَّى اى من اين وقيل من اىّ جهة لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ اخرج ابن جرير عن ابن عباس ان رزقها كان ينزل من الجنة- وقال الحسن حين ولدت مريم لم تلقم ثديا قط وكان يأتيها رزقها من الجنة وقد تكلمت وهى صغيرة كعيسى إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) بغير تقدير لكثرته او بغير استحقاق تفضلا منه يحتمل ان يكون من كلامها او من كلام الله تعالى- وهذه القصة دليل على كرامة الأولياء- وجعل ذلك معجزة لزكريا يدفعه اشتباه الأمر عليه حيث قال انى لك هذا اخرج ابو يعلى فى مسنده من حديث جابر ان فاطمة رضى الله عنها أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رغيفين وبضعة لحم فرجع بهما إليها وقال هلمى يا بنية فكشفت عن الطبق فاذا هو مملو بالخبز واللحم فقال أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ فقال الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بنى إسرائيل ثم جمع عليا ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 38]

والحسن والحسين وجميع اهل بيته حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو فاوسعت على جيرانها-. هُنالِكَ اى فى ذلك المكان او ذلك الوقت حين راى زكريا كرامة مريم وسعة رحمة الله وراى ان اهل بيته قد انقرضوا وليس له ولد يرثه العلم والنبوة وخاف مواليه اى بنى أعمامه ان يضيعوا الدين بعده دخل المحراب وغلق الأبواب ودَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ يا رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ اى من عندك وعلى خرق عادة جرت منك (حيث كانت امرأته عاقرا وهو كان شيخا كبيرا) كما تهب الرزق لمريم على خرق العادة ذُرِّيَّةً اى ولدا يطلق على الواحد والجمع والذكر والأنثى طَيِّبَةً انّثها نظرا الى لفظ الذرية يعنى صالحا معصوما طاهرا من الذنوب إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) اى مجيبه. فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ قرا حمزة وخلف- والكسائي فناديه بالألف والامالة على التذكير لان الفاعل اسم ظاهر مؤنث غير حقيقى والباقون بالتاء لتانيث لفظ الملائكة وكونها جمعا مكسرا- عن ابراهيم قال كان عبد الله يذكّر الملائكة فى القران- قال ابو عبيد اختار ذلك خلافا للمشركين فى قولهم الملائكة بنات الله وكان المنادى جبرئيل وحده أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود فوجه إيراد صيغة الجمع اى الملائكة قال المفضل بن سلمة إذا كان القائل رئيسا يجوز الاخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه وكان جبرئيل رئيس الملائكة وقلما يبعث الا ومعه جمع فجرى على ذلك وقيل معنى نادته الملائكة اى من جنسهم كقولك زيد يركب الخيل وَهُوَ اى زكريا قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ اى فى المسجد وذلك ان زكريا كان الحبر الكبير الذي يقرب القربان ويفتح باب المذبح فلا يدخل أحد حتى يأذن لهم فى الدخول- فبينا هو قائم يصلى فى المسجد عند المذبح والناس ينتظرون ان يأذن لهم فى الدخول إذا هو برجل شابّ عليه ثياب بيض ففزع منه وهو جبرئيل فناداه يا زكريا أَنَّ اللَّهَ قرا حمزة وابن عامر انّ بكسر الهمزة على إضمار القول تقديره فنادته الملئكة فقالت انّ الله والباقون بالفتح اى نادته بان الله يُبَشِّرُكَ قرا حمزة يبشرك بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين وكذا بابه بالتخفيف حيث وقع فى كل القران من بشر يبشر وهى لغة تهامة الا قوله فبم تبشّرون فانهم اتفقوا على تشديدها ووافقه الكسائي هاهنا فى موضعين وفى سبحان والكهف وعسق ووافقهما ابن كثير وابو عمرو فى عسق والباقون بضم الياء وفتح الباء وتشديد الشين من التفعيل ... ...

بِيَحْيى سمى به لان الله تعالى أحيا به عقرامه كذا قال ابن عباس وقال قتادة لان الله تعالى أحيا قلبه بالايمان والطاعة حتى لم يعص ولم بهم بمعصية مُصَدِّقاً حال مقدرة بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ يعنى بعيسى عليه السلام سمى به لان الله تعالى قال له كن من غيراب فكان فوقع عليه اسم الكلمة لانه بها كان- وقيل سمى عيسى كلمة لانه يهتدى به كما يهتدى بكلام الله- قالت الصوفية كان مبدا تعينه صفة الكلام وكان يحيى أول من أمن بعيسى وصدّقه وكان يحيى اكبر من عيسى بستة أشهر- وفى الصحيحين فى حديث المعراج انهما كانا ابني خالة وقد ذكر فيما سبق ان يحيى كان ابن خالة لمريم- وعلى تقدير صحة تلك الرواية فالقول بانهما كانا ابني خالة مبنى على التجوز كما قال عليه الصلاة لفاطمة اين ابن عمك يعنى عليا وهو ابن عم لابيها- وقد قتل يحيى قبل رفع عيسى الى السماء- وقال ابو عبيدة أراد بكلمة من الله كتاب الله وآياته وَسَيِّداً يسود «1» قومه ويفوقهم فى العلم والعبادة والورع وجميع خصال الخير قال مجاهد الكريم على الله وقيل الحليم الذي لا يغضبه شىء وقال سفيان الذي لا يحسد وقيل هو القانع وقيل هو السخي وقال جنيد هو الذي جار بالكونين عوضا عن المكون وَحَصُوراً أصله من الحصر وهو الحبس والمنع فقيل كان لا يأتى النساء فقيل كان عنينا كما جاء فى الحديث قلت وان كان عنينا فليس المراد هاهنا كونه عنينا لانه ليس بمدح والمقام مقام المدح فالاولى ان يقال انه كان منوعا حابسا نفسه عن اتباع الشهوات والملاهي- اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن عساكر عن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم ما من عبد لله يلقى الله الا أذنب الا يحيى بن زكريا فان الله يقول وسيّدا وحصورا قال وانما كان ذكره مثل هدبة الثوب وأشار بانمله- وقوله صلى الله عليه وسلم انما كان ذكره مثل هدبة الثوب ليس بيانا لكونه حصورا بل بيانه ما سبق اعنى كونه معصوما وهذا بيان للواقع وأخرجه ابن ابى شيبة واحمد فى الزهد وابن ابى حاتم من وجه اخر عن ابن عمر موقوفا وهو أقوى اسنادا من المرفوع- واخرج ابن ابى حاتم وابن عساكر عن ابى هريرة ان نبى الله صلى الله عليه وسلم قال كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه ان شاء يعذبه وان شاء يرحمه الا يحيى بن زكريا فانه كان سيّدا وحصورا

_ (1) قال فى النهاية للجزرى السيد يطلق على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم ومتحمل أذى قومه والزوج والرئيس والمقدم- وأصله من ساد يسود فهو سيؤد فقلبت الواو ياء لاجل الباء الساكنة قبلها فادغمت- منه رح

[سورة آل عمران (3) : آية 40]

ونبيّا من الصّلحين ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم الى قذاة من الأرض فاخذها وقال كان ذكره مثل هذه القذاة- اخرج عبد الرزاق فى تفسيره عن قتادة موقوفا وابن عساكر فى تاريخه عن معاذ بن جبل مرفوعا ان يحيى عليه السلام مر فى صباه بصبيان فدعوه الى اللعب فقال ما للعب خلقنا وَنَبِيًّا ناشيا مِنَ أصلاب الصَّالِحِينَ (39) يعنى النبيّين المعصومين او كائنا من عداد من لم يأت صغيرة ولا كبيرة-. قالَ زكريا مناجيا الى الله سبحانه من غير التفات الى جبرئيل رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ صدر هذا القول منه بمقتضى الطبع استبعادا عن مقتضى العادة او استعظاما وتعجبا كل ذلك بمقتضى الطبع فان مقتضى الطبع قد يغلب على مقتضى العقل والا فالعقل والعلم يحكمان بانه لا استبعاد فى قدرة الله تعالى ولا تعجب كما ان موسى عليه السلام اعترض على خضر بعد ما عهد منه وقال ستجدنى ان شاء الله صابرا ولا اعصى لك امرا- وقال عكرمة والسدى انه لما سمع نداء الملائكة جاءه الشيطان فقال يا زكريا هذا الصوت ليس من الله انما هو من الشيطان ولو كان من الله لاوحاه إليك فقال ذلك دفعا للوسوسة وقال الحسن انه قال ذلك استفهاما عن كيفية حدوثه يعنى باىّ وجه يكون لى غلام بان تجعلنى وامراتى شابين وتزيل عقمها او تهب لى الولد من امراة اخرى او تهبه إيانا مع كوننا على حالتنا الاولى وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ هذا مقلوب اى قد بلغت الكبر وشخت او المعنى أدركني كبر السن وضعفنى وكان يومئذ ابن سنتين وتسعين سنة كذا قال الكلبي وقال الضحاك كان ابن عشرين ومائة سنة وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة وَامْرَأَتِي عاقِرٌ لا تلد يستوى فيه المذكر والمؤنث قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (30) خبر مبتدا محذوف اى الأمر كذلك اى يولد لك مع كونك شيخا وامرأتك عاقرا او خبر والمبتدا الله يعنى كذلك الله وبيانه يفعل ما يشاء من العجائب او الله مبتدا والجملة بعده خبره وكذلك فى محل النصب على المصدرية يعنى الله يفعل ما يشاء فعلا كذلك الفعل اى مثل ما وعدناك وان كان على خلاف العادة او على الحالية من ما يشاء. قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي فتح الياء نافع وابو عمر وابو جعفر- ابو محمد أسكنها الباقون آيَةً اى علامة اعلم بها وقت حمل امراتى فازيد فى العبادة شكرا لك قالَ آيَتُكَ ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 42]

أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ يعنى لا تقدر على التكلم مع الناس مع قدرتك على الذكر ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً اى الا اشارة بنحو يد او رأس وأصله التحريك والاستثناء منقطع وقيل متصل والمراد بالكلام ما دل على ما فى الضمير وقال عطاء أراد به صوم ثلاثة ايام لانهم كانوا إذا صاموا لم يتكلموا الا رمزا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً يعنى حين يظهر لك الاية شكرا وَسَبِّحْ اى صل بِالْعَشِيِّ اى من الزوال الى ذهاب بعض الليل يعنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء وَالْإِبْكارِ (41) من صلوة الفجر الى الضحى. وَإِذْ قالَتِ عطف على إذ قالت امراة عمرن الْمَلائِكَةُ يعنى جبرئيل عليه السلام شفاها يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ اى اختارك لنفسه بالتجليات الذاتية الدائمية التي عبرها الصوفية بكمالات النبوة وهى بالاصالة للانبياء عليهم السلام وبالتبعية والوراثة للصديقين وكانت هى صديقة قال الله تعالى وامّه صدّيقة وَطَهَّرَكِ عن الذنوب بالحفظ والمغفرة وعدم تطرق الشيطان إليها كما مر من حديث ابى هريرة برواية الشيخين وقيل طهرها من مسيس الرجال وقيل من الحيض وَاصْطَفاكِ اى فضلك عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (42) اى عالمى زمانهم عن على قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة متفق عليه وفى رواية قال ابو كريب وأشار وكيع الى السماء والأرض وعن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امراة فرعون رواه الترمذي وعن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا مريم بنت عمران وآسية امراة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام متفق عليه- قلت لعل معنى قوله صلى الله عليه وسلم لم يكمل من النساء من الأمم السابقة الا مريم وآسية يدل عليه قوله عليه السلام وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام فان هذه الجملة تدل على فضل عائشة على مريم وآسية- وفى الصحيحين من حديث عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا فاطمة الا ترضين ان تكونى سيدة ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 43]

نساء اهل الجنة او نساء المؤمنين وروى ابو داود والنسائي والحاكم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل نساء اهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد واخرج احمد والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن حذيفة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال نزل ملك من السماء فاستأذن الله ان يسلم علىّ فبشرنى ان فاطمة سيدة نساء اهل الجنة فهذه الأحاديث تدل على ان فاطمة أفضل من مريم لان نساء اهل الجنة عام لا يحتمل التخصيص بزمان دون زمان بخلاف قوله تعالى اصطفيك على نساء العلمين فانه يحتمل ان يكون المراد منه عالمى زمانها كما قلنا لكن ورد فيما روى ابو يعلى وابن حبان والحاكم والطبراني عن ابى سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فاطمة سيدة نساء اهل الجنة الا ما كان من مريم وروى الترمذي عن أم سلمة عن فاطمة قالت أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم انى سيدة نساء اهل الجنة الا مريم بنت عمران فهذين الحديثين يدلان على استثناء مريم من المفضولية ولا يدلان على كونها أفضل من فاطمة عليها السلام وما فى الصحيحين من حديث المسور بن مخرمة قوله صلى الله عليه وسلم فاطمة بضعة منى وعند احمد والترمذي والحاكم عن ابن الزبير نحوه يقتضى فضل فاطمة على جميع الرجال والنساء كما قال مالك لا نعدل ببضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا لكن عند جمهور اهل السنة خص منه من علم فضلهم قطعا من الأنبياء وبعض الصديقين وبقي من سواهم فى العموم والله اعلم. يا مَرْيَمُ اقْنُتِي اى أطيلي القيام فى الصلاة شكرا لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) اى مع المصلين بالجماعة ولم يقل مع الراكعات لان النساء تتبع الرجال دون العكس فيكون أشمل-. ذلِكَ مبتدا اى ما ذكر من القصص مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ اى اخباره خبره نُوحِيهِ إِلَيْكَ خبر بعد خبر وجاز ان يكون أحدهما خبرا والاخر حالا وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ للاقتراع تقرير لما سبق من كونه وحيا على سبيل التهكم لمنكريه لان اسباب العلم منحصرة فى الثلاثة العقل او سماع الخبر او الحس وكون القصص غير مدرك بالعقل بديهي وعدم السماع معلوم لا شبهة فيه عندهم لكونه صلى الله عليه وسلم اميّا وكون الاخبار منقطعة فبقى ان يكون باحتمال العيان ولا يظن به عاقل فبيان القصص منه صلى الله ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 45]

عليه وسلم على ما هو الواقع المعلوم عدل اهل العلم بالأخبار معجزة له صلى الله عليه وسلم ودليل قطعى على كونه نبيا وكون ما يتلو عليهم وحيا من الله تعالى والله اعلم أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ جملة استفهامية متعلقة بمحذوف دل عليه ما قبله اى يلقون أقلامهم يقولون ايّهم يكفل مريم او ليعلموا ايّهم يكفل مريم وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (43) فى كفالتها-. إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ بدل من إذ قالت الاولى وما بينهما معترضات ذكرت منة على النبي صلى الله عليه وسلم بالايحاء اليه وتنبيها للكفار على جهلهم وعنادهم يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ مبتدا والضمير فيه الى الكلمة نظرا الى المعنى فان معناه مذكر يعنى عيسى عليه السلام الْمَسِيحُ خبر لاسمه والجملة فى موضع صفة لكلمة قال فى القاموس المسيح ان يخلق الله الشيء مباركا او ملعونا من الاضداد والمسيح عيسى صلى الله عليه وسلم سمى لبركته والدجال لشومه وملعونيته انتهى- وأصله بالعبرية مشيحا ومعناه المبارك وقيل سمى عيسى مسيحا لانه مسح منه الاقذار وطهر من الذنوب وقال ابن عباس سمى عيسى مسيحا لانه ما مسح ذا عاهة الا برئ وقيل سمى بذلك لانه كان يسيح فى الأرض ولا يقيم فى المكان- فى القاموس المسيح الكثير السياحة وقال ابراهيم النخعي المسيح الصديق وهو عيسى والمسيح الكذاب وهو الدجال فهو من الاضداد كذا فى القاموس وفى الصحاح قال بعضهم المسيح هو الذي مسح احدى عينيه وقد روى ان الدجال لعنه الله ممسوح اليمنى وقيل فى عيسى ممسوح اليسرى ومعنى القولين ان الدجال قد مسحت وأزيلت عنه الخصال المحمودة من الايمان والعلم والعقل والحلم وسائر الأخلاق الحميدة وان عيسى قد مسحت وأزيلت عنه الخصال الذميمة بالكلية من الجهل والشرة والحرص والبخل وغير ذلك قال صاحب القاموس ذكرت ولاشتقاق لفظ المسيح خمسين قولا فى شرحى لمشارق الأنوار وغيره عِيسَى لفظ عبرانى قيل هو معرّب اليشوع بمعنى السيد خبر بعد خبر وجاز ان يكون خبر مبتدا محذوف اى هو عيسى وهذا علمه والمسيح لقبه والاسم أعم منهما ومن الكنية فانه عبارة عن كل ما يميز الشيء عما عداه ابْنُ مَرْيَمَ لما كانت صفة تميز له تميز الأسماء نظمت فى سلكها- ولم يقل ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 46]

أسماؤه المسيح عيسى ابن مريم لان الاسم اسم جنس مضاف للاستغراق والاستغراق وان كان بمعنى كل فرد لكن يجوز حمل للمتعدد على مجموع يتضمنه الاستغراق بمعنى كل واحد نحو ما «1» من دابّة الّا امم أمثالكم وجاز ان يكون ابن مريم خبر مبتدا محذوف اى هو- ولا يجوز ان يكون ابن مريم صفة لعيسى فى التركيب لان اسمه عيسى فحسب وليس اسمه عيسى بن مريم وانما قال ابن مريم والخطاب لها تنبيها على انه يولد من غير اب إذ الأولاد ينسب الى الآباء ولا ينسب الى الام الا إذا فقد الأب والله اعلم وَجِيهاً حال مقدرة لكلمة وهى وان كانت نكرة لكنها موصوفة وتذكيره لتذكير المعنى اى شريفا رفيقا ذا جاه وقدر فِي الدُّنْيا بالنبوة وكونه مطاعا للخلائق وَالْآخِرَةِ بالشفاعة للامم وعلو درجته فى غرف الجنة وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) لله تعالى بالقرب الذاتي والتجليات الذاتية الدائمية عطف على وجيها. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ يعنى رضيعا حال من الضمير المرفوع ليكلم وَكَهْلًا معطوف عليه يعنى يكلم الناس رضيعا وكهلا على نسق كلام الأنبياء بلا تفاوت من أول عمره الى آخره- وفيه اشارة الى انه يعمر ولا يموت حتى يكهل والى ان سنه لا يتجاوز الكهولة قال الحسن بن الفضل وكهلا يعنى بعد نزوله من السماء فانه رفع الى السماء قبل سن الكهولة وقال مجاهد معناه حليما والعرب يمدح الكهولة لانه الحالة الوسطى فى استحكام العقل وجودة الرأى والتجربة فان قبل ذلك يقل التجربة اولا يبلغ العقل الى كماله وبعد ذلك يضعف العقل- وقوله ويكلّم النّاس عطف على ومن المقرّبين- وفى ذكر يكلّم النّاس فى المهد تسلية لمريم من خوف لوم الناس إياها على إتيانها بولد من غير زوج وَمِنَ الصَّالِحِينَ (47) جاز ان يكون معطوفا على كهلا- وان يكون معطوفا على يكلم الناس اى كائنا من الصالحين لا يتطرق اليه نوع من النقص والفساد فى الدين وذلك شأن الأنبياء فكانّ معناه ومن النبيين. قالَتْ مريم رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ تعجب او استبعاد عادى او استفهام من ان يكون بتزوج او غيره قالَ الله على لسان جبرئيل كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً اى قدّر ان يكون شىء فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) يعنى كما انه تعالى قادر على ان يخلق الأشياء بالتدريج

_ (1) وفى القران وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ

[سورة آل عمران (3) : الآيات 48 إلى 49]

بأسباب عادى ومواد قادر ان يخلقها دفعة بلا اسباب. وَيُعَلِّمُهُ قرا نافع وابو جعفر- ابو محمد وعاصم ويعقوب بالياء على الغيبة عطفا على يخلق او على يبشرك والباقون بالنون على التكلم عطفا على ما ذكر على طريقة الالتفات- او ابتدا تطييبا لقلبها وازاحة لهمها من خوف اللوم لما علمت انها تلد من غير زوج الْكِتابَ اى الكتابة والخط فكان احسن الناس خطا فى زمانه وقيل المراد به جنس الكتب المنزلة يعنى يعلمه علوم الكتب السماوية المنزلة وخص الكتابان لمزيد الاهتمام حيث كان الواجب عليه الاقتداء بهما فى فروع الأعمال واما فى اصول الدين فمقتضى الكتب كلها واحد وَالْحِكْمَةَ الفقه وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا منصوب بمضمر معطوف على يعلمه والتنوين للتعظيم تقديره ونجعله رسولا عظيما إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ 5 قيل كان رسولا فى حالة الصبا وقيل انما أرسل بعد البلوغ- وكان أول أنبياء بنى إسرائيل يوسف عليه السلام وآخرهم عيسى عليه السلام أَنِّي منصوب بنزع الخافض متعلق برسولا اى رسولا بانى او بالعطف على الأحوال المتقدمة متضمنا معنى النطق يعنى ناطقا بانى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ اى معجزة دالة على رسالتى وانما قال باية وقد جاء بايات لان الكل فى الدلالة على صدقة كايه واحدة مِنْ رَبِّكُمْ جاز ان يكون ظرفا مستقرا صفة لاية وان يكون ظرفا لغوا متعلقا بجئتكم أَنِّي فتح الياء نافع وابو جعفر- ابو محمد وابن كثير وابو عمرو وأسكنها الباقون وقرا نافع وابو جعفر- ابو محمد بكسر الهمزة على الاستيناف والباقون بالفتح فيجوز نصبه على انه بدل من انّى قد جئتكم ويجوز جره على انه بدل من اية ويجوز رفعه على تقدير المبتدا اى هى انّى أَخْلُقُ اصور واقدر لَكُمْ مِنَ الطِّينِ صورة كَهَيْئَةِ الهيئة الصورة المهياة الطَّيْرِ قرا ابو جعفر الطّائر هاهنا وفى المائدة فَأَنْفُخُ فِيهِ اى فى الطين او الضمير راجع الى الكاف فى كهيئة اى فى ذلك المماثل فَيَكُونُ طَيْراً قرا الأكثرون بالجمع لانه خلق طيرا كثيرا وقرا نافع ويعقوب وابو جعفر طائرا على الافراد لان كل واحد منها كان طائرا- قال البغوي لم يخلق غير الخفاش وانما خص الخفاش لانها أكمل الطير خلقا لان لها ثديا وأسنانا وهى تحيض قال وهب كان يطير ما دام الناس ينظرون اليه فاذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز ما لصنع العبد فيه مدخل مما لا مدخل فيه بِإِذْنِ اللَّهِ اى بامره وقوله كن نبه به على ان إحياءه من الله تعالى لا منه وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ الذي ولد ... ...

أعمى او الممسوح العين كذا قال ابن عباس وقال الحسن والسدى هو الأعمى وقال عكرمة هو الأعمش يعنى ضعيف البصر مع سيلان الدمع كثيرا وقال مجاهد هو الذي يبصر بالنهار دون الليل وَالْأَبْرَصَ الذي به وضح وهذان الداءان يعجز عنهما الأطباء وكان فى زمن عيسى الطب غالبا فاراهم المعجزة من جنس ذلك كما كان فى زمن موسى السحر غالبا فارى عجز كل سحار عليم وفى زمن نبينا صلى الله عليه وسلم كان البلاغة فى الكلام فاعجزهم القران وقال فأتوا بسورة من مثله قال وهب بن منبه ربما اجتمع على عيسى من المرضى فى اليوم الواحد خمسون الفا من أطاق ان يبلغه بلغه ومن لم يطق مشى اليه عيسى وكان يدعو للمرضى والزمنى والعميان وغيرهم بهذا الدعاء اللهم أنت اله من فى السماء واله من فى الأرض لا اله فيهما غيرك وأنت جبّار من فى السموات وجبّار من فى الأرض لا جبّار فيهما غيرك وأنت ملك من فى السماء وملك من فى الأرض لا ملك فيهما غيرك وقدرتك فى الأرض كقدرتك فى السماء سلطانك فى الأرض كسلطانك فى السماء أسئلك باسمك الكريم ووجهك المنير وملكك القديم انك على كل شىء قدير قال وهب هذا الفزع والجنون يقرا عليه ويكتب ويسقى ماؤه ان شاء الله تعالى يبرا وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ كرر قوله بإذن الله دفعا لتوهم الالوهية فان الاحياء ليس من جنس الافعال البشرية قال البغوي قال ابن عباس قد أحيا اربعة انفس عازر وابن العجوز- وابنه العاشر- وسام بن نوح عليه السلام اما عازم فكان صديقا له فارسلت أخته الى عيسى عليه السلام ان أخاك عازر يموت وكان بينه وبين عيسى مسيرة ثلاثة ايام فاتاه هو وأصحابه فوجده قد مات منذ ثلاثة ايام فقال لاخته انطلقي بنا الى قبره فانطلقت معهم الى قبره فدعا الله فقام عازم وودكه يقطر فخرج من قبره وبقي وولد له واما ابن العجوز مرّ به ميتا على عيسى على سرير يحمل فدعا عيسى فجلس على سريره ونزل عن أعناق الرجال ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع الى اهله فبقى وولد له- واما ابنة العاشر فكان والدها يأخذ العشور ماتت له بنت بالأمس فدعا الله عز وجل فاحياها وبقيت وولدت- واما سام بن نوح فان عيسى جاء الى قبره فدعاه باسم الله الأعظم ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 50]

فخرج من قبره وقد شاب نصف رأسه خوفا من قيام الساعة ولم يكونوا يشيبون فى ذلك الزمان فقال قد قامت القيامة قال لا ولكن دعوتك باسم الله الأعظم ثم قال له مت قال بشرط ان يعيذنى الله من سكرات الموت فدعا الله ففعل وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ مما لم اعائنه فكان يخبر الرجل بما أكل البارحة وبما يأكل اليوم وبما ادخره للعشاء قال السدى كان عيسى فى الكتاب يحدث الغلمان بما صنع اباؤهم ويقول للغلام انطلق فقد أكل أهلك كذا وكذا ورفعوا لك كذا وكذا فينطلق الصبى الى اهله ويبكى عليهم حتى يعطوه ذلك الشيء فيقولون من أخبرك بهذا فيقول عيسى فحبسوا صبيانهم عنه وقال لا تلقوا مع هذا الساحر فجمعوهم فى بيت فجاء عيسى يطلبهم فقالوا ليسوا هاهنا فقال فما فى هذا البيت قالوا خنازير قال عيسى كذلك يكونون ففتحوا عنهم فاذاهم خنازير ففشا ذلك فى بنى إسرائيل فهمت به بنوا إسرائيل فلما خافت عليه امه حملته على حمير لها وخرجت هاربة الى ارض مصر- وقال قتادة انما هذا فى المائدة وكانت خوانا ينزل عليهم أينما كانوا كالمن والسلوى فامروا ان لا يخونوا ولا يخبؤا فخانوا وخبؤا فجعل عيسى يخبرهم بما أكلوا من المائدة وما ادخروا منها فمسخهم الله خنازير إِنَّ فِي ذلِكَ المذكور من الأمور الخارقة للعادة لَآيَةً على صدق عيسى فى دعوى النبوة لَكُمْ لتهتدوا بها إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) اى موفقين للايمان فامنوا-. وَمُصَدِّقاً عطف على رسولا او منصوب بفعل مقدر دل عليه قد جئتكم اى وجئتكم مصدقا لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وهكذا شأن الأنبياء يصدقون الكتب السماوية كلها ويصدق بعضهم بعضا وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ اى انسخ حرمة بعض ما فى التورية من اللحوم والشحوم المحرمة فيها والنسخ لا ينافى التصديق كما ان القران ينسخ بعضه بعضا مقدر بإضمار جئتكم او مردود على قوله بانّى قد جئتكم باية او معطوف على معنى مصدقا اى لا صدق ولا حل وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ جاز ان يكون المراد بالآية هاهنا آيات الإنجيل وجاز ان يقال انه تكريرا للتأكيد- ولتقريبها الى الحكم ولذلك رتب عليه قوله فَاتَّقُوا اللَّهَ اتقوا عذاب الله ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 51]

فى مخالفتى وتكذيبى وَأَطِيعُونِ (50) فيما أمركم به من توحيد الله وطاعته. إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ تفصيل لما أجمل من قوله فاتّقوا الله وأطيعون فان فى قوله انّ الله ربّى وربّكم اشارة الى استكمال القوة النظرية بالاعتقاد الحق الذي غايته التوحيد أقرّ اولا فى هذه الجملة بالعبودية على نفسه سدّا لباب الفتنة التي يأتى من قومه من قولهم ابن الله وثالث ثلاثة وفى قوله فاعبدوه اشارة الى استكمال القوة العملية بإتيان المأمورات والانتهاء عن المناهي ثم أكد الجملتين بقوله هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) يعنى الجمع بين الامرين هو الطريق المشهود له بالخير وهو المعنى من قوله صلى الله عليه وسلم قل امنت بالله ثم استقم فى جواب من قال مر لى فى الإسلام لا اسئل منه بعدك رواه اصحاب السنن واحمد والبخاري فى التاريخ-. فَلَمَّا ظرف زمان فيه معنى الشرط جوابه قال من انصارى أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ اى من بنى إسرائيل الْكُفْرَ يعنى سمع منهم تكذيبه والقول بمثل عزير ابن الله وابصر منهم ما يدل على الكفر وفى الكلام حذف اختصار يدل على المحذوف ما مر من البشارة تقديره فولدت مريم عيسى وكلم عيسى قومه فى المهد وبلغ الكمال حتى صار نبيا عالما بالتورية والإنجيل ودعا الناس الى الهدى والتي بالمعجزات المذكوران وأنكره بنو إسرائيل وكذبوه وأتوا بما يدل على الكفر فلما أحس عيسى منهم ذلك قالَ مَنْ أَنْصارِي فتح الياء نافع وابو جعفر- ابو محمد وأسكنها الباقون إِلَى اللَّهِ الى هاهنا بمعنى مع كما فى قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ او بمعنى فى او بمعنى اللام يعنى من انصارى مع الله او فى الله يعنى فى سبيل الله او لله- او هو بمعناه ويعتبر فى النصرة معنى الاضافة يعنى من الذين يضيفون أنفسهم الى الله فى نصرى فعلى هذه الوجوه الجار والمجرور ظرف لغو- وجاز ان يكون ظرفا مستقرا على انه حال من الياء اى من انصارى ملتجيا الى الله او ذاهبا الى ما امر به اوضا ما اليه قالَ الْحَوارِيُّونَ حوارى الرجل خالصته من الحور بمعنى البياض الخالص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ندب الناس يوم الخندق ثلاثا فانتدب كل مرة زبير بن العوام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل نبى حواريّا وحوار بي الزبير متفق عليه ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 53]

وفى القاموس الحوارى الناصر او ناصر الأنبياء والقصار والحميم سمى اصحاب عيسى به لخلوص نيتهم فى الدين ولكونهم ناصرا له كذا قال الحسن وسفيان وقيل كانوا ملوكا استنصر بهم عيسى من اليهود سموا بها لما كانوا يلبسون الثياب البيض واخرج ابن جرير عن ابى ارطاة كانوا قصارين يحورون الثياب اى يبيضونها وقال الضحاك سموا بها لصفاء قلوبهم يعنى لتطهرهم من الذنوب وقال ابن المبارك سموا به لما عليهم اثر العبادة ونورها- واصل الحور عند العرب شدة البياض وقال الكلبي وعكرمة الحواريون الأصفياء وكانوا اثنى عشر رجلا قال روح بن القاسم سالت قتادة عن الحواريين قال هم الذين يصلح لهم الخلافة وعنه قال الحواريون الوزراء وقال مجاهد والسدى كانوا صيادين السمك وقيل كانوا ملاحين نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ اى أنصار دينه آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ يا عيسى يوم تشهد الرسل لقومهم وعليهم بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) فيه دليل على ان الايمان والإسلام واحد. رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ من الكتب الإنجيل وغيره. وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ عيسى عليه السلام فى كل ما أمرنا به فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) بوحدانيتك ولانبيائك بالصدق وقال عطاء مع النبيين لان كل نبى شاهد لامته وقال ابن عباس مع محمد صلى الله عليه وسلم وأمته لانهم يشهدون للرسل على البلاغ. وَمَكَرُوا اى الذين أحس عيسى منهم الكفر حيث أراد واقتله- قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس استقبل عيسى رهطا من اليهود فلما راوه قالوا قد جاء الساحرين الساحرة فقذفوه وامه فلعنهم عيسى ودعا عليهم فمسخهم الله خنازير فلما راى ذلك يهودا رأس اليهود وأميرهم فزع لذلك وخاف دعوته فاجتمعت كلمة اليهود على قتل عيسى وبادروا اليه ليقتلوه فبعث الله جبرئيل فادخله خوخة فى سقفها روزنة فرفعه الله الى السماء من تلك الروزنة فامر يهودا رأس اليهود رجلا من أصحابه يقال له طيطيانوس ان يدخل الخوخة ويقتله فلما دخل القى عليه شبه عيسى فلما خرج ظنوا انه عيسى فقتلوه وذلك قوله تعالى وَمَكَرَ اللَّهُ والمكر فى الأصل حيلة يجلب بها غيره الى مضرة فلا يسند الى الله تعالى ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 55]

الا على سبيل المقابلة والازدواج قال الزجاج مكر الله عز وجل مجازاتهم على مكرهم فسمى الجزاء باسم الابتداء لانه فى مقابلته وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (54) اى أقواهم وأقدرهم على إيصال الضرر من حيث لا يحتسب.. إِذْ قالَ اللَّهُ ظرف لمكر الله او لمضمر مثل وقع ذلك يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ اى الى محل كرامتى ومقر ملائكتى قال الحسن والكلبي وابن جريج معناه انى قابضك ورافعك الى من الدنيا من غير موت قال البغوي لهذا المعنى تأويلان أحدهما انى رافعك الى وافيا لم ينالوا منك شيئا من قولهم توفيت كذا اى استوفيته إذا أخذته تاما- والاخر انى متسلمك من قولهم توفيت منه كذا اى تسلمته- واخرج ابن جرير عن الربيع بن انس المراد بالتوفى النوم وكان عيسى قد نام فرفعه الله نائما الى السماء فيحنئذ معناه انى منيمك ورافعك الى كما قال هو الّذى يتوفّيكم باللّيل- وقال بعضهم المراد بالتوفى الموت روى على بن ابى طلحة عن ابن عباس معناه انى مميتك قال البغوي فعلى هذا ايضا له تأويلان أحدهما ما قاله وهب توفى الله عيسى ثلاث ساعات من النهار ثم رفعه اليه وقال محمد بن إسحاق النصارى يزعمون الله توفاه سبع ساعات من النهار ثم أحياه ورفعه كذا اخرج ابن جرير عنه- ثانيهما ما قاله الضحاك معناه انى متوفيك بعد انزالك من السماء ومؤخرك الى أجلك المسمى عاصما إياك من قتل اليهود ورافعك الى قبل ذلك والواو للجمع المطلق لا للترتيب وهذا التأويل يأباه قوله تعالى فى المائدة فلمّا توفّيتنى كنت أنت الرّقيب عليهم فانه يدل على انه قومه انما تنصروا بعد توفيه ولا شك انهم تنصروا بعد رفعه الى السماء فظهر ان المراد بالتوفى اما الرفع الى السماء واما التوفى قبل الرفع والظاهر عندى ان المراد بالتوفى هو الرفع الى السماء بلا موت يشهد به الوجدان بعد ملاحظة قوله تعالى وما قتلوه وما صلبوه ولولا نفى الموت عنه لما كان من نفى القتل فائدة إذ الغرض من القتل الموت والله اعلم- عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسى بيده ليوشكن ان ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ... ...

حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها ثم قال ابو هريرة فاقرءوا ان شئتم وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ الاية متفق عليه وفى رواية لهما كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم وفى رواية لمسلم وليتركن القلاص فلا يسعى عليها وليذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون الى المال فلا يقبله أحد- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فى نزول عيسى قال ويهلك فى زمانه الملل كلها الا الإسلام ويهلك الدجال فيمكث فى الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلى عليه المسلمون- كذا قال البغوي وروى ابن الجوزي فى كتاب الوفاء عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عيسى بن مريم الى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمسا وأربعين سنة ثم يموت فيدفن معى فى قبرى قاقوم انا وعيسى بن مريم فى قبر واحد بين ابى بكر وعمر- وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين الى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم تعالى صل لنا فقال لا ان بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الامة رواه مسلم وفى حديث المعراج ان النبي صلى الله عليه وسلم راى عيسى بن مريم فى السماء الثانية متفق عليه وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا من سوء جوارهم وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يعنى يعلونهم بالحجة والسيف فى غالب الأحوال- ومتبعوه الحواريون ومن كان من بنى إسرائيل على دينه الحق قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من امة محمد صلى الله عليه وسلم الذين صدقوه واتبعوا دينه فى التوحيد ووصيته باتباع النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ومبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد- وقيل أراد بهم النصارى فهم فوق اليهود الى يوم القيامة الى الان لم يسمع غلبة اليهود عليهم وذهب ملك اليهود فلم يبق لهم ملك ودولة والملك والدولة من بنى إسرائيل فى النصارى فعلى هذا يكون الاتباع بمعنى الادعاء والمحبة لا اتباع الدين ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ضمير المخاطب لعيسى ومن تبعه ومن كفر به وغلّب المخاطبين على الغائبين ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 56]

فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) من امر الدين ثم فصّل ذلك الحكم فقال. فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا بالقتل والاسر وضرب الجزية والذل وَالْآخِرَةِ بالنار وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (52) يمنعهم من عذابنا. وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ قرا حفص بالياء على الغيبة والباقون بالنون على التكلم أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) اى لا يرحم الكافرين وإذا لم يرحمهم عذبهم على ما اقتضاه كفرهم- قال اهل التاريخ حملت مريم بعيسى ولها ثلاث عشرة سنة وولدت عيسى بمضىء خمس وستين سنة من غلبة الإسكندر على ارض بابل واوحى الله الى عيسى وهو ابن ثلاثين سنة ورفعه الله من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وكانت نبوته ثلاث سنين وعاشت مريم بعد رفعه ست سنوات «1» وفى رواية انه لمّا قتل وصلب من شبه بعيسى جاءت مريم وامراة اخرى كان عيسى دعالها فابّراها الله من الجلون تبكيان عند المصلوب فجاءهما عيسى فقال لهما علام تبكيان ان الله رفعنى ولم يصبنى الأخير وان هذا شىء شبّه لهم فلما كان بعد سبعة ايام قال الله عز وجل لعيسى اهبط على مريم المحد لابنها فى جبلها فانه لم يبك أحد بكاءها ولم يحزن أحد حزنها- ثم لتجمع لك الحواريون فتثبهم فى الأرض دعاة الى الله عز وجل فاهبطه الله تعالى عليها فاشتعل الجبل حين هبط نورا فجمعت له الحواريون فبثهم فى الأرض دعاة ثم رفعه الله اليه وتلك الليلة هى التي تدّخر فيها النصارى فلما أصبح الحواريون حدّث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى إليهم. ذلِكَ مبتدا خبره نَتْلُوهُ يعنى الذي ذكر من امر عيسى ومريم والحواريين نتلوه عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ حال من الضمير المنصوب فى نتلوه- وجاز ان يكون نتلوه حالا من المشار اليه والعامل فيه معنى الاشارة والخبر من الآيات- وان يكونا خبرين وان ينتصب ذلك بمضمر يفسره نتلوه- والمراد بالآيات اما آيات القران او المعجزات الدالة

_ (1) فى بالأصل سنة

[سورة آل عمران (3) : آية 59]

على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فى دعوى نبوته فانه لم يكن عالما بتلك القصص واخبر على ما كان عند اهل العلم منهم وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) اى القران ذى الحكمة وقال مقاتل الحكيم المحكم الممنوع من الباطل وقيل الذكر الحكيم هو اللوح المحفوظ وهو معلق بالعرش من درة بيضاء طوله ما بين السماء الأرض. إِنَّ مَثَلَ عِيسى يعنى شأنه الغريب عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ كشأنه ثم فسره وبين وجه التشبيه فقال خَلَقَهُ اى صور قالبه يعنى آدم مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ اى لذلك القالب كُنْ بشرا حيّا فَيَكُونُ (59) حكاية عن الحال الماضية او المعنى قدر خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وجاز ان يكون ثم لتراخى الخبر عن الخبر دون المخبر يعنى اخبر اولا انه خلق آدم من تراب ثم اخبر بانه انما خلقه بان قال له كن فكان يعنى لم يكن هناك اب ولا أم ولا حمل ولارضاع ولا فطام- فشأن عيسى فى الغرابة شابه شأن آدم من حيث كونه بلا اب فقط وشأن آدم اغرب منه بوجوه فشبه الغريب بالاغرب وما هو خارق للعادة بالاخرق ليكون اقطع لنزاع الخصم واحسم لمادة الشبهة- نزلت الاية فى وفد نجران لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مالك تشتم صاحبنا قال ما أقول قالوا تقول انه عبد قال أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى العذراء البتول فغضبوا وقالوا وهل رايت إنسانا قط من غير اب فانزل الله تعالى لالزامهم واقحامهم هذه الاية- واخرج ابن ابى حاتم من طريق العوفى عن ابن عباس نحوه واخرج عن الحسن قال اتى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم راهبا نجران فقال أحدهما من ابو عيسى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعجل حتى يأمره ربه فنزل عليه ذلك نتلوه عليك الى قوله من الممترين فانهم كانوا يعترفون بخلق آدم بغير اب وأم من تراب- وما أجهل النصارى لعنهم الله قالوا هل رايت إنسانا قط من غير اب وما تفكّروا فى أنفسهم انهم هل راوا إنسانا تلد شاة او شاة تلد إنسانا مع اتحاد الجنس فى الحيوانية واختلافهما فى النوع فكيف حكموا بان الله الأحد الصمد القديم لذاته الذي ليس كمثله شىء ولد عيسى جسما مخلوقا حادثا يأكل الطعام وينام ويموت بل هو الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد (فائدة) فى هذه الاية دلالة على ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 60]

حجية القياس لان الله سبحانه نبه على الحكم بجواز خلق عيسى من غير اب قياسا على خلق آدم-. الْحَقُّ خبر مبتدا محذوف او فاعل لفعل محذوف يعنى هو الحق او جاء الحق وجاز ان يكون مبتدا خبره مِنْ رَبِّكَ اى الحق المذكور من الله وعلى التقديرين الأولين من ربّك متعلق بجاء المحذوف او حال من الضمير فى الحق فَلا تَكُنْ ايها المخاطب المنكر مِنَ الْمُمْتَرِينَ (70) الشاكّين فى امر عيسى عليه السلام كما افترت اليهود حتى بهتوا امه وافترت النصارى حتى قالوا انه ابن الله. فَمَنْ شرطية وجاز ان يكون استفهامية لانكار وجود من يحاجه من بعد ان النصارى عجزوا من المخاصمة حَاجَّكَ اى جادلك من النصارى فِيهِ اى فى عيسى او فى الحق مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ بان عيسى عبد الله ورسوله- وفى ذكر هذا القيد للمباهلة تنبيه على ان المسلم لا ينبغى ان يباهل الا بعد كمال اليقين فَقُلْ يا محمد تَعالَوْا امر من التفاعل من العلو قال الفراء معناه كانه قال ارتفعوا قلت كانه يطلب منه ان يظهر على مكان عال ليبصر ما خفى عن بصره ثم استعير وغلب استعماله فى طلب التأمل والتوجه من المخاطب بالرأى فيما خفى عنه- فحاصل المعنى هلموا بالرأى والعزم- وقد يستعمل للدعاء الى مكان قريب من الداعي نَدْعُ مجزوم فى جواب الأمر أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ يعنى ندع كل منا ومنكم نفسه واعزة اهله من الأبناء والنساء فنضمهم الى أنفسنا حتى يعم ما نزل بالكاذب من العذاب اجمعهم وقدمهم على النفس لان الرجل يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم ولان الأصل فى الدعاء المغائرة بين الداعي والمدعو والمغائرة بين الرجل وبين ابنائه ونسائه حقيقى وبينه وبين نفسه اعتباري فقدم الحقيقي على الاعتباري- روى مسلم والترمذي عن سعد بن ابى وقاص قال لما نزلت هذه الاية دعا رسول الله عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء اهل بيتي ثُمَّ نَبْتَهِلْ افتعال ومعناه التفاعل واختير الافتعال هاهنا على التفاعل لان المقصود منه جلب اللعنة الى نفسه ان كان كاذبا ودفعها الى خصمه ان كان صادقا وجلب الشر الى نفسه اسرع وقوعا من دفعه الى غيره فكان الغرض منه ... ...

اكتساب اللعنة- والبهلة بالضمة والفتحة وأصله الترك يقال بهلت الناقة إذا تركتها بلا اصرار وفى اللعينة الترك من الرحمة والبعد من رحمة الله تعالى فى الدنيا والاخرة وذلك يقتضى وقوع العذاب لان العصمة من العذاب لا يتصور الا برحمته- وفى كلمة ثم اشارة الى ان اللائق من العاقل التأخير والتراخي فى المباهلة فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61) عطف تفسيرى على نبتهل وبالفاء اشارة الى ان وقوع العنة لا يتراخى عن الابتهال بل يعقبه بلا مهلة قال البغوي فلما قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية على وفد نجران دعاهم الى المباهلة قالوا حتى نرجع وننظر فى أمرنا نأتيك غدا فخلا بعضهم ببعض فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى قال والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبى مرسل وو الله مالا عن قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ونبت صغيرهم ولئن فعلتم ذلك لتهلكن فان أبيتم الا الاقامة على ما أنتم عليه من القول فى صاحبكم فوادعوا لرجل وانصرفوا الى بلادكم- فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غذا رسول الله صلى الله عليه وسلم محتضنا الحسين أخذا بيد الحسن وفاطمة يمشى خلفه وعلىّ خلفها وهو يقول إذا دعوت فامّنوا- فقال اسقف نجران يا معشر النصارى انى لارى وجوها لو سالوا الله ان يزيل جبلا عن مكانه لازاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانى الى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم قد راينا ان لا نلاعنك وان نتركك على دينك ونثبت على ديننا- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فان أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم فابوا قال فانى أنابذكم فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة ولكنا نصالحك على ان لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على ان نؤدى إليك كل عام الفى حلة الفا فى صفر والفا فى رجب فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال والذي نفسى بيده ان العذاب قد تدلى على اهل نجران ولو تلاعنوا لمسخو قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولا ستأصل الله نجران واهله حتى الطير على الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا وكذا اخرج ابو نعيم فى الدلائل من طرق عن ابن عباس- ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 62]

واستدل الروافض قبحهم الله بهذه الاية على نفى خلافة الخلفاء الثلاثة رضى الله عنهم وكون علىّ عليه السلام هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا المراد بالأبناء فى هذه الاية الحسن والحسين وبالنساء فاطمة وبانفسنا علىّ «1» فجعل الله سبحانه عليّا نفس محمد صلى الله عليه واله وسلم وأراد الله تعالى به كون على رضى الله عنه مساويا له صلى الله عليه وسلم فى الفضائل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اولى بالتصرف فى الناس من أنفسهم قال الله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فكان علىّ كذلك فهو الامام- والجواب عنه بوجوه أحدها ان الأنفس بصيغة الجمع يدل على نفس النبي ونفس من تبعه ولا يدل ذلك على كون نفسهما واحدا مع كونه ظاهر البطلان- ثانيها انه جاز ان يكون علىّ، ايضا مرادا بالأبناء كالحسن والحسين بعموم المجاز فان الختن يطلق عليه الابن عرفا- وثالثها انه جاز ان يكون المراد بانفسنا من يتصل به نسبا ودينا كما فى قوله تعالى ولا تخرجون «2» أنفسكم من دياركم وقوله تعالى تقتلون أنفسكم وقوله تعالى ظنّ المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيرا وقوله تعالى ولا تلمزوا أنفسكم فحينئذ لا يلزم المساوات بينهما أصلا- ورابعها ان مساوات علىّ النبي صلى الله عليه وسلم فى جميع الصفات باطل باتفاق الفريقين والمساوات فى بعضها لا يفيد المساوات فيما نحن فيه- خامسها انه لو كانت الاية دالة على كون على اولى بالتصرف لزم كونه كذلك فى حياته صلى الله عليه وسلم وأنتم لا تقولون به لكن هذه القصة تدل على كون هؤلاء الكرام أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. إِنَّ هذا يعنى ما ذكر من قصص عيسى ومريم لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ هو فصل بين اسم ان وخبرها او مبتدا والقصص خبره والجملة خبر ان وجاز دخول اللام على الفصل لان أصلها ان تدخل على المبتدا ولذا سميت لام الابتداء وجاز دخولها على الخبر إذا لم يكن بينهما ضمير فصل وان كان هناك ضمير فصل دخلت عليه لكونه اقرب الى المبتدا من الخبر وَما مِنْ إِلهٍ من مزيدة لتأكيد استغراق النفي ردا على النصارى فى قولهم بالتثليث إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) هذا فى التركيب نظير قوله تعالى إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ يعنى انه تعالى لا يساويه أحد

_ (1) فى الأصل لا تخرجوا- (2) فى الأصل عليا

[سورة آل عمران (3) : آية 63]

فى العزة والقدرة التامة والحكمة البالغة فكيف يشاركه فى الالوهية. فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الحجج واعرضوا عن التوحيد فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) وعيد لهم تقديره فان تولّوا فانّ الله يعذبهم فحذف يعذبهم وأقيم عليم بالمفسدين مقامه اقامة العلة مقام المعلول فان علمه تعالى بافسادهم فى الآفاق باشاعة الكفر والمعاصي وصد الناس عن الايمان وفى أنفسهم بكفر ان المنعم وعصيانه وترك شكره ومخالفة رسوله سبب لتعذيبهم والله اعلم وفيه اشارة الى ان التولي عن الحق إفساد والله اعلم- قال المفسرون قدم وفد نجران المدينة فالتقوا مع اليهود فاختصموا فى ابراهيم عليه السلام فزعمت النصارى انه كان نصرانيا وهم على دينه واولى الناس به وقالت اليهود بل كان يهوديا وهم على دينه واولى الناس به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا الفريقين برىء من ابراهيم ودينه بل كان حنيفا مسلما وانا على دينه فاتبعوا دينه الإسلام فقالت اليهود ما تريد الا ان نتخذك ربّا كما اتخذت النصارى عيسى ربا وقالت النصارى يا محمد ما تريد الا ان نقول فيك ما قالت اليهود فى عزيز فانزل الله تعالى. قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ الخطاب يعم اهل الكتابين تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ قال البغوي العرب تسمى كل قصة لها شرح كلمة ومنه سميت القصيدة كلمة سَواءٍ مصدر بمعنى مستوية ولم يؤنث لان المصدر لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ظرف متعلق بسواء يعنى لا يختلف فيه القران والتورية والإنجيل أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ يعنى لا نشرك به أحدا غيره فى العبادة لا إنسانا ولا صنما ولا ملكا ولا شيطانا محل ان رفع على إضمار هو او جريد لا من الكلمة وقيل نصب بنزع الخافض اى بان لا نعبد وَلا نُشْرِكَ بِهِ فى وجوب الوجود شَيْئاً كما فعلت اليهود والنصارى حيث قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله فعبدوهما وقالت النصارى ثالث ثلاثة وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا اى بعض الناس بَعْضاً اى بعضهم أَرْباباً يعنى لا يطيع بعض الناس بعضا مِنْ دُونِ اللَّهِ اى بغير اذن من الله تعالى- عن عدى بن حاتم انه لما نزلت اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قال عدى بن حاتم ما كنا نعبدهم يا رسول الله قال اليس كانوا ... ...

يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم قال نعم قال هو ذاك رواه الترمذي وحسنه فما كان من إطاعة الرسول فهو إطاعة الله لا غير قال الله تعالى ومن يطع الرّسول فقد أطاع الله وكذا ما كان من إطاعة العلماء والأولياء والسلاطين والحكام على مقتضى الشرع قال الله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وما كان منها على خلاف مقتضى الشرع فهو الاتخاذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله عن على رضى الله عنه لا طاعة لاحد فى معصية الله انما الطاعة فى المعروف رواه الشيخان فى الصحيحين وابو داود والنسائي وعن عمران بن حصين والحكيم بن عمرو الغفاري لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق- ومن هاهنا يظهر انه إذا صح عند أحد حديث مرفوع من النبي صلى الله عليه وسلم سالما عن المعارضة ولم يظهر له ناسخ وكان فتوى ابى حنيفة رحمة الله مثلا خلافه وقد ذهب على وفق الحديث أحد من الائمة الاربعة يحب عليه اتباع الحديث الثابت ولا يمنعه الجمود على مذهبه من ذلك كيلا يلزم اتخاذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله روى البيهقي فى المدخل بإسناد صحيح الى عبد الله بن المبارك قال سمعت أبا حنيفة يقول إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين وإذا جاء عن اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نختار من قولهم وإذا جاء من التابعين زاحمناهم- وذكر عن روضة العلماء قال اتركوا قولى بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الصحابة- ونقل انه قال إذا صح الحديث فهو مذهبى- وانما قلت فى العمل بالحديث ان يكون ذلك الحديث قد ذهب اليه أحد من الائمة الاربعة كيلا يلزم العمل على خلاف الإجماع فان اهل السنة قد افترق بعد القرون الثلاثة او الاربعة على اربعة مذاهب ولم يبق مذهب فى فروع المسائل سوى هذه الاربعة فقد انعقد الإجماع المركب على بطلان قول يخالف كلهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع أمتي على الضلالة وقال الله تعالى وَ (مَنْ) ... يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً وايضا لا يحتمل كون الحديث مختفيا عن للائمة الاربعة وعن أكابر العلماء من تلامذتهم فتركهم قاطبة العمل بحديث دليل على كونه منسوخا او مأوّلا- (فائدة) لا يجوز لاحد ان يقول فى امر افتى علماء الشرع على حرمته او كراهته ان مشائخ ... ...

الصوفية سنوا كذلك ونحن نتبع سنتهم والصحيح ان الصوفية الكرام ما فعلوا قط على خلاف مقتضى الشرع وانما الفساد من جهال اتباعهم (فائدة) لا يجوز ما يفعله الجهال بقبور الأولياء والشهداء من السجود والطواف حولها واتخاذ السرج والمساجد عليها ومن الاجتماع بعد الحول كالاعياد ويسمونه عرسا عن عائشة وابن عباس قالا لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم مرض طفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اغتم كشفها عن وجهه ويقول وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد- قالت فحذّر عن مثل ما صنعوا متفق عليه وكذا روى احمد والطيالسي عن اسامة بن زيد- وروى الحاكم وصححه عن ابن عباس لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج- وروى مسلم من حديث جندب بن عبد الملك قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يموت بخمس وهو يقول الا لا تتخذوا القبور مساجد انى أنهاكم عن ذلك فَإِنْ تَوَلَّوْا يعنى اهل الكتاب عن تلك الكلمة العادلة المستقيمة المستوية المتفق عليها الكتب والرسل فَقُولُوا ايها النبي والمؤمنون اشْهَدُوا يا اهل الكتاب بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) بالكتب السماوية كلها دونكم عن ابن عباس ان أبا سفيان بن حرب أخبره ان هرقل أرسل اليه فى ركب من قريش وكانوا اتجارا بالشام فى المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مادّ فيها أبا سفيان وكفار قريش فاتوه وهم بايليا فدعاهم فى مجلسه وحوله عظماء الروم ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية الى عظيم بصرى فدفعه الى هرقل فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله الى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى اما بعد فانى أدعوك بدعاية الإسلام اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فان عليك اثم الأريسيين ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ متفق عليه (فائدة) قراءة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاية على وفد نجران وكتابته الى هرقل وتسليمهم وعدم ردهم إياها بالإنكار وبالقول بان هذه الكلمة ليست فى كتبنا ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 65]

حجة قاطعة على نبوته صلى الله عليه وسلم وكون تلك الكلمة مجمعا عليها الكتب والرسل فظهر ان قولهم بان عزيرا ابن الله وعيسى ابن الله انما كان بناء على آرائهم الفاسدة والتقليد دون الاستناد الى الكتب ومن ثم احتجوا على النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم هل رايت إنسانا من غيراب- قال البيضاوي انظر الى ما روعى فى هذه القصة من المبالغة فى الإرشاد وحسن التدرّج فى الحجاج بيّن اولا احوال عيسى وما تعاور عليه من الأطوار المنافية للالوهية ثم ذكر ما يحل عقدتهم ويزيح شبهتهم بقوله مثل عيسى عند الله كمثل آدم فلما راى عنادهم ولجاجهم دعاهم الى المباهلة بنوع من الاعجاز ثم لما راى انهم اعرضوا عنها وانقادوا بعض الانقياد عاد عليهم بالإرشاد وسلك طريقا أسهل والزم بان دعاهم الى ما وافق عليه عيسى والإنجيل وسائر الأنبياء والكتب ثم لما لم يجد ذلك ايضا عليهم وعلم ان الآيات والنذر لا يغنى عنهم اعرض عن ذلك وقال اشهدوا بانّا مسلمون والله اعلم- روى ابن إسحاق بسنده المتكرر عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أجمعت نصارى نجران وأحبار اليهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الأحبار ما كان ابراهيم الا يهوديا وقالت النصارى ما كان الا نصرانيا فانزل الله تعالى. يا أَهْلَ الْكِتابِ الخطاب يعم الفريقين لِمَ تُحَاجُّونَ تختصمون فِي دين إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ فحدث دين اليهود وَما أنزلت الْإِنْجِيلُ فحدث دين النصارى إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ اى بعد ابراهيم بزمان طويل كان بين ابراهيم وموسى الف سنة وبين موسى وعيسى وهو اخر أنبياء بنى إسرائيل الفا سنة أَفَلا تَعْقِلُونَ (65) بطلان قولكم لعلهم كانوا يدعون ان ابراهيم فى فروع الأعمال كان عاملا باحكام التورية او الإنجيل بل ما اخترعه الفريقان بعد موت موسى ورفع عيسى وتحريفهم الكتابين وهذا هو محل النزاع بين الفريقين وظاهر البطلان فان فروع الأعمال ينسخ فى الشرائع بعد مضى الدهور على ما هو عادة الله تعالى نظرا الى مصالح كل عصر فكيف يكون دين ابراهيم اليهودية او النصرانية- واما فى اصول الدين وما لا يحتمل النسخ من الفروع كحرمة العبادة لغير الله تعالى والكذب والظلم فالشرائع والملل الحقة كلها متفقة عليها لا يحتمل فيها الاختلاف والله اعلم.

[سورة آل عمران (3) : آية 66]

ها أَنْتُمْ قرا نافع وابو جعفر- ابو محمد وابو عمرو حيث وقع بالمد من غير همز «1» - وورش اقل مد او قنبل بالهمز من غير الف بعد الهاء والباقون بالمد والهمز- فالبزى يقصر على أصله فى المنفصل والباقون على أصولهم فى المد- فها للتنبيه على قراءة الكوفيين ومن معهم- ابو محمد والبزي وابن ذكوان وعلى قراءة قنبل أصله ءانتم أبدلت همزة الاستفهام هاء كقولهم هرقت فى ارقت فصار هانتم وكذا على قراءة ورش غير انه يبدل الهمزة الثانية الفا كما هو مذهبه عند اجتماع الهمزتين إذا كانتا مفتوحتين وعلى قراءة ابى عمرو وقالون وهشام جاز الأمر ان فان كان أصله ءانتم على الاستفهام أبدلت الهمزة الاولى هاء كما قيل على قراءة قنبل وورش وزيدت الف فاصلا بين الهمزتين على أصلهم ثم حذفت الهمزة الثانية تخفيفا على قراءة ابى عمرو وقالون وبقيت على قراءة هشام- وان كان أصله ها أنتم على الخبر فلا تغير فى قراءة هشام وعند ابى عمرو وقالون حذفت الهمزة تخفيفا فالكلام اما استفهام إنكاري- او تنبيه عن حالهم الذي غفلوا عنه- وأنتم مبتدا وهؤُلاءِ خبره وما بعده جملة اخرى مبيّنة للاولى وجاز ان يكون هؤلاء منادى بحذف حرف النداء والجملة التالية خبر لانتم تقديره يا هؤلاء أنتم أو ها أنتم حاجَجْتُمْ اى خاصمتم وقيل هؤلاء بمعنى الذي وما بعده صلته والموصول مع الصلة خبر لانتم- قال نحاة الكوفة جاز وضع اسم الاشارة موضع الموصول يعنى ءانتم او ها أنتم الذي جادلتم فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ من امر موسى وعيسى وادعيتم انكم على دينهم وقد علمتم ما كان دينهم من التورية والإنجيل وان كنتم لبستم بعض ما هو فى التورية والإنجيل من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وان دين موسى وعيسى سينسخ بدين محمد النبي الأمي المبعوث فى اخر الزمان فافتضحتم فيه بإظهاره تعالى ما لبستموه مع علمكم بما فى التورية والإنجيل فَلِمَ تُحَاجُّونَ ايها الحمقاء الغافلون عن ظهور بطلان قولكم فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ من دين ابراهيم وشريعته حيث لم يذكر فى التورية والإنجيل دينه وملته وكان قبلكم بالوف سنين وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما انزل على كل نبى من الاحكام وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (66) الا ما علمكم الله فى كتابكم بل أنتم لا تعلمون أصلا حيث تركتم ما انزل الله عليكم ونبذتم كتاب الله وراء ظهوركم حتى لم تؤمنوا بمحمد وقد أخذ الله ميثاقكم فتفتضحون فى تلك

_ (1) هكذا فى التيسير للداني ومعناه انه قرا قالون وابو عمرو وابو جعفر بألف بعد الهاء وهمزة مسهلة وهم فى المد على أصولهم وورش لطريق الا رزق بهمزة مسهلة من غير الف ومد وبابدال الهمزة انا مع مد اللازم- ابو عبد عفا الله عنه

[سورة آل عمران (3) : آية 67]

المحاجة بالطريق الاولى إذ لا يصلح محاجة الجاهل العالم- وفيه تنبيه على ان محاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة لكونه عالما بتعليم الله تعالى ثم بين الله تعالى دين ابراهيم فقال. ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا يعنى ما كان دين ابراهيم موافقا لدين موسى وعيسى فى كثير من الفروع وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مائلا عن العقائد الزائغة وقيل الحنيف الذي يوحد ويضحى ويختن ويستقبل الكعبة ولم يكن ذلك فى اليهود والنصارى مُسْلِماً منقاد الله تعالى فيما امر به غير متبع لهواه وأنتم لا تنقادون ما أمركم الله به حيث لا تؤمنون بالنبي الأمي الذي تجدونه مكتوبا عندكم فى التورية والإنجيل وتشركون بالله فتقولون ثالث ثلاثة وتقولون عزير ابن الله والمسيح ابن الله فكيف تدعون انكم على دين ابراهيم وملته وَما كانَ ابراهيم مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) بل كان من الموحدين. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ اولى مشتق من الولي بمعنى القريب يعنى أخصهم وأقربهم دينا بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ من أمته حيث كانوا على دينه بلا شبهة وَهذَا النَّبِيُّ محمد صلى الله عليه وسلم وَالَّذِينَ آمَنُوا بمحمد صلى الله عليه وسلم لموافقتهم لابراهيم فى اكثر الشرائع فانهم يوحدون ويضحون ويختتنون ويصلون الى الكعبة ويحجون ويعتمرون ويتمون بكلمات ابتلى بها ابراهيم ربّه فاتمّهنّ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) بمحمد صلى الله عليه وسلم فانهم يومنون بجميع الأنبياء من أولهم الى آخرهم بخلاف اليهود والنصارى- قال البغوي روى الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ورواه محمد بن إسحاق عن ابن شهاب بإسناده انه لما هاجر جعفر بن ابى طالب وأناس من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الى الحبشة وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة وكان وقعة بدر اجتمعت قريش فى دار الندوة وقالوا ان لنا فى الذين هم عند النجاشي من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثار ممن قتل منكم ببدر فاجمعوا مالا واهدوه الى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم ولينتدب لذلك رجلان من ذوى رأيكم فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن ابى معيط مع الهدايا الادم وغيره فركبا البحر وأتيا الحبشة فلما دخلا على النجاشي سجد اله ... ...

وسلما عليه وقالا له ان قومنا لك ناصحون شاكرون ولصلاحك محبون وانهم بعثوا إليك لنحذرك هؤلاء الذين قدموا عليك لانهم قوم رجل كذاب خرج فينا يزعم انه رسول الله ولم يتابعه منا أحد الا السفهاء وانا كنا قد ضيّقنا عليهم والجأناهم الى شعب بأرضنا لا يدخل عليهم أحد ولا يخرج منهم أحد قد قتلهم الجوع والعطش فلما اشتد عليه الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم قالوا واية ذلك انهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك الناس رغبة عن دينك وسنتك- قال فدعاهم النجاشي فلما حضروا صاح جعفر بالباب يستأذن عليك حزب الله فقال النجاشي مروا هذا الصائح فليعد كلامه ففعل جعفر فقال النجاشي نعم فليدخلوا بإذن الله وذمته- فنظر عمرو بن العاص الى صاحبه فقال الا تسمع كيف يرطنون اى يكلمون- منه رح بحزب الله وما أجابهم به النجاشي فساءهما ذلك- ثم دخلوا عليه فلم يسجدوا له- فقال عمرو بن العاص الا ترى انهم يستكبرون ان يسجدوا لك فقال لهم النجاشي ما منعكم ان تسجدوا لى وتحيونى بالتحية التي يحيينى بها من أتاني من الآفاق- قالوا نسجد لله الذي خلقك وملّكك وانما كانت تلك التحية ونحن نعبد الأصنام فبعث الله فينا نبيا صادقا وأمرنا بالتحية التي رضيها الله وهى السلام تحية اهل الجنة فعرف النجاشي ان ذلك حق وانه فى التورية والإنجيل قال أيكم الهاتف يستأذن عليك حزب الله قال جعفر انا قال فتكلم قال انك ملك من ملوك اهل الأرض ومن اهل الكتاب ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم وانا أحب ان أجيب عن أصحابي فمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ولينصت الاخر فتسمع محاورتنا- فقال عمرو لجعفر تكلم فقال جعفر للنجاشى سل هذين الرجلين أعبيد نحن أم أحرار قال بل أحرار كرام قال النجاشي نجوا من العبودية- ثم قال جعفر سل هما هل اهرقنا دما بغير حق فيقتص مئا قال عمرو لا ولا قطرة قال جعفر سل هل أخذنا اموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها قال النجاشي ان كان قنطارا فعلىّ قضاؤه قال عمرو لا ولا قيراطا- قال النجاشي فما تطلبون منهم قال عمرو كنا وهم على دين واحد وامر واحد على دين ابائنا فتركوا ذلك واتبعوا غيره فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا فقال النجاشي ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 69]

ما هذا الدين الذي كنتم عليه والدين الذي اتبعتموه اصدقنى- قال جعفر اما الدين الذي كنا عليه فتركناه فهو دين الشيطان كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة واما الذي تحولنا اليه فدين الله الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له- فقال له النجاشي تكلمت بامر عظيم فعلى رسلك ثم امر النجاشي فضرب بالناقوس فاجتمع اليه كل قسّيس وراهب فلما اجتمعوا عنده قال النجاشي أنشدكم الله الذي انزل الإنجيل على عيسى هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيا مرسلا- قالوا اللهم نعم قد بشرنا به عيسى وقال من أمن به فقد أمن بي ومن كفر به فقد كفر بي- فقال النجاشي لجعفر ماذا يقول لكم هذا الرجل وما يأمركم به وما ينهاكم عنه قال يقرا علينا كتاب الله ويأمرنا بالمعروف وينهى عن المنكر ويأمر بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم ويأمر بان نعبد الله وحده لا شريك له قال اقرأ علىّ مما يقرا عليكم- فقرا عليهم سورة العنكبوت والروم ففاضت عين النجاشي وأصحابه من الدمع فقالوا زدنا يا جعفر من هذا الحديث الطيب فقرا عليهم سورة الكهف- فاراد عمرو ان يغضب النجاشي فقال انهم يشتمون عيسى وامه- فقال ما تقولون فى عيسى وامه فقرا عليهم سورة مريم فلما اتى على ذكر مريم وعيسى رفع النجاشي نفثه من سواكه قدر ما يقذى العين قال والله ما زاد المسيح على ما يقولون هذا- ثم اقبل على جعفر وأصحابه فقال اذهبوا فانتم سيوم كلمة حبشية بمعنى امنون- منه رح بأرضى يقول امنون من سبكم او اذاكم غرّم ثم قال ابشروا ولا تخافوا فلاد هورة «1» اليوم على حزب ابراهيم- قال عمرو يا نجاشى ومن حزب ابراهيم- قال هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم فانكر ذلك المشركون وادعوا فى دين ابراهيم- ثم رد النجاشي على عمرو وصاحبه المال الذي حملوه وقال انما هديتكم الىّ رشوة فاقبضوها فان الله ملّكنى ولم يأخذ منى رشوة قال جعفر فانصرفنا فكنا فى خير دار وأكرم جوار وانزل الله تعالى ذلك اليوم على رسوله صلى الله عليه وسلم فى خصومتهم فى ابراهيم وهو بالمدينة قوله عز وجل انّ اولى النّاس الاية-. وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ نزلت فى معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر رضى الله عنهم حين دعاهم اليهود الى دينهم- يعنى تمنت جماعة

_ (1) الدهورة جمعك الشيء وقد فك فى مهواة كانه أراد لا ضيعة عليهم ولا يترك حفظهم وتعهدهم والواو زائدة- نهاية جزرى منه رحمه الله

[سورة آل عمران (3) : آية 7]

من اليهود لَوْ يُضِلُّونَكُمْ عن دينكم ويردونكم الى الكفر- لو مصدرية بمعنى ان عاملة فى المعنى دون اللفظ فى محل النصب لودّت- او هى للتمنى بيان للوداد وَما يُضِلُّونَ أحدا إِلَّا أَنْفُسَهُمْ يعنى انما يعود وبال الإضلال الى أنفسهم فيضاعف لهم العذاب والمسلمون محفوظون من شرهم بحفظ الله تعالى فلا يلزم إضلال الضال وَما يَشْعُرُونَ (69) ان اضرارهم يعود إليهم. يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ الناطقة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته فى التورية والإنجيل او بالقران وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) اى تعترفون فيما بينكم على سبيل الكتمان انه نبى حق مذكور نعته فى التورية والإنجيل او أنتم تعلمون بالمعجزات انه نبى حق. يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ اى تخلطون الحق الذي انزل على موسى من آيات التورية بالباطل الذي كتبته ايديكم بالتحريف وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ النازل فى التورية من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) ذلك وتفعلون ما تفعلون عمدا وروى ابن إسحاق عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال عبد الله بن الضيف وعدى بن زيد والحارث بن عوف بعضهم لبعض نؤمن بما انزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية حتى يلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعون عن دينهم فانزل الله تعالى فيهم يا أهل الكتب لم تلبسون الحقّ بالباطل وتكتمون الحقّ وأنتم تعلمون. وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ الى قوله واسع عليم آمِنُوا يعنى أظهروا الايمان باللسان بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا يعنى بالقران وَجْهَ النَّهارِ يعنى اوله فانه أول ما يواجه وَاكْفُرُوا به آخِرَهُ يعنى اخر النهار وقولوا انا نظرنا فى كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا «1» ليس بذاك وظهر لنا كذبه لَعَلَّهُمْ اى المسلمون يشكّون فى دينهم ويَرْجِعُونَ (72) عن دينهم ظنّا منهم بانكم رجعتم لخلل ظهر لكم- قال البغوي قال الحسن تواطأ على ذلك اثنا عشر حبرا من يهود خيبر وقرى عرينة- وكذا اخرج ابن جرير عن السدى- وقال مجاهد ومقاتل والكلبي هذا فى شأن القبلة لما صرفت الى الكعبة شق ذلك على اليهود وقال كعب بن الأشرف وأصحابه أمنوا بامر الكعبة وصلوا إليها أول النهار ثم اكفروا وارجعوا الى قبلتكم اخر النهار

_ (1) فى الأصل محمد- . ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 73]

وَلا تُؤْمِنُوا عطف على أمنوا بالّذى انزل يعنى لا تؤمنوا حقيقة الايمان بمواطاة القلب ولا تصدقوا لاحد إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ اى لاهل دينكم- او المعنى لا تظهروا ايمانكم وجه النهار الا لمن كان على دينكم قبل ذلك فان رجوعهم أرجى وأهم- وجاز ان يكون لا تؤمنوا بيانا لا كفروا والمعنى واكفروا اخر النهار ولا تؤمنوا اخر النهار الا لاهل دينكم قُلْ يا محمد للكفار إِنَّ الْهُدى الذي اعطى المسلمين هُدَى اللَّهِ لا تستطيعون ان تطفؤا نور الله بأفواهكم والله متم نوره فلا يضر المؤمنين مكركم- او المعنى قل يا محمد لنفسك وللمؤمنين انّ الهدى هدى الله لا يضركم كيد كائد أَنْ يُؤْتى قرا ابن كثير بالمد «1» على الاستفهام والباقون بلا مد على الخبر- متعلق بمحذوف يعنى مكرتم ذلك المكر حسدا او امكرتم لان يؤتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ من الكتاب والحكمة أَوْ يُحاجُّوكُمْ عطف على يؤتى منصوب بان والضمير المرفوع عائد الى أحد وهو وان كان مفردا لفظا لكنه جمع معنى بمعونة المقام لانه فى حيز النفي او الاستفهام يعنى او مكرتم لان يغلبكم أحد عِنْدَ رَبِّكُمْ يوم القيامة لكونهم على الهدى دونكم يعنى ان الحسد حملكم على ذلك المكر ولا ينبغى ذلك المكر والحسد وجاز ان يكون ان يؤتى متعلقا بلا تؤمنوا وعلى هذا ثلاث تأويلات أحدها ان يكون اللام فى لمن تبع دينكم زائدة كما فى قوله تعالى ردف لكم اى ردفكم والمستثنى منه أحد فاعل يؤتى والمستثنى مقدم عليه واو فى او يحاجّوكم بمعنى الواو لكونه فى حيز النفي نحو لا تطع منهم اثما او كفورا والمعنى لا تصدقوا ولا تقرّوا بان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم الا من تبع دينكم ولا تصدقوا بان يغلبكم أحد عند ريكم- ثانيها ان يكون اللام للانتفاع او زائدة والاستثناء مفرغ واحد فى قوله تعالى ان يؤتى أحد مظهر موضع المضمر ابرز لحذف المرجع من الصدر والمعنى لا تصدقوا أحدا او لا تقروا لاحد اى فى حق أحد الا لمن تبع دينكم يعنى الا من تبع دينكم او الا فى حق من تبع دينكم بان يؤتى ذلك الأحد مثل ما أوتيتم او بان يغلبكم أحد عند ربكم لانكم أصح دينا هذا على قراءة الجمهور واما على قراءة ابن كثير فمعناه أتصدقون وتقرون بان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم او يحاجوكم عند ربكم لا ينبغى ذلك الإقرار والتصديق منكم وهذا معنى قول مجاهد وثالثها ان تكون لا تؤمنوا بمعنى لا تظهروا

_ (1) اى بالهمزتين محققة ومسهلة والباقون بهمزة واحدة محققة- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة آل عمران (3) : آية 74]

واللام صلة والمعنى لا تظهروا ايمانكم بان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم او يحاجوكم عند ربكم الا لمن تبع دينكم يعنى إلا خفية لاشياعكم ولا تفشوه الى المسلمين كيلا يزيد ثباتهم ولا الى المشركين كيلا يدعوهم الى الإسلام- ومعناه على قراءة ابن كثير اتظهرون عند غيركم ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم او يحاجوكم عند ربكم لا ينبغى ذلك الإظهار- وعلى هذه التأويلات جملة قل انّ الهدى هدى الله معترضة لبيان ان كيدهم لا يفيدهم ولا يضر بالمسلمين وعلى قراءة الجمهور جاز ان يكون ان يؤتى خبر انّ على ان هدى الله بدل عن الهدى واو فى او يحاجّوكم بمعنى حتى والمعنى ان هدى الله الإيتاء لمن شاء من أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب حتى يغلبوكم يوم القيامة عند ربكم- وقيل معناه قالت اليهود لسفلتهم لا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم ان يؤتى اى لئلا يؤتى كما فى قوله تعالى يبيّن الله لكم ان تضلّوا اى لئلا تضلوا يعنى لا تصدقوهم لئلا يعلموا مثل ما علمتم فيكون لكم الفضل عليهم بالعلم ولئلا يحاجوكم عند ربكم فيقولوا عرفتم ان ديننا حق ولم تؤمنوا وهذا معنى قول ابن جريح وهو ابعد التأويلات قُلْ يا محمد لليهود إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ لا بايديكم يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وقد اتى محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وَاللَّهُ واسِعٌ الفضل عَلِيمٌ (73) بمن هو اهل له. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ ونبوته مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) . وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعنى عبد الله بن سلام وأشباهه مؤمنى اهل الكتاب مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ اى مال كثير يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ لاجل ديانتهم وايمانهم قال البغوي قال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما ان رجلا أودع عبد الله بن سلام الفا ومائتى اوقية من ذهب فاداه وَمِنْهُمْ يعنى كعب بن الأشرف وأشباهه من كفار اليهود كذا قال مقاتل مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ قال البغوي استودع رجل من قريش فخاص بن عازورا من اليهود دينارا فخانه قرا ابو عمرو وابو جعفر بخلاف عنه- او محمد وابو بكر وحمزة يؤدّه ولا يؤدّه إليك ونؤته منها فى الموضعين وفى النساء نولّه ونصله وفى الشورى نؤته منها بإسكان الهاء فى السبعة لان الهاء وضعت موضع الجزم وهو الياء الذاهب وقرا قالون وابو جعفر ويعقوب باختلاس كسرة الهاء اعتبروا الياء الساكنة المحذوفة موجودة والهاء بعد الحرف الساكن ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 76]

يختلس حركته وكذا عن هشام بخلاف عنه- ابو محمد فى الباب كله وقرا الباقون بإشباع الكسرة لان الأصل فى الهاء بعد المتحرك الإشباع والوقف للجميع بالإسكان إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً قال ابن عباس قائما اى ملحا يقال يقوم عليه يعنى يطالبه بالالحاح والتقاضي والترافع الى الحكام ذلِكَ اى عدم الأداء والاستحلال بِأَنَّهُمْ اى بسبب ان اليهود الكفار قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ اى فى شأن من ليس باهل الكتاب سَبِيلٌ اى سبيل مؤاخذة عند الله قالوا اموال العرب حلال لنا لانهم ليسوا على ديننا ولا حرمة لهم فى كتابنا وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم فى الدين وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ان الله أحل لهم ذلك وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) انهم يكذبون. بَلى يعنى ليس كما قالوا بل عليهم سبيل فى المؤمنين او عصمة المال بالايمان او عقد الذمة- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكوة فاذا فعلوا ذلك عصموا منى دماؤهم وأموالهم الا بحق الإسلام وحسابهم على الله متفق عليه من حديث ابى موسى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فان هم أبوا يعنى ان كان الكفار أبوا عن الإسلام فسل هم الجزية فان هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم متفق عليه فى حديث طويل من حديث سليمان بن بريد عن أبيه مَنْ شرطية او موصولة أَوْفى بِعَهْدِهِ الضمير المجرور راجع الى من يعنى بعهده الذي عاهد رب المال بأداء الامانة- او راجع الى الله تعالى اى عهد الله عهد اليه فى التورية من الايمان بجميع الأنبياء وبمحمد صلى الله عليه وسلم والقران وأداء الامانة وَاتَّقى الكفر والخيانة فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (72) وضع المظهر موضع الضمير اشعارا بان التقوى ملاك الأمر كله وهو يعم الوفاء بالعهد وغيره من أداء الواجبات والاجتناب عن المناهي ولذلك العموم ناب مناب الراجع الى من اوفى- والجملة مستأنفة مقررة لجملة سدت بلى مسدها عن عبد الله بن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه خصلة منها كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر- متفق عليه وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اية المنافق ثلاث زاد مسلم وان صام وصلى وزعم انه مسلم ثم اتفقا إذا حدث ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 77]

كذب وإذا وعدا خلف وإذ اؤتمن خان- والله اعلم- روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان فانزل الله تعالى تصديق ذلك. إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الاية- فدخل الأشعث بن قيس فقال ما حدثكم ابو عبد الرحمن فقالوا كذا وكذا فقال فىّ نزلت كانت لى بير فى ارض ابن عم لى فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بينتك او يمينه قلت إذا يحلف عليها يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين صبر وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله يوم القيامة وهو عليه غضبان كذا روى البغوي بسنده من طريق البخاري وفى رواية ابى داود وابن ماجة وغيرهما عن الأشعث بن قيس قال كان بينى وبين رجل من اليهود ارض فجحدنى فقدّمته الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألك بينة قلت لا قال لليهودى احلف قلت يا رسول الله إذا يحلف ويذهب بما لى فانزل الله تعالى هذه الاية وروى البخاري عن عبد الله بن ابى اوفى ان رجلا اقام سلعة وهو فى السوق فحلف بالله لقد اعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت هذه الاية قال الحافظ ابن حجر فى شرح البخاري لا منافاة بين الحديثين بل يحمل ان النزول كان بالسببين جميعا والمعنى ان الذين يشترون بعهد الله فى أداء الامانة وايمانهم الكاذبة ثمنا قليلا يعنى شيئا من متاع الدنيا قليلا كان او كثيرا فانها بالنسبة الى نعماء الجنة قليل جدا- واخرج ابن جرير عن عكرمة ان الاية نزلت فى حيى بن اخطب وكعب بن الأشرف وغيرهما من اليهود الذين يكتمون ما انزل الله فى التورية فى شأن محمد صلى الله عليه وسلم وبدلوه وكتبوه بايديهم غيره وحلفوا انه من عند الله لئلا يفوتهم المأكل والرشى التي كانت لهم من اتباعهم- قال ابن حجر والاية محتملة لكن العمدة فى ذلك ما ثبت فى الصحيح- قلت سياق الكلام يقتضى صحة ما روى ابن جرير عن عكرمة والحديثين المذكورين فى الصحيحين لا ينافيان رواية ابن جرير كما لا يتنافيان لجواز كون اسباب النزول كلها جميعا والله اعلم وعن علقمة بن وائل عن أبيه قال جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة ... ...

الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي يا رسول الله ان هذا غلبنى على ارض لى فقال الكندي هى ارضى وفى يدى ليس له فيها حق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمى ألك بينة قال لا قال فلك يمينه قال يا رسول الله ان الرجل فاجر لا يبالى على ما حلف عليه فليس يتورع من شىء قال ليس لك منه الا ذلك فانطلق ليحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض- رواه مسلم وفى رواية هو امرؤ القيس بن عابس الكندي وخصمه ربيعة بن عبدان- وفى رواية لابى داود انه صلى الله عليه وسلم قال لا يقطع أحد مالا بيمين الا لقى الله وهو اجزم فقال الكندي هى ارضه وقال البغوي روى انه لما هم الكندي ان يحلف نزلت هذه الاية فامتنع امرا القيس ان يحلف وأقر لخصمه ودفعها اليه أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ اى لا نصيب لهم فِي نعيم الْآخِرَةِ عن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال له رجل وان كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال وان كان قضيبا من أراك رواه مسلم- وفى رواية قالها ثلاثا وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ قيل معناه لا يكلمهم الله كلاما يسرهم ولا ينظر إليهم نظر رحمة والصحيح ان هذا كناية عن الغضب والاعراض فكانّ قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث عبد الله والأشعث لقى الله وهو عليه غضبان وفى حديث وائل ليلقين الله وهو عنه معرض تفسير لهذين الجملتين وَلا يُزَكِّيهِمْ اى لا يثنى عليهم والظاهر ان معناه لا يغفر الله ذنبه لانه من حقوق العباد وفيه القصاص لا محالة- عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدواوين ثلاثة فديوان لا يعبا الله به شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا وديوان لا يغفر الله اما الديوان الذي لا يغفر الله فهو الشرك واما الديوان الذي لا يعبا الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم تركه او صلوة تركها واما الديوان الذي لا يترك منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة رواه الحاكم واحمد وروى الطبراني مثله من حديث سلمان وابى هريرة والبزار مثله من حديث انس- وان كان الاية فى اليهود فى كتمان نعت النبي صلى الله عليه وسلم فعدم المغفرة لاجل كفرهم وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77) على ما فعلوه عن ابى ذر ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 78]

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكّيهم ولهم عذاب اليم قال فقراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فقال أبو ذر خابوا وخسروا منهم يا رسول الله قال المسبل إزاره والمنان الذي لا يعطى شيئا الا منة والمنفق سلعته بالحلف الكاذب رواه مسلم واحمد وابو داود والترمذي والنسائي- وعن ابى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لاخذه بكذا وكذا فصدّقه وهو على غير ذلك ورجل بايع اماما لا يبايعه الا للدنيا فان أعطاه منها وفى وان لم يعط منها لم يف- متفق عليه ورواه احمد والاربعة وفى رواية متفق عليها عنه مرفوعا ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم رجل حلف على سلعة لقد اعطى بها اكثر مما اعطى وهو كاذب ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم ورجل منع فضل مائة فيقول الله اليوم أمنعك فضلى كما منعت فضل ما لم يعمل يداك وعن سلمان نحوه بلفظ شيخ زان وعائل مستكبر ورجل جعل الله بضاعته لا يشترى الا بيمينه ولا يبيع الا بيمينه رواه الطبراني والبيهقي وروى الطبراني عن عصمة بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه. وَإِنَّ مِنْهُمْ اى من اهل الكتاب لَفَرِيقاً طائفة وهم كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف وحيى بن اخطب وابو ياسر وسفنة بن عمرو الشاعر يَلْوُونَ اى يصرفون أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ اى متلبسا بقراءة الكتاب عن المنزل الى ما حرفوه لِتَحْسَبُوهُ اى لتظنوا ايها المؤمنون ذلك المحرف المفهوم من قوله تعالى يلون كائنا مِنَ الْكِتابِ المنزل وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ المنزل وَيَقُولُونَ اى اليهود تصريحا هُوَ اى ذلك المحرف كائن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فيه تشنيع عليهم وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تأكيد لما سبق يعنى ما هو من الكتاب وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) انه كذب تأكيد بعد تأكيد وتسجيل عليهم بتعمد الكذب على الله قال الضحاك عن ابن عباس ان الاية نزلت فى اليهود والنصارى جميعا وذلك انهم حرفوا التورية والإنجيل والحقوا بكتاب الله ما ليس منه- اخرج إسحاق وابن جرير ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 79]

وابن المنذر وابن ابى حاتم والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس قال قال ابو رافع القرظي (حين اجتمعت أحبار اليهود والنصارى من اهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم الى الإسلام) أتريد يا محمد ان نعبدك كما تعبد النصارى عيسى قال معاذ الله ان امر بعبادة غير الله ما لذلك بعثني الله ولا بذلك أمرني فانزل الله تعالى ما كان لبشر الى قوله مسلمون- واخرج عبد فى تفسيره عن الحسن قال بلغني ان رجلا قال يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض افلا نسجد لك قال لا ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لاهله فانه لا ينبغى ان يسجد لاحد من دون الله فانزل الله تعالى هذه الاية- وقال مقاتل والضحاك كان نصارى نجران يقولون ان عيسى أمرهم ان يتخذوه ربا فانزل الله تعالى. ما كانَ جائز لِبَشَرٍ يعنى لمحمد ولا لعيسى صلى الله عليهما- والبشر اسم جنس كالانسان ذكرا كان او أنثى واحدا كان او جمعا وقد يثنى كما فى قوله تعالى أنؤمن لبشرين مثلنا ويجمع ابشارا كذا فى القاموس وقال البغوي البشر جميع ابن آدم جمع لا واحد له من لفظه كالقوم والجيش ويوضع موضع الواحد أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ يعنى الحكمة والسنة او إمضاء الحكم وَالنُّبُوَّةَ «1» ثُمَّ يَقُولَ عطف على يؤتى منصوب بان لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ اى من دون توحيد الله- وفيه اشارة الى ان عبادة غير الله تنافى عبادة الله وعبادته منحصر فى توحيده- وان فى محل الرفع على انه اسم كان يعنى ما كان إيتاء الكتاب والنبوة وبعد ذلك القول بعبادة غير الله جائزا لبشر لمنافاة بين النبوة التي هى دعاء الناس الى الايمان بالله وحده وهذا القول الذي هو دعاء الى الشرك وَلكِنْ عطف على يقول بتقدير القول يعنى ولكن يقول كُونُوا رَبَّانِيِّينَ وجاز ان يكون ولكن كونوا معطوفا على مفهوم ما سبق فانه يفهم منه لا تكونوا قائلين للناس كونوا عبادا لى ولكن كونوا ربانيين مبلغين ما أتاكم ربكم- قال على وابن عباس فى تفسير قوله تعالى كونوا ربانيين كونوا فقهاء علماء وقال قتادة حكماء علماء وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس فقهاء معلمين وقال عطاء علماء حلماء نصحا لله فى خلقه وعن سعيد بن جبير الذي يعمل بعلمه وقال ابو عبيد سمعت رجلا عالما يقول الرباني العالم بالحلال والحرام والأمر والنهى العارف بانباء الامة ما كان وما يكون وقيل الربانيون فوق الأحبار والأحبار العلماء والربانيون الذين

_ (1) ترك فى الأصل والنبوة لعله من الناسخ- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة آل عمران (3) : آية 80]

جمعوا بين العلم والبصارة بين الناس وحاصل الأقوال الرباني الكامل المكمل فى العلم والعمل والإخلاص ومراتب القرب سمى بذلك لانهم يربون العلم ويقومون به ويربون المتعلمين لصغار العلوم قبل كبارها وكل من قام بإصلاح شىء وإتمامه فقد ربه يربه وعن على انه يرب علمه بعمله واحده ربان كما يقال ريان وعطشان ثم ضمت اليه ياء النسبة- وقيل هو منسوب الى الرب بزيادة الالف والنون للمبالغة كاللحيانى لعظيم اللحية والرقبانى لعظيم الرقبة وطويلهما إذ لو أريد النسبة الى اللحية والرقبة بدون المبالغة لقيل لحيى ورقبى- قال محمد بن الحنفية يوم مات ابن عباس مات ربانى هذه الامة بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ قرا الكوفيون وابن عامر بالتشديد من التعليم اى يعلمون الناس والباقون بالتخفيف من علم وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) اى تديمون على قراءة الكتاب ويحفظونه وجاز ان يكون معناه تدرسونه على الناس فيكون بمعنى تعلّمون من التعليم- قال فى الصحاح درس الدار معناه بقي اثرها ودرس الكتب والعلم اى تناول اثره بالحفظ- ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبر عن ادامة القراءة بالدرس قال الله تعالى ودرسوا ما فيه وبما كنتم تدرسون يعنى تديمون القراءة وتحفظون وقوله بما كنتم متعلق بقوله كونوا وما مصدرية والمعنى كونوا ربانيين بسبب كونكم عالمين الكتاب ومعلميه الناس دائمين على قراءته وحفظه فان فائدة العلم العمل به وإصلاح نفسه وفائدة التعليم إصلاح غيره وذلك فرع إصلاح نفسه لئلا يخاطب بقوله تعالى لم تقولون ما لا تفعلون وقوله تعالى أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم. وَلا يَأْمُرَكُمْ قرا نافع وابو جعفر- ابو محمد وابن كثير وابو عمرو والكسائي بالرفع على الاستيناف يعنى ولا يأمركم الله وجاز ان يكون حالا من فاعل يقول يعنى يأمركم بعبادة نفسه والحال انه لا يأمركم بل ينهى من أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً وقرا ابن عامر ويعقوب وخلف- ابو محمد وعاصم وحمزة لا يأمركم بالنصب عطفا على قوله ثم يقول ويكون لا مزيدة لتأكيد معنى النفي فى قوله ما كان لبشر ان يؤتيه الله الكتب والحكم والنّبوّة ثم يأمر الناس بعبادة نفسه ويأمر ان يتخذ الملائكة والنبيين أربابا كما فعل قريش والصابئون حيث قالوا الملائكة بنات الله واليهود والنصارى حيث قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله وجاز ان يكون لا غير ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 81]

زائدة والمعنى ليس له ان يأمر بعبادته ولا يأمر بل ينهى باتخاذ اكفائه من الأنبياء والملائكة أربابا أَيَأْمُرُكُمْ استفهام على التعجب والإنكار بِالْكُفْرِ يعنى بعبادة غير الله تعالى بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) بالله تعالى- ان كان الخطاب مع المسلمين المستأذنين السجود للنبى صلى الله عليه وسلم كما رواه الحسن فلا غبار عليه وكذا ان كان رد القول النصارى ان عيسى أمرهم ان يتخذوه ربا لانهم كانوا مسلمين فى زمن عيسى عليه السلام واما على تقدير كونه خطابا لليهود والنصارى القائلين أتريد يا محمد ان نعبدك فتأويله ان هذا الخطاب على سبيل الفرض والتقدير يعنى على تقدير ان تسلموا وتنقاد والأمر محمد صلى الله عليه وسلم أيأمركم حينئذ بالكفر بعد الإسلام-. وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ أراد ان الله أخذ الميثاق من كل نبى ان يؤمن بمن بعده ويأمر أمته ان يتبعوه وهذا معنى قول ابن عباس وقال على بن ابى طالب لم يبعث الله نبيّا آدم ومن بعده الا أخذ عليه العهد فى امر محمد صلى الله عليه وسلم وأخذ العهد على قومه لتؤمنن به ولئن بعث وهم احياء لينصرنه- وقيل معناه أخذ الله ميثاق اهل الكتاب ففى الكلام اما حذف مضاف تقديره أخذ الله ميثاق أولاد النبيّين وهم بنو إسرائيل اهل الكتاب واما سماهم نبيين تهكما لانهم كانوا يقولون نحن اولى بالنبوة من محمد لانا اهل الكتاب والنبيون كانوا منا- واما اضافة الميثاق الى النبيين اضافة الى الفاعل والمعنى إذ أخذ الله الميثاق الذي وثقه النبيون على أممهم ويؤيده قراءة ابن مسعود وابى بن كعب وإذ أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتب والصحيح هو المعنى الاول المنطوق من القراءة المتواترة فاخذ الله الميثاق من موسى ان يؤمن بعيسى ويأمر قومه ان يؤمنوا به ومن عيسى ان يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ويأمر قومه ان يؤمنوا به ومن ثم قال عيسى يبنى اسراءيل انّى رسول الله إليكم مصدّقا لمّا بين يدىّ من التّورية ومبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد والقراءة المتواترة لا ينافى قراءة ابن مسعود لان العهد من المتبوع عهد من التابع لَما آتَيْتُكُمْ قرا حمزة بكسر اللام على انها جارة وما مصدرية اى لاجل ايتائى إياكم بعض الكتاب ثم مجيىء رسول مصدق له أخذ الله الميثاق ... ...

لتؤمنن به ولتنصرنه- او موصولة يعنى اخذه للذى اتيتكموه وجاءكم رسول مصدق له والباقون بفتح اللام توطية للقسم لان أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف وما حينئذ يحتمل ان يكون شرطية ولتؤمنن به ساد مساد جواب القسم وجزاء الشرط جميعا والمعنى أخذ الله ميثاق النبيين واستحلفهم لئن اتيتكم من كتاب ثم جاءكم رسول مصدق له لتومنن به- ويحتمل ان يكون موصولة مبتدا بمعنى الذي وخبره لتؤمنن به يعنى للذى اتيتكم من كتاب ثم جاءكم رسول مصدق له لتؤمنن به قرا نافع وابو جعفر- ابو محمد آتيناكم على التعظيم كما فى قوله تعالى واتينا داود زبورا والآخرون بالإفراد مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ اى سنة او فقه فى الدين ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما للكتاب الذي جاء مَعَكُمْ جملة ثم جاء عطف على الصلة والعائد فيه الى الموصول مظهر وضع موضع المضمر وهو لما معكم تقديره مصدقا له- قيل المراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم خاصة لكونه مبعوثا الى كافة الأنام وهو المستفاد من قول ابن عمرو ما ذكر من قول على- والصحيح عندى ان اللفظ عام ولا دليل على التخصيص ولا شك ان الايمان بجميع الأنبياء والقول بلا نفرّق بين أحد من رسله واجب على جميع الأمم السابقة واللاحقه وقد قال الله تعالى شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحا والّذى أوحينا إليك وما وصّينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه وقول على وابن عباس رضى الله عنهما بتخصيص ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لالزام اهل الكتاب المعاندين فان الكلام معهم انما كان فى امر محمد صلى الله عليه وسلم لا غير وليس المقصود من قولهما نفى الحكم عما عداه وجاز ان يكون تخصيص العهد لمحمد صلى الله عليه وسلم لاظهار فضله وفى قوله تعالى مصدّقا لما معكم اشارة الى ان تكذيبه يستلزم تكذيب ما معكم لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ اى بالرسول وَلَتَنْصُرُنَّهُ بانفسكم ان أدركتموه او بامركم بالنصر لمن أدركه من اتباعكم ان لم تدركوه- قال البغوي حين استخرج الله الذرية من صلب آدم والأنبياء فيهم كالمصابيح والسرج أخذ عليهم الميثاق فى امر محمد صلى الله عليه وسلم قالَ استيناف بيان لاخذ الميثاق كانه قيل كيف أخذ الله الميثاق- او ناصب لاذ اى قال إذ أخذ الله الميثاق وعلى الاول ناصبه إذ كرع أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي اى عهدى استفهام تقرير قالُوا اى الأنبياء أو هم والأمم جميعا يوم الميثاق ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 82]

أَقْرَرْنا قالَ الله للرسل فَاشْهَدُوا على أنفسكم وعلى اتباعكم بالإقرار يوم القيامة وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) عليكم وعليهم وقال سعيد بن المسيب قال الله تعالى لملائكته فاشهدوا عليهم كناية عن غير مذكور . فَمَنْ تَوَلَّى من اتباع الرسل بَعْدَ ذلِكَ الإقرار وهم اليهود والنصارى فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (84) الخارجون من الايمان الى الكفر هذا صريح فى ان الميثاق كان على النبيين والأمم أجمعين واكتفى بذكر المتبوعين عن الاتباع-. أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ معطوف على فاولئك هم الفاسقون والهمزة توسطت للانكار او على محذوف تقديره أيفسقون فغير دين الله يبغون- او تقديره أيتولون فغير دين الله يبغون وتقديم المفعول للتخصيص والإنكار للمخصص تقديره أتخصصون غير دين الله بالطلب وفيه اشارة الى ان طلب دين الله لا يجامع طلب غير دينه- قرا ابو عمرو ويعقوب وحفص عن عاصم يبغون بالياء على الغيبة نظرا الى قوله فاولئك هم الفاسقون والجمهور بالتاء على الخطاب نظرا الى قوله اتيتكم وقيل تقديره قل لهم أفغير دين الله تبغون قال البغوي ادعى كل من اليهود والنصارى انه على دين ابراهيم واختصموا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام كلا الفريقين برىء من دين ابراهيم فغضبوا وقالوا لا نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك فانزل الله تعالى أفغير دين الله يبغون وَلَهُ اى لله أَسْلَمَ اى خضع «1» وانقاد- والجملة حال من الله الواقع فى حيز المفعول مَنْ فِي السَّماواتِ اى الملائكة وَالْأَرْضِ اى الجن والانس طَوْعاً اى طائعين باختيارهم وهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين انقادوا باختيارهم فيما أمروا به من الأوامر التكليفية والافعال الاختيارية ورضوا بقضاء الله سبحانه وأحبوا ما اجرى عليهم محبوبهم من الأوامر التكوينية وَكَرْهاً اى كارهين «2» بالسيف او معاينة

_ (1) اخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى له اسلم من فى السّموت والأرض طوعا قال اما من فى السموات فالملائكة واما من فى الأرض فمن ولد على الإسلام واما كرها فمن اتى به من سبايا الأمم فى السلاسل والاغلال يقادون الى الجنة وهم كارهون- منه رحمه الله (2) قيل هذا يوم الميثاق حين قال الست بربّكم قالوا بلى فقاله بعضهم طوعا وبعضهم كرها وقال قتادة المؤمن اسلم طوعا فنفعه والكافر اسلم كرها فى وقت اليأس فلم ينفعه- وقال الشعبي هو استعاذتهم بالله عن اضطرارهم قال الله تعالى فاذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين- منه رح [.....]

[سورة آل عمران (3) : آية 84]

ما يلجئ الى الإسلام كنتق الجبل وادراك الغرق والاشراف على الموت فى الأوامر التكليفية او مسخرين بلا اختيارهم فى الأوامر التكوينية وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قرا حفص ويعقوب بالياء للغيبة على ان الضمير راجع الى من والجمهور بالتاء للخطاب على نسق تبغون وكذا قرا ابو عمرو مع انه قرا يبغون بالغيبة على طريقة الالتفات او لان الباغين هم المتولون والراجعون جميع «1» الناس-. قُلْ يا محمد آمَنَّا امر رسوله ان يتكلم عن نفسه على طريقة الملوك إجلالا له- أو أمره ان يخبر عن نفسه وعن متابعيه بالايمان وجاز ان يكون الخطاب لكل مخاطب منهم امر كل واحد ان يخبر عن نفسه وإخوانه المؤمنين بالله وحده وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا يعنى القران فان كان الكلام اخبارا عن جميع المؤمنين فنزوله عليهم بتوسط تبليغه النبي صلى الله عليه وسلم إياهم او يقال المنسوب الى واحد من الجمع قد ينسب إليهم والنزول قد يعدى بالى كما فى سورة البقرة لانه ينتهى الى الرسل وقد يعدى بعلى لانه من فوق وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ يعنى الأنبياء من أولاد يعقوب من الكتب والصحف وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى خصهما بالذكر بعد دخولهما فى الأسباط اما لمزيد فضلهما واما لان المنازعة كانت غالبا مع اليهود والنصارى فلدقع توهم مخالفة موسى وعيسى خصهما بالذكر او المراد بما اوتى الوحى الخفي وبما انزل الوحى الجلى- او المراد بما اوتى من المعجزات والفضائل وَالنَّبِيُّونَ كرر فى البقرة ما اوتى ولم يكرر هاهنا لتقدم ذكر الإيتاء حيث قال لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ عند رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ بالتصديق والتكذيب وَنَحْنُ لَهُ اى لله مُسْلِمُونَ (84) منقادون-. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ غير التوحيد والانقياد لحكم الله او المراد غير دين محمد صلى الله عليه وسلم الناسخ لجميع الأديان دِيناً تميز وجاز ان يكون مفعولا ليبتغ وغير الإسلام حالا منه مقدما عليه لتنكيره فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ لانه غيرما امر الله به وارتضاه وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85) لانه معرض عن الإسلام وطالب لغيره فهو فاقد للنفع واقع فى الخسران بابطال الفطرة السليمة قال

_ (1) اخرج البيهقي فى الدعوات عن ابن عباس إذا استصعب دابة أحدكم او كان سموسا فليقرأ هذه الاية فى أذنيها أفغير دين الله يبغون الاية- منه رحمه الله

[سورة آل عمران (3) : آية 86]

البغوي نزلت هذه الاية وما بعدها فى اثنى عشر رجلا ارتدوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة وأتوا مكة كفارا منهم الحارث بن سويد الأنصاري. كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ الى الجنة والثواب استفهام للانكار يعنى لا يهدى الله واستبعاد لهم عن الهداية قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ كما فعل هؤلاء الرجال اثنى عشر وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ عطف على ما فى ايمانهم من معنى الفعل يعنى بعد ان أمنوا وشهدوا- ولك ان تجعل الفعل بمعنى المصدر كما فى قوله تسمع بالمعيدي خير من ان تراه يعنى بعد ايمانهم وشهادتهم وان تقدر زمانا مضافا الى الفعل يعنى بعد ايمانهم وزمان شهدوا- وجاز ان يكون معطوفا على كفروا لان العطف بالواو لا يقتضى الترتيب- وجاز ان يكون الجملة حالا بإضمار قد- وفيه دليل على ان الإقرار باللسان خارج عن حقيقة الايمان وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ اى الدلائل الواضحة كالقران وسائر المعجزات وَاللَّهُ لا يَهْدِي طريق الجنة الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) اى الكافرين. أُولئِكَ مبتدا جَزاؤُهُمْ بدل اشتمال من المبتدا او مبتدا ثان وما بعده خبره والمجموع خبر المبتدا أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ اى غضبه المستلزم لبعده من رحمته وَالْمَلائِكَةِ اى الدعاء منهم بالبعد من الرحمة وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) المراد به المؤمنون منهم او المراد مؤمنهم وكافرهم أجمعين فان الكفار ايضا يلعنون منكرى الحق وان كانوا لا يعرفون الحق بعينه او هم يلعن بعضهم بعضا يوم القيامة قال الله تعالى يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا. خالِدِينَ فِيها اى فى اللعنة او فى النار وان لم يجر ذكرها لدلالة الكلام عليها حال من الضمير فى عليهم لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) اى يمهلون. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ الارتداد وَأَصْلَحُوا عطف تفسيرى على تابوا اى صاروا صالحين اى مسلمين او أصلحوا ايمانهم وأنفسهم إذ أصلحوا ما أفسدوا فى الأرض فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يقبل توبتهم ويغفر ما فرطوا فى حقوق الله تعالى رَحِيمٌ (89) بهم يدخلهم الجنة- روى النسائي وابن حيان والحاكم عن ابن عباس قال كان رجل من الأنصار اسلم ثم ارتد ثم ندم فارسل الى قومه ان أرسلوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لى توبة ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 90]

فنزلت قوله تعالى كيف يهدى الى قوله فانّ الله غفور رحيم فارسل اليه قومه فاسلم- واخرج ابن المنذر فى مسنده وعبد الرزاق عن مجاهد قال جاء الحارث بن سويد فاسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم كفر فرجع الى قومه فانزل الله فيه القران كيف يهدى الله قوما كفروا الى قوله رحيم فحملها اليه رجل من قومه فقراها عليه فقال الحارث انك والله ما علمت لصدوق وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صدق منك وان الله لا صدق الثلاثة فرجع فاسلم فحسن إسلامه-. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً قال قتادة والحسن نزلت فى اليهود كفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل بعد ايمانهم بموسى والتورية ثمّ ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقران- وقال ابو العالية نزلت فى اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لما رواه بعد ايمانهم بنعته وصفته فى كتبهم ثمّ ازدادوا كفرا اى ذنوبا فى حال كفرهم- وقال مجاهد نزلت فى الكفار أجمعين أشركوا بعد إقرارهم بان الله تعالى خالقهم ثمّ ازدادوا كفرا اى أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه وقال الحسن كلما نزلت اية كفروا به فازدادوا كفرا- وقال الكلبي نزلت فى اصحاب الحارث بن سويد لما رجع الحارث الى الإسلام اقام بقيتهم على الكفر بمكة- وقال بعض الأفاضل المراد بالّذين كفروا ثمّ ازدادوا كفرا المنافقون فان كفرهم زائد على كفر المجاهدين بالكفر لانهم احتملوا مشقة إخفاء الكفر ومشقة الصلاة والصوم مع كمال كراهتهم وهذا نهاية محبة الكفر لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ان كان المراد بالّذين كفروا ما قالوا صاحب الأقوال المتقدمة فمعناه لن تقبل توبتهم من الذنوب ما داموا على الكفر لكن توبتهم من الكفر مقبولة ما لم يغر غرفانه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فمن دخل من اصحاب الحارث بن سويد فى الإسلام قبلت توبته وان كان المراد به المنافقون على ما قال بعض الأفاضل فمعناه لن تقبل توبتهم باللسان مع إصرارهم على الكفر بالجنان وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) عن سبيل الحق. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَلم يتوبوا من الكفر حتى ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ يوم القيامة- ادخل الفاء فى خبر ان شبه الذين بالشرط وإيذانا بكون الموت على الكفر سببا لعدم القبول مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ اى قدر ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 92]

ما يملؤها ذَهَباً منصوب على التميز يعنى لن يقبل منه ملء الأرض ذهبا فرضنا انه تصدق به فى الدنيا وعدم قبول ما دونها يعلم منه بالطريق الاولى فان الايمان شرط لقبول الصدقات والعبادات بل العبادة لا يكون عبادة الا بالنية المترتبة على الايمان والإخلاص وَلَوِ افْتَدى بِهِ اى يملا الأرض ذهبا فى الاخرة فرضا لا يقبل منه ايضا وجاز ان يكون معناه لن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا يفتدى به من عذاب يوم القيامة ولو افتدى بمثله معه كقوله تعالى ولو انّ للّذين ظلموا ما فى الأرض جميعا ومثله معه- والمثل يحذف ويراد كثير الان المثلين فى حكم شىء واحد- وقيل الواو فى ولو افتدى به زائدة مقحمة والمعنى لا يقبل منه ملء الأرض ذهبا لو افتدى به وكون لو هاهنا للوصل لا يستقيم لانه يقتضى كون نقيض الشرط اولى بالجزاء فيكون تقديره لن يقبل من أحدهم ملء الأرض لو لم يفتد به ولو افتدى به كما فى قوله تعالى يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار يعنى يضىء لو مسه النار ولو لم تمسسه وقد يوجه بان المراد من قوله لا يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لا يقبل منه فدية أصلا لان غاية ان يفتدى ملء الأرض ذهبا وذلك لا يقبل منه فكيف ما هو اقل منه فالمعنى لا يقبل منه فدية أصلا لو لم يفتد بملا الأرض بل باقل منه ولو افتدى به أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ مبالغة فى التحذير واقناط لان من لا يقبل منه الفداء قلّما يعفى تكرما وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (91) فى دفع العذاب ومن مزيدة للاستغراق عن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى لاهون اهل النار عذابا يوم القيامة لو ان لك ما فى الأرض من شىء أكنت تفتدى به فيقول نعم فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت فى صلب آدم ان لا تشرك بي شيئا فابيت الا ان تشرك بي- متفق عليه. لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ فى القاموس البر الصلة والجنة والخير والاتساع فى الإحسان والصدق والطاعة- قلت البر المضاف الى العبد الطاعة والصدق والاتساع فى الإحسان وضده الفجور والعقوق والبر المضاف الى الله الرضاء والرحمة والجنة وضده الغضب ... ...

والعذاب فقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد المراد هاهنا الجنة وقال مقاتل بن حبان التقوى وقيل الطاعة وقيل الخير وقال الحسن لن تكونوا أبرارا يعنى كثير الخير والمتسع فى الإحسان والطاعة- قال البيضاوي لن تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير او لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضاء والجنة- فاللام على الاول للجنس وعلى الثاني للعهد- عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالصدق فان الصدق يهدى الى البر والبر يهدى الى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فان الكذب يهدى الى الفجور والفجور يهدى الى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا رواه مسلم واحمد والترمذي- وعن ابى بكر الصديق مرفوعا عليكم بالصدق فانه مع البر وهما فى الجنة وإياكم والكذب فانه مع الفجور وهما فى النار الحديث رواه احمد وابن ماجة والبخاري فى الأدب حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ 5 كلمة من للتبعيض والمراد بما تحبون اصناف المال كلها فان الناس يحبونها ويؤثرونها ويميل اليه القلوب فمن لم ينفق شيئا من الأموال حتى الزكوة المفروضة ما نال البر بل كان فاجرا- فبهذه الاية ثبت فرضية انفاق البعض من كل صنف من المال وثبت انه من كان عنده مال طيب ومال خبيث لا يجوز له الانفاق من الخبيث بدلا من الطيب نظيره قوله تعالى يايّها الّذين أمنوا أنفقوا من طيّبت ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه الّا ان تغمضوا فيه والقدر القليل جدا لا يجزى عن الواجب اجماعا ولان عنوان الاحبية لا يقتضى ذلك- فالاية مجملة فى مقدار الواجب من كل مال والتحق الأحاديث الواردة فى مقادير الزكوة بيانا لها بقي الكلام فى ان الاية تدل على وجوب الزكوة فى كل مال ناميا كان او لا بالغا قدر النصاب او لا فاضلا عن الحاجة الاصلية او لا حال عليه الحول او لا لكن ثبت بالآيات والأحاديث (مثل قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ- وقوله عليه الصلاة والسلام ليس فى العوامل ولا الحوامل ولا العلوفة صدقة- وقوله عليه الصلاة والسلام فى جواب من قال هل علىّ غيرها قال «1» لا الا ان تطوع وقوله عليه الصلاة

_ (1) فى الأصل لا بغير قال-

والسلام لا صدقة الا عن ظهر غنى وغير ذلك-) انه لا زكوة الّا فى السوائم او النقدين او عروض التجارة إذا بلغت نصابا وحال عليه الحول والا فى الزرع والثمار وانعقد عليه الإجماع- فقلنا ان هذه الاية مخصوصة بالبعض- فالمراد بالآية الزكوة كذا روى الضحاك عن ابن عباس وقال مجاهد والكلبي هذه الاية نسختها اية الزكوة وليس هذا القول بشىء لجواز حملها على الزكوة كما سمعت فكيف يجوز القول بالنسخ- ولو كان المراد هاهنا وجوب الانفاق من أحب الأموال كما قيل فذلك لا يقتضى عدم الوجوب فى غير ذلك الأموال ولا على وجوب مقدار سوى مقدار الزكوة فكيف يتصور النسخ على ان هذه الاية مدنية وآيات الزكوة مكيات والله اعلم وفى تعبير الأموال بما تحبون اشارة الى ان كلما كان من الأموال أحب كان إنفاقه فى سبيل أفضل وبدلالة النص يثبت ان الواجب وان كان انفاق البعض لكن من أنفق كل ما هو أحب اليه من الأموال كان ابر الناس وأطوع والله اعلم- وقال الحسن كل انفاق يبتغى به المسلم وجه الله تعالى حتى التمرة ينال به هذا البر ومقتضى قول الحسن ان الانفاق هاهنا يشتمل الانفاق الواجب والمستحب غير ان نفى البر واطلاق الفجور لا يجوز الا عند فقد الانفاق مطلقا حتى الزكوة المفروضة- وقال عطاء لن تنالوا البر يعنى شرف الدين والتقوى حتى تنتصدقوا وأنتم أصحاء أشحاء عن انس بن مالك قال كان ابو طلحة اكثر الأنصار بالمدينة مالا وكان أحب أمواله اليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال انس فلما نزلت لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون قام ابو طلحة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان الله تعالى يقول فى كتابه لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون وان أحب أموالي الىّ بيرحاء وانها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت فيها انى ارى ان تجعلها فى الأقربين فقال ابو طلحة افعل يا رسول الله فقسمها ابو طلحة فى أقاربه وبنى عمه- متفق عليه وجاء زيد بن الحارثة بفرس كان يحبه فقال هذا فى سبيل الله فحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اسامة بن زيد فقال زيد انما أردت ان أتصدق به فقال ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 93]

صلى الله عليه وسلم ان الله قد قبله منك أخرجه ابن المنذر عن محمد بن المنكدر مرسلا وفيه ان الفرس يقال له سبيل- ورواه ابن جرير عن عمر بن دينار مرسلا وعن ابى أيوب السجستاني معضلا قال البغوي روى عن مجاهد قال كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه الى ابى موسى الأشعري ان يبتاع له جارية من سبى جلولا يوم فتحت فدعا بها فاعجبته فقال ان الله عز وجل يقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فاعتقها عمر- وعن حمزة بن عبد الله بن عمر قال خطرت على قلب عبد الله بن عمر هذه الاية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قال ابن عمر فذكرت ما أعطاني الله عز وجل فما كان اعجب حينئذ شىء الىّ من فلانة هى حرة لوجه الله تعالى وقال لولا انى أعود فى شىء جعلته لله لنكحتها هذه الأحاديث والآثار تدل على ان الانفاق كما يطلق على التصدق يطلق على الاعادة والاقراض والاعتاق ونحو ذلك مما يبتغى به وجه الله ايضا وعلى ان الأفضل الانفاق على اقرب الأقارب وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ محبوب او غيره ومن لبيان ما فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) يعنى ان الله يجازيه على حسب العمل والنية ذكر السبب اعنى العلم موضع المسبب اعنى الجزاء او الثواب للدلالة على ان علم الكريم بإحسان عبده موجب للجزاء والثواب لا محالة وفيه غاية المبالغة فى علمه تعالى حيث لم يقل وما أنفقتم بصيغة الماضي وذكر صيغة المستقبل للدلالة على انه تعالى عالم به قبل إنفاقه صغيرا كان الانفاق او كبيرا- وفيه اشارة الى انه تعالى غنى عن إبداء الانفاق وتحريض على الإخفاء- قال البغوي قالت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم انك تزعم انك على ملة ابراهيم وكان ابراهيم لا يأكل لحوم الإبل وألبانها وأنت تأكلها فلست أنت على ملته فقال النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك حلالا لابراهيم فقالوا كلّ ما نحرّمه اليوم كان ذلك حراما على نوح وابراهيم حتى انتهى إلينا وكانوا ينكرون نسخ الاحكام فانزل الله تعالى. لتكذيبهم كُلُّ الطَّعامِ مصدر بمعنى المفعول معناه تناول الغذاء والمراد هاهنا الغذاء واللام للعهد يعنى كل مطعوم من الطيبات التي حرم فى التورية بظلم من الذين هادوا فلا يشتمل ذلك الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك من الخبائث كالسباع ونحوها كانَ حِلًّا مصدر يقال حل الشيء حلّا نعت به فيستوى فيه المذكر والمؤنث والجمع والواحد ... ...

قال الله تعالى لاهنّ حلّ لهم يعنى كان ذلك المطعومات حلالا لِبَنِي إِسْرائِيلَ اى لاولاد يعقوب كما كان حلالا على يعقوب وأبويه ابراهيم وإسحاق إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ يعنى يعقوب عَلى نَفْسِهِ وهى لحوم الإبل وألبانها وذلك لانه كان به عرق النساء فنذر ان شفى الله له لم يأكل أحب الطعام اليه وكان ذلك أحبه اليه أخرجه احمد والحاكم وغيرهما عن ابن عباس مرفوعا بسند صحيح- وكذا ذكر البغوي عن ابى العالية وعطاء ومقاتل والكلبي وذكر البغوي رواية جويبر عن ابن عباس انه لما أصاب يعقوب عرق النساء وصف له الأطباء ان يجتنب لحمان الإبل فحرمها يعقوب على نفسه وقال البغوي قال الحسن حرم إسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبد الله عز وجل فسال ربه ان يجيز ذلك له فحرمه الله على ولده وقال عطية انما كان ذلك محرما عليهم بتحريم إسرائيل فانه كان قد قال ان عافانى الله لم يأكله ولد لى ولم يكن محرما عليهم من الله تعالى مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ الظرف لا يجوز ان يتعلق بحرم إسرائيل كما هو الظاهر إذ لا فائدة حينئذ فى التقييد فان تحريم إسرائيل لا يتصور بعد نزول التورية ولو جعل متعلقا بكان حلا لزم قصر الصفة قبل تمامها فهو متعلق بمحذوف دل عليه ما سبق وهو كانه فى جواب متى كان حلّا وتقديره كان حلّا من قبل ان تنزّل التّورية فلما نزّل التورية حرم عليهم الطيبات بظلمهم قال الله تعالى فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وقال وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وقال الكلبي كانت بنوا إسرائيل إذا أصابوا ذنبا عظيما حرم الله عليهم طعاما طيبا اوصب عليهم رجزا وهو الموت- وقال الضحاك لم يكن شىء من ذلك حراما عليهم ولا حرمه الله فى التورية وانما حرموه على أنفسهم اتباعا لابيهم ثم أضافوا تحريمه الى الله عز وجل فكذبهم الله- وهذا ليس بشىء حيث قال الله تعالى حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وقال حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما لما فى الصحيحين انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 94]

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) امر الله سبحانه رسوله بمحاجتهم بكتابه وتبكيتهم بما فيه من انه قد حرم عليهم بظلمهم ما لم يكن محرما قبل ذلك فبهتوا ولم يأتوا بالتورية- وفيه دليل على نبوته صلى الله عليه وسلم وكونه على ملة ابراهيم عليه السلام ورد على اليهود فى منع النسخ. فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وقال ان الله حرم ذلك على نوح وابراهيم مِنْ بَعْدِ ذلِكَ اى من بعد لزوم الحجة عليهم بالتورية فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الذين يكابرون الحق بعد الوضوح-. قُلْ يا محمد صَدَقَ اللَّهُ فى قوله انّ اولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبىّ والّذين أمنوا وكذب اليهود والنصارى فى ادعائهم انهم على دين ابراهيم وانه كان هودا او نصارى فَاتَّبِعُوا يا هؤلاء الذين يبتغون دين ابراهيم مِلَّةَ إِبْراهِيمَ يعنى الإسلام دين محمد وأمته فانه هو ملة ابراهيم اما بناء لكمال مشابهته به او لانه هو ملته فى زمنه- ولم يقل فاتّبعوا ابراهيم لان الواجب اتباع هذا الدين من حيث انه يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم لا من حيث انه يتبع ابراهيم إذ لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم مثل أنبياء بنى إسرائيل الذين بعثوا لتبليغ شريعة موسى عليه السلام- والملة كالدين اسم لما شرع الله لعباده على لسان الأنبياء ليتوصلوا بها الى مدارج القرب وصلاح الدارين والفرق بينه وبين الدين ان الملة لا يضاف الا الى النبي الذي يسند اليه ولا يضاف الى الله ولا الى احاد الامة ولا يستعمل الا فى جملة الشرائع دون احاده فلا يقال ملة الله ولا ملتى ولا ملة زيد ولا يقال للصلوة ملة الله كما يقال دين الله- واصل الملة من أمللت الكتاب كذا فى الصحاح حَنِيفاً حال من ابراهيم اى مائلا من الأديان الباطلة الى الدين الحق- والاولى ان يقال مائلا من الافراط والتفريط الى الاعتدال فانه كان فى دين اليهود الافراط والشدة وفى دين النصارى التفريط وَما كانَ ابراهيم مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) تعريض على اليهود والنصارى فانهم كانوا يشركون ومع ذلك كانوا يدعون انهم على دين ابراهيم قال البغوي قالت اليهود للمسلمين بيت المقدس قبلتنا أفضل من الكعبة واقدم وهو مهاجر الأنبياء وقال المسلمون بل الكعبة أفضل فانزل الله تعالى. إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ ... ...

وُضِعَ لِلنَّاسِ اى وضعه الله تعالى لهم قبلة- وقيل وضع للناس يحج اليه- وقال الحسن والكلبي معناه ان أول مسجد ومعبد «1» وضع للناس يعبد الله فيه كما قال الله تعالى فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ يعنى المساجد لَلَّذِي اى للبيت الذي بِبَكَّةَ قيل هى مكة نفسها والعرب يعاقب بين الباء والميم يقال نميط ونبيط ولازم ولازب وراتب وراتم وقيل بكة بالباء موضع البيت او هو مع المطاف ومكة بالميم اسم البلد سميت بكة لان الناس يتباكون فيها اى يزدحمون- وقال عبد الله بن زبير لانها تبك أعناق الجبابرة اى يدقها فلم يقصده جبار بسوء الا قصمه الله كاصحاب الفيل واما مكة سميت بها لقلة الماء واختلف العلماء فى معنى أوليته فقال ابن عمرو مجاهد وقتادة والسدى هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض خلقه الله قبل الأرض بألفي عام وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحته- وقيل هو أول بيت بنى فى الأرض روى عن على بن الحسين عليه وعلى ابائه السلام ان الله وضع تحت العرش بيتا وهو البيت المعمور فامر الملائكة ان يطوفوا به ثم امر الملائكة الذين هم سكان الأرض ان يبنوا فى الأرض بيتا على مثاله وقدره فبنوه وسموه الصراح وامر من فى الأرض ان يطوفوا به كما يطوف اهل السماء بالبيت المعمور وروى ان الملائكة بنوه قبل خلق آدم بألفي عام فكانوا يحجونه فلما حجه آدم قالت الملائكة برّ حجك حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام- ويروى عن ابن عباس قال أراد به انه أول بيت بناه آدم فى الأرض أخرجه الارزقى فى تاريخ مكة وفى الصحيحين عن ابى ذر قلت يا رسول الله اىّ مسجد وضع فى الأرض اولا قال المسجد الحرام قلت ثم اىّ قال المسجد الأقصى قلت كم كان بينهما قال أربعون سنة- ثم أينما أدركتك الصلاة فصلها فان الفضل فيه وقيل هو أول بيت بناه آدم فرفع زمن الطوفان- وقيل انطمس فى الطوفان ثم بناه ابراهيم قيل ثم هدم فبناه قوم من جرهم ثم العمالقة ثم قريش اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي انه لما بنى ابراهيم البيت بعد ما رفع زمن الطوفان بوّاه الله مكان البيت فبعث ريحا يقال لها ريح الخجوج لها جناحان ورأس فى صورة حية فكنست لها ما حول الكعبة عن أساس البيت الاول فبناه على الأساس القديم- وقيل المراد انه أول بالشرف دون الزمان

_ (1) فى الأصل متعبد-

[سورة آل عمران (3) : آية 97]

يروى ذلك عن على عليه السلام- قال الضحاك أول بيت وضعت فيه البركة حيث قال الله تعالى مُبارَكاً منصوب على الحال اى ذا بركة وكثرة فى الاجر والثواب فان بعض العبادات يختص به كالحج والهدايا والعمرة وما عداها من الصلاة والصوم والاعتكاف يكثر أجرها فيه من سائر الامكنة- ومن ثم قال ابو يوسف رحمه الله من نذر ان يصلى فى المسجد الحرام ركعتين لا يجزئ عنه ان يصلى فى غيره لحديث انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة الرجل فى بيته بصلوة وصلاته فى مسجد «1» القبائل بخمس وعشرين صلوة وصلاته فى المسجد الذي يجمع فيه بخمس مائة صلوة وصلاته فى المسجد الأقصى بألف صلوة وصلاته فى مسجدى بخمسين الف صلوة وصلاته فى المسجد الحرام بمائة الف صلوة- رواه ابن ماجة- وروى الطحاوي عن عطاء بن الزبير قال صلوة فى مسجدى هذا أفضل من الف صلوة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام وصلوة فى المسجد الحرام أفضل من مائة صلوة فى هذا- وروى عن عبد الله بن الزبير عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه مثله ولم يرفعه- وروى نحوه عن جابر بن عبد الله مرفوعا- وروى ابن الجوزي عن جابر مرفوعا بلفظ وصلوة فى المسجد الحرام أفضل من مائة الف صلوة لكن ابو حنيفة ومحمد رحمهما الله يقولان هذا لفضل محمول على الصلوات المكتوبات خاصة دون النوافل لحديث زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة صلوة المرء فى بيته الا المكتوبة متفق عليه- قلت والاعتكاف فى حكم الصلوات المكتوبات لانه تربص فى المسجد لانتظار الصلوات المكتوبات فكانه فيها- وروى ابن الجوزي فى فضائل مكة عن عبد الله بن عدى بن الحمراء انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحرورة فى سوق مكة والله انك لخير ارض الله وأحب ارض الله الى الله عز وجل ولولا انى أخرجت منك ما خرجت وكذا روى ابن الجوزي من حديث ابى هريرة مرفوعا وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (92) لانه قبلتهم وفيه آيات عجيبة تهدى الى الايمان بالله ورسوله عطف على مبركا-. فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ منها ان الطير تطير فلا تعلوا فوقه- ومنها ان الجارحة تقصد صيدا خارج الحرم فاذا دخلت الصيد فى الحرم كفت عنه ومنها مَقامُ إِبْراهِيمَ

_ (1) فى الأصل فى المسجد القبائل

مبتدا محذوف خبره او بدل من آيات بدل البعض من الكل وهو الحجر الذي قام عليه ابراهيم لبناء البيت حين ارتفع البناء وكان فيه اثر قدميه فاندرس من كثرة المسح بالأيدي فاثر الصخرة الصماء وغوصهما فيها الى الكعبين- وتخصيصها بهذه الاية «1» من بين الصخار وبقاؤه دون اثار سائر الأنبياء وحفظه مع كثرة أعدائه ألوف سنة كل ذلك اية- ومن ثم قيل ان مقام ابراهيم عطف بيان للايات وقيل أراد بمقام ابراهيم جميع الحرم وَمَنْ دَخَلَهُ اى الحرم كانَ آمِناً من القتل والنهب جملة ابتدائية او شرطية معطوفة من حيث المعنى على مقام ابراهيم يعنى آيات بينات منها مقام ابراهيم ومنها الامن لمن دخل الحرم فان العرب فى الجاهلية كانت تقتل بعضهم بعضا وتغير بعضهم على بعض ومن دخل الحرم لا يتعرضونه كذا قال الحسن وقتادة واكثر المفسرين نظيره قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ- وقال ابو حنيفة رحمه الله معناه من دخله كان أمنا لا يجوز قتله- فمن وجب عليه القتل «2» قصاصا او حدا خارج الحرم فالتجا الى الحرم لا يستوفى منه لكنه لا يطعم ولا يبائع ولا يشارى حتى يخرج فيقتل كذا قال ابن عباس وقال الشافعي وغيره يستوفى منه القصاص وان دخل فيه واما إذا ارتكب الجريمة فى الحرم يستوفى منه عقوبته اتفاقا ومر فى تفسير قوله تعالى وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ انه لا يجوز فى الحرم البداية فى القتال مع الكفار ايضا فلو غلب الكافرون ودخلوا الحرم والعياذ بالله أخرجهم بالأيدي او ضربهم بالسياط ونحوها او حاصرهم وحبس عنهم الطعام والشراب حتى يخرجوا عن الحرم فيقاتلهم او يبتدءون بالقتال فيقاتلهم ثمه- فهذه الاية خبر بمعنى الأمر يعنى من دخله فامّنوه كقوله تعالى فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ يعنى لا ترفثوا ولا تفسقوا- وقيل معناه من دخله معظما له متقربا الى الله عز وجل كان أمنا يوم القيامة من العذاب- اخرج ابو داود الطيالسي فى مسنده والبيهقي فى شعب الايمان من حديث انس والطبراني فى الكبير والبيهقي فى الشعب من حديث سلمان والطبراني فى الأوسط من حديث جابر والدارقطني فى سننه من حديث حاطب انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات فى أحد الحرمين

_ (1) فى الأصل الا لاية (2) فى الأصل قتل-

بعث يوم القيامة أمنا من النار- واخرج الحارث بن ابى اسامة فى مسنده عن سالم بن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابعث يوم القيامة بين ابى بكر وعمر ثم اذهب الى اهل بقيع الغرقد فيبعثون معى ثم انظر الى اهل مكة حتى يأتونى فابعث بين اهل الحرمين- واخرج ابو نعيم فى دلائل النبوة عن سالم عن أبيه موصولا واخرج الخطيب عن ملك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احشر يوم القيامة بين ابى بكر وعمر حتى اقف بين الحرمين فيأتى اهل المدينة واهل مكة وَلِلَّهِ اى استقر له وافترض عَلَى النَّاسِ المراد بالناس الأحرار العقلاء البالغون فلا يجب الحج على المجانين والصبيان لعدم اهليتهم للخطاب ولا على العبيد بالإجماع فلو حج الكافر او الصبى العاقل او العبد ثم اسلم الكافر وبلغ الصبى وأعتق العبد يجب عليه حجة الإسلام ثانيا بالإجماع وسند الإجماع حديث ابن عباس ايّما صبى حج ثم بلغ الحنث فعليه ان يحج حجة اخرى وأيما أعرابيّ حج ثم هاجر فعليه ان يحج حجة اخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة اخرى رواه الحاكم والمراد بالأعرابي الذي لم يهاجر من لم يسلم فان مشركى العرب كانوا يحجون قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ورواه ابن ابى شيبة فذكر نحوه وروى ابو داود مرسلا عن محمد بن كعب القرظي وفى الباب عن جابر وسنده ضعيف وهذه الأحاديث تلقته الامة بالقبول وانعقد على مقتضاه الإجماع فجاز به تخصيص الكتاب حِجُّ الْبَيْتِ قرا ابو جعفر وحمزة وخلف- ابو محمد والكسائي وحفص بكسر حاء حجّ البيت فى هذا الحرف خاصة والباقون بالفتح والكسر لغة نجد والفتح لغة اهل الحجاز وهما لغتان فصيحتان ومعناهما واحد وفى المدارك ان بالكسر اسم وبالفتح مصدر- والحج فى اللغة القصد والمراد هاهنا عبادة مخصوصة فيها إجمال التحق بيانه بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالآيات مثل قوله تعالى ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وقوله تعالى وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ونحو ذلك (مسئلة) اجمع الامة على ان الحج أحد اركان الإسلام فرض على الأعيان عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى الإسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وإيتاء الزكوة والحج وصوم رمضان متفق عليه وفى الباب أحاديث كثيرة «1» مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ اى الى البيت سَبِيلًا الموصول بدل من الناس

_ (1) عن عمرانه قال لو ترك الناس الحج لقاتلتهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة- الزكوة- منه رحمه الله

بدل البعض خصص له فلا يجب الحج على غير المستطيع والسبيل الطريق منصوب على المفعولية واليه حال منه مقدم عليه والمراد به الذهاب على طريقة جرى النهر يعنى من استطاع ذهابا الى البيت ولاجل قصر الحكم على المستطيع اجمع العلماء على انه يشترط لوجوب الحج ان يكون الطريق أمنا والمنازل الماهولة معمورة يوجد فيه الزاد والماء وعند فوات الا من لا يجب الحج وكون البحر «1» بينه وبين مكة إذا كانت السلامة غالبة لا يمنع وجوب الحج عندهم خلافا لاحد قول الشافعي وكذلك يشترط عند ابى حنيفة ومالك الصحة فلا يجب عندهما على الضعيف والزمن وان كان له مال يمكن ان يستنيب من يحج عنه لانه غير مستطيع بنفسه والحج عبادة بدنية والمقصود من العبادات البدنية اتعاب النفس فلا يحصل مقصوده بالاستنابة وقال الشافعي واحمد هو مستطيع بماله قال البغوي يقال فى العرف فلان مستطيع لبناء داروان كان لا يفعله بنفسه وانما يفعله بماله وباعوانه- قلنا هو غير مستطيع على الحج الذي هو عبارة عن اركان مخصوصة وانما هو مستطيع على الانفاق والمقصود فى البناء ليس إتيانه بنفسه بخلاف العبادات البدنية فلا يجرى فيه ذلك العرف واحتج الشافعي واحمد بحديث ابن عباس رضى الله عنهما قال كان الفضل ردف النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت امراة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر اليه وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل الى الشق الاخر فقالت يا رسول الله ان فريضة الله على عباده فى الحج أدركت ابى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يمسك على الرحل أفأحج عنه قال نعم وفى رواية لا يستطيع ان يستوى على الراحلة فهل تقضى عنه ان أحج عنه قال نعم وذلك فى حجة الوداع- متفق عليه والجواب انه حديث احاد لا يجوز به نسخ الكتاب المقتضى لاشتراط الاستطاعة وقد قيل فى الجواب ان معناه فريضة الله على عباده فى الحج الذي وقع بشرط الاستطاعة صادف ابى بصفة عدم الاستطاعة افاحج عنه اى هل يجوز لى ذلك او هل فيه اجر ومنفعة له فقال نعم وتعقب بان فى بعض ألفاظه والحج مكتوب عليه ونحوه وأجيب بانه لو صح تلك الألفاظ فهو ظن من امراة ظنت ظنا وتعقب بان النبي صلى الله عليه وسلم أجابها عن سوالها ولو كان ظنها

_ (1) وفى فتاوى قاضيخان مذهب ابى حنيفة انه لو كان بينه وبين مكة بحر فهو مخوف الطريق يعنى لا يفترض عليه الحج وجيحون وسيحون والدجلة والفرات انهار وليست ببحار- منه رحمه الله

غلطا لبينه لها وأجيب بانه انما أجابها عن سوالها افاحج عنه فقال حجى عنه لما راى من حرصها على إيصال الخير والثواب لابيها ويؤيده ما رواه عبد الرزاق من حديث ابن عباس فزاد فى الحديث حجى عن أبيك فان لم تزده خيرا لم تزده شرا- لكن جزم الحفاظ بانها رواية شاذة والاولى ان يحمل الحديث على من استقر فى ذمته صحيحا ثم طرا عليه ضعف وزمانة فانه لا يسقط عنه الحج بل يجب عليه ان يحج عنه غيره من ماله ما دام حيّا او يوصى به عند موته وإذا مات ولم يحج يحج عنه وارثه او يحج عنه أجنبيا من ماله ان شاء فالحج عن الغير قضاء بمثل غير معقول ثبت بهذا الحديث كما ثبت الفدية عن الصوم فى حق الشيخ الفاني بنص الكتاب- وافتراض الحج كان عام الحديبة سنه بقوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ وهذه قصة حجة الوداع فلعل أباه ضعف فى تلك السنين بعد الوجوب والله اعلم وكذا يشترط البصارة عند ابى حنيفة فلا يجب الحج على الأعمى وان وجد قائدا لأنه غير مستطيع بنفسه والاستطاعة بالغير غير معتبر عنده وقال ابو يوسف ومحمد والجمهور الأعمى إذا وجد قائدا يجب عليه الحج وكذا الخلاف فى وجوب الجمعة على الأعمى ولاجل اشتراط الاستطاعة يشترط عند ابى حنيفة فى حق المرأة ان يكون معها زوجها او ذو محرم منها إذا كان بينها وبين مكة ثلاثة مراحل وقال احمد يشترط ذلك مطلقا طال المسافة او قصرت فان لم يكن لها رجل كذلك او كان ولا يخرج معها او كان لا يخرج معها الا بأجرة وهى لا تقدر على الاجرة لا يجب عليها الحج وذلك لانها ممنوعة عن السفر الا ومعها زوجها او ذو محرم منها والمهجور شرعا كالمهجور عادة فصارت غير مستطيعة- وجه قول ابى حنيفة فى اشتراط مسافة ثلاثة ايام حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر المرأة ثلاثا الا معها ذو محرم- متفق عليه وفى رواية لمسلم لا يحل لامراة تؤمن بالله واليوم الاخر تسافر مسيرة ثلاث «1» ليال الا ومعها ذو محرم- وفى رواية فوق ثلاث وفى الباب مقيدا بثلاثة ايام حديث ابى هريرة رواه مسلم والطحاوي- وفى رواية للطحاوى فوق ثلاث ليال- وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ ثلاثة ايام رواه الطحاوي- وحديث ابى سعيد الخدري رواه مسلم والطحاوي بلفظ ثلاثة ايام فصاعدا- وفى رواية لمسلم بلفظ فوق ثلاث وبلفظ اكثر من ثلاث- وقال احمد التقييد بالثلاث او اكثر من

_ (1) فى الأصل ثلاثة

الثلاث اتفاقي مع ان المفهوم غير معتبر عند ابى حنيفة فكيف يستدل به على اباحة السفر فيما دون ذلك ولو كان احترازيا لتعارض رواية ثلاث برواية فوق ثلاث ووجه قول احمد فى المنع فى ما دون الثلاث انه وقع فى الصحيحين حديث ابى هريرة بلفظ مسيرة يوم وليلة وفى رواية لمسلم مسيرة يوم وفى لفظ له مسيرة ليلة وفى حديث ابى سعيد الخدري عند مسلم وغيره مسيرة يومين وعند الطحاوي مسيرة ليلتين وفى حديث ابى هريرة عند ابى داود والطحاوي لا تسافر المرأة بريدا الا مع زوج او ذى رحم محرم ورواه ابن حبان فى صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم- وللطبرانى فى معجمه ثلاثة أميال فظهران التقييد بيوم او يومين او ثلاثة ايام ليس الا تمثيلا لاقل الاعداد واليوم الواحد أول العدد واقله والبريد مرحلة واحدة غالبا والاثنان أول الكثير واقله والثلاث أول الجمع واقله وقد ورد من الأحاديث بلا تقييد منها حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة الا مع ذى محرم ولا يدخل عليها رجل الا ومعها محرم فقال رجل يا رسول الله انى أريد ان اخرج فى جيش كذا وكذا وامراتى تريد الحج قال اخرج معها- متفق عليه- وفى الباب حديث ابى سعيد الخدري وابى هريرة- وقال الشافعي جاز للمرءة ان تخرج للحج مع نساء ثقات وفى رواية مع امراة واحدة ثقة وإذا خرجت مع نساء ثقات يشترط ان يكون مع إحداهن ذو محرمها- وفى المنهاج انه لا يشترط ذلك وفى رواية عن الشافعي جاز لها الخروج من غير نساء وقال مالك لتخرج للحج جماعة من النساء ان كان الطريق أمنا والحجة عليهما ما روينا- والمراد بالاستطاعة الاستطاعة على سفر معتاد بحيث لا يلحقه حرج ومن ثم يشترط عند الجمهور ان يكون له زاد وراحلة فاضلا عما لا بد منه وعن الديون وعن نفقة عياله الى حين عوده فان المشغول بالحاجة الاصلية كالمعدوم ولذا لا يجب فيه الزكوة ومن لا زاد له اولا راحلة له لا يستطيع السفر غالبا والحرج مدفوع فى الشرع «1» وقال داود لا يشترط لوجوب الحج زاد ولا راحلة- وقال مالك ان كان هو ممن له عادة بالسؤال

_ (1) وان كان الا فاقى فقيرا وتبرع ولده بالزاد والراحلة لا يثبت بها الاستطاعة خلافا للشافعى وان كان المتبرع أجنبيا له فيه قولان وقيل فى الأجنبي لا يثبت الاستطاعة قولا واحدا وله فى الولد قولان- فتاوى قاضيخان- منه رحمه الله

او كان يمكنه ان يكتسب فى الطريق لا يشترط له الزاد وان كان قادرا على المشي لا يشترط له الراحلة وقد قال الله تعالى وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ قلنا الواقع فى جواب الأمر يكون اخبارا عن الواقع ولا يكون دليلا على وجوب الحج بلا راحلة والقدرة على المشي امر خفى وقد يزول القدرة فى أثناء الطريق فلا بد من اشتراط زاد وراحلة من ابتداء السفر كيلا يفضى الى الهلاك- واحكام الشرع عامة الا ترى انه يجوز للسلطان قصر الصلاة وإفطار الصوم فى مسافة السفر مع عدم المشقة ولا يجوز لمن يشق عليه الصوم فى ادنى من مسافة السفر- والحجة للجمهور حديث انس عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قيل يا رسول الله ما السبيل قال الزاد والراحلة «1» - رواه الدارقطني والبيهقي والحاكم وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين- ورواه الحاكم من طريق حماد بن سلمة وقال صحيح على شرط مسلم ورواه سعيد بن منصور فى سننه من طرق اخر صحيحة عن الحسن مرسلا- ورواه الشافعي والترمذي وابن ماجة والدارقطني من حديث ابن عمر قام رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما يوجب الحج قال الزاد والراحلة قال الترمذي حسن لكن فيه ابراهيم بن يزيد الجوزي المكي قال احمد والنسائي متروك الحديث ورواه ابن ماجة والدارقطني من حديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزاد والراحلة- يعنى فى تفسير هذه الاية وسنده ضعيف ورواه الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله ومن حديث على بن ابى طالب وابن مسعود وعائشة وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وطرقها كلها ضعيفة- ومن الحجة على وجوب التزود فى الحج قوله تعالى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى - روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال كان اهل اليمن يحجون فلا يتزودون ويقولون نحن متوكلون فاذا قدموا مكة سألوا الناس فانزل الله تعالى

_ (1) قال بعض العلماء ان كان الرجل تاجرا يعيش بالتجارة فملك مقدار ما لو رقع منه الزاد والراحلة لذهابه وإيابه ونفقة أولاده وعياله من وقت خروجه الى وقت رجوعه ويبقى له بعد رجوعه رأس مال التجارة التي كان يتجربها كان عليه الحج والا فلا- وان كان صاحب ضيعة ان كان له من الضياع ما لو باع مقدار ما يكفى الزاد والراحلة ذاهبا وجائيا ونفقة عياله وأولاده ويبقى له من الضيعة قدر ما يعيش بغلة الباقي يفترض عليه الحج والا فلا- وان كان حرّاثا أكارا فملك مالا يكفى الزاد والراحلة ذاهبا وجائيا ونفقة أولاده وعياله من خروجه الى رجوعه ويبقى له آلات الحراثين من البقر ونحو ذلك كان عليه الحج والا فلا- فتاوى قاضيخان منه رحمه الله-

وَتَزَوَّدُوا الاية- وَمَنْ كَفَرَ يعنى أنكر وجوب الحج كذا قال ابن عباس والحسن وعطاء- اخرج عبد بن حميد فى تفسيره عن نقيع قال قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية فقام رجل من هذيل فقال يا رسول الله فمن تركه فقد كفر قال من تركه لا يخاف عقوبته ولا يرجو ثوابه- نقيع تابعي فالحديث مرسل- وقال سعيد بن المسيب نزلت فى اليهود حيث قالوا الحج الى مكة غير واجب واخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن الضحاك مرسلا انه لما نزل صدر الاية جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ارباب الملل فخطبهم وقال ان الله كتب عليكم الحج فحجوا فامنت به ملة واحدة يعنى المسلمين وكفرت به خمس ملل يعنى المشركين واليهود والنصارى والصابئين والمجوس فنزل وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ- واخرج سعيد بن منصور عن عكرمة قال لما نزلت وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً الاية قالت اليهود فنحن مسلمون فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ان الله فرض على المسلمين حج البيت فقالوا لم يكتب علينا وأبوا ان يحجوا فانزل الله وَمَنْ كَفَرَ الاية- والظاهر انه وضع من كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتغليظا على تاركه ومعنى كفر انه لم يشكر المنعم على صحة جسمه وسعة رزقه وهذان التأويلان جاريان فى حديث ابى امامة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم تحبسه حاجة ظاهرة او مرض حابس او سلطان جائر ولم يحج فليمت ان شاء يهوديا وان شاء نصرانيا رواه البغوي والدارمي فى مسنده وأورده ابن الجوزي فى الموضوعات وتعقبه الحفاظ وحديث على عليه السلام من ملك زادا وراحلة يبلغه الى بيت الله ولم يحج فلا عليه ان يموت يهوديا او نصرانيا رواه الترمذي وضعفه فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) أكد الله سبحانه امر الحج فى هذه الاية بوجوه 1 بالدلالة على وجوبه بصيغة الخبر- 2 وابرازه فى صورة الاسمية- و 3 إيراده على وجه يفيد انه حق واجب لله فى رقاب الناس- 4 وتعميم الحكم اولا وتخصيصه ثانيا فانه كايضاح بعد إبهام وتكرير للمراد- 5 وتسمية ترك الحج كفرا من حيث انه فعل الكفرة- 6 وذكر الاستغناء فانه فى هذا الموضع يدل على المقت والخذلان- 7 ووضع المظهر بلفظ عام شامل لمرجع الضمير موضعه لما فيه من مبالغة التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان والاشعار بعظم السخط ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 98]

والله اعلم- واضافة الحج الى البيت يقتضى ان سبب وجوب الحج هو البيت ولذا لا يتكرر الحج فى العمر لعدم تكرر البيت- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج مرة فمن زاد فتطوع- رواه احمد والنسائي- والبيت عبارة عن لطيفة ربانية فى بعد موهوم مهبط لتجليات ذاتية مختصة به وليس اسما لسقف او جدارا وحجر او تراب الا ترى انه لو نقل الحجارة والتراب الى موضع اخر وترك ذلك المكان خاليا او بنى بناء اخر لا يجوز السجود الى موضع اخر بل الى تلك العرضة الشرقاء فصورة الكعبة مع كونها من عالم الخلق امر مبطن لا يدركه حس ولا خيال بل هو مع كونه من المحسوسات ليس بمحسوس وكونه فى جهة ليس له جهة متمثل ولا مثل له هذا شأن صورت الكعبة فما ادراك ما حقيقتها سبحان من جعل الممكن مراءة للوجوب- وجعل العدم مظهرا للوجوب والوجود- وفوق حقيقة الكعبة حقيقة القران وفوق ذلك حقيقة الصلاة وهناك ينتهى سير السالك بتوسط النبي صلى الله عليه وسلم وتحصل فى تلك المقامات الفناء والبقاء وفوق ذلك مقام المعبودية الصرفة لا مجال للسير هناك الا بالنظر قف يا محمد فان الله يصلى كناية عن ذلك المقام والله هو العلام. قُلْ يا محمد يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ السمعية والعقلية الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما يدعيه من وجوب الحج وغيره وتخصيصهم بالخطاب لان كفرهم مع علمهم بالكتاب أقبح وَاللَّهُ شَهِيدٌ والحال انه مطلع عَلى ما تَعْمَلُونَ (90) من الكفر والتحريف فيجازيكم عليها ولا ينفعكم استسرار الحق. قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ تمنعون عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعنى عن الإسلام الذي هو الموصل اليه تعالى شأنه مَنْ آمَنَ يعنى أراد الايمان منصوب على المفعولية من تصدون يعنى تصدون عن الايمان من أراد ان يؤمن كرر الخطاب والاستفهام مبالغة فى التقريع ونفى العذر واشعارا بان كل واحد من الامرين مستقبح فى نفسه مستقل باستجلاب العذاب تَبْغُونَها اى السبل عِوَجاً اى معوجة مصدر بمعنى المفعول او المعنى تبغون لها عوجا اى اعوجاجا- وجملة تبغون حال من فاعل تصدون- وكانت اليهود يلبسون على الناس الحق بتحريف صفة النبي صلى الله عليه وسلم والقول بان دين موسى مؤبد- ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 100]

وبما يحرشون بين المؤمنين ليختلف كلمتهم ويأتون الأوس والخزرج ويذكّرونهم ما كان بينهم فى الجاهلية من العداوة وَأَنْتُمْ شُهَداءُ على ما تعملون او على ما فى التورية مكتوبا عندكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وان دين الله هو الإسلام وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) وتختانون فى صد المؤمنين عن الايمان اخرج ابن إسحاق وابو الشيخ وابن جرير عن زيد مرسلا وذكره البغوي انه مرّ شمّاس بن قيس اليهودي وكان شيخا عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين على نفر من الأوس والخزرج فى مجلس جمعهم يتحدثون فغاظه ما راى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم فى الإسلام بعد ان كان بينهم فى الجاهلية من العداوة وقال ما اجتمع ملا بنى قيلة بهذه البلاد لا والله ما لنا معهم إذ اجتمعوا بها من قرار فامر شابّا من اليهود كان معه فقال اعمد إليهم واجلس معهم ثم ذكّرهم يوم بعاث وما كان قبله وانشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الاشعار وكان بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس مع الخزرج وكان الظفر فيه للاوس على الخزرج فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قبطى أحد بنى حارثة من الأوس وجبار بن صخر أحد بنى سلمة من الخزرج فتقاولا ثم قال أحدهم لصاحبه ان شئتم والله رددتها الان جذعة وغضب الفريقان جميعا وقالا قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة وهى حرة فخرجوا إليها وانضمت الأوس والخزرج بعضها الى بعض على دعواهم التي كانوا عليها فى الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين فقال يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وانا بين أظهركم بعد إذ كرّمكم الله فى الإسلام وقطع به عنكم امر الجاهلية والف بينكم ترجعون الى ما كنتم عليه كفارا الله الله فعرف القوم انها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فالقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانقوا بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين فانزل الله تعالى فى أوس وجبار ومن كان معهما. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعنى الأنصار إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعنى شماسا وأصحابه يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ بالله ونبيه والقران كافِرِينَ (100) يعنى على اعمال ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 101]

الكفر قال زيد فقال جابر فما رايت قط يوما أقبح اولا واحسن آخرا من ذلك اليوم- ونزل فى شماس بن قيس يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ الاية خاطب الله المؤمنين بنفسه وامر رسوله بخطاب اهل الكتاب إجلالا للمؤمنين واشعارا بانهم أحقاء بان يكلمهم الله واخرج الفرياني وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كانت الأوس والخزرج فى الجاهلية بينهم شر فبينما هم جلوس ذكروا ما بينهم حتى غضبوا وقام بعضهم الى بعض بالسلاح فنزلت. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ عطف على يردّوكم والاستفهام للتعجب والإنكار وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ على لسان الرسول غضة طرية يعنى القران وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ينهاكم ويعظكم ويزيح شبهكم يعنى والحال ان الأسباب الداعية الى الايمان المانعة من الكفر مجتمعة لكم قال قتادة فى هذه الاية علمان بينان كتاب الله ونبى الله اما نبى الله فقد قضى واما كتاب الله فابقاه الله رحمة منه ونعمة قلت ولكن نبى الله صلى الله عليه وسلم أرشدنا الى من ينوبه يعده من خلفائه الى يوم القيامة عن زيد بن أرقم قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد ايها الناس انما انا بشر يوشك ان يأتيني رسول ربى فاجيبه وانى تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال واهل بيتي أذكركم الله فى اهل بيتي أذكركم الله فى اهل بيتي- وفى رواية كتاب الله هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة رواه مسلم- ورواه الترمذي بلفظ انى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الاخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وعترتى اهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفونى فيهما- وروى الترمذي عن جابر قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فيقول يا ايها الناس انى تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتى اهل بيتي- قلت أشار النبي صلى الله عليه وسلم الى اهل البيت لانهم اقطاب الإرشاد فى الولايات أولهم على عليه السلام ثم ابناؤه الى الحسن العسكري وآخرهم غوث الثقلين محى الدين عبد القادر الجيلي رضى الله عنهم أجمعين لا يصل أحد من الأولين والآخرين الى درجة الولاية الا بتوسطهم كذا قال المجدد رضى الله عنه ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 102]

ثم اولياء امة النبي صلى الله عليه وسلم وعلماؤها كلهم اتباع لاهل البيت داخلون فيهم بحكم الوراثة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء وَمَنْ يَعْتَصِمْ اصل العصمة المنع فكل مانع شيئا فهو عاصم والاعتصام ان يتمسك بشىء حتى يمتنع عن الهلاك بِاللَّهِ اى بدينه وبدوام التوجه اليه فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) طريق واضح لا يضل سالكه ابدا- قال البغوي قال مقاتل بن حبان كانت بين الأوس والخزرج عداوة فى الجاهلية وقتال حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة فاصلح بينهم فافتخر بعده منهم رجلان ثعلبة بن غنم من الأوس واسعد بن زرارة من الخزرج فقال الأوس منا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ومنا حنظلة غسيل الملائكة وعاصم بن ثابت بن أفلح حمى الدبر ومنا سعد بن معاذ اهتز عرش الرحمن له ورضى الله بحكمه فى بنى قريظة- وقال الخزرجي منا اربعة احكموا القران أبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وابو زيد ومنا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم وجرى الحديث بينهما فغضبا وانشدا الاشعار وتفاخرا «1» فجاء الأوس والخزرج ومعهم السلاح فاتاهم النبي صلى الله عليه وسلم وانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ اصل تقاة وقية قلبت واوها المضمومة تاء كما فى تودة وتخمة والياء الفا لانفتاحها بعد حرف صحيح ساكن وموافقة الفعل- اخرج عبد الرزاق والفرياني وابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردوية فى تفاسيرهم والطبراني فى المعجم والحاكم فى المستدرك وصححه وابو نعيم فى الحلية عن ابن مسعود موقوفا وقال ابو نعيم روى عنه مرفوعا ايضا هو ان يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى- وقال البغوي قال ابن مسعود وابن عباس هو ان يطاع فلا يعصى وهذا إجمال ما ذكر- قلت اما قوله يذكر فلا ينسى فمناطه فناء القلب واما قوله يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر فمناطه فناء النفس واطمينانه والايمان الحقيقي- فمقتضى هذه الاية وجوب اكتساب كما لات الولاية وكذا يقتضيه سبب نزوله فان تفاخر الأوس والخزرج انما كان من بقايا رذائل النفس فامروا بتهذيبها وتطهيرها عن الرذائل وتحلية القلب والنفس بمكارم الأخلاق وخشية الله ودوام الذكر-

_ (1) . في الأصل وتفاخروا.

وقال مجاهدان تجاهدوا فى سبيل الله حق جهاده ولا يأخذكم فى الله لومة لائم وتقوموا لله بالقسط ولو على أنفسكم وابائكم وأبنائكم- وعن انس قال لا يتقى الله عبد حق تقاته حتى يحزن لسانه- قلت وقول مجاهد وانس بيان للطريق الموصل الى كمالات الولاية فان الرياضات والمجاهدات بقلة الطعام والمنام مع الذكر على الدوام وحفظ اللسان عن فضول الكلام المستلزم للعزلة وقلة المخالطة مع العوام وترك مبالاة الناس فى رعاية حقوق الملك العلام هى الطريقة الموصلة الى تلك الكمالات- قال البغوي قال اهل التفسير فلما نزلت هذه الاية شق ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله ومن يقوى على هذا فانزل الله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فنسخت هذه الاية- قال مقاتل ليس فى ال عمران من المنسوخ الا هذه الاية- قلت ليس المراد منه ان ان حق التقوى صار منسوخا وجوبه كيف ورذائل النفس من الكبر والغضب فى غير محله والحسد والحقد والنفاق وسوء الأخلاق وجب الدنيا وقلة الالتفات الى الله واشتغال القلب بغيره ما زال حراما ولا يتصور نسخ حرمتها حتى تصير مباحة- بل المراد منه ان ازالة رذائل النفس دفعة ليست فى مقدور البشر بل يتوقف ذلك جريا على عادة الله تعالى على مصاحبة ارباب القلوب والنفوس الزاكية والمجاهدات المذكورة فالله سبحانه رخص لعباده فى ذلك وأوجب عليهم بذل الجهد فى تزكية النفس وتصفية القلب ما استطاع فمن اعرض عن ذلك بالكلية والتفت الى الشهوات فعليه اثم الرذائل كلها إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ومن اشتغل فى طلب الطريقة وبذل جهده فى دفع الرذائل ومات قبل تحصيل الكمالات فقد اتى بما وجب عليه وأرجو ان يغفر له ما ليس فى وسعه والله اعلم وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) بالإسلام الحقيقي المنقادون لله تعالى فى أوامره ونواهيه مخلصون له مفوضون أموركم اليه راضون بقضائه يعنى لا تكونن على حال سوا حال الإسلام حتى يدرككم الموت فالنهى عن الفعل المقيد بحال او وصف او غيرهما قد يتوجه بالذات الى الفعل نحو لا تزن فى ارض الله وقد يتوجه الى القيد كما فى هذه الاية وقد يتوجه الى المجموع دون كل واحد منهما نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن وقد يتوجه الى كل واحد منهما نحو لا تزن حليلة جارك- عن ابن عباس رضى الله ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 103]

عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ايّها النّاس اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ الاية فلو ان قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لامرّت على اهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن هو طعامه وليس له طعام غيره رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح-. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ يعنى بدين الإسلام قال الله تعالى فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها او بكتابه لقوله صلى الله عليه وسلم كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وقد مرّ استعار له الحبل من حيث ان التمسك به سبب للنجاة عن التردي فى النار كما ان التمسك بالحبل سبب للنجاة عن التردي من فوق وللوثوق به والاعتماد عليه بالاعتصام ترشيحا للمجاز جَمِيعاً حال من فاعل اعتصموا او من مفعوله اعنى بحبل الله او منهما جميعا فعلى تقدير كونه حالا من الفاعل معناه حال كونكم مجتمعين فى الاعتصام يعنى خذوا فى تفسير كتاب الله وتأويله ما اجتمع عليه الامة ولا تذهبوا الى خبط آرائكم على خلاف الإجماع عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وان تعتصموا بحبل الله جميعا وان تناصحوا من ولى الله أمركم- ويسخط لكم قيلا «1» وقالا واضاعة المال وكثرة السؤال- رواه مسلم واحمد- وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله لا يجمع أمتي على ضلالة ويد الله على الجماعة ومن شذ شذ فى النار رواه الترمذي- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعوا السواد الأعظم فانه من شذ شذ فى النار رواه ابن ماجة وعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاذة والقاصية والناحية وإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة رواه احمد- وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه رواه احمد وابو داود وعلى تقدير ان يكون حالا من المفعول فالمعنى اعتصموا بجميع كتاب الله ولا تقولوا نومن ببعض الكتاب ونكفر ببعض فان بعض طاقات الحبل لا يقوى على الحفظ وَلا تَفَرَّقُوا عطف على ما سبق وهذه الجملة تأكيد على أحد التأويلين وتأسيس على الاخر «2» يعنى لا تفرقوا عن الحق باختلاف كاهل الكتاب- عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله

_ (1) فى الأصل قيل وقال. (2) فى الأصل الاخرى. [.....]

عليه وسلم ليأتين على أمتي كما اتى على بنى إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى ان كان منهم من اتى امه علانية لكان فى أمتي من يصنع ذلك وان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم فى النار الا ملة واحدة قالوا من هى يا رسول الله قال ما انا عليه وأصحابي- رواه الترمذي وفى رواية احمد وابى داود عن معاوية ثنتان وسبعون فى النار وواحدة فى الجنة وهى الجماعة وانه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى «1» بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله- قلت فلم يتفرق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا فى خلافة ابى بكر وعمرو عثمان وأول بغى كان على الامام الحق خروج اهل المصر على عثمان رضى الله عنه- وأول اختلاف وقع فى امر الخلافة كان من معاوية غفره الله تعالى وقال كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى - وأول اختلاف وقع فى الدين اختلاف الحرورية الذين خرجوا على على عليه السلام- ثم أوقع الخلاف ورفض الحق عبد الله بن سبا منشأ الروافض- ثم ظهر مذهب الاعتزال فى زمن التابعين فتشبثوا بأذيال الفلاسفة واشتغلوا بقيل وقال وأحبوا كثرة الجدال وتركوا ظواهر كتاب الله المتعال وسنة نبيه ومذهب السلف اهل الكمال بتقليد آرائهم الكاسدة المنشئات الضلال- وَاذْكُرُوا يا معشر الأنصار نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ التي من جملتها الهداية للاسلام المودي الى التالف إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً قبل الإسلام فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بالإسلام فَأَصْبَحْتُمْ اى صرتم بِنِعْمَتِهِ برحمته وهدايته إِخْواناً فى الدين والولاية والمحبة- قال محمد بن إسحاق وغيره من اهل الاخبار كانت الأوس والخزرج أخوين لاب وأم فوقعت بينهما عداوة بسبب قتيل فتطاولت العداوة والحرب بينهم مائة وعشرين سنة الى ان أطفاه الله بالإسلام والف بينهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بدو إسلامهم وألفتهم ان سويد بن الصامت أخا بنى عمرو بن عوف يسميه قومه الكامل القوة والصبر- نهايه منه رح لجلده ونسبه قدم مكة حاجّا او معتمرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث وامر بالدعوة فتضدى له حين سمع به ودعاه الى ربه عز وجل والى الإسلام فقال له سويد فلعل الذي معك

_ (1) اى يتواقعون فى الأهواء الفاسدة ويتداعون فيها تشبيها بجرى الفرس- والكلب بالتحريك داء معروف يعرض للكلب فمن عرضه قتله- نهايه- منه رحمه الله

مثل الذي معى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الذي معك قال مجلة لقمان يعنى حكمته فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اعرضها علىّ فعرضها فقال ان هذا حسن ومعى أفضل من هذا قران انزل الله عز وجل نورا وهدى فتلا عليه القران ودعاه الى الإسلام فلم يبعد منه وقال ان هذا القول حسن ثم انصرف الى المدينة فلم يلبث ان قتله الخزرج قبل يوم بعاث وان قومه ليقولون قد قتل وهو مسلم ثم قدم ابو الحيسر انس بن رافع ومعه فئة من بنى الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قوم من الخزرج فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم فجلس إليهم فقال هل لكم الى خير مما جئتم له قالوا وما ذاك قال انا رسول الله بعثني الى العباد ادعوهم ان لا تشركوا بالله شيئا وانزل علىّ الكتاب ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القران- فقال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا اى قوم هذا والله خير مما جئتم له فاخذ ابو الحيسر حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس وقال دعنا منك فلعمرى لقد جئنا لغير هذا فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفوا الى المدينة وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ثم لم يلبث إياس بن معاذ ان هلك- فلما أراد الله عز وجل اظهار دينه وإعزاز نبيه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الموسم الذي لقى فيه النفر من الأنصار يعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع فى كل موسم فلقى عند العقبة رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا وهم ستة نفرا سعد بن زرارة- وعوف بن الحارث وهو ابن عفراء- ونافع بن مالك العجلاني- وعطية بن عامر- وعقبة بن عامر- وجابر بن عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنتم قالوا نفر من الخزرج قال أمن موالى يهود قالوا نعم قال أفلا تجلسون حتى أكلمكم قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم الى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القران- قال وكان مما صنع الله لهم فى الإسلام وان اليهود «1» كانوا معهم ببلادهم وكانوا اهل كتاب وعلم وهم كانوا اهل أوثان وشرك وكانوا إذا كان بينهم شىء قالوا ان نبيا الان مبعوث قد أظل زمانه نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد ارم فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم الى الله عز وجل قال بعضهم لبعض يا قوم تعلمون والله انه النبي الذي توعدكم به اليهود فلا تسبقنكم اليه

_ (1) فى الأصل ان يهود كان

فاجابوه وصدقوه واسلموا وقالوا انا قد تركنا قوما ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم وعسى الله ان يجمعهم بك وسنقدم عليهم فندعوهم الى أمرك فان يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين الى بلادهم قد أمنوا فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم الى الإسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار الا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام المقبل اتى الموسم من الأنصار اثنا «1» عشر رجلا اسعد بن زرارة- وعوف ومعاذ ابنا عفراء- ورافع بن مالك العجلاني- وذكوان بن عبد القيس- وعبادة بن الصامت- وزيد بن ثعلبة- وعباس بن عبادة- وعقبة بن عامر- وعطية بن عامر فهولاء خزرجيون- وابو الهيثم بن التيهان وعويمر بن الساعدة من الأوس فلقوه بالعقبة وهى العقبة الاولى فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء على ان لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا الى آخره فان وفيتم فلكم الجنة وان غشيتم بشىء من ذلك فاخذتم بحده فى الدنيا فهو كفارة له وان ستر عليكم فامركم الى الله ان شاء عذبكم وان شاء غفر لكم قال وذلك قبل ان يعرض عليهم الحرب فلما انصرف القوم بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وامره ان يقرائهم القران ويعلمهم الإسلام ويفقههم وكان مصعب يسمى بالمدينة المقرئ وكان منزله على اسعد بن زرارة- ثم ان اسعد بن زرارة خرج بمصعب فدخل به حائطا من حوائط بنى ظفر فجلسا فى الحائط واجتمع إليهما رجال ممن اسلم فقال سعد بن معاذ لا سيد بن حضير انطلق الى هذين الرجلين الذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما فان اسعد ابن خالى ولولا ذلك لكفيتك وكان سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيدى قومهما من بنى عبد الأشهل وهما مشركان فاخذ أسيد بن حضير حربته ثم اقبل الى مصعب واسعد وهما جالسان فى الحائط فلما راه اسعد بن زرارة قال لمصعب هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله تعالى فيه قال مصعب ان يجلس أكلمه قال فوقف عليهما متشتما فقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلا ان كان لكما فى أنفسكما حاجة فقال له مصعب او تجلس فتسمع فان رضيت امرا قبلته وان كرهته كف عنك ما تكره

_ (1) فى الأصل اثنى عشر

قال أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرا عليه القران فقال والله لعرفنا فى وجهه الإسلام قبل ان يتكلم فى اشراقه وتسهله ثم قال ما احسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم ان تدخلوا فى هذا الدين قالا له تغتسل وتطهر ثوبك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى ركعتين فقام واغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال ان ورائي رجلا ان اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسارسله اليكما الان وهو سعد بن معاذ ثم أخذ حربته فلما وقف على النادي قال له سعد ما خلفت قال كلمت الرجلين فو الله ما رايت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا نفعل ما أحببت- وقد حدثت ان بنى حارثة خرجوا الى اسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك انهم عرفوا انه ابن خالك ليخفروك» فقام سعد مغضبا مبادرا للذى ذكره من بنى حارثة فاخذ الحربة وقال والله ما أراك أغنيت شيئا فلما راهما مطمئنين عرف ان أسيدا انما أراد ان يسمع منهما فوقف عليهما متشتما ثم قال لا سعد بن زرارة لولا ما بينى وبينك من القرابة ما رمت اى ما قصدت- منه رح هذا منى تغشانا فى دارنا بما نكره وقد قال اسعد لمصعب جاءك والله سيد قومه ان يتبعك لم يخالفك منهم أحد- فقال له مصعب او تقعد فتسمع فان رضيت امرا ورغبت فيه قبلته وان كرهته عزلناك ما تكره قال سعد أنصفت ثم ركز الحربة فجلس فعرض عليه الإسلام وقرا عليه القران فقالا فعرفنا والله فى وجهه الإسلام قبل ان يتكلم فى اشراقه وتسهله ثم قال كيف تصنعون إذ أنتم أسلمتم ودخلتم فى هذا الدين قال تغتسل وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى ركعتين فقام واغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق وركع ركعتين- ثم أخذ حربته فاقبل عامدا الى نادى قومه ومعه أسيد بن حضير فلما راه قومه مقبلا قالوا نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم- قال يا بنى عبد الأشهل كيف تعلمون امرى فيكم قالوا سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة «2» - قال فان كلام رجالكم ونسائكم علىّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله قال فما امسى فى دار بنى عبد الأشهل رجل ولا امراة الا مسلم او مسلمة

_ (1) حفرت الرجل اى أجرته وحفظته وخفّرته إذ أكدت خفيرا وحاميا وتخفرت به إذا استجرت به والخفارة الزمام وأخفرت الرجل إذ انقضت عهده وذمامه والهمزة فيه للازالة اى زالت خفارته- نهايه منه رحمه الله (2) النقيبة منحج الفعال مظفر المقال والنقيبة النفس وقيل الطبيعة والخليقة- نهايه- منه رحمه الله-

ورجع اسعد بن زرارة ومصعب الى منزل اسعد بن زرارة فاقام عنده يدعوا الناس الى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار الا وفيها رجال ونساء مسلمون الا ما كان من دار بنى امية بن زيد وحطمة ووائل وواقف وذلك انه كان منهم ابو قيس ابن الاسلت الشاعر وكانوا يسمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق- قالوا ثم ان مصعب بن عمير رجع الى مكة وخرج معه من الأنصار من المسلمين سبعون رجلا مع حجاج قومهم من اهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من اوسط ايام التشريق وهى بيعة العقبة الثانية قال كعب بن مالك وكان قد شهد ذلك فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام ابو جابر أخبرناه وكنا نكتم من معنا من المشركين من قومنا أمرنا فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر انك سيد من ساداتنا وشريف من اشرافنا وانا نرغب بك عما أنت فيه ان تكون حطبا للنار غدا ودعوناه للاسلام فاسلم وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه فشهد معنا العقبة وكان نقيبا فبتنا تلك الليلة مع قومنا فى رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلك مستخفين تسلك القطا حتى اجتمعنا فى الشعب عند العقبة ونحن سبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب أم عمارة احدى نساء بنى النجار واسماء بنت عمرو بن عدى أم منيع احدى نساء بنى سلمة فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب فقال يا معشر الخزرج (انما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها واوسها) ان محمدا صلى الله عليه وسلم منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن على مثل رأينا وهو فى عز فى قومه ومنعة فى بلده وانه قد ابى الا الانقطاع إليكم واللحوق بكم فان كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه اليه ومانعوه ممن خالفه فانتم وما تحملتم من ذلك وان كنتم ترون انكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الان فدعوه فانه فى عز ومنعة قال فقلنا قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله وخذ لنفسك ولربك ما شئت قال فتكلم ... ...

رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القران ودعا الى الله تعالى ورغّب فى الإسلام ثم قال ابايعكم على ان تمنعونى مما تمنعون منه نساءكم وابناءكم فاخذ البراء بن معرور بيده ثم قال والذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع أزرنا «1» فبايعنا يا رسول الله فنحن اهل الحرب واهل الحلفة ورثناها كابرا عن كابر قال فاعترض القول (والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم) ابو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله ان بيننا وبين الناس حبالا يعنى العهود وانا قاطعوها فهل عسيت ان فعلنا ذلك ثم أظهرك الله ان ترجع الى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لا الدم الدم والهدم الهدم أنتم منى وانا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرجوا الى منكم اثنى عشر نقيبا «2» كفلاء على قومهم ككفالة حواريين لعيسى بن مريم فاخرجوا اثنى عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس قال عاصم بن عمرو بن قتادة ان القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل انكم تبايعون على حرب الأحمر والأسود فان كنتم ترون انكم إذا نهكت اى اتلفت- منه رح أموالكم مصيبة واشرافكم قتلى اسلمتموه فمن الان فهو والله ان فعلتم خزى فى الدنيا والاخرة وان كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه اليه على نهكة الأموال وقتل الاشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والاخرة قالوا فانا ناخذه على مصيبة الأموال وقتل الاشراف فما لنا بذلك يا رسول الله ان نحن وافينا قال الجنة قالوا ابسط يدك فبسطيده فبايعوه وأول من ضرب على يده البراء بن معرور ثم تتابع القوم فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بانفذ صوت سمعته قط يا اهل الحباحب هل لكم فى مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عدو الله هذا اسم شيطان- وهو الحية- منه ر ح ازبّ العقبة اسمع اى عدو الله انا والله لا فرغن لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفضوا الى رحالكم فقال العباس بن عبادة بن نضلة والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غدا على اهل منى «3»

_ (1) نمنع أزرنا اى نساءنا وأهلنا كنى عنهن بالأزر وقيل أراد أنفسنا وقد يكنى عن النفس بالإزار- نهايه منه رح (2) النقيب كالعريف على القوم المقدم عليهم الذي يتعرف اخبارهم وينقب عن أحوالهم اى يفتش وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد منهم نقيبا على قومه وجماعته ليأخذوا عليهم الإسلام ويعرفوهم شرائطه- نهايه منه رحمه الله (3) فى الأصل على اهل منا-

[سورة آل عمران (3) : آية 104]

بأسيافنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا الى رحالكم قال فرجعنا الى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا فلما أصبحنا غدت علينا جلة من قريش حتى جاءونا فى منزلنا فقالوا يا معشر الخزرج بلغنا انكم جئتم صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا وانه والله ما حى من العرب ابغض إلينا ان تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم قال فانبعث من هناك من مشركى قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شىء وما علمناه وصدقوا لم يعلموا وبعضنا ينظر الى بعض وقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وعليه نعلان جديدان فقلت له كلمة كانّى أريد ان أشرك القوم بها فيما قالوا يا جابرا ما تستطيع ان تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل نعلى هذا الفتى من قريش- قال فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما الىّ قال والله لتنتعلنهما- قال يقول ابو جابر مه والله احفظت الفتى فاردد اليه نعليه- قال لا أردهما فال صالح والله ان صدق الفال لا سلبنه- قال ثم انصرف الأنصار الى المدينة وقد شدّد العقد فلما قدموا المدينة اظهر الإسلام بها وبلغ ذلك قريشا فاذوا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه ان الله تعالى قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون فيها وأمرهم بالهجرة الى المدينة واللحوق بإخوانهم من الأنصار فاول من هاجر الى المدينة أخو سلمة بن عبد الله المخزومي ثم عامر بن ربيعة ثم عبد الله بن جحش ثم تتابع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إرسالا الى المدينة فجمع الله اهل المدينة اوسها وخزرجها بالإسلام وأصلح ذات بينهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وَكُنْتُمْ عَلى شَفا طرف حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ اى متقاربين الوقوع فيها لم يكن بينكم وبين الوقوع فيها الا ان تموتوا على كفركم فَأَنْقَذَكُمْ اى اخلصكم الله بالإسلام مِنْها الضمير للحفرة او للنار او للشفا وتأنيثه لتأنيث المضاف اليه ولانه بمعنى الشفة فان شفا البير وشفتها طرفها كالجانب والجانبة وأصله شفو فقلبت الواو الفا فى المذكر وحذفت فى المؤنث كَذلِكَ التبيين يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ دلائله لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) لتثبتوا على الهدى وتزدادوا فيه-. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ من للتبعيض لان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من فروض الكفاية ولانه لا يصلح له كل أحد حيث يشترط له شروط من العلم والتمكن على الاحتساب وطلب من الجميع ... ...

[سورة آل عمران (3) : الآيات 105 إلى 106]

خاطب الجميع وطلب فعل البعض ليدل على انه واجب على الكل حتى لو ترك الكل أثموا جميعا ولكن يسقط بفعل بعضهم وهذا شأن فروض الكفاية- وجاز ان يكون من للتبيين ويكون النهى عن المنكر واجبا على كل أحد واقله ان ينكر بقلبه يعنى كونوا أُمَّةٌ يَدْعُونَ الناس إِلَى الْخَيْرِ يعنى خير العقائد والأخلاق والأعمال التي فيها صلاح الدين والدنيا اخرج ابن مردوية عن ابى جعفر محمد الباقر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير اتباع القران وسنتى- قال السيوطي معضل عن عثمان انه قرا وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ويستغيثون على ما أصابهم وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- قلت يعنى يدعون لدفع البلاء عن الناس وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ اى ما عرف من الشرع حسنه واجبا كان او مندوبا وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ يعنى ما أنكره الشرع من المحرمات والمكروهات عطف الخاص على العام إيذانا بفضله وَأُولئِكَ يعنى الداعون الى الخير والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) خاب وخسر من لم يفعل ذلك عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان- رواه مسلم وعن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المدهن فى حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم فى أسفلها وصار بعضهم فى أعلاها فكان الذي فى أسفلها يمر بالماء على الذين فى أعلاها فتاذوا به فاخذ فاسا فجعل ينقر أسفل السفينة فاتوه فقالوا مالك قال تاذيتم بي ولا بد لى من الماء فان أخذوا على يديه انجوه ونجّوا أنفسهم وان تركوه اهلكوه واهلكوا أنفسهم- رواه البخاري- وعن حذيفة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسى بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر او ليوشكن الله تعالى ان يبعث عليكم عذابا من عنده ثم ليدعوا به فلا يستجاب لكم رواه الترمذي- وعن ابى بكر الصديق قال يا ايها الناس انكم تقرءون هذه الاية. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الناس إذا راو منكرا فلم يغيروه يوشك ان يعمهم الله بعذابه- رواه ابن ماجة والترمذي وصححه وروى ابو داود نحوه وعن جرير بن عبد الله نحوه رواه ابو داود وابن ماجة- وعن عدى بن عدى الكندي قال حدثنا ... ...

مولى لنا انه سمع جدى يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على ان ينكروه فلا ينكرون فاذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة رواه البغوي فى شرح السنة وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا وقعت بنو إسرائيل فى للعاصى نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم فى مجالسهم وأاكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض فلعنهم عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ - قال فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكيا قال لا والذي نفسى بيده حتى تاطروهم اى تعطفوا عليهم- نهايه- منه رح اطرا العطف- منه رح رواه الترمذي وابو داود- فان قيل هل يجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بهذه الاية على من لا يأتى بالمعروف ويرتكب المنكر قلنا نعم يجب عليه الأمر بالمعروف عبارة وإتيانه اقتضاء والنهى عن المنكر عبارة والانتهاء عنه اقتضاء كيلا يلزمه قوله تعالى أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وقوله تعالى لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ- عن اسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتندلق اى تخرج من مكانه الأمعاء- منه اقتابه فى النار فيطحن فيها كطحن الحمار برحاء فيجتمع اهل النار عليه ويقولون اى فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت أمركم بالمعروف ولم آته وأنهاكم عن المنكر واتيه- متفق عليه وعن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رايت ليلة اسرى بي رجالا يقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبرئيل قال هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون بالبر وينسون أنفسهم- رواه البغوي فى شرح السنة والبيهقي فى شعب الايمان نحوه- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا يعنى اليهود تفرقوا على ثنتين وسبعين فرقة وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ الدلائل الواضحة القاطعة من الآيات المحكمة والاخبار المتواترة المحكمة من الأنبياء ونحو ذلك كاجماع هذه الامة سواء كان ذلك الاختلاف فى اصول الدين كاختلاف اهل الأهواء مع اهل السنة او فى الفروع المجمع عليها كمسئلة غسل الرجلين ومسح الخفين فى الوضوء وخلافة الخلفاء الاربعة واحترز بهذا القيد عن اختلاف بالاجتهاد فى ما ثبت بالادلة الظنية فان الاختلاف فيها ضرورى ... ...

ضرورة حطاء بعض المجتهدين فى الاجتهاد- فذلك الاختلاف بعد بذل الجهد بلا مكابرة وتعصب معفوّ بل هو رحمة وسعة للناس روى عبد بن حميد فى مسنده والدارمي وابن ماجة والعبد رى فى الجمع بين الصحيحين وابن عساكر والحاكم عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سالت ربى عن اختلاف أصحابي من بعدي فاوحى الله يا محمد ان أصحابك عندى كالنجوم بعضها أقوى من بعض- وفى رواية بعضها أضوء من بعض ولكل نور فمن أخذ بشىء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندى على هدى- ورواه الدارقطني فى فضائل الصحابة وابن عبد البر عن جابر والبيهقي فى المدخل عن ابن عباس- وروى البيهقي ايضا فى المدخل بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به ولا عذر لاحد فى تركه فان لم يكن فى كتاب الله فسنة نبى ماضية فان لم يكن سنة نبى فما قال أصحابي ان أصحابي بمنزلة النجوم فى السماء فايها أخذتم به اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة واخرج البيهقي فى المدخل وابن سعد فى الطبقات عن القاسم بن محمد قال اختلاف اصحاب محمد رحمة لعباد الله والبيهقي عن عمر بن عبد العزيز نحوه وَأُولئِكَ الذين تفرقوا بعد القواطع لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ التنوين عوض عن المضاف اليه يعنى تبيض وجوه المؤمنين وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ اى وجوه الكافرين او التنوين للتكثير اى وجوه كثيرة ويوم منصوب على الظرفية من الظرف المستقر اى لهم او بعظيم او باذكر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قرا هذه الاية قال تبيض وجوه اهل السنة وتسود وجوه اهل البدعة- اخرج الديلمي فى مسند الفردوس بسند ضعيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تبيض وجوه اهل السنة وتسود وجوه اهل البدع فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ يقال لهم أَكَفَرْتُمْ بالقطعيات وتفرقتم فى الدين واتبعتم تأويل المتشابهات بَعْدَ إِيمانِكُمْ بالنبي والكتاب والاستفهام للتوبيخ والتعجيب عن حالهم فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) والاية فى اهل الأهواء من هذه الامة ومن الأمم السابقة كذا قال ابو امامة وقتادة روى احمد وغيره عن ابى امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هم الخوارج- وايضا فى اهل الأهواء حديث اسماء بنت ابى بكر قالت قال ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 107]

رسول الله صلى الله عليه وسلم انى على الحوض حتى انظر من يرد علىّ منكم وسيؤخذ ناس دونى فاقول يا رب منى ومن أمتي فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم- رواه البخاري وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل رواه مسلم واحمد والترمذي- وقيل هذه الاية فى المرتدين- وقيل فى اهل كتاب كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ايمانهم بموسى والتورية او بعد ايمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه وقيل فى جميع الكفار كفروا بعد ما اشهدهم الله على أنفسهم او بعد ما تمكنوا من الايمان بالنظر الى الدلائل. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ يعنى اهل السنة فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ يعنى الجنة والثواب المخلد عبر عن الجنة بالرحمة تنبيها على ان المؤمن وان استغرق عمره فى طاعة الله لا يدخل الجنة الا برحمته وفضله- عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سددوا وقاربوا وابشروا فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى الله بمغفرة ورحمة- رواه الشيخان فى الصحيحين واحمد- وروى الشيخان عن ابى هريرة نحوه ولمسلم من حديث جابر لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا انا الا رحمة من الله وقد ورد هذا ايضا من حديث ابى سعيد رواه احمد ومن حديث ابى موسى وشريك بن طارق رواهما البزار- ومن حديث شريك بن طريق واسامة بن شريك واسد بن كرز رواها الطبراني واستشكل هذا مع قوله تعالى ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وأجيب بان للجنة منازل ودرجات ينال بالأعمال وذلك محمل الاية واما اصل دخولها والخلود فيها بفضل ورحمته وذلك معنى الأحاديث ويدل عليه قول ابن مسعود تجوزون الصراط بعفو الله وتدخلون الجنة برحمة الله وتقسمون المنازل بأعمالكم رواه هناد فى الزهد وابو نعيم عن عون بن عبد الله مثله هُمْ فِيها اى فى الرحمة او الجنة خالِدُونَ (107) أخرجه مخرج الاستيناف للتأكيد كانّه فى جواب كيف يكونون فيها وللتنبيه على ان الرحمة نعمة والخلود نعمة مستقلة. تِلْكَ الآيات آياتُ اللَّهِ الواردة فى وعده ووعيده نَتْلُوها عَلَيْكَ خبر بعد خبر ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 109]

متلبسة بِالْحَقِّ بحيث لا شبهة فيها وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) إذ لا يتصور منه الظلم لانه لا يجب عليه فعل شىء ولا تركه فيظلم بترك ما وجب عليه لانه المالك على الإطلاق يتصرف فى ملكه كيف يشاء- قلت والظاهر ان المراد بالظلم هاهنا ما هو ظلم من العباد فيما بينهم والمعنى ان الله لا يريد ان ينقص ثواب من عمل خيرا بفضله ولا ان يزيد فى عذاب العاصي على قدر جريمته والكفر بالله تعالى أعظم الخطايا لا ذنب فوقه فيعذب بالنار المخلدة عذابا لا يكون عذاب فوقه جزاء وفاقا. وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا وملكا فهو تعليل لعدم ارادة الظلم على التأويل الاول وبيان لقدرته على اجراء وعده ووعيده على التأويل الثاني وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) فيجازى كلا على حسب وعده ووعيده- قال البغوي قال عكرمة ان مالك بن الضيف ووهب بن يهودا من اليهوديين قالا لابن مسعود ومعاذ بن جبل وسالم مولى ابى حذيفة نحن أفضل منكم وديننا خير مما تدعونا اليه فانزل الله تعالى. كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ اضافة صفة الى موصوفه مثل اخلاق ثياب والمفضل منه محذوف يعنى كنتم امة خير الأمم كلها وكان تدل على ثبوت خبرها لاسمها فى الماضي ولا يدل على عدم سابق ولا انقطاع لاحق الا بقرينة خارجية قال الله تعالى وكان الله غفورا رحيما فهذه الجملة دلت على خيريتهم فيما مضى ويدل على خيريتهم فى الحال والاستقبال قوله تعالى تأمرون إلخ ويحتمل ان يكون كنتم فى علم الله او فى الذكر فى الأمم السابقة خير امة أُخْرِجَتْ يعنى أظهرت وأوجدت والخطاب اما للصحابة خاصة كذا قال جويبر عن الضحاك وروى عن عمر بن الخطاب قال كنتم خير امة يكون لا ولنا ولا يكون لاخرنا- وعن ابن عباس انهم هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة- وعن عمر انه قال لو شاء الله لقال أنتم ولكن قال كنتم فى خاصة اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن صنع مثل صنيعهم «1» كانوا خير امّة أخرجت للنّاس- واما لامة محمد صلى الله عليه وسلم عامة وكلا المعنيين ثابت بالنصوص وعلى كل منهما انعقد الإجماع فان امة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من الأمم كلها والأفضل منهم قرن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين قال الله تعالى وَلَقَدْ كَتَبْنا

_ (1) وعن قتادة عن عمر فى قوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ انه تلا هذه الاية ثم قال يا ايها الناس من سرّه ان يكون فى الامة التي أخرجت للناس فليؤد شرط الله فيها- منه رحمه الله فى الأصل ملتبسة-

فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ وقال ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا الاية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة حرمت على الأنبياء حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى يدخلها أمتي رواه الطبراني فى الأوسط بسند حسن عن عمر بن الخطاب وروى ايضا عن ابن عباس مرفوعا الجنة محرمة على جميع الأمم حتى أدخلها انا وأمتي الاول فالاول وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لارجو ان يكون من تبعني ربع اهل الجنة ثم قال أرجو ان يكون ثلث اهل الجنة ثم قال أرجو ان يكون الشطر رواه احمد والبزار والطبراني بسند صحيح عن جابر وقال صلى الله عليه وسلم اهل الجنة عشرون ومائة صفا ثمانون منها من هذه الامة والباقون من سائر الأمم رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وروى الطبراني مثله من حديث ابى موسى وابن عباس ومعاوية بن جندة وابن مسعود- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم تتمون سبعين امة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل رواه الترمذي وحسنه وابن ماجة والدارمي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده والبغوي عن ابى سعيد الخدري نحوه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره رواه الترمذي عن انس ورزين عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده نحوه وقال عليه السلام ان الله تجاوز عن أمتي الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه رواه ابن ماجة والبيهقي وفى الفصل الثاني قوله صلى الله عليه وسلم خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجىء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته رواه الشيخان فى الصحيحين والترمذي واحمد من حديث ابن مسعود والطبراني نحوه ومسلم عن عائشة نحوه والترمذي والحاكم عن عمران بن حصين نحوه وقوله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري وقوله عليه الصلاة والسلام ما من أحد من أصحابي يموت بأرض الا بعث قائدا ونور الهم يوم القيامة رواه الترمذي عن بريدة لِلنَّاسِ قيل هذا متعلق بخير امة قال ابو هريرة معناه خير الناس للناس يجيئون بهم فى السلاسل فتدخلونهم فى الإسلام أخرجه ابو عمرو- قلت رجال هذه الامة اكثر إرشادا وأقوى تأثيرا فى الناس بالجذب الى الله تعالى من رجال الأمم ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 111]

السابقة وكان قطب ارشاد كمالات الولاية على عليه السلام ما بلغ أحد من الأمم السابقة درجة الأولياء الا بتوسط روحه رضى الله عنه ثم كان بتلك المنصب الائمة الكرام ابناؤه الى الحسن العسكري وعبد القادر الجيلي ومن ثم قال ووقتى قبل قلبى قد صفالى وهو على ذلك المنصب الى يوم القيامة ومن ثم قال شعرا: فلت شموس الأولين وشمسناه ... ابدا على أفق العلى لا تغرب وقيل للناس متعلق باخرجت يعنى أخرجت للناس تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ استيناف لبيان خيريتهم او خبرثان لكنتم او صفة ثانية لامة والمراد تفضيلهم على امم موصوفين بهذه الصفات يعنى كنتم امة كذلك خيرا من كل امة كذلك وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ قيل المراد بالايمان بالله الايمان بكل ما يجب ان يؤمن به لانه المعتد به يدل عليه قوله تعالى ولو أمن اهل الكتب مع كونهم مؤمنين بالله وقوله عليه الصلاة والسلام فى حديث طلحة بن عبيد الله أتدرون ما الايمان بالله وحده قالوا الله ورسوله اعلم قال شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وإيتاء الزكوة وصيام رمضان وان تعطوا من المغنم الخمس متفق عليه وانما اخر ذكر الايمان وكان حق الايمان بالله ان يقدم لقصد الاشعار على انهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ايمانا بالله وتصديقا لا رياء فصار كانه قيد للامر بالمعروف او لقصد ارتباط قوله وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ كلهم كما تؤمنون لَكانَ خَيْراً لَهُمْ فانهم يدخلون حينئذ فى خير الأمم قلت وجاز ان يكون المراد بالايمان بالله الايمان الحقيقي يعنى تخلية القلب عما سواه وتزكية النفس عن الرذائل وتمرينه بالمحبة الصرفة التي لا تشوب فيها اقتضاء نفسه من الأغراض الدنيوية او الاخروية مِنْهُمُ اى من اهل الكتاب الْمُؤْمِنُونَ ايمانا يعتد به كعبد الله بن سلام وأصحابه وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) الخارجون عن الايمان الى الكفر هذه الجملة مبيّنة لما سبق فان المطلوب ايمان الجميع والموجود ايمان بعضهم دون أكثرهم وفيه دفع لسوء الظن بالمؤمنين منهم الذي نشاء من قوله تعالى ولو أمن إلخ. لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً اى ضرارا يسيرا باللسان ونحوه قال مقاتل لمّا أراد رءوس اليهود السوء بمن أمن منهم عبد الله بن سلام وأصحابه انزل الله تعالى هذه ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 112]

الاية لتسليتهم وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ اليهود ايها المؤمنون يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ منهزمين ولا يضروكم بقتل او نهب او اسر ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) بل يكون النصر لكم عليهم هذه الاية بيان لقوله لن يضرّوكم وهو اخبار بالغيب وقد وقع كذلك على قريظة والنضير وبنى قينقاع وخيبر وفدك. ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ اى اليهود الذِّلَّةُ اى الهوان وذلك بسلب العصمة عن دمائهم وأموالهم وأهليهم أَيْنَ ما ثُقِفُوا وجدوا إِلَّا متلبسين بِحَبْلٍ كائن مِنَ اللَّهِ يعنى القران او دين الإسلام الحاكم بعدم تعرض الكفار المستأمنين واهل الذمة قال الله تعالى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ وقال حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ عهد من المؤمنين بالأمان بعد الاستيمان او عقد الذمة بعد قبول الجزية فالمراد بحبل الله وحبل الناس واحد ولو كان كل واحد منهما على حدة لكان الأنسب او مقام الواو- والمستثنى منصوب على الحالية يعنى ضربت عليهم الذلة فى جميع الأحوال الا فى حال الاستيمان او عقد الذمة وَباؤُ اى رجعوا الى ما كانوا عليه من الموت او الحيوة بعد الموت قال الله تعالى كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ مستوجبين له وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ فهى محيطة بهم «1» احاطة البيت المضروب على اهله يعنى ضربت عليهم البخل والحرص فان البخيل لا ينفق ماله ويكون دائما على هيئة المساكين والحريص يكون دائما فى تعب وجدّ لطلب المال قال البيضاوي اليهود غالبا فقراء مساكين ذلِكَ اى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ اى بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ يعنى انهم يعرفون كونهم ظالمين غير محقين ذلِكَ الكفر والقتل بِما عَصَوْا ربهم تعنتا وعنادا عمدا لا خطأ وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) حدود الله وقيل معناه ان ضرب الذلة فى الدنيا واستيجاب الغضب فى الاخرة كما هو معلل بكفرهم وقتلهم فهو مسبب على عصيانهم واعتدائهم من حيث انهم مخاطبون بالفروع ايضا قلت وعلى هذا التأويل كان المناسب إيراد العاطف بين الاشارتين-

_ (1) فى الأصل به-

[سورة آل عمران (3) : آية 113]

اخرج ابن ابى حاتم والطبراني وابن مندة فى الصحابة عن ابن عباس قال لمّا اسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن شعبة وأسيد بن تبيعة واسد بن عبيد ومن اسلم من يهود معهم فامنوا وصدقوا ورغبوا فى الإسلام قالت أحبار يهود واهل الكفر منهم ما أمن بمحمد وتبعه الّا شرارنا ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين ابائهم وذهبوا الى غيره فانزل الله فى ذلك. لَيْسُوا سَواءً الى قوله مِنَ الصَّالِحِينَ واخرج احمد والنسائي وابن حبان عن ابن مسعود قال اخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة العشاء ثم خرج الى المسجد فاذا الناس ينتظرون الصلاة فقال اما انه ليس من اهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم وأنزلت هذه الاية لَيْسُوا سَواءً يعنى ليست اليهود متساويين فيما ذكر من المساوى بل منهم على ضد ما ذكر بيانه قوله تعالى مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ فى الصلاة كما يدل عليه ما بعده- وقال ابن عباس اى مهتدية قائمة على امر الله لم يضيعوه- وقال مجاهد عادلة من أقمت العود فقام- وقال السدى مطيعة قائمة على كتاب الله وحدوده والمراد بهذه الامة عبد الله بن سلام وأمثاله من اليهود يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ اى القران حال من فاعل قائمة او صفة بعد صفة لامة آناءَ اللَّيْلِ اى ساعاته واحده انى ظرف للقيام والتلاوة وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) عطف على قائمة وجاز ان يكون حالا من فاعل قائمة ومعناه وهم يصلون قال ابن مسعود المراد به صلوة العشاء لان اهل الكتاب لا يصلونها- وعن عبد الله بن عمر قال مكثنا ذات ليلة ننتظر الصلاة العشاء الاخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل فلا ندرى الشيء شغله او غير ذلك فقال حين خرج انكم تنتظرون صلوة ما ينتظرها اهل دين غيركم ولولا ان يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ثم امر المؤذن فاقام الصلاة وصلى رواه مسلم قلت والظاهر ان المراد به قيام الليل دون صلوة العشاء لان سياق الاية يقتضى كون دوام حالهم ذلك رقصة تأخير صلوة العشاء واقعة حال ونزول الاية فى تلك القصة لم يذكر فى الصحيح- وايضا صيغة يتلون للجمع والتالي فى صلوة العشاء انما هو الامام دون القوم الا مجازا- وقال عطاء المراد بامة قائمة أربعون «1» رجلا من اهل نجران من العرب واثنان «2»

_ (1) فى الأصل أربعين (2) فى الأصل اثنين-

[سورة آل عمران (3) : آية 114]

وثلاثون «1» من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه السلام وصدقوا محمّدا صلى الله عليه وسلم وكان من الأنصار فيهم عدة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم منهم اسعد بن زرارة والبراء ابن معرور ومحمد بن مسلمة ومحمود بن مسلمة وابو قيس صرمة بن انس كانوا موحدين يغتسلون من الجنابة ويقومون لما عرفوا من شرائع الحنيفة حتى جاءهم الله بالنبي صلى الله عليه وسلم فصدقوه ونصروه. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ لكمال خشيتهم وقصر أملهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بادروا بالأعمال هرما ناغضا وموتا خالسا ومرضا حابسا وتسويفا مويسا- رواه البيهقي عن ابى امامة وقوله يؤمنون وما عطف عليه صفات اخر لامة وصفهم بخصائص متضادة لخصائص اليهود فانهم كانوا منحرفين عن الحق نائمين غافلين بالليل والنهار مشركين بالله ملحدين فى صفاته واصفين اليوم الاخر بخلاف ما هو عليه آمرون بالمنكر ناهون عن المعروف يسارعون فى الشرور وَأُولئِكَ الموصوفون «2» بتلك الصفات على وجه الكمال مِنَ الصَّالِحِينَ (114) ممن صلحت أجسادهم بصلاح قلوبهم وزكاء نفوسهم. وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ يعنى لن نضيعه ولن ننقص ثوابه سمى ذلك كفرانا كما سمى توفية الثواب شكرا وعدى الى المفعولين لتضمنه معنى الحرمان قرا حمزة والكسائي وحفص بالياء على الغيبة اخبارا عن الامة القائمة على نسق ما سبق والباقون بالتاء على نسق كنتم خير امّة وابو عمرو يرى القرائتين جميعا وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) تبشير وتعليل لقوله تعالى فلن يكفروه فان علم الكريم بحسنات عبده علة للاثابة وفيه اشعار بان الصالح والمتقى اسماء للموصوفين بالصفات المتقدمة. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً مر تفسيره فى أوائل السورة وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ ملازموها هُمْ فِيها خالِدُونَ (116) . َلُ ما يُنْفِقُونَ ما مصدرية اى مثل انفاق الكفار عداوة للنبى صلى الله عليه وسلم او مفاخرة وبطرا كانفاق كفار قريش فى الحروب او تقربا كانفاق اليهود على علمائهم وكفار قريش للاصنام او رياء كانفاق المنافقين ي

_ (1) فى الأصل وثلثين- (2) فى الأصل الموصوفين-[.....]

[سورة آل عمران (3) : آية 118]

ِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ اى برد شديد كذا فى القاموس وحكى عن ابن عباس انها السموم الحارة التي تقتل صابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالكفر والمعاصي أَهْلَكَتْهُ يعنى كما ان الريح المذكور تهلك الحرث كذلك انفاق الكفار أموالهم تهلكهم باستجلاب الانفاق عذاب الله إليهم او باستيصال أموالهم بلا منفعة فى الدنيا ولا فى الاخرة- وجاز ان يكون ما فى ما ينفقون موصولة والتشبيه مركبا أريد تشبيه القصة بالقصة ولذلك لم يبال بإدخال كلمة التشبيه على الريح دون الحرث ويجوز ان يراد تشبيه المال الذي أنفقوه وضيعوه بالحرث المذكور ويقدر كمثل مهلك ريح وهو الحرث ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ بذلك لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) بارتكاب انفاق أموالهم لا على وجه يفيدهم عند الله تعالى او بارتكاب ما استحق به اهل الحرث العقوبة- اخرج ابن جرير وابن إسحاق عن ابن عباس قال كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من اليهود لما كان بينهم من الجوار والحلف فى الجاهلية فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً البطانة السريرة ويقال الصاحب الذي يعرّفه الرجل أسراره ثقة به مِنْ دُونِكُمْ اى من دون المسلمين اى من هو ادنى منكم رتبة وأسفل فيه نعت للمسلمين بانهم هم الأعلون فى الدنيا والاخرة وارشاد على طلب الأعالي للمصاحبة دون الأداني فان العزلة خير من الجليس السوء والجليس الصالح خير من العزلة- وصيغة من دونكم يشتمل اهل الأهواء ايضا من الروافض والخوارج وغيرهم فلا يجوز مباطنتهم كما لا يجوز مباطنة الكفار وقوله من دونكم متعلق بقوله لا تتخذوا او ظرف مستقر صفة لبطانة اى لا تتخذوا من دون المسلمين بطانة او بطانة كائنة من دونهم لا يَأْلُونَكُمْ اى لا يقصرون اى من هو على غير دينكم لكم خَبالًا شرا وفسادا بل يبذلون جهدهم فيما يورثكم شرا وفسادا منصوب على انه مفعول ثان للايألونكم على تضمين معنى المنع او النقص او منصوب بنزع الخافض اى لا يألونكم فى الخبال وَدُّوا ما عَنِتُّمْ ما مصدرية اى تمنوا شدة الضر والمشقة بكم قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ حيث لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم فيقولون فيكم ما يسوءكم بلا اختيار وقصد وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ من البغضاء أَكْبَرُ مما يبدون لانهم ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 119]

يظهرون مودتكم مكرا وخديعة قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ الدالة على عداوتهم او على وجوب الإخلاص لله وموالات المؤمنين ومعادات الكفار والجمل الاربعة «1» مستانفات على التعليل ويجوز ان يكون الثلاث الاول صفات لبطانة- وعلى كلا التقديرين التعليل بهذه الجمل او التقييد بها يفيد ان الكافر إذا لم يكن له عداوة مع مؤمن لاجل إيمانه ولا يقصد خبالا وكان بينه وبين مؤمن مودة لقرابة او غير ذلك لا بأس به كما كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ابى طالب وعباس قبل إسلامه عن عباس رضى الله عنه انه قال يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشىء فانه كان يحومك او يغضب لك قال نعم هو فى الضحضاح فى الأصل ما اجتمع من الماء على وجه: الأرض ما يبلغ الكعبين فاستعير للنار- نهايه منه رح ضحضاح من نار ولولا انا لكان فى الدرك الأسفل من النار- رواه مسلم واخرج البزار مثله عن جابر ومسلم عن حذيفة وابى سعيد الخدري إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) شرط استغنى عن الجزاء بما سبق يعنى فانتهوا عن موالاتهم وعادوهم او أخلصوا لله ووالوا المسلمين. ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ لقرابتهم منكم او لصداقتهم وَلا يُحِبُّونَكُمْ لمخالفة فى الدين- ها للتنبيه عن غفلتهم فى خطائهم وأنتم مبتدا وأولاء خبره يعنى أنتم أولاء الخاطؤن فى محبة الكفار وما بعده جملة مبينة لخطائهم قال الرضى الجملة الواقعة بعد اسم الاشارة لبيان المستغرب ولا محل لها من الاعراب وهى مستانفة- وقال البيضاوي هو خبر ثان لانتم او خبر لاولاء والجملة خبر أنتم وجاز ان يكون أولاء بمعنى الذي وما بعده صلته والموصول مع الصلة خبر أنتم وجاز ان يكون جملة تحبونهم حالا والعامل فيه معنى الاشارة وجاز ان يكون أولاء منادى بحذف حرف النداء وما بعده خبر أنتم يعنى أنتم يا أولاء الخاطئون بموالات الكفار تحبونهم- وجاز ان يكون أولاء منصوبا بفعل يفسره ما بعده والجملة خبر أنتم والمشار اليه باولاء الكفار والواو فى ولا يحبّونكم للحال والمعنى ها أنتم ايها المؤمنون تحبون أولاء الكفار والحال انهم لا يحبونكم وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ واللام للجنس اى تؤمنون بجنس الكتب كله- او للعهد اى تؤمنون بالتورية كلها- والجملة حال من مفعول لا يحبونكم بتقدير المبتدا حتى يصح الواو للحال تقديره وأنتم تؤمنون وتقديم المسند اليه على الخبر الفعلى للحصر يعنى الكفار لا يؤمنون والمعنى لا يحبونكم والحال أنتم تؤمنون بكتابهم

_ (1) فى الأصل الأربع-

[سورة آل عمران (3) : آية 120]

كله فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بشىء من كتابكم بل لا يؤمنون بكل التورية ايضا حيث ينكرون نعت النبي صلى الله عليه وسلم وفيه توبيخ بانهم فى باطلهم أصلب منكم فى حقكم وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا نفاقا آمَنَّا كما أمنتم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقران وَإِذا خَلَوْا الى أنفسهم عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ أجل الْغَيْظِ فى الصحاح الغيظ أشد غضب وهو الحرارة التي يجدها الإنسان فى ثور ان دم قلبه يعنى يعضون انا ملهم تأسفا وتحسرا حين يرون دولتكم ولا يجدون سبيلا الى اضراركم من أجل غيظهم عليكم او لكراهتهم قولهم أمنا واضطرارهم اليه- وجاز ان يكون هذا مجازا عن شدة الغيظ وان لم يكن ثمه عض قُلْ يا محمد او خطاب لكل مؤمن وتحريض لهم بعداوتهم وحث لهم بخطابهم خطاب الأعداء فانه اقطع للمحبة من جراحة السنان مُوتُوا ايها الكفار والمنافقون بِغَيْظِكُمْ قيل هذا دعاء عليهم بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوة الإسلام وفيه ان المدعو عليه لا يخاطب بل الله سبحانه يخاطب فى الدعاء والظاهر انه اخبار بانكم لن تروا ما يسركم واعلام بانا مطلعون على عداوتكم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) اى بامور ذات الصدور يعنى ما فى صدورهم من الغيظ وهو يحتمل ان يكون داخلا فى المقول اى قل لهم ان الله يعلم ما فى قلوبكم فيفضحكم فى الدنيا ويعذبكم فى الاخرة ولا يفيدكم اخفاؤكم- وجاز ان يكون خارجا عنه متصلا بما قبله كالجمل اللاحقة يعنى وان لم تعلموا انهم لا يحبونكم ويعضون عليكم الأنامل فالله يعلم ذلك فعليكم اتباع ما أمركم الله به من البغض فى الله دون المحبة لاجل وصلات بينكم-. إِنْ تَمْسَسْكُمْ ايها المؤمنون حَسَنَةٌ نعمة من ظهور الإسلام وغلبتكم على عدوكم ونيل الغنيمة وخصب فى المعاش تَسُؤْهُمْ تحزنهم ذلك حسدا وفى لفظا المس اشعار الى انهم يحزنون على ادنى حسنة أصابتكم وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ اى ما يسوءكم من إصابة عدو منكم او حدب او نكبة يَفْرَحُوا بِها شماتة بما أصابكم الجملة الشرطية بيان لتناهى عداوتهم متصلة بالشرطية السابقة وبينهما اعتراض وَإِنْ تَصْبِرُوا على إذا هم او على المصائب كلها او ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 121]

على مشاق التكليف وَتَتَّقُوا موالاتهم وغيرها مما حرم الله عليكم لا يَضُرُّكُمْ قرا اهل الكوفة والشام بضم الضاد والراء من الضرر مجزوم فى جواب الشرط وضمة الراء للاتباع كضمة مد واهل الحرمين والبصرة بكسر الضاد وسكون الراء للجزم من ضار يضير الأجوف كَيْدُهُمْ يعنى قصد الكفار اضراركم على سبيل الإخفاء شَيْئاً من الضر يعنى لا يضركم كيدهم بفضل الله وحفظه الموعود للصابرين والمتقين ولان المجد فى الأمر المتدرب بالاتقاء والصبر يكون قليل الانفعال جريّا على الخصم ولان المؤمن يرجو فى المصيبة ثوابها الموعود فيفرح بها أشد مما يفرح فى النعمة والعاشق بعلمه ان ما أصابه انما هو من محبوبه يلتذّ بالمصيبة اكثر مما يلتذّ بالنعمة لان مراد المحبوب ألذّ عنده من مراد نفسه عن ابن عباس قال كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سالت فاسئل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشىء لم ينفعوك الا بشىء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا ان يضروك بشىء لم يضروك الا بشىء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجف الصحف- رواه احمد والترمذي وقال حسن صحيح وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لا علم اية لو أخذ الناس بها لكفتهم وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ رواه احمد وابن ماجة والدارمي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ربكم عز وجل لو ان عبيدى أطاعوني لاسقيت عليهم المطر بالليل واطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد- رواه احمد وعن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لامر المؤمن ان امره له كله خير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له رواه مسلم إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ اى الكفار من اضرارهم بالمؤمنين مُحِيطٌ (13) بعلمه فيجازيهم عليه ويحفظكم عن اضرارهم ان شاء ويجازيكم على الضراء ان أراد بكم. وَاذكر إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ تنزلهم وتسوّى وهى لهم مَقاعِدَ مواطن ومواقف من الميمنة والقلب والساقة لِلْقِتالِ متعلق ... ...

بتبوئ وَاللَّهُ سَمِيعٌ لاقوالهم عَلِيمٌ (131) لنياتهم قال الحسن هو يوم بدر وقال مقاتل يوم الأحزاب- وقال سائر المفسرين وهو الصحيح انه هو يوم أحد اخرج ابن ابى حاتم وابو يعلى عن المسور بن مخرمة انه قال لعبد الرحمن بن عوف أخبرني عن قصتكم يوم أحد قال اقرأ بعد العشرين ومائة من ال عمران تجد قصتنا وإذ غدوت من أهلك الى قوله إذ همّت طائفتن منكم ان تفشلا قال هم الذين طلبوا الامان من المشركين الى قوله وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ الاية قال هو تمنى المؤمنين لقاء العدو الى قوله أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ قال هو صاح الشيطان يوم أحد قتل محمد الى قوله أَمَنَةً نُعاساً قال القى عليهم النوم الى اخر «1» ستين اية (يعنى الى قوله تعالى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ويتلوه قوله تعالى لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ) قال ابن إسحاق رحمه الله وكان مما انزل الله تعالى فى يوم أحد يعنى فى شأن يوم أحد ستون اية من ال عمران فيها صفة ما كان فى يومهم ذلك ومعاتبة من غاب منهم قال مجاهد والكلبي والواقدي غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزل عائشة رضى الله عنها فمشى على رجليه الى أحد فجعل يصف أصحابه للقتال كما يقوم القدح- واخرج ابن جرير والبيهقي فى الدلائل من طريق محمد بن إسحاق عن رجاله ورواه عبد الرزاق فى مصنفه عن معمر عن الزهري ان المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء ثانى عشر شوال سنة ثلاث من الهجرة وكانوا ثلاثة آلاف فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن ابى بن سلول ولم يدعه قط قبلها فقال هو واكثر الأنصار أقم يا رسول الله بالمدينة لا تخرج إليهم فو الله ما خرجنا الى عدو منا قط الا أصاب منا ولادخلها علينا الا أصبنا منه فكيف وأنت فينا فدعهم فان أقاموا أقاموا بشر مجلس وان دخلوا قاتلهم الرجال فى وجوههم ورماههم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وان رجعوا رجعوا خائبين فاعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأى وكان هذا رأى الأكابر من المهاجرين والأنصار وقال حمزة بن عبد المطلب وسعد بن عبادة والنعمان بن مالك فى طائفة من الأنصار رضى الله عنهم (غالبهم احداث لم يشهدوا البدر وطلبوا الشهادة وأحبوا إلقاء العدو وأكرمهم الله بالشهادة يوم الأحد) اخرج بنا يا رسول الله الى هذه الا كلب لا يرون انا حببنا عنهم وضعفنا- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) فى الأصل الى الأخر

انى رايت فى منامى بقرا فاولتها خيرا ورايت فى ذباب سيفى ثلما فاولتها هزيمة ورايت انى ادخلت يدى فى درع حصينة فاولتها المدينة فان رايتم ان تقيموا بالمدينة وكان يعجبه ان يدخلوا عليهم المدينة فيقاتلوهم فى الازقة- روى احمد والنسائي والدارمي بسند صحيح بلفظ رايت فى درع حصينة ورايت بقرا تنحر فاولت ان الدرع الحصينة المدينة وان البقر خير والله- وروى البزار والطبراني عن ابن عباس قال لما نزل ابو سفيان وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه انى رايت فى المنام سيفى ذا الفقار انكسر وهى مصيبة ورايت بقرا تذبح وهى مصيبة ورايت علىّ درعى وهى مدينتكم لا يصلون إليها ان شاء الله قال ابن إسحاق وابن عقبة وابن سعد وغيرهم كانت هذه الرؤيا ليلة الجمعة- قال عروة وكان الذي راى بسيفه ما أصاب وجهه- وقال ابن هشام واما الثلم فى السيف فرجل من اهل بيتي يقتل وفى رواية ثم هززته يعنى السيف مرة اخرى فعاد احسن ما كان فاذا هو ما جاء الله به من الفتح- وقال حمزة والذي انزل عليك لا اطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفى خارج المدينة وكان يوم الجمعة صائما ويوم السبت صائما- وقال «1» النعمان بن مالك يا رسول الله لا تحرمنا الجنة فو الذي نفسى بيده لادخلنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال انى أحب الله ورسوله وفى لفظ اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله ولا أفر يوم الزحف فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت فاستشهد يومئذ وحث مالك بن سنان الخدري وإياس بن عتيك على الخروج للقتال- فلما أبوا الا ذلك صلى الجمعة بالناس فوعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد وأخبرهم ان لهم النصر ما صبروا ففرح الناس بالشخوص الى عدوهم وكره ذلك المخرج بشر كثير وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالناس وحضر اهل العوالي ورفعوا النساء فى الآطام ودخل بيته ومعه ابو بكر وعمر وقد صف الناس له ما بين حجرته الى منبره ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقال للناس استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلتم له ما قلتم والوحى ينزل اليه من السماء فردوا الأمر اليه فما أمركم به فافعلوا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس لامته ولبس الدرع اى السلاح- منه رح

_ (1) فى الأصل وقال وقال

فاظهرها وحزم وسطه بمنطقة من حمائل السيف من آدم واعتم وتقلد السيف- وندم الناس على إكراهه فقالوا يا رسول الله استكرهناك ولم يكن لنا ذلك فان شئت فاقعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعوتكم الى هذا الحديث فابيتم وما ينبغى لنبى إذا لبس لامته ان يضعها حتى يقاتل انظروا ما أمركم به فاتبعوه امضوا على اسم الله فلكم النصر ما صبرتم ووجد مالك بن عمرو النجاري قد مات ووضعوه عند موضع الجنائز فصلى عليه ثم خرج ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه السكب وتقلد القوس وسعد بن عبادة وسعد بن معاذ وكل منهما دارع والناس عن يمينه وشماله حتى «1» إذا انتهى الى رأس الثنية رأى كتيبة خشنا لها رحل فقال ما هذا قالوا «2» هؤلاء حلفاء عبد الله بن ابى من اليهود فقال اسلموا فقيل لا فقال انا لا نستنصر باهل الشرك على اهل الشرك وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فعسكر بالشيخين وهما اطمان- وعرض «3» على رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكر فاستصغر غلمانا فردهم رد سبعة عشر وهم أبناء اربعة عشر وعرضوا عليه وهم أبناء خمسة عشر فاجازهم منهم عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت واسامة بن زيد وزيد بن أرقم والبراء بن عاذب وابو سعيد الخدري وأوس بن ثابت الأنصاري- وأجاز رافع بن خديج بعد الرد لما قيل انه رام فقال سمرة بن جندب أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج وردنى وانا اصرعه فاعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تصارعا فصرع سمرة رافعا فاجازه- فلما فرغ العرض وغابت الشمس اذن بلال بالمغرب فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثم اذن بالعشاء فصلى بهم وبات بالشيخين واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة فى خمسين رجلا يطوفون بالعسكر ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان السحر فصلى الصبح ثم قال اين الأدلاء من رجل يخرج بنا من كثب لا يمر بنا عليهم فقام ابو خثيمة الحارثي فقال انا يا رسول الله فسلك به فى حرة بنى حارثة وبين أموالهم حتى سلك فى مال لمربع بن قنطى وكان منافقا ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثو التراب فى وجوههم ويقول ان كنت رسول الله فانى لا أحل لك ان تدخل حائطى وأخذ حفنة من تراب ثم قال والله لو اعلم انى لا أصيب غيرك لضربت بها وجهك- فابتدر لا القوم

_ (1) فى الأصل حتى انتهى. (2) فى الأصل قال. (3) فى الأصل وعرض رسول الله.

[سورة آل عمران (3) : آية 122]

ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر وقد بدر اليه سعد بن زبدة الأشهلي قبل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه بالقوس فشجه- وكان رسول الله خرج الى أحد فى الف رجل وقيل فى تسعمائة وخمسين رجلا فلما بلغوا بالمهملات الخلط اى مقام خلط العسكرين- منه رح السوط انحزل عبد الله بن ابى بثلث الناس ورجع فى ثلاثمائة وقال علام نقتل أنفسنا وأولادنا فتبعهم ابو جابر السلمى فقال أنشدكم فى نبيكم وفى أنفسكم فقال عبد الله بن ابى لو نعلم قتالا لاتّبعنكم وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبعمائة وفرسه وفرس لابى بردة وقال ابن عقبة لم يكن مع المسلمين فرس- وهمت بنوا سلمة من الخزرج وبنوا حارثة من الأوس وكانا جناحى العسكر بالانصراف مع عبد الله بن أبيّ فعصمهم الله فلم ينصرفوا فذكّرهم الله تعالى عظيم نعمته وقال. إِذْ هَمَّتْ بدل من قوله إذ غدوت او ظرف عمل فيه سميع عليم طائِفَتانِ يعنى بنى حارثة وبنى سلمة مِنْكُمْ فيه تعريض على ابن أبيّ انهم ليسوا منكم ولذا لم يذكر رجوعهم أَنْ تَفْشَلا اى ان تجبنا وتضعفا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما اى محبهما او المعنى عاصمهما عن اتباع تلك الخطرة او المعنى والله ناصرهما ومتولى أمرهما فما لهما تفشلان ولا يتوكلان وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وتقديم الظرف للحصر يعنى فليتوكلوا عليه لا على غيره فلا يفشلوا بفرار المنافقين عن جابر بن عبد الله قال فينا نزلت هذه الاية- قالوا ما سرّنا انا لم نهم بالذي هممنا به وقد اخبر الله تعالى انه ولينا- ثم ذكّرهم ما يوجب التوكل مما يسّر لهم الله من الفتح يوم بدر وهم فى حالة قلة وذلة فقال. وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ الأكثرون على ان بدرا اسم لموضع بين مكة والمدينة وقيل اسم لبير هناك قيل كانت بدر بيرا «1» الرجل يقال له بدر قاله الشعبي وأنكره الآخرون وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ جمع ذليل حال من الضمير- وانما قال اذلة ولم يقل ذلائل ليدل على قلتهم مع ذلتهم لضعف الحال وقلة المراكب والسلاح فانهم كانوا ثلاثمائة رجل «2» ومعهم سبعين بعيرا يعتقبون عليها وفرسان فرس لمقداد وفرس لزبير بن العوام فَاتَّقُوا اللَّهَ فى الثبات لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) ما أنعم به عليكم بتقواكم من نصره او لعلكم بنعم الله عليكم فتشكرون فوضع الشكر موضع الانعام لانه سببه وفيه تنبيه

_ (1) فى الأصل بير- (2) فى الأصل رجلا-

[سورة آل عمران (3) : آية 124]

على انه لا بد ان يكون نظر العبد فى الانعام على الشكر وانه انما يرغب فى الانعام لانه وسيلة للشكر. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ظرف لنصركم على ما قال قتادة انه كان هذا يوم بدر أمدهم الله تعالى بألف من الملائكة كما قال فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف كما ذكر هاهنا- اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف وابن ابى حاتم عن الشعبي انه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين يوم بدر ان كرز بن جابر المحاربي يريد ان يمد المشركين فشق ذلك عليهم فانزل الله تعالى أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) قرا ابن عامر بفتح النون وتشديد الزاء من التفعيل على التكثير هاهنا وفى العنكبوت انّا منزلون والآخرون بسكون النون والتخفيف من الانزال استفهام لانكار ان لا يكفيهم ذلك- وجئ بلن اشعارا بانهم كانوا كالايسين من النصر لضعهم وقلتهم وقوة العدو وكثرتهم. بَلى إيجاب لما بعد لن اى بلى يكفيهم ذلك- ثم وعدهم بالزيادة بشرط الصبر والتقوى حثّا عليهما وتقوية لقلوبهم إِنْ تَصْبِرُوا على القتال وَتَتَّقُوا خلاف ما يأمركم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وَيَأْتُوكُمْ اى المشركون مِنْ فَوْرِهِمْ هذا اى من ساعتهم هذه وهو فى الأصل مصدر فارت القدر فورا إذا غلت فاستعير للسرعة ثم اطلق للحال التي لا تراخى عنه والمعنى ان يأتوكم فى الحال حال ضعفكم وقوتهم- قلت الظاهر ان التقييد بالفور لا مفهوم له بل للترقى والمعنى ان يأتوكم بالتراخي بعد ما تقوون على قتالهم ينصركم الله بالطريق الاولى وان يأتوكم من فورهم هذا ايضا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ الامداد اعانة الجيش بالجيش بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) روى ابن ابى شيبة وابن ابى حاتم عن الشعبي انه بلغت كرزا الهزيمة فلم يمد المشركين فلم يمد المسلمين بخمسة آلاف والله اعلم- قرا ابن كثير وابو عمرو وعاصم مسوّمين بكسر الواو على وزن اسم الفاعل والباقون بالفتح على وزن اسم المفعول من التسويم بمعنى الاعلام «1» قال قتادة والضحاك كانوا قد اعلموا بالعهن فى نواصى الخيل وإذ نابها- واخرج ابن ابى شيبة فى المصنف

_ (1) اخرج الطبراني وابن مردوية بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى مسومين اى معلمين قال ابن عباس كان سماء الملائكة يوم بدر عمائم سود ويوم أحد عمائم حمر- منه رحمه الله

عن عمرو بن إسحاق مرسلا انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه يوم بدر تسوّموا فان الملائكة قد تسوّمت بالصوف الأبيض فى قلانسهم ومغافرهم «1» - وكذا اخرج ابن جرير وزاد وقال وهو أول يوم وضع فيه الصوف او بمعنى الاسامة يعنى الإرسال يعنى مرسلين قال عروة بن الزبير كانت الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم صفر- وقال على وابن عباس رضى الله عنهم كانت عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم- وقال هشام بن عروة والكلبي عليهم عمائم صفر مرخاة على أكتافهم- قال قتادة فصبروا يوم بدر واتقوا فامدهم بخمسة آلاف كما وعد- وقال الحسن فهؤلاء الخمسة آلاف ردء للمؤمنين الى يوم القيامة يعنى بشرط الصبر والتقوى وقال ابن عباس ومجاهد لم يقاتل الملائكة فى المعركة الا يوم بدر وفيما سوا ذلك يشهدون القتال ولا يقاتلون انما يكونون عددا ومددا- وقال جماعة وعد الله المسلمين يوم بدر ان صبروا على طاعته واتقوا محارمه ان يمدهم فى حروبهم كلها فلم يصبروا الا فى يوم الأحزاب- فامدهم حين حاصروا قريظة والنضير- قال عبد الله بن ابى اوفى كنا محاصرى قريظة والنضير ما شاء الله تعالى فلم يفتح لنا فرجعنا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل فهو يغسل رأسه إذ جاءه جبرئيل عليه السلام فقال وضعتم أسلحتكم ولم يضع الملائكة أوزارها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخرقة فلف بها رأسه ولم يغسله ثم نادى فينا فقمنا حتى اتينا قريظة والنضير فيومئذ امدّنا الله تعالى بثلاثة آلاف من الملائكة ففتح لنا فتحا يسيرا- وقال الضحاك وعكرمة كان قوله تعالى إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ الاية حكاية عن يوم أحد وعدهم المدد ان صبروا واتقوا فلم يصبروا وخالفوا الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يمدوا وعلى هذا قوله تعالى إِذْ تَقُولُ بدل ثان من إذ غدوت- وقال مجاهد والضحاك معنى قوله تعالى من فورهم من غضبهم هذا لانهم انما رجعوا للحرب يوم أحد من غضبهم ليوم بدر وقد امدّ الله تعالى رسوله فى تلك الوقعة بجبرئيل وميكائيل لصبره وتقواه عن سعد بن ابى وقاص قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كاشد القتال ما رايتهما قبل ولا بعد متفق عليه والرجلان جبرئيل وميكائيل- قال محمد بن إسحاق لما كان يوم أحد

_ (1) المغفر هو ما يلبسه الدارع على رأسه من الرادع- منه رحمه الله

[سورة آل عمران (3) : آية 126]

انجلى القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي سعد بن مالك يرمى وفتى شاب ينبل له فلما فنى النبل أتاه به جبرئيل فنثره فقال ارم أبا إسحاق مرتين فلما انجلت المعركة سئل عن ذلك الرجل فلم يعرف. وَما جَعَلَهُ اللَّهُ اى ما جعل امدادكم بالملائكة إِلَّا بُشْرى اى بشارة لَكُمْ بالنصر وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ «1» فلا تجزعون من كثرة أعدائكم وقلتكم فان الإنسان معتاد بتشبث الأسباب فيطمئن قلبه عند ملاحظة الأسباب بالنصر عند كثرة الأعوان وَمَا النَّصْرُ فى الحقيقة إِلَّا مِنْ «2» عِنْدِ اللَّهِ لا من العدة والعدد لان الأسباب كلها عادية وافعال العباد بشرا كان او ملائكة مخلوقة لله تعالى الْعَزِيزِ الغالب الذي لا يغلب عليه أحد الْحَكِيمِ (126) الذي ينصر او يخذل بوسط وبغير وسط على مقتضى الحكمة تفضلا من غير ان يجب عليه شىء. لِيَقْطَعَ متعلق بقوله لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ او بقوله يمددكم او بقوله وما النّصر ان كان اللام للعهد طَرَفاً اى طائفة مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا فى القاموس الطرف الناحية وطائفة من الشيء والرجل الكريم يعنى نصركم لكى يهلك جماعة منهم فقتل من قادتهم وسادتهم يوم بدر سبعون واسر سبعون- ومن حل الاية على حرب أحد فقال قد قتل منهم يومئذ ستة عشر وكانت النصرة للمؤمنين حتى خالفوا امر رسول الله صلى الله عليه فانقلب عليهم أَوْ يَكْبِتَهُمْ فى الصحاح الكبت الرد بعنف وفى القاموس كبته يكبته صرعه وأخزاه وصرفه وكسر؟؟؟ رد العدو بغيظة واذلة قلت وهذه المعاني كلها لازمة للهزيمة وكلمة او للتنويع لا للترديد يعنى نصركم لكى يهلك طائفة من الكفار ويهزم سائرهم فَيَنْقَلِبُوا الى بلادهم خائِبِينَ (127) لم ينالوا شيئا مما أرادوا- روى مسلم واحمد عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته

_ (1) فى الأصل به قلوبكم. (2) عن عياض الأشعري قال شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء ابو عبيدة ويزيد بن ابى سفيان وابن حسنة وخالد بن الوليد وعياض وليس عياض هذا قال وقال عمر إذا كان قتالا فعليكم ابو عبيدة فكتبنا اليه انه قد جاء إلينا الموت فاستمددناه فكتب إلينا انه قد جاءنى كتابكم تستمدونى وانى أدلكم على من هو أعز نصرا واحضر جندا الله عز وجل فاستنصروه فان محمدا صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر فى اقل من عدتكم فاذا جاءكم كتابى هذا فقاتلوهم ولا تراجعونى فقاتلناهم فهزمنا اربع فراسخ- منه رح

[سورة آل عمران (3) : آية 128]

يوم أحد وشج وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال كيف يصلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم الى ربهم فانزل الله تعالى. لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ شىء اسم ليس ولك خبره واللام بمعنى الى كما فى قوله مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ ومن الأمر حال من شىء روى احمد والبخاري عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم العن فلانا وفى رواية اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحرث بن هشام اللهم العن سهيل بن عمرو اللهم العن صفوان بن امية فنزلت هذه الاية الى آخرها فتيب عليهم كلهم وروى البخاري عن ابى هريرة نحوه قال الحافظ ابن حجر طريق الجمع انه صلى الله عليه وسلم دعا على المذكورين فى صلاته بعد ما وقع له من الأمر المذكور يوم أحد فنزلت الاية فى الامرين معا فيما وقع له وفيما نشأ عنه من الدعاء عليهم- وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن إسحاق لما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يوم أحد ما نال أصحابهم من جزع الاذان والأنوف وقطع المذاكير قالوا لئن انا لنا الله منهم لنفعلن بهم مثل ما فعلوا ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد فانزل الله تعالى هذه الاية- وقيل أراد النبي ان يدعوا عليهم بالاستيصال فنزلت هذه الاية وذلك لعلمه تعالى فيهم بان كثيرا منهم يسلمون لكن يشكل ما رواه مسلم من حديث ابى هريرة انه صلى الله عليه وسلم كان يقول فى الفجر اللهم العن رعلا وذكوان وعصية حتى انزل الله تعالى هذه الاية فان قصة رعل وذكوان كان بعد ذلك وهم اهل بير معونة بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا من القراء ليعلموا الناس القران والعلم أميرهم المنذر بن عمرو- فقتلهم عامر بن الطفيل فوجد من ذلك وجدا شديدا وقنت شهرا فى الصلوات كلها يدعو على جماعة من تلك القبائل باللعن والسنين- قال الحافظ ثم ظهرت لى علة فى حديث ابى هريرة هذه وان فيه إدراجا فان قوله حتى انزل الله منقطع من رواية الزهري عمّن بلغه بيّن ذلك مسلم وهذا البلاغ لا يصح- ويحتمل ان يقال ان قصة رمل وذكوان كان عقيب غزوة أحد باربعة أشهر فى صفر سنة اربع من الهجرة فلعلها نزلت فى جميع ذلك وتأخير نزول الاية عن سبب نزولها قليلا غير مستبعد- وورد فى سبب نزول الاية ايضا ما أخرجه البخاري فى تاريخه وابن إسحاق عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جاء رجل من قريش الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 129]

انك تنهى عن الشيء ثم تحول فحول قفاه الى النبي صلى الله عليه وسلم وكشف استه فلعنه ودعا عليه فانزل الله تعالى هذه الاية ثم اسلم الرجل فحسن إسلامه وهو مرسل غريب أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ان اسلموا أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فى الدنيا بالقتل والاسر وفى الاخرة بالنار ان أصروا على الكفر فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) تعليل للتعذيب قال الفراء كلمة او فى قوله او يتوب عليهم بمعنى حتى وقال ابن عيسى انها بمعنى الّا ان كقولك لا لزمنك او تعطينى حقى يعنى ليس مفوضا إليك من أمرهم من التعذيب او الانجاء شىء حتى يتوب الله عليهم بإسلامهم فتفرح به او يعذبهم بظلمهم فتشفى منهم- وقيل يحتمل ان يكون او يتوب عليهم معطوفا على الأمر او على شىء بإضمار ان والمعنى ليس لك من أمرهم او من التوبة عليهم او من تعذيبهم شىء انما أنت عبد مامور بانذارهم وجهادهم والأمر كله لله قال التفتازانيّ فهو من قبيل عطف الخاص على العام وفى مثله بكلمة او نظر وأجيب بان هذا إذا كان الأمر بمعنى الشأن- ولك ان تجعل الأمر بمعنى التكليف والإيجاب- والمعنى ليس ما تأمر به من عندك وليس الأمر وإيجاب الواجبات بيدك ولا التوب عليهم ولا التعذيب قلت ولو كان نزول الاية متصلا بما قبله فالظاهر ان يكون قوله او يتوب عليهم معطوفا على قوله او يكبتهم والمعنى نصركم الله ببدر ليقطع ويهلك طائفة من الذين كفروا بالقتل او يكبت طائفة منهم بالهزيمة او يتوب على طائفة منهم بالإسلام او يعذب طائفة منهم بالأسر وأخذ الفدية فهو بيان لانواع احوال الكفار وقوله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ جملة معترضة لمنعه عن الدعاء عليهم. وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا وملكا فله الأمر كله لا لغيره يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ مغفرته بفضله بعد توفيقه للاسلام سواء تاب او لم يتب وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ تعذيبه صريح فى نفى وجوب التعذيب عليه وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) فلا تبادر بالدعاء عليهم- اخرج الفرياني عن مجاهد قال كانوا يتبايعون الى الاجل فاذا حل الاجل زادوا عليهم وزادوا فى الاجل فنزلت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً اى زيادات مكررة فهو نهى عن الربوا مع توبيخ على ما كانوا يعملونه لا ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 131]

للاحتراز وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما نهيتم عنه من الربوا وغيره لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) راجين الفلاح. وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) قال البيضاوي فيه تنبيه على ان النار بالذات معدة للكافرين وبالعرض لعصاة المؤمنين- قلت والظاهر ان النعت للتخصيص والنار المعدة للكافرين مغائرة للنار المعدة للعصاة فيكون فيه اشارة الى ان أكل الربوا يوجب قساوة القلب بحيث ربما يفضى الى الكفر ويؤيده ما فى المدارك انه كان ابو حنيفة رحمه الله يقول هى أخوف اية فى القران حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين ان لم يتقوه فى اجتناب محارمه وقد أمد ذلك بما اتبعه من تعليق رجاء المؤمنين لرحمته بتوفرهم على طاعته وطاعة رسوله بقوله. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) راجين رحمته وعلى كلا التأويلين يعنى سواء كانت النار بالذات معدة للكافرين وبالعرض للعصاة او كانت النار المعدة للكافرين مغائرة للنار المعدة للعصاة فى هذه الاية رد على المرجئة حيث قالوا لا يضر مع الايمان معصية قال اكثر المفسرين ان لعل وعسى من الله تعالى للتحقيق والظاهر انه لا يفيد الوجوب بل يفيد الرجاء مع بقاء الخوف وقال البيضاوي ان لعل وعسى فى أمثال ذلك دليل على عرة التوصل الى ما جعل خبرا له. وَسارِعُوا معطوف على أطيعوا قرا نافع وابن عامر بحذف واو العطف والباقون بالواو إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ قال ابن عباس الى الإسلام وروى عنه الى التوبة قاله عكرمة وقال على بن ابى طالب رضى الله عنه الى أداء الفرائض- وروى عن انس بن مالك انها التكبيرة الاولى ومرجع الأقوال كلها الى ما يستحق به مغفرة الذنوب الموجب للتفصى من النار ورحمة الله تعالى الموجب لدخول الجنة من الإسلام والاعتقادات الحقة والأخلاق والأعمال الصالحة وقد مر فيما سبق حديث ابى امامة بادروا بالأعمال هرما ناغضا الحديث وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بادروا بالأعمال سبعا ما تنظرون الا فقرا منسيا او غنى مطغيا او مرضا مفسدا او هرما مفندا او موتا مجهزا او الدجال فانه شر منتظر او الساعة والسّاعة أدهى وامرّ رواه الترمذي والحاكم عَرْضُهَا اى سعتها صفة للجنة السَّماواتُ وَالْأَرْضُ اى كعرضهما وسعتهما وهذا على التمثيل دون الحقيقة فان أوسع ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 134]

المسافات المكانية فى ظن العوام سعة السموات والأرض فمثل فى هذه الاية بها كما مثل فى قوله تعالى خلدين فيها ما دامت السّموات والأرض المسافة الزمانية للخلود فى الجنة بمدة دوامها يعنى عند ظنكم قال البغوي سئل انس بن مالك رضى الله عنه عن الجنة أفي السماء أم فى الأرض فقال فاى ارض وسماء تسع الجنة فقيل فاين هى قال فوق السموات السبع تحت العرش وقال قتادة كانوا يرون ان الجنة فوق السموات السبع وان جهنم تحت الأرضين السبع- اخرج ابو الشيخ فى العظيمة من طريق ابى الزعراء عن عبد الله قال الجنة فى السماء السابعة العليا (قلت يعنى فوقها) والنار فى الأرض السابعة السفلى قلت يعنى تحتها أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) حقيقة التقوى وهم الذين اتقوا من شغل قلوبهم بغير الله ومن رذائل أنفسهم ويجرى فيه التأويلان كما جريا فى النار التي أعدت للكافرين-. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ اى المسرة بكثرة المال وَالضَّرَّاءِ اى النقص فى الأموال كذا فى القاموس اى لا يخلون فى حال ما من الانفاق بما قدروا عليه من قليل او كثير قال البغوي أول ما ذكر من اخلاقهم الموجبة للجنة السخاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار وجاهل سخى أحب الى الله من عابد بخيل رواه الترمذي عن ابى هريرة وذكر البغوي بلفظ أحب الى الله من العالم البخيل- ورواه البيهقي عن جابر والطبراني عن عائشة وعن ابن عباس مرفوعا السخاء خلق الله الأعظم رواه ابن النجار- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم السخاء شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدليات فى الدنيا فمن أخذ يغصن منها قادة ذلك الغصن الى الجنة والبخل شجرة من أشجار النار أغصانها متدليات فى الدنيا فمن أخذ بغصن من أغصانها قاده ذلك الغصن الى النار رواه الدارقطني والبيهقي عن على عليه السلام وابن عدى والبيهقي عن ابى هريرة رضى الله عنه وابو نعيم فى الحلية عن جابر رضى الله عنه والخطيب عن ابى سعيد رضى الله عنه وابن عساكر عن انس رضى الله عنه والديلمي فى مسند الفردوس عن معاوية رضى الله عنه وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق درهم مائة الف فقال رجل وكيف ذاك يا رسول الله فقال رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة الف درهم تصدق بها ورجل ... ...

ليس له الا درهمان فاخذ أحدهما فتصدق به رواه النسائي وصححه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ الكظم حبس النفس عند امتلائها يعنى الكافين أنفسهم عن إمضاء الغيظ مع القدرة من كظمت القربة إذا ملاتها وشددت رأسها عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملا الله قلبه أمنا وايمانا رواه احمد وعبد الرزاق وابن ابى الدنيا فى ذم الغضب- وروى البغوي عن انس مرفوعا بلفظ من كظم غيظا وهو يقدران ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤس الخلائق حتى يخيره من اىّ الحور شاء وروى ابن ابى الدنيا عن ابن عمر مرفوعا من كف غضبه ستر الله عورته وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قال الكلبي العافين عن المملوكين سوء الأدب- وقال زيد بن اسلم ومقاتل العافين عمن ظلمهم وأساء إليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هؤلاء من أمتي قليل الا من عصم الله- رواه الثعلبي فى تفسيره عن مقاتل والبيهقي فى مسند الفردوس من حديث ابن مالك وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (133) اللام للجنس ويدخل تحته هؤلاء او للعهد فيكون اشارة إليهم ووضع المظهر موضع المضمر للمدح والاشارة الى ان تلك صفات المحسنين عن الثوري الإحسان ان تحسن الى المسيء فان الإحسان الى المحسن متاجّرة- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان فى الصحيحين من حديث عمر فى قصة سوال جبرئيل الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك قلت فالمحسنون هم الصوفية ولعل كظم الغيظ كناية عن فناء النفس لان الغيظ منشاه رذائل النفس من الكبر والحسد والحقد والبخل ونحو ذلك ولعل العفو عن الناس كناية عن فناء القلب لان بفناء القلب يسقط الناس عن نظر اعتباره ويرى الافعال كلها منسوبة الى الله تعالى فلا يرى جواز مواخذة أحد من الناس بشىء مما اتى به الا لحق الله تعالى على حسب ما امر به امتثالا وتعبدا ولعل الانفاق فى السراء والضراء عبارة عن عدم اشتغال قلوبهم بامتعة الدنيا والله اعلم- لمّا ذكر الله سبحانه فى هذه الاية المتقين المحسنين العارفين عقبهم بذكر اللاحقين ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 135]

بهم التائبين فقال. وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً فعلى هذا الموصول مبتدا وجملة أولئك جزاؤهم الاية خبره- وجاز ان يكون الموصول معطوفا على المتقين او على الذين ينفقون فعلى هذا جملة أولئك مستانفة والأظهر هو الاول قال ابن مسعود قال المؤمنون يا رسول الله كانت بنوا إسرائيل أكرم على الله منا كان أحدهم إذا أذنب أصبح وكفارته مكتوبة فى عتبة بابه اجدع انفك او اذنك افعل كذا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى هذه الاية- وقال عطاء نزلت فى نبهان التمّار وكنيته ابو معبد أتته امراة حسناء تبتاع منه تمرا فقال لها ان هذا التمر ليس بجيد وفى البيت أجود منه فذهب بها الى بيته فضمها الى نفسه وقبلها فقالت له اتق الله فتركها وندم على ذلك فاتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له فنزلت هذه الاية- وقال مقاتل والكلبي أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين أحدهما من الأنصار والاخر من ثقيف فخرج الثقفي فى غزاة واستخلف الأنصاري على اهله فاشترى لهم اللحم ذات يوم فلما أرادت المرأة ان تأخذ منه دخل على اثرها وقبل يدها ثم ندم وانصرف ووضع التراب على رأسه وهام على وجهه- فلما رجع عليه الثقفي لم يستقبله الأنصاري فسال امرأته عن حاله فقالت لا اكثر الله فى الاخوان مثله ووصفت له الحال والأنصاري يسيح فى الجبال تائبا مستغفرا فطلبه الثقفي حتى وجده فاتى به أبا بكر رجاء ان يجد عنده راحة وفرجا وقال الأنصاري هلكت وذكر القصة فقال ابو بكر ويحك ما علمت ان الله تعالى يغار للغازى ما لا يغار للمقيم ثم لقيا عمر فقال مثل ذلك فاتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له مثل مقالتهما فانزل الله تعالى هذه الاية- واصل الفحش القبح والخروج عن الحد والمراد بالفاحشة هاهنا الكبيرة لخروجه عن الحد فى القبح والعصيان وقال جابر الفاحشة الزنى أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالصغائر او بما دون الزنى من القبلة والمعانقة واللمس وقيل فعلوا فاحشة قولا او ظلموا أنفسهم فعلا وقيل الفاحشة ما يتعدى الى غيره وظلم النفس ما ليس كذلك وهذا اظهر ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ يعنى ذكروا وعيد الله وان الله سائلهم فندموا وتابوا واستغفروا وقال مقاتل بن حبان ذكروا لله باللسان عند الذنوب قلت يمكن ان يقال المراد بذكر الله صلوة الاستغفار لحديث علىّ عن ابى بكر رضى الله عنهما انه ... ...

سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد مؤمن وفى رواية ما من رجل يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلى ثم يستغفر الله الا غفر الله له رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان وزاد الترمذي ثم قرا وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ الاية وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ استفهام بمعنى النفي حتى صح المفرغ يعنى لا يغفر الذنوب أحد الا الله فان العافين عن الناس من الناس انما يعفون حقوقهم دون الذنوب والمعاصي التي هى حقوق الله تعالى او يقال العافي عن الناس منهم يعفوا رجاء لمغفرة الله تعالى فهو المتجر وغافر الذنب بلا غرض ومنفعة انما هو الله تعالى والجملة معترضة بين المعطوفين لبيان سعة رحمة الله وعموم المغفرة والحث على الاستغفار والوعد بقبول التوبة وجاز ان يكون حالا بتقدير القول يعنى قائلين ومن يغفر او معطوفة على مفعول ذكروا يعنى ذكروا الله وذكروا مغفرته وتوحده فى تلك الصفة وَلَمْ يُصِرُّوا الإصرار التقعد فى الذنب والتشدد فيه والامتناع من الإقلاع كذا فى الصحاح يعنى لم يقيموا عَلى ما فَعَلُوا من الذنوب وبهذا يظهر ان العزم على ترك الفعل شرط للاستغفار كالندم على الفعل فلا بد للاستغفار من العزم على الترك وان صدر منه بعد ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصر من استغفر وان عاد فى اليوم سبعين مرة- رواه ابو داود والترمذي من حديث ابى بكر الصديق وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه رواه البيهقي وابن عساكر عن ابن عباس (مسئلة) الإصرار على الصغيرة تكون كبيرة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار رواه الديلمي فى مسند الفردوس وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) حال من الضمير فى لم يصروا يعنى تركوا الإصرار على المعصية لعلمهم كونها معصية خوفا من الله تعالى لا لكسالة او تنفر طبعى «1» او خوف من العباد او عدم تيسر فان الجزاء انما هو على كف النفس بنية الطاعة دون عدم الفعل مطلقا لكن عدم الفعل مطلقا مانع من الجزاء المترتب على المعصية فان من العصمة ان لا تقدر وقال الضحاك وهم يعلمون الله يملك مغفرة الذنوب وقال

_ (1) فى الأصل طبيعى

[سورة آل عمران (3) : آية 136]

الحسين بن الفضل وهم يعلمون ان له ربا يغفر الذنوب وقيل وهم يعلمون ان الله لا يتعاظمه العفو عن الذنوب وان كثرت- وقيل يعلمون انهم ان استغفروا غفر لهم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان عبدا أذنب ذنبا فقال رب أذنبت ذنبا فاغفره لى فقال ربه اعلم عبدى ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدى ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا فقال رب أذنبت ذنبا اخر فاغفره لى فقال اعلم عبدى ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدى ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا فقال رب أذنبت ذنبا اخر فاغفره لى فقال اعلم عبدى ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدى فليفعل ما شاء متفق عليه وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل من علم انى ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئا رواه الطبراني والحاكم بسند صحيح. أُولئِكَ ان كانت الجملة مستانفة فالمشار إليهم المتقون والتائبون جميعا وان كان هذا خبرا للموصول فالمشار إليهم هم التائبون جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وتنكير جنات للدلالة على ان ما لهم أدون مما للمتقين الموصوفين بالصفات المذكورة فى الاية المقدمة ولذا فصل آيتهم ببيان انهم محسنون مستوجبون لمحبة الله تعالى حافظون على حدود الشرع وفصل هذه الاية بقوله وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) فان المتدارك لتقصيره كالعامل لتحصيله بعض ما فوت على نفسه لكن كم بين المحسن والمتدارك والمحبوب والأجير- ولعل تبديل لفظ الجزاء بالأجر لهذه النكتة والمخصوص بالمدح محذوف اى نعم اجر العاملين المغفرة والجنات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التائب من الذنب كمن لا ذنب له رواه البيهقي وابن عساكر عن ابن عباس والقشيري فى الرسالة وابن النجار عن علىّ (فائدة) ولا يلزم من اعداد الجنة للمتقين والتائبين جزاء لهم ان لا يدخلها المصرون كما لا يلزم من اعداد النار للكافرين جزاء لهم ان لا يدخلها غيرهم- وجاز ان يقال العصاة المصرون على الكبائر يدخلهم الله الجنة بعد تطهيرهم من الذنوب بالمغفرة اما بعد العذاب بالنار فان النار فى حق المؤمن كالكير يدفع خبث الفلز واما بالمغفرة ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 137]

بلا تعذيب فحينئذ يلحق العاصي بالتائب فى التطهّر- قال ثابت البناني بلغني ان إبليس بكى حين نزلت هذه الاية وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً الى آخرها-. قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) السنة الطريقة المتبعة فى الخير او الشر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها من غير ان ينقص من أجورهم شىء ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير ان ينقص من أوزارهم شىء وجاز ان يكون فى الكلام حذف المضاف اى اهل سنن وقيل السنن بمعنى الأمم والسنة الامة قال الشاعر ما عاين الناس من فضل كفضلهم ولا راوا مثلهم فى سالف السنن ومعنى الاية قد مضت قبلكم طرق من الخير والشرا واهل طرق فانظروا كيف كان عاقبة طريقة التكذيب وما ال اليه امر المكذبين من الهلاك وقال مجاهد قد مضت وسلفت منى سنن فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية الكافرة بامهالى واستدراجى إياهم حتى بلغ الكتاب اجله الذي اجلته لاهلاكهم ثم أهلكتهم ونصرت انبيائى ومن تبعهم فسيروا وانظروا لتعتبروا وقال عطاء السنن الشرائع وقال الكلبي مضت لكل امة سنة ومنهاج إذا اتبعوها رضى الله عنهم ومن كذبه ولم يتبعه أهلكه الله فانظر ما عاقبة المكذبين. هذا اى القران او قوله قد خلت او مفهوم قوله فانظروا بَيانٌ لِلنَّاسِ عامة وَهُدىً من الضلالة وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) خاصة فانهم هم المنتفعون به- وقيل هذا اشارة الى ما لخص من امر المتقين والتائبين وقوله قد خلت اعتراض للحث على الايمان والتوبة-. وَلا تَهِنُوا اى لا تضعفوا ولا تجبنوا عن جهاد أعدائكم بما نالكم من القتل والجرح يوم أحد وكان قد قتل يومئذ من المهاجرين خمسة منهم حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ومن الأنصار سبعون رجلا وَلا تَحْزَنُوا على من قتل منكم وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ والحال انكم أعلى شأنا منهم فانكم ترجون من الاجر والثواب على ما أصابكم ما لا يرجوه الكفار وقتلاكم فى الجنة وقتلاهم فى النار نظيره قوله تعالى وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ قال الكلبي ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 140]

امر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بطلب القوم بعد ما أصابهم من الجراح يوم أحد فاشتد ذلك على المسلمين فنزلت هذه الاية- او المعنى أنتم الأعلون عاقبة الأمر بالنصر من الله والظفر قال ابن عباس انهزم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشعب فاقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد ان يعلوا عليهم الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم لا يعلن علينا اللهم لا قوة لنا الا بك- وبات نفر من المسلمين رماة فصعد والجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموا فذلك قوله تعالى وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) يعنى ان صح ايمانكم فلا تهنوا ولا تحزنوا فان مقتضى الايمان رجاء الثواب وقوة القلب بالتوكل على الله او المعنى ان صح ايمانكم فانتم الأعلون فى العاقبة فانه حقّ علينا نصر المؤمنين. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ يوم أحد قرا حمزة والكسائي وأبو بكر قرح بضم القاف حيث جاء والباقون بالفتح وهما لغتان معناهما عض السلاح ونحوه مما يخرج البدن كذا فى القاموس وقال الفراء القرح بالفتح الجراحة وبالضم الم الجراحة فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ اى قوم الكفار من قريش قَرْحٌ مِثْلُهُ يوم بدر وهم لم يضعفوا عن معاودتكم للقتال فانتم اولى بذلك نزلت هذه الاية تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حين انصرفوا من أحد مع الكآبة والحزن وليجتروا على عدوهم وَتِلْكَ الْأَيَّامُ يعنى اوقات النصر نُداوِلُها نصرفها بَيْنَ النَّاسِ يعنى كذلك جرت عادتنا فيكون النصر تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء والأيام صفة لتلك وهو مبتدا خبره نداولها او الأيام خبر ونداولها حال والعامل فيه معنى الاشارة عن البراء بن عازب قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة وكانوا خمسين رجلا عبد الله بن جبير فقال ان رايتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وان رايتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم فهزمهم قال وانا والله رايت النساء يشتددن قد بدت خلا خلهن واسوقهن رافعات ثيابهن- فقال اصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة اى قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون فقال عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا والله لناتين الناس فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم فاقبلوا منهزمين فذاك قوله تعالى وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ إذ يدعوهم الرسول ... ...

فى أخراهم فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثنى عشر رجلا فاصابوا منا سبعين- وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر مائة وأربعين سبعين أسيرا وسبعين قتيلا فقال ابو سفيان افى القوم محمد ثلاث مرات فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ان يجيبوه ثم قال افى القوم ابن ابى قحافة ثلاث مرات ثم قال افى القوم ابن الخطاب ثلاث مرات ثم رجع الى أصحابه فقال اما هؤلاء قد قتلوا فما ملك عمر رضى الله عنه نفسه فقال كذبت والله يا عدو الله ان الذين عددت لاحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك فقال يوم بيوم بدر والحرب سجال انكم ستجدون فى القوم مثلة لم آمر بها ولا تسؤنى ثم أخذ يرتجز اعل هبل اعل هبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم الا تجيبوه قالوا يا رسول الله ما نقول قال قولوا الله أعلى وأجل قال ان لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تجيبوه قالوا يا رسول الله ما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم رواه البخاري وغيره وفى رواية فقال ابو سفيان قد أنعمت هلم يا عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر آته فانظر ما شأنه فجاءه فقال ابو سفيان أنشدك الله يا عمر اقتلنا محمدا قال اللهم لا انه يسمع كلامك الان قال أنت عندى اصدق من ابن قمية وابر وقد قال ابن قمية لهم انى قتلت محمدا ثم قال ابو سفيان الا ان موعدكم بدر الصغرى على رأس الحول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل نعم هو بيننا وبينكم موعد وانصرف ابو سفيان الى أصحابه وأخذ فى الرحيل وروى هذا المعنى عن ابن عباس وفى حديثه قال ابو سفيان يوم بيوم وان الأيام دول والحرب سجال فقال عمر لا سواء قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار- قال الزجاج الدولة يكون للمسلمين على الكفار لقوله تعالى إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ وانما كانت يوم أحد للكفار على المسلمين لمخالفتهم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على علة محذوفة وفائدة الحذف الإيذان بان العلة المحذوفة متعددة يطول ذكرها واللام متعلق بنداولها اى نداولها لحكم ومصالح لا يحصى وليعلم الله المؤمنين ممتازين عند الناس بالصبر والثبات على الايمان من غيرهم وجاز ان يقال المعطوف عليه غير محذوف بل هو المفهوم من قوله تعالى وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها كانه قال داو لنا بينكم الأيام لان هذه عادتنا وليعلم والخلق ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 141]

والافناء من قبيل مداولة الأيام- والقصد فى أمثاله ونقائضه ليس الى اثبات علمه تعالى ونفيه بل الى اثبات المعلوم فى الخارج ونفيه على طريقة البرهان لان علم الله تعالى لازم للمعلوم وبالعكس ونفى المعلوم مستلزم لنفى العلم كيلا ينقلب العلم جهلا فاطلق الملزوم وأريد به اللازم فمعنى الاية ليتحقق امتياز المؤمنين من غيرهم عند الناس- وقيل معناه ليعلم الله علما يتعلق به الجزاء وهو العلم بالشيء موجودا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ اى يكرم ناسا منكم بالشهادة يريد شهداء أحد- او المعنى وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بالثبات والصبر على الشدائد- اخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة قال لما ابطأ على النساء الخبر خرجن يستخبرن فاذا رجلان مقبلان على بعير فقالت امراة ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا حى قالت فلا أبالي يتخذ الله من عباده شهداء- فنزل القران على ما قالت وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) الكافرين المنافقين الذين لم يظهر منهم الثبات على الايمان جملة معترضة بين المعطوفين وفيه تنبيه على ان الله لا ينصر الكافرين على الحقيقة وانما يغلبهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ التمحيض التطهير والتصفية الَّذِينَ آمَنُوا من الذنوب وَيَمْحَقَ المحق نقض الشيء قليلا قليلا الْكافِرِينَ (141) يعنى ان كانت الدولة على المؤمنين فللتميز والاستشهاد والتمحيص وان كانت على الكافرين فلمحقهم ومحو اثارهم. أَمْ حَسِبْتُمْ أم منقطعة بمعنى بل احسبتم أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ والاستفهام للانكار وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ يعنى ولما يتحقق الجهاد من بعضكم وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) نصب بإضمار ان والواو للجمع كما فى نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن او جزم للعطف على يعلم الله وحركت الميم لالتقاء الساكنين بالفتح لفتحة ما قبلها- اخرج ابن ابى حاتم من طريق العوفى عن ابن عباس ان رجالا من الصحابة كانوا يقولون ليتنا نقتل كما قتل اصحاب بدر او ليت لنا يوما ليوم بدر نقاتل فيه المشركين ونبلى فيه خيرا او نلتمس الشهادة والجنة والحيوة والرزق فاشهدهم الله أحدا فلم يلبثوا الا من شاء الله منهم فانزل الله تعالى. وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ فى سبيل الله ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 144]

او المراد به الحرب فانه سبب للموت مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ تشاهدوه وتعرفوا شدته فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) حال من فاعل رايتموه وفائدته بيان ان المراد بالروية روية البصر دون العلم يعنى عاينتم الموت حين قتل دونكم من قتل من إخوانكم وفيه توبيخ على انهم تمنوا الحرب وتسببوا لها ثم جبنوا وانهزموا عنها او على تمنى الشهادة فانها يستلزم تمنى غلبة الكفار- اخرج ابن ابى حاتم عن الربيع قال لما أصابهم يوم أحد ما أصابهم من القرح وتداعوا نبى الله قالوا قد قتل فقال أناس لو كان نبيا ما قتل وقال ناس قاتلوا على ما قاتل عليه نبيكم حتى يفتح الله عليكم او تلحقوا به واخرج ابن المنذر عن عمر قال تفرقنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فصعدت الجبل فسمعت يهوديا يقول قتل محمد فقلت لا اسمع أحدا يقول قتل محمدا لاضربت عنقه فنظرت فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون- واخرج البيهقي فى الدلائل عن ابى نجيح ان رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط فى دمه فقال له أشعرت ان محمدا قتل فقال ان كان محمد قتل فقد بلّغ فقاتلوا عن دينكم فنزلت على هذه الروايات. وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ «1» يعنى ليس هو ربّا يستحيل عليه الفناء والموت وما هو يدعوا الناس الى عبادته- فى القاموس الحمد الشكر والرضاء والجزاء وقضاء الحق والتحميد حمد الله مرة بعد مرة ومنه محمد كانّه حمد مرة بعد مرة قلت الى ما لا نهاية لها قال البغوي محمد هو المستغرق لجميع المحامد لان الحمد لا يستوجبه الا الكامل والتحميد فوق الحمد فلا يستحقه الا المستولى على الأمد فى الكمال قال حسان بن ثابت ((شعر)) الم تر ان الله أرسل عبده ببرهانه والله أعلى وامجد وشقه من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد قَدْ خَلَتْ مضت وماتت مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ فسيموت هو ايضا أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى

_ (1) اخرج البخاري عن ابن عباس ان أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال اجلس يا عمرو قال ابو بكر اما بعد من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات- ومن كان يعبد الله فان الله حىّ قال الله وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ الى الشّكرين قال فو الله لكانّهم لم يعلموا ان الله انزل هذه الاية حتى تلاها ابو بكر فتلاها منه الناس كلهم فما اسمع بشرا من الناس الا يتلوها وروى عن ابى هريرة وعروة وغيرهما نحو ذلك قال ابراهيم قال أبو بكر لو منعونى عقالا اعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاهدتهم ثم تلا وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ- منه رحمه الله [.....]

أَعْقابِكُمْ اى رجعتم الى دينكم الاول من الكفر انكار على ارتدادهم بموته صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بموت من سبقه من الأنبياء وبقاء دينهم- وقيل الفاء للسببية والهمزة لانكار ان يجعل موته سببا لارتدادهم وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ اى يرتد عن دينه فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً بارتداده بل يضر نفسه وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ «1» (144) على نعمة الإسلام بالثبات عليه- ذكر اصحاب المغازي انه نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعب من أحد فى سبعمائة وجعل عبد الله بن جبير على الرجالة كما ذكرنا من حديث البراء بن عازب فجاءت قريش وعلى ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن ابى جهل ومعهم النساء يضر بن بالدفوف ويقلن الاشعار فقاتلوا حتى حميت الحرب فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا فقال من يأخذ هذا السيف بحقه ويضرب العدو حتى يثخن فاخذ ابو دجانة سماك بن حرسة الأنصاري رضى الله عنه فلما اخذه اعتم بعمامة حمراء وجعل يتبختر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انها لمشية يبغضها الله الا فى هذا الموضع فعلق به هام المشركين الهام الرأس وهام القوم اشرافهم- منه رح وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على المشركين فهزموهم وانزل الله تعالى نصره على المسلمين وصدقهم وعده فحسوا المشركين بالسيف حتى كشفوهم عن العسكر ونهكوهم قتلا- وقد حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مغلوبة وكانت الرماة يحمى ظهور المسلمين ويرشقون اى يرمون- منه رح خيل المشركين بالنبل فلا يقع الا فى فرس او رجل فتولى هو ارب- وقتل على بن ابى طالب طلحة بن طلحة صاحب لواء المشركين وكبر المسلمون وشددوا على المشركين يضربونهم حتى اختلت صفوفهم قال الزبير بن العوام فرايت هندا وصواحبها هاربات مصعدات فى الجبل باديات خدامهن ما دون أخذهن شيئا- فلما نظر الرماة اصحاب عبد الله بن جبير الى القوم قد انكشفوا اذهبوا الى عسكر المشركين ينتهبون كما ذكرنا من حديث البراء لم يبق مع أميرهم عبد الله بن جبير الا دون العشرة نظر خالد الى الجبل وقلة اهله واشتغال المسلمين بالغنيمة وراى ظهورهم خالية صاح فى خيله من المشركين ثم حملهم من خلفهم وتبعه عكرمة فهزموهم وقتلوهم

_ (1) عن على رضى الله عنه فى قوله وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ قال الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه فكان على يقول ابو بكر امير الشاكرين- منه رحمه الله

وثبت أميرهم عبد الله بن جبير رضى الله عنه فقالت حتى قتل فجردوه ومثلوا به أقبح المثل فبينما المسلمون قد شغلوا بالنهب والغنائم حمل خالد بن الوليد على اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من خلفهم فهزموهم وقتلوهم قتلا ذريعا وتفرق المسلمون من كل وجه وتركوا ما انتهبوا وخلوا من أسروا وكانت الريح أول النهار صباء فصارت دبورا وكرّ الناس منهزمين فصاروا أثلاثا ثلثا جريحا وثلثا منهزمين وثلثا قتيلا- روى البيهقي عن المقداد والذي بعثه بالحق ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانه شبرا واحدا وانه لقى وجه العدو وتفيء اليه طائفة من أصحابه وتفترق مرة فربما رايته قائما يرمى عن قوسه ويرمى بالحجر وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا ثمانية من المهاجرين ابو بكر وعمر وعلى وطلحة وزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابى وقاص وابو عبيدة بن الجراح وسبعة من الأنصار الحباب بن منذر وابو دجانة وعاصم بن ثابت والحارث بن صمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وقيل سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة رضى الله عنهم أجمعين- روى عبد الرزاق مرسلا عن الزهري قال ضرب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون ضربة بالسيف وقاه الله شرها كلها ورمى عتبة بن وقاص لعنه الله رسول الله صلى الله عليه وسلم باربعة أحجار فكسر منها رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى قال الحافظ المراد السن الذي بين الثنية والناب قال حاطب بن «1» بلتعة فقتلت عتبة بن وقاص وجئت برأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسره ذلك ودعا لى رواه الحاكم وشجه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن شهاب الزهري واسلم بعد ذلك وسال الدم حتى اخضل الدم لحيته الشريفة ورماه عبد الله بن قمية فشج وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر فى وجنته واقبل عبد الله بن قمية يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم فذبه مصعب بن عمر وهو صاحب رأية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله ابن قمية وهو يرى انه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع وقال انى قتلت محمدا وصارخ صارخ الا ان محمدا قد قتل ويقال ان ذلك الصارخ إبليس لعنه الله- روى الطبراني عن ابى امامة انه قال صلى الله عليه وسلم لابن قمية أقمأك الله فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة اى استاصلك الله- منه رح

_ (1) الصحيح حاطب بن ابى بلتعة-

قطعة- ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم الى صخرة ليعلوها وكان قد ظاهر بين در عين فلم يستطع فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب طلحة- ووقعت هند والنسوة معها يمثلن بالقتلى من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجد عن الاذان والأنوف حتى اتخذت هند من ذلك قلائد وأعطتها وحشيا ونقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع ان تسيغها فلفظتها وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس الىّ عباد الله فاجتمع اليه ثلاثون رجلا كل يقول وجهى دون وجهك ونفسى دون نفسك وعليك السلام فحموه حتى كشفوا عنه المشركين ورمى سعد بن ابى وقاص حتى اندقت ستة قوسه ونثر رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته فقال له ارم فداك ابى وأمي رواه البخاري وكان ابو طلحة رجلا راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين او ثلاثا وكان الرجل يمر معه بجعبة من النبل فيقول انثرها لابى طلحة وكان إذا رمى استشرفه النبي صلى الله عليه وسلم لينظر الى موضع نبله- وأصيب يد طلحة بن عبيد الله فيبست وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم روى ابو داود الطيالسي وابن حبان عن عائشة قالت قال ابو بكر ذلك اليوم كله لطلحة- وذكر محمد بن عمر انّ طلحة أصيب يومئذ فى رأسه فنزف الدم حتى غشى عليه فنضح ابو بكر الماء فى وجهه حتى أفاق فقال ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خيرا هو أرسلني إليك فقال الحمد لله كل مصيبة بعده جلل- وأصيبت عين قتادة بن النعمان يومئذ حتى وقعت على وجنته فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعادت كاحسن ما كانت- فلمّا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركه ابى بن خلف الجمحي وهو يقول لا نجوت وان نجوت فقال القوم يا رسول الله الا يعطف عليه رجل منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه حتى إذا دنا منه (وكان أبيّ قبل ذلك يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول عندى رمكة اعلفها كل يوم فرق ذرة أقتلك عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل انا أقتلك ان شاء الله) فلما دنا منه تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة ثم استقبله فطعنه فى عنقه وخدشه خدشة فتد هداه عن فرسه وهو يخور كما يخور الثور ويقول قتلنى محمد فحمله أصحابه وقالوا ليس عليك بأس قال بلى لو كانت ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 145]

هذه الطعنة بربيعة ومضر لقتلهم أليس قال لى انا أقتلك فلو بزق علىّ بعد تلك المقالة قتلنى فلم يلبث الا يوما حتى مات بموضع يقال له سرف- روى البخاري فى الصحيح عن ابن عباس قال اشتد غضب الله على من قتله نبى واشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا وفشا فى الناس ان محمدا قد قتل فقال بعض المسلمين ليت لنا رسولا الى عبد الله بن أبيّ فياخذ لنا أمانا من ابى سفيان وبعض الصحابة جلسوا والقوا بايديهم وقال أناس من اهل النفاق ان كان محمد قد قتل فالحقوا بدينكم الاول فقال انس بن النضر عم انس بن مالك رضى الله عنه يا قوم ان كان قد قتل محمد صلى الله عليه وسلم فان رب محمد لم يقتل وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وموتوا على ما مات ثم قال اللهم انى اعتذر إليك مما يقول هؤلاء يعنى المسلمين وابرا إليك مما جاء به هؤلاء يعنى المنافقين ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل- ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق الى الصخرة وهو يدعو الناس فاول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك قال عرفت عينيه تحت المغفر تزهران فناديت با على صوتى يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشار الىّ ان اسكت فانحازت اليه طائفة من أصحابه فلامهم النبي صلى الله عليه وسلم على الفرار فقالوا يا نبى الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا انك قد قتلت فرعبت قلوبنا فولينا مدبرين فانزل الله تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الاية -. وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ اى الا بمشية الله وقضائه او باذنه لملك الموت فى قبض روحه كِتاباً مصدر مؤكد اى كتب كتابا مُؤَجَّلًا صفة له اى موقتا لا يتقدم ولا يتاخر فيه تحريض وتشجيع على القتال وَمَنْ يُرِدْ بعمله ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها اى من الدنيا تعريض بمن شغلهم الغنائم عن القتال يعنى نؤته منها ما نشاء مما قدرناه له وَمَنْ يُرِدْ بعمله ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها اى من الاخرة يعنى ثوابها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) قلت لعل المراد بهذه الجملة انه من يرد بعمله نفس الشكر لا يريد به ثواب الدنيا ولا ثواب الاخرة سيجزيه الله تعالى جزاء ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 146]

لا يدركه فهم ولا يتطرق اليه وهم يدل عليه إبهام الجزاء يعنى يكون جزاؤه ذاته «1» تعالى فى القاموس الشكر عرفان الإحسان ونشره عن انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من كانت نيته طلب الاخرة جعل الله غناه فى قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا راغمة ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه شمله ولا يأتيه منها الا ما كتب له رواه البغوي- وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله والى رسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امراة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه. وَكَأَيِّنْ قرا ابن كثير بالمد والهمز على وزن كاعن وبتلين الهمزة ابو جعفر والباقون بهمزة مفتوحة والتشديد ومعناه كم من نبىّ قتل قرا الكوفيون وابن عامر من المفاعلة على البناء للفاعل والباقون قتل من المجرد على البناء للمفعول مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة جموع كثيرة وقال ابن مسعود الرّبّيّون الألوف وقال للكلبى الربية الواحدة عشرة آلاف وقال الضحاك الربية الواحدة الف وقال الحسن فقهاء علماء وقيل هم الاتباع فالربانيون الولاة والربيون الرعية- وقيل منسوب الى الرب وهم الذين يعبدون الرب- واسناد قتل على قراءة اهل الحجاز والشام «2» الى الربيون لا الى ضمير النبي ويكون معه ربيون حالا عنه لانه يستلزم حينئذ الإضمار ويكون تقدير الكلام ومعه ربيون كثير ولما قال سعيد بن جبير ما سمعنا ان نبيا قتل فى القتال وكلمة كايّن تدل على الكثرة فالمعنى كايّن من نبىّ قتل معه اى فى عسكره وفى قتاله ربيون- وكذا على قراءة الباقين اسناد القاتلة الى ربيون بالمطابقة ويفهم منه قتال النبي استلزاما فَما وَهَنُوا اى ما وهن من بقي منهم بعد القتل وما جبنوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ من الجروح والشدائد وقتل الاصحاب وَما ضَعُفُوا عن الجهاد وَمَا اسْتَكانُوا يعنى ما استسلموا وما خضعوا لعدوهم وما ذلوا وما تضرعوا ولكن صبروا على امر ربهم وطاعة نبيهم وجهاد عدوهم واصل استكن من السكون فان الخاضع الذليل يسكن لصاحبه فيفعل به ما يريد وهذا

_ (1) هر كس كه ترا شناخت جان را چهـ كند ... فرزند وعيال خان ومان را چهـ كند ديوانه كنى هر دو جهانش بخشى ... ديوانه تو هر دو جهان را چهـ كند منه رحمه الله (2) هو سباق قلم والصحيح اهل البصرة- ابو محمد عفا عنه

[سورة آل عمران (3) : آية 147]

تعريض لمن طلب الامان عن ابى سفيان او جبنوا عن الحرب وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) فينصرهم ويعظم قدرهم. وَما كانَ قَوْلَهُمْ خبر كان إِلَّا أَنْ قالُوا اسمه وانما جعل اسما لكونه اعرف لدلالته على جهة النسبة وزمان الحدوث رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا الصغائر وَإِسْرافَنا اى تجاوزنا عن حد العبودية فِي أَمْرِنا فى شأننا يعنى الكبائر وَثَبِّتْ أَقْدامَنا على صراطك المستقيم وعلى الجهاد فى مقابلة العدو وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) يعنى ما كان غير هذا القول مقالتهم بعد ما أصابهم الشدائد ووجه هذه المقالة ان الله سبحانه وعد للمؤمنين النصر والغلبة حيث قال حقّا علينا نصر المؤمنين وقال انّ جندنا لهم الغالبون وان ما يصيبهم من ضر ومصيبة فانما هو لاجل ذنوبهم وإسرافهم فى أمرهم حيث قال الله تعالى ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ فيجب على المؤمن عند إصابة الضر الاعتراف بذنبه ليحصل الندم والاستغفار ثم دعاء النصر منه تعالى وطلب التثبت وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ والدعاء بعد الاستغفار والتطهر من الذنوب اقرب الى الاجابة. فَآتاهُمُ اللَّهُ ببركة هذا القول ثَوابَ الدُّنْيا من النصر والغنيمة والملك وحسن الذكر وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ من الجنة ومراتب القرب ورضوان من الله اكبر وخص ثوابها بالحسن لانه المعتد به عنده ولفضله وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) وضع المظهر موضع المضمر للاشعار بانهم هم المحسنون لان الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه يعنى بكمال الحضور وطرد الغفلة فمقتضاه هذا القول وهذه المعرفة يعنى معرفة ان السراء والضراء انما هو من الله تعالى وان الكريم لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ من النعمة حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ من الطاعة فحينئذ يغير ما بهم من النعمة ويذيقهم بعض النقمة كى يتنبهوا ويستغفروا وكى يتطهروا عن الذنوب باستيفاء جزائها فى الدنيا-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا قال على رضى الله عنه يعنى المنافقين فى قولهم للمؤمنين عنه الهزيمة ارجعوا الى إخوانكم وادخلوا فى دينهم ولو كان محمد نبيا ما قتل- وقيل معناه ان تطيعوا أبا سفيان ومن معه وتستكينوا لهم وتستأمنوهم يَرُدُّوكُمْ ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 150]

عَلى أَعْقابِكُمْ يعنى يرجعوكم الى ما كنتم عليه قبل الإسلام من الشرك فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) مغبونين خسران الدنيا والاخرة. بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ محبكم وناصركم وحافظكم على دينه فلا تتولوا غيره تعالى وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) فاستغنوا به عن ولاية غيره ونصره- روى ان أبا سفيان والمشركين لمّا ارتحلوا يوم أحد 16 شوال متوجهين الى مكة انطلقوا حتى إذا بلغوا بعض الطريق ندموا وقالوا بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم الا الشريد تشرد البعير إذا نفر وذهب فى الأرض- منه رح تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك قذف الله فى قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به وانزل الله تعالى. سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى أبا سفيان وأشياعه الرُّعْبَ اى الخوف قرا ابن عامر والكسائي وابو جعفر ويعقوب بضم العين حيث وقع والباقون بسكونها- وجاز ان يكون إلقاء هذا الرعب حين أراد المشركون نهب المدينة عند الارتحال الى مكة ولو كان نزول الاية بعد تلك الوقعة فالسين لمجرد التأكيد مجردا عن التسويف وصيغة المضارع حكاية عن الحال الماضي بِما أَشْرَكُوا اى بسبب اشراكهم بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً اصل السلطنة القوة والمراد به الحجة والمعنى أشركوا بالله الهة لم يقم على اشراكها حجة وبرهانا بل اقام الله الحجج والبراهين العقلية والنقلية على التوحيد وَمَأْواهُمُ اى المشركين النَّارُ عطف على سنلقى وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) النار فالمخصوص بالذم محذوف ووضع المظهر موضع المضمر للتغليظ والتعليل- قال محمد بن كعب لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أحد الى المدينة وقد أصابهم ما أصابهم قال ناس من أصحابه عليه السلام من اين هذا وقد وعدنا الله النصر فانزل الله تعالى. وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ بالنصر بشرط التقوى والصبر حين نصركم فى ابتداء القتال كما ذكرنا إِذْ تَحُسُّونَهُمْ متعلق بصدقكم اى تقتلونهم قتلا ذريعا من احسه إذا أبطل حسه وقال ابو عبيدة الحسن الاستيصال بالقتل بِإِذْنِهِ اى بقضائه حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ اى جبنتم وضعفتم وقيل معناه ضعف رأيكم وملتم الى الغنيمة فان الحرص من ضعف العقل وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ كما مرّ انه تنازع اصحاب عبد الله بن جبير حين راوا غلبة المؤمنين وانهزام المشركين فقال أكثرهم انهزم القوم فما مقامنا فقال ... ...

عبد الله أنسيتم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا النأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة وقال عبد الله ومن معه لا تجاوز امر رسول الله صلى الله عليه وسلم وَعَصَيْتُمْ امر الرسول صلى الله عليه وسلم- وقيل الواو زائدة ومعناه إذا فشلتم تنازعتم وهذا ليس بشىء لانه يقتضى تقدم الفشل على التنازع والواقع ان الفشل اى الجبن انما وجد بعد التنازع والعصيان فانهم اجترءوا أول الأمر حيث كروا على عسكر المشركين للنهب وقيل فى الكلام تقديم وتأخير تقديره حتى إذا تنازعتم فى الأمر وعصيتم فشلتم فلا إشكال على كون الواو زائدة- والأظهر ان الواو ليست بزائدة وجواب إذا محذوف يعنى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم منعكم نصره والقاكم فيما أصابكم والواو لمطلق الجمع دون الترتيب فلا يقتضى تقديم الفشل على التنازع والعصيان مِنْ بَعْدِ متعلق بفشلتم ما أَراكُمْ الله ما تُحِبُّونَ من الظفر والغنيمة مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا يعنى تركوا المركز واقبلوا على النهب وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يعنى ثبتوا مع عبد الله بن جبير- قال عبد الله بن مسعود ما شعرت ان أحدا من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان يوم أحد نزلت هذه الاية يعنى لم يرد أحد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا الا هؤلاء النفر فى ذلك اليوم فقط حتى نزلت فيهم هذه الاية ثُمَّ صَرَفَكُمْ ايها المسلمون بشوم عصيانكم عَنْهُمْ اى عن الكفار بالهزيمة حتى حالت الحالة فغلبوكم لِيَبْتَلِيَكُمْ اى ليمتحنكم حتى يظهر المؤمنين من المنافقين او المعنى لينزل البلاء عليكم بما صنعتم وبهذا يظهر انه قد يبتلى العامة بمعصية بعضهم فيكون ذلك عقوبة للعاصى وسببا لمزيد الاجر للمطيع وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة تفضلا او بعد ما ندمتم على المخالفة وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) يتفضل عليهم بالعفو إذا شاء او يتفضل عليهم فى الأحوال كلها فان إنزال المصيبة بالمؤمنين بعد معصيتهم ايضا تفضل من الله تعالى حيث يمحصهم من الذنوب- روى البغوي بسنده عن على بن ابى طالب قال الا أخبركم بأفضل اية من كتاب الله حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن كثير وسافسرها لك يا علىّ ما أصابكم من مرض او عقوبة او بلاء فى الدنيا فبما كسبت ايديكم ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 153]

والله عز وجل أكرم من ان يثنى عليهم العقوبة فى الاخرة وما عفا الله عنه فى الدنيا فالله احكم من ان يعود بعد عفوه-. إِذْ تُصْعِدُونَ متعلق بصرفكم او بيبتليكم او عفا عنكم او بمقدر كاذكر- قرا ابو عبد الرحمن السلمى والحسن وقتادة تصعدون بفتح التاء من المجرد والقراءة المجمع عليها بضم التاء من الافعال- قال المفضل صعد واصعد وصعّد بمعنى واحد- وقال ابو حاتم اصعدت إذا مضيت حيال وجهك يعنى فى مستوى الأرض وصعدت إذا ارتقيت فى جبل وقال المبرد اصعد ابعد فى الذهاب قال البغوي كلا الامرين وقعا فكان منهم مصعد وصاعد وَلا تَلْوُونَ أعناقكم عَلى أَحَدٍ يعنى لا يلتفت بعضكم الى بعض لشدة الدهش وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ يقول الىّ عباد الله فانا رسول الله من يكر فله الجنة- الجملة فى موضع الحال فَأَثابَكُمْ فجازاكم عن فشلكم وعصيانكم عطف على صرفكم جعل الاثابة وهو من الثواب موضع العقاب على طريقة قوله تعالى فبشّرهم بعذاب اليم اشارة الى انه تعالى عاقبكم على ما فعلتم مكان ما كنتم ترجون من الثواب غَمًّا بِغَمٍّ اى غما متصلا بغم من الاغتمام من القتل والجرح وظفر المشركين والإرجاف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم- قيل الغم الاول فوت الغنيمة والثاني ما نالهم من القتل والجرح والهزيمة- وقيل الغم الاول ما أصابهم من القتل والجرح والثاني ما سمعوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فانساهم الغم الاول- وقيل الغم الاول اشراف خالد بن الوليد بخيل المشركين والثاني اشراف ابو سفيان عليهم وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق يومئذ يدعو الناس حتى انتهى الى اصحاب الصخرة فلما راوه وضع رجل سهما فى قوسه فاراد ان يرميه فقال انا رسول الله ففرحوا حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرح النبي صلى الله عليه وسلم حين راى من يمتنع به فاقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا فاقبل ابو سفيان وأصحابه حتى وقفوا على باب الشعب فلما نظر المسلمون إليهم همهم ذلك وظنوا انهم يميلون عليهم فيقتلونهم فانساهم هذا ما نالهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لهم ان يعلونا اللهم ان تقتل هذه العصابة لا تعبد فى الأرض ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى انزلوهم- قلت لعل ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 154]

قوله تعالى سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ صار نازلا فى هذا المقام حيث القى الرعب فى قلب ابى سفيان ومن معه- قلت وجاز ان يكون الغم الثاني ما روى انه لمّا أخذ ابو سفيان وأصحابه الرحيل الى مكة اشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من ان يغير المشركون على المدينة فيهلك الذراري والنساء فبعث رسول الله صلى الله عليا وسعد بن ابى وقاص لينظرا فقال ان ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فهو الظعن وان ركبوا الخيل وجنبوا الإبل فانهم يريدون المدينة فهى الغارة والذي نفسى بيده لان ساروا عليها لا سيرن إليهم ثم لاناخرنهم فسار على وسعد وراءهم فاذا هم قد ركبوا الإبل وجنبوا الخيل بعد ما تشاوروا فى نهب المدينة فقال صفوان بن امية لا تفعلوا وقيل معنى الاية فاثابكم غما بسبب غم اذقتم النبي صلى الله عليه وسلم بعصيانكم له لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ من الفتح والغنيمة وَلا ما أَصابَكُمْ من القتل والجرح والهزيمة ولا زائدة ومعناه لكى تحزنوا على ما فاتكم وما أصابكم- وقيل معنى الاية اثابكم غما بغم لتمتروا على الصبر فى الشدائد فلا تحزنوا فيما بعد على نفع فائت ولا على ضر لا حق- قلت وجاز ان يكون المعنى فاثابكم الله غما بغم يعنى اعطاكم الله ثواب غم متصلا بغم وأخبركم بذلك على لسان نبيكم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم بل تفرحوا بثوابه- وقيل الضمير المرفوع فى اثابكم للرسول صلى الله عليه وسلم اى فاساءكم فى الاغتمام من اسيته بمالى اى جعلته أسوتي فيه- والباء للسببية او البدلية يعنى اغتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نزل عليكم كما اغتممتم ولم يثربكم على عصيانكم تسلية لكم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) عالم بأعمالكم وبما قصدتم بها. ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ يا معشر المسلمين مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً يعنى اطمينانا فى القلوب وسكينة يدركه الصوفي عند نزول الرحمة نُعاساً بدل اشتمال من امنة- وجاز ان يكون مفعولا لا نزل وامنة حال منه مقدم عليه ولعل النعاس هاهنا عبارة عن استغراق يحصل للصوفى عند نزول الرحمة بحيث يغفل عما سواه لكمال مشابهته بالنعاس يَغْشى قرا حمزة وخلف ابو محمد والكسائي بالتاء ردا الى الامنة والباقون بالياء ردا الى النعاس طائِفَةً مِنْكُمْ ... ...

وهم المؤمنون حقا- روى البخاري وغيره عن انس ان أبا طلحة قال غشينا النعاس ونحن فى مصافنا يوم أحد قال فجعل سيفى يسقط من يدى واخذه ويسقط واخذه- وقال ثابت عن انس عن ابى طلحة قال رفعت رأسى يوم أحد فجعلت ما ارى أحدا من القوم الا وهو يميل تحت جحفته من النعاس وَطائِفَةٌ مبتدا وهم المنافقون قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ صفة لطائفة يعنى ألقتهم أنفسهم فى الهموم وكانوا محرومين عن نزول الامنة والسكينة عليهم- او المعنى ما كان همهم الإخلاص أنفسهم يَظُنُّونَ خبر لطائفة بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ منصوب على المصدرية اى يظنون غير الظن الحق اى الذي يحق ان يظن به تعالى يعنى انه لا ينصر محمدا صلى الله عليه وسلم- او انه لو كان محمد نبيا ما قتل ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ بدل من غير الحق او منصوب بنزع الخافض يعنى كظن اهل الجاهلية والشرك والجملة صفة اخرى لطائفة او حال او استيناف على وجه البيان لما قبله- وجملة وطائفة إلخ حال من فاعل يغشى او من مفعوله يَقُولُونَ للرسول صلى الله عليه وسلم او فى أنفسهم بدل من يظنون هَلْ لَنا استفهام بمعنى الإنكار مِنَ الْأَمْرِ الذي وعد الله من النصر مِنْ شَيْءٍ يعنى ما لنا من ما وعد نصيب قط- قيل اخبر ابن أبيّ بقتل بنى الخزرج فقال ذلك والمعنى انا منعنا تدبير أنفسنا وتصريفها باختيارنا فلم يبق لنا من الأمر شىء- او هل يزول عنا هذا القهر فيكون لنا من الأمر شىء اخرج ابن راهويه انه قال عبد الله بن الزبير عن أبيه الزبير بن العوام لقد رايتنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد علينا الخوف أرسل الله علينا النوم فما منا أحد إلا وذقنه فى صدره- والله انى لا سمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشانى ما أسمعه الا كالحلم يقول لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا هاهنا فحفظتها فانزل الله فى ذلك ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً الى قوله وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ قُلْ يا محمد إِنَّ الْأَمْرَ اى الحكم كُلَّهُ لِلَّهِ يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد- او امر الغلبة الحقيقية لله وأوليائه فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ وان كان فى بعض الأحيان لم يظهر ذلك لحكمة- قرا ابو عمر «1» وكلّه بالرفع على الابتداء وما بعده خبره والباقون بالنصب على التأكيد والجملة معترضة يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ حال من ضمير يقولون اى يقولون مظهرين انهم مسترشدون طالبون للنصر ويقولون مخفين بعضهم الى بعض غير ذلك يَقُولُونَ بدل من يخفون او استيناف على وجه البيان يعنى يقولون مخفين منكرين لقولك

_ (1) فى الأصل ابو عامر-

[سورة آل عمران (3) : آية 155]

انّ الأمر كلّه لله لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ كما وعد محمد صلى الله عليه وسلم او زعم انّ الأمر كلّه لله ولاوليائه- أولو كان لنا اختيار وتدبير لم نبرح المدينة كما كان يقول ابن أبيّ وغيره ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ فى اللوح المحفوظ وقدّر الله عليهم القتل إِلى مَضاجِعِهِمْ اى يخرجون الى مصارعهم ولم ينفعهم الاقامة بالمدينة بل لا يستطيعون الاقامة وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ اى ليمتحن ما فى صدوركم ويظهر سرائرها من الإخلاص والنفاق معطوف على محذوف متعلق بقوله برز تقديره لبرزوا الى مضاجعهم لنفاذ القضاء ولمصالح كثيرة وللابتلاء- او متعلق بفعل محذوف والجملة معطوفة على جملة سابقة يعنى ثمّ انزل عليكم تقديره وفعل ذلك ليبتلى او معطوف على قوله كيلا تحزنوا وَلِيُمَحِّصَ اى ليكشف ويميز ما فِي قُلُوبِكُمْ او المعنى يخلص ما فى قلوبكم ايها المؤمنون من الوساوس وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (152) قبل إظهارها وغنى عن الابتلاء وانما فعل ذلك لتمرين المؤمنين واظهار حال المنافقين واقامة الحجة عليهم-. إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ اى انهزموا منكم يا معشر المسلمين يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ جمع المسلمين وجمع المشركين يوم أحد وقد انهزم أكثرهم ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم الا ثلاثة عشر كما ذكرنا ولا مع عبد الله بن جبير الا عشرة إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ اى طلب زلتهم او حملهم على الزلة يعنى المعصية بإلقاء الوسوسة فى قلوبهم قيل ازل واستزل بمعنى واحد بِبَعْضِ ما كَسَبُوا اى بشوم ذنوبهم قال بعضهم بتركهم المركز وقال الحسن ما كسبوا هو قبولهم وسوسة الشيطان وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ هذا هو الذي قال ابن عمر لمّا وقع بعض اهل المصر فى عثمان رضى الله عنه وذكر فراره يوم أحد وغيبته عن بدر وعن بيعة الرضوان فقال اما فراره يوم أحد فاشهد ان الله عفا عنه واما تغيبه عن بدر فانه كانت تحته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لك اجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه واما تغييه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه فبعثه الى مكة وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان الى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى هذا يد عثمان فضرب بها على يده وقال هذه لعثمان ثم قال ابن عمر اذهب بها الان معك رواه البخاري فلا يجوز لاحد الطعن ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 156]

فى الصحابة لاجل هذا الفرار وايضا كان هذا الفرار قبل ورود النهى عنه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) . يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا يعنى المنافقين عبد الله بن ابى وأصحابه فانه من تشبه بقوم فهو منهم رواه ابو داود عن ابن عمر مرفوعا والطبراني عن حذيفة مرفوعا لا سيما إذا كان وجه المشابهة موجبا للكفر كما فى ما نحن فيه فان ذلك القول انكار للقدر وهو كفر وَقالُوا كلمة قالوا صيغة ماض لكنه بمعنى الاستقبال بدليل جعل ظرفه إذا دون إذ وإذا للمستقبل وان دخل على الماضي وانما أورد صيغة الماضي لتدل على تحققه قطعا كما فى قوله تعالى إذا السّماء انشقّت لِإِخْوانِهِمْ فى النسب او فى النفاق قال بعض المفسرين يعنى قالوا لاجل إخوانهم وفيهم لان قولهم لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا يدل على انهم لم يكونوا مخاطبين قلت وجاز ان يكون جعل القول لاخوانهم باعتبار بعضهم الحاضرين وضمير لو كانوا إليهم باعتبار بعضهم المقتولين او الأموات والاسناد الى الجميع باعتبار البعض شائع وتفسير الاخوة باخوة النفاق لا بتصور الا فى المخاطبين والا فالذين كانوا غزّى لم يكونوا منافقين غالبا إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ اى ذهبوا فيها وأبعدوا للتجارة او غيرها وإذا متعلق بقالوا ويعتبر ذلك الزمان ممتدا وقع فيه الضرب والموت والقول- قال البيضاوي وكان حقه إذ لقوله قالوا لكنه جىء على حكاية الحال الماضي واعترض عليه بان الماضي مع إذا كلمة استقبال لا يكون للحال فكيف يصح حكاية عن الحالة الماضية بفرض وجود ذلك الزمان الان او بفرضك متكلما فى الماضي فالاولى ما قلنا ان قالوا للاستقبال أَوْ كانُوا غُزًّى جمع غازى كعاف وعفّى يعنى كانوا على سفر او غزّى فماتوا او قتلوا لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا مقولة قالوا- وانما قالوا ذلك لعدم ايمانهم بالقدر فكذلك القدرية لِيَجْعَلَ اللَّهُ اللام للعاقبة كما فى قوله تعالى ليكون لهم عدوّا وحزنا ذلِكَ الاعتقاد الذي دل عليه القول حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ قوله ليجعل اما متعلق بقالوا فالمعنى يصير عاقبة قولهم واعتقادهم ذلك حسرة واما متعلق بلا تكونوا والمعنى لا تكونوا مثلهم فى النطق بهذا القول والاعتقاد وذلك اشارة الى ما دل عليه النهى والمعنى لا تكونوا مثلهم ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة فى قلوبهم فان مخالفتكم إياهم يغمهم وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ لا تأثير للسفر والجهاد فى الموت ولا لضدهما فى الحيوة فانه قد يموت المقيم القاعد دون المسافر الغازي وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) تهديد للمؤمنين على مما ثلتهم على قراءة الخطاب وقرا ابن كثير وحمزة وخلف ابو محمدو الكسائي يعملون بالياء ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 157]

على الغيبة على انه وعيد للذين كفروا. وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ فى سبيله- قرا نافع وحمزة والكسائي بكسر الميم متّم متّ متنا حيث وقع من مات يمات على وزن خاف يخاف وابن كثير وابو عمرو ابن عامر وابو بكر بالضم حيث وقع من مات يموت على وزن قال يقول وحفص بالضم فى هذين الحرفين خاصة وفى الباقي بالكسر لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) قرا حفص بالياء على الغيبة- والباقون بالتاء على الخطاب جواب للقسم سار مسد الجزاء للشرط يعنى ان السفر والجهاد لا تأثير له فى الموت ولا لضده فى الحيوة فان الله هو يحيى ويميت ولئن كان له نوع تأثير فى الموت على سبيل جرى العادة فما يترتب على ذلك الموت من مغفرة من الله ورحمته خير مما يجمعون من الدنيا ومنافعها لو لم يموتوا فليطلب ذلك الخير ولا يجوز التحسر على ما فات من الدنيا. وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ على اى وجه كان لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) لا الى غيره فعليكم بذل الجهد فى تحصيل الانس به تعالى والمحبة حتى يكون حشركم الى المحبوب وخلاصا عن سجن الفراق-. فَبِما رَحْمَةٍ تقديم الجار والمجرور للحصر وما مزيدة للتأكيد ومزيد الدلالة على الحصر كائنة مِنَ اللَّهِ عليك وعلى أمتك لِنْتَ لَهُمْ اى للمؤمنين ورفقت بهم واغتممت لاجلهم بعد ما خالفوك بتوفيق الله تعالى وحسن الهامه ثم بين وجه كون ذلك اللين رحمة بقوله وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا سىء الخلق جافيا غَلِيظَ الْقَلْبِ قاسية لَانْفَضُّوا تفرقوا مِنْ حَوْلِكَ ولم يسكنوا إليك وحينئذ يتخلعوا عن ربقة الإسلام واستحقاق الجنة ويقل أجرك بقلة اتباعك فَاعْفُ عَنْهُمْ فيما كان حقك وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ فى حقوق الله تعالى وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ امر الحرب وغيره مما يتعلق بالمشاورة «1» وليس فيه عندك علم من الله تعالى استظهارا برأيهم وتطيبا لنفوسهم وتمهيد السنة المشاورة للامة- روى البغوي بسنده عن عائشة قالت ما رايت رجلا اكثر استشارا «2» للرجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم فَإِذا عَزَمْتَ على شىء بعد المشاورة فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ اى فوض أمرك اليه واعتمد عليه وكان هذا شأنه عليه الصلاة والسلام ولذا قال بعد ما خرج للقتال يوم أحد لا ينبغى لنبى ان يلبس لامته فيضعها حتى يقاتل يعنى بعد المشاورة اعتمد على الله تعالى لا على رأيك وآراء المتشاورين «3» لان بناء

_ (1) روى عن ابن عباس وشاورهم فى الأمر أبا بكر وعمرو فى رواية عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية فى ابى بكر وعمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو اجتمعتما فى مشورة ما خالفتكما- وعن ابن عمر كتب ابو بكر الى عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور فى الحرب فعليك به- وعن الضحاك قال كان عمر بن الخطاب يشاور حتى المرأة- منه رحمه الله (2) فى الأصل استشارة- (3) فى الأصل مستشارين-

[سورة آل عمران (3) : آية 160]

المشاورة استخراج ما عندهم من العلم بالأصلح بتلاحق الافكار بناء على جرى العادة ولا يعلم ما فى الواقع من الغيب الا الله تعالى- وقد يتخبط العقول فى النظر وقد يفعل الله تعالى على خرق العادة فلا وجه للاعتماد على الآراء- والتوكل ان يلتجىء الى الله خاصة ويطلب منه ان يجعل عاقبة سعيه خيرا ويحسن الظن به فى ذلك قيل التوكل ان لا تعصى الله من أجل رزقك وهذا القول مستلزم للالتجاء ولا التجاء فى المعصية وقيل معناه ان لا يطلب لنفسك ناصرا غير الله ولا لرزقك خازنا غيره ولا لعملك شاهدا غيره- قلت وتخصيص الالتجاء والطلب منه تعالى لا يتصور بدون هذه الأمور عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة سبعون الفا من أمتي بغير حساب قيل يا رسول الله من هم قال هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون متفق عليه وكذا روى البغوي عن عمران بن حصين- وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو اخماصا وتروح بطانا رواه الترمذي وابن ماجة- فان قيل الظاهر من حديث ابن عباس ان التوكل ترك التشبث بالأسباب العادية كالاكتواء والاستراق- قلت لابل ترك الاعتماد على الأسباب الا ترى الاستيشار من باب التشبث بالأسباب فالله سبحانه امر بالاستشارة ثم امر بترك الاعتماد عليه وقوله عليه الصلاة والسلام فى الحديث وعلى ربهم يتوكلون ليس تفسيرا لقوله لا يكتوون ولا يسترقون فان العطف يقتضى المغائرة- ولعل ذلك السبعون الف لا يتشبّثون بالأسباب غالبا- او المراد ترك التشبث ببعض الأسباب المكروهة كيف وتشبث الأسباب من لوازم هذه النشئة فان الاكل والشرب من اسباب الحيوة عادة والصلاة والصوم من اسباب دخول الجنة غالبا والواجب إتيانها إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) عليه وكونه محبوبا لله تعالى هو المقصد الأسنى- وايضا التوكل على الله يفضى الى ان ينصرهم الله ويهديهم الى الصلاح قال الله تعالى وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ وقال فى الحديث القدسي انا عند ظن عبدى بي. إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ أحد إذ يستحيل ان يكون المنصور من الله مغلوبا فانه يستلزم عجزه تعالى عن ذلك علوا كبيرا وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ ومنعكم نصره فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ يعنى لا أحد ينصركم لان افعال العباد مخلوقة لله تعالى فلا يتصور حقيقة النصر من أحد على تقدير خذ لانه منه تعالى مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد خذ لانه او المعنى بعد ما جاوزتم الله فى الاستنصار لا يتصور النصر من غيره- فهذه الاية برهان على وجوب التوكل على الله عقلا بعد ما ثبت ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 161]

وجوبه سمعا بصيغة الأمر وَعَلَى اللَّهِ خاصة فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) لعلمهم وايمانهم بانه لا ناصر سواه. وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ قرا ابن كثير وابو عمرو وعاصم يغلّ بفتح الياء وضم الغين على البناء للفاعل والباقون بضم الياء وفتح الغين على البناء للمفعول- والغلول الخيانة فى الغنائم فعلى القراءة الاولى قال محمد بن إسحاق هذا فى الوحى والمعنى انه ما كان لنبى ان يكتم شيئا من الوحى رغبة او رهبة او مداهنة- وقيل ان الأقوياء ألحوا على النبي صلى الله عليه وسلم يسئلونه فى المغنم فانزل الله تعالى وما كان لنبىّ ان يغلّ فيعطى قوما ويمنع آخرين بل عليه ان يقسم بينهم بالسوية- واخرج ابو داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية فى قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فانزل الله تعالى وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ يعنى ان الاخذ من الغنيمة لا يحل للنبى وهو غلول- وقال الكلبي ومقاتل نزلت فى غنائم أحد حين ترك الرماة المركز للغنيمة وقالوا نخشى ان يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له وان لا يقسمها كالم يقسمها يوم بدر فتركوا المركز ووقعوا فى الغنائم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم الم اعهد إليكم لن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم امرى قالوا تركنا بقية إخواننا وقوفا فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل ظننتم انا تغل فلا نقسم لكم فانزل الله تعالى هذه الاية واخرج ابن ابى شيبة فى المصنف وابن جرير عن الضحاك مرسلا انه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلايع فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم على من معه ولم يقسم للطلائع فنزلت هذه الاية فيكون تسمية حرمان بعض المستحقين غلولا تغليظا ومبالغة- وعلى القراءة الثانية لها وجهان أحدهما ان يكون المعنى ما كان للنبى ان ينسب الى الغلول ويكون مرجع القراءتين واحدا- وثانيهما ان يكون معناه ما كان لنبى ان يخان يعنى ان يخونه أمته- قال قتادة ذكر لنا انها نزلت فى طائفة غلت من أصحابه- واخرج الطبراني فى الكبير بسند رجاله ثقات عن ابن عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشا فردت رأيته ثم بعث فردت بغلول رأس غزال من ذهب فنزلت هذه الاية وما كان لنبىّ ان يغلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ قال الكلبي يمثل له ذلك الشيء فى النار فيقال له انزل فخذه فينزل فيحمله على ظهره فاذا بلغ موضعه وقع فى النار ثم كلف ان ينزل اليه فيخرجه يفعل ذلك به عن ابى هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم يغنم ذهبا ولا فضة الا الأموال والثياب والمتاع قال فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى وكان رفاعة بن زيد وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا اسود يقال له مدعم قال فخرجنا ... ...

حتى إذا كنا بوادي القرى فبينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه سهم عائر فاصابه فقتله- فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسى بيده ان الشملة التي أخذ يوم خيبر من الغنائم لم يصبها المقاسم يشتعل عليه نارا فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك او شراكين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شراك او شرا كان من ناد رواه البغوي- وفى الصحيحين عنه هذا الحديث بلفظ اهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما يقال له مدعم الحديث نحوه- وعن يزيد بن خالد الجهني انه قال توفى رجل يوم خيبر فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فزعم يزيد «1» ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فزعم يزيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان صاحبكم قد غل فى سبيل الله قال ففتحنا متاعه فوجدنا خرزات من خرز اليهود ما يساوى درهمين رواه مالك وابو داود والنسائي وعن ابى حميد الساعدي قال استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا اهدى لى فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فانى استعمل الرجل منكم على العمل مما ولانى الله فيأتى أحدكم فيقول هذا لكم وهذا اهدى لى أفلا جلس فى بيت أبيه وامه حتى يأتيه هديته ان كان صادقا- والله لا يأخذ أحدكم شيئا بغير حقه الا لقى الله يحمله يوم القيامة فلا اعرفن أحدا منكم لقى الله تعالى يحمل بعيرا له رغاء او بقرة لها خوار او شاة يتعر متفق عليه وفى رواية ثم رفع يديه ثم قال اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت- وعن عدى بن عميرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتى به يوم القيامة رواه مسلم وعن ابى هريرة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظّم الغلول وقال الا لا القين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول يا رسول الله أغثني أقول لا املك لك من الله شيئا قد أبلغتك ثم ذكر على رقبته فرس على رقبته شاة على رقبته صامت فذكر نحوه متفق عليه- وعن عمر بن الخطاب مرفوعا نحوه رواه ابو يعلى والبزار- وورد نحو هذا من حديث سعد بن عبادة وهلب عند احمد وابن عمرو عائشة عند البزار وابن عباس وعبادة بن الصامت وابن مسعود عند الطبراني كلهم فى سعاة الصدقة إذا غلوا منها وعن ابى مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض تجدون

_ (1) فى الأصل زيد- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة آل عمران (3) : آية 162]

الرجلين جارين فى الأرض او فى الدار فيقطع أحدهما من حق صاحبه ذراعا إذا يقطعه طوّقه من سبع ارضين يوم القيامة- وروى عن قيس بن ابى حازم عن معاذ بن جبل قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اليمن قال لا تصيبن شيئا بغير اذنى فانه غلول ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيمة وروى عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا وجد ثم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه- وروى عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه رواه ابو داود عن عبد الله بن عمرو قال كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو فى النار فذهبوا ينظرون فوجدوا عباءة قد غلها رواه البخاري وعن ابن عباس قال حدثنى عمر قال كان يوم خيبر اقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا فلان شهيد فلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا انى رايته فى النار فى بردة غلها او عباءة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن الخطاب اذهب فناد فى الناس انه لا يدخل الجنة الا المؤمنون ثلاثا قال فخرجت فناديت الا انه لا يدخل الجنة الا المؤمنون ثلاثا رواه مسلم ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ يعطى جزاء ما كسبت وافيا كاملا كان المناسب بما سبق ثم يوقى ما كسب لكنه عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161) فلا ينقص ثواب مطيعهم ولا يزاد فى عقاب عاصيهم. أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ بالطاعة وهم المهاجرون والأنصار كَمَنْ باءَ رجع بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ بالمعاصي والغلول وهم المنافقون وبعض الفساق وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) جهنم. هُمْ يعنى من اتبع رضوان الله ومن باء بسخط من الله دَرَجاتٌ شبهو بالدرجات لما بينهم من التفاوت فى الثواب والعقاب او المعنى هم أولوا درجات متفاوتة عِنْدَ اللَّهِ بعض المؤمنين اقرب الى الله من بعض وبعض الكفار والعصاة فى درك أسفل من النار من بعض وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (163) عالم بأعمالهم فيجازيهم على حسبها-. لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ قيل المراد من أمن من قومه خاصة- وتخصيصهم مع ان نعمة البعثة عامة لسائر المؤمنين لزيادة انتفاعهم به واكتسابهم مزيد الفضل بسببه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس تبع لقريش مؤمنهم لمؤمنهم وكافرهم لكافرهم متفق عليه- وقال عليه السلام لا يزال هذا الأمر يعنى الخلافة فى قريش ما بقي منهم اثنان متفق عليه- وقيل أراد به مؤمنوا العرب كلهم لانه ليس حى من احياء العرب إلا وله فيهم نسب الا بنى تغلب ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 165]

قال الله تعالى هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ومعنى كونه من أنفسهم يعنى من جنسهم عربيّا مثلهم ليفهموا كلامه بسهولة ويكونون واقفين على حاله فى الصدق والامانة مفتخرين به- عن سلمان قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبغضني فتفارق دينك قلت يا رسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله قال تبغض العرب فتبغضنى رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن- وقيل أراد به جميع المؤمنين كما فى قوله تعالى لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يعنى من الانس دون الملائكة حتى يتحقق التأثير والتأثر لكمال المناسبة قال الله تعالى لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا. يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ يعنى القران بعد ما كانوا جهالا وَيُزَكِّيهِمْ اى يطهر قلوبهم عن العقائد الفاسدة والاشتغال بغير الله ونفوسهم عن الرذائل وأبدانهم عن الأنجاس والاخباث والأعمال القبيحة وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ يعنى العلوم المستنبطة من الكتاب او ما يصلح ان يكتب فى الصحف وَالْحِكْمَةَ العلوم الحقة المستحكمة التي يستفيدها الحكيم من الحكيم بلا توسط كتاب ولا بيان وَإِنْ كانُوا مخففة من المثقلة واسمه ضمير الشأن يعنى انه كانوا مِنْ قَبْلُ بعثته لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) اى ظاهر. أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ يوم أحد من قتل سبعين والهزيمة قَدْ أَصَبْتُمْ يوم بدر من الكفار مِثْلَيْها روى احمد والشيخان والنسائي عن البراء قال أصاب المشركون منا يوم أحد سبعين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا- قلت جعل الله سبحانه الأسير مثل القتيل لكونهم قادرين على قتلهم وكان قتلهم هو المرضى من الله تعالى وانما كان عدم القتل باختيارهم الفداء من عند أنفسهم- والظرف يعنى لما متعلق بقوله تعالى قُلْتُمْ متعجبين انّى هذا الهزيمة والقتل علينا ونحن مسلمون وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والهمزة لانكار هذا القول والمنع عنه والجملة معطوفة على ما سبق من قصة أحدا ما على قوله لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ يعنى لقد صدقكم الله وعده وقلتم انى هذا حين المصيبة واما على قوله اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ ويحتمل العطف على قوله لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ يعنى وجود الرسول صلى الله عليه وسلم منه منه تعالى عليكم وأنتم تريدون ان تنسبوا اليه المصيبة وتجعلوها بسببه او معطوف على محذوف تقديره انما وعدكم النصر بشرط الصبر والتقوى لم تصبروا ولما أصابتكم مصيبة قلتم انى هذا او تقديره أتنازعتم ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 166]

وعصيتم الرسول وفشلتم ولما أصابتكم مصيبة قلتم انى هذا وجاز ان يكون معطوفا على القول المحذوف اشارة الى ان قولهم كان غير واحد تقديره أقلتم أقوالا غير واحد لا ينبغى ولما أصابتكم مصيبة قلتم انى هذا قُلْ يا محمد هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ اى بما اقترفتم من المعصية بترك المركز فان الوعد كان مشروطا بالصبر والتقوى وقيل يعنى باختياركم الفداء عن أسارى بدر اخرج ابن ابى حاتم عن عمر بن الخطاب قال عوقبوا يوم أحد بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفرّ اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته وهشّمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فانزل الله تعالى أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ الاية وقال البغوي روى عبيدة السلماني عن على قال جاء جبرئيل عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان الله كره ما صنع قومك فى أخذهم الفداء من الأسارى وقد أمرك ان تخيّرهم بين ان يقدموا فيضرب أعناقهم وبين ان يأخذوا الفداء على ان يقتل منهم عدتهم فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله عشائرنا وإخواننا لابل نأخذ فداهم فتقوى به على قتال عدونا ويستشهد مناعدتهم فقتل يوم أحد سبعون عدد أسارى اهل بدر فهذا قوله هو من عند أنفسكم (فائدة) روى سعيد بن منصور عن ابى الصخر مرسلا قال قتل يوم أحد سبعون اربعة من المهاجرين حمزة ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان وسائرهم من الأنصار وروى ابن حبان والحاكم عن أبيّ بن كعب قال أصيب يوم أحد من الأنصار اربعة وستون ومن المهاجرين ستة- قال الحافظ وكان الخامس سعد مولى حاطب بن بلتعة «1» والسادس ثقيف بن عمرو الأسلمي- وروى البخاري عن قتادة قال ما نعلم حيا من احياء العرب اكثر شهيدا من الأنصار- قال قتادة حدثنا انس قال قتل منهم يوم أحد سبعون ويوم بير معونة سبعون ويوم اليمامة سبعون- ونقل الحافظ محب الطبري عن مالك ان شهداء أحد خمسة وسبعون منها أحد وسبعون من الأنصار- وعن الشافعي انهم اثنان وسبعون- وسرد فى العيون اسماء شهداء أحد فبلغ ستة وتسعين من المهاجرين أحد عشر ومن الأوس ثمانية وثلاثون ومن الخزرج سبعة وأربعون- وفى العيون عن الدمياطي مائة واربعة او خمسة وكتاب الله يدل على كونهم سبعين إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من النصر والخذلان وغيرهما قَدِيرٌ (165) . وَما أَصابَكُمْ من المصيبة يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ جمع المسلمين وجمع المشركين

_ (1) الصحيح ابن ابى بلتعة-

[سورة آل عمران (3) : آية 167]

يعنى يوم أحد فَبِإِذْنِ اللَّهِ فهو قد حصل بقضاء الله وقدره وسماه اذنا لانه بالأمر التكويني فى قوله كن فيكون والمستحيل فى ما لا يشرع هو الأمر التكليفي دون الأمر التكويني وَلِيَعْلَمَ يعنى لمصالح كثيرة وليعلم الْمُؤْمِنِينَ (136) . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا ممتازين عند الناس يعنى يتحقق امتيازهم عند الناس فيعرفوا ايمان هؤلاء وكفر هؤلاء وَقِيلَ لَهُمْ اى للمنافقين عطف على نافقوا او كلام مبتدا تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا هذا مقولة القول يعنى قاتلوا الكفار فى سبيل الله ان استطعتم والا فادفعوهم بتكثيركم سواد المؤمنين فاستقيموا ولا تفروا او المعنى قاتلوا فى سبيل الله بالإخلاص ان كنتم مؤمنين حقا او ادفعوا الأعداء عن ذراريكم ان لم تقاتلوا الله تعالى قالُوا يعنى المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه فى جواب المؤمنين حين انصرفوا عن أحد وكانوا ثلاثمائة لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا هذه المصادمة قتالا لَاتَّبَعْناكُمْ لكنه ليس بقتال بل إلقاء بالأنفس فى التهلكة او المعنى انه لو تكونوا على الحق ونعلمه قتالا فى سبيل الله لاتبعناكم او المعنى او نعلم انه قتال معنا لاتبعناكم لكن ليس هذا قتالا معنا ولا قصد للمشركين الا قتالا معكم او المعنى لو نحسن قتالا لاتبعناكم فيه انما قالوه استهزاء بهم هُمْ اى المنافقون لِلْكُفْرِ اللام بمعنى الى اى الى الكفر يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ اى الى الايمان يعنى ان المنافقين كانوا مترددين بين الايمان والكفر كالشاة العائرة بين الغنمين ان أصابهم فى الإسلام خير اطمأنوا به وان أصابتهم فتنة انقلبوا الى الكفر فلما كان يوم أحد يوم الفتنة صاروا اقرب الى الكفر فانه أول يوم ظهر فيه كفرهم ونفاقهم- وقيل معناه هم لاهل الكفر اقرب نصرة منهم لاهل الايمان فان انخزالهم ومقالهم تقوية للمشركين وتخذيل للمؤمنين يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ يعنى يظهرون الإسلام بأفواههم ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ واضافة القول الى الأفواه تأكيد لنفى صدوره عن الاعتقاد وتحقير لهم يعنى ليس لهم من الايمان الا مجرد القول وهذه الجملة بيان لحالهم مطلقا لا فى هذا اليوم ولذا فصل عما سبق وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) من النفاق منكم. الَّذِينَ قالُوا مرفوع بدلا من الضمير المرفوع فى يكتمون او منصوب على الذم او الوصف للذين نافقوا- او مجرور بدلا من الضمير فى بأفواههم او قلوبهم لِإِخْوانِهِمْ اى لاجل إخوانهم فى النسب وفى حقهم عمن قتل يوم أحد وَقَعَدُوا حال بتقدير قد اى قالوا قاعدين عن القتال لَوْ أَطاعُونا فى القعود ما قُتِلُوا كما لم نقتل قرا هشام ما قتّلوا بالتشديد للتكثير والباقون بالتخفيف قُلْ لهم يا محمد فَادْرَؤُا فادفعوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 169]

ان الحذر يدفع القدر- روى الترمذي وحسنه وابن ماجة وابن خزيمة وصححه والبغوي عن جابر بن عبد الله قال لقينى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لى يا جابر مالى أراك منكسرا قلت يا رسول الله استشهد ابى وترك عيالا ودينا قال أفلا أبشرك بما لقى الله به أباك قلت بلى يا رسول الله قال ما كلم الله تعالى أحدا قط الا من وراء الحجاب وأحيا أباك وكلمه كفاحا قال يا عبدى تمن علىّ أعطيك قال يا رب أحيني فاقتل فيك الثانية قال الرب تبارك وتعالى انه قد سبق منى انهم لا يرجعون قال فانزلت فيهم. وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا الاية- وروى مسلم واحمد وابو داود والحاكم والبغوي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله عز وجل أرواحهم فى أجواف طير خضر ترد انهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح فى الجنة حيث شاءت وتأوى الى قناديل من ذهب تحت العرش- فلما راوا طيب مقيلهم ومطعمهم ومشربهم وراوا ما أعد الله لهم من الكرامة قالوا يا ليت قومنا راوا ما نحن فيه من النعمة وما صنع الله بنا كى يرغبوا فى الجهاد ولا ينكلوا عنه فقال الله تعالى عز وجل انا مخبر عنكم ومبلغ إخوانكم ففرحوا بذلك واستبشروا فانزل الله تعالى وروى ابن المنذر عن انس قال لما قتل حمزة وأصحابه يوم أحد قالوا يا ليت مخبرا يخبر إخواننا الذي صرنا اليه من كرامة الله فاوحى إليهم ربهم انا رسولكم الى إخوانكم فانزل الله تعالى لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا الى قوله تعالى لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ وقيل ان اولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة تحسروا على الشهداء وقالوا نحن فى النعمة وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا فى القبور فانزل الله تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا قرا هشام لا يحسبنّ بالياء للغيبة والباقون بالتاء للخطاب وقرا ابن عامر قتّلوا هنا وفى الحج بتشديد التاء فيهما لكثرة المقتولين- والباقون بالتخفيف والخطاب لاولياء الشهداء او للرسول صلى الله عليه وسلم وجاز ان يكون خطابا للمنافقين الذين قالوا لو أطاعونا ما قتلوا ويكون حينئذ داخلا تحت قل وعلى قراءة هشام الضمير راجع الى اولياء الشهداء وجاز اسناده الى ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم او الضمير راجع الى المنافقين الذين قالوا لو أطاعونا وجاز اسناده الى الذين قتلوا او المفعول محذوف لانه فى الأصل مبتدا جائز الحذف عند القرينة وانما لا يجوز حذف أحد المفعولين بلا قرينة لانه شطر الجملة فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعنى فى الجهاد لفظ فى سبيل الله عام يشتمل من مات فى شىء من امور الخير غير ان لفظ القتل لا يشتمله عبارة لكن بدلالة النص يدخل فيه بالطريق الاولى او ... ...

بالمساوات او بالقياس من جاهد فى الله مع نفسه جهادا اكبر فانه أشد وأشق من الجهاد الأصغر أَمْواتاً غير مشتعرين باللذات والنعماء بَلْ أَحْياءٌ روى ابو حاتم عن ابى العالية فى قوله تعالى بل احياء قال فى صور طير خضر يطيرون فى الجنة حيث شاءوا قال البغوي أرواحهم تركع وتسجد كل ليلة تحت العرش الى يوم القيامة روى ابن مندة عن طلحة بن عبد الله رضى الله عنه قال أردت مالى بالغابة فادركنى الليل فاويت الى قبر عبد الله بن عمرو بن حرام فسمعت قراءة من القبر ما سمعت احسن منها فجئت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ذاك عبد الله الم تعلم ان الله قبض أرواحهم فجعلها فى قناديل من زبرجد وياقوت ثم علقها وسط الجنة فاذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم فلا تزال كذلك حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم الى مكانها التي كانت فيها- وعلى هذا القول يكتسب الشهيد الدرجات وثواب الطاعات بعد الموت ايضا- والشهيد لا يبلى فى القبر ولا يأكله الأرض وهذا ايضا اثر من اثار حياته روى البيهقي من طرقه عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما وابن سعد والبيهقي من طرق اخر عنه ومحمد بن عمرو عن شيوخه عن جابر قال استصرخنا الى قتلانا يوم أحد حين اجرى معاوية العين فاتيناهم فاخرجناهم رطابا تثنى أطرافهم قال شيوخ محمد بن عمرو وجدوا والد جابر ويده على جرحه فاميطت يده عن جرحه فانبعث الدم فردت الى مكانها فسكن الدم قال جابر فرايت ابى فى حفرته كانه نائم والنمرة التي كفن فيها كما هى والخرمة على رجليه على هيئته وبين ذلك ست وأربعون سنة وأصابت المسحاة رجل رجل منهم «1» قال الشيوخ وهو حمزة فانبعث الدم قال ابو سعيد الخدري لا ينكر بعد هذا منكر ولقد كانوا يحفرون التراب فكلما حفروا نثرة من التراب فاح عليهم ريح المسك- قال البغوي قال عبيد بن عمير مر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا له ثم قرا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهد ان هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة الا فاتوهم وزوروهم وسلموا عليهم فو الذي نفسى بيده لا يسلم عليهم أحد الى يوم القيامة الا ردوا عليه وروى الحاكم والبيهقي عن ابى هريرة والبيهقي عن ابى ذر وابن مردوية عن خباب بن الأرت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف عليه فدعا له ثم قرا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ الاية ثم قال لقد رايتك بمكة وما بها ارق حلة ولا احسن لمة منك-

_ (1) فى الأصل فيهم

[سورة آل عمران (3) : آية 170]

(مسئلة) هل يبلغ غير الشهيد درجة الشهيد قلت نعم وما ورد فى فضائل الشهداء لا يقتضى نفى الحكم عمن عداهم وقد روى ابو داود والنسائي عن عبيد بن خالد ان النبي صلى الله عليه وسلم أخي بين رجلين فقتل أحدهما فى سبيل الله ثم مات اخر بعد جمعة او نحوها فصلوا عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما قلتم قالوا دعونا الله ان يغفر له ويرحمه ويلحقه بصاحبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم فاين صلاته بعد صلاته وعمله بعد عمله او قال صيامه بعد صيامه لما بينهما ابعد مما بين السماء والأرض- وقد ذكرنا بحث مقر الأنبياء والشهداء والصديقين والمؤمنين وغيرهم فى تفسير سورة المطففين ومسئلة حيوة الشهداء فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ اى ذو زلفى وقرب منه تعالى قربا بلا كيف قال الشيخ الشهيد شيخى وامامى رضى الله عنه ورضى عنا بسره السامي انه يرى بنظر الكشف تجليات ذاتية على الشهداء لما بذلوا ذواتهم فى سبيل الله قال الله تعالى وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ فهم قدموا لانفسهم بدل الذوات فجزاهم الله تعالى بالتجليات الذاتية الصرفة يُرْزَقُونَ (169) من الجنة تأكيد لكونهم احياء. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أبهم الله سبحانه ما أتاهم لكونه بحيث لا يدركه فهم ولا يحيط بتفصيله عبارة روى ابن ابى شيبة وعبد الرزاق فى المصنف واحمد ومسلم وابن المنذر عن مسروق قال سالنا عبد الله يعنى ابن مسعود عن هذه الآيات فقال قد سالنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أرواحهم فى جوف طير خضر ولفظ عبد الرزاق أرواح الشهداء كطير خضر لها قناديل من ذهب معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوى الى تلك القناديل فاطلع عليهم ربهم اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا ففعل ذلك ثلاث مرات وفى رواية فقال سلونى ما شئتم فقالوا يا رب كيف نسئلك ونحن نسرح فى الجنة فى ايها شئنا- فلما راوا انهم لم تتركوا من ان يسئلوا شيئا قالوا يا ربنا نريد ان ترد أرواحنا فى أجسادنا حتى نقاتل فى سبيلك مرة اخرى فلما راى ان ليس لهم حاجة تركوا وَيَسْتَبْشِرُونَ يسرون ويفرحون بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ الذين تركوهم احياء فى الدنيا على مناهج الايمان والطاعة والجهاد او المعنى لم يلحقوا بهم فى الدرجة مِنْ خَلْفِهِمْ زمانا او رتبة أَلَّا خَوْفٌ بدل اشتمال من الذين اى بان لا خوف عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) قيل معناه يحتمل انهم يستبشرون بإخوانهم الذين لم يلحقوا بهم ان لا خوف عليهم يعنى على الشهداء من جهتهم اى من جهة الاخوان لاجل حقوق العباد فى ذمتهم ومخاصمتهم معهم لانه تعالى سيرضيهم ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 171]

منهم ويمنعهم عن المخاصمة- قلت ويحتمل انهم يستبشرون بإخوانهم وأحبائهم الذين لم يلحقوا بهم فى درجتهم ان لا خوف على إخوانهم ولا هم يحزنون لما اعطى الله للشهداء درجة الشفاعة فى إخوانهم واحبابهم اخرج ابو داود وابن حبان عن ابى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الشهيد يشفع فى سبعين من اهل بيته واخرج احمد والطبراني مثله من حديث عبارة بن الصامت والترمذي وابن ماجة مثله من حديث المقدام بن معد يكرب- واخرج ابن ماجة والبيهقي عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء- وأخرجه البزار وزاد فى آخره ثم المؤذنون- قلت لعل المراد بالعلماء الذين سبقوا على الشهداء فى الشفاعة العلماء الراسخون علماء الحقيقة- يَسْتَبْشِرُونَ كرره للتأكيد او يقال الاول بشارة بدفع الضرر وهذا بشارة بجلب النفع. بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ ثوابا لاعمالهم وَفَضْلٍ زيادة عليه من الله تعالى وذلك رؤية الله ومراتب قربه وتنكيرهما للتعظيم وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) قرا الجمهور بفتح انّ عطفا على فضل فهو من جملة المستبشر به- عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تكفل الله لمن جاهد فى سبيل الله لا يخرجه من بيته الا الجهاد فى سبيله وتصديق كلمته ان يدخله الجنة او يرجعه الى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من اجر وغنيمة وقال والذي نفسى بيده لا يكلم أحد فى سبيل الله والله اعلم بمن يكلم فى سبيله الا جاء يوم القيامة وجرحه تبعث دما اللون لون الدم والريح ريح المسك رواه ( «1» ) وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهيد لا يجد الم القتل الا كما يجد أحدكم الم القرصة «2» رواه الدارمي والترمذي وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب ورواه النسائي بسند صحيح ورواه الطبراني فى الوسط عن ابى قتادة بسند صحيح- والاية تدل على عدم ضياع اجر المؤمنين عامة شهيدا كان او غيره كانّ الشهداء يستبشرون بحال جميع المؤمنين- وقرا الكسائي على انه استيناف معترض دال على ان ذلك اجر لهم على ايمانهم ومن لا ايمان له اعماله محبطة لا اجر عليها- وقيل هذه الاية نزلت فى شهداء بدر كانوا اربعة عشر رجلا ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين وهذا القول ضعيف وقراءة قتّلوا بالتشديد يأبى عنه لدلالتها لكثرة المقتولين- وقال قوم نزلت هذه الاية فى شهداء بير معونة وكان سبب ذلك على ما روى محمد بن إسحاق

_ (1) هكذا بياض فى الأصل- وفى حاشية نقل البغوي- ابو محمد عفا عنه- (2) القرص أخذك لحم الإنسان بإصبعيك حتى تولمه ولسع البراغيث- قاموس- منه رح

وعبد الله بن ابى عن انس رضى الله عنه وغيره قال قدم عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الا سنة العامري على رسول الله صلى الله عليه وسلم واهدى له فرسين وراحلتين فابى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقبلها وقال لا اقبل هدية مشرك فاسلم ان أردت ان اقبل هديتك فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد ان الذي تدعوا اليه حسن جميل فلو بعثت رجالا من أصحابك الى اهل نجد رجوت ان يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى أخشى عليهم اهل نجد فقال ابو براء أنالهم جار فبعث المنذر بن عمر رضى الله عنه أخا بنى ساعدة فى سبعين رجلا من خيار المسلمين من الأنصار يسمون القراء وفيهم عامر بن فهيرة مولى ابى بكر فى صفر سنة اربع حتى نزلوا بير معونة وهى ارض بين ارض بنى عامر وحرة بنى سليم فبعثوا حرام بن ملحان رضى الله عنه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى عامر بن الطفيل فى رجال من بنى عامر فقال حرام بن ملحان انى رسول رسول الله إليكم انى اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله فامنوا بالله ورسوله فخرج اليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به فى جنبه حتى خرج من الشق الاخر فقال الله اكبر فزت ورب الكعبة ثم استصرخ عامر بن الطفيل عليهم ببني عامر فابوا ان يجيبوه الى ما دعاهم اليه وقالوا لا تخفروا جوار ابى براء فاستصرخ عليهم قبائل من بنى سليم عصية ورعل وذكوان فاجابوه فخرجوا حتى غشوا القوم فاحاطوا بهم فى رحالهم فقاتلوهم حتى قتلوا كلهم الا كعب بن زيد تركوه وبه رمق فعاش حتى قتل يوم الخندق وأخذوا عمرو بن امية أسيرا فلما أخبرهم انه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم واخبر له الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عمل ابى براء فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه اخفار عامر إياه روى محمد بن إسحاق كان يقول عامر بن الطفيل كان يقول من الرجل منهم لما قتل رايته رفع بين السماء والأرض حتى رايت السماء من دونه قالوا هو عامر بن فهيرة ثم بعد ذلك حمل ربيعة بن ابى براء على عامر بن الطفيل فطعنه على فرسه فقتله- وفى الصحيحين عن قتادة عن انس ان رعلا وذكوان وعصية وبنى لحيان أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعموا انهم اسلموا واستمدوا على عدوهم فامدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء فى زمانهم كانوا يحطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى كانوا ببئر معونة فقتلوهم وغدروا بهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقنت شهرا يدعو فى الصبح على احياء من احياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبنى لحيان- وروى احمد والشيخان والبيهقي عن انس والبيهقي عن ابن مسعود والبخاري عن عروة ان أناسا ... ...

جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ابعث معنا رجالا يعلمون القران والسنة فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القراء فتعرضوا لهم فقتلوهم قبل ان يبلغوا المكان قالوا اللهم بلغ نبينا وفى لفظ إخواننا انا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا فاوحى الله انا رسولهم إليكم انهم قد رضوا ورضى عنهم قال انس فقرأنا فيهم بلغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا فرضى عنا وارضانا ثم نسخ- فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا على رعل وذكوان وعصية وبنى لحيان الذين عصوا الله ورسوله- قال البغوي فى قول انس فرفعت بعد ما قراناها زمانا وانزل الله عز وجل وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الاية- قلت والاختلاف وان وقع فى سبب نزول هذه الاية كما ذكرنا لكن بحسب عموم اللفظ جميع الشهداء داخلون فى حكم هذه الاية والله اعلم- ((مسئلة)) اجمعوا على ان الشهيد لا يغسل لان شهداء أحد لم يغسلوا وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ان ينزع الحديد والجلود وان يدفنوا بدمائهم وثيابهم رواه ابو داؤد وابن ماجة عن ابن عباس وروى النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن ثعلبة قوله صلى الله عليه وسلم زملوهم بدمائهم فانه ليس كلم يكلم فى سبيل الله الا هو يأتى يوم القيامة بدماء لونه لون الدم وريحه ريح المسك وفى الباب حديث جابر رمى رجل بسهم فى صدره فمات فادرج فى ثيابه كما هو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه ابو داؤد بإسناد على شرط مسلم (مسئلة) واختلفوا فى مجنب استشهد هل يغسل أم لا فقال ابو حنيفة واحمد يغسل وقال مالك والشافعي لا يغسل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم زملوهم بدمائهم ولنا قصة حنظلة بن ابى عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى رايت الملائكة يغسل حنظلة بن ابى عامر بين السماء والأرض بماء المزن فى صحاف الفضة قال ابو أسيد الساعدي فذهبنا فنظرنا اليه فاذا رأسه يقطر ماء فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرته فارسل الى امرأته فسالها فاخبرته انه خرج وهو جنب فولده يقال بنو غسيل الملائكة رواه ابن الجوزي من حديث محمد بن سعد مرسلا ورواه ابن حبان فى صحيحه والحاكم والبيهقي من حديث ابن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده- قال الحافظ ظاهره ان الضمير فى قوله عن جده يعود على عباد فيكون الحديث من مسند الزبير وهو الذي يمكنه السماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك الحال- ورواه الحاكم فى الإكليل من حديث ابى أسيد وفى اسناده ضعف ورواه ... ...

الحاكم فى المستدرك والطبراني والبيهقي من حديث ابن عباس وفى اسناد الحاكم معلى بن عبد الرحمن متروك وفى اسناد الطبراني حجاج مدلس وفى اسناد البيهقي ابو شيبة الواسطي ضعيف- ((مسئلة)) اختلفوا فى الصلاة على الشهيد فقال الشافعي لا يصلى عليه وقال ابو حنيفة ومالك يصلى عليه وعن احمد كالمذهبين قلنا الصلاة اما لمغفرة الذنوب او لرفع الدرجات تكريما للميت والشهيد اولى بالتكرمة ولو كان التكريم فى ترك الصلاة كان النبي صلى الله عليه وسلم اولى به وقد صلى عليه اجماعا- والأصل هو الصلاة احتج الشافعي بحديث جابر بن عبد الله ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين رجلين من قتلى أحد فى الثوب الواحد ثم يقول أيهما اكثر قراتا فاذا أشير الى أحدهما قدمه فى اللحد وقال انا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وامر بدفنهم فى ثيابهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا رواه البخاري والنسائي وابن ماجة وابن حبان وحديث انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم أحد يكفن الرجلين والثلاثة فى الثوب الواحد ودفنهم ولم يصل عليهم رواه احمد وابو داؤد والترمذي وقال حديث حسن والحاكم وصححه وقد أعله البخاري وقال انه غلط فيه اسامة بن زيد فقال عن الزهري عن انس ورجح رواية الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر يعنى هو الحديث الاول والله اعلم- وأجيب عن احتجاج الشافعي بانه يحتمل ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد لما كان به من الم الجراح وكسر الرباعية ولعله صلى عليهم غيره صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا الاحتمال ما روى ابو داؤد فى المراسيل والحاكم والطحاوي من حديث انس ايضا قال مر النبي صلى الله عليه على حمزة وقد مثل به ولم يصل على أحد من الشهداء غيره زاد الطحاوي قال عليه السلام انا شهيد عليكم يوم القيامة- فان قيل روى هذا الحديث الدارقطني وقال لم يقل هذه الزيادة غير عثمان بن عمرو وليست محفوظة قلنا قال ابن الجوزي عثمان مخرج عنه فى الصحيحين والزيادة من الثقة مقبولة قال الطحاوي لو كان ترك الصلاة على الشهيد سنة لما صلى على حمزة فظهر انه صلى على حمزة لفضله ولم يصل على غيره لما كان به من وجع وقد ورد ما يعارض ما تقدم عدة أحاديث عن عدة من الصحابة منها حديث جابر قال فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين جاء الناس من القتال فقال رجل رايته عند تلك الشجرة فلما راه ورأى ما مثل به شهق وبكى فقام رجل من الأنصار فرمى عليه بثوب ثم جىء بحمزة فصلى عليه ثم بالشهداء فيوضعون الى جانب حمزة فيصلى عليهم ثم يرفعون ويترك حمزة حتى صلى على الشهداء ... ...

كلهم وقال حمزة سيد الشهداء عند الله يوم القيامة رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه الا ان فى سنده مفضل بن صدقة ابو حماد الحنفي قيل هو متروك وضعفه النسائي ويحيى لكن قال الأهوازي كان عطاء بن مسلم يوثقه وكان احمد بن محمد بن شعيب يثنى عليه ثناء تاما وقال ابن عدى ما ارى به بأسا فالحديث لا يسقط عن درجة الحسن ومنها حديث ابن عباس قال امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجى ببردة ثم صلى عليه وكبر سبع تكبيرات ثم اتى بالقتلى فيوضعون الى حمزة فيصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلوة رواه ابن إسحاق قال حدثنى من لا اتهمه عن مقسم مولى ابن عباس عنه وفى مقدمة مسلم عن شعبة عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد فسالت الحكم فقال لم يصل عليهم قال السهيلي الحسن بن عمارة ضعيف- وقال الحافظ وروى هذا الحديث الحاكم وابن ماجة والطبراني والبيهقي من طريق يزيد بن زياد عن مقسم عن ابن عباس مثله قال الحافظ يزيد فيه ضعف يسير وقال ابن الجوزي قال ابن المبارك ارم به وقال البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك- ومنها حديث ابن مسعود نحوه يعنى صلى على حمزة سبعين صلوة رواه احمد والحديث ضعيف وقال ابن همام لا ينزل عن درجة الحسن- ومنها حديث ابى مالك الغفاري أخرجه ابو داؤد فى المراسيل انه صلّى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد عشرة عشرة فى كل عشرة حمزة حتى صلى عليه سبعين صلوة قال الحافظ رجاله ثقات وابو مالك تابعي اسمه غزوان- وقد اعل الشافعي هذا الحديث بأنه متدافع لان الشهداء كانوا سبعين فاذا اتى بهم عشرة عشرة يكون قد صلى سبع صلوات وأجيب بان المراد انه صلى على سبعين نفسا وحمزة معهم كلهم وعند اجتماع هذه الأحاديث يثبت انه قد صلّى على قتلى أحد ووجه التطبيق بين ما روى انه صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم وما روى انه صلى عليهم وانه لم يصل بنفسه الشريفة الا أول مرة على حمزة ثم امر الناس بالصلوة على كلهم وصلى على حمزة الصلاة مع كل من القتلى انه من أسند الصلاة الى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد كلهم فمعناه انه امر بالصلوة فاسند اليه مجازا ومن نفى عنه الصلاة فهو على الحقيقة نظرا الى الأكثر ومن فصّل وقال صلى على حمزة لا غير فقد اتى بما هو الواقع وفى الباب ما رواه النسائي والطحاوي عن شداد بن الهاد مرسلا ان رجلا من الاعراب جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فامن به واتبعه وقال أهاجر معك فاوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة ... ...

فلما كانت غزوة غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أشياء فقسم وقسم له الحديث وفيه فقال الاعرابى ما على هذا اتبعك ولكن اتبعك على ان ارمى هاهنا وأشار الى حلقه بسهم فاموت فادخل الجنة الحديث وفيه فاتى به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم اهو هو قالوا نعم قال صدّق الله فصدقه وكفنه النبي صلى الله عليه وسلم فى جبته صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه وكان مما ظهر من صلاته عليه اللهم ان هذا عبدك خرج مهاجرا فى سبيلك فقتل شهيدا انا اشهد عليه وهذا مرسل والمرسل عندنا حجة ((فصل)) روى البخاري وغيره عن عقبة بن عامر ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين يعنى قبيل وفاته عليه السلام وحمله البيهقي على الدعاء وليس بشىء لان الدعاء لم يكن مرة بعد ثمانى سنة وانما هى صلوة الجنازة وقد ورد فى بعض ألفاظه خرج يوما فصلى على اهل أحد صلاته على الميت رواه الطحاوي وغيره- فان قيل الحنفية لا يجيزون الصلاة على الميت بعد ثلاثة ايام قلت انما لا يجيزون لان الميت ينفسخ فى القبر فى ثلاثة ايام واما الشهيد فقد ثبت انه لا يأكله الأرض وهو ابدا كيوم دفنه فلا بأس بالصلوة عليه وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم والله اعلم- روى الفرياني والنسائي والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس انه قال لما رجع المشركون عن أحد قالوا لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئسما صنعتم ارجعوا فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب المسلمين فانتدبوا الحديث قال محمد بن عمرو لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد يوم السبت 15 باتت وجوه الأوس والخزرج على بابه خوفا من كرة العدو فلما طلع الفجر من يوم أحد 16 اذّن بلال وخرج ينتظر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خرج أخبره رجل مزنّى قول ابى سفيان حين بلغوا الروحاء ارجعوا نستأصل من بقي وصفوان بن امية يأبى ذلك عليهم ويقول يا قوم لا تفعلوا فان القوم قد حربوا وأخاف ان يجتمع عليكم من تخلف من الخزرج فارجعوا والدولة لكم فانى لا أمن ان رجعتم ان تكون الدولة عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارشدهم صفوان وما كان برشيد والذي نفسى بيده لقد سومت لهم الحجارة ولو رجعوا لكانوا كامس الذاهب ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر فذكر لهما فقالا يا رسول الله اطلب العدو ولا يقمحون الاقماح رفع الراس وغمض البصر- نهايه مندوح على الذرية- فامر بلالا ان ينادى ان رسول الله ... ...

صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا الا من شهد القتال أمس قال أسيد بن حضير وبه تسع جراحات يريد ان يداويها لما سمع النداء سمعا وطاعة لله ورسوله ولم يعرج على دواء جرحه وخرج من بنى سلمة أربعون جريحا بالطفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحا وبخراش بن الصمة عشر جراحات وبكعب بن مالك بضعة عشر جرحا وبعطية بن عامر تسع جراحات ووثب المسلمون الى سلاحهم وما عرجوا على دواء جراحاتهم قال ابن عقبة واتى عبد الله بن أبيّ فقال يا رسول الله انا اركب معك قال لا قال ابن إسحاق ومحمد بن عمرو اتى جابر بن عبد الله فقال يا رسول الله ان مناديك نادى ان لا يخرج معنا الا من حضر القتال بالأمس وقد كنت حريصا على الحضور ولكن ابى خلفنى على أخوات لى سبع وفى لفظ تسع وقال لا ينبغى لى ولك ان نترك هذه النسوة ولا رجل معهن ولست بالذي او ثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله تعالى يرزقنى الشهادة وكنت رجوتها فتخلفت عليهن فاستأثر على بالشهادة فأذن لى يا رسول الله أسير معك فاذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جابر فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيرى استأذنه رجال لم يحضروا القتال فابى ذلك عليهم قال ابن إسحاق ومتابعوه انما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو ليبلغهم انه خرج فى طلبهم فيظنوا بهم قوة وان الذي أصابتهم لم يوهنهم عن عدوهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ابو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وابو عبيدة بن الجراح فى سبعين رجلا حتى بلغوا حمراء الأسد موضع من المدينة على ثمانية أميال على يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة وحمل سعد بن عبادة ثلاثين بعيرا وساق جزرا لتفحر فنحروا فى يوم الاثنين 7 او يوم الثلاثاء 18 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم فى النهار بجمع الحطب فاذا امسوا أمران توقد النيران فتوقد كل رجل نارا فاوقدوا خمسمائة نار ولقى معبد الخزاعي وهو يومئذ مشرك وجزم ابو عمرو وابن الجوزي بإسلامه- وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها فقال يا محمد والله لقد عز علينا ما أصابك من أصحابك ولوددنا ان الله كان قد عفاك ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقى أبا سفيان بالروحاء وقد اجمعوا للرجعة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا لقد أصبنا جلة أصحابهم وقادتهم لتكرن ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 172]

على بقيتهم فلنفرغنّ عنهم فلما راى ابو سفيان معبدا قال وماوراءك قال محمد قد خرج فى أصحابه يطلبكم فى جمع لم ار مثله قط يتخرقون عليكم تخرقا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه فى يومكم وندموا على صنيعهم وفيهم من الخنق عليكم شىء لم ار مثله قط قال ويلك ما تقول قال والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصى الخيل قال فو الله لقد اجمعنا الكرة عليهم لنستاصل بقيتهم قال فانى والله أنهاك عن ذلك فثنى ذلك مع كلام صفوان أبا سفيان ومن معه وقت أكبادهم فانصرفوا سراعا خائفين من الطلب- ومر بابى سفيان ركب من عبد القيس فقال اين تريدون قالوا نريد المدينة للميرة فقال فهل أنتم مبلغون عنى محمدا رسالة واحمل لكم ابلكم هذه زبيبا بعكاظ غدا إذا ووافيتمونا قالوا نعم قال فاذا جئتموه فاخبروا انا قد اجمعنا اليه والى أصحابه لنستأصلهم بقيتهم- وانصرف ابو سفيان الى مكة ومر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فاخبروه بالذي قاله ابو سفيان فقال رسول الله صلى الله حسبنا الله ونعم الوكيل فاقام رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك الاثنين 17 والثلاثاء 18 والأربعاء 19 وانزل الله تعالى. الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ دعاءه بالخروج للقتال مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ الجراح يوم أحد الموصول منصوب على المدح او مبتدا خبره الجملة الواقعة بعده لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا من للبيان والمقصود من ذكر الوصفين المدح والتعليل دون التقييد لان المستجيبين كلهم كانوا محسنين متقين أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) وجاز ان يكون الموصول صفة للمؤمنين وتم الكلام على قوله مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ وما بعده ابتداء وقال مجاهد وعكرمة خلافا لاكثر المفسرين انه نزلت هذه الاية فى غزوة بدر الصغرى وذلك ان أبا سفيان يوم أحد حين أراد ان ينصرف قال يا محمد موعد ما بيننا وبينك موسم بدر الصغرى القابل ان شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بيننا وبينك ان شاء الله فلما كان العام المقبل خرج ابو سفيان من مكة فى قريش وهم الفان ومعهم خمسون فرسا حتى نزل مجنة فى ناحية مر الظهران ثم القى الله الرعب فى قلبه فبدا له الرجوع فلقى نعيم بن مسعود الا شجعى وقد قدم معتمرا فقال له ابو سفيان يا نعيم انى وأعدت محمدا وأصحابه ان نلتقى بموسم بدر الصغرى وان هذه عام جدب ولا يصلحنا الا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لى ان لا اخرج إليها واكره ان يخرج محمد ولا اخرج انا فيزيدهم ذلك جرءة ولان الخلف من قبلهم أحب ... ...

الىّ من ان يكون من قبلى فالحق بالمدينة فثبطهم وأعلمهم انى فى جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ولك عندى عشرة من الإبل أضعها على يدى سهيل بن عمرو ويضمنها فضمنها سهيل- واتى نعيم المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد ابى سفيان فقال اين تريدون فقالوا واعدنا أبا سفيان بموسم بدر الصغرى ان نقتتل بها فقال بئس الرأى رايتم أتوكم فى دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلا شريد فتريدون ان تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم والله لا يفلت منكم أحد فكره بعض اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج واستبشر المنافقون واليهود وقالوا محمد لا يفلت من هذا الجمع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خشى ان لا يخرج معه أحد وجاء ابو بكر وعمرو قد سمعا ما سمعا وقالا يا رسول الله ان الله مظهر دينه ومعزّ نبيه وقد واعدنا القوم موعدا لا نحب ان نتخلف فسر لموعدهم فو الله ان ذلك لخير فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده لاخرجن ولو وحدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حسبنا الله ونعم الوكيل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أصحابه وأتوا بدر الصغرى فجعلوا يلقون المشركين ويسئلونهم عن قريش فيقولون قد جمعوا لكم يريدون ان يرعبوا المسلمين فيقول المؤمنون حسبنا الله ونعم الوكيل حتى بلغوا بدرا وكانت موضع سوق لهم فى الجاهلية يجتمعون إليها يقوم لهلال ذى القعدة الى ثمان ليال خلون منه فاذا مضت ثمان ليال تفرق الناس الى بلادهم فاقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أبا سفيان وقد انصرف ابو سفيان من مجنة الى مكة فلم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحد من المشركين وواقفوا السوق وكانت معهم تجارات ونفقات فباعوا وأصابوا للدرهم درهمين وانقلبوا الى المدينة سالمين غانمين فحينئذ نزل قوله تعالى الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ إلخ والصحيح هو القول الاول واقتضاه صنيع البخاري ورجحه ابن جرير قلت ويؤيد القول الاول سياق الاية حيث قال الله تعالى الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ مدحهم بانهم خرجوا للجهاد واستجابوا لله والرسول مع كونهم مجروحين متالمين بالجراحات وليس ذلك الا فى غزوة حمراء الأسد واما غزوة بدر الصغرى فكانت بعد سنة وحينئذ كانوا أصحاء سالمين وبعدية إصابة القرح ان لم يحمل على الفور فلا وجه لتخصيص هذه الاية بغزوة بدر الصغرى بل يصدق على غزوة الخندق وغيرها ايضا والله اعلم.

[سورة آل عمران (3) : آية 173]

الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ ان كان نزول الآيتين معا فيكون الّذين قال لهم النّاس بدلا من الّذين استجابوا وان كان نزولهما على التعاقب والتفرق فالموصول هاهنا ايضا اما منصوب على المدح او خبر مبتدا محذوف تقديره هم الذين قال لهم الناس او مبتدا خبره فانقلبوا قال اكثر المفسرين المراد بالناس هاهنا الركب من عبد القيس الذين جاءوا من ابى سفيان والنبي صلى الله عليه وسلم فى حمراء الأسد كما مرّ ذكره وقال مجاهد وعكرمة المراد بالناس هاهنا نعيم بن مسعود الأشجعي الذي جاء فى المدينة بخبر ابى سفيان والمشركين والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتجهزون لغزوة البدر الصغرى للموعد واطلق عليه الناس لانه من جنسه كما يقال فلان يركب الخيل وما له الا فرس واحد او لانه انضم اليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه- والظاهر عندى ان نزول هذه الاية فى غزوة بدر الصغرى والمراد بالناس نعيم بن مسعود الأشجعي والاية الاولى نزلت فى غزوة حمراء الأسد وبينهما سنة ووجه قولى ان الظاهر نزول هذه الاية فى بدر الصغرى ان قوله إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ يدل على حدوث جمعهم الان بعد ما لم يكن وذا لا يتصور الا فى بدر الموعد واما حين انصرافهم من المدينة بعد وقعة أحد فهم كانوا مجتمعين فلا يناسبه قوله قد جمعوا لكم والله اعلم وكذا قال الامام الرازي حيث قال مدح الله تعالى المؤمنين على غزوتين يعرف أحدهما بغزوة حمراء الأسد وهى المذكورة فى الاية المتقدمة والثانية بغزوة البدر الصغرى وهى المذكورة فى هذه الاية والله اعلم إِنَّ النَّاسَ يعنى أبا سفيان وغيره من المشركين قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ جموعا وآلات «1» الحرب فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً عطف على قال لهم النّاس والضمير المستكن لله تعالى او للمقول او لمصدر قال او لفاعله ان أريد به نعيم وحده- والبارز راجع الى الموصول والمعنى انهم لم يلتفتوا ولم يضعفوا وأظهروا حمية الإسلام وبهذا العمل اقتربوا الى الله سبحانه وصعدوا مدارج الرفعة وزيادة الايمان بزيادة مدارج القرب ومن قال ان الايمان لا يزيد ولا ينقص فنظره مقصور على الايمان المجازى وَقالُوا عطف على زادهم حَسْبُنَا اللَّهُ حسب مصدر بمعنى الفاعل اى محسبنا وكافينا من احسبه إذا كفاه ويدل على انه بمعنى المحسب انه لا يستفيد بالاضافة تعريفا فى قولك هذا رجل حسبك كما لا يستفيد اسم الفاعل وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) اى نعم الموكول اليه الأمور هو المخصوص بالمدح محذوف وفى عطف

_ (1) فى الأصل والآلات الحرب-[.....]

[سورة آل عمران (3) : آية 174]

نعم الوكيل وهو إنشاء على جملة حسبنا الله وهو خبر مبارزة بين الفحول فقيل العطف من الحاكي ولا عطف فى الكلام المحكي تقديره قالوا حسبنا الله وقالوا نعم الوكيل يعنى قالوا هذا القول وهذا القول والظاهر ان المحكي هو المشتمل على العطف لما روى عن ابن عباس قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها ابراهيم حين القى فى النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا انّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل رواه البخاري فان افراد الضمير فى قوله قالها ابراهيم يدل على ان الواو من المحكي ولو كان من الحكاية لقال حسبنا الله ونعم الوكيل قالهما ابراهيم بضمير التثنية فقال بعض الأفاضل فى توجيه العطف ان قولهم حسبنا الله كناية عن قولهم اعتمدنا على الله وقولهم نعم الوكيل كناية عن قولهم انا وكلنا أمورنا الى الله- والصحيح عندى ان الجمل التي لا محل لها من الاعراب جاز ان يعطف بعضها على بعض من غير مبالاة بالاختلاف خبرا وإنشاء وقد ورد فى الحديث انه جاءت امراة فقالت يا رسول الله ان ابى زوجنى ابن أخيه ونعم الأب هو الحديث وقال الله تعالى أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ. فَانْقَلَبُوا فانصرفوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ بما ذهبوا به معهم من المدينة من الايمان والعافية والأموال والعز وَفَضْلٍ زيادة فى الايمان بكثرة الثواب وزيادة فى الأموال بربح فى التجارة وزيادة فى العز حيث ذهبوا القتال العدو وفشل عدوهم وزيادة الأموال انما يتصور فى غزوة بدر الصغرى فانهم واقفوا هناك سوقا فاتجروا وربحوا كما ذكرنا واما فى غزوة حمراء الأسد فلم يكن هناك تجارة لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ الجملة حال من فاعل لم يصبهم اى فى حال لم يصبهم أذى من جراحة او قتل او نهب وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ الذي هو مناط الفوز بخير الدارين قال البغوي قالوا هل يكون هذا غزوا فاعطاهم الله ثواب الغزو ورضى عنهم وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) فيه تحسر للمتخلف وتخطية رأيه. إِنَّما ذلِكُمُ يعنى نعيما او أبا سفيان الشَّيْطانُ خبر وما بعده بيان شيطنته او ما بعده صفة على طريقة ولقد امر على اللئيم يسبنى او الشيطان صفة والخبر ما بعده وجاز ان يكون ذلكم اشارة الى قولهم إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ والشيطان خبره بتقدير المضاف يعنى ذلك القول فعل الشيطان القى فى أفواههم ليرهبوكم وتجبنوا عنهم يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 176]

القاعدين عن الخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم وجاز ان يكون أولياءه منصوبا بنزع الخافض والمفعول محذوف تقديره يخوفكم باوليائه وكذلك قراءة أبيّ بن كعب وقال السدى يعظم أولياءه فى صدوركم لتخافوهم لما قرا ابن مسعود يخوفكم أولياءه وعلى هذين الوجهين أولياءه ابو سفيان وأصحابه فَلا تَخافُوهُمْ إذ لا قوة لاحد الا بالله الضمير المنصوب للناس الثاني على الوجه الاول وللاولياء على الوجهين الأخيرين وَخافُونِ ان لا اجعلهم غالبين عليكم كما جعلت يوم أحد فان الغلبة من عندى فلا تخالفوني فى امرى ونهيى وجاهدوا مع رسولى- اثبت الياء فى الوصل فقط ابو عمرو- وكذا ابو جعفر وفى الحالين يعقوب- ابو محمد وحذفها الباقون فى الحالين إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) فان مقتضى الايمان ان يخاف الله ولا يخاف غيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سالت فاسئل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشىء لا ينفعونك الا بشىء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا ان يضروك بشىء لا يضرونك الا بشىء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف رواه احمد والترمذي عن ابن عباس-. وَلا يَحْزُنْكَ قرا نافع بضم الياء وكسر الزاء من الافعال هذا وقوله تعالى ليحزننى وليحزن حيث وقع الا فى الأنبياء لا يحزنهم الفزع وقرا ابو جعفر من الافعال فى الأنبياء خاصة لا غير والباقون بفتح الياء وضم الزاء فى الكل الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ قال الضحاك هم كفار قريش وقال غيره هم المنافقون يسارعون فى الكفر بمظاهرة الكفار وهو الأصح يعنى لا يحزنك مسارعتهم فى الكفر لا خوفا على الإسلام والمسلمين لما إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ اى اولياء الله بمسارعتهم فى الكفر وانما يضرون بها أنفسهم شَيْئاً يحتمل المفعول والمصدر ولا ترحما على الكافرين لانه يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا نصيبا فِي ثواب الْآخِرَةِ حيث كانوا مخلوقين أشقياء وكان مبادى تعيناتهم مستندة الى اسمه المضل ونحوه فلذلك خذلهم حتى سارعوا فى الكفر وَلَهُمْ مع الحرمان عن الثواب عَذابٌ عَظِيمٌ (176) . إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ يعنى استبدلوا الكفر بالايمان وهم اهل الكتاب كانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل مجيئه فاذا جاء بالبينات اختاروا الكفر وتركوا الايمان حرصا على الدنيا وعنادا لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (177) وَلا يَحْسَبَنَّ قرا حمزة بالتاء خطابا للنبى صلى الله عليه وسلم ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 179]

تعريضا بالذين كفروا لانهم هم الحاسبون دون النبي صلى الله عليه وسلم او لكل من يحسب والباقون بالياء على الغيبة فعلى قراءة الجمهور فاعله الَّذِينَ كَفَرُوا وقوله تعالى أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ مفعول قائم مقام المفعولين والاملاء الامهال وإطالة العمر وتخليتهم وشأنهم وعلى قراءة حمزة الّذين كفروا مفعول وما بعده بدل منه وهو ينوب عن المفعولين او هو المفعول الثاني على تقدير مضاف فى أحد المفعولين يعنى لا تحسبن الذين كفروا اصحاب ان الاملاء خير لانفسهم او لا تحسبن حال الذين كفروا ان الاملاء خير لهم وما مصدرية كان حقها ان يفصل فى الخط ولكنها وقعت فى الامام متصلة فاتبع أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ استيناف لبيان علة ما تقدم من الحكم لِيَزْدادُوا إِثْماً اللام لام الارادة والاية حجة لنا على المعتزلة فى مسئلتى الأصلح وارادة المعاصي وعند المعتزلة اللام لام العاقبة وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (178) قال مقاتل نزلت فى مشركى مكة وقال عطاء فى قريظة والنضير عن ابى بكر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم اىّ الناس خير قال من طال عمره وحسن عمله قيل فاىّ الناس شر قال من طال عمره وساء عمله رواه احمد والترمذي والدارمي- وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادى مناد يوم القيامة اين أبناء الستين وهو العمر الذي قال الله تعالى أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ رواه البيهقي فى الشعب-. ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ اللام لتأكيد النفي الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ من اختلاط المخلصين بالمنافقين والخطاب لعامة المخلصين والمنافقين المختلطين فى عصر النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَمِيزَ قرا حمزة «1» والكسائي هاهنا وفى الأنفال بضم الياء وكسر «2» الميم واسكان الياء مخففة من الافعال والباقون بفتح الياء من ماز يميز يقال مزت الشّيء ميزا إذا فرقته يعنى يفرق الْخَبِيثَ الكافر مِنَ الطَّيِّبِ اى المؤمن اما بالوحى الى النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ او بالوقائع مثل واقعة أحد حيث تميز فيه المنافقون بالانخذال عن المؤمنين وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ حتى تعرفوا المنافقين من المؤمنين قبل التميز من الله تعالى

_ (1) الصحيح قرا حمزة والكسائي ويعقوب وخلف- ابو محمد عفا الله عنه (2) الصحيح بضم الياء وفتح الميم وكسر الياء الثانية مشددة من التفعيل إلخ ابو محمد عفا الله عنه

[سورة آل عمران (3) : آية 180]

وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فيطلعه على البعض من علوم الغيب أحيانا كما اطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على احوال المنافقين بنور الفراسة نظير هذه الاية قوله تعالى فى سورة الجن عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ وقد ذكرنا بحث الاطلاع على علم الغيب فى تفسير تلك الاية- قال البغوي قال السدىّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت علىّ أمتي فى صورها فى الطين كما عرضت على آدم وأعلمت من يؤمن بي ومن يكفر فبلغ ذلك المنافقين فقالوا استهزاء زعم محمد انه يعلم من يؤمن به ومن يكفر ممن لم يخلق بعد ونحن معه وما يعرفنا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام على المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال ما بال أقوام طعنوا فى علمى لا تسئلونى عن شىء فيما بينكم وبين الساعة الا نبأتكم به فقام عبد الله بن حذافة السهمي فقال من ابى يا رسول الله فقال حذافة فقام عمر فقال يا رسول الله رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبالقران اماما وبك نبيا فاعف عنا عفا الله عنك فقال النبي صلى الله عليه وسلم فهل أنتم منتهون هل أنتم منتهون ثم نزل عن المنبر فانزل الله تعالى هذه الاية- قال الشيخ جلال الدين السيوطي لم اقف على هذه الرواية قلت لو صحت هذه الرواية فوجه مناسبة الاية برد قولهم ان الرسول مجتبى بالاطلاع على الغيب ليس له ان يشارك غيره معه فى هذا العلم الا بإذن الله فيما يأذنه فهو يعرف كفركم ولا يظهر لاجتبائه بتلك المعرفة فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ «1» بصفة الإخلاص كيلا تفضحوا وَإِنْ تُؤْمِنُوا بالإخلاص وَتَتَّقُوا النفاق والمعاصي فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) . وَلا يَحْسَبَنَّ قرا حمزة بالتاء خطابا للنبى صلى الله عليه وسلم او لكل من يحسب والباقون بالياء وضمير الفاعل راجع الى النبي صلى الله عليه وسلم او الى كل من يحسب وقوله الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ اى يبخلون بالزكاة مفعوله الاول بتقدير المضاف اى لا تحسبن بخل الذين ليطابق المفعولين هُوَ ضمير الفصل خَيْراً لَهُمْ مفعوله الثاني وجاز ان يكون الموصول فاعلا للفعل على قراءة الجمهور والمفعول الاول محذوفا وجاز ان يكون الضمير المرفوع اعنى هو هو المفعول الاول وضع موضع الضمير المنصوب والمعنى على التقديرين لا يحسبن الذين يبخلون بالزكاة بخلهم خيرا لهم او إيتاء الله المال خيرا لهم او ما أتاهم الله خيرا لهم وهذا التقدير أوفق بقوله تعالى سيطوّقون ما بخلوا به بَلْ هُوَ يعنى البخل او إيتاء الله المال او ما أتاهم الله شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ

_ (1) وفى الأصل ورسوله-

ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ نزلت الاية فى ما نعى الزكوة كذا قال ابن مسعود وابن عباس وابو وائل والشعبي والسدىّ- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا اقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم تأخذ بلهزمتيه يعنى شدقيه ثم يقول انا مالك انا كنزك ثم تلا وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ الاية رواه البخاري- وعن ابى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل يكون له ابل او بقر او غنم لا يؤدى حقها الا اتى بها يوم القيامة أعظم ما يكون وأسمنه تطاه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما جاءت أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس متفق عليه- وروى عطية عن ابن عباس ان هذه الاية نزلت فى أحبار اليهود كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وأراد بالبخل كتمان العلم وبقوله سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ انهم يحملون أوزارهم واثامهم وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى انه الباقي بعد فناء خلقه وهم يموتون ويتركون الأموال فيعطى أموالهم لمن يشاء من ورثتهم او من غيرهم ويبقى عليهم الحسرة والعقوبة فمالهم يبخلون ولا ينفقون أموالهم فى سبيل الله وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ قرا ابن كثير وابو عمرو بالياء للغيبة والضمير راجع الى الذين يبخلون والباقون بالتاء خطابا للناس أجمعين او للذين يبخلون على الالتفات خَبِيرٌ (180) فيجازى عليه- اخرج محمد بن إسحاق وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس انه كتب النبي صلى الله عليه وسلم مع ابى بكر الصديق رضى الله عنه الى يهود بنى قينقاع يدعوهم الى الإسلام واقام الصلاة وإيتاء الزكوة وان يقرضوا الله قرضا حسنا فدخل ابو بكر ذات يوم بيت مدارسهم فوجد ناسا كثيرا من اليهود قد اجتمعوا الى رجل منهم يقال له فخاص بن عازورا وكان من علمائهم ومعه حبر اخر يقال له اشيع فقال ابو بكر لفخاص اتق الله واسلم فو الله انك لتعلم ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم فى التورية فامن وصدق واقرض الله قرضا حسنا يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب فقال فخاص يا أبا بكر تزعم ان ربنا يستقرض أموالنا وما يستقرض الا الفقير من الغنى فان كان ما تقول حقا فان الله إذا لفقير ونحن اغنياء وانه ينهاكم عن الربوا ويعطينا ولو كان غنيا ما أعطانا الربوا فغضب ابو بكر وضرب وجه فخاص ضربة شديدة وقال والذي نفسى بيده لولا العهد بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فخاص الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 181]

يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابى بكر ما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله ان عدو الله قال قولا عظيما زعم ان الله فقير وانهم اغنياء فغضبت لله وضربت وجهه فجحد ذلك فخاص فانزل الله تعالى ردا على فخاص وتصديقا لابى بكر. لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ كذا قال عكرمة والسدى ومقاتل واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال أنت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين انزل الله تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً قالت اليهود ان الله فقير يستقرض منا وذكر الحسن ان قائل هذا الكلام حيى بن اخطب سَنَكْتُبُ فى كتاب الحفظة يعنى يكتب الكرام الكاتبون بامرنا نظيره وانّا له كتبون ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ قرا حمزة سيكتب بالياء وضمها وفتح التاء على البناء للغائب المجهول وقتلهم بالرفع والباقون بالنون وضم التاء على البناء للمتكلم المعروف وقتلهم بالنصب الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ يعنى رضاءهم بفعل ابائهم الذين قتلوا الأنبياء بغير حق ضم الى قولهم ذلك قتلهم الأنبياء تنبيها على ان هذا ليس أول جريمة منهم وَنَقُولُ فى الاخرة على لسان الملائكة جزاء لما قالوا وما فعلوا قرا الجمهور بالتكلم على نسق سنكتب وحمزة بالغيبة يعنى يقول الله ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (181) فعيل بمعنى الفاعل يعنى عذاب النار المحرق كما فى عذاب اليم او الاضافة بيانية ومعناه العذاب المحرق يقال لهم ذلك إذا القوا فيها والذوق ادراك الطعوم ويستعمل فى ادراك سائر المحسوسات مجازا- ولما كان كفر اليهود لما كلهم الرشى من اتباعهم لاجل تلك المناسبة ذكر فى الجزاء الذوق. ذلِكَ العذاب بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ من القتل وغير ذلك من المعاصي وعبر بالأيدي عن الأنفس لان اكثر الأعمال المحسوسة بهن وافعال القلوب واللسان يلزمها ويظهرها اعمال الجوارح وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (187) عطف على ما قدمت ووجه سببية نفى الظلم من الله تعالى لتعذيب الكفار ان نفى الظلم يستلزم العدل المقتضى اثابة المحسن ومعاقبة المسيء فان قيل نفى الظلم لازم لذاته تعالى لان الظلم من القبائح التي يجب تنزيه الله تعالى عنه وإذا كان نفى الظلم مستلزما للعدل المستلزم لاثابة المحسن ومعاقبة العاصي يلزم وجوب الاثابة والمعاقبة وذلك مذهب المعتزلة خلافا لاهل السنة قلنا الظلم فى اللغة وضع الشيء فى غير موضعه المختص به اما بنقصان او بزيادة واما بعدول عن وقته او مكانه وذلك غير متصور من الله تعالى لانه يستلزم ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 183]

التصرف فى غير ملكه بغير اذن المالك او على خلاف ما امره به والله سبحانه لو عذب اهل السموات والأرض بغير جرم منهم لا يكون ذلك ظلما لانه المالك على الإطلاق يتصرف فى ملكه كيف يشاء فالظلم المنفي فى هذا المقام ليس بمعناه الحقيقي بل أريد هاهنا فعله تعالى بعبده ما يعد ظلما لو جرى فيما بينهم وان لم يكن ذلك ظلما لو صدر منه تعالى ونفى الظلم بهذا المعنى ليس بواجب عليه سبحانه بل هو مبنى على الفضل وجاز ان يقال معنى الاية ان عدم انتقام الأنبياء من الذين قتلوهم وظلموهم وكذبوهم فى صورة الظلم على الأنبياء وذلك وان لم يجب على الله تعالى فى ذاته لكن مقتضى فضله على الأنبياء الانتقام من أعدائهم وتعذيبهم فالمراد بالعبيد هاهنا الأنبياء وفيه منقبة لهم بكمال انقيادهم وعبوديتهم طوعا مثل انقياد جميع الأشياء له تعالى يسرا وكرها- وهاهنا توجيه اخر وهو ان يقال ان فيه اشارة الى ان الكفار استحقوا العذاب بحيث لو لم يعذبهم الله تعالى لكان ظلما عليهم ومنعا لحقهم فهذه الجملة كانها تأكيد لوقوع العذاب عليهم- قال الكلبي ان كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف ووهب بن يهود او زيد بن التابوت وفخاص بن عازورا وحيى بن اخطب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا يا محمد تزعم ان الله بعثك رسولا إلينا وانزل عليك كتابا وانّ الله عهد إلينا فى التورية الّا نؤمن لرسول يزعم انه من عند الله حتّى يأتينا بقربان تأكله النّار فان جئتنا به صدقناك فانزل الله تعالى. الَّذِينَ قالُوا محله الجر بدلا من الموصول السابق او الرفع بناء على انه خبر مبتدا محذوف اى هم الذين قالوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا يعنى أمرنا واوصانا فى التورية أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ اى لا نصدق رجلا يدّعى الرسالة من عند الله حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ- القربان فى الأصل كل ما يتقرب به العبد الى الله عز وجل من نسيكة وصدقة وعمل صالح فعلان من القربة ثم صار اسما للذبيحة التي كانوا يتقربون بها الى الله تعالى وكانت القرابين والغنائم لا تحل لبنى إسرائيل فكانوا إذا قربوا قربانا او غنموا غنيمة جاءت نار بيضاء من السماء لا دخان لها لها دوى وحفيف فيأكل ويحرق ذلك القربان والغنيمة فيكون ذلك علامة القبول وإذا لم تقبل بقيت على حالها- قال السدى ان الله تعالى امر بنى إسرائيل من جاءكم يزعم انه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار حتى يأتيكم المسيح ومحمد فاذا أتياكم فامنوا بهما فانهما يأتيان بغير قربان قال الله تعالى اقامة للحجة عليهم قُلْ يا محمد ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 184]

قَدْ جاءَكُمْ يا معشر اليهود رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات سوى القربان وَبِالَّذِي قُلْتُمْ من القربان كزكريا ويحيى وسائر من قتلوهم من الأنبياء فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ يعنى كذّبهم أسلافهم وقتلوهم واتبعهم أولادهم الذين كانوا فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم والرضاء بالكفر بهم فلذلك توجه إليهم هذا الاستفهام الإنكاري إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (183) شرط حذف جزاؤه يعنى ان كنتم صادقين فى انّ امتناعنا عن الايمان بك لاجل ذلك العهد فلم لم تؤمنوا بزكريا ويحيى وأمثالهما فاذا لم تؤمنوا بهم ظهران امتناعكم عن الايمان ليس لاجل هذا بل عنادا وتعصبا. فَإِنْ كَذَّبُوكَ فلا تحزن فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فعلى هذا التأويل جزاء الشرط محذوف أقيم سببه مقامه وجاز ان يكون المعنى فان كذبوك فتكذيبك تكذيب لرسل من قبلك حيث أخبروا ببعثك جاؤُ بِالْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات وَالزُّبُرِ كصحف ابراهيم وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (184) كالتورية والإنجيل وعلى التأويل الاول تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم يعنى فاصبر كما صبروا وعلى التأويل الثاني الزام لليهود فان تكذيب محمد عليه الصلاة والسلام تكذيب للذين جاءوا بالقربان- قرا هشام بالزّبر وبالكتب المنير بزيادة الباء فيهما وهكذا خطّ هشام عليهما فى كتابه عن أصحابه عن ابن «1» عامر وقرا ابن ذكوان بزيادة الباء فى بالزبر وحده والباقون بغير باء فيهما- والزبر جمع زبور وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرت الشيء إذا احسنته-. كُلُّ نَفْسٍ مؤمنة او فاجرة ذائِقَةُ الْمَوْتِ قال البغوي فى الحديث انه لمّا خلق الله آدم اشتكت الأرض الى ربها لما أخذ منها فوعدها ان يرد فيها ما أخذ منها فما من أحد الا ويدفن فى التربة التي خلق منها والحاصل انه ليست الحيوة الدنيا ونعماؤها جزاء للطاعات وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ اى جزاء أعمالكم يَوْمَ الْقِيامَةِ ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا فاجازيك على الصبر والطاعة وأجازي الكفار على تكذيب الحق- وهذه الاية ايضا تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم- ولفظا التوفية يشعر بانه قد يكون بعض الأجور قبلها قال الله تعالى وآتيناه يعنى ابراهيم أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ- وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القبر روضة من رياض الجنة او حفرة من حقر النار رواه الترمذي

_ (1) فى الأصل ابى عامر-

[سورة آل عمران (3) : آية 186]

ورواه الطبراني فى الأوسط عن ابى هريرة فَمَنْ زُحْزِحَ اى ابعد عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ اى ظفر بالمطلوب ونال المراد وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا اى العيش فيها إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (185) المتاع ما يتمتع وينتفع به والغرور اما مصدر من غرّه يغرّه غرا وغرورا فهو مغرور وغرّه اى خدعه وأطمعه بالباطل او جمع غار شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به البايع على المستام ويغرّه حتى يشتريه يعنى «1» متاعا نظرا الى الظاهر ولا حقيقة لها وذلك لان لذاتها مشوبة بالمكاره والالام ومع ذلك لا بقاء لها كالاحلام- قال قتادة هى متاع متروكة يوشك ان تضمحل باهلها فخذوا من هذا المتاع بطاعة الله ما استطعتم والغرور الباطل وقال الحسن هى كخضر النبات ولعب النبات لا حاصل له عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاقرءوا ان شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وان فى الجنة لشجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها واقرءوا ان شئتم وظلّ ممدود ولموضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها واقرءوا ان شئتم فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ رواه البغوي بسنده والفصل الاول متفق عليه عنه وكذا الفصل الثاني والثالث فى الصحيحين غير قوله اقرءوا ان شئتم ظلّ ممدود اقرءوا ان شئتم فمن زحزح الاية-. لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ بالأمور التكليفية من الزكوة والصدقات والصوم والصلاة والحج والجهاد وبالمصائب من الجوائح والعاهات والخسران والأمراض وموت الأحباب وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً من هجاء الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن فى الدين وإغراء الكفرة على المسلمين أخبرهم بذلك قبل وقوعها لتؤطنوا أنفسهم على الصبر والاحتمال وتستعدوا للقائها- رومى ابن المنذر وابن ابى حاتم فى مسنده بسند حسن عن ابن عباس انها نزلت فيما كان بين ابى بكر وفخاص من قوله إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ كذا قال عكرمة ومقاتل والكلبي وابن جريح ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر الى فخاص بن عازورا سيد بنى قينقاع ليستمده وكتب اليه

_ (1) فى الأصل متاع

كتابا وقال لابى بكر لا تفتاتن علىّ بشىء حتى ترجع فجاء ابو بكر وهو متوشح بالسيف فاعطاه الكتاب فلما قرا قال قد احتاج ربك الى ان نمده فهم ابو بكر ان يضربه بالسيف ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تفتاتن علىّ بشىء حتى ترجع فكف ونزلت هذه الاية- وذكر عبد الرزاق عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك انها نزلت فى كعب بن الأشرف فانه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويسب المسلمين ويحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى شعره ويشبب بنساء المسلمين- قلت وذلك بعد وقعة بدر لما راى دولة الإسلام وقتل صناديد قريش وذهب الى مكة ينتدب المشركين لقتال النبي صلى الله عليه وسلم وقالت قريش اديننا اهدى أم دين محمد قال بل دينكم وهجاه حسان بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وفى الصحيح فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لى بابن الأشرف فانه قد أذى الله ورسوله شعره وقوى المشركين علينا فقال محمد بن مسلمة الأنصاري رضى الله عنه انا لك يا رسول الله هو خالى انا اقتله قال أنت افعل ان قدرت على ذلك فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب الا ما تعلق نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تركت الطعام والشراب قال يا رسول الله قلت قولا ولا أدرى هل أفي به أم لا فقال انما عليك الجهد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور سعد بن معاذ فقال توجه اليه وأشك له الحاجة وسله ان يسلفك طعاما فاجتمع محمد بن مسلمة وعباد بن بشر وابو نائلة سلكان بن سلامة وكان أخا كعب من الرضاعة والحارث بن عبس والحارث بن أوس بن معاذ بعثه عمه سعد بن معاذ وابو عبس بن حبر فقالوا يا رسول الله نحن نقتله فائذن لنا فلنقل بيننا فانه لا بدلنا ان نقول فيك قال قولوا ما بدا لكم وأنتم فى حل من ذلك فقدّموا بانائلة فجاءه فتحدث معه وتناشدوا الشعر وكان ابو نائلة يقول الشعر ثم قال ويحك يا ابن الأشرف انى قد جئتك لحاجة أريد ذكرها فاكتم علىّ قال افعل قال كان قدوم هذا الرجل بلادنا بلاء عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة وانقطعت عنا السبل حتى ضاعت العيال وجهدت الأنفس فقال كعب لقد كنت أخبرتك ان الأمر سيصير الى هذا فقال ابو نائلة ان معى أصحابا أردنا ان تبيعنا طعامك ونرهنك ونوثق لك وتحسن فى ذلك قال ترهنونى ابناءكم قالوا انا نستحيى ان نعير أبناءنا فيقال هذا رهينة وسق وهذا رهينة وسقين قال ... ...

ترهنونى نساءكم قالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب ولا نأمنك واية امرأة تمتنع منك لجمالك ولكنا نرهنك الحلقة يعنى السلاح وقد علمت حاجتنا الى السلاح قال نعم ان فى السلاح لوفاء وأراد ابو نائلة ان لا ينكر السلاح إذا راه فواعده ان يأتيه فرجع ابو نائلة الى أصحابه فاخبرهم فاجمعوا أمرهم على ان يأتوه إذا امسى لميعاده- ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء فاخبروه روى ابن إسحاق واحمد بسند صحيح عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى معهم الى بقيع الغرقد ثم وجههم ثم قال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيته فى ليلة مقمرة مثل النهار ليلة اربع عشرة من شهر ربيع الاول- فمضوا حتى انتهوا الى حصن ابن الأشرف ليلا وقال ابو نائلة لاصحابه انى فاتل شعره فاذا رايتمونى استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه فهتف به ابو نائلة وكان ابن الأشرف حديث عهد بعرس فوثب فى ملحفه فاخذت امرأته بناحيتها وقالت انك امرؤ محارب وان اصحاب الحرب لا ينزلون فى هذه الساعة وانى اسمع صوتا يقطر منه الدم فكلّمهم من فوق الحصن فقال انه ميعاد علىّ وانما هو ابن أختي محمد بن مسلمة ورضيعى ابو نائلة لو وجدوني نائما ما أيقظوني وان الكريم إذا دعى الى طعنة بليل أجاب- فنزل إليهم متوشحا بملحفة يفوح منها ريح الطيب فتحدث معهم ساعة ثم قالوا يا ابن الأشرف هل لك فى ان نتماشا الى شعب العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا هذه قال ان شئتم فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة فقال ابو نائلة نجد منك ريح الطيب قال تحتى فلانة من أعطر نساء العرب- قال فتأذن لى ان أهم قال نعم فادخل ابو نائلة يده فى رأس كعب ثم شم يده فقال ما رايت كالليلة طيبا أعطر قط وكان كعب يدهن بالمسك الغتيت بالماء والعنبر حتى يتلبد فى صدغيه وكان جعدا جميلا- ثم مشى ابو نائلة ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمان اليه وسلسلت يده فى شعره- ثم عاد فاخذ بقرون رأسه حتى استمكن وقال لاصحابه اضربوا عدو الله فاختلف أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا «1» فى سيفى فاخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن الا أوقدت عليه نار قال فوضعته فى تندؤته ثم تحاصلت عليه حتى بلغت عانته ووقع عدو الله- وعند ابن سعد فطعن ابو عيس فى

_ (1) المغول بالكسر شبه سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه فيغطيه وقيل هو حديدة دقيقة لها حد ماض وقفا- وقيل هو سوط فى جوفه سيف دقيق يشده العاتك على وسطه ليقال به الناس- نهايه منه رح

خاصرته فجزوا رأس كعب وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ بجرح فى رأسه أصابه بعض اسيافنا- فخرجنا نشتد نخاف من يهود الارصاد وقد ابطا علينا صاحبنا الحارث بن أوس لجرح فى رأسه ونزفه الدم فناداهم اقرءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم منى السلام فعطفوا عليه فاحتملوه حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغوا بقيع الغرقد اخر الليل كبروا وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى- فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرهم بالبقيع كبر وعرف ان قد قتلوه- ثم أتوه يعدون حتى وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على باب المسجد- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افلحت الوجوه- قالوا ووجهك يا رسول الله ورموا برأسه بين يديه فحمد الله تعالى على قتله- ثم أتوا بصاحبهم الحارث فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جرحه فلم يؤذه- فرجعوا الى منازلهم- فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على شغينة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله- وكان خويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم وكان أسن من محيصة- فلما قتله جعل خويصة يضربه ويقول اى عدو الله قتلته اما والله لربّ شحم فى بطنك من ماله- قال محيصة والله لو أمرني بقتلك من أمرني بقتله لضربت عنقك- قال لو أمرك محمد بقتلى لقتلتنى قال نعم قال والله ان دينا بلغ بك هذا العجب فاسلم خويصة- فخافت اليهود فلم يطلع عظيم من عظمائهم- ولم ينطقوا وخافوا ان يبيتوا كما بيّت ابن الأشرف- وعند ابن سعد فاصبحت اليهود مذعورين فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا قتل سيدنا عيلة فذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيعه وما كان يحض عليه ويحرض فى قتاله ويؤذيه ثم دعاهم ان يكتبوا بينهم وبينه صلحا فكان ذلك الكتاب مع على رضى الله عنه (مسئلة) احتج الشافعي بهذه القصة على جواز قتل من سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار او انتفصه او أذاه سواء كان بعهد او بغير عهد- وقال ابو حنيفة لا يقتل المعاهد بسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لان سبّه كفر والكفر لا ينافى العهد وعند ابى حنيفة انما قتل ابن الأشرف لانه نقض العهد وذهب الى مكة لتحريض المشركين على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عاهده ان لا يعين عليه أحدا وقد اعانهم (مسئلة) لا يجوز ان يقال ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 187]

ان هذا كان غدرا من محمد بن مسلمة وابو نائلة رضى الله عنهما وقد قال ذلك رجل فى مجلس امير المؤمنين على رضى الله عنه فضرب عنقه وانما يكون الغدر بعد أمان ولم يؤمنه محمد بن مسلمة ولا رفقته رضى الله عنهم بحال وانما كلمه فى امر البيع والرهن الى ان تمكن منه (فائدة) وقع فى الصحيح ان الذي خاطب كعبا محمد بن مسلمة واكثر اهل المغازي على انه ابو نائلة ويمكن الجمع بينهما بان يكون كل منهما كلمه فى ذلك وَإِنْ تَصْبِرُوا على ما ابتليتم به وَتَتَّقُوا مخالفة امر الله تعالى فَإِنَّ ذلِكَ الصبر والتقوى مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) مصدر بمعنى المفعول اى من معزومات الأمور التي يجب عليها العزم او مما عزم الله عليه اى امر به وبالغ فيه والعزم فى الأصل ثبات الرأى على الشيء نحو إمضائه وقال عطاء يعنى من حقيقة الايمان- قلت والمراد بالصبر عدم الجزع والانقياد عند ابتلاء الله العبد وترك الاعتراض عليه وذا لا ينافى الانتقام من الكفار إذا آذوا المسلمين كما دل عليه قصة ابن الأشرف لعنه الله والله اعلم-. وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ اى اذكر وقت أخذ الله مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ اى العلماء منهم أخذ منهم العهد فى التورية لَتُبَيِّنُنَّهُ اى الكتاب لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ قرا ابن كثير وابو عمرو وابو بكر بالياء على الغيبة فيهما والباقون بالتاء على الخطاب فَنَبَذُوهُ اى الكتاب وَراءَ ظُهُورِهِمْ يعنى ضيعوه وتركوا العمل به وكتموا ما فيه من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وَاشْتَرَوْا بِهِ اى أخذوا بدله ثَمَناً قَلِيلًا يعنى المأكل والرشى فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (187) ما يختارون لانفسهم قال قتادة هذا ميثاق اخذه الله تعالى على اهل العلم فمن علم شيئا فليعلمه وإياكم وكتمان العلم فانه هلكة- وقال ابو هريرة يوما أخذ الله على اهل الكتاب ما حدثتكم بشىء ثم تلا هذه الاية وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سئل عن علم يعلمه فكقمه الجم يوم القيامة بلجام من النار- رواه احمد والحاكم بسند صحيح- وأخرجه ابن ماجة من حديث انس- قال البغوي قال الحسن بن عمارة أتيت الزهري بعد ان ترك الحديث فالفيته على بابه فقلت ان رايت ان تحدثنى فقال اما علمت انى تركت الحديث فقلت اما ان تحدثنى واما ان أحدثك فقال حدّثنى فقلت حدثنى الحكم بن عيينة عن يحيى الجزار قال سمعت ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 188]

على بن ابى طالب رضى الله عنه يقول ما أخذ الله على اهل الجهل ان يتعلموا حتى أخذ عن اهل العلم ان يعلموا قال فحدثنى أربعين حديثا- ورواه الثعلبي فى تفسيره من طريق الحارث عن ابى اسامة وهو فى مسند الفردوس من حديث على مرفوعا-. لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا اى بما فعلوا من إضلال الناس والتدليس وكتمان الحق او من مطلق المعاصي وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا من الوفاء بالميثاق واظهار الحق والاخبار بالصدق وغير ذلك من الحسنات وجه فرحهم كون ما فعلوا بتمسكاتهم فى تكذيب نبوته صلى الله عليه وسلم وجاز ان يكون المراد بالموصول المنافقين الذين لم يفعلوا الطاعات على الحقيقة ويظهر ونهار ياء ويحبون ان يحمدوا بانهم زهاد مطيعين لله فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ قرا الكوفيون لا تحسبنّ فلا تحسبنّهم بالتاء على الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وبفتح الباء على الافراد فعلى هذا المفعول الاول للفعل الاول الموصول والثاني بمفازة والفعل الثاني تأكيد للفعل الاول وفاعله ومفعوله الاول وقرا ابن كثير وابو عمرو بالياء للغيبة فيهما وضم الباء فى لا يحسبنّهم لان الضمير راجع الى الذين فعلى هذا الفاعل للفعل الاول الموصول ومفعولاه محذوفان تدل عليهما مفعولا مؤكده او المفعول الاول محذوف ومفعوله الثاني بمفازة والفعل الثاني تأكيد للاول وفاعله ومفعوله الاول يعنى لا يحسبنّ الّذين يفرحون أنفسهم بمفازة وقرا نافع وابن عامر بالياء للغيبة فى الاول على ان مفعوليه «1» محذوفان يدل عليهما المفعولان للفعل الثاني وبالتاء خطابا للنبى صلى الله عليه وسلم وحده فى الفعل الثاني مِنَ الْعَذابِ فى الدنيا بالفضيحة والذم والرد وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (188) فى الاخرة روى الشيخان وغيرهما من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف- وكذا روى البغوي من طريق البخاري عن علقمة بن وقاص ان مروان قال لبوابه اذهب يا رافع الى ابن عباس فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بما اوتى وأحب ان يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذ بن أجمعين فقال ابن عباس ومالكم ولهذه انما دعا النبي صلى الله عليه وسلم اليهود فسالهم عن شىء فكتموه إياه فاخبروه بغيره فخرجوا قد أروه انهم اخبروه بما سالهم عنه واستجدوا بذلك اليه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ما سالهم عنه ثم قرا ابن عباس وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ الى قوله يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ

_ (1) فى الأصل مفعولاه

[سورة آل عمران (3) : آية 189]

يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا- واخرج الشيخان عن ابى سعيد الخدري ان رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا قدم اعتذروا اليه وحلفوا وأحبوا ان يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا الاية- واخرج عبد فى تفسيره عن زيد بن اسلم ان رافع بن خديج وزيد بن ثابت كانا عند مروان فقال مروان يا رافع فى اىّ شىء نزلت هذه الاية لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا قال رافع أنزلت فى ناس من المنافقين كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم اعتذروا وقالوا ما حبسنا عنكم الا الشغل فلود دنا انا كنا معكم فانزل الله فيهم هذه الاية وكانّ مروان أنكر ذلك فخرج رافع من ذلك فقال لزيد أنشدك بالله هل تعلم ما أقول قال نعم قال الحافظ ابن حجر يمكن الجمع بينهما بانها نزلت فى الفريقين- وحكى الفراء انها نزلت فى قول اليهود ونحن اهل الكتاب الاول والصلاة والطاعة ومع ذلك لا يقرون بمحمد صلى الله عليه وسلم وروى ابن ابى حاتم من طرق عن جماعة من التابعين نحو ذلك ورجحه ابن جرير ولا مانع ان تكون نزلت فى ذلك ايضا- قال البغوي قال عكرمة نزلت فى فخاص واشيع وغيرهما من الأحبار يفرحون باضلالهم الناس وبنسبة الناس إياهم الى العلم وليسوا باهل علم- وقال مجاهدهم اليهود فرحوا بما اعطى الله ال ابراهيم وهم براء من ذلك- وقال قتادة ومقاتل أتت يهود خيبر نبى الله صلى الله عليه وسلم فقالوا نحن نعرفك ونصدقك وانّا على رأيكم ونحن لكم ردء وليس ذلك فى قلوبهم فلما خرجوا قال لهم المسلمون أحسنتم هكذا فافعلوا فحمدوهم ودعوا لهم فانزل الله هذه الاية. وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خزائن المطر والرزق والنبات وغيرها يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) فيقدر على عقابهم- وفى هذه الاية رد لقولهم انّ الله فقير- اخرج الطبراني وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال أتت قريش اليهود فقالوا بما جاءكم موسى من الآيات قالوا عصاه ويده بيضاء للناظرين- وأتوا النصارى فقالوا كيف كان عيسى قالوا «1» كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى- فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا ربه فنزلت. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وما فيهما

_ (1) فى الأصل قال-

[سورة آل عمران (3) : آية 191]

من العجائب وافاضة الوجود على ماهيات لا يقتضى لذواتها وجودها وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ تعاقبهما على نسق بديع ونظام حكيم وما يتعاقبان عليه لَآياتٍ دلائل واضحة على وجود الصانع وكمال علمه وقدرته وإرادته وحكمته لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) لذوى العقول المنزهة عن شوائب الأوهام ووساوس الشيطان عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل لمن قراها ولم يتفكر فيها أخرجه ابن حبان فى صحيحه- وعن ابن عباس انه وقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فراه استيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول انّ فى خلق السّموت والأرض حتى ختم السورة ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود ثم انصرف فنام حتى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هذه الآيات ثم أوتر بثلاث رواه مسلم. الَّذِينَ صفة لاولى الألباب فان مقتضى العقل الاتصاف بالذكر والفكر والتسبيح والايمان والاستغفار والدعاء والتضرع اليه- ومن لم يتصف بها فهو كالانعام بل أضل منها فان الانعام يسبحون الله نوع تسبيح يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ قال البغوي قال على رضى الله عنه وابن عباس رضى الله عنهما والنخعي وقتادة هذا فى الصلاة يصلى قائما فان لم يستطع فقاعدا فان لم يستطع فعلى جنب ونظير هذه الاية فى سورة النساء فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ وحديث عمران بن حصين رضى الله عنه قال كانت بي بواسير فسالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلوة المريض فقال صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب أخرجه البخاري واصحاب السنن الاربعة زاد النسائي فان لم يستطع فمستلقيا لا يكلّف الله نفسا الّا وسعها- وعن على عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يصلى المريض قائما ان استطاع فان لم يستطع صلى قاعدا فان لم يستطع ان يسجد أومأ وجعل سجوده اخفض من ركوعه فان لم يستطع يصلى على جنبه الايمن مستقبل القبلة فان لم يستطع ان يصلى على جنبه الايمن صلى مستلقيا رجلاه مما يلى القبلة رواه الدار قطنى وفى اسناده حسين بن زيد ضعفه ابن المديني والحسن بن الحسن المغربي وهو متروك ومن هاهنا قال الشافعي ان المريض إذا عجز عن القيام صلى قاعدا وإذا عجز عن القعود يضطجع على جنبه الايمن مستقبل القبلة ... ...

فان لم يستطع استلقى على ظهره ويستقبل رجليه الكعبة حتى يكون ايماؤه فى الركوع والسجود الى القبلة وبه قال مالك واحمد غير انه لو صلى مستلقيا وهو قادر على الصلاة على جنبه الايمن جاز عندهما خلافا للشافعى- وقال ابو حنيفة إذا عجز عن القعود صلى مستلقيا ورجلاه الى الكعبة فان لم يستطع ان يصلى مستلقيا صلى على جنبه- قال ابو حنيفة ان هذه الاية والتي فى سورة النساء ليستافى صلوة المريض بل المراد بها عند عامة المفسرين المداومة على الذكر فى عموم الأحوال لان الإنسان قلما يخلوا عن هذه الحالات الثلاث- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب ان يرتع فى رياض الجنة فليكثر ذكر الله رواه ابن ابى شيبة والطبراني من حديث معاذ ولو سلمنا ان الاية فى صلوة المريض فهى لا تنفى صلوة المستلقى ولا تدل على الترتيب الذي ذكره الشافعي وكذا ما فى الصحيح من حديث عمران بن حصين قال ابن همام كان مرض عمران بن حصين البواسير وهو يمنع الاستلقاء ولذا لم يذكر الا ان ما رواه النسائي وزاد فيه صلوة المستلقى لو صح لكان حجة للشافعى وحديث على ضعيف لا يصلح للاحتجاج- ثم وجه قول ابى حنيفة فى تقديم الاستلقاء على الصلاة على جنبه ان المقصود الأهم فى الصلاة الركوع والسجود ولذا قال ابو حنيفة من لم يستطع الركوع والسجود ويقدر على القيام الأفضل ان يصلى قاعدا بالإيماء فان ايماءه اقرب الى السجود خلافا للجمهور- وايماء المستلقى على ظهره إذا كان رجلاه الى الكعبة يقع الى الكعبة بخلاف ايماء من يصلى على جنبه مستقبلا الى القبلة يقع الى جهة رجليه فكان الاستلقاء اولى- وقال الشافعي ومالك واحمد القيام كالركوع والسجود فى كونه مقصودا فلا يجوز الصلاة قاعدا لمن يقدر على القيام وان لم يقدر على الركوع والسجود بل عليه ان يصلى قائما بالإيماء ولا شك ان مدة القيام فى الصلاة اكثر من مدة الركوع والسجود فمن صلى مستلقيا يكون غالب حاله التوجه الى السماء لا الى جهة الكعبة ومن صلى على جنبه يكون غالب حاله التوجه الى الكعبة وذلك هو المأمور به فى قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ والله اعلم وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وما أبدع فيهما وما أودع فيهما ليستدل بها على وجود صانع قادر عليم حكيم واحد لا شريك له عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عبادة كالتفكر أخرجه البيهقي فى شعب الايمان وابن حبان ... ...

فى الضعفاء وضعفاه- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر الى السماء والنجوم فقال اشهد ان لك ربا وخالقا اللهم اغفر لى فنظر الله اليه فغفر له رواه ابو الشيخ «1» ابن حبان والثعلبي- والفكر عبارة عن ترتيب امور معلومة لتحصيل مجهول فى القاموس هو اعمال النظر فى الشيء قال الجوهري فى الصحاح الفكرة قوة مطرقة للعلم الى المعلوم والتفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل وذلك للانسان دون الحيوان ولا يقال الا فيما يمكن ان يحصل له صورة فى القلب ولهذا روى تفكروا فى آلاء الله ولا تتفكروا فى الله لكون الله تعالى منزها بان يوصف بصورة- وقال بعض العلماء الفكر مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر فى المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول الى حقيقتها انتهى كلام الجوهري- قلت ورد فى الحديث تفكروا فى كل شىء ولا تفكروا فى ذات الله تعالى فان بين السماء السابعة الى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق ذلك رواه ابو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس وعنه بلفظ تفكروا فى الخلق ولا تفكروا فى الخالق فانكم لا تقدرون قدره وعن ابى ذر نحوه بلفظ تفكروا فى خلق الله ولا تفكروا فى الله فتهلكوا وروى ابو نعيم فى الحلية عن ابن عباس تفكروا فى خلق الله ولا تفكروا فى الله- وروى ابو الشيخ والطبراني فى الأوسط وابن عدى والبيهقي بسند ضعيف بلفظ تفكروا فى آلاء الله ولا تفكروا فى الله فهذه الأحاديث تدل على المنع عن التفكر فى مرتبة الذات واقتصاره فى مراتب الافعال والصفات والأسماء- وبهذا يظهر امتناع تعلق العلم الحصولى بحضرت «2» الذات بلا شائبة الأسماء والصفات وقال المجدد رضى الله عنه العلم الحضوري ايضا ساقط من تلك المرتبة العليا لان جولانه الى نفس العالم وما هو عينه يعنى الى مرتبة العينية والاتحاد وذلك كفر الحقيقة والله سبحانه اقرب إلينا من أنفسنا فهو سبحانه وراء الوراء ثم وراء الوراء ثم وراء الوراء فى جانب القرب لا فى جانب البعد فلا سبيل للعلم الحضوري ايضا الى تلك المرتبة الأسنى- فدوام الحضور والعلم اللدني البسيط الحاصل للصوفى المتعلق بحضرت الذات وراء العلمين لا يدرى ما هو ولا يجوز اطلاق التفكر عليه الا مجازا كما اطلق عليه بعض الصوفية- وقد ورد فى الشرع التعبير عنه بالذكر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله فى كل احيانه انما هو ذلك لا الذكر اللساني فانه لا يمكن استدامته- ولما

_ (1) فى الأصل ابو الشيخ وابن حبان (2) مسئلة امتناع تعلق العلم الحصولى بحضرت الذات بل العلم المتعلق بالذات وراء العلم الحضوري ايضا-

كان دوام الذكر أهم وأسنى وانما الفكر طريقا إليها وصف الله سبحانه اولى الألباب اولا بدوام الذكر وبعد ذلك بالتفكر الموصل الى علم هو كالظل له حيث قال الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ يعنى يديمون الذكر فى جميع الأحوال وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ- وايضا فى تقديم الذكر على الفكر تنبيه بان العقل غير مستقل بافادة الاحكام الحقة ما لم يستضئ بنور الذكر والهداية من الله سبحانه رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا على ارادة القول اى يتفكرون قائلين ذلك- والباطل ضد الحق كذا فى القاموس والحق قد يطلق على موجود متاصل الوجود لا يحتاج فى تحققه ووجوده ولا فى شىء من الأشياء الى غيره وهو الله سبحانه وقد يطلق على موجود فى الخارج بلا نحت الوهم والخيال وان كان مقتبسا تحققه من الوجود الحق- وقد يطلق على موجود يشتمل وجوده على حكم ومصالح لا يكون عبثا ضائعا من غير حكمة ذاهبا بلا فائدة يترتب عليه- والباطل ضد الحق على المعاني كلها فباعتبار المعنى الاول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا احسن القول قول لبيد كل شىء ما خلا الله باطل وجاز اعتبار المعنى الثاني فى البيت يعنى كل معبود ما خلا الله باطل الحقيقة له منحوت للوهم والخيال وباعتبار المعنى الثالث اطلق الباطل على الشيطان قال الله تعالى لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ والباطل هاهنا ان كان بالمعنى الثاني فمعنى الاية ما قال اهل الحق أساسا للاستدلال على الصانع (خلافا للسوفسطائية) ان حقائق الأشياء ثابتة والعلم بها متحقق- وان كان بالمعنى الثالث فالمعنى ما خلقت الخلق عبثا بل لحكمة عظيمة دليلا على معرفتك باعثا على شكرك وطاعتك- وهذا اشارة الى السموات والأرض وتذكيره بارادة المتفكر فيه او لانهما فى معنى المخلوق او الى الخلق على انه أريد به المخلوق من السموات والأرض او أريد به التخليق وجاز ان يراد به التفكر فى خلق كل جزء من اجزائها فهذا اشارة الى هذا الجزء- وباطلا منصوب على الحالية من هذا وجاز ان يكون باطلا بمعنى هازلا حالا من فاعل خلقت فعلى هذا قوله تعالى سُبْحانَكَ مؤكد للحال يعنى انه تعالى منزه عن الهزل لكونه رذيلة وعلى التأويل الاول اعتراض فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) للاخلال بالنظر فيه والقيام بما يقتضيه- والفاء تدل على ان خلق السموات والأرض للاستدلال والشكر والطاعة يقتضى ثواب المطيع وعذاب العاصي غالبا ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 192]

والعلم ينفى البطلان والعبث عنهما يستلزم الرجاء والخوف وهما يقتضيان طلب الثواب والاستعاذة من العذاب وقدم الاستعاذة لان دفع الضرر أهم من جلب النفع- وقيل دخلت الفاء لمعنى الجزاء تقديره إذا نزهناك فقنا عذاب النار. رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ تكرير ربنا للمبالغة فى الابتهال والدلالة على استقلال المطالب وعلو شأنها والتمسك بايفاء صفة الربوبية وباعترافهم بانه هو الذي رباهم- ومعنى خزاه قهره وكفه عن هواه وخزى كرضى وقع فى بلية وأخزاه الله فضحه كذا فى القاموس وَما لِلظَّالِمِينَ اى ما لهم يعنى لمن دخل النار وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على ان ظلمهم سبب لادخالهم النار مِنْ أَنْصارٍ (192) لان النصرة دفع بقهر ولا يتصور القهر فى مقابلة القهار والا يلزم عجزه وهو ينافى الربوبية وهذا لا ينفى الشفاعة- فان قيل قد قال الله تعالى يوم لا يجزى الله النّبىّ والّذين أمنوا معه ومن اهل الايمان من يدخل النار وقد قال هاهنا مَنْ «1» تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ فكيف التوفيق قلنا معناه فقد أخزيته ما دام هو فى النار او المراد بالذين أمنوا معه المؤمنون الكاملون وقال انس وقتادة معناه انك من تخلده فى النار فقد أخزيته كذا قال سعيد بن منصور ان هذه خاصة لمن لا يخرج منها وروى عن جابر إخزاء المؤمن تأديبه وان فوق ذلك لخزيا-. رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً قال ابن مسعود وابن عباس واكثر الناس يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وقال القرطبي يعنى القران فليس كل أحد يلقى النبي صلى الله عليه وسلم قلت من سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم بالتواتر فقد سمعه- أوقع الفعل على المسمع وحذف المسموع لدلالة وصفه عليه وفيه مبالغة ليست فى إيقاعه على المسموع وفى تنكير المنادى وإطلاقه ثم تقييده تعظيم لشأن المنادى وشأن النداء فانه لا منادى أعظم ممن ينادى للايمان ولا نداء أعظم من ذلك النداء يُنادِي لِلْإِيمانِ النداء يعدى بالى واللام لتضمنها معنى الانتهاء والاختصاص أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ ان مفسرة للنداء إذ فيه معنى القول او مصدرية بتقدير الباء اى بان أمنوا فَآمَنَّا به فيه اشعار على ان الايمان على حقيقته يترتب على الادلة السمعية واستدل به ابو منصور الماتريدى على بطلان الاستثناء فى الايمان ووجوب القول انا مؤمن حقا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا الفاء للسببية فان الايمان سبب للمغفرة ولا يتصور المغفرة بلا ايمان ذُنُوبَنا يعنى الكبائر وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا

_ (1) فى الأصل ومن-

[سورة آل عمران (3) : آية 194]

يعنى الصغائر والتفعيل للتكثير فان وقوع السيئات يغلب يعنى استرها مرة بعد اخرى وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) جمع برّا وبارّ بمعنى الصادق وكثير الخير والمتسع فى الإحسان- ومعنى التوفى مع الأبرار التوفى حال الاختصاص بصحبتهم معدودين فى زمرتهم لا المعية الزمانية فان ذلك غير متصور عادة ولا مفيد- ولم يقل وتوفنا بارين هضما لانفسهم وإعدادا لانفسهم غير بارين وفيه نهاية الخضوع وهو المحبوب عند الله تعالى- فان قيل هذا سوال الموت وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تمنى الموت والدعاء به من قبل ان يأتيه كما ذكرنا فى تفسير سورة البقرة فى قوله تعالى فتمنّوا الموت ان كنتم صدقين قلنا قد ذكرنا تحقيق المسألة هناك ان التمني بالموت انما لا يجوز إذا كان لضر نزل به فى مال او جسم او نحوه لا مطلقا على ان المقصود من هذا الدعاء هاهنا الدعاء باستدامة وصف البر والإحسان ابدا الى وقت الموت وحلول الاجل وليس الغرض منه السؤال بتعجيل الموت كما ان قوله تعالى وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ليس المقصود منه النهى عن الموت فانه غير مقدور للعبد بل النهى عن حال غير حال الإسلام فى شىء من الازمنة حتى يأتيه الموت عند حلول اجله وهو مسلم-. رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا من الثواب فى الجنة والروية والرضاء ومراتب القرب والنصر على الأعداء فى الدنيا عَلى رُسُلِكَ على تصديق رسلك او المعنى ما وعدتنا على السنة رسلك او متعلق بمحذوف تقديره ما وعدتنا منزلا على رسلك وجاز ان يكون على بمعنى مع يعنى اتنا مع رسلك وشاركهم معنا فى أجرنا والغرض منه أداء حق الرسالة وتكثير فضل أنفسهم ببركة مشاركة الرسل والمراد بضمير المتكلم فى قوله ما وعدتنا معشر المسلمين يعنى اتنا ما وعدت المسلمين الصالحين فهذا السؤال ليس مبنيا على الخوف من خلف الوعد منه تعالى عن ذلك بل مخافة ان لا يكون السائل من الموعودين بسوء عاقبته نعوذ بالله منها او لقصور فى إيمانه وطاعته وجاز ان يكون هذا السؤال تعبدا واستكانة فان الله غالب على امره يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسئل عمّا يفعل وهم يسئلون وقيل لفظه دعاء ومعناه الخبر اى لتؤتينا تقديره فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا ... وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ لتوتينا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ من الفضل والرحمة- وقيل انما سالوا تعجيل ما وعدهم الله من النصر على الأعداء قالوا معناه قد علمنا انك لا تخلف وعدك من النصر لكن لا صبرلنا ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 195]

على حلمك فعجل خزيهم وانصرنا عليهم وَلا تُخْزِنا اى لا تفضحنا ولا تدخلنا النار يَوْمَ الْقِيامَةِ اى يوم القيام من القبور دفعة واحدة بان تعصمنا عن ارتكاب ما يقتضى الخزي وتغفر لنا وتستر ما صدر عنا عن ابى هريرة قال يدنى الله العبد منه يوم القيامة ويضع كتفه عليه فيسرّه من الخلائق ويرفع اليه كتابه فى ذلك السر فيقول الله عز وجل اقرأ كتابك فيمر بالحسنة فتبيض بها وجهه ويسر بها قلبه ويقول اتعرف يا عبدى فيقول نعم اى رب اعرف فيقول انى قد قبلتها منك فبخر ساجدا فيقول ارفع رأسك وانظر فى كتابك فيمر بالسيئة فيسود بها وجهه ويوجل بها قلبه فيقول الله تعالى أتعرف يا عبدى فيقول نعم اى رب اعرف فيقول انى اعرف بها منك انى قد غفرتها لك فلا يزال يمر بحسنة يقبل فيسجد وبسيّئة يغفر فيسجد فلا يرى الخلائق منه الا السجود حتى يناجى الخلائق بعضه بعضا طوبى لهذا العبد الذي لم يعص الله قط ولا يدرون ما قد لقى فيما بينه وبين الله مما قد وقف عليه رواه عبد الله بن احمد فى زوائد الزهد- واخرج البيهقي عن ابى موسى نحوه وفى الباب عن ابن عمر فى الصحيحين إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) بإثابة المؤمن واجابة الداعي ولمّا كان السؤال بقوله اتنا ما وعدتنا موهما لاحتمال خلف الوعد عقبه بهذه الجملة دفعا لذلك الوهم-. فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ اى طلبتهم وهو أخص من أجاب- ويعدى بنفسه وباللام كذا قال البيضاوي وقيل أجاب واستجاب بمعنى واحد أَنِّي اى بانى او قائلا انى لا أُضِيعُ اى لا أحبط عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ ايها المؤمنون مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى عن أم سلمة قالت يا رسول الله انى اسمع الله يذكر الرجال فى الهجرة ولا يذكر النساء فنزلت هذه الاية أخرجه الترمذي والحاكم وصححه وابن ابى حاتم وعبد الرزاق وسعيد بن منصور بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ قال الكلبي فى الدين والنصرة والموالاة- وقيل فى النسب والانسانية فان كلكم من آدم وحواء الذكر من بطن الأنثى والأنثى من صلب الذكر فتثأب النساء على الأعمال كما يثاب الرجال- والجملة معترضة لبيان شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال ثم فصل عمل العاملين على سبيل التعظيم فقال فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي فى طاعتى ودينى او بسبب ايمانهم بي ومن اجلى وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا قرا ابن عامر وابن كثير قتّلوا بتشديد التاء للتكثير قال الحسن يعنى انهم قطعوا فى المعركة والباقون بالتخفيف وقرأ حمزة والكسائي قتلوا وقتلوا بتقديم المبنى للمفعول على المبنى ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 196]

للفاعل على عكس قراءة الجمهور وعكس الترتيب فى الذكر لا يوجب الاختلاف فى المعنى لان الواو لمطلق الجمع دون الترتيب وقيل فى وجه قراءة حمزة والكسائي ان معناه قتل بعضهم وقاتل بقيتهم ولم يهنوا وما استكانوا بقتل أصحابهم يقول العرب قتلنا بنى فلان اى بعضهم وقيل معناه قتلوا وقد قاتلوا قبل ذلك يعنى ما قتلوا منهزمين بل مقبلين على القتال والله اعلم لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ لاسترنها وأمحونها وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً قال المبرد مصدر مؤكد اى لاثيبنهم بذلك ثوابا والأظهر ان ثوابا حال من جنات وكانه أراد جعل ثوابا من عند الله جزاء فوق الجنات مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تفضلا منه على ثواب جزاء اعماله- وفيه التفات من التكلم الى الغيبة وجملة لاكفرن وما عطف عليه جواب قسم محذوف والقسم مع الجواب خبر للموصول وَاللَّهُ عِنْدَهُ فى قدرته ويختص به حُسْنُ الثَّوابِ (195) اى الثواب الحسن او احسن الثواب الذي لا يقدر عليه غيره- او المعنى والله تعالى درجات قربه وعنديته احسن ثوابا من الجنات وما فيها- قال البغوي كانت المشركون فى رخاء ولين من العيش يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين ان اعداء الله تعالى فيما نرى من الخير ونحن فى الجهد فانزل الله تعالى. لا يَغُرَّنَّكَ الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم والمراد منه أمته او الخطاب لكل أحد تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى ضربهم فى الأرض وتصرفهم فِي الْبِلادِ (196) للتجارات والمكاسب- والمعنى لا تنظر الى ما هم فيه من السعة ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم فى المعاش- فالنهى فى المعنى للمخاطب وانما جعل للتقلب تنزيلا للسبب منزلة المسبب للمبالغة- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغبطن فاجرا فانك لا تدرى ما هو لاق بعد موته ان له عند الله قاتلا لا يموت يعنى النار رواه البغوي. فى شرح السنة مَتاعٌ قَلِيلٌ خبر مبتدا محذوف اى ذلك متاع قليل- او مبتدا خبره ظرف محذوف اى لهم متاع قليل لقصر مدته وقلته كمّا وكيفا عن المسور بن شداد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الدنيا فى الاخرة الا مثل ما جعل أحدكم إصبعه فى اليم فلينظر بم يرجع- رواه مسلم ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197) ما مهدوا لأنفسهم يعنى جهنم. لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 199]

فِيها لكن للاستدراك عند النحاة اى دفع توهم نشا مما قبل وذلك التوهم ان متاع الكافرين المتنعمين فى الدنيا لمّا كان قليلا فمتاع المتقين المعرضين عن اللذات يكون اقل قليلا فقال الله تعالى لدفع ذلك التوهم لكن الّذين اتّقوا الاية يعنى ان المتقين اكتسبوا فى الدنيا ما يكون لهم وسيلة لنعماء الاخرة فهم تمتعوا من الدنيا ما لا مزيد عليه- وعند علماء المعاني لكن لرد اعتقاد المخاطب وذلك ان الكافرين يزعمون انهم متمتعون من الدنيا والمتقين فى خسران عظيم نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ صفة لنزلا- والنزل ما يعد للضيف النازل من الضيافة- ففى لفظة نزلا بيان لرفعة قدر المتقين حيث جعلهم أضياف الله والكريم يجعل خير ما عنده وما يقدر عليه للضيف- ونزلا منصوب على الحال من جنات والعامل فيه الظرف- وقيل انه مصدر مؤكد والتقدير أنزلوها نزلا- وجاز ان يكون منصوبا على التميز- وقيل تقديره جعل ذلك نزلا وَما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب ودرجات القرب والرضاء والرحمة خَيْرٌ من متاع الدنيا ومن كل شىء لِلْأَبْرارِ (198) وضع المظهر موضع المضمر للمدح والتعظيم- عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال جئت فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مشربة وانه لعلى حصير ما بينه وبينه شىء وتحت رأسه وسادة من آدم حشوها ليف وان عند رجليه قرطا مصبورا وعند رأسه أهب معلقة فرايت اثر الحصير فى جنبه فبكيت فقال ما يبكيك فقلت يا رسول الله ان كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله فقال اما ترضى ان تكون لهما الدنيا ولنا الاخرة- وفى رواية قلت يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فان فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله قال اوفى هذا أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم فى الحيوة الدنيا- متفق عليه وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وسنته فاذا فارق الدنيا فارق السجن والسنة رواه البغوي فى شرح السنة- وعن قتادة بن النعمان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمى سقيمه الماء رواه احمد والترمذي والله اعلم- روى النسائي عن انس وابن جرير نحوه عن جابر قال لما جاء نعى النجاشي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا عليه قال يا رسول الله تصلى على عبد حبشى فانزل الله تعالى. وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ الاية وكذا فى المستدرك عن عبد الله بن الزبير قال نزلت فى النجاشي- ... ...

[سورة آل عمران (3) : آية 200]

قال البغوي لما مات النجاشي نعاه جبرئيل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم النجاشي فخرج الى البقيع وكشف له الى ارض الحبشة فابصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر اربع تكبيرات واستغفر له فقال المنافقون انظروا الى هذا يصلى على علج حبشى نصرانى لم يره قط وليس على دينه فانزل الله هذه الاية- وقال عطاء نزلت فى اهل نجران أربعين رجلا اثنان وثلاثون من ارض الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى فامنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم واخرج ابن جرير عن ابن جريح قال نزلت فى عبد الله بن سلام وأصحابه- وقال مجاهد نزلت فى مومنى اهل الكتاب كلهم وان من اهل الكتاب لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ حق إيمانه بصفاته وأسمائه دخلت اللام على اسم ان للفصل بالظرف وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من القران وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ من التورية والإنجيل والزبور خاشِعِينَ لِلَّهِ اى خاضعين متواضعين حال من فاعل يؤمن وجمعه باعتبار المعنى لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ حال بعد حال اى غير مشترين بايات التورية التي فيها نعت محمد صلى الله عليه وسلم ثَمَناً قَلِيلًا كما يفعله المحرفون من الأحبار لاجل المأكل أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ اى اجرا مخصوصا بهم زائدا على أجور غيرهم كما فى قوله تعالى أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ- وعن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لهم أجران رجل من اهل الكتاب أمن بنبيّه وأمن بمحمد الحديث متفق عليه إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (199) لعلمه بالأعمال وما يستوجبه من الجزاء واستغنائه عن التأمل روى انه تعالى يحاسب الخلق فى قدر نصف نهار من ايام الدنيا- والمراد ان الاجر الموعود سريع الوصول إليهم فان سرعة الحساب كناية عن سرعة الجزاء-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا على دينكم ومشاق التكليفات ومخالفة الهوى وعلى محبة ربكم وطاعته لا تدعوها فى شدة ولا رخاء وعلى جهاد أعدائكم وعلى البليات والشدائد- قال جنيد الصبر حبس النفس على المكروه بغير جزع وَصابِرُوا يعنى غالبوا اعداء الله فى الصبر على شدائد الحرب فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ... ...

ما لا يَرْجُونَ تخصيص بعد التعميم- والمصابرة كما يوجد فى مقابلة الكفار فى الجهاد الأصغر يوجد فى مقابلة النفس فى الجهاد الأكبر ايضا فان النفس يتحمل من الشدائد والمكاره فى طلب الدنيا وشهواتها ما لا يخفى وقد يتحمل لنيل النعيم الباقية فى الجنات العلى فلا بد للصوفى ان يتحمل اكثر من ذلك كلها فى طلب المولى جلّ وعلى وَرابِطُوا أبدانكم وخيولكم فى الثغور مترصدين للغزو- او أنفسكم وقلوبكم وأبدانكم فى ذكر الله والطاعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة فى المساجد وحلق الذكر واصل الربط الشد يعنى شد الخيل فى الثغور ثم قيل ذلك لكل مقيم فى ثغر يدفع عمن وراءه وان لم يكن له مركب ثم قيل لكل مقيم على شىء يدفع عنه ما يمنعه- والمرابطة المغالبة فى الرباط على من عداه يعنى ان الأعداء يربطون لمحاربتكم فانتم غالبوهم فى ذلك- عن سهل بن سعد الساعدي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رباط يوم فى سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد فى سبيل الله او الغدوة خير من الدنيا وما عليها- رواه البغوي من طريق البخاري والفصل الاول فى الصحيحين عن سهل والفصل الثالث فيهما عن انس- وعن سلمان الخير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رابط يوما وليلة فى سبيل الله كان له اجر صيام شهر مقيما ومن مات مرابطا اجرى له مثل ذلك الاجر واجرى عليه من الرزق واو من من الفتان رواه البغوي- ورواه مسلم بلفظ رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وان مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله واجرى عليه رزقه وأمن من الفتان- وأخرجه احمد وابن ابى شيبة بلفظ من رابط يوما او ليلة فى سبيل الله كان كعدل صيام شهر رمضان وقيامه لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته الا لحاجة- وعن فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل ميت يختم على عمله الا الذي مات مرابطا فى سبيل الله فانه ينمى له عمله الى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر رواه الترمذي وابو داود ورواه الدارمي عن عقبة بن عامر- وعن عثمان رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رباط يوم فى سبيل الله خير من الف يوم فيما سواه من المنازل رواه الترمذي والنسائي- وقال البغوي قال ابو سلمة بن عبد الرحمن لم يكن فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكنه انتظار الصلاة خلف الصلاة- ودليل هذا التأويل ... ...

حديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الا أخبركم بما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا الى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط رواه البغوي وروى مسلم والترمذي عن ابى هريرة نحوه وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) الفلاح الفوز بالمحبوب بعد الخلاص من المكروه- ولعل لتغيّب المال لئلا يتكلوا على الآمال عن تقديم الأعمال- عن عثمان بن عفان من قرا اخر ال عمران فى ليلة كتب له قيام ليلة رواه الدارمي- وعن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا الزهراوين البقرة وال عمران فانهما تأتيان يوم القيامة كانهما غمامتان- او كانهما غيابتان او كانهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما رواه مسلم وعن النواس بن سمعان قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى بالقران يوم القيامة واهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وال عمران كانهما غمامتان او ظلتان سوداوان بينهما شرق او كانها فرقان من طير صوافّ تحاجّان عن صاحبهما رواه مسلم- وعن مكحول قال من قرا سورة ال عمران «1» يوم الجمعة صلت عليه الملائكة الى اللّيل رواه الدارمي- الحمد لله ربّ العلمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين- وقع الفراغ من تفسير سورة ال عمران يوم الاثنين ثامن ذى القعدة سنة الف ومائة وسبع وتسعين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم- يتلوه تفسير سورة النساء ان شاء الله تعالى-

_ (1) وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابن مليك من قرا السورة التي تذكر فيه ال عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تحجب الشمس لشخص- منه رحمه الله تعالى- بتصحيح: مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى (محمد غفران مظفر نگرى) .

فهرس للتفسير المظهرى سورة ال عمران

فهرس للتّفسير المظهرى سورة ال عمران بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سورة ال عمران- 2 تحقيق اسم الله الأعظم وما ورد فيه- 4 حديث ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة الحديث ونحوه- 7 بحث الآيات المحكمات والمتشابهات وتأويل المتشابهات وان ما يتعلق به التكليف لا يجوز تأخير بيانه عن وقت الحاجة إلخ 9 حديث ما من ثلب الا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن ونحوه- 13 مسئلة الخلف فى الوعد محال لا فى الوعيد- 13 قصة غزوة بدر اجمالا- 14 بحث تزيين الشهوات- 17 بحث ما ورد فى نعماء الجنة وان فيها جميع ما يشتهونه- 19 السر فى ان نعيم الدنيا غير مرضية لله تعالى بخلاف نعيم الاخرة- 21 وسر شغف يعقوب بيوسف عليهما السلام- 21 مسئلة مجرد الايمان سبب لاستحقاق المغفرة وما ورد فيه- 22 الاستغفار بالأسحار- 22 حديث ينزل الله سبحانه الى السماء الدنيا كل ليلة- 22 حديث الإسلام ان تشهد ان لا اله الا الله إلخ- 24 ما ورد فى قوله تعالى شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ إلخ- 24 حديث اىّ الناس أشد عذابا قال رجل قتل نبيا ورجل امر بالمنكر- 26 قوله تعالى قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ- 29 مسئلة الوجود خير محض مستفاد من الواجب وحصة الشر المستند الى العدم ذاتى نتمكن- 30 ما ورد فى قراءة قل اللهمّ ملك الملك- 31 فصل الحب فى الله والبغض فى الله والنهى عن ولاية الفاسق 32 مسئلة العقبة 33 حديث ان الله يد فى العبد فيضع عليه كتفه- 34 حديث ما منكم من أحد الا سيكلمه ربه- 35 الحب ما هو من العبد لله وما هو من الله لعبده واستلزام حب الله اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم- 37 حديث كل ابن آدم يطعن الشيطان فى جنبه غير عيسى- 41 وبيان عصمة فاطمة وأولاده عليهم السلام- 42 ذكر كرامة مريم وكرامة فاطمة- 43 ما ورد فى فضل يحيى عليه السلام 45 ما ورد فى فضائل مريم- وخديجة- وعائشة وفاطمة وآسية امرأة فرعون- 47 فضائل عيسى عليه السلام ومعجزاته 50 ما ورد فى رفع عيسى عليه السلام الى السماء ونزوله قبل القيامة 56 مسئلة حجية القياس- 60 قصة المباهلة ورد ما استدل به الروافض على نفى خلافة الخلفاء الثلاثة رضى الله عنهم- 61 ما ورد فى انه لا يجوز الاخذ بقول العلماء والصوفية فيما لا مستند لهم من الشرع- 64 حديث لا طاعة للمخلوق فى معصية الخالق- 64 مسئلة إذا صح الحديث على خلاف مذهبه يجب العمل به 64 مسئلة لا يجوز اتخاذ المساجد والسرج على القبور والطواف ونحو ذلك- 65 حديث كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى هرقل 65 قصة هجرة جعفر الى النجاشي ومنازعة كفار قريش معه بحضرة النجاشي- 68 اختلاف القراء فى الإشباع والاختلاس والإسكان فى يؤدّه ونؤته وأمثالها- 73 حديث أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله 74 ما ورد فى آيات المنافق- 74 حديث من حلف على يمين صبر- 75 ما ورد فى يمين الغموس 76 حديث الدواوين ثلاثة لا يعبأ به- ولا يترك شيئا ولا يغفر- 76 حديث ثلاثة لا يكلمهم الله الاية المسيل إزاره والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب وفى رواية منها رجل على فضل ماء فى فلاة يمنعه ورجل بايع اماما للدنيا- وفى رواية منها شيخ زان عائل متكبر- 77 حديث يقول الله لاهون اهل النار عذابا لو ان لك ما فى الأرض اكنت تفتدى به قال نعم الحديث- 86 قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا وذكر الزكوة والصدقة من أحب أمواله- 86 حديث وعليكم بالصدق وإياكم والكذب- 87 اوّل بيت وضع بيت الله- 92 ما ورد فى فضل الصلاة فى المسجد الحرام وللاقصى وغيرهما وهل هو فى الفرائض فقط او مطلقا- 93 ما ورد فى حرمة البيت وما فيه من الآيات- 94 مسئلة وجوب الحجج وشرائط وجوبه وما فيها من اختلاف الائمة وحجج كلمهم- 95 التغليظ فى ترك الحجج- 100 بحث صورة الكعبة وخليقة الكعبة والقران والصلاة- 101 قصة كيد اليهود لايقاظ الفتنة بين الأنصار بعد ايتلافهم 102 حديث انى تارك فيكم كتاب الله واهل بيتي وذكر اقطاب الإرشاد- 103 حق التقوى بغناء القلب والنفس وغيرهما ووجوب طريقة الصوفية 104 ما ورد فى اتباع الإجماع وما ورد فى تفرق الامة الى ثلاث وسبعين فرقة- 106 حديث ان الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا- 106 قصة بدو اسلام الأنصار وبدو ألفتهم وبيعة العقبة الاولى- 108 وبيعة العقبة الثانية- 112 ما ورد فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم- 114 حديث اختلاف العلماء رحمة يعنى فى الضروع- 116 قوله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ فى اهل الأهواء- 116 ... ...

وكذا حديث انى على الحوض حتى انظر من يرد علىّ منكم وسيؤخذ ناس دونى- 117 حديث بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم- 117 حديث لا يدخل الجنة أحدا عمله- 117 ما ورد فى فضل هذه الامة- وفى فضل الصحابة رضى الله عنهم- 118 ذكر قوة ارشاد رجال هذه الامة- 119 حديث اتدرون ما الايمان بالله وحده- 120 حديث تأخير صلوة العشاء- 122 النهى عن مباطنة الكفار واهل الأهواء وطلب الأعالي للمصاحبة- 124 وما يدل على جواز مودة الكفار إذ لم يكن له عداوة مع مؤمن لاجل إيمانه- 125 حديث هل نفعت أبا طالب شيئا- 125 ما ورد فى انه من يصبر ويتقى ويتوكل على الله لا يضره شىء فى الدنيا- 127 قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم للغزو يوم أحد ونزول القران فى غزوة أحد من قوله تعالى وَإِذْ غَدَوْتَ الى قوله تعالى لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ ستين اية- 127 ذكر غزوة بدر مجملا- 132 ذكر محاصرة قريظة- 133 ذكر قتال جبرئيل وميكائيل يوم أحد- 133 ما روى انه صلى الله عليه وسلم لعن الكفار يوم أحد ودعا على رعل وذكران شهرا- ونزول النهى عنه- 135 النهى عن أكل الربوا وانه ربما يوجب تسارة يفضى الى الكفر 137 حديث بادروا بالأعمال سبعا- 137 ما ورد فى فضل السخاء- 138 ما ورد فى كظم الغيظ- 139 ما ورد فى الإحسان وكونه محبوبا لله- 139 ما ورد فى الاستغفار وصلوة الاستغفار- 141 حديث ما أصر من استغفر- 141 حديث المستغفر من الذنوب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه- 141 مسئلة الإصرار على الصغيرة كبيرة- 141 قصة القتال يوم أحد.. 144 ومن يرد بعمله نفس الشكر لا الدنيا ولا الاخرة- 151 مسئلة إنزال المصيبة بالمؤمنين تفضل من الله تعالى بهم- 155 مسئلة لا يجوز الطعن فى الصحابة لاجل الفرار يوم أحد- 160 حديث من تشبه بقوم فهو منهم- 160 ما ورد فى المشاورة- 161 بحث التوكل وما هو- 162 ما ورد فى الغلول- 163 فضائل قريش وفضائل العرب- 165 عدد شهداء أحد- 167 فضائل الشهداء- 169 مسئلة هل يبلغ درجة الشهيد غيره- 171 قصة سرية بيرمعونة- 173 مسئلة الشهيد لا يغسل اجماعا- وهل يغسل مجنب استشهد 174 مسئلة اختلاف الائمة فى الصلاة على الشهيد- 175 فصل ما ورد انه صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثمانى سنة 177 قصة غزوة حمراء الأسد- 178 قصة غزوة بدر الصغرى- 180 حديث إذا سالت فسئل الله وإذا استعنت فاستعن بالله إلخ- 183 حديث اىّ الناس خير قال من طال عمره وحسن عمله اىّ الناس شر قال من طال عمره وساء عمله- 184 ما ورد فى البخل وترك الزكوة 186 حديث القبر روضة من رياض الجنة إلخ- 189 قصة سرية محمد بن مسلمة وابى نائلة لقتل كعب بن الأشرف- 191 مسئلة هل يجوز قتل الكافر المعاهد بسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- 193 مسئلة الصبر ما هو وانه لا ينافى الانتقام من الكفار- 194 ما ورد فى كتمان العلم- 194 مسئلة صلوة المريض على جنبه او مستلقيا- 197 تحقيق معنى الفكر وما ورد فى النهى عن التفكر فى ذات الله تعالى وامتناع تعلق العلم الحصولى بل العلم الحضوري ايضا فى مرتبة الذات وان العلم فى تلك المرتبة وراء العلمين- 199 حديث لا تغبطن فاجرا إلخ 204 حديث ما الدنيا فى الاخرة الا مثل ما جعل أحدكم إصبعه فى اليم إلخ- 204 حديث عمران كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله- 205 ما ورد فى كون الدنيا سجن المؤمن ونحو ذلك- 205 حديث صلوة الجنازة على النجاشي غائبا- 206 ما ورد فى الصبر والمصابرة والرباط وانتظار الصلاة بعد الصلاة- 207 فضائل سورة ال عمران وخواتمه 25 ذيقعدة سنه 1197 هـ 208 تمت فهرس سورة ال عمران إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ هذا كتاب جليل صنف لتذكرة الشيخ الشهيد سيّدنا ومولانا ميرزا جانجانان مظهر قدس سره الموسوم بالتّفسير المظهرى منه النّساء تأليف الشيخ الأكمل بيهقى الوقت علم الهدى مولانا القاضي محمد ثناء الله العثماني الحنفي المظهرى النقشبندي الفاني فتى رضى الله عنه وعن ابائه ومشائخه ولد رحمه الله فى سنة ثلاث وأربعين بعد الف ومائة من الهجرة او قبله بسنة او سنتين بفانى فت ونشابها فحفظ القران وعمره سبع سنين واشتغل بعده بأخذ العلوم النقلية والعقلية فتبحر فيها ثم ارتحل الى الدهلى فلزم العلامة البحر الفهامة مولانا الشاه ولىّ الله المحدث الدهلوي فسمع الحديث منه بتمامه وكماله وتفقه فيه- وأخذ الطريقة العالية النقشبندية اولا من شيخ الشيوخ مولانا خواجه محمد عابد السنامى ثم انسلك بخدمت الشهيد مولانا الشيخ ميرزا جانجانان مظهر وأخذ منه الطريقة الاحمدية بكماله ثم رجع الى وطنه واقام به وأفنى عمره الشريف فى نشر العلوم وفصل الخصومات وإفتاء الاسئلة والف كتبا عديدة فى التفسير والفقه وغيرها تجاوز عددها من ثلاثين ولم يزل مقبلا متوجها الى الله وازديادا مجتهدا فى الخيرات الى ان أدركته المنية فتوفى فى غرة الرجب المرجب سنة الف ومائتين وخمس وعشرين من الهجرة على صاحبها التحية مكتبه رشيديّه سركى رود كوئه.

سورة النساء

القسم الثاني من الجزء الثاني [سورة النساء] نحمدك اللهمّ مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شىء قدير ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنّا سيّئاتنا وتوفّنا مع الأبرار، وصلّ وسلّم وبارك على حبيبك ونبيّك سيّدنا وشفيعنا ومولانا محمّد الامّىّ المبعوث الى جميع الخلق رحمة وهدى صلّى الله عليه وسلّم وعلى اله وأصحابه أجمعين سورة النّساء مدنيّة وآياتها مائة وستّ وسبعون روى البيهقي فى الدلائل من طرق عن ابن عباس قال نزلت سورة النساء بالمدينة وكذا اخرج ابن المنذر عن قتادة واخرج البخاري عنه ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب للموجودين عند النبي صلى الله عليه وسلم ويتبعهم الناس أجمعون اتَّقُوا رَبَّكُمُ اى العقاب بان تطيعوا الَّذِي خَلَقَكُمْ فى بدو الأمر مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعنى آدم عليه السلام وَخَلَقَ عطف على خلقكم او على محذوف تقديره خلقها وخلق مِنْها زَوْجَها يعنى حواء بالمد من ضلع من أضلاعها اليسرى، عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استوصوا بالنساء خيرا فانها خلقت من ضلع آدم الحديث متفق عليه، واخرج ابو الشيخ عن ابن عباس قال خلق حواء من قصرى أضلاعه، واخرج ابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن مجاهد قال خلق حواء من آدم وهو نائم فاستيقظ الحديث وجملة خلقها وخلق منها زوجها «1» تقرير لخلقكم من نفس واحدة، وَبَثَّ مِنْهُما اى نشر من آدم وحواء رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً كثيرة غيركم ايها المخاطبون اكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها إذ الحكمة تقتضى ان تكون النساء اكثر من الرجال حتى أباح الله تعالى لرجل أربعا من النساء وذكّر كثيرا حملا على الجمع ورتب

_ (1) اخرج إسحاق وابن عساكر عن ابن عباس قال ولد لادم أربعون ولدا عشرون غلاما وعشرون جارية منه رحمه الله

الأمر بالتقوى على هذه القصة لما فيها من الدلالة على كمال القدرة والنعمة المقتضيين الخشية والطاعة وفيه تمهيد للامر بالتقوى فى صلة الأرحام وأداء حقوق العباد وَاتَّقُوا اللَّهَ عطف على اتّقوا ربّكم كانه قيل اتقوه لربوبيته وخلقه إياكم خلقا بديعا ولكونه مستجمعا لجميع صفات الكمال او لكونه مستحقا بذاته للخشية والطاعة الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ قرا اهل الكوفة بتخفيف السين على حذف احدى التاءين والباقون بالتشديد على ادغام التاء فى السين يعنى يسئل به بعضكم بعضا ويقول أسئلك بالله وَالْأَرْحامَ بالنصب عطفا على الله يعنى واتقوا الأرحام ان تقطعوها عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحم معلقة بالعرش تقول ألا من وصلني وصله الله ومن قطعنى قطعه الله متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فاخذت بحقوى «1» الرحمن فقال مه قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال ألا ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك قالت بلى يا ربّ قال فذاك متفق عليه وعن عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الواصل المكافي ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها رواه البخاري وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب ان يبسط له فى رزقه وينساه له فى اثره فليصل رحمه متفق عليه وعن ابى هريرة ان الرجل قال يا رسول الله ان لى قرابة أصلهم ويقطعونى واحسن إليهم ويسيئون اليّ واحلم عنهم ويجهلون علىّ فقال لئن كنت كما قلت فكانما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك رواه مسلم وقرا حمزة بالجر عطفا على الضمير المجرور وهذه الاية دليل للكوفيين على جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار فان القراءة متواترة والمعنى يتساءلون بالله وبالأرحام «2» ويقول للاستعطاف بالله وبالرحم افعل كذا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) حافظا مطلقا فلا تغفلوا عنه، قال مقاتل والكلبي ان رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ يتيم له فلما بلغ اليتيم طلب

_ (1) الحقو معقد الإزار وسمى به الإزار مجازا قال فى النهاية لما جعل الرحم شجنه من الرحمن استعار بما الاستمساك به كما يستمسك القريب بقريبه والنسيب بنسيبه والحقو فيه مجاز وتمثيل منه رحمه الله-[.....] (2) اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن مجاهد تساءلون به والأرحام قال يقول أسئلك بالله وبالرحم وكذا اخرجوا عن مجاهد وابراهيم والحسن منه رحمه الله-

[سورة النساء (4) : آية 2]

المال فمنعه عمه فترافعا الى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت. وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ الاية فلما سمع العم قال اطعنا الله واطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع اليه ماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يوق شح نفسه ويطع ربّه هكذا فانه يحلّ داره يعنى جنته فلما قبض الفتى ماله أنفقه فى سبيل الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ثبت الاجر وبقي الوزر فقال ثبت الاجر للغلام وبقي الوزر على والده رواه الثعلبي والواحدي وذكره البغوي والخطاب للاولياء والأوصياء واليتامى جمع يتيم وهو صغير لم يكن له اب ولاجد مشتق من اليتم «1» بمعنى الانفراد ومنه الدرة اليتيمة، قال البيضاوي اما على انه لما جرى مجرى الأسماء كفارس وصاحب جمع على يتائم ثم قلب فقيل يتامى او على انه جمع على يتمى كاسرى لانه من باب الآفات ثم جمع يتامى كاسرى وأسارى والاشتقاق يقتضى وقوعه على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء لكن العرف خصّصه بمن لم يبلغ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتم بعد الاحتلام ولا صمات يوم الى الليل رواه ابو داود بإسناد حسن عن على فالحديث اما مبنى على العرف او هو بيان للشريعة يعنى لا حكم اليتم بعد البلوغ ومعنى الاية أتوا أموالهم إذا بلغوا بالإجماع ولدلالة قوله تعالى وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ فانه لما منع المال من السفيه مع كونه عاقلا بالغا فلأن يمنع من الصغير اولى فاليتيم فى الاية اما مورد على الأصل او على الاتساع بقرب عهدهم بالصغر حثا على ان يدفع إليهم أموالهم أول بلوغهم وَلا تَتَبَدَّلُوا اى لا تستبدلوا والتفعّل بمعنى الاستفعال سائغ يقال تعجل بمعنى استعجل الْخَبِيثَ اى مال اليتيم الذي هو عليكم حرام خبيث بِالطَّيِّبِ اى الحلال من أموالكم، قال سعيد بن جبير والزهري والسدى كان اولياء اليتامى يأخذون الجيّد من مال اليتيم ويجعلون مكانه الزدى فربما كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من مال اليتيم ويجعل مكانها المهزولة ويأخذ الدرهم الجيّد ويجعل مكانه الزيف ويقول درهم بدرهم فنهوا عن ذلك وقال مجاهد معنى الاية لا تتعجل الرزق الحرام قبل ان يأتيك الرزق الحلال الموعود من الله وقيل معناه لا تستبدلوا الأمر الخبيث وهو اختزال أموالهم بالأمر الطيّب الذي هو حفظها ودفعها الى المالك وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ اى اليتامى مضمومة إِلى أَمْوالِكُمْ وقيل الى هاهنا بمعنى مع كذا روى ابن المنذر عن قتادة إِنَّهُ اى ذلك الاكل كانَ حُوباً كَبِيراً (2)

_ (1) فى الأصل اليتيم

[سورة النساء (4) : آية 3]

ذنبا عظيما كذا قال ابن عباس عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها أكل مال اليتيم متفق عليه. وَإِنْ خِفْتُمْ ايها الأولياء أَلَّا تُقْسِطُوا اى ان لا تعدلوا وتجوروا من قسط بمعنى جار ومنه القاسطون والهمزة للسلب يعنى خفتم ان تجوروا فِي الْيَتامى اللاتي فى حجوركم إذا نكحتموهن فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ الاجنبيات غير تلك اليتامى ويطلق اليتامى على الذكور والإناث، روى البخاري فى الصحيح عن الزهري قال كان عروة بن الزبير يحدث انه سال عائشة عن هذه الاية قال هى اليتيمة فى حجر وليها فيرغب يعنى الولي غير المحرم مثل ابن العم فى جمالها ومالها ويريد ان يتزوجها بأدنى من سنة نسائها يعنى ادنى من مهر مثلها فنهوا عن نكاحهن الا ان يقسطوا لهنّ فى إكمال الصداق وأمروا بنكاح من سواهن من النساء قالت عائشة ثم استفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ الى قوله وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ فبين الله فى هذه الاية ان اليتيمة إذا كانت ذات جمال او مال رغبوا ولم يلحقوا بسنتها بإكمال الصداق وإذا كانت مرغوبا عنها فى قلة الجمال والمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء قال فكما تتركونها حين ترغبون عنها ليس لكم ان تنكحوها إذا ترغبوا فيها الا ان تقسطوا لها فى الاوفى من الصداق وتعطوها حقها وقال البغوي قال الحسن كان الرجل من اهل المدينة تكون عنده الأيتام فيهن من يحل له نكاحها فيتزوجها لاجل مالها وهى لا تعجبه كراهية ان يدخله غريب وقال عكرمة فى تفسير الاية وهى رواية عطاء عن ابن عباس انه كان الرجل من قريش يتزوج العشر من النساء والأكثر فاذا صار معدما من مؤن نسائه مال الى مال يتيم فى حجره فانفقه فقيل لهم لا تزيدوا على اربع حتى يحوجكم الى أخذ اموال اليتامى وقيل لمّا نزل الوعيد فى أكل اموال اليتامى كانوا يتحرجون فى أموالهم ويترخصون فى النساء ويتزوجون ما شاءوا وربما لا يعدلون فنزلت فقال الله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فى حقوق اليتامى فخافوا ايضا ان لا تعدلوا بين النساء فانكحوا مقدار ما يمكنكم القيام بحقوقهن أخرجه ابن جرير وهو قول سعيد بن جبير والضحاك والسدى وقيل كانوا يتحرجون عن ولاية اليتامى ولا يتحرجون من الزنى فقيل لهم ان خفتم ان لا تعدلوا فى امر اليتامى فخافوا الزنى فانكحوا ... ...

ما طاب لكم وهذا قول مجاهد وانما عبر عنهن بما ذهابا الى الصفة لان ما يجىء فى صفات من يعقل فكانّه قيل الطيبات من النساء او اجراهن مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهن كما فى ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قيل معنى ما طاب لكم ما أدركت البلوغ يقال طابت التمرة اى أدركت وهذا اولى بتأويل رواه البخاري عن عائشة يعنى لا تنكحوا اليتامى وانكحوا البالغات لكن كلمة لكم يابى عنه إذ كان المناسب حينئذ فانكحوا ما طاب من النساء وقيل معناه ما حلّ لكم من النساء لان منهن المحرمات كاللاتى فى اية التحريم وهذا انسب بقول مجاهد يعنى خافوا الزنى وانكحوا ما حل لكم لكن على هذا التأويل يلزم ان يكون الاية مجملة والإجمال خلاف الأصل فالاولى ان يقال معناه ما استطاب منهن أنفسكم ومالت أنفسكم إليهن وهذا انسب بجميع التأويلات فالمعنى على قول عائشة ان خفتم ان لا تقسطوا فى اليتامى لضعفهن وعدم من يذب عنهن فوت حقوقهنّ فانكحوا ما طاب لكم من النساء فان الحامى حينئذ بحقوقهن ميلان أنفسكم إليهن سواء كانت يتيمة او بالغة وايضا كون المنكوحة مرغوبة للنفس امنع من وقوعه فى الزنى وايضا يناسب ان يقال لا تزيدوا على اربع بل اقتصروا على المرغوبات فان المرغوبات قل وجودهن والله اعلم (مسئلة) ولهذا سنّ للخاطب ان ينظر الى وجه المخطوبة وكفيها قبل النكاح اجماعا، وقال داود بجواز النظر الى سائر جسدها سوى السوئتين عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع ان ينظر الى ما يدعوه الى نكاحها فليفعل رواه ابو داود وعن المغيرة بن شعبة قال خطبت امراة فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نظرت إليها قلت لا قال فانظر إليها فانه أحرى ان يؤدم بينكما رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ معدولة عن اعداد مكررة وهى ثنتين ثنتين وثلاث ثلاث واربع اربع وهى غير منصرفة للعدل والصفة فانها بنيت صفات بخلاف أصولها فانها لم تبن لها، وقيل لتكرير العدل فانها معدولة عن لفظ ثنتين وعن معناه اعنى ثنتين مرة بعد اخرى منصوبة على الحال من ما طاب مفعول فانكحوا منكرة عند البصريين وقال الكوفيون هى معرفة لامتناع دخول حرف التعريف عليها فهى منصوبة على البدلية من ما طاب، ... ...

(مسئلة) أجاز الروافض بهذه الاية تسعا من المنكوحات وكذا نقل عن النخعي وابن ابى ليلى لاجل العطف بالواو التي هى للجمع قالوا معنى الاية فانكحوا ثنتين وثلاثا وأربعا ومجموع ذلك تسع وأجاز الخوارج ثمانى عشرة نظرا الى تكرار المعنى وكلا القولين باطلان، اما قول الخوارج فلان مثنى وأخواتها معدول عن عدد مكرر لا تقف الى حد بإزاء ما يقابله لا لمكرر مرتين فمن قال لجماعة خذوا من هذه الدراهم مثنى معناه لياخذ كل رجل منكم منها درهمين درهمين وليس المعنى خذوا منها اربعة دراهم ولو كان كذلك فلا يستقيم معنى فانكحوا مثنى وثلث وربع إذ لا يتصور لجميع الناس نكاح امرأتين او ثلاث او اربع او تسع او ثمان عشرة ولذا قال صاحب الكشاف لو أفردت لم يكن معنى يعنى لو قيل فانكحوا ثنتين وثلاثا وأربعا لم يستقم المعنى واماما قالت الروافض ان المراد بها اباحة تسع لكل رجل فلانه فى عرف البليغ لا يؤدى معنى التسع بلفظ ثنتين وثلاث واربع كما لا يخفى بل المعنى انه يجوز لكل أحد نكاح ثنتين وكذا يجوز لكل نكاح ثلاث وكذا يجوز لكل نكاح اربع قال البيضاوي لو ذكرت باو لذهب تجويز الاختلاف فى العدد وفيه انه لو كان كذلك لذهب بالواو تجويز الاتفاق «1» والحق انه لا تفاوت فى فهم المقصود بين مثنى او ثلث وبين مثنى وثلاث إذ لا يلتفت فى أحد الصورتين الى اشتراط ان يكون جميع الامة على نحو واحد من هذه الاقسام المجوزة البتة او على أنحاء مختلفة البتة وانما جىء بالواو لانه اقرب لافادة التوزيع عند مقابلة المجموع بالمجموع- (مسئلة) لا يجوز ان يتزوج ما فوق الاربعة من النساء عند الائمة الاربعة وجمهور المسلمين وحكى عن بعض الناس اباحة اىّ عدد شاء بلا حصر لان قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ يفيد العموم ولفظ مثنى تعداد عرفى لا قيد كما يقال خذ من هذا البحر ما شئت قربة وقربتين وثلاثا ولو سلمنا كونه قيدا فالمعنى اباحة نكاح ما طاب عن النساء حال كونهن مثنى وثلاث وربع وذا لا يدل على ففى الحكم عما زاد على الأربع الا بمفهوم العدد ولا عبرة بالمفهوم الا ترى ان قوله تعالى جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ لا يدل على انه تعالى لم يجعل من الملائكة رسولا ذا «2» اجنحة زائدة على اربعة جناح كيف وقد صح انه صلى الله عليه وسلم

_ (1) لا يظهر وجه هذه الملازمة فان الواو لمطلق الجمع فالمعنى انكحوا ايها المخاطبون هذه الأنواع، وهو صريح فى تجويز الجمع بين انواع القسمة منه رحمه الله فى الأصل ثلث واربع- (2) فى الأصل ذى

راى جبرئيل وله ستمائة جناح والأصل فى النكاح الحل على العموم لقوله تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ وقوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وقد صح انه صلى الله عليه وسلم تزوج تسعا والأصل عدم الخصوصية الا بدليل ولنا ان الاية نزلت فى قيس بن الحارث قال البغوي روى ان قيس بن الحارث كانت تحته ثمانى نسوة فلما نزلت هذه الاية قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق أربعا وامسك أربعا قال فجعلت أقول للمرءة التي لم تلد منى يا فلانة أدبري والتي قد ولدت أقبلي فكان من النبي صلى الله عليه وسلم بيانا للاية وهو اعلم بمراد الله تعالى فظهران الأصل فى النكاح الحرمة والتضييق كما ذكرنا فى تفسير سورة البقرة فى مسئلة حرمة إتيان النساء فى أدبارهن فى تفسير قوله تعالى فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ وما قيل ان الأصل فيه الحل ممنوع وقوله تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ المراد به ماوراء المحرمات من الأمهات وغيرهن المذكورات وذا لا يدل على العدد عموما ولا خصوصا بل على حل كل واحدة منهن وكذا قوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ الاية فان مقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد فظهران الاية ما سيقت الّا لبيان العدد المحلل لا لبيان نفس الحل لانه عرف من غيرها قبل نزولها كتابا وسنة فكان ذكره هنا مقيّدا بالعدد ليس الا لبيان قصر الحل عليه او هى لبيان الحل المقيد بالعدد لا مطلقا كيف وهو حال ممّا طاب فيكون قيدا فى العامل وهو الاحلال المفهوم من فانكحوا وايضا عدم جواز ما فوق الأربع من النساء ثبت بحديث ابن عمران غيلان بن سلمة الثقفي اسلم وله عشر نسوة فى الجاهلية فاسلمن معه فقال النبي صلى الله عليه وسلم امسك أربعا وفارق سائرهن رواه الشافعي واحمد والترمذي وابن ماجة وحديث نوفل بن معاوية قال أسلمت وتحتى خمس نسوة فسالت النبي صلى الله عليه وسلم فقال فارق واحدة وامسك أربعا فعمدت الى اقدمهن صحبة عندى عاقر منذ ستين سنة ففارقتها رواه الشافعي والبغوي فى شرح السنة وعلى حصر الحل فى اربع انعقد الإجماع وقول بعض الناس فى مقابلة الإجماع باطل ولم يذهب الى التعميم أحد من اهل البدع ايضا فانه حصر الخوارج فى ثمان عشرة والروافض فى تسع، مسئلة إذا اسلم الرجل وتحته اكثر من اربع او اختان او أم وبنتها واسلمن معه او هنّ ... ...

كتابيات فعند مالك والشافعي واحمد ومحمد بن الحسن انه يختار من الأكثر أربعا ومن الأختين ونحوهما واحدة وقال ابو حنيفة ان كان تزوجهن بعقدة واحدة فرق بينه وبينهن وان كان على التعاقب فنكاح من يحل سبقة جائز ونكاح من تأخر فوقع به الجمع او الزيادة على الأربع باطل الّا فى أم وبنتها إذا دخل بهما لحرمة المصاهرة وما ذكرنا من الأحاديث وحديث الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه قال قلت يا رسول الله انى أسلمت وتحتى اختان قال اختر أيتهما شئت رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة حجة للجمهور على ابى حنيفة- (مسئلة:) لا يجوز للعبد ان يتزوج اكثر من امرأتين عند الثلاثة وقال مالك وداود وربيعة يتزوج أربعا لشمول هذه الاية الأحرار والعبيد، قلنا المخاطبون بهذه الاية الأحرار دون العبيد بدليل اخر الاية فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إذ لا ملك للعبيد وروى ابن الجوزي فى التحقيق عن عمر رضى الله عنه ينكح العبد امرأتين ويطلق طلقتين وتعتد الامة حيضتين وكذا روى البغوي فى المعالم وزاد فان لم تكن تحيض فشهرين او شهرا ونصفا، قال ابن الجوزي قال الحاكم اجمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العبد لا ينكح اكثر من امرأتين، رواه ابن ابى شيبة والبيهقي- فَإِنْ خِفْتُمْ اى خشيتم ايها الذين تريدون النكاح أَلَّا تَعْدِلُوا بين الأزواج المتعددة فَواحِدَةً اى فانكحوا واحدة وذروا الجمع وقرا ابو جعفر فواحدة بالرفع على انه فاعل فعل محذوف او خبر مبتدا محذوف فتكفيكم واحدة او فالمقنع واحدة أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعنى السراري لانه لا يلزم فيهن من الحقوق ما يلزم فى المنكوحات ولا قسم لهن ولا حصر فى عددهن (مسئلة:) تعليق الاختصار على الواحدة او التسرى بخوف الجور يدل على انه عند القدرة على أداء حقوق الزوجات والعدل بينهن الأفضل الإكثار فى النكاح والنكاح على التائق فرض عين اجماعا ان كان قادرا على النفقة وعلى غير التائق مسنون مستحبّ ما لم يخف الفتنة والتقصير فى أداء الحقوق، عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فان الصوم له «1» وجاء متفق عليه،

_ (1) دق عروق الخصيتين، قاموس 12 منه رح، فى الأصل طليقتين 12-

[سورة النساء (4) : آية 4]

وفى الصحيحين عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنى أصوم وأفطروا تزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى وعن انس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباه وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الولود الودود انى مكاثر بكم الأتقياء يوم القيامة رواه احمد وعن ابى ذرّ ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعكاف بن خالد هل لك من زوجة قال لا قال ولا جارية قال لا قال وأنت موسر بخير قال وانا موسر قال أنت اذن من اخوان الشياطين ان سنتنا النكاح شراركم غرابكم واراذل موتاكم غرابكم اباء الشياطين وقال داود النكاح فرض عين على القادر على الوطي والانفاق تمسّكا بهذه الاية فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ والله اعلم ذلِكَ اى الاقتصار على الواحدة او التسرّى أَدْنى من أَلَّا تَعُولُوا (3) «1» اى ان لا تميلوا يقال عال الميزاب إذا مال وعال الحاكم إذا جار وعول الفريضة الميل عن حدّ السهام المسمات وقال مجاهدان لا تضلوا وقال الفراء ان لا تجاوزوا ما فرض الله عليكم واصل العول المجاوزة ومنه عول الفرائض وقال الشافعي لا يكثر عيالكم وقال البغوي وما قاله أحد وانما يقال من كثرة العيال أعال يعيل إعالة، قال ابو حاتم كان الشافعي اعلم بلسان العرب منا فلعله لغة ويقال هى لغة حمير وقال البيضاوي انه من عال الرجل عياله يعولهم إذا مأنهم فعبّر عن كثرة العيال بكثرة المؤن على الكناية وقرأ طلحة بن مصرف الّا تعيلوا فهى يؤيد قول الشافعي ولعلّ المراد بالعيال الأزواج وان أريد الأولاد فلان التسرى مظنة قلة الولد بالاضافة الى التزوج لجواز العزل فيه كتزوج الواحدة بالاضافة الى تزوج الاربعة،. وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ اى مهورهن سمى صداقا وصدقة قال الكلبي وجماعة هذا خطاب للاولياء اخرج ابن ابى حاتم عن ابى صالح قال كان الرجل إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها فنهاهم عن ذلك فانزل الله تعالى هذه الاية وكذا قال البغوي ان ولى المرأة كان إذا زوّجها فان كانت معهم فى العشيرة لم يعطها من مهرها قليلا ولا كثيرا وان كان زوجها غريبا حملوها اليه على بعير ولم يعطوها من مهرها غير ذلك وقال الحضرمي كان اولياء النساء يعطى هذا أخته على ان يعطيه الاخر أخته ولا مهر بينهما فنهوا عن ذلك وأمروا بتسمية المهر فى العقد ويسمّى هذا النكاح شغارا-

_ (1) أخرج ابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عائشة عن النبي ص أي لا تجوروا. منه رحمه الله.

(مسئلة:) ونكاح الشغار باطل عند مالك واحمد وكذا عند الشافعي ان قال فى صلب العقد ان بضع كل واحدة منهما صداق الاخرى فان لم يقل ذلك بل قال زوجتك ابنتي على ان تزوجنى ابنتك بغير صداق فقال زوّجتك فالنكاح صحيح عند الشافعي ايضا ولزم المهر فيهما خلافا لمالك واحمد وهذا الخلاف مبنى على تفسير الشغار وقال ابو حنيفة العقد ان جائز ان ولزم مهر المثل فيهما على كلا الصورتين ولو قال زوّجتك بنتي على ان تزوجنى نبتك ولم يقل بغير صداق ولم يذكر الصداق فقيل جاز النكاح اتفاقا ولا يكون شغارا ولو زاد قوله على ان يكون بضع بنتي صداقا لبنتك فلم يقبل الاخر بل زوّجه بنته ولم يجعلها صداقا كان النكاح الثاني صحيحا اتفاقا والاوّل صحيحا عند ابى حنيفة دون الائمة الثلاثة احتجوا على بطلان الشغار بحديث ابن عمر رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار والشغار ان يزوّج الرجل ابنته على ان يزوّجه الاخر ابنته وليس بينهما صداق متفق عليه ورواه ايضا اصحاب السنن الاربعة وفى رواية لمسلم لا شغار فى الإسلام وجه الاحتجاج ان النفي رفع لوجوده الشرعي والنهى يقتضى فساد المنهي عنه والفاسد فى النكاح لا يفيد الملك اتفاقا وبالمعقول بان كل بضع يكون فى الشغار صداقا ومنكوحا فيكون مشتركا بين الزوج ومستحق المهر وهو باطل وأجاب الحنفية بان متعلق النهى والنفي مسمّى الشغار والمأخوذ فى مفهومه خلوه عن الصداق، وكون البضع صداقا ونحن قائلون بنفي هذه الماهية وما صدق عليه شرعا فلا نثبت النكاح كذلك بل نبطله فبقى نكاحا سمّى فيه ما لا يصلح مهرا فينعقد موجبا لمهر المثل كالنكاح المسمّى فيه خمرا او خنزيرا فما هو متعلق النهى لم نثبته وما أثبتناه لم يتعلق به النهى بل اقتضت العمومات صحته وقد أبطلنا كونه صداقا فبقى كله منكوحا، وقال جماعة الاية خطاب للازواج أمروا بايتاء نسائهم الصدقات نِحْلَةً قال ابو عبيدة يعنى عطاء من طيب نفس فهو منصوب على المصدرية من أتوا او على الحال من فاعل أتوا او من الصّدقات اى ناحلين او منحولة من الله عليكم اى من خالص ما أعطاه الله لكم لا من مال الغير او من مال الشبهة وقال ابو عبيدة لا يكون النحلة الّا مسمات معلومة وقال قوم عطية وهبة يعنى من الله تعالى، وتفضلا منه عليهنّ فهو منصوب على انه حال من الصدقات، ولمّا كان الصّداق عطية من الله تعالى على النساء ... ...

[سورة النساء (4) : آية 5]

صارت فريضة وحقّا لهنّ على الأزواج ونظرا الى هذا قال قتادة فريضة، وقال ابن جريج فريضة مسماة وقال الزجاج تدينا من قولهم انتحل فلان كذا إذا دان به فعلى هذا مفعول له او حال من الصدقات اى دينا من الله شرعه، فَإِنْ طِبْنَ اى الزوجات لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لمّا كان معنى قوله تعالى وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ أتوا كل واحدة منهن صداقها أفرد الضمير الراجع الى الصداق المفهوم من الكلام يعنى طابت كل واحدة عن شىء من صداقها ولك ان تجعل الضمير راجعا الى صداق ذكر فى ضمن الجمع وقيل الضمير للايتاء نَفْساً تميز عن الاسناد فى طبن يعنى ان طابت انفسهن والمعنى فان وهبن لكم من الصداق شيئا عن طيب انفسهنّ فجعل الله سبحانه العمدة طيب النفس للمبالغة ونقل الفعل من النفوس الى أصحابها وعداه بعن لتضمين معنى التجافي والتجاوز وقال كلمة منه بعثا لهم على الاقتصار على الموهوب وان كان قليلا وترك الطمع فى الكل او الكثير، فَكُلُوهُ اى خذوه يعنى ذلك الشيء الموهوب هَنِيئاً مَرِيئاً (4) اى حلالا بلا تبعة الهنيء الطيب المساغ الذي لا ينغصه شىء وقيل ما يلتذ به الإنسان والمريء محمود العاقبة التام فى الهضم الذي لا يضرّ وهما صفتان من هنى يهنى على وزن ضرب يضرب ومرى يمرى على سمع يسمع أقيمتا مقام مصدريهما، او وصف مصدر محذوف او جعلتا حالا من الضمير قرا ابو جعفر هنيّا مريّا بتشديد الياء فيهما من غير همز وكذلك برىّ وبريّون وبريّا وكهيّة والباقون يهمزونها. وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ «1» يعنى نسائكم وصبيانكم سماهم سفهاء استخفافا لعقولهم كذا قال الضحاك ومجاهد والزهري والكلبي وغيرهم وهو أوفق بقوله تعالى أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً اى ما تقومون بها وتعيشون، قال الضحاك بها يقام الحج والجهاد واعمال البر وبه فكاك الرقاب من النار وقال ابن عبّاس لا تعمد الى مالك الذي خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك وبنيك فيكونوا هم الذين يقومون عليك ثم تنظر الى ما فى أيديهم ولكن امسك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم فى رزقهم وتربيتهم كما قال الله تعالى وَارْزُقُوهُمْ فِيها اى منها

_ (1) اخرج الحاكم وصححه والبيهقي فى الشعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم رجل كانت تحته امراة سيئة الخلق فلم يطلقها ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد ورجل اتى سفيها ماله وقد قال الله تعالى وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ منه رحمه الله

[سورة النساء (4) : آية 6]

وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5) لينا تطيب به أنفسهم وقال سعيد بن جبير وعكرمة ان هذه الاية فى مال اليتيم يكون عندك يقول الله سبحانه لا تؤته إياه وأنفق عليه وانما أضاف الأموال الى الأولياء لانهم قوامها ومدبروها، وهذا التأويل يناسب سوابق هذه الاية ولو أحقها فان الخطاب فيما سبق ولحق للاولياء وانما قال وارزقوهم فيها ولم يقل منها ليدل على ان تجعلوها مكانا لمرزقهم بان تتجروا فيها وتتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فيأكلها الانفاق. وَابْتَلُوا الْيَتامى يعنى اختبروا عقولهم قبل البلوغ بان تدفعوا إليهم قليلا من المال حتى يتصرف فيه ويستبين حاله فان كان رشيدا يظهر رشده اوّل الأمر ففى هذه الاية دليل على جواز اذن الصبى العاقل فى التجارة وبه قال ابو حنيفة رحمه الله وقال الشافعي لا يجوز اذن التجارة للصبى والمراد بالابتلاء ان يكل اليه مقدمات العقد والاول اظهر حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ اى صلاح النكاح والتوالد وذلك فى الغلام بالاحتلام والاحبال والانزال إذا وطى وفى الجارية بالحيض والاحتلام والحبل فان لم يوجد شىء من ذلك فيهما فباستكمال خمس عشرة سنة غلاما كان او جارية عند مالك واحمد والشافعي وابى يوسف ومحمد وهو رواية عن ابى حنيفة وعليه الفتوى والمشهور عن ابى حنيفة باستكمال سبع عشرة فى الجارية وثمان عشرة فى الغلام وفى رواية تسع عشرة فى الغلام، احتج الجمهور بحديث انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود رواه البيهقي فى الخلافيات وسنده ضعيف وفى الصحيحين عن ابن عمر انه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن اربع عشرة سنة فلم يجزه ثم عرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فاجازه وعند احمد الإنبات ايضا علم على البلوغ وقال الشافعي هو علم فى المشركين وفى المسلمين عنه قولان وقال ابو حنيفة لا عبرة به والحجة فى الباب حديث عطية القرظي قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكوا فىّ فامر النبي صلى الله عليه وسلم ان ينظروا هل نبت بعد فنظروا فلم يجدونى أنبت فخلى عنى والحقنى بالسبي رواه اصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم فَإِنْ آنَسْتُمْ اى أبصرتم مِنْهُمْ بعد البلوغ رُشْداً اى هداية فى التصرفات وصلاحا فى المعاملات كذا قال ابو حنيفة ومالك ... ...

واحمد وقال الشافعي صلاحا فى الدين وحفظا للمال وعلما بما يصلحه، روى البيهقي من طريق على بن طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى آنستم منهم رشدا معناه رايتم منهم صلاحا فى دينهم بعد الحلم وحفظا لاموالهم وروى مثله الثوري فى جامعه عن منصور عن مجاهد والبيهقي من طريق يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن الحسن فالفاسق غير رشيد عند الشافعي رشيد عند غيره فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ من غير تأخير عن البلوغ، قوله فادفعوا جزاء لان الشرطية وإذا بلغوا ظرف فيه معنى الشرط متعلق بادفعوا وحتى للابتداء وما قبلها سبب لما بعدها ولا يجوز ان يكون حتى جارة متعلقا بالجملة السّابقة لان إذا لتضمنه معنى فى لا يصلح ان يدخل عليه حتى الجارة فالمعنى وابتلوا اليتامى حتى تدفعوا إليهم أموالهم إذا بلغوا النكاح وآنستم منهم رشدا فالابتلاء سبب للدفع والدفع مشروط بشرطين البلوغ وإيناس الرشد ولذا قال الشافعي ومالك واحمد وابو يوسف ومحمد لا يدفع إليهم أموالهم ابدا ما لم يونس منهم الرشد خلافا لابى حنيفة حيث قال إذا بلغ خمسا وعشرين سنة يدفع اليه ماله لان المنع باعتبار اثر الصبا وهو فى أوائل البلوغ وينقطع بتطاول الزمان فلا يبقى المنع، ولهذا قال ابو حنيفة لو بلغ رشيدا ثم صار سفيها لا يمنع المال عنه لانه ليس بأثر الصبا، قال ابو حنيفة تنكير رشدا فى الاية يفيد التقليل يعنى نوعا من الرشد حتى لا ينتظر به تمام الرشد فاذا بلغ خمسا وعشرين سنة فقد يصير جدا فى هذا السن فلا يخلو عن نوع من الرشد فى التصرفات وان منع المال عنه بطريق التأديب، ولا تأديب بعد هذا ظاهرا او غالبا فلا فائدة فى المنع فلزم الدفع. (مسئلة:) السفيه الذي لا يدفع اليه ماله لا ينفذ تصرّفه القولى فى ماله مطلقا من البيع والاعتاق وغير ذلك عند الشافعي وعند محمد ينفذ ما لا يحتمل الفسخ كالعتق ولا ينفذ ما يحتمله، كالبيع الّا بإذن وليه وعند ابى يوسف واكثر العلماء ينفذ تصرّفاته ما لم يحجر عليه القاضي ويجوز للقاضى حجره فاذا حجره القاضي لا ينفذ بيعه ولا كل تصرّف يؤثر فيه الهزل وينفذ عتقه وعلى العبد ان يسعى فى قيمته عند ابى يوسف ومحمد وعن محمد انه لا يجب السعاية وعند ابى حنيفة لا يجوز للقاضى الحجر على العاقل البالغ لاجل السفه او الدين او الفسق لان فيه اهدار آدميته والحاقه بالبهائم وهو أشد ضررا من التبذير فلا يتحمل الا على لدفع الأدنى ... ...

والحجة للشافعى ومالك واحمد وغيرهم فى حجر السفيه هذه الاية فانها تدل على منع الأموال عن السفيه وهو لا يفيد بدون الحجر لانه يتلف بلسانه ما منع من يده وقال ابو حنيفة منع المال مفيد لان غالب السفه فى الهبات والصدقات وذلك موقوف على اليد إذ لا يتم الهبة الا بالقبض، والحجة لابى حنيفة حديث انس ان رجلا كان فى عقدته ضعف وكان يبايع وان اهله أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله احجر «1» عليه فدعاه نبى الله فنهاه عن البيع فقال يا رسول الله لا اصبر عن البيع فقال إذا بايعت فقل لا خلابة رواه الترمذي واحمد وقال الترمذي هذا حديث صحيح وجه الاحتجاج ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحجر عليه ولم يمنع نهى تحريم وأجيب عنه بان ذلك الرجل لم يكن مبدرا قصدا بل كان يلحقه الخسران فى المبايعة لضعف عقله فامكن تداركه بقوله لا خلابة وكلامنا فى سفيه مبذر مضيع باختياره، قال البغوي والدليل على جواز الحجر اتفاق الصحابة عليه روى الشافعي عن محمد بن الحسن عن ابى يوسف القاضي عن هشام بن عروة عن أبيه ان عبد الله بن جعفر ابتاع أرضا سبخة بستين الف درهم فقال على لاتين عثمان فلا حجرن عليك فاتى ابن جعفر الزبير فاعلمه بذلك فقال الزبير انا شريكك فى بيعك فاتى على عثمان رضى الله عنهم وقال احجر على هذا فقال الزبير انا شريكه فقال عثمان كيف احجر على رجل فى بيع شريكه فيه الزبير، وروى ابو عبيد فى كتاب الأموال بسنده عن ابن سيرين قال قال عثمان لعلى الا تأخذ على يد ابن أخيك يعنى عبد الله بن جعفر وتحجر عليه اشترى سبخة بستين الف درهم ما تسرنى انها لى بنعلي فذكر القصة كما مرّ، قال البغوي فكان ذلك اتفاقا منهم على جواز الحجر حتى احتال الزبير لدفعه. (مسئلة:) إذا بلغ الصغير رشيدا ثم صار سفيها مبذّرا جاز الحجر عليه عند من أجاز الحجر عليه فيما بلغ سفيها كما يدل عليه قصة ابن جعفر رضى الله عنهما والحجة لهم فى جواز حجر المديون حديث كعب بن مالك عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله وباعه؟؟؟ فى دين كان عليه رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي- وروى ابو داود فى المراسيل من حديث عبد الرزاق مرسلا وكذا روى سعيد فى سننه وابن الجوزي من حديث ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك مرسلا قال كان معاذ بن جبل شابا

_ (1) فى الأصل اهجر عليه.

سخيا وكان لا يمسك شيئا فلم يزل يد اين حتى غرق ماله كله فى الدين فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوا لاحد لتركوا لمعاذ من أجل رسول الله فباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله حتى قام معاذ بغير شىء قال عبد الحق المرسل أصح من المتصل وقال ابن الصلاح فى الاحكام هو حديث ثابت وكان ذلك فى سنة تسع من الهجرة وجعل لغرمائه خمسة اسباع حقوقهم فقالوا يا رسول الله بعه لنا قال ليس لكم اليه سبيل وقال ابو حنيفة فى المديون ان القاضي لا يحجر عليه ولا يبيع ماله لانه نوع حجر ولانه تجارة لا عن تراض وقد قال الله تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ولكن يحبسه ابدا حتى يبيعه فى دينه إيفاء لحق الغرماء ودفعا لظلمه والجواب عن قصة معاذ انا لا نسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم باع ماله ولم يرض به معاذ ومحال ان لا يرصى معاذ بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم باع ماله برضاه فهو من باب بيع الوكيل او الفضولي مع الاجازة اللاحقة من المالك وقول الراوي حجر على معاذ ماله واباعه زعم منه زعم بيع ماله حجرا «1» عليه كيف وقد اخرج البيهقي من طريق الواقدي هذا الحديث وزاد ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه بعد ذلك الى اليمن ليجبره وروى الطبراني فى الكبير ان النبي صلى الله عليه وسلم لما حج بعث معاذا الى اليمن وانه أول من تأجر فى مال الله فظهر ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحجر معاذا عن التصرفات، مسئلة: إذا أفلس وفرق ماله وبقي عليه دين وله حرفة تفضل أجرتها عن كفايته قال احمد جاز للحاكم اجازته فى قضاء دينه وعنه لا يؤجره وهو قول غيره من الائمة، احتج احمد بحديث رواه الدارقطني عن زيد بن اسلم قال رايت شيخا بالاسكندرية يقال له سرق فقلت ماذا لاسم قال اسم سمانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن ادعه قلت ولم سماك قال قدمت المدينة وأخبرتهم ان مالى يقدم فبايعونى فاستهلكت أموالهم فاتوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنت سرق وباعني باربعة ابعر فقال الغرماء للذى اشترانى ما تصنع به قال اعتقه قالوا فلسنا بأزهد فى الاجر منك فاعتقونى بينهم وبقي اسمى قال ابن الجوزي قد علم انه لم يبع رقبته لانه حر وانما باع منافعه والمعنى أعتقوني من الاستخدام قلت لا وجه لحمل هذا الحديث على الاجارة لانه اجارة على عمل مجهول فالحديث متروك بالإجماع،

_ (1) فى الأصل بيع ماله عليه مجرا عليه

وكان لرسول الله ولاية التصرف فى الناس ما ليس لغيره وروى مسلم عن ابى سعيد أصيب رجل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال تصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال خذوا ما وجدتم وليس لكم الّا ذلك فهذا الحديث صريح انه لا سبيل الى المديون الّا فى استيفاء ديونهم من ماله والله اعلم، وَلا تَأْكُلُوها يعنى اموال اليتامى يا معشر الأولياء إِسْرافاً فى القاموس السرف محركة ضدّ القصد وفى الصحاح السرف تجاوز الحد فى كل فعل يفعله الإنسان قال الله تعالى فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ وقال يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لكن ذلك فى الانفاق أشهر، فيقال تارة باعتبار القدر يعنى الكثرة كما فى قوله تعالى كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا وتارة باعتبار الكيفية ولهذا قال سفيان ما أنفقت فى غير طاعة الله فهو سرف وان كان قليلا قال الله تعالى أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ، قلت فاكل مال اليتيم وان كان قليلا فهو إسراف ان كان الولي غنيا وان كان فقيرا فالتجاوز عن المعروف إسراف وافراط وَبِداراً اى مبادرة أَنْ يَكْبَرُوا فياخذوا منكم أموالهم فاسرا فاو بدارا مصدر ان فى موضع الحال وان يكبروا فى موضع المصدر منصوب المحل ببدارا يعنى لا تأكلوا مسرفين ومبادرين كبرهم ويجوز ان يكونا مفعولى «1» لهما اى لاسرافكم ومبادرتكم فى الاكل وجاز ان يكون ان يكبروا منصوب المحل على انه مفعول له للمبادرة اى لمبادرتكم لاجل مخافة ان يكبروا فيأخذوا من ايديكم وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ اى ليمتنع من مال اليتيم فلا يأخذ منه قليلا ولا كثيرا استعف ابلغ من عف كانه طلب زيادة العفة، وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى لفقير ليس لى شىء ولى يتيم فقال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متاثل رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة وعن ابن عباس ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان فى حجرى يتيما أفآكل من ماله قال بالمعروف غير متاثل مالا منه ولا واق مالك بماله رواه الثعلبي والمراد اجرة عمله بقدر قيامه وهو قول عائشة وبه نأخذ وقال عطاء وعكرمة يأكل باطراف أصابعه ولا يسرف

_ (1) فى الأصل مفعولا لهما

[سورة النساء (4) : آية 7]

ولا يكتسى منه وقال النخعي لا يلبس الكتان ولا الحلل ولكن ما سد الجوعة ووارى العورة ولا قضاء فى هذه الأقوال كلها وقال الحسن وجماعة يأكل من تمر نخيله ولبن مواشيه بالمعروف ولا قضاء عليه وامّا الفضة والذهب فلا فان أخذ فعليه رده وقال الكلبي المعروف ركوب الدابة وخدمة الخادم وليس له ان يأكل من ماله شيئا وروى البغوي بسنده عن القاسم ابن محمد انه جاء رجل الى ابن عباس فقال ان لى يتيما وان له ابلا افاشرب من لبن ابله فقال ان كنت تبغى ضالة ابله وتهنا جرباها وتلط حوضها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك فى الحلب وقال الشعبي لا يأكل الا ان يضطر اليه كما يضطر الى الميتة وقال قوم المعروف القرض اى يستقرض من مال اليتيم إذا احتاج اليه فاذا أيسر قضاه وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير وقال عمر بن الخطاب انى أنزلت نفسى من مال الله بمنزلة ولى اليتيم ان استغنيت استعففت وان افتقرت أكلت بالمعروف فاذا أيسرت قضيت فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ بعد بلوغهم وإيناس رشد منهم فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ هذا امر ارشاد وليس بواجب والاولى الاشهاد لدفع التهمة وانقطاع الخصومة واحتج الشافعي ومالك بهذه الاية على ان القيم لا يصدق فى دعواه بالدفع الا بالبينة وقال ابو حنيفة إذا لم يكن له بينة يصدق مع اليمين لانه أمين ينكر الضمان عليه ويدل على ذلك قوله تعالى وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) اى محاسبا ومجازيا وشاهدا لا حاجة الى شاهد غيره بل يصدق الولي مع اليمين ويفوض امره الى الله تعالى والباء زائدة على فاعل الفعل، اخرج ابو الشيخ ابن حبان فى كتاب الفرائض من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال كان اهل الجاهلية لا يورثون النبات ولا الصغار من الذكور حتى يدركوا فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك ابنتين وابنا صغيرا فجاء ابنا عمه خالد وعرفطة وهما عصبتاه فأخذا ميراثه كله فاتت امرأته رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال ما أدرى ما أقول فنزلت. لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ اى المتوارثون بالقرابة ولم يقل للنساء نصيب منه اهتماما لشأنهن مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ بدل من قوله ممّا ترك باعادة العامل وفائدته التوبيخ على عدم مبالاتهم فى القليل نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) ... ...

نصب على انه مصدر مؤكد كقوله فريضة من الله، او حال من فاعل الظرف إذا المعنى ثبت لهم نصيب حال كونه مفروضا اى مقطوعا والحال فى الحقيقة قوله مفروضا لكن بحسب الظاهر جعل الحال نصيبا ومفروضا صفة له ويسمى الحال موطئة لانه مقدمة لذكر ما هو الحال حقيقة او على اختصاص بمعنى اعنى نصيبا مقطوعا واجبا لهم لا يجوز لاحد التبديل فيه، وفيه دليل على ان الوارث لو اعرض عن نصيبه او ابرا عنه لا يسقط حقه وفى الاية إجمال من وجهين أحدهما فى تعيين النصيب وثانيهما فى المراد بالاقرب وكلا الامرين ورد بيانهما من الشرع وذكر الوالدين مع دخولهما فى الأقربين اهتماما لشانهما ولانّ سبب النزول ميراث الوالد وذكر البغوي ان أوس بن ثابت الأنصاري توفى وترك امراة يقال لها أم كحة وثلث بنات له منها فقام رجلان هما ابنا عمّ الميت واوصياه «1» سويد وعرفجة فاخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا وكانوا فى الجاهلية لا يرثون النساء ولا الصغار وان كان الصغير ذكرا انما كانوا يورثون الرجال ويقولون لا نعطى الا من قاتل وحاز الغنيمة فجاءت أم كحة فقالت يا رسول الله ان أوس بن ثابت مات وترك على بنات وانا امرأته وليس عندى ما أنفقه عليهن وقد ترك أبوهن مالا حسنا وهو عند سويد وعرفجة ولم يعطيانى ولا بناتي شيئا وهن فى حجرى لا يطعمن ولا يسقين فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله ولدها لا يركب فرسا ولا يحمل كلا ولا ينكأ عدوا فانزل الله هذه الآية فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى سويد وعرفجة لا تفرقا من مال أوس بن ثابت شيئا فان الله جعل لبناته نصيبا ممّا ترك ولم يبيّن كم هو حتى انظر ما ينزل فيهنّ فانزل الله تعالى يوصيكم الله فى أولادكم فلما نزلت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى سويد وعرفجة ان ادفعا الى أم كحة الثمن والى بناته الثلثين ولكما باقى المال، قلت ولما نزل عقيبه يوصيكم الله لم يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة والله اعلم، قال سعد وقع فى الكتب المعتبرة والروايات الصحيحة أوس بن ثابت وهو أخو حسان بن ثابت استشهد بأحد قال الشيخ جلال الدين السيوطي وفيه نظر لانه كان أخا حسان ولم يكن لبنى العم مع الأخ سبيل ونقله ابن حجر فى الاصابة عن ابن مندة وخطّاه بانه ليس أحد من

_ (1) فى الأصل ووصياه

[سورة النساء (4) : آية 8]

اخوته أوس ولا من بنى أعمامه عرفطة ولا خالدا ثم ذكر الشيخ السيوطي ان جماعة من الصحابة يسمى اوسا مع اختلاف اسماء ابائهم فلعل الذي نزل فيه الاية أحد هؤلاء والله اعلم. وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ اى قسمة المواريث أُولُوا الْقُرْبى غير الأقربين الذين لا يرثون وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ اى شيئا مما ترك او مما يقسم تصدقا عليهم قال الحسن كانوا يعطون التابوت والأواني ورث الثياب والمتاع والشيء الذي يستحيى من قسمته وقال سعيد بن جبير والضحاك هذه الاية منسوخة باية يوصيكم الله وقال ابن عباس والشعبي والنخعي والزهري ومجاهد وجماعة انها محكمة قال قتادة عن يحيى بن يعمر ثلث آيات محكمات مدنيات تركهن الناس هذه الاية واية الاستيذان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى الاية فقيل الأمر للوجوب حق واجب فى اموال الصغار والكبار فان كان الورثة كبارا تولوا اعطاءهم وان كانوا صغارا اعطى وليهم وروى محمد بن سيرين ان عبيدة السلماني قسم اموال أيتام فامر بشاة فذبحت فصنع طعاما لاهل هذه الاية وقال لولا هذه الاية لكان هذا من مالى والصحيح انه امر ندب قال ابن عباس ان كانت الورثة كبار ارضحوا لهم ويستقلوا ما يعطوا ولا يمنّوا عليهم وان كانوا صغارا اعتذر الولي او الوصي إليهم فيقول انى لا املك هذا المال انما هو للصغار ولو كان لى منه شىء أعطيتكم وان يكبروا فسيعرفون حقوقكم وهذا القول هو المعنى من قوله تعالى وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (8) . وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ الضياع، الظاهر ان الأمر للاقوياء من الورثة وهذه الاية متصلة بقوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ الاية وقوله تعالى وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ الاية يعنى ليعطى الأقوياء أنصباء النساء والضعفاء من الورثة وليرضحوا من التركة غير الورثة من الضعفاء والفقراء والمساكين وليخشوا على أولاء الضعفاء الضياع كما لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم الضياع واشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم او المعنى ليخشوا الله فى تضييع ضعفاء الورثة كانه تنازع الفعلان ليخش وليتقوا فى قوله تعالى فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ فى اسم الله تعالى واعمل الثاني كما هو مذهب البصريين وحذف من الاول ولو ... ...

[سورة النساء (4) : آية 10]

اعمل الاوّل لقيل فليتقوه، أمرهم بالتقوى الذي هو غاية الخشيه بعد ما أمرهم بها مراعاة للمبدا والمنتهى وقال الكلبي هذا امر للاوصياء والأولياء بان يخشوا الله ويتقوه فى امر اليتامى ويحسنوا إليهم ويفعلوا بهم ما يحبون ان يفعل بذراريهم الضعاف متصل بقوله تعالى وابتلوا اليتامى ويكون قوله للرّجال نصيب الى هنا جملا معترضات وفائدته ان ولاية اليتامى وابتلاءهم وقسمة التركة انما يتصوّر بعد دفع ما تقرر فى الجاهلية ان لا ميراث للضعفاء انما هو لمن يحارب وجاز ان يكون امرا للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين متصوّرين انهم لو كانوا أولادهم وبقوا خلفهم ضعافا هل يجوّزوا حرمانهم، وقيل هذه الاية فى الرجل يحضره الموت فيقول من بحضرته ان أولادك وورثتك لا يغنون عنك شيئا أعتق واعط فلانا كذا وفلانا كذا حتى يأتى على عامة ماله فهو امر للحاضرين المريض عند الإيصاء بان يخشوا ربهم او يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم فلا يتركوه ان يضرّبهم ويصرف المال عنهم، او امر للموصين بان ينظروا للورثة الضعاف الذين خافوا عليهم الضياع ولا يسرفوا فى الوصية ولا يزيدوا فى الوصية على الثلث كيلا تحجف لورثته وجواب لو خافوا ولو مع ما فى حيزه صلة للذين وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (9) يعنى يقول الاترياء من الورثة ضعفاءهم بالشفقة وحسن الأدب او الأولياء لليتامى قولا حسنا شفقة كما يقولون لاولادهم بالشفقة او الحاضرون الوصية يأمروا الموصى بالتصدق دون الثلث او الحاضرون القسمة اعتذروا الى الفقراء او الموصى يقول فى الوصية قولا حسنا فيوصى بما دون الثلث ويراعى فى الوصية حسن النية مع الإخلاص لله تعالى، قال البغوي قال مقاتل بن حبان لما أكل مرثد بن زيد رجل من غطفان مال ابن أخيه وهو يتيم صغير نزلت. إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً مصدرا وحال اى أكلا ظلما او ظالمين إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ما يجر الى النار ويؤل اليه، فى الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم رايت ليلة اسرى بي قوما لهم مشافر كمشافر الإبل أحدهما قارصة على منخريه والاخرى على بطنه وخزنة جهنم يلقمونهم جمر جهنم وصخرها فقلت يا جبرئيل من هؤلاء قال الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما رواه ابن جرير ... ...

[سورة النساء (4) : آية 11]

وابن ابى حاتم من حديث ابى سعيد الخدري اخرج ابن ابى شيبة فى مسنده وابن ابى حاتم فى تفسيره وابن ابى حبان فى صحيحه عن ابى بردة انه صلى الله عليه وسلم قال يبعث الله قوما من قبورهم يتاجج أفواههم نارا فقيل من هم فقال الم تر ان الله يقول إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) قرا الجمهور بفتح الياء اى يدخلونه وابن عامر وابو بكر بضم الياء اى يدخلون النّار ويحرقون والسعير فعيل بمعنى المفعول من سعرت النار إذا لهبتها اخرج الائمة الستة عن جابر بن عبد الله قال عادنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر فى بنى سلمة فوجدنى النبي صلى الله عليه وسلم لا اعقل شيئا فدعا بماء فتوضأ ثم رش عليّ فافقت فقلت ما تأمرنى ان اصنع فى مالى فنزلت يوصيكم الله الاية واخرج احمد وابو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم عن جابر قال جاءت امراة سعد بن الربيع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هاتان بنتا سعد بن الربيع قتل معك فى أحد شهيدا وان عمتهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان الّا ولهما مال فقال يقضى الله فى ذلك فنزلت اية الميراث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى عمّهما فقال أعط لا بنتي سعد الثلثين واعظ امّهما الثمن وما بقي فهو لك قال الحافظ تمسّك من قال ان الاية نزلت فى قصة ابنتي سعد ولم تنزل فى قصّة جابر خصوصا بان جابرا لم يكن له يومئذ ولد قال والجواب انها نزلت فى الامرين معا ويحتمل ان يكون نزول اوّلها فى قصّة ابنتي سعد وآخرها وهو قوله وان كان رجل يورث كللة المتصل بهذه الاية فى قصّة جابر ويكون مراد جابر بقوله فنزلت. يُوصِيكُمُ اللَّهُ إلخ الاية المتصلة بها وروى له سبب ثالث اخرج ابن جرير عن السدى قال كان اهل الجاهلية لا يورّثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان لا يرث الرجل من ولده الّا من أطاق القتال فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امراة يقال لها أم كحة وخمس بنات فجاءت الورثة يأخذون ماله فشكت أم كحة ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله هذه الاية فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ثم قال فى أم كحة وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ الاية وقد ورد فى قصة سعد بن الربيع وجه اخر اخرج القاضي إسماعيل ... ...

فى احكام القران من طريق عبد الملك بن محمد بن حزم ان عمرة بنت حرام كانت تحت سعد بن الربيع فقتل عنها بأحد وكان له منها ابنة فاتت النبي صلى الله عليه وسلم لطلب ميراث ابنتها ففيها نزلت يُوصِيكُمُ اللَّهُ يأمركم ويعهد إليكم فِي شأن ميراث أَوْلادِكُمْ وجاز ان يكون فى بمعنى اللام كما فى قوله عليه السّلام دخلت امراة النار فى هرة وهذا إجمال تفصيله لِلذَّكَرِ منهم مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ منهم إذا اجتمع الصنفان يعنى ان كان مع الأنثيين او اكثر ذكر واحدا واكثر يعطى لكل واحد منهم مثل حظ الثنتين منهن ويعلم بدلالة النص انه ان كان ذكر واحد او اكثر مع واحدة أنثى يعطى للانثى نصف حظ ذكر واحد ووجه تخصيص التنصيص على حظ الذكر تفضيله والتنبيه على ان التضعيف كاف للتفضيل فلا يحر منّ بالكلية وقد اشتركا فى الجهة، هذا حكمهم عند اجتماع الصنفين وان كان الأولاد صنفا واحدا أنثى فقط فَإِنْ كُنَّ اى الأولاد وانث الضمير باعتبار الخبر او الضمير راجع الى بنات مذكورات فى ضمن الأولاد نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ خبر ثان او صفة نساء يعنى زائدة على ثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ الميت منكم وَإِنْ كانَتْ المولودة المذكورة فى ضمن الأولاد واحِدَةً قرا نافع بالرفع على ان كانت تامّة والباقون بالنصب على الخبرية فَلَهَا النِّصْفُ ولم يذكر فى الاية حكم الأنثيين فقال ابن عباس حكمهما حكم الواحدة لانه الأقل المتيقن من النصيبين المذكورين والصحيح ان لهما الثلثان وعليه انعقد الإجماع فقيل لفظ فوق زائدة كما فى قوله تعالى فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ ويؤيده من السنة ما ذكرنا من قصّة سعد بن الربيع ونزول الاية فيهما وقيل ثبت حكمهما بالقياس على الأختين فان الله سبحانه جعل لاخت واحدة النصف كما جعل لبنت واحدة وجعل للاخوة والأخوات المختلطين للذكر مثل حظّ الأنثيين كما جعل للاولاد المختلطين هكذا وجعل للاختين الثلثان فكذا للبنتين فثبت بالسنة والإجماع ان حكم ما فوق الثنتين من الأخوات كحكم الثنتين منهما الثابت بالنصّ وحكم البنتين كحكم ما فوقهما الثابت بالنص ولا وجه لالحاق الثنتين منهما بالواحدة ولان البنت لمّا كان حظها مع ابن واحد ذكر الثلث لا ينقص منه ابدا فمع بنت واحدة غيرها اولى ان لا ينقص حظها من الثلث والله اعلم والسكوت عن حكم الذكر إذا لم يكن معه أنثى يدل على ... ...

ان المال كله له لانه اولى بالميراث من الأنثى فلا جائز حرمانه ولو كان له بعض المال لم يجز السكوت عن بيانه وقت الحاجة ولا يرث معه غيره بالعصبية لانه اقرب العصبات فلا يترك شيئا لغيره ولانه جعل الله سبحانه للذكر مثل حظ الأنثيين وقد جعل للانثى عند الانفراد النصف فللذكر عند الانفراد ضعف النصف وهو الكل وإذا كان للولد الذكر عند الانفراد جميع المال يحجب مع ولد ذكر صلبى أولاد الابن ذكورا كان او إناثا او مختلطين بالإجماع (مسئلة) اجمعوا على ان أولاد الابن لهم حكم أولاد الصلب عند عدم الولد فللذكور او ذكر منفرد منهم جميع المال ولواحدة منفردة من الإناث النصف وللاكثر منها منفردات الثلثان وللذكر مثل حظ الأنثيين عند الاختلاط ولهم عند الاختلاط مع واحدة صلبية او اكثر ما بقي منها او منهن للذكر مثل حظ الأنثيين كذا روى الطحاوي عن عائشة انها أشركت بين بنات ابن وبنى ابن مع بنتين وبين الاخوة والأخوات لاب مع أختين لاب وأم فيما بقي ولذكر واحدا واكثر مع بنت او بنات جميع ما بقي منهن لقوله عليه السلام الحقوا الفرائض باهلها فما أبقت الفرائض فلا ولى رجل ذكر متفق عليه من حديث ابن عباس ولبنت ابن واحدة او اكثر منفردات مع واحدة صلبية السدس تكملة للثلثين لما رواه البخاري عن الهذيل بن شرحبيل قال جاء رجل الى ابى موسى وسلمان بن ربيعة فسالهما عن رجل مات عن ابنة وابنة ابن واخت لاب وأم فقالا للبنت النصف وللاخت النصف وائت ابن مسعود فانه سيتابعنا فاتى ابن مسعود فقال قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ساقضى فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة للثلثين وما بقي فللاخت فاتينا أبا موسى فاخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسئلونى ما دام هذا الحبر فيكم ولا يرثن مع الصلبيتين لاحرازهما تمام الثلثين الا ان يكون بحذائهن او أسفل منهن غلام فيعصبهن، وَلِأَبَوَيْهِ اى أبوي الميت منكم لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا بدل من لابويه بتكرير العامل وفائدته دفع توهم اشتراكهما فى السدس والتفصيل بعد الإجمال تأكيدا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ الميت إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ذكر او أنثى صلبى او ولد ابن غير ان الأب يأخذ السدس ... ...

مع أنثى عند عدم ولد ذكر بالفرض وما بقي من ذوى الفروض بالعصوبة لانه اولى رجل ذكر بعد الأبناء وأبناء الابن فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ صلبى ولا ولد ابن وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ يعنى ثلث جميع المال ان لم يكن معهما وارث صاحب فرض غيرهما وثلث ما بقي بعد فرض أحد الزوجين ان كان معهما أحد الزوجين ولا يتصور معهما غير الزوجين لان الاخوة والأخوات والجد لا يرثون مع الأب والجدة مع الام والمفروض عدم الولد، او المعنى وورثه أبواه فقط فلامه الثلث مما ترك بقرينة تقيد السدس به فعلى هذا يعرف ميراثهما مع أحد الزوجين بالمقايسة فكما كان للام نصف ما للاب عند عدم غيرهما تضعيفا للذكر على الأنثى مع اتحاد القرابة يعنى ثلث الكل والثلثان فكذا مع غيرهما يعنى ثلث ما بقي والثلثان عن ابن مسعود قال كان عمر بن الخطاب إذا سلك طريقا فاتبعناه وجدنا سهلا وانه سئل عن امراة وأبوين فقال للمرءة الربع وللام الثلاث ما بقي وما بقي فللاب وبه قال زيد بن ثابت ان للام ثلث ما بقي بعد فرض أحد الزوجين فى مسئلة زوج وأبوين ومسئلة زوجة وأبوين وعليه انعقد الإجماع ولو كان مكان الأب الجد فلها ثلث الكل وروى البيهقي من طريق عكرمة قول ابن عباس ان للام فى المسألتين ثلث الكل وبه قال شريح ووافقه ابن سيرين فى زوجة وأبوين وخالفه فى زوج وأبوين روى البيهقي عن النخعي انه قال خالف ابن عباس جميع اهل الفرائض فى ذلك والسكوت عن حكم الأب بعد قوله وورثه أبواه يدل على ان الباقي يعنى الثلثين للاب لانه اولى بالميراث من الام فلا جائز حرمانه وقد نبّه على ميراثه بقوله ورثه ولو كان له بعض المال لم يجز السكوت عن بيانه ولا يرث معه غيره بالعصبية لانه اقرب العصبات عند عدم الولد فلا يترك لغيره شيئا وهذه الاية تدل على انه لو ورثته «1» امه فقط بدون الأب يكون لها الثلث بالطريق الاولى ولا دليل على الزيادة فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ لاب او لام أولهما والمراد بالاخوة ما فوق الواحد اجماعا سواء كانوا ذكورا او إناثا او مختلطين وكذا المراد بكل جمع وقع فى باب الفرائض والوصايا اجماعا وقال ابن عباس لا يحجب الام من الثلث ما دون الثلاثة روى الحاكم وصححه ان ابن عباس دخل على عثمان فقال له محتجا بانه كيف ترد الام الى السدس بالأخوين وليسا باخوة فقال عثمان لا أستطيع ردّ شىء كان قبلى ومضى فى البلدان

_ (1) فى الأصل لو ورثه-

وتوارث عليه الناس فاحتج عثمان بالإجماع وأجاب زيد بن ثابت بجواب اخر قالوا يا أبا سعيد ان الله يقول فان كان له اخوة وأنت تحجبها باخوين فقال ان العرب يسمى الأخوين اخوة- فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وهذه الاية تدل بالمفهوم المخالف وما قبله بالمفهوم الموافق ان للام مع أخ او اخت واحدة الثلث فانه إذا كان لها مع الأب الثلث فلها مع الأخ او الاخت الثلث بالطريق الاولى قرا حمزة والكسائي فلامّه فى الموضعين هاهنا وفى القصص فى امّها وفى الزخرف فى امّ الكتب فى الوصل فقط بكسر الهمزة اتباعا للكسرة التي قبلها والباقون بضمها على الأصل وإذا أضيف الام الى جمع ووليت همزته كسرة وجملته اربعة مواضع فى النحل من بطون امّهاتكم وكذا فى النور والزمر والنجم فحمزة يكسر الهمزة والميم فى الوصل والكسائي يكسر الهمزة فى الوصل ويفتح الميم والباقون يضمون الهمزة ويفتحون الميم فى الحالين- (مسئلة) اجمعوا على ان الاخوة والأخوات يحجبن الام من الثلث الى السدس وان كانوا محجوبين بالأب وعن ابن عباس انهم يأخذون السدس الذي حجبوا عنه الام خلافا للجمهور (مسئلة) الجد الصحيح اعنى اب الأب وان علاله حكم الأب عند عدم الأب ولا شىء لاب الام لانه لا يصلح ان يكون مكان الأب لانه ليس من جهته ولا مكان الام لانه ليس من جنسه ويسمّى جدا فاسدا فالجد الصحيح عصبة عند عدم الولد وله السدس مع ولد ذكر والسدس والتعصيب مع ولد أنثى وخالف حكمه حكم الأب فى انه لا يرد الام من الثلث الى السدس او الربع مع أحد الزوجين اجماعا واختلفوا فى انه هل يحجب الاخوة كالاب أم لا فقال ابو حنيفة يحجبهم كلهم سواء كانوا من الأب او الام او منهما وهو المروي عن ابى بكر وكثير من الصحابة وقال مالك والشافعي واحمد وابو يوسف «1» ومحمد لا يحجب الاخوة والأخوات ان كانوا من الأبوين او من الأب ويحجبهم ان كانوا من الام قال ابن الجوزي محتجا بعدم حجبهم ان التوريث بالاخوة منصوص عليه فى القرآن فلا يثبت حجبهم الا بنصّ قلنا لو كان كذلك فلم قلتم يحجب أولاد الام مع الجدّ وهم منصوص توريثهم فى القران وايضا تقولون بان ابن الابن يحجب الاخوة كلهم لقيامه مقام الابن فلم لا تقولون بحجبهم بالجد لقيامه مقام الأب ولنا قوله صلى الله عليه وسلم الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فهو لاولى رجل ذكر ولا شك ان الجد اولى من الأخ لانه

_ (1) فى الأصل ابى يوسف-

اصل الميت دون الأخ ولنا ايضا انه إذا اجتمع الجد مع الاخوة فلا وجه للمقاسمة لاختلاف جهة قرابتهم ولا يسقط الجد بالاخوة اجماعا حيث لم يذهب اليه أحد فيسقط الاخوة بالجد فان قيل قال الشيخ ابن حجر فيه نظر لان ابن حزم حكى أقوالا ان الاخوة تقدم على الجد فاين الإجماع قلنا بعد انقراض اهل تلك الأقوال اجتمع الامة على أحد القولين اما إسقاط الاخوة او المقاسمة فثبت الإجماع ومذهبهم مروى عن زيد بن ثابت وحكم الجد مع الاخوة عندهم سواء كانت الاخوة لابوين او لاب ان للجد أفضل الامرين من المقاسمة وثلث جميع المال ان لم يكن معهم ذو فرض اخر وتفسير المقاسمة ان يجعل الجد فى القسمة كاحد الاخوة وبنو العلات يدخلون فى القسمة مع بنى الأعيان إضرارا للجد فاذا أخذ الجد نصيبه فبنوا لعلات يخرجون من البين خائبين بغير شىء والباقي لبنى الأعيان للذكر مثل حظ الأنثيين وإذا كانت من بنى الأعيان اخت واحدة أخذت فرضها نصف الكل بعد نصيب الجد فان بقي شىء فلبنى العلات للذكر مثل حظ الأنثيين والّا فلا شىء لهم كحد واخت لابوين وأختين لاب فبقى للاختين عشر المال وتصح من عشرين ولو كانت فى هذه المسألة اخت لاب لم يبق لها شىء وإذا كان مع الجدّ والاخوة ذو فرض غيرهم فللجد حينئذ أفضل الأمور الثلاثة اما سدس جميع المال كجدّ وجدّة وبنت وأخوين فقد لا يبقى شىء كبنتين وامّ وزوج فيفرض للجدّ سدس ويزاد فى العول وقد يبقى دون السدس كبنتين وزوج فيفرض للجد سدس وتعال وقد يبقى سدس كبنتين وأم فيفوز له الجدّ ويسقط الاخوة فى هذه الصور الثلث وامّا ثلاث الباقي بعد سهم ذوى الفروض غيرهم كجدّ وجدة وأخوين واخت وامّا المقاسمة كزوج وجدّ وأخ ولا يكون الاخت لابوين او لاب صاحبة فرض مع الجد عندهم الّا فى الاكدرية وهى زوج وأم وجدّ واخت فللزوج النصف وللام الثلث وللجد السدس وللاخت النصف فتعول الستة الى تسعة ثم يضم الجد نصيبه اعنى التسع الى نصيب الاخت اعنى الثلث فيقسمان أثلاثا لان المقاسمة خير للجدّ وتصح المسألة من سبع وعشرين تسعة للزوج وستة للام وثمانية للجد واربعة للاخت وسميت المسألة أكدرية لانها واقعة امراة من بنى أكدر ولو كان مكان الاخت أخ او اختان فلا عول ولا أكدرية وحينئذ لا شىء للاخوة (فائدة) وقع فى الصحابة فى مسئلة الجد مع الاخوة اختلافا كثيرا روى البيهقي عن الشعبي ان الحجاج ساله عن أم واخت وجدّ فقال اختلف فيها خمسة من ... ...

اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وعلى وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس قال فما قال فيها عثمان قلت جعلها أثلاثا قال فما قال فيها ابو تراب قلت جعلها من ستة أسهم للاخت ثلاثة وللام سهمين وللجد سهما قال فما قال ابن مسعود قلت جعلها من ستة للاخت ثلاثة وللجد سهمين وللام سهما قال فما قال فيها زيد بن ثابت قلت جعلها من تسعة اعطى الاخت الثلاثة والجد اربعة والام سهمين وروى البيهقي من طريق ابراهيم النخعي قال كان عمر وعبد الله لا يفضلان أخا على جدّ وروى ابن حزم من طريقه عن عمر للاخت النصف وللام السدس وللجد ما بقي وما ذهب اليه ابو حنيفة من قول ابى بكر أوفق بالنص والقياس. (مسئلة) الجدة الصحيحة عند ابى حنيفة من لم يدخل فى نسبته الى الميّت جد فاسد ترث الجدات الصحيحات عنده وان كثرن ان كن متحاذيات غير ساقطات وقال مالك وداود لا ترث من الجدات الا اثنان أم الأب وأمهاتها وأم الام وأمهاتها والقربى منهما تحجب البعدى وهو أحد قولى الشافعي وقال احمد وهو الراجح المشهور من قولى الشافعي انه ترث منهن ثلاثا أم امّه وأم أبيه وأم جدّه وحظهن من التركة واحدة كانت او اكثر السدس اجماعا وإذا كانت جدة ذات قرابة واحدة كام أم الأب والاخرى ذات قرابتين كام أم الام وهى ايضا أم اب الأب يقسم السدس بينهما عند ابى يوسف أنصافا باعتبار الأبدان وعند محمد أثلاثا باعتبار الجهات وفى الباب حديث قبيصة بن ذويب قال جاءت الجدة الى ابى بكر تطلب ميراثها فقال لها مالك فى كتاب الله شىء ومالك فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شىء فارجعى حتى اسئل الناس فسال فقال المغيرة بن شعبة حضرت جدة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال ابو بكر هل معك غيرك فقال محمد بن مسلمة مثل ما قال المغيرة فانفذ لها ابو بكر ثم جاءت الجدة الاخرى الى عمر تسئله ميراثها فقال هو ذلك السدس فان اجتمعتما فهو بينكما وأيهما خلت به فهو لها رواه مالك واحمد والترمذي وابو داؤد والدارمي وابن ماجة وروى ابن وهب ان الجدّة التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم هى أم الام وهى التي جاءت الى ابى بكر والتي جاءت الى عمر هى أم الأب فسال الناس فلم يجد أحدا يخبره بشىء فقال غلام من بنى حارثة لم لا تورثها يا امير المؤمنين وهى لو تركت الدنيا وما فيها لورثها فورثها عمر ... ...

وفى المؤطا وسنن البيهقي ان الجدتين جاءتا الى ابى بكر فاراد ان يجعل السدس للتى من قبل الام فقال له رجل من الأنصار مالك تترك التي لو ماتت وهو حى كان إياه ترث فجعل ابو بكر السدس بينهما رواه الدارقطني من طريق ابن عيينة وبين ان الأنصاري هو عبد الرحمن بن سهل ابن حارثة قالوا أم الام أتيحت مقام الام فاعطى اقل حصّتها وأم الأب أعطيت قياسا على أم الام لانها أم أحد الأبوين والحجة لابى حنيفة ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى السدس ثلاث جدات ثنتان من قبل الام وواحدة من قبل الأب رواه الدارقطني بسند مرسل وابو داؤد فى المراسيل بسند اخر عن ابراهيم النخعي والدارقطني والبيهقي من مرسل الحسن وذكر البيهقي عن محمد بن نصر انه نقل اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك الا ما روى عن سعد بن ابى وقاص انه أنكر ذلك ولا يصح اسناده عنه- (مسئلة) الام تحجب الجدات كلّها لحديث بريدة ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم رواه ابو داود والنسائي وفى اسناده عبيد الله العتكي مختلف فيه وصححه ابن السكن- (مسئلة) الأب يحجب الجدات الابويات فقط عند الثلاثة خلافا لاحمد فى أحد قوليه وعنه مثل قول الجماعة احتج احمد بحديث ابن مسعود قال فى الجدة مع ابنها انها اوّل جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسا مع ابنها وابنها حى رواه الترمذي والدارمي قلنا ضعّفه الترمذي والحجة للجمهور ان الأقرب تحجب الأبعد والله اعلم، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ متعلق من حيث اللفظ بالظرف المستقر فى قوله تعالى فلامّه السّدس ومن حيث المعنى على سبيل التنازع لكل ظرف من الظروف المستقرة فى الجمل السابقة من قوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ... فَلَهَا النِّصْفُ ... ، لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ... ، فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فيقدر فى جميع ما تقدم اى هذه الأنصباء لهؤلاء الورثة من ما بقي من بعد إنفاذ وصية يُوصِي بِها قرا ابن كثير وابن عامر وابو بكر بفتح الصاد على البناء للمفعول والباقون بالكسر لانه جرى ذكر الميت من قبل ورجع اليه الضمائر ان كان ثمه وصية أَوْ من بعد أداء دَيْنٍ ان كان على الميت وانما قال باو دون الواو للدلالة على ان كل واحد ... ...

منهما مقدّم على الميراث سواء كان معه اخر اولا وقدم الوصية على الذين وهى متاخرة عن الدين فى الحكم لانه مندوب إليها الجميع والدين لكونه مانعا من المغفرة الظاهر باقتضاء السنة الاسلامية ان يكون على الندرة عن ابى قتادة قال رجل يا رسول الله أرايت ان قتلت فى سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر يكفر الله عنى خطاياى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الا الدين كذلك قال جبرئيل رواه مسلم وعن عبد الله بن عمر وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يغفر للشهيد كل ذنب الا الدّين رواه مسلم (مسئلة) اجمعوا على انه اوّل حق يتعلق بالتركة تجهيز الميت ثم يؤدى ديونه من جميع ماله ثم ينفذ وصاياه من ثلث ما بقي من التركة بعد الدين ثم يقسم ما بقي بين الورثة عن على عليه السلام قال انكم تقرءون هذه الاية مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية رواه الترمذي وابن ماجة- (مسئلة) وتنفيذ الوصايا من الثلث لحديث سعد بن ابى وقاص قال مرضت عام الفتح مرضا أشفيت على الموت فاتانى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودنى فقلت يا رسول الله ان لى مالا كثيرا وليس يرثنى الا ابنتي أفأوصي بمالى كله قال لا قلت فثلثى مالى قال لا قلت فالشطر قال لا قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير انك ان تذر ذرّيتك اغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس وانك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله الا اجرت بها حتى اللقمة ترفعها الى فى امرأتك متفق عليه وروى الترمذي بلفظ اخر وفيه أوص بالعشر فما زلت انا قصه حتى قال أوص بالثلث والثلث كثير وحديث معاذ مرفوعا بلفظ ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة لكم فى حسناتكم ليجعل زكوة أموالكم رواه الطبراني بسند حسن ورواه الطبراني واحمد عن ابى الدرداء مرفوعا ورواه ابن ماجة والبزار والبيهقي عن ابى هريرة والعقيلي عن ابى بكر الصديق رضى الله عنهم آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً اى لا تعلمون من انفع لكم من الأصول والفروع فى الدنيا والاخرة عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل الرجل الجنة سال عن أبويه وزوجته وولده فقال انهم لم يبلغوا درجتك وعملك ... ...

[سورة النساء (4) : آية 12]

فقال يا ربّ انى قد عملت لى ولهم فيؤمر بالحاقهم به رواه الطبراني فى الكبير وابن مردوية فى تفسيره قال البغوي قال ابن عباس أطوعكم لله عز وجلّ ارفعكم درجة يوم القيامة والله يشفّع المؤمنين بعضهم فى بعض فان كان الوالد ارفع درجة فى الجنة رفع اليه ولده والمكان الولد ارفع درجة رفع اليه والده لتقرّ بذلك أعينهم ولما كان الناس لا يعلمون من هو انفع لهم من الورثة لم يفوض تقسيم التركة إليهم يعنى لو كنتم تعلمون ذلك لملتم الى ترجيح الانفع وإذا لم تعلموا فلا يجوز لكم ترجيح بعض الورثة على بعض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز الوصية لوارث الا ان يشاء الورثة رواه الدارقطني من حديث ابن عباس ورواه ابو داود مرسلا عن عطاء الخراسانى ووصله يونس عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس، والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وروى ابو داود عن ابى امامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى خطبته عام حجة الوداع ان الله قد اعطى كل ذى حق حقّه فلا وصية لوارث او المعنى لا تعلمون اى المورثين انفع لكم، من اوصى فعرّضكم للثواب بامضاء الوصية او من لم يوص وترك لكم الأموال كلها وجملة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فى محل النصب على المفعولية من لا تدرون وهو خبر آباؤكم والجملة معترضة مؤكدة لام القسمة او تنفيذ الوصية، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ مصدر مؤكد منصوب بفعل واجب الحذف يسميه النحاة توكيدا لنفسه لانها مضمون جملة سابقة لا محتمل لها غيره لان الجمل المفصلة بقوله تعالى يوصيكم الله لا يحتمل مضمونا لها غير كونها فريضة او مصدر منصوب بقوله تعالى يوصيكم لانه فى معنى يفرض عليكم إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بالمصالح حَكِيماً (11) فيما فرض وقسم من المواريث وغيرها-. وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ اى زوجاتكم إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ اى صاحب فرض او عصبة من الأولاد سواء كان بواسطة او بلا واسطة فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ اى للزوجات واحدة كانت او اكثر الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ من الصلب او ولد الابن فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ ... ...

وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وكذا ترث المعتدة من الطلاق الرجعى دون البائن ان كان الزوج طلقها صحيحا وكذا ان طلقها فى مرض موته رجعيا اجماعا غير ان أبا حنيفة يقول ترث ان مات وهى فى العدة وقال احمد ترث وان انقضت عدتها ما لم تتزوج قبل موته وقال مالك ترث وان تزوجت وللشافعى اقوال كالمذاهب الثلاثة وكذا ان طلق فى مرض موته طلاقا بائنا عند ابى حنيفة واحمد الّا ان أبا حنيفة يشترط فى إرثها ان لا يكون الطلاق عن طلب منها لانها ان طلبت رضيت بابطال حقّها وللشافعى قولان اظهرهما انها لا ترث، روى احمد عن معمر ان غيلان بن سلمة اسلم وتحته عشر نسوة فقال النبي صلى الله عليه وسلم اختر منهن أربعا فلما كان عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال انى لا ظن الشيطان مما يسترق من السمع سمع موتك فقذفه فى نفسك وأعلمك انك لا تمكث الا قليلا وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك او لاورثهن منك ولامرت بقبرك فيرجم كما رجم قبر ابى رغال وحكم البخاري بصحة الموقوف منه عن الزهري عن سالم عن أبيه بخلاف اوّل القصة قلت هذا الحديث سند للاجماع على الا يراث بعد الطلاق الرجعى والحجة للجمهور على ايراثها بعد البائن ان عثمان رضى الله عنه ورث تماظر بنت الا صبغ بن زياد الكلبية وقيل بنت عمرو بن الشريد السلمية من عبد الرحمن بن عوف لمّا بتّ طلاقها فى مرضه ومات وهى فى العدة بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد فكان اجماعا وقال ما اتهمته ولكن أردت السنة وبمذهبنا ذهب عمر وابنه وعثمان وابن مسعود والمغيرة ونقله ابو بكر الرازي عن على وابى بن كعب وعبد الرحمن بن عوف وعائشة وزيد بن ثابت ولم يعلم عن صحابى خلافه وهو مذهب النخعي والشعبي وسعيد ابن المسيّب وابن سيرين وعروة وشريح وربيعة بن عبد الرحمن وطاؤس بن شبرمة والثوري والحماد بن ابى سليمان والحارث- وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يعنى الميت او الوارث يُورَثُ صفة رجل فان كان المراد به الميت فالمعنى يورث منه وان كان المراد به الوارث فهو من أورث كَلالَةً خبر كان او خبره يورث وكلالة حال من الضمير فيه وجاز ان يكون كلالة مفعولا له ان كان المراد بالكلالة قرابة ليست من جهة الولاد وهو فى الأصل مصدر بمعنى الكلال اعنى الاعياء يقال كلّ الرجل ... ...

فى مشيبه كلالا والسيف عن ضربته كلولا وكلالة واللسان عن الكلام فاستعير لقرابة ليست بالبعضية يعنى ليس أحدهما متوالدا من الاخر لانها كالة بالاضافة إليها، ثم وصف بها من لا يرث منه والد ولا ولد ومن يرث ممن ليس له والد ولا ولد بمعنى ذى كلالة كذا قال البيضاوي وقال البغوي هو اسم للمورث الذي لا ولد له ولا والد وهو قول على وابن مسعود رضى الله عنهما لانه مات عن ذهاب طرفيه فكلّ عمود نسبه، وقال سعيد بن جبير هو اسم لوارث ليس والدا للميت ولا ولده لانهم يتكلّلون الميت من جوانبه وليس فى عمود نسبه أحد كالاكليل يحيط بالرأس ووسط الرأس منه خال وعليه حديث جابر حيث قال انما يرثنى كلالة اى يرثنى ورثة ليسوا لى بولد ولا والد وسئل ابو بكر عن الكلالة فقال انى ساقول فيها برأيى فان كان صوابا فمن الله وان كان خطأ فمنى ومن الشيطان أراه ما خلا الوالد والولد فلما استخلف عمر قال انى لاستحيى الله ان أرد شيئا قاله ابو بكر رواه البيهقي عن الشعبي ورواه ابن ابى حاتم فى تفسيره والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس عن عمر قوله وفى حديث مرفوع عن ابى هريرة فسّر الكلالة بانها غير الوالد والولد رواه الحاكم واخرج ابو الشيخ عن البراء قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة قال ما خلا الوالد والولد وكذا اخرج ابو داود فى المراسيل عن ابى سلمة بن عبد الرحمن عنه صلى الله عليه وسلم قال من لم يترك والدا ولا ولدا فورثته كلالة قلت والمراد بالوالد والولد فى تفسير الكلالة الذكر من الأصول او الفروع حتى انه إذا كان للميت بنت او أم فهو كلالة ايضا يدل عليه حديث جابر فان جابر بن عبد الله كان له عند نزول الاية بنت فقط ولم يكن له والد لان أباه عبد الله بن حرام مات يوم أحد قبل هذا والاخوة والأخوات ترث مع الام والبنت بالإجماع والمراد بالولد أعم من ولد الابن حتى لا يرث الاخوة مع ابن الابن بالإجماع وكذا المراد بالوالد اعمّ من الجدّ لعدم الفصل بين الوالد والولد فى تفسير الكلالة والله اعلم أَوِ امْرَأَةٌ عطف على رجل ونظم الاية وان كان رجل او امراة يورث يعنى أحدهما كلالة وَلَهُ الضمير عائد الى رجل لانه مذكر مبتدا به او الى أحدهما من رجل وامراة المذكورين وهو مذكر والجملة الظرفية معطوف على خبر كان ان كان المراد برجل الميت وان كان المراد به الوارث فالضمير عائد الى المورث المفهوم من السياق كضمير لامه والجملة الظرفية حال من ضمير يورث والمعنى وان كان رجل او امراة ... ...

يورث أحدهما من الميت كلالة وهو يعنى الوارث للميّت أَخٌ أَوْ أُخْتٌ اجمعوا على ان المراد بالأخ والاخت هاهنا الأخ والاخت لام فقط يدل عليه قراءة أبيّ وسعد بن ابى وقاص روى البيهقي ان سعدا قال الراوي أظنه ابن ابى «1» وقاص كان يقرا وله أخ او اخت من امّ، وروى ابو بكر بن المنذر ايضا عن سعد كذلك وحكى الزمخشري عنه وعن أبيّ بن كعب وقيل قرا ابن مسعود كذلك قال الحافظ ابن حجر لم أره عن ابن مسعود ومن هاهنا يظهر انه يجوز العمل بالقراءة الغير المتواترة كما هو مذهب ابى حنيفة إذا صح اسناده خلافا للشافعى فى الأصول، قال البغوي قال ابو بكر الصديق فى خطبته الا ان الاية التي انزل الله فى أول سورة النساء فى بيان الفرائض أنزلها فى الولد والوالد والاية الثانية فى الزوج والزوجة والاخوة من الام والاية التي ختم بها السورة فى الاخوة والأخوات من الأب والام والاية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها فى اولى الأرحام بعضهم اولى ببعض فى كتب الله فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ اجمعوا على ان أولاد الام إذا كانوا اثنين فصاعدا يشتركون فى الثلث ذكرهم وأنثاهم فى الاستحقاق والقسمة سواء واختلفوا فى مسئلة حمارية وهى زوج وأم واخوان لام وأخ لابوين فللزوج النصف وللام السدس وللاخوة من أم الثلث ولا شىء لاخ لابوين واحدا كان او اكثر عند ابى حنيفة واحمد وداود لانه عصبة ولم يبق من اصحاب الفرائض شىء وقال مالك والشافعي يشارك الأخ لابوين الأخوين لام فى الثلث الذي هو فرض لهما، ذكر الطحاوي ان عمر كان لا يشرك حتى ابتلى بمسئلة فقال له الأخ لاب وأم يا امير المؤمنين هب ان أبانا كان حمارا السنا من امّ واحدة فشركهم ولذلك سمّى المسألة حمارية ورواه الحاكم فى المستدرك والبيهقي فى السنن من حديث زيد بن ثابت وصححه الحاكم وفيه ابو امية بن يعلى الثقفي ضعيف ورواه من طريق الشعبي عن عمر وعلى وزيد بن ثابت انه لم يزدهم الأب إلا قربا واخرج الدارقطني من طريق وهب بن منبه عن مسعود بن الحكم الثقفي قال اتى عمر فى امراة تركت زوجها وامّها وإخوتها لامها وإخوتها لابيها وأمها فبشرك الاخوة للام الاخوة للاب والام فقال له رجل انك لم تشرك بينهم عام كذا فقال تلك على ما قضيبنا وهذه على ما قضينا وأخرجه عبد الرزاق

_ (1) فى الأصل ابن وقاص-[.....]

وأخرجه البيهقي من طريق ابن المبارك عن معمر لكن قال عن الحكم عن ابن مسعود وصوبه النسائي واخرج البيهقي ايضا ان عمر أشرك «1» بين الاخوة وان عليا لم يشرك- (مسئلة) ويسقط أولاد الام بالولد وولد الابن والأب والجد بالإجماع وانما الخلاف فى سقوط الاخوة من الأب او منهما مع الجد كما سبق وكان القياس سقوطهم مع الام لانه من يدلى الى الميت بشخص فانه يسقط مع ذلك الشخص لكن تركنا القياس بالإجماع ولان الام لا ترث جميع المال مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها قرا ابن كثير وابن عامر وعاصم بفتح الصاد على البناء للمفعول والباقون بكسر الصاد على البناء للفاعل أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ حال من فاعل يوصى على قراءة من قرأ على البناء للفاعل وامّا على قراءة من قرأ على البناء للمفعول فهو حال من فاعل فعل مضمر يدل عليه الكلام فان الفعل المبنى للمفعول يدل على فعل مبنى للفاعل كما فى قول الشاعر ليبك يزيد ضارع لخصومة اى غير مضار لورثته بالزيادة على الثلث فى الوصية او الإقرار بدين كاذبا او الوصية بقصد الإضرار بالورثة دون القربة عن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضار ان فى الوصية فتجب لهما النار ثم قرا ابو هريرة من بعد وصيّة يّوصى بها او دين غير مضارّ الى قوله وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ رواه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجة وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطع ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة رواه ابن ماجة ورواه البيهقي فى شعب الايمان عن ابى هريرة وعن على لان اوصى بالخمس احبّ الىّ من ان اوصى بالربع ولان اوصى بالربع احبّ الىّ من ان اوصى بالثلث رواه البيهقي وروى ايضا عن ابن عباس انه قال الذي يوصى بالخمس أفضل من الذي يوصى بالربع الحديث ((فائدة)) قيد الله تعالى الوصية والدين هاهنا بقوله غير مضار لا فيما سبق مع انه معتبر فى الجميع لان قرابة الولاد وحسن معاشرة الزواج مانع من الضرار غالبا وفى بنى الاخياف مظنة الضرار قوىّ فلذا قيده بذلك- ((فصل)) الوصية منها الواجب والمندوب والمباح والحرام والمكروه فمن كان عليه من دين او زكوة او نذر او حج او فائتة صلوة او صوم يجب عليه ان يوصى بأداء ما وجب عليه وبفدية

_ (1) فى الأصل شرك

[سورة النساء (4) : الآيات 13 إلى 14]

الصلاة والصوم من ماله فينفذ الديون من جميع ماله ويقدم من الديون ما هو معروفة الأسباب على غير ذلك عند ابى حنيفة وقال الشافعي هما سواء وما عدا الدين ينفذ من ثلث ماله ولا يجوز ان يهمل مثل هذه الوصية، عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حق امرئ مسلم له شىء يوصى فيه يبيت ليلتين الّا ووصيته مكتوبة عنده متفق عليه وفى رواية لمسلم ثلاث ليال ومن ليس عليه واجب يستحبّ ان يوصى بالتصدّق بما دون الثلث بالعشر او الخمس او الربع ويباح الى الثلث ان كان الورثة اغنياء لما مرّ من الأحاديث وان كان الورثة فقراء فحينئذ يكره الوصية تنزيها وترك الوصية اولى لما فيه من الصدقة على القريب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على المسكين صدقة وهى على ذى الرحم صدقة وصلة رواه احمد والترمذي وابن ماجة والدارمي ويحرم من الوصية ما فيه مضار للورثة او قصد الإضرار بهم وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ مصدر مؤكد اى يوصيكم وصية او منصوب بغير مضار على المفعول به يعنى حال كونه غير مضار وصية من الله وهو الثلث فما دونه بالزيادة او وصية بالأولاد والأزواج والأقارب بالإسراف فى الوصية والإقرار الكاذب وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالمضار وغيره حَلِيمٌ (12) لا يعاجل بالعقوبة. تِلْكَ الاحكام فى امر اليتامى والوصايا والمواريث حُدُودُ اللَّهِ اى شرائعه التي لا يجوز التجاوز عنها وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) قرا نافع وابن عامر ندخله فى الموضعين بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة وأفرد الضمير فى يدخله فى الموضعين نظرا الى الفظة من وخالدين وخالدا منصوبان على الحال وجمعه مرة وافراده اخرى نظرا الى لفظة من ومعناه ولا يجوز ان يكون خالدا صفة لنار والّا لوجب إبراز الضمير لكونه جاريا على غير من هو له والله اعلم ويذكر حكم بنى الأعيان والعملات فى اخر السورة ولنذكر هاهنا ما بقي من مسائل الفرائض اشباعا للمقام- (مسئلة) اجمعوا على انه إذا ازدادت الفرائض على سهام التركة دخل النقص على كل واحد منهم على قدر حصّته وتسمى المسألة عائلة اى مائلة عن مساوات التركة الأسهم بالتعارض ... ...

وعدم الترجيح وبالقياس على الديون إذا زادت على التركة وقد انعقد عليه الإجماع فى زمن عمر رضى الله عنه حين ماتت امراة عن زوج وأختين فجمع الصحابة فاستشارهم فقال ارايت لو مات رجل وترك ستة دراهم وعليه لرجل ثلاثة ولرجل اربعة أليس جعل المال سبعة اجزاء فاخذت الصحابة بقوله رضى الله عنهم ثم خالف ابن عباس بعد موت عمر فانكره فقيل له الا قلت ذلك فى حضرة عمر فقال هيبة وكان مهيبا فقيل له رأيك مع الجماعة احبّ إلينا من رأيك منفردا روى البيهقي عن ابن عباس فقال ترون الذي احصى رمل عالج عددا يجعل فى مال نصفا ونصفا وثلثا إذا ذهب نصف ونصف بالمال فاين موضع الثلث فقيل له من اوّل من عال الفرائض قال عمر وذكر القصّة قال ابن عباس وايم الله لو قدم من قدم الله واخر من اخر ما عالت فريضة وكذا اخرج الحاكم وفى رواية وايها قدم الله قال كل فريضة لم يهبطها الله عن فريضة الا الى فريضة فهذا ما قدم الله وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها الا ما بقي فتلك التي اخر الله فالذى قدم كالزوجين والام والذي اخر كالاخوات والبنات فاذا اجتمع من قدم الله ومن اخر بدئ بمن قدم فاعطى حقه كاملا فان بقي شىء كان لهن وان لم يبق شىء فلا شىء لهن وتبع ابن عباس فى هذا القول محمّد بن الحنفية- (مسئلة) اجمعوا على ان ما ابقته اصحاب الفرائض فهو لاولى رجل ذكر لما مر من الحديث ويسمى ذلك الرجل عصبة ويرث ذلك الرجل جميع المال عند عدم ذى فرض وأقربهم الى الميت الابن ثم ابنه وان سفل ثم الأب ثم أبوه وان علا ثم الأخ لاب وأم ثم الأخ لاب ثم ابن الأخ لاب وأم ثم ابن الأخ لاب وهكذا حكم من سفل منهما ثم العم لاب وأم ثم لاب ثم ابنهما هكذا وان سفل كل منهما ثم عمّ الأب هكذا لاب وأم ثم لاب ثم ابناهما وان سفل هكذا وهكذا أعمام الأجداد الى ما لا نهاية لها عن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعيان بنى الأب والام يتوارثون دون بنى العلات يرث الرجل اخوه لابيه وامه دون أخيه لابيه رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم ولا خلاف فى هذا الا ما مرّ الخلاف فى مقاسمة الاخوة للجد (مسئلة) اجمعوا على ان من حظه النصف والثلثان من النساء تصير عصبة مع أخيها لقوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فى الأولاد والاخوة ومن ليس باهل فرض من النساء ... ...

واخوه عصبة لا تصير عصبة كالعمة وبنت الأخ- (مسئلة) واخر العصبات مولى العتاقة بالإجماع روى البيهقي وعبد الرزاق انّ رجلا اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل فقال انى اشتريته وأعتقته فما امر ميراثه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان ترك عصبة فالعصبة أحق والا فالولاء لك وفى الصحيحين انما الولاء لمن أعتق ثم عصبات مولى العتاقة ولا ولاء للنساء الا ما اعتقن او أعتق من اعتقن روى النسائي وابن ماجة من حديث ابنة حمزة ان ابنة حمزة اعتقت فمات مولاها وترك ابنته ومولاته يعنى ابنة حمزة فاعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف ولابنة حمزة النصف وروى الدارقطني والطحاوي هذا الحديث مرسلا وقال البيهقي اتفق الرواة على ان ابنة حمزة هى المعتقة دون أبيها وفى الباب عن ابن عباس رواه الدارقطني- (مسئلة) وان بقي شىء من اصحاب الفرائض وليست للميت عصبة يردّ ذلك على اصحاب الفرائض بقدر حصصهم غير الزوجين عند ابى حنيفة واحمد وقال مالك والشافعي لا يرد والباقي لبيت المال وافتى المتأخرون من اصحاب الشافعي بالرد على اصحاب الفرائض لعدم انتظام أم بيت المال نقل القاضي عبد الوهاب المالكي عن ابى الحسن ان الصحيح عن عثمان وعلى وابن عباس وابن مسعود انهم كانوا لا يورثون ذوى الأرحام ولا يردون على أحد من اصحاب الفرائض وروى الطحاوي بسنده عن ابراهيم قال عمر وعبد الله يورثان الأرحام قال الراوي قلت أفكان على يفعل ذلك قال كان أشدهم فى ذلك وروى بسنده من طريقين عن سويد بن غفلة ان رجلا مات وترك ابنة وامراة ومولاة قال سويد انى لجالس عند على إذ جاءه مثل هذه الفريضة فاعطى ابنته النصف وامرأته الثمن ثم رد ما بقي على ابنته ولم يعط المولى شيئا وروى عن ابى جعفر من طريقين كان على رضى الله عنه يرد بقية المواريث على ذوى السهام من ذوى الأرحام وروى الطحاوي بسنده عن مسروق قال اتى عبد الله فى اخوة لام دام فاعطى الاخوة الثلث واعطى الام سائر المال وقال الام عصبة من لا عصبة له وكان لا يرد على اخوة لام مع الام ولا على ابنة ابن مع ابنة الصلب ولا على أخوات لاب مع اخت لاب وأم ولا على امراة ولا على جدة ولا على زوج قال الطحاوي النظر عندنا ما ... ...

ذهب اليه على رضى الله عنه دون ما ذهب اليه ابن مسعود رض ان يكون ذوو الفروض فيما يرد عليهم من فصول المواريث كذلك وان لا يقدم من قرب رحمه على من كان ابعد رحما من الميت بل يقسم بقدر حصصهم لانا قد راينا فى فرائضهم التي فرض لهم قد ورثوا جميعا بارحام مختلفة ولم يكن بعضهم بقرب رحمه اولى بالميراث ممن بعد رحمه وهذا هو قول ابى حنيفة وابى يوسف ومحمد (مسئلة) اجمعوا على انه عند اجتماع جهتى فرض وتعصيب يعتبر الجهتان «1» جميعا فاذا ماتت عن أبناء عم ثلاثة أحدهم أخ لام لها والاخر زوج لها يعطى السدس لاحدهم بالاخوة والنصف للثانى بالزوجية والباقي بين الثلاثة بالعصبية ويصح المسألة من ثمانية عشر خمسة منها للاول واحد عشر للثانى واثنان للثالث واختلفوا فيما إذا اجتمع جهتا فرض فقال مالك والشافعي يرث باقواهما فقط وعند ابى حنيفة واحمد يرث بهما جميعا وذا لا يتصوّر الا فى مجوسى نكح المحارم ثم اسلم او مسلم وطى بشبهة وذلك كام هى اخت لاب بان نكح المجوسي بنته فولدت بنتا ثم نكح البنت الثانية فولدت ولدا فللولد الثالث الثانية امه وأخته لاب والاولى جدته وأخته لاب- (مسئلة) اختلفوا فى ميراث ذوى الأرحام سوى اصحاب الفروض والعصبات بعد إجماعهم على عدم توريثهم مع أحد من اصحاب الفروض سوى الزوجين واحد من العصبات الّا ما روى عن سعيد بن المسيّب ان الخال يرث مع البنت فذهب ابو حنيفة واحمد الى توريثهم وحكى عن على وابن مسعود وابن عباس وذهب مالك والشافعي الى عدم توريثهم ويكون المال لبيت المال قالوا حكى ذلك عن ابى بكر وعمر وعثمان وزيد والزهري والأوزاعي وافتى المتأخرون من الشافعية بتوريثهم لعدم انتظام امر بيت المال والحجة لنا فى توريث ذوى الأرحام قوله تعالى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ وقد ذكر البغوي عن ابى بكر انه قال فى خطبته انها نزلت فى اولى الأرحام بعضها اولى ببعض، قالوا لا دليل لكم فى هذه الاية لان الناس كانوا يتوارثون بالتبني كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وكانوا يتعاقدون فى الجاهلية على ان الرجل يرث الرجل فانزل الله تعالى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ دفعا لذلك وردّا للمواريث الى ذوى الأرحام

_ (1) فى الأصل الجهتين-

وقال ادعوهم لابائهم هو اقسط عند الله والمراد باولى الأرحام فى الاية هم العصبات واصحاب الفروض قلنا على تقدير تسليم نزول الاية لذلك العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب واللفظ عام شامل لاصحاب الفروض والعصبات وغيرهم ولنا من الأحاديث حديث امامة بن سهل ان رجلا رمى بسهم فقتله وليس له وارث إلا خال فكتب فى ذلك ابو عبيدة الى عمر فكتب عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الخال وارث من لا وارث له رواه احمد والبزار وروى الطحاوي بلفظ الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له وحديث المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال الخال وارث من لا وارث له يرثه ويعقل عنه رواه احمد وابو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه وابن حبان وحكى ابن ابى حاتم عن ابى زرعة انه حديث حسن وأعله البيهقي بالاضطراب ورواه الطحاوي بلفظ من ترك ما لا فلورثته وانا وارث من لا وارث له اعقل عنه وارثه والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه وفى رواية مثله الا انه قال أرثه وافك عنانه والخال وارث من لا وارث له يرث ما له يفك عنانه قلت معنى قوله عليه السّلام انا وارث من لا وارث له ان من لا وارث له فما له لبيت المال والنبي صلى الله عليه وسلم كان متوليا لبيت المال وحديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخال وارث من لا وارث له رواه الترمذي والنسائي والطحاوي وأعله النسائي بالاضطراب ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه وحديث واسع بن حبان قال توفى ثابت بن الدحداح وكان أتيا وهو الذي ليس له اصل يعرف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعاصم بن عدى هل تعرفون له فيكم نسبا قال لا يا رسول الله فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة بن المنذر ابن أخته فاعطاه ميراثه، رواه الطحاوي وروى الطحاوي اثار عمر بن الخطّاب انه جعل فى العمة والخالة الثلثين للعمة وو الثلث للخالة الثلثان لقرابة الأب والثلث لقرابة الام، احتجوا بحديث ابى هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميراث العمة والخالة قال لا أدرى حتى يأتينا جبريل ثم قال اين السّائل عن ميراث العمة والخالة قال فاتى الرجل فقال سارنى جبرئيل لا شىء لهما، رواه الدارقطني والحديث ضعيف قال الدارقطني لم يسنده غير مسعدة عن محمّد بن عمرو ... ...

وهو ضعيف وضاع للحديث والصواب مرسل وقال احمد بن حنبل حرقنا حديثه ورواه الحاكم من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر وصححه وفى اسناده عبد الله بن جعفر المدني وهو ضعيف وروى الحاكم له شاهدا من حديث شريك بن عبد الله ان الحارث بن ابى عبيد أخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ميراث العمة والخالة فذكره وفيه سليمان بن داؤد متروك وأخرجه الدارقطني من وجه اخر غير شريك مرسلا وحديث زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار ان رجلا من الأنصار جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رجل هلك وترك عمته وخالته فسال النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على حماره فوقف ثم رفع يديه وقال اللهم رجل هلك وترك عمته وخالته فيسئله الرجل ويفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات ثم قال لا شىء لهما رواه الطحاوي بطرق والدارقطني والنسائي والحديث مرسل ورواه ابو داود فى المراسيل ووصله الحاكم فى المستدرك بذكر ابى سعيد وفى اسناده ضعف ووصله الطبراني فى الصغير ايضا من حديث ابى سعيد فى ترجمة محمد بن الحرث المخزومي وليس فى الاسناد من ينظر فى حاله غيره ووجه التطبيق بين الأحاديث ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل اوّلا عن ميراث العمة والخالة وذلك قبل نزول قوله تعالى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ وحينئذ لم ينزل عليه شىء فى ذلك فقال لا شىء لهما ثم نزل توريث ذوى الأرحام فحينئذ قال الخال وارث من لا وارث له والله اعلم- (مسئلة) اصناف ذوى الأرحام اربعة (1) فروع الميت (2) وأصوله (3) وفروع أصله القريب (4) وفروع أصله البعيد فيحجب الاوّل الثاني والثاني الثالث والثالث الرابع ويحجب الأقرب من كل صنف الأبعد وعند الاستواء من يدنى بوارث يحجب من يدنى بذي رحم ويعتبر فى فروع الاخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات قوة القرابة ان كان حيّز قرابتهم واحدة فبنت العم لابوين اولى من بنت العم لاب وعند اختلاف حيز قرابتهم لا اعتبار لقوة القرابة كعمة لاب وخالة لاب وأم لا يحجب أحدهما صاحبته يعطى الثلثان لقرابة الأب والثلث لقرابة الام روى الطحاوي عن عمر كما ذكرنا ومن له جهتا قرابة يتضاعف حظه ويقسم المال فى ذوى الأرحام باعتبار أبدانهم عند ابى حنيفة وابى يوسف والحسن وعند محمد يعتبر عدد ... ...

أبدانهم وصفة من يدنى بهم الى الميّت وتفصيل الكلام يقتضى بسطا لا يسعه المقام- (مسئلة) اجمعوا على ان القتل عمدا مانع من الإرث وكذا القتل خطأ عند الثلاثة وقال مالك يرث من المال القاتل خطأ دون الدية لنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم القاتل لا يرث رواه الترمذي وابن ماجة من حديث ابى هريرة وفيه إسحاق بن عبد الله الهروي متروك الحديث وروى النسائي والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه والبيهقي والدارقطني من حديث ابن عباس نحوه احتج مالك بحديث عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة قال لا يتوارث اهل ملتين والمرأة ترث من دية زوجها وماله وهو يرث من ديتها ومالها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا فان قتل أحدهما صاحبه عمدا لم يرث من ديته رواه الدارقطني وفيه الحسن بن صالح مجروح وبحديث هشام بن عروة عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل يقتل وليه خطأ انه يرث من ماله ولا يرث من ديته وفيه مسلم بن على قال يحيى ليس بشىء وقال الدارقطني متروك ورواه الدارقطني من حديث سعيد بن المسيب مرسلا لا يرث قاتل عمد ولا خطأ من الدية رواه ابو داود قلنا هذه الأحاديث لا تدل على ميراث القاتل خطأ الا بالمفهوم والمفهوم ليس بحجة عندنا ثم هو يخالف الأصول وهو الميراث فى بعض التركة (مسئلة) اجمعوا على ان المسلم لا يرث الكافر ولا الكافر المسلم لقوله عليه السّلام لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم رواه الشيخان واصحاب السنن الاربعة من حديث اسامة بن زيد وحكى عن معاذ وابن المسيب والنخعي انه يرث المسلم الكافر ولا عكس كما يتزوج المسلم الكتابية من غير عكس واستثنى احمد من هذا الحكم أمرين أحدهما ان المسلم يرث عنده من معتقه الكافر بالولاء محتجا بحديث جابر مرفوعا لا يرث المسلم النصراني الا ان يكون عبده او أمته رواه الدارقطني وقال الدارقطني روى موقوفا وهو المحفوظ قلنا المراد بالعبد والامة الماذونان فى التجارة فان مالهما مال المولى اطلق عليه الميراث مجازا وامّا المعتق فليس بعبد، وثانيهما انه إذا كان للميّت المسلم أقارب كفّارا فاسلموا قبل قسمة التركة فعنده يستحقون الميراث وفى رواية عنه لا يستحقون كمذهب الجمهور احتج احمد بحديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قسم قسّم فى الجاهلية فهو على ما قسّم وكل قسم أدركه ... ...

الإسلام فانه على قسم الإسلام رواه ابو داود وحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من ميراث قسّم فى الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية وما كان من ميراث أدركه الإسلام فهو على قسمة الإسلام رواه ابن ماجة وليس فى الحديثين حجة فان المعنى يقسم فى الإسلام على فرائض الله لا على نسق الجاهلية وكذا لا حجة لهم فيما يحتجون به من حديث عروة بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اسلم على شىء فهو له رواه ابن الجوزي- (مسئلة) يرث النصراني اليهودي وبالعكس كذا كل اهل ملتين من الكفر عند ابى حنيفة والشافعي لان الكفر ملة واحدة والأصل هو الميراث وقال مالك واحمد لا يرث لقوله صلى الله عليه وسلم لا يتوارث اهل ملتين شتى رواه احمد والنسائي وابو داود وابن ماجة والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه يعقوب بن عطاء ضعيف ورواه ابن حبان من حديث ابن عمر فى حديث ورواه الترمذي واستغربه من حديث جابر وفيه ابن ابى ليلى ضعيف وأخرجه البزار من حديث ابى هريرة بلفظ لا يرث ملّة من ملّة وفيه عمرو بن راشد وهو لين الحديث ورواه النسائي والحاكم والدارقطني بهذا اللفظ من حديث اسامة بن زيد قال الدارقطني هذا اللفظ فى حديث اسامة غير محفوظ ووهم عبد الحق فعزاه الى مسلم ورواه البيهقي من حديث اسامة بلفظ لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ولا يتوارث اهل ملتين وفى اسناده الخليل ابن مرة ضعيف ثم المراد بالملتين هو الإسلام والكفر والله اعلم (مسئلة) اجمعوا على ان الأنبياء لا يورثون وان ما تركوه صدقة يصرف فى مصالح المسلمين ولم يخالف فى هذه المسألة الا الشيعة وهم يطعنون على خير البرية بعد الأنبياء ابى بكر الصديق رضى الله عنه انه منع فاطمة عن ميراث أبيها واحتج بحديث تفرد بروايته قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وترك بهذا الحديث وهو من الآحاد قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ الاية مع ان هذا الحديث يعارض قوله تعالى وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وقوله تعالى حكاية عن زكريا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قاتلهم الله انى يوفكون الم يعلموا ان الحديث وان كان بالنسبة إلينا من الآحاد لكنه فى حق الصديق الذي سمع بأذنه من فىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فوق ... ...

[سورة النساء (4) : آية 15]

المتواتر لان المحسوسات فوق المتواترات على ان ما قالوا ان الحديث تفرد بروايته ابو بكر باطل بل رواه جماعة من الصحابة منهم خذيفة بن اليمان وابو الدرداء وعائشة وابو هريرة وروى البخاري ان عمر رضى الله عنه قال بمحضر من الصحابة منهم على وعباس وعبد الرحمن بن عوف وزبير بن العوام وسعد بن ابى وقاص أنشدكم بالله الذي باذنه تقوم السّماء والأرض أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركناه صدقة يريد بذلك نفسه قالوا اللهم نعم ثم اقبل على على وعباس فقال أنشدكما بالله هل تعلمان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك قالا اللهم نعم الحديث وقد صح روايات هؤلاء الصحابة فى كتب الحديث فى مسانيدهم فالحديث المذكور بالنسبة إلينا ايضا يبلغ درجة الشهرة وتلقته الامة بالقبول واجمعوا عليه وقد ورد ما يؤيد ذلك فى كتب الشيعة ايضا روى محمد بن يعقوب الرازي فى الكافي عن ابى البختري عن ابى عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام انه قال العلماء ورثة الأنبياء وذلك ان الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وانما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشىء منها فقد أخذ بحظ وافر وكلمة انما عندهم للحصر وقوله تعالى وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ المراد به ميراث العلم كما يدل عليه الاية حيث قال وورث سليمان داود وقال يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ فان قوله علمنا بيان لذلك الميراث وكذا قوله تعالى يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ المراد به ميراث العلم إذ لا يمكن ان يرث يحيى بن زكريا من جميع ال يعقوب ميراث المال وانما هو ميراث العلم والله اعلم. وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ يعنى الزنى وهى يشتمل السحاقات ايضا لعموم اللفظ ويشتمل ايضا ان يؤتى المرأة الاجنبية فى دبرها مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا يعنى اطلبوا ايها الحكام من قاذفيهن شهداء عَلَيْهِنَّ بانا رايناهن كالميل فى المكحلة أَرْبَعَةً مِنْكُمْ يعنى رجالا اربعة من المؤمنين العدول فلا يجوز فى الحدود شهادة النساء اجماعا فَإِنْ شَهِدُوا يعنى الاربعة فَأَمْسِكُوهُنَّ فاخبسوهن فِي الْبُيُوتِ واجعلوها عَلَيْهِنَّ سجنا حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ اى يستوفى أزواجهن الْمَوْتُ يعنى ملائكة الموت أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ قيل او بمعنى الى ان لَهُنَّ سَبِيلًا (15) يعنى حكما جاريا مشروعا، روى مسلم عن عبادة بن الصامت ان النبي صلى الله عليه وسلم قال خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله ... ...

[سورة النساء (4) : آية 16]

لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيّب بالثيّب جلد مائة والرجم (فائدة) اختلفوا فى ان الإمساك فى البيت هل كان حدا فنسخ أم كان حبسا ليظهر الحد والصحيح عندى انه لم ينسخ بل الله سبحانه امر بالحبس الى ان ينزل الحد فيجرى عليه وبعد نزول الحد هذا الحكم باق حتى يقام عليه الحدّ قال فى الهداية قال فى الأصل يحبسه يعنى الحاكم حتى يسئل يعنى عن عدالة الشهود وسنذكر مسائل حد الزنى فى سورة النور ان شاء الله تعالى. وَالَّذانِ قرا ابن كثير هنا وفى طه انّ هذانّ وفى الحج هذانّ وفى القصص هاتينّ وفى فصلت أرنا الّذينّ بتشديد النون وتمكين مدّ الالف «1» قبلها فى الخمسة والباقون بالتخفيف من غير تمكين يَأْتِيانِها يعنى الفاحشة وهى الزنى او اللواطة مِنْكُمْ فَآذُوهُما والمراد باللذان عند الأكثر الزاني والزانية وبقوله تعالى فاذوهما «2» قال عطاء وقتادة فعيروهما باللسان اما خفت الله اما استحييت الله وقال ابن عباس هو باللسان واليد يؤذى بالتغيير وضرب النعال وعلى تقدير كون المراد بهذه الاية الزاني والزانية يشكل انه ذكر فى الاية الاولى الحبس وذكر فى هذه الاية الإيذاء فكيف الجمع فقيل الاية الاولى فى الثيّب وهذه فى البكر وقيل هذه الاية سابقة على الاولى نزولا كان عقوبة الزناة الأذى ثم الحبس ثم الجلد والظاهر عندى انّ المراد باللذان يأتيان الفاحشة الرجال الذين عملوا عمل قوم لوط وهو قول مجاهد وحينئذ لا إشكال والإيذاء غير مقدر فى الشرع فهو مفوض الى رأى الامام كذا قال ابو حنيفة رحمه الله يعزرهما الامام على حسب ما يرى ومن تعزيره إذا تكرر فيه الفعل والتعزير ولم ينزجر ان يقتل عند ابى حنيفة محصنا كان او غير محصن سياسة قال ابن همام لا حدّ عليه عند ابى حنيفة لكنه يعزر ويسجن حتى يموت ولو اعتاد اللواطة قتله الامام وقال مالك والشافعي واحمد وابو يوسف ومحمد اللواطة يوجب الحد فقال مالك واحمد فى اظهر الروايتين وهو أحد اقوال الشافعي حدّه الرجم بكل حال ثيبا كان او بكرا وفى قول للشافعى حدّه القتل بالسيف وأرجح اقوال الشافعي وهو قول ابى يوسف ومحمد ورواية عن احمد ان حدّه حدّ الزنى يجلد البكر ويرجم المحصن لانه فى معنى الزنى لانه قضاء شهوة فى محل مشتهى على سبيل الكمال على وجه تمحض حراما لقصد سفح الماء بل هو أشدّ من الزنى لانه حرمته منتهية

_ (1) قال رحمه الله ذلك تغليبا لان تمكين الالف لا يوجد الا فى الثلاثة الاول وذلك واجب وفى الأخريين تمكين الياء وهو جائز لان حركة ما قبلها مخالف ابو محمد عفا الله عنه (2) فى الأصل آذوهما

بالنكاح فيثبت فيه حكم الزنى بدلالة النص وبما روى البيهقي من حديث ابى موسى مرفوعا إذا اتى الرجل الرجل فهما زانيان وفيه محمد بن عبد الرحمن القشيري كذّبه ابو حاتم ورواه ابو الفتح الأزدي فى الضعفاء والطبراني فى الكبير من وجه اخر عن ابى موسى وفيه البشر بن الفضل البجلي مجهول وقد أخرجه ابو داود الطيالسي فى مسنده عنه ولابى حنيفة انه ليس بزنى لغة ولذلك اختلفت الصحابة فى موجبه وهو اندر من الزنى لعدم الداعي اليه من الجانبين فليس فى معناه ووجه قول من قال يقتل حدّا حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به رواه احمد وابو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن عكرمة عنه قال الترمذي انما يعرف من حديث ابن عباس من هذا الوجه وقال الحاكم صحيح الاسناد وقال البخاري عمرو بن ابى عمر الراوي عن عكرمة صدوق لكنه روى عن عكرمة مناكير واستنكره النسائي وقال ليس بالقوى وقال ابن معين ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس هذه وقد اخرج له الجماعة واخرج الحاكم بطرق اخر وسكت عنه وتعقبة الذهبي بان عبد الرحمن العمرى ساقط ورواه ابن ماجة والحاكم من حديث ابى هريرة واسناده أضعف من الاول بكثير كذا قال الحافظ وقال حديث ابى هريرة لا يصح وأخرجه البزار من طريق عاصم بن عمر العمرى وعاصم متروك وقد رواه ابن ماجة ايضا من طريقه بلفظ فارجموا الأعلى والأسفل وقال ابن الصلاح فى أحكامه لم يثبت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم فى اللواطة ولا انه حكم به فيه وثبت عنه انه قال اقتلوا الفاعل والمفعول قال ابو حنيفة ولمّا كان هذا لحديث بهذه المثابة من التردد لا يجوز به الاقدام على القتل مستمرا على انه حدّ كيف ولا يجوز عندنا الزيادة على الكتاب بحديث الآحاد وان كان صحيحا وقد ثبت بالكتاب الإيذاء وهو التعزير فان قيل كون الاية فى اللواطة لم يثبت قطعا بل قال اكثر المفسرين ان المراد به الزاني والزانية قلنا الاية تشملها لعموم لفظها وان كانت واردة فى الزناة لان الفاحشة كما يطلق على الزنى يطلق على اللواطة ايضا قال الله تعالى فى قوم لوط اتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العلمين وفى الباب عن الصحابة روايات مختلفة روى البيهقي فى شعب الايمان من طريق ابن ابى الدنيا عن محمد بن المنكدر ان خالد بن الوليد ... ...

[سورة النساء (4) : آية 17]

كتب الى ابى بكر انه وجد رجلا فى بعض نواحى العرب ينكح كما تنكح المرأة فجمع ابو بكر الصحابة فسالهم فكان أشدهم فى ذلك قولا على قال هذا ذنب لم يعص به الّا امة واحدة صنع الله به ما علمتم نرى ان نحرقه بالنار فاجتمع رأى الصحابة على ذلك وروى ابن ابى شيبة فى مصنفه والبيهقي عن ابن عباس قال ينظرا على بناء فى القرية فيرمى منه منكوسا ثم يتبع بالحجارة وكان مأخذ هذا القول ان قوم لوط اهلكوا بذلك حيث حملت قراهم ونكست بهم ولا شك فى اتباع الهديم بهم وهم نازلون وذكر عن ابن الزبير يحبسان فى أنتن المواضع حتى يموتا وروى البيهقي عن على من طرق انه رجم لوطيا ويجمع هذه الأقوال وحديث ابن عباس المرفوع وما فى معناه ان الرجل إذا اعتاد باللواطة وتكرر منه الفعل ولم ينزجر بالتعزير يقتل باىّ وجه كان ويدل على التكرار والاعتياد لفظ المرفوع من وجدتم يعمل عمل قوم لوط ولم يقل من عمل عمل قوم لوط وبه قال ابو حنيفة والله اعلم، فَإِنْ تابا عن الفاحشة وَأَصْلَحا العمل فيما بعد فَأَعْرِضُوا عَنْهُما فاقطعوا عنهما الإيذاء إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً التوبة فى الأصل بمعنى الرجوع فهى من العبد الرجوع عن المعصية ومن الله تعالى الرجوع عن ارادة العذاب او هو من الله تعالى بمعنى قبول التوبة او توفيق التوبة رَحِيماً (16) يرحم التائبين. إِنَّمَا التَّوْبَةُ اى الرجوع عن ارادة العذاب بالمغفرة او قبول التوبة عَلَى اللَّهِ اى كالمتحتم عليه بمقتضى وعده لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ متلبسين «1» بِجَهالَةٍ قال البغوي قال قتادة اجمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان كل معصية جهالة عمدا كان اولم يكن وكل من عصى الله فهو جاهل وكذا اخرج ابن جرير عن ابى العالية وقال الكلبي لم يجهل انه ذنب لكنه جهل عقوبته وقيل معنى الجهالة اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية قلت معنى الجهالة ذهوله عن عذاب الله عند ثوران النفس وغلبة الشهوة البهيمية او السبعية ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ من للتبعيض اى يتوبون فى اىّ جزء من الزمان القريب قيل معنى القريب قبل ان يحيط السوء بحسناته فحبطها وقيل قبل ان يشرب فى قلوبهم حبّه، فيطبع عليها ويرين السوء على قلبه وقال السدى والكلبي القريب ان يتوب فى صحته قبل مرض موته والصحيح ان المراد به فى حياته قبل حضور الموت

_ (1) فى الأصل ملتبسبن-

[سورة النساء (4) : آية 18]

ومعائنة ملائكة العذاب كذا قال عكرمة والضحاك ويدل عليه قوله تعالى حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قوله عليه الصلاة والسّلام ان الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر رواه احمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي عن ابن عمر والحديث صحيح وعن ابى سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الشيطان قال وعزتك وجلالك لا أبرح اغوى بنى آدم ما دامت الأرواح فيهم فقال له ربّه فبعزتى وجلالى لا أبرح اغفر لهم ما استغفرونى رواه احمد وابو يعلى وعن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه رواه مسلم سمى الله تعالى مدة العمر قريبا نظرا الى ما بعده قال الله تعالى قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لاستحالة الخلف فيما وعد الله سبحانه وجعل على نفسه كالمتحتم فهذه الجملة كالنتيجة لما سبق وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً يعلم المخلص فى التوبة حَكِيماً (17) لا يعاقب بعد التوبة. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ وقع فى النزع وراى ملائكة العذاب قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ يعنى حين يساق روحه فحينئذ لا يقبل من كافر ايمان ولا من عاص توبة وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ فى موضع الجر بالعطف على الذين يعملون السيئات يعنى ليست التوبة للذين يموتون وَهُمْ كُفَّارٌ حال من فاعل يموتون يعنى لا يغفرهم الله ولا يرجع عن تعذيبهم او لا يقبل توبتهم فى الاخرة حين يقولون رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ او لا يقبل توبتهم فى الدنيا عن بعض المعاصي إذا ماتوا على الكفر بل يعذبون على الكفر وجميع المعاصي أُولئِكَ أَعْتَدْنا اى هيئنا من العتيد بمعنى الحاضر لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) تأكيد لعدم قبول توبتهم- روى البخاري وابو داؤد والنسائي عن ابن عباس قال كان إذا مات الرجل كان أولياءه أحق بامراته ان شاء بعضهم تزوجوها وان شاءوا زوّجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً اى تأخذوهن كما ... ...

يؤخذ الميراث وتزوجوهن كارهات او مكرهات عليه قرأ حمزة والكسائي كرها بضم الكاف هاهنا وفى التوبة والباقون بفتحها قال الكسائي هما لغتان وقال الفراء بالضم ما اكره عليه وبالفتح ما كان من نفسه بالمشقة قال البغوي كانوا فى الجاهلية إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها او قريبه من عصبته فالقى ثوبه على تلك المرأة او على خبائها فصار أحق بها من نفسها ومن غيره فان شاء تزوجها بغير صداق الا الصداق الاول الذي أصدقها الميت وان شاء زوجها غيره وأخذ صداقها وان شاء عضلها ومنعها من الأزواج يضارها لتفتدى منه بما ورثته من الميّت كذا اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال فنهوا عن ذلك وزاد البغوي فان ماتت المرأة ورثها من القى عليها الثوب وان ذهبت المرأة الى أهلها قبل ان يلقى عليها ولى زوجها ثوبه فهى أحق بنفسها فكانوا على هذا حتى توفى ابو قيس بن الاسلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الانصارية فقام ابن له من غيرها يقال له حصن وقال مقاتل ابن حبان اسمه قيس بن ابى قيس فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ثم تركها فلم يقربها ولم ينفق عليها يضارها لتفتدى منه فاتت كبيشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انّ أبا قيس توفى وورث نكاحى ابنه فلا هو ينفق عليّ ولا يدخل بي ولا يخلى سبيلى فقال اقعدى فى بيتك حتى يأتى فيك امر الله فانزل الله تعالى لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ عطف على ان ترثوا منصوب بان ولا لتأكيد النفي واصل المعضل التضييق والمعنى ولا تمنعوهن من التزويج لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ من المهور الخطاب للمؤمنين عامة وضمير لتذهبوا راجع الى المخاطبين باعتبار بعض افرادهم يعنى اولياء الميّت وضمير اتيتموهنّ باعتبار بعض اخر يعنى الأزواج الأموات والمعنى ولا تعضلوهنّ ايها الأولياء لتفتدين فتذهبوا ببعض ما اتاهن أزواجهن المترفين من المهور وقيل الخطاب بالنهى عن توارث النساء والعضل مع الأزواج كانوا يحبسون النساء من غير حاجة ورغبة حتى يرثوا منهن او يختلعن بمهورهن والظاهر عندى ان الخطاب فى لا يحلّ لكم مع الأولياء وتم الكلام بقوله كرّها وهذا كلام مستانف خطاب مع الأزواج ولا تعضلوهن صيغة نهى مجزوم قال البغوي قال ابن عباس هذا فى الرجل يكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضاها ... ...

[سورة النساء (4) : آية 20]

لتفتدى وتردّ اليه ما ساق إليها من المهر فنهى الله عن ذلك وعلى هذا فقوله تعالى لا تَعْضُلُوهُنَّ معطوف على لا يَحِلُّ لَكُمْ عطف الجملة على الجملة لا عطف المفرد على المفرد، فان قيل يلزم عطف الإنشاء على الاخبار قلنا قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكُمْ وان كان اخبارا لفظا فهو إنشاء معنى ومعناه النهى عن ميراثهن وايضا عطف الجملة على الجملة فيما لا محل لها من الاعراب مع اختلافهما خبرا وإنشاء جائز إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ قرا ابن كثير وابو بكر مبيّنة هنا وفى الأحزاب والطلاق بفتح الياء والباقون بكسرها فيهن والاستثناء فى محل النصب على الظرفية او على انه مفعول له او على انه حال من مفعول لا تعضلوهنّ تقديره لا تعضلوهن للاقتداء فى وقت الا وقت ان يأتين بفاحشة او لا تعضلوهن لغرض الافتداء بسبب الّا لان يأتين بفاحشة او لا تعضلوهن للافتداء ولا لغير ذلك من علة الّا لان يأتين او فى حال من الأحوال الّا حال ان يأتين بفاحشة والفاحشة قال ابن مسعود وقتادة هى النشوز وقال الحسن هو الزنى يعنى ان المرأة إذا نشزت او ذنت حل للزوج ان يسئلها الخلع وقد ذكرنا مسائل الخلع فى سورة البقرة وقال عطاء كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها فنسخ ذلك بالحدود وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ بالانصاف فى الفعل وأداء الحقوق والإحسان فى القول عطف على لا تعضلوا او على لا يحلّ لكم وقال الحسن رجع الى اوّل الكلام يعنى آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً وعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ لسوء المنظر او سوء الأخلاق فاصبروا عليهن ولا تفارقوهن ولا تضاروهن فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ فى ذلك الشيء خَيْراً كَثِيراً (19) يعنى ثوابا جزيلا او ولدا صالحا جملة عسى مع فاعله فى الأصل علة لجزاء الشرط أقيم مقام الجزاء وفاعل عسى مجموع المعطوف والمعطوف عليه ومناط الرجاء هو المعطوف فقط والمعنى الخير مرجو عند الكراهة-. وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ يعنى تطليق امراة من غير نشوز من قبلها ولا فاحشة وتزوج امراة اخرى مكانها وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ الضمير راجع الى زوج لانه أراد به الجمع فانه جنس يطلق على الواحد والجمع ولولا ارادة الجمع لما استقام المقابلة بجماعة الرجال وانقسام الآحاد على الآحاد وفى أتيتم حذف مضاف تقديره واتى أحدكم إحداهن يعنى التي يريد أحدكم طلاقها قِنْطاراً اى مالا كثيرا صداقا اخرج ابن جرير عن انس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيتم ... ...

إحداهنّ قنطارا قال الفا ومائتين ومن هاهنا يظهر انه لا تقدير لاكثر الصداق وعليه انعقد الإجماع وبهذه الاية استدلت امراة على جواز المغالات فى المهر حين منع «1» عنها عمر فقال عمر كل افقه من عمر حتى المخدرات والمستحب اجماعا ان لا يغالى فيه قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه الا لا تغالوا فى صدقات النساء فانها لو كانت مكرمة فى الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبى الله صلى الله عليه وسلم ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا انكح شيئا من بناته على اكثر من اثنى عشر اوقية رواه احمد واصحاب السنن الاربعة والدارمي وروى ابن حبان فى صحيحه والخطابي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير النساء أيسرهن صداقا وروى ابن حبان عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم قال من يمن المرأة سهل أمرها وقلة صداقها وروى احمد والبيهقي أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا واسناده جيّد وعن ابى سلمة قالت سالت عائشة كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم قال كان صداقه لازواجه اثنتي عشر اوقية ونش قالت أتدري ما النش قلت لا قالت نصف اوقية رواه مسلم فتلك خمسمائة درهم هذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لازواجه لكن أم حبيبة أصدقها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم اربعة آلاف درهم رواه ابو داؤد والنسائي وقال ابن إسحاق عن ابى جعفر أصدقها اربعة مائة دينار وفى خلاصة «2» السير فى نكاح خديجة أصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة اوقية من ذهب والاوقية من الذهب سبعة مثاقيل وروى احمد وابو داود عن عائشة ان جويرية وقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له فتخلصها ثابت من ابن عمّه بنخلات بالمدينة وكاتبها فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من كتابتها وتزوجها وكان ذلك مهرا لها وفى سبيل الرشاد ان ثابت بن قيس وابن عم له كاتبا جويرية على تسع أواق من ذهب

_ (1) عن ابى عبد الرحمن السلمى قال قال عمر بن الخطاب لا تغالوا فى مهور النساء فقالت امراة ليس لك ذلك يا عمران الله يقول وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً من ذهب قال وكذلك فى قراءة ابن مسعود فقال عمران امراة خاصمت عمر فخصمته، وعن بكر بن عبد الله المزني قال قال عمر خرجت وانا أريد أنهاكم عن كثرة الصداق فعرضت لى اية من كتاب الله آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً، قلت هذان الحديثان يدلان على رجوع عمر عن النهى عن المغالات فى المهر والصحيح عندى ان عمر رضى الله عنه نهى عن المغالات على سبيل التنزيه دون التحريم ورجع عن النهى التحريمي والله اعلم منه رحمه الله (2) قيل كان صداق خديجة عشرين بكرة وقيل اربعمائة دينار، كذا فى شرح خلاصة السير منه رحمه الله-

[سورة النساء (4) : آية 21]

فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ اى من القنطار شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ استفهام انكار وتوبيخ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) منصوبان على الحال او على العلة يعنى تأخذونه باهتين وآثمين او بسبب بهتانكم وارتكابكم الإثم والبهتان الباطل من القول وقد يستعمل فى الفعل الباطل وهو المراد هاهنا ولذا فسر هاهنا بالظلم وقيل كان الرجل إذا أراد نكاح جديدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها الى الافتداء. وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ استفهام الإنكار عن الاسترداد بعد التقرر ووجوب الأداء والحال انه قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ يعنى أفضتم إليهن قال الشافعي يعنى دخلتم بهن فان الإفضاء عنده كناية عن الجماع ومن ثم قال الشافعي فى اظهر قوليه لا يتقرر المهر بالخلوة بدون الوطي فان طلقها قبل الوطي بعد الخلوة الصحيحة التي لا مانع فيها من الوطي طبعا ولا شرعا يجب نصف المهر عنده وقال ابو حنيفة واحمد يستقر المهر بالخلوة الصحيحة وان لم يطأ ومعنى الإفضاء الدخول فى الفضاء والفضاء فى اللغة الصحراء والمراد هاهنا المكان الخالي وقال مالك ان خلا بها وطالت مدة الخلوة استقر المهر وان لم يطأ وحد ابن القاسم الخلوة بالعام واحتج الشافعي على وجوب نصف المهر بعد الخلوة قبل الوطي بقوله تعالى وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ قلنا المجاز فى قوله مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ متحتّم لان المس ليس حقيقة بمعنى الجماع فالقول بانه فى معنى الجماع تسمية الاخصّ باسم الاعمّ ليس اولى من القول بانه مجاز عن الخلوة لان الخلوة سبب للمسّ والمسّ غاية لها فهو من تسمية السبب باسم المسبب ولنا اتفاق الصدر الاوّل على وجوب كمال المهر بالخلوة سواء وطئ بها او لا كذا نقل الشيخ ابو بكر الرازي فى أحكامه وحكى الطحاوي فيه اجماع الصّحابة وقال ابن المنذر هو قول عمر وعلى وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وجابر ومعاذ بن جبل وابى هريرة روى البيهقي عن الأحنف عن عمر وعلى انهما قالا إذا اغلق بابا وارخى سنرا فلها الصداق كاملا وعليها العدة وفيه انقطاع وفى المؤطا عن يحيى ابن سعيد عن سعيد بن المسيّب ان عمر قال إذا أرخت الستور فقد وجب الصداق وروى عبد الرزاق فى مصنفه عن ابى هريرة قال قال عمر نحوه وروى الدارقطني عن على قال إذا اغلق بابا وارخى سترا وراى عورة فقد وجب عليه الصداق وروى ابو عبيد فى كتاب النكاح من رواية زرارة بن اوفى قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون إذا اغلق الباب وارخى الستر فقد وجب الصّداق والعدة ... ...

[سورة النساء (4) : آية 22]

وروى الدارقطني فى الباب حديثا مرفوعا عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كشف خمار امراة ونظر إليها فقد وجب الصداق دخل بها او لم يدخل وفى اسناده ابن لهيعة ضعيف لكن قال ابن الجوزي ابن لهيعة قد روى عنه العلماء وأخرجه ابو داود فى المراسيل عن ابن ثوبان ورجاله ثقات والمرسل عند ناحجة وقد روى عن ابن مسعود وابن عباس كمذهب الشافعي لكن لم يصح روى البيهقي عن الشعبي عن ابن مسعود فيمن خلا بامرأة ولم يحصل وطى لها نصف الصداق وهو منقطع وروى الشافعي عن ابن عباس مثله وفى اسناده ضعف وأخرجه ابن ابى شيبة عنه من وجه اخر وكذا البيهقي وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21) عهدا وثيقا عطف على افضى قال الحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة هو قول الولي عند العقد زوجتكها على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف او تسريح بإحسان وقال الشعبي وعكرمة هو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اتقوا الله فى النساء فانكم أخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى رواه مسلم من حديث جابر وروى ابن جرير من حديث ابن عمر نحوه يعنى أوثق الله عليكم لهن فكأنهنّ أخذن الميثاق اخرج ابن ابى سعد عن محمد بن كعب القرظي قال كان الرجل إذا توفى عن امرأته كان ابنه أحق بها ان ينكحها ان شاء ان لم تكن امه او ينكحها من شاء فلما مات ابو قيس بن سلمة قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته ولم يورثها من المال شيئا فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ارجعي لعل ينزل فيك شىء ورواه ابن ابى حاتم والفرياني والطبراني عن عدى بن ثابت عن رجل من الأنصار نحوه بلفظ توفى ابو قيس بن الاسلمة وكان من صالحى الأنصار فخطب ابنه قيس امرأته فقالت انما اعدّك ولدا وأنت من صالحى قومك فاتت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته فقال ارجعي الى بيتك فنزلت. وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ما موصولة يعنى التي نكحها آباؤكم وانما ذكر ما دون من لانه أريد به الصفة وقيل ما مصدرية بمعنى المفعول مِنَ النِّساءِ بيان ما نكح على الوجهين وفائدة البيان مع ظهور ان منكوحات الآباء لا تكون الّا من النساء التعميم إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ الظاهر ان الاستثناء منقطع ومعناه لكن ما قد سلف فانه لا مؤاخذة عليه وقيل استثناء من المعنى اللازم للنهى كانه قيل تعذبون بنكاح ما نكح ... ...

آباؤكم الا بما قد سلف إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً يعنى أقبح المعاصي عند الله لم يرخص فيه لامة من الأمم وَمَقْتاً ممقوتا لله وعند ذى المروات كان العرب يقول لولد الرجل من امراة أبيه مقيت وكان منهم الأشعث بن قيس وابو معيط عمرو بن امية والمقت أشد البغض وَساءَ سَبِيلًا (22) سبيل من يفعله عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال مرّبى خالى ومعه لواء فقلت اين تذهب قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم الى رجل تزوج بامراة أبيه اتيه برأسه رواه الترمذي وابو داؤد وفى رواية له وللنسائى وابن ماجة والدارمي فامرنى ان اضرب عنقه وأخذ ماله وفى هذه الرواية قال مرّ بي عمّى بدل خالى (فائدة) المراد بالآباء الأصول بعموم المجاز اجماعا حتى يحرم منكوحة الجد وان علا سواء كان الجد من قبل الأب او من قبل الام والنكاح قيل معناه الوطي حقيقة كذا قال ابن الجوزي فى التحقيق وبناء على هذا احتج بهذه الاية على ثبوت حرمة المصاهرة فى الزنى ومعنى الاية على هذا لا تطؤا موطوات الآباء سواء كان الوطي بنكاح صحيح او فاسدا وملك يمين او بشبهة او بزنى وفى القاموس النكاح الوطي والعقد له وهذه العبارة تفيد الاشتراك وفى الصحاح اصل النكاح العقد ثم استعير للجماع ومحال ان يكون فى الأصل للجماع ثم استعير للعقد لان اسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباحهم تعاطيه ومحال ان يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستقبحونه بما يستحسنوه قال الله تعالى وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ الى غير ذلك من الآيات والصحيح عندى ان المراد بالنكاح فى هذه الاية العقد دون الجماع للاجماع على ان منكوحة الأب التي وقع عليها عقد النكاح ولم يطأها يحرم على الابن لا خلاف فى ذلك وثبوت حرمة المصاهرة بالزنى مختلف فيه، فحمل الاية على معنى يوجب حكما مجمعا عليه اولى من خلاف ذلك فان قيل إذا أريد بالنكاح فى الاية العقد فما وجه القول بتحريم موطوءة الأب بملك اليمين مع انّ حرمتها ايضا مجمع عليه قلنا وجه ذلك دلالة النص فان المقصود من النكاح انما هو الوطي وهو سبب للجزئية فاذا كان النكاح الذي هو سبب للوطى الحلال موجبا لحرمته المصاهرة كان الوطي الحلال موجبا لها بالطريق الاولى- (مسئلة) الزنى لا يوجب حرمة المصاهرة عند الشافعي ومالك وقال ابو حنيفة واحمد يوجب ... ...

وهى رواية عن مالك وزاد احمد عليه فقال إذا اتى رجل امراة فى دبرها او اتى رجلا فى دبره حرمت على الواطى أم المفعول به وبنته رجلا كان او امراة وقد ذكرنا ان الاستدلال على حرمة المصاهرة بهذه الاية ضعيف فالاولى الاستدلال عليه بالقياس على الوطي الحلال لان علة التحريم كون الوطي سببا للولد ووصف الحل ملغاة شرعا بان وطى الامة المشتركة وجارية الابن والمكاتبة والمظاهر منها وامة المجوسية والحائض والنفساء ووطى المحرم والصائم فان كله حرام ويثبت به حرمة المصاهرة اجماعا فعلم ان المعتبر فى الأصل هو ذات الوطي من غير نظر لكونه حلالا او حراما قال ابن همام قد روى أصحابنا فيه أحاديث منها قال رجل يا رسول الله انى زينت بامراة فى الجاهلية أفأنكح ابنتها قال لا ارى ذلك ولا يصلح ان تنكح امراة تطلع من ابنتها على ما تطلع عليه منها وهو مرسل منقطع وفيه ابو بكر بن عبد الرحمن بن ابنة حكيم ومن طريق ابن وهب عن ابى أيوب عن ابن جريح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فى الذي يتزوج المرأة فيغمز لا يزيد على ذلك لا يتزوج ابنتها وهو مرسل منقطع الا ان هذا لا يقدح عندنا إذا كانت الرّجال ثقات انتهى كلامه احتج الشافعي بحديثين أحدهما حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرام لا يفسد الحلال رواه الدارقطني وفيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصى قال يحيى بن معين ليس بشىء كان يكذب ضعّفه ابن المديني جدّا وقال البخاري والنسائي والرازي وابو داود ليس بشىء وقال الدارقطني متروك وقال ابن حبان كان يروى عن الثقات الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به، ثانيهما حديث ابن عمر نحو حديث عائشة رواه الدارقطني وابن ماجة وفيه عبد الله ابن عمر أخو عبيد الله قال ابن حبان فحش خطاؤه فاستحق الترك وفيه إسحاق بن محمد العروى قال يحيى ليس بشىء كذّاب وقال البخاري تركوه (مسئلة) ابن المزنية يحرم عليه منكوحة أبيه الزاني كما يحرم بنت المزنية على أبيها الزاني لانهما ابنه وبنته حقيقة لغة والخطاب انما هو باللغة العربية ما لم يثبت نقل كلفظ الصلاة ونحوه فيصير منقولا شرعيا وكذا إذا لا عن رجل امرأته بنفي نسب ابنه وبنته فنفى القاضي نسبهما من الأب والحقهما بالأم لا يجوز لابن الملاعنة ان ينكح منكوحة الملاعن ولا للملاعن ان ينكح ابنة الملاعنة لانه يحتمل ان يكذب الملاعن نفسه ويدعيها فيثبت نسبهما منه، ... ...

[سورة النساء (4) : آية 23]

(مسئلة) مس الرجل امرأة والمرأة رجلا بشهرة له حكم الوطي عند ابى حنيفة فى وجوب حرمة المصاهرة وكذا نظره الى فرجها الداخل ونظرها الى ذكره بشهوة يوجب حرمة المصاهرة عنده ولو مسّ فانزل او نظر الى فرجها فانزل او اولج امراة فى دبرها فانزل قيل يوجب حرمة المصاهرة عنده والصحيح انه لا يوجب الحرمة عنده ايضا وعند الائمة الثلاثة المسّ والنظر لا يوجبان الحرمة وجه قول ابى حنيفة ان المسّ والنظر سببان داعيان الى الوطي فيقامان مقامه فى موضع الاحتياط وإذا انزل لم يبق داعيا الى الوطي والمس بشهوة ان ينتشر الآلة لو يزداد انتشارا هو الصحيح. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ يعنى أصولكم على عموم المجاز وقيل الام يطلق على الأصل لغة حقيقة فى القاموس أم كل شىء أصله ومنه أم القرى مكة وأم الكتاب الفاتحة او اللوح المحفوظ فيشتمل الجدات من قبل الأب او الام وان علون اجماعا وَبَناتُكُمْ يعنى فروعكم كذلك على عموم المجاز فيشتمل بنات الابن وبنات البنت وان سفلن اجماعا وَأَخَواتُكُمْ تعم ما كانت منها لاب او لام أولهما وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ تعم أخوات الأب لاحد الأبوين أولهما وأخوات الام لاحد الأبوين أولهما وتلحق بهن اجماعا عمات الأب وعمات الام وخالاتهما والعمات والخالات للجد والجدة وان علون سواء كن من قبل الأب او من قبل الام وسواء كن اخت أبيه او امه او جده أوجدته لاحد الأبوين أولهما كأنّ المراد بهما على عموم المجاز الفرع القريب للاصل البعيد ويحل الفرع البعيد للاصل البعيد اجماعا كبنت العم او العمة او الخال او الخالة وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ يعنى فروع الأخ والاخت بناتهما وبنات ابنائهما وبنات بناتهما وان سفلن سواء كان الأخ والاخت لابوين او لاحدهما، ذكر الله سبحانه المحرمات من النسب سبعا ويؤل امرهن الى اربعة اصناف أصله وفرعه وفرع أصله القريب وان بعد والفرع القريب للاصل البعيد واخصر من ذلك ان يقال يحرم النكاح بين الشخصين ان يكون بينهما ولا داو يكون أحدهما فرعا لاحد أبوي الاخر وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وكذا العمات والخالات وبنات الأخ وبنات الاخت من الرضاعة اجماعا على حسب ما فصلناه فى النسب لقوله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ويروى ما يحرم من الولادة متفق عليه من حديث عائشة وعن على انه قال يا رسول الله هل ... ...

لك فى بنت عمك حمزة فانها أجمل فتاة فى قريش فقال له اما علمت ان حمزة أخي من الرضاعة وان الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب رواه مسلم وعن عائشة قالت جاء عمّى من الرضاعة فاستأذن علىّ فابيت ان اذن له حتى اسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسالته فقال انه عمك فأذنى له قالت فقلت يا رسول الله انما أرضعتني المرأة ولم يرضعنى الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه عمك فيلج عليك وذلك بعد ما ضرب علينا الحجاب متفق عليه وعن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وانها سمعت صوت رجل يستأذن فى بيت حفصة فقالت عائشة قلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن فى بيتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أراه فلانا لعم حفصة من الرضاع فقلت يا رسول الله لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة ادخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ان الرضاعة يحرم ما يحرم من الولادة رواه البغوي، (فائدة:) احتج ابو حنيفة ومالك بهذه الاية وبقوله عليه السّلام مطلقا يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب على ان الرضاع قل او كثر يحرم ما يحرم من النسب وهو أحد اقوال احمد وقال الشافعي لا يحرم إلا خمس رضعات مشبعات فى خمس اوقات جائعات متفاصلات عرفا وهو القول الثاني لاحمد وعن احمد ثلاث رضعات وبه قال ابو ثور وابن المنذر وداود وابو عبيد وجه التقدير بثلاث حديث ابن الزبير عن عائشة ان نبى الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحرم المصة والمصتان وعن أم الفضل مرفوعا بلفظ لا يحرم الرضعة او الرضعتان وفى رواية اخرى عنها لا يحرم الاملاجة والإملاجتان وفيه قصّة وهذه الروايات رواها مسلم وكذا روى احمد والنسائي وابن حبان والترمذي من حديث ابن الزبير عن أبيه عن عائشة وأعله الطبري بالاضطراب لما روى عن ابن الزبير عن أبيه وعنه عن عائشة وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة وجمع ابن حبّان بامكان ان ابن الزبير سمع من كل منهم وقال البخاري الصحيح عن ابن الزبير عن عائشة وذكر الزبير تفرّد به محمد بن دينار وفيه ضعف واختلاف وإسقاط عائشة فى بعض الروايات إرسال ولا بأس به ورواه النسائي من حديث ابى هريرة وقال ابن عبد البر لا يصح مرفوعا قالوا ثبت بهذا الحديث ان الرضعة والرضعتان لا تحرمان فبقى التحريم فى ثلاث رضعات ووجه القول بالخمس حديث عائشة ... ...

قالت كان فيما انزل من القران عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخ بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى فيما يقرا من القران رواه مسلم ورواه الترمذي بلفظ انزل فى القران عشر رضعات فنسخ من ذلك خمس وصار الى خمس رضعات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، قلنا حديث الآحاد لا يعارض نصّ الكتاب المتواتر وعند التعارض يقدم التحريم احتياطا وايضا حديث عائشة كان فيما انزل من القران الحديث وان كان صحيحا سندا لكنه متروك لانقطاعه باطنا فانه يدل على انه صلى الله عليه وسلم توفى وهى فيما يقرأ مع انه ليس كذلك قطعا والا ثبت قول الروافض ذهب كثير من القرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا القول كفر لاستلزامه انكار قوله تعالى انّا له لحفظون والتأويل بان معنى قولها توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى قارب الوفاة يقتضى نسخ الخمس قبيل الوفاة كما نسخ العشر قبل ذلك وهو الصحيح قال ابن عباس حين قيل له ان الناس يقولون الرضعة لا يحرم قال كان ذلك ثم نسخ، وعن ابن مسعود الى امر الرضاع الى ان قليله وكثيره يحرم وروى عن ابن عمران القليل يحرم وعنه قيل له ابن الزبير يقول لا بأس بالرضعة والرضعتين فقال قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير قال الله تعالى وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ والتأويل بان معناه توفى صلى الله عليه وسلم وهى فيما يقرأ تعنى حكمها فيما يقرا غير مرضى لان القراءة انما يتعلق باللفظ دون الحكم، (مسئلة) اجمعوا على ان الرضاع بعد مدة الرضاع لا يوجب التحريم لانه لا يحصل التوليد والنمو بالرضاع الا فى المدة فلا يطلق بعد تلك المدة على المرضعة امّا وقال داود يوجب التحريم ابدا لحديث عائشة قالت جاءت سهلة بنت سهيل امراة ابى حذيفة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انى ارى فى وجه ابى حذيفة من دخول سالم وهو حليفه فقال صلى الله عليه وسلم ارضعى سالما خمسا تحرمى عليه رواه الشافعي ورواه مسلم وغيره بغير ذكر العدد والجواب ان الإجماع يدل على كون الحديث منسوخا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء فى الثدي وكان قبل الفطام رواه الترمذي من حديث أم سلمة وقال حديث صحيح وعنه عليه السّلام لا يحرم من الرضاع الا ما أنبت اللحم وانشر العظم رواه ابو داود من حديث ابن مسعود وفى الصحيحين عن عائشة قالت دخل علىّ ... ...

رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندى رجل فقال يا عائشة من هذا قالت أخي من الرضاعة قال يا عائشة انظرن من اخوانكن فانما الرضاعة من المجاعة، (مسئلة) مدة الرضاع التي يوجب فيها التحريم سنتان وبه قال ابو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي واحمد ومالك وسعيد بن المسيّب وعروة والشعبي وهو المروي عن عمر وابن عباس رواهما الدارقطني وعن على وابن مسعود أخرجهما ابن ابى شيبة وفى رواية عن مالك سنتان وشهر وفى اخرى عنه شنتان وشهران وفى اخرى عنه ما دام محتاجا الى اللبن وقال ابو حنيفة سنتان وستة أشهر وقال زفر ثلاث سنين لنا قوله تعالى وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ جعل الله تعالى التمام بهما ولا مزيد على التمام وقوله تعالى وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً وادنى مدة الحمل ستة أشهر فبقى للفصال سنتان وقوله تعالى وفصاله فى عامين وقوله صلى الله عليه وسلم لارضاع الّا ما كان فى الحولين رواه الدارقطني من حديث ابن عباس وقال تفرد برفعه الهيثم بن جميل وكان ثقة حافظا وكذا وثقه احمد والعجلى وقال ابن عدى كان يغلط ورواه سعيد بن منصور عن ابن عينية فوقفه، وجه قول ابى حنيفة انه تعالى قال وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ذكر شيئين وضرب لهما مدة فكان لكل واحد منهما بكمالها كالاجل المضروب للدينين على شخصين الا انه قام المنقص فى مدة الحمل قول عائشة الولد لا يبقى فى بطن امه اكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل وفى رواية ولو بقدر ظل معزل ومثله لا يقال الا سماعا لان المقدرات لا تدرك بالرأى فبقى مدة الفصال على الظاهر وهذا ليس بشىء بوجوه أحدها ان جعل قول عائشة منقصا لمدة الحمل ليس اولى من جعل قوله عليه السّلام لارضاع بعد حولين وقوله تعالى يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ منقصا لمدة الرضاع ثانيها انه يلزم حينئذ الجمع بين الحقيقة والمجاز فى لفظ ثلاثين شهرا حيث أريد به باعتبار الحمل اربعة وعشرون شهرا وباعتبار الفصال ثلاثون، ثالثها انه يلزم من هذا التأويل استعمال ثلاثين فى اربعة وعشرين باعتبار الحمل مع انه لا يتجوز بشىء من اسماء العدد فى الاخر نصّ عليه كثير من المحققين لانها بمنزلة الاعلام فى مسمّياتها وذكر لقول ابى حنيفة وغيره وجه اخر انه لا بد من تغيير الغذاء لينقطع الا نبات باللبن وذلك بزيادة مدة يتعود الصبى ... ...

فيها بغيره ولم يحد ذلك الزيادة مالك وحده زفر بحول لانه يشتمل على فصول اربعة وقدّره ابو حنيفة بستة أشهر لانه ادنى مدة الحمل نظرا الى ان غذاء الجنين يغائر غذاء الرضيع، قلنا انّ الشرع لم يحرم اطعام الرضيع غير اللبن قبل الحولين ليلزم اعتبار زيادة مدة القعود على الحولين فجاز ان يتعود بالطعام مع اللبن قبل الحولين وهو مختار ابن همام والطحاوي، وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ اشتملت كلمة الأمهات الجدّات سواء كن من قبل الأب او الام قريبة كانت او بعيدة والتحقت بهن بالحديث امّهاتهن وجداتهن من الرضاع والتحقت بالنساء الموطوءات بملك اليمين او بشبهة اجماعا والموطوءات بالزنى عند ابى حنيفة رحمه الله وكذا الا حنيفة الملموسة بشهوة عنده وَرَبائِبُكُمُ جمع ربيبة والربيب ولد المرأة من غيره سمّى به لانه يربّه كما يربّ ولده فى غالب الأمر فعيل بمعنى المفعول وانما لحقته التاء لانه صار اسما ويشتمل الربائب بعموم المجاز او بالقياس بنات أبناء الزوجات وبنات بناتهن وان سفلن وبنات الموطوءات بملك يمين او بشبهة ولو بواسطة او وسائط اجماعا وبنات المزّنيات وان سفلن عند ابى حنيفة اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ هذه الصفة خارجة مخرج العادة لا مفهوم لها اجماعا وقال داود لا يحرم من الربائب الا اللاتي فى حجورهم كذا روى عبد الرزاق وابن ابى حاتم بسند صحيح عن على رضى الله عنه فالمراد بالإجماع الإجماع بعد القرن الاول، مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ الموصول مع الصلة صفة لنسائكم مقيدة لها اجماعا ولا يجوز ان يكون صفة للنسائين لان عامليها مختلفان ولا يجتمع عاملان على معمول واحد الّا فى رواية عن الفراء وقوله من نسائكم ظرف مستقر جاز كونها صلة للموصول الاول ويكون قوله فى حجوركم متعلّقا به وجاز كونها منصوبا على الحالية من الضمير فى حجوركم والأظهر انه حال من ربائبكم وعلى تقدير كونه حالا من ربائبكم لا يجوز تعليقها بالأمهات ايضا لان كلمة من إذا علقتها بالربائب كانت ابتدائية وإذا علقتها بالأمهات لم يجز ذلك بل يجب ان تكون بيانا لنسائكم والكلمة الواحدة لا يحمل على معنيين عند جمهور الأدباء وان جوّز الشافعي عموم المشترك وايضا يوجب كونها بيانا لنسائكم كونها حالا منها ولا يجوز ان يكون شىء «1» واحد حالا من ربائبكم ومن نسائكم مع اختلاف العامل فيهما عند أحد فان ربائبكم مرفوع لقيامه مقام الفاعل ونسائكم مجرور بالاضافة قال البيضاوي الّا إذا جعلتها للاتصال

_ (1) فى الأصل شيئا واحدا

يعنى جعلت كلمة من اتصالية لا ابتدائية ولا بيانية فلا يكون المعنيان مختلفين بل تكون من مستعملة فى القدر المشترك بينهما وهو الاتصال اى الملابسة وحينئذ يكون الظرف حالا من الأمهات والريائب وهما مرفوعان من جهة واحدة وهذا التأويل مع بعده مردود بالحديث المرفوع والإجماع عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدّه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل نكح امراة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها وان لم يدخل بها فلينكح ابنتها وأيما رجل نكح امراة فلا يحل له ان ينكح امّها دخل بها او لم يدخل رواه الترمذي وقال هذا حديث لا يصح من قبل اسناده انما رواه ابن لهيعة والمثنى بن الصبّاح عن عمرو بن شعيب وهما يضعفان فى الحديث قال الشيخ ابن حجر وفى الباب عن ابن عباس من قوله أخرجه ابن ابى حاتم فى تفسيره بإسناد قوى اليه انه كان يقول إذا طلق الرجل امراة قبل ان يدخل بها او ماتت لم يحل له أمها ونقل الطبراني فيه الإجماع «1» لكن اختلفت الرواية فيه عن زيد بن ثابت ففى مسند ابن ابى شيبة عنه انه كان لا يرى بأسا إذا طلقها ويكرهها او ماتت عنه وروى مالك عن يحيى بن سعيد عنه انه سئل عن رجل تزوج امراة ثم ماتت قبل ان يصيبها هل يحل له أمها قال لا الام مبهمة وانما الشرط فى الربائب وروى عن على كرم الله وجهه تقييد التحريم فيهما أخرجه ابن ابى حاتم وبه قال مجاهد وكذا روى ابن ابى شيبة وغيره عن زيد بن ثابت وابن عباس وكذا روى عبد الرزاق وابن ابى حاتم عن ابن الزبير فلو صح الرواية عن على ومجاهد وغيرهما فى تقييد التحريم فلعل المراد من قول الطبراني اجماع من بعد القرن الاوّل والثاني، والباء فى قوله دخلتم بهن للتعدية او للمصاحبة اى ادخلتموهن الستر او دخلتم معهن الستر وهى كناية عن الجماع كقولهم بنى عليها وضرب عليها الحجاب واللمس بشهوة والنظر الى فرجها الداخل بشهوة حكمها حكم الجماع عند ابى حنيفة فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ تصريح بعد اشعار دفعا للقياس وَحَلائِلُ جمع حليلة وهى الزوجة سميت حليلة لانها تحل للزوج او تحل فراشه ويلتحق بالزوجات الموطوءات بملك اليمين او بشبهة اجماعا والموطوءات

_ (1) روى ان رجلا تزوج امراة ولم يدخل بها ثم راى أمها فاعجبته فاستفتى ابن مسعود فامره ان يفارقها ثم يتزوج أمها ففعل فولدت له أولادا ثم اتى ابن مسعود المدينة فسال عمر وفى لفظ فسال اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لا يصلح فلما رجع الى الكوفة قال للرجل انها عليك حرام ففارقها، قلت هذا يدل على الإجماع منه رحمه الله

يزنى عند ابى حنيفة أَبْنائِكُمُ يشتمل بعموم المجاز الفروع من أبناء الأبناء والبنات وان بعدوا الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ خروج بهذا القيد المتبنى فانهم كانوا يطلقون الابن على المتبنى ولو مجازا اخرج ابن جرير عن ابن جريح قال قلت لعطاء قوله تعالى وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ قال كنا نتحدث انها نزلت فى محمد صلى الله عليه وسلم حين نكح امراة زيد بن حارثة قال المشركون فى ذلك فنزلت وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ونزلت وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ونزلت ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ واما ابن الابن وابن البنت بواسطة او بلا واسطة فلم يخرجا بهذا القيد لانهما من الأصلاب ولو بالواسطة واما الابن بالرضاع وفروعه فانهم وان خرجوا بهذا القيد لكن حرمة حلائلهم ثبتت بنص الحديث اعنى قوله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وعليه انعقد الإجماع وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فى محل الرفع عطفا على أمهاتكم وبناتكم يعنى حرمت عليكم الجمع فى النكاح وفى الوطي بملك اليمين بين الأختين «1» بالنسب ويلتحق «2» بهما بنصّ الحديث الأختان بالرضاع سواء كانتا لاب او لام أولهما من النسب او من الرضاع ولا يحرم الزنى باحده الأختين النكاح بالأخرى كما لا يحرم نكاح الاخرى بعد موت أحدهما او انقضاء العدة من الطلاق والتحقت به بالسنة والإجماع حرمة الجمع بين امراة وعمّتها وامراة وخالتها وكذا عمة أبيها او أمها او خالة أحدهما وعمات أجدادها وجداتها وان بعدن عن اىّ جهة كن، عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجمع بين المرأة وعمّتها ولا بين المرأة وخالتها متفق عليه ورواه ابو داود والترمذي والدارمي بلفظ لا تنكح المرأة على عمّتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها لا الكبرى على الصّغرى ولا الصّغرى على الكبرى ورواه النسائي الى قوله بنت أختها وصححه الترمذي وروى البخاري عن جابر نحوه قال ابن عبد البر طرق حديث ابى هريرة متواترة عنه وفى الباب عن ابن عباس رواه احمد وابو داود والترمذي وابن حبان وعن ابى سعيد رواه ابن ماجة بسند ضعيف وعن على رواه البزار وعن ابن عمر رواه ابن حبان وفيه ايضا عن سعد بن ابى وقاص وزينب امراة ابن مسعود وابى امامة وعائشة

_ (1) اخرج احمد وابو داؤد والترمذي وحسنه وابن ماجه عن فيروز الديلمي انه أدركه الإسلام وتحته اختان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم طلق أيهما شئت منه رحمه الله- (2) فى الأصل التحقق-

وابى موسى وسمرة بن جندب وروى ابن حبان فى صحيحه وابن عدى من حديث عكرمة عن ابن عباس الحديث المذكور وزاد فى آخره انكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامهن واخرج ابو داؤد فى المراسيل عن عيسى بن طلحة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ان تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة ورواه ابن حبان بلفظ انكن إذا فعلتن ذلك «2» قطعتن أرحامهن والإجماع على حرمة الجمع بين الأختين من الرضاع يدل على انه كما يحرم قطيعة وصلة الرحم يحرم قطيعة وصلة الرضاع وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إكرام المرضعة عن ابى الطفيل الغنوي قال كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قبلت امراة فبسط النبي صلى الله عليه وسلم رداءه حتى قعدت عليه فلما ذهبت قيل هذه أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابو داؤد والحاصل انه يحرم من النسب والرضاع ما يكون أحدهما فرعا للاخر او ذاعا لاصله القريب ومن المصاهرة يحرم على المرأة اصول الزوج وفروعه مطلقا وعلى الرجل اصول الزوجة مطلقا وفروعها بشرط الدخول بها ولا يحرم من أقارب الزوج والزوجة بالمصاهرة ما عدى عمودى النسب الا الجمع بين امراة وفرع أصلها القريب «1» للاحتراز عن قطعية الرحم او قطعية وصلة الرضاع والله اعلم إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ قيل استثناء من المعنى اللازم للنهى يعنى يعذبون بنكاحهن الا بما قد سلف والظاهر ان الاستثناء منقطع بمعنى لكن يعنى لكن ما قد سلف فان الله يغفره ولا يؤاخذ به إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) يغفرهم ويرحمهم لعذر الجهل عن الشرائع

_ (2) سئل عن عمر عن جاريتين أختين توطا أحدهما بعد الاخرى قال عمر ما احبّ ان اجيزهما جميعا ونهاه واخرج مالك والشافعي عن قبيصة بن ذويب ان رجلا سال عثمان بن عفان عن الأختين فى ملك اليمين هل يجمع بينهما قال احلّتهما اية وحرمتهما اية وما كنت اصنع ذلك فخرج من عنده فلقى رجلا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أراه على بن ابى طالب فساله عن ذلك فقال لو كان لى من الأمر شىء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا وروى هذا الشك عن على من ابى صالح عن على قال فى الأختين المملوكتين احلّتهما اية وحرّمتهما اية ولا امر ولا انهى ولا أحل ولا احرم ولا افعل انا ولا اهل بيتي رواه ابن ابى شيبة والبيهقي وروى ابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال تحرم من الإماء ما تحرم من الحرائر الا العدد وكذا روى عبد الرزاق عن عمار بن ياسر قلت ما روى عن على انه أحلتهما اية وحرمتهما اية ليس مبنيا على الشك بل مراده ترجيح المحرم على المبيح وقد روى عنه ابن عبد البر فى الاستذكار ان إياس بن عامر ساله ان لى أختين أمتين اتخذت إحداهن سرية وولدت لى أولادا ثم رغبت فى الاخرى فما اصنع قال تعتق التي كنت تطأ ثم تطأ الاخرى ثم قال انه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك فى كتاب الله من الحرائر الا العدد او قال الا الأربع ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك فى كتاب الله من للنسب منه رحمه الله تعالى (1) فى الأصل قطعتم

[سورة النساء (4) : آية 24]

قال الله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً «1» ... حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ وقال الله تعالى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا. وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ عطف على أمهاتكم يعنى حرمت عليكم المحصنات من النّساء اى ذوات الأزواج لا يحل للغير نكاحهن ما لم يمت زوجها او يطلقها وتنقضى عدّتها من الوفاة او الطلاق سمّيت المتزوجات محصنات لانه احصنهن التزويج او الأزواج قال البغوي قال ابو سعيد الخدري رضى الله عنه نزلت فى نسائكن يهاجرن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهن ازواج فيتزوجهن بعض المسلمين ثم يقدم أزواجهن مهاجرين فنهى الله المسلمين عن نكاحهن قلت لعل المراد من الحديث ان المرأة المهاجرة إذا كان زوجها مسلما لا يحل نكاحها وان كان فى دار الحرب لعدم اختلاف الدين حقيقة والدار حكما وامّا إذا أسلمت وهاجرت وزوجها كافر فى دار الحرب فنكاحها حلال لقوله تعالى «2» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ... «3» فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ الى قوله تعالى وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ لكن عند ابى حنيفة وصاحبيه تقع الفرقة بينها وبين زوجها بمجرد الخروج من دار الحرب لاختلاف الدارين حقيقة وحكما ولا عدة عليها بعد الفرقة عنده وعندهما عليها العدة وعند مالك والشافعي واحمد يقع الفرقة بعد ثلاث حيض من وقت إسلامها ان دخل بها وان لم يدخل بها فمن وقت إسلامها ولا اثر عندهم لاختلاف الدارين إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قال عطاء أراد بهذه الاستثناء ان تكون أمته فى نكاح عبده فيجوز له ان ينزعها منه وهذا القول مردود بالإجماع والصحيح ما روى مسلم وابو داود والترمذي والنسائي عن ابى سعيد الخدري قال أصبنا سبايا من سبى أوطاس لهن ازواج فكرهنا ان نقع عليهن ولهن ازواج فسالنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يقول الا ما أفاء الله عليكم فاستحللتم بها فروجهن واخرج الطبراني عن ابن عباس قال نزلت يوم حنين لمّا فتح الله حنينا أصاب المسلمون نساء من نساء اهل الكتاب لهن ازواج وكان الرجل إذا أراد ان يأتى المرأة قالت ان لى زوجا فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فانزلت هذه الآية

_ (1) وفى القران قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى إلخ [.....] (2) فى الأصل يا ايّها النّبىّ إذا جاءكم لعله من الناسخ (3) وفى القرآن اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ إلخ-

فهذه الاية تدل على ان المرأة إذا سبيت مع زوجها او بدونه وقعت الفرقة بينها وبين زوجها ويحل لمن ملكها وطيها بعد الاستبراء لما روى ان منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى يوم أوطاس الا لا تنكح الحبالى حتى يضعن حملهن ولا الحيالى حتى يحضن رواه ( «1» ) وكذا يحل للمالك تزويجها لغيره وظهران السبي يوجب الصفا للسّابى فى ملك البضع كما يوجب الصفا فى ملك الرقبة وبه قال مالك والشافعي واحمد قالوا ان سبايا أوطاس سبين مع أزواجهن وقال ابو حنيفة لا يقع الفرقة بالسبي الا إذا سبى أحد الزوجين بدون الاخر فان الموجب للفرقة عنده اختلاف الدارين حقيقة وحكما دون السبي قالت الحنفية ان مع اختلاف الدارين لا ينتظم مصالح النكاح فشابه المحرمية والسبي يوجب الصّفا فى ملك الرقبة دون ملك البضع لعدم الاستلزام بينهما وهذا استدلال فى مقابلة النص قال ابن همام روى فى سبايا أوطاس ان النساء سبين وحدهن ورواية الترمذي يفيد ذلك روى عن ابى سعيد قال أصبنا سبايا أوطاس ولهن ازواج فى قومهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية قلت وليس فى لفظ الترمذي ما يدل قطعا انهن كلهن سبين بغير ازواج والظاهر فيه قول الشافعي ولو صح انهن سبين كلهن بغير ازواج فالعبرة لعموم اللفظ دون خصوص السبب وقد ذكر الله سبحانه الاستثناء من ذوات الأزواج بعنوان ملك اليمين لا بعنوان اختلاف الدّارين وقالت الحنفية الاية ليست على عمومها اجماعا فان مقتضى اللفظ حل المملوكة مطلقا سواء ملكت بالسبي او الشراء او الإرث او نحو ذلك ولا شك ان المشتراة المتزوجة خارجة عن هذا الحكم اجماعا فخصصنا عنها المسبيّة مع زوجها ايضا قلت لا بد لتخصيص العام وان كان ظنيا من دليل شرعى نصّ او اجماع او قياس ولا يجوز التخصيص بالرأى على ان الإجماع على كون الامة المشتراة المتزوجة خارجة عن هذا الحكم ممنوع قال البغوي قال ابن مسعود أراد الله تعالى بهذه الاية ان الجارية المتزوجة إذا بيعت يقع الفرقة بينها وبين زوجها ويكون بيعها طلاقا رواه ابن ابى شيبة وابن جرير وعبد بن حميد عنه قلت يمكن ان يقال المراد بالمحصنات الجرائر ذوات الأزواج والتحق بهن بالقياس الإماء ذوات الأزواج فمعنى الاية حرّمت عليكم الحرائر ذوات الأزواج الّا ما ملكت ايمانكم بالسبي والاستيلاء عليهن فحينئذ لا يحتاج الى تخصيص المملوكة بالشراء او الإرث من حكم الحل لا قبل الشراء ليست من المحصنات بل من المملوكات بخلاف المسبية فانها كانت قبل السبي حرّة

_ (1) هكذا بياض فى الأصل-

كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ مصدر مؤكد اى كتب الله عليكم كتابا تحريم من ذكرن اخرج ابن جرير من طريق عبيدة عن عمر بن الخطاب فى قوله تعالى كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ قال الأربع وابن المنذر من طريق ابن جريح عن ابن عباس قال واحدة الى اربع فى النكاح وَأُحِلَّ لَكُمْ قرأ ابو جعفر وحمزة والكسائي وحفص على البناء للمفعول والباقون على البناء للفاعل وضمير الفاعل راجع الى الله تعالى فى كتاب الله معطوف على حرّمت او على فعل مضمر الذي نصب كتاب الله فان قيل العطف يقتضى المشاركة وجملة كتاب الله مؤكد لما سبق من التحريم فما وجه مشاركة هذه الجملة معها فى التوكيد قلنا تحليل ماوراء ذلك يؤكد تحريم ذلك فان قيل على تقدير العطف على حرمت اىّ نكتة فى إيراد حرمت مجهولا وأحل معروفا على قراءة الجمهور قلنا التحليل انعام بخلاف التحريم فصرح بإسناد الانعام الى ذاته دون اسناد التحريم ما وَراءَ ذلِكُمْ يعنى ما سوى المحرمات المذكورات فى الآيات السابقة وخصّ عنه بالسنة والإجماع والقياس ما ذكرنا من المحرمات فى الشرح وما فوق الأربع من النساء أَنْ تَبْتَغُوا اى تبتغوهن يعنى ما وراء ذلكم من النساء بِأَمْوالِكُمْ بنكاح او باشتراء مُحْصِنِينَ حال من فاعل تبتغوا اى حال كونكم متعففين فان العفة تحصين الفرج عن الفاحشة والنفس عن اللوم والعقاب غَيْرَ مُسافِحِينَ حال بعد حال والسفاح الزنى من السفح وهو صبّ المنى فانه الغرض منه دون بقاء النسل وقوله أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ بدل اشتمال من قوله ما وَراءَ ذلِكُمْ لان المقصود بإسناد الحل الى ما وَراءَ ذلِكُمْ ليس الّا ابتغاءهن بالأموال حلالا فان النساء ما وراء المحرّمات المذكورات لا تحل لاحد مطلقا بل مقيدا بنكاح صحيح «1» او بملك يمين وهو المراد بالابتغاء بالأموال كما ان «2» فى قواك أعجبني زيد علمه ليس المقصود بالإسناد ذات زيد بل علمه وجاز ان يكون قوله ان تبتغوا متعلّقا بقوله احلّ لكم بتقدير الباء يعنى أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ بسبب أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ بنكاح او باشتراء فعلى هذا

_ (1) ومن هاهنا يظهران قوله تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ليس بعلم يدل على حل كل امرأة غير المحرمات المذكورة ولا ظاهر فى جواز كل ابتغاء بالمال بل هو مجمل منه ما هو نكاح صحيح موجب للاحصان ومنه ما هو سفاح مما ثبت بالسنة او الإجماع من شرائط النكاح كالشهادة او الإعلان والولي ونحو ذلك التحقق بيانا لمجمل الكتاب فلا يرد ما قيل ان اشتراط الشهادة ونحوها يلزم فيه الزيادة على الكتاب او تخصيص الكتاب بخبر الآحاد منه رحمه الله (2) فى الأصل كما ان فى ان قولك

يظهران المهر من لوازم النكاح لتقييد الاحلال به ويدل على ذلك قوله تعالى وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ لدلالته على ان النكاح بلا مهر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وكان القياس عدم صحة النكاح عند انعدام التسمية لكنا تركنا القياس لقوله تعالى لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً فانها تدل على صحّة النكاح بغير التسمية فقلنا ان المهر من لوازم النكاح وأحكامه وليس من شرائطه ذكره وعليه انعقد الإجماع لكن عند الشافعي ان تزوج ولم يسم لها مهرا او تزوج على ان لا مهر لها ومات عنها قبل ان يدخل بها لا يجب لها المهر وعند الجمهور يجب لها مهر المثل كما يجب بالدخول اجماعا لنا ان المهر وجب حقّا للشرع لما ذكرنا من تقييد الحل بالابتغاء بالأموال ولان الباء للالصاق فالله سبحانه أحل الابتغاء ملصقا بالمال فالقول بتراخيه الى وجود الوطي كما قاله الشافعي فى المفوضة ترك العمل بمضمون الباء ولحديث علقمة انه سئل ابن مسعود عن رجل تزوج امراة ولم يفرض لها شيئا ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود لها مثل صداق نساءها لاوكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بروع بنت وأشق امراة منا مثل ما قضيت ففرح بها ابن مسعود رواه ابو داؤد والترمذي والنسائي والدارمي قال البيهقي جميع روايات هذا الحديث وأسانيدها صحاح فان قيل لو كان المهر من لوازم النكاح لزم ثبوته فى المفوضة ان طلقت قبل الدخول ايضا ولم يقل به أحد غير احمد فى بعض الروايات عنه حيث قال يجب نصف مهر المثل والأصح عنه كقول الجمهور انه لا يجب قلنا المتعة لها عوض عن نصف المهر ولذا قلنا بوجوب المتعة لها- (مسئلة) اختلفوا فيما إذا تزوج بشرط ان لا مهر لها فقال مالك لا يصح هذا النكاح لانه عقد معاوضة كالبيع والبيع بشرط ان لا ثمن لا يصح اجماعا فكذا النكاح قلنا ليس النكاح عقد معاوضة وانما وجب المهر حكما شرعا إظهارا لشرف المحل ولو كان عقد معاوضة كالبيع لما صح النكاح عند ترك التسمية كما لا يصح البيع عند ترك ذكر الثمن فالشرط بان لا مهر شرط فاسد وبه لا يفسد النكاح ويلغوا لشرط والثمن ركن فى البيع لا يصح البيع بدونه فافترقا- فائدة: - هذه الاية تقتضى ان المهر لا بد ان يكون مالا لان الحلّ مقيّد بالابتغاء بالأموال ... ...

والمنافع المعلومة ملحق بالأموال شرعا ولذا جازت الاجارة بالنصوص والإجماع مع انها بيع المنافع وكان القياس يأبى عن جوازها لان المعقود عليه وهى المنفعة ليست بمال وايضا هى معدومة واضافة التمليك الى ما سيوجد لا يصح لكن الشرع اعتبرها ما لا وجوز الاجارة لمكان الحاجة واقام ما ينتفع به اعنى الدار مثلا فى اجارة الدار مقام المنفعة فى حق اضافة العقد واعتبار وجوده ولما ظهر كون المنافع ملحقا بالأموال- (مسئلة) جاز ان ينكح على سكنى داره وخدمة عبده وركوب دابته والحمل عليها وزراعة ارضه ونحوها من منافع الأعيان مدة معلومه لان الحاجة الى النكاح متحقق كالحاجة الى الاستيجار وإمكان الدفع ثابت بتسليم محالها فصار هو ابتغاء بالمال- (مسئلة) ولو نكح ان يخدمها بنفسه سنة قال محمد يجب قيمة الخدمة لان المسمى يلحق بالأموال الا ان خدمة الزوج للزوجة تناقض مقتضى عقد النكاح لان مقتضاه المالكية والخدمة من مقتضيات المملوكية فاذا عجز عن تسليم المسمى وجب قيمته وعند ابى حنيفة وابى يوسف يجب مهر المثل لان اعتبار المنافع مالا انما كان عند إمكان التسليم فاذا امتنع للمناقضة لم يعتبر مالا فلم يصح فوجب مهر المثل- (مسئلة) ولو نكح على خدمة حرّ اخر يصح ويجب على الزوج قيمتة الخدمة اتفاقا ان لم يرض ذلك الرجل او كانت الخدمة تستدعى مخالطتها مع رجل اجنبى (مسئلة) ولو نكح على ان يرعى الزوج غنمها او يزرع ارضها لم يجز فى رواية لانه من باب الخدمة والصحيح انه جاز ذلك لانه لم يتمحض لها خدمة إذ العادة اشتراك الزوجين فى القيام على مصالح مالهما ويدل على صحته قصّة موسى وشعيب عليهما السّلام من غير بيان ففيه فى شرعنا روى احمد وابن ماجة عن عتبة بن المنذر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرا طسم حتى بلغ قصّة موسى فقال ان موسى اجر نفسه ثمان سنين او عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه لكن هذه القصّة لا يصلح حجة الا إذا كان الغنم ملكا للبنت دون شعيب عليه السلام والظاهر خلافه (مسئلة) ولو نكح على تعليم سورة من القران جاز عند مالك والشافعي وهى رواية عن احمد ولم يجز عند ابى حنيفة واحمد فيجب عندهما مهر المثل وهذا الاختلاف مبنى على اختلافهم ... ...

فى جواز الاستيجار على القرب كالحج والاذان وتعليم القران ونحو ذلك فمن جوّز الاستيجار عليها جوّز جعلها مهرا فى النكاح لانها من المنافع التي ألحقت بالأموال شرعا ومن لم يجوّز الاستيجار لم يجوّز جعلها مهرا وللشافعى فى اثبات جواز جعل القران مهرا طريقان أحدهما الاحتجاج على جواز الاستيجار على القرب مطلقا وثانيهما الاحتجاج على خصوصية هذه المسألة اعنى جعل تعليم القران مهرا وله فى الطريق الاول حديثان أحدهما عن ابى سعيد ان ناسا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حى من احياء العرب فلم يقروهم فبيناهم كذلك إذ لدغ سيّد أولئك فقال معكم من دواء أوراق فقال انكم لم تقروا ولن نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا فجعلو لهم «1» قطيعا من الشاء فجعل يقرا بام القران ويجمع بزاقه ويتفل فبرا فاتوا بالشاء وقالوا لا نأخذ حتى نسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسالوه فضحك وقال وما يدريك انها رقية خذوها واضربوا لى بسهم ثانيهما عن ابن عباس ان نفرا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّوا بماء فيه لديغ او سليم «2» فعرض لهم رجل من اهل الماء فقال هل فيكم راق ان فى الماء رجلا لديغا او سليما فانطبق رجل فجاء فقرا بفاتحة الكتاب فبرأ فجاء بالشاء الى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب الله اجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يا رسول الله أخذ على كتاب الله اجرا فقال عليه السّلام ان احقّ ما أخذتم عليه اجرا كتاب الله وفى رواية أصبتم واضربوا لى معكم سهما الحديثان فى الصحيحين وروى احمد وابو داود نحو ذلك عن خارجة بن الصلت عن عمه وأجيب عن هذين الحديثين بان القوم كانوا كفارا جاز أخذ أموالهم وبان الرقية ليست قربة محضة جاز أخذ الاجرة عليها وللشافعى فى الطريق الثاني حديث سهل بن سعد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امراة فقالت يا رسول الله انى وهبت نفسى لك فقامت طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوّجنيها ان لم يكن لك فيها حاجة فقال هل عندك من شىء تصدقها قال ما عندى الا إزاري هذا قال التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل معك من القران شىء قال نعم سورة كذا وسورة كذا فقال قد زوّجتكها بما معك من القران وفى رواية فانطلق فقد زوّجتكها فعلمها من القران متفق عليه وأجيب عن هذا الحديث بانه كما انه كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ان ينكح امراة بلا مهران وهبت نفسها له كذلك كان له ان

_ (1) فى الأصل فجعلوهم (2) السليم اللديغ سمى به تفولا منه رح

يزوجها غيره بلا مهر بعد ما وهبت نفسها له روى ابن الجوزي عن مكحول ان رسول الله صلى عليه وسلم زوّج رجلا على ما معه من القران قال وكان مكحول يقول ليس ذلك لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا ذكر الطحاوي عن ليث انه قال لا يجوز هذا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجاب ابن الجوزي عن هذا الحديث بانه كان لضرورة الفقر فى اوّل الإسلام، قلت هذا كانّه ادعاء نسخ والنسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال وكذا كونه من الخصائص، ولابى حنيفة ومن معه فى اثبات ما ادّعوه طريقان أحدهما الاحتجاج على عدم جواز الاستيجار للقرب وثانيها فى خصوصية عدم صلوح التعليم مهرا ولهم فى الطريق الاول أحاديث منها حديث عبادة بن الصامت قال علّمت ناسا من اصحاب الصّفة الكتابة والقرآن فاهدى الىّ رجل منهم قوسا فقلت ارمى عليها فى سبيل الله فسالت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان يسرّك ان تطوق طوقا من نار فاقبلها رواه احمد وابو داؤد وفيه المغيرة قال ابن الجوزي ضعيف ومنها حديث ابى بن كعب قال علّمت رجلا القران فاهدى لى قوسا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان أخذتها أخذت قوسا من نار فرددتها رواه ابن الجوزي ومنها حديث عبد الرحمن بن سهل الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرءوا «1» القران ولا تغلوا «2» فيه ولا تجفوا «3» عنه ولا تأكلوا به ولا تستكبروا به رواه الطبراني ومنها حديث مطرف بن عبد الله ان عثمان بن ابى العاص قال يا رسول الله اجعلنى امام قومى قال اقتد باضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه اجرا رواه احمد ولهم فى؟؟؟ السائق الثاني انا لو سلمنا جواز الاستيجار على القرب فتعليم القرآن خاصة لا يجوز الاستيجار عليه لان من شرائط صحة الاجارة كون العمل معلوما او الوقت معلوما والتعليم قد يحصل بقليل العمل وقد يحصل بكثيره وايضا التعليم يتوقف على وصف فى المتعلّم وذلك ليس فى وسع المعلم فلا يجوز الاستيجار عليه وإذا ظهر عدم جواز الاستيجار عليه ظهران الشرع ما الحقه بالأموال فلا يجوز جعله مهرا لتقتييد الاحلال بابتغاء النساء بالأموال، وحديث سهل بن سعد حديث احاد لا يجوز العمل به

_ (1) فى الأصل اقرأ القران (2) قوله لا تغلوا اى لا تجاوزوا الحد قال فى النهاية انما قال ذلك لان من أخلاقه وآدابه التي امر بها القصد فى الأمور وخير الأمور أوساطها وكلا طرفى قصد الأمور ذميم منه رحمه الله- (3) لا تجفوا اى تعاهدوه ولابتعدوا عن تلاوته والجفاء البعد عن الشيء نهاية منه رحمه الله-

فى مقابلة نصّ الكتاب اعنى قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ قال البيضاوي قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مفعول له لقوله تعالى احلّ لكم يعنى ليس قيدا للاحلال والمعنى أحل لكم ماوراء ذلكم ارادة ان تبتغوا النساء باموالكم بالصرف فى مهورهن او أثمانهن فى حال كونكم محصنين غير مسافحين وانما قدر البيضاوي المضاف ليكون المفعول له فعلا لفاعل «1» الفعل المعلل له والصحيح انه لا حاجة الى تقدير المضاف لان حذف حرف الجر مع ان وانّ قياس فجاز ان يقدر اللام من غير اشتراط اتحاد الفاعل ثم قال البيضاوي نظرا الى هذا التأويل انه احتج به الحنفية على ان المهر لا بدّ ان يكون مالا ولا حجة فيه ومعنى قوله لا حجة فيه ان التحليل لفائدة عدم صرف الأموال فى السّفاح الموجب لخسران الدنيا والآخرة لا يقتضى ان لا يحصل التحصيل بدون المال، قلت هذا التأويل يقتضى كون حل ماوراء المحرمات مطلقا وان لا يكون قوله ان تبتغوا قيدا له وليس كذلك لظهور ان الحل مقيد بالنكاح او ملك اليمين وكون المهر لا بد ان يكون مالا امر مجمع عليه حتى ان من نكح على ميتة او تراب او رماد مثلا مما ليس بمال يجب عليه مهر المثل اجماعا كمن نكح بلا مهر وانما جوّز الشافعي النكاح على تعليم سورة من القران الحاقا له بالمال كما جوّز الاستيجار عليه وقد ذكرنا ما له وما عليه فالتأويل الصحيح هو الذي ذكرنا الذي يستنبط بها المسائل المجمع عليها والله اعلم- (مسئلة) من أعتق امة وجعل عتقها صداقها بان قال اعتقتك على ان تزوجنى نفسك بعوض العتق صح العتق بالإجماع وقال احمد ان كان هذا بحضرة شاهدين صح النكاح لقصّة نكاح صفية وعنه لا يصح كقول الجمهور وهى بالخيار فى تزويجه فان تزوجته فلها مهر مثلها عند الجمهور خلافا لابى يوسف وسفيان الثوري لهما الحديث الصحيح انه صلى الله عليه وسلم تزوج صفية وجعل عتقها صداقها وقصّة جويرية فى سبايا بنى المصطلق انها وقعت فى سهم ثابت بن قيس وابن عمّ له فكاتبها فجاءت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه فى كتابتها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أقضي عنك كتابتك وأتزوجك قالت نعم قال قد فعلت رواه احمد وابو داؤد من حديث عائشة قلنا انه نكاح بغير مال إذ رقبة الامة لا تصير ملكها فصار حكمه حكم نكاح بلا مهر فيجب مهر المثل والحديث لا يصلح حجة لان النكاح بلا مهر

_ (1) فى الأصل للفاعل

كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وان أبت ان تتزوجه يجب على الامة السعاية فى قيمتها عند ابى حنيفة والشافعي وابى يوسف ومحمد وقال مالك وزفر لا يجب عليها السّعاية وجه قول ابى حنيفة وصاحبيه والشافعي ان المولى اجعل العتق عوضا من البضع فاذا أبت عن التزويج بقي العتق بلا عوض ولم يرض به المولى فوجب السعاية عليها كما إذا أعتق على خدمة سنة فمات المولى يجب على العبد قيمة نفسه عند ابى حنيفة وابى يوسف وقيمة الخدمة عند محمد ووجه قول مالك وزفران العتق لمّا لم يصلح عوضا عن النكاح فبقى العتق بغير عوض فلا سعاية عليها ان أبت كما لا سعاية عليها ان اجابت وهذا القول اظهر، (مسئلة) اكثر المهر لاحد له اجماعا لما ذكرنا فى تفسير قوله وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً واختلفوا فى اقل المهر فقال الشافعي واحمد لاحد لاقل المهر فكل ما جاز ان يكون ثمنا فى البيع جاز ان يكون صداقا فى النكاح والحجة لهما اطلاق قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ وقال ابو حنيفة ومالك اقل المهر مقدر شرعا وهو ما يقطع فيه يد السّارق مع اختلافهما فى قدر ذلك فعند ابى حنيفة عشرة دراهم او دينار وعند مالك ربع دينار او ثلثة دراهم احتج ابو حنيفة ومالك على كونه مقدرا من الله تعالى بقوله تعالى قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ قالوا الفرض هو التقدير فكان المهر مقدرا شرعا فمن لم يجعله مقدرا كان مبطلا للكتاب وأسند التقدير الى نفسه فمن جعل التقدير مفوضا الى العبد كان مبطلا لموجب ضمير المتكلم قلنا هذه الاية فى النفقة دون المهر قال الله تعالى قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ إذ ليس للمملوكة مهر ولو ثبت بهذه الاية تقدير المهر لزم تقدير الثمن فى المملوكة ايضا ولم يقل به أحد واحتج الشافعي لعدم التقدير بأحاديث منها ما ذكرنا من حديث سهل بن سعد وفيه التمس ولو خاتما من حديد وهو حديث صحيح ومنها حديث عامر بن ربيعة ان امراة من فزارة تزوجت على نعلين فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فاجازه رواه الترمذي وصححه وقال ابن الجوزي لا يصح لان فى سنده عاصم بن عبيد الله قال يحيى بن معين ضعيف لا يحتج بحديثه قال ابن حبان كان فاحش الخطا فترك ومنها حديث جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو ان رجلا اعطى امراة صداقها ملا يده ... ...

طعاما كانت له حلالا وفى رواية بلفظ من اعطى فى نكاح ملا كف فقد استحل قال من دقيق او طعام او سويق رواه الدارقطني وروى ابو داود بلفظ ملا كفيه سويقا او تمرا وفى جميع طرقه صالح بن مسلم بن رومان ضعّفه يحيى والرازي وذكر فى بعض طرقه موسى بن مسلم مكان صالح بن مسلم ولا يعرف موسى ورواه الدارقطني من حديث عبد الله بن مؤمل عن ابى الزبير عن جابر قال كنا تنكح المرأة على الحفنة والحفنتين قال احمد أحاديث ابن المؤمل منكر وقال يحيى هو ضعيف ومنها حديث ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انكحوا الأيامى وادوا العلائق قيل ما العلائق بينهم يا رسول الله قال ما تراضى عليه الأهلون ولو قضيب من أراك رواه الدارقطني من طريق إسماعيل بن عياش عن برد بن سنان عن ابى هارون العبدى عنه واسمعيل بن عياش ضعّفوه قال ابن حبّان خرج عن الاحتجاج به وابو هارون العبدى اسمه عمارة ابن جون قال حماد بن زيد كان كذابا وقال احمد ليس بشىء وقال شعبة ان اقدم فيضرب عنقى احبّ الى من ان أحدث عنه قال السعدي كذاب مفتر وروى الدارقطني والبيهقي نحوه من طريق محمد بن عبد الرحمن السلماني عن أبيه عن ابن عباس وقيل عن ابن عمر رواه الدارقطني والطبراني وقال يحيى بن معين محمد بن عبد الرحمن ليس بشىء وقال ابن حبان حدث عن أبيه بنسخه شبيها بماتى حديث كلها موضوعة وأخرجه البيهقي من حديث عمر واسناده ضعيف ايضا، ورواه ابو داود فى المراسيل من طريق عبد الملك بن المغيرة الطائفي عن عبد الرحمن السليماني مرسلا حكى عبد الحق المرسل أصح وروى البيهقي عن يحيى بن عبد الرحمن عن أبيه عن جدّه من استحل بدرهم فقد استحل وأخرجه ابن شاهين بلفظ يستحل النكاح بدرهمين فصاعدا واحتج ابو حنيفة بحديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا لا يزوج النساء الا الأولياء ولا يزوجن الا من الأكفاء ولا مهر اقل من عشرة دراهم رواه الدارقطني والبيهقي قال ابن الجوزي روينا هذا الحديث من طرق مدارها على مبشر بن عبيد قال ابن حنبل مبشر ليس بشىء أحاديثه موضوعات كذب يضع الحديث وقال الدارقطني يكذب وقال ابن حبان يروى عن الثقات الموضوعات قال ابن همام لهذا الحديث شاهد يعضده وهو ما روى عن على موقوفا لا يقطع اليد فى اقل من عشرة دراهم ولا يكون المهر اقل من عشرة دراهم وقال محمد بلغنا ذلك عن على وعبد الله بن عمرو عامر ... ...

وابراهيم ورواه بإسناده الى جابر فى شرح الطحاوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن فى حديث على داود الأزدي عن الشعبي عن على قال يحيى بن معين داود ليس حديثه بشىء قال ابن حبان كان داود يقول بالرجعة ثم ان الشعبي لم يسمع عن على وفى بعض طرقه غياث بن ابراهيم قال احمد والبخاري والدارقطني غياث بن ابراهيم متروك وقال يحيى كان كذابا وقال ابن حبان يضع الحديث وقد روى عن على لا مهر اقل من خمسة دراهم وفيه الحسن بن دينار قال احمد لا يكتب حديثه وقال يحيى ليس بشىء وقال ابو حاتم كذاب قلت فظهران حديث التقدير بعشرة دراهم لم يصح بل صح ما ليضاده وهو حديث سهل بن سعد ولو صح حديث التقدير بعشرة لم يجز به الزيادة على الكتاب المفيد للاطلاق وما قيل ان المهر وجب حقا للشرع وسببه اظهار الخطر للبضع ومطلق المال لا يقتضى الخطر كحبة حنظة وكسرة خبز فهو تعليل يعود على النص بالابطال فى موجبه وهو الإطلاق فيرد والله اعلم فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ قال جماعة المراد بالاستمتاع عقد المتعة وهى عقد يراد بها ملك البضعة الى مدة معينة بمهر معين بانت المرأة بعد انقضاء تلك المدة بلا طلاق وتستبرئ رحمها وليس بينهما ميراث ولا تسمى المرأة بها زوجة ولا الرجل زوجا روى عبد الرزاق فى مصنفه عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عبّاس انه كان يراها الان حلالا ويقرا فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ قال وقال ابن عباس وفى حرف ابى بن كعب الى أجل مسمى قال وكان يقول يرحم الله عمر ما كانت المتعة الا رحمة من الله يرحم الله بها عباده ولولا نهى عمر ما احتيج الى الزنى ابدا وروى ابن عبد البر انه سئل ابن عباس عن المتعة أسفاح هى أم نكاح قال لا نكاح ولا سفاح قيل فما هى قال المتعة كما قال الله تعالى قلت وهل عليها حيضة قال نعم قلت ويتوارثان قال لا وروى تحليلها عن جماعة من الصحابة روى النسائي والطحاوي عن اسماء بنت ابى بكر قالت فعلناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى مسلم عن جابر قال تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابى بكر وصدر خلافة عمر ولما كان اخر خلافة عمر نهانا عنها فلم نعد وروى الطحاوي عنه وعن سلمة بن الأكوع ان النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم فاذن فى المتعة وفى الصحيحين عن ابن مسعود قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ننكح المرأة الى أجل مسمى ثم قرا يعنى ابن مسعود يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ... ...

وهذه الآثار لا تمنع كونها منسوخة غير اثر ابن عباس وقراءة ابن مسعود يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وروى عبد الرزاق فى مصنفه عن معاوية انه استمتع بامراة بالطائف وذكر عمرو بن شيبة فى اخبار المدينة بإسناده ان سلمة بن امية استمتع بامراة فبلغ ذلك عمر فتوعده وروى عبد الرزاق فى مصنفه عن معبد بن امية حل المتعة قال الحافظ وافتى بها من التابعين ابن جريح وطاءوس وعطاء واصحاب ابن عباس وسعيد بن جبير وفقهاء مكة ولهذا قال الأوزاعي فيما رواه الحاكم عنه فى علوم الحديث يترك من قول اهل الحجاز خمس فذكر منها متعة النساء من قول اهل مكة وإتيان النساء فى أدبارهن من قول اهل المدينة (مسئلة) والإجماع انعقد على عدم جواز المتعة وتحريمها لا خلاف فى ذلك فى علماء الأمصار الا من طائفة من الشيعة والحجة على تحريم المتعة قوله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ، إذ لا شك ان المرأة بالمتعة لا تسمّى زوجة ولذا لا توارث بينهما فان كان تأويل الاية على ما قال ابن عباس فالاية منسوخة روى مسلم عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني ان أباه حدّثه انه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يايّها الناس انى كنت أذنت لكم فى الاستمتاع من النساء وان الله قد حرم ذلك الى يوم القيامة فمن كان عنده شىء منهن فليخل سبيله ولا تأخذوا ممّا اتيتموهن شيئا وروى مسلم ايضا عنه قال اذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة فانطلقت انا ورجل الى امراة من بنى عامر كانها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت ما تعطينى فقلت ردائى وقال صاحبى ردائى وكان رداء صاحبى أجود من ردائى وكنت أشبّ منه فاذا نظرت الى رداء صاحبى أعجبها وإذا نظرت الى اعجبتها ثم قالت أنت ورداءك يكفينى فمكثت معها ثلاثا ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده شىء من النساء التي يتمتع بهنّ فليخلّ سبيلها وروى ابن ماجة بإسناد صحيح عن عمر انه خطب فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن لنا فى المتعة ثلاثا ثم حرّمها والله لو اعلم أحدا تمتع وهو محصن الا رجمته بالحجارة وفى رواية خطب عمر فقال ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها لا اوتى أحد نكحها الا رجمته وسئل ابن عمر عن المتعة فقال حرام فقيل له ابن عباس يفتى بها قال فهلّا تزمزم بها فى زمان عمر وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع ... ...

قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس ثلاثا ثم نهانا عنها وروى مسلم عن سبرة بن معبد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم يخرج منها حتى نهانا عنها واخرج الحازمي بسنده عن جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلى الشام جاءت نسوة فذكرنا تمتعنا وهن تظعن فى رحالنا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليهن فقال من هؤلاء النسوة فقلنا يا رسول الله نسوة تمتعنا بهن قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه وتمعر وجهه وقام فينا خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم نهى عن المتعة فتواد عنا يومئذ الرجال والنساء فلم نعد ولا نعود اليه ابدا وروى الطحاوي عن ابى هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك فنزل ثنية الوداع فراى مصابيح ونساء يبكون فقال ما هذا فقيل نساء تمتع بهن ازواجهنّ وفارقوهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله حرم وأهدر المتعة بالطلاق والنكاح والعدة والميراث وفى لفظ عند الدارقطني بإسناد حسن هدم المتعة بالطلاق والعدة والميراث وروى البخاري ومسلم عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن على عن أبيهما عن على انه سمع ابن عباس يلين فى متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الانسية وفى رواية عن على انه قال لابن عباس انك رجل تائه وروى مسلم عن عروة بن الزبير ان عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال ان ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل يعنى ابن عباس فانه ذهب بصره فى آخر عمره فناداه يعنى ابن عباس فقال انك لجلف «1» جاف فلعمرى لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فو الله لان فعلتها لارجمنك باحجارك فقال ابن ابى عمرة الأنصاري انها كانت رخصة فى اوّل الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدّم ولحم الخنزير ثم احكم الله الدّين ونها عنها واخرج البيهقي عن الزهري انه قال ما مات ابن عباس حتى رجع عن فتواه بحل المتعة وكذا ذكر ابو عوانة فى صحيحه،

_ (1) الجلف الأحمق ومعناه الحقيقي الشاة المسلوخة التي قطع رأسها وقوائمها ويقال للدنى ايضا شبه الأحمق بهما والجفا البعد عن الشيء منه رحمه الله

واخرج ابو داود فى ناسخه وابن المنذر والنحاس من طريق عطاء عن ابن «1» عطفى هذه الاية قال نسخها يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ... ، وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ... ، وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ الاية وكذا روى البيهقي وغيره عن ابن مسعود وابو داود والبيهقي عن سعيد بن المسيّب قال نسخت اية الميراث المتعة وروى الترمذي عن ابن عبّاس انه قال انما كانت المتعة فى اوّل الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى انه مقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ قال ابن عباس فكل فرج سواهما فهو حرام قلت لعل ابن عباس انما رجع عن فتواه بعد مناظرة ابن الزبير وغيره من العلماء حين اطلع على حقيقة الأمر وظهر كونها منسوخة وقد حكى انه انما كان يفتى بإباحتها حالة الاضطرار والعنت فى الاسفار لما روى الحارمى من طريق الخطابي عن ابى المنهال عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس سارت بفتياك الركبان وقال فيها الشعراء فقال ما قالوا قلت قالوا قد قلت للشيخ لما طال محبسه يا صاح هل لك فى فتوى ابن عباس هل لك فى رخصة الأطراف أنسة يكون مثواك حتى يصدر الناس، فقال سبحان الله ما بهذا أفتيت وما هى الّا كالميتة والدم ولحم الخنزير لا يحل الا للمضطر وكذا روى ابن المنذر فى تفسيره والبيهقي فى سننه بلفظ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ لا والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت ولا احللتها الا للمضطر انتهى، وابن جريج ايضا رجع عن فتواه وروى ابو عوانة فى صحيحه عن ابن جريح انه قال بالبصرة اشهدوا انى قد رجعت عنها يعنى عن الفتوى بحل المتعة بعد ان حدثهم ثمانية عشر حديثا انه لا بأس به فان قيل وقع فى بعض روايات مسلم الرخصة بالمتعة وتحريمها عام أوطاس وفى بعضها حرّمها يوم الفتح وفى الصحيحين حرمها يوم خيبر وفى بعض الروايات ورود النهى فى غزوة تبوك فكيف التوفيق قلنا غزوة أوطاس كان مقارنا بالفتح فعام أوطاس ويوم الفتح واحد والتوفيق بين يوم الفتح ويوم خيبر ان المتعة رخصت فيها مرتين ثم نسخت كل مرة واستقر الأمر على التحريم الى يوم القيامة كذا قال ابن همام وفى صحيح مسلم باب نكاح المتعة وانه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه الى يوم القيامة وقال البغوي قال الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول لا اعلم فى الإسلام شيئا أحل ثم حرم ثم أحل ثم حرم

_ (1) هكذا فى الأصل لعله ابن عباس

غير المتعة وقال بعضهم نسخت ثلاث مرات وقيل اكثر واما غزوة تبوك فلم يرد هناك رخصة وانما فعل من فعل هناك بناء على عدم علمهم بالتحريم المؤبد ومن ثم غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمعر وجهه وخطب ونهى عن المتعة وقال الحارمى انه صلى الله عليه وسلم لم يكن أباحها لهم قط وهم فى بيوتهم وأوطانهم وانما أباحها لهم فى اوقات بحسب الضرورات حتى حرّمها عليهم فى اخر سنينه فى حجة الوداع وكان تحريمه تابيدا يعنى بين الحرمة فى اخر سنينه فى حجة الوداع حتى استقر عليه الأمر والله اعلم وقال اكثر المفسرين المتعة ليست مرادة من هذه الاية بل معنى قوله فما استمتعتم به منهن ما انتفعتم وتلذدتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح فاتوهن أجورهن اى مهوهن كذا قال الحسن ومجاهد واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال الاستمتاع النكاح وهو قوله وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً، (مسئلة) قيل هذه الاية بهذا التأويل تدل على ان المرأة لا تستحق المهر الا بالدخول فهى حجّة لمالك حيث قال المرأة لا تملك الصداق الا بالدخول او الموت دون العقد وانما تستحق بالعقد نصف المسمى خلافا للجمهور فعندهم تملك بالعقد لكن يسقط نصف المهر بالطلاق قبل الدخول بالنص قلنا الباء فى قوله تعالى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ للالصاق فهى تدل على لصوق وجوب المال بالابتغاء يعنى العقد وتنافى تراخيه الى الدخول كما ذكرنا ثمه وهذه الاية تدل على وجوب الأداء وعدم احتمال السقوط بالاستمتاع- ولا تدل على عدم الوجوب قبل ذلك بنفس العقد بل هو مسكوت عنه فى هذه الآية فلا تعارض بين الآيتين ولا حجة لمالك وإذا ملكت المهر بالعقد جاز لها ان تمنع الزوج من الدخول بها او يسافر بها حتى يؤدى مهرها وجاز اعتاقها لا اعتاقه عبدا سمى مهرا والله اعلم، فَرِيضَةً حال من الأجور بمعنى مفروضة او صفة مصدر محذوف اى إيتاء مفروضا او مصدر مؤكد اى فرض فريضة وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ فمن حمل ما قبله على المتعة قال معناه إذا عقد الى أجل بمال فاذا تم الاجل فان شاءت المرأة زادت فى الاجل وزاد الرجل فى الاجر والا تفارقا ومن حمل على الاستمتاع بالنكاح الصحيح قال المراد به لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من ان تحطّ المرأة بعض المفروض ... ...

[سورة النساء (4) : آية 25]

عن الزوج او تهبه كله او يزيد الرجل لها على قدر المفروض، (مسئلة) وهذه الاية تدل على ان الزيادة فى المهر تلحق بأصل العقد وكذا الحط فللمرءة ان يطالب الزيادة كما ان لها طلب اصل المهر فهى حجة على الشافعي حيث قال الزيادة هبة مستانفة ان قبضها مضت وان لم يقبضها بطلت، وجه الاحتجاج ان الأمر لو كان كما قال الشافعي فلا فائدة فى هذه الاية وبناء على لحوق الزيادة بأصل المهر قال احمد ان مات الزوج او دخل بها يجب المهر كله مع الزيادة وان طلقها قبل الدخول ينتصف الزيادة مع المسمى وكذا قال ابو حنيفة غير انه قال تسقط الزيادة بالطلاق قبل الدخول ولا ينتصف لقوله تعالى وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ خصّ الوجوب بنصف المفروض فى العقد فقط وقال مالك الزيادة ثابتة ان دخل بها وان طلقها قبل الدخول فلها نصف الزيادة مع نصف المسمى وان مات قبل الدخول وقبل القبض بطلت، (مسئلة) لو حطت المرأة بعض مهرها صح اتفاقا فلو وهبت اقل من النصف وقبض الباقي وطلقت قبل الدخول رجع الزوج عليها الى تمام النصف عند ابى حنيفة وعند ابى يوسف ومحمد ينتصف المقبوض فقط إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بالمصالح حَكِيماً (24) فيما شرع من الاحكام. وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا الطول والطائل والطائلة الفضل والقدرة والغناء والسعة كذا فى القاموس ومعناه هاهنا الاستطاعة وهى القدرة فهو منصوب على المصدرية أَنْ يَنْكِحَ منصوب على انه مفعول به يعنى من لم يستطع منكم استطاعة ان ينكح وجاز ان يكون طولا مفعولا به ومعناه الاعتلاء وهو يلازم الفضل والغناء وان ينكح منصوبا بنزع الخافض متعلّقا بطولا يعنى من لم يستطع منكم ان يعتلى ويرتفع الى ان ينكح وجاز ان يكون طولا علة للاستطاعة المنفية وان ينكح مفعولا به للمنفى يعنى ومن لم يستطع منكم بسبب الغناء ان ينكح وجاز ان يكون طولا بمعنى الغناء وان ينكح متعلقا بفعل مقدر صفة لطولا يعنى من لم يستطع منكم غنى يبلغ به ان ينكح الْمُحْصَناتِ اى الحرائر سميت محصنات لكونهن ممنوعات عن ذل الرق الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ تقديره فلينكح امراة كائنة مما ملكنه أَيْمانُكُمْ يعنى ايمان بعض منكم يعنى من إماء غيركم فان النكاح بمملوكة نفسه لا يجوز لعدم الحاجة الى نكاحها كائنة مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ... ...

احتج الشافعي ومالك واحمد بهذه الاية على تحريم نكاح الامة عند طول الحرة وتحريم نكاح الامة الكتابية مطلقا لان الأمر المقدر اعنى فلينكح للاباحة فاباحة نكاح الامة مشروطة بشرط عدم طول الحرة وبشرط إيمانها لان الوصف ملحق بالشرط وعدم الشرط يوجب نفى الحكم وإذا انتفى الإباحة ثبت التحريم وهذا القول مروى عن جابر وابن مسعود روى البيهقي من طريق ابى الزبير انه سمع جابرا يقول لا ينكح الامة على الحرة وينكح الحرة على الامة ومن وجد صداق حرة فلا ينكح امة ابدا واسناده صحيح وروى ابن المنذر عن ابن مسعود قال انما أحل الله نكاح الإماء لمن لم يستطع طولا وخشى العنت على نفسه قالت الحنفية اوّلا بان الاستدلال بمفهوم المخالفة غير صحيح عندنا وعدم الشرط لا يوجب نفى الحكم لان أقصى مراتب الشرط ان يكون علة وعدم العلة لا يوجب عدم المعلول لجواز وجوده بعلة اخرى فالتعليق بالشرط والتقييد بالوصف انما يوجب وجود الحكم على تقدير الشرط والوصف وتقدير عدم الشرط والوصف مسكوت عنه فان ثبت الحكم على ذلك التقدير بعلة اخرى فذاك والا فيعدم الحكم عدما اصليا لا حكما شرعيا وفيما نحن فيه اباحة نكاح الإماء مطلقا مؤمنة كانت او كتابية سواء كان الزوج قادرا على نكاح الحرة او لم يكن ثابت بعموم قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ وقوله تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ وثانيا بان الاستدلال بالمفهوم عند القائلين به مشروط بان لا يكون التقييد خارجا مخرج العادة ولا يتصوّر من التقييد فائدة غير الاحتراز وهاهنا جاز ان يكون الكلام خارجا مخرج العادة فان العادة ان الرجل الحرّ لا يرغب الى نكاح الامة الّا عند عدم طول الحرة والمسلم لا يرضى بالمعاشرة مع الكافرة ولاجل ذلك قيد المحصنات بالمؤمنات وليس ذلك القيد للاحتراز اجماعا ومن ثم قال الشافعي لا يجوز نكاح الامة مع طول الحرة الكتابية ايضا وجاز ان يكون التقييد لبيان الأفضل وثالثا بانا لو سلمنا إفادة المفهوم نفى الإباحة فنفى الإباحة لا يستلزم ثبوت الحرمة بل قد يكون فى ضمن الكراهة ونحن نقول بالكراهة كما صرح فى البدائع ووجه كراهة نكاح الامة الكتابية بل الحرة الكتابية ايضا استلزامه موالات الكفار وقد نهينا عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تر للمتحابين مثل النكاح رواه ابن ماجة عن ابن عباس وقال الله تعالى لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ وقال لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وقال رسول الله ... ...

صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لاربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك متفق عليه من حديث ابى هريرة ولمسلم عن جابر ان المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدّين تربت يداك ورواه الحاكم وابن حبان من حديث ابى سعيد وابن ماجة والبزار والبيهقي من حديث عبد الله بن عمرو نحوه ووجه كراهة نكاح الإماء انها توجب ارقاق الولد والرق موت حكما وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم رواه ابو داؤد والحاكم وصححه البيهقي عن عائشة وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ والتفاضل انما هو بالايمان والأعمال بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يعنى بعضكم من جنس بعض الأحرار والأرقاء كلهم من نفس واحدة آدم عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله قد اذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء انما هو مومن تقى وفاجر شقى الناس كلهم بنوا آدم وآدم من تراب رواه الترمذي وابو داؤد من حديث ابى هريرة وروى احمد والبيهقي عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انسابكم هذه ليست بمسبة على أحد كلكم بنو آدم طف الصّاع بالصّاع لم تملؤه ليس لاحد على أحد فضل الآبدين وتقوى كفى بالرجل ان يكون بذيا فاحشا بخيلا فهذان الجملتان لتأنيس الناس بنكاح الإماء ومنعهم عن الاستنكاف منهن فَانْكِحُوهُنَّ اى الفتيات المؤمنات بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ يعنى اربابهن الضمير راجع الى الفتيات والمراد بها الإماء وهى تعم القنة والمكاتبة والمدبرة وأم الولد والأمر هاهنا للوجوب والإيجاب راجع الى القيد يعنى لا يجوز نكاح الإماء الّا بإذن سيّدها وكذا العبد ولذلك ذكر صيغة فانكحوهن ولم يكتف بان يقول فممّا ملكت ايمانكم من فتيتكم المؤمنات بإذن اهلهنّ لان الأمر هناك للاباحة وهاهنا للوجوب ولا يجوز الجمع بين معنى الإيجاب والإباحة فى صيغة واحدة وعدم جواز نكاح الرقيق بلا اذن السيّد امر مجمع عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد تزوج بغير اذن مولاه فهو عاهر رواه ابو داود والترمذي من حديث جابر وقال حديث حسن وفى السّنن ايضا عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم إذا نكح العبد بغير اذن مولاه فنكاحه باطل (مسئله:) اختلفوا فى ان نكاح الرقيق بغير اذن السيّد هل ينعقد ويتوقف نفاذه على اذن المولى أم لا ينعقد أصلا فقال ابو حنيفة ومالك وهى رواية عن احمد انه ينعقد موقوفا، ... ...

وقال الشافعي لا ينعقد أصلا، للجمهور ان العبد يتصرف باهليته وانما يشترط اذن المولى لفوات حقه فى الوطي فى الامة وشغل الذمة بالمهر فى العبد وفى الاية انما اعتبر اذن المولى دون عقده وللشافعى قوله صلى الله عليه وسلم فنكاحه باطل وان الباء فى الاية للالصاق فلا بد ان يكون الاذن ملاصقا بالنكاح فلا يتوقف على اذن متأخر وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ قال مالك بظاهر هذه الاية ان المهر للامة وعند الجمهور مهرها ملك لسيّدها لانها مملوكة ملحقة بالجمادات لا يتصوّر كونها مالكة وقالوا فى تأويل الآية اتوهن مهورهن بإذن أهلهن فخذف ذلك لتقدم ذكره او المعنى أتوا مواليهنّ فخذف المضاف للعلم بان المهر للسيّد ضرورة دينية وفى هذين التأويلين ضعف لان العطف لا يقتضى مشاركة المعطوف والمعطوف عليه فى القيد المتأخر وانما الاشتراك فيما تقدم ولا بد لحذف المضاف من دليل ولا بد من نكتة لاختيار اتوهن على أتوهم مع سبق ذكر الأهل قال المحقق التفتازانيّ النكتة تأكيد إيجاب المهور والاشعار بأنها أجور الابضاع ومن هذا الجهة يسلم المهر إليهن وانما يأخذ الموالي من جهة ملك اليمين والأقرب ان يقال ان الامة مالكة للمهر يدا كالعبد المأذون والاذن فى النكاح كالاذن فى التجارة فيجب التسليم اليهنّ، ولك ان تحمل أجورهن على نفقاتهن فتستغنى عن اعتبار الاذن بِالْمَعْرُوفِ يعنى بلا مطل ونقصان ويمكن ان يقال المراد بالمعروف ايتاءهن بإذن أهلهن فان الإيتاء بغير اذن أهلهن منكر شرعا مُحْصَناتٍ عفيفات غَيْرَ مُسافِحاتٍ زانيات جهارا وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ احباب يزنون بهن سرّا قال الحسن المسافحة هى ان كل من دعاها تبعته وذات خدن ان تختص بواحد لا تزنى الا معه والعرب كانوا يحرمون الاولى ويجوّزون الثانية قوله غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ بيان لمحصنات وقوله محصنات حال من مفعول فَانْكِحُوهُنَّ وآتُوهُنَّ على سبيل التنازع، وقيد نكاحهن بالاحصان لبيان الأفضل عند ابى حنيفة والشافعي وقال احمد لا يجوز النكاح مع الزانية حرة كانت او امة حتى تتوب حيث قال الله تعالى الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وسنذكر تفسيرها فى سورة النور ان شاء الله تعالى وقال مالك يكره التزويج بالزانية مطلقا وقيد إيتاء المهر بالاحصان انما جاء بناء على تقييد النكاح به لان النكاح إذا كان فى حالة الإحصان كان الأداء ايضا فى تلك الحالة ... ...

غالبا نظرا على استصحاب الحال فلا يرد ان وجوب أداء المهر غير مقيد بالعفة اجماعا- فَإِذا أُحْصِنَّ قرا حمرة والكسائي وابو بكر بفتح الالف والصاد على البناء للفاعل اى حفظن فروجهنّ بالتزويج وقرا الآخرون بضم الالف وكسر الصاد على البناء للمفعول اى حفظهنّ أزواجهن والإحصان فى اللغة المنع وجاء فى القران بمعنى الحرية والعفة والزواج والإسلام يعتبر فى كل مقام ما يناسبه وفى كل منها نوع من المنع والمراد هاهنا التزويج لان الكلام فى الامة المسلمة والعفة تنافى قوله تعالى فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ يعنى الزنى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ يعنى الحرائر اى الابكار منهن ولا يجوز ان يراد بها المتزوجات عن الحرائر لانّ حدهن الرجم وذا لا يتصوّر التنصيف فيه مِنَ الْعَذابِ يعنى الحد- (مسئلة) وحد الزنى فى الحر رجلا كان او امراة مائة جلدة ان كان غير محصن عند أبي حنيفة رحمه الله لقوله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ، وعند الشافعي واحمد مائة جلدة وتغريب عام وقال مالك انما التغريب فى الرجال دون النساء والدليل على اثبات التغريب مع الجلد ما ذكرنا من حديث عبادة بن الصّامت البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام رواه مسلم وقد مرّ وعن زيد بن خالد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام رواه البخاري قال مالك البكر لا يشتمل المرأة فلا يثبت التغريب فى النساء وهذا ليس بشىء فان سياق الحديث فى النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهنّ سبيلا البكر بالبكر الحديث وعدم شمول البكر المرأة ممنوع كيف وقد قال عليه السّلام البكر تستأذن وكلمة من زنى فى حديث زيد عام فى الذكر والأنثى وقال ابو حنيفة هذه زيادة على الكتاب لا يجوز بخبر الآحاد وسنذكر زيادة البحث فى هذا الباب فى سورة النور ان شاء الله تعالى (مسئلة) وحدّ الرقيق رجلا كان او امراة متزوجا كان او غير متزوج خمسون سوطا عند الائمة الاربعة اما الامة فبعبارة هذا النصّ وامّا العبد فبدلالة النصّ بطريق المساوات ولا تغريب على الرقيق عند الائمة الثلاثة واحد قولى الشافعي وأصح قولى الشافعي انه يغرب نصف عام وقال ابو ثور يرجم المحصن يعنى المتزوج من الأرقاء وهذه الاية حجة للجمهور عليه لانها تدل على نصف حدّ الأحرار وذا لا يتصوّر الا فى الجلد وامّا الرجم فلا يقبل التنصيف ... ...

وذهب ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير الى انه لاحد على غير المتزوجة من الأرقاء عملا بمفهوم الشرط من هذه الاية ومفهوم الشرط غير معتبر عند ابى حنيفة وعند الائمة الثلاثة لا مفهوم للشرط فى هذه الاية بل المراد منه التنبيه على ان المملوك وان كان محصنا بالتزويج فلا رجم عليه انما حده الجلد بخلاف الحرّ وهذا الحكم العام يثبت بعموم قوله صلى الله عليه وسلم إذا زنت امة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم ان زنت فليجلدها الحدّ ولا يثرب عليها ثم ان زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل شعر متفق عليه من حديث ابى هريرة فان لفظ امة نكرة فى حيز الشرط فتعم وعليه انعقد الإجماع وعن على رضى الله عنه قال ايها الناس اقيموا على ارقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن فان امة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فامرنى ان اجلدها فاذا هى حديث عهد بنفاس فخشيت ان جلدتها ان اقتلها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت رواه مسلم وروى عن عبد الله بن عياش بن ابى ربيعة قال أمرني عمر ابن الخطاب فى فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الامارة خمسين خمسين فى الزنى ذلِكَ اى شرع الحد لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ اى لمن خاف مشقة الضرب مِنْكُمْ حتى لا تقربوا الزنى وَأَنْ تَصْبِرُوا عن قضاء الشهوة ولا تقربوا الزنى خَيْرٌ لَكُمْ فى الدنيا والاخرة، وقال اكثر المفسّرين ذلك اشارة الى نكاح الإماء يعنى نكاح الإماء مختص بمن خشى العنت يعنى خاف الوقوع فى الزنى منكم فان الزنى سبب للمشقة فى الدنيا والاخرة وان تصبروا عن نكاح الإماء متعففين خير لكم كيلا يخلق الولد رقيقا ولا ترتكبوا الفعل المكروه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرائر صلاح البيت والإماء هلاكه رواه الثعلبي والديلمي فى مسند الفردوس من حديث ابى هريرة وفى التحرير انه ضعيف قلت لعل هلاك البيت بمعنى ان أولاد الإماء تكون مماليك لساداتهن فيخلوا عنهم بيوت أزواجهن وهذا التأويل يناسب قوله تعالى وَاللَّهُ غَفُورٌ لمن لم يصبر عن نكاح الإماء رَحِيمٌ (25) حيث رخص لكم فى نكاح الإماء وهذه الاية على هذا التأويل حجة للشافعى ومالك على اشتراط خوف الوقوع فى الزنى لجواز نكاح الإماء فان اللام للاختصاص قال البغوي وهو قول جابر وبه قال طاؤس وعمرو بن دينار ولا يشترط ذلك عند ابى حنيفة لكنه يكره نكاح الامة عنده من غير ضرورة بمقتضى هذه الاية- ... ...

(فائدة:) قال الشافعي واحمد نكاح الإماء ضرورى لاستلزامه رق الأولاد ولاشتراطه بعدم طول الحرة وتقييد نكاح الامة بالايمان فلا يجوز نكاح ما فوق الواحدة من الإماء للحرّ لاندفاع الضرورة بالواحدة وقال ابو حنيفة يجوز نكاح الامة مطلقا من غير الضرورة مسلمة كانت او كتابية عند طول الحرة وعدمه وان كان مكروها من غير ضرورة لاطلاق قوله تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ وقوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ واستلزام رق الأولاد ولو كان علة لعدم الجواز من غير ضرورة لما جاز للعبد ايضا نكاح الامة عند القدرة على نكاح الحرة ولم يقل به أحد وايضا يجوز للعبد نكاح الثنتين من الإماء عندكم فاولى ان يكون ذلك جائزا للحرّ فان حلّه اكثر من حلّ العبد ولذلك جاز للحرّ نكاح اربع من النساء بالنص وللعبد نكاح «1» ثنتين بالحديث كما مرّ وايضا النصّ المبيح أربعا من النساء مطلق لا يجوز تقييده بالحرائر والله اعلم وقول مالك فى تجويز اربع من الإماء والحرائر للحرّ كقول ابى حنيفة رحمهما الله تعالى- (مسئلة) لا يجوز نكاح الامة على الحرة عند الائمة الاربعة غير ان مالكا يقول بالجواز ان رضيت الحرة خلافا لغيره ويجوز نكاح الحرة على الامة من غير إفساد فى نكاح الامة اجماعا فالائمة الثلاثة يقولون بعدم جواز نكاح الامة على الحرة لمفهوم قوله تعالى وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا لان من كان فى نكاحه حرة فله طول الحرة وهذا الاستدلال لا يقتضى التفرقة بين الحرّ والعبد وبين رضاء الحرة وعدمه وابو حنيفة يقول بعدم جواز نكاح الامة على الحرة لما روى سعيد بن منصور فى السنن عن ابن علية عن من سمع الحسن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى ان تستنكح الامة على الحرة قال وتنكح الحرة على الامة ورواه البيهقي والطبري فى تفسيره بسند متصل الى الحسن واستغربه من رواية ما مر الأحول عنه وانما المعروف رواية عمرو بن عبيد عن الحسن قال الحافظ وهو المبهم فى رواية سعيد بن منصور ورواه عبد الرزاق عن الحسن ايضا مرسلا وكذا رواه ابن ابى شيبة عنه والمرسل عندنا حجة وكذا عند الشافعي إذا اعتضد بأقوال الصحابة وهاهنا قد اعتضد، روى ابن ابى شيبة والبيهقي عن على موقوفا ان الامة لا ينبغى لها ان يتزوج على الحرة وفى لفظ لا تنكح الامة على الحرة وسنده حسن، واخرج عن ابن مسعود نحوه وروى عبد الرزاق من طريق ابى الزبير انه سمع جابرا يقول لا تنكح الامة على الحرة وتنكح الحرة على الامة وللبيهقى نحوه،

_ (1) فى الأصل وللعبد نكاح نكاح ثنتين-[.....]

[سورة النساء (4) : آية 26]

وزاد من وجد صداق حرة فلا ينكح امة ابدا واسناده صحيح وهو عند عبد الرزاق ايضا مفردا واخرج ابن ابى شيبة عن سعيد بن المسيّب تزوج الحرة على الامة ولا تتزوج الامة على الحرة وفى الباب حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق العبد اثنتان الحديث الى ان قال ويتزوج الحرة على الامة ولا يتزوج الامة على الحرة رواه الدارقطني وفيه مظاهر بن اسلم ضعيف لكن يرد على اصل ابى حنيفة هاهنا انه يلزم تخصيص الكتاب اعنى قوله تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ بحديث الآحاد اللهم الا «1» ان يقال هذا الحديث تأيد بالإجماع ويجوز للعبد نكاح الامة على الحرة عند الشافعي وقال ابو حنيفة لا يجوز لاطلاق ما روينا من المرسل وكذا ما استدل به الائمة الثلاثة على عدم الجواز للحر من المفهوم موجود فى العبد ايضا والله اعلم. يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ اى لان يبين لكم شرائع دينكم ومصالح أموركم واللام زائدة لتأكيد معنى الاستقبال او يقال للتعليل وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وهذه الاية دليل على انّ شرائع من قبلنا ما لم يظهر كونها منسوخة فى شريعتنا واجب علينا إتيانها إذا ثبت عندنا بالكتاب والسنة ولا عبرة لرواية اليهود فانهم كفار متهمون الا إذا روى منهم مثل عبد الله بن سلام وكعب الأحبار بعد إيمانه وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ويغفر لكم ذنوبكم التي ارتكبتموها قبل بيانها وقيل يوفقكم للتوبة او لاتيان ما يكفر سيئاتكم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالمصالح حَكِيمٌ (26) فى وضعها،. وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ كرّره للتأكيد والمبالغة وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ يعنى الفجار فامّا من وضع شهوته فيما امر به الشرع فهو متبع للشرع دون الشهوة وقيل المراد بهم الزناة وقيل المجوس حيث يحلّون المحارم وقيل اليهود فانهم يحلّون الأخوات من الأب وبنات الأخ والاخت أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً (27) عن الحق يعنى مستحلين الحرام فانه أعظم ميلا الى الباطل من اقتراف الذنب مع الاعتقاد بحرمته. يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ولذلك شرع لكم الشريعة الحنفية السمحة السهلة وأحل بعض ما كان محرّما على من قبلكم اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف وابن المنذر فى التفسير عن مجاهد قال مما وسّع الله به على هذه الامة نكاح الامة والنصرانية واليهودية وذكر فى المدارك هذا القول لابن عباس وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (28) لا يصبر عن الشهوات ولا يتحمل مشاق الطاعات

_ (1) فى الأصل اللهمّ ان يقال-

[سورة النساء (4) : آية 29]

وكلما كان الزمان اقرب الى الساعة ازداد فيهم الضعف ولهذا خفف الله عن هذه الامة،. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ يعنى لا يأكل أحد منكم مال غيره من المسلمين ومن تبعهم من اهل الذمّة ولا بأس بأكل مال الحربي الغير المعاهد من غير عذر بِالْباطِلِ اى بوجه ممنوع شرعا كالغصب والسّرقة والخيانة والقمار والربوا والعقود الفاسدة إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً قرا الكوفيون بالنصب على انه خبر لتكون واسمه مضمر تقديره الّا ان تكون جهة الاكل تجارة والباقون بالرفع بالفاعلية وتكون تامة والاستثناء منقطع يعنى لكن كلوا وقت كون وجه الاكل تجارة او وقت كون التجارة الصّادرة عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما البيع عن تراض رواه ابن ماجة وابن المنذر عن ابى سعيد اى من المعطى والعاطى او المعنى لكن اقصدوا كون وجه الاكل تجارة او كون تجارة والتجارة البيع بالتكلم او بالتعاطى وهو مبادلة المال بالمال والاجارة يعنى مبادلة المال بالمنافع المعلومة خصّ التجارة بالذكر من الوجوه التي بها يحل أخذ المال من الغير لانها اغلب وأطيب «1» عن رافع ابن خديج قال قيل يا رسول الله اىّ الكسب أطيب قال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور رواه احمد وعن المقدام بن معد يكرب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من ان يأكل من عمل يديه وان نبى الله داود كان يأكل من عمل يديه رواه البخاري وعن عائشة انّ أطيب ما أكلتم من كسبكم وان أولادكم من كسبكم رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وهذه الاية

_ (1) اخرج الاصبهانى عن ابى امامة مرفوعا ان التاجر إذا كان فيه اربع خصال طاب كسبه إذا اشترى لم يذم وإذا باع لم يمدح ولم يدلس فى البيع ولم يحلف فيما بين ذلك واخرج احمد والحاكم عن عبد الرحمن بن شبلى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التّجارهم الفجار قالوا يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع قال بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون واخرج الحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان التجار يبعثون يوم القيامة فجارا الّا من اتقى الله وبرّ وصدق واخرج الترمذي وحسّنه والحاكم عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم التاجر الصدوق الامين مع النبيين والصدّيقين والشهداء وابن ماجة والحاكم عن ابن عمر مرفوعا التاجر الصدوق الامين المسلم مع الشهداء يوم القيامة واخرج الطبراني عن صفوان بن امية مرفوعا ان عون الله مع صالحى التجار والاصبهانى عن انس مرفوعا، التاجر الصدوق تحت ظلّ العرش يوم القيامة، واخرج الاصبهانى عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا اؤتمنوا لم يخونوا وإذا اشتروا لم يدموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعيروا منه رحمه الله تعالى- فى الأصل بين المسلمين-

لا تدل على نفى غير التجارة من الوجوه كالمهر والهبة والصدقة والعارية وغير ذلك لانها ليست من الباطل بل هى ثابتة بالنصوص الشرعية، احتج الحنفية بهذه الآية على انه لا خيار فى المجلس لاحد المتبايعين بعد الإيجاب والقبول وبه قال مالك لانها تدل على جواز الاكل بالتجارة عن تراض وان كان قبل افتراقهما عن المجلس وجواز الاكل مبنى على تمام البيع وتمام البيع يقتضى عدم بقاء الخيار لاحدهما وقال الشافعي واحمد لكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا عن المجلس لحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المتبايعان كل واحد بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الّا بيع الخيار متفق عليه وعن حكيم بن خرام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا فان صدقا وبينابورك لهما فى بيعهما وان كتما وكذبا محقت بركة بيعهما متفق عليه قالت الحنفية هذه أحاديث لا يجوز العمل بها على خلاف مقتضى الكتاب ومقتضى الكتاب عدم بقاء الخيار كما ذكرنا وهذه الأحاديث محمولة على خيار القبول وفيه اشارة اليه فانهما متبايعان حالة المباشرة لا بعدها او يحتمله فيحمل عليه والمراد بالتفرق تفرق الأقوال كذا فى الهداية قال ابن همام كون تفرق الأقوال مرادا بالتفرق كثير فى الشرع والعرف قال الله تعالى وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ... إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ قلت والصحيح عندى ان الاية تدل على جواز الاكل وتمام البيع قبل الافتراق من المجلس لكن لا يدل على نفى ولاية الفسخ عنهما فالاولى ان يقال بثبوت خيار المجلس للمتعاقدين كما اثبت ابو حنيفة خيار الرؤية وخيار العيب بعد تمام البيع كيلا يلزم ترك العمل بالحديث الصحيح وما قالوا انهما متبايعان حالة المباشرة لا بعدها ممنوع بل قبل قبول الاخر انما هو بايع واحد لا متبايعان وبعد الإيجاب والقبول ما دام المجلس باقيا حالة المباشرة قائم عرفا وشرعا لان ساعات المجلس كلها تعتبر ساعة واحدة فهما متبايعان ما دام المجلس باقيا حقيقة والقول بان المراد بالتفرق التفرق فى الأقوال قول بالمجاز مع إمكان الحقيقة على ان بعض ألفاظ الحديث يأبى عن هذا التأويل فانه روى مسلم حديث ابن عمر بلفظ إذا تبايع المتبايعان فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا فان كلمة الفاء فى قوله فكل واحد منهما بالخيار تدل على تعقيب الخيار عن التبايع وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا الّا ان تكون صفقة خيار ولا يحل له ان يفارق صاحبه خشية ان يستقيله رواه الترمذي وابو داود والنسائي وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يتفرقن اثنان الا عن تراض ... ...

رواه ابو داود وعن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خيّرا عرابيا بعد البيع رواه الترمذي وقال هذا حديث صحيح غريب فان هذه الأحاديث صريحة فى جواز الا قالة بعد البيع قبل الافتراق عن المجلس والله اعلم- وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قيل معناه لا يقتل أحدكم نفسه عن ثابت بن الضحاك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل نفسه بشىء فى الدنيا عذب به يوم القيامة رواه البغوي من طريق الشافعي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تردى من جبل فقتل نفسه فهو فى نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها ابدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يتوجأ بها فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها ابدا رواه البخاري ومسلم والترمذي بتقديم وتأخير والنسائي ولابى داود ومن جشاسما فسمه بيده يتجشأه فى نار جهنم وعن جندب بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح من رجل فيمن كان قبلكم اراب فجزع منه فأخرج سكينا فجزّ بها يده فمارقا الدم حتى مات فقال الله عز وجل بادرني عبدى بنفسه فحرمت عليه الجنة رواه البغوي وروى ابو داؤد وابن حبان والحاكم فى صحيحه عن عمرو بن العاص انه تأوّل هذه الاية فى التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال احتلمت فى ليلة باردة وانا فى غزوة ذات السلاسل فاشفقت لى ان اغتسلت ان أهلك فتيمّمت ثم صليت فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو صليت باصحابك وأنت جنب فقلت انى سمعت الله عز وجل يقول وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا وقال الحسن وعكرمة وعطاء بن ابى رباح والسدىّ معناه لا تقتلوا «1» إخوانكم كما قوله تعالى ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ يعنى إخوانكم فى الدين وقتل المسلم من أعظم الكبائر بعد الشرك عن جرير قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم استنصت الناس ثم قال لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض رواه البخاري وقيل معناه لا تقتلوا أنفسكم بأكل المال بالباطل وهذا يحتمل المعنيين أحدهما ان أكل مال الغير بالباطل قتل وإهلاك لنفس الاكل لكونه موجبا لتصليته نار جهنم وثانيهما ان أكل مال الغير إهلاك لدلك الغير، إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) يعنى أمركم بالحسنات ونهاكم عن السيّئات لفرط رحمته عليكم

_ (1) عن عاصم بن بهدلة ان مسروقا اتى صفين فقام بين الصفين فقال يا ايها الناس انصتوا ارايتم لو ان مناديا يناديكم من السماء ورأيتموه وسمعتم كلامه فقال ان الله ينهاكم عما أنتم عليه اكنتم منتهين قالوا سبحان الله قال فو الله نزل بذلك جبرئيل على محمد صلى الله عليه وسلم وما ذلك بابين عندى منه ان الله قال وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً منه رحمه الله

[سورة النساء (4) : آية 30]

وقيل ان معناه انه امر بنى إسرائيل بقتل أنفسهم ليكون لهم توبة وكان بكم رحيما حيث لم يكلفكم به بل جعل توبتكم الندم والاستغفار. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى أكل مال غيره او قتل نفسا معصومة عُدْواناً اى تعديا على الغير عمدا وَظُلْماً على نفسه بتعريضها للعقاب مصدر ان فى موضع الحال او مفعول لهما فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ندخله فى الاخرة ناراً يعنى نار جهنم وَكانَ ذلِكَ اى اصلاء النار عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) سهلا هذا الوعيد فى حق المستحل للتخليد وفى حق غيره لبيان استحقاقه دخول النار مع جواز المغفرة من الله تعالى ان شاء-. إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ قال على رضى الله عنه الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار او غضب او لعنة او عذاب وكذا قال الضحاك انه ما أوعد الله عليه حدا فى الدنيا او عذابا فى الاخرة قلت والكبائر على ثلاثة مراتب، المرتبة الاولى وهى اكبر الكبائر الإشراك بالله ويلتحق به كل ما فيه تكذيب بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وثبت بدليل قطعى امّا تكذيبا صريحا، بلا تأويل ويسمّى كفرا او بتأويل ويسمى هوى وبدعة كاقوال الروافض والخوارج والقدرية والمجسمة وأمثالهم ومن هاهنا قال على وابن مسعود اكبر الكبائر الإشراك بالله والا من من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح «1» الله قلت قال الله تعالى فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ... ، وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ... ، إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ والمرتبة الثانية ما فيه إتلاف حقوق العباد من المظالم فى الدماء والأموال والاعراض قال سفيان الثوري الكبائر ما كان فيه المظالم بينك وبين العباد فانها اكبر ممّا بينك وبين الله تعالى لان الله كبير يغفر الذنوب جميعا كل شىء بالنسبة اليه صغير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبى وقال الله تعالى وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدواوين عند الله ثلاثة فديوان لا يعبأ الله به شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا وديوان لا يغفر الله امّا الديوان الذي لا يغفره الله فهو الشرك وامّا الدّيوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربّه من صوم تركه او صلوة تركها فانّ الله تعالى يغفر ذلك

_ (1) روى البزار والطبراني فى الأوسط عن ابن عباس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الكبائر قال الشرك بالله والياس من روح الله والامن من مكر الله منه رحمه الله-

ويتجاوز لمن يشاء وامّا الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة رواه احمد والحاكم وروى الطبراني مثله من حديث سلمان وابى هريرة والبزار مثله من حديث انس وعن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادى مناد من بطنان العرش يوم القيامة يا امة محمد ان الله عز وجل قد عفا عنكم جميعا المؤمنين والمؤمنات تواهبوا لمظالم وادخلوا الجنّة برحمتي رواه البغوي وعن ابى بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبته يوم النحر فى حجة الوداع ان دماءكم وأموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا فى شهركم هذا متفق عليه ورواه الترمذي وصححه عن عمرو بن الأحوص وعن اسامة بن شريك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حرج الأعلى رجل اقترض عرض مسلم وهو ظالم فذلك الذي حرج وأهلك رواه ابو داؤد وقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ «1» يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ «2» لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً، بيان للمرتبتين المذكورتين الكفر والظلم على العباد وفى إيراد هذه الاية بعد قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ... ، وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ اشارة الى ان الظلم على اموال العباد وأنفسهم من أعظم الكبائر والأحاديث الصحاح التي وردت فى عدّ الكبائر انما ورد فيها غالبا المظالم من حقوق العباد والإشراك منها حديث انس وعبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس فى رواية عبد الله عند البخاري وفى رواية انس وشهادة الزور بدل اليمين الغموس متفق عليه وروى ابن مردوية عن انس انها سبع وزاد وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم وأكل الربوا والفرار عن الزحف ومنها حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وماهن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق وأكل الربوا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الرجف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات متفق عليه وفى رواية زاد ابن راهويه وغيره عقوق الوالدين والإلحاد بالبيت الحرام ومنها حديث ابن مسعود قال قال رجل يا رسول الله اىّ الذنب اكبر عند الله قال ان تدعو لله ندّا وهو خلقك قال ثم اىّ قال ان تقتل ولدك خشية ان بطعم معك قال ثم اىّ قال ان تزنى حليلة جارك فانزل الله تصديقها وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ

_ (1) فى الأصل والذين إلخ (2) فى الأصل ولهم عذاب مهين

وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ الاية متفق عليه قيد رسول الله صلى الله عليه وسلم الزنى بحليلة الجار لان فيه إتلاف حق الجار وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لان يزنى الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من ان يزنى بحليلة جاره رواه احمد عن المقداد بن اسود ورواته ثقات ورواه الطبراني عنه فى الكبير والأوسط ومنها حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اكبر الكبائر ان يسبّ الرجل والديه قال وكيف يسبّ الرجل والديه قال يسبّ أبا الرجل فيسبّ أباه ويسبّ امه فيسبّ امه رواه البغوي وغيره ومنها حديث ابى بكرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين (وجلس وكان متكيا) الا وقول الزور الا وقول الزور الا وقول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت رواه البخاري، (فائدة) مبالغة النبي صلى الله عليه وسلم فى التهديد فى قول الزور لشمولها كثيرا من الكبائر الإشراك بالله وشهادة الزور واليمين الغموس والقذف والدعوى الباطل والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فانه صلى الله عليه وسلم قال من كذب على متعمدا فليتبوا مقعده من النار متفق عليه والغيبة التي هى أشد من الزنى رواه البيهقي عن ابى سعيد وجابر مرفوعا والنميمة، عن عبد الرحمن ابن غنم واسماء مرفوعا شرار عباد الله مشاؤن بالنميمة رواه احمد ومدح الفاسق عن انس مرفوعا إذا مدح الفاسق غضب الرب واهتز له العرش رواه البيهقي ولعن من لا يستحقه فانه من لعن شيئا ليس له اهل رجعت اللعنة عليه رواه الترمذي عن ابن عباس وابو داؤد عنه وعن ابى الدرداء مرفوعا والطعن والفحش عن ابن مسعود مرفوعا ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء رواه الترمذي وغير ذلك من المعاصي ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يضمن لى ما بين لحييه وما بين رجليه اضمن له الجنة رواه البخاري عن سهل بن سعد وروى مالك والبيهقي عن صفوان بن سليم مرسلا انه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانا قال نعم قيل أيكون بخيلا قال نعم قيل أيكون كذابا قال لا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اية المنافق ثلاث وان صام وصلى وزعم انه مسلم إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا اؤتمن خان رواه مسلم والبخاري نحوه وفى الصحيحين عن عبد الله بن عمرو مرفوعا اربع من كن فيه كان منافقا خالصا

ومن كان فيه خصلة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجروا لله اعلم والمرتبة الثالثة من الكبائر ما يتعلق منها بحقوق الله تعالى كالزنى والشرب، اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عمرو انه سئل عن الخمر فقال سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هى اكبر الكبائر وأم الفواحش من شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على امه وعمته وخالته كذا روى عبد ابن حميد عن ابن عباس، عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق «1» السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس اليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن فاياكم إياكم متفق عليه وفى رواية عن ابن عباس ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن رواه البخاري قلت واللواطة فى معنى الزنى وقد قال الله تعالى فيها أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ وأشد من السرقة قطع الطريق فان فيه قوله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الاية ويلحق بالسرقة التطفيف قال الله تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ والخيانة فبئست البطانة وهى من علامات النفاق وأعظم الذنوب من هذا الباب ما يستحقره الفاعل ويزعمه سهلا فان استحقار الذنب وان كان صغيرا يبعده عن المغفرة ويدل على التمرد وربما يفضى الى الكفر وما استعظمه وخاف عنه فهو يستحق المغفرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يرى ذنبه كأنّ جبلا على راسه والمنافق يرى ذنبه كذباب على انفه قال به هكذا فطارت وعن انس قال انكم لتعملون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر ان كنا نعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات رواه البخاري واحمد مثله عن ابى سعيد بسند صحيح وبهذا التحقيق يظهر انه من قال بحصر الكبائر فى سبع ونحو ذلك فقد اخطأ وان «2» الصغيرة بالإصرار وكذا بالاستحقار يصير كبيرة اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير انّ رجلا سال ابن عباس عن الكبائر أسبع هى قال هى الى «3» سبعمائة اقرب الا انه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع اصرار، وقال كل شىء عصى الله به فهو كبير فمن عمل شيئا

_ (1) السرقة والخيانة والتطفيف من القسم الثاني منه رحمه الله (2) اخرج الترمذي وابن ابى حاتم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر وكذا اخرج ابن ابى شيبة عن عمرو ابى موسى وابى قتادة من قولهم منه رحمه الله- (3) فى الأصل الى السبعمائة

منها فليستغفر الله فان الله لا يخلد فى النار من هذه الامة الا راجعا عن اسلام او جاحدا فريضة او مكذبا بقدر قلت ومعنى قول ابن عباس لا كبيرة مع استغفار المراد بالكبيرة ما تعلق منها بحقوق الله تعالى وامّا ما تعلق بحقوق العباد فلا بدّ فيه من ردّ المظالم واسترضاء المظلوم- (فائدة:) أساس المعاصي كلها قساوة القلب الموجب للغفلة عن الله سبحانه ورذائل النفس الداعية الى الشهوات السّبعية والبهيمية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فى جسد بنى آدم لمضغة إذ أصلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب وقال الله تعالى وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ولا يتصوّر التنزه عن المعاصي الّا بدوام الحضور وصفاء القلوب والنفوس وذا لا يتصوّر الا بجذب من الله تعالى بتوسط المشائخ فعليك التشبّث بأذيالهم فهم قوم لا يشقى جليسهم ولا يخاب انيسهم- (فائدة:) ما قيل ان العبد يبلغ درجة لا يضره ذنب عمله ليس معناه ان بعض الناس يسقط عنهم التكاليف الشرعية ويباح لهم المحرمات فانه كفر وزندقة بل معناه ان العبد بعد تصفية القلب وتزكية النفس إذا دام حضوره لا يصدر عنه ذنب الّا نادرا وكلما صدر عنه ذنب صغير او كبير يستعظم ذلك ويندم ويغتم كانما هلك نفسه واهله وماله وولده بحيث يصير ذلك الندم والتوبة والاغتمام موجبا لمزيد درجته ونزول الرحمة عليه أولئك يبدل الله شيئاتهم حسنات ذكر العارف الرومي قصّة إيقاظ الشيطان معاوية رضى الله عنه لصلوة الصبح وتلك القصّة وان لم اطلع على صحة سندها لكن يكفى للتمثيل مجرد الفرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم كانّ هذا الحديث اشارة الى هذه الحالة والله اعلم نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعنى الصغائر مثل النظرة واللمسة والقبلة ولشباهها قال النبي صلى الله عليه وسلم العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان ويصدّق ذلك الفرج او يكذّبه كل ذلك يكفرهن الصلاة والصوم والاذكار ان شاء الله تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنب الكبائر رواه مسلم وَنُدْخِلْكُمْ ... ...

[سورة النساء (4) : آية 32]

مُدْخَلًا كَرِيماً (31) قرا نافع مدخلا هاهنا وفى الحج بفتح الميم والباقون بالضم وعلى كلا القرائتين يحتمل المكان فيكون مفعولا به والمصدر على ان المفعول به محذوف اى ندخلكم الجنّة الحسناء او ندخلكم الجنة دخولا حسنا والله اعلم- قال مجاهد قالت أم سلمة يا رسول الله ان الرجال يغزون ولا نغزوا ولهم ضعف ما لنا من الميراث ولو كنا رجالا غزونا كما غزوا وأخذنا من الميراث ما أخذوا فنزلت. وَلا تَتَمَنَّوْا الاية كذا روى الترمذي والحاكم عن أم سلمة وصححه وقيل لما جعل الله عز وجلّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فى الميراث قالت النساء نحن أحق وأحوج الى الزيادة من الرجال لانا ضعيفات وهم أقوى واقدر على طلب المعاش فانزل الله تعالى هذه الاية وقال قتادة والسدى لما نزل قوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قال الرجال انا لنرجوان نفضل على النساء بحسناتنا فى الاخرة فيكون أجرنا على الضعف من اجر النساء كما فضلنا عليهن بالميراث فانزل الله تعالى وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لانّ ذلك التفضيل قسمة من الله تعالى صادرة عن حكمة وتدبير والتمني يفضى الى الحسد ولا يفيد شيئا بل ينبغى لكل واحد بذل جهده فى كسب ما يمكنه من الحسنات فان ذلك يوجب القرب عند الله والفضل فى الدار الاخرة لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مكتوب لهم عند الله من الأموال والثواب والفضل مِمَّا اكْتَسَبُوا اى بسبب ما كسبوا من الجهاد وغير ذلك من العبادات المختصة بهم وغير المختصة بهم ومن الغنيمة والإرث والتجارة على ما قدر لهم وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ من المال والثواب مِمَّا اكْتَسَبْنَ من إطاعة الأزواج وحضانة الأولاد وحفظ الفروج وغير ذلك مما يختصّ بهن وما لا يختصّ بهن من العبادات ومن المهور والنفقات والإرث وغير ذلك على ما قدر لهن وَسْئَلُوا اللَّهَ «1» كثرة ثواب الدنيا والاخرة مِنْ فَضْلِهِ اى من خزائنه التي لا ينفد فانه تعالى يعطى ثواب حسنة عشرة أمثالها الى سبعمائة ضعف الى ما شاء الله وكذا يعطى بركة الاكساب فى الدنيا ويفضل بعضهم على بعض فى الرزق ولا يفيد التمني شيئا ولا يجوز الحسد قرا ابن كثير والكسائي

_ (1) اخرج الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوا الله من فضله فان الله يجب ان يسئل واخرج ابن جرير عن رجل من الصحابة لم يسمّه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوا الله من فضله فانه يحب ان يسئل وان من أفضل العبادة انتظار الفرج واخرج احمد عن انس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سال رجل مسلم الله الجنة ثلاثا الّا قالت الجنة اللهم ادخله الجنة وما استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثا الا قالت النار اللهم اجره من النار اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ قال العبادة ليس من امر الدنيا منه رحمه الله

[سورة النساء (4) : آية 33]

وسلوا وسل فسل يعنى الأمر الحاضر منه إذا كان قبله واو او فاء بنقل حركة الهمزة الى السين وحذف تلك الهمزة وقرا حمزة فى الوقف على أصله والباقون بسكون السين مهموزا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32) فهو عليم بما يستحقه كل انسان من الفضائل وهذا يقتضى سبق استعداد لكل امرئ بما فضله الله به والاستعداد متفرع على استناد الأشياء الى الأعيان الثابتة كما قرّره الصوفية العلية رضى الله عنهم-. وَلِكُلٍّ المضاف اليه محذوف والظرف متعلق بقوله جَعَلْنا اى جعلنا لكل مال او لكل أحد من الأموات مَوالِيَ اى ورثة يحرزون الأموال ويرثون الأموات مِمَّا تَرَكَ اى تركه ظرف مستقر صفة لمال مقدر على التقدير الاوّل ولا بأس بالفصل بالعامل لان حقه التقديم وظرف لغو متعلق بفعل مقدر دلّ عليه الموالي على التقدير الثاني اى يرثون مما تركه وذلك الفعل المقدر صفة لموالى وقوله الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ على التقدير الاوّل فاعل لترك وعلى التقدير الثاني استيناف مفسّر للموالى وفاعل ترك ضمير راجع الى كل تقديره هم الوالدان والأقربون وجاز ان يقال لكل خبر وجعلنا موالى صفة والعائد محذوف وقوله مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ صفة لمبتدا محذوف تقديره لكل جماعة من ورثة جعلناهم موالى حظ ممّا ترك الوالدان والأقربون وَالَّذِينَ «1» عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ معطوف على الوالدان والأقربون فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ جملة مبينة عن الجملة المتقدمة وجاز ان يكون الموصول مبتدأ متضمنا بمعنى الشرط وقوله تعالى

_ (1) روى ابو داود فى ناسخه عن داود بن الحصين قال كنت اقرأ على أم سعد ابنة الربيع وكانت يتيمة فى حجر ابى بكر فقرأت عليها والّذين عاقدت ايمانكم فقالت لا ولكن وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ انها نزلت فى ابى بكر وابنه عبد الرحمن حين ابى ان يسلم فحلف ابو بكر انه لا يورثه فلما اسلم امره الله ان يورثه نصيبه قلت وعلى هذا التأويل لا حجة بالآية على ايراث مولى الموالاة روى عبد بن حميد وابن ابى حاتم عن ابى مالك قال كان الرجل فى الجاهلية يأتى القوم فيعقدون له انه رجل منهم ان كان ضرّا او نفعا او دما فانه فيهم مثلهم ويأخذون له من أنفسهم مثل الذي يأخذون منه فكانوا إذا كان قتال قالوا يا فلان أنت منا فانصرنا وان كانت منفعة قالوا أعطنا أنت منا ولم ينصروه كنصرة بعضهم بعضا إذا استنصر وإن نزل به امر أعطاه بعضهم ومنعه بعضهم ولم يعطوه مثل الذي يأخذون منه فاتوا لنبى صلى الله عليه وسلم فسالوه وتحرجوا من ذلك وقالوا قد عاقدنا فى الجاهلية فانزل الله تعالى والّذين عاقدت ايمانكم فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ يعنى أتوهم مثل الذي تأخذون منهم واخرجاه من وجه اخر عن ابى مالك قال هو حليف القوم يقول اشهدوا أمركم ومشورتكم واخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن ابن عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح أوفوا بحلف الجاهلية فانه لا يزيد الإسلام الا شدة ولا تحدثوا حلفا فى الإسلام واخرج احمد ومسلم عن جبير بن مطعم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا حلف فى الإسلام وايّما حلف كان فى الجاهلية فلم يزده الإسلام الا شدة واخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رقعه كل حلف كان فى الجاهلية لم يزده الإسلام الا حدة وشدة واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حلف فى الإسلام منه رحمه الله

[سورة النساء (4) : آية 34]

فاتوهم خبره وجاز ان يكون الموصول منصوبا بمضمر يفسّره ما بعده على طريقة زيدا فاضربه لكن على التأويل الثاني يلزم وقوع الخبر جملة طلبية وتركيب الإضمار على شريطة التفسير يفيد الاختصاص ولا اختصاص هاهنا فالاولى هو التأويل الاوّل ولا عبرة بالوقف على الأقربون فانه غير منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك التأويل مناسب لمذهب ابى حنيفة فان عنده يرث مولى الموالاة يعنى الأعلى دون الأسفل جميع التركة او ما بقي بعد فرض أحد الزوجين ان لم تكن للميت عصبة ولا ذو فرض نسبى ولا ذو رحم عند ابى حنيفة رحمه الله وعند وجود أحد منهم لا ميراث له اجماعا وعند الجمهور كان ذلك الحكم فى الجاهلية وفى ابتداء الإسلام وكان نصيب الحليف السدس من مال الحليف ثم نسخ ذلك الحكم بقوله تعالى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فلا يرث مولى الموالاة عندهم بحال بل يكون التركة لبيت المال عند عدم الورثة وأورد على ذلك بان النسخ يتفرع على التعارض ولا تعارض هاهنا إذ لا دلالة فى قوله تعالى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ على نفى ارث الحليف والصحيح انه يدلّ على نفى ارث الحليف لان تمام الاية إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً صريح فى ان الموالي لا بدلهم من الوصية وبدون الوصية ليس لهم شىء غير ان أبا حنيفة يقول ان ارث موالى الموالاة منسوخ عند وجود أحد من اولى الأرحام ونحن نقول به وبقي ارثهم ثابتا عند عدم اولى الأرحام كيف لا وماله حقه فيصرفه الى حيث شاء والصرف الى بيت المال ضرورة عدم المستحق لا انه مستحق كما يقول به الشافعي لان ورثة بيت المال مجهولون والمجهول لا يصلح مستحقا (مسئلة) وللمولى الأسفل ان يسقط ولاءه عن الأعلى ما لم يعقل عنه لانه عقد غير لازم بمنزلة الوصية وكذا للاعلى ان يتبرا عن ولائه لعدم اللزوم الا انه يشترط فى هذا ان يكون بمحضر من الآخر كما فى عزل الوكيل قصدا بخلاف ما إذا عقد الأسفل مع غيره بغير محضر من الاول فحينئذ يسقط ولاؤه عن الاول وإذا عقل الأعلى عن الأسفل فحينئذ لم يكن له ان يتحول بولائه الى غيره إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) تهديد على منع نصيبهم اخرج ابن ابى حاتم عن الحسن قال جاءت امراة الى النبىّ صلى الله عليه وسلم تستعدى على زوجها انه لطمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القصاص فانزل الله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الاية فرجعت بغير قصاص وأخرجه ابن ابى شيبة وابو داود فى المراسيل واخرج ابن جرير ... ...

عن الحسن نحوه، وروى الثعلبي والواحدي وكذا ذكر البغوي أنها نزلت فى سعد بن الربيع وكان من النقباء وفى امرأته حبيبة بنت زيد بن ابى زهير قاله مقاتل وقال الكلبي امرأته بنت محمد بن مسلمة وذلك انها نشزت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال افرشته كريمتى فلطمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لتقتصّ منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجعوا هذا جبرئيل أتانى فانزل الله تعالى هذه الآية فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أردنا امرا وأراد الله امرا والذي أراد الله خير ورفع القصاص واخرج ابن مردوية عن على قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من الأنصار بامرأة له فقالت يا رسول الله انه ضربنى فاثرفى وجهى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له ذلك فانزل الله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية مسلّطون على تأديبهم وسموا الرجال قواما لذلك والقوام والقيّم بمعنى واحد والقوام ابلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب وعلل ذلك بامرين وهبى وكسبى فقال بِما فَضَّلَ اللَّهُ اى بسبب تفضيل الله بَعْضَهُمْ يعنى الرجال عَلى بَعْضٍ يعنى على النساء فى اصل الخلقة بكمال العقل وحسن التدبير وبسطة فى العلم والجسم ومزيدا لقوة فى الأعمال وعلو الاستعداد ولذلك خصّوا بالنبوة والامامة والولاية والقضاء والشهادة فى الحدود والقصاص وغيرهما ووجوب الجهاد والجمعة والعيدين والاذان والخطبة والجماعة وزيادة السهم فى الإرث ومالكية النكاح وتعدد المنكوحات والاستبداد بالطلاق وكمال الصوم والصلاة من غير فتور وغير ذلك وهذا امر وهبى ولذلك الفضل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أمرت أحدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها رواه احمد عن معاذ وعن عائشة نحوه والترمذي عن ابى هريرة وابو داؤد عن قيس بن سعد وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فى نكاحهن من المهور والنفقات الراتبة وهذا امر كسبى ثم قسمهنّ على نوعين اما النوع الاول فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ مطيعات لله تعالى فى أداء حقوق ازواجهنّ حافِظاتٌ لما يجب عليهن حفظه من الفروج واموال الأزواج وأسرارهم لِلْغَيْبِ اى فى غيبة الأزواج او المراد بالغيب ما غاب عن الناس من اسرار الأزواج وأموالهم الخفية واللام صلة بِما حَفِظَ اللَّهُ اخرج ابن جرير عن طلحة ابن مطرف قال فى قراءة ابن مسعود فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ فاصلحوا اليهنّ واخرج عن السدى فاحسنوا اليهنّ قرا ابو جعفر بنصب الجلالة وما حينئذ موصولة وضمير ... ...

الفاعل راجع اليه والمعنى بالأمر الذي حفظ حق الله او طاعة الله وهو التعفف والشفقة على الأزواج وقرأ العامة بالرفع وما حينئذ اما مصدرية يعنى بحفظ الله اياهن بالأمر على حفظ الغيب والتوفيق او يقال اسناد الحفظ إليهن باعتبار الكسب والى الله تعالى باعتبار الخلق والخلق سبب للكسب وامّا موصولة يعنى بالذي حفظ الله لهنّ على الأزواج من المهر والنفقة والقيام بحفظهن والذبّ عنهنّ عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير «1» النساء امراة إذا نظرت إليها سرتك وان أمرتها اطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك فى مالها ونفسها ثم تلا الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الاية رواه البغوي ورواه ابن جرير بلفظ مالك ونفسها وروى النسائي والحاكم والبيهقي فى شعب الايمان عنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى النساء خير قال التي تسرّه إذا نظر وتطيعه إذا امر ولا تخالفه فى نفسها ولا مالها بما يكره وفى رواية تحفظ فى نفسها وماله قال السيوطي فى اكثر طرق الحديث فى نفسها وماله وكذا روى ابن ماجة من حديث ابى امامة وفى بعض الطرق فى نفسها ومالها قال الطيبي أراد بما لها مال الزوج أضاف إليها لادنى ملابسة لانها هى المتصرفة فيه، عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة إذا صلت خمسها وصامت شهرها وأحصنت فرجها واطاعت بعلها فليدخل من اىّ أبواب الجنة شاءت رواه ابو نعيم فى الحلية وعن أم سلمة مرفوعا ايّما امراة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة رواه الترمذي واما النوع الثاني فقال وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ اى عصيانهن وتكبرهن واصل النشوز الارتفاع ومنه النشز للموضع المرتفع قيل معنى تخافون تعلمون وفى القاموس جعل من معانى الخوف العلم ومنه وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً وقيل المراد بخوف النشوز خوف دوام النشوز والإصرار عليه ولا يجوز العقوبة قبل ظهور النشوز قلت خوف النشوز يكفى للوعظ فَعِظُوهُنَّ بالقول يعنى خوفوهن عقوبة الله والضرب والهجران وَاهْجُرُوهُنَّ حال كونكم فِي الْمَضاجِعِ إذا لم ينفعهن الوعظ يعنى لا تدخلوهنّ فى اللحف او هو كناية عن الجماع او ان يوليها ظهره فى المضجع وهو الأظهر حيث قال فى المضاجع ولم يقل

_ (1) عن عمر قال ما استفاده رجل بعد الايمان بالله من امرأة حسنة الخلق ودود ولود وما استفاد رجل بعد الكفر بالله شرّا من امراة سيئة الخلق حديدة اللسان وعن عمر بن الخطّاب قال النساء ثلاث امراة عفيفة مسلمة هبنة لينة ودود ولود تعين أهلها على الدهر ولا تعين الدهر على أهلها وقليل ما تجدها وامراة لم تزد على ان تلد الولد والثالثة غل قمل يجعلها الله فى عنق من يشاء وإذا أراد ان ينزعه نزعه رواه ابن ابى شيبة والبيهقي منه رحمه الله

عن المضاجع وَاضْرِبُوهُنَّ ان لم ينفع الهجران قال اكثر المفسّرين يعنى ضربا غير مبرج اى غير شاق وانما قيدوا بهذا لما روى مسلم عن جابر فى قصّة حجة الوداع فى خطبته صلى الله عليه وسلم فاتقوا الله فى النساء فانكم أخذتموهن بامان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ان لا يوطئن فروشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرج ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف قلت وهذا حديث احاد لا يجوز تقييد مطلق الكتاب بمثله واطلاق الكتاب وسياقه يقتضى ان يكون السياسة على قدر الجريمة فان خاف نشوزها بان ظهرت اماراته منها من المخاشنة وسوء الخلق وعظها فان أظهرت النشوز هجرها فان أصرّت عليه ضربها على قدر نشوزها فان أتت بفاحشة او تركت الصّلوة المكتوبة او صيام رمضان او غسل الجنابة او الحيض بضربها او يحبسها بقدر ما يرى ان تنزجر بها وان كان نشوزها ادنى من ذلك وأصرّت ولم تنزجر بالوعظ والهجران ضربها غير مبرج فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ من أول الأمر او بعد ما نشرت وتابت من النشوز فَلا تَبْغُوا اى لا تطلبوا يقال بغوت الأمر إذا طلبته عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا اى سبيل الإيذاء مفعول به لتبغوا يعنى اجعلوا بعد التوبة ما كان منهن من النشوز كان لم يكن لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) فلا تظلموا من تحت ايديكم واتقوا الله العلى الكبير فانه اقدر عليكم منكم على من تحت ايديكم او انه تعالى مع علو شانه متجاوز عن سيئاتكم ويتوب عليكم فانتم أحق بعفو حقوقكم عن أزواجكم، عن عبد الله بن زمعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها فى اخر اليوم متفق عليه وعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال ان يطعمها إذا طمت ويكسوها إذا اكتسيت ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجر الا فى البيت رواه احمد وابو داؤد وابن ماجة وعن إياس بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تضربوا إماء الله فجاء عمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذئرن النساء على أزواجهن فرخص فى ضربهن فاطاف بال رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثيرة يشكون أزواجهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد طاف بآل محمد نساء كثيرة يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم رواه ابو داود وابن ماجة والدارمي وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم خيركم لاهله وانا خيركم لاهلى رواه الترمذي والدارمي ورواه ابن ماجة عن ابن عباس.

[سورة النساء (4) : آية 35]

وَإِنْ خِفْتُمْ ايّها الحكّام شِقاقَ يعنى العداوة والخلاف لان كلا من الأعداء يفعل ما يشق على صاحبه او يميل الى شق اخر غير شق مختار لصاحبه بَيْنِهِما اى بين الزوجين، او رد ضميرهما من غير سبق المرجع لجريان ذكر ما يدل عليهما وهو النشوز لانه عصيان المرأة عن مطاوعة الزوج او يقال ذكر المرأة وضمير الزوج فى قوله تعالى وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ وأضيف الشقاق الى الظرف مجازا كما فى قوله تعالى مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ والخوف بمعنى الظنّ يعنى إذا ظهر من الزوجين ما ظننتم به تباغضهما واشتبه حالهما فى الحق والباطل فَابْعَثُوا الى الرجل حَكَماً يعنى رجلا عاقلا عادلا يصلح للحكومة مِنْ أَهْلِهِ وَابعثوا الى المرأة رجلا اخر حَكَماً مِنْ أَهْلِها وانما قيد بكون الحكمين من أهلهما لان الأقارب اعرف ببواطن الأحوال واطلب للصلاح وهذا القيد استحبابى ولو بعثوا أجنبيين جاز فيبحث الحكمان عن أحوالهما ويعرفان الظالم منهما فان كان الظلم من الزوج امراه بامساك بمعروف او تسريح بإحسان وان كان النشوز منها امراها باطاعة الزوج او الافتداء روى البغوي بسنده من طريق الشافعي عن عبيدة انه قال فى هذه الاية انه جاء رجل وامراة الى على بن ابى طالب رضى الله عنه ومع كل واحد منهما قيام من الناس فامرهم علىّ فبعثوا «1» حكما من اهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين تدريان ما عليكما، عليكما ان رايتما ان تجمعا تجمعا وان رايتما ان تفرّقا تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علىّ فيه ولى وقال الرجل اما الفرقة فلا فقال على كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به فقال مالك يجوز لحكم الزوج ان يطلق المرأة بدون رضاء الزوج ولحكم المرأة ان يختلع بدون رضاء المرأة ويجب عليها المال إذا راى الصلاح فى ذلك حيث ملّك علىّ الحكمين الجمع والتفريق وكذّب الزوج على نفى الفرقة وعند جمهور العلماء ليس للحكمين ذلك بل ان كان الزوجان وكلهما بالتطليق والخلع فعلا ذلك والا أصلحا بينهما بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ما أمكن والا شهدا عند الحاكم بظلم أحد الزوجين فجبر الحاكم الظالم منهما اما الزوج على إمساك بمعروف او تسريح بإحسان وامّا الزوجة على ترك النشوز أو الافتداء وقول على للرجل حتى تقر دليل على انّ رضاه شرط للفرقة فما لم يؤكله المطلاق ويفوض امره اليه لا ينفذ طلاقه إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما الضمير الاول

_ (1) عن ابن عباس بعثت انا ومعاوية حكمين فقيل لنا ان رأيتما ان تجمعا جمعتما وان رايتما ان تفرقا فرقتما والذي بعثهما عثمان رضى الله عنه منه رحمه الله،

[سورة النساء (4) : آية 36]

للحكمين والثاني للزوجين يعنى ان قصد الحكمان «1» إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة، أوقع الله بحسن سعيهما بين الزوجين الوفاق والالفة وجاز ان يكون المراد بالإصلاح ما هو اعمّ من الوفاق والفراق يعنى ان أراد اما هو الأصلح من ابقاء النكاح او إيقاع الطلاق يوفق الله بينهما ذلك الأصلح او الضمير ان للحكمين يعنى ان قصد الإصلاح ونصر المظلوم ولم يكن ارادة أحدهما اعانة قريبة على الباطل يوفق الله بينهما فيتفقان على الكلمة الواحدة حتى يتم المراد او الضميران للزوجين يعنى ان يريد الزوجان إصلاح ما بينهما او طلبا ما هو الأصلح القى الله بينهما الالفة او وفقهما الله بما هو الأصلح وفيه تنبيه على ان من أصلح نيته فيما يفعل أصلح الله عاقبة امره إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بما فى الضمائر وبعواقب الأمور خَبِيراً (35) بالظالم من الزوجين فيجازيه-. وَاعْبُدُوا اللَّهَ فى الصحاح العبودية اظهار التذلل والعبادة ابلغ منها لانها غاية التذلل ولا يستحقها الا من له غاية العظمة ونهاية الإفضال قلت ولهذا نهى عن الإشراك به تعالى فى العبادة وقال وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً منصوب على المفعولية والتنوين للتحقير وفيه توبيخ اى لا تشركوا به حقيرا مع عدم تناهى كبريائه إذ كل ممكن بالنسبة الى الواجب حقير جدّا او على المصدرية يعنى لا تشركوا به شيئا من الإشراك خفيا ولا جليا والعبادة ضربان عبادة بالتسخير لا يمكن لشىء من الممكنات الاستنكاف عنها وعبادة بالاختيار وهو المأمور به فى الآية والمراد به امتثال أوامره والانتهاء عما نهى عنه قال الصوفية العلية العبادة عبارة عن جعل العبد نفسه عديم الارادة والاختيار كالميّت بين يدى الغسّال فى امتثال أوامره ونواهيه راضيا بما قضى فيه حتى يكون فى أوامره التكليفية والتكوينية على انهج واحد قال الله تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، عن معاذ بن جبل قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا معاذ هل تدرى ما حق الله على العباد قال قلته ورسوله اعمل قال حقه عليهم ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا اتدرى يا معاذ ما حق الناس على الله إذا فعلوا ذلك قال قلت الله ورسوله اعلم قال فانّ حق الناس على الله ان لا يعذبهم قال قلت يا رسول الله الا ابشر الناس قال دعهم يعملون رواه البغوي وفى الصحيحين نحوه قلت وعند الصوفية معنى لا يعذبهم ان لا يعذبهم بعذاب الهجر والفراق وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً يعنى أحسنوا بهما إحسانا،

_ (1) فى الأصل ان قصدا الحكمين [.....]

عن معاذ قال أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال لا تشرك بالله وان قتلت او حرقت ولا تعقن والديك وان امراك ان تخرج من أهلك ومالك الحديث رواه احمد وَبِذِي الْقُرْبى مصدر بمعنى القرابة يعنى أحسنوا بذي القرابة عن سلمان بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على المسكين صدقة وهى على ذى الرحم صدقة وصلة رواه احمد والنسائي وابن حبان والحاكم والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن خزيمة وصححه ولفظه وعلى القريب صدقتان صدقة وصلة وبهذه الاية يظهر وجوب نفقة الوالدين والأقارب لكن يشترط ان يكون غنيا لقوله تعالى يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو يعنى الفاضل عن حاجته وقال عليه السلام خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول رواه البخاري عن ابى هريرة وحكيم ومسلم عن حكيم ويشترط لوجوب نفقة الأقارب غير الوالدين كونه عاجزا عن الكسب بان يكون صغيرا او زمنا او امراة ولا يشترط ذلك فى الوالدين وجه الوجوب انه ليس من الإحسان ان يكون هو غنيا ويموت قريبه جوعا وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ والإحسان الواجب فى هؤلاء ان يؤتيهم زكوة ماله وما زاد على ذلك فمستحبّ عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا رواه البخاري وعن ابى امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مسح رأس يتيم لم يمسحه الا لله كان له بكل شعر تمرّ عليها يده عشر حسنات ومن احسن الى يتيمة او يتيم عنده كنت انا وهو فى الجنة كهأتين وفرق بين إصبعيه رواه البغوي وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى يعنى الجار الذي قرب جواره او يكون جارا وذا قرابة فى النسب او فى الدين وَالْجارِ الْجُنُبِ يعنى الجار الذي بعد جواره او يكون جارا بلا قرابة وبلا اشتراك فى الدين عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيران ثلاثة فجادله ثلاثة حقوق حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام وجارله حقان حق الجوار وحق الإسلام وجادله حق واحد حق الجوار وهو المشرك من اهل الكتاب رواه الحسن بن سفيان والبزار فى مسنديهما وابو الشيخ فى كتاب الثواب وابو نعيم فى الحلية وروى ابن عدى فى الكامل من حديث عبد الله بن عمر ونحوه والحديثان كلاهما ضعيفان وعن عائشة قالت يا رسول الله انّ لى جارين فالى أيهما اهدى قال الى أقربهما منك بابا رواه البخاري وعن ابى ذر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا طبخت عرقة ... ...

فاكثر مائها وتعاهد جيرانك رواه مسلم وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبرئيل يوصينى بالجار حتى ظننت انه سيورثه رواه البخاري وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة هو الرفيق فى السفر وقال ابن جريح وابن زيد الذي يصحبك رجاء نفعك فيشتمل التلميذ وتلميذ استاده وقال على وعبد الله وابراهيم النخعي هو المرأة تكون مع جنبه وَابْنِ السَّبِيلِ قيل هو المسافر والأكثرون على انه الضيف عن ابى شريح الخزاعي ان النبىّ صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليحسن الى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت رواه البغوي وفى الصحيحين عن ابى شريح الكعبي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة ايام فما بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له ان يثوى عنده حتى يحرجه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت متفق عليه وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ اى العبيد والإماء، قلت ويدخل فيه البهائم ايضا، عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمملوك طعامه وكسوته وان لا يكلف من العمل ما لا يطيق رواه مسلم وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إخوانكم جعلهم الله تحت ايديكم فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه ممّا يلبس ولا يكلف من العمل ما يغلبه فان كلفه ما يغلبه فليعنه عليه متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صنع لاحدكم خادمه طعامه وقد ولى حره ودخانه فليقعده معه وليأكل فان كان الطعام مشفوها قليلا فليضع به فى يده منه أكلة او اكلتين رواه مسلم وعن ابى مسعود الأنصاري قال كنت اضرب غلاما لى فسمعت من خلفى صوتا اعلم أبا مسعود لله اقدر عليك منك عليه فالتفت فاذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هو حرّ لوجه الله تعالى فقال اما لو لم تفعل للفحتك النار او لمسّنتك النار رواه مسلم وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول فى مرضه الصّلوة وما ملكت ايمانكم رواه البيهقي فى شعب الايمان وروى احمد وابو داؤد عن علي نحوه وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث من كن فيه يسر الله حقه وادخله الجنة ... ...

[سورة النساء (4) : آية 37]

رفق بالضعيف وشفقة على الوالدين واحسان الى المملوك رواه الترمذي وعن عبد الله بن عمرو قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم نعفو من الخادم فسكت ثم أعاد عليه الكلام فصمت فلما كانت الثالثة قال اعفوا عنه كل يوم سبعين مرة رواه الترمذي وروى ابو داؤد عن عبد الله ابن عمرو وعن سهل بن حنظلة قال مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال اتقوا الله فى هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة واتركوها صالحة رواه ابو داود وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أنبئكم بشراركم الذي يأكل وحده ويجلد عبده ويمنع رفده رواه رزاين وعن ابى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا ايديكم رواه الترمذي، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ اى يبغض ذكر عدم الحبّ وأراد به البغض مَنْ كانَ مُخْتالًا متكبرا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه لا يلتفت إليهم فَخُوراً (36) يتفاخر عليهم، عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما رجل يتبختر فى بردين وقد أعجبته نفسه خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة (كذا بياض فى الأصل) وعن ابن عمر قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله يوم القيامة الى من جرّثوبه خيلاء متفق عليه وعن عياض بن حمار الأشجعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله اوحى الىّ ان تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد رواه مسلم وعن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا معشر المسلمين اتقوا الله فان ريح الجنة يوجد من مسيرة الف عام وانه لا يجد عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جار إزاره خيلاء وانما الكبرياء لربّ العلمين، الحديث رواه الطبراني فى الأوسط. الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ممّا وجب عليه بدل من من كان بدل الكل لانّ المختال الفخور يبخل عن إيفاء بنى نوعه التواضع او لانه أراد بالمختال هذا الفرد وجمع الموصول نظرا الى معنى من وجاز ان يكون منصوبا على الذم او مرفوعا على انه خبر مبتدا محذوف اى هم الذين او مبتدا خبره محذوف تقديره الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ أحقاء لكل ملامة او أحقاء بالعذاب ويدل على التقدير الثاني التذئيل بقوله أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ الاية قرا حمزة والكسائي بالبخل هاهنا وفى الحديد بفتح الباء والخاء والباقون بضم الباء وسكون الخاء وهما لغتان قال البغوي قال ابن عباس وابن زيد نزلت ... ...

[سورة النساء (4) : آية 38]

الاية فى كردم بن زيد وحيى بن اخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت واسامة بن حبيب ونافع بن ابى نافع وبحرى بن عمرو من اليهود كانوا يأتون رجالا من الأنصار ويخالطونهم فيقولون لا تنفقوا أموالكم فانا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون كذا اخرج ابن إسحاق وابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس فعلى هذا المراد بالبخل البخل بالمال وقال سعيد بن جبير المراد بالبخل كتمان العلم اخرج ابن ابى حاتم من طريق عطية العوفى وهو ضعيف عن ابن عباس انها نزلت فى الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ولا بخل فوق إمساك العلم بصفة النبي صلى الله عليه وسلم وامر بعضهم بعضا بذلك وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يعنى المال او العلم وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ وضع الظاهر موضع المضمر اشعارا بان من هذا شأنه فهو كافر لنعمة الله ومن كان كافرا لنعمة الله هيّئنا له عَذاباً مُهِيناً (37) كما أهان النعمة بالبخل والكتمان ووضع ضمير المتكلم موضع الغائب لتفخيم العذاب ومزيد التهويل عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ولجاهل سخى احبّ الى الله من عابد بخيل رواه الترمذي وعن ابى سعيد مرفوعا خصلتان لا تجتمعان «1» فى مؤمن البخل وسوء الخلق رواه الترمذي وعن ابى بكر الصديق عنه صلى الله عليه وسلم لا يدخل «2» الجنة خبّ «3» ولا بخيل ولا منان رواه الترمذي-. وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ رياء مفعول له للانفاق يعنى ينفقون لان يراه الناس ويقولوا ما أجودهم والموصول معطوف على الموصول يعنى الذين يبخلون ووجه المشاركة بينهما فى الذم ان الانفاق رياء كعدم الانفاق او ان البخل والإسراف طرفا انفاق على ما لا ينبغى بالإفراط والتفريط سيان فى استجلاب الذّم والعذاب او مبتدا وخبره محذوف يعنى فالشيطان قرين له يدل على المحذوف قوله تعالى وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً او معطوف على الكفرين فان الانفاق رياء كفر واشراك خفىّ ولذلك عطف عليه وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى انا اغنى الشركاء «4»

_ (1) وعن ابى بكر الصديق قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل الجنة سيّىء الملكة منه رحمه الله (2) خبّ اى خدّاع وهو الجربز الذي يسعى بين الناس بالفساد منه رحمه الله (3) فى الأصل لا يجتمع (4) فى الأصل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا اغنى الشركاء. هـ

[سورة النساء (4) : آية 39]

عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه وفى رواية فانا منه برىء هو للذى عمله رواه مسلم وفى حديث عمر بن الخطّاب عن معاذ مرفوعا ان يسير الرياء شرك هذه الاية نزلت فى اليهود كما ذكرنا وقال السدى فى المنافقين وقيل فى مشركى مكة المنفقين أموالهم فى عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً صاحبا وخليلا فَساءَ قَرِيناً (38) المخصوص بالذم محذوف يعنى الشيطان ففيه تحذير عن متابعة الشيطان ومصاحبته او المخصوص من يكن الشيطان له قرينا ففيه اشارة الى ما فعلوه من الشرور من البخل والرياء وغير ذلك انما هو بمقارنة الشيطان وجاز ان يكون وعيدا لهم بان الشيطان يقرن بهم فى النار. وَماذا عَلَيْهِمْ يعنى ما الذي عليهم او اىّ مضرة يلحقهم لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فان شكر المنعم حسن لذاته لا يحتمل المضرة أصلا عقلا ولا نقلا وَأَنْفَقُوا فى سبيل الله لتحصيل مرضات الله وطمع ثوابه بعشرة أمثاله الى سبعمائة ضعف والى ما شاء الله مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ اى شيئا قليلا من كثير رزقهم الله يعنى ربع العشر فى النقود او اقل منه فى السوائم بعد ما كان نصابا فاضلا عن الحوائج فان ذلك غير شاقّ على أحد ولا حرج فيه أصلا فالاستفهام للتوبيخ على جهلهم المركب حيث يزعمون ما فيه كمال المنفعة مضرة، وفيه تحريض على الفكر لطلب الجواب حتى يظهر لهم الفوائد الجليلة والعوائد الجميلة فيما يدعو اليه الله ورسوله وتنبيه على ان المدعو الى امر إذا علم انه لا ضرر فى ذلك الأمر ينبغى ان يجيب احتياطا فكيف عند ظهور منافعه وعوائده وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39) وعيد لهم-. إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ المثقال مفعال من الثقل والذرة هى النملة الصغيرة الحمراء وقيل الذرة اجزاء الهباء المرئية فى الكوة ولا يكون لها ثقل والمعنى ان الله لا يظلم شيئا وفيه اشارة الى ان ما اعدّ الله تعالى للكافرين من العذاب المهين عدل ليس بظلم بل ترك تعذيبهم بعد اتلافهم حقوق الله تعالى من التوحيد والعبادة وحقوق الوالدين والأقربين وغيرهم كانّه ظلم بالنسبة الى من ما منعوا عن الحقوق ويمكن ان يقال انهم استحقوا العذاب بحيث لو منعوا عن التعذيب كانوا كانهم ظلموا والظلم عبارة عن وضع الشيء فى غير محلّه وفعل شىء لا يجوز فعله وذلك غير متصور من الله تعالى فانه تعالى خالق الأشياء مالك الملك ... ...

لو عذب العالمين من غير ذنب لا يكون ظلما لكن المراد هاهنا انه لا يفعل فعلا لو صدر ذلك الفعل من غيره عد ظلما يعنى انه تعالى لا ينقص من أجور الطاعات ولا يزيد فى عقاب المعاصي روى البغوي بسنده عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا يظلم المؤمن حسنة ثياب عليها الرزق فى الدنيا ويجزى بها فى الاخرة وامّا الكافر فيطعم فى الدنيا حتى إذا افضى الى الاخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا رواه احمد ومسلم وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه فى الحق يكون له فى الدنيا باشدّ مجادلة من المؤمنين بربهم فى إخوانهم الذين ادخلوا النار قال يقولون ربّنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجّون معنا قال فيقول اذهبوا فاخرجوا من عرفتم منهم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار الى انصاف ساقيه ومنهم من أخذته الى كعبيه فيخرجونهم فيقولون ربنا قد أخرجنا من امرتنا قال ثم يقول اخرجوا من كان فى قلبه وزن دينار من الايمان ثم من كان فى قلبه وزن نصف دينار حتى يقول من كان فى قلبه مثقال ذرّة قال ابو سعيد فمن لم يصدق هذا فليقرا هذه الاية إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً قال فيقولون ربنا قد أخرجنا من امرتنا فلم يبق فى النار أحد فيه خير ثم يقول الله عز وجلّ شفعت الملائكة وشفعت الأنبياء وشفع المؤمنون وبقي ارحم الراحمين قال فيقبض قبضة من النّار او قال قبضتين ناسا لم يعملوا لله خيرا قطّ قد احترقوا حتى صاروا حمما فيؤتى بهم الى ماء يقال له ماء الحياة فيصب عليهم فينبتون كما ينبت الحبّة فى حميل السيل قال فيخرج أجسادهم مثل اللؤلؤ فى أعناقهم الخاتم عتقاء الله فيقال لهم ادخلوا الجنّة فما تمنيتم او رأيتم شيئا فهو لكم، قال فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العلمين قال فيقول فانّ عندى لكم أفضل منه فيقولون ربنا وما أفضل من ذلك فيقول رضائى عنكم فلا أسخط عليكم ابدا رواه البغوي بسنده وفى الصحيحين نحوه فى حديث طويل وليس فيهما قول ابى سعيد فمن لم يصدق هذا فليقرا هذه الاية وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مدّ البصر ثم يقول الله أتنكر هذا شيئا أظلمك كتبتى الحافظون فيقول لا يا ربّ فيقول افلك عذر او حسنة فبهت الرجل قال لا يا ربّ ... ...

فيقول بلى ان لك عندنا حسنة وانه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا ربّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فقال انك لا تظلم قال فيوضع السجلات فى كفة والبطاقة فى كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة قال فلا يثقل مع اسم الله شىء رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه وقال قوم معنى هذه الاية إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ للخصم على الخصم بل يأخذ له منه ولا يظلم مثقال ذرّة يبقى له بل يثيبه عليها ويضعفها له كما قال وَإِنْ تَكُ حذف النون من غير قياس تشبيها بنون الرفع ولم يعد الواو التي حذفت لالتقاء الساكنين بعد حذف النون وهذا خلاف قياس اخر وكانهم لم يعيدوها تحرزا عن صورة ابقاء حرف العلة فى اخر الكلمة مع الجازم حَسَنَةً واحدة قرا اهل الحجاز بالرفع على ان تكون تامة وحسنة فاعلها والباقون بالمنصب على انها ناقصة وضمير الاسم راجع الى مثقال ذرّة وانث الضمير لتانيث الخبر او لاضافة المثقال الى مؤنث يعنى ان يك مثقال ذرّة حسنة يُضاعِفْها اى يجعلها أضعافا كثيرة عن ابى هريرة قال والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انّ الله ليضاعف الحسنة الفى الف حسنة رواه ابن جرير وابن ابى شيبة وَيُؤْتِ صاحبه مِنْ لَدُنْهُ تفضّلا زائدا على ما وعد فى مقابلة العمل أَجْراً عَظِيماً (40) قال البغوي قال ابو هريرة إذا قال الله اجرا عظيما فمن يقدر قدره عن ابن مسعود قال إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد الا من كان يطلب مظلمة فليجىء الى حقّه فليأخذ فيفرح المرء ان يكون له الحق على والده او ولده او زوجته او أخيه فيأخذ منه وان كان صغيرا ومصداق ذلك فى كتاب الله عز وجلّ فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ الاية ويؤتى بالعبد وينادى مناد على رءوس الأولين والآخرين هذا فلان فمن كان له عليه حق فليأت الى حقّه ثم يقال له ات هؤلاء حقوقهم فيقول يا رب من اين وقد ذهبت الدنيا فيقول الله عزّ وجلّ لملائكته انظروا فى اعماله وأعطوهم منها فان بقي مثقال ذرّة حسنة قالت الملائكة يا ربنا بقي له مثقال ذرّة حسنة فيقول الله ضعّفوه لعبدى وأدخلوه بفضل رحمتى الجنة ومصداق ذلك فى كتاب الله عزّ وجلّ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وان كان عبدا شقيا قالت الملائكة الهنا فنيت حسناته وبقي طالبون فيقول الله عزّ وجلّ خذوا ... ...

[سورة النساء (4) : آية 41]

من سيئاتهم فاضيفوها الى سيئاته ثم صكّوا له صكا الى النار رواه البغوي وكذا روى ابن المبارك وابو نعيم وابن ابى حاتم-. فَكَيْفَ خبر مبتدا محذوف يعنى كيف هؤلاء الكفار والاستفهام للتهويل والفاء للتفريع على مفهوم ما سبق يعنى إذا علمت ان الله لا يظلم على أحد بل يأخذ لكلّ صاحب حق حقه ممن ظلمه ولا يترك منه شيئا فكيف حال هؤلاء الذين لم يؤدّوا حقوق الله وحقوق العباد إِذا جِئْنا متعلق بالتهويل المستفاد من الاستفهام مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ يعنى نبى ذلك الامة يشهد عليهم بما عملوا من خير او شرّ وما أجابوه وما كذبوه وَجِئْنا بِكَ يا محمد عَلى هؤُلاءِ يعنى أمتك امة الدعوة شَهِيداً (41) يشهد النبي صلى الله عليه وسلم مكى جميع الامة من رآه ومن لم يره اخرج ابن المبارك عن سعيد بن المسيّب قال ليس من يوم الّا وتعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم وروى البخاري عن ابن مسعود قال قال لى النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ علىّ قلت يا رسول الله اقرأ عليك وعليك انزل قال نعم فقرات سورة النساء حتى إذا أتيت هذه الاية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال حسبك الان فالتفت اليه فاذا عيناه تذر فان وقيل المشار اليه بهؤلاء الأنبياء فانهم يشهدون على الأمم والنبي صلى الله عليه وسلم يشهد على صدقهم وقيل المشار اليه مؤمنوا هذه الامة يشهدون للانبياء على الأمم والنبي صلى الله عليه وسلم يصدّقهم ويزكيهم وقد ذكرنا شهادتهم على الأمم فى البقرة فى تفسير قوله تعالى لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ. يَوْمَئِذٍ يعنى يوم إذا كان كذلك يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ لو للتمنى يعنى يتمنى الذين أتوا بالكفر والعصيان جميعا او بأحدهما قرا نافع وابن عامر تشوّى بفتح التاء وتشديد السين بإدغام تاء التفعل فى السين وحمزة والكسائي بفتح التاء وتخفيف السين على حذف تاء التفعل واصله على القراءتين تتسوى والباقون بضم التاء والتخفيف على البناء للمفعول من التفعيل قال قتادة وابو عبيدة يعنى لو تخرقت الأرض فصاروا فيها ثمّ تسوى الأرض عليهم وقيل معناه ودوا انهم لم يبعثوا وقال الكلبي يقول الله للبهائم والوحوش والطيور والسباع كونوا ترابا فتسوى بهن الأرض فعند ذلك يتمنى الكافر وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ ... ...

حَدِيثاً (42) قال عطاء ودوا لو تسوّى بهم الأرض وانهم لم يكونوا كتموا امر محمد صلى الله عليه وسلم ولا نعته يعنى جملة لا يكتمون معطوف على تسوّى داخل فى التمني وصيغة المضارع بمعنى الماضي، وقال الآخرون بل هو كلام مستانف يعنى لا يقدرون على كتمانه لان ما عملوه لا يخفى على الله، وجوارحهم تشهد عليهم فعلى هذا جملة لا يكتمون معطوف على يودّ وقيل الواو للحال من فاعل يودّ يعنى يودّون ان تسوى بهم الأرض وحالهم انهم لا يكتمون من الله حديثا ولا يكذبونه بقولهم وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ قال سعيد بن جبير قال رجل لابن عباس انى لاجد فى القرآن أشياء تختلف علىّ قال هات ما اختلف عليك قال فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ ... وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ وقال وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً وقال وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فقد كتموا وقال أَمِ السَّماءُ بَناها الى قوله وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ثم قال أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ الى قوله طائعين فذكر فى هذه الآيات خلق الأرض قبل خلق السماء وقال وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً فكانه كان ثم قضى فقال ابن عباس فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ هذا فى النفخة الاولى إذا نفخ فى الصور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ثم فى النفخة الاخرى أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ واما قوله تعالى ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ... ، وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً فانهم لمّا راوا يوم القيامة ان الله يغفر لاهل الإسلام ذنوبهم ولا يغفر للمشركين جحد المشركون رجاء ان يغفر لهم فقالوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فيختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً وخلق الله الأرض فى يومين ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فى يومين آخرين ثم دحى الأرض فى يومين فخلقت الأرض وما فيها من شىء فى اربعة ايام وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً اى لم يزل كذلك فلا يختلف عليك القران فان كلا من عند الله كذا اخرج البخاري وغيره وقال الحسن انها مواطن ففى موطن لا يتكلمون فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً وفى موضع يتكلمون ويكذبون ويقولون ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ وفى موطن يعترفون على أنفسهم وهو قوله تعالى فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ وفى موضع يَتَساءَلُونَ وفى موضع يسئلون ... ...

[سورة النساء (4) : آية 43]

الرجعة واخر تلك المواطن ان يختم على أفواههم وتتكلم جوارحهم وهو قوله تعالى وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حديثا والله اعلم- روى ابو داود والترمذي وحسنه والحاكم عن على عليه السّلام قال صنع لنا عبد الرحمن ابن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر وذلك قبل تحريم الخمر فاخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدّمونى فقرات قل يا ايّها الكافرون اعبد ما تعبدون بحذف لا هكذا الى اخر السّورة فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى يعنى لا تقربوها فى حال سكركم حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ذكر هذا القيد لتعيين حدّ السكر الذي يمنع قربان الصلاة فان قيل الشكر إذا بلغ حدا لا يعلم الرجل ما يقول فحينئذ لا يصح خطابه فكيف خوطب بالنهى عن اقتراب الصلاة قلنا الخطاب توجه بعد الصحو والمراد به النهى عن اقتراب المسكر فى اوقات الصلاة قال البغوي فكانوا بعد نزول هذه الاية يجتنبون السكر فى اوقات الصلاة حتى نزل تحريم الخمر يعنى اية المائدة او يقال هذا نهى ومعناه النفي يعنى لا صلوة لكم وأنتم سكارى وحَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ غاية لنفى الصلاة على التقدير الثاني وعلى التقدير الاول حتى لتعليل النهى بمعنى كى وقال الضحاك بن مزاحم أراد به سكر النوم نهى عن الصلاة عند غلبة النوم عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نعس أحدكم وهو يصلى فلير قد حتى يذهب عنه النوم فان أحدكم إذا صلى وهو ينعس لعله يذهب يستغفر فيسبّ نفسه متفق عليه ورواه ابو داود والترمذي وابن ماجة وفى هذه الاية تنبيه على انه يجب على المصلى ان يحضر قلبه حتى يعلم ما يقول ويتعلم معانى القران ويتدبر فيه ويتحرز عما يلهيه ويشغل قلبه والله اعلم واخرج الطبراني عن الاسلع قال كنت اخدم النبي صلى الله عليه وسلم وارحل له فقال لى ذات يوم يا اسلع قم فارحل فقلت يا رسول الله أصابتني جنابة وكذا روى ابن مردوية بلفظ أصابتني جنابة فى ليلة باردة فخشيت ان اغتسل بالماء البارد فاموت او امرض فأتاه جبرئيل باية الصعيد فارانى التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين فقمت فيتممت ثم رحلت وكذا اخرج الفريابي وابن المنذر وابن ابى حاتم عن على عليه السّلام قال هذه الاية قوله وَلا جُنُباً فى المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم انتهى وسنذكر فى سورة المائدة ان شاء الله تعالى انّ اوّل اية ... ...

نزلت لرخصة التيمم اية المائدة وهى اسبق من هذه ولعل نزول هذه الاية لرخصة التيمم لمن خشى المرض او الموت باستعمال الماء البارد فى ليلة باردة كما يدل عليه حديث الاسلع والله اعلم والجنب الذي أصابته الجنابة ويستوى فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع فصحّ عطفه على وأنتم سكارى وفى القاموس الجنابة المنى وقالت الحنفية الجنابة فى اللغة خروج المنى على وجه الشهوة يقال اجنب الرجل إذا قضى شهوته من المرأة بالانزال وقال بعض العلماء الجنابة يطلق على مجرد الجماع انزل اولم ينزل نقل الحافظ ابن حجر عن الشافعي ان كلام العرب يقتضى ان الجنابة يطلق بالحقيقة على الجماع وان لم يكن معه إنزال قال فان كل من خوطب بان فلانا اجنب من فلانة يفهم انه أصابها وان لم ينزل واصل الجنابة البعد سمى الجماع جنابة لمجانبته الناس وبعده منهم فى تلك الحالة فذهب داود الى انه لا يجب الغسل بالجماع ما لم ينزل زعما منه ان الجنابة هو خروج المنى واحتج على ذلك بحديث أبيّ بن كعب انه قال يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل قال يغتسل ما مس المرأة منه ثم يتوضا ويصلى متفق عليه وحديث ابى سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل الى رجل من الأنصار فجاء ورأسه يقطر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلّنا اعجلناك قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجلت او قحطت فعليك الوضوء متفق عليه وفى لفظ مسلم قصّة وفيه انما الماء من الماء- (مسئلة) واجمع الائمة الاربعة وجمهور المسلمين على وجوب الغسل بالجماع وان لم ينزل فان كانت الجنابة بمعنى الجماع كما قاله الشافعي وهو المناسب للاشتقاق فالحكم ثابت بإطلاق هذه الاية وان كانت بمعنى خروج المنى بشهوة فهذا المعنى ثابت فى الجماع امّا حقيقة وامّا حكما لان الجماع سبب لخروج المنى غالبا والذكر عند الجماع يغيب عن النظر والمعنى قد يرق فلا يدرك خروجه فاقيم السبب مقام المسبّب كالنوم أقيم مقام الحدث لانه مظنة خروج الريح غالبا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العينان وكاء السية فاذا نامت العينان استطلق الوكاء رواه احمد وابو داؤد وابن ماجة والدارقطني عن على وايضا الحجة على وجوب الغسل بالجماع مطلقا الأحاديث والإجماع عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهد بها وجب الغسل متفق عليه وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ...

إذا قعد بين الشعب الأربع والزق الختان الختان فقد وجب الغسل رواه مسلم وروى الترمذي وصححه بلفظ إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فعلته انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا والحديثان اللذان احتج بهما داؤد منسوخان روى احمد واصحاب السنن عن سهل بن سعد حدثنى ابى بن كعب ان الأنصار كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصها فى اوّل الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعد، صححه ابن خزيمة وابن حبّان وقال الإسماعيلي هو صحيح على شرط البخاري فان قيل جزم ابن هارون والدارقطني ان الزهري لم يسمعه عن سهل وقال الحافظ ابن حجر وقع عند ابى داؤد ما يقتضى انقطاعه فقال عن عمرو بن الحرب عن ابن شهاب حدثنى بعض من ارضى ان سهل بن سعد أخبره ان أبيّ بن كعب أخبره قلنا ان سند ابى داؤد صحيح لان الثقة إذا قال أخبرني ثقة او من ارضى يكون الحديث صحيحا وهذا لا يستلزم ان يكون سند احمد وابن ماجة وغيرهما منقطعا لانه يمكن ان الزهري سمعه عن ثقة عن سهل ثم لقى سهلا فحدثه، (مسئلة) ويجب الغسل بخروج المنى ايضا اجماعا غير ان أبا حنيفة ومحمدا «1» ومالكا واحمد يشترطون ان يكون الخروج بدفق وشهوة عند الانفصال وقال ابو يوسف بدفق وشهوة عند الانفصال والخروج جميعا وقال الشافعي خروج المنى موجب للغسل وان لم يقارن اللذة سواء كان بتدفق أو لا- احتج الشافعي بحديث على انه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المذي فقال فيه الوضوء وفى المنى الغسل رواه الطحاوي وما مرّ من قوله صلى الله عليه وسلم انما الماء من الماء وحديث أم سلمة انها قالت جاءت أم سليم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هل على المرأة غسل إذا احتلمت قال نعم إذا رات الماء متفق عليه قال الجمهور اللام فى قوله صلى الله عليه وسلم المنى والماء للعهد والمعهود ما كان منه بدفق وشهوة وقول الشافعي أحوط واللام عنده للجنس (مسئلة) رؤية المستيقظ المنى او المذي يوجب الغسل وان لم يتذكر الاحتلام والشهوة لان النوم او ان غفلة ومظنة الاحتلام والمنى قد يرق بطول الزمان او فساد الغذاء فالشك يبلغ الى درجة الظن فى كونه منيا فيوجب الغسل روى الترمذي عن عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال يغتسل وعن الرجل يرى انه قد احتلم

_ (1) فى الأصل محمد-

ولم يجد بللا قال لا غسل عليه وفيه عبد الله بن عمر يروى عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمّد عنها قال الترمذي ضعّفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه، إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حال متداخل من قوله جنبا استثناء من أعم أحواله او صفة لقوله جنبا وعلى التقديرين الاستثناء مفرغ اى لا تقربوا الصلاة جنبا فى حال من الأحوال الّا حال كون الجنب مسافرين او جنبا موصوفا بصفة من الصّفات الا بصفة كونهم مسافرين وذلك إذا لم يجد الماء او لم يقدر على استعماله ويتيمم ويشهد له ما روينا فى شأن نزوله وتعقيبه بذكر التيمم كأنّه عبر عن المتيمّم بالمسافر لان غالب حاله عدم الماء وفيه دليل على ان التيمم لا يرفع الحدث بل يستره وبه قال جمهور العلماء وقال داؤد التيمم يرفع الحدث وكذا وقع فى بعض كتب الحنفية ان التيمم يرفع الحدث عنده وان وجدان الماء ناقض المتيمم مثل سائر نواقض الوضوء والصحيح عندى انه لا يرفع الحدث ولو كان رافعا للحدث فوجدان الماء لا يتصوّر كونه حدثا وكون وجدان الماء غاية لطهورية الصعيد يقتضى ظهور الحدث السّابق المستور لا ورود الحدث الجديد، وجه قول داود انه يرفع الحدث قوله صلى الله عليه وسلم الصعيد الطيّب وضوء المسلم وان لم يجد الماء عشر سنين الحديث رواه اصحاب السنن من حديث ابى ذرّ وقال الترمذي حديث صحيح وقوله صلى الله عليه وسلم جعلت لى الأرض كلّها مسجدا وتربتها طهورا رواه مسلم وابن خزيمة وغيرهما قلنا هذان الحديثان وما فى معناهما مبنيان على المجاز يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فى اخر حديث ابى ذرّ المذكور فاذا وجد الماء فليمسّ بشرته فانه ان كان طهورا على الحقيقة لم يجب عليه استعمال الماء بعد رفع الحدث وفى الصحيحين عن عمران بن حصين ذكر قصّة وفيه امر لمجنب عند عدم الماء بالتيمم ثم إذا وجد الماء امره بالغسل ولو كان التيمم رافعا للجنابة لم يأمره بالغسل- (فائدة:) ما ذكرنا من التفسير قول على وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقال بعض المفسرين معنى هذه الاية لا تقربوا مواضع الصلاة يعنى المساجد بحذف المضاف جنبا الّا عابرى سبيل يعنى الا مجتازين من المسجد بغير مكث لما روى ابن جرير عن يزيد بن ابى حبيب ان رجالا من الأنصار كانت أبوابهم فى المسجد كانت تصيبهم جنابة ولا ماء عندهم فيريدون الماء ولا يجدون ممرّا الّا فى المسجد فانزل الله قوله وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ وهذا قول ابن مسعود وسعيد بن المسيّب ... ...

والضحاك والحسن وعكرمة والنخعي والزهري وبناء على هذا التفسير قال مالك والشافعي جاز للجنب المرور من المسجد على الإطلاق وهو قول الحسن فان اللفظ عام وان كان سبب نزول الاية خاصا يعنى ضرورة عدم وجدان الممرّ الا فى المسجد وعندنا لا يجوز المرور فى المسجد للجنب لان تأويل الاية على هذا الوجه يتوقف على تقدير المضاف والأصل عدم التقدير وايضا لو كان معنى الاية لا تقربوا مواضع الصلاة لزم حرمة دخول مساجد البيوت للجنب ولم يقل به أحد وايضا لا معنى لقوله لا تَقْرَبُوا مواضع الصلاة وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ فانه صريح فى النهى عن قربان الصلاة ولا يمكن فى المعطوف تقدير غير ما ذكر او قدر فى المعطوف عليه- (مسئلة) لا يجوز المكث فى المسجد عند مالك والشافعي ايضا كما لا يجوز عند ابى حنيفة وقال احمد يجوز، لنا قوله صلى الله عليه وسلم وجهوا هذه البيوت عن المسجد فانى لا أحل المسجد لحائض ولا جنب رواه ابو داود وابن ماجة والبخاري فى التاريخ والطبراني عن أفلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة وقال الحافظ رواه ابو داؤد من حديث جسرة عن أم سلمة وقال ابو زرعة الصحيح حديث جسرة عن عائشة فان قيل ضعّف الخطابي هذا الحديث فقال أفلت بن خليفة العامري الكوفي مجهول الحال وقال ابن الرفعة متروك قلنا قول ابن الرفعة مردود لم يقله أحد من ائمة الحديث بل قال احمد ما ارى به بأسا وصححه ابن خزيمة وحسنه ابن القطان فلا يضرّ ان جهله بعض الناس وهذا الحديث كما هو حجة للجمهور على احمد فهو باطلاقه حجة على الشافعي بل انما سيق الكلام لمنع المرور جنبا فى المسجد والله اعلم- (مسئلة) لا يجوز للجنب الطواف لانه فى المسجد ولاقراءة القران عند الجمهور وقال مالك يجوزان يقرا آيات يسيرة للتعوذ وقال داود يجوز مطلقا لنا قوله صلى الله عليه وسلم لا تقرا الحائض والجنب شيئا من القران وقد مرّ فى البقرة فى تفسير قوله تعالى وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ولانه لا يجوز للجنب مس مصحف فيه نقوش دالة على القران كما سنذكر فى تفسير قوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فلان لا يجوز له إيراد حروف القران على اللسان اولى وامّا جواز قراءة القران للمحدث مع كونه ممنوعا عن المس بالنص المذكور فلان الحدث لا يسرى فى الفم بل على ظاهر البدن او لان الحدث غالب الوقوع فلم يجعل مانعا عن القراءة دفعا للحرج بخلاف الجنابة فانها ... ...

نادرة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه لم يكن يحجبه شىء من القران سوى الجنابة رواه احمد واصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود والبيهقي وصححه الترمذي وابن السكن والبيهقي وعبد الحق والبغوي فى شرح السنة وفى الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم قرأ عشر آيات خواتيم ال عمران قبل الوضوء- حَتَّى تَغْتَسِلُوا غاية للنهى عن قربان الصلاة للجنب غير المسافر المعذور فانه جائز له بالتيمم لما سيجيئ او غاية لنفى الصّلوة فى حالة الجنابة، لا يقال كيف يقع الاغتسال نهاية عدم القربان حالة الجنابة مع ان الجنابة يرتفع بالاغتسال لانا نقول كلمة حتى تدخل على ما يجاوز الجزء الأخير ايضا كما فى نمت البارحة حتى الصباح كذا هاهنا فان قيل اىّ فائدة فى هذا القيد مع انّ المقصود يعنى النهى عن الصلاة حالة الجنابة يحصل بدونه، قلنا فائدته، بيان ما يزيل الجنابة وسنذكر مسائل الغسل فى سورة المائدة فى تفسير قوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ان شاء الله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى جمع مريض أَوْ عَلى سَفَرٍ الاشتراط بالمرض او السفر خرج مخرج العادة الغالبة لان فقد الماء غالبا انما يكون لمرض او سفر فلا مفهوم لهذين الشرطين عند الجمهور وقال الشافعي ان كان صحيحا مقيما فى موضع لا يعدم الماء فيه غالبا بان كان فى قرية انقطع ماؤها يصلى بالتيمم ويجب عليه إعادتها نظرا الى مفهوم هذين الشرطين قلنا مفهوم هذين الشرطين غير معتبر اجماعا ولذلك تجب عليه الصلاة بالتيمم بالإجماع فلا وجه لوجوب الاعادة لان سبب الوجوب واحد لا يتكرر فلا يتكرر الواجب ولكون مفهوم هذين الشرطين غير معتبر لا يجب الاعادة اتفاقا على فاقد ماء صحيح مقيم فى موضع يعدم فيه الماء غالبا- عن ابى ذرّ انه كان مقيما «1» بالربذة ويفقد الماء أياما فسال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال التراب كافيك ولو لم تجد الماء عشر حجج وفى رواية الصعيد الطيّب وضوء المسلم ولو الى عشر حجج رواه اصحاب السنن وصححه ابو داؤد وقوله تعالى مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ تفصيل للجنب تقدير الكلام وان كنتم جنبا مرضى او على سفر وانما حذف قوله جنبا لما سبق ذكره وذكر السفر هاهنا مع سبق ذكره بقوله الا عابرى سبيل لبيان التسوية بينه وبين المرض بالحاق الواجد بالفاقد بجامع العجز عن الاستعمال ثم عطف على المقدر يعنى جنبا قوله أَوْ جاءَ أَحَدٌ

_ (1) فى الأصل مقيم-

مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ الغائط المطمئن من الأرض والمجيء من الغائط كناية عن الاستفراغ الحاصل بخروج البول او البراز لان العادة ان الرجل يذهب للبول او البراز الى المطمئن من الأرض فالمعنى إذا أحدث أحدكم من أجل البول او البراز- (مسئلة) هذه الاية تدل على ان الخارج من السّبيلين إذا كان معتادا ينقض الوضوء ولا تدل على ان غير المعتاد الخارج منهما ليس بناقض كما قال به مالك- (مسئلة) وعند الجمهور غير المعتاد ايضا ناقض وهى رواية عن مالك لحديث عائشة فى الاستحاضة انه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت حبيش اغسلي عنك الدم وتوضئ لكلّ صلوة متفق عليه ولا على ان النجس الخارج من غير السبيلين كالقئ والدم ليس بناقض كما قاله الشّافعى وقال احمد اليسير منه ليس بناقض وعند ابى حنيفة ينقض مطلقا بشرط كونه نجسا وما ليس بسائل من الدم ليس ببخس وكذا القليل من القيء لانه فى حكم البزاق والحجة لنا القياس على الخارج من السّبيلين لان العلة لوجوب التطهير خروج النجاسة لا غير، فان قيل وجوب الوضوء بخروج النجاسة غير معقول فلا يجوز فيه القياس، قلنا كون خروج النجاسة مؤثرا فى زوال الطهارة معقول والاقتصار على الأعضاء الاربعة غير معقول لكنه يتعدى بتعدي الاوّل ولنا ايضا الأحاديث منها حديث معدان عن ابى الدرداء ان النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ فلقيت ثوبان فى مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال صدق انا صببت له وضوءه، رواه احمد عن حسين المعلم عن يحيى بن كثير عن الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان عنه قالوا قد اضطربوا فرواه معمر عن يحيى بن كثير عن يعيش عن خالد بن معدان عن ابى الدرداء والجواب ان اضطراب بعض الرواة لا يؤثر فى ضبط غيره قال الأثرم قلت لاحمد قد اضطربوا فى هذا الحديث فقال حسين المعلم يجوده وقال الترمذي حديث حسن أصح شىء فى هذا الباب ومنها حديث عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قاء أحدكم فى صلاته او قلس فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على ما مضى ما لم يتكلم رواه الدارقطني من حديث إسماعيل ابن عياش حدثنى عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح عن أبيه عن عبد الله بن ابى مليكة عنها فان قيل قال الدارقطني الحفاظ من اصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريح عن أبيه مرسلا واما حديثه ... ...

عن ابن «1» مليكة عن عائشة يرويه إسماعيل بن عياش قال ابو حاتم الرازي ليس بشىء قلنا قال يحيى بن معين إسماعيل بن عياش ثقة والزيادة من الثقة مقبولة ومن عادة المحدثين تقديم الإرسال ثم المرسل عندنا حجة وفى الباب أحاديث اخر ضعيفة لم نذكرها مخافة التطويل واحتج احمد على الفرق بين القليل والكثير بحديث ابى هريرة مرفوعا ليس فى القطرة ولا فى القطرتين من الدم وضوء الّا ان يكون دما سائلا وحديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فى دم الحيوان يعنى الدّماميل رواهما الدارقطني لكن حديث ابى هريرة فيه محمد بن الفضل بن عطية كذبه احمد ويحيى بن حبان وفى الثاني بقية يرويه بلفظ عن وهو مدلس قال الدارقطني هذا باطل احتج مالك والشافعي بحديث انس انه صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه رواه الدارقطني والبيهقي وفى اسناده صالح بن مقاتل ضعيف، قال الحافظ ابن حجر قال ابن العربي ان الدارقطني صححه وليس كذلك بل قال صالح ليس بالقوى وذكره النووي فى فصل الضعيف، وحديث ثوبان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فدعا بوضوء فتوضأ فقلت يا رسول الله أفريضة الوضوء من القيء قال لو كان فريضة لوجدته فى القران رواه الدارقطني وفيه عتبة بن السّكن متروك الحديث قال البيهقي هو منسوب الى الوضع- أَوْ لامَسْتُمُ كذا قرا جمهور القراء هاهنا وفى المائدة وقرا حمزة والكسائي فيهما او لمستم النِّساءَ قال على وعائشة وابن عبّاس وابو موسى الأشعري والحسن ومجاهد وقتادة كنى به الجماع وبه قال ابو حنيفة والثوري وعلى هذا التأويل لا يستقيم العطف على جنبا ان كان الجنابة بمعنى الجماع ويستقيم ان كان الجنابة بمعنى الانزال كما قالت به الحنفية وقال ابن مسعود وعمرو ابن عمر والشعبي المراد به معناه الحقيقي وهو التقاء البشرتين وبناء على ذلك قالوا ينتقض الوضوء بمسّ المرأة بلا حائل بينهما، روى عن ابن مسعود فى تفسير هذه الاية قال معناه ما دون الجماع وروى البيهقي عنه القبلة من اللمس وفيها الوضوء وروى الشافعي ومالك عن ابن عمر بلفظ من قبّل امرأته او حبسها بيده فعليه الوضوء وبه قال احمد والزهري والأوزاعي وهى رواية عن الشافعي ان مسّ المرأة مطلقا ينقض «2» الوضوء وقال مالك والشافعي والليث وإسحاق وهى رواية عن احمد ان كان المسّ

_ (1) والصحيح ابن ابى مليكة (2) قال عمر ان القبلة من اللمس فتوضؤا منها وقال عثمان اللمس باليد منه رحمه الله

بشهوة والمرأة مشتهاة ينتقض الوضوء والا فلا ويشترط الشافعي ان يكون المسّ بباطن الكف قياسا على مسّ الذكر فانه يحمل المطلق على المقيّد ولو كانا فى حادثتين وقد ورد فى مسّ الذكر قوله عليه السّلام إذا افضى أحد كم بيده الى فرجه قالوا لفظ الإفضاء يعطى هذا المعنى قلنا حديث مسّ الذكر بلفظ الإفضاء غير صحيح وإعطاء الإفضاء هذا المعنى ممنوع وحمل المطلق على المقيد فى الحادثتين باطل على أصلنا فتأويل الآية على مذهب ابى حنيفة وان كنتم جنبا يعنى قاضين الشهوة بالانزال مرضى او على سفر او محدثين بالخارج من السبيلين او جامعتم ولو بلا إنزال فتيمّموا وعلى مذهب الشافعي إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً اى جامعتم النساء مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ او محدثين بالخارج من السبيلين او يمسّ المرأة فتيمّموا ولو لم يقل تقدير الكلام ان كنتم جنبا مرضى ولا يقدر هناك كلمة جنبا فلا بدّ ان يقال ان كلمة او فى قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ بمعنى الواو فتقدير الكلام وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فعلى هذا يجب ان يكون لامستم بمعنى الجماع دون مسّ المرأة حتى يستفاد من الاية جواز التيمّم للمجنب إذ لا يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز وكان عمر رضى الله عنه بناء على عدم التقدير وزغمه اللمس بمعنى المسّ لم ير جواز التيمم للجنب كما يدل عليه قصّة منازعة عمار معه كما سيجيئ استدل ابن الجوزي على كون مسّ المرأة بشهوة ناقضا للوضوء بحديث رواه عن معاذ بن جبل انه كان قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال يا رسول الله ما تقول فى رجل أصاب من امراة لا تحل له فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته الا قد أصابه منها غير انه لم يجامعها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءا حسنا ثم قم فصلّ وهذا الحديث لا يصلح حجة فى هذا المقام لان سوال الرجل لم يكن عن نقض الوضوء بمسّ تلك المرأة بل كان سوالا عن كيفية استغفاره وما يحكم الله فيه من عقوبة فعلّمه النبي صلى الله عليه وسلم ان الوضوء والصلاة يكفّران لذنبه كما ورد فى حديث ابى هريرة إذا توضأ المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة الحديث وحديث عثمان مرفوعا من توضأ وضوئي ثم صلى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه وفى الصحيحين عن انس قال جاء رجل فقال يا رسول الله أصبت حدّا فاقم علىّ قال الراوي فلم يسئل عنه وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وليس فيه الأمر بالوضوء وعن ابن مسعود قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم ... ...

قال يا رسول الله عالجت امراة فى أقصى المدينة وانى أصبت منها ما دون ان امسّها الحديث نحو ما ذكر وزاد ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقم الصّلوة فى النّهار وزلفا من اللّيل انّ الحسنات يذهبن السّيئات ولنا حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وانا معترضة بين يديه «1» اعتراض الجنازة فاذا سجد غمزنى فقبضت رجلى وفى رواية قال الراوي والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح متفق عليه ولهذا الحديث طرق كثيرة للشيخين وغيرهما وعنها فقدته من الليل فلمسته بيدي فذهب يدى على قدمه وهو ساجد وهو يقول أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك رواه البخاري وفى رواية للطبرانى ادخلت يدى فى شعره لانظر اغتسل أم لا، قال الحافظ ظاهر هذا السياق يقتضى تغاير القصّتين وعنها انها كانت ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتكف رواه البخاري والظاهر ان لبثه صلى الله عليه وسلم فى المسجد معتكفا لا يكون على غير وضوء وعنها وعن ميمونة وعن أم سلمة كان يغتسل معها من اناء واحد قلت والسنة الوضوء قبل الغسل ومن المحال ان لا يمس يده يدها وعن ابى قتادة كان يصلى وهو حامل امامة بنت زينب متفق عليه وعن عائشة كان فى حجرى وانا حائض فيقرا القران متفق عليه وقد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجر عائشة ولا يجوّز العقل وفاته صلى الله عليه وسلم على غير طهر فهذه الأحاديث حجة لنا على من قال ان مسّ المرأة ناقض للوضوء مطلقا ولاجل هذه الأحاديث خصّص الشافعي ومن معه الاية فقالوا لا ينقض الوضوء من المسّ الّا ما كان بشهوة والحجة لنا عليهم حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج الى الصلاة ولم يتوضأ رواه البزار وحسنه ورواه الترمذي وابن ماجة وغيرهم عن وكيع عن الأعمش عن حبيب بن ابى ثابت عن عروة عنها فان قيل ضعّفه البخاري وقال ان حبيبا لم يسمع عروة قلنا رواته ثقات وشهادة عدم السّماع شهادة على النفي، ورواه احمد وابن ماجة من طريق حجاج عن عمرو بن شعيب عن زينب السهمية عن عائشة كان عليه السلام يتوضأ ثم يقبل ثم يصلى ولا يتوضأ فان قيل زينب السهمية مجهولة قلنا حديث المجهول من القرن الثاني مقبول فان قيل الحجاج مجروح قلنا تابعه الأوزاعي فى رواية الدارقطني عن عمرو وهو من أوثق الناس ورواه الدار قطنى من طريق سفيان الثوري عن ابى روق

_ (1) فى الأصل بين يديها

عن ابراهيم التيمي عن عائشة فان قيل قال الترمذي لا يعرف لابراهيم سماع عن عائشة ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فى هذا الباب شىء قلت إمكان السماع يكفى لصحة الحديث لا معرفة السّماع على ان المرسل عندنا حجة وابراهيم تابعي ثقة ولعل مراد الترمذي انه لا شىء فى هذا الباب حديث مرفوع متصل صحيح بنفسه والا فرجال هذا المرسل ثقات فان قيل لم يروه عن ابراهيم غير ابى روق وعطية بن الحارث ولا يعلم حدث به عن ابى روق غير الثوري وابى حنيفة واختلفا فيه أسنده الثوري عن عائشة وأسنده ابو حنيفة عن حفصة وابراهيم لم يسمع منها قلنا هؤلاء الاربعة ثقات ائمة ويمكن ان ابراهيم روى حديثين مرسلين أحدهما عن عائشة والثانية عن حفصة فبلّغ للثورى حديثه عن عائشة ولابى حنيفة عن حفصة وهذه العلة ليست بقادحة عند الفقهاء وقد روى هذا الحديث عن الثوري عن ابى روق عن ابراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة بوصل اسناده، فان قيل قد اختلف فى لفظ الحديث فروى عثمان بن ابى شيبة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم وقال غير عثمان كان يقبل ولا يتوضأ قلنا بعد كون الرجال ثقات هذا الأمر غير قادح عند الفقهاء لامكان الجمع بين القولين بان يكونا حديثين او يكون حديثا واحدا كأنّه قال يقبّل وهو صائم ولا يتوضأ فروى بعضهم ببعض الألفاظ وبعضهم ببعض آخر وذلك جائز عند البخاري قال الحافظ ابن حجر قال الشافعي روى سعيد بن بنانة عن محمد بن عمر ابن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقبّل ولا يتوضأ قال الشافعي لا اعرف حال سعيد فان كان ثقة فالحجة ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ روى من عشرة أوجه أوردها البيهقي فى الخلافيات وضعّفها قلت الضعيف ايضا بتعدد الطرق يرتفع الى درجة الحسن وقد علمت ان رواة هذه الطرق لم يتهم بالكذب وفى الباب حديث ابى امامة قال قلت يا رسول الله الرجل يتوضأ للصلوة ثم يقبل اهله او يلاعبها ينتقض الوضوء بذلك قال لا رواه الدارقطني فيه ركن بن عبد الله متروك وإذا اعتضد طرق هذا الحديث بعضها ببعض مع كونها حسنة فى نفسها او مرسلة صحيحة صحّ انه صلى الله عليه وسلم كان لا يتوضأ من القبلة فظهر ان مسّ المرأة ليس بناقض ولو كان ناقضا لنقل ذلك برواية أحد من الصحابة خصوصا عن أزواجه صلى الله عليه وسلم مع كثرتهنّ وشدّة حرصهنّ على بيان العلم وكثرة مخالطته صلى الله عليه وسلم وملامسته اياهن كما ترى فى حديث ... ...

رواه الحاكم عن عائشة ما كان يوم الّا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا فيقبل ويلمس الحديث فظهر ان المراد باللمس فى الاية انما هو الجماع وايضا لو كان المراد باللمس ما دون الجماع لزم تقليل الفائدة مع تكثير العبارة لان جواز التيمم للمحدث يفهم من قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ والمقصود من الاية بيان خليفة التراب للماء لاعدّ الأحداث لانه قد ترك كثير من الأحداث عن الاية اتفاقا كالنوم والإغماء والجنون والخارج من غير السبيلين والقهقهة وأكل لحوم الجزور ومس الذكر فلا فائدة فى ذكر اللمس فان النوم مضطجعا ومتكيا والإغماء والجنون مطلقا حدث بالإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم ولكن من غائط وبول ونوم صححه ابن خزيمة والترمذي من حديث صفوان بن عسال وكذا نوم الراكع والساجد عند مالك ونوم القائم ايضا عند الشافعي والنوم الطويل على اىّ هيئة كان عند احمد لكن عند ابى حنيفة إذا نام على حالة من احوال الصلاة لا ينقض لقوله صلى الله عليه وسلم ليس على من نام ساجدا وضوء حتى يضطجع فاذا اضطجع استرخت مفاصله رواه عبد الله بن احمد عن ابن عباس وروى ابو داود والترمذي بلفظ لا وضوء على من نام قاعدا والبيهقي بلفظ لا يجب الوضوء على من نام جالسا او قائما او ساجدا ومدار الطرق على يزيد ابى خالد الدالاني وان ضعّفه بعض الائمة لكن الصحيح ما قال الذهبي انه حسن الحديث وقال احمد لا بأس به والإغماء والجنون أشد وأقوى من النوم فى الغفلة ولذلك اجمعوا على انه حدث على اىّ حال كان- (مسئلة) والقهقهة فى صلوة ذات ركوع وسجود حدث عند ابى حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم من ضحك فى صلاته قهقهة فليعد الوضوء والصلاة رواه ابن عدى عن ابن عمر وفيه بقية أخرجه مسلم متابعا واختلف فيه والتحقيق انه ثقة مدلس فلو روى عن ثقة بلفظ حدثنا كما فى هذا الحديث فهو حجة وقوله صلى الله عليه وسلم فى قصة أعمى من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة رواه الدارقطني من حديث معبد الخزاعي والصحيح انه صحابى ابن أم معبد ومن رواية الامام ابو حنيفة ووهم ابن الجوزي حيث قال وهم فيه ابو حنيفة وروى الدارقطني عن رجل من الأنصار وفيه خالد بن عبد الله الواسطي ولا نعلم أحدا طعن فيه وقال اكثر المحدثين الصحيح انه مرسل عن ابى العالية ... ...

والمرسل عندنا حجة، وما احتج به الخصم من حديث جابر مرفوعا الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء فيه عبد الرحمن بن إسحاق ابو شيبة ضعيف كذا قال يحيى وقال احمد ليس بشىء منكر (مسئلة) وأكل لحوم الإبل حدث عند احمد لقوله صلى الله عليه وسلم توضؤا من لحوم الإبل رواه اصحاب السنن من حديث البراء وصححه المحدثون وروى مسلم نحوه عن جابر واحمد نحوه عن أسيد بن حضير وذى العزة وما احتج به الخصم من حديث ابن عباس مرفوعا الوضوء مما يخرج وليس ممّا يدخل رواه الدارقطني والبيهقي ضعيف منكر- (مسئلة) ومس الذكر حدث عند مالك واحمد وكذا عند الشافعي ان كان بباطن الكف لقوله صلى الله عليه وسلم من مسّ ذكره فلا يصل حتى يتوضأ رواه الائمة الثلاثة واصحاب السنن الاربعة وغيرهم من حديث عروة عن بسرة، قالت الحنفية هذا الحديث لا يصح وهو منقطع والتحقيق انه حديث صحيح متصل رواه عروة عن مروان عن بسرة ثم لقى بسرة فسمعه منها ورواته، كلهم فى الصحيحين وصححه احمد والترمذي ويحيى والدارقطني وقال البخاري أصح شىء فى الباب وروى الترمذي واحمد عن زيد بن جالد مرفوعا من مسّ فرجه فليتوضأ وروى الترمذي واحمد والبيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا نحوه صححه البخاري فيما حكى عنه الترمذي وفى الباب ما روى ابن ماجة عن ابى أيوب وهو ضعيف والحاكم عن سعد بن ابى وقاص وأم سلمة والبيهقي عن ابن عبّاس وهو ضعيف والطبراني وصححه عن على بن طلق وذكر ابن مندة حديث النعمان وانس وابى بن كعب ومعاوية بن جندة وقبيصة والترمذي حديث اروى بنت انس ولابى حنيفة حديث طلق بن على قيل يا رسول الله أيتوضأ أحدنا من مسّ ذكره قال هل هو الّا بضعة منك رواه احمد واصحاب السنن وصححه عمرو بن على القلاس وابن المديني وابن حبّان والطبراني وابن حزم وضعّفه الشافعي وابو زرعة وابو حاتم والدارقطني والبيهقي قلت لهذا الحديث خمسة طرق اربعة منها ضعاف ورجال طريقة واحدة منها ثقات الا قيس بن طلق راويه عن أبيه مختلف فيه ضعفه احمد ووثقه البجلي وعن يحيى روايتين فمن قال بتوثيقه فالحديث عنده صحيح والا فضعيف والحق عندى ان الحديث حسن لكن حديث بسرة أقوى منه وفى الباب حديث ابى امامة وعصمة بن مالك وعائشة وكلها ضعاف وادعى ابن حبان ان حديث طلق منسوخ لان من رواة كون مسّ الذكر ناقضا ابو هريرة وإسلامه فى سنة ستّ وطلق اتى عند رسول الله صلى الله ... ...

عليه وسلم أول الهجرة وهم يؤسّسون مسجد المدينة كذا روى الدارقطني قلت سند هذه الرواية ضعيف على ان مجىء طلق اوّل الهجرة لا يدل على عدم مجيئة ثانيا بعد اسلام ابى هريرة وايضا حديث ابى هريرة ضعيف فلا يثبت به نسخ حديث بسرة «1» والله اعلم فَلَمْ تَجِدُوا ماءً اى لم تقدروا على استعماله كذا ثبت تفسيره بالسنة والإجماع، وعدم القدرة على استعمال الماء أعم من ان يكون لعدم الماء او لبعده ميلا او بحيث ان ذهب الى الماء وتوضأ غابت القافلة او لفقد فمعز الدولة إخراج الماء من البير مثلا او لمانع من حية او سبع أوعد ومسلّط على الماء او خوف عطش او لخوف حدوث مرض لشدة برد او نقاحة او لمرض مانع من التحرك للوضوء وعدم من يناوله او لمرض خيف زيادته باستعمال الماء او بالحركة او خيف تلف نفس او عضو وفى رواية عن الشافعي يشترط فى المرض خوف تلف نفس او عضو- اخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد قال نزلت هذه الاية فى رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع ان يقوم فيتوضأ ولم يكن له خادم يناوله فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الاية واخرج ابن جرير عن ابراهيم النخعي قال أصاب اصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم جراحة فغشت فيهم ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الاية كلها وعن عمرو بن العاص قال احتلمت فى ليلة باردة فى غزوة ذات السلاسل فاشفقت لى ان اغتسلت ان أهلك فتيمّمت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو صليت باصحابك وأنت جنب فقلت انى سمعت الله عز وجل يقول وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الاية فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا علقه البخاري ورواه ابو داود والحاكم وعن ابن عمر انه اقبل من ارضه بالجرف فحضرت العصر بمربد النعم فتيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد رواه الشافعي ومالك فى المؤطا مختصرا والجرف موضع على فرسخ من المدينة كذا قال ابو إسحاق والمربد على ميل من المدينة وروى البيهقي عن ابن عمر انه يكون فى السفر

_ (1) هكذا فى الأصل والنقول كلها لكن عندى فيه نظر لان حديث بسرة وابى هريرة كلاهما فى شىء واحد وهو ان مسّ الذكر حدث ناقض للوضوء والبحث هاهنا فى حديث طلق هل هو منسوخ أم لا فلعل الناسخ الاول فهم بسرة سهوا فى مقام طلق والله اعلم 2 بو محمد عفا الله عنه

فيحضر الصلاة والماء منه على غلوة او غلوتين او نحو ذلك ثم لا يعدل اليه قلت هذا عند خوف ذهاب القافلة ولفظ العدول يقتضى كون الماء على يمينه او يساره لا تلقاء وجهه- (مسئلة) قال الشافعي المسافر إذا فقد الماء يشترط للتيمم طلب الماء فى رحله ومن رفقائه وان كان فى صحراء لا حائل دون نظره ينظر حواليه وان كان دون نظره تل او جدار عدل عنه لانه تعالى قال فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ولا يقال لم يجد الا لمن طلب وقال ابو حنيفة طلب الماء من الرفيق ليس بشرط لانه غير واجد للماء إذ ليس فى ملكه فَتَيَمَّمُوا يعنى فاقصدوا، فى القاموس التيمم التوخي والتعمد الياء بدل من الهمزة ويممه قصده واليمامة القصد ولذلك قال ابو حنيفة رحمه الله النية شرط فى التيمم بخلاف الوضوء والغسل وقال زفر لا يشترط النية فى التيمم كما لا يشترط فى الوضوء والغسل والحجة عليه هذه الاية وقال الائمة الثلاثة يشترط فى الوضوء والغسل ايضا وسنذكر هذه المسألة فى سورة المائدة ان شاء الله تعالى صَعِيداً الصعيد اسم لوجه الأرض ترابا كان او رملا او جصا او نورة او حجرا او غير ذلك قال الزجاج لا اعلم خلافا بين اهل اللغة فى ذلك قلت ولذلك لم يذكر البيضاوي فى تفسير الصعيد التراب مع كونه شافعيا وقال البغوي قال ابن عباس الصعيد هو التراب وفى القاموس الصّعيد التراب او وجه الأرض وذكر فى الهداية انه فسّر ابن عباس صعيدا طيّبا اى ترابا منبتا وقال الحافظ ابن حجر لم أجده لكن روى البيهقي وابن ابى حاتم عنه أطيب الصّعيد تراب الحرث ورواه ابن مردوية فى تفسيره من حديث ابن عباس مرفوعا ولفظ أطيب يفيد ان غير تراب الحرث ايضا صعيد طيّب، قلت ولو كان لفظ الصعيد مشتركا بين التراب ووجه الأرض كما قاله صاحب القاموس فالمراد به هاهنا وجه الأرض دون التراب بقرينة قوله تعالى فى المائدة ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ لان فى إيجاب التراب المنبت حرج خصوصا على من أسكنهم الله بواد غير ذى زرع او ارض سبخة او رمل او جبل لا يجدونه الا بحرج عظيم وايضا يدل على التأويل بوجه الأرض حديث ابى هريرة فضلت على الأنبياء بستّ أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب واحلّت لى الغنائم وجعلت لى الأرض طهورا ومسجدا وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبوة رواه مسلم والترمذي وصححه وروى الطبراني بسند صحيح عن السائب بن يزيد فضّلت و ... ...

بخمس ولم يذكر إعطاء جوامع الكلم وختم النبوة وزاد ادّخرت «1» شفاعتى لامتى والباقي نحوه وروى البيهقي بسند صحيح عن ابى امامة فضلت بأربع جعلت لى الأرض كلها ولامتى مسجدا وطهورا فايما رجل من أمتي اتى الصلاة فلم يجد ما يصلى عليه وجد الأرض مسجدا وطهورا وذكر الرسالة الى الناس كافة والنصرة بالرعب مسيرة شهرين وحلّ الغنائم وعند احمد بلفظ فعنده طهوره ومسجده وفى رواية عمرو بن شعيب فاينما أدركتني الصلاة تمسحت وفى الصحيحين عن جابر أعطيت خمسا لم يعط أحد من الأنبياء قبلى فعدّ منها وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وعن انس عند ابن الجارود وابن المنذر بلفظ جعلت لى كل ارض طيبة مسجدا وطهورا فان ألفاظ هذه الأحاديث كلّها تدل على ان الأرض بجميع اجزائها طهوركما هى بجميع اجزائها مسجد اجماعا فان اللام فى الأرض للجنس، وحديث ابى امامة ونحوه ادلّ واصرح على ذلك فهذه الاية حجّة لابى حنيفة فى جواز التيمم على كل شىء من جنس الأرض سواء كان سبخة او رملا او حجرا بلا نقع او غير ذلك وقال مالك يجوز بالنبات ايضا إذا كان متصلا بالأرض لاطلاق الصعيد عليه طبعا وقال ابو يوسف لا يجوز الا بالرمل او التراب وقال الشافعي واحمد لا يجوز الا بالتراب احتجوا بحديث حذيفة بلفظ فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء رواه مسلم وبحديث على وفيه وجعل التراب لى طهورا، قالوا هذا خاص فينبغى ان يحمل عليه العام قلنا هذا استدلال بمفهوم اللقب ومفهوم اللقب ليس بحجّة عند الجمهور وتخصيص العام بالخاص انما يتصوّر عند التعارض ولا تعارض هاهنا فان جواز التيمم بالتراب لا ينفى جواز التيمم بغيره بل هو ساكت عنه وتخصيص التراب بالذكر لبيان الأفضل، وزاد ابو يوسف جواز التيمم بالرمل لحديث ابى هريرة ان ناسا من اهل البادية أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا انا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة او الاربعة فيكون فينا الجنب والنفساء والحائض ولسنا نجد الماء فقال عليكم بالأرض ثم ضرب بيده على الأرض لوجهه ضربة واحدة ثم ضرب ضربة اخرى فمسح بها على يديه الى المرفقين رواه ابن الجوزي وقال هذا الحديث لا يصحّ فان فيه المثنى بن الصباح قال احمد والرازي ليس بشىء وقال النسائي متروك طَيِّباً اى طاهرا ولا جائز ان يراد به منبتا لان طهارة الصعيد شرط بالإجماع فلو أريد به

_ (1) فى الأصل ذخرت

الإنبات ايضا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ولما كانت الطهارة فى الصعيد شرطا بدليل قطعىّ نصّ الكتاب والإجماع قال ابو حنيفة إذا تنجس الأرض ثم تطهر باليبس يجوز عليها الصلاة ولا يجوز بها التيمم لان ذكوة الأرض يبسها ثبت بحديث الآحاد فلا يتادّى بها ما ثبت اشتراطها بدليل قطعى وقالت الائمة الثلاثة لا يجوز عليها الصلاة ايضا وحديث ذكوة الأرض يبسها لا يعرف والمعتمد عليه عندى للحكم بطهارة الأرض بيبسها ما رواه البخاري عن حمزة بن عبد الله قال كانت الكلاب بتول وتقبل وتدبر فى المسجد فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرشون شيئا من ذلك وهكذا فى سنن ابى داود والإسماعيلي وابى نعيم «1» والبيهقي والله اعلم فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ الباء زائدة واستيعاب الوجه بالمسح فريضة اجماعا وَأَيْدِيكُمْ اليد اسم للعضو الى المنكب ولذلك حكى عن الزهري ان الواجب فى التيمم المسح الى الآباط وكذا حكى عن الصحابة انهم بعد نزول هذه الاية مسحوا الى الآباط والمناكب وذلك قبل تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم مراد الله تعالى بهذه الاية، عن عمار بن ياسر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرّس بذات الجيش ومعه عائشة فانقطع عقدتها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدتها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء فانزل الله تعالى على رسوله رخصة التطهير بالصعيد الطيّب فقام المسلمون فضربوا الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يفيضوا من التراب شيئا فمسحوا بها وجوههم الى المناكب ومن بطون أيديهم الى الآباط رواه ابن الجوزي من طريق احمد وروى ابن ماجة بلفظ فتيممنا الى المناكب وفى رواية له فتيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المناكب لكن ظهر بتعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالإجماع ان جميع اليد ليس بمراد فهى مجمل فى المقدار فبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مقدار اليد فى التيمم مقدارها فى الوضوء يعنى الى المرفقين- عن عمار قال «2» كنت فى القوم حين نزلت اية التيمم فامرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربنا واحدة للوجه ثم ضربة اخرى لليدين الى المرفقين رواه البزار ذكر الحافظ ابن حجر فى تخريج أحاديث الرافعي ولم يطعن فيه وروى ابو داود من حديث عمار انه قال الى المرفقين لكن فى سنده قال قتادة حدثنى محدث عن الشعبي وذلك المحدث مبهم الّا ان لفظ المحدث يدل على توثيقه فلا بأس به وقد مرّ حديث الاسلع فى شأن نزول الاية قال فارانى

_ (1) فى الأصل ابو نعيم (2) فى الأصل قال قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين لكن فى سنده ربيع ابن بدر ضعيف غير انه يعضد حديث عمار والتحق حديث عمار واسلع بيانا للاية (مسئلة) وبناء على هذا قال ابو حنيفة والشافعي الواجب فى التيمم المسح الى المرفقين ويؤيد هذا المذهب حديث جابر قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصابتني جنابة وانى تمعكت فى التراب فقال عليه السلام التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين الى المرفقين وفى رواية ضرب بيده الأرض فمسح وجهه ثم ضرب يديه فمسح بهما الى المرفقين رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه وقال الدارقطني رجاله كلهم ثقات وحديث ابن الصمة قال مررت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد علىّ حتى قام الى جدار فحته بعصا كانت معه ثم وضع يده فمسح وجهه وذراعيه رواه الشافعي والنسائي من طريقه وقال النسائي حديث حسن فان قيل فيه ابو عصمة وتابعه ابو خارجة قال ابن الجوزي يتكلم فيهما وفيه ابو الحويرث قال الحافظ فيه من الضعف قلت هذه الثلاثة لم يتهم أحد منهم بالكذب فارتقى الحديث الى درجة الحسن وهذا الحديث فى الصحيحين فمسح بوجهه ويديه وحديث عبد الله بن ابى اوفى سئل عن التيمم قال امر النبي صلى الله عليه وسلم عمارا ان يفعل هكذا وضرب بيديه الأرض ثم نفضهما ومسح على وجهه ويديه وفى رواية ومرفقيه مكان يديه رواه ابن ماجة ولم يخرج الذهبي فى الضعفاء أحدا من رجال هذا السند الا انه قال عثمان بن ابى شيبة شيخ للبخارى تكلم فيه وهو صدوق فالحديث حسن وفى الباب أحاديث أخر ضعاف منها حديث ابن عمر مثل حديث ابن الصمة رواه ابو داود ومداره على محمد بن ثابت وهو ضعيف وعنه وعن عائشة قوله صلى الله عليه وسلم التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي وفى حديث ابن عمر على بن ظبيان ضعّفه القطان وابن معين وقال الحاكم صدوق وروى ايضا من طريق سليمان ابن داود وهو متروك وفى حديث عائشة الحريش بن الحريث قال ابو حاتم منكر الحديث وعن ابن عمر ايضا تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ضربنا بايدينا على الصعيد الطيب ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها وجوهنا ثم ضربنا ضربة اخرى فمسحنا من المرافق الى الأكف رواه الدارقطني وفيه سليمان بن أرقم متروك وفى الباب حديث ابى امامة رواه الطبراني واسناده ضعيف وقال مالك ... ...

واحمد يجوز فى التيمم الاقتصار على ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيّه لحديث عمار قال كنت فى سرية فاجتنبت فتمعكت فى التراب فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال انما يكفيك هكذا وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده الى الأرض ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه وفى رواية عنه ان نبى الله صلى الله عليه وسلم قال فى التيمم ضربة للوجه والكفين رواهما احمد وفى الصحيحين بطرق فبعض ألفاظ البخاري انما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفية الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه وروى مسلم انما يكفيك ان تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفّيك وعند البخاري يكفيك الوجه والكفين قلت حديث الصحيحين يدل على ان عمّارا وقت نزول الاية لم يعرف ان التيمم يكفى للمجنّب وانما علم حينئذ انه للمحدث ولذلك تمعك للجنابة قياسا عليه قالوا ما رواه الشيخان من حديث عمار أقوى، قلنا وان كان أقوى من كل واحد واحد ممّا ذكرنا من الأحاديث لكن أحاديثنا لكثرة الرواة وطرق شتى صحيحة وضعيفة يبلغ فى القوة مبلغ حديث الصحيحين فتعارضا فرجّحنا بوجوه أحدها ان ما احتج به احمد متاخر عن وقت نزول الاية والمتأخر لا يصلح بيانا لمجمل الكتاب إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فلو حمل هذا الحديث على ظاهره لكان ناسخا لكتاب الله ولا يجوز نسخ الكتاب بحديث الآحاد فيسقط حديث الصحيحين لاجل معارضة الكتاب وامّا أحاديثنا فمنها ما هو صريح فى كونه بيانا للاية مقارنا لنزولها فالتحق بالكتاب بيانا وثانيها بان حديث الصحيحين يحتمل التأويل بان يقال اطلق الكف وأريد به اليد مجازا إطلاقا لاسم الجزء على الكل او يقال انما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان صورة الضرب ونفى التمعك وليس المراد به بيان جميع ما لا بد منه للتيمم كما قال فى الغسل انما يكفيك ان تحثى على راسك ثلاث حثيات ولم يذكر فيه المضمضة والاستنشاق وغسل جميع البدن لان المقصود هناك بيان عدم الحاجة الى نقض الضفائر ثالثها بانه إذا تعارض الحديثان سقطا وعملنا بالقياس على الوضوء رابعها الاخذ بالاحتياط- (مسئلة) قال ابو حنيفة يجوز التيمم لخوف فوت ما يفوت لا الى خلف كصلوة العيد ابتداء وبناء وصلوة الجنازة لغير الولي لا لخوف فوت الوقت والجمعة وقال مالك والشافعي لا يجوز لخوف فوت العيد والجنازة لعدم الضرورة فى إتيانهما فان صلوة العيد ليست بواجبة ... ...

عندهما بل سنة وصلوة الجنازة فرض كفاية يتادى بغيره ويجوز لخوف فوت الوقت والجمعة لكن عند الشافعي يجب الاعادة ايضا وقال احمد لا يجوز لخوف فوت شىء منها لان طهورية الصعيد مشروطة بعدم وجدان الماء ولم يوجد والحجة لابى حنيفة انه صلى الله عليه وسلم تيمم لردّ السّلام كما مرّ- (مسئلة) إذا وجد الماء بعد الصّلوة فى الوقت بالتيمم لا يجب عليه الاعادة وان كان الوقت باقيا وقال عطاء وطاؤس ومكحول وابن سيرين والزهري يجب الاعادة لنا حديث ابى سعيد الخدري ان رجلين خرجا فى سفر فحضرت الصّلوة وليس معهما ماء فتيمّما صعيدا طيّبا وصلّيا ثم وجدا الماء فى الوقت فاعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الاخر فاتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذى لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلوتك وقال للذى أعاد لك الاجر مرتين رواه ابو داود والنسائي والحاكم والدارمي- (مسئلة) من كان بعض أعضائه صحيحا وبعضه جريحا يغسل الصحيح ويتيمم للجريح عند الشافعي واحمد وهو المختار عندى للفتوى وقال ابو حنيفة ومالك ان كان الأكثر صحيحا يغسل الصحيح ويمسح على الجريح ولا يتيمم والا يتيمم ولا يغتسل لنا انه صحيح بعض أعضائه وهو واجد للماء من وجه فلا يسقط غسله ومريض من وجه حيث لا يقدر على استعمال الماء فى جميع بدنه فيتيمم ويؤيده حديث جابر قال خرجنا فى سفر فاصاب رجلا حجر فشجّه فى رأسه ثم احتلم فسال أصحابه هل تجدون لى رخصة فى التيمم فقالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلوه قتلهم الله الا سالوا إذا لم يعلموا فان شفاء العي السؤال انما كان يكفيه ان يتيمم ويعصر او يعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده رواه الدارقطني ومن طريقه ابن الجوزي- (مسئلة) يجوز بتيمم واحد صلوات كثيرة ما لم يحدث او يجد الماء وقال الشافعي واحمد يجب ان يتمم لوقت كل صلوة، لنا قوله صلى الله عليه وسلم الصعيد الطيّب وضوء المسلم وان لم يجد الماء عشر سنين فاذا وجد الماء فليمس بشرته فان ذلك خير رواه اصحاب السّنن من حديث ابى ذرّ قال الترمذي حديث صحيح احتج الشافعي بقول ابن عباس من السنة ان لا يصلى بالتيمم اكثر من صلوة واحدة رواه الدارقطني والبيهقي قال الرافعي قول الصحابي من السنة ينصرف الى سنة الرسول ... ...

صلى الله عليه وسلم فله حكم الرفع وفى الباب اثر على رواه ابن ابى شيبة وعن عمرو بن العاص موقوفا انه كان يتيمم لكل صلوة وبه كان يفتى قتادة روى الدارقطني بسنده عن قتادة وكان ابن عمر يتيمّم لكل صلوة رواه البيهقي قلنا لا يصح شىء من هذه الآثار امّا اثر ابن عباس قال ابن الجوزي فيه ابو يحيى عن حسن بن عمارة وهما متروكان وقال الحسن ضعيف جدّا وامّا اثر على ففيه الحجاج بن ارطاة تركه ابن مهدى والقطان وقال احمد والدارقطني لا يحتج به وقال ابن معين والنسائي ليس بالقوى وامّا اثر عمرو بن العاص فهو منقطع بين قتادة وعمر وإرسال شديد وامّا اثر ابن عمر ففيه عامر الأحول مختلف فيه ليّنه احمد وغيره ووثقه ابو حاتم ومسلم ثم هذه الآثار لا يعارض المرفوع الصحيح وايضا نحملها على الاستحباب وقول ابن عباس من السنة يعنى مستحب ليس بواجب- (مسئلة) فاقد الطهورين لا يصلى عند ابى حنيفة ومالك وعليه القضاء عند ابى حنيفة دون مالك وعند الشافعي واحمد يصلى ويجب عليه الاعادة عند الشافعي دون احمد إذا وجد الماء لنا هذه الاية حيث قال ولا جنبا يعنى لا تقربوا الصلاة جنبا الّا عابرى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الاية نهى عن الصلاة جنبا وجعل غاية النهى الغسل لواجد الماء والتيمم للفاقد فبقى فاقد الطّهورين داخلا فى النهى لعدم الغاية فان قيل المسافر خارج عن النهى قلنا انما هو المسافر المتيمم ولولا ذلك لجاز للمسافر الصلاة بغير تيمم ويمكن للشافعى ان يقول الخارج عن النهى المسافر مطلقا ثم أوجب عليه التيمم ويشترط لوجوب التيمم القدرة على الصعيد كيلا يلزم التكليف بما لا يطاق فاذا لم يقدر على الصعيد سقط عنه التيمم وبقي خارجا عن النهى ولنا ايضا قوله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلوة الا بطهور رواه الترمذي والصلاة نكرة فى حيّز النفي فهو عام والقول بانه محمول على من يقدر على الطهور تخصيص للنصّ بلا دليل ولنا ايضا حديث عمار بن ياسر قال لعمر بن الخطّاب اما تذكر انا كنا على سفر انا وأنت فاصابتنا جنابة فامّا أنت فلم تصل وامّا انا فتمعكت فى التراب فصليت فذكرت ذلك للنبىّ صلى الله عليه وسلم فقال انما يكفيك هكذا متفق عليه حيث لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر لاجل ترك الصلاة واحتج الشافعي بحديث عائشة انها استعارت من اسماء قلادة فهلكت فارسل رسول الله صلى عليه وسلم ناسا من أصحابه فى طلبها فادركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى الله ... ...

[سورة النساء (4) : آية 44]

عليه وسلم شكوا ذلك اليه فنزلت اية التيمم فقال أسيد بن حضير جزاك الله خيرا فو الله ما نزل بك امر قطّ الا جعل الله لك منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة متفق عليه وفى رواية فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فانزل الله اية التيمم فتيمّموا فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء ما هى باوّل بركتكم يا ال ابى بكر قالت عائشة فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقدة فيه والجواب ان هذا الحديث حجة لنا لا علينا حيث لم ينقل انه صلى الله عليه وسلم صلّى وانما فعلوا ذلك بآرائهم ولو كانت الصّلوة جائزة لما تيمّموا بعد نزول الاية وقول الشافعي بوجوب إعادة الصّلوة مع وجوب الصّلوة بلا طهور باطل على قاعدة الأصول فان سبب الوجوب الوقت واحد لا يتصوّر ان يكون سببا لتكرار الواجب وقول مالك لا قضاء عليه لانه لا تقصير من جانبه فى ترك الصّلوة ايضا باطل لان قوله صلى الله عليه وسلم ما فاتكم فاقضوا امر بالقضاء عند الفوات اعمّ من ان يكون بتقصير منه اولا، الا ترى انّ وجوب القضاء على النائم مجمع عليه مع انه لا تقصير منه إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا حيث يسّر الأمر لكم ورخّص لكم غَفُوراً (43) يغفر لكم ما شربتم المسكر وصليتم فى السّكر ومع الجنابة قبل نزول هذه الاية والله اعلم اخرج ابن إسحاق عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود إذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوّى لسانه وقال راعنا سمعك يا محمّد حتى نفهمك ثم طعن فى الإسلام وعابه وذكر البغوي عن ابن عباس قال فى رفاعة بن زيد ومالك ابن دحشم نزلت. أَلَمْ تَرَ خطاب لغير معيّن يدل عليه قوله تضلّوا وأعدائكم او خطاب لسيّد القوم فى مقام خطابهم والرواية مجاز عن النظر والّا فالرؤية سواء كان من البصر او القلب لا يتعدى بالى ويحتمل تضمين معنى النظر على انها روية البصر او تضمين معنى الانتهاء سواء كانت الرؤية من البصر او القلب ولذا عدى بالى حيث قال إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يعنى يهود المدينة وتنكير نصيبا للتحقير يعنى أوتوا حظّا يسيرا من الكتاب اى التوراة وهو القراءة باللسان دون التفقه والإذعان بالجنان يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ اى الكفر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم يستبدلونها بالهداية التي كانوا عليها قبل البعثة فانهم كانوا يؤمنون بالنبي الأمي المبعوث فى اخر الزمان وكانوا يستفتحون على الذين كفروا، او المعنى يستبدلون ... ...

[سورة النساء (4) : آية 45]

الضلالة بالهداية التي تمكنوا على تحصيلها باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا ايها المؤمنون السَّبِيلَ (44) الى الحق والاستفهام للتقرير والتعجيب والتحذير يعنى قد رأيت وعلمت عداوتهم بك وبالمؤمنين مع علمهم بكونك على الحق فاحذرهم فانّ أعدى الأعداء من أراد بكم الضلالة الموجبة للهلاك الابدى ولا تستنضحوهم فى أموركم. وَاللَّهُ أَعْلَمُ منكم بِأَعْدائِكُمْ هذه الجملة تأكيد للتحذير وَكَفى بِاللَّهِ الباء زائدة فى المرفوع لتأكيد الاتصال الاسنادى بالاتصال الإضافي لافادة زيادة حرف الإلصاق لزوم الكفاية للفاعل وَلِيًّا فى النفع يلى أموركم وينفعكم وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) فى دفع الضر يكفيكم مكرهم وينصركم عليهم فاكتفوا به عن غيره فى الولاية والنصرة فانه اعلم واقدر فثقوا به ولا تتولوا ولا تستنصروا غيره ووليا ونصيرا منصوبان اما على التمييز واما على الحال. مِنَ الَّذِينَ هادُوا قيل متصل بما قبله بيان ل الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ او بيان لاعدائكم او متعلق بقوله نصيرا اى ينصركم من الذين هادوا فعلى هذا قوله يُحَرِّفُونَ حال متداخل او مترادف لما قبله وقيل مِنَ الَّذِينَ هادُوا كلام مستانف ظرف مستقر مسند الى مقدر بعده تقديره من الّذين هادوا فريق يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ جمع كلمة وقيل اسم جنس وليس بجمع يدل عليه تذكير الضمير الراجع اليه فى قوله تعالى عَنْ مَواضِعِهِ وأجيب بانّ تقديره يحرّفون بعض الكلم عن مواضعه واختار التفتازانيّ كونه اسم جنس وقال من نفى كونه جمعا نفى كونه جمعا اصطلاحا ومن اثبت الجمعية أراد انه جمع معنى ولؤيد كونه كلاما مستانفا قراءة ابن مسعود ومن الّذين هادوا بزيادة الواو وما فى مصحف حفصة من الّذين هادوا من يحرّقون الكلم اى يغيرونها ويزيلونها عن مواضعها التي وضعها الله تعالى فيها من التوراة والمراد بالكلم نعت محمد صلى الله عليه وسلم لما روى البيهقي عن ابن عباس قال وصف الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم فى التورية اكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده أحبار يهود فغيّروا صفته فى كتابهم وقالوا لا نجد نعته عندنا وقالوا نجد النبي الأمي طويلا ازرق سبط الشعر وقالوا للسفلة هذا ليس هذا فلبسوا بذلك على الناس وانما فعلوا ذلك لان الاخبار كانت لهم ما كلمة يطعمهم إياهم السفلة فخافوا ان تؤمن السفلة «1» فيتنقطع

_ (1) فى الأصل ان يومنوا السفلة [.....]

تلك المأكلة وقال البغوي قال ابن عبّاس كانت اليهود يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسئلونه عن الأمر فيخبرهم فيرى انهم يأخذون بقوله فاذا انصرفوا من عنده حرفوا كلامه فعلى هذا المراد بالكلم مطلق الكلم وقيل معنى تحريف الكلم من التوراة عن مواضعه تأويله على ما يشتهونه غير ما أراد الله تعالى منها كما يفعل اهل الأهواء من هذه الامة فى القران وجاز ان يكون معنى تحريف الكلم ان يقولوا كلمة ذات جهتين يحتمل المدح والذم والتوقير والتحقير فيظهرون المدح ويضمرون به الذم وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا عطف على قوله يحرّفون وليس هذا من جملة التحريفات ان كان المراد تحريف التوراة والمعنى انهم يقولون للنبى صلى الله عليه وسلم هذا فهو بيان لكفرهم حيث يقولون لا نطيعك بعد السماع وجاز ان يكون المعنى يقولون عند أصحابهم سمعنا قول محمد وعصيناه او يكون قولهم سمعنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وعصينا عند قومهم فهو بيان لنفاقهم وجاز ان يكون هذا بيانا لبعض تحريفاتهم حيث يقولون بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم سمعنا وهى كلمة ذات جهتين يعنى سمعنا سماع اجابة ويريدون به سماعا بلا اجابة وجاز ان يكون قوله تعالى حكاية عنهم سمعنا وعصينا كناية عن تحقق عصيانهم بعد السماع فانّ المحقق نزل منزلة القول يعنى انهم يسمعونك ثم يعصونك وَاسْمَعْ منا غَيْرَ مُسْمَعٍ قيل كانوا يقولون للنبى صلى الله عليه وسلم اسمع ثم يقولون فى أنفسهم لا سمعت دعاء عليه بالصمم او الموت والظاهر انهم كانوا يقولون ذلك جهارا وهى كلمة ذات جهتين يحتمل التعظيم والدعاء اى اسمع غير مسمع مكروها من قولهم اسمع فلان فلانا اى سبّه ويحتمل السبّ اى اسمع منا ندعوا عليك بلا سمعت او غير مسمع جوابا ترضاه او اسمع غير مجاب الى ما تدعو اليه او اسمع كلاما غير مسمع إياك لان اذنك تأبى عنه فيكون مفعولا به وَراعِنا هذه ايضا كلمة ذات الجهتين فانّ معناه بالعربية ارقبنا وانتظرنا نكلمك ومعناه بالعبرانية او السّريانية السبّ فانهم كانوا يتسابّون بما يشبه ذلك يقولون راعينا فكانوا يقولون ذلك سخرية بالدّين وهزوا برسول ربّ العالمين صلى الله عليه وسلم لعنهم الله أجمعين لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ مفعول له لقوله تعالى يقولون يعنى يقولون ذلك لان يفتلوا بألسنتهم الحق بالباطل والتوقير فى الظاهر بالشتم المضمر وَطَعْناً فِي الدِّينِ اى لاجل الطعن فى الدين حيث يقولون لو كان نبيّا حقّا لاخبر بما اضمرنا فيه، ... ...

[سورة النساء (4) : آية 47]

وَلَوْ ثبت أَنَّهُمْ قالُوا سرّا وعلانية سَمِعْنا وَأَطَعْنا مكان قولهم سمعنا وعصينا وَاسْمَعْ بغير الحاق غير مسمع وَانْظُرْنا مكان راعنا لَكانَ قولهم ذلك خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ اى اعدل وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ اى خذلهم وابعدهم عن الهدى بِكُفْرِهِمْ اى بسبب كفرهم فذلك اللعنة موجب لعدم توفيقهم الى ما هو خير لهم واعدل فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) منصوب على المصدرية او على الظرفية يعنى الّا ايمانا قليلا وتصديقا لا يعبا به شرعا- وذلك الايمان ببعض الكتب وبعض الرسل او الايمان فى الظاهر بالنفاق ويجوزان يراد بالقلة العدم وقيل معناه الا قليلا منهم كعبد الله بن سلام ويتجه عليه ان نصب المستثنى فى الكلام المنفي غير مختار عند النحاة وان جوّزه ابن الحاجب مع ان القراء متفقون على النصب وايضا لا بدّ حينئذ حمل قوله تعالى لعنهم على لعن أكثرهم وقال التفتازانيّ هو استثناء من قوله تعالى لَعَنَهُمُ اللَّهُ والله اعلم- اخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسيد فقال لهم يا معشر يهود اتقوا الله واسلموا فو الله انكم لتعلمون ان الذي جئتكم به لحق فقالوا ما نعرف ذلك يا محمد وأصروا على الكفر فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ التورية آمِنُوا بِما نَزَّلْنا على محمد من القران مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ من التورية مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً التنوين عوض للمضاف اليه اى وجوهكم اصل الطمس ازالة الأثر والمعنى نمحوا اثار الوجوه من الانف والعين والفم والحاجب فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها اى نجعلها كالاقفاء وقيل نجعل الوجوه منابت الشعر كوجوه القردة لان منابت شعور الآدميين فى ادبار وجوههم قال ابن عباس نجعلها كخف البعير وقال قتادة والضحّاك نعميها والمراد بالوجه العين فان قيل قد وعدهم الله تعالى بالطمس ان لم يؤمنوا يدل على ذلك ما روى ان عبد الله بن سلام رضى الله عنه لما سمع هذه الاية جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يأتى اهله ويده على وجهه واسلم وقال يا رسول الله ما كنت ارى ان اصل إليك حتى يتحول وجهى فى قفائى وكذلك ما روى عن كعب الأحبار لما سمع هذه الاية اسلم فى زمن عمر فقال يا ربّ امنت يا رب أسلمت مخافة ان يصيبه وعيد هذه الآية ... ...

[سورة النساء (4) : آية 48]

لكنهم لم يؤمنوا ولم يفعل بهم ذلك قلنا قيل هذا الوعيد يأتى ويكون طمس ومسخ فى اليهود قبل قيام السّاعة وقيل كان وعيدا بشرط عدم ايمان كلهم فلمّا اسلم عبد الله بن سلام وأصحابه رفع ذلك من الباقين وقيل أوعدهم الله بأحد الامرين على سبيل منع الخلو بالطمس او اللعن وقد لعنوا فثبت الوعيد والصحيح عندى انه يطمسهم يوم القيامة ان لم يؤمنوا- اخرج ابن عساكر والخطيب عن معاذ بن جبل ان النبي صلى الله عليه وسلم تلا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً قال يحشر أمتي عشرة أفواج صنف على صورة القردة وصنف على صورة الخنازير وصنف على صورة الكلاب وصنف على صورة الحمر الحديث وقد ذكرنا فى تفسير تلك الاية وقال مجاهد أراد بقوله نَطْمِسَ وُجُوهاً اى نتركهم فى الضلالة فيكون المراد طمس وجه القلب والرد عن بصائر الهدى لكن يرد عليه ان ذلك التأويل يقتضى كون قلوب اليهود نقية قبل ذلك وقال ابن زيد معناه نمحو اثارهم من المدينة فنردها على أدبارها حتى يعودوا الى حيث جاءوا منه وهو الشام، وقد مضى تأويله بإجلاء بنى نضير الى أذرعات وأريحا بالشام أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ من اليهود على لسان داود وعيسى بن مريم وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) نافذا كائنا لا محالة لا يقدر أحد على دفعه- اخرج الطبراني وابن ابى حاتم عن ابى أيوب الأنصاري قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان لى ابن أخ لا ينتهى عن الحرام قال وما دينه قال يصلى ويوحّد قال استوهب منه دينه فان ابى فاتبعه منه فطلب الرجل ذلك منه فابى عليه فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال وجدته شحيحا على دينه فنزلت. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ تعالى فى وجوب الوجود او العبادة إذا مات وهو مشرك وامّا إذا تاب عن الشرك وأمن فيغفر له ما قد سلف منه من الشرك وغيره اجماعا لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له يعنى كانه لم يصدر عنه ذلك الذنب قط قال الله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ يعنى ما سوى الشرك من الذنوب صغيرة كانت او كبيرة صدرت عنه خطأ او عمدا وان مات مذنبا لم يتب لِمَنْ يَشاءُ تعميم المغفرة لما دون الشرك وتقييدها بالمشية مبطل لمذهب المرجئة حيث قالوا بوجوب المغفرة لكل ذنب وقالوا لا يضر ذنب مع الايمان كما لا ينفع عمل مع الشرك ... ...

ومذهب المعتزلة حيث قيّدوا مغفرة الذنوب بالتوبة فان الاية تدل على نفى التقييد بالتوبة لان سوق الكلام للتفرقة بين حال المشرك والمذنب والتقييد بالمشية يبطل القول بوجوب المغفرة للتائب ووجوب التعذيب لغيره فان قيل التقييد بالمشية لا ينافى الوجوب بل يستلزم وجوب المشية بعد ثبوت المغفرة قلنا فحينئذ لا فائدة فى هذا التقييد ومذهب الخوارج حيث قالوا كل ذنب شرك صاحبه مخلد فى النار اخرج ابو يعلى وابن المنذر وابن عدى بسند صحيح عن ابن عمر قال كنا نمسك عن الاستغفار لاهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ قال انى ادخرت دعوتى شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي فامسكنا عن كثير ممّا كان فى أنفسنا ثم نطقنا بعد ورجونا قال البغوي ناقلا عن الكلبي انّ الاية نزلت فى وحشي بن حرب وأصحابه وذلك انه لمّا قتل حمزة كان قد جعل له على قتله ان يعتق فلم يوف له بذلك فلمّا قدم مكة ندم على ما صنع هو وأصحابه فكتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انا قد ندمنا على ما صنعنا وانه ليس يمنعنا عن الإسلام الا انا سمعناك تقول وأنت بمكة وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الآيات وقد دعونا مع الله الهة وقتلنا النّفس الّتى حرم الله تعالى وزنينا فلولا هذه الآيات لاتبعناك فنزلت إِلَّا مَنْ تابَ ... «1» وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً الآيتين فبعث بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما قرءوا كتبوا اليه انّ هذا شرط شديد نخاف ان لا نعمل عملا صالحا فنزلت هذه الاية إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الاية فبعث بها إليهم فبعثوا اليه انا نخاف ان لا نكون من اهل مشية فنزلت يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ الاية فبعث بها إليهم فدخلوا فى الإسلام ورجعوا الى النبي صلى الله عليه وسلم فتقبل منهم ثم قال للوحشى أخبرني كيف قتلت حمزة فلمّا أخبره فقال ويحك غيب وجهك عنى فلحق الوحشي بالشام وكان بها الى ان مات فان قيل هذه القصّة يدل على نسخ تقييد المغفرة بالمشية فيثبت مذهب المرجئة قلنا هذا التقييد لا يحتمل النسخ إذ لا يجوز وجود شىء من الأشياء مغفرة كانت او غيرها بدون مشية الله لكن نزول قوله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا فى شأن الوحشي دل على كونه من اهل المشية والله اعلم وقال البغوي ناقلا عن ابى مجلز عن ابن عمر انه لما نزل قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا الاية قام رجل فقال والشّرك يا رسول الله فسكت ثم قام اليه

_ (1) وفى القران إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ إلخ-

[سورة النساء (4) : آية 49]

مرتين او ثلاثا فنزلت إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الاية «1» - وقال ناقلا عن مطرف بن عبد الله ابن الشخير عن ابن عمر قال كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل على كبيرة شهدنا انه من اهل النار حتى نزلت هذه الآية فامسكنا عن الشهادات وقال حكى عن على ان هذه الاية أرجى اية فى القران وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى معنى الافراء الإفساد والافتراء استعمل فى الكذب والشرك والظلم كذا فى الصحاح فالمعنى فقد أفسد وكذب إِثْماً منصوب على المصدرية يعنى ارتكب الكذب والفساد كذبا وفسادا عظيما وجازان يكون منصوبا على المفعولية والمعنى على التجريد اختلق اثما عَظِيماً (48) يستحقر دونه الآثام وهذا وجه الفرق بينه وبين سائر الآثام عن جابر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتان موجبتان فقال رجل يا رسول الله ما الموجبتان قال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار رواه مسلم وعن ابى ذرّ رضى الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب ابيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال ما من عبد قال لا اله الا الله ثم مات على ذلك الّا دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق على رغم انف ابى ذرّ وكان ابو ذر إذا حدث بهذا قال وان رغم انف ابى ذرّ متفق عليه وفى الباب أحاديث كثيرة والله اعلم- اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس واخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة وابى مالك ومجاهد وغيرهم انه كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم ويزعمون انهم لا خطايا لهم ولا ذنوب فانزل الله تعالى. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ الاستفهام للتعجيب

_ (1) روى ابو يعلى وابن ابى حاتم عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يموت لا يشرك بالله شيئا الّا حلّت له المغفرة ان شاء غفر له وان شاء عذبه ان الله استثنى فقال إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ واخرج ابو يعلى عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجز له ومن وعده على عمل عقابا فهو بالخيار واخرج الطبراني عن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذنب لا يغفر وذنب لا يترك وذنب يغفر فامّا الذي لا يغفر فالشرك وامّا الذي يغفر فذنب بينه وبين الله وامّا الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا منه رحمه الله

من حال من يزكى نفسه لان غرضه من تزكية نفسه اعتلاؤه بين الناس ولا يحصل ذلك بتزكيته نفسه بل يوجب ذلك دناءة فى أعين الناس وانما يحصل الاعتلاء والزكاء بتزكية الله تعالى وجعله عاليا ناميا فيما بين عباده ذكر البغوي والثعلبي عن الكلبي انها نزلت فى رجال من اليهود منهم بحرى بن عمرو والنعمان بن اوفى ومرحب بن زيد أتوا بأطفالهم الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد هل على هؤلاء ذنب فقال لا قالوا ما نحن الا كهيئتهم ما عملنا بالنهار يكفّر عنا بالليل وما عملنا بالليل يكفر عنا بالنهار فانزل الله تعالى هذه الاية وقال الحسن والضحّاك وقتادة نزلت فى اليهود والنصارى حين قالوا نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وقالوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى، قلت وان كان سبب نزول الاية خاصّا لكن الحكم عام وقال ابن مسعود هو تزكية بعضهم لبعض، روى عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال انّ الرجل ليغدوا من بيته ومعه دينه فيأتى الرجل لا يملك له ولا لنفسه ضرّا ولا نفعا فيقول والله أنت لذيت وذيت فيرجع الى بيته وما معه من دينه شىء ثم قرأ الم تر الى الّذين يزكّون أنفسهم (مسئلة) لا يجوز لاحد ان يزكى نفسه ويثنى عليها وينسبها الى الطهارة من الذنوب، وايضا لا يجوز ان يحكم لغيره بالطهارة الأعلى سبيل حسن الظن المأمور به فان الحكم بغير العلم لا يجوز قال الله تعالى وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وتزكية نفسه يفضى الى العجب والكبر المنهيين ايضا وفى نفس الأمر ما لكل أحد عند الله تعالى من القرب والثواب لا يعلمه الّا الله تعالى ولذلك قال بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي اى يحكم بالطهارة او يطهر من الذنوب بالمغفرة ويصلح مَنْ يَشاءُ فانه القادر على التطهير وبما ينطوى عليه الإنسان هو العليم الخبير وفيه اشعار بأنه يجوز تزكية نفسه او غيره باعلام من الله تعالى بتوسط الوحى او الإلهام بشرط ان لا يكون ذلك على وجه البطر والتكبر فانها من رذائل النفس وهذا هو محمل ما ورد فى الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم انا سيد ولد آدم ولا فخر وقد مر فى البقرة وقوله صلى الله عليه وسلم والله انى لامين فى السّماء أمين فى الأرض لمّا عرّض المنافقون بانه جارّ فى القسمة وقوله صلى الله عليه وسلم والله لا تجدون بعدي اعدل عليكم منى رواه الطبراني والحاكم بسند صحيح عن ابى هريرة واحمد عن ابى سعيد وقوله صلى الله عليه وسلم ابو بكر وعمر سيّدا كهول اهل الجنة والحسن والحسين سيّدا شباب اهل الجنة وفاطمة سيدة نساء اهل الجنة وكذا ما ورد فى كلام الأولياء بناء على الهام من الله تعالى كقول غوث الثقلين قدمى ... ...

[سورة النساء (4) : آية 50]

هذه على رقبة كل ولى الله وَلا يُظْلَمُونَ الضمير راجع الى من يشاء الله تزكيته فانهم يثابون على زكائهم ولا ينقص من ثوابهم او الى الناس أجمعين المفهوم فى ضمن ما سبق يعنى ان الله لا يظلم الناس فى التزكية فتيلا بل لا يزكى الا من يستأهله ولا يترك الا من لا يستأهله او الى الذين يزكون أنفسهم فانهم يعاقبون على قدر جريمتهم ولا يظلمون فَتِيلًا (49) فى الصّحاح هو ما تقتله بين أصابعك من خيط او وسخ ويضرب بها المثل فى الشيء الحقير وقيل هو الخيط الذي فى شق النواة منصوب على المصدر اى لا يظلمون ظلما فتيلا اى ادنى ظلم بقدر الفتيل. انْظُرْ يا محمد كَيْفَ يَفْتَرُونَ اى اليهود يكذبون عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ انهم ابناؤه واحباؤه او يغفرهم بالليل ما يعملون بالنهار وبالنهار ما يعملون بالليل وَكَفى بِهِ الى بافترائهم هذا إِثْماً مُبِيناً (50) ظاهر البطلان لان بطلان كونهم أبناء الله واحباؤه بديهي لا يحتاج الى دليل وقولهم هذا ظاهر فى المأثم من بين سائر اثامهم وجملة كفى به حال بتقدير قد من فاعل يفترون والله اعلم قال المفسّرون خرج كعب بن الأشرف فى سبعين راكبا من اليهود الى مكة بعد واقعة أحد ليحالفوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل كعب على ابى سفيان فاحسن مثواه ونزلت اليهود فى دور قريش فقال اهل مكة انكم اهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نامن ان يكون هذا مكرا منكم فان أردت ان نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وأمن بهما ففعل ذلك ثم قال كعب لاهل مكة ليجىء منكم ثلاثون ومنا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد ربّ هذا البيت لنجهدنّ على قتال محمّد ففعلوا فنزلت. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ اخرج الطبراني والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس نحوه واختلفوا فى تفسير الجبت والطّاغوت فقال عكرمة هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله ويؤيّده ما روينا من القصّة وروى عنه ان الجبت بلسان الحبشة الشيطان قلت لعل ذلك الصنم سمى باسمه وقال ابو عبيدهما كل معبود يعبد من دون الله لكن العطف يقتضى المغايرة والتحقيق ان الجبت أصله الجبس وهو الذي لا خير فيه فقلبت سينه تاء والطّاغوت فعلوت من الطغيان والتجاوز ... ...

عن الحد فى الكفر والعصيان أصله طغووت قلبت اللام بالعين ثم قلبت الواو الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار طاغوت كذا فى الصحاح والقاموس فعلى هذا جاز اطلاق الجبت على كل ما لا خير فيه والطاغوت على كل ما تجاوز الحد فى العصيان ولذا سمى بالجبت حيى بن اخطب وبالطاغوت كعب ابن الأشرف كذا قال الضحاك وقال عمرو الشعبي ومجاهد الجبت السحر والطاغوت الشيطان وقال محمد بن سيرين الجبت الكاهن والطاغوت الساحر وقال سعيد بن جبير وابو العالية بعكس ذلك وروى البغوي بسنده عن قبيصة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال العيافة «1» والطرق «2» والطيرة «3» من الجبت يعنى لا خير فى شىء منها قلت فالظاهر ان المراد بالجبت هاهنا الأوثان إذ لا خير فيها أصلا وبالطاغوت شياطين الأوثان وكان لكل صنم شيطان يعبر عنه فيغتر به الناس روى البيهقي عن ابى الطفيل رضى الله عنه انه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد لهدم العزى يوم فتح مكة قال ابو الطفيل فقطع خالد السمرات ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال هل رايت شيئا قال لا قال فاتك لم تهدمها فرجع خالد فلما رات السدنة خالدا انبعثوا فى الجبل وهم يقولون يا عزى خبلتيه «4» يا عرى عورته والا فموتى برغم فخرجت اليه امراة سوداء عريانة ناشزة الرأس تحثوا لتراب على رأسها ووجهها فجرّد خالد سيفه وهو يقول يا عزى كفرانك لا سبحانك انى رأيت الله قد هانك، فضربها بالسيف فجزلها باثنتين ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال نعم تلك العزى قد يئست ان تعبد ببلادكم ابدا- كذا فى سبيل الرشاد والله اعلم اخرج احمد وابن ابى حاتم عن ابن عبّاس قال لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش الا ترى هذا المنصبر المنبتر من قومه يزعم انه خير منا ونحن اهل الحجيج واهل السدانة واهل السقاية قال أنتم خير منه فنزلت فيهم إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ونزلت هذه الاية وَيَقُولُونَ يعنى كعب الأشرف وأصحابه لِلَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة ابى «5» سفيان وغيره هؤُلاءِ يعنى

_ (1) العيافة زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها يقال عاف يعيف عيفا إذا زجر وحدس وطن نهاية منه رح (2) الطرق الضرب بالحصى الذي تفعله النساء نهاية منه رح (3) الطيرة التشاوم بالشيء وأصله فيما يقال التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما نهاية حزرى منه رحمه الله تعالى (4) الخبل الجنون والفساد أصله من النقصان ثم صار الهلاك خبالا نهاية منه رحمه الله (5) فى الأصل ابو سفيان-

[سورة النساء (4) : آية 52]

كفّار مكة أَهْدى أقوم وارشد مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد صلى الله عليه وسلم سَبِيلًا (51) دينا وطريقا واخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبنى قريظة حيى بن اخطب وسلام بن ابى الحقيق وابو رافع والربيع بن ابى الحقيق وابو عمارة وهودة بن قيس وكان سائرهم من بنى النضير فلما قدموا على قريش قالوا هؤلاء أحبار اليهود واهل العلم بالكتب الاولى فسئلوهم أديننا خير أم دين محمد فقالوا دينكم خير من دينه وأنتم اهدى منه وممن تبعه فانزل الله تعالى هذه الاية الى قوله ملكا عظيما، وذكر البغوي انه لمّا سال ابو سفيان كعبا عن ذلك قال كعب اعرضوا على دينكم فقال ابو سفيان نحن ننحر للحجيج الكوماء ونسقيهم الماء ونقر الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونعمّر بيت ربّنا ونطوف به ونحن اهل الحرم ومحمد فارق دين ابائه وقطع الرحم وفارق الحرم وديننا القديم ودين محمد الحديث فقال كعب والله أنتم اهدى سبيلا مما عليه محمد. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ابعدهم من رحمته وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ إياه فَلَنْ تَجِدَ ايها المخاطب لَهُ نَصِيراً (52) فى الدنيا فى الحروب وفى الاخرة بدفع العذاب بالشفاعة او غيرها وفيه ردّ للاستنصار بهم ومخالفتهم مع قريش على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم- ثم وصف الله تعالى اليهود بالبخل والحسد وهما من شرّ الخصال حيث يمنعون مالهم ويتمنون زوال مال غيرهم فقال. أَمْ لَهُمْ اى لليهود نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ أم منقطعة ومعنى الهمزة التي فى ضمنها انكار ان يكون لهم نصيب من الملك ونفى ما زعمت اليهود ان الملك سيصير إليهم او المراد بنصيب من الملك الرياسة التي أنكر اليهود النبوة لخوف فواتها فانكر الله تعالى رياستهم لفقد لوازمها وهو السخاء بأبلغ الوجوه وذلك بإثبات كمال الشح فيهم وجاز ان يقال فيه تعريض بان انكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لو نفع انما ينفع لمن خاف فوت ملكه بظهور نبوته فانكار من لا نصيب له من الملك فى غاية السفه فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53) يعنى ان كان لهم نصيب من الملك فاذن لا يؤتون أحدا ما يوازى نقيرا لغاية بخلهم وكما شحّهم فكيف يؤتيهم الله تعالى الملك وجاز ان يكون المعنى انهم لو كانوا ملوكا بخلوا بالنقير فما ظنكم بهم إذا كانوا أذلاء متفاقرين فهو بيان لغاية بخلهم والنقير هو النقرة فى ظهر النواة وهو مثل فى القلة كالفتيل، ... ...

[سورة النساء (4) : آية 54]

اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عبّاس انه قال اهل الكتاب يزعم محمد انه اوتى ما اوتى فى التواضع وله تسع نسوة وليس همه الّا النكاح فاىّ ملك أفضل من هذا فانزل الله تعالى. أَمْ بل يَحْسُدُونَ الاية اى اليهود واخرج ابن سعد عن عمر مولى عفرة ابسط منه النَّاسَ قال ابن عباس والحسن ومجاهد وجماعة المراد بالناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده حسدوه على ما أحل الله له من النساء كما مرّ وقيل المراد به محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال قتادة المراد بالناس العرب حسدهم اليهود على النبوة وما أكرمهم الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم وقيل المراد بالناس الناس أجمعون لان من حسد النبوة فكأنّما حسد الناس كلهم كمالهم ورشدهم عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يعنى النبوة والكتاب ورضوان الله تعالى والنصر على الأعداء والإعزاز فى الدنيا والنساء وغير ذلك مما يشتهونه فى الدنيا من الحلال وجعل النبىّ الموعود منهم فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الذين هم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم وأبناء جده يعنى إسماعيل وإسحاق ويعقوب وسائر أنبياء بنى يعقوب عليهم السّلام الْكِتابَ التورية والإنجيل والزبور واللام للجنس وَالْحِكْمَةَ العلم اللدني او العلوم التي اعطوا مما سوى الكتاب وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) ملّك يوسف وطالوت وداؤد وسليمان عليهم السلام وغيرهم فلا يبعد ان يعطى محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه مثل ما اعطوا او أفضل من ذلك وقد كان لسليمان عليه السلام الف امراة ثلاثمائة مهرية وسبعمائة سرية وكان لداود مائة امراة ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الا تسع نسوة قال البغوي فلما قال الله تعالى لهم ذلك سكتوا يعنى عن ذكر كثرة نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من النعماء وجازان يراد بقوله فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً مع كثرة حسادهم وقوتهم كنمرود وفرعون وغيرهما فلم ينفع الحسد للحساد ولم يضر بالمحسودين-. فَمِنْهُمْ او من اليهود مَنْ آمَنَ بِهِ بمحمد صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأصحابه او بما ذكر من حديث ال ابراهيم وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ اى اعرض عنه ولم يؤمن وقال السدى الضمير المجرور فى آمَنَ بِهِ وصَدَّ عَنْهُ راجع الى ابراهيم وذلك ان ابراهيم زرع ذات سنة وزرع الناس فهلك زرع الناس وزكا زرع ابراهيم عليه السلام فاحتاج اليه الناس فكان يقول ... ...

[سورة النساء (4) : آية 56]

من أمن بي أعطيته فمن أمن به أعطاه ومن لم يؤمن به منعه والمعنى على هذا ان لم يوهن عدم ايمان بعض الناس بإبراهيم امر ابراهيم فكذا لا يوهن كفر هؤلاء الأشقياء أمرك وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (55) اى نارا مسعور لا موقدة يعذبون بها من ان يعجلوا بالعقوبة بالدنيا-. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كالبيان والتقرير لما سبق كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ اى احترقت بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها بان يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة اخرى كقولك بدلت الخاتم قرطا او بان يزال عنه اثر الإحراق ليعود إحساسه بالعذاب وهو المعنى من قول ابن عبّاس يبدلون جلودا بيضاء كامثال القراطيس ذكر عنه البغوي وكذا اخرج ابن ابى خاتم فى الاية عن ابن عمر واخرج الطبراني وابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن عمر قال قرئ عند عمر هذه الاية فقال معاذ عندى تفسيرها يبدل فى ساعة مائة مرة فقال هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية أبيّ مكان معاذ واخرج ابن مردوية وابو نعيم فى الحلية من وجه اخر بلفظ تبدل فى الساعة الواحدة عشرون ومائة مرة وأخرجه البيهقي من وجه ثالث بلفظ تحرق وتجدد فى مقدار ساعة ستة آلاف مرة واخرج البيهقي عن الحسن فى الاية قال تأكل النار كل يوم سبعين الف مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا- واخرج ابن ابى الدنيا عن حذيفة ان فى جهنم سباعا من نار وكلابا من نار وكلاليب من نار وسيوفا من نار وانه يبعث ملائكة يعلقون اهل النار بتلك الكلاليب بأحقابهم ويقطعونهم بتلك السيوف عضوا عضوا ويلقونهم الى تلك السباع والكلاب كلما قطعوا عضوا عاد مكانه عضو جديد قلت يعنى عضوا جديدا من اجزاء العضو السّابق جلدا جديدا من اجزاء الجلد السّابق وقيل يخلق مكانه جلدا اخر والعذاب فى الحقيقة للنفس العاصية المدركة لالالة إدراكها فلا محذور، قال عبد العزيز بن يحيى ان الله عز وجل يلبس اهل النار جلودا لا تألم فيكون زيادة عذاب عليهم كلما احترق جلد بدلهم جلدا غيره كما قال سرابيلهم من قطران فالسّرابيل تؤلمهم وهى لا تألم لِيَذُوقُوا اى ليدوم لهم «1» ذوق الْعَذابَ اسناد الذوق الى الكفار دون الجلود يؤيد قول عبد العزيز ومن قال ان العذاب للنفس العاصية والله اعلم- عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما بين منكبى الكافر مسيرة ثلاثة ايام

_ (1) فى الأصل له-

[سورة النساء (4) : آية 57]

للراكب المسرع رواه البخاري ومسلم وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرس الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث رواه مسلم، واخرج ابن المبارك عنه بلفظ ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أحد يعلمون لتمتلى جهنم منهم وليذوقوا العذاب وعند الترمذي والبيهقي فخذه مثل البيضاء ومقعده من جهنم ما بين مكة والمدينة وغلظ جلده اثنان وأربعون ذراعا وعند احمد والترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عرض جلده سبعون ذراعا وعضده مثل البيضاء وفخذه مثل ورقان، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يعظم اهل النار فى النار حتى ان بين شحمة اذن أحدهم الى عاتقه مسيرة سبعمائة عام وان غلظ جلده سبعون ذراعا وان فرسه مثل أحد واخرج الترمذي والبيهقي وهنا دعنه مرفوعا ان الكافر ليجر لسانه الفرسخين وعند الترمذي الفرسخ والفرسخين واخرج احمد والحاكم عن ابن عباس بين شحمة اذن أحدهم وبين عاتقه مسيرة أربعين خزيفا يجرى فيه اودية من القيح والدم قيل انهار قال لابل اودية إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً لا يمتنع عليه ما يريده حَكِيماً (56) يعاقب على وفق حكمته. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ اخرج الحاكم وصحّحه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مطهرة من الحيض والغائط والنخامة والبزاق واخرج هناد عن مجاهد قال مطهرة عن الحيض والغائط والبول والمخاط والبصاق والنخام والولد والمنى وعن عطاء مثله. وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) عن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان فى الجنة لشجرة يسير الراكب فى ظلّها مائة عام ما يقطعها اقرءوا ان شئتم وَظِلٍّ مَمْدُودٍ متفق عليه وزاد احمد فى آخره وان ورقها ليخمر الجنة واخرج ابن ابى حاتم عن الربيع بن انس فى قوله تعالى وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا قال هو ظل العرش الذي لا يزول والظليل صفة مشتقة من الظلّ للتأكيد كقولهم شمس شامس وليل لئيل ويوم ايوم وفيه اشارة الى دوام نعماء الجنة والله اعلم- اخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن طلحة فلما أتاه قال ادّنى المفتاح فاتاه به فلما بسط يده قام العباس فقال يا رسول الله بابى أنت وامّى اجمعه لك مع السقاية وخلف عثمان يده فقال ... ...

[سورة النساء (4) : آية 58]

رسول الله صلى الله عليه وسلم هات المفتاح يا عثمان فقال هات بامانة الله فقام ففتح الكعبة ثم خرج فطاف بالبيت ثم نزل عليه بردّ المفتاح فدعا عثمان بن طلحة فاعطاه المفتاح ثم قال. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها حتى فرغ من الاية واخرج سنيد فى تفسيره عن حجاج بن جريح والأزرقي عن مجاهد قال نزلت هذه الاية فى عثمان بن طلحة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منه مفتاح الكعبة فدخل به البيت يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية فدعا عثمان فناوله المفتاح قال وقال عمر بن الخطّاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة وهو يتلو هذه الاية فداه ابى وأمي وما سمعته يتلو قبل ذلك فالظاهر انها نزلت فى جوف الكعبة وروى ايضا نحوه عن سعيد بن المسيّب وفيه خذوها يا بنى طلحة خالدة لا يظلمكموها الّا كافر وروى ابن سعد عن ابراهيم بن محمد العبدري عن أبيه ومحمد بن عمرو عن شيوخه قالوا قال عثمان بن طلحة لقينى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة فدعانى الى الإسلام فقلت يا محمد اتعجب لك حيث تطمع ان اتبعك وقد خالفت دين قومك وجئت بدين محدث وكنا نفتح الكعبة فى الجاهلية الاثنين والخميس فاقبل يوما يريد ان يدخل الكعبة مع الناس فاغلظت عليه ونلت منه فحلم عنى ثم قال يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت فقلت لقد هلكت قريش وذلّت قال بل عمرت وعزت ودخل الكعبة فوقعت كلمة منى موقعا ظننت ان الأمر سيصير الى ما قال فاردت الإسلام فاذا قومى يزبروننى زبرا شديدا فلما كان يوم الفتح قال لى يا عثمان ايت بالمفتاح فاتيته به فاخذه منى ثم دفعه الىّ وقال خذها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الّا ظالم يا عثمان ان الله استأمنكم على بيته فكلوا مما وصل إليكم من هذا البيت بالمعروف فلما وليت نادانى فرجعت اليه فقال الم يكن الذي قلت لك فذكرت قوله لى بمكة قبل الهجرة فقلت بلى اشهد انك رسول الله وروى الفاكهاني عن جبير بن مطعم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ناول عثمان المفتاح قال له غيّبه قال الزهري فلذلك يغيب المفتاح قلت ولعل الوجه فى الأمر بتغييب المفتاح ان الناس كانوا يطمعون فى ان يكون المفتاح عندهم كما ذكرنا من رواية ابن مردوية طمع عباس فيه وروى ابن عابد والأزرقي ان عليا قال للنبى صلى الله عليه وسلم اجمع لنا الحجابة والسقاية فنزلت هذه الاية فدعا عثمان فقال خذوها يا بنى طلحة خالدة ... ...

مخلدة لا ينزعها منكم الّا ظالم وروى عبد الرزاق والطبراني عن الزهري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من البيت قال علىّ رضى الله عنه انا أعطينا النبوة والسقاية والحجابة ما من قوم بأعظم نصيبا منا فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع اليه وقال غيّبوه وذكر البغوي انه لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح اغلق عثمان باب البيت وصعد السطح فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح فقيل له انه مع عثمان فابى وقال لو علمت انه رسول الله لم امنعه المفتاح فلوى على رضى الله عنه عنقه فأخذ منه المفتاح وفتح الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وصلى ركعتين فلما خرج ساله العباس المفتاح ان يعطيه ويجمع له بين السّقاية والسدانة فانزل الله تعالى هذه الاية فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ان يرد المفتاح الى عثمان ويعتذر اليه ففعل ذلك على فقال له عثمان أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال لقد انزل الله فى شأنك وقرأ عليه الاية فقال عثمان اشهد ان محمّدا رسول الله وكان المفتاح معه فلما مات دفعه الى أخيه شيبة فالمفتاح والسدانة فى أولادهم الى يوم القيامة (فائدة:) نزول الاية وان كان فى إعطاء المفتاح لبنى طلحة لكن الاية بعموم لفظها يفيد وجوب أداء كل امانة الى أهلها عن انس قال قلّما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الّا قال لا ايمان لمن لا امانة له ولا دين لمن لا عهد له رواه البيهقي فى شعب الايمان وفى الصحيحين عن ابى هريرة وعبد الله بن عمرو مرفوعا انه صلى الله عليه وسلم ذكر من علامات النفاق إذا اؤتمن خان «1» (فائدة:) ليس أداء الامانة منحصرا فى مال الوديعة ونحو ذلك بل كل حق لاحد على أحد امانة

_ (1) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يرفع من الناس الإماتة واخر ما يبقى الصلاة ورب مصل لا خير فيه رواه الحكيم عن زيد بن ثابت واخرج ابن جرير عن ابن عباس انه لم يرخص لموسر ولا لمعسر واخرج البيهقي عن ميمون ابن مهران قال ثلاثة يؤدين الى البر والفاجر الرحم توصل كانت برة او فاجرة والامانة تؤدى الى البر والفاجر والعهد يوفى للبر والفاجر واخرج عبد الرزاق وابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم والبيهقي عن ابن مسعود رض قال ان القتل فى سبيل الله يكفر الذنوب كلها الا الأمانة يجاء بالرجل يوم القيامة وان كان قتل فى سبيل الله فيقال له ادّ أمانتك فيقول من اين وقد ذهبت الدنيا فقال انطلقوا به الى الهاوية فينطلق به فتتمثل أمانته كهيئتها فى قعر جهنم فيحملها فيصعد بها حتى إذا ظن انه خارج بها زلت من عاتقه فهوت وهوى معها ابد الآبدين قال زاذان فاتيت البراء بن عازب فقلت اما سمعت ما قال أخوك ابن مسعود قال صدق ان الله يقول إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها والامانة فى الصلاة والامانة فى الغسل من الجنابة والامانة فى الحديث والامانة فى الكيل والامانة فى الوزن والامانة فى الدين وأشدّ ذلك فى الودائع منه رحمه الله-

يجب أداؤه لاهله كما يدل عليه سبب نزول هذه الاية فلهذا قال الصوفية العلية ان الوجود وتوابعه وكل كمال فى الممكن فهو ليس لذاته بل مقتبس من مرتبة الوجوب جلّت عظمته وامانة مودعة مستعارة منه تعالى ومقتضى هذه الاية وجوب ردّ تلك الأمانات الى أهلها «1» بحيث يرى نفسه عاريا منها كما ان السّلطان إذا لبس كنّاسا لباس الامارة فالواجب على الكنّاس ان يرى نفسه فى كل حين عاريا كما كان منتسبا لباسه الى مالكه وإذا غلب على الصّوفى هذه الملاحظة وجد نفسه فى نفسه معدوما خاليا عن الوجود وعن سائر الكمالات مبدأ للشرور والمناقص وذلك هو مرتبة الفناء ثم قد ينتفى عنه هذه الرؤية المستعارة ايضا وذلك فناء الفناء ثم يرى نفسه موجودا بوجود مستعار من الله تعالى متصفا بصفات مضافة اليه سبحانه باقيا ببقائه وذلك مرتبة البقاء ومن هاهنا قال الله تعالى فى الحديث القدسي كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث فاذا وصل الصوفي الى تلك المرتبة المعبر عنها بالفناء والبقاء المكنى عنها بأداء الامانة لا يتصور حينئذ ان يصدر من الصوفي تزكية لنفسه حيث يرى نفسه معدوما خاليا عن الكمالات وجاز له حينئذ التكلم بما أعطاه الله من الكمالات والتحديث بما أنعم الله عليه من الفضائل والمقامات والمعاملات لان الكمالات حينئذ مضافة الى الله تعالى وكل ثناء واقع على تلك الكمالات راجعة الى الله سبحانه ويظهر استغراق المحامد لله وانحصار المدائح فى الله تعالى فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فكأنّ هذه الاية متصلة بقوله تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ «2» ... بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وما بينهما اعتراض ومعنى الآيتين لا تزكوا أنفسكم فان كمالاتكم ليست ناشية من أنفسكم بل الله يزكى من يشاء بإعطاء نور من أنواره ورشحة من بحار كماله والله يأمركم ان تؤدوا الأمانات التي عندكم من الكمالات الى أهلها حتى لا يتصوّر منكم تزكية نفوسكم ويتاتى منكم أداء بعض محامد ربكم ومن هاهنا يظهر لك جواب ما اعترض بعض الجهال على كلمات المشائخ المشعرة بالتفاخر فانها بعد أداء الأمانات الى أهلها ناشية على سبيل التحديث بالنعمة بإذن ربّهم على مقتضى الحكمة والله اعلم-

_ (1) فى الأصل الى اهله- (2) هكذا فى الأصل والنقول لعله سباق قلم او تصحيف من الناسخ لان قوله تعالى المتقدم ليس هكذا بل هو أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ نعم وقع فى سورة والنجم فلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى 2 بو محمد عفا الله عنه

[سورة النساء (4) : آية 59]

وَإِذا حَكَمْتُمْ الظرف متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده تقديره ويأمركم ان تحكموا بالعدل إذا حكمتم اى قضيتم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ تفسير للمحذوف لا محلّ له من الاعراب والحكم بالعدل ايضا من باب أداء الامانة والإخلال به خيانة- عن ابى ذرّ قال قلت يا رسول الله استعملني قال يا أبا ذرّ انك ضعيف وانها امانة وانها يوم القيامة خزى وندامة الا من أخذ بحقّها وادي الذي عليه فيها وفى رواية قال يا أبا ذرّ انى أراك ضعيفا وانى احبّ لك ما احبّ لنفسى لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم رواه مسلم وكذا ما يذكر بعد ذلك من إطاعة الله والرسول واولى الأمر ايضا امانة إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا ما نكرة منصوبة على التمييز موصوفة بيعظكم او موصولة مرفوعة على الفاعلية اى نعم شيئا او نعم الشيء الذي يَعِظُكُمْ بِهِ والمخصوص محذوف اى أداء الامانة والعدل فى الحكم إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بأقوالكم واحكامكم بَصِيراً (58) بما تفعلون فى الأمانات عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم قال المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين هم الذين يعدلون فى حكمهم وأهلهم وما ولوا رواه مسلم وعن ابى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان احبّ الناس الى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا امام عادل وان ابغض الناس الى الله يوم القيامة وأشدّهم عذابا وفى رواية ابعدهم منه مجلسا امام جائر رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب وعن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون من السّابقون الى ظلّ الله عز وجل يوم القيامة قالوا الله ورسوله اعلم قال الذين إذا اعطوا الحق قبلوا وإذا سئلوه بذلوا وحكموا للناس كحكمهم لانفسهم رواه احمد وروى البيهقي فى شعب الايمان نحوه عن عمر بن الخطاب مرفوعا. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ روى الشيخان واصحاب السنن عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية فى عبد الله ابن حذافة إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم فى سرية واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن السدى قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فى سرية وفيها عمار بن ياسر فساروا قبل القوم الذين يريدن فاصبحوا وقد هرب القوم غير رجل اتى عمّارا وقال قد ... ...

أسلمت وشهدت ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله قال عمار ينفعك إسلامك فاقم فلمّا أصبحوا أغار خالد فقال خل عن الرجل فانه قد اسلم وهو فى أمان منى فاستبّا وارتفعا الى النبي صلى الله عليه وسلم فاجاز أمان عمار ونهاه ان يجير الثانية على امير فاستبّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خالد لا تسبّ عمارا فانه من سبّ عمارا سبّه الله ومن ابغض عمارا أبغضه الله ومن لعن عمارا لعنه الله فاعتذر اليه خالد فرضى فانزل الله هذه الاية «1» ، اخرج ابو شيبة وغيره عن ابى هريرة قال هم الأمراء وفى لفظ هم أمراء السّرايا هذا لفظ عام يشتمل الملوك وأمراء الأمصار والقضاة وأمراء السّرايا والجيوش قال على رضى الله عنه حق على الامام ان يحكم بما انزل الله ويؤدى الامانة فاذا فعل ذلك فحق على الرعية ان يسمعوا ويطيعوا عن حذيفة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من بعدي ابى بكر وعمر رواه الترمذي وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصانى متفق عليه وعن عبادة بن الصامت قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى العسر واليسر والمنشط والمكره وان لا ننازع الأمر اهله وان نقوم او نقول بالحق حيث ما كنا وان لا نخاف فى الله لومة لائم متفق عليه وعن انس رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اسمع وأطع ولو لعبد حبشى كأن رأسه زبيبة رواه البخاري وعن ابى امامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فى حجة الوداع فقال اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وادّوا زكوة أموالكم وأطيعوا إذا أمركم تدخلوا جنة ربكم رواه الترمذي ويشتمل هذه الاية ايضا الزوج يأمر امرأته والسيّد يأمر عبده والوالد يأمر والده عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالامام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع فى اهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وهى مسئولة عنهم وعبد الرجل راع فى مال سيّده وهو مسئول عنه فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته متفق عليه وكذا

_ (1) عن عكرمة فى قوله تعالى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال ابو بكر وعمرو عن الكلبي قال ابو بكر وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود وعن عكرمة انه سئل عن أمهات الأولاد فقال هن أحرار قيل بأيّ شىء تقول قال بالقرءان قالوا بماذا فى القران قال قول الله عز وجل أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وكان عمر من اولى الأمر قال اعتقت وان كان سقطا عن عمران بن حصين قال كان عمر إذا استعمل رجلا كتب فى عهده اسمعوا له وأطيعوا ما عدل فيكم وعن عمر قال اسمع وأطع وان امر عليك عبد حبشى مجدع ان ضربك فاصبر وان ضربك فاصبر وان أراد امرا ينتقض دينك فقل دمى دون دينى منه رحمه الله-

يشتمل الفقهاء والعلماء والمشائخ بل اولى لانهم ورثة الأنبياء وخازنوا احكام الله واحكام رسوله اخرج ابن جرير والحاكم وغيرهما عن ابن عبّاس هم اهل الفقه والدين وفى لفظ هم اهل العلم وابن ابى شيبة والحاكم وصححه وغيرهما عن جابر بن عبد الله نحوه وعن ابى العالية ومجاهد كذلك وقال الله تعالى وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء رواه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجة من حديث كثير بن قيس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة رضوان الله عليهم الناس لكم تبع وان رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون فى الدّين رواه الترمذي عن ابى سعيد الخدري والله اعلم (مسئلة) وهذا الحكم يعنى وجوب إطاعة الأمير مختص بما لم يخالف امره الشرع يدل عليه سياق الآية فان الله تعالى امر الناس بطاعة اولى الأمر بعد ما أمرهم بالعدل فى الحكم تنبيها على ان طاعتهم واجبة ما داموا على العدل ونصّ على ذلك فيما بعد فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ، الاية قال بعض الأفاضل صيغة اولى الأمر يفيد ان متابعتهم واجبة فيما ولوه من الأمر وجعلهم الله تعالى واليا فيه وانما هو العدل فى الحكم ولو جعلت الأمر على الإيجاب لكان أشدّ دلالة على ذلك فان وجوب طاعتهم فيما كان لهم على الناس إيجابه فان قال الأمير أعط فلانا من مالك الفا لا يجب عليك اطاعته- (مسئلة) إذا قال القاضي قضيت على هذا بالرجم فارجمه او بالقطع فاقطعه او بالضرب فاضربه وسعك ان تفعل وعن محمد انه رجع عن هذا وقال لا يأخذ بقوله حتى يعاين الحجّة واستحسن المشائخ هذه الرواية لفساد الحال فى اكثر القضاة وقال الامام ابو منصور ان كان عدلا عالما يقبل قوله لانعدام تهمة الخطاء والخيانة وان كان عدلا جاهلا يستفسر فان احسن التفسير وجب تصديقه والا فلا وان كان فاسقا لا يقبل الا ان يعاين سبب الحكم لتهمة الخطاء والخيانة كذا فى الهداية روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية فى عبد الله ابن حذافة بن قيس إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم فى سرية كذا أخرجه مختصرا قال الداودي ان عبد الله بن حذافة خرج على جيش فغضب فاوقد نارا وقال اقتحموا فامتنع بعضهم وهم بعضهم ... ...

ان يفعل قال الحافظ ابن حجر فالمقصود بنزول هذه الاية فى تلك القصّة قوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ اختلفتم- روى سعيد بن منصور وغيره عن مجاهد يعنى ان تنازع العلماء فردّوه الى الله والى الرسول فِي شَيْءٍ مما أمركم به أميركم يعنى قال بعضكم لا يجوز لنا إطاعة الأمير فى هذا الأمر وقال بعض يجب إطاعة الأمير فَرُدُّوهُ يعنى ذلك الأمر إِلَى اللَّهِ اى الى كتابه وَالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ما دام حيّا والى سنته بعد وفاته والإجماع والقياس فيما لا نصّ فيه راجعان الى الكتاب والسنة، فان أباح الشرع ذلك الأمر أطيعوا أميركم فيه والا فلا، عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السمع والطاعة على المرء المسلم فيما احبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية فاذا امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة متفق عليه وعن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طاعة لاحد فى معصية انما الطاعة فى المعروف متفق عليه وعن عمران بن حصين والحكيم ابن عمرو الغفاري قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق رواه احمد والحاكم وصححه قال فى المدارك حكى ان مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال لابى حازم ألستم أمرتم بطاعتنا بقوله تعالى وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقال ابو حازم أليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ- (مسئلة) إذا رفع الى القاضي حكم حاكم أمضاه الا ان يخالف الكتاب كما إذا قضى بشاهد واحد مع يمين المدعى حيث يخالف قوله تعالى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ الاية، او السنة المشهورة كما إذا حكم بثبوت الحل للزوج الاوّل بعد الطلقات الثلاث بنكاح الزوج الثاني بدون الوطي وهو يخالف حديث عائشة فى قصّة امراة رفاعة قوله صلى الله عليه وسلم لا حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك وقد ذكرناه فى سورة البقرة او الإجماع كما إذا حكم بجواز بيع متروك التسمية عامدا فانه مخالف لما اتفقوا عليه فى الصدر الاوّل فحينئذ لا يجوز امضاؤه كذا فى الهداية (مسئلة) إذا افتى المجتهد وظهران فتواه مخالف للكتاب او السنة وجب علينا اتباع الكتاب والسنة روى البيهقي فى المدخل بإسناد صحيح الى عبد الله بن المبارك قال سمعت أبا حنيفة يقول إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين وذكر عن روضة العلماء عن ابى حنيفة قال اتركوا قولى بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقول الصحابة رضى الله عنهم ونقل عنه انه قال ... ...

[سورة النساء (4) : آية 60]

إذا صح الحديث فهو مذهبى وجاز ان يكون قوله تعالى فان تنازعتم خطابا للائمة على سبيل الالتفات إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ شرط مستغن عن الجزاء بما سبق ذلِكَ الرد الى الله والرسول خَيْرٌ لكم من جمودكم على ما تقرر فى أذهانكم وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) مالا من تأويلكم بلا ردّ والله اعلم- اخرج ابن جرير عن الشعبي قال كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي أحاكمك الى النبي صلى الله عليه وسلم لانه قد علم انه لا يأخذ الرشوة فى الحكم وقال المنافق نتحاكم الى اليهود لعلمه انهم يأخذون الرشوة ويميلون فى الحكم فاتفقا على ان يأتيا كاهنا فى جهينة فيتحاكما اليه واخرج الثعلبي عن ابن عباس وابن ابى حاتم من طريق ابن لهيعة عن ابى الأسود مرسلا وكذا ذكر البغوي قول الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ان منافقا وسماه الكلبي بشرا خاصم يهوديا فدعاه اليهودي الى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق الى كعب بن الأشرف وابى اليهودي ان يخاصمه الا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا راى المنافق ذلك اتى معه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودى فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال انطلق بنا الى عمر فاتيا عمر رضى الله عنه فقال اليهودي اختصمت انا وهذا الى محمد (صلى الله عليه وسلم) فقضى لى عليه فلم يرض بقضائه وزعم انه مخاصم إليك فقال عمر رضى الله عنه للمنافق أكذلك قال نعم قال لهما رويدكما حتى اخرج اليكما فدخل عمر رضى الله عنه البيت وأخذ السيف واشتمل عليه ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد وقال هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله فنزلت. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعنى المنافقين يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ الاية وقال جبرئيل ان عمر فرّق بين الحق والباطل فسمى بالفاروق وسمى بالطاغوت كعب بن الأشرف او كاهن من جهينة لفرط طغيانه او لتشبيهه بالشيطان أو لأن التحاكم اليه تحاكم الى الشيطان واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كان ابو برزة الأسلمي كاهنا يقضى بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر اليه ناس من المسلمين فانزل الله تعالى هذه الاية واخرج ابن ابى حاتم من طريق عكرمة او سعيد عن ابن عباس قال كان الحلاس ... ...

[سورة النساء (4) : آية 61]

ابن الصامت ومعتب بن قشير ورافع بن زيد وبشر يدّعون الإسلام فدعاهم من قومهم من المسلمين فى خصومة كانت بينهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوهم الى الكهان حكّام الجاهلية فانزل الله تعالى هذه الاية قال البغوي قال السّدى كان ناس من اليهود اسلموا ونافق بعضهم وكانت قريظة والنضير فى الجاهلية إذا قتل رجل من بنى قريظة رجلا من بنى النضير قتل به او أخذ مائة وسق تمر وإذا قتل رجل من نضير رجلا من قريظة لم يقتل واعطى ديته ستين وسقا وكانت نضير وهم حلفاء الأوس «1» اشرف واكثر من قريظة وهم حلفاء الخزرج فلمّا جاء الإسلام وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فاختصموا فى ذلك فقالت بنوا النضير كنا وأنتم اصطلحنا على ان نقتل منكم ولا تقتلون منا وديتكم ستون وسقا وديتنا مائة وسق فنحن نعطيكم ذلك فقال الخزرج هذا شىء فعلتموه فى الجاهلية لكثرتكم وقلتنا فقهرتمونا ونحن وأنتم اليوم اخوة وديننا ودينكم واحد فلا فضل لكم علينا فقال المنافقون منهم انطلقوا الى ابى برزة الكاهن الأسلمي وقال المسلمون من الفريقين لابل الى النبي صلى الله عليه وسلم وابى المنافقون وانطلقوا الى ابى برزة ليحكم فانزل الله تعالى اية القصاص وهذه الاية وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ يعنى أمروا ان يخالفوا الطاغوت ويتبرؤا عنه كما فى قوله تعالى يَوْمَ ... يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ والمؤمنون أمروا بمخالفة اليهود والكهان والشياطين والتبري عنهم قال الله تعالى لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتى كاهنا فصدّقه بما يقول او اتى امراة حائضا او اتى امراة فى دبرها فقد برئ مما نزل على محمّد رواه احمد واصحاب السنن الاربعة بسند صحيح عن ابى هريرة وروى الطبراني بسند ضعيف من حديث واثلة من اتى كاهنا فساله عن شىء حجبت عنه التوبة أربعين ليلة فان صدّقه بما قال كفر وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ شيطان الانس والجنّ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60) عن الحق. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ اى للمنافقين الذين يزعمون انهم أمنوا، مقولة القول تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ يعنى القران وَإِلَى الرَّسُولِ عطف قوله الىّ الرّسول على قوله ما انزل الله يدل على ان الرسول كان قد يحكم بعلمه سوى القران من الوحى الغير المتلو وبالاجتهاد والظرف اعنى إذا قيل لهم متعلق بقوله رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ وضع المظهر موضع المضمر للتقبيح

_ (1) فيه نظر (أبو محمد عفا الله عنه) .

[سورة النساء (4) : آية 62]

والتفضيح وبيان سبب الصدّ يَصُدُّونَ يعرضون عَنْكَ الى غيرك لطمعهم بالحكم بالباطل بالرشوة ونحوها والجملة واقع موقع الحال من المنافقين صُدُوداً (61) مصدر او اسم للمصدر الذي هو الصدّ وفى الصحاح الصدود يكون انصرافا عن الشيء وامتناعا وقد يكون بمعنى الصرف والمنع نحو فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ- قيل لمّا قتل عمر رضى الله عنه المنافق جاء أولياؤه طالبين بدمه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله ان أردنا بالتحاكم الى عمر الا إحسانا يحسن عمر الى صاحبنا وتوفيقا اى إصلاحا يصلح بين الخصمين فانزل الله تعالى فَكَيْفَ استفهام للتعجب، من حلفهم بعد صدّهم صدّا ظاهرا ومن انهم كيف يقدرون عليه ولا يستحيون وتقدير الكلام فكيف لا يستحيون وإِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ يعنى قتل عمر واحدا منهم وإذ المجرد الظرف دون الاستقبال بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من الاعراض عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والتحاكم الى غيره ثُمَّ جاؤُكَ للاعتذار وطلب الدم عطف على أصابتهم فكيف يَحْلِفُونَ مع ظهور كذبهم حال من فاعل جاءوك بِاللَّهِ الباء امّا صلة ليحلفون او للقسم وجواب القسم على الوجهين إِنْ أَرَدْنا بتحكيمنا غيرك إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (62) يعنى الا الفصل بالوجه الحسن والتوفيق بين الخصمين ولم نرد مخالفتك ولم نسخط لحكمك يعنى خفنا ان يحدث عداوة بالحكم المرّ وهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نقول يصلح بيننا فجئنا عمر ليصلح بيننا ويبقى الالفة وجاز ان يكون إذا بمعنى الاستقبال للشرط والمراد بالمصيبة العذاب من الله تعالى او الانتقام من النبي صلى الله عليه وسلم ويدلّ على الجزاء قوله فكيف يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إلخ فوقع الشرط بين اجزاء الدال على الجزاء، والمراد التعجّب من حلفهم فى الاستقبال وجاز ان يكون تقدير الكلام فكيف يكون حالهم او كيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة عذاب من الله او انتقام منك او من أصحابك بما قدّمت أيديهم وقوله ثُمَّ جاؤُكَ امّا معطوف على أصابتهم او على يصدّون وما بينهما اعتراض وكيف سوال عن حالهم عند العذاب فى الاخرة او فى الدنيا وجاز ان يكون إذا للشرط ويحلفون جزاء للشرط والشرط والجزاء بيانا من كيفية حالهم. أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ من النفاق فلا يفيدهم اليمين الغموس الّا غموسا فى النار فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ اى عن قبول ... ...

[سورة النساء (4) : آية 64]

اعتذارهم او عن اجابتهم فى مطالبة دم المقتول فان دمه هدر وَعِظْهُمْ ان ينتهوا من النفاق ويؤمنوا بالإخلاص وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ اى فى حق أنفسهم قَوْلًا بَلِيغاً (63) يبلغ صميم قلوبهم بالتأثير قال الحسن القول البليغ ان يقول لهم انكم تقتلون على نفاقكم فانه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ وقيل هو التخويف بالله تعالى وذكر فى الكشاف احتمال تعلق فى أنفسهم ببليغا يعنى بليغا فى أنفسهم وضعّفه البيضاوي بان معمول الصفة لا يتقدم على الموصوف وأجيب بالحمل على الحذف والتفسير وجاز ان يكون معنى الاية فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ اى عن عقابهم لمصلحة استبقائهم وعظهم باللسان وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ يعنى فى الخلوة فان النصح فى السرّ انفع قولا بليغا-. وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ اى لالزام طاعته على الناس فانه المقصود من الرسالة بِإِذْنِ اللَّهِ اى بسبب اذنه وامره المبعوث إليهم بان يطيعوه فمن لم يرض بحكمه ولم يطعه استوجب القتل لانه كانّه لم يقبل رسالته وَلَوْ ثبت أَنَّهُمْ اى المنافقون إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالنفاق والتحاكم الى الطاغوت جاؤُكَ تابئين بالإخلاص وهو خبر انّ والظرف متعلق به فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ بالتوبة عن النفاق واعتذروا الى الرسول صلى الله عليه وسلم بالإخلاص وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ عدل عن الخطاب الى الغيبة تعظيما لشأنه وتنبيها على انّ شأن الرسول يقتضى قبول العذر وان عظم الجرم لَوَجَدُوا اللَّهَ لعلموه تَوَّاباً قابلا للتوبة رَحِيماً (64) عليهم وجاز ان يكون وجد بمعنى صادف فحينئذ توابا منصوب على الحال ورحيما بدل منه او حال من الضمير فيه او حال مرادف له والله اعلم اخرج الائمة الستة عن الزبير بن العوام رضى الله عنه انه خاصم رجلا من الأنصار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسق يا زبير ثم أرسل الى جارك فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله ان كان ابن عمتك فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اسق ثم احبس حتى يبلغ الجدر فاستوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ حقّه للزبير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير بامر فيه سعة له وللانصارى فلما احفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوفى للزبير حقه فى صريح الحكم قال الزبير والله احسب قوله تعالى. فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ الاية نزلت فى ذلك وكذا اخرج الطبراني فى الكبير والحميدي فى مسنده عن أم سلمة قالت خاصم ... ...

[سورة النساء (4) : آية 66]

الزبير رجلا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى للزبير فقال الرجل انما قضى له لانه ابن عمته فنزلت قال البغوي روى ان الأنصاري الذي خاصم الزبير كان اسمه حاطب بن ابى بلتعة قلت أخرجه ابن ابى حاتم عن سعيد بن المسيب فى هذه الاية قال نزلت فى الزبير بن العوام وحاطب ابن ابى بلتعة «1» اختصما فى ماء فقضى النبي صلى الله عليه وسلم ان يسقى الأعلى ثم الأسفل قلت وتسمية حاطب بن ابى بلتعة فى هذه القصّة وهم لان حاطبا لم يكن من الأنصار بل من المهاجرين شهد بدرا ولعل ذلك رجل منافق من الأوس او الخزرج سمّى أنصاريا لكونه منهم نسبا قال البغوي لمّا خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّا على المقداد فقال لمن كان القضاء فقال الأنصاري لابن عمته ولوّى شدقه ففطن له يهودى كان مع المقداد فقال قاتل الله هؤلاء يشهدون انه رسول الله ثم يتهمونه فى قضاء يقضى بينهم وايم الله لقد أذنبنا مرة فى حيوة موسى فدعانا موسى الى التوبة منه فقال اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين الفا فى طاعة ربنا حتى رضى عنا فقال ثابت بن شماس بن قيس اما والله ان الله ليعلم منى الصدق لو أمرني محمد صلى الله عليه وسلم ان اقتل نفسى لفعلت وقال البغوي قال مجاهد والشعبي نزلت هذه الاية فى بشر المنافق واليهودي الذي اختصما الى عمر الذي مرّ ذكره كما يقتضيه السياق ومعنى الاية فلا اى ليس الأمر كما فعل الذين يزعمون انهم مؤمنون ثم لا يرضون بحكمك ثم استأنف القسم فقال وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وجاز ان يكون لا زائدة كما فى لا اقسم والمعنى وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ، حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ اى اختلف بينهم واختلط عليهم الأمر ومنه الشجر لالتفات أغصانه ثُمَّ لا يَجِدُوا عطف على يحكموك فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ضيقا مما حكمت به وقال مجاهد شكّا فان الشاكّ فى ضيق امره وَيُسَلِّمُوا اى ينقادوا لك تَسْلِيماً (65) انقيادا طوعا بلا كره منهم. وَلَوْ ثبت أَنَّا كَتَبْنا اى فرضنا عَلَيْهِمْ اى على الذين يزعمون انهم أمنوا ولم يرضوا بحكمك وهم المنافقون ولا جائز ان يكون الضمير راجعا الى جميع المؤمنين الموجودين فى ذلك الزمان وهم الصّحابة رضى الله عنهم لان سوق الكلام فى المنافقين وكيف يتصوّر الحكم فى حق الصحابة بانه لو كتب عليهم ما فعلوه وقد مدح الله تعالى عليهم بقوله كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ

_ (1) فى الأصل هنا ابن بلتعة-[.....]

[سورة النساء (4) : آية 67]

أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وبقوله يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ونحو ذلك واثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله خير القرون قرنى وبقوله ان الله اختارني واختار لي أصحابا ولو كان الضمير عايدا الى الصحابة لزم فضل اصحاب موسى عليه السّلام عليهم فانهم قتلوا أنفسهم حين أمروا به للتوبة، أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ للتوبة عن اعراضهم عن حكمك الى غيرك وان مفسرة لان فى كتبنا معنى القول او مصدرية يعنى أمرنا بقتل أنفسهم كما أمرنا بنى إسرائيل حين عبدوا العجل أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ كما أمرنا بنى إسرائيل بالخروج من مصر وجاز ان يكون المعنى امرناهم بالخروج من ديارهم للجهاد وتعريض أنفسهم على القتل فيه قرأ ابو عمرو ويعقوب بكسر النون فى ان اقتلوا وضم الواو فى او اخرجوا للاتباع او التشبيه بواو الجمع وقرا عاصم وحمزة بكسرهما على الأصل والباقون بضمّهما اجراء لهما مجرى همزة الوصل ما فَعَلُوهُ اى القتل او الخروج او المكتوب عليهم إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ قرا ابن عامر الّا قليلا بالنصب على الاستثناء والباقون بالرفع على انّ المختار فى كلام غير موجب هو البدل وانما يفعل ذلك القليل بتوفيق الله تعالى ايّاهم الإخلاص بعد النفاق والله اعلم، اخرج ابن جرير عن السّدى قال لمّا نزلت وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من يهود فقال اليهودي والله لقد كتب الله علينا ان اقتلوا أنفسكم فقتلنا أنفسنا فقال ثابت والله لو كتب الله علينا ان اقتلوا أنفسكم لقتلنا أنفسنا فانزل الله تعالى وَلَوْ ثبت أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ من متابعة الرسول ومطاوعته طوعا ورغبة لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) تحقيقا لايمانهم او تثبيتا لثواب أعمالهم ونصبه على التمييز قال الحسن ومقاتل لمّا نزلت هذه الاية قال عمر وعمار ابن ياسر وعبد الله بن مسعود وناس من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والله لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان من أمتي لرجالا الايمان فى قلوبهم اثبت من الجبال الرواسي. وَإِذاً اى إذا فعلوا ذلك عطف على قوله لَكانَ خَيْراً لَهُمْ او استيناف كانه قيل ما لهم بعد التثبت فقال وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ والواو للاستيناف وأورد عليه انه لا يليق إيراد الشرط فى جواب ما يكون لهم بعد التثبت بل يكفى اتيناهم وأجيب بان ... ...

[سورة النساء (4) : آية 68]

تقدير الشرط للاشارة الى بعدهم عن التثبت لما فى لو معنى الدلالة على الامتناع وجاز ان يكون الواو للقسم تقديره والله إذا لَآتَيْناهُمْ وجاز ان يكون الواو للعطف على المقدر اى إذا لهم اجر التثبت وإذا لاتينهم مِنْ لَدُنَّا تفضلا زائدا على ثواب أعمالهم وثواب التثبت أَجْراً عَظِيماً (67) . وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مفعول ثان مُسْتَقِيماً (68) يصلون يسلوكه الى جناب القدس والله اعلم- اخرج الطبراني بسند لا بأس به وابو نعيم والضياء وحسّنه عن عائشة قالت جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انك لاحبّ الىّ من نفسى وولدي وانى لا كون فى البيت فاذكرك فما اصبر حتى اتى فانظر إليك وإذا ذكرت موتى وموتك عرفت انك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وانى ان دخلت خشيت ان لا أراك فلم يردّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبرئيل بقوله تعالى. وَمَنْ يُطِعِ الله فى أداء الفرائض وَالرَّسُولَ فى اتباع سننه فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ الاية واخرج الطبراني عن ابن عباس نحوه وابن ابى حاتم عن مسروق قال قال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينبغى لنا ان نفارقك فانك لو متّ لرفعت فوقنا فلم نرك اخرج ابن جرير عن الربيع انّ اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا قد علمنا ان النبي صلى الله عليه وسلم له فضل على من أمن به فى درجات الجنة فمن اتبعه وصدقه كيف لهم إذا اجتمعوا فى الجنة ان يرى بعضهم بعضا فانزل الله هذه الاية فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الأعلين ينحدرون الى من هو أسفل منهم فيجتمعون فى رياضها فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه واخرج مسلم وابو داود والنسائي عن ربيعة بن كعب الاسلمىّ قال كنت أتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فاتيته بوضوئه وحاجته فقال لى سلنى فقلت يا رسول الله أسئلك مرافقتك فى الجنة قال او غير ذلك قلت هو ذلك قال فاعنّى على نفسك بكثرة السجود واخرج عن عكرمة قال اتى فتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله ان لنا منك نظرة فى الدنيا ويوم القيامة لا نراك فانك فى الدرجات العلى فانزل الله تعالى هذه الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت معنى فى الجنة ان شاء الله تعالى واخرج ابن جرير نحوه من مرسل سعيد بن جبير ومسروق والربيع ... ...

وقتادة والسدى وذكر البغوي انها نزلت فى ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنه وكان شديد الحبّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قليل الصّبر عنه فأتاه ذات يوم قد تغير لونه يعرف الحزن فى وجهه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غيّر لونك فقال يا رسول الله ما لى مرض ولا وجع غير انى إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ثم ذكرت الاخرة فاخاف ان لا أراك لانك ترفع مع النبيين وانى ان دخلت الجنة كنت فى منزلة ادنى من منزلتك وان لم ادخل الجنة لا أراك ابدا فنزلت وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ ذكر الله سبحانه للذين أنعم الله عليهم اربعة اصناف على ترتيب منازلهم فى القرب وحثّ كافة الناس ان لا يتاخروا عنهم، اوّل الأصناف الأنبياء عليهم السلام الذين مبادى تعيناتهم صفات الله تعالى وهم المستغرقون فى التجليات الذاتية الصرفة الدائمية بلا حجاب الصفات المعبر عنها بكمالات النبوة الفائزون الراسخون فى هذا المقام بالاصالة المبعوثون لتكميل الخلائق وجذبهم الى مراتب القرب على حسب استعداد افراد الامة وكسبهم وحسب مشية الله تعالى المبلّغون من الله تعالى أحكامه الى الناس ما يصلح دنياهم وآخرتهم- وثانيهم الصدّيقون وهم المبالغون فى الصدق المتصفون بكمال متابعة الأنبياء ظاهرا وباطنا المستغرقون فى كمالات النبوة والتجلّيات الذاتية الصرفة الدائمية بلا حجاب بالوراثة والتبعية وثالثهم الشهداء الباذلون أنفسهم فى سبيل الله ليفاض عليهم نوعامن التجليات الذاتية بسبب بذلهم ذواتهم فى سبيل الله ورابعهم الصالحون الذين أصلحوا أنفسهم بازالة الرذائل وقلوبهم بشرب بحار الحبّ ودوام الذكر المانع عن الاشتغال بغير الله سبحانه وأبدانهم عن المعاصي فصلحوا لتجلّيات الظلال والافعال بعد حصول الفناء والبقاء على الكمال وتحصلوا برخا من التجلّيات الذاتية ان شاء الله تعالى ولو من وراء حجب الصّفات وهم الذين سموا بلسان القوم بالأولياء ووعد الله سبحانه سائر المؤمنين بعد دخول الجنة معيتهم وزيارتهم على قدر ما أطاعوا الله ورسوله والمراد بالصّديقين هاهنا غير الأنبياء وكذا بالصالحين غير الأنبياء والصدّيقين ولذلك فسرنا بما ذكرنا والا فالصديق أعم من النبي والصالح أعم من الجميع ولذا يطلق الصديق والصالح على الأنبياء قال الله تعالى فى ابراهيم إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وقال فى ... ...

[سورة النساء (4) : آية 70]

يحيى وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وفى عيسى وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ فائدة: لمّا استشهد شيخى وامامى قدسنا الله بسره السامي توجه قلبى الى تاريخ وفاته فوقع فى قلبى بغتة هذه الاية فاذا قوله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ تاريخ لوفاته اعنى النا «1» ومائة وخمسا وتسعين سنة سبحان من جعل للانسان بطاعته الى نفسه سبيلا وَحَسُنَ أُولئِكَ الأصناف الاربعة المذكورون رَفِيقاً (69) نصب على التميز او الحال ولم يجمع لاطلاقه على الواحد والجمع. ذلِكَ يعنى مرافقتهم مع المنعم عليهم من غير عمل كاعمالهم الْفَضْلُ صفة لاسم الاشارة او خبره مِنَ اللَّهِ خبر أو حال وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) بسبب ذلك اللحوق والمرافقة وانما هى المحبّة يعنى ان المحبّة التي هى سبب للحوق المحبّ بالمحبوب من غير عمل كعمله امر لا يعلمه الا الله تعالى ولا يظهر ذلك على الكرام الكاتبين ايضا عن انس ان رجلا قال يا رسول الله الرجل يحب قوما ولم يلحق بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم المرء مع من احبّ رواه احمد والشيخان وكذا فى الصحيحين عن ابن مسعود وعن انس قال قال رجل يا رسول الله متى السّاعة قال ويلك ما اعددت لها قال ما اعددت لها الا انى أحب الله ورسوله قال أنت مع من أحببت قال انس فما رايت المسلمين فرحوا بشئ بعد الإسلام فرحهم بها متفق عليه، وجاز ان يكون المشار اليه بذلك مرتبة الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعنى انهم لم ينالوا تلك الدرجة الا بفضل من الله دون عملهم فان سبب وصولهم الى الله تعالى الاجتباء غالبا عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاربوا وسدّدوا واعلموا انه لا ينجو أحد منكم بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى الله برحمة منه وفضل متفق عليه-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ الحذر والحذر كالاثر والأثر والمثل والمثل ما يحذر به من العدو من السّلاح وغيره فَانْفِرُوا اخرجوا الى الجهاد ثُباتٍ «2» جماعات متفرقات جمع ثبة ويجمع ايضا على ثبين جبرا لما حذف من عجزه أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (71) مجتمعين على حسب المصالح. وَإِنَّ مِنْكُمْ عطف على خذوا حذركم عطف قصّة على قصّة او معترضة الى قوله فليقاتل لَمَنْ اللام للابتداء دخلت على اسم ان للفصل بالخبر

_ (1) فى الأصل الف ومائة وخمس وتسعون سنة (2) روى عن ابن عبّاس فى قوله انفروا ثبات قال عشرة فما فوقها وعن مجاهد قال فرقا قليلا منه رحمه الله، فى الأصل مذكورين-

[سورة النساء (4) : آية 73]

لَيُبَطِّئَنَّ جواب قسم محذوف تقديره ان منكم والله ليبطئن يعنى يتخلفون عن الجهاد ويتثاقلون وهم المنافقون من بطّا بمعنى ابطا وهو لازم او المعنى يثبطون غيرهم عن الجهاد كما ثبّط ابن ابى ناسا يوم أحد من بطّا منقولا من بطوء كثقّل من ثقل فَإِنْ أَصابَتْكُمْ ايها المؤمنون مُصِيبَةٌ من قتل او هزيمة قالَ ذلك المنافق المبطئ قال أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ مع المؤمنين شَهِيداً (72) حاضرا فلم يصبنى ما أصاب المؤمنين. وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ من فتح وغنيمة لَيَقُولَنَّ أكد الفعل تنبيها على فرط تحسّرهم كَأَنْ مخففة من المثقلة اسمه ضمير الشأن محذوف لَمْ تَكُنْ قرا ابن كثير وحفص ويعقوب بالتاء على التأنيث والباقون بالياء على التذكير بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ جملة معترضة بين ليقولنّ والمقولة وهو التمني للتنبيه على ضعف عقيدتهم وان قولهم هذا قول من لا مواصلة بينكم وبينه وانما يريد المال بمرافقتكم ويحسدون على ان تفوزوا او حال عن الضمير فى ليقولن او داخل فى المقول اى يقول المبطئ فيما بينهم ومع ضعفة المسلمين كان لم تكن بينكم وبين محمد مودة حيث لم يستعن بكم فتفوزوا كما فازوا يا قوم لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ اى مع المؤمنين فى الوقعة وقيل يا اطلق للتنبيه مجازا فَأَفُوزَ منصوب على جواب التمني فَوْزاً عَظِيماً (73) فاخذ من الغنيمة حظّا وافرا قال البغوي جملة كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ متصلة بالجملة الاولى تقديره فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً ... كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ قال البيضاوي وهو ضعيف إذ لا يفصل بين بعض الجملة بما لا يتعلق بها لفظا ومعنى-. فَلْيُقاتِلْ عطف على خذوا حذركم وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة وجاز ان يكون الفاء جزائية والتقدير ان بطّا هؤلاء المنافقون فليقاتل فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ اى يبيعون الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وهم المخلصون الباذلون أنفسهم فى طلب الاخرة فالموصول مرفوع على الفاعلية وقيل يشرون هاهنا بمعنى يشترون اى يختارون الدنيا على الاخرة وهم المنافقون يعنى ينبغى لهم ان يؤمنوا بالإخلاص ويتركوا ما يصنعون من النفاق ويقاتلوا فى سبيل الله كيلا يكون عليهم حسرة فى الدنيا والاخرة وجاز ان يكون الموصول فى محلّ ... ...

[سورة النساء (4) : آية 75]

النصب على المفعولية والمراد به الكفار والمنافقون الذين يختارون الدنيا على الاخرة والضمير المرفوع فى فليقاتل راجع الى الذين أمنوا الذين خوطبوا بقوله خذوا حذركم وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) فى الاخرة، وعد المقاتل بالأجر العظيم على اجتهاده فى إعلاء كلمة الله سواء قتل فلم يتيسر له الاعلاء لما بذل ما فى وسعه من الجهد او غلب وحصل له الملك والغنيمة فان إحرازه الغنائم لا ينقص من اجره شيئا إذا لم يكن همته المال بل إعزاز الدين فحسب عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انتدب الله لمن خرج فى سبيله لا يخرجه الا ايمان بي وتصديق برسلى ان ارجعه بما نال من اجر وغنيمة او ادخله الجنة متفق عليه والترديد لمنع الخلو- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المجاهد فى سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بايات الله لا يفتر من صيام ولا صلوة حتى يرجع المجاهد فى سبيل الله وفى رواية حتى يرجعه الله الى اهله بما يرجعه من غنيمة واجر او يتوفاه فيدخله الجنة-. وَما لَكُمْ مبتدا وخبر لا تُقاتِلُونَ حال والعامل فيه الظرف المستقر والمعنى اى شىء ثبت لكم تاركين القتال والاستفهام للانكار على الترك والاستبطاء فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ عطف على اسم الله او على سبيل الله يعنى فى سبيل الله وفى خلاص المستضعفين «1» بحذف المضاف او فى سبيل المستضعفين وهو تخليصهم عن أيدي المشركين بمكة ويجوز نصبه على الاختصاص فان سبيل الله يعمّ أبواب الخير وتخليص ضعفاء المسلمين من أيدي الكفار أعظمها مِنَ الرِّجالِ الضعفاء وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الذين كانوا يلقون من المشركين بمكة أذى كثيرا الَّذِينَ يدعون الله ويَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ يعنى مكة الظَّالِمِ صفة لقرية من حيث اللفظ وذكّر لاسناده الى ظاهر مذكّر مذكور بعده اعنى أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يلى أمرنا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) يمنع المشركين عنا فاستجاب الله دعاءهم وفتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وولى عليهم عتاب بن أسيد جعله الله لهم نصيرا ينصف المظلوم

_ (1) اخرج البخاري عن ابن عباس قال كنت انا وأمي من المستضعفين منه رح.

[سورة النساء (4) : آية 76]

من الظالم. الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ موصل الى اللَّهِ يعنى طاعته وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فى طاعة الشيطان وسبيل يلحقهم بالشيطان فى دركات جهنم فَقاتِلُوا ايّها المؤمنون أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ اى جنوده وهم الكفار ثم شجعهم بقوله إِنَّ كَيْدَ اى مكر الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) فانه لا يقدر الّا على الوسوسة قال يوم بدر للكفار لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فلما راى الملائكة هرب وخذلهم ونكص على عقبيه وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ والله اعلم- اخرج النسائي والحاكم عن ابن عباس ان عبد الرحمن بن عوف وأصحابه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قبل الهجرة فقالوا يا نبى الله كنا فى عزّ ونحن مشركون فلمّا أمنا صرنا اذلة فقال انى أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم فلما حوله الله الى المدينة امره بالقتال فحينئذ جبن بعض الناس فكفوا أيديهم فانزل الله تعالى. أَلَمْ تَرَ استفهام للتعجب ومناط التعجب تقاعد فريق منهم عن القتال وخشيتهم عن الناس عند الأمر بالقتال بعد تصديهم كلهم للقتال عند الأمر بالكف والتصدي يفهم من الأمر بالكف لان الكف انما يتحقق فيما يتصدى له المكفوف إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ قال البغوي عن الكلبي ان المراد بهم عبد الرحمن بن عوف الزهري والمقداد بن الأسود الكندي وقدامة بن مطعون الجحمي وسعد بن ابى وقاص وجماعة كانوا يلقون من المشركين بمكة أذى كثيرا قبل ان يهاجروا ويقولون يا رسول الله ائذن لنا فى قتالهم فانهم قد آذونا فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ عن القتال فانى لم اومر بقتالهم وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ واشتغلوا بما أمرتم به وفيه تنبيه على ان الجهاد مع النفس لاصلاح قلبه ونفسه مقدم على الجهاد مع الكفار فان الاوّل لاصلاح نفسه وهو أهم من الثاني الذي هو الإصلاح «1» لغيره واخلاء العالم الكبير عن الفساد ولذلك جعل الله تعالى الاول من الفروض على الأعيان والثاني من الفروض على الكفاية فَلَمَّا هاجروا الى المدينة وكُتِبَ فرض عَلَيْهِمُ الْقِتالُ مع المشركين شق ذلك على بعضهم وجبنوا كما يقول الله تعالى إِذا للمفاجاة جواب لمّا فَرِيقٌ مبتدأ مِنْهُمْ صفة يَخْشَوْنَ النَّاسَ خبره كَخَشْيَةِ اللَّهِ اضافة

_ (1) في الأصل لإصلاح لغيره.

المصدر الى المفعول فى محل النصب على المصدرية يعنى يخشون من الناس خشية كخشيتهم من الله او على حال من فاعل يخشون يعنى يخشون الناس حال كونهم مثل اهل خشية الله منه أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً عطف عليه ان جعلته حالا اى حال كونهم أشدّ خشية من اهل خشية الله منه لا ان جعلته مصدرا لان افعل التفضيل إذا نصب ما بعده لم يكن من جنسه بل حينئذ معطوف على اسم الله تعالى اى كخشية الله او كخشية أشدّ خشية من خشية الله واو للتخيير لا للشكّ اى ان قلت ان خشيتهم الناس كخشية الله فانت مصيب وان قلت انها أشد فانت مصيب لانه حصل مثلها وزيادة- وهذا الكلام مبنى على التجوز فانهم لمّا تقاعدوا عن الحرب باستيلاء النفس جبنا ولم يسارعوا الى امتثال امر الله تعالى فى قتالهم قيل فيهم يخشون الناس اكثر من خشية الله إطلاقا للسبب اعنى شدة الخشية على المسبب اعنى التقاعد وعدم الامتثال بالأمر وهذا لا يستلزم ان يكون فى الواقع خشيتهم من الناس اكثر من خشيتهم من الله فانه كفر بل قد يكون ارتكاب المعصية من سؤلة النفس والغفلة عن عذاب الله والطمع فى غفرانه لا من الاعتقاد بان الناس أشدّ عذابا من الله واقدر وبناء على ظاهر هذه الاية قالت الخوارج مرتكب الكبيرة كافر فان الاية تدل على ان القاعدين «1» عن الجهاد يخشون من الناس أشد من خشية الله واستدلوا على ذلك من العقليات ان العاقل إذا تيقن ان الحية فى هذا الحجر لا يدخل يده فى ذلك الحجر قطعا وإذا ادخل يده فيه يعلم منه قطعا انه لم يتيقن يكون الحية فيه فكذا من ارتكب كبيرة يعلم انه لم يؤمن بايات الوعيد ولو تيقن بوقوع العذاب على الكبيرة لم يرتكبها وبما ذكرنا اندفع هذا الاستدلال وظهران الاية مبنى على المجاز وَقالُوا «2» رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ فنقتل لَوْلا أَخَّرْتَنا هلا أمهلتنا فى الدنيا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ الى زمان الموت فنموت على الفرش ذكر الجملتين بلا عطف ليدل على انّ قولهم تارة كذا وتارة كذا وليسا بكلام واحد وليس هذا سوالا عن وجه الحكمة فى إيجاب القتال فانها معلومة بل هو تمنى واستزادة فى مدّة الكف عن القتال حذرا عن الموت ويحتمل انهم ما تفوهوه ولكن قالوه فى أنفسهم فحكى الله تعالى عنهم قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا اى منفعتها والاستمتاع بها قَلِيلٌ من منافع الاخرة ومع ذلك سريع التقضي وان طال فلا يفيدكم استزادة العمر وان زاد فرضا وَثواب

_ (1) وفى الأصل القاعدون (2) فى الأصل قالوا-

[سورة النساء (4) : آية 78]

الْآخِرَةُ خَيْرٌ من ثواب الدنيا وأبقى لِمَنِ اتَّقى من الشرك والعصيان فاستزادوا ثواب الاخرة بالتقوى عن التقاعد وامتثال امر الله تعالى فى الجهاد وكانه جواب عن قولهم لم كتبت علينا القتال يعنى كتبنا لتكثير تمتيعكم هذا على تقدير كون قولهم لم كتبت سؤالا عن وجه الحكمة وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) يعنى لا تنقصون ادنى شىء من ثوابكم فلا ترغبوا عنه او المعنى لا تنقصون من اجالكم المقدرة بالقتال- قرا ابن كثير وابو جعفر وحمزة والكسائي بالياء لتقدم الغيبة والباقون بالتاء للخطاب ونزلت ردّا لقول المنافقين الذين قالوا فى قتلى أحد لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا. أَيْنَ ما تَكُونُوا ما زائدة لتأكيد معنى الشرط فى اين يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ فى قصورا وحصون مرتفعة وقال قتادة معناه فى قصور محصنة وقال عكرمة مجصّصة والشيد الجصّ وفى إيراد هذه الاية فى هذا المقام اشعار الى جواب قولهم لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ يعنى بالقتال لا يستعجل الاجل والحذر لا يبعد الاجل ولا يرد القدر- ولمّا قالت اليهود والمنافقون بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ما زلنا نعرف النقص فى ثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه نزلت وَإِنْ تُصِبْهُمْ اى المنافقين واليهود حَسَنَةٌ اى خصب ورخص فى السعر وزيادة فى الأموال والأولاد يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لنا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ قحط او بلية يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ اى من شومك وان كان الفاعل هو الله تعالى قُلْ يا محمد كُلٌّ اى كل واحد من الحسنة والسيئة مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بخلقه على حسب إرادته تفضلا او انتقاما على مقتضى حكمته ولا يجوز من الله تعالى الانتقام من أحد بشوم غيره فنسبتهم السيئة الى النبي صلى الله عليه وسلم بسبب شومه مع انغماسهم فى الكفر والمعاصي ظاهر البطلان فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ الكافرين لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ يعنى لا يقربون الفهم والتفقه فضلا من ان يفقهوا حَدِيثاً (78) يعنى القران فانهم لو فهموه وتدبروا معانيه لعلموا ان الخير والشرّ كل من عند الله وان الله لا يعذب أحدا بعمل غيره اولا يفهمون حديثا ما كالانعام او شيئا حادثا فيتفكروا فيما صدر عنهم من الأعمال هل هو حسنة يوجب الانعام ... ...

[سورة النساء (4) : آية 79]

او سيئة يقتضى النقمة. ما أَصابَكَ ايّها الإنسان مِنْ حَسَنَةٍ نعمة فَمِنَ اللَّهِ أنعم عليكم تفضلا منه من غير استحقاق عليه سبحانه واستيجاب فان كل ما فعله انسان من الطاعة لو سلم صدوره عنه غير مشوب بالمعصية قابلا للقبول وان كان عامرا لجميع أوقاته فهو مخلوقة لله تعالى نعمة منه تعالى حيث حماه عما لا يرضى عنه ووفقه لمرضاته مستوجب على العبد الشكر على توفيقه فكيف يقتضى عليه استحقاق شىء من ثواب الدنيا او الاخرة مع ان الوجود وتوابعه (مما يتوقف عليه صدور الطاعة وما لا يتوقف عليه) نعماء من الله تعالى لا تعد ولا تحصى لا يمكن ان يكون ذلك الطاعة بإزائه شكرا لها ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحد يدخل الجنة الا برحمة الله قيل ولا أنت قال ولا انا متفق عليه من حديث ابى هريرة وَما أَصابَكَ ايّها الإنسان مِنْ سَيِّئَةٍ بلاء فَمِنْ نَفْسِكَ روى ابن المنذر عن مجاهد انه كان فى قراءة أبيّ بن كعب وابن مسعود ما أصابك من سيّئة فمن نفسك وانا كتبتها عليك اى من شامة نفسك استجلابا لا من شامة غيرك يعنى خلق الله تعالى تلك المصيبة والبلاء انتقاما لبعض معاصيك وجزاء لسيئاتك فان كان الإنسان كافرا كان أنموذجا لبعض ما يعدله من العقاب وان كان الإنسان مؤمنا كان كفارة لذنوبه وباعثا لرفع درجاته عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مصيبة تصيب المسلم الا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها متفق عليه وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نصب او وصب حتى الشوكة يشاكها الا كفر الله من خطاياه متفق عليه وعن ابى موسى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تصيب عبدا نكبة فما فوقها وما دونها الا بذنب وما يعفو اكثر رواه الترمذي ففى هذه الاية جواب عن نسبتهم السوء الى النبي صلى الله عليه وسلم وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا منصوب على المصدرية او الحالية وقصد به التؤكيد ان علق الجار بالفعل وان علق برسولا قصد به التعميم كما فى قوله تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ وفى هذه الجملة ايضا ردّ على قولهم هذه من عندك حيث نسبوا الشوم اليه عليه السّلام وما هو الا رسول من الله تعالى أرسل رحمة عامّة للناس أجمعين وانما حرم الكفار من الرحمة وأصابهم ما أصابهم من النقمة فى الدنيا والاخرة بشوم أنفسهم حيث لم يطيعوا رسول الله ... ...

[سورة النساء (4) : آية 80]

صلى الله عليه وسلم وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) يشهد على رسالته فى الدنيا بنصب المعجزات وعند اختصامهم عند الله يوم القيامة كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً الإلزام الكفار وتعذيبهم فان الملك يومئذ لله الواحد القهار يحكم بعلمه لا حاجة حينئذ الى شهادة غيره والله اعلم- قال البغوي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أطاعني فقد أطاع الله ومن أحبني فقد احبّ الله فقال بعض المنافقين ما يريد هذا الرجل الا ان نتخده ربّا كما اتخذت النصارى عيسى بن مريم فانزل الله تعالى. مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ لانه فى الحقيقة مبلغ والأمر هو الله تعالى وَمَنْ تَوَلَّى عن طاعتك فلا تهتم فَما أَرْسَلْناكَ يا محمد عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) حال من الكاف يعنى انما عليك البلاغ وعلينا الحساب ما أرسلناك لحفظ أعمالهم ومحاسبتهم. وَيَقُولُونَ اى المنافقون إذا امرتهم بشىء طاعَةٌ يعنى أمرنا طاعة كان حقها النصب على المصدرية يعنى نطيعك طاعة لكن رفع للدلالة على الدوام والثبات فَإِذا بَرَزُوا خرجوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ قرا ابو عمرو وحمزة بإدغام التاء فى الطاء والباقون بالإظهار ومعنى بيّت غيّر وبدّل والتبييت بمعنى التبديل كذا قال قتادة والكلبي وقال الأخفش معنى بيّت قدر تقول العرب للشىء إذا قدر قد بيت يشبهونه ببيت الشعراء او ببيت مبنى وقال ابو عبيدة والقتيبي معناه قدروا ليلا غير ما أعطوك العهد نهارا من البيتوتة مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ الضمير فى تقول راجع الى طائفة يعنى زورت طائفة منهم خلاف الذي قالت عندك من الطاعة وجازان يكون للخطاب يعنى زورت طائفة منهم خلاف الذي قلت ايها النبي وعهدت إليهم وَاللَّهُ يَكْتُبُ يعنى كتبة الله من الملائكة تكتب باذنه ما يُبَيِّتُونَ ليوفى عليهم جزاء تزويرهم او المعنى يكتب الله فى جملة ما يوحى إليك حتى تطلع على أسرارهم فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ يعنى لا تلتفت إليهم فالاعراض بمعنى قلة المبالاة والتجافي عنهم او المعنى لا تعاتبهم ولا تخبر بأسمائهم وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فى الأمور كلّها وفى شأنهم وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) إذا فوضت اليه أمرهم ينتقم لك منهم ولا يضرونك بشىء. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ اى المنافقون ويتاملون فى الْقُرْآنَ نظمه ومعانيه وينظرون ما فيه من الغرائب حتى يظهر لهم انه ليس من جنس كلام البشر فيحصل لهم الايمان ويذرون ... ...

[سورة النساء (4) : آية 83]

النفاق واصل التدبر النظر فى ادبار الشيء فيه دليل على صحة القياس وَلَوْ كانَ هذا القران مختلقا كائنا مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ كما زعم الكفار لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) من تناقض المعنى وتفاوت النظم بحيث يكون بعضه فصيحا وبعضه ركيكا وبعضه صعب المعارضة وبعضه دون ذلك ومطابقة بعض احباره المستقبلة دون بعض لنقصان القوة البشرية وامّا الناسخ والمنسوخ فليس من باب الاختلاف بل النسخ بيان لمدة الحكم الذي اختلف بناء على اختلاف الأحوال فى الحكم والمصالح بحسب اختلاف الزمان والله اعلم- قال البغوي كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السّرايا فاذا غلبوا او غلبوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم فيحدّثون به قبل ان يحدّث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضعّفون به قلوب المؤمنين وقيل كان ضعفة الرأى من المسلمين إذا بلغهم خبر السّرايا او أخبرهم الرسول بما اوحى اليه من وعد بالظفر او تخويف اشاعوا ذلك الخبر وتكون فيه مفسدة فانه إذا سمع الخصم الا من يسعى فى حفظ نفسه وإذا سمع الخوف يسعى فى القتال والفساد فانزل الله تعالى. وَإِذا جاءَهُمْ اى المنافقين او ضعفة الرأى من المسلمين أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ اى الفتح والسلامة أَوِ الْخَوْفِ اى الهزيمة والاختلاف أَذاعُوا بِهِ اشاعوه وَلَوْ رَدُّوهُ اى ذلك الخبر إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ اى ذوى الرأى من الصحابة كابى بكر وعمر وعثمان وعلى سموا باولى الأمر لانهم بصراء بالأمور او لانهم يؤمرون منهم غالبا أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم يستشار منهم قبل ان يأمر الناس بشىء او يأمر الناس بالاقتداء بهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم امّا وزير اى من اهل الأرض فابو بكر وعمر رواه الترمذي عن ابى سعيد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من بعدي ابى بكر وعمر رواه الترمذي لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ الاستنباط الاستخراج يقال استنبط الماء إذا استخرجه يعنى يستخرجون بانظارهم ما يليق بذلك الأمر من الاشاعة او الإخفاء والمراد بالذين يستنبطون هم النبي صلى الله عليه وسلم وأولوا الأمر من أصحابه فههنا وضع المظهر موضع المضمر وكان المقام تعلموه والعلم هاهنا بمعنى المعرفة يقتضى مفعولا واحدا، ومنهم حال من الذين والمعنى لعلم المستنبطون من النبي واولى الأمر ما يليق بذلك الخبر او ... ...

[سورة النساء (4) : آية 84]

المراد بالمستنبطين هم المذيعون ومنهم على هذا صلة للفعل والمعنى لعلم المذيعون الذين يستخرجون العلم من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما يليق بذلك الأمر وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ الاضافة للعهد يعنى لولا فضل الله ورحمته بإرسال الرسول وإنزال الكتاب لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ بالكفر والضلال إِلَّا قَلِيلًا (83) استثناء من ضمير المخاطب- او استثناء مفرغ يعنى اتباعا قليلا يعنى لاتبعتم الشيطان الّا بعضا «1» منكم بحسن الرأى والعصمة من الله تعالى كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وهذا نوع اخر من فضل الله او لاتبعتم الشيطان الا اتباعا قليلا فى بعض الأمور والحاصل ان عصمتكم عن اتباع الشيطان غالبا مستفاد من الرسول والقران حيث لا يكفى عقولكم فى معرفة حسن كثير من الأشياء وقبحه فلا تستعجلوا فى اشاعة الاخبار ايضا من غير اذن منه صلى الله عليه وسلم روى مسلم عن عمر بن الخطاب قال لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه دخلت المسجد فاذا الناس ينكتون بالحصا ويقولون طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتى لم يطلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ونزلت هذه الاية وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ الاية فكنت انا استنبط ذلك الأمر والله اعلم ولمّا ذكر الله سبحانه ما فعل المبطئون وما قالوا إذا جبنوا امر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالقتال ولو كان وحده ووعده بالنصر ونبه ان تقاعد عيره لا يضره ولا مؤاخذة عليه بفعل غيره فقال. فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وان قعدوا عن الجهاد وتركوك وحدك لا تُكَلَّفُ أنت إِلَّا نَفْسَكَ إلا فعل نفسك لا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم «2» قال البغوي ان النبي صلى الله عليه وسلم واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى فى ذى القعدة فلمّا بلغ الميعاد دعا الى الخروج

_ (1) فى الأصل بعض (2) اخرج ابن سعد عن خالد بن معدان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثت الى النّاس كافة فان لم يستجيبوا لى قالى العرب فان لم يستجيبوا لى فالى الفرس فان لم يستجيبوا لى فالى بنى هاشم فان لم يستجيبوا لى فالىّ وحدي منه رحمه الله-

[سورة النساء (4) : آية 85]

فكرهه بعضهم فانزل الله تعالى هذه الاية كذا اخرج ابن جرير عن ابن عباس «1» وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ على القتال إذ ما عليك الا البلاغ والتحريض عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا اى قتالهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بدر الصغرى فى سبعين راكبا وأنجز الله وعده فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وقد مرّ القصة فى ال عمران وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً صولة وأعظم سلطانا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) تعذيبا من قريش ومن غيرهم فيه تهديد لمن لم يتبع الرسول خوفا من الكفار قال البغوي الفاء فى قوله تعالى فقاتل جواب عن قوله وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ... فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ- والله اعلم-. مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً راعى بها حق مسلم ودفع بها عنه ضررا او جلب نفعا لوجه الله تعالى يَكُنْ لَهُ اى للشافع نَصِيبٌ مِنْها وهو ثواب الشفاعة قال مجاهد هى شفاعة بعضهم لبعض ويؤجر الشفيع على شفاعته وان لم يشفّع كذا روى ابن ابى حاتم «2» وغيره عن الحسن وعن ابى موسى قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل يسئل او طلب حاجة اقبل علينا بوجهه فقال اشفعوا توجرؤا ويقضى الله على لسان نبيه ما شاء متفق عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله رواه البزار عن ابن مسعود والطبراني عنه وعن سهل بن سعد- (فائدة) ومن الشفاعة الحسنة الدعاء لمسلم عن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا الرجل لاخيه بظهر الغيب قالت الملائكة أمين ولك بمثل ذلك، وقال ابن عبّاس الشفاعة الحسنة الإصلاح بين الناس وقيل هو حسن القول فى الناس ينال به الثواب والخير، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً الموجبة للحرمان وقال ابن عباس هى المشى بالنميمة وقيل هى الغيبة واساءة القول فى الناس ينال به الشرّ يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ اى حظ مِنْها اى من وزرها- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعان على قتل مؤمن بشرط كلمة لقى الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله رواه ابن ماجة وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85) قال ابن عباس اى مقتدرا من اقات على الشيء إذا قذر

_ (1) اخرج ابن ابى حاتم وابن عبد البر عن سفيان بن عيينة قال سمعت ابن شبرمة يقراها عسى الله ان يكف من بأس الذين كفروا قال سفيان وهى فى قرأته ابن مسعود منه (2) فى الأصل كذا ابن ابى حاتم

[سورة النساء (4) : آية 86]

واشتقاقه من القوت فانه يقوّى البدن وقال مجاهد شاهدا وقال قتادة حافظا وقيل مقيتا لكل حيوان اى معطيا له قوته-. وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ التحية مصدر حياك الله على الاخبار ثم استعمل للدعاء بذلك وكانت العرب تقول حياك الله اى أطال حياتك او نحو ذلك ثم أبدل ذلك بعد الإسلام بالسّلام وجعل الله تحية بيننا بالسّلام عن عمران بن حصين قال كنا فى الجاهلية نقول أنعم الله بك عينا وأنعم صباحا فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك رواه ابو داود وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلمّا خلقه قال اذهب فسلّم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاسمع ما يحيونك فانها تحيتك وتحيّة ذريتك فذهب فقال السّلام عليكم فقالوا السّلام عليك ورحمة الله قال فزادوه ورحمة الله متفق عليه فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها اى ردوا مثلها على حذف المضاف، الأمر للوجوب وكلمة او للتخيير فالواجب فى جواب السّلام ردّ مثلها لانه ادنى الامرين ويستحبّ الرد بأحسن منها بزيادة الرحمة والبركة- وكلما زاد فى السّلام او فى الجواب كان اكثر ثوابا وأفضل، عن عمران بن حصين ان رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم فرد عليه فجلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فقال عشرون ثم جاء اخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال ثلثون رواه الترمذي وابو داود وعن معاذ بن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد ثم اتى اخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال أربعون هكذا يكون الفضائل رواه ابو داود وقيل كمال الزيادة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته روى ان رجلا سلم على ابن عباس فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم زاد شيئا آخر فقال ابن عباس ان السلام انتهى الى البركة ذكره البغوي وروى احمد فى الزهد وابن ابى حاتم والطبراني فى الكبير وابن مردوية من حديث سلمان الفارسي ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم السلام عليك فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته وقال اخر السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال وعليك السلام قال الرجل نقصتنى فاين ما قال الله وتلا الاية فقال انك لم تترك لى فضلا فرددت عليك مثله ... ...

قلت وهذا الحديث يدل على ان قوله وعليك السّلام يكفى فى جواب من قال السّلام عليك ورحمة الله وبركاته اما لان المماثلة فى نفس السّلام يكفى وامّا لان اللام فى وعليك السلام للعهد فتضمن فى الجواب ما كان مذكورا فى كلام البادي بالسلام من الرحمة والبركة (مسئلة) وإذا سلم على جماعة وردّ واحد منهم يسقط عن الباقين لانه فرض كفاية كذا فى السراجية- عن على بن ابى طالب رضى الله عنه قال يجزى عن الجماعة إذا مروا ان يسلم أحدهم ويجزئ عن الجلوس ان يرد أحد هم ذكره البغوي فى المصابيح موقوفا ورواه البيهقي فى شعب الايمان مرفوعا وروى ابو داود وقال ورفعه الحسن بن على وهو شيخ ابى داود وامّا إذا سلّم على واحد من الجماعة بعينه فيقول يا فلان السلام عليك او عليكم فحينئذ يجب على ذلك الرجل الجواب ولا يسقط برد غيره من الجماعة وكذا لا يسقط عن الجماعة برد واحد من غيرهم، كذا فى بيان الاحكام- (مسئلة) البداية بالسّلام مسنون وهو احسن وأفضل عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا اولا أدلكم على شىء إذا فعلتم تحاببتم أفشوا السلام بينكم رواه مسلم، وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم البادي بالسلام برىء من الكبر رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اولى الناس بالله من بدا بالسلام رواه احمد والترمذي وابو داود وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما ان الرجل سال رسول الله صلى الله عليه وسلم اىّ الإسلام خير يعنى اىّ خصال الإسلام خير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تطعم الطعام وتقرا السلام على من عرفت ومن لم تعرف متفق عليه مسئلة- يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير روى الشيخان فى الصحيحين هذا اللفظ من حديث ابى هريرة مرفوعا وزاد البخاري فى رواية ويسلم الصغير على الكبير مسئلة ويسلم على الغلمان والنساء لحديث انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على غلمان فسلم عليهم متفق عليه، وحديث جرير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على نسوة فسلم عليهن رواه احمد وفى فتاوى الغرائب ان السّلام يكره على المرأة الشابّة والأمر دوان سلما لا يجب الجواب قلت وهذا ... ...

عند خوف الفتنة (مسئلة:) ويسلم على اهل بيته حين يدخل عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بنى إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى اهل بيتك رواه الترمذي (مسئلة) وان دخل بيتا ليس فيها أحد فليقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فان الملائكة يردون عليه كذا فى الشرعة قال الله تعالى فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً، (مسئلة:) يسن السّلام قبل الكلام لحديث جابر مرفوعا السّلام قبل الكلام رواه الترمذي (مسئلة:) وسن ان يسلم على الأخ المسلم كلما لقيه وان حالت بينهما شجرة او جدار جدّد السلام عليه لحديث ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا لقى أحدكم أخاه فليسلم عليه فان حالت بينهما شجرا وجدارا وحجر ثم لقيه فليسلم عليه رواه ابو داود (مسئلة:) ويسن السلام ايضا عند الوداع عن قتادة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلتم بيتا فسلّموا على اهله فاذا خرجتم فاودعوا اهله بالسلام رواه البيهقي فى الشعب مرسلا وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا انتهى أحدكم الى مجلس فليسلّم فان بدا له ان يجلس فليجلس ثم إذا قام فليسلم فليست الاولى بأحق من الاخرة رواه الترمذي وابو داود (مسئلة:) إذا بلّغ رجل بتسليم من الغائب فليقل للمبلغ عليك وعليه السّلام روى غالب عن أبيه عن جدّه قال بعثني ابى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اتيه فاقرأه السّلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك وعلى أبيك السّلام رواه ابو داود (مسئلة:) لا يجوز البداية السّلام على الكفار لقوله صلى الله عليه وسلم لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام فاذا لقيتم أحدهم فى طريق فاضطروه الى أضيقه رواه مسلم عن ابى هريرة وان كان فى القوم اختلاط «1» من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود يسلم عليهم رواه الشيخان من حديث اسامة بن زيد مرفوعا لكن ينوى بالسلام المسلمين منهم كيلا يلزم بداية السّلام على الكافر مسئلة: لا بأس برد السلام على اهل «2» الذمّة لكن لا يزيد على قوله وعليك لقوله صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا وعليكم متفق عليه عن انس- (مسئلة:) لا يجب رد السّلام فى الصلاة والخطبة بل لا يجوز ويبطل

_ (1) فى الأصل اخلاط- (2) قال ابن عباس من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وان كان يهوديا او نصرانيا او مجوسيا ذلك بان الله يقول إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ الاية رواه ابن ابى شيبة والبخاري فى الأدب المفرد وغيرهما منه رحمه الله

[سورة النساء (4) : آية 87]

صلاته ولا يجب فى قراءة القران جهرا ورواية الحديث ومذاكرة العلم والاذان والاقامة وجاز جوابه فى تلك المواضع إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) اى محاسبا مجازيا وقال مجاهد حفيظا يعنى يحاسب الله تعالى على كل شىء من حقوق العباد كالسّلام وتشميت العاطس وغير ذلك عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمن على المؤمن ست خصال يعوده إذا مرض ويشهده إذا مات ويجيبه إذا دعاه ويسلم عليه إذا لقيه ويشمّته إذا عطس وينصح له إذا غاب او شهد رواه النسائي وروى الترمذي والدارمي عن على عليه السلام نحو ذلك وذكر السادس ويحبّ له ما يحبّ لنفسه ولم يذكر وينصح له والمال واحد وعن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وإياكم والجلوس بالطرقات فقالوا ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها قال فاذا أبيتم الّا المجلس فاعطوا الطريق حقه قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غضّ البصر وكف الأذى وردّ السلام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر متفق عليه وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فى هذه القصّة قال وارشاد السبيل رواه ابو داود وعن عمر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فى هذه القصّة قال وتعينوا الملهوف وتهدوا الضال رواه ابو داود (مسئلة) ومن تمام التحية المصافحة والمعانقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام تحيّاتكم بينكم المصافحة رواه احمد والترمذي عن ابى امامة- وعن ابى ذرّ قال ما لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا صافحني وبعث الىّ ذات يوم ولم أكن فى أهلي فلما جئت أخبرت فاتيته وهو على سرير فالتزمنى وكانت تلك أجود وأجود رواه ابو داود وعن الشعبي ان النبي صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن ابى طالب فالتزمه وقبّل ما بين عينيه رواه ابو داود والبيهقي فى الشعب مرسلا وفى شرح السنة عن البياضي متصلا وكذا روى فى شرح السنة عن جعفر بن ابى طالب قال تلقانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقنى وعن عطاء الخراسانى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تصافحوا يذهب الغلّ وتهادّوا تحابوا وتذهب الشحناء رواه مالك مرسلا وعن البراء بن عازب المسلمان إذا تصافحا لم يبق بينهما ذنب إلا سقط رواه البيهقي فى شعب الايمان-. اللَّهُ مبتدا لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اما خبر مبتدا والجملة معترضة مؤكدة لتهديد قصد ... ...

[سورة النساء (4) : آية 88]

بما قبلها وما بعدها وقوله تعالى لَيَجْمَعَنَّكُمْ خبر بعد خبر عديل لقوله تعالى حسيبا او يقال الله مبتدا والتهليل جملة معترضة وخبر المبتدا ليجمعنكم اى والله ليحشرنهم من القبور إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ اى مفضين اليه او فى يوم القيامة والقيام والقيامة كالطلاب والطلابة وهى قيامهم للحساب لا رَيْبَ فِيهِ اى فى اليوم او فى الجمع حال من اليوم او صفة للمصدر اى جمعا وَمَنْ أَصْدَقُ يعنى لا أحد اصدق مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) قولا هذه الجملة بمنزلة التعليل لقوله لا ريب فيه فانّ اخباره تعالى لا يحتمل تطرق الكذب اليه بوجه من الوجوه لانه نقص مستحيل على الله تعالى فما ثبت بقوله تعالى فهو حق لا ريب فيه قرا حمزة والكسائي اصدق وكل صاد ساكنة بعدها دال بإشمام الزاء- اخرج البخاري وغيره عن زيد بن ثابت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج الى أحد رجع ناس ممّن خرج معه فكان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فرقة تقول نقاتلهم وفرقة تقول لا نقاتلهم فنزلت. فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ قوله «1» فئتين حال عاملها الظرف المستقر يعنى لكم او معنى الفعل اى ما تصنعون حال كونكم فئتين وفى المنفقين حال من فئتين اى متفرقين فيهم او من الضمير اى فما لكم تفترقون فيهم ومعنى الافتراق يستفاد من فئتين والفاء للتفريع على كونه تعالى اصدق حديثا يعنى فما لكم تختلفون فيه لم لا تفوضون الأمر الى من هو اصدق حديثا فاعتقدوا بما أخبركم وامتثلوا بما يأمركم واخرج سعيد بن منصور وابن ابى حاتم عن سعد بن معاذ قال خطب «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من لى بمن يوذينى ويجمع فى بيته من يوذينى فقال سعد بن معاذ ان كان من الأوس قتلناه وان كان من إخواننا من الخزرج امرتنا فاطعناك فقام سعد بن عبادة فقال ما بك يا ابن معاذ طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد عرفت ما هو منك فقام أسيد بن حضير فقال انك

_ (1) نقل الناسخ فى الأصل على حاشيته حديثا انها طيبة إلخ وأشار ان موضعه بعد قوله تعالى فِئَتَيْنِ فنقله الناقلون هاهنا لكن السياق السياق يأتى عن ذلك وعندى ان موضع هذا الحديث بعد قول الرجال الذين خرجوا من المدينة شاكين من وبائها وحماها او بعد قول ناس من قريش ولكنا اجتوينا المدينة إلخ فلهذا الوجه نقلناه على حاشية ص 834 2 بو محمد عفا الله عنه- (2) واخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن اسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال كيف ترون فى الرجل يجادل بين اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسئ القول لاهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد برّاها الله ثم قرا ما انزل الله فى براءة عائشة فنزل القران فى ذلك فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ منه رحمه الله [.....]

[سورة النساء (4) : آية 89]

يا ابن عبادة منافق وتحبّ المنافقين فقام محمد بن مسلمة فقال اسكتوا ايها الناس فانّ بيننا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأمرنا فننفذ امره فانزل الله تعالى هذه الاية واخرج احمد عن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ان قوما من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فاثابهم وباء المدينة وحماها فاركسوا وخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من الصحابة فقالوا ما لكم رجعتم قالوا أصابنا وباء المدينة «1» فقالوا ما لكم فى رسول الله أسوة حسنة فقال بعضهم نافقوا وقال بعضهم لم ينافقوا فانزل الله تعالى هذه الاية وفى اسناده تدليس وانقطاع قال البغوي قال مجاهدهم قوم خرجوا الى المدينة واسلموا ثم ارتدوا واستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فخرجوا وأقاموا بمكة فاختلف المسلمون فيهم فقيل هم منافقون وقيل هم مؤمنون وقال بعضهم هم ناس من قريش قدموا المدينة واسلموا ثم ندموا على ذلك فخرجوا كهيئة المتنزهين حتى تباعدوا من المدينة فكتبوا الى رسول الله صلى الله انا على الذي فارقناك عليه من الايمان ولكنا اجتوينا المدينة واشتقنا الى ارضنا ثم انهم خرجوا فى تجارة لهم نحو الشام فبلغ ذلك المسلمين فقال بعضهم نخرج إليهم فنقتلهم ونأخذ ما معهم لانهم رغبوا عن ديننا وقالت طائفة كيف تقتلون قوما على دينكم بان لا يذروا ديارهم فنزلت وقال بعضهم هم قوم اسلموا بمكة ولم يهاجروا وكانوا يظاهرون المشركين فنزلت وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ اى ردّهم الى الكفر اصل الركس ردّ الشيء مقلوبا بِما كَسَبُوا اى عملوا الردة واللحوق بدار الحرب أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ اى تجعلوه من المهتدين او تقولوا هؤلاء مهتدون وقد أضلّهم الله وفى الاية دليل على ان خالق افعال العباد هو الله تعالى والكسب من العبد وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) طريقا الى الحقّ-. وَدُّوا تمنوا أولئك الذين رجعوا الى الكفر لَوْ يعنى ليتكم تَكْفُرُونَ بيان للوداد كَما كَفَرُوا اى كفرا ككفرهم فَتَكُونُونَ سَواءً مستوين معهم فى الضلال عطف على تكفرون ولو نصب على جواب التمني لجاز من جهة النحو لكنه لا يجوز لانه لم يرد فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ منع عن موالاتهم حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ معكم

_ (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انها طيبة وانها تتفى الخبث كما تنفى النار خبث الفضة منه رح

[سورة النساء (4) : آية 90]

بعد ايمانهم صابرا محتسبا لا لغرض من اغراض الدنيا قال عكرمة الهجرة على ثلاثة أوجه هجرة المؤمنين فى اوّل الإسلام وهجرة المنافقين وهى الخروج فى سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صابرا محتسبا وهجرة سائر المؤمنين عمّا نهى الله عنه فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الايمان او عن الهجرة بعد الايمان فان الهجرة يومئذ كانت فريضة فَخُذُوهُمْ أسارى وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ كسائر الكفرة وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا كرّر النهى عن الولاية للتأكيد او يقال السابق نهى عن اتخاذهم اولياء قبل الاخذ وهذا عن موالاتهم بعد الاخذ وَلا نَصِيراً (89) وهذا دليل على عدم جواز الاستنصار بالكفار ذكر الزهري ان الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع ابن أبيّ عن أحد فى الاستعانة بحلفائهم من يهود المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبيث لا حاجة لنا بهم. إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ استثناء من قوله فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ فان قيل ما وجه صحة الاعتراض بين المستثنى والمستثنى منه مع انه لا مدخل له فى الاستثناء قلنا قوله تعالى لا تتخذوا ذكر تأكيدا للقتل كانه قيل فاقتلوهم ولا تتركوا قتلهم بطمع الولاية والنصرة والمعنى الّا الذين يتصلون وينتهون إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ قال البغوي وهم الاسلميون وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وادع هلال بن عويمر الأسلمي قبل خروجه الى مكة ان لا يعينه ولا يعين عليه ومن وصل الى هلال من قومه وغيرهم ولجاء اليه فلهم من الجوار مثل ما لهلال كذا روى ابن ابى حاتم عن مجاهد واخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية عن الحسن ان سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال لمّا ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على اهل بدر وأحد واسلم من حولهم قال سراقة بلغني انه يريدان يبعث خالد بن الوليد الى قومى بنى مدلج فاتيته فقلت أنشدك النعمة بلغني انك تريد ان تبعث الى قومى وانا أريد ان توادعهم فان اسلم قومك اسلموا ودخلوا فى الإسلام وان لم يسلموا لم يخشين مغلوب قومك عليهم فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد فقال اذهب معهم فافعل ما تريد فصالحهم خالد على ان لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وان أسلمت قريش اسلموا معهم وانزل الله إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فكان من وصل إليهم كان منهم على عهدهم واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال نزلت إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ... ...

[سورة النساء (4) : آية 91]

مِيثاقٌ فى هلال بن عويمر الأسلمي وسراقة بن مالك المدلجي وفى بنى خزيمة بن عامر بن عبد مناف وقال الضحاك عن ابن عباس هم بنو بكر بن زيد مناة كانوا فى الصلح والهدنة وقال مقاتل هم خزاعة أَوْ جاؤُكُمْ عطف على الصلة اى الا الذين وصلوا الى قوم او جاءوكم او الا الذين يصلون الى قوم او يجيئونكم او عطف على صفة قوم يعنى الا الذين يصلون الى قوم معاهدين او قوم كافين عن القتال والاول اظهر لقوله فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فان ترك التعرض للاعتزال عن القتال لا للاتصال بالمعتزلين حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ حال بإضمار قد او بيان لجاءوكم وقيل صفة لمحذوف اى جاءوكم قوما حصرت اى ضاقت صدورهم أَنْ يُقاتِلُوكُمْ اى عن ان أو لأن او كراهة ان يقاتلوكم أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ يعنى ضاقت صدورهم عن قتالكم للعهد الذي بينكم وبينهم وعن قتال قومهم قريشا معكم وهم بنوا مدلج كانوا عاهدوا ان لا يقاتلوا المسلمين وعاهدوا قريشا ان لا يقاتلوهم نهى الله تعالى عن قتال المرتدين إذا لحقوا بالمعاهدين لان من انضمّ الى قوم معاهدين فلهم حكمهم فى حقن الدّماء لان قتالهم يستلزم قتال المعاهدين ولا يجوز ذلك وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ بازالة الرعب عنهم فَلَقاتَلُوكُمْ ولم يكفوا عنكم، أعاد اللام تنبيها على انه جواب مستقل ويس المجموع جوابا واحدا فانّ التسليط لا يستلزم المقاتلة بل بعد التسليط يتوقف المقاتلة على مشية الله تعالى وفى هذه الاية اشارة الى منة الله تعالى على المؤمنين حيث القى الرعب فى قلوب أعدائهم فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ اى اعتزلوا قتالكم فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ الصلح والانقياد فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) طريقا الى الاخذ والقتل وذلك الطريق هو اباحة دمائهم-. سَتَجِدُونَ قوما آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ فلا تتعرضوا لهم وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ فلا يتعرضوا لهم قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس هم اسد وغطفان كانوا حاضرى المدينة تكلموا بالإسلام رياء وهم غير مسلمين وكان الرجل يقول له قومه بماذا أسلمت فيقول امنت بهذا القرد وبهذا العقرب والخنفساء وإذا لقوا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا انا على دينكم يريدون بذلك الامن من الفريقين كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ ... ...

اى دعوا الى الكفر او الى قتال المسلمين أُرْكِسُوا فِيها اى قلبوا وأعيدوا فى الفتنة أقبح قلب وإعادة فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ عطف على يعتزلوا وَكذا قوله يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ اى ان لم يعتزلوا قتالكم ولم ينقادوا لكم بطلب الصلح ولم يكفوا أيديهم عن الشر فَخُذُوهُمْ أسارى وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ اى حيث مكنتم منهم وظفرتم بهم وَأُولئِكُمْ اى اهل هذه الصفة جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (91) اى حجة ظاهرة اذنا بالقتل والقتال لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم فى الكفر والغدر والإضرار بالمسلمين- والله اعلم قال البغوي ان عياش بن ربيعة المخزومي انى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة فاسلم ثم خاف ان يظهر إسلامه لاهله فخرج هاربا الى المدينة وتحصن فى أطم من اطامها فجزعت امه لذلك جزعا شديدا وقالت لا بنيها الحارث وابى جهل ابني هشام وهما أخواه لامه والله لا يظلنى سقف ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى تأتونى به فخرجا فى طلبه وخرج معهما الحارث بن زيد بن ابى انيسة حتى أتوا المدينة فاتوا عياشا وهو فى الأطم وقالا له انزل فان امّك لم يؤويها سقف بيت بعدك وقد خلفت ان لا تأكل طعاما ولا شرابا حتى ترجع إليها ولك الله علينا لانكرهك على شىء ولا نحول بينك وبين دينك فلما ذكروا له جزع امّه وأوثقوا بالله نزل إليهم وأخرجوه من المدينة ثم أوثقوه «1» بنسعة فجلده كل واحد منهم مائة جلدة ثم قدموا به على امه فلما أتاها قالت والله لا أخليك من وثاقك حتى تكفر بالذي امنت به ثم تركوه موثقا مطروحا فى الشمس ما شاء الله فاعطاهم الذي أرادوا فاتاه الحارث بن زيد فقال يا عياش اهذا الذي كنت عليه فو الله لان كان هدى لقد تركت الهدى ولئن كان ضلالة لقد كنت عليها فغضب عياش من مقالته فقال والله لا ألقاك خاليا ابدا الّا قتلتك ثم انّ عيّاشا اسلم بعد ذلك وهاجر ثم اسلم الحارث بن زيد بعده وهاجر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عياش حاضرا يومئذ ولم يشعر بإسلامه فبينا عيّاش يسير بظهر قبا إذ لقى الحارث فقتله فقال الناس ويحك اى شىء صنعت انه قد اسلم فرجع عياش

_ (1) النسعة بالكسر سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره وقد ينسج عريضة على صدر البعير- نهاية يعنى نوادر منه رحمه الله

[سورة النساء (4) : آية 92]

الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله قد كان من امرى وامر الحارث ما قد علمت وانى لم أشعر بإسلامه حتى قتلته واخرج ابن جرير عن عكرمة قال كان الحارث بن زيد بن عامر بن لوى يعذب عياش بن ابى ربيعة مع ابى جهل ثم خرج الحارث مهاجرا الى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه عياش بالحرة فقتله بالسيف وهو يحسب انه كافر ثم جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت. وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً الاية واخرج نحوه عن مجاهد والسدى واخرج ابن إسحاق وابو يعلى والحارث بن ابى اسامة وابو مسلم الكحى عن القاسم بن محمد نحوه واخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه ومعنى الاية ما كان لمؤمن من حيث انه مؤمن اى ما وقع له ولا يقع عنه ولا يوجد ولا يحصل على يديه ان يقتل مؤمنا بغير حق فان ذلك من أعظم محظورات دينه وإيمانه مانع عنه فهو اخبار بعدم صدور قتل المؤمن من المؤمن والمقصود منه المبالغة كانه نزل ايمان من قتل مؤمنا متعمدا لكمال نقصانه منزلة العدم وهو المعنى من قوله صلى الله عليه وسلم لا يقتل حين يقتل وهو مؤمن رواه البخاري عن ابن عباس مرفوعا وفى الصحاح ان الشيء إذا كان وصفا لازما لشىء قليل الانفكاك عنه يستعمل هناك كان كما فى قوله تعالى كانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ... ، كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً قلت فعلى هذا إذا كان الشيء منفكا عنه غالبا نادر الحصول او عديم الحصول يستعمل هناك ما كان كما فى قوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ مع ان الله تعالى عذبهم يوم أحد بالقتل والهزيمة حين اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا من مخالفة امر النبي صلى الله عليه وسلم وقيل هو نفى ومعناه النهى كما فى قوله تعالى ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِلَّا خَطَأً منصوب على الحالية او العلية او المصدرية يعنى كائنا على اىّ حال الا خاطئا او لاجل شىء الا للخطأ او قتلا الا قتلا خطأ فالاستثناء مفرغ وجاز ان يكون استثناء من قوله لمؤمن، لا يقال المختار حينئذ الجرّ مع ان القراء اتفقوا على النصب لان المختار مع الفصل الكثير بين المستثنى والمستثنى منه النصب على الاستثناء صرح به الشهيد ووافقه الرضى وجاز ان يكون الاستثناء منقطعا لان قوله ان يقتل يدل على قتل العمد كما هو شأن الافعال الاختيارية فقتل الخطأ غير داخل فيما سبق والمعنى لكن ان قتله ... ...

خطأ فجزاؤه كذلك وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً اعلم ان القتل نوعان قتل عمد وقتل خطأ وقد ذكرنا تفسير العمد على اختلاف الأقوال وحكمه من القصاص ووجوب المال وكيفية القصاص فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، بقي الكلام هناك فى انه هل تجب الكفارة فى قتل العمد أم لا فقال ابو حنيفة ومالك لا تجب وقال الشافعي تجب وعن احمد روايتان كالمذهبين قال الشافعي وجبت الكفارة فى القتل خطأ بهذه الاية فتجب بالقتل عمدا بالطريق الاولى وعن واثلة بن الأسقع قال اتينا النبي صلى الله عليه وسلم فى صاحب لنا قد استوجب النار بالقتل فقال أعتقوا عنه رقبة يعتق لكل عضو منه عضوا منه من النار كذا ذكره الرافعي قلنا الحديث رواه احمد وابو داود والنسائي وابن حبان والحاكم ولفظهم قد استوجب فقط ولم يقولوا النار بالقتل فلا حجة فيه ودلالة النصّ ممنوع لان القتل عمدا كبيرة محضة لا يمكن الطهارة عنه بالكفارة ولو كان كذلك لا نفتح باب القتل عمدا بخلاف الخطأ فانه دائر بين العصيان بترك الحزم وإتيان المباح فيمكن الطهارة منه بامر دائر بين العبادة والعقوبة وهذا هو الفرق بين اليمين الغموس والمنعقدة فى وجوب الكفارة فى الثاني دون الاول عندنا «1» وامّا القتل خطأ فعلى اقسام أحدها شبيه العمد واختلفوا فى تفسيره فقال ابو حنيفة هو القتل عمدا بما ليس موضوعا للقتل وقال ابو يوسف ومحمد هو القتل عمدا بما يلبث غالبا وقال الشافعي هو ضربه عمدا ضربا لا يموت به غالبا فمات فمن ضرب سوطا او سوطين عمدا فمات فهو شبيه العمد بالاتفاق ومن ضرب بسوط صغير ووالى حتى مات فهو عمد عند الشافعي وشبيه بالعمد عند ابى حنيفة وصاحبيه ومن ضرب بحجر عظيم او خشبة عظيمة لا تلبث غالبا فهو عمد عند الكل وشبيه بالعمد عند ابى حنيفة قال ابو حنيفة لا قصاص ولو رماه بابا قبيس وما هو شبيه بالعمد فى النفس فهو عمد فيما دون النفس اجماعا احتج ابو حنيفة بقوله

_ (1) ولنا ايضا على عدم الكفارة فى القتل عمدا واليمين الغموس ما رواه ابن ابى شبية والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لقى الله لا يشرك به شيئا وادي ركوة ماله طيبة نفسه محتسبا وسمع وأطاع فله الجنة وخمس ليس لهن كفارة قتل النفس بغير حق وبهت مؤمن والفرار من الزحف ويمين صابرة يقطع بها ما لا بغير حق منه رحمه الله

صلى الله عليه وسلم الا ان قتل الخطأ شبه العمد قتل السوط والعصا وسيأتى وجه الاحتجاج ان السوط والعصا يعم الصغير والكبير قال الجمهور العصا لا يطلق الا على الصغير عرفا والله اعلم، وثانى انواع الخطأ ما اخطأ فى القصد وهو ان يرمى شخصا يظنه صيدا فاذا هو آدمي او حربيّا فاذا هو مسلم وثالثها ما اخطأ فى الفعل وهو ان يرمى غرضا فاصاب مؤمنا، رابعها ما اجرى مجرى الخطأ مثل النّائم ينقلب على رجل مؤمن فقتله خامسها القتل بالتسبيب كحافر بئر وواضع حجر فى غير ملكه وحكم جميع الاقسام المذكورة وجوب الدية على العاقلة اجماعا لانه قتل لم يجب فيه القصاص فوجب الدية تحرّزا عن اهدار دم معصوم وايضا حكم جميعها وجوب الكفارة على القاتل وحرمانه عن الإرث اجماعا الا عند ابى حنيفة فى القتل بالتّسبيب لانه ليس بقتل حقيقة لانه تصرف فى الجثة ولم يوجد وانما وجد التصرف فى محل اخر ووجه قول الجمهور ان الشرع أنزله قاتلا حتى وجبت الدية اجماعا فعموم قوله تعالى وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ يقتضى وجوب الكفارة ايضا كيف ومقتضى الاية ان الدية قد يجب فى القتل وقد لا يجب بخلاف الكفارة فانه يجب لا محالة وايضا الكفارة لدفع الإثم فالقول بوجوب الكفارة على النائم إذا انقلب على رجل فقتله مع انه صلى الله عليه وسلم قال رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى استيقظ الحديث وعدم وجوبها على من حفر بيرا فى غير ملكه ظلما حتى مات بالوقوع فيه مؤمن غير مرضى (مسئلة:) وفى رواية عن ابى حنيفة لا يجب الكفارة فى الشبيه بالعمد ذكر فى الكفاية شرح الهداية انه قال الجرجاني وحدت رواية عن أصحابنا ان الكفارة لا يجب فى شبه العمد، قلت وهذا هو الأظهر لان القصاص انما سقط هناك بشبهة من جهة الآلة واما المعصية فكمالها انما يبتنى على القصد فى قتل المؤمن فاذا كان بالقصد فهو كبيرة محضة بل أقبح من القتل بالسّيف الا ترى انه لا يجوز قتل من وجب قتله بالقصاص الا بالسّيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله كتب الإحسان على كل شىء فاذا قتلتم فاحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة وليحد شفرته وليرح ذبيحته رواه احمد ومسلم واصحاب السنن الاربعة من حديث شدّاد بن أوس وقوله تحرير رقبة خبر مبتدا محذوف تقديره فجزاؤه تحرير رقبة واجب على القاتل والتحرير الاعتاق والحر العتيق الكريم من الشيء، ... ...

قال فى القاموس الحر خيار كل شىء سمى به لان الكرم والخير فى الأحرار والرقبة عبر بها عن النسمة كما عبر عنها بالرأس وتحرير الرقبة يقتضى ان يكون كاملا فى الرقبة فلا يجوز اعتاق أم الولد حيث استحقت العتق ولا يجوز بيعها قال عليه السلام أعتقها ولدها وكذا لا يجوز اعتاق المدبّر عند ابى حنيفة ويجوز عند الشافعي حيث لا يجوز بيعه عند ابى حنيفة ويجوز عند الشافعي ويجوز اعتاق المكاتب ما لم يؤد شيئا عند ابى حنيفة لان الكتابة يحتمل الفسخ برضائهما ولا يجوز عند الشافعي كما لا يجوز عتق من ادى بعض مكاتبته اتفاقا ولا يجوز اعتاق المجنون والأعمى والأخرس والاصمّ الذي لا يسمع أصلا ومقطوع اليدين او الرجلين او يد ورجل من جانب واحد لان فائت جنس المنفعة كالهالكة معنى ويجوز اعتاق مقطوع أحد اليدين واحد الرجلين من خلاف والأعور والأعمش والأبرص والارمد لانه ناقص المنفعة لا فائدة به ويجوز اعتاق العنين والحصى والمجبوب لان منفعة النسل زائد على ما يطلب من المماليك وكذا يجوز اعتاق الامة الرتقاء والقرناء لبقاء منفعة الاستخدام (مسئلة:) يشترط لوجوب الكفارة ان يكون القاتل عاقلا بالغا مسلما لانها عبادة فيشترط لها ما يشترط لسائر العبادات وقال الشافعي لا يشترط شيئا من ذلك قياسا على ضمان الأموال كالدية قلنا هذا قياس مع الفارق (مسئلة:) يشترط للكفارة عند الشافعي رحمه الله الاعتاق باختياره فلو اشترى أباه بنية الكفارة لا يجوز عنده وعند ابى حنيفة يشترط اقتران النية بسبب اختياري موجب للعتق فيجوز عنده إذا نوى الكفارة عند شراء قريبه وكذا إذا وهب له او اوصى له ونوى ولو ورث أباه او ابنه ونوى الكفارة عند ذلك لا يجوز اجماعا مُؤْمِنَةٍ اجمعوا على اشتراط الايمان فى كفّارة القتل بناء على هذا النصّ دون كفارة اليمين والظهار والصوم لكن يكفى ان يكون محكوما بإسلامها فلو أعتق صغيرا أحد أبويه مسلم جاز وروى ابن المنذر وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يعنى بالمؤمنة من قد عقل الايمان وصام وصلى وكل رقبة فى القران لم تسم مؤمنة؟؟؟ يجوز المولود فما فوقه ممن ليس له امانة، كذا اخرج عبد الرزاق عن قتادة وقال فى حرف أبيّ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لا يجزى فيها صبىّ- وَدِيَةٌ عطف على تحرير رقبة يعنى جزاؤه دية قال فى القاموس الدية بالكسر حق القتيل وهى مجملة فى المقدار ومن يجب عليه بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم (مسئلة:) يجب الدية على العاقلة والقاتل كاحدهم عند ابى حنيفة وعند الشافعي لا يجب على القاتل شىء منها وهذا يعنى وجوب الدية على العاقلة وان كان غير ظاهر الاستنباط من القران لكنه ثبت بالسنة ... ...

المشهورة والإجماع عن ابى هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الاخرى بحجر فقتلتها وما فى بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان دية جنينها غرة عبدا ووليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وفى لفظ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة وغرة لما فى بطنها وأحاديث الآحاد بمصاعدة الإجماع يقوى قوة الكتاب روى البيهقي من طريق الشافعي انه قال وجدنا عامّا فى اهل العلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فى جناية الحر المسلم على الحرّ خطأ مائة من الإبل على عاقلة الجاني وعامّا فيهم ايضا انها فى ثلاث سنين فى كل سنة ثلثها، وروى البيهقي من طريق ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب قال من السنة ان تنجم الدية فى ثلاث سنين وممّا حكى عن الشافعي يستفاد الإجماع كذا نقل الترمذي فى جامعه وابن المنذر وروى ابن ابى شيبة وعبد الرزاق والبيهقي من طريق الشعبي عن عمر وهو منقطع ان عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة فى ثلاث سنين وجعل نصف الدية فى سنتين وما دون النصف فى سنة، وكذا روى البيهقي ايضا عن على من رواية يزيد بن ابى حبيب وهو منقطع وفيه ابن لهيعة- (مسئلة) لا يجب على العاقلة ما يجب من المال فى قتل العمد بالصلح او بعفو بعض الورثة او غير ذلك بل فى مال القاتل وايضا لا يجب على العاقلة ما ثبت بإقرار القاتل ولا فى قتل العبد سواء كان العبد قاتلا او مقتولا وكل ذلك فى مال الجاني روى الدار قطنى والطبراني فى مسند الشاميين من حديث عبادة «1» بن الصّامت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئا واسناده واه فيه محمد بن سعيد كذاب والحارث بن نبهان منكر الحديث وروى الدارقطني والبيهقي عن عمر موقوفا العبد والعمد والصلح والاعتراف لا يعقله العاقلة وهو منقطع وفى اسناده عبد الملك بن حسين ضعيف قال البيهقي والمحفوظ عن عامر عن الشعبي من قوله وروى البيهقي عن ابن عباس لا يحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك وفى المؤطا عن الزهري مضت السنة ان العاقلة لا يحمل شيئا من ذلك وروى البيهقي عن ابى الزناد عن الفقهاء من اهل المدينة نحوه، (مسئلة:) العاقلة قبيلته وعصباته عند الشافعي وعند ابى حنيفة اهل ديوانه فان لم يكن من اهل الديوان فقبيلته ويضم الأقرب فالاقرب وللمعتق عاقلة المعتق ولمولى الموالاة مولاه وعاقلة مولاه (مسئلة) لا يزاد على رجل واحد

_ (1) فى الأصل عبادة الصامت-

من العاقلة على اربعة دراهم فى كل سنة عند ابى حنيفة وفى رواية عنه فى ثلاث سنين على اربعة دراهم وقال الشافعي على نصف دينار (مسئلة:) ومن لا عاقلة له فدية مقتوله فى بيت المال، (فصل) فى مقدار الدية (مسئلة) : اجمعوا على ان فى شبيه العمد دية مغلظة وهو الواجب فى العمد إذا سقط القصاص بعارض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عقل شبه العمد مغلّظا مثل قتل العمد ولا يقتل صاحبه وذلك ان ينزو الشيطان بين الناس فيكون رميا فى عميا فى غير فتنة ولا سلاح رواه احمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفى غيرها من انواع الخطاء دية مخففة ولا تغليظ الا فى الإبل توقيفا والدية المغلظة عند ابى حنيفة وابى يوسف مائة من الإبل ارباعا خمس وعشرون بنت مخاض وكذا بنت لبون وكذا حقة وكذا جزعة وعند محمد والشافعي وغيرهما ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وأربعون ثنية كلها خلفات فى بطونها أولادها احتج الشافعي ومن معه بحديث عبد الله بن عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الا انّ دية قتل شبه العمد قتل السّوط والعصا فيه مائة منها أربعون فى بطونها أولادها رواه احمد وابو داؤد والنسائي وصحّحه ابن حبّان وروى الترمذي وابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عبد الله بن عمرو من قتل متعمدا سلّم الى اولياء المقتول فان أحبوا قتلوا وان احبّوا أخذوا العقل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين «1» خلفة فى بطونها أولادها وعن عبادة بن الصّامت الا ان فى الدية العظمى مائة من الإبل منها أربعون خلفة فى بطونها أولادها رواه الدارقطني والبيهقي وفى اسناده انقطاع قال ابو حنيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفس المؤمن مائة من الإبل وكون الناقة ذات حمل فى بطنها ولدها لا يعلم يقينا ولو علمت فالحمل حيوان من وجه وله عرضة الانفصال ففى إيجاب الخلفات الحاملات إيجاب للزيادة على ما قدره الشرع يعنى المائة وهذا استدلال فى مقابلة النصّ والظاهر ان المراد بكونها فى بطنها ولدها صلاحها لذلك والله اعلم (مسئلة:) والدية المخففة من الإبل أخماس فعند ابى حنيفة واحمد عشرون جذعة وعشرون حقة وعشرون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعند مالك والشافعي كذلك لكن ابن لبون مكان ابن مخاض، والحجة لابى حنيفة واحمد ما روى احمد واصحاب السّنن والبزار والدارقطني والبيهقي من حديث حجاج بن ارطاة

_ (1) فى الأصل أربعون

عن زيد بن جبير عن حشف بن مالك عن ابن مسعود قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض ذكور وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة واحتج مالك والشافعي بما رواه الدارقطني عن ابى عبيدة ان أباه يعنى ابن مسعود قال دية الخطأ أخماس عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات مخاض وعشرون بنات لبون وعشرون أبناء لبون ذكور قال الدارقطني هذا اسناد حسن ورواته ثقات وامّا حديث حشف بن مالك فضعيف غير ثابت عند اهل المعرفة بوجوه أحدها انه مخالف لما رواه ابو عبيدة عن أبيه بالسند الصحيح وابو عبيدة اعلم بحديث أبيه ومذهبه من حشف بن مالك وابن مسعود اتقى لربّه وأشحّ على دينه من ان يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قضى يقضاء ويفتى بخلافه قال وحشف رجل مجهول لم ير وعنه الّا زيد بن جبير ثم لا يعلم أحد رواه عن زيد غير الحجاج بن ارطاة وهو رجل مدلس ثم قد رواه عن الحجاج أقوام فاختلفوا عنه، وقال ابن الجوزي يعارض قول الدارقطني هذا ان أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فكيف جاز له ان يسكت عن ذكر هذا وكيف يقال عن الثقة مجهول واشتراط المحدثين ان يروى عنه اثنان لا وجه له وقال الحافظ ابن حجر تعقب البيهقي الدارقطني وقال وهم الدارقطني فيه والجواد قد يغتر قال وقد رايته فى جامع سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم عن عبد الله، وعن ابى اسحق عن علقمة عن عبد الله، وعن عبد الرحمن بن يزيد بن هارون عن سليمان التيمي عن ابى مجلد عن ابى عبيدة عن عبد الله وعند الجميع بنى مخاض والله اعلم، (مسئلة) والدية من الذهب الف دينار ومن الورق اثنا عشر الف درهم عند احمد وقال ابو حنيفة عشرة آلاف درهم وقال الشافعي الأصل الإبل فان عدمت فعلى قولين أحدهما يعدل الى الف دينار او اثنى عشر الف درهم والثاني الى قيمتها حين القبض زائدة وناقصة والدية من الذهب الف دينار يثبت من حديث ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وسنذكره وفى المدية من الورق حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه جعل الدية اثنى عشر الفا رواه اصحاب السّنن من حديث عكرمة واختلف فيه على عمرو بن دينار فقال محمد بن مسلمة الطائفي عنه عن عكرمة عن ابن عبّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال سفيان بن عيينة ... ...

عن عمرو بن دينار عن عكرمة مرسلا كذا رواه عبد الرزاق فى مصنفه قال ابن ابى حاتم عن أبيه المرسل أصح قال ابن حزم هكذا رواه مشاهير اصحاب ابن عينية ووجه قول ابى حنيفة ان الدراهم كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزن ستة وهى الان من زمن عمر وزن سبعة فاثنا عشر الفا على وزن ستة تقارب عشرة آلاف وزن سبعة ووجه قول الشافعي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوّم على اهل القرى فاذا غلت رفع فى قيمتها وإذا اهانت نقص من قيمتها رواه الشافعي عن مسلم عن ابن جريج عنه ورواه ابو داود والنسائي من حديث محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه- (مسئلة) لا يثبت الدية الا من هذه الأنواع الثلاثة عند الجمهور وقال ابو يوسف ومحمد واحمد منها ومن البقر مائتا بقرة ومن الغنم ألفا شاة ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان لحديث عطاء عن جابر بن عبد الله قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الدية على اهل الإبل مائة من الإبل وعلى اهل البقرة مائتى بقرة وعلى اهل الشاة الفى شاة وعلى اهل الحلل مائتى حلية رواه ابو داود وابن الجوزي من طريقه وسكت عن الطعن فيه ورواه ابو داود فى المراسيل عن عطاء قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا- (مسئلة:) دية ما دون النفس عامتها مذكور فى حديث ابى بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدّه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى اهل اليمن وكان فى كتابه ان من اعتبط «1» مؤمنا قتلا فانه قوديده الا ان يرضى اولياء المقتول وفيه ان الرجل يقتل بالمرأة وفيه فى النفس الدية مائة من الإبل وعلى اهل الذهب الف دينار وفى الالف إذا اوعب جذعة الدية مائة من الإبل وفى الأسنان الدية وفى الشفتين الدية وفى البيضتين الدية وفى الذكر الدية وفى الصلب الدية وفى العينين الدية وفى اليدين مائة من الإبل وفى اليد خمسون وفى الرجلين الدية وفى الرجل الواحد نصف الدية وفى المامومة ثلث الدية وفى الجائفة ثلث الدية وفى المنقلة خمس عشرة من الإبل وفى كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل وفى السنّ خمس من الإبل رواه النسائي والدارمي وفى رواية مالك فى العين خمسون وفى الموضحة خمس اختلف اهل الحديث فى صحة هذا الحديث قال ابو دلود فى المراسيل قد أسند هذا الحديث ولا يصح وصححه الحاكم وابن حبان والبيهقي ونقل عن احمد انه قال أرجو أن

_ (1) اعتبط اى قتله بلا جناية منه ولا جريمة توجب قتله وكل من مات بغير علة فقد اعتبط ومات فلان عبطة اى شابا ضحيحا وعبطت الناقة ذبحت من غير مرض، نهاية منه رحمه الله

يكون صحيحا وقد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الائمة لا من حيث الاسناد بل من حيث الشهرة فقال الشافعي فى رسالته لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم انه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عبد البر هذا كتاب مشهور عند اهل السير معروف ما فيه عند اهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الاسناد لانه أشبه التواتر فى مجيئه لتلقى الناس له بالقبول والمعرفة وقال الحاكم قد شهد عمر بن عبد العزيز وامام عصره الزهري بالصّحة لهذا الكتاب ثم ساق ذلك بسنده إليهما واخرج عبد الرزاق بسنده عن سعيد بن المسيّب قضى ابو بكر فى الجائفة إذا أنفذت فى الجوف بثلثي الدية، كذا روى ابن ابى شيبة وروى الدارقطني موقوفا عن زيد بن ثابت فى الهاشمة عشر من الإبل وكذا اخرج عنه عبد الرزاق والبيهقي وروى مرفوعا ولا يصح وروى ابن ابى شيبة والبيهقي عن ابن ابى إسحاق عن مكحول ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل فى الموضحة خمسا من الإبل ولم يوقت فيما دون ذلك شيئا وروى عبد الرزاق عن شيخ له عن الحسن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقض فيما دون الموضحة بشىء ورواه البيهقي عن ابن شهاب وربيعة وابى الزناد وإسحاق بن ابى طلحة مرسلا وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابع اليد والرجل سواء وقال الأسنان سواء الثنية والضرس سواء وهذه وهذه سواء رواه ابو داود والبزار بتمامه وابن ماجة مختصرا وابن حبان وفى صحيح البخاري بلفظ هذه وهذه سواء يعنى الخنصر والإبهام ولابى داود والنسائي وابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه بلفظ الأصابع والأسنان سواء فى كل إصبع عشر من الإبل وفى كل سنّ خمس من الإبل وروى ابن ابى شيبة عن ابى خالد عن عوف سمعت شيخا فى زمن الحجاج وهو ابو المهلّب عمّ ابى قال رمى رجل رجلا بحجر فى رأسه فى زمن عمر فذهب سمعه وعقله ولسانه وذكره فلم يقرب النساء فقضى فيه عمر بأربع ديات وهو حىّ (مسئلة) دية المرأة على النصف من دية الرجل نفسا وجرحا وقال الشافعي ما دون الثلث لا ينصف ثم رجع الشافعي عن هذا القول الى قول الجمهور وروى الشافعي عن محمد بن الحسن عن ابى حنيفة عن حماد عن ابراهيم عن عليّ قال عقل المرأة على النصف من عقل الرجل فى النفس وما دونها وروى سعيد بن منصور عن زكريا وغيره عن الشعبي ان عليا كان يقول جراحات النساء على النصف من دية الرجل فيما قل وكثر وروى البغوي عن على بن الجعد عن ... ...

شعبة عن الحكم عن الشعبي عن زيد بن ثابت قال جراحات الرجال والنساء سواء الى الثلث فما زاد فعلى النصف وقال ابن مسعود الا السن والموضحة فانهما سواء وقال علىّ على النصف وروى سعيد بن منصور عن هشيم عن مغيرة عن ابراهيم عن عمر انّ الخنصر والإبهام سواء وان جراح الرجال والنساء سواء فى الأسنان والموضحة وما خلى ذلك فعلى النصف كذا روى البيهقي عن سفيان عن جابر عن الشعبي عن شريح قال كتب الىّ عمر فذكر نحوه وروى النسائي من رواية إسماعيل بن عباس عن ابن جريح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عقل المرأة كعقل الرجل الى ثلث الدية فاختار مالك قول زيد بن ثابت وعمرو ابن مسعود ومن معهم وقال الشافعي كان مالك يذكر انه السنة وكنت أتابعه عليه وفى نفسى منه شىء ثم ظهر انه، يريد انه سنة اهل المدينة فرجعت عنه وكان قول على أعجبها الى الشعبي واختاره الجمهور لان حال المرأة انقص من حال الرجل ومنفعتها اقل وقد ظهر اثر النقصان فى التنصيف فى النفس اجماعا فكذا فى أطرافها واجزائها اعتبارا بها وبالثلث وما فوقه (مسئلة) دية العبد قيمته ودية الامة قيمتها بالغا ما بلغ عند الشافعي وابى يوسف وكذا عند ابى حنيفة ومحمد غير انهما قالا إذا كان قيمة العبد عشرة آلاف او اكثر والامة خمسة آلاف او اكثر ينقص من كل واحد منهما عشرة دراهم وجراح العبد من قيمته كجراح الحر من ديته، روى البيهقي عن عمر وعلىّ انهما قالا فى الحر يقتل العبد عليه ثمنه بالغا ما بلغ وروى عبد الرزاق ان عمر جعل فى العبد ثمنه كعقل الحرّ فى ديته وفيه انقطاع وروى ابن ابى شيبة عن على واخرج الشافعي بسند صحيح الى الزهري جراح العبد من قيمته كجراح الحرّ من ديته وجه قول ابى حنيفة انه تعالى قال وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ يعم الحرّ والعبد ولذا تجب الكفارة بقتل العبد فما وجب بقتل العبد خطأ انما هودية وضمان نفسه من حيث الآدمية فلا يجوز ان يكون زائدا او مساويا لدية الحرّ بل يجب ان يكون ناقصا عنه الا ترى ان دية الحرة مع كمال آدميتها ينقص من دية الحرّ فدية العبد وهو آدمي من وجه ومال من وجه اولى ان ينقص ولو غصب عبدا قيمته عشرون الفا وهلك فى يده يجب قيمته بالغا ما بلغت بالإجماع لان ضمان الغصب بمقابلة المالية لا غير- (مسئلة:) إذا جنى العبد جناية خطأ قيل لمولاه امّا ان تدفعه ... ...

بها او تفديه وقال الشافعي جنايته فى رقبته يباع فيها الا ان يقضى المولى الأرش وفائدة الاختلاف فى اتباع الجاني بعد العتق او المولى قال الشافعي انما يطالب العبد بعد العتق دون المولى وقال ابو حنيفة ان اعتقه بعد العلم بالجناية كان المولى مختارا للفداء وان أعتق قبل العلم بالجناية يجب على المولى الأقل من الأرش والقيمة والله اعلم- مُسَلَّمَةٌ مؤداة إِلى أَهْلِهِ اى اهل المقتول يعنى ورثة يصرفونها مصارف تركته فى تجهيزه وما بقي فى أداء ديونه ثم ما بقي فى إنفاذ وصاياه من الثلث وما زادان شاءوا وما بقي يقسم بين الورثة كسائر المواريث إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا يعنى ان يعفوا الى الورثة او المقتول بعد الجرح قبل ان يموت سمى الله سبحانه العفو صدقة للحثّ عليه والتنبيه على فضله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة رواه البخاري من حديث جابر ومسلم من حديث حذيفة وايضا فيه حث على ادائه لمن يستنكف عن قبول الصّدقة فانها من أوساخ الأموال استثناء مفرغ متعلق بمحذوف اى واجبة على عاقلته او بمسلّمة وهو فى محل النصب على انه حال من العاقلة او الأهل او على انه ظرف زمان يعنى واجبة على العاقلة كائنين على اىّ حال كانوا الا حال تصدّق ورثة القاتل عليهم او مسلمة الى اهله كائنين على اى حال الا حال تصدّقهم على العاقلة او مسلمة فى كل زمان الأزمان تصدقهم على العاقلة فَإِنْ كانَ القتيل مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ يعنى الكفار والعدو يطلق على الواحد والجمع وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ اى فجزاؤه تحرير رقبة مؤمنة فقط دون الدية قالوا معناه إذا كان الرجل المسلم فى دار الحرب لم يهاجر إلينا بعد إسلامه او هاجر ثم رجع الى دار الحرب مسلما فقتله مسلم خطأ تجب الكفارة بقتله للعصمة المؤثمة بالإسلام ولا يجب الدية لان العصمة المقومة بالدار ولم يوجد ولان العاقلة انما تعقل لتركهم النصرة ولا نصرة لهم فى دار الحرب اخرج ابن المنذر عن جرير بن عبد الله البجلي انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقام مع المشركين فقد برئت منه الذمّة وقيل المراد منه إذا كان المقتول مسلما فى دار الإسلام وهو من نسب قوم كفار وقرابته فى دار الحرب حرب للمسلمين كما كان الحارث ابن زيد فالواجب فيه تحرير رقبة مؤمنة فقط وليس فيه دية لانه ليس بين قومه وبين المسلمين ... ...

عهد فلا سبيل لهم للوجوب على المسلمين ولانه لا وراثة بين المسلم والكفار والاوّل أصح لان المقتول إذا لم يكن له وارث فديته يوضع فى بيت المال وعموم الآية يرجّح الأخير وَإِنْ كانَ «1» القتيل مِنْ قَوْمٍ كفّار بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ من المعاهدين واهل الذمة فَدِيَةٌ يعنى فجزاؤه دية واجبة على عاقلة القاتل مُسَلَّمَةٌ مؤداة إِلى أَهْلِهِ اى ورثة المقتول وذا لا يتصوّر الا إذا كان المقتول كافرا ذمّيّا او معاهدا او مسلما كان له وارث مسلم والا فديته توضع فى بيت المال قال فى المدارك فيه دليل على ان دية الذمّى كدية المسلم قلت لا دليل فيه لان الدية لفظ مجمل ورد بيانه من النبي صلى الله عليه وسلم مختلفا كما ذكرنا من الاختلاف فى دية الرجل والمرأة والحرّ والعبد فكذا جاز الاختلاف بين دية المسلم والكافر (مسئلة) دية المسلم والكافر سواء عند ابى حنيفة رحمه الله وقال مالك دية الكافر من اىّ نوع كان ستة آلاف درهم يعنى نصف دية المسلم على قوله وقال الشافعي دية اليهودي والنصراني اربعة آلاف درهم ودية المجوسي وكذا الوثني ثمانى مائة درهم وقال احمد ان كان القتل عمدا فديته على المسلم مثل دية المسلم فى ماله وان كان خطأ فعنه روايتان كقولى مالك والشافعي فى الكتابي واما دية المجوسي والوثني فثمانى مائة درهم، احتج مالك بحديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدّه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح الحديث بطوله وفيه لا يقتل مؤمن بكافر ودية الكافر نصف دية المسلم وفى رواية دية المعاهد نصف دية الحرّ رواه ابو داود وكذا روى الترمذي وقال السيوطي حسن، وروى احمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريقين لفظ أحدهما دية الكافر نصف دية المسلم ولفظ الآخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ان عقل اهل الكتابين نصف عقل المسلم ووجه قول الشافعي فى اهل الكتابين حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان مائة دينار او ثمانية آلاف درهم ودية

_ (1) اخرج ابن ابى شيبة وابن ابى حاتم والحاكم وصححه والطبراني والبيهقي فى سننه عن ابن عباس فى قوله فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ قال كان الرجل يأتى النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يرجع الى قومه فيكون فيهم وهم مشركون فيصيبه المسلمون خطأ فى سرية إذا أغارت فيعتق الذي يصيبه رقبة وفى قوله وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ قال كان الرجل يكون معاهدا وقومه اهل عهد فيسلم إليهم ديته ويعتق الذي أصابه رقبة منه رحمه الله

اهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين قال فكان كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال ان الإبل قد غلت قال ففرضها عمر على اهل الذهب الف دينار وعلى اهل الورق اثنى عشر الف درهم وعلى اهل البقرة مائتى بقرة وعلى اهل الشاء الفى شاة وعلى اهل الحلل مائتى حلة، قال وترك دية اهل الذمّة لم يرفعها فيما رفع من الدية رواه ابو داود وروى الشافعي عن فضيل بن عياص عن منصور بن المعتمر عن ثابت الحداد عن ابن المسيّب ان عمر مضى فى دية اليهودي والنصراني باربعة آلاف درهم وفى دية المجوسي ثمان مائة درهم وكذا روى الدارقطني بسنده عن سعيد بن المسيّب وروى البيهقي من طريق الشافعي عن سفيان عن صدقة ابن بشار قال أرسلنا يعنى صدقة الى سعيد بن المسيب يسئله عن دية المعاهد قال قضى فيه عثمان باربعة آلاف درهم وروى البيهقي والدارقطني عن عمر فى المجوسية اربعمائة درهم وروى ابن حزم فى الإيصال من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب عن ابى الخير عن عقبة بن عامر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دية المجوسي ثمانى مائة درهم وكذا اخرج الطحاوي وابن عدى والبيهقي واسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة قال عقبة بن عامر قتل رجل فى خلافة عثمان كليا يصيد لا يعرف مثله فى الكلاب فقوّم ثمانى مائة درهم فالزمه عثمان بتلك القيمة فصار دية المجوسي قيمة الكلب وروى البيهقي من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن ابى حبيب عن ابن شهاب ان عليّا وابن مسعود كانا يقولان فى دية المجوسي ثمانى مائة درهم والحجة لابى حنيفة حديث ابن عمران النبي صلى الله عليه وسلم قال دية الذمّى دية المسلم رواه الطبراني فى الأوسط وذكر فى الهداية بلفظ دية كل ذى عهد فى عهده الف دينار قال صاحب الهداية وكذا قضى ابو بكر وعمر قلت اما حديث ابن عمر فرواه الدارقطني ايضا وقال لم يروه عن نافع عن ابن عمر غير ابى بكر القرشي عبد الله بن عبد الملك النهدي وهو متروك وقال هذا الحديث باطل لا اصل له وكذلك قال ابن حبان هذا باطل لا اصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحل الاحتجاج بابى بكر وروى الدارقطني ايضا حديث اسامة بن زيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دية المعاهد كدية المسلم وقال فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصى متروك وروى الدارقطني ايضا حديث ابن عباس قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية العامريين دية المسلم قال ابو بكر بن عياش روايه كان لهما عهد قال الدارقطني ... ...

فيه ابو سعيد سعيد بن المرزبان البقّال قال يحيى ليس بشىء ولا يكتب حديثه وقال القلاس متروك وامّا اثر عمر فروى عبد الرزاق فى مصنفه عن رباح عن عبيد الله عن حميد عن انس انّ يهوديا قتل عيلة فقضى عمر باثنى عشر الف درهم ورباح ضعيف وروى الطحاوي والحاكم من حديث جعفر بن عبد الله بن الحكم ان رفاعة بن اشمول اليهودي قتل بالشام فجعل عمر ديته الف دينار واحمد رحمه الله حمل ما احتج به ابو حنيفة على القتل عمدا وما احتج به غيره على القتل خطأ والله اعلم وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فى مال القاتل ان كان القاتل واجدا للرقبة مالكا لها او قادرا على تحصيلها بوجود ثمنها فاضلا عن الديون وعن حوائجه الاصلية فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رقبة فَصِيامُ يعنى فالواجب على القاتل فى جميع الصّور المذكورة صيام شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ فمن أفطر يوما فى خلال الشهرين بلا عذر او نسى النية او نوى صوما اخر وجب عليه الاستيناف اجماعا لاشتراط التتابع وان أفطرت المرأة بحيض فلا استيناف عليها اجماعا ومن أفطر بعذر مرض او سفر يجب عليه الاستيناف عند الجمهور خلافا لاحد قولى الشافعي وهو القديم منه كذا روى ابن ابى حاتم عن مجاهد فان عجز عن الصّوم لا يجزيه الإطعام عند ابى حنيفة ومالك وأصح قولى الشافعي وقال الشافعي فى أحد قوليه واحمد يجزيه قياسا على الظهار كذا روى ابن ابى حاتم عن مجاهد قلنا هو قياس من غير جامع وفى مورد النصّ والمذكور فى الاية كل الواجب تَوْبَةً منصوب على العلية اى شرع ذلك له لكى يتوب الله عليه او على المصدرية اى تاب الله عليكم توبة او فليتب توبة او على انه بحذف المضاف حال من الصّيام ان جعل فاعلا للظرف ومن ضميره فى الظرف ان جعل مبتدا والمعنى فعليه صيام شهرين والتوبة بمعنى ان الصيام سبب لقبول التوبة ولك ان تجعل النصب على المدح فيكون مدحا للصيام بجعله توبة مِنَ اللَّهِ صفة للتوبة وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بحال من قتل حَكِيماً (92) فيما قدّر والله اعلم قال البغوي ان مقيس بن ضبابة الكندي اسلم هو واخوه هشام فوجد أخاه هشاما قتيلا فى بنى النجار فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه رجلا من بنى فهر الى بنى النجار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم ان علمتم قاتل هشام ابن ضبابة ان تدفعوا الى مقيس فيقتصّ منه وان لم تعلموا ان تدفعوا اليه ديته فابلغهم ... ...

[سورة النساء (4) : آية 93]

الفهري ذلك فقالوا سمعا وطاعة لله ولرسوله ما نعلم له قاتلا لكنا نؤدى ديته فاعطوه مائة من الإبل ثم انصرفا راجعين نحو المدينة فاتى الشيطان مقيسا فوسوس اليه فقال تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبة اقتل الذي معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدية فتغفل الفهري فرماه بصخر فشدخه ثم ركب بعيرا وساق بقيتها راجعا الى مكة كافرا فنزل. وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً من حيث انه مؤمن يعنى سخطا لايمانه او مستحلا لقتله كما قتل مقيس فهريا مُتَعَمِّداً وما ذكر البغوي من قصّة مقيس يمكن الاستدلال به على ابى حنيفة فى ان القتل بالمثقل ايضا من قبيل العمد وقد قال ابو حنيفة هو شبه العمد ويمكن الجواب عنه على رواية الجرجاني ان شبه العمد من حيث الإثم حكمه حكم العمد ولذا قلنا لا كفارة له وانما خالف العمد فى سقوط القصاص لتمكن الشبهة من جهة الآلة ومقتضى هذه الاية الإثم دون القصاص، (فائدة:) قال البغوي مقيس ابن ضبابة هو الذي استثناه النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عمن امّنه فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة واخرج ابن جرير من طريق ابن جريح عن عكرمة ان رجلا من الأنصار قتل أخا مقيس ابن ضبابة فاعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الدية فقبلها ثم وثب على قاتل أخيه فقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أومنه فى حل ولا حرم فقتل يوم الفتح فقال ابن جريح فيه نزلت هذه الاية وهذه الرواية مرسلة ظاهرا لكن روى ابو داود عن عكرمة انه قال كل شىء أقول لكم فى التفسير فهو عن ابن عباس فعلى هذا يكون متصلا وهذه الرواية تدل على ان قاتل هشام كان معروفا ولعل ذلك القتل كان خطأ حيث حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية ورواية البغوي تدلّ على ان القاتل لم يعلم والحكم فى مثل ذلك القسامة والدية ومسائل القسامة وشرائطها والاختلاف فيها يقتضى بسطا لا حاجة الى ذكره هاهنا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها لاجل كفره لازما لسخطه من الايمان او لاستباحته القتل او المراد بالخلود المكث الطويل اخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان جازاه وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ طرده من الرحمة وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93) روى الشيخان عن ابن عباس انه لا يقبل نوبة قاتل المؤمن عمدا وقال البغوي حكى عن ابن عباس ان قاتل المؤمن عمدا لا توبة له فقيل له اليس قد قال الله تعالى ولا يقتلون «1» النّفس الّتى حرّم الله الّا بالحقّ الى ان قال وَمَنْ يَفْعَلْ

_ (1) فى الأصل ولا تقتلوا بصيغه النهى لكنه سهو- ابو محمد عفا الله عنه

ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا مَنْ تابَ فقال كانت هذه فى الجاهلية وذلك ان ناسا من اهل الشرك كانوا قد قتلوا وزنوا فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ان الذي تدعونا «1» اليه لحسن لو تخبرنا ان لما عملنا كفارة فنزل وَالَّذِينَ لا «2» يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الى قوله إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ فهذه أولئك وامّا التي فى النساء فالرجل إذا عرف الإسلام بشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم وروى عن ابن عبّاس خلافه ذكر فى التفسير انه قال ابن عبّاس فجزاؤه جهنم خالدا فيها لو جازاه الله لكنه يتفضل عليه ولا يخلده لايمانه واخرج سعيد ابن منصور والبيهقي فى السنن عن ابن عباس ان رجلا أتاه فقال ملأت حوضى انتظرت بهيمتى ترد عليه فقال لم استيقظ الا برجل قد اسرع ناقته وثلم الحرض وسال الماء فقمت فزعا فضربته بالسّيف فامره بالتوبة قال سعيد بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة قال كان اهل العلم إذا سئلوا قالوا لا توبة له فاذا ابتلى رجل قالوا له تب قلت وجه الجمع بين القولين لابن عباس وغيره من اهل العلم ان قتل العمد جناية على حق العبد وجناية على حق الله تعالى فقولهم لا توبة له معناه لا توبة له فى حق العبد وفيه القصاص لا محالة امّا فى الدنيا او فى الاخرة كما ينطق به النصوص وهو المعنى من قوله صلى الله عليه وسلم كل ذنب عسى الله ان يغفره الا من مات مشركا او من يقتل مؤمنا متعمدا رواه ابو داود من حديث ابى الدرداء ورواه النسائي وصححه الحاكم عن معاوية وامّا قول العلماء بقبول التوبة فمعناه تفيد التوبة لاستدراك حق الله تعالى وقال زيد بن ثابت لما نزلت التي فى الفرقان وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ عجبنا من لينها فلبثنا سبعة أشهر ثم نزلت الغليظة بعد اللينة فنسخت اللينة وأراد بالتغليظ هذه الاية والقول بان هذه الاية ناسخة لما فى الفرقان زعم من زيد بن ثابت رضى الله عنه إذ لا تدل هذه الاية على انه لا توبة له بل المذكور فى هذه الآية جزاء القتل عمدا وذا لا يتصوّر الّا إذا لم يتب ومات فان تاب فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له اعنى فى حق الله تعالى وامّا فى حق العبد فلا بد فيه ردّ المظالم واسترضاؤه، (فائدة) احتجت المعتزلة بهذه الاية على خلود مرتكب الكبيرة فى النار والخوارج على انّ مرتكب الكبيرة كافر وامّا اهل السنة والجماعة فياوّلون هذه الاية كما ذكرنا للاجماع على ان المؤمن لا يخلد فى النار وان مات بلا توبة وان الكبيرة لا يخرج المؤمن من إيمانه مستندا ذلك الإجماع

_ (1) فى الأصل تدعون- (2) فى الأصل والذين يدعون 853

على ما تواتر من الكتاب والسنة من قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وقد ذكرنا الكلام فى تفسيره فى موضعه وقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى حيث ذكر عنوان القاتل بقوله الَّذِينَ آمَنُوا وقوله صلى الله عليه وسلم من قال لا اله الا الله دخل الجنة وان زنى وان سرق متفق عليه عن ابى ذرّ- وقوله صلى الله عليه وسلم من مات لا يشرك بالله دخل الجنة رواه مسلم عن جابر وقوله صلى الله عليه وسلم بايعونى على ان لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين ايديكم وأرجلكم ولا تعصوا فى معروف فمن وفى منكم فاجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فى الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو الى الله ان شاء عفا عنه وان شاء عاقبه فبايعناه على ذلك متفق عليه من حديث عبادة بن الصّامت، (فصل) فيما ورد فى القاتل عمدا، عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اوّل ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدّماء متفق عليه وعنه قال رجل يا رسول الله اىّ الذنب اكبر قال ان تدعو لله ندّا وهو خلقك قال ثم اىّ قال ان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك الحديث متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتنبوا السبع الموبقات وعدّ منها قتل النفس التي حرم الله الّا بالحق متفق عليه وفى حديث عن بن عبّاس مرفوعا لا يقتل حين يقتل وهو مؤمن رواه البخاري وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم رواه الترمذي والنسائي ورواه ابن ماجة عن البراء بن عازب وروى النسائي من حديث بريدة قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدّنيا وعن ابى سعيد وابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو ان اهل السّماء والأرض اشتركوا فى دم مؤمن لاكبّهم الله فى النار رواه الترمذي وعن عبد الله بن عمرو قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول ما اطيبك وما أطيب ريحك وما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفسى بيده لحرمة المؤمن أعظم من حرمتك ماله ودمه رواه ابن ماجة وعن ابى الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال المؤمن معتقا صالحا ما لم يصب دما حراما فاذا أصاب دما حراما بلّح رواه ابو داود وعن ابى هريرة ... ...

[سورة النساء (4) : آية 94]

من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة لقى الله وهو مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله، رواه ابن ماجة وروى الطبراني من حديث ابن عباس نحوه وابن الجوزي عن ابى سعيد الخدري نحوه وابو نعيم فى الحلية عن عمر بن الخطاب موقوفا نحوه والله اعلم، روى البخاري والترمذي والحاكم وغيرهم عن عكرمة عن ابن عباس قال مرّ رجل من بنى سليم بنفرس اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسوق غنما له فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا الا ليتعوّذ منا فعمدوا اليه فقتلوه وأتوا بغنمه الى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ يعنى سافرتم وذهبتم فِي سَبِيلِ اللَّهِ للجهاد فَتَبَيَّنُوا قرا حمزة والكسائي فى الموضعين هاهنا وفى الحجرات بالتاء المثناة الفوقانية والثاء المثلثة من التثبت اى قفوا حتى تعرفوا المؤمن من الكافر وقرا الباقون بالتاء المثناة الفوقانية والباء الموحدة والياء المثناة التحتانية والنون من التبيّن يقال تبينت الأمر إذا تامّلته، وطلبت بيانه يعنى لا تعجلوا قبل وضوح الأمر ذكر البغوي من طريق الكلبي عن ابن عبّاس ان اسم المقتول مرداس بن نهيك من اهل فدك وكان مسلما ولم يسلم من قومه غيره فسمعوا بسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تريدهم وكان على السرية رجل يقال له غالب بن فضالة الليثي فهربوا واقام الرجل لانه كان على دين المسلمين فلما راى الخيل خاف ان يكونوا غير اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالجأ غنمه الى عاقول من جبل وصعد هو الى الجبل فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون فلما سمع التكبير عرف انهم من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكبر ونزل وهو يقول لا اله الا الله محمد رسول الله السّلام عليكم فتغشاه اسامة بن زيد فقتله واستاق غنمه ثم رجعوا الى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وجدا شديدا وقد كان قد سبقهم قبل ذلك الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلتموه ارادة ما معه ثم قرا هذه الاية على اسامة بن زيد فقال يا رسول الله استغفر لى فقال فكيف بلا اله الا الله قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مراة قال اسامة رضى الله عنه فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيدها حتى وددت انى لم أكن أسلمت الا يومئذ ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لى بعد ثلاث مرات وقال أعتق رقبة كذا روى الثعلبي من طريق الكلبي وروى ابو ظبيان عن اسامة ... ...

رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله انما قال خوفا من السّلاح قال افلا شققت عن قبله حتى تعلم أقالها أم لا واخرج البزار من وجه اخر عن ابن عبّاس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد فلمّا أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير فقال اشهد ان لا اله الّا الله فقتله المقداد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كيف لك بلا اله الا الله غدا وانزل الله تعالى هذه الاية واخرج احمد والطبراني وغيرهما عن عبد الله بن ابى حد رد الأسلمي وروى ابن جرير نحوه من حديث ابى عمرة قال عبد الله بن ابى حدرد بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفر من المسلمين فيهم ابو قتادة ومحلم بن حثامة بن قيس الليثي فمرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم علينا فحمل عليه محلم فقتله «1» فلمّا قدمنا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا القران يعنى هذه الاية واخرج ابن مندة عن جزء بن الحدرجان قال وفد أخي فداد الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم انا مؤمن فلم يقبلوا منه فقتلوه فبلغنى ذلك فخرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية فاعطانى النبي صلى الله عليه وسلم دية أخي واخرج ابن جرير من طريق السدى وعبد من طريق قتادة وابن ابى حاتم من طريق ابن لهيعة عن ابى الزبير انّ قوله تعالى وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ كذا قرا نافع وابن عامر وحمزة ومعناه الاستسلام والانقياد وقرا الباقون السّلام يعنى السلام عليكم وقيل المراد بكلا القرائتين هو القول بالسلام عليكم نزلت فى مرداس وهذا شاهد حسن لما رواه الثعلبي وغيره عن ابن عباس لَسْتَ مُؤْمِناً وانما فعلت ذلك متعوّذا تَبْتَغُونَ حال من الضمير فى تقولوا مشعر بما هو سبب لترك التثبت وطلب البيان عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا اى منافعها من المال والغنيمة سمّى به لفنائه والعرض اسم لما لا دوام له فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ فى الدنيا والاخرة يغنيكم فى الدنيا عن مثل هذه الافعال لاجل المال واعدّ فى الاخرة اجورا كثيرة لمن أمن واتقى كَذلِكَ كُنْتُمْ الكاف فى كذلك خبر كان

_ (1) واخرج ابن جرير عن ابن عمر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محلم بن حثامة مبعثا فلقيهم عامر بن الأضبط فحياهم بتحية الإسلام وكانت بينهم إحنة فى الجاهلية فرماه محلم بسهم فقتله فجاء الخبر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال لا غفر الله لك فقام وهو يتلقى دموعه سردته فما مضت به ساعة حتى مات فدفنوه فلفظته الأرض فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد ان يعظهم ثم طرحوه فى جبل والقوا عليه الحجارة فنزلت هذه الاية منه رحمه الله-

قدم عليها مِنْ قَبْلُ اى قبل هذا حين دخلتم فى الإسلام وقلتم كلمة التوحيد فعصمت بها دماؤكم وأموالكم من غير ان يعلم مواطاة قلوبكم بألسنتكم فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بالاشتهار بالايمان والاستقامة فى الدين او المعنى كذلك كنتم قبل الهجرة تأمنون فى قومكم من المؤمنين بلا اله الا الله فمن الله عليكم بالهجرة وقال قتادة كذلك كنتم ضلالا من قبل فمن الله عليكم بالإسلام ووفقتم بقول لا اله الا الله وقال سعيد بن جبير كذلك كنتم تكتمون ايمانكم من المشركين فمن الله عليكم بإظهار الإسلام فَتَبَيَّنُوا كرر الأمر بالتثبت والتبيين امّا لتأكيد امر التثبت وتعظيمه وتأكيد ترتب الحكم على حالهم حيث علل الحكم بالمذكور من حالهم ثم قرع عليه فتأكد الترتيب ويقال هذا متفرع على قوله فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ يعنى فتثبتوا فى أخذ الغنيمة وتبيّنوا حتى يظهر لكم ان هذه الغنيمة هل هى مسوقة إليكم من عند الله تعالى حلالا أم هو محرم من اعراض الحيوة الدنيا او يقال الأمر بالتبيين والتثبت اولا لنفى العجلة فى القتل حتى يظهر منه امارة الإسلام وثانيا لنفى العجلة فى القتل بعد ظهور امارات الإسلام حتى يظهر كفره ونفاقه إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) عالما بأعمالكم وأغراضكم فيجازيكم على أعمالكم على حسب أغراضكم ونياتكم، (فائدة:) فى هذه الاية دليل على صحة ايمان المكره لاجراء احكام الدنيا عليه وان المجتهد قد يخطى وان خطأه مغفوران كان بلا تقصير منه فى طلب الحق وان المجتهد يجب عليه التثبت والتبين وكمال الجهد ولا يلتفت الى ما لاح له فى اوّل نظره وانه إذا اتى بما وجب عليه من التثبت والتبين فهو ماجور وان اخطأ فى اجتهاده وانه لا يجوز الحكم بكفر من قال لا اله الا الله مع انه مشترك بين الكتابي والمسلم ولا يعجل فى قتله حتى يتبين امره والله اعلم إذا راى الغزاة فى بلد او قرية شعار الإسلام فالواجب ان يكفوا عنهم فان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزى قوما فان سمع اذانا كفّ عنهم وان لم يسمع أغار عليهم وروى البغوي من طريق الشافعي عن ابن عصام عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية قال إذا رايتم مسجدا او سمعتم مؤذنا فلا تقتلن أحدا والله اعلم روى البخاري وابو داود والترمذي والنسائي عن زيد بن ثابت والبخاري عن البراء بن عازب والطبراني عن زيد بن أرقم وابن حبان من حديث ابن عاصم والترمذي عن ابن عباس نحوه ... ...

[سورة النساء (4) : الآيات 95 إلى 96]

ان رسول الله صلى الله عليه وسلم املى على زيد بن ثابت. لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال زيد فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملئها علىّ فقال يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان رجلا أعمى وفى حديث ابن عباس قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم انا عميان فانزل الله تعالى عليه وفخذه على فخذى يعنى على فخذ زيد بن ثابت فثقلت علىّ حتى خفت ان ترض فخذى ثم سر عنه فانزل الله تعالى مكانه لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ عن الجهاد مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فى موضع الحال من القاعدين او من الضمير الذي فيه غَيْرُ بالرفع صفة للقاعدين او بدل منه وغير هاهنا اكتسب التعريف لان غير اولى الضرر هو من لا ضرر له فلا يرد ان ابدال النكرة من المعرفة يقتضى نعتها والتوجيه بان القاعدين معرفة فى حكم النكرة لانه لم يقصد به قوم بأعيانهم ضعيف لان المعرفة وان كان فى حكم النكرة لكن لا يوصف بشىء مما يوصف به النكرة الا بجملة فعلية فعلها مضارع كما فى قوله ولقد امر على اللئيم يسبنى، وقرا نافع وابن عامر والكسائي بالنصب على الاستثناء ونصبه على الحال مشكل لكونه معرفة أُولِي الضَّرَرِ فى الصحاح الضر سوء الحال امّا فى نفسه لقلة العلم والفضل والعفّة وامّا فى بدنه لعدم جارحة او نقص فيها وامّا فى حالة الظاهر من قلة مال او جاه وفى القاموس الضرر سوء الحال كالضر ومنه الضرير فى ذاهب البصر قلت والمراد هاهنا غير اولى الزمانة او المرض او الضعف فى البدل او البصر او المال بقرينة قوله تعالى وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ يعنى لا مساوات بينهم وبين غير المجاهدين بانفسهم وأموالهم من غير عذر وامّا غير المجاهدين بعذر الزمانة او العمى او نحو ذلك من الأمراض وغيرها او عدم وجدان ما ينفقون فى سبيل الله من الأموال فهم قد يساوون المجاهدين فى سبيل الله إذا كان نيتهم المجاهدة لو قدروا عليها روى البخاري عن انس وابن سعد عنه وعن جابران رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال ان فى المدينة لا قواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد الا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال نعم وهم بالمدينة حبسهم العذر وروى مقسم عن ابن عباس قال لا يستوى القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون الى بدر فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ المؤمنين ... ...

غير اولى الضرر لان المعرفة إذا أعيدت معرفة فالثانية «1» عين الاولى دَرَجَةً منصوب بنزع الخافض اى بدرجة او على المصدرية لوقوعها موقع المرة من التفضيل كانه قيل فضلهم تفضيلة كقولهم ضربته سوطا او على الحال بمعنى ذوى درجة والجملة موضحة للجملة السّابقة من نفى الاستواء وانما لم يقتصر على هذه الجملة مع كونه مغنية عن نفى المساوات لان نفى المساوات يتضمن التفضيل اجمالا ودلالة وفى التفصيل بعد الإجمال والتصريح بعد الدلالة مزيد التأكيد والتمكن فان قيل عدم مساوات من عمل بطاعة اىّ طاعة كان ومن لم يعملها بديهي غير مخفى فاىّ فائدة فى بيانه قلنا فائدته التنبيه على ذلك والترغيب فى الجهاد والاولى ان يقال انه قد يتاتى فى حالة القعود عن الجهاد من الطاعات بفراغ القلب وأداء حقوق الله تعالى وحقوق الناس ما لا يتاتى فى حالة الجهاد فيوهم ذلك فضل القاعد على المجاهد ففائدة هذه الاية دفع ذلك التوهم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المجاهد فى سبيل الله كمثل الصّائم القائم القانت بايات الله لا يفتر من صيام ولا صلوة حتى يرجع المجاهد فى سبيل الله متفق عليه وَكُلًّا اى كل واحد من المجاهدين والقاعدين بلا عذر وَعَدَ اللَّهُ المثوبة الْحُسْنى يعنى الجنّة بايمانهم فيه دليل على ان الجهاد فرض على الكفاية ولو كان فرضا على الأعيان لاستحق القاعد العقاب دون الثواب، (فصل) اجمعوا على انه إذا كان الكفار قارين فى بلادهم فعلى الامام ان لا يخلو سنة من السنين عن غزوة يغزوها بنفسه او بسراياه حتى لا يكون الجهاد معطلا لان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون لم يهملوا الجهاد فاذا قام على الجهاد فئة من المسلمين بحيث حصل بهم دفع شرّ الكفار وإعلاء كلمة الله تعالى سقط عن الباقين وحينئذ لا يجوز للعبد ان يخرج الى الجهاد بغير اذن المولى ولا للمرءة بغير اذن الزوج ولا للمديون بغير اذن الدائن ولا للولد إذا منعه أحد أبويه لان بغيرهم مقنعا فلا ضرورة الى ابطال حقوق العباد وان لم يقم به أحد اثم جميع الناس الا اولى الضرر منهم واجمعوا على انه يجب على اهل كل قطر من الأرض ان يقاتلوا من يلونهم من الكفّار فان عجزوا ساعدهم الأقرب فالاقرب وكذا إذا تهاونوا مع القدرة يجب القيام به على الأقرب فالاقرب الى منتهى الأرض (مسئلة) واجمعوا على انه إذا التقى

_ (1) فى الأصل فالثانى عين الاول

الصفان وجب على المسلمين الحاضرين الثبات وحرم عليهم الفرار الا ان يكونوا متحرفين لقتال او متحيّزين الى فئة او يكون الكفار اكثر من ضعف عدد المسلمين فيباح لهم الفرار لكن الثبات حينئذ أفضل، (مسئلة:) يشترط للجهاد الزاد والراحلة مع سلامة الأسباب والآلات عند الائمة الثلاثة إذا تعين الجهاد على اهل بلد وكان بينهم وبين موضع الجهاد مسافة سفر وقال مالك لا يشترط ذلك لنا قوله تعالى غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ومن لا زاد له ولا راحلة فهو من اهل الضرر وقوله تعالى وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ الاية (مسئلة) واجمعوا على انه إذا هجم العدو دار قوم من المؤمنين يجب على كل مكلّف من الرجال حرا كان او عبدا غنيا كان او فقيرا ممّن لا عذر له من اهل تلك البلدة الخروج الى الجهاد وحينئذ يكون من فروض الأعيان فلا يظهر فيه حق العبد كالمولى والدائن والأبوين كما فى الصلاة والصوم وقال ابو حنيفة تخرج المرأة ايضا بغير اذن زوجها فان وقع بهم الكفاية سقط عمّن ورائهم وان لم يقع بهم الكفاية يجب على من يليهم اعانتهم وان قعد من يليهم يجب على من ورائهم الأقرب فالاقرب والله اعلم، وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ فى سبيل الله باموالهم وأنفسهم عَلَى الْقاعِدِينَ المؤمنين غير اولى الضرر أَجْراً عَظِيماً (95) منصوب على المصدرية لان فضّل بمعنى اجر او على انه المفعول الثاني له لتضمنه معنى الإعطاء كانه قيل وأعطاهم زيادة على القاعدين اجرا عظيما. دَرَجاتٍ فى القرب والجنة كائنة مِنْهُ تعالى وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً كل واحد من الثلاثة بدل من اجرا الدرجات لغير المذنب والمغفرة للمذنب والرحمة يعمّهما وجاز ان ينصب درجات على المصدر كقولهم ضربتهم أسواطا واجرا على الحال منها تقدمت عليها لكونها نكرة ومغفرة ورحمة على المصدرية بإضمار فعليهما كرّر تفضيل المجاهدين وبالغ فيها اجمالا وتفصيلا حيث أومى الى التفضيل اوّلا بنفي المساوات ثم صرح بالتفضيل مجملا بقوله درجة ثم فضل تفصيلا بقوله أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ترغيبا فى الجهاد وتعظيما لامره، ولا تنافى فى توحيد الدرجة اوّلا وتكثيرها ثانيا لان المراد تفضيل كل مجاهد على كل قاعد اولا وفيما بعد تفضيل الجميع على الجميع ومقتضاه انقسام الآحاد على الآحاد أو لأن المراد اختلاف حال المجاهدين فمنهم من فضل بدرجة ومنهم من فضل بدرجات وقيل أراد بقوله فَضَّلَ اللَّهُ ... ...

الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ درجة فى الدنيا من الغنيمة والظفر والسلطنة وجميل الذكر وأفرد الدرجة تحقيرا لما فى الدنيا وأراد بقوله فضّل الله الثاني ما أعد الله لهم فى الاخرة وقيل المراد بالدرجة الاولى ارتفاع منزلتهم عند الله تعالى وبالدرجات منازلهم فى الجنة وقيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار لهم درجة والآخرون من جاهد نفسه أعد الله لهم اجرا عظيما درجات القرب منه تعالى ومغفرة ورحمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المجاهد يعنى المجاهد الكامل من جاهد نفسه فى طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب رواه البيهقي فى شعب الايمان عن فضالة وقيل القاعدون فى الاية الاولى اولى الضرر منهم فضل الله المجاهدين عليهم درجة لان المجاهدين باشروا الجهاد مع النية واولى الضرر من القاعدين كانت لهم نية ولم يتيسّر لهم الجهاد وكلا من المجاهدين والقاعدين المعذورين وعد الله الحسنى على نياتهم كذا قال مقاتل والقاعدون الثاني غير معذورين فضل الله المجاهدين عليهم اجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة عن ابى سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أبا سعيد من رضى بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وجبت له الجنة قال فعجب لها ابو سعيد فقال أعدها عليّ يا رسول الله ففعل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واخرى يرفع الله بها للعبد مائة درجة فى الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض قال وما هى يا رسول الله قال الجهاد فى سبيل الله الجهاد فى سبيل الله رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمن بالله ورسوله واقام الصّلوة وصام رمضان كان حقا على الله عز وجل ان يدخله الجنة جاهد فى سبيله او جلس فى ارضه التي ولد فيه قالوا يا رسول الله أفلا نبشر الناس بذلك قال ان فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيله ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض فاذا سالتم الله فاسئلوا الفردوس فانه اوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة رواه البخاري وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لذنوبهم رَحِيماً (96) بهم يعطيهم درجات عظام والله اعلم ذكر البغوي ان ناسا من اهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا منهم قيس بن الفاكة بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة وأشباههما فلما خرج المشركون الى بدر خرجوا معهم فقتلوا مع الكفار وروى البخاري عن ابن عبّاس انّ ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين ... ...

[سورة النساء (4) : آية 97]

على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتى السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله او يضرب فيقتل قلت قوله يكثر سواد المشركين يدل على انهم لم يكونوا يقاتلون وأخرجه ابن مندة وسمى منهم فى روايته قيس بن الوليد بن المغيرة وابو القيس بن الفاكة بن المغيرة والوليد بن عتبة بن ربيعة وعمرو ابن امية سفيان وعلى بن امية بن خلف وذكر شأنهم انهم خرجوا الى بدر فلما راوا قلة المسلمين دخلهم شك وقالوا غرّ هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر قلت وهذه الرواية يعنى قوله دخلهم شكّ يدل على ارتدادهم ونظم القران لا يدل على كفرهم وأخرجه ابن ابى حاتم وزاد فيهم الحارث ابن ربيعة بن الأسود والعاص بن عتبة بن حجاج واخرج الطبراني عن ابن عباس قال كان قوم بمكة قد اسلموا فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا ان يهاجروا وخافوا واخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال كان قوم من اهل مكة قد اسلموا وكانوا يخفون الإسلام فاخرجهم المشركون معهم يوم بدر فاصيب بعضهم فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين فاكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت. إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ يحتمل الماضي والمضارع بحذف أحد التاءين والتوفى قبض الروح الْمَلائِكَةُ قيل أراد به ملك الموت وحده لما ورد فى قوله تعالى قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ والعرب قد يخاطب الواحد بلفظ الجمع والصحيح انه أراد ملك الموت وأعوانه لما روى احمد والنسائي من حديث ابى هريرة بطوله وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا احتضر المؤمن أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون اخرجى راضية مرضية عنك الى روح الله وريحان وربّ غير غضبان الحديث وامّا الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسيح فيقولون اخرجى ساخطة مسخوطة عليك الى عذاب الله عز وجل الحديث وروى احمد عن البراء بن عازب حديثا طويلا وفيه ان العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا واقبال من الاخرة نزل اليه ملائكة بيض الوجوه كأنّ وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة ثم جلسوا منه مد البصر ثم يجىء ملك الموت عليه السّلام حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجى الى مغفرة من الله ورضوان قال فيخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فيأخذها فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها فى ذلك الكفن وذلك الحنوط الحديث وانّ العبد الكافر ... ...

إذا كان فى انقطاع من الدنيا واقبال من الاخرة نزل اليه من السّماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون معه مدّ البصر ثم يجىء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجى الى سخط من الله قال فتفرق فى جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يجعلوها فى تلك المسوخ الحديث وفى رواية ابن جرير وابن المنذر وابن عباس انه لما نزلت هذه الاية كتب المسلمون الى من بقي منهم بمكة وانه لا غنى لهم فخرجوا فلحقهم المشركون فردوهم فنزلت فيهم فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ فكتب إليهم المسلمون بذلك فقالوا نخرج فان اتبعنا أحد قاتلناه فخرجوا فلحقوهم فنجامنهم من نجا وقتل من قتل فنزلت ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا الاية ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ بترك فريضة الهجرة والمقام بدار الشرك وارتكاب معصية موافقة الكفار حال من الضمير المفعول قال البغوي قيل لم يكن يقبل الإسلام بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الّا بالهجرة ثم نسخ ذلك بعد فتح مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد فتح مكة رواه ابو داود واحمد بسند صحيح عن مجاشع بن مسعود وابن جرير عن الضحاك والصحيح ان الهجرة من دار الكفر على من قدر عليها فريضة محكمة بالإجماع غير منسوخة وهذه الاية دليل على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن فيه اقامة شرائع الإسلام ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد فتح مكة ان مكة بعد الفتح صارت دار الإسلام ولم تبق الهجرة من مكة بعد الفتح واجبة ومن هاجر من مكة بعد الفتح لا يعدّ من المهاجرين ولا يدرك ثوابهم وكون الهجرة فريضة لا يستلزم عدم قبول إسلامهم والحكم بانهم ليسوا بمؤمنين بل يقتضى عصيانهم وترك موالاتهم، قال الله تعالى والّذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتّى يهاجروا وان استنصروكم فى الدّين فعليكم النّصر الّا على قوم بينكم وبينهم ميثاق قالُوا اى الملائكة توبيخا، جملة قالوا خبر انّ والعائد محذوف اى قالوا لهم وجاز ان يكون حالا من الملائكة بتقدير قد او من الضمير المنصوب فى تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ بتقدير قد والضمير اى وقد قالوا لهم فِيمَ كُنْتُمْ مقولة قالوا اى فى اىّ شىء كنتم فى الإسلام كما يدل عليه إقراركم به أم فى الكفر كما يدل عليه مقامكم مع الكفار وموافقتكم بهم بلا عذر قالُوا يعنى المتوفين الذين تركوا فريضة الهجرة هذا خبر انّ ... ...

[سورة النساء (4) : آية 98]

على تقدير كون ما قبله حالا وجملة مستانفة على تقدير كونه خبر ان كانّه فى جواب السائل ما قالت المتوفون إذا قالت الملائكة ما ذكر فاجيب بانهم قالوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ اى ارض مكة لم نقدر على مقاومة الكفار ومخالفتهم او كنا عاجزين عن اظهار الدين وإعلاء كلمته قالُوا اى الملائكة تكذيبا لهم وتبكيتا جملة مستانفة فى جواب ما قالت الملائكة حين اعتذر المتوفون أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها يعنى كنتم قادرين على الخروج من مكة الى ارض لا تمنعون فيها من اظهار الإسلام ومخالفة الكفار وإعلاء كلمة الله كما فعل المهاجرون الى المدينة والحبشة ونصب فتهاجروا على جواب الاستفهام فَأُولئِكَ اى المتوفون ظالمى أنفسهم مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ الفاء للتعقيب والسببية يعنى لاجل تركهم الهجرة مأويهم جهنم وذا لا يستلزم الكفر ولا الخلود فى جهنم والجملة معطوفة على جملة قبلها مستنتجة منها وجاز ان يكون جملة فاولئك خبر ان والفاء فيه لتضمن الاسم معنى الشرط وما قبله حال او استيناف وَساءَتْ مَصِيراً (97) مصيرهم او جهنم قال النبي صلى الله عليه وسلم من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة وكان رفيقه أبوه ابراهيم ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم أخرجه الثعلبي من حديث الحسين مرسلا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مال المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن رواه البخاري وغيره وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الإسلام بهدم ما كان قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله رواه مسلم عن عمرو بن العاص-. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ استثناء منقطع لعدم دخولهم فى الموصول وضميره والاشارة اليه فانهم ليسوا بظالمى أنفسهم إذ لا وجوب الا بعد القدرة لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها مِنَ الرِّجالِ كالشيخ الفاني والمريض والضعيف والزمن الذي لا يستطيع السفر راجلا ولا يقدر على الراحلة وذى عيال لا يستطيع نقلهم ويخاف عليهم الضياع ان هاجر بدونهم وَالنِّساءِ فانهن مستضعفات غالبا وَالْوِلْدانِ يعنى الصبيان ذكرهم فى الاستثناء مبالغة فى الأمر والاشعار بانهم على صدد وجوب الهجرة إذا بلغوا وقدروا على الهجرة او المراد بالولدان أولياؤهم فان أولياءهم إذا قدروا على نقلهم من دار الشرك وجب عليهم ذلك والا فهم من المستضعفين ... ...

[سورة النساء (4) : آية 99]

ولم يذكر العبيد فان العبد إذا كان قادرا على الهجرة يجب عليه ذلك ولا يمنعه حق المولى لان حقوق العباد لا تظهر فى الفروض على الأعيان قال محمد بن إسحاق فى رواية يونس بن بكير حدثنى عبد الله بن المكرم ومحمد بن يحيى عن شيوخه قال نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى إذا حاصر الطائف ايّما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر فخرج من الحصن بضعة عشر رجلا سماهم الحافظ محمد بن يوسف الصالحي الشافعي فى سبيل الرشاد وروى احمد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج إلينا من العبيد فهو حر فخرج العبيد فيهم ابو بكرة فاعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الصحيحين عن ابى عثمان النهدي قال سعد وهو اوّل من رمى بسهم فى سبيل الله وابو بكرة «1» كان بسور حصن الطائف نزل الى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف فشق ذلك على اهل الطائف مشقة شديدة واغتاظوا على غلمانهم فاعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم كل رجل منهم الى رجل من المسلمين يمونه ويحمله وأمرهم ان يقرءوهم القران واعلموهم السنن فلما أسلمت ثقيف تكلمت اشرافهم فى هؤلاء المعتقين منهم الحارث بن كلدة يردونهم فى الرق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك عتقاء الله لا سبيل إليهم لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً الحيلة الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف يعنى لا يقدرون على الهجرة ولا يجدون أسبابها وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) اى لا يعرفون السبيل بنفسه ولا يجدون الدليل. فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ذكر الله سبحانه صيغة الاطماع ولفظ العفو إيذانا بان ترك الهجرة امر خطير حتى ان المعذور ايضا ينبغى ان لا يأمن ويترصد الفرصة ويتعلق بها قلبه وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) قال ابن عباس كنت انا وأمي ممن عذر الله يعنى من المستضعفين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهؤلاء المستضعفين فى الصلاة، روى البخاري وغيره عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال سمع الله لمن حمده فى الركعة الاخيرة من صلوة العشاء قنت اللهم انج عياش بن ابى ربيعة اللهم انج الوليد بن الوليد اللهم انج سلمة بن هشام اللهم انج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهمّ اجعلها سنين كسنى يوسف

_ (1) فى الأصل أبا بكرة

[سورة النساء (4) : آية 100]

وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً قال على بن ابى طلحة عن ابن عباس مراغما اى متحولا يتحول اليه مشتق من الرغام وهو التراب وقيل طريقا يراغم قومه اى يفارقهم على رغم أنوفهم وهو ايضا من الرغام بمعنى التراب وقال مجاهد متزحزحا عما يكره وقال ابو عبيد المراغم المهاجر يقال راغمت قومى اى هاجرتهم وهو المضطرب والمذهب فى القاموس المراغمة الهجران والتباعد والمراغم بالضم وفتح الغين المذهب والمهرب والحصن والمضطرب وَسَعَةً فى الرزق والمعاش وسعة فى الصدر بالأمن وزوال الخوف واظهار الدّين قال البغوي روى انه لما نزلت هذه الاية سمعها رجل من بنى ليث شيخ كبير مريض يقال له جندع بن ضمرة فقال والله ما انا ممن استثنى الله عز وجل وانى لاجد حيلة ولى من المال ما يبلّغنى المدينة وابعد منها والله لا أبيت الليلة بمكة أخرجوني فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به التنعيم فادركه الموت فصفق بيمينه على شماله ثم قال اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك فمات فبلغ خبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لو وافى المدينة لكان أتم واوفى اجرا وضحك المشركون فقالوا ما أدرك هذا ما طلب واخرج ابن ابى حاتم وابو يعلى بسند جيّد عن ابن عباس قال خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرا فقال لاهله احملوني فاخرجونى من ارض المشركين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات فى الطّريق قبل ان يصل النبي الى صلى الله عليه وسلم فنزلت وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً حال من الضمير فى يخرج إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ اى الى حيث امر الله ورسوله ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ قبل بلوغه مهاجره عطف على يخرج فَقَدْ وَقَعَ اى ثبت والوقوع بمعنى الوجوب وهو مجاز عن تأكيد حصول الاجر بوعد الله تعالى إذ لا يجب على الله شىء أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100) واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير عن ابى ضمرة الزرقي الذي كان مصاب البصر وكان بمكة فلما نزلت إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ الاية فقال انى بلغني وانى لذو حيلة فتجهز مريدا الى النبي صلى الله عليه وسلم فادركه الموت بالتنعيم فنزلت هذه الاية واخرج ابن جرير نحو ذلك عن سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدىّ والضحّاك وغيرهم سمى فى بعضها ضمرة بن العيص وفى بعضها العيص بن ضمرة وفى بعضها جندب بن ضمرة الجندعي وفى بعضها الضمري وفى بعضها ... ...

[سورة النساء (4) : الآيات 101 إلى 102]

رجل من بنى ضمرة وفى بعضها رجل من خزاعة وفى بعضها من بنى ليث وفى بعضها من بنى كنانة وفى بعضها من بنى بكر واخرج ابن سعد فى الطبقات عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ان جندع بن ضمرة الضمري الجندعي كان بمكة فقال لبنيه أخرجوني من مكة فقد قتلنى غمّها فقالوا الى اين فاومى بيده نحو المدينة يريد الهجرة فخرجوا به فلمّا بلغوا اضاءة بنى عمارة مات فانزل الله تعالى فيه هذه الاية واخرج ابن ابى حاتم وابن مندة والباوزدى فى الصحابة عن هشام بن عروة عن أبيه ان الزبير بن عوام قال هاجر خالد بن حرام الى ارض الحبشة فنهشه حيّة فى الطريق فنزلت فيه هذه الاية واخرج الأموي فى مغازيه عن عبد الملك بن عمير قال لمّا بلغ اكتم بن صيفى مخرج النبي صلى الله عليه وسلم أراد ان يأتيه فابى قومه ان يدعوه قال فليأت من يبلّغه عنى ويبلّغنى عنه فانتدب له رجلان فاتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقالا نحن رسل اكتم بن صيفى وهو يسئلك من أنت وما أنت وبما جئت فقال انا محمد بن عبد الله وانا عبد الله ورسوله ثم تلا إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ الاية فاتيا اكتم فقالا له ذلك فقال اى قوم انه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها فكونوا فى هذا لامر رؤساء ولا تكونوا اذنابا فركب بعيره متوجها الى المدينة فمات فى الطريق فنزلت فيه هذه الاية وهذا مرسل واسناده ضعيف واخرج ابو حاتم فى كتاب المعمرين من طريقين عن ابن عباس انه سئل عن هذه الاية فقال نزلت فى اكتم بن صيفى قيل فاين الليثي قال كان هذا قبل الليثي بزمانة هى خاصة عامة، (فائدة:) قالوا كل هجرة لطلب علم او حج او جهاد او فرار الى بلد يزداد فيه طاعة او قناعة او زهدا او ابتغاء رزق طيّب فهى هجرة الى الله ورسوله ومن أدركه الموت فى طريقه فقد وقع اجره على الله والله اعلم- اخرج ابن جرير عن على قال سال قوم من بنى النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله انا نضرب فى الأرض فكيف نصلى فانزل الله تعالى. وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ اى سافرتم فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ اى اثم كذا فى القاموس أَنْ تَقْصُرُوا اى فى ان تقصروا مِنَ الصَّلاةِ الرباعية دون الثنائية والثلاثية اجماعا الى ركعتين والجار والمجرور صفة لمحذوف اى شيئا من الصلاة عند سيبويه ومفعول لتقصروا بزيادة من عند الأخفش وهاهنا ابحاث البحث الاوّل فى مقدار مسافة السفر المرخص للقصر وقد مرّ هذا البحث فى ... ...

سورة البقرة فى رخصة إفطار الصّوم (البحث الثاني) فى انه هل يجوز الإتمام فى السفر أم لا، فقال ابو حنيفة وبعض اصحاب مالك لا يجوز قال البغوي وهو المروي عن عمر وعلى وابن عمر وجابر وابن عباس وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة ومالك وقال الشافعي واحمد وهو المشهور من مذهب مالك انه يجوز قال البغوي وهو المروي عن عثمان وسعد بن ابى وقاص والحجة للشافعى ظاهر هذه الاية فان نفى الجناح يقال فى الرخص لا فيما يكون حتما وحديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر فى السفر ويتم ويفطر ويصوم رواه الشافعي وابن ابى شيبة والبزار والدارقطني وقال الدارقطني اسناده صحيح واعترض عليه بانه من رواية مغيرة بن زياد عن عطاء بن «1» رباح وقد ضعّفه احمد وقال ابو زرعة لا يحتج بحديثه لكن ابن الجوزي أخرجه من طريق عمر بن سعيد عن عطاء والمغيرة بن زياد قد وثقه وكيع ويحيى بن معين وحديث عبد الرحمن بن اسود عن عائشة قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عمرة فى رمضان فافطر وصمت وقصر وأتممت فقلت بابى أنت وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت قال أحسنت يا عائشة رواه النسائي والدارقطني وحسنه والبيهقي وصححه واعترض عليه بان عبد الرحمن بن اسود دخل على عائشة وهو صغير لم يسمع منها وقال الدارقطني دخل عليها وهو مراهق وفى تاريخ البخاري وغيره ما يشهد لذلك وروى الدارقطني هذا الحديث عن عبد الرحمن بن اسود عن أبيه عن عائشة واختلف قول الدارقطني فيه فقال فى السير اسناده حسن وقال فى العلل المرسل أشبه واعترض عليه ايضا بانه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر فى رمضان باتفاق اصحاب السير لكن قوله فى عمرة رمضان فى رواية الدارقطني وليس فى رواية غيره والله اعلم احتج ابو حنيفة بحديث يعلى بن امية قال سالت عمر بن الخطّاب قلت ليس عليكم جناح ان تقصروا من الصّلوة ان خفتم ان يفتنكم الّذين كفروا وقد أمن الناس فقال لى عمر عجبت منه فسالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته رواه مسلم وحديث انس بن مالك رجل من بنى عبد الله بن كعب ليس له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث قال أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغذى فقال ادن فكل فقلت انى صائم فقال ادن أحدثك عن الصوم ان الله وضع عن المسافر الصّوم

_ (1) ابن ابى رباح [.....]

وشطر الصلاة وعن الحامل والموضع الصوم فيالهف نفسى ان لا أكون طعمت من طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن الجوزي من طريق الترمذي والشافعي احتج بهذا الحديث لمذهبه حيث قرن الصوم بالصّلوة ورخصة المسافر فى فطر الصوم رخصة التخيير اجماعا، وجه احتجاج ابى حنيفة ان الوضع هو الاسقاط لكن استعماله فى رخصة الصوم يدل على ان المراد به هاهنا التخيير ولو مجازا والجمع بين الحقيقة والمجاز لا يجوز حتى يقال انه فى حق الصوم للتخيير وفى حق الصلاة للاسقاط ووجه احتجاج ابى حنيفة بحديث يعلى بن امية عن عمر انّ التصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط محض وان كان المتصدق ممن لا يلزم وطاعته كولى القصاص إذا عفى فممّن يلزم طاعته اولى وان الأمر بقبول الصدقة للوجوب واحتج ابو حنيفة ايضا بأثر عمر بن الخطاب قال صلوة السفر ركعتان وصلوة الأضحى ركعتان وصلوة الفطر ركعتان وصلوة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم أخرجه النسائي وابن ماجة واثر ابن عباس قال فرض الله الصّلوة على نبيكم فى الحضر أربعا وفى السّفر ركعتين وفى الخوف ركعة رواه مسلم واثر عائشة قالت فرضت الصلاة ركعتين فاقرت صلوة السّفر وزيد فى صلوة الحضر متفق عليه وفى لفظ قال الزهري قلت لعروة فما بال عائشة تتم فى السفر قال انها تاوّلت كما تاوّل عثمان وفى لفظ للبخارى فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ثم لمّا هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فرضت أربعا فتركت صلوة السفر على الاول وبحديث ابن عمر قال صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وقد قال الله تعالى لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ رواه البخاري وفى الصحيحين بلفظ صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد فى السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك وايضا فيهما عنه صلى الله عليه وسلم صلى بمنى ركعتين وابو بكر بعده وعمر بعد ابى بكر وعثمان صدرا من خلافته ثم ان عثمان صلى بعده أربعا وبما روى احمد ان عثمان صلى بمنى اربع ركعات فانكر الناس عليه فقال ايها الناس انى تاهلت بمكة منذ قدمت وانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تاهل فى بلد فليصل صلوة المقيم وجه الاحتجاج ان انكار الناس على عثمان فى إتمامه وبيانه العذر بالتأهل بمكة دليل واضح على انه لا يجوز الإتمام ولو جاز ... ...

لما أنكروا عليه ولما اعتذر بالتأهل بل ببيان التخيير- وأجيب عن الآثار بان اثر عمر بن الخطاب ان صلوة السفر ركعتان تمام فى الاجر غير قصر يعنى لا نقصان فى صلوته وكيف يقول عمر غير قصر مع انه تعالى يقول فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا فانه صريح فى كونه قصرا وحديث الآحاد وان كان مرفوعا ساقط فى مقابلة نصّ الكتاب فكيف الموقوف واثر ابن عباس متروك بالإجماع حيث لم يذهب أحد الى ان الصّلوة فى الخوف ركعة واثر عائشة لا يجوز العمل به لان عمل الراوي على خلاف ما يرويه جرح فى الحديث ولا شك ان عائشة كانت تتم فى السفر وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة التخيير فيجب ان يحمل قولها تركت صلوة السفر على الاول على من ان من اختار الركعتين فكانّ الصلاة تركت فى حقه على الحالة الاولى وامّا حديث ابن عمر فشهادة على النفي وحديث عائشة شهادة على الإثبات فهو اولى او يقال معناه لم يزد على ركعتين غالبا وايضا ذكر ابن عمران عثمان صلى صدرا من خلافته ركعتين ثم صلى أربعا ولم يذكر انكار الناس عليه وهذا دليل التخيير وايضا قوله لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تدل على الاولوية دون الوجوب وانكار الناس على عثمان واعتذاره جاز ان يكون لترك الاولى واحتج الحنفية بالمعقول بان الشفع الثاني لا يقضى ولا يأثم بتركه وهذا اية النافلة بخلاف الصوم فانه يقضى وبخلاف الحج على الفقير فانه يصير فريضة إذا دخل الميقات وان التخيير بين الواجبات لا يكون الا لنوع يسر فى كلا الامرين كما فى صوم رمضان للمسافر فان فيه ايضا نوع يسر بسهولة فى الصوم مع الناس ما ليس فى انفراده ولا كذلك فى الاثنين والأربع فان اليسر فى الاثنين متيقن وامّا جمعة السافر وظهره فكل واحد منهما جنس اخر من الصلاة وفى كل منهما نوع يسر حيث يشترط فى الجمعة ما لا يشترط فى الظهر والتخيير بلا مراعاة يسر للمكلّف مناف لشأن العبودية وأجيب بان التخيير بين القليل والكثير مفيد فاختيار القليل لليسر واختيار الكثير لزيادة الاجر وزيادة الاجر فى الأربع لا يوجب نقصانا فى الثنتين نظيره القراءة فى الصلاة فان المصلى مخيّربين ان يقرا ادنى ما يجوز به الصلاة وحينئذ لا نقصان فى صلوته وبين ان يقرا القران كله فى ركعة وكلّما قرا فى الصلاة وان كان جميع القران وقع من الفريضة لانه فرد من افراد المأمور به حيث قال الله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ويرد عليه ان تقريركم هذا يدل على ان الإتمام للمسافر أفضل واكثر ثوابا من القصر ... ...

كما انّ زيادة القراءة فى الصلاة أفضل اجماعا وانما يكره الزيادة على القدر المسنون فى حقّ الامام رعاية للقوم وامّا فى المنفرد وكذا فى حق الامام إذا كان القوم راغبين فلا كراهة اجماعا لكن القصر فى السفر أفضل من الإتمام اجماعا وما روى عن الشافعي من أحد قوليه ان الإتمام أفضل فقد رجع عنه وأجاب الحنفية عن استدلال الشافعي بهذه الاية ان الناس لما كانوا الفوا بالإتمام كان مظنة ان يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا فى القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمانوا اليه نظيره قوله تعالى إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ورد بان هذا ترك بظاهر الاية من غير موجب فلا يجوز والله اعلم البحث الثالث ان سفر المعصية يبيح القصر عند ابى حنيفة لعموم هذه الاية وقالت الائمة الثلاثة لا يبيح وليس لهم ما يمكن التعويل عليه من الحجة البحث الرابع إذا فارق المسافر بيوت المصر صلى ركعتين عند الائمة الاربعة وفى رواية عن مالك إذا كان من المصر على ثلثة أميال وحكى عن الحارث بن ربيعة انه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين فى منزله وفيهم الأسود وغير واحد من اصحاب عبد الله وعن مجاهد انه كان إذا خرج نهارا لم يقصر حتى يدخل الليل وان خرج ليلا لم يقصر حتى يدخل النهار، لنا ان الاقامة يتعلق بدخول المصر فالسفر يتعلق بخروجها وروى ابن ابى شيبة عن على رضى الله عنه انه خرج من البصرة فصلى الظهر أربعا يعنى قبل التجاوز عن بيوت المصر ثم قال لو جاوزنا هذا الحصن لصلينا ركعتين وكذا إذا رجع من السفر وأراد دخول بلده صلى ركعتين ما لم يدخل بيوت مصره فاذا دخل البيوت صلى أربعا اجماعا ذكر البخاري تعليقا قال خرج على فقصر وهو يرى البيوت فلمّا رجع قيل له هذه الكوفة قال لا حتى ندخلها يريد انه صلى ركعتين والكوفة بمراء منهم وروى عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن وفا بن إياس الأسدي قال خرجنا مع على ونحن ننظر الكوفة فصلى ركعتين ثم رجعنا فصلى ركعتين وهو ينظر الى القرية فقلنا له الا نصلى أربعا قال لا حتى ندخلها البحث الخامس فى انه فى أثناء السفر إذا نوى فى بلد او قرية اقامة اربعة ايام غير يومى الدخول والخروج صلى أربعا عند مالك والشافعي، وعن احمد ان نوى اقامة مدة يفعل فيها اكثر من عشرين صلوة أتم وقال ابو حنيفة لا يتم حتى ينوى اقامة خمسة عشر يوما فى مصر او قرية ولا عبرة بنية الاقامة فى الصحراء والاخبية ... ...

لنا ما صح انه صلى الله عليه وسلم دخل مكة فى حجة الوداع صبيحة رابعة ذى الحجة يوم الأحد فلما كان يوم التروية ثامن ذى الحجة يوم الخميس توجه الى منى وبعد طلوع الشمس من يوم عرفة توجه الى عرفة فاذا فرغ من الحج بات بالمحصّب ليلة الأربعاء ثم طاف عليه السّلام طواف الوداع سحرا قبل الصبح وخرج صبيحة وهو اليوم الرابع عشر فتمت عشر ليال واقام بمكة الى يوم التروية اربعة ايام ولياليها كوامل فظهر بذلك بطلان قول مالك والشافعي دون قول احمد حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشرين صلوة لا مزيد عليه احتج ابو حنيفة بالآثار اخرج الطحاوي عن ابن عباس وابن عمر قالا إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفى نفسك ان تقوم خمس عشرة ليلة فاكمل الصلاة بها وان كنت لا تدرى متى تظعن فاقصرها وروى ابن ابى شيبة بسنده عن مجاهد ان ابن عمر كان إذا جمع على اقامة خمسة عشر أتم وقال محمد فى كتاب الآثار ثنا ابو حنيفة ثنا موسى بن مسلم عن مجاهد عن ابن عمر قال إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على اقامة خمسة عشر يوما فاتمم الصلاة وان كنت لا تدرى متى تظعن فاقصر مسئلة: - لو دخل مصرا يريد ان يخرج غدا او بعد غد او متى أنجز حاجته ولم ينو مدة الاقامة حتى بقي على ذلك سنين قصرا بدا كذا قال الجمهور وهو أحد اقوال الشافعي وفى قول يقصر اربعة عشر يوما وأرجح أقواله يقصر سبعة عشر ويتم ثمانية عشر لحديث ابن عباس قال سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرا فصلى سبعة عشر يوما ركعتين ركعتين قال ابن عباس فنحن نصلى الى سبعة عشر ركعتين ركعتين فاذا قمنا اكثر من ذلك صلينا أربعا رواة الترمذي وقال هذا حديث صحيح ولا حجة فيه لانه اتفقت الا قامة تلك المدة والظاهر لو زادت دام القصر وقد روى احمد وابو داود عن جابر قال اقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة وروى عبد الرزاق بسنده ان ابن عمر اقام بآذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة ورواه البيهقي بسند صحيح وروى البيهقي بسنده ان ابن عمر قال ارتج علينا الثلج ونحن بآذربيجان ستة أشهر فى غزاة فكنا نصلى ركعتين وفيه انه كان مع غيره من الصحابة يفعلون ذلك واخرج عبد الرزاق عن الحسن قال كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنين فكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين واخرج عن انس بن مالك انه كان مع عبد الملك بن مروان بالشام ... ...

شهرين فيصلى ركعتين ركعتين مسئلة: - الملاح إذا سافر فى سفينة فيها اهله وماله وكذا المكاري الذي يسافر دائما يقصر عند الثلاثة لاطلاق النص وقال احمد لا يقصر- مسئلة نية الاقامة من اهل الكلاء وهم الاخبية قيل لا يصح والصحيح انهم مقيمون لان الاقامة اصل فلا يبطل بالانتقال من مرعى الى مرعى (مسئلة) إذا اقتدى المسافر بمقيم فى جزء من صلاته أتم أربعا عند الجمهور وقال مالك ان أدرك ركعة من صلوته أتم والا فلا وقال إسحاق بن راهويه يقصر المسافر خلف المقيم روى احمد عن موسى بن سلمة قال كنا مع ابن عباس بمكة فقلت انا إذا كنّا معكم صلينا أربعا وإذا رجعنا صلينا ركعتين قال تلك سنة ابى القاسم صلى الله عليه وسلم مسئلة من فاته صلوة الحضر فقضاها فى السفر قضاها تامّة قال ابن المنذر لا اعرف فيه خلافا الّا شيئا يحكى عن الحسن والمزني انه يقصر وان فاتته صلوة فى السفر فقضاها فى الحضر يقصر عند ابى حنيفة ومالك واحد قولى الشافعي وعند احمد يتم وهو أصح قولى الشافعي (مسئلة) ان صلى المسافر بالمقيمين صلى ركعتين وأتم المقيمون صلاتهم اجماعا عن عمران بن حصين قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح فاقام بمكة ثمان عشر ليلة لا نصلى الا ركعتين يقول يا اهل مكة صلّوا أربعا فانا قوم سفر رواه الترمذي وصححه- إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ اى ينالكم بمكروه من قتل او جرح او اسر او سلب مال، الَّذِينَ كَفَرُوا هذا شرط استغنى عن الجزاء بما سبق يعنى ان خفتم الفتنة من الكفّار فاقصروا من الصلاة فالخوف شرط لجواز القصر بظاهر هذا النصّ وبه قالت الخوارج والإجماع على انه ليس بشرط بل الكلام خارج مخرج الغالب فان غالب اسفار النبي صلى الله عليه وسلم كان مظنة الخوف فلا حكم لهذا الشرط كما فى قوله تعالى وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً وقد تظاهرت السنن على قصر الصلاة فى حالة الامن كما ذكرنا حديث يعلى بن امية عن عمر وروى الشافعي عن ابن عبّاس قال سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة أمنا لا يخاف الّا الله يصلى ركعتين- وعن حارثة بن وهب الخزاعي صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن اكثر ما كنا قطّ وامنة بمنى ركعتين متفق عليه وقيل قوله ان خفتم متصل بما بعده من صلوة الخوف منفصل عما قبله وهذا وان كان بعيدا من حيث النظم لكنه قريب من حيث المعنى ... ...

إذ الخوف فى صلوة الخوف شرط قطعا اجماعا ولم يذكر فيما بعد ويؤيده ما قال البغوي انه روى عن ابى أيوب الأنصاري انه قال نزل قوله فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ هذا القدر ثم بعد حول سالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلوة الخوف فنزل إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ الاية قال البغوي ومثله فى القران كثير يجىء الخبر بتمامه ثم ينسق عليه خبر اخر هو فى الظاهر كالمتّصل به وهو منفصل عنه كقوله تعالى الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وهذه حكاية عن امراة العزيز وقوله ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ اخبار عن يوسف عليه السّلام واخرج ابن جرير عن على عليه السلام قال سال قوم من بنى نجار رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله انا نضرب فى الأرض فكيف نصلى فانزل الله تعالى وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ثم انقطع الوحى فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم فهلا شددتم عليهم فقال قائل منهم ان لهم اخرى مثلها فى اثرها فانزل الله بين الصلاتين إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الى قوله عَذاباً مُهِيناً قلت فعلى هذا جزاء الشرط محذوف يدل عليه ما بعده يعنى إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فلا تتركوا الحزم والجهاد فى حالة الصلاة إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101) ظاهر العداوة واخرج احمد والحاكم وصححه والبيهقي فى الدلائل عن ابى عياش الزرقي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن وليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فقالوا قد كانوا على حالة لو أصبنا غرتهم ثم قالوا يأتى عليهم الان صلوة هى احبّ إليهم من أبنائهم وأنفسهم قال فنزل جبرئيل بهذه الاية بين الظهر والعصر. وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الاية قال فحضرت فامرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذوا بسلاح قال فصففنا خلفه صفين قال ثم ركع فركعنا جميعا ثم رفع فرفعنا جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصّف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلمّا سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا فى مكانهم ثم تقدم هؤلاء الى مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء الى مصاف هؤلاء قال ثم ركع فركعوا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ... ...

ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فصلّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بعسفان ومرة بأرض بنى سليم وروى مسلم صلوة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا من حديث جابر قوله تعالى وَإِذا كُنْتَ يا محمد حاضرا فِيهِمْ وأنتم تخافون العدو قيدنا بهذا القيد للاجماع على كون الحكم مقيدا به وان كان قوله تعالى ان خفتم الاية متصلا بما بعده كما قيل فهو قرينة على هذا التقييد وعلى هذا جاز ان يكون هذه الاية معطوفة على قوله ان خفتم والشرط مجموع الامرين الخوف وكونه صلى الله عليه وسلم فيهم وبناء على اشتراط كونه صلى الله عليه وسلم فيهم كما ينطق به ظاهر النصّ قال ابو يوسف رحمه الله انّ صلوة الخوف كانت مختصة به صلى الله عليه وسلم غير مشروع بعده وعامة العلماء على انها ثابت الحكم بعد النبي صلى الله عليه وسلم والائمة نواب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل عصر فكان الخطاب متنا ولا لكل امام وهذا جرى على عادة القران فى الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وان كان المقصود جميع الامة كما فى قوله تعالى فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ والحجة على جواز صلوة الخوف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين صلوا صلوة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير نكير بعضهم على بعض فصار اجماعا روى ابو داود انهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة كابل فصلى بنا صلوة الخوف وروى عن على عليه السّلام انه صلاها يوم الصفين وذكر الرافعي انه صلى المغرب صلوة الخوف ليلة الهرير بالطائفة الاولى ركعة وبالثانية ركعتين وقال البيهقي يذكر عن جعفر ابن محمّد عن أبيه ان عليا صلى المغرب صلوة الخوف ليلة الهرير وقال الشافعي وحفظ عن علىّ انه صلى صلوة الخوف ليلة الهرير كما روى صالح بن خوات عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى البيهقي من طريق قتادة عن ابى العالية عن ابى موسى الأشعري انه صلى صلوة الخوف بأصبهان وروى البيهقي عن سعد بن ابى وقاص انه صلى صلوة الخوف بحرب مجوس بطبرستان ومعه الحسن ابن على وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عمرو بن العاص وروى ابو داود والنسائي من طريق ثعلبة بن زهرم قال كنا مع سعيد بن العاص فقال أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة الخوف فقال حذيفة انا فصلى مع هؤلاء ركعة ومع هؤلاء ركعة فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ يعنى فاجعلهم طائفتين فليقم أحدهما معك ... ...

فصل بهم وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ قال مالك يجب حمل السّلاح فى صلوة الخوف وهو أحد قولى الشافعي وقال اكثر العلماء الأمر للاستحباب فَإِذا سَجَدُوا يعنى إذا أتم المصلون ركعة مع الامام وجاز ان يكون معناه فاذا صلوا اطلق السجود وأريد به الصلاة بتمامها تسمية الكل باسم الجزء فَلْيَكُونُوا اى المصلون مِنْ وَرائِكُمْ ايها الائمة الى تجاه العدو وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فى محل الرفع صفة لطائفة فَلْيُصَلُّوا اى تلك الطائفة الاخرى مَعَكَ يحتمل ان يراد بالصلوة الصلاة بتمامها وان يراد بالصلوة الركعة الثانية وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ المراد بالحذر ما يتحذر به من العدو كالدرع والجنة وبالسّلاح ما يقاتل به- اعلم انه روى صلوة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجوه أحدها ما ذكرنا من حديث ابى عياش الزرقي وحديث جابر قصة صلاته صلى الله عليه وسلم بعسفان إذا كان العدو بيننا وبين القبلة ثانيها ما رواه الشيخان فى الصحيحين عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع وفيه فصلى بطائفة ركعتين ثم تاخروا فصلى بالطائفة الاخرى ركعتين قال فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم اربع ركعات وللقوم ركعتان متفق عليه وهذا الحديث يحتمل الوجهين أحدهما انه صلى الله عليه وسلم صلى أربعا بتسليمة واحدة وكل طائفة صلى معه ركعتين ركعتين وثانيهما ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين وسلم على كل ركعتين كذا وقع صريحا فى حديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى بالناس صلوة الظهر فى الخوف ببطن نخل فصلى بطائفة ركعتين ثم سلم ثم جاء طائفة اخرى فصلى بهم ركعتين رواه البغوي من طريق الشافعي وشيخ الشافعي مجهول لكن وثقه الشافعي فقال أخبرني الثقة ابو عليّة او غيره، عن يونس عن الحسن عن جابر ورواه ابن الجوزي من طريق الدارقطني عن عنبسة عن الحسن عن جابر قال ابن الجوزي لا يصح قال يحيى بن معين عنبسة ليس بشىء وقال النسائي متروك وقال ابو حاتم كان يضع الحديث وروى هذا الحديث ابو داود وابن حبان والحاكم والدارقطني من حديث ابى بكرة ففى رواية ابى داود وابن حبان انها الظهر وفى رواية الدارقطني انها المغرب وأعلها ابن القطّان بان أبا بكرة اسلم بعد وقوع صلوة الخوف قال الحافظ هذا ليس بعلة فانه يكون ... ...

مرسل الصحابي ثالثها ما رواه الشيخان عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع واخرج البخاري بطريق اخر عن صالح بن خوات عن سهيل بن ابى حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ان طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لانفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الاخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا واتمّوا لانفسهم ثم سلم بهم رابعها ما رواه الترمذي والنسائي عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضحنان وعسفان فقال المشركون لهؤلاء صلوة هى احبّ إليهم من ابائهم وأبنائهم وهى العصر فاجمعوا أمركم فتميلوا عليهم ميلة واحدة وان جبرئيل اتى النبي صلى الله عليه وسلم فامره ان يقسّم أصحابه شطرين فيصلى بهم ويقوم طائفة اخرى وراءهم وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم فيكون لهم ركعة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان رواه الترمذي والنسائي وهكذا قال البغوي انه روى عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم فى صلوة الخوف صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا قال البغوي ورواه زيد بن ثابت وقال كانت للقوم ركعة ركعة وللنبى صلى الله عليه وسلم ركعتان وتاوّله قوم على صلوة شدة الخوف وقالوا الفرض فى هذه الحالة ركعة واحدة خامسها ما رواه البخاري فى الصحيح عن سالم بن عمر عن أبيه قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى لنا فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم يصل فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين وروى نافع نحوه وزاد فان كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا على أقدامهم او ركبانا مستقبلى القبلة او غير مستقبليها قال نافع لا ارى قال ابن عمر ذلك الّا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فى رواية ابن عمر هذه اىّ الطّائفتين يتم صلاته اوّلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار ابو حنيفة من وجوه صلوة الخوف هذا الوجه الأخير ولم يجوّز سواه وقال يذهب الطائفة الثانية بعد سلام الامام وجاه العدو ويجىء الطائفة الاولى فيتم صلاته اوّلا ثم يجىء الطائفة الثانية فيتم صلاته ... ...

ويسلم لما ذكر محمد فى كتاب الآثار هكذا من رواية ابى حنيفة قول ابن عباس والموقوف فيه كالمرفوع ولم يجوّز سواه اما الوجه الثاني صلاته عليه السّلام ببطن نخل فهو يستلزم اقتداء المفترض بالمتنفل قال الطحاوي انه كان فى وقت كانت الفريضة تصلى مرتين ثم نسخ ذلك ولو كانت الفريضة مشروعة تكرارها لما احتيج الى شرع صلوة الخوف مع المنافى وامّا الوجه الثالث صلاته صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فهو يستلزم ان يركع المؤتم ويسجد قبل الامام وذلك لم يعهد وان انتظار الامام المأموم على خلاف مقتضى الامامة وامّا الوجه الرابع صلاته صلى الله عليه وسلم بين ضحنان وعسفان يكون للقوم ركعة واحدة فمتروك العمل بالإجماع لانهم اتفقوا على ان الخوف لا ينقص عدد الركعات وامّا الوجه الاوّل صلاته صلى الله عليه وسلم بعسفان حين كان العدو بينه وبين القبلة فهو مخالف لكتاب الله تعالى حيث قال الله تعالى فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وفى هذا الوجه تقوم الطائفتان جميعا وقال الله تعالى وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا وفى هذا الوجه انهم قد صلوا وقال الشافعي واحمد ومالك جميع الصفات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم فى صلوة الخوف معتد بها وانما الخلاف فى الترجيح وقال احمد بن حنبل ما اعلم فى هذا الباب الّا حديثا صحيحا واختار الشافعي من الوجوه المذكورة اربعة أوجه واحمد ثلاثة ان كان العدو بينه وبين القبلة فالمختار عندهما الوجه الاول صلاته بعسفان وان كان فى جهة غير جهة القبلة فالمختار عند الشافعي امّا الوجه الثاني صلاته عليه السلام ببطن نخل واقتداء المفترض بالمتنفل صحيح عنده خلافا لاحمد وامّا الوجه الثالث صلاته عليه السّلام بذات الرقاع وعند احمد هو المختار فحسب قالوا هذا الوجه أشدّ موافقة لظاهر القران وأحوط للصلوة وابلغ للحراسة عن العدو وذلك لان الله تعالى قال فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ اى إذا صلوا ثم قال وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا وهذا يدل على ان الطائفة الاولى قد صلوا وقال فليصلّوا معك، ومقتضاه ان بصلوا تمام الصلاة وظاهره يدل على ان كل طائفة تفارق الامام بعد تمام الصلاة وفيه الاحتياط لامر الصلاة من حيث انه لا يكثر فيها العمل والذهاب والمجيء والاحتياط لامر الحرب من حيث انهم إذا لم يكونوا فى الصلاة كان أمكن للحرب والهرب ان احتاجوا اليه والوجه الرابع للشافعى وهو الثالث لاحمد حين يلتحم القتال ويشتد الخوف فيصلى كيف أمكن راكبا و ... ...

ماشيا ويعذر فى ترك القبلة وفى الأعمال الكثيرة لحاجة وان عجز عن ركوع وسجود اومأ والسجود اخفض وقال ابو حنيفة لا يجوز الصلاة فى حالة القتال ماشيا والقتال والعمل الكثير يفسد الصلاة عنده ويجوز الصلاة راكبا يومى ايماء او قائما على قدميه وقد مرّت هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً- (فائدة) قال الحافظ رويت صلوة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم على اربعة عشر نوعا ذكرها ابن حزم فى جزء مفرد بعضها فى صحيح مسلم ومعظمها فى سنن ابى داود وذكر الحاكم منها ثمانية انواع وابن حبان تسعة مسئلة يجوز صلوة الخوف فى الحضر عند الجمهور خلافا لمالك فيصلى بكل طائفة ركعتين ويصلى المغرب بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة والله اعلم- وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اى يتمنون لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ عطف على تغفلون اى يحملون ويشدون عليكم مَيْلَةً واحِدَةً بجملتهم وكلمة لو للتمنى والجملة بيان للوداد وجاز ان يكون لو مصدرية والجملة فى محل النصب على انه مفعول ودوا وهذا بيان ما لاجله أمروا بأخذ السلاح والصلاة بهذه الكيفية والله اعلم، قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزى محاربا وبنى انمار فنزلوا ولا يرون من العدو واحدا فوضع الناس أسلحتهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة له قد وضع سلاحه حتى قطع الوادي والسماء ترش فحال الوادي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظل شجرة فبصر به غويرث بن الحارث المحاربي فقال قتلنى الله ان لم اقتله ثم انحدر من الجبل ومعه السيف قد سلّه من غمده فقال يا محمد من يعصمك منى الان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اللهم اكفنى غويرث بن الحارث بما شئت ثم أهوى بالسيف الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربنه فانكب بوجهه من زلّخة «1» زلّخها بين كتفيه وندر سيفه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذ ثم قال يا غويرث من يمنعك منى الان قال لا أحد قال تشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وأعطيك سيفك قال لا ولكن اشهد ان لا أقاتلك ابدا ولا أعين عليك عدوا فاعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه فقال غويرث

_ (1) زلخة بضم الزاء وتشديد اللام وفتحها وجع يأخذ فى الظهر لا يتحرك الإنسان من شدته واشتقاقها من الزلخ وهو الزلق نهاية- منه رحمه الله وفى القران ودّ

[سورة النساء (4) : آية 103]

والله لانت خير منى قال النبي أجل انا أحق بذلك منك فرجع غويرث الى أصحابه فقالوا ويلك ما منعك منه قال لقد أهويت اليه بالسّيف لاضربنه فو الله ما أدرى من زلخنى بين كتفى فخررت بوجهي وذكر حاله فنزل قوله تعالى وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ يبلّ السلاح أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى لا تستطيعون حمل السّلاح لثقلها أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ اى فى ان تضعوا وقع الشرط فى خلال جملة تصلح للجزاء فحذف الجزاء استغناء تقدير الكلام وان كان بكم أذى من مطر او كنتم مرضى فلا جناح عليكم فى ان تضعوا أسلحتكم، رخص الله سبحانه فى وضع الأوزار بعذر المطر او المرض وذلك يدل على ان الأمر بأخذ السلاح فيما سبق للوجوب كما قال مالك والشافعي دون الاستحباب وَخُذُوا حِذْرَكُمْ من التحصن بالحصن او التحيز الى المنعة فى مثل هذه الحالة أمرهم فى تلك الحالة بأخذ الحذر كيلا يهجم عليهم العدو فان حفظ الأنفس عن الضياع بلا فائدة (يعود الى إعلاء كلمة الله) واجب وهذه الجملة اعنى الأمر بأخذ الحذر فى مثل تلك الحالة وجه المناسبة للاية بما ذكرنا من شأن نزولها كأنّ الله سبحانه ارشد نبيه صلى الله عليه وسلم ان لا يبعد عن المعسكر وحده لحاجة الإنسان عند خوف العدو إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فى الدنيا بالقتل والاسر وفى الاخرة بالنار وفيه وعد للمؤمنين بالنصر على الكافرين بعد الأمر بالحزم ليتقوى قلوبهم وليعلموا ان الأمر بالحذر ليس لضعفهم وغلبة عدوهم بل لان الواجب التشبث بالأسباب على مقتضى جرى العادة وان تحافظوا على التيقظ والتدبر مع التوكل على الله ثم الكلبي فى الرواية المذكورة قال وسكن الوادي فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الوادي الى أصحابه وأخبرهم الخبر وقرأ عليهم هذه الآية واخرج البخاري عن ابن عباس قال نزلت إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى فى عبد الرحمن بن عوف كان جريحا يعنى رخص هو لاجل الجرح فى وضع الاسلحة. فَإِذا «1» قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ اى فرغتم منها يعنى من صلوة الخوف فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ يعنى فدوموا على الذكر بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وغير ذلك فى جميع الأحوال عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل احيانه رواه ابو داود والظاهر ان المراد بالآية والحديث دوام الحضور بالقلب إذ لا يتصور دوام الذكر باللسان

_ (1) فى الأصل وإذا-

وقيل المراد به إذا فرغتم من صلوة الخوف فاذكروا الله يعنى صلوا قياما فى حالة الصحة وقعودا او على جنوبكم بحسب الطاقة فى حالة المرض او الزمانة او الجرح او الضعف او المراد إذا أردتم الصلاة فى حالة الخوف فصلوا قياما ان قدرتم عليه وقعودا ان عجزتم عن القيام وعلى جنوبكم ان عجزتم عن القعود فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ اى سكنت قلوبكم بزوال الخوف فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فعدلوا واحفظوا أركانها وشرائطها ولا يجوز حينئذ فى الصلاة ما يجوز فى حالة الخوف إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً اى مكتوبا مفروضا مَوْقُوتاً (103) محدودا بالأوقات لا يجوز إخراجها عنها ما أمكن كانه تعليل لتشريع صلوة الخوف والصلاة قاعدا او راقدا عند العذر ولا دليل فى هذه الاية على جواز الصلاة فى حالة الحرب والمسابقة كما قال به الشافعي واستدل عليه البيضاوي بهذه الاية لانه لو كانت الصلاة جائزة فى حالة المسابقة لذكرها كما ذكرها قاعدا وعلى الجنوب فاذا لم يذكر فالاصل عدم الجواز والاية مجملة فى الأوقات ورد بيانها بالسنة، مسئلة اجمعوا على انّ وقت الظهر بعد الزوال الى وقت العصر والعصر الى غروب الشمس الا انه يكره تحريما بالإجماع بعد اصفرار الشمس والوقت المختار عند الشافعي ان لا يؤخر العصر عن مصير الظل مثلين ووقت المغرب بعد غروب الشمس والعشاء بعد غروب الشفق الى طلوع الفجر لكن المختار بالإجماع ان لا يؤخر العشاء بعد نصف الليل والفجر بعد طلوع الصبح المعترض الى طلوع الشمس واختلفوا فى اخر وقت الظهر والمغرب فالجمهور على ان وقت الظهر الى بلوغ ظل كل شىء مثله سوى فىء الزوال والمغرب الى غروب الشفق خلافا لابى حنيفة فى اخر الظهر حيث قال الى المثلين وخلافا لمالك والشافعي فى أحد قوليه فى اخر المغرب حيث قالا لا يؤخر المغرب فى الاختيار عن غروب الشمس والأصل فى الباب حديث امامة جبرئيل عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال امّنى جبرئيل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر فى الاولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك ثم صلى العصر حين كان كل شىء مثل ظله ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الفجر حين «1» برق الفجر وحرم الطعام على الصّائم وصلى المرة الثانية الظهر حين صار ظل كل شىء مثله كوقت العصر بالأمس وصلى العصر حين صار ظل كل شىء مثليه ثم المغرب بوقته الاول والعشاء الاخر حين ذهب ثلث الليل ثم صلى الصبح حين اصفرت الأرض ثم التفت

_ (1) فى الأصل حتى

الىّ جبرئيل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين رواه ابو داود والترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان فى صحيحه والحاكم وقال صحيح الاسناد لكن فيه عبد الرحمن بن الحرث ضعّفه احمد والنسائي وابن معين وابو حاتم ووثقه ابن سعد وابن حبان وقد توبع عليه اخرج عبد الرزاق عن العمرى عن عمرو بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس نحوه قال ابن دقيق العبد هى متابعة حسنة وصححه ابو بكر بن العربي وابن عبد البر وقد روى حديث امامة جبرئيل عن عدة من الصحابة منهم جابر بمعناه وفيه فصلى العشاء فى اليوم الثاني حين ذهب نصف الليل او قال ثلث الليل قال البخاري أصح حديث فى المواقيت حديث جابر وعن بريدة قال انّ رجلا سال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة فقال له صل معنا هذين يعنى اليومين فلمّا زالت الشمس امر بلالا فاذن ثم امره فاقام الظهر ثم امره فاقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ثم امره فاقام المغرب حين غابت الشمس ثم امره فاقام العشاء حين غاب الشفق ثم امره فاقام الفجر حين طلع الفجر فلما كان اليوم الثاني امره فابرد بالظهر فابردها فانعم ان يبردها وصلى العصر والشمس مرتفعة آخرها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل ان يغيب الشفق وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فاسفرها ثم قال اين السائل عن وقت الصلاة فقال الرجل انا يا رسول الله قال وقت صلاتكم بين ما رايتم رواه مسلم وعن ابى موسى نحو حديث بريدة وفيه اخّر النبي صلى الله عليه وسلم المغرب يعنى فى اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق رواه مسلم وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل كل شىء كطوله ما لم يحضر العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ووقت المغرب ما لم يغب «1» الشفق ووقت العشاء الى نصف الليل الأوسط ووقت الفجر من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس رواه مسلم، وفى حديث ابى هريرة اوّل وقت المغرب حين تغرب الشمس واخر وقتها حين تغيب الأفق وان اوّل وقت العشاء الاخرة حين تغيب الأفق وان اخر وقتها حين ينتصف الليل وان اوّل وقت الفجر حين يطلع واخر وقتها حين تطلع الشمس رواه الترمذي من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش عن ابى صالح عن ابى هريرة وخطأ البخاري رفعه وهذه الأحاديث حجة للجمهور على مالك والشافعي فى ان اخر وقت المغرب الى ان يغيب الشفق واما اخر وقت العصر الى غروب الشمس فمستفاد من قوله تعالى إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ فَقالَ

_ (1) فى الأصل ما لم يغرب

إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ وقوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصبح قبل ان تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر متفق عليه من حديث ابى هريرة وامّا اخر وقت العشاء ما لم تطلع الفجر فلم يوجد فى شىء من الأحاديث صحيح ولا ضعيف لكن اختلف الأحاديث الصحاح فيه روى عن ابن عباس وابى موسى الأشعري وابى سعيد الخدري انه صلى الله عليه وسلم آخرها الى ثلث الليل وروى عن ابى هريرة وانس انه صلى الله عليه وسلم آخرها حتى انتصف الليل وروى ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم آخرها حتى ذهب ثلثا اللّيل وروت عائشة انه اعتم بها حتى ذهب عامة الليل وكل هذه الأحاديث فى الصحيح قال الطحاوي يفيد مجموع هذه الأحاديث ان الليل كله وقت لها لكن على ثلاث مراتب الى الثلث أفضل والى النصف دونه وما بعده دونه، ثم ساق بسنده الى نافع بن جبير قال كتب عمر الى ابى موسى الأشعري وصل العشاء اىّ الليل شئت ولا تغفلها وعند مسلم فى قصّة ليلة التعريس عن ابى قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس فى النوم تفريط انما التفريط ان يؤخر صلوة حتى يدخل وقت الاخرى وهذا يدل على ان وقتها الى طلوع الفجر وقد اجمعوا على انه إذا اسلم الكافر او طهرت الحائض او بلغ الصبى وقد بقي من الليل شىء يجب عليه العشاء وامّا أحاديث امامة جبرئيل وامامة النبي صلى الله عليه وسلم للسّائل عن وقت الصّلوة فمحمولة على المختار من الوقت ما لا كراهة فيه ولذا قال ابو حنيفة رحمه الله تأخير المغرب عن اوّل الوقت مكروه تنزيها لا تحريما لما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم انه اخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق وتأخير العشاء عما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم والعصر الى اصفرار الشمس مكروه تحريما وأشدّ كراهة تأخير العصر الى الاصفرار لورود النهى عن الصّلوة فى ذلك الوقت وكونه منسوبا الى الشيطان وامّا ما ورد فى حديث امامة جبرئيل اخر وقت العصر حين صار ظل كل شىء مثليه فمنسوخ من قوله صلى الله عليه وسلم وقت العصر ما لم تصفى الشمس وامّا اخر وقت الظهر فلم يوجد فى حديث صحيح ولا ضعيف انه يبقى بعد مصير ظل كل شىء مثله ولذا خالف أبا حنيفة فى هذه المسألة صاحباه ووافقا الجمهور واحتج ابو حنيفة بما مرّ من حديث بريدة فلما كان اليوم الثاني امره فامره «1» فابرد بالظهر فابردها فانعم ان يبردها ولقوله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد الحرّ فابردوا بالصلوة فان شدة الحرّ من فيح جهنم رواه الستة قال ابو حنيفة وأشدّ الحر

_ (1) هكذا فى الأصل-

فى ديارهم فى هذا الوقت حين صار ظل كل شىء مثله فكان حديث الإبراد ناسخا لحديث امامة جبرئيل فانه اوّل أحاديث الباب وإذا ثبت بقاء وقت الظهر بعد صيرورة الظل مثل الشيء نسخا لامامة جبرئيل بحديث الإبراد ثبت نسخ حديث امامة جبرئيل فى حق اوّل وقت العصر ايضا لانّ قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً يقتضى كون «1» الوقت لكل صلوة وقتا على حدة ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما التفريط ان يؤخر صلوة حتى تدخل وقت الاخرى لكن امامة جبرئيل فى اليوم الثاني العصر عند صيرورة ظل كل شىء مثليه يفيد انه وقته ولم ينسخ فيستمر ما علم ثبوته من بقاء وقت الظهر الى ان يدخل هذا الوقت المعلوم كونه وقتا للعصر وهذا الاستدلال ضعيف جدّا ودلالة حديث الأبرار على بقاء وقت الظهر بعد المثل ممنوع بل الأبرار امر إضافي وشدة الحرّ انما يكون عند الزوال وبعض الأبرار يحصل قبيل بلوغ الظل مثل الشيء ولو كان الحرّ فى ديارهم حين بلوغ ظل الشيء مثله أشد مما قبله لكان مقتضى الأمر بالابرار تعجيل الصلاة فى اوّل الوقت والله اعلم (مسئلة) الشفق الحمرة عند الجمهور وهو رواية عن ابى حنيفة رحمه الله والمشهور من مذهبه انه البياض التي بعد الحمرة لان اللفظ مشترك بينهما ولا يزول وقت المغرب ولا يدخل وقت العشاء بالشك ولان الأحوط ذلك فانه لا يجوز الصلاة قبل الوقت ويجوز بعده احتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم الشفق الحمرة فاذا غاب الشفق وجبت الصلاة رواه ابن عساكر فى غرائب مالك من حديث عتيق بن يعقوب عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ورواه ابن عساكر من حديث ابى حذافة عن مالك وقال حديث عتيق أمثل اسنادا وصحح البيهقي وقفه وذكر الحاكم فى المدخل حديث ابى حذافة وجعله مثالا لما رفعه المخرجون من الموقوفات ورواه ابن خزيمة فى صحيحه من حديث محمد بن يزيد الواسطي عن شعبة عن قتادة عن ابى أيوب عن ابن عمر ورفعه وقت المغرب الى ان يذهب حمرة الشفق قال ابن خزيمة ان صحّت هذه الرواية بهذا اللفظ اغنت عن جميع الروايات لكن تفرّد بها محمد بن يزيد وانما قال فيه اصحاب شعبة ثور الشفق مكان حمرة الشفق قال الحافظ ابن حجر محمد بن يزيد صدوق وقال البيهقي روى هذا الحديث عن عمرو على وابن عباس وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وابى هريرة ولا يصح فيه شىء والله اعلم ذكر البغوي ان أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا يوم أحد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) فى الأصل كون لكل صلوة-

[سورة النساء (4) : آية 104]

طائفة فى اثارهم فشكوا الم الجراحات فانزل الله تعالى. وَلا تَهِنُوا اى لا تضعفوا ايّها المؤمنون فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ فى طلب الكفار بالقتال إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ الم الجراحات فَإِنَّهُمْ اى الكفار يَأْلَمُونَ من الجراحات كَما تَأْلَمُونَ يعنى ضرر القتال دائر بين الفريقين غير مختصّ بكم وَتَرْجُونَ من الاجر والثواب مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ اى الكفار فينبغى ان تكونوا ارغب فى القتال منهم واصبر وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بأعمالكم وضمائركم حَكِيماً (104) فيما يأمر وينهى والله اعلم، ما ذكر البغوي يدل على ان الاية نزلت فى غزوة حمراء الأسد ويدل عليه قوله تعالى إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ وقال البيضاوي نزلت فى بدر الصغرى ولا دليل عليه ولم يذكر اصحاب السير نزول هذه الاية فى أحد الغزوتين ولا يدل عليه سياق الكلام بل ذكروا فيه نزول الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ الاية اية ال عمران والله اعلم، روى الترمذي والحاكم وغيرهما عن قتادة بن النعمان قال كان اهل بيت يقال لهم بنوا أبيرق بشر وبشير ومبشر وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله «1» بعض العرب يقول قال فلان كذا وكانوا اهل بيت حاجة وفاقة فى الجاهلية والإسلام وكان الناس انما طعامهم بالمدينة التمر والشعير فابتاع عمّى رفاعة بن زيد حملا من الدرر «2» مك فجعله فى مشربة «3» له فيها سلاح ودرع وسيف فعدى «4» عليه من تحت فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسّلاح فلما أصبح أتاني عمّى رفاعة فقال يا ابن أخي انه قد عدى علينا فى فى ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا فتجسسنا فى الدار وسالنا فقيل لنا راينا بنى أبيرق استوقد وافى هذه الليلة ولا نرى فيما نرى الأعلى بعض طعامكم فقال بنوا أبيرق ونحن نسئل فى الدار والله ما نرى صاحبكم الّا لبيد بن سهيل رجل منا له صلاح واسلام فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال انا اسرق فو الله ليخالطنكم هذا السيف او لتبيننّ هذه السرقة قالوا إليك عنا ايها الرجل فما أنت بصاحبها فسالنا فى الدار حتى لم نشك انهم أصحابها فقال لى عمّى يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فاتيته فقلت اهل بيت منا اهل جفاء عمدوا الى عمّى فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا فامّا الطعام

_ (1) اى ينسبه إليهم من النخلة بمعنى النسبة بالباطل نهاية (2) الدقيق الحرارى نهاية منه رح (3) بالضم والفتح الغرفة نهاية منه رح (4) اى سرق ماله وظلم نهاية منه رح

[سورة النساء (4) : آية 105]

فلا حاجة لنا فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سانظر فى ذلك فلما سمع بنوا أبيرق أتوا «1» رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه فى ذلك فاجتمع فى ذلك أناس من اهل الدار فقالوا يا رسول الله ان قتادة بن النعمان وعمه عمدا الى اهل بيت نا اهل اسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا يثبت قال قتادة فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمدت الى اهل بيت ذكر منهم اسلام وصلاح ترميهم بالسرقة فلم نلبث ان نزل القران. إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ الآيات الى قوله عظيما، فلما نزل القران اتى رسول الله بالسلاح فرده الى رفاعة ولحق بشير المشركين فنزل على سلافة بنت سعد فانزل الله وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى الى قوله ضللا بعيدا، قال الحاكم صحيح على شرط مسلم واخرج ابن سعد فى الطبقات بسنده عن محمود بن لبيد قال عدا بشير بن الحارث على علية رفاعة بن زيد عمّ قتادة بن النعمان فنقبها من ظهرها وأخذ طعاما له ودرعين باداتهما فاتى قتادة النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره بذلك فدعا بشيرا فساله فانكر ورمى بذلك لبيد بن سهيل رجلا من اهل الدار ذا حسب ونسب فنزل القران بتكذيب بشير وبراءة لبيد إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ الآيات فلما نزل القران فى بشير وعثر عليه هرب الى مكة مرتدا فنزل على سلافة بنت سعد فجعل يقع فى النبي صلى الله عليه وسلم وفى المسلمين فنزل القران فيه وهجاه حسان بن ثابت حتى رجع وكان ذلك فى شهر الربيع الثاني سنة اربع من الهجرة وقال البغوي روى الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس وأخرجه ابن جرير عنه قال نزلت هذه الاية فى رجل من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق بنى ظفر بن الحارث سرق درعا من جار له يقال له قتادة بن النعمان وكانت الدرع فى جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فى الجراب حتى انتهى الى الدار ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له زيد السمين فالتمست الدرع من عند طعمة فحلف والله ما أخذها وماله بها علم فقال اصحاب الدرع لقد راينا اثر الدقيق حتى دخل داره فلما خلف تركوه واتبعوا اثر الدقيق الى منزل اليهودي فاخذوه فقال اليهودي دفعها الىّ طعمة بن أبيرق فجاء بنوا ظفر وهم قوم طعمة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسالوه ان يجادل عن صاحبهم وقال له انك ان لم تفعل افتضح صاحبنا فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعاقب اليهودي وقال البغوي ويروى عن ابن عبّاس رواية اخرى انّ

_ (1) فى الأصل وأتوا-

طعمة سرق الدرع فى جراب فيه نخالة فخرق الجراب حتى كان يتناثر منه النخالة طول الطريق فجاء به الى دار زيد السمين وتركه على بابه وحمل الدرع الى بيته فلما أصبح صاحب الدرع جاء على اثر النخالة الى دار زيد السمين فاخذه وحمله الى النبي صلى الله عليه وسلم فهمّ النبي صلى الله عليه وسلم ان يقطع يد زيد اليهودي وقال البغوي قال مقاتل ان زيد السمين أودع درعا عند طعمة فجحدها طعمة فانزل الله تعالى هذه الاية إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ متلبسا بِالْحَقِّ اى بالأمر والنهى والعلوم الحقة لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ قال البيضاوي الرؤية ليست بمعنى العلم والا لاستدعى ثلثة مفاعيل والروية بمعنى الابصار ظاهر الانتفاء فالمعنى بما عرفك الله واوحى إليك وقال بعض الأفاضل يمكن حمله على معنى العلم بحذف مفعوله الثاني والثالث اى بما علمكه الله حقا وهو وان كان محتاجا الى زيادة الحذف لكنه غنى عن التجوز قلت والظاهر عندى ان الرؤية بمعنى العلم وما الموصولة عبارة عن مضمون جملة يتعلق بها العلم والضمير العائد الى الموصول محذوف فى حكم المذكور مغنى عن المفعولين لقيام مضمون الجملة مقامها كانه قيل لتحكم بين الناس بكون طعمة سارقا ولبيد او زيد «1» بريا وهذه الاية دليل على ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعمل بالمظنون لكنها لا ينفى الاجتهاد عن النبي صلى الله عليه وسلم لانه إذا حصل للنبى صلى الله عليه وسلم ظن بالاجتهاد وقرر الله سبحانه ولم يطلعه على الخطأ ظهر عنده بيقين انه الحق بخلاف المجتهد ويؤيده ما روى عن عمرو بن دينار ان رجلا قال لعمر احكم بما أراك الله قال مه انما هذا للنبى صلى الله عليه وسلم خاصّة وجاز ان يكون هذا الحكم عاما ويقال ان المجتهد إذا ظهر عنده الحكم بدليل ظنى من خبر الآحاد او القياس فالعمل به واجب بدلائل قطعية من الكتاب والسنة والإجماع ما لم يظهر دليل راجح يخالفه فالحكم المظنون عند المجتهد بعد بذل جهده وان كان غير معلوم عنده انه فى نفس الأمر لكنه معلوم عنده انه واجب «2» العمل وقال الشيخ ابو منصور رحمه الله معنى الاية بما ألهمك الله بالنظر فى الأصول المنزلة وقال فيه دليل على جواز الاجتهاد فى حقه

_ (1) فى الأصل لبيدا او زيدا (2) وعن ابن وهب قال قال لى مالك الحكم الذي يحكم بين الناس على وجهين فالذى حكم بالقران والسنة الماضية فذلك الحكم الواجب والصّواب والحكم الذي يجتهد فيه العالم نفسه فيما لم يأت فيه شىء فلعله ان يوافق والثالث التكلف لما لا يعلم فما أشبه ذلك ان لا يوافق منه رحمه الله.

[سورة النساء (4) : آية 106]

وَلا تَكُنْ عطف على أنزلنا بتقدير القول يعنى وقلنا لا تكن او عطف على الكتاب لكونه منزلا يعنى أنزلنا إليك الكتاب وأنزلنا إليك لا تكن لِلْخائِنِينَ يعنى لاجلهم وللذب عنهم والمراد بهم بنوا أبيرق خَصِيماً (105) للبراء وهم لبيد بن سهيل او زيد السمين اليهودي. وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ممّا قلت لقتادة بن النعمان كذا فى رواية الترمذي والحاكم عن قتادة وقال البغوي استغفر الله مما هممت به من معاقبة اليهودي وقال مقاتل استغفر الله من جدالك عن طعمة إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) لمن استغفره-. وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ اى يخونونها فان وبال خيانتهم يعود عليهم او جعل المعصية خيانة لانفسهم لما جعلت ظلما عليها والضمير لابن أبيرق وأمثاله اوله ولقومهم حيث شاركوه فى الإثم وسالوا النبي صلى الله عليه وسلم ان يجادل عنه إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُ اى يبغض مَنْ كانَ خَوَّاناً اى مبالغا فى الخيانة مصرّا عليها أَثِيماً (107) بانكار الحق والكذب ورميه بالسرقة البريء منه قيل انه خطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره كقوله فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ قال البغوي الاستغفار فى حقّ الأنبياء على أحد الوجوه الثلاثة امّا لذنب تقدم على النبوة او لذنوب أمته وقرابته او لمباح جاء فى الشرع تحريمه فتركه والاستغفار معناه السمع والطاعة لحكم الشرع. يَسْتَخْفُونَ «1» اى يستترون حياء وخوفا من الفضيحة يعنى قوم بنى أبيرق مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ اى لا يستحيون من الله وهو أحق ان يستحيى منه وأحق ان يخاف الفضيحة لديه او لا يمكنهم الاستخفاء من الله تعالى وَهُوَ مَعَهُمْ لا يخفى عليه سرهم ولا طريق معه الا ترك ما يستقبحه ويؤاخذ عليه إِذْ يُبَيِّتُونَ اى يزورون ليلا ويتقولون وقد مر معنى التبييت فى قوله تعالى بيّت طائفة ما لا يَرْضى الله مِنَ الْقَوْلِ قال البغوي ذلك ان قوم طعمة قالوا فيما بينهم نرفع الأمر الى النبي صلى الله عليه وسلم فانه يسمع قول طعمة ويمينه لانه مسلم ولا يسمع قول اليهودي لانه كافر فلم يرض الله بذلك القول وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) لا يفوت منه شىء-

_ (1) عن ابن حميد وابن ابى حاتم عن ابن مسعود موقوفا من صلى صلوة عند الناس لا يصلى بها إذا خلا فهى استهانة استهان بها ربّه ثم تلا هذه الاية يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ منه رحمه الله [.....]

[سورة النساء (4) : آية 109]

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ أنتم مبتدا وهؤلاء منادى بحذف حرف النداء وما بعده خبر المبتدا او يقال هؤلاء خبر مبتدا وقوله جادَلْتُمْ الى آخره جملة مبيّنة بوقوع هؤلاء خبرا وصلة عند من يجعله موصولا عَنْهُمْ يعنى عن ابن أبيرق وأمثاله وقومه والجدال شدة المخاصمة من الجدل وهو شدة الفتل وهو يريد قتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج وقيل الجدال من الجدالة بمعنى الأرض فكأنّ كل واحد من الخصمين يريد إلقاء صاحبه على الأرض فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يعنى لا أحد يجادل الله عن أمثال ابن أبيرق إذا أراد تعذيبهم يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) محاميا يحميهم ويدفع عنهم عذاب الله لان من وكل اليه الأمر يحافظ عليه وأم فى مثل هذا الموضع حيث وقع بعده حرف استفهام مثل أم ماذا كنتم وأم كيف ينفع ليست بمتصلة ولا منقطعة بل هى بمعنى بل ويجوز الحمل على أحد معنييه بتأويل. وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً «1» قبيحا يسوء به غيره أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ بما يختص به وقيل المراد بالسوء ما دون الشرك وبالظلم الشرك وقيل الصغيرة والكبيرة ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ «2» لَّهَ بالتوبة ورد المظالم يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً لذنوبه رَحِيماً (110) متفضلا عليه فيه حث لابن أبيرق وقومه على التوبة والاستغفار. وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً صغيرا او كبيرا فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ حيث يتضرر به نفسه لا يتعدى وباله الى غيره وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بما كسب عبده حَكِيماً (111) فى مجازاته. وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً صغيرة او ما لا عمد فيه أَوْ إِثْماً كبيرة او ما كان عن عمد ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً كما رمى ابن أبيرق لبيدا او زيد السمين ووحد الضمير لمكان او فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً اى كذبا يبهت «3» ويتحير به العقول وَإِثْماً ذنبا مُبِيناً (112) ظاهرا بسبب رمى البريء وتبرئة النفس الخاطئة

_ (1) اخرج ابن راهويه فى مسنده عن عمر بن الخطاب قال لمّا نزلت مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً لبثنا ما ينفضا طعام ولا شراب حتى انزل الله بعد ذلك وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً منه رحمه الله- (2) روى من طرق متعددة عن على قال سمعت أبا بكر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد أذنب ذنبا فقام فتوضأ فاحسن وضوءه ثم قام فصلى واستغفر من ذنبه الا كان حقا على الله ان يغفره لانه يقول وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً رواه ابن ابى حاتم وابن السنى وابن مردوية منه رحمه الله (3) عن زيد بن اسلم ان عمر بن الخطاب اطلع على ابى بكر وهو يمد لسانه قال ما تصنع يا خليفة رسول الله قال ان هذا الذي أورد فى الموارد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس شىء من الجسد الا يشكو ذرب اللسان على حدته منه رحمه الله-

[سورة النساء (4) : آية 113]

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ ايها النبي وَرَحْمَتُهُ اى عصمته ولطفه من الاطلاع على سرّهم لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ اى بنوا ظفر أَنْ يُضِلُّوكَ فى القضاء بالتزوير ويلبسوا عليك الأمر حتى تدافع عن ابن أبيرق والجملة جواب لولا وليس القصد فيه الى نفى همّهم بل الى نفى تأثيره فيه كانّه نزل وجود الهمّ منزلة العدم لعدم تأثيره وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ فان ضرر اضلالهم انما يعود إليهم وَما يَضُرُّونَكَ بعصمة الله مِنْ شَيْءٍ منصوب المحل على المصدرية اى شيئا من الضرر كان مقتضى الظاهر وما أضلوا الا أنفسهم وما أضرّوك من شىء عدل الى المضارع لحكاية الحال وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ اى القران وَالْحِكْمَةَ اى العلوم الحقة بالوحى الغير المتلوّ وَعَلَّمَكَ العلوم بالاسرار والمغيبات قال قتادة علمه الله بيان الدنيا والاخرة من حلاله وحرامه ليحتج بذلك على صحة ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ جملة وانزل الله وعلّمك جملة حالية بتقدير قد متعلق بنفي الإضلال ونفى الضرر على سبيل التنازع وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) إذ لا فضل أعظم من النبوة والله اعلم. لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ النجوى السرّ كذا فى القاموس وناجيته ساررته قال فى الصحاح أصله ان تخلو به فى نجوة من الأرض يعنى ما ارتفع منها وقيل أصله من النجاة وهو ان يعاونه على ما فيه خلاصة قال البغوي النجوى هو الاسرار فى التدبير وقيل النجوى ما يتفرد بتدبيره قوم سرّا كان او جهارا ويؤيّده قوله تعالى وَأَسَرُّوا النَّجْوى ومعنى الاية لا خير فى كثير ممّا يزور به بينهم وجاز ان يكون المصدر بمعنى الفاعل والمراد به الرجال المتناجون كما فى قوله تعالى وَإِذْ هُمْ نَجْوى والضمير المجرور عائد الى قوم ابن أبيرق الذين يستخفون من الناس إذ هم يبيون ما لا يرضى الله من القول وقال مجاهد الاية عامّة فى حق جميع الناس فعلى تقدير عوده الى قوم ابن أبيرق قوله تعالى إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ الاستثناء منقطع لان من امر بصدقة غير داخلين فيهم وعلى تقدير عود الضمير الى جميع الناس استثناء متصل من الضمير المذكور وقيل هذا استثناء من قوله كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ فان كان النجوى بمعنى الفاعل فلا خفاء فيه وان كان بمعنى المصدر يقدر المضاف فى المستثنى يعنى لا خير فى كثير من نجويهم الّا نجوى من امر بصدقة ويرد عليه ان هذا الاستثناء لا يجوز لانه مثل جاءنى كثير من الرجال الّا ... ...

زيد لعدم الجزم بدخول زيد فى كثير ولا فى خروجه فلا يصح المتصل ولا المنقطع وأجيب بان المراد لا خير فى كثير من نجوى واحد منهم الا نجوى من امر وهذا الجواب لا يتأتى إذا كان النجوى بمعنى المتناجى إذ لا معنى لان يقال لا خير فى كثير من متناجى كل واحد منهم والظاهر ان الّا هاهنا بمعنى غير صفة كما فى قوله تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا أَوْ مَعْرُوفٍ اى ما يعرف حسنها شرعا من اعمال البر قيل المراد القرض واعانة الملهوف وصدقة التطوع وبالصدقة الزكوة المفروضة أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ عطف على معروف تخصيص بعد تعميم لمزيد الاهتمام او يقال قد يباح لاجل الإصلاح بين الناس ما ليس بمعروف فى غيره كالكذب عن أم كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط وكانت من المهاجرات الاول قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالكذاب من أصلح بين الناس فقال خيرا او نمى خيرا متفق عليه عن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة قال قلنا بلى قال إصلاح ذات البين وإفساد ذات البين هى الحالقة رواه ابو داود والترمذي وقال هذا حديث صحيح وعن اسماء بنت يزيد قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل الكذب الّا فى ثلاث كذب الرجل امرأته ليرضيها والكذب فى الحرب والكذب ليصلح بين الناس رواه احمد والترمذي وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى الأمر بأحد هذه الأشياء او أحد هذه الأشياء المذكورة يعنى الصدقة وأختيه والظاهر هو الاول واختار البيضاوي الثاني وقال بنى الكلام على الأمر ورتّب الجزاء على الفعل ليدل على انه لما دخل الأمر فى زمرة الخيّرين كان الفاعل ادخل فيهم وان العمدة والغرض هو الفعل والأمر وصلة اليه ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ قيد الفعل به لان من فعل رياءا وسمعة لم يستحق الاجر انما الأعمال بالنيات متفق عليه من حديث عمر مرفوعا فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ قرا حمزة وابو عمرو بالياء على الغيبة والباقون بالتاء «1» على الخطاب أَجْراً عَظِيماً (114) يستحقر فى جنبه اعراض الدنيا روى الشيخان فى الصحيحين واحمد عن ابى شريح الخزاعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت وروى البيهقي عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله امرأ تكلم فغنم او سكت فسلم

_ (1) الصحيح بالنون على التكلم

[سورة النساء (4) : آية 115]

ولما ذكر الله سبحانه جزاء المستثنيين الخيار عقبه جزاء من بقوا بعد الاستثناء «1» من الشرار فقال. وَمَنْ يُشاقِقِ اى يخالف مشتق من الشق كانّ كلا من المتخالفين فى شق غير شق الاخر الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى اى بعد ما ثبت عنده بدليل قطعىّ وظهر ما حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم قيد بهذا احترازا عمّن خالف الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يبلغه الخبر بما حكم به الرسول او بلغه بطريق اتهم بعض رواته او اخطأ المجتهد فى فهم مراده بعد بذل الجهد وقيل معنى خالف الرسول انه ارتد عن الدّين بعد ظهور التوحيد وصدق الرسول بالمعجزات كما حكى عن طعمة وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ اى غير ما هم عليه أجمعون من اعتقاد او عمل ولا بأس بمخالفة البعض إذا وافق البعض لقوله عليه السلام أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى اى نجعله فى الدنيا واليا لما تولى من الضلال وو نخلى بينه وبين ما اختاره من الكفر وقيل معناه نكله فى الاخرة الى ما اتكل عليه فى الدنيا كما فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري وعن عبد الله بن عمرو بن العاص فى حديث طويل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة اذن مؤذن ليتبع كل امة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب الا يتساقطون فى النار وَنُصْلِهِ اى ندخله جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) جهنم «2» او التولية عن الحق قال البغوي نزلت هذه الاية فى طعمة ابن أبيرق وذلك انه لما ظهرت عليه السرقة خاف على نفسه من قطع اليد والفضيحة هرب الى مكة وارتد عن الدين فقال الله تعالى وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ الاية وهذه الاية دليل على حرمة مخالفة الإجماع لانه تعالى رتّب الوعيد على المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين ولا وجه لكون أحدهما سببا له دون الاخر والا للغا ذكر الاخر ولا لكون مجموعهما سببا لان المشاقة محرمة بانفرادها بالنصوص القطعية فظهر ان كل واحد منهما سبب للوعيد فثبت ان اتباع غير سبيلهم محرم فثبت ان اتباع سبيلهم واجب لان الإنسان لا محالة سالك سبيلا روى البيهقي والترمذي عن ابن عمرو ابن عباس قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجمع الله هذه الامة على الضلالة

_ (1) فى الأصل بعد الثنيا (2) عن مالك قال كان عمر بن عبد العزيز يقول من رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاه الأمر من بعدة سننا الاخذ بها تصديق بكتاب الله واستكمال بطاعته وقوة على دين الله ليس لاحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر فيها خالفها من اقتدى بها مهتد ومن استنصر بها منصور ومن يخالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا منه رحمه الله.

[سورة النساء (4) : آية 116]

ابدا ويد الله على الجماعة ومن شذ شذ فى النار والله اعلم قال البغوي روى ان طعمة بن أبيرق نزل على رجل من بنى سليم من اهل مكة يقال له الحجاج بن علاظ فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع ان يدخله ولا ان يخرج حتى أصبح فاخذ ليقتل فقال بعضهم دعوه فانه قد لجا إليكم فتركوه فاخرجوه من مكة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشام فنزلوا منزلا فسرق بعض مطاعهم فهرب فطلبوه فاخذوه ورموه بالحجارة حتى قتلوه فصار قبره تلك الحجارة وقيل انه ركب سفينة الى جدة فسرق فيها كيسا فيه دنانير فاخذ فالقى فى البحر وقيل انه نزل فى حرة بنى سليم فكان يعبد صنما لهم الى ان مات فانزل الله تعالى فيه. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ من الصغائر والكبائر بالتوبة وبلا توبة لِمَنْ يَشاءُ مغفرته وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فى وجوب الوجود وتاصله او فى العبادة شيئا فَقَدْ ضَلَّ عن سبيل الحق ضَلالًا بَعِيداً (116) لا يمكن وصوله الى النجاة والمغفرة وقال البغوي قال الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما ان هذه الاية السابقة نزلت فى شيخ من الاعراب جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله انى شيخ منهمك فى الذنوب الا انى لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وامنت به ولم اتخذ من دونه وليا ولم اواقع المعاصي جرءة على الله وما توهمت انى أعجز الله هربا وانى لنادم تائب مستغفر فماذا حالى، وكذا اخرج الثعلبي عنه والله اعلم قال البغوي ونزل فى اهل مكة قوله تعالى. إِنْ يَدْعُونَ اى ما يعبدون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء هو العبادة ثم قال وقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي الاية رواه احمد واصحاب السنن الاربعة، ولان من عبد شيئا دعاه لحوائجه ومصالحه مِنْ دُونِهِ تعالى إِلَّا إِناثاً قال اكثر المفسرين معناه الّا أوثانا ووجه تسميتها بالإناث اما لان العرب كانوا يزعمونها إناثا ويسمونها بأسماء الإناث اللات والعزى ومناة ونحوها ويقولون ربة بنى فلان وأنثى بنى فلان لما روى عبد الله بن احمد فى زوائد المسند وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابى بن كعب انه قال الّا إناثا قال مع صنم جنية وامّا لانه لا حقيقة لها الا اسماءها قال الله تعالى ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها فاعتبرت إناثا باعتبار تأنيث أسمائها وامّا لانها كانت ... ...

[سورة النساء (4) : آية 118]

جمادات والإناث يطلق على الجمادات لغة فى القاموس الإناث جمع الأنثى كالاناثى والموات كالشجر والحجر وصغار النجوم فهذا اطلاق لغوى أصلي من غير تجوّز كما قيل فى كتب النحو الضمير بالألف والتاء ونون الجماعة لغير العقلاء فى الأصل يقال سفن جاريات ونخل باسقات وصرن الأيام ليالى وانما جعل ضمير جماعة النساء بها لتنزيلهن منزلة غير العقلاء لنقصان عقلهن وقال الحسن وقتادة الّا إناثا اى مواتا لا روح فيه سماها إناثا لانها تخبر عن الموات كما تخبر عن الإناث او لان الإناث أدون الجنسين كما ان الموات أرذل من الحيوان وعلى هذين الوجهين الإطلاق مجازى وقرأ ابن عباس الّا اثنا جمع الأوثان جمع وثن قلبت الواو همزة وقال الضحاك أراد بالإناث الملائكة فانهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله قال الله تعالى وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً وذلك انه كان فى كل وثن شيطانا يتزا اى للسدنة والكهنة ويكلمهم كما ذكرنا فيما سبق وقيل المراد به إبليس فانه هو الذي أمرهم بعبادتها فعبادتها طاعته وعبادته مَرِيداً (117) المارد والمريد الذي لا يعلق بخير واصل التركيب للملاسة ومنه صرح ممرد وغلام امرد والمراد هاهنا العاتي الخارج عن طاعة الله. لَعَنَهُ اللَّهُ صفة ثانية للشيطان وَقالَ عطف على لعن اى شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله وهذا القول الدال على فرط عداوته للناس والتوصيف بهذا القول يدل على ان المراد بالشيطان إبليس فانه إذا ابى عن سجود آدم ولعنه الله قال وعزتك وجلالك لا أبرح اغوى بنى آدم ما دامت الأرواح فيهم كذا فى الصحيح من الحديث وهو المعنى من قوله تعالى لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) اى مقدرا قدر لى قال الحسن من كل الف تسعمائة وتسعا وتسعين الى النار وواحدا الى الجنة قلت كذا ورد فى حديث بعث النار او المعنى نصيبا مقطوعا عمن عداه يعنى جماعة أشقياء ممتازة من السعداء. وَلَأُضِلَّنَّهُمْ عن الحق بإلقاء الوسوسة فى قلوبهم وتزيين الشهوات عندهم فنسبة الإضلال اليه انما هو بالمجاز عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربّك فاذا بلغه فليستعذ بالله ولينته متفق عليه وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ الأماني الباطلة ان ... ...

لا بعث ولا عذاب وطول الحيوة وادراك الاخرة مع ارتكاب المعاصي عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم متفق عليه وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان للشيطان لمّة بابن آدم وللملك لمة فاما لمة الشيطان فايعاد بالشر وتكذيب بالحق وامّا لمة الملك فايعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم انه من الله فليحمد الله ومن وجد الاخرى فليستعذ بالله من الشيطان الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ رواه الترمذي وقال حديث غريب وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ البتك القطع والشق والتبتيك للتكثير والتكرير اى ليقطعن ويشققن آذانَ الْأَنْعامِ وهى عبارة عما كانت تفعل بالبحائر قال قتادة والسدى كانوا يبتكون آذانها لطواغيتهم قال فى القاموس البحر الشق وشق الاذن ومنه البحيرة كانوا إذا أنتجت الناقة عشرة ابطن بحروها اى شقوا اذنها وتركوها ترعى وحرموا لحمها إذا ماتت على نسائهم وأكلها الرجال وفيه اشارة الى تحريم كل ما أحل الله وتنقيص كل ما خلق كاملا بالفعل او بالقوة وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ عن وجهه صورة «1» او صفة «2» ويندرج فيه فقوعين الحامى وخصاء العبيد والوشيم «3» والوشير «4» والمثلة واللواطة والسحق وعبادة الشمس والقمر والحجارة لانها ما وضعت لها واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالا وتغيير فطرة الله التي هى الإسلام، عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهود انه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء «5» هل تحسون فيها من جدعاء «6» ثم يقول فِطْرَتَ اللَّهِ

_ (1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلحات للحسن المغيرات خلق الله رواه احمد والشيخان عن ابن مسعود وروى احمد والشيخان عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة وروى احمد عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن القاشرة والمقشورة والواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة منه رحمه الله (2) عن ابن عمر ان عمر بن الخطاب كان ينهى عن اختصاء البهائم ويقول هل النماء الا فى الذكور وامّا خصاء البهائم فلا يأس به عند ابى حنيفة كذا فى الهداية كذا روى عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الحسن وروى ابن ابى شيبة وابن المنذر عن محمد بن سيرين والحسن لكن روى ابن ابى شيبة والبيهقي وابن المنذر ان عمر بن الخطاب كان ينهى عن خصاء البهائم وروى ابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صبر الروح واخصاء البهائم واخرج ابن ابى شيبة والبيهقي عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خصاء الخيل والبهائم وروى ابن ابى شيبة وغيره عن ابن عباس انه قال فيه نزلت وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وروى ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس ولامرنهم ليغيرن خلق الله قال دين الله منه رحمه الله (3) الوشم غرز الابرة فى البدن وذر النيلج عليه منه رح (4) الوشر تحديد المرأة أسنانها وترقيقها منه رح (5) جمعاء اى سليمة من العيوب مجتمعة الأعضاء كاملتها نهاية (6) جدعاء اى مقطوعة الأطراف او أحدها والجدع قطع الانف او الاذن او الشفة نهاية منه رح

[سورة النساء (4) : آية 120]

الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ متفق عليه يعنى لا تبدلوا خلق الله وجاز ان تكون هذه الجمل الخمس حكاية عمّا يأتيه الشيطان فعلا فحينئذ لا يختص هذا القول بإبليس، برهن الله سبحانه على ان الشرك ضلال غاية الضلال بان ما تشركون به تعالى جمادات لا تضر ولا تنفع بل هى اسماء سميتموها بأسماء الإناث لا حقيقة لها وبان الإشراك طاعة للشيطان المريد المنهمك فى الشر والضلال لا يعلق بشىء من الخير والهدى وبانه ملعون لضلالته فلا يستجلب مطاوعته الا اللعن والضلال وبانه فى غاية العداوة للانسان والسعى فى إهلاكهم فموالات من هذا شأنه بعيد عن العقل ضلال غايته فضلا عن عبادته ثم حكم بما هو كالنتيجة لما سبق من البرهان فقال وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا ربّا يطيعه مِنْ دُونِ اللَّهِ بايثاره ما يدعوه اليه على ما امر الله تعالى فيه اشارة الى ان عبادة الله بالاشراك غير مقبول عند الله تعالى بل هو عبادة لغير الله فقط ولا يجتمع عبادة الله مع عبادة غيره عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه وفى رواية فانا منه برئ وهو للذى عمله رواه مسلم فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119) حيث ضيع رأس ماله واشترى النار بالجنة. يَعِدُهُمْ بالخواطر الفاسدة او بلسان أولياءه ما لا ينجزه ويحتمل ان يتصور بصورة انسان ويعدهم كما فعل يوم بدر إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ الاية وَيُمَنِّيهِمْ الأماني الباطلة التي لا ينالونها من طول العمر ونيل الدنيا ونحو ذلك وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (120) باطلا وهو اظهار النفع فيما فيه الضرر واظهار الضرر فيما فيه النفع قال الله تعالى الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ يعنى بالإنفاق فى سبيل الله وصلة الرحم ويأمركم بالفحشاء. أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (121) اى هربا او مهربا فى القاموس حاص عنه يحيص حيصا وحيصة ومحيصا عدل وحاد وكلمة عنها حال منه وليس صلة لانه اسم مكان او مصدر فلا يعمل فيما قبله. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى تحت قصورها وغرفها الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا اى ... ...

[سورة النساء (4) : آية 123]

وعد الله وعدا وحق ذلك حقا فالمصدر الاول مؤكد لنفسه لان مضمون الجملة الاسمية وعد التي قبلها والثاني مؤكد لغيره ويجوز نصب الموصول بفعل يفسره ما بعده ووعد الله بقوله سندخلهم لانه بمعنى نعدهم ادخالهم الجنة وعدا حقا على انه حال من المصدر وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) اى لا أحد جملة مؤكدة بليغة فى التأكيد والمقصود من الاية معارضة المواعيد الشيطانية الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصادق لاوليائه وجاز ان يكون جملة معترضة بالواو وفائدتها التأكيد او معطوفة على محذوف اى صدق الله ومن اصدق من الله وجاز ان يكون عطفا على خالدين بتقدير القول اى وقائلين من اصدق والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قالت اليهود والنصارى لا يدخل الجنة غيرنا وقالت قريش انا لا نبعث فانزل الله تعالى. لَيْسَ الأمر منوطا بِأَمانِيِّكُمْ يا اهل مكة حيث تقولون لا بعث ولا نشور وتقولون هؤلاء الأصنام شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ وتقولون ان كان الأمر كما يزعم اصحاب محمد لنكونن خيرا منهم واحسن حالا ويدل على كون الخطاب لاهل مكة سياق الاية وبه قال مجاهد وَلا الأمر منوطا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ اليهود والنصارى حيث يقولون نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ويقولون لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى، ولَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ بل امر النجاة والثواب وضدهما منوط بالايمان والأعمال الصالحة وضدّها ثم فصّل الجملة فقال مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً من الكفر والمعاصي يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا يوصل اليه خيرا وَلا نَصِيراً (123) يدفع عنه شرا، كلمة من عامة شاملة للمؤمن والكافر وان كان سبب النزول خاصا اعنى أماني الكفار من اهل مكة واهل الكتاب فان العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب كذا ذكر البغوي قول ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهم ان الاية عامة فى حق كل عامل وقوله تعالى يجز به مقيد بعدم المغفرة كغيره من آيات الوعيد والجزاء يعم ما يصيبه فى الدنيا وما يصيبه فى الاخرة ان لم يغفر الله تعالى عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابه بايعونى على ان لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين ايديكم وأرجلكم ولا تعصوا فى معروف فمن وفى منكم فاجره على الله ومن أصاب من ذلك ... ...

شيئا فعوقب على ذلك فى الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو الى الله ان شاء عفا عنه وان شاء عاقبه فبايعناه على ذلك متفق عليه وقوله تعالى لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً لا يدل على ان هذا الحكم خاص بالكفار ولا يضر ذلك بالمؤمنين فان مولاهم الله تعالى كفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا فيغفرهم الله تعالى ان شاء يشفع لهم الملائكة والأنبياء والصالحون بإذن الله تعالى ولا يطلبون من دون الله وليا ولا نصيرا وامّا الكفار فيطلبون الولاية والنصرة ممّا عبدوها دون الله تعالى فلا يجدونها لهم اولياء ولا أنصارا ويدل على عموم هذه الاية المؤمنين والكفار حديث ابى بكر الصديق رضى الله عنه قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزلت هذه الاية مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر الا اقرئك اية أنزلت عليّ قال قلت بلى قال فاقرانيها قال ولا اعلم انى وجدت انفصاما فى ظهرى حتى تمطيت لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك ما لك يا أبا بكر فقلت يا رسول الله بابى أنت وامّى أينا لم يعمل سوءا وانا لمجزيون بكل سوء عملناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما أنت وأصحابك المؤمنون فيجزون بذلك فى الدنيا حتى تلقوا الله وليست لكم ذنوب وامّا الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا يوم القيامة رواه البغوي بسنده والترمذي وعبد ابن حميد وابن المنذر وأخرجه احمد وابن حبان والحاكم بلفظ قال ابو بكر فمن ينجو مع هذا فقال عليه السلام اما تحزن اما تمرض اما يصيبك البلاء قال بلى يا رسول الله قال هو ذلك وروى احمد والبخاري فى تاريخه وابو يعلى والبيهقي نحوه عن عائشة وقال البغوي قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس رضى الله عنهما لما نزلت هذه الاية شقت «1» على المسلمين وقالوا يا رسول الله وايّنا لم يعمل سوءا غيرك فكيف الجزاء قال منه ما يكون فى الدنيا فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات ومن جوزى بالسيئة نقصت واحدة من عشر وبقيت له تسع حسنات فويل لمن غلبت احاده أعشاره وامّا ما كان جزاء فى الاخرة فيقابل من حسناته وسيئاته فيلقى مكان كل سيئة حسنة وينظر فى الفضل فيعطى الجزاء فى الجنة فيؤتى كل ذى فضل

_ (1) وعن محمد بن المنتشر قال قال عمر لبثنا حين نزلت مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ما ينفعنا طعام ولا شراب حتى انزل الله بعد ذلك ورخص وقال وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً منه رحمه الله

[سورة النساء (4) : آية 124]

فضله «1» والله اعلم قلت ما ذكرنا تخريج ابن ابى حاتم عن ابن عباس فى سبب نزول قوله تعالى ليس بامانيّكم هو الظاهر من حيث الرواية والدراية ولكن روى له سبب اخر ايضا أخرجه ابن جرير عن مسروق مرسلا ونحوه عن قتادة والضحاك والسدىّ وعن ابن عباس من طريق العوفى ان قوله تعالى لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ نزلت فى تفاخر النصارى واهل الإسلام وفى لفظ تفاخر اهل الأديان جلس ناس من اليهود وناس من النصارى وناس من المسلمين فقال هؤلاء نحن أفضل وقال هؤلاء نحن أفضل قال البغوي قال اهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن اولى بالله منكم وقال المسلمون نبينا خاتم الأنبياء وكتابنا يقضى على الكتب وقد أمنا بكتابكم ولم تؤمنوا بكتابنا فنحن اولى وعلى هذا الخطاب فى لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ مع المؤمنين ولا خفاء حينئذ فى عموم قوله تعالى مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً- واخرج ابن جرير ايضا عن مسروق وكذا ذكر البغوي عن الأعمش عن ابن الضحى عنه انه قال لما نزلت لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ قال اهل الكتاب نحن وأنتم سواء فنزلت هذه الاية. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ يعنى بعضها وشيئا منها بدليل قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى فى موضع الحال من المستكن فى يعمل ومن لتبيين الإبهام او فى موضع الحال من الصّالحات اى كائنة من ذكر او أنثى ومن للابتداء واو على التأويلين فيه تأكيد بشمول الحكم فى مَنْ يَعْمَلْ قال بعض الأفاضل فى تبيين العامل بالذكر والأنثى توبيخ للمشركين فى إهلاكهم إناثهم وَهُوَ مُؤْمِنٌ حال من المستكن فى يعمل قيد جزاء الحسنات بشرط الايمان ولم يقيد جزاء السيئات بشرط الكفر لان كل سيئة صغيرة كانت او كبيرة غير مرضية لله منهية فاتيانها يقتضى العقاب ان لم يتداركه المغفرة

_ (1) واخرج ابن ابى شيبة واحمد والبخاري ومسلم عن ابى هريرة وابى سعيد انهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم بهم الا كفر الله به من سيئاته وفى الصحيحين وغيرهما عن عائشة نحوه واخرج ابن الى الدنيا والبيهقي عن بريدة الأسلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أصاب رجلا من المسلمين نكبة فما فوقها حتى ذكر الشوكة الا لاحد خصلتين الا ليغفر الله من الذنوب ذنبا لم يكن يغفر له الا بمثل ذلك او يبلغ به من الكرامة كرامة لم يبلغها الّا بمثل ذلك، واخرج ابن سعد والبيهقي عن ابى فاطمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسى بيده ان الله ليبتلى المؤمن وما يبتليه الّا لكرامة عليه وان العبد لتكون له الدرجة فى الجنة لا يبلغها بشىء من عمله حتى يبتليه بالبلاء ليبلغ به تلك الدرجة وروى البيهقي عن ابى هريرة نحوه منه رحمه الله-[.....]

ولذلك عمّ الوعيد على السيئات للفريقين المؤمنين والكفار وامّا الحسنات فلا يعتد بشىء منها ما لم يقترن بالايمان لان اعمال الكفار ليست خالصة لله تعالى وما ليس بخالص له تعالى فهو شرك ومعصية وليست بحسنة فان قيل فعلى هذا لا حاجة الى هذا القيد لان عنوانها بالصالحات يغنى عنه فان اعمال الكفار ليست من الصالحات فى شىء قلنا نعم لكن قيد بذلك للتصريح ودفع توهم الكفار ان من أعمالهم ما هو حسنة كالنفقات وصلة الأرحام ونحو ذلك فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وان كانوا فساقا ماتوا بلا توبة امّا بمغفرة ذنوبهم او بعد جزاء سيئاتهم قرا ابن كثير وابو جعفر وابو عمرو وابو بكر يدخلون بضم الياء وفتح الخاء على البناء للمفعول هاهنا وفى سورة مريم وحم المؤمن وزاد ابو عمرو يدخلونها فى سورة فاطر والباقون على البناء للفاعل، وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) اى مقدار النقير وهو النقرة التي تكون فى ظهر النواة وهذه الاية بعبارته تدل على عدم تنقيص ثواب المطيع وبالدلالة بالطريق الاولى على عدم الزيادة فى عذاب العاصي لان الأذى فى زيادة العذاب أشد منه فى تنقيص الثواب فاذا لم يرض ارحم الراحمين بهذا فكيف يرضى باشد منه وقال بعض الأفاضل لترك هذا القيد فى قوله تعالى وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً وجه «1» اخر وهو ان مقام تهديد الكافر لتنفيره عن الشرك يقتضى تركه هناك ومقام ترغيب المؤمن بالعمل الصالح والمواظبة على الانقياد يقتضى ذكره هاهنا قلت وعندى ان معنى قوله تعالى وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً انه لا ينقص أحد من ثواب طاعاته ولا يزاد أحد على عقاب سيئاته ولما كان قوله تعالى وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ شاملا لجميع المؤمنين الصلحاء والفساق لان الفاسق ايضا لا يخلو عن إتيان عمل صالح أدناه شهادة ان لا اله الا الله وهو أعلى شعاب الايمان ففى هذه الاية بشارة للفريقين من المؤمنين المطيعين والعصاة بالأمرين حميعا عدم تنقيص الثواب وعدم زيادة العذاب وامّا قوله تعالى وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً وان كان شاملا للفريقين المؤمنين والكفار وكان الفساق من المؤمنين داخلين فى كلا الآيتين لكن لما كان جزاء سيئات الكفار غير متناه لعدم تناهى قبح الكفر بالله فكان زيادة العذاب على سيئات الكفار غير متصور لاستحالة الزيادة على ما لا تناهى له او يقال يجوز الزيادة فى عذاب الكفار على سيئاتهم قال الله تعالى زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ فلذلك لم يذكر هذه الجملة هناك كيلا

_ (1) فى الأصل وجها اخر-

[سورة النساء (4) : آية 125]

يكون بشارة للكفار فان قيل الظلم قبيح وان كان فى حق الكفار والله سبحانه منزه عن القبائح فكيف يجوز الزيادة على عذاب الكافر قلنا الظلم عبارة عن التصرّف فى غير ملكه والله سبحانه مالك الملك يتصرّف فى ملكه كيف يشاء فلو عذب العالمين بغير جرم لا يكون منه تعالى ظلما وقوله تعالى لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً وأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ مبنى على التجوز معناه ان الله سبحانه لا يفعل بالمؤمنين ما لو فعله بهم غيره تعالى يعد ظلما والله اعلم ذكر البغوي عن مسروق انه قال لما نزلت لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ الاية قال اهل الكتاب نحن وأنتم سواء فنزلت وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ كما ذكر سابقا ونزلت ايضا. وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ يعنى أخلص نفسه لله بحيث لا يكون لقلبه تعلقا علميا ولا حبيا بغيره تعالى ويكون نفسه وقلبه وقالبه منقادا لاوامره تعالى منتهيا عن مناهيه لا يثبت لنفسه ولا لغيره فى دائرة الإمكان لشىء من الأشياء وجودا متاصلا فضلا من اتخاذه معبودا او محبوبا او موجودا بوجود مستقل بنفسه وفى هذا الاستفهام اشارة الى ان ذلك غاية مبلغ الكمال وَهُوَ مُحْسِنٌ ات بالحسنات تارك للسيئات متصف بدوام الحضور والإخلاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث سوال جبرئيل ما الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك متفق عليه من حديث عمر رضى الله عنه وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ خصّ ابراهيم عليه السّلام بالذكر مع ان دين الأنبياء كلهم واحد وهو صرف نفسه وأعضائه وقواه ظاهرا وباطنا فى مرضات الله تعالى مشتغلا به تعالى معرضا عن غيره تعالى لاتفاق جميع الأمم على كونه نبيا حقا حميدا فى كل دين ولكون دين الإسلام موافقا لشريعة ابراهيم عليه السلام فى كثير من فروع الأعمال كالصلوة الى الكعبة والطواف بها ومناسك الحج والختان وحسن الضيافة وغير ذلك من كلمات ابتلاه الله تعالى بها فاتمهن حَنِيفاً حال من ابراهيم او من الملة او من المستكن فى واتبع يعنى مستقيما على الطريق الحق مائلا عن الطرق الباطلة وصف ابراهيم به لانه استقام على الإسلام واعتزل عن عبادة الأصنام مع ما كان أبوه وقومه عاكفين على عبادتهن وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (125) صديقا صافى المحبة والخلة مشتق من الخلال فانه ودّ يخلل النفس ويخالطها وقيل من الخلل فان كل واحد من الخليلين يسد ... ...

خلل الاخر وقال الزجاج الخليل الذي ليس فى محبته خلل او من الخل وهو الطريق فى الرمل فانهما يتوافقان فى الطريق او من الخلة بمعنى الخصلة فانهما يتوافقان فى الخصال وقيل هو من الخلة بمعنى الحاجة فان كل واحد من الخليلين يحتاج اليه صاحبه قيل سمى ابراهيم خليلا اى فقيرا الى الله لانه لم يجعل فقره وفاقته الّا الى «1» الله تعالى روى عنه عليه السّلام انه لما القى الى النار جاءه جبرئيل فقال هل لك حاجة قال امّا إليك فلا فقال سل ربك قال حسبى عن سوالى عمله بحالي فان قيل لا يستقيم هذا المعنى فان قوله تعالى وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا يقتضى الخلة من الجانبين ولا يتصور الحاجة من الجانبين قلنا قد عرفت فى مبدا الكتاب ان اسماء الله تعالى وصفاته يؤخذ باعتبار الغايات دون المبادي فانه تعالى رحمن رحيم وهما مشتقان من الرحمة بمعنى رقة القلب المقتضى للتفضل والإحسان فاطلاقهما عليه سبحانه باعتبار التفضل والإحسان لا باعتبار رقة القلب إذ هو منزه عن القلب ورقته فكذا اطلاق الخلة عليه سبحانه باعتبار صفاء المحبة المبنى على الحاجة فى غيره تعالى لا باعتبار الحاجة تعالى عن ذلك علوّا كبيرا وقوله تعالى وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا جملة معترضة لا محل لها من الاعراب وفائدتها التأكيد فى وجوب اتباع ملته لان من بلغ من الله منزلة اتخذه الله خليلا كان جديرا بالاتباع قال المجدّد رضى الله عنه الخليل هو النديم الذي يعرض المرء عليه اسرار محبّه ومحبوبه اخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم فى تفاسيرهم عن زيد بن اسلم قال ان اوّل جبار كان فى الأرض نمرود وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام فخرج ابراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار فاذا مرّ به ناس قال من ربّكم قالوا أنت حتى مرّ ابراهيم فقال من ربّك قال رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ ... فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ فرده بغير طعام فرجع ابراهيم

_ (1) فكان يعطى ولا يأخذ ولا يتوجه الى أحد غيره تعالى اخرج البيهقي فى الشعب عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جبرئيل لم اتخذ الله ابراهيم خليلا قال لا طعامه الطعام يا محمد واخرج ابن المنذر عن ابن أبزى انه سال ابراهيم ملك الموت باىّ شىء اتخذني ربى خليلا قال بانك تحب ان تعطى ولا تأخذ واخرج الديلمي عن ابى هريرة نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وسنده واه وعن زبير بن بكار قال اوحى الله الى ابراهيم أتدري لم اتخذتك خليلا قال لا يا رب قال لانى اطلعت على قلبك فوجدتك تحبّ ان ترزا ولا ترزا يعنى تعطى ولا تعطى منه رحمه الله

الى اهله فمرّ على كثيب من رمل اعفر فقال الا أخذ من هذا فاتى به أهلي تطيب نفوسهم حين ادخل عليهم فاخذ منه فاتى اهله فوضع أشياءه ثم نام فقامت امرأته ففتحته فاذا هى بأجود طعام راه أحد فصنعت له منه فقربته اليه وكان عهده باهله انه ليس عندهم طعام فقال من اين هذا قالت من الطعام الذي جئت به فعرف ان الله رزقه فحمد الله واخرج ابن ابى شيبة فى المصنف عن ابى صالح قال انطلق ابراهيم عليه السّلام يمتار فلم يقدر على الطعام فمر بسهلة حمراء و «1» أخذ منها ثم رجع الى اهله فقالوا ما هذا قال حنطة حمراء ففتحوها فوجدوها حنطة حمراء فكان إذا زرع منها شىء خرج سنبلة من أصلها الى فرعها متراكما وذكر البغوي انه قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس كان ابراهيم عليه السلام أبا الضيفان وكان منزله على ظهر الطريق يضيف من مر به من الناس فاصاب الناس سنة فحشروا الى باب ابراهيم عليه السلام يطلبون الطعام وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر فبعث غلمانه بالإبل الى الخليل الذي بمصر فقال خليله لغلمانه لو كان ابراهيم انما يريده لنفسه لاحتملنا ذلك له فقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة فرجع رسل ابراهيم عليه السّلام فمروا ببطحاء فقالوا لو انا حملنا من هذه البطحاء لبزى الناس انا قد جئنا بميرة فانا نستحيى ان نمر بهم وإبلنا فارغة فملئوا تلك الغرائر سهلة ثم أتوا ابراهيم فاعلموه وسارة نائمة فاهتم ابراهيم لمكان الناس ببابه فغلبته عيناه فنام واستيقظت سارة وقد ارتفع النهار فقالت سبحان الله ما جاء الغلمان قالوا بلى قالت فما جاءوا بشىء قالوا بلى فقامت الى الغرائر ففتحتها فاذا هو أجود خوارى تكون فامرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس فاستيقظ ابراهيم عليه السلام فوجد ريح الطعام فقال يا سارة من اين هذا قالت من عند خليلك المصري فقال هذا من عند خليلى الله قال فيومئذ اتخذ الله ابراهيم- (فائدة:) ولما كان نبينا سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم ارفع درجة من مقام الخلة حيث كان مستقرا فى مقام المحبوبية الصرفة وكان مروره صلى الله عليه وسلم على مقام الخلة كعابر سبيل سمى نفسه لذلك العبور والمرور خليلا حيث قال لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكنه أخي وصاحبى وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا رواه مسلم من حديث ابن مسعود

_ (1) فى الأصل إذا أخذ

وقال لو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت أبا بكر خليلا متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري وقال الا وصاحبكم خليل الله رواه الترمذي عن ابى هريرة واخرج الحاكم وصححه عن جندب انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل ان يتوفى ان الله اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا واخرج الطبراني عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله اتخذ ابراهيم خليلا وان صاحبكم خليل الله وان محمّدا سيد بنى آدم يوم القيامة ثم قرا عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «1» لكن لاجل غدم استقراره فى هذا المقام لعلو شأنه وعدم اقتضاء المحبوبية بعد ما ارتفع عن هذا المقام غير انه كان طالبا لحصول ذلك المقام بالتفصيل لبعض اتباعه حتى يكون ذلك التفصيل معدودا فى كماله بناء على ان كمالات الاتباع بنذ من كمال المتبوع قال العلماء من اهل السنة بالإجماع فى كتب اصول الدين كرامات الأولياء معجزات لنبيه وقال عليه السلام من سنّ سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها من غير ان ينقص من أجورهم شىء وقال عليه الصلاة والسلام الدال على الخير كفاعله ويرشدك ما روينا ان اعمال الامة وكمالاتهم داخلة فى اعمال النبي صلى الله عليه وسلم وكماله ولطلب ذلك التفصيل له ولاتباعه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة المأثورة اللهم صل على محمّد وال محمّد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم فاستجاب الله تعالى هذا الدعاء واعطى بعد الف سنة ذلك للمجدد رضى الله عنه فاستقر فى مقام الخلة واتصف بتفصيله ولم يتيسر ذلك قبله رضى الله عنه لاحد اما لرفعة شأن بعض السّابقين من أكابر الصحابة وائمة اهل البيت الذين رسخوا فى مقام المحبوبية الصرفة بتبعية النبي صلى الله عليه وسلم واما لعدم وصولهم الى تلك المقام ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره او كحديقة اطعم فوجا منها عاما وفوجا منها عاما لعل آخرها فوجا هى اعرضها عرضا وأعمقها عمقا وأحسنها حسنا رواه رزين

_ (1) اخرج الترمذي وابن مردوية عن ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم قال ابراهيم خليل الله وهو كذلك الأواني حبيب الله ولا فخر وانى اوّل شافع واوّل مشفّع ولا فخر وانا اوّل من يحرك حلق الجنة فيفتحها الله فيدخلنيها ومعى فقراء المؤمنين ولا فخر وانا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر واخرج ابن جرير والطبراني عن ابن عباس قال ان الله اصطفى ابراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمّدا بالرؤية منه رحمه الله

[سورة النساء (4) : آية 126]

من حديث جعفر بن محمّد وهذا امر ثبت بالكشف الصحيح ولا علينا لو أنكره أحد وانما كلامنا مع من يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ «1» وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ وانما ذكرت هذا الكلام لان بعض قاصرى الافهام كانوا يعترضون على كلام المجدد رضى الله عنه فى هذا المقال ويزعمونه مستحيلا وكفرا والإنسان عدو لما جهل وبما ذكرنا لك اتضح ان هذا القول دعوى امر ممكن يقتضى الحسن الظنّ بالاكابر قبوله او السكوت عنه وكان من الناس من يقول لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ فقال الله تعالى أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ وكان من الناس من يقول اانزل «2» عليه الذّكر مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ قال الله تعالى سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ولا يلزم من رسوخ بعض أكابر الصحابة وائمة اهل البيت فى مقام المحبوبية الصرفة فضلهم على ابراهيم عليه السلام لان وصول الصحابة والائمة الى مقام المحبوبية كان بالتبعية والوراثة وما كان لابراهيم عليه السلام كان بالاصالة وشتان ما بينهما وما ذكرنا من استقرار المجدد رضى الله عنه فى مقام الخلة لا ينافى ترقياته «3» من ذلك المقام وسيره وعبوره بالتبعية والوراثة الى مقام المحبوبية الصّرفة فان السير والعبور غير الاستقرار والمقام والله اعلم. وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا وملكا تقديم الظرف لقصد الحصر يعنى ليس لاحد غيره تعالى دخل فى خلق شىء من الممكنات وملكه وانما خص ذكر ما فى السموات وما فى الأرض لظهورهما وهذه الجملة متصلة بقوله تعالى وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ تعليل له يعنى إذا كان جميع الأشياء خالصا لله تعالى فالواجب على كل أحد تخليص وجهه لله تعالى او هى متصلة بقوله تعالى وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا يعنى انه له تعالى ما فى السموات وما فى الأرض يختار منها ما يشاء ومن يشاء او هى متصلة بذكر الأعمال مقرر بوجوب طاعته على اهل السموات والأرض وكمال قدرته على مجازاتهم على الأعمال وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (126) احاطة لا كيف لها يعنى ليس شىء من الأشياء مستقلا بنفسه بل كل شىء موجود بوجوده محتاج اليه فى ذاته

_ (1) فى الأصل هدى الله. (2) وفى القران أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ إلخ فى سورة القمر. (3) ومى تواند كه گفته شود كه ترقى در مقام خلّت كه حاصل بود خواسته باشند پس فرمودند طلب صلوة رحمت وخلت كه حضرت ابراهيم عليه السلام بان امتياز دارند بخواهيد وامة مامور شده بدعاء ترقى در مرتبه خلت وظاهر است كه حصول آن از بعضى كم هست از بعضى زياده و پيداست كه درجات قرب حضرت حق سبحانه يا بجذب فضل او سبحانه هست يا باعمال مرضيه خودشان يا باعمال مرضيه صالحان امت است الدال على الخير كفاعله وگفته اند كه بعضى معانى بر دلهاء عارفان مى آيند ألفاظ وعبارت از ان قاصر مى بود پس سكوت اولى منه رحمه الله.

[سورة النساء (4) : آية 127]

وصفاته وأفعاله مشمول بعواطفه وافضاله فلا يجوز لاحد الا ان يسلم وجهه خالصا له وقيل محيط احاطة علم وقدرة فيجازيهم على حسب أعمالهم ان خيرا فخيرا وان شرّا فشرّا والله اعلم اخرج الحاكم فى المستدرك عن ابن عباس قال كان اهل الجاهلية لا يورثون المولود حتى يكبر ولا يورثون المرأة فلما كان الإسلام قال الله تعالى. وَيَسْتَفْتُونَكَ اى يستخبرونك فى الصحاح الفتوى الجواب عما يشكل من الاحكام فِي النِّساءِ اخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال كان الرجل الذي قد بلغ لا يورث الصغير ولا المرأة شيئا فلما نزلت المواريث فى سورة النساء شق ذلك على الناس وقالوا يرث الصغير والمرأة كما يرث الرجل فسالوا النبي صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى هذه الاية وكذا اخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وقال البغوي قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس نزلت هذه الاية فى بنات أم كحة وميراثهن عن ابيهن وقد مضت القصة فى اوّل السورة «1» وروى البخاري عن عائشة فى هذه الاية قال هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها قد شركته فى ماله فيعضلها قال البغوي فيرغب عنها ان يتزوجها لدمامتها ويكره ان يزوج غيره فيدخل عليه فى ماله فيحبسها حتى تموت فيرثها فنهاهم الله عن ذلك وفى رواية عنها قالت هى اليتيمة فى حجر الرجل وهو وليها فيرغب فى نكاحها إذا كانت ذات جمال ومال باقل من سنة صداقها وإذا كانت مرغوبا عنها فى قلة المال والجمال تركها قُلِ يا محمد اللَّهُ يُفْتِيكُمْ يبيّن لكم حكمه فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ الموصول معطوف على اسم الله او ضميره المستكن فى يفتيكم وجاز للفصل يعنى يفتيكم الله فيهن ويفتيكم فيهن كتابه «2» يعنى اية الميراث او قوله تعالى وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ونحو ذلك وجاز ان يكون الجملة معترضة لتعظيم المتلوّ عليهم على ان الموصول مبتدا وفى الكتاب خبره والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ ويجوز ان ينصب الموصول بفعل محذوف على معنى ويبيّن لكم ما يتلى عليكم او يخفض على القسم كانه قيل واقسم بما يتلى عليكم فِي يَتامَى النِّساءِ متعلق بيتلى ان عطف الموصول على ما قبله او كان الموصول منصوبا او مجرورا اى يتلى عليكم

_ (1) اخرج القاضي إسماعيل فى احكام القران عن عبد الملك بن محمد بن حزم ان عمرة بنت حزم كانت تحت سعد بن الربيع فقتل عنها بأحد وكانت له منها ابنة فانت النبي صلى الله عليه وسلم تطلب ميراث أبيها ففيها نزلت ويستفتونك فى النّساء منه رحمه الله (2) وروى البخاري ومسلم عن عائشة انها قالت الذي ذكر الله اية يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ الاية الاولى التي قال الله وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ الاية منه رحمه الله

[سورة النساء (4) : آية 128]

فى شأنهن والا فبدل من فيهن او صلة اخرى ليفتيكم على معنى يفتيكم فيهن بسبب يتامى النساء كما فى قوله عليه السلام «1» دخلت امراة النار فى هرة والاضافة بيانية لان المضاف اليه جنس المضاف اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ اى ما فرض من الميراث والصداق وغير ذلك من الحقوق وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ يعنى فى ان تنكحوهن إذا كن جميلات او عن ان تنكحوهن إذا كن دميمات روى ابن المنذر عن الحسن وابن سيرين فى هذه الاية قال أحدهما ان ترغبوا فيهن وقال الاخر ان ترغبوا عنهن واخرج ابن ابى شيبة عن الحسن ان ترغبوا عنهن والواو اما للعطف او للحال وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ عطف على يتامى النساء فانهم كانوا لا يورثونهم كما ذكرنا ويأكلون أموالهم اى ما يتلى عليكم فى اليتامى وذلك قوله تعالى وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ- وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ بالعدل فى ميراثهم وأموالهم ايضا عطف على يتامى النساء يعنى يتلى عليكم فى ان تقوموا لليتامى بالقسط هذا إذا جعل فى يتامى النساء متعلقا بيتلى وان جعلته بدلا فالوجه نصبها عطفا على موضع فيهن ويجوز نصب ان تقوموا بإضمار فعل اى ويأمركم ايها الائمة او ايها الأولياء ان تقوموا لليتامى بالعدل والانصاف وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فى حق النساء واليتامى وغير ذلك فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) فيثيبكم عليه روى البخاري وابو داود والحاكم عن عائشة والترمذي مثله عن ابن عباس انه توقعت سودة ان يفارقها النبي صلى الله عليه وسلم فسالت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسنت فقالت يومى لعائشة فانزل الله تعالى. وَإِنِ امْرَأَةٌ مرفوع بفعل مضمر يفسّره ما بعده اى خافَتْ وجاز ان يكون خافت صفة والمقدر كانت تقديره وان كانت امراة خافت يعنى توقعت مِنْ بَعْلِها مكروها يعنى نُشُوزاً اى ترفعا عن صحبتها كراهة لها يعنى خافت ان يطلقها لما ظهر لها ذلك بالأمارات أَوْ إِعْراضاً بوجهه عنها بان يقل مجالستها ومحادثتها ويمنعها عن حقوقها وهى تريد ان لا يطلقها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا أصله ان يتصالحا أبدلت التاء صادا وأدغمت كذا قرا أكثرهم وقرا الكوفيون يصلحا بضم الياء وسكون الصاد من أصلح بَيْنَهُما بان تحطّ المرأة بعض المهر او كله او النفقة او نصيبها من القسم او تهب له شيئا

_ (1) فى الأصل وفى النقول كما فى قوله تعالى دخلت امراة إلخ وهو وهم لعله من الناسخ 2 بو محمد عفا الله عنه

تستميله به إليها قال البغوي يقول الزوج انك قد دخلت فى السن وانى أريد ان أتزوج امراة شابة جميلة اوثرها عليك فى القسم ليلا ونهارا فان رضيت بهذا فاقيمى وان كرهت خلّيت سبيلك فان رضيت كانت هى المحسنة ولا تجبر على ذلك وان لم ترض بدون حقها كان على الزوج ان يوفيها حقها من القسم والنفقة او يسرحها بإحسان فان أمسكها ووفاها حقها مع كراهة فهو المحسن وقال مقاتل بن حبان هو ان الرجل تكون تحته المرأة الكبيرة فيتزوج عليها الشابة فيقول للكبيرة أعطيك من مالى نصيبا على ان اقسم لهذه الشابة اكثر مما اقسم لك فترضى بما اصطلحا عليه فان أبت ان ترضى فعليه ان يعدل بينهما فى القسم وعن على رضى الله عنه فى هذه الاية قال تكون المرأة عند الرجل فتبنو عينه عنها من دمامة او كبر فتكره المرأة فرقته فان أعطته من مالها فهو له حل وان «1» أعطته من أيامها فهو حل له وفى كلمة بينهما اشارة الى ان الأحب ان يتصالحا من غير مدخلية ثالث لئلا يطلع غيرهما على ما بينهما ممّا يعاب صُلْحاً منصوب على المصدرية والمفعول به بينهما او هو محذوف قيل انما يتم نصبه على المصدرية لو جاء الصلح بمعنى الإصلاح والتصالح قلنا كون الصلح فردا للاصلاح يكفى فى جعله مصدرا على انه جاز ان يكون المصدر من غير بابه كما فى قوله تعالى أنبته «2» الله نباتا وعلى القراءة الثانية جاز ان ينتصب صلحا على المفعول به على ارادة ان يوقعا بينهما صلحا خاليا عن الفساد ويستفاد من هذه الاية بالدلالة انه لو خاف الرجل نشوز المرأة لا جناح عليهما فى الإصلاح ايضا ويحتمل ان يجعل هذا الحكم تحت قوله تعالى وَالصُّلْحُ خَيْرٌ من الفرقة او من الخصومة او من سوء المعاشرة او المعنى الصلح خير من الخيرات يعنى من جملتها كما ان الخصومة شر من جملة الشرور وهذه الجملة معترضة لدفع توهم الكراهة التي تستفاد من قوله لا جناح فانه لنفى الإثم ولان إعطاء المرأة شيئا من حقها تشابه الرشوة وهذه الاية وان كانت واردة فى المصالحة بين الزوجين لدفع الخصومة الواقعة لحقوق النكاح لكن اللفظ عام يشتمل كل صلح واقع بعد دعوى صحيح وذلك على ثلاثة اضرب صلح مع اقرار وصلح مع سكوت وصلح مع انكار وكل ذلك جائز عند الائمة الثلاثة لاطلاق هذه الاية وقال الشافعي لا يجوز الصلح مع انكار وسكوت لقوله صلى الله عليه وسلم كل صلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحل حراما او حرم حلالا والمسلمون على شروطهم الا شرطا حرم حلالا رواه الحاكم عن كثير بن عبد الله بن عوف

_ (1) ليس فى الأصل وان أعطته من أيامها فهو حل له- (2) وفى القران وأنبتها نباتا حسنا-

عن أبيه عن جده وجه الاستدلال ان البدل كان حلالا على الدافع حراما على الاخذ فينقلب الأمر ولان المدعى عليه يدفع المال لقطع الخصومة وهذا رشوة قال الائمة الثلاثة هذا الحديث حجة لنا لا علينا لاطلاق قوله صلى الله عليه وسلم كل صلح جائز ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم الا صلحا أحل حراما بعينه كالخمر او حرم حلالا بعينه كما ان يصالح امرأته على ان لا يطأ ضرتها الا ترى ان الرجل إذا أراد ان يطلق امرأته والمرأة صالحته على ان لا يطلقها وتترك قسمها لضرتها جاز اجماعا حيث أسقطت حقها مع ان ترجيح بعض النساء فى القسم كان حراما ثم صار حلالا بعد رضائها والصلح بعد السكوت او الإنكار صلح بعد دعوى صحيح فيقتضى بجوازه لان المدعى يأخذ عوضا عن حقه فى زعمه وهذا مشروع والمدعى عليه يدفع لدفع الخصومة عن نفسه وهذا مشروع ايضا إذ المال وقاية للانفس ودفع الرشوة لدفع الظلم امر جائز غير ان من علم ان عليه حقا للمدعى ولم يقر له فعجز المدعى عن اثبات حقه فصالح على بعض حقه لا يحل للمدعى عليه ذلك عند الله تعالى اجماعا لانه هضم الحق وامّا إذا لم يعلم ذلك وادعى عليه فالصلح جائز عند الثلاثة ومنعه الشافعي- مسئلة: - فان وقع الصلح عن اقرار اعتبر فيه ما يعتبر فى البياعات ان وقع عن مال بمال فيجرى فيه الشفعة ويردّ بالعيب ويثبت فيه خيار الروية والشرط ويفسده جهالة البدل لا جهالة المصالح عنه لانه يسقط فلا يفضى الى المنازعة ويشترط القدرة على تسليم البدل وان وقع عن مال بمنافع يعتبر بالاجارة فيشترط التوقيت فيها ويبطل الصلح بموت أحدهما فى المدة، مسئلة والصلح عن السكوت والإنكار فى حق المدعى عليه لافتداء اليمين وفى حق المدعى بمعنى المعاوضة فان صالح عن دار لا يجب فيه الشفعة بخلاف ما إذا صالح على دار مسئلة ولو ادعى دارا فصالح على قطعة منها لم يصح الصلح لان ما قبضه من عين حقه وهو على دعواه فى الباقي الّا ان يزيد درهما فى بدل الصلح او يلحق به ذكر البراءة عن دعوى الباقي مسئلة: - ويصح الصلح عن جناية العمد والخطأ لانه حق من الحقوق وقد قال الله تعالى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ، وعن دعوى النكاح من الرجل فكان دفع المال من جانبها بمنزلة الخلع وعن دعوى الرق وكان بمنزلة الاعتاق على مال مسئلة: - وإذا وقع الصلح عن دين يحمل ... ...

على انه استوفى بعض حقه وأسقط باقيه فمن صالح عن الف جياد حال على خمسمائة زيوف مؤجل جاز لانه أسقط بعض حقه قدرا ووصفا واجّل الباقي وعن الف زيوف على خمسمائة جياد لم يجز لان الجياد غير مستحق له وهى زائد وصفا فصار معاوضة الف بخمسمائة وزيادة وصف وهو ربوا ولو صالح عن الدراهم بالدنانير يشترط قبض الدنانير قبل الافتراق لانه صرف والله اعلم واخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب ان ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها امرا امّا كبرا او غيره فاراد طلاقها فقالت لا تطلقنى واقسم لى ما بدأ لك فانزل الله تعالى وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ الاية وله شواهد موصول أخرجه الحاكم من طريق سعيد بن المسيّب عن رافع بن خديج قال البغوي نزلت فى غمرة، ويقال خويلة ابنة محمد بن مسلمة وفى زوجها اسعد بن الربيع ويقال رافع بن خديج تزوجها وهى شابة فلما علا الكبر تزوج عليها امراة شابة واثر عليها وجفا ابنة محمد بن مسلمة فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت اليه فنزلت هذه الاية واخرج الحاكم عن عائشة قالت نزلت هذه الاية والصلح خير فى رجل كانت تحته امراة قد ولدت أولادا فاراد ان يستبدلها فراضته على ان تقر عنده ولا يقسم لها وقال البغوي قال سعيد بن جبير كان رجل له امراة قد كبرت وله أولاد فاراد ان يطلقها ويتزوج غيرها فقالت لا تطلقنى ودعنى على ولدي واقسم لى فى كل شهرين ان شئت وان شئت فلا تقسم لى، فقال ان كان تصلح على ذلك فهو احبّ الىّ فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فانزل الله تعالى وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ واخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال جاءت المرأة حين أنزلت هذه الاية وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فقالت انى أريد ان تقسم لى من نفقتك وقد كانت رضيت ان تدعها فلا يطلقها ولا يأتيها فانزل الله تعالى وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ اى جعل الشح حاضرا لها مطبوعة عليها «1» لا يغيب عنها ابدا، والشح البخل مع الحرص كذا فى الصحاح والقاموس يعنى الشح لا يذهب عن أحد غالبا فلا تكاد المرأة ان تسمح بالاعراض عنها والتقصير فى حقها ولا الرجل يسمح بان يمسكها ويقوم بحقها على ما ينبغى إذا كرهها او احبّ غيرها وهذه الجملة ايضا معترضة كانت الجملة الاولى للترغيب فى المصالحة وهذه الجملة لتمهيد العذر فى المماكسة ولكونهما معترضتين اغتقر عدم

_ (1) فى الأصل عليه

[سورة النساء (4) : آية 129]

مجانستهما فان الاولى اسمية والثانية فعلية وَإِنْ تُحْسِنُوا فى المعاشرة اى يحسن الأزواج بأداء حقوق الزوجات والاقامة معهن بالعدل ولو مع الكراهة وتحسن الزوجات بأداء حقوق الأزواج ولو على خلاف ما تشتهى انفسهن وَتَتَّقُوا النشوز والاعراض وتنفيص الحق فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من الإحسان والإضرار خَبِيراً (128) فيجازيكم عليه اقام كونه عالما بأعمالهم مقام إثابته إياهم عليها الذي هو جواب الشرط حقيقة اقامة السبب مقام المسبب-. وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ايها الناس أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ يعنى العدل بين النساء وعدم الميل الى واحدة منهن بوجه من الوجوه مع كونها محبوبة اليه متعذر «1» جدّا وتمام العدل ان يسوى بينهن فى القسم والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والممالحة والمفاكهة وغيرها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول اللهم هذه قسمى فيما املك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا املك يعنى المحبة أخرجه احمد والاربعة وابن حبان والحاكم وصححه من حديث ابى هريرة ورواه اصحاب السنن الاربعة والدارمي عن عائشة وَلَوْ حَرَصْتُمْ اى بالغتم فى تحرى ذلك فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ يعنى فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فى القسم والنفقة اى لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم فَتَذَرُوها اى المرغوبة عنها كَالْمُعَلَّقَةِ وهى التي ليست بمطلقة ولا ذات بعل عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كانت له امرأتان فمال الى أحدهما جاء يوم القيامة وشقه مائل رواه اصحاب السنن الاربعة والدارمي وَإِنْ تُصْلِحُوا ما كنتم تفسدون من امورهن- وَتَتَّقُوا فيما يستقبل فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) يغفر لكم ما مضى من ميلكم. وَإِنْ يَتَفَرَّقا اى الزوج والزوجة بالطلاق يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا اى كل واحد منهما عن الاخر مِنْ سَعَتِهِ من غناه وقدرته المرأة بزوج اخر والزوج بامراة اخرى وَكانَ اللَّهُ واسِعاً مقتدرا على كل شىء او واسع الفضل والرحمة او واسعا وسعة لا كيف لها كل خير ووجود ظل لوسعة خيراته ووجوده حَكِيماً (130) متقنا فى أفعاله وأحكامه

_ (1) قال ابن مسعود يعنى فى الجماع رواه ابن المنذر وعن مجاهد وعبيدة يعنى فى الحب رواه البيهقي وغيره منه رحمه الله [.....]

(مسئلة:) بمقتضى هذه الاية والسنة يجب على الزوج التسوية بين نسائه فى القسم فان ترك التسوية بينهن فى فعل القسم عصى الله تعالى وعليه قضاؤه للمظلومة والتسوية شرط فى البيتوتة دون الجماع لانه يدور على النشاط وليس ذلك فى وسعه ولو كانت فى نكاحه حرة وامة فللحرة الثلثان من القسم وللامة الثلث بذلك ورد الأثر قال ابن همام قضى به ابو بكر وعلى رضى الله عنهما وبالقضاء عن على احتج احمد وتضعيف ابن حزم إياه بالمنهال ابن عمر وبابن ابى ليلى ليس بشىء لانهما ثقتان حافظان وإذا تزوج جديدة على قديمات فالقديمة والجديدة فى القسم سواء عند ابى حنيفة رحمه الله لاطلاق الحديث المذكور وعند الائمة الثلاثة يبيت عند الجديدة سبع ليال على التوالي ان كانت بكرا وان كانت ثيبا فثلاث ليال ثم يسوى بعد ذلك بين الكل- ولا يجب قضاء هذه الليالى للقديمات لحديث ابى قلابة عن انس رضى الله عنه قال من السنة إذا تزوج البكر على الثيب اقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج الثيب اقام عندها ثلاثا ثم قسم قال ابو قلابة لو شئت لقلت ان أنسا رفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه وإذا أراد الرجل السفر فعند ابى حنيفة رحمه الله لا حق لهن فى القسم حالة السفر يسافر بمن شاء منهن والاولى ان يقرع بينهن فيسافر بمن خرجت قرعتها وعند الشافعي واحمد لا يجوز له الخروج بإحداهن الا برضائهن او بالقرعة وعن مالك روايتان كالمذهبين فان سافر من غير قرعة ولا تراض وجب عليه القضاء لهن عند الشافعي واحمد وعند ابى حنيفة ومالك لا يجب احتج الشافعي واحمد بحديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا اقرع بين نسائه فايتهن خرج سهمها خرج بها متفق عليه قال ابو حنيفة كان هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لتطيّب قلوبهن فكان مستحبا ولم يكن واجبا لانه لا حق للمرءة عند مسافرة الزوج الا ترى ان له ان لا يستصحب واحدة منهنّ اجماعا فكذا له ان يسافر بواحدة منهن ويرد عليه ان تركهن كلهن لا يستوجب الغيرة والإيذاء بخلاف إيثار إحداهن على سائرهن وان رضيت احدى الزوجات بترك قسمها لصاحبتها جاز لحديث عائشة ان سودة لما كبرت قالت يا رسول الله قد جعلت يومى منك لعائشة فكان ... ...

[سورة النساء (4) : آية 131]

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة متفق عليه ولها ان ترجع فى ذلك لانها أسقطت حقا لم يجب بعد فلا يسقط قال البغوي قال سليمان بن يسار عن ابن عباس فى قوله تعالى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما انه قال فان صالحته عن بعض حقّها من القسم، او النفقة فذلك جائز ما رضيت وان أنكرت بعد الصلح فذلك لها ولها حقها (مسئلة) ولا يجوز ترك القسم لاجل المرض الا برضائهن لحديث عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسئل فى مرضه الذي مات فيه اين انا غدا يريد يوم عائشة فاذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان فى بيت عائشة حتى مات عندها رواه البخاري-. وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا وملكا تنبيه على كمال وسعته وقدرته وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ اليهود والنصارى ومن قبلهم من الأمم والكتاب للجنس مِنْ قَبْلِكُمْ متعلق بوصينا او باوتوا وَإِيَّاكُمْ عطف على الذين أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ان مفسرة لوصينا فانه بمعنى القول وجاز ان يكون مصدرية بحذف حرف الجرّ والمراد بالتقوى التقوى عن الشرك بدليل قوله تعالى وَإِنْ تَكْفُرُوا وجاز ان يكون التقوى عبارة عن ترك المعاصي وبالكفر الكفران بترك طاعته وعدم امتثال أوامره او التقوى عبارة عن وقاية قلبه عن الاشتغال بغير الله والكفر الاشتغال بغيره وقوله وان تكفروا عطف على وصينا بتقدير القول يعنى وقلنا لهم ولكم ان تكفروا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ فهو قادر على عقوبتكم بما يشاء لا منجى عن عقوبته لكم او يقال فان لله ملائكة السّموات والأرض وهم أطوع له منكم او يقال معناه انه تعالى غنى عنكم لا ينتفع بعبادتكم ولا يتضرر بكفركم والنفع والضرر انما يعود إليكم بما يأمركم وينهاكم تفضلا عليكم وعلى هذا فقوله تعالى وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا يعنى عن الخلق وطاعتهم كانه بيان وتأكيد لما سبق حَمِيداً (131) فى ذاته حمده الخلق اولم يحمد. وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ كرره ثالثا للدلالة على كونه مستأهلا لان يتوكل عليه فهو تمهيد لقوله تعالى وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) جاز ان يكون هذا راجعا الى قوله يغنى الله كلّا من سعته فان ذلك القول يدل على انه تعالى توكل بكفايتهما وكفى به وكيلا.

[سورة النساء (4) : آية 133]

إِنْ يَشَأْ اذهابكم يُذْهِبْكُمْ اى يفنيكم يا أَيُّهَا النَّاسُ فان مجرد مشيته تعالى كافية فى اعدامكم وَيَأْتِ بِآخَرِينَ اى يوجد قوما آخرين أطوع منكم مكانكم او خلقا اخر مكان الانس وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ الاعدام والإيجاد قَدِيراً (133) كامل القدرة لا يعجزه شىء هذه الاية ايضا تقرير لغنائه وقدرته وتهديد لمن كفر به وخالف امره، اخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن ابى حاتم من حديث ابى هريرة انه لما نزلت هذه الاية ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على ظهر سلمان وقال انهم قوم هذا فهذه الاية حينئذ بمعنى قوله تعالى إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ الاية وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت سورة الجمعة فلما نزلت وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قيل من هؤلاء يا رسول الله وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال لو كان الايمان عند الثريا لنا له رجال من هؤلاء وعنه عند الترمذي انه صلى الله عليه وسلم تلا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ قالوا من هؤلاء يا رسول الله فضرب على فخذ سلمان ثم قال هذا وقومه ولو كان الدين «1» عند الثريا لتناوله رجال من الفرس وعنه عند الترمذي قال ذكرت الأعاجم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لانابهم او ببعضهم أوثق منى بكم او ببعضكم قلت لعل فى هذه الأحاديث اشارة الى مشائخ ما وراء النهر بهاء الدين النقشبندي وأمثاله فان هؤلاء الكرام من الأعاجم توطنا وان كان أكثرهم من ال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نسبا قد أحيوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أميتت وما رضوا بالبدعة وان كانت حسنة ولنعم ما قال الجامى شعر سكة كه در يثرب وبطحا زدند نوبت آخر ببخارا زدند- وايضا الى علماء ماوراء النهر مثل ابى عبد الله البخاري وأمثاله من المحدثين والفقهاء والله اعلم. مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا كالمرائى بالأعمال والمجاهد لاجل الملك او الغنيمة فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تقديره فقد خسروا خطأ فى الطلب إذ عند الله ثواب الدارين فليطلبهما وليقل رَبَّنا

_ (1) قال الشيخ محمد بن يوسف الصالحي انه قال الشيخ يعنى جلال الدين السيوطي رحمه الله ان المراد بهذا الحديث ابو حنيفة وأصحابه رحمهم الله لا شك فيه لانه لم يبلغ من أبناء فارس فى العلم مبلغه ولا مبلغ أصحابه وانه كان جد الامام ابى حنيفة منهم منه رحمه الله-

[سورة النساء (4) : آية 135]

آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً او ليطلب الأشرف منهما فان من جاهد خالصا لله لم يخطئه الغنيمة وله فى الاخرة ما هى فى جنبه كالعدم وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (134) عارفا بالأغراض فيجازى كلا على حسب نيته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امراة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال اختصم الى النبي صلى الله عليه وسلم رجلان غنى وفقير فكان ضلعه مع الفقير يرى ان الفقير لا يظلم الغنى فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ بالغين فى بذل الجهد فى اقامة العدل مواظبين على القيام به فالواجب على القاضي التسوية بين الخصمين فى الجلوس والإقبال عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتلى أحدكم بالقضاء فليساو بينهم فى المجلس والاشارة والنظر ولا يرفع صوته على أحد الخصمين اكثر من الاخر رواه إسحاق ابن راهويه فى مسنده والدارقطني نحوه شُهَداءَ خبر بعد خبر او حال لِلَّهِ تقيمون شهاداتكم خالصا لوجه الله وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ اى ولو كانت الشهادة على نفسه وهو الإقرار على نفسه أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ يعنى ولو كانت الشهادة على والديكم وأقربيكم فلا تكتموها وقولوا الحق ولا تحابوا غنيا لغناه ولا ترحموا فقيرا لفقره كذا اخرج البيهقي وغيره عن ابن عباس إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فلا تمتنعوا عن الشهادة ولا تجوروا فيها ميلا او ترحما فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما منكم فلو لم يكن الشهادة عليهما او لهما صلاحا لما شرعت أقيمت علة الجواب مقامه وكان حقه اولى به لان المذكور أحد الامرين من الغنى والفقير بكلمة او لكن ثنى الضمير نظرا الى ان المرجع ما دل عليه المذكور وهو جنس الغنى والفقير والوجه للعدول عن الظاهر تعميم الاولوية ودفع توهم الاختصاص بأحدهما كذا ذكر التفتازانيّ ويرد عليه ان الواحد غير متعين فلا توهم قال الرضى الضمير الراجع الى المذكور الذي عطف بعضه على بعض يجوز فيه ان يوحد الضمير وان يطابق المتعدد وذلك يدور على القصد قلت جاز ان يكون مرجع الضمير المشهود له والمشهود عليه الذين دل عليهما الكلام ... ...

[سورة النساء (4) : آية 136]

يعنى مشروعية الشهادة مصلحة لكليهما للمشهود له مصلحة عاجلة وللمشهور عليه مصلحة اجلة كى تفرغ ذمته عن حقوق الناس وجاز ان يكون معنى الاية كونوا شهداء لله تشهدون بوحدانيته وصفات كماله وحقيّة كتبه ورسله وأحكامه ولو كانت الشهادة مضرة على أنفسكم او والديكم وأقاربكم بان تقتلوا ويسلب أموالكم ان يكن الشاهد غنيا يضر تلك الشهادة غناه او فقيرا يسدّ شهادته دفع حاجته فالله اولى بهما من أنفسهما فينبغى ان يرجحا الله على أنفسهما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا اى لان تعدلوا عن الحق او كراهة ان تعدلوا عن العدل او المعنى لا تتبعوا الهوى لتكونوا عادلين وَإِنْ تَلْوُوا قرا ابن عامر وحمزة وان تلوا بضم اللام واسكان الواو يعنى تلوا القيام بأداء الشهادة من الولاية وقيل أصله تلووا كما قرا الجمهور حذفت أحد الواوين تخفيفا وألقيت حركتها على اللام يعنى ان تحرفوا الشهادة وتلووا السنتكم عن شهادة الحق وقيل معناه تدافعوا فى أداء الشهادة الى غيركم، وقيل هذا خطاب مع الحكام من لهم الأشداق اى ان تميلوا الى أحد الخصمين أَوْ تُعْرِضُوا عن شهادة الحق وحكومة العدل فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) فيجازيكم عليه. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ حقيقة الايمان وكمال الايمان ان يعرف ببصيرته انه تعالى هو المتأصل فى الوجود خالقا لكل شىء من الاعراض والجواهر نافعا ضارا وليس شىء ممّا سواه موصوفا بحسن وكمال الا مستعارا منه تعالى فلا يبقى لقلبه علاقة علمى ولا حبى الا به تعالى ويكون نفسه بعلاقة الحبّ به تعالى مجبولا على إتيان ما امره الله وانتهاء ما نهى عنه حتى يكره صدور المعصية منه أشدّ ممّا يكره ان يقع فى النار قال البغوي قال ابو العالية وجماعة هذا خطاب للمؤمنين فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا اى اقيموا واثبتوا على الايمان ومرجع هذا التفسير الى ما قلت ان شاء الله تعالى وقال الضحاك أراد بالخطاب اليهود والنصارى يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بموسى وعيسى آمَنُوا بمحمد والقران وقال مجاهد أراد به المنافقين يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللسان آمَنُوا بالقلب وقيل المراد به اهل الشرك يعنى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللات والعزى آمَنُوا بالله ورسوله وهذه الأقوال واهية إذ الكفار اليهود والنصارى والمشركون لا يخاطبون بعنوان الذين أمنوا وكذا المنافقون فان الايمان ... ...

[سورة النساء (4) : آية 137]

ليس من صفات اللسان الا مجازا والحمل على الحقيقة ما أمكن اولى- وقال البغوي قال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس وكذا اخرج الثعلبي عنه انه قال نزلت هذه الاية فى عبد الله بن سلام واسد وأسيدا بنى كعب وثعلبة بن قيس وسلام بن اخت عبد الله بن سلام وسلمة بن أخيه ويامين بن يامين فهؤلاء مؤمنوا اهل الكتاب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا انا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتورية وعزير ونكفر بمن سواه من الكتب والرسل فقال الله تعالى أمنوا بالله ورسوله يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ يعنى القران وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ اى قبل القران من التورية والإنجيل والزبور وسائر الكتب والصحف قال ابن عباس فامنوا بكلّهم قرا الكوفيون ونافع الفعلين بفتح النون والهمزة والزاء على البناء للفاعل والباقون الفعلين بضم النون والهمزة وكسر الزاء على البناء للمفعول وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعنى بشىء من ذلك فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (136) من المقصد بحيث لا يكاد يعود الى طريقة الصواب فان الايمان بكل واحد منها ملازم للاخر فالكفر بواحد منها بعد من الله وضل «1» عن سواء السبيل وبالكفر بجميع ذلك بالطريق الاولى- قلت بل بالكفر بشىء من صفاته كما ان المعتزلة كفروا بكونه تعالى متكلما او خالقا لافعال العباد وبقولهم انه تعالى يريد شيئا ولا يوجد ذلك الشيء يلزم عجزه تعالى عن إتيان مراده فيلزمهم الكفر بالله تعالى بما هو عليه قال بعض الأكابر المعتزلة يقولون بان العباد خالقون لافعالهم والله تعالى خالق للعباد فينسبون خلق افعال العباد الى الله تعالى بالواسطة وامّا العوام فهم أسوأ حالا من المعتزلة لغفلتهم عن نسبة الافعال الى الله تعالى مطلقا لا يزعمون النفع والضرر الا عن السلاطين او اللصوص او السموم او الترياقات فلا بد لقطع مادة الغفلة من التشبث «2» بأذيال الصوفية حتى يسقط عن البصائر كل ما عدا الله تعالى. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً قال قتادة هم اليهود أمنوا بموسى ثم كفروا من بعد بعبادتهم العجل ثم أمنوا بالتورية ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله تعالى وسلم عليه وعلى جميع الأنبياء وقيل هم جميع اهل الكتاب

_ (1) فى الأصل وضل سواء السبيل- (2) فى الأصل التشبث

[سورة النساء (4) : آية 138]

أمنوا بنبيهم ثم كفروا به وأمنوا بالكتاب الذي نزل عليه ثم كفروا به وكفرهم تركهم العمل عليه ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل هذا فى قوم مرتدين أمنوا ثم ارتدوا ثم أمنوا ثم ارتدوا ثم أمنوا ثم ارتدوا- حكى عن على رضى الله عنه انه لا يقبل توبة مثل هذا لقوله تعالى لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ لكن الإجماع انعقد على قبول توبته قال مجاهد معنى قوله تعالى ثم ازدادوا كفرا اى ماتوا عليه وقيل معنى قوله تعالى لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) انه يستبعد منهم ان يتوبوا عن الكفر ويثبتوا على الايمان فانه ران على قلوبهم بكفرهم وعميت أبصارهم عن الحق واللام فى ليغفر لهم وليهديهم للجحود اى لتأكيد النفي والفعل بتأويل المصدر بان المصدرية المقدرة بمعنى الفاعل يعنى لم يكن الله غافرا لهم ولا هاديهم سبيلا وقيل خبر كان محذوف تعلق به اللام يعنى لم يكن الله مريدا ليغفر لهم والله اعلم- ويؤيد قول من قال الاية السابقة فى المرتدين تعقيب تلك الاية بقوله تعالى. بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ الذين يؤمنون فى الظاهر كلما لقوك او لقوا أحدا من المخلصين وكفروا فى السرّ كلّما خلوا الى شياطينهم ثم ازدادوا كفرا بالإصرار على النفاق والعزم على الإفساد ووضع بشّر مكان انذرتهكما بهم كذا قال الزجاج وقيل البشارة كل خبر يتغير بشرة الوجه سارا كان او غير سار بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) . الَّذِينَ منصوب او مرفوع على الذم بمعنى أريد الذين أو هم الذين او بدل او نعت للمنافقين يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ يعنى اليهود أَوْلِياءَ أنصارا و؟؟؟ لما يتوهمون فيهم القوة مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ يطلبون عِنْدَهُمُ عند الكفار الْعِزَّةَ القوة والغلبة على محمد صلى الله عليه وسلم بمعونتهم وموالاتهم والاستفهام للانكار او التهكم او التعجب ووجه الإنكار وأخويه قوله تعالى فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) لا يتعزز الّا من أعزه الله وقد كتب العزة لاوليائه فقال وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ-. وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ اى فى القران- قرا عاصم بفتح النون والزاء على البناء للفاعل يعنى قد نزل الله عليكم والباقون بضم النون وكسر الزاء على البناء للمفعول والقائم مقام الفاعل أَنْ مخفة من المثقلة يعنى انه إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ ... ...

[سورة النساء (4) : آية 141]

بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها حالان من الآيات جىء بهما لتقييد النهى عن المجالسة فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ اى مع الذين يكفرون ويستهزءون حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ اى غير الاستهزاء فحينئذ لا بأس بمجالستهم لضرورة دعت ومن غير ضرورة يكره مجالستهم مطلقا وقال الحسن لا يجوز مجالستهم وان خاضوا فى حديث غيره وفى هذه الاية اشارة الى ما نزل سابقا بمكة فى سورة الانعام وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ- قال الضحاك عن ابن عباس دخل فى هذه الاية كل محدث فى الدين وكل متبدع الى يوم القيامة إِنَّكُمْ ايها المؤمنون إِذا يعنى إذا قعدتم عند من يكفرون ويستهزءون بالآيات ورضيتم به كفار مِثْلُهُمْ غير ان الرضاء بالكفر من غير تفوه نفاق أفرد كلمة مثل لانه كالمصدر او للاستغناء بالاضافة الى الجمع إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ القاعدين عند الكفار الراضين بالكفر والاستهزاء وَالْكافِرِينَ المستهزئين الخائضين فى القران فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) كما اجتمعوا فى الدنيا على الكفر والمجالسة. الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ الدوائر والأحداث بدل من الذين يتخذون او ذم منصوب او مرفوع او مبتدا خبره فَإِنْ كانَ لَكُمْ ايها المؤمنون فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ يعنى ظفرا «1» وغنيمة قالُوا لكم أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ على دينكم وفى الجهاد فاجعلوا لنا نصيبا من الغنيمة وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ من الحرب وظهور على المسلمين قالُوا للكافرين أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ الاستحواذ الاستيلاء يعنى الم نغلبكم مع المؤمنين قبل ذلك فابقيناكم وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اى ندفع عنكم صولة المؤمنين بتخذيلهم عنكم ومراسلتنا إياكم اخبارهم وأمورهم وقال المبرد معناه الم نغلبكم على رأيكم ونمنعكم من المؤمنين اى عن الدخول فى جملتهم فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وبين المنافقين يَوْمَ الْقِيامَةِ فيدخل المؤمنين الجنة والمنافقين النار، روى الشيخان فى الصحيحين والحاكم فى حديث طويل عن ابى سعيد الخدري إذا كان يوم القيامة ينادى مناد ليذهب كل قوم الى ما كانوا يعبدون الحديث فيقول الله تعالى ايها الناس لحقت كل امة بما يعبد وبقيتم فيقولون نحن ننتظر ربنا فيكشف عن ساق فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد له رياء وسمعة فيذهب

_ (1) فى الأصل ظفر وغنيمة

[سورة النساء (4) : آية 142]

كما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا- زاد الحاكم كلما أراد ان يسجد خرّ على قفاه الحديث بطوله وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) قال علىّ فى الاخرة رواه ابن جرير وكذا روى عن ابن عباس وهو الظاهر وقال عكرمة عن ابن عباس اى حجة كذا روى ابن جرير وعبد بن حميد عن السدى وقيل ظهورا على اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وامّا ظهور الكافرين على المؤمنين فى هذا الزمان فلضعف ايمانهم وكثرة عصيانهم وقيل يعنى سبيلا الى استيصالهم احتج الشافعي بهذه الاية على فساد اشتراء الكافر العبد المسلم، وقال ابو حنيفة الشراء صحيح لصدور العقد من اهله مضافا الى محله لكن يجبر الكافر ان يبيع العبد بحكم هذه الاية نظرا للجانبين واحتج ابو حنيفة بهذه الاية على حصول البينونة بنفس الارتداد إذا كانت تحته مسلمة والله اعلم-. إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ سبق الكلام فيه فى اوّل سورة البقرة وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ مع المؤمنين قامُوا كُسالى متثاقلين كالمكره كراهة على الفعل لا يرجون بها ثوابا ولا يخافون على تركها عذابا بل يُراؤُنَ النَّاسَ صلاتهم ليخالوهم مؤمنين وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) يعنى ذكرا قليلا او فى زمان قليل والمراد بالذكر الصلاة ووجه التقليل ان المرائى لا يفعل الا بحضرة من يراه «1» وهو اقل أحواله وجملة يراءون حال من فاعل قاموا كقوله كسالى ولا يذكرون الله معطوف على يراءون او حال من فاعل يراءون. مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ حال من فاعل لا يذكرون او من فاعل يراءون اى يراءونهم غير ذاكرين او منهما على سبيل التنازع او منصوب على الذم والمعنى مترددين بين الايمان والكفر مشتق من الذبذبة بمعنى جعل الشيء مضطربا واصله الذب بمعنى الطرد والدفع والمذبذب الذي يدفع من كلا الجانبين فلا يتقرر فى جانب واحد لا مستقرين مطمئنين إِلى هؤُلاءِ المؤمنين ظاهرا وباطنا حتى يؤفى معهم أجورهم فى الاخرة وَلا إِلى هؤُلاءِ الكفار بالكلية حتى يعامل بهم فى الدنيا ما يعامل بالكافرين وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ إياه عن طريق الحق فَلَنْ تَجِدَ ايها المخاطب لَهُ سَبِيلًا (143)

_ (1) اخرج ابو يعلى عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن الصلاة حين يراه الناس وأساءها حيث لم يرها فتلك استهانة استهان بها ربّه منه رحمه الله-

[سورة النساء (4) : آية 144]

الى الحق والصواب نظيره قوله تعالى وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ- عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير الى هذه مرة والى هذه اخرى رواه مسلم،. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فان موالاتهم أهلك المنافقين وصيرهم الى النفاق فاحذروهم أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا بموالاتهم لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (143) حجة «1» بنية فى تعذيبكم. إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ قرا اهل الكوفة الدّرك بسكون الراء والباقون بفتحها وهما لغتان- قال السيوطي الدركات الطبقات والمنازل ويختص بما يستافل ويقال فيما علا درجات الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ اخرج ابن المبارك عن ابن مسعود فى هذه الاية قال توابيت من حديد تضمت عليهم أسفل النار وذكر البغوي بلفظ فى توابيت من حديد مقفلة فى النار وقال البغوي قال ابو هريرة توابيت يقفل عليهم تتوقد فيه النار من فوقهم ومن تحتهم واخرج ابن وهب عن كعب الاخبار قال ان فى النار لبيرا لما فتحت ابوابها بعد مغلقها ما جاء على جهنم يوم منذ خلقها الله تعالى الّا يستعيذ بالله من حرّها وهى الدرك الأسفل من النار وانما استحق المنافقون الدرك الأسفل من النار لانهم أخبث الكفرة حيث ضمّوا الى الكفر الاستهزاء بالله والرسول والإسلام والخداع للمسلمين ولانهم أمنوا من السيف والجزية فى الدنيا فاستحقوا الدرك الأسفل تعديلا وَلَنْ تَجِدَ ايها المخاطب لَهُمْ نَصِيراً (145) يخرجهم من النار ويمنعهم من عذاب الله. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا من النفاق وأمنوا وَأَصْلَحُوا أعمالهم وَاعْتَصَمُوا وثقوا بِاللَّهِ وتمسّكوا بدينه وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ من الرياء- لا يريدون بالايمان والأعمال الا وجه الله تعالى خالصا، اخرج ابن عساكر عن ابى إدريس قال ما يبلغ عند حقيقة الإخلاص حتى لا يجب ان يحمده أحد على شىء من عمل عمل لله عزّ وجلّ وروى ابن ابى شيبة واحمد عن ابى ثمامة قال قال الحواريون لعيسى عليه السلام يا روح الله من المخلص لله قال الذي يعمل لله لا يحب ان يحمده الناس عليه واخرج الحكيم الترمذي فى نوادر الأصول عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا اله الا الله

_ (1) روى ابن ابى حاتم وابن مردوية وغيرهما عن ابن عباس قال كل سلطان فى القران فهو حجة منه رحمه الله

[سورة النساء (4) : آية 147]

مخلصا دخل الجنة قيل يا رسول الله ما إخلاصها قال ان تحجزه عن المحارم واخرج الحاكم وصححه والبيهقي فى الشعب عن معاذ بن جبل انه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الى اليمن أوصني قال أخلص دينك يكفيك القليل من العمل واخرج ابن ابى الدنيا فى الإخلاص والبيهقي فى الشعب عن ثوبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى ينجلى عنهم كل فتنة ظلماء فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ المخلصين الذين سبقوهم بالايمان والإخلاص فى الجنة قال الفراء اى من المؤمنين وَسَوْفَ يُؤْتِ حذفت الياء فى الخط تبعا للفظ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ المخلصين فى الاخرة أَجْراً عَظِيماً (146) الجنة ورضوان الله ومراتب القرب. ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ نعمة الله وَآمَنْتُمْ به استفهام للانكار والتقرير معناه انه تعالى لا يعذب المؤمن الشاكر لان تعذيبه عباده لا يزيد فى ملكه وتركه عقابهم لا ينقص من سلطانه وليس تعذيبه تعالى لاستجلاب نفع او دفع ضرر عنه وهو الغنى المتعالي عن النفع والضرر وانما يعذب العباد جريا على عادته فى ترتيب المسبب العادي على السبب العادي كسوء مزاج يؤدى الى المرض فاذا زال مرضه القلبي من الكفر والنفاق فى الدنيا بالايمان والشكر ونقّى نفسه عنه يخلص من تبعته قال البغوي فى الاية تقديم وتأخير تقديره ان أمنتم وشكرتم قلت لا حاجة الى هذا القول فان الواو للجمع المطلق دون الترتيب وقيل انما قدم الشكر لان الناظر يدرك النعمة اوّلا فيشكر شكرا مبهما ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به قلت لعل المراد بالشكر ضد الكفر اعنى الايمان المجازى العامي وبالايمان الايمان الحقيقي وَكانَ اللَّهُ شاكِراً مثيبا على الشكر يقبل اليسير ويعطى الجزيل عَلِيماً (147) بحقيقة ايمانكم. لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ يعنى يبغض الجهر بالسوء وغير الجهر ايضا لكن الجهر افحش وانما حصّ الجهر بالذكر لمطابقة الحادثة إِلَّا مَنْ ظُلِمَ «1» الّا جهر من

_ (1) اخرج ابن جرير عن ابن زيد قال كان ابى يقرا لا يحبّ الله الجهر بالسّوء الّا من ظلم قال ابن زيد يقول من حلم على جملك النوق فجهر له بالسوء حتى ينزع واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عبّاس قال لا يحبّ الله ان يدعو أحد على أحد الّا ان يكون مظلوما فانه رخص له ان يدعو على من ظلمه وان يصبر فهو خير له واخرج ابن ابى شيبة والترمذي عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من دعا على من ظلمه فقد انتصف واخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسين قال الرجل يظلم الرجل فلا يدع عليه ولكن ليقل اللهم اعنى عليه اللهم استخرج لى حقى وحل بينه وبين ما يريد ونحو هذا منه رحمه

[سورة النساء (4) : آية 149]

ظلم بالدعاء على الظالم والتظلم منه وقيل الجهر بالسوء من القول هو الشتم الّا من ظلم فانه ان ردّ عليه مثله فلا حرج عليه لقوله تعالى وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ الاية عن انس وابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المستبان ما قالا فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم رواه مسلم وقال البغوي قال مجاهد هدا فى الضيف إذا نزل بقوم فلم يقروه ولم يحسنوا ضيافته فله ان يشكو ويذكر ما صنع به اخرج هناد فى كتاب الزهد عن مجاهد ان رجلا أضاف بالمدينة فاساءه قراه فتحول عنه فجعل ثينى عليه بما أولاه فرخص له ان يثنى عليه بما أولاه ونزلت هذه الاية وكذا اخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه ان رجلا ضاف قوما فلم يطعموه فاشتكاهم فعوقب عليه فنزلت هذه الاية وعن عقبة بن عامر انه قال قلنا يا رسول الله انك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقرونا فما ترى فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نزلتم بقوم فامروا لكم بما ينبغى للضيف فاقبلوا فان لم يأمروا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغى لهم متفق عليه وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً لشكوى المظلوم ودعائه عَلِيماً (148) بما فعل الظالم. إِنْ تُبْدُوا خَيْراً يعنى طاعة وبرّا وقيل معناه تبدوا خيرا بالظالم مكان الجهر بالسوء فتمحوا السيئة بالحسنة أَوْ تُخْفُوهُ اى تفعلوا ذلك الخير سرا وقيل المراد بالخير المال يعنى ان تبدوا صدقة او تخفوها أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ يعنى عن مظلمة وتمحوه عن قلوبكم وان لم تفعلوا بالظالم خيرا قال البيضاوي وغيره والعفو عن المظلوم هو المقصود وذكر إبداء الخير وإخفاءه توطية وتمهيدا بدليل قوله تعالى فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149) اى يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام فانتم اولى بذلك لانه تجارة فى حقكم فهذه الاية حث المظلوم على العفو بعد ما رخص له فى الانتصار حملا على مكارم الأخلاق- عن ابن عمر انه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كم اعفوا عن الخادم قال كل يوم سبعين مرة رواه ابو داود والترمذي وابو يعلى والله اعلم. إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ قال البغوي نزلت فى اليهود فانهم لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقران وبعيسى والإنجيل فكانهم كفروا بجميع الأنبياء لان بعضهم مصدق لبعض وكفروا بالله حيث جحدوا باياته وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ ... ...

[سورة النساء (4) : آية 151]

وَرُسُلِهِ بان يؤمنوا بالله دون الرسل كاهل الشرك وكاليهود حيث أمنوا بالله وبموسى على زعمهم وكفروا بعيسى وبمحمد صلى الله عليه وعليهم وغيرهما من الرسل والقران والإنجيل وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ من الأنبياء وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ منهم وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ اى بين الايمان والكفر سَبِيلًا (150) دينا وطريقا. أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ الكاملون فى الكفر إذ لا واسطة بين الايمان والكفر فان الايمان بالله انما يتم بالايمان برسله أجمعين وتصديقهم فيما بلغوا عنه اجمالا وتفصيلا والحق واحد مشترك بين أديان الأنبياء كلهم فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ حَقًّا مصدر مؤكد بغيره اى حق ذلك الأمر حقا او صفة لمصدر الكافرين بمعنى هم الذين كفروا كفرا حقّا اى يقينا محققا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ أجمعين ومنهم اليهود عَذاباً مُهِيناً (151) . وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ كلهم أجمعين وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ الموصول مبتدا والظاهر ان خبره أولئك سنؤتيهم أجورهم «1» وقيل خبره محذوف تقديره أولئك هم المؤمنون حقا او تقديره أضدادهم ومقابلوهم ووجه هذا القول ان يكون هذه الاية على وتيرة ما سبق وانما دخل بين على أحد مع اقتضائه المتعدد لعمومه من حيث انه وقع فى سياق النفي أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ قرا حفص بالياء على الغيبة والباقون بالنون على التكلم أُجُورَهُمْ الموعود لهم وتصديرهم بسوف لتأكيد الوعد والدلالة على انه كائن لا محالة وان تأخر وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لما فرط منهم رَحِيماً (152) عليهم يضاعف حسناتهم اخرج ابن جرير عن محمّد بن كعب القرظي قال جاء ناس من اليهود الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ان موسى جاءنا بالالواح من عند الله فأتنا بالالواح حتى نصدّقك، وسمى البغوي ذلك اليهود كعب بن الأشرف وفخاص بن عازورا فقالا ذلك فانزل الله تعالى. يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ وكان هذا السؤال منهم سوال تحكم واقتراح لا سوال الانقياد والله تعالى لا ينزل الآيات على اقتراح العباد اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي انه لما نزل قوله تعالى يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ الى قوله بُهْتاناً عَظِيماً جثا رجل من اليهود فقال ما انزل الله عليك ولا على موسى ولا على عيسى

_ (1) والصحيح سوف يؤتيهم ابو محمد عفا الله عنه

[سورة النساء (4) : آية 154]

ولا على أحد شيئا فانزل الله تعالى وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ فَقَدْ سَأَلُوا الضمير عائد الى اهل الكتاب أضاف الحكم إليهم باعتبار ان السؤال صدر عن بعضهم وهم السبعون الذين خرج بهم موسى عليه السلام الى الجبل والفاء للسببية والتقدير لا تستكبر منهم هذا السؤال لانهم قد سالوا الاية وقيل الفاء جواب شرط مقدر اى ان استكبرت ما سال هؤلاء عنك فقد سال أسلافهم مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ يعنى ما اقترحوا عليك ليس باول جهالاتهم فَقالُوا تفسير للسوال أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً اى اراءة جهرة او رؤية جهرة على انه مصدر من غير لفظه يعنى عيانا او مجاهرين يعنى معاينين له وقال ابو عبيدة معناه قالوا جهرة أرنا الله فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ اى أهلكتهم نار جاءت من السماء بِظُلْمِهِمْ بسبب ظلمهم على أنفسهم وهو تعنتهم وسوالهم بما كان خلاف العادة والحكمة وذلك لا يقتضى امتناع الرؤية مطلقا ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ الها هذه جناية اخرى ارتكبها اوائلهم مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ يعنى المعجزات الواضحات فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ ولم نستأصلهم هذا استدعاء الى التوبة يعنى عفونا عن اوائلكم حين تابوا فتوبوا أنتم حتى نعفو عنكم وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) اى تسلّطا ظاهرا حتى أمرهم بان يقتلوا أنفسهم او حجة ظاهرة وهى الآيات التسع على من خالفه. وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ اى بسبب ميثاقهم حتى يقبلوه وَقُلْنا لَهُمُ على لسان موسى والطور مظل عليهم ادْخُلُوا الْبابَ يعنى باب ايليا سُجَّداً مطاطئين رءوسكم وَقُلْنا لَهُمُ على لسان داؤد، ويحتمل ان يكون هذا القول ايضا على لسان موسى حين ظلل عليهم الجبل فانه شرع السبت لكن الاعتداء والمسخ كان فى زمن داؤد عليه السلام لا تَعْدُوا قرا ورش بفتح العين وتشديد الدال وقالون بإخفاء حركة العين وتشديد الدال أصله تعتدوا أدغمت التاء فى الدال والنص عن قالون بالإسكان والباقون بإسكان العين وتخفيف الدال يعنى لا تظلموا أنفسكم بقتل الحيتان فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154) على قبول حكم التورية وعدم الاعتداء فى السبت حتى قالوا سمعنا واطعنا. فَبِما نَقْضِهِمْ ما زائدة لتأكيد مضمون الكلام والباء متعلق بمحذوف تقديره ... ...

[سورة النساء (4) : آية 156]

فخالفوا حكم التورية ونقضوا الميثاق ففعلنابهم ما فعلنا ولعناهم بسبب نقضهم ويجوز ان يكون متعلقا بحرّمنا عليهم طيّبت احلّت لهم وقوله فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا بدل من قوله فَبِما نَقْضِهِمْ لكن يلزم حينئذ تكرار الفاء وجاز ان يكون الفاء للعطف فحينئذ لم يحتج الى جعله بدلا، ويمكن ان يقال قوله فبما نقضهم ظرف مستقر خبر للمبتدا المحذوف والباء بمعنى فى تقديره فهم فى نقضهم مِيثاقَهُمْ الذي واثقوا بموسى عليه السلام وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ الواردة فى التورية فى نعت محمد صلى الله عليه وسلم وبالقران والإنجيل وغيرهما وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ للنبى صلى الله عليه وسلم قُلُوبُنا غُلْفٌ اوعية للعلوم او فى اكنة مما تدعونا اليه وليس الأمر كذلك بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها اى ختم على قلوبهم بِكُفْرِهِمْ فجعلها محجوبة عن العلم او خذلها ومنعها التوفيق للتدبر فى الآيات فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) اى ايمانا قليلا لا يعتد به وهو الايمان ببعض الكتب وبعض الرسل او الا قليلا منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وقيل معناه لا يؤمنون قليلا ولا كثيرا وَبِكُفْرِهِمْ ثانيا بعيسى وهو معطوف على بكفرهم وكرر الباء للفصل بينه وبين ما عطف عليه والكفر المطلق من اسباب الطبع كالكفر بعيسى وليس هذا من قبيل عطف الشيء على نفسه للعموم والخصوص او يقال عطف مجموع الكفر وما عطف عليه على الكفر كما يقال قال الامام وسائر الناس او هو معطوف على قوله فَبِما نَقْضِهِمْ ويكون تكرير ذكر الكفر إيذانا لتكرر كفرهم، فانهم كفروا بموسى ثم بعيسى وداود وسليمان ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، او يقال مجموع هذا مع ما عطف عليه معطوف على مجموع قبله فلا تكرار. وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) يعنى نسبتها الى الزنى. وَقَوْلِهِمْ مفتخرين إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ اى بزعمه ويحتمل انهم قالوا ذلك استهزاء- وجاز ان يكون رسول الله منصوبا على المدح استينافا من الله تعالى او وضع الله سبحانه الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح حتى يستحق القائلون الذم وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ روى ان رهطا من اليهود سبوه وامه فدعا عليهم فمسخهم الله قردة وخنازير فاجتمعت اليهود على قتله فاخبره الله بانه يرفعه الى السماء كما مر القصة فى ال عمران ووقع فى بعض الروايات انه ... ...

[سورة النساء (4) : آية 158]

قال عيسى لاصحابه أيكم يرضى ان يلقى عليه شبهى فيقتل ويصلب ويدخل الجنة فقام رجل منهم فالقى الله عليه شبهه فقتل وصلب كذا اخرج النسائي عن ابن عباس- وفى رواية ذكره البغوي ان الله تعالى القى شبه عيسى عليه السلام على الذي دل اليهود عليه وذكرنا فى سورة ال عمران من رواية الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس انه امر يهودا رأس اليهود رجلا من أصحابه يقال له طيطانوس ان يدخل بيتا كان عيسى فيه ليقتله فرفعه الله الى السماء والقى الله شبهه على طيطانوس فلما خرج ظنوا انه عيسى فاخذ وصلب وقيل انهم حبسوا عيسى عليه السلام فى بيت وجعلوا عليه رقيبا فالقى الله شبهه على الرقيب فقتلوه والله اعلم، وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ اى فى قتله لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى تردد من قتله قال الكلبي اختلافهم فيه هو ان اليهود قالت نحن قتلناه وقالت طائفة من النصارى نحن قتلناه، وقالت طائفة منهم ما قتله هؤلاء ولا هؤلاء بل رفعه الله الى السماء ونحن ننظر اليه وقيل كان الله القى شبه عيسى عليه السلام على وجه طيطانوس ولم يلقه على جسده فاختلفوا فيه فقال بعضهم قتلنا عيسى فان الوجه وجه عيسى وقال بعضهم لم نقتله لان جسده ليس بجسد عيسى وقال السدى اختلافهم من حيث انهم قالوا ان كان هذا عيسى فاين صاحبنا وان كان صاحبنا فاين عيسى وقيل الضمير فى قوله الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ راجع الى عيسى اختلفوا فى شأن عيسى فقال بعضهم انه كان كاذبا فقتلناه حقّا وتردد آخرون وقال من سمع منه ان الله يرفعنى الى السماء انه رفع الى السماء ما لَهُمْ بِهِ اى بقتله مِنْ عِلْمٍ انه قتل او لم يقتل إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ استثناء منقطع اى ولكنهم يتبعون الظن فى قولهم انا قتلنا وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) يعنى ما قتلوا عيسى متيقن هذا الأمر يقينا وقيل معناه ما قتلوا عيسى قتلا يقينا عندهم كما زعموه انا قتلنا المسيح او ما قتلوه متيقنين انه عيسى كذا قال الفراء. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ رد وانكار لقتله واثبات لرفعه وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً منيعا بالنقمة على اليهود ولا يغلبه أحد على ما يريده حَكِيماً (158) حكم باللعنة والغضب على اليهود فسلط عليهم صطيونس بن استسيانوس الرومي فقتل منهم مقتلة عظيمة او حكيما فيما دبر بعيسى عليه السلام-.

[سورة النساء (4) : آية 159]

وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أحد إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ يعنى الا من ليؤمنن جملة خبرية مؤكدة لجمله انشائية قسمية صفة لمستثنى مفرغ مقدر بِهِ اى بعيسى عليه السلام كذا قال اكثر المفسرين وعامة اهل العلم وروى عن عكرمة ان الهاء كناية عن محمد صلى الله عليه وسلم وقيل هى راجعة الى الله عز وجل والمال واحد فان الايمان بالله لا يعتد ما لم يؤمن بجميع رسله والايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يستلزم الايمان بعيسى عليه السلام وبالعكس، قَبْلَ مَوْتِهِ اى قبل موت ذلك الأحد من اهل الكتاب عند معانية ملائكة العذاب عند الموت حين لا ينفعه إيمانه- هذا رواية على بن طلحة عن ابن عبّاس رضى الله عنهما قال فقيل لابن عباس ارايت ان خرمن فوق بيت قال يتكلم به فى الهواء فقيل ارايت ان ضرب عنقه قال تلجلج لسانه والحاصل انه لا يموت كتابىّ حتى يؤمن بالله عز وجل وحده لا شريك له وان محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وان عيسى عبد الله ورسوله قيل يؤمن الكتابي فى حين من الأحيان ولو عند معاينة العذاب قلت لعل ذلك لان الكتابي يعرف نبوة موسى والتورية وكلاهما ناطق بحقية عيسى والإنجيل وداود وزبور ومحمد صلى الله عليه وسلم والقران وانما يكفر عنادا وتعصّبا فقد ينصف فيعتقد فى نفسه ان محمدا صلى الله عليه وسلم حق شهد به موسى والتورية من قبل ولو لم يخطر ذلك الخطرة فى باله فلا شك انه حين يرى ملائكة العذاب يزعم حينئذ ان ما كان يقول محمد صلى الله عليه وسلم كان حقّا فهذه الاية كالوعيد والتحريض على معاجلة الايمان به قبل ان يضطروا اليه ولا ينفعهم ايمانهم وقيل الضميران لعيسى والمعنى انه إذا نزل عيسى من السماء أمن به اهل الملل أجمعون ولا يبقى أحد من اهل الأديان الا يؤمن به حتى يكون الملة واحدة ملة الإسلام وهذا التأويل مروى عن ابى هريرة رضى الله عنه روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسى بيده ليوشكن ان ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها قال ابو هريرة فاقرءوا ان شئتم وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ اى قبل موت عيسى بن مريم وفى بعض الروايات كان ابو هريرة يعيدها ثلاثة مرات وعنه ... ...

[سورة النساء (4) : آية 160]

عن النبي صلى الله عليه وسلم فى نزول عيسى قال ويهلك فى زمانه الملل كلها الا الإسلام الحديث روى ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن عباس موقوفا فلا يبقى أحد من اهل الكتاب الا يؤمن به قلت نزول عيسى قبل يوم القيامة حق وان يهلك فى زمانه الملل كلها الا الإسلام حق ثابت بالصحاح من الأحاديث المرفوعة لكن كونه مستفادا من هذه الاية وتأويل الاية بإرجاع الضمير الثاني الى عيسى ممنوع انما هو زعم من ابى هريرة ليس ذلك فى شىء من الأحاديث المرفوعة وكيف يصح هذا التأويل مع ان كلمة ان من اهل الكتب شامل للموجودين فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم البتة سواء كان هذا الحكم خاصا بهم اولا فان حقيقة الكلام للحال ولا وجه لان يراد به فريق من اهل الكتاب يوجدون حين نزول عيسى عليه السلام فالتأويل الصحيح هو الاول ويؤيده قراءة أبيّ بن كعب اخرج ابن المنذر عن ابى هاشم وعروة قالا فى مصحف ابى بن كعب وان من اهل الكتب الّا ليؤمننّ به قبل موتهم وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عيسى او محمد صلى الله عليهما وسلم او الله عز وجل على حسب إرجاع الضمير فى ليؤمننّ به عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159) فان الله سبحانه يشهد على عباده وكفى بالله شهيدا والأنبياء يشهدون على أممهم ومحمد صلى الله عليه وسلم يكون عليهم شهيدا-. فَبِظُلْمٍ عظيم مِنَ الَّذِينَ هادُوا وهو ما تقدم ذكره من نقضهم الميثاق وكفرهم بايات الله وقتلهم الأنبياء وبهتانهم على مريم وقولهم تفاخرا قتلنا المسيح حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ قبل ذلك وهى ما ذكر فى سورة الانعام وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ الى قوله تعالى ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ ويحتمل ان يراد طيبات الجنة ويلائم هذا قوله تعالى وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ الاية ويحتمل ان يراد الأرزاق الطيبة فى الدنيا والمراد بالتحريم جعلهم محرومين مصروفين عنها بالأمر التكويني يعنى انهم مع كثرة الرزق الحلال الطيب فى الدنيا جعلهم الله تعالى محرومين عنها فلا يأكلون الا رزقا حراما خبيثا حتى تكون النار اولى بهم- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل لحم نبت من الحرام فالنار اولى به وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعنى عن الايمان والاتباع لمحمد صلى الله عليه وسلم كَثِيراً (160) اى كثيرا من الناس او صدا كثيرا. وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ ... ...

[سورة النساء (4) : آية 162]

قَدْ نُهُوا عَنْهُ فى التورية وفيه دليل على ان النهى يوجب التحريم وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ بالرشوة والخداع والغصب وغير ذلك من الوجوه المحرمة قوله بصدّهم مع ما عطف عليه معطوف على بظلمهم متعلق بقوله حرّمنا ومعطوف على قوله حرّمنا قوله تعالى وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161) فى نار جهنم ثم لما كان الكلام السابق منشأ لتوهم شمول الحكم لجميع اهل الكتاب استدرك وقال. لكِنِ «1» الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ اى من اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه مؤمنى اهل الكتاب الثابتون على ما هو مقتضى العلم بالكتاب وَالْمُؤْمِنُونَ يعنى اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار او المعنى والمؤمنون منهم والمراد بهم وبالراسخون واحد والراسخون مبتدأ خبره يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ اى القران وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعنى سائر الكتب المنزلة على الرسل وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ قال البغوي حكى عن عائشة وابان بن عثمان انه غلط من الكاتب ينبغى ان يكتب والمقيمون الصلاة وكذلك قوله تعالى فى سورة المائدة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وقوله تعالى إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قالوا ذلك خطأ من الكاتب وقال عثمان ان فى المصحف لحنا سيقيمه العرب بألسنتها فقيل له الا تغيره فقال دعوه فانه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، والصحيح انّ هذا القول سهو من القائلين عفا الله تعالى عنهم وانعقد الإجماع على انه هو الحق الصحيح فاختلفوا فى توجيهه فقيل هو نصب على المدح لبيان فضل الصلاة تقديره امدح المقيمين وقيل منصوب بتقدير اعنى المقيمين الصلاة- وهم المؤتون الزكوة وقيل انه منصوب على التوهم لان السابق كان مقام لكن المثقلة وضع موضعه المخففة وقيل موضعه خفض معطوف على ما انزل إليك معناه يؤمنون بما انزل إليك وبالمقيمين الصلاة يعنى الأنبياء وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ عطف على الراسخون او مبتدا خبره أولئك وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ عطف على المؤتون قدم عليه الايمان بالأنبياء

_ (1) اخرج ابن إسحاق والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس قال نزلت فى عبد الله بن سلام وأسيد بن شعبة وثعلبة بن شعبة حين فارقوا يهودا واسلموا منه رحمه الله-

[سورة النساء (4) : آية 163]

والكتب وما يصدقه من الصلاة والزكوة لانه المقصود بسوق الاية فان اهل الكتاب كانوا يؤمنون بالله واليوم الاخر فى زعمهم وانما المقصود هاهنا تحريضهم على ما ليس لهم من الايمان وهو الايمان بالأنبياء والكتب كلهم وجاز ان يكون المراد بالأول الايمان المجازى وبالثاني الايمان الحقيقي المترتب عليه وعلى إتيان الشرائع أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162) قرا حمزة سيؤتيهم يعنى الله تعالى بالياء على الغيبة والباقون بالنون على التكلم- روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال قال عدى بن زيد ما نعلم ان الله انزل على بشر من شىء من بعد موسى فانزل الله تعالى. إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ بدا بذكره عليه السلام لانه كان أبا البشر مثل آدم قال الله تعالى وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ ولانه أول نبى من أنبياء الشريعة وأول نذير على الشرك وأول من عذبت أمته لردهم دعوته وأهلك اهل الأرض بدعائه وكان أطول الأنبياء عمرا وجعل معجزته فى نفسه فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً ولم يسقط له سن ولم يشب له شعر ولم ينقص له قوة وصبر على أذى قومه على طول عمره وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ إدريس وهود وصالح وشعيب وغيرهم وَكما أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وهم أولاد يعقوب اما ابناؤه اثنا عشر او أنبياء بنى إسرائيل من ذريتهم- وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ خص هؤلاء من الأسباط لمزيد الفضل وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) عطف على أوحينا قرا الأعمش وحمزة زبورا بضم الزاء وهو اسم للكتاب الذي انزل عليه قال البغوي كان فيه التحميد والتمجيد والثناء على الله عز وجل وكان داود يخرج الى البرية فيقوم ويقرا الزبور ويقوم معه علماء بنى إسرائيل فيقومون خلفه ويقوم الناس خلف العلماء ويقوم الجن خلف الانس الأعظم فالاعظم ويجىء الدواب التي فى الجبال فيقمن بين يديه تعجبا لما يسمعن منه والطير ترفرف «1» على رءوسهم عن ابى موسى الأشعري قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم لو رايتنى البارحة وانا اسمع لقراءتك لقد أعطيت مزمارا من مزامير ال داود قال اما والله يا رسول الله لو علمت

_ (1) يقال رفرف الطائر بجناحيه إذا بسطهما عند السقوط الى شىء يحوم عليه ليقع فوقه- نهايه منه رحمه الله

[سورة النساء (4) : آية 164]

انك تسمع لحبرّته «1» تحبيرا وكان عمر رضى الله عنه إذ أراه يقول ذكرنا يا أبا موسى فيقرا عنده. وَرُسُلًا منصوب بمضمر دلّ عليه أوحينا تقديره وأرسلنا رسلا، قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ هذا اليوم مثل آدم عليه السلام وشيث وإدريس وزكريا ويحيى وذا الكفل وغيرهم وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ عن ابى ذرّ قال قلت يا رسول الله اى الأنبياء كان اوّل قال آدم قلت ونبى كان قال نعم نبى مكلم قلت يا رسول الله كم المرسلون قال ثلاثمائة وبضعة عشر جما غفيرا وعن ابى امامة عنه صلى الله عليه وسلم قال قلت يا رسول الله كم وفاء عدة الأنبياء قال مائة الف واربعة وعشرون الفا الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمّا غفيرا رواه احمد وابن ابى حاتم وروى الحاكم بسند ضعيف وابو يعلى وابو نعيم فى الحلية عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه تعالى بعث ثمانية آلاف نبى اربعة آلاف من بنى إسرائيل واربعة آلاف من سائر «2» الناس وهذه الاية تدل على ان معرفة الأنبياء بأعيانهم لا يشترط لصحة الايمان بل من شرطه ان يؤمن بهم جميعا ولو كان معرفة كل شرطا لقصّ الله علينا جميعهم وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) وهو منتهى مراتب الوحى خص به موسى عليه السلام من بينهم وقد فضل الله محمدا صلى الله عليه وسلم ورفعه درجات. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ... «3» وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى وأعطاه مثل ما اعطى كل واحد من الأنبياء مع مزيد فضل قال الفراء العرب تسمى ما يوصل الى الإنسان كلاما باىّ طريق وصل ولكن لا يحققه بالمصدر فاذا حقق بالمصدر لم يكن الا حقيقة الكلام يقال على سبيل المجاز أراد الجدار ان ينقض ولا يقال أراد الجدار ارادة

_ (1) يقال حبرت الشيء تحبيرا إذا احسنته نهاية منه رحمه الله- (2) روى ابن حبان فى صحيحه والحاكم وابن عساكر والحكيم الترمذي فى نوادر الأصول وعبد بن حميد عن ابى ذرّ قال قلت يا رسول الله كم الأنبياء قال مائة الف نبى واربعة وعشرون الفا قلت يا رسول الله كم الرسل منهم قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا ثم قال يا أبا ذرّ اربعة بانيون آدم وشيث ونوح وخنوخ وهو إدريس وهو اوّل من خط بالقلم واربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك واوّل نبىّ من بنى إسرائيل موسى وآخرهم عيسى واوّل نبىّ آدم وآخرهم نبيّك منه رحمه الله (3) وبين هذين الآيتين فى القران أفتمارونه على ما يرى

[سورة النساء (4) : آية 164]

رُسُلًا منصوب على المدح او بإضمار أرسلنا او على الحال ويكون رسلا هذا تمهيدا لقوله. مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا اللام متعلق بأرسلنا او بقوله مبشرين ومنذرين، يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ إرسال الرُّسُلِ إليهم حجة اسم كان وخبره للناس او على الله والاخر حال ولا يجوز تعلقه بحجة لانه مصدر وبعد ظرف لها او صفة حجة يعنى لئلا يقول الناس رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فنتبعه، عن المغيرة قال قال سعد ابن عبادة لو رايت رجلا مع امراتى لضربته بالسيف غير مصفح «1» فبلغ ذلك رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم فقال تعجبون من غيرة سعد والله لانا أغير منه والله أغير منى ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب اليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين ولا أحد أحب اليه المدحة من الله تعالى ومن أجل ذلك وعد الله الجنة رواه البخاري وغيره قال البغوي فى هذه الاية دليل على ان الله تعالى لا يعذب الخلق قبل بعثة الرسل كما قال الله تعالى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا، وقالت الحنفية لا يعذب الله على الشرائع من المأمورات والمنهيات الّا بعد بعثة الرسل وامّا وجوب نفس التوحيد فغير متوقف عليه لدلالة الآيات الآفاقية والانفسية عليه وكفاية ادراك العقل فيه والله اعلم وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً لا يغلب فيما يريد حَكِيماً (165) فيما دبر من امر النبوة وخصّ كل نبى بنوع من الوحى والاعجاز والفضل واعطى خاتم النبيين لاجل بعثته الى كافة الخلق الموجودين الى يوم القيامة ما اعطى كل نبى- روى ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس قال دخل جماعة من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم والله انكم تعلمون انى رسول الله فقالوا ما نعلم ذلك، وقال البغوي ان رؤساء مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد انا سالنا عنك اليهود وعن صفتك فى كتابهم فزعموا انهم لا يعرفونك فانزل الله تعالى. لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ على نبوتك بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ من القران المعجز بالنظم والمعنى الدال على نبوتك أَنْزَلَهُ متلبسا «2» بِعِلْمِهِ الخاص به تعالى وهو العلم بالمغيبات الماضية والمستقبلة والعلم بتأليفه بحيث يعجز عن إتيان مثل اقصر سورة منه غيره او العلم بمن هو اهل للنبوة ونزول

_ (1) قال فى النهاية يقال اصفحه بالسيف إذا ضربه بعرضه دون حده وهو مصفّح والسيف مصفح- منه رح [.....] (2) فى الأصل ملتبسا

[سورة النساء (4) : آية 167]

الكتاب عليه وبعلمه الذي يحتاج اليه الناس فى إصلاح معاشهم ومعادهم، فالجار والمجرور على الاوّلين حال عن الفاعل وعلى الثالث عن المفعول وجاز ان يكون مفعولا مطلقا اى انزالا متلبسا «1» بعلمه والجملة كالتفسير لما قبلها وَالْمَلائِكَةُ ايضا يَشْهَدُونَ على نبوتك حيث يأتونك لا عانتك فى القتال ظاهرين كما كان فى غزوة بدر وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166) يعنى كفى بما اقام من الحجج على نبوتك عن الاستشهاد بغيره او يقال جزاء المؤمنين والكافرين فى الاخرة بيد الله تعالى فكفى به شهيدا إذ الحاكم بالعدل إذا كان عالما شهيدا لا يحتاج الى شهادة غيره.. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا غيرهم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعنى عن الايمان بالنبي صلى الله عليه وسلم بكتمان ما ورد نعته فى التورية وتحريفه ومنع الناس عن اتباعه وهم اليهود قَدْ ضَلُّوا عن الحق ضَلالًا بَعِيداً (167) لانهم جمعوا بين الضلال والإضلال. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالله ورسله وَظَلَمُوا محمّدا صلى الله عليه وسلم بانكار نبوته بعد العلم بها او ظلموا الناس بصدهم عما فيه صلاحهم يعنى اليهود لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ فى الاخرة طَرِيقاً (168) . إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ اى الطريق المؤدى إليها خالِدِينَ فِيها أَبَداً اى مقدرين الخلود فيها إذا دخلوها حال مقدرة وَكانَ ذلِكَ اى ادخالهم النار عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169) لا يصعب عليه شىء هذه الاية فى حق من سبق حكمه فيهم انهم يموتون على الكفر والله اعلم ولما قرر الله سبحانه امر النبوة وبين الطريق الموصل الى العلم بها ووعيد من أنكرها خاطب الناس بالدعوة عامة فقال. يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ محمد صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ بالقران والدين الحق مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا به خَيْراً لَكُمْ اى ايمانا خيرا لكم او وائتوا امرا خيرا لكم ممّا أنتم عليه وقال البغوي تقديره يكن الايمان خيرا لكم ومنعه البصريون قالوا كان لا يحذف مع اسمه الا فيما لا بد منه ولانه يؤدى الى حذف الشرط وجوابه ويرد على عدم تجويز حذف كان مع اسمه قولهم الناس مجزيون بأعمالهم «2» ان خيرا فخيرا وَإِنْ تَكْفُرُوا فالله غنى عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بايمانكم وانما يعود نفع ايمانكم وضرر كفركم إليكم،

_ (1) فى الأصل ملتبسا- (2) فى الأصل بأعمالكم

[سورة النساء (4) : آية 171]

ونبه على غنائه تعالى بقوله فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقا وملكا وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بمن يؤمن ومن لا يؤمن حَكِيماً (170) لا يسوى بينهما فى الجزاء-. يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ قيل الخطاب للفريقين اليهود والنصارى فاليهود غلت فى تنقيص عيسى حتى كذبوه وسبوا امه والنصارى فى رفعه حتى اتخذوه الها واصل الغلو مجاوزة الحد وقال البغوي نزلت فى النصارى وهم اصناف اربعة اليعقوبية والملكائية والنسطورية والمرقوسية فقالت اليعقوبية والملكائية ان عيسى هو الله وقالت النسطورية عيسى ابن الله وقالت المرقوسية ثالث ثلاثة ويقال الملكائية يقولون عيسى هو الله واليعقوبية يقولون ابن الله والنسطورية يقولون ثالث ثلاثة علمهم رجل من اليهود يقال له بولس سيأتى فى سورة التوبة ان شاء الله تعالى وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ يعنى نزهوه عن الشريك والصاحبة والولد وكونه جسما محتاجا الى الاكل وغير ذلك إِنَّمَا الْمَسِيحُ مبتدا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عطف بيان من المسيح رَسُولُ اللَّهِ خبر مبتدا يعنى ليس كما قالت النصارى انه ابن الله ولا كما قالت اليهود انه كذاب بل هو رسول الله وَكَلِمَتُهُ يعنى اثر قوله كن فكان بشرا من غير اب أَلْقاها حال بتقدير قد يعنى أوصلها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ عطف على الخبر اى ذو روح صادر منه تعالى بخلقه كسائر الحيوانات لا يمكن ان يكون الها واستد الى نفسه تشريفا وقيل سمى روحا لانه كان يحيى الموتى او القلوب الميتة وقيل الروح هو النفخ الذي نفخه جبرئيل فى درع مريم فحملت بإذن الله سمى النفخ روحا لانه ريح تخرج من الروح واضافه اليه تعالى لانه كان بامره من غير مادة وقيل وروح منه يعنى رحمة منه وقد كان رحمة لمن اتبعه وأمن به وقيل الروح الوحى الى مريم بالبشارة والى جبرئيل بالنفخ والى عيسى ان كن فكان وقيل أراد بالروح جبرئيل وهو معطوف على الضمير المستتر فى القاها ويجوز العطف للفصل يعنى القاها الله سبحانه الى مريم وألقاه جبرئيل بامره، أسند الإلقاء الى الله سبحانه لكونه امرا والى جبرئيل لكونه فاعلا او الى الله لكونه خالقا والى جبرئيل لكونه كاسبا، عن عبادة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من شهد ان لا اله الا الله وان ... ...

[سورة النساء (4) : آية 172]

محمدا عبده ورسوله وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق ادخله الجنة على ما كان من عمل متفق عليه فَآمِنُوا بِاللَّهِ كما يليق بتنزيهاته وَرُسُلِهِ ومنهم عيسى وَلا تَقُولُوا الالهة ثَلاثَةٌ الله والمسيح ومريم كما يدل عليه قوله تعالى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وقيل كانوا يقولون بالأقانيم الثلاثة الله وعيسى وجبرئيل ويسمونهم بالأب والابن وروح القدس قالوا كانت ذات لها العلم والحيوة فانتقلت صفة العلم واستعلت وصارت جسما وسميت بعيسى وصفة الحيوة فسميت جبرئيل انْتَهُوا عن التثليث وائتوا امرا خَيْراً لَكُمْ مما أنتم عليه او انتهاء خيرا لكم او يكن الانتهاء خيرا لكم إِنَّمَا اللَّهُ مبتدا إِلهٌ خبره واحِدٌ صفة للتأكيد يعنى لا تعدّد فيه بوجه ما سُبْحانَهُ اى أسبحه سبحانا من أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ فانه انما يكون لمن يتصور له مثل ويتطرق اليه فناء ولذلك سمى الله سبحانه ذلك القول شتما فى حقه، عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمنى ولم يكن له ذلك وامّا تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدانى وليس أول الخلق باهون عليّ من إعادته وامّا شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الأحد الصمد الذي لم الد ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد وفى رواية ابن عباس فقوله لى ولد وسبحانى ان اتخذ صاحبة او ولدا رواه البخاري لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يعنى جميع من عداه ملكا وخلقا فمن يماثله حتى يتصور كونه ولدا له فهذه الجملة كانه تعليل لما سبق وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) حافظا ومدبرا لكل من سواه فهو تعالى غنى عن الولد فان الحاجة الى الولد ليكون وكيلا لابيه قائما مقامه والله اعلم، - قال البغوي (وعزاه الواحدي فى اسباب النزول الى الكلبي) انه قال وفد نجران يا محمد انك تعيب صاحبنا قال واىّ شىء أقول قال تقول انه عبد الله ورسوله قال انه ليس بعار لعيسى ان يكون عبد الله فنزلت. ْ يَسْتَنْكِفَ اى لن يأنف ولن يتعظم الاستنكاف التكبر مع الانفة من نكفت الدمع إذا نحيّته بإصبعك كيلا يرى اثره عليك ... ...

ْمَسِيحُ من نْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ فان عبوديته تعالى شرف وكمال يباهى به فانه اصل كل كمال فان الممكن لا يوجد ولا يتصف بشىء من الكمالات ما لم ينتسب الى الله تعالى ولا نسبة له اليه تعالى الا بالعبودية وانما المذلة والاستنكاف من عبودية غيره تعالى فانه ممكن مثله لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ عطف على المسيح يعنى ولا يستنكف الملائكة المقربون من ان يكونوا عبيدا لله تعالى احتج بالآية من زعم بتفضيل الملائكة على البشر لان الترقي يكون من الأدنى الى الأعلى يقال فلان لا يستنكف من هذا ولا من هو أعلى منه ولا يقال لا يستنكف منه زيد ولا عبده وأجيب بانه تعالى لم يقل ذلك للترقى من الأدنى الى الأعلى رفعا لمنزلتهم بل ردّا على عبدة الملائكة كما هو رد على عبدة المسيح او يقال لعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير دون اعتبار التكبير كقولك أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرءوس قال البيضاوي وان أراد به التكبير فغايته تفضيل المقربين من الملائكة وهم الكروبيون الذين حول العرش او من هو أعلى منهم من الملائكة على المسيح من الأنبياء وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الاخر مطلقا والنزاع فيه وقال بعض الأفاضل ان الأظهر فى الدفع ان الترقي بنفي استنكاف الملائكة لانهم اولى بالاستنكاف لا لفضلهم بمعنى كثرة الثواب بل لانهم لا يرون فيما بينهم عبادا بخلاف البشر فان فى بنى نوعهم كثرة العبودية وشيوع الرقية قلت والاولى عندى ان يقال ان الترقي ليس لفضل الملائكة على الأنبياء فضلا كليا بل لشرفهم من وجه وفضلهم فضلا جزئيا ولا نزاع فيه والمعنى ان البشر مع احتياجه لبقاء شخصه ونوعه الى الاكل والشرب والجماع وغير ذلك وقرب زمان حدوثه وقصر عمره وقرب فنائه كيف يستنكف عن عبودية الله ومخلوقيته وكيف يدعى الالوهية لنفسه مع ان الملائكة مع تجردهم وعدم احتياجهم وطول أعمارهم وشدة بطشهم وعدم ابتلائهم بالامراض والمصائب والشدائد لا يدعون الالوهية ولا يستنكفون عن عبادة الله والله اعلم وايضا ان النصارى افرطوا فى شأن عيسى عليه السلام وبرءوه من العبودية لما راوا انه ولد بغير اب وانه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى، وكان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون فى بيوتهم فيقال لهم هذه الأوصاف فى ... ...

[سورة النساء (4) : آية 173]

الملائكة أتم منها فى عيسى وهم لا يستكبرون عن العبودية وايضا الاشارة الى افضلية الملائكة على عيسى ولو من وجه خرج مخرج جواب النصارى حين افرطوا فى شأن عيسى حتى أنزلوه منزلة لم تكن له كما ان الله تعالى اعتبر فضل خضر على موسى حين سئل هل أحد اعلم منك فقال لا فقال الله تعالى بلى عبدنا الخضر حتى قال موسى لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً وقال له هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً- مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ الاستكبار دون الاستنكاف ولذلك عطف عليه وانما يستعمل الاستكبار حيث لا استحقاق بخلاف التكبر فانه قد يكون باستحقاق سَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فيجازيهم-. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كالمسيح والملائكة والمؤمنين فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ على حسب وعده إياهم وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ما شاء من التضعيفات والمعاملات فى مقام القرب والروية ما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر ببال أحد واخرج الطبراني وغيره بسند ضعيف عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف فى الدنيا وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) فان قلت التفصيل غير مطابق للاجمال فان الضمير المنصوب فى قوله تعالى فسيحشرهم عائد الى من يستنكف فالمجمل كان ذكر المستنكفين وفى التفصيل ذكر الفريقين وأجيب بانه ليس هذا تفصيلا للمنطوق بل لما دل عليه فحوى الكلام كانه قال فسيحشر المستنكفين اليه جميعا فيجازيهم يوم يحشر العباد كلهم للجزاء فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ او يقال جزاء مقابليهم بالإحسان تعذيب لهم بالغم والحسرة فكانّه فصل تعذيبهم بوجهين، قال التفتازانيّ هذا الجواب ليس بمستقيم لدخول امّا على الفريقين لا على الجزاء للمستنكفين وقدر صاحب الكشاف فى المجمل فسيحشرهم والمؤمنين لاقتضاء التفصيل ذلك، او لان أحد المتقابلين يدل على ذكر الاخر قلت بل ذكر الفريقين فيما سبق غير المستنكفين فى ضمن قوله تعالى نْ يَسْتَنْكِفَ ... ...

[سورة النساء (4) : آية 174]

الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ والمستنكفون فى ضمن قوله تعالى مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فبين الله جزاء الفريقين-. يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى المعجزات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم او المعنى قد جاءكم حجة عليكم من ربكم وهو النبي صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) يعنى القران فانه ينكشف به الحق كما ينكشف الأشياء بالنور. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ يعنى جنة وثوابا قدر له بإزاء إيمانه وعمله رحمة منه تعالى لا قضاء لحق وجب عليه خلافا للمعتزلة وَفَضْلٍ احسان زائد على ما وعد له فى الرؤية ودرجات القرب وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ اى الى صراط الله سبحانه الموصل الى الذات البحت المتعالي عن الشيون والاعتبارات صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) وهو الإسلام والطاعة وسلوك طريق الصوفية فى الدنيا وطريق الجنة ومقام الرؤية والقرب فى الاخرة وصراطا حال من المضاف المحذوف فى اليه او يقال تقديره يهديهم مقربين اليه او مقربا إياهم اليه فهو حال من الفاعل او المفعول وصراطا مفعول ثان او يقال صراطا مستقيما بدل من اليه والله اعلم- اخرج ابن مردوية عن عمر انه سال النبي صلى الله عليه وسلم كيف يورث الكلالة فانزل الله تعالى. يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ومر معنى الكلالة فى اوّل السورة وروى النسائي من طريق ابى الزبير عن جابر قال اشتكيت فدخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله اوصى لاخواتى بالثلث قال احسن قلت بالشطر قال احسن- ثم خرج ثم دخل علىّ فقال لا أراك تموت فى وجعك هذا ان الله انزل وبين ما لاخواتك وهو الثلثان فكان جابر يقول نزلت هذه الاية فىّ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني هذه قصّة اخرى لجابر غير التي تقدمت فى اوّل السورة- فائدة: - اجمع العلماء على ان هذه الاية فى بيان ميراث الاخوة والأخوات لاب وأم كما ذكرنا فى اوّل السورة عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه وقيس عليهم بالإجماع الاخوة والأخوات لاب ... ...

عند فقد بنى الأعيان إِنِ امْرُؤٌ مرفوع بفعل مضمر يفسره ما بعده هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ صفة لامرئ او حال من المستكن فى هلك والولد يعم الذكر والأنثى يعنى ليس له ولد ذكر ولا أنثى وَلَهُ أُخْتٌ واحدة لاب وأم يحتمل العطف والحال فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ اى المرء يَرِثُها اى يرث جميع مال أخته ان هلكت عن أخ لها لاب وأم إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها اى للمتوفاة وَلَدٌ ذكر ولا أنثى وعدم كون الأب والجد للميت مفهوم من الكلالة فَإِنْ كانَتَا اى من ترث بالاختية اثْنَتَيْنِ فصاعدا بدون الذكر، اجمعوا على ان حكم الزائد على اثنتين حكم الثنتين فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ الأخ وَإِنْ كانُوا اى من يرث بالاخوة إِخْوَةً اى جماعة وحكم الاثنين فى الباب حكم الجماعة بالإجماع رِجالًا وَنِساءً مختلطين كان حق الكلام وان كانوا اخوة وأخوات رجالا ونساء لكن غلّب المذكر فَلِلذَّكَرِ اى فالواجب للذكر منهم مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يعنى ان كان مع الأنثيين او اكثر ذكر واحد او اكثر يعطى لكل واحد منهم مثل ما يعطى للانثيين ويعلم بدلالة النص انه ان كان ذكر واحد او اكثر مع أنثى واحدة يعطى للانثى نصف ما يعطى لذكر واحد منهم والحاصل انه يجعل لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم- (مسئلة) اجمعوا على انه كما يشترط عدم الولد لكون نصيب الاخت النصف ونصيب الأختين فصاعدا الثلثين «1» كذلك يشترط لذلك الحكم عدم ولد الابن وان سفل وعلى انه لا نصيب للاخوة والأخوات أصلا مع ذكر من الأولاد او أولاد الابن وان كان واحدا ومع أنثى واحدة او اكثر منهم للاخوة والأخوات ذكرا كان او أنثى واحدا كان او اكثر الباقي بعد فرض الإناث من الأولاد وأولاد الابن اعنى بعد النصف للواحدة والثلثين للاكثر منهن اما للاخوة فلقوله صلى الله عليه وسلم الحقوا الفرائض باهلها وما أبقت فلاولى رجل ذكر متفق عليه من حديث ابن عباس- وكذا للاخت واحدة كانت او اكثر مع البنت واحدة كانت او اكثر لقوله صلى الله عليه وسلم اجعلوا الأخوات مع البنات عصبة ولحديث الهذيل عن شرحبيل قال جاء رجل الى ابى موسى وسليمان بن ربيعة فسالهما عن رجل مات عن ابنة وابنة ابن واخت لاب

_ (1) فى الأصل الثلثان

وأم فقالا للبنت النصف وللاخت النصف وائت ابن مسعود فانه سيتا بعنا فاتى ابن مسعود فقال ل قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ساقضى بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة للثلثين وما بقي فللاخت «1» رواه البخاري- (مسئلة) واجمعوا على انه لا يرث الاخوة والأخوات لاب مع أخ واحد ذكر لاب وأم لحديث على رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اعيان بنى الام يتوارثون دون بنى العلات يرث الرجل اخوه لابيه وامه دون أخيه لابيه رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث الحرث عن على والحرث ضعيف وقد قال الترمذي لا يعرف الا من حديثه لكن العمل عليه وكان عالما بالفرائض وقد قال النسائي لا بأس به وقول الترمذي العمل عليه حكاية عن الإجماع (مسئلة) واجمعوا على ان للاخت لاب واحدة كانت او اكثر مع اخت واحدة لاب وأم السدس تكملة للثلثين قياسا على بنت الابن واحدة كانت او اكثر مع بنت واحدة صلبية ولا يرثن مع الثنتين من الأخوات لاب وأم لاحرازهما تمام الثلثين الا ان يكون معهن ذكر فيعصبهن فيقسم الثلث الباقي بعد حظ الأختين لاب وأم او النصف الباقي بعد حظ اخت واحدة من الأعيان بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين (مسئلة:) واجمعوا على ان بنى العلات لهم حكم بنى الأعيان عند عدم واحد منهم امّا لهذه الاية ان قيل ان لفظ الأخ والاخت يشملهم وترجيح بنى الأعيان على بنى العلات بالسنة لكن يلزم على هذا الجمع بين معينى المشترك، واما بالنقل المستفيض فلاخت واحدة منهم النصف وللثنتين فصاعدا الثلثان ويجوز الذكر منفردا جميع المال وعند الاختلاط للذكر مثل حظ الأنثيين ويحجبهم الابن وابن الابن والأب والجد ولهم مع الإناث من الأولاد مثل ما لبنى الأعيان معهن والله اعلم يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا اى يبين الله لكم ضلالكم الذي من شأنكم إذا خليتم وطباعكم لتحترزوا عنه وتتخيروا خلافه او يبين لكم الحق والصواب كراهة ان تضلوا

_ (1) وكان ابن عباس يقول ليس للاخت شىء مع البنت ما بقي فللعصبة ويقول لا تجدونه فى كتاب الله وفى قضاء رسول الله وقال الله تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ لكن ما قلنا ثبت بالسنة وعليه انعقد الإجماع منه رحمه الله-

وقال الكوفيون لئلا تضلوا فحذف لا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) فهو يعلم مصالح العباد فى المحيا والممات والله اعلم- عن البراء بن عازب قال اخر سورة نزلت كاملة براءة واخر اية نزلت خاتمة سورة النساء يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ متفق عليه وقال البغوي عن ابن عباس اخر اية نزلت اية الربوا واخر سورة نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وروى عنه ان اخر اية نزلت قوله تعالى وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ويروى انه بعد ما نزلت سورة النصر عاش النبي صلى الله عليه وسلم عامّا ونزلت بعدها سورة براءة وهى اخر سورة نزلت كاملة فعاش بعدها ستة أشهر ثم نزلت فى طريق حجة الوداع يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ فسميت اية الصيف ثم نزلت بعدها وهو واقف بعرفة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فعاش بعدها أحدا وثمانين يوما ثم نزلت اية الربوا ثم نزلت وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ فعاش بعدها أحد «1» او عشرين يوما والله اعلم- وفى قوله وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد سورة براءة سنة أشهر نظر لانها نزلت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله عنه أميرا للحج سنة تسع من الهجرة بعد خروج ابى بكر فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليّا رضى الله عنه بأربعين اية من اوّل سورة براءة يقرا على الناس فعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزوله خمسة عشر شهرا وأياما فلعل الراوي قال ستة عشر تكميلا للايام شهرا فسقط لفظ عشر وكذا فى قوله بعد ما نزلت النصر عاش النبي صلى الله عليه وسلم عاما نظر فان النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة عام الفتح كان يقرا سورة النصر كما ذكر فى تفسير سورة النصر وكان الفتح قبل موته صلى الله عليه وسلم بثلثين شهرا والله اعلم «2» - تمّ تفسير سورة النساء من تفسير المظهرى حادى عشر شهر رجب سنة الف ومائة وثمان وتسعين من الهجرة على صاحبها صلى الله عليه وسلم بتصحيح: مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى

_ (1) فى الأصل أحد (2) عن عمر بن الخطاب قال من قرا البقرة والنساء وال عمران كتب عند الله من الحكماء منه رحمه الله . ... ...

فهرست سورة النساء

فهرست سورة النساء إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ هذا كتاب جليل صنف لتذكرة الشيخ الشهيد سيّدنا ومولانا ميرزا جانجانان مظهر قدس سره الموسوم بالتّفسير المظهرى منه النّساء تأليف الشيخ الأكمل بيهقى الوقت علم الهدى مولانا القاضي محمد ثناء الله العثماني الحنفي المظهرى النقشبندي الفاني فتى رضى الله عنه وعن ابائه ومشائخه ولد رحمه الله فى سنة ثلاث وأربعين بعد الف ومائة من الهجرة او قبله بسنة او سنتين بفانى فت ونشابها فحفظ القران وعمره سبع سنين واشتغل بعده بأخذ العلوم النقلية والعقلية فتبحر فيها ثم ارتحل الى الدهلى فلزم العلامة البحر الفهامة مولانا الشاه ولىّ الله المحدث الدهلوي فسمع الحديث منه بتمامه وكماله وتفقه فيه- وأخذ الطريقة العالية النقشبندية اولا من شيخ الشيوخ مولانا خواجه محمد عابد السنامى ثم انسلك بخدمت الشهيد مولانا الشيخ ميرزا جانجانان مظهر وأخذ منه الطريقة الاحمدية بكماله ثم رجع الى وطنه واقام به وأفنى عمره الشريف فى نشر العلوم وفصل الخصومات وإفتاء الاسئلة والف كتبا عديدة فى التفسير والفقه وغيرها تجاوز عددها من ثلاثين ولم يزل مقبلا متوجها الى الله وازديادا مجتهدا فى الخيرات الى ان أدركته المنية فتوفى فى غرة الرجب المرجب سنة الف ومائتين وخمس وعشرين من الهجرة على صاحبها التحية مكتبه رشيديّه سركى رود كوئه ... ...

(فهرس للتفسير المظهرى سورة النساء) مضمون/ صفحه سورة النساء- 2 حديث استوصوا بالنساء خيرا فانها خلقت من ضلع آدم- 2 ما ورد فى صلة الرحم وقطعه- 3 حديث لا يتم بعد الاحتلام 4 مسئلة للخاطب ان ينظر الى وجه المخطوبة- 6 مسئلة لا يجوز التزوج ما فوق الأربع من النساء 7 مسئلة إذا اسلم وتحته اكثر من اربع نسوة او أختين- 8 مسئلة لا يجوز للعبد اكثر من امرأتين 9 الأفضل كثرة النكاح وفرضيته على التائق- 9 مسئلة نكاح الشغار باطل- 11 مسئلة لا يجوز دفع ماله الى امرأته ونبيه 12 فيحتاج إليهم- مسئلة بلوغ الغلام والجارية- 13 مسئلة حجر السفيه- 14 مسئلة الرشيد صار سفيها- 15 مسئلة الحجر للدين- 15 مسئلة المفلس المديون هل يجوز إجارته 16 لقضاء الدين- مسئلة هل يجوز للولى الاكل من مال اليتيم- 17 وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى الاية 20 ما ورد فى حرمة أكل مال اليتيم 21 مسائل الفرائض 23 حكم الأولاد وأولاد الابن- 24 حكم الوالدين- مسئلة الاخوة يحجبن الام من الثلث 26 مسئلة الجد الصحيح مع الاخوة- 26 مسئلة الجدة الصحيحة- 28 مسئلة ترتيب الحقوق يتعلق بالتركة- 30 مسئلة تنفيذ الوصايا من الثلث 30 حديث إذا دخل الرجل الجنة سال عن أبويه 30 وزوجته وولده- حديث لا وصية لوارث- 31 حكم الأزواج والزوجات وحكم امرأة الفار- 31 حكم أولاد الام- 33 ما ورد فى المقدار فى الوصية وقطع ميراث الورثة- 35 فصل اقسام الوصية- 35 مسئلة العول- 36 مسئلة العصبات بنفسه وبغيره ومولى العتاقة 37 مسئلة الرد- 38 مسئلة إذا اجتمع جهتى فرض وتعصيب- 39 مسئلة ميراث ذوى الأرحام- 39 مسئلة اصناف ذوى الأرحام- 41 مسئلة القتل مانع من الإرث- 42 مسئلة المسلم لا يرث الكافر وبالعكس- 43 مسئلة يرث النصرانىّ اليهودىّ وبالعكس- 43 مسئلة الأنبياء لا يورثون- 43 مسئلة اللواطة وما يجب فيه- 45 أحاديث قبول توبة العبد ما لم يغرغوا وتطلع الشمس من مغربها 48 ما ورد فى مغالات المهر ومقدار مهر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه- 51 ... ...

مسئلة هل يستقر المهر بالوطى او بالخلوة الصحيحة 52 مسئلة حرمة منكوحات الآباء- 53 مسئلة حرمة المصاهرة بالزنى وبالمس بشهوة 55 او النظر الى فرجها- مسائل المحرمات بالنسب وبالرضاع- 56 مسئلة الرضاع وان قلّ يحرّم 57 مسئلة الرضاع بعد مدة الرضاع لا يحرم- 58 مسئلة مدة الرضاع سنتان- 59 مسئلة المحرمات بالمصاهرة- 60 مسئلة الجمع بين الأختين ونحوهما 62 حديث إكرام المرضعة وحرمة قطع وصلة الرضاع 63 مسئلة وقوع الفرقة بين الزوجين بالسبي او باختلاف الدارين حقيقة او حكما- 65 مسئلة المهر من لوازم النكاح وليس من 67 شرائطه ذكره- مسئلة إذا تزوج بشرط ان لا مهر لها- 67 مسائل ما يصلح مهرا وما لا يصلح 68 مسئلة تقدير اقل المهر- 72 مسئلة المتعة حرام- 75 مسئلة هل يستحق المرأة المهر بالعقد او بالدخول 78 مسئلة الزيادة فى المهر والحط عنه يلحق بأصل العقد 79 مسئلة هل يجوز للحر نكاح الامة عند طول الحرة 80 وهل يجوز للحر المسلم نكاح الامة الكتابية وكراهة نكاح الإماء- مسئلة نكاح الرقيق بغير اذن السيد- 81 مسئلة هل يجوز النكاح مع الزانية- 82 مسئلة حد الزنى فى الحر والرقيق- 83 مسئلة نكاح الإماء ضرورى فهل يجوز فوق الواحدة او يجوز مطلقا 85 مسئلة لا يجوز نكاح الامة فوق الحرة- 85 حديث اىّ الكسب أطيب 87 مسئلة خيار المجلس فى البيع- 88 مسئلة قتل الرجل نفسه او غيره وقوله تعالى ولا تقتلوا 89 أنفسكم- مسئلة بيان الكبائر من الذنوب ومراتبها- 90 فائدة مبالغة النبي صلى الله عليه وسلم فى التهديد 92 فى الكذب- فائدة أساس المعاصي قساوة القلب- 94 فائدة تأويل ما قيل ان العبد يبلغ درجة لا يضره ذنب عمله 94 مسئلة ارث مولى الموالاة- 97 مسئلة للاسفل ان يسقط ولاءه عن الأعلى وللاعلى التبري عنه- 97 ما ورد فى المرأة الصالحة- 98 مسئلة جواز ضرب المرأة الناشزة 100 مسئلة حقوق المرأة على زوجها- 100 حديث خيركم خيركم لاهله- 100 مسئلة بعث الحكمين للاصلاح بين الزوجين 101 وما يجوز للحكمين- مسئلة عبادة الله وعدم الإشراك- 102 مسئلة الإحسان بالوالدين والأقربين 103 واليتامى والمساكين والجار والمصاحب وابن السبيل والمملوك- ما ورد فى التواضع والنهى عن التكبر والعقوق 105 وقطع الرحم- ما ورد فى السخاء والبخل- 105 ما ورد فى الرياء- 106 ... ...

حديث لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق فى الدنيا ويجزى بها فى الاخرة- واما الكافر فيطعم فى الدنيا ولم تكن له حسنة فى الاخرة- أحاديث شفاعة المؤمنين بعضهم لبعض وسعة رحمة الله- 108 حديث مؤاخذة حقوق الناس وتضعيف الحسنات 109 حديث ليس من يوم الا وتعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وسعية- 110 حديث سمع النبي صلى الله عليه وسلم سورة النساء 110 حتى بلغ فكيف إذا جئنا من كلّ امّة بشهيد وجئنا بك الاية فقال حسبك فاذا عيناه تذرفان- 110 مسئلة النهى عن السكر عند الصلاة- 112 حديث إذا نعس أحدكم فى الصلاة فليرقد 112 مسئلة وجوب الغسل بالجماع وان لم ينزل 113 وبالمنى- وروية المستيقظ المنى او المذي- مسئلة التيمم لا يرفع الحدث بل يستر- 115 مسئلة هل يجوز المرور فى المسجد للجنب- 116 مسئلة لا يجوز المكث فى المسجد للجنب- 116 مسئلة لا يجوز للجنب الطواف ولا قراءة القران ولا مسه- 116 مسئلة من لم يجد الماء وهو صحيح مقيم يتمم وهل يعيد الصلاة ان كان بموضع لا يعدم فيها الماء غالبا- 117 مسائل نواقض الوضوء- الخارج من السبيلين ومس المرأة والنوم والإغماء والجنون والقهقهة فى الصلاة وأكل دم الجزور ومس الذكر 118 مسئلة ما يشترط للتيمم عدم القدوة على استعمال الماء باى سبب كان 125 مسئلة هل يشترط للمسافر طلب الماء من رفيقه او رحله 126 مسئلة يشترط النية فى التيمم- 126 مسئلة الصعيد اسم لوجه الأرض- 126 مسئلة الطهارة فى الصعيد شرط- 127 مسئلة الواجب فى التيمم المسح الى المرفقين- 129 ما ورد فى كيفية التيمم- 129 مسئلة هل يجوز التيمم لخوف فوت العيد والجنازة او لخوف فوت الوقت او الجمعة وهل يجب الاعادة- 130 مسئلة إذا وجد الماء بعد الصلاة بالتيمم فى الوقت هل يعيد- 131 مسئلة من كان بعض أعضائه صحيحا وبعضه جريحا 131 مسئلة هل يجوز بالتيمم صلوات كثيرة ما لم يحدث 131 او يجد الماء- مسئلة فاقد الطهورين- 132 مسئلة بطلان مذهب المرجئة فى القطع بالمغفرة 138 ومذهب الخوارج بتكفير المذنب- حديث ثنتان موجبتان- 139 حديث من قال لا اله الا الله دخل الجنة- 139 مسئلة لا يجوز تزكية نفسه ولا الحكم على الغير 140 بالطهارة قطعا الا على حسن الظن- مسئلة يجوز بيان فضل نفسه بالوحى او الإلهام 140 بشرط عدم البطر والتكبر- قصة خروج كعب بن الأشرف الى مكة لجمع الأحزاب ناقضا لعهد كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده للصنم وقوله للمشركين هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا- 141 حديث هدم خالد العزى وخروج الشيطانة منها 143 ... ...

ما ورد فى قوله تعالى كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ وما ورد فى عظم جثة الكافر فى النار 145 قصة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة من عثمان ثم إعطائه إياه بامر الله تعالى- 146 ما ورد فى أداء الامانة- 147 فائدة ومن أداء الامانة الفناء والبقاء 149 المصطلح المستلزمان لتزكية النفس من تزكيتها- الامارة والقضاء امانة وما ورد فى التجنب عنهما- 150 ما ورد فى إطاعة اولى الأمر من امام العامة 151 والزوج والسيد والوالد والعلماء والمشائخ- مسئلة وجوب إطاعة الأمير مقيد بما لم يخالف امره الشرع- 152 مسئلة إذا قال القاضي قضيت بالرجم على وسعك ان تفعل- 152 مسئلة إذا رفع الى القاضي حكم حاكم أمضاه 153 مسئلة إذا افتى المجتهد وظهر ان فتواه مخالف للكتاب او السنة- 153 قصة مخاصمة اليهودي والمنافق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم رضاء المنافق بقضائه صلى الله عليه وسلم ورفعهما الأمر الى عمر وقتل عمر المنافق وتسميته بالفاروق- 154 حديث من اتى كاهنا فصدقه او اتى امرأت حائضا او فى دبرها فقد برئ مما نزل على محمد- 155 قوله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ- 158 الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ اربعة اصناف ويلحق بهم من يحبهم- 161 حديث المرء مع من أحب- 162 حديث لا ينجو أحد منكم بعمله ولا انا الا ان يتغمدنى الله برحمته- 162 ما ورد فى المجاهدين فى سبيل الله- 164 ما ورد فى انه ما من مصيبة أصاب المسلم الا بذنبه ويكفر بها عنه خطاياه- 168 حديث وزيراى فى الأرض ابو بكر وعمر- 170 حديث اقتدوا بالذين من بعدي- 170 حديث اشفعوا تؤجروا- 172 مسئلة ومن الشفاعة الحسنة الدعاء لمسلم والإصلاح بين الناس- 172 حديث من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة- 172 مسائل وجوب رد السلام وكونه على الكفاية وما يتعلق بذلك- 173 ما ورد فى تشميت العاطس والعيادة والمصافحة وغير ذلك- 176 قصة قتل عياش بن ربيعة الحارث بن زيد خطأ 181 مسئلة هل يجب الكفارة فى القتل عمدا- 183 انواع القتل خطأ وحكمها- 183 مسئلة لا كفارة فى شبه العمد فى رواية لابى حنيفة عاقلا بالغا- 185 مسئلة ما يشترط لجواز العتق من الكفارة- 185 مسائل الدية ومن يجب عليه- 185 فصل فى مقدارها فى النفس وما دونها- 187 مسئلة دية المرأة والرقيق- 190 مسئلة جناية العبد- 191 حديث كل معروف صدقة- 192 ... ...

مسئلة دية مسلم لم يهاجر ومسلم ليس له وارث مسلم- 192 مسئلة مقدار دية الكافر- 193 مسئلة الكفارة بالصوم- 195 مسئلة شبه العمد فى الإثم كالعمد 196 مسئلة هل تقبل توبة القاتل عمدا- 196 مسئلة مرتكب الكبيرة ليس بكافر ولا مخلد فى النار 197 فصل فيما ورد فى القاتل عمدا- 198 قوله تعالى إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا 199 مسئلة المجتهد قد يخطئ وخطاؤه مغفور ويجب عليه التثبت والتبيين- 201 مسئلة إذا راى الغزاة فى قرية شعار الإسلام كفوا عنه- 201 ما ورد فى فضل المجاهدين على القاعدين من غير عذر والقاعدين بعذر- 202 قد يبلغ القاعد بعذر درجة المجاهد- 202 مسئلة حرمة الفرار عند التقاء الصفين- 204 مسئلة يشترط للجهاد الزاد والراحلة- 204 مسئلة إذا هجم العدو يكون الجهاد فرض عين- 204 حديث حضور ملائكة الرحمة للمؤمن وملائكة العذاب للكافر عند الموت- 206 مسئلة الهجرة من دار الكفر على من قدر عليها فريضة محكمة 207 مسئلة يجب الهجرة على العبد بغير اذن سيده- 209 حديث من خرج إلينا من العبيد فهو حر- 209 مسائل قصر الصلاة فى السفر من غير خوف مسائل صلوة الخوف وانحائها- 218 مسئلة الواجب التشبث بالأسباب والمحافظة على التيقظ والتدبر فى الجهاد مع التوكل على الله تعالى 224 حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل احيانه والظاهر ان المراد به دوام الحضور- 224 مسئلة اوقات الصلاة- 225 قصة سرقة طعمة بن أبيرق من مشربة رفاعة بن زيد- 229 مسئلة حجية الإجماع وحرمة مخالفته- 236 حديث الدعاء هو العبادة- 237 ما ورد فى الوسوسة وان الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم- وفى لمة الشيطان ولمة الملك- 238 حديث ما من مولود الا يولد على الفطرة 239 حديث قدسى انا اغنى الشركاء من الشرك- 240 حديث بايعونى على ان لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا إلخ- 241 ما ورد فى ان المؤمنين يجزون فى الدنيا بذنوبهم حتى يلاقوا الله وليس لهم ذنوب والكفار يجزون بذلك يوم القيامة 242 حديث من يعمل حسنة فله عشر حسنات ومن جوى بالسيئة نقصت واحدة من عشر- 242 حديث الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه- 245 حديث لما القى ابراهيم فى النار قال له جبرئيل 246 هل لك حاجة قال اما إليك فلا إلخ- تحقيق مقام الخلة وإعطاء ذلك المقام للمجدد بعد الف سنة لدعائه صلى الله عليه وسلم اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم- 248 حديث مثل أمتي كمثل المطر- 248 ... ...

حديث جعلت سودة يومها من النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة- 251 مسئلة الصلح بين الزوجين- 252 مسائل الصلح عن اقرار وسكوت وانكار وما يتعلق به 253 حديث من كانت له امرأتان فمال الى إحداهما- 255 مسئلة القسم بين الأزواج الجديدة والقديمة والحرة والامة فى الحضر وحكم السفر- 257 مسئلة ترك احدى الزوجات قسمها لضرتها كما فعلت سودة وجواز الرجوع فى القسم ولا يجوز ترك القسم للمرض- 257 ما ورد فى فضل اهل الفارس وقوله صلى الله عليه وسلم لو كان الدين عند الثريا لنا له رجال من الفرس قلت لعل هذا فى مشائخ ما وراء النهر مثل بهاء الدين النقشبندي- 258 حديث من كانت هجرته الى دنيا إلخ 259 مسئلة الواجب على القاضي التسوية بين الخصمين 259 مسئلة وجوب كمال الايمان وهو الايمان الحقيقي بعد ايمان المجازى- 260 حديث الفصل بين المؤمن والمنافق يوم القيامة- 263 مسئلة هل يجوز اشتراء الكافر عبدا مسلما- 264 مسئلة المرتد تبين امرأته المسلمة بنفس الارتداد 264 حديث مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين- 265 ما ورد فى انّ المنفقين فى الدّرك الأسفل من النّار- 265 حديث المستبان ما قالا فعلى البادي منهما ما لم يعتد المظلوم- 267 حديث قيل كم أعفو عن الخادم قال صلى الله عليه وسلم كل يوم سبعين مرة- 267 قصة رفع عيسى عليه السلام الى السماء واشتباه ذلك على اليهود واختلافهم- 271 قوله تعالى وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ- 272 ما ورد فى نزول عيسى عليه السلام- 273 كان داود يخرج الى البرية فيقوم ويقرا الزبور- 275 قوله عليه السلام لابى موسى الأشعري لقد أعطيت مزمارا من مزامير ال داود- 275 ما ورد فى عدد الأنبياء عليهم السلام 276 مسئلة معرفة الأنبياء بأعيانهم لا يشترط لصحة الايمان 276 حديث من أجل غيرة الله حرم الفواحش ولا أحد أحب اليه العذر من الله ولا أحد أحب اليه المدحة من الله إلخ 276 مسئلة هل يعذب الخلق قبل بعثة الرسل- 276 حديث من شهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وان عيسى عبد الله ورسوله- 280 حديث قدسى كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمنى- 280 مسئلة ميراث الاخوة والأخوات لاب وأم- او لاب عند عدم الولد- وما لهم مع البنات- الاختلاف فى اخر سورة نزلت- واخر اية نزلت 286 تمت فهرس سورة النساء.

فهرس التفسير المظهرى

الجزء الثالث بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فهرس التّفسير المظهرى فهرس تفسير سورة المائدة من التّفسير المظهرى مضمون صفحه قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وحديث من 13 آيات المنافق إذا عاهد غدر 14 مسئله حل أكل الجنين إذا خرج ميتابعه زكاة أمه- 15 مسئله الاشعار فى الهدايا سنة 17 مسئله يكره ان يذكر مع اسم الله تعالى عند الذبح شيئا غيره موصولا لا معطوفا واما معطوفا فيحرم الذبيحة 20 مسئله إذا جرح السبع وأدركته حيا فذبحته يحل أكله 21 مسئله يجوز الذبح بكل ما ينهر الدم 21 مسئله يستحب للذابح ان يحد شفرته 22 مسئله لو رمى الى صيد فى الهواء فسقط ومات 22 مسئله ان كسر الكلب عضو صيد هل يوكل 27 حديث ما أصاب بعرضه فقتله فلا تأكل وغير ذلك من مسائل الصيد 27 مسئله ترك التسمية عند الذبح والرمي وإرسال الكلب 30 مسائل ما يحل أكله من الحيوانات وما يحرم 32 فائدة أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجاج والجنادى 238 مضمون صفحه مسئله ذبيحة الكافر 38 مسئله ذبيحة اليهودي على اسم عزير ع 39 مسئله نكاح الكتابيات والمشركات والصابيات 41 مسائل الوضوء 43 مسائل الغسل 57 مسئلة التيمم 60 ما ورد فى الطهارة عن الذنوب بالوضوء 61 وحديث يدعون أمتي غرا محجلين- 61 قصة بعث المنذر بن عمرو الساعدي 63 ثلثين ركبا الى بنى عامر وغدد بنى عامر وشهادة المنذر ومن معه الا ثلاثة نفر أحدهم عمرو بن امية الضمري وقتل عمرو بن امية رجلين من بنى عامر وبين قومهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم موادعة وذهاب النبي صلى الله عليه وسلم الى بنى النضير ليستعين فى الدية وغدرهم به عن ابن مسعود الرجل ينسى العلم بالخطيئة 66 العفو عن الكافر الخائن احسان فضلا عن غيره 67 حديث انا اولى الناس بعيسى 71 الأنبياء اخوة من علات- 71

قصة مسير موسى مع بنى إسرائيل لقتال 72 الجبارين وبعثه اثنتي عشر نقيبا- وقصة عوج بن عنق- 73 ومعصية بنى إسرائيل وقعودهم عن الحرب 73 قصة مبعث يوشع وقتاله مع الجبابرة ورد الشمس عليه- 75 حديث ان الشمس لم تحبس على بشر الا ليوشع وذكر موت يوشع- 75 قصة احتباس بنى إسرائيل فى التيه- 76 قصة وفات هارون ع- 76 قصة وفات موسى ع- 77 قصة هابيل وقابيل- 78 ان الطاعة انما يتقبل من مؤمن متقى- 79 حديث كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل- 80 حديث أن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتى قد شتم هذا وأكل ما لهذا الحديث- 80 حديث لا يقتل نفس ظلما الا كان على ابن آدم الاول كفل من دمها لانه أول من سن القتل 83 ما ورد فى قتل مؤمن بغير حق- 84 قوله تعالى انما جزاء الذين يحاربون الله- 85 وقصة العرنيّين- 85 وقصة هلال بن عويمر- 286 مسائل قطاع الطريق- 86 مسئله الوسيلة درجة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم جاز حصولها لبعض الكمل من افراد أمته 92 مسئلة الترقي الى الوسيلة منوط بالمحبة وهى 92 مرتبة اللاتعين على اصطلاح المجددية- المحبة ثمرة اتباع السنة- 92 حديث يقول الله لا هون اهل النار عذابا لوان 93 لك ما فى الأرض من شيء أكنت تفتدى به- مسائل السرقة- 93 مسائل الرشوة وحرمتها على الاخذ وما يحل منها للمعطى وما لا يحل- 113 مسئله إذا ترافع الكفار من اهل الحرب او الذمة قضية الى القاضي هل يجوز له الاعراض عن الحكم 115 وإذا ترافع اهل الإسلام او الكفر الى رجل من عوام المسلمين ليحكم بينهم- 116 ما ورد فى فضل الحكم بالعدل- 116 مسئله يجب علينا العمل بشرائع من قبلنا ما لم يظهر نسخه- 117 حديث انا اولى الناس بعيسى- 117 مسائل القصاص فى الأطراف والجروح وما لا قصاص فيه- 119 قصة إعطاء علىّ كرم الله وجهه خاتمه فى الصلاة للفقير- 132 مسئله العمل القليل فى الصلاة لا يبطلها- 132

مسئله صدقة التطوع تسمى زكاة- 132 استدلال الروافض على انحصار الخلافة فى علىّ رضى الله عنه وابطال قولهم- 134 مسئله صرف الحواس والعقل ليست علة موجبة للعلم كما زعمت الفلاسفة- 137 حديث ان الإسلام يهدم ما كان قبله والهجرة والحج- 142 حديث والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي يهودى ولا نصرانى ثم يموت ولم يومن الحديث 142 حديث ان الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه الحديث 150 حديث كان فيمن قبلكم إذا عمل عامل خطيئه ونهاه فاذا كانوا من الغد جالسه وأكله فجعلهم الله قردة وخنازير ولعنهم الحديث- 151 قصة هجرة الصحابة الى الحبشة واسلام النجاشي ومن اسلم من الحبشة- 153 قصة نكاح أم المؤمنين أم حبيبة- 154 حديث الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه- 156 قصة اتفاق بعض الصحابة وعزمهم على الترحب ومنعه صلى الله عليه وسلم إياهم عنه- 157 ما ورد فى النهى عن التشدد على أنفسهم وقوله عليه السلام من رغب عن سنتى فليس منى- 158 حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحلو والعسل- 2159 حديث الطاعم الشاكر كالصائم الصابر 160 مسائل اليمين المنعقدة وكفارته 160 حديث من قال انى برئ من الإسلام ان كان كذا فان كان كاذبا فهو كما قال الحديث- 161 فصل فى النذر وما يجب فيه الكفارة من النذر 170 مسئله الاستثناء بعد الحلف- 170 حديث شارب الخمر كعابد الوثن- 172 ما ورد فى ان الصلاة فارق بين الايمان والكفر 173 ما ورد فى حرمة الخمر ووعيد شاربها- 173 ما ورد فى النهى عن قتل الصيد للمحرم وما يحل له قتله- 175 مسئله يحرم على المحرم الاشارة الى الصيد 177 والدلالة عليه لمن يصيد- 177 مسئلة ما صاد المحرم فهو ميتة 177 مسئلة ما صاد الحلال بامر المحرم او إشارته او دلالته يحرم على المحرم فقط- 177 مسائل جزاء الصيد على المحرم- 178 وقصة ما اهدى الى النبي صلى الله عليه وسلم من حمار الوحش وهو محرم- 186 مسئلة ما اصطاد الحلال لاجل المحرم 187 حديث من تصدق بعدل تمرة ولا يقبل الله الا الطيب- 190 حديث هذا «1» خير من ملأ الأرض مثل هذا «2» 191

_ (1) يعنى المؤمن الفقير 12. (2) يعنى الكافر الخبيث 12.

فهرس تفسير سورة الانعام من التفسير المظهرى

مسئله الأمر المطلق لا يقتضى التكرار 191 حديث انما شفاء العي السؤال 192 حديث الولاء لمن أعتق 194 حديث رايت عمرو بن عامر الخزاعي يجرّ 194 قصبه فى النار كان أول من سيب السوائب حديث إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك ان يعمهم الله بعقاب الحديث ونحوه- 196 قال ابن عباس مروا بالمعروف وانهوا عن 196 المنكر ما قبل منكم فان رد عليكم فعليكم أنفسكم تاويل قوله تعالى عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم- 196 حديث ايتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر 196 حتى إذا رأيت شحا مطاعا وديتا موثرة الحديث الى قوله فعليك نفسك فان ورائكم ايام الصبر الحديث- حديث ليردنّ علىّ ناس من أصحابي على الحوض حتى 202 عرفتهم اختلجوا دونى فاقول أصيحابي الحديث قصة سوال عيسى عليه السلام المائدة- 204 قصة نزول المائدة 205 حديث ان النبي صلى الله عليه وسلم تلى قوله تعالى فى ابراهيم رب انهن اضللن كثيرا من الناس الاية وفى عيسى ان تعذبهم فانهم عبادك الاية فقال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله تعالى انا سنرضيك فى أمتك- 210 تمّ فهرس تفسير سورة المائدة. فهرس تفسير سورة الانعام من التفسير المظهرى حديث خطلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا الحديث- 213 حديث ان الله خلق الخلق فى ظلمة فالقى عليهم من نوره الحديث- 213 حديث خلق الله آدم من تواب وجعله طينا الحديث- 2218 حديث ان الله خلق آدم من قبضة إلخ 214 حديث ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة إلخ 214 حديث ستة لعنتهم ولعنهم الله إلخ 215 مسئله الرسول برزخ لا بد له من المناسبة بين الخلائق وبين الخالق وذكر مبادى تعينات 218

الرسل عليهم السّلام حديث قدسى رحمتى سبقت غضبى إلخ 219 حديث ان لله مائة رحمة انزل منها واحدة 219 حديث قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبى فاذا امرأت وجدت صبيا فالصقته ببطنها وارضعته فقال عليه السلام هل ترون هذه طارحة ولدها فى النار لله ارحم من هذه بولدها إلخ 219 حديث احفظ الله يحفظك وفيه لو جهد الخلائق ان ينفعوك او يضروك بما لم يقضه الله ما قدروا عليه إلخ 224 نزول قوله تعالى قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ- 224 حديث بلغوا عنى ولو اية إلخ 224 حديث من حدث عنى بحديث وهو يرى انه كذب إلخ 224 حديث نصر الله عبد اسمع مقالتى فحفظها وأذاها إلخ 224 حديث ما منكم من أحد الا له منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار- 225 حديث كيف بكم إذ جمعكم الله كما يجمع النبل فى الكنانة خمسين الف سنة لا ينظر إليكم إلخ 226 حديث ليعذرن الله الى آدم يوم القيمة ثلث معاذير إلخ 229 حديث قدسى انا عند ظن عبدى بي إلخ 230 من مات فقد قامت قيامته- 231 حديث والمؤمن إذا خرج من قبره استقبله 231 عمله فى احسن صورة وفيه يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا والكافر إذا خرج من قبره استقبله عمله فى أقبح صورة وفيه ويحملون أوزارهم على ظهورهم حديث لا الفين أحدكم يوم القيمة على رقبته بعير بقر شاة وصامت إلخ 231 حديث من بنى بناء فوق ما يكفيه كلف ان يجمل على عاتقه- 241 حديث من ظلم قيد شبر أرضا طوق إلخ 241 أحاديث القصاص بين البهائم- 245 حديث إذا رايت يعطى العبد فى الدنيا وهو مقيم على معاصيه ما يحب فانما هو استدراج 236 الذين نزل فيهم لا تطرد الذين يدعون ربهم الاية مسئله الاستعداد يسبق الوجود- 241 الذين نزل فيهم إذا جاءك الذين يومنون باياتنا فقل سلام عليكم الاية 242 حديث مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا الله إلخ 245 قوله تعالى توفته رسلنا وما ورد فى ملك 246 الموت وأعوانه وملئكة الرحمة والعذاب حديث صعود روح المؤمن والكافر الى السماء وفتح باب السماء للمومن دون الكافر- 247 أحاديث تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نزول العذاب من الفوق ومن التحت وقال ان يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض هذا أهون- 251 حديث سال الله ثلثة فاعطاه اثنين ومنعه واحدة- 251 أحاديث الصور وملك الصور ذكرا زر 254

وهل كان هو عم ابراهيم او أبوه- حديث يلقى ابراهيم أباه آزر يوم القيمة إلخ 256 ما ورد فى روية ابراهيم ملكوت السموات والأرض- 257 استدلال ابراهيم بالكوكب والقمر والشمس لالزام الكفار- 258 وقصة نمرود 258 وقصة ولادة ابراهيم وبلوغه الى الرشد 259 حديث الظلم انما هو الشرك- 263 حديث الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه إلخ 264 قوله تعالى فبهداهم اقتده- 265 مسئلة التعبد بالشرائع السابقة- 266 مسئله لا يجوز أخذ الاجرة على القران والفقه- 266 ذكر مسيلمة الكذاب واسود العنسي- 268 بحث روية الله تعالى فى الجنة وجواب استدلال المعتزلة بقوله تعالى لا تدركه الابصار 273 مسئلة الكفر والايمان كل منهما بارادة الله تعالى ومراده تعالى واجب وقوعه- 276 الأصلح ليس بواجب- 277 حديث شياطين الانس شر من شياطين الجنّ- 279 مسئله متروك التسمية عند الذبح عامدا او ناسيا- 2282 مسئله تحقيق مبادى تعينات الأنبياء والملئكة وغيرهم وافضلية ولاية الملئكة على ولاية الأنبياء وفضلهم بالنبوة 286 مسئله شرح الصدر وامارته 286 ذكر الرسل من الجن وذكر مذهب اهل الهند- 289 مسئله هل فى الزرع حق لله تعالى سوى زكوة الزرع- 294 حديث نفى الوجوب فى المال سوى الزكوة 294 حديث ان فى المال حقا سوى الزكوة 295 مسئله الإسراف ما هو- 295 الأحاديث الواردة فى الانفاق فى سبيل الله وعدم الإمساك شيئا- 296 قوله تعالى قل لا أجد فيما اوحى الىّ إلخ 298 مسئله هل ينحصر التحريم فى الثلاثة اولا- 298 حديث تحريم بيع الخمر والميتة ونحو ذلك 301 حديث لعن الله اليهود لما حرم عليهم 301 الشحوم جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه حديث لا تشرك بالله شيئا وان قتلت ولا تعقن والديك إلخ 303 حديث اى الذنب اكبر- 304 حديث لا يحل دم امرأ مسلم الا بإحدى ثلث- 304 ما ورد من الأحاديث فى إعطاء من له الحق اكثر من حقه- 305

حديث رحم الله رجلا سمحا إلخ 306 حديث عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله- 306 حديث القضاة ثلث واحد في الجنة إلخ حديث الحلال بين والحرام بين إلخ- 306 حديث خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا إلخ 307 حديث لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواة تبعا لما جئت به- 307 فصل فى اشراط الساعة الدجال وغيره 310 فصل فى المهدى- 312 الأحاديث الواردة فى عدم قبول ايمان الكافر وتوبة الفاسق بعد مشاهدة اشراط الساعة- 313 حديث ينزل عيسى عليه السّلام فيتزوج ويولد له ويمكث إلخ- 314 الأحاديث الواردة فى تفرق الامة الى ثلث وسبعين فرقة وفى اهل البدع والأهواء والمنع عن البدعة وإيجاب اتباع السنة والجماعة وانه لا يجتمع الامة على الضلال يد الله على الجماعة- 314 وذكر منشأ الأهواء الباطلة- 316 حديث فى القدرية والمرجئة- 316 حديث ستة لعنتهم ولعنهم الله إلخ 316 ذم الروافض وما ورد من الأحاديث فى الروافض- 317 ما ورد فى ان الحسنة تضاعف ثوابها الى عشرة أمثالها وما فوق ذلك- 318 وتحقيق هذا التضعيف فى الصدقات وغيرها- 318 ولا تضاعف فى السيئات- 318 حديث عملت اليهود الى نصف النهار والنصارى الى العصر كل على قيراط والمسلمون الى المغرب على قيراطين- 319 حديث كل تسبيحة صدقة إلخ 320 حديث الا أخبركم بخير أعمالكم يعنى ذكر الله- 320 ما ورد فى نزول سورة الانعام جملة وفضلها- 322 تمّ فهرس تفسير سورة الانعام من التّفسير المظهرى.

فهرس تفسير سورة الأعراف من التفسير المظهرى

فهرس تفسير سورة الأعراف من التفسير المظهرى بسم الله الرّحمن الرّحيم ما ورد فى السؤال عن المرسلين والمرسل إليهم 325 ما ورد فى الميزان وكيفية وزن الأعمال 326 قصة خلق آدم وإبليس وامره بالسجود 331 ما ورد فى التكبر- 333 اجابة الدعاء قد يكون استدراجا- 334 مسئلة إذا حضرت الصلاة وأنتم عند 339 مسجد فصلوا فيه ولا تقولوا صلى فى مسجدى ما ورد فى ان الناس يبعثون من قبورهم 340 حفاة عراة وما ورد فى انهم يبعثون فى ثيابهم مسئلة الجهل ليس بعذر- 341 خذوا زينتكم عند كل مسجد- 341 مسئلة اشتراط ستر العورة فى الصلاة- 343 مسئلة عورة الرجل- 343 مسئلة الركبة عورة 345 مسئلة عورة الحرة 345 مسئلة نغمة المرأة عورة فاذا جهرت القراءة فسدت صلوتها- 345 مسئلة عورة الامة 345 مسئلة يجب عند احمد ستر المنكبين فى الفرض- 346 مسئلة يستحب ان يصلى الرجل فى ثياب الزينة- 2346 حديث كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطأتك خصلتان سرف ومخيلة 347 مسئلة الأصل فى المطاعم والمشارب الحل- 347 حديث لا أحدا غير من الله الحديث- 348 حديث قبض روح الكافر- 350 حديث يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة فيقتص لبعضهم من بعض مظالم- 351 واختلف فى القنطرة 352 نزع الغل من الصدور قد يكون بغير قصاص- 352 حديث ينادى مناد ان لكم ان تصحوا فلا تسقموا ابدا إلخ 353 حديث ما منكم من أحد الا له منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار- 353 ما ورد فى الأعراف وأصحابه- 354 حديث التأنى من الرحمن والعجلة من الشيطان- 359 بحث الاستواء على العرش 359 ما ورد فى ذكر الجهر والخفي- 361 فصل فى اقسام الذكر- 362

ما ورد فى الاعتداء فى الدعاء 363 ما ورد فى ما يمنع من اجابة الدعاء 364 ما ورد فى ما بين النفختين 365 قصة نوح عليه السلام ونسبه ووجه تسميته 366 حديث اوحى الله لنبى قل لاهل طاعتى لا يتكلوا على اعماله ولاهل معصيتى لا تقنطوا- 368 ذكر هود عليه السلام- ونسبه 369 قصة عاد- 371 ذكر صالح عليه السلام- 374 حديث أشقى الأولين عاقر ناقة صالح ع وأشقى الآخرين قاتل على رض- 376 قصة ثمود- 376 حديث نزوله صلى الله عليه واله وسلم الحجر فى غزوة تبوك وذكر ابى رغال- 381 قصة لوط عليه السلام- 381 قصة مدين وشعيب عليه السلام- 383 حديث ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة فيسبق عليه الكتاب إلخ 385 حديث قلوب بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن- 385 قصة موسى عليه السلام وفرعون- 389 قصة نزول الآيات من الطوفان وغيره- 396 ما ورد فى الطاعون- 399 قصة إتيان موسى عليه السلام على 2401 قوم يعكفون على أصنام وقول بنى إسرائيل اجعل لنا الها- حديث قول بعض الصحابة فى غزوة حنين اجعل لنا ذات أنواط- 402 قصة ميعاد موسى ثلثين ليلة وإتمامها 402 قصة تكليم موسى عليه السلام وطلبه الروية- 403 قوله تعالى تجلى ربه للجبل- 406 معنى التجلي عند الصوفية- 406 فى القصة ان موسى بعد ما كلمه ربه لا يستطيع أحد ان ينظر اليه لما غشى وجهه النور- 407 ما روى البخاري عن كعب الأحبار فى فضائل امة محمد صلى الله عليه واله وسلم وقول موسى يا ليتنى من اصحاب محمد صلى الله عليه واله وسلم- 407 ما ورد فى كتابة التورية- 408 قصة اتخاذ بنى إسرائيل العجل- 410 قصة غضب موسى على عبادة العجل والقائه التورية- 411 حديث ليس الخبر كالمعاينة- 412 حديث كل أمتي يدخلون الجنة الا من ابى 415 حديث انا امة امية- 416 حديث انا اكثر الأنبياء تبعا- 416

ما ورد فى نعوت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى التورية- حديث فضلت على الأنبياء بست- قصة من اعتدى فى السبت فصاروا قردا 424 قصة إخراج ذرية آدم من ظهره وأخذ الميثاق عليهم 427 قصة بلعم بن باعور- 430 قصة ملك بلقاء وبلعام- 432 قصة امية بن ابى الصلت الثقفي 432 قصة بسوس رجل من بنى إسرائيل- 433 حب الدنيا راس كل خطيئة 434 ما ورد فى ان الله تعالى خلق خلقا للجنة وخلقا للنار- 435 اسماء الله الحسنى وانها توقيفية- 436 حديث لا يزال من أمتي امة قائمة بامر الله إلخ 439 ما ورد فى إتيان القيامة بغتة- 440 ما ورد فى فضيلة العفو- 445 ما ورد فى ان يصل من قطعه ويعطى من حرمه ويعفو عمن ظلمه- 445 ما ورد فى الأمر بالمعروف- 446 ما ورد فى مكارم الأخلاق- 446 بحث الكلام فى الصلاة واختلافهم فى الكلام ساهيا او جاهلا او مكرها او ناسيا- 448 مسئلة الإنصات لاستماع الخطبة واستماع كل واعظ- 2450 ما ورد فى رفع الصوت خلف الامام وفى القراءة مطلقا خلقه 450 مسئلة استماع التلميذ وإنصاته عند قراءة المقري 450 فصل اختلف العلماء فى وجوب الاستماع والإنصات على من هو خارج الصلاة يبلغه صوت من يقرأ فى الصلاة او خارجها 451 مسئلة هل يأثم من يقرأ جمرا وبجنبه نائم او رجل يكتب الفقه ولا يمكنه الاستماع- 451 أحاديث كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم 451 يصلى بالليل فيسمع قراءته من وراء الحجرة وكانت الصحابة يقرءون رافعى أصواتهم فصل لا يجوز الدعاء والتعوذ للسامع إذا 452 قرأ القاري فى القران ذكر الجنة والنار الامام والمنفرد لا يشتغل بغير القراءة فى الفرض وفى النفل يسأل الجنة ويتعوذ من النار- 452 فصل كيف يستحب القراءة فى الصلاة ليلا وخارج الصلاة جهرا او سرا- 452 ما ورد فى تحسين الصوت والتغني بالقران 453 مسئلة التفرع والاستكانة وترك رفع الصوت بالدعاء- 454 ما ورد فى فضائل السجود وفى سجدة التلاوة 456 تمّ فهرس سورة الأعراف.

سورة المائدة

سورة المائدة «1» مدنيّة وهى مائة وعشرون اية وستّ عشر ركوعا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ العقد العهد الموثق وأصله الجمع بين الشيئين بحيث يعسر الانفصال قال الزجاج هو أوكد العهود والوقاع والإيفاء القيام بمقتضى العهد وفى الإيفاء مبالغة ليس فى الوفاء كذا قال التفتازانيّ والحكم عام يشتمل العقود التي عقدها الله تعالى على عباده عامة من يوم الميثاق الى يومنا هذا من التكاليف وتحليل حلاله وتحريم حرامه وما أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتب فى الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته وما يعقد الناس بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها

_ (1) عن عائشة رض قالت المائدة اخر القرآن نزولا فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم من حرام فحرموه رواه احمد والنسائي وغيرهما وعن عبد الله بن عمر قال اخر سورة المائدة والفتح رواه احمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه واخرج ابو عبد عن محمد بن كعب القرظي قال نزلت سورة المائدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته تصدعت كتفها فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا اخرج ابن جرير عن الربيع ابن انس وعطية بن قيس قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المائدة من اخر القران تنزيلا فاحلوا حلالها وحرموا حرامها واخرج ابو داود والنحاس عن ابى ميسرة عن عمرو بن شرحبيل واخرج ابو داود فى ناسخه وابن المنذر عن الحسن انه لم ينسخ من المائدة شىء واخرج عبد بن حميد وابو داود فى ناسخه عن الشعبي قال لم ينسخ من المائدة الا هذه الآية يا ايها الذين أمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد- بقية بر ص 14. واخرج ابو داود فى ناسخه والحاكم وصححه عن ابن عباس قال نسخ من هذه السورة آيتان اية القلائد وقوله تعالى فان جاؤك فاحكم بينهم او اعرض عنهم اخرج البيهقي فى شعب الايمان عن مقاتل بن حبان قال بلغنا فى قوله تعالى يا ايها الذين أمنوا أوفوا بالعقود يعنى العهد الذي كان عهدهم فى القرآن فيما أمرهم من طاعته ان يعملوا بها ونهيه الذي نهاهم عنه بالعهد الذي بينهم وبين المشركين وفيما يكون من العهود بين الناس 12 منه وبهذه الآية استدلت الحنفية على ان البيع إذا تم بالإيجاب والقبول ليس لاحد من المتعاقدين حق الفسخ إلا بخيار شرط او روية او عيب وبه قال مالك وقال الشافعي رحمه الله تعالى المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا او يكون البيع خيارا لما روى البخاري هذا اللفظ بعينه من حديث ابن عمر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا من حديث حكيم بن حزام وإذا ثبت خيار المجلس بالحديث الصحيح قالوا تمام العقد قبل التفرق وبطلان الخيار ممنوع كما ان عند اشتراط الخيار لا يتم العقد قبل انقضاء مدة الخيار والله اعلم 12 منه

مما يجب الوفاء به وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من آيات المنافق إذا عاهد غدر متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو ولما كان مما عقد الله سبحانه تحليل حلاله وتحريم حرامه عقبه بقوله عز وجل أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ والبهيمة كل حى لا يميز والانعام ذات القوائم الأربع وقيل البهيمة ذات اربع قوائم والانعام الإبل والبقر والغنم والاضافة على التقديرين اضافة العام المطلق الى الخاص وهذه الاضافة عند النحويين بمعنى اللام وانما جعلوا الاضافة بمعنى من إذا كان المضاف اليه جنس المضاف وفسروا الجنس بما يكون بينه وبين المضاف عموم من وجه نحو خاتم فضة وكلام البيضاوي والكشاف يشعران هذه الاضافة بمعنى من والله اعلم ومقتضى هذين التأويلين انه تعالى أراد تحليل ما حرم اهل الجاهلية على أنفسهم من الانعام كالبحيرة والسائبة وقال الكلبي بهيمة الانعام وحشيتها كالظباء وبقر الوحش ونحوهما مما يماثل الانعام فى اجترار العلف من الكرش الى الفم وعدم الأنياب والاضافة حينئذ الى الانعام لملابسة الشبه من قبيل سجين الماء قال البغوي وروى ابو ظبيان عن ابن عباس قال بهيمة الانعام الاجنة ومثله عن الشعبي فالآية على هذا التأويل يدل على حل أكل الجنين إذا خرج ميتا بعد زكوة امه وقد تم خلقه وبه قال الشافعي رح واحمد رح وابو يوسف رح ومحمد رح وشرط مالك الاشعار قال البغوي قال ابن عمر زكوة ما فى بطنها فى زكوتها إذا تم خلقه ونبت شعره ومثله عن سعيد بن المسيب وقال ابو حنيفة رح لا يحل أكل الجنين من غير ذبح مستقل أشعر او لم يشعر احتج

الشافعي رح ومن معه بحديث ابى سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد فى بطنها الجنين أنلقيه أم ناكله فقال كلوه ان شئتم فان زكوته زكوة امه رواه احمد وابو داود وعن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال زكوة الجنين زكوة امه رواه ابو داود والدارمي وروى الدار قطنى عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى الجنين زكوته زكوة امه أشعر او لم يشعر قال الدار قطنى الصواب انه من قول ابن عمر وقال الشافعي رح ومن معه ان الجنين جزء من الام حقيقة لانه متصل بها حتى يفصل بالمقراض وقد يتغذى بغذائها ويتنفس بنفسها فاذا كان جزأ منها فالجرح فى الام زكوة له عند العجز عن زكوته كالصيد وقال ابو حنيفة رح الجنين مستقل فى الحيوة يتصور حيوته بعد موتها وهو حيوان دموى وما هو المقصود من الزكوة وهو الميز بين الدم واللحم لا يحصل بجرح الام فيه إذ هو ليس بسبب لخروج الدم من الجنين أصلا بخلاف الجرح فى الصيد لانه سبب لخروج الدم ناقصا فيقام مقام الكامل عند التعذر وإذا لم يحصل الميز فالجنين ميتة وقد ثبت حرمة الميتة بدليل قطعى من الكتاب فلا يثبت حله بحديث الآحاد وتاويل بهيمة الانعام فى هذه الاية بالجنين غير ظاهر ولا يلائمه الاستثناء بقوله تعالى إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ المراد بالموصول الميتة وما اهل لغير الله به وما ذبح على النصب والمنخنقة والموقوذة والنطيحة وما أكل السبع وهذه الأشياء كانت داخلة فى بهيمة الانعام والتحريم لما عرض من الموت حتف انفه ونحو ذلك من العوارض فالاستثناء متصل وقيل المراد بهيمة الانعام المذكورة والاستثناء منقطع واسناد التلاوة الى الميتة وأخواتها مجازى او بتقدير المضاف اى يتلى عليكم اية تحريمه فالمجاز حينئذ فى الظرف وجازان يراد بالموصول الآية ويقدر المضاف على الموصول يعنى الّا محرم ما يتلى عليكم غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ الصيد يحتمل المصدر والمفعول وغير حال من الضمير فى لكم اى أحلت لكم بهيمة الانعام حال كونكم غير معتقدين حل الصيد فى حالة الإحرام ولما كان تقئيد إحلال الانعام بحال عدم اعتقاد حل الصيد غير ظاهر قال صاحب الكشاف غير محلى الصيد عبارة عن الامتناع عن الصيد كانه قال أحلت لكم بعض الانعام فى حال امتناعكم عن الصيد لئلا يضيق عليكم الأمر ويرد عليه ان حل الانعام غير مقيد بحالة الإحرام حالة الامتناع عن الصيد بل هى حلال فى جميع الأحوال فهذا التقييد انما يصح لو جعل بهيمة الانعام ما يعم الوحشي والأهلي وهو التأويل الاوّل او يخص بالوحشى وهو التأويل الثالث فجعل حل الصيد مقيدا بحالة عدم الإحرام والتقدير أحلت لكم

[سورة المائدة (5) : آية 2]

بهيمة الانعام كلها وحشيا كان او أهليا الا ما يتلى عليكم من الميتة وأخواتها حال كونكم غير معتقدين حل الصيد فى الإحرام يعنى ما أحلت لكم الصيد فى الإحرام حتى تعتقد وأحلها وجاز ان يكون فاعل غير محلى الصيد الشارع جلّ وعلى والجمع للتعظيم كانه قال أحللنا لكم بهيمة الانعام حال كوننا غير محلى الصيد لكم وَأَنْتُمْ حُرُمٌ الحرم جمع حرام والجملة حال من المستكن فى محلى الصيد ان كان المستكن ضمير المخاطبين وكذا ان كان المستكن فيه ضمير الشارع المتكلم ويكفى للجملة الحالية الواو ولا يجب الضمير او من الضمير المحذوف اعنى لكم على تقدير كون المستكن ضمير الشارع فقط إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (ط) فى التحليل والتحريم وغير ذلك لا اعتراض عليه اخرج ابن جرير عن عكرمة وعن السدى نحوه انه قدم الحكم بن هند البكري المدينة فى عير له يحمل طعاما فباعه ثم دخل على النّبى صلى الله عليه وسلم فبايعه واسلم فلما ولى خارجا نظر اليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن عنده لقد دخل علىّ بوجه فاجر وولى بقضاء غادر فلما قدم اليمامة ارتد عن الإسلام وخرج فى عير له يحمل الطعام فى ذى القعدة يريد مكة فلما سمع به اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تهيأ للخروج اليه نفر من المهاجرين والأنصار ليقطعوه فى عيره فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ الاية فانتهى القوم وقال البغوي نزلت فى الحطم واسمه شريح بن ضبيعة البكري اتى المدينة وخلف خيله خارج المدينة وحده على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الى ما تدعو الناس فقال الى شهادة ان لا اله الا الله وانا محمد رسول الله واقام الصلاة وإيتاء الزكوة فقال حسن الا ان لى أمراء لا اقطع امرا دونهم ولعلى اسلم واتى بهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان الشيطان ثم خرج شريح من عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد دخل بوجه كافر وخرج بقناء غادر ومر الرجل فمر بسرح «1» المدينة فاستاقه وانطلق فتبعوه فلم يدركوه فلما كان العام المقبل خرج حاجا فى حجاج بكر بن وائل من اليمامة ومعه تجارة عظيمة وقد قلد الهدى فقال المسلمون للنبى صلى الله عليه وسلم هذا الحطم خرج حاجا فخل بيننا وبينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم انه قد قلد الهدى فقالوا يا رسول الله هذا شىء كنا نفعله فى الجاهلية فابى النبي صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى هذه الآية

_ (1) شرح اسم جمع وليس بتكسير سارح الماشية 12

وذكر الواحدي اتى الحطم النبي صلى الله عليه وسلم من اليمامة الى المدينة فعرض عليه الإسلام فلم يقبل فلما خرج مر بسرح المدينة فاستاقها فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام القضية سمع تلبيته بحجاج اليمامة فقال لاصحابه هذا الحطم وأصحابه وقد كان قلد ما نهب من السرح وأهداه الى الكعبة فانزل الله تعالى هذه الاية قال ابن عباس رض ومجاهد المراد بشعائر الله مناسك الحج ومواقفه من المطاف والمسعى والموقف بعرفة والمزدلفة والرمي للجمار والافعال التي تعرف بها الحاج من الإحرام والطواف والحلق والنحر وغيرها وإحلالها التهاون بحرمتها وان يحال بينها وبين المتناسكين بها كان المشركون يحجون ويهدون فاراد المسلمون ان يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك والشعائر جمع شعيرة وهى فى الأصل اسم لما أشعر به انما سمى اعمال الحج ومواقفه شعائر لانها علامات الحج واعلام النسك وقال ابو عبيدة شعائر الله هى الهدايا والاشعار من الشعار اى العلامة والاشعار ان يطعن فى صفحة سنام البعير بحديدة حتى يسيل الدم فيكون ذلك علامة انه هدى- قلت وعلى هذا يلزم التكرار بذكر الهدايا والقلائد- (مسئلة:) الاشعار فى الهدايا سنة إذا كانت الهدى من الإبل عند الائمة الثلاثة وبه قال ابو يوسف ومحمد رح وقال ابو حنيفة رح مكروه والحجة للجمهور ما فى الصحيحين من حديث عائشة رض قالت فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها وأشعرها واهديها فما حرم عليه شىء كان أحل له وقال عطية عن ابن عباس لا تحلوا شعائر الله هى ان تصيد وأنت محرم بدليل قوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا قلت لعل المراد من قول ابن عباس هذا والذي ذكرنا عنه سابقا واحدا- فان الاجتناب عن الاصطياد فى الإحرام داخل فى الاجتناب عن إحلال مناسك الحج وقيل المراد من قوله لا تحلوا شعائر الله النهى عن القتل فى الحرم وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وإحلال القتال فيه وقال ابن زيد هو النسى وذلك انهم كانوا يحلونه عاما ويحرمونه عاما وَلَا الْهَدْيَ جمع هداية وهى ما يهدى به الى الكعبة من الإبل والبقر والغنم ذكر البخاري عن ابن عباس انه سئل عن الهدى فقال فيها جزورا وبقرا وشاة وانما ذكر الهدى مع انه من الشعائر تخصيصا بعد تعميم لان المنع عن تحليله أهم لان فيه إتلاف حق الفقراء ولانه اقرب بان يقع الناس فيه لان فيه أخذ مال جبل الطبائع على حبها وَلَا الْقَلائِدَ جمع قلادة وهى ما قلد به الهدى من نعل او لحاء شجرا وغيرهما ليعلم به

انه هدى فلا يتعرض له والمراد به الهدايا المقلدة وعطفها على الهدى للاختصاص فانه اشرف الهدى وقال عطاء أراد اصحاب القلائد وذلك انهم كانوا فى الجاهلية إذا أرادوا الخروج من الحرم قلدوا أنفسهم وإبلهم بشئ من لحاء شجر الحرم كيلا يتعرض لهم وقال مطرف بن الشخير هى القلائد أنفسها وذلك ان المشركين كانوا يأخذون لحاء من شجر مكة ويتقلدونها فنهوا عن نزع شجرها وقيل النهى عن إحلال القلائد مبالغة فى النهى عن التعرض للهدى نظيره قوله تعالى ولا يبدين زينتهن وإحلال الهدى والقلائد أخذها او منعها عن البلوغ الى الحرم وَلَا آمِّينَ قاصدين الْبَيْتَ الْحَرامَ لزيارته واحلالهم التعرض لهم بالقتل والنهب يَبْتَغُونَ يطلبون فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ فى الدنيا بالرزق فى التجارة وفى الاخرة بالثواب وَرِضْواناً يرضى عنهم والجملة فى موضع الحال من المستكن فى أمين او صفة موصوفة المقدر تقديره ولا قوما آمّين البيت الحرام يبتغون ولا يجوز ان يكون صفة لآمين لانه عامل والمختار ان اسم الفاعل الموصوف لا يكون عاملا وفائدة هذا التقييد استنكارا حلال من هذا شأنه والتنبيه على المانع وكلمة أمين البيت الحرام يعم المؤمنين والمشركين من حيث الصيغة ومن حيث سوق الكلام فان الآية نزلت فى عام القضاء وسيق الكلام للنهى عن تعرض البكري وهداياه وأمثاله فالآية منسوخة باعتبار قصر حكمها بالمؤمنين بقوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله تعالى انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا فلا يجوزان يحج مشرك ولا يأمن كافر بالهدى والقلائد وابتغاء الفضل والرضوان فى المشركين قيل مبنى على زعمهم لان الكافر لا نصيب له فى الرضوان وقال قتادة هو ان يصلح الله معايشهم فى الدنيا وان لا يعجل لهم العقوبة فيها وقيل ابتغاء الفضل اى الرزق بالتجارة عام للمؤمنين والمشركين وابتغاء الرضوان للمؤمنين خاصة وَإِذا حَلَلْتُمْ من الإحرام فَاصْطادُوا اذن فى الاصطياد بعد تحريمه بقوله تعالى لا تحلوا شعائر الله فان الصيد فى الإحرام تحليل للشعائر وقيل بعد المنهي لقوله تعالى غير محلى الصيد وهذا بعيد وهذا الأمر للاباحة بقرينة الإجماع كما فى قوله تعالى فاذا قضيت الصلاة فانتشروا ولا دليل فيه على ان الأمر بعد الحظر يكون للاباحة مطلقا فان مقتضى الأمر المطلق الخالي عن القرائن هو الإيجاب كما برهن عليه فى الأصول قال الله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم وقال الله تعالى ما منعك ان تسجد إذ امرتك واخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن اسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون

[سورة المائدة (5) : آية 3]

عن البيت وقد اشتد ذلك عليهم فمر بهم أناس من المشركين من اهل المشرق يريدون العمرة فقال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نصد هؤلاء كما صدنا أصحابنا فانزل الله تعالى وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ قال البغوي قال ابن عباس وقتادة لا يحملنكم وقال الفراء لا يكسبنكم شنأن قوم اى قومكم من اهل مكة والشنآن مصدر بمعنى شدة البغض والعداوة أضيف الى المفعول او الفاعل قرأ ابن عامر وابو بكر بسكون النون الاولى والآخرون بفتحها وهما لغتان فى المصدر وجاز ان يكون نعتا على تقدير سكون النون بمعنى بغيض قوم فان المصادر أكثرها فعلان بفتح العين مثل الضربان والسيلان والنسلان وبالسكون فى النعت اكثر مثل السكران والندمان والرحمن أَنْ صَدُّوكُمْ قرأ ابن كثير وابو عمرو بكسر الهمزة على انه شرط معترض اغنى عن جوابه لا يجر منكم والباقون بفتح الهمزة بتقدير اللام اى لان صدوكم عن البيت عام الحديبية متعلق بشنأن قال البغوي قال محمد بن جرير هذه السورة نزلت بعد قصة الحديبية وكان الصدقة قد تقدم عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا عليهم بالقتال وأخذ الأموال وهذا ثانى مفعولى يجر منكم فانه يتعدى الى واحد والى اثنين ككسب وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ اى على امتثال امر الله تعالى وَالتَّقْوى اى الانتهاء عما نهى عنه كى يتقى نفسه عن عذاب الله وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ يعنى لا تعاونوا على ارتكاب المنهيات ولا على الظلم لتشفى صدوركم بالانتقام عن النواس بن سمعان الأنصاري قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم قال البر حسن الخلق والإثم ما حاك فى نفسك وكرهت ان يطلع عليه الناس رواه مسلم فى صحيحه والبخاري فى الأدب والترمذي وعن ابى ثعلب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البر ما سكنت اليه النفس واطمأن اليه القلب وان أفتاك المفتون رواه احمد قلت هذا الحديث خطاب لارباب النفوس المطمئنة والقلوب الزاكية وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ فانتقامه أشد وخوف. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ هذا بيان لما يتلى عليكم والميتة ما فارقه الروح على حتف انفه اخرج ابن مندة فى كتاب الصحابة من طريق عبد الله بن جبلة بن حيان بن ابجر عن أبيه عن جده حيان بن الجر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا أوقد تحت قدر فيها لحم ميتة فانزل الله تحريم الميتة فاكفأت القدر قلت انما ذكرت هذا الحديث فى هذا المقام تبعا

الباب «1» النقول فى اسباب النزول والصحيح ان كون هذه القصة عند نزول هذه الاية اية المائدة محال لان هذه الاية اخر اية الاحكام نزولا كما سنذكر وحرمة الميتة كانت قبل الهجرة نزلت بمكة فى سورة الانعام فلا يمكن من الصحابي طبخ لحم الميتة بعد ذلك فالظاهر ان القصّة عند نزول اية التحريم فى الانعام قل لا أجد فيما اوحى الى والله اعلم وَالدَّمُ اى المسفوح منه بالإجماع وهو السائل وكان اهل الجاهلية يصيونها فى الأمعاء ويشربونها وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ انما خص اللّحم بالذكر مع كونه نجسا بجميع اجزائه بالنص والإجماع لانه معظم المقصود من الحيوان وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ والإهلال رفع الصوت وهو قولهم عند الذبح باسم اللّات والعزّى عن ابى الطفيل قال سئل على رضى الله عنه هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ قال ما خصنا بشئ لم يعم به الناس الا ما فى قراب «2» سيفى هذا فاخرج صحيفة فيها لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من سرق «3» منار الأرض وفى رواية بلفظ من غيّر منار الأرض ولعن الله من لعن والده ولعن الله من آوى محدثا رواه مسلم (مسئلة:) يكره ان يذكر مع اسم الله عند الذبح شيئا غيره موصولا لا معطوفا مثل ان يقول عند الذبح بسم الله اللهم تقبل من فلان لكن لا يحرم ونظيره بسم الله محمد رسول الله بالرفع وان ذكر موصولا على وجه العطف والشركة نحو ان يقول بسم الله واسم فلان او بسم الله ومحمد رسول الله بالجرّ يحرم الذبيحة لانه اهل بها لغير الله ولا بأس بان يقول قبل التسمية قبل ان يضجع الذبيحة او بعد الذبح كما روى انه صلى الله عليه وسلم قال بعد الذبح اللهم تقبل هذا عن امة محمّد عليه السلام ممن شهد لك بالوحدانية ولى بالبلاغ قد ذكر حرمة هذا الاربعة وما يتصل بها من المسائل فى سورة البقرة وَالْمُنْخَنِقَةُ التي ماتت بالخنق وَالْمَوْقُوذَةُ الوقذ الضرب الشديد وكانوا فى الجاهلية يقتلون البهيمة ضربا بعصا او حجر وَالْمُتَرَدِّيَةُ التي تردت اى سقطت من علو او فى بير فماتت بلا ذبح وَالنَّطِيحَةُ وهى التي نطحتها اخرى اى أصابتها بقرنها فماتت والتاء فيها للنقل من الوصفية الى الاسمية وَما أَكَلَ السَّبُعُ يعنى ما بقي «4» من أكل السبع وماتت باكله بعضها وهذا يدل

_ (1) اسم كتاب فى اسباب النزول 12 (2) القراب شبه الجواب يطرح فيه الراكب سيفه بغمده وسوطه وقد يطرح فيه زاده من تمر وغيره 12 نهايه (3) المنار جمع منارة وهى العلامة 12 نهايه [.....] (4) ويمكن ان يقال ان ما أكله السبع المعلم الذي ذكر اسم الله عند إرساله فهو داخل فى المستثنى لانه ذكوة ضرورى 12

على ان جوارح الصيد كالكلب والفهد والباز والصقر إذا أكلت مما اصطادته لا يحل أكله إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ يعنى ما أدركتم ذكوته من هذه الأشياء واصل التذكية الإتمام يقال ذكت النار إذا تمت اشتعالها والمراد هاهنا الذبح فانه إتمام للحيوة قال فى الصحاح ذكيت الشاة اى ذبحتها وحقيقة التذكية إخراج الحرارة الغريزية لكن خصّ فى الشرع بابطال الحيوة على وجه دون وجه انتهى كلامه قلت يعنى ابطال الحيوة بالذبح او النحر فى الخلق واللبة فى حالة الاختيار مع ذكر اسم الله تعالى وحده عليه عن ابى هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل بن ورقا الخزاعي على جمل أورق يصيح فى فجاج منى الا ان الذكوة فى الحلق واللبة رواه ابن الجوزي من طريق الدارقطني- (مسئلة:) فاذا جرح السبع او أكل شيئا منه وأدركته حيا فذبحته يحل أكله وهو المراد بقوله تعالى الا ما ذكيتم واماما صار بجرح السبع الى حالة المذبوح فهو فى حكم الميتة فلا يكون حلالا وان ذبحته وكذلك المتردية والنطيحة والموقوذة إذا أدركتها حية قبل ان يصير الى حالة المذبوح فذبحتها يكون حلالا والاستثناء إذا وقع بعد امور متعاطفة يرجع الى الاخيرة فقط عند ابى حنيفة رح وانما عرف حكم ما أدركته حيا بعد الخنق والوقذ والنطح والتردي وذبحته بالمقايسة ولا يمكن إرجاع الاستثناء الى الجميع لان المنخنقة اسم لما مات بالخنق وكذا أخواتها فلا يشتمل ذلك ما أدركته حيا وذبحته فلا يجوز الاستثناء- (مسئلة:) عروق الذبح الحلقوم اعنى مجرى النفس والمري اعنى مجرى العلف والماء والودجان وهما مجرى الدم فقال مالك رح يجب قطع هذه الاربعة وهو أحد قولى احمد رح وقال الشافعي رح واحمد رح يجزى فى الذكوة قطع الحلقوم والمري وقال ابو حنيفة رح ان قطع ثلثا منها اى ثلث كان يحل الاكل وبه كان يقول ابو يوسف رح اولا ثم رجع فقال لا بد من قطع الحلقوم والمري واحد الودجين وبه قال محمد رح فى رواية وعنه انه يعتبر اكثر كل من الأربع وهو رواية عن ابى حنيفة رح لان كل فرد منها اصل بنفسه وللاكثر حكم الكل ولابى يوسف رح ان المقصود من قطع الودجين انهار الدم فينوب أحدهما عن الاخر واما الحلقوم فيخالف المري فلابد من قطعهما وقال ابو حنيفة رح الأكثر يقوم مقام الكل فى كثير من الاحكام واى ثلث قطع فقد قطع الأكثر منها وحصل ما هو المقصود وهو انهار الدم المسفوح- (مسئلة:) يجوز الذبح بكل ما ينهر الدم ويحصل القطع من زجاج او حجر او قصب او

غير ذلك إذا كان له حدة وكذا يجوز بالسن والظفر والقرن إذا كان منزوعا ذى حدة عند ابى حنيفة رح الا انه يكره كذا فى الهداية وقالت الأئمة الثلاثة لا يجوز بالسنّ والظفر والقرن ويكون ميتة عن رافع بن خديج قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم انا لاقوا العدو غدا وليست معنا مدى افنذبح بالقصب قال ما انهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر وساحدثك عنه اما السن فعظم واما الظفر فمدى الحبشة متفق عليه وعن كعب بن مالك انه كانت لنا غنم يرعى بسلع فابصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا فكسرت حجرا فذبحتها فسال النبي صلى الله عليه وسلم فامره بأكلها رواه البخاري وعن عدى بن حاتم قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ارايت أحدنا أصاب صيدا وليس معه سكين أيذبح بالمروة «1» وشقة العصى قال امرر الدم بما شئت واذكر اسم الله رواه ابو داود والنسائي وعن عطاء بن يسار عن رجل من بنى حارثة انه كان يرعى لقحه بشعب من شعاب أحد فراى بها الموت فلم يجد ما ينحرها به فاخذ وتدا فوجأ به من لبتها حتى اهراق دمها ثم اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فامره بأكلها رواه ابو داود ومالك وفى رواية فذكاها بشظاظ «2» احتج ابو حنيفة رح فى الخلافية بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ما انهر فكل وقوله صلى الله عليه وسلم امرر الدم بما شئت واحتج الائمة الثلاثة بقوله صلى الله عليه وسلم ليس السن والظفر حيث استثنى مما انهر الدم وأجاب ابو حنيفة رح بانه محمول على غير المنزوع فان الحبشة كانوا يذبحون بظفر غير منزوع والظاهر ان المراد بالسن فى الاستثناء ما ليس فيه حدة يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم اما السن فعظم ولا يجوز بسن وظفر غير منزوعين اجماعا لانه يقتل بالثقل فيكون فى معنى المنخنقة- (مسئلة:) يستحب للذابح ان يحد شفرته لقوله صلى الله عليه وسلم ان الله كتب الإحسان على كل شىء فاذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته رواه مسلم عن شداد بن أوس- (مسئلة:) لو رمى الى صيد فى الهواء فاصابه فسقط على الأرض ومات كان حلالا لان الوقوع على الأرض من ضرورته وان سقط فى الماء او على جبل او شجر ثم تردى منه فمات لا يحل أكله وهو من المتردية والذي مات بالغرق الا ان يكون السهم أصاب مذبحه

_ (1) الشظاظ خشبة محددة الطرف تدخل فى عروقى الجو القين لتجمع بينهما عند حملها على البعير 12 (2) بالمروة الحجر الأبيض والمراد هاهنا كل حجر له حد 12

فى الهواء فيحل كيف ما وقع لان الذبح قد حصل بأصابة السهم المذبح وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ قيل النصب جمع واحدها نصاب ككتب وكتاب وقيل هو واحد وجمعها أنصاب كعنق وأعناق وهو الشيء المنصوب قال مجاهد وقتادة كانت حول البيت ثلاثمائة وستون حجرا منصوبة كان اهل الجاهلية يعبدونها ويعظمونها ويذبحون بها وليست هى بأصنام انما الأصنام هى الصورة المنقوشة وقال الآخرون هى الأصنام المنصوبة وقال قطرب على بمعنى اللام ومعناه ما ذبح لاجل النصب وقال ابن زيد ما ذبح على النصب وما اهل لغير الله به واحد قلت العطف يقتضى التغاير فالظاهر ما قيل انها كانت حجارة منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويعدون ذلك قربة وحرم عليكم وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ اى الاستسقام اى طلب معرفة ما قسم لهم مما لم يقسم لهم بالأزلام وهى القداح التي لا ريش لها ولا نصل واحدها زلم بفتح الزاء وضمها وكانت ازلامهم سبعة قداح مستوية من شوحط تكون عند «1» سادن الكعبة مكتوب على واحد منها نعم وعلى واحد لا وعلى واحد منكم وعلى واحد من غيركم وعلى واحد ملصق وعلى واحد العقل وواحد غفل ليس عليه شىء فكانوا إذا أرادوا امرا من سفر او نكاح او ختان او غيره او اختلفوا فى نسب او اختلفوا فى تحمل عقل جاؤا الى هبل وكانت أعظم أصنام قريش بمكة وجاؤا بمائة درهم أعطوها صاحب القداح حتى يحيل القداح وو يقولون يا الهنا انا أردنا كذا كذا فان خرج نعم فعلوا وان خرج لا لم يفعلوا ذلك حولا ثم عادوا الى القداح ثانية وإذا جالوا على نسب فان خرج منكم كان وسيطا منهم وان خرج من غيركم كان حليفا وان خرج ملصق كان على منزلة لا نسب له ولا حلف وإذا اختلفوا فى عقل فمن خرج قدح العقل حمله وان خرج الغفل أجالوا ثانيا حتى يخرج مكتوب فنهى الله عن ذلك وحرمه وقال ذلِكُمْ فِسْقٌ قال سعيد بن جبير الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها وقال مجاهد كعاب فارس والروم التي يتقامرون بها وقال الشعبي وغيره الأزلام للعرب والكعاب للعجم وقال سفيان بن وكيع هى الشطرنج قلت وكل شىء يطلب به علم الغيب على نحو هذا الطريق كعلم الرمل بضرب الكعاب واستخراج إشكال النقاط وما يقال بالفارسية فال نامه وكل ما يقامر بها فهو داخل فى الاستقسام بالأزلام عبارة او دلالة جلية او خفية والله اعلم وعن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تكهن او

_ (1) اى خادم الكعبة ومتولى أمرها من فتح الباب والاغلاق 12

استقسم او تطير طيرة ترده عن سفره لم ينظر الى الدرجات العلى من الجنة يوم القيمة رواه البغوي وعن قبيصة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» العيافة والطيرة «2» والطرق من الجبت رواه ابو داود بسند صحيح والطرق الضرب بالحصى الْيَوْمَ لم يرد يوما بعينه وانما أراد الحاضر وما يتصل به من الازمنة الآتية وقيل أراد يوم نزولها يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ان يبطلوه او ان يغلبوا على اهله او ان يرجع عنه اهله بتحليل الخبائث وغيرها فَلا تَخْشَوْهُمْ ان يظهروا عليكم ويبطلوا دينكم وَاخْشَوْنِ اثبت الياء فى الوصل خاصة ابو عمرو وحذفها الباقون فى الحالين يعنى أخلصوا الخشية لى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على اصول الشرائع من الفرائض والواجبات والسنن والآداب والحلال والحرام والمكروه وموجبات الفساد لما له وجود شرعى كالصلوة والصوم والبيع ونحوها وقوانين الاجتهاد فيما لا نص فيه وجاز ان يكون المراد بإكمال الدّين بلوغه صلى الله عليه وسلم فى معارج القرب الى مرتبة يغبطه الأولون والآخرون حتى غفر لكمال محبوبيته جميع ذنوب أمته حتى الدماء والمظالم عن عباس بن مرداس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لامته عشية عرفة بالمغفرة فاجيب انى قد غفرت لهم ما خلا المظالم فانى أخذ للمظلوم منه قال اى رب ان شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشيته فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فاجيب الى ما سأل قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم او قال تبسم فقال ابو بكر وعمران هذه لساعة ما كنت تضحك فيها فما الذي اضحكك اضحك الله سنّك قال ان عدو الله إبليس لما علم ان الله قد استجاب دعائى وغفر لامتى أخذ التراب فجعل يحثوه على راسه ويدعو بالويل والثبور فاضحكنى ما رأيت من جزعه رواه ابن ماجة والبيهقي فى كتاب البعث قال ابن عباس لم ينزل بعد هذه الآية حلال ولا حرام ولا شىء من الفرائض والسنن والحدود والاحكام فان قيل يروى عن ابن عباس ان آية الربوا نزلت بعدها قلنا ان صح هذا فالمراد ان قوله تعالى فى اخر البقرة الذين يأكلون الربوا لا يقومون الى قوله تعالى يايها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا الآية نزلت بعد ذلك ولا شك ان حرمة الربوا كانت قبل نزول تلك الآية

_ (1) العيافة زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها ومهرها 12 نهاية (2) الطيرة التشاؤم بالشيء 12 نهايه

وانما نزلت تلك الاية للتوبيخ وقد ورد فى حديث جابر عند مسلم فى قصة حجة الوداع قوله صلى الله عليه وسلم وربوا الجاهلية موضوع وأول ربوا أضع من ربانا ربوا عباس بن عبد المطلب فانه موضوع كله وقال سعيد بن جبير وقتادة أكملت لكم دينكم فلم يحج معكم مشرك وقيل أظهرت دينكم على الأديان كلها وامنتكم من الأعداء- (فائدة) نزلت هذه الاية يوم الجمعة عرفة بعد العصر فى حجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة على ناقته العضباء فكادت عضد الناقة تندقّ من ثقلها فنزلت روى الشيخان فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب ان رجلا من اليهود قال له يا امير المؤمنين اية فى كتابكم تقرءونها لو نزلت علينا معشر اليهود ما نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال ايّة اية قال اليوم أكملت لكم دينكم الاية قال عمر قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة أشار عمر الى ان ذلك اليوم كان عيد النابل عيدين الجمعة وعرفة قال البغوي روى هارون بن عنترة عن أبيه قال لما نزلت هذه الآية بكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا عمر قال أبكاني انا كنا فى زيادة من ديننا فاما إذ أكمل فانه لم يكمل شىء الا نقص قال صدقت وكان هذه الاية نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها أحد وثمانين يوما ومات يوم الاثنين بعد ما زاغت الشمس لليتين خلتا من شهر ربيع الاول سنة أحد عشر وكانت هجرته فى الثاني عشر منه وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي يعنى أنجزت وعدي بقولي ولاتم نعمتى عليكم وإتمام النعمة بالهداية والتوفيق وإكمال الدين وفتح مكة وهدم منار الجاهلية حتى حجوا مطمئنين لم يخالطهم أحد من المشركين وَرَضِيتُ اى اخترت لَكُمُ الْإِسْلامَ من بين الأديان دِيناً وهو الدين الصحيح عند الله لا غير روى البغوي بسنده عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال جبرئيل قال الله تعالى هذا دين ارتضيه لنفسى ولن يصلحه الا السخاء وحسن الخلق فاكرموه بهما ما صحبتموه والله اعلم فَمَنِ اضْطُرَّ متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض بما يوجب التجنب عنها من تعظيم الدين وذكر المنة على المؤمنين باكماله وكون ارتكابها فسقا يعنى من اضطر الى أكل شىء مما ذكر فِي مَخْمَصَةٍ وهى خلو البطن من الغذاء يقال رجل خميص البطن اى جائع غَيْرَ مُتَجانِفٍ اى مائل لِإِثْمٍ اى الى اثم بان يأكلها تلذذا او عجاوزا عن

[سورة المائدة (5) : آية 4]

حد الرخصة فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تقديره فاكله فان الله غفور رحيم يغفره قد ذكرنا هذا البحث وما يناسبه فى سورة البقرة روى البغوي بسنده عن ابى واقد الليثي ان رجلا قال يا رسول الله انا نكون بالأرض فتصيبنا بها المخمصة فمتى يحل لنا الميتة فقال ما لم تصطبحوا او تغتبقوا او تحتفؤا بها بقلا فشانكم بها الغبوق شراب اخر النهار مقابل الصبوح كذا فى النهاية واحتفى البقل اقتلعه من الأرض كذا فى القاموس والله اعلم روى الطبراني والحاكم والبيهقي وغيرهم عن ابى رافع قال جاء جبرئيل الى النبي صلى الله عليه وسلم فاستاذن عليه فاذن له فابطأ فاخذ ردائه فخرج اليه وهو قائم بالباب فقال قد اذنّا لك فقال أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب فنظروا فاذا فى بعض بيوتهم جرؤا فأمر أبا رافع لا يدع كلبا بالمدينة الا قتله فاتاه ناس فقالوا يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الامّة التي أمرت بقتلها فنزلت. يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ لما تضمن السؤال معنى القول أوقع على الجملة وروى ابن جرير عن عكرمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع فى قتل الكلاب حتى بلغ العوالي فدخل عاصم بن عدى وسعد بن حتم وعويمر بن ساعدة فقالوا ماذا أحل لنا يا رسول الله فنزلت هذه الآية واخرج عن محمد بن كعب القرظي قال امر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب فقالوا يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الامّة فنزلت واخرج من طريق الشعبي ان عدى بن حاتم الطائي قال اتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب فلم يدرعا يقول حتى نزلت هذه الآية واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير ان عدى بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا انا قوم نصيد بالكلاب والبزاة وان كلاب آل دريح تصيد البقر والحمير والظباء وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها فنزلت يسالونك ماذا أحل لهم يعنى من الانتفاع بالكلاب ومن الصيد الذي تصيدها الكلاب قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ هذا زائد على قدر الجواب وسنذكر شرحه فيما بعد إنشاء الله تعالى والجواب قوله تعالى وَما عَلَّمْتُمْ عطف على الطيبات ان كانت ما موصولة والعائد محذوف والتقدير أحل لكم صيد ما علمتموه والجملة شرطية ان كانت ما شرطية وجواب الشرط فيما سيأتى اعنى فكلوا مِنَ الْجَوارِحِ بيان لما والمراد بها السباع من البهائم والطير كالكلب والفهد والنمر وغيرها والبازي والصقر والشاهين وغيرها والجرح اما من الكسب يقال فلان جارحة اهله اى كاسبهم ومنه يقال للاعضاء الجوارح لانها

كاسبة للافعال وهذه السباع كاسبة لاربابها أقواتهم من الصيد واما من الجراحة فانها تجرح فى الصيد وبناء على هذا التأويل قال ابو حنيفة رح واحمد رح واكثر العلماء رح لا بد فى الصيد من الجرح فلو قتل الكلب الصيد من غير جرح بان صدمه او خنقه فمات لا يحل أكله وقال الشافعي رح فى أحد قوليه يحل ولا يشترط الجرح نظرا الى التأويل الاوّل قال صاحب الهداية لا تنافى بين التأويلين فى الاية وفى الجمع بين التأويلين أخذ باليقين فلا بد من اشتراط الجرح وفى الكفاية النهى إذا ورد فيه اختلاف المعاني فانكان بينهما تناف يثبت أحدهما بدليل توجب ترجيحه وان لم يكن بينهما تتاف يثبت الجميع أخذا باليقين كذا ذكر فخر الإسلام فان قيل فعلى هذا يلزم القول بعموم المشترك وهو خلاف مذهب ابى حنيفة رح قلنا عموم المشترك ان يريد المتكلم من لفظ مشترك كلا المعنيين جميعا كما يراد بالعام وان يحكم السامع بشمول الحكم لكلا المعنيين جميعا كما فى العام وهاهنا ليس كذلك بل نقول ان المراد عند الله تعالى من الجوارح أحدهما لكن لما لم يقم دليل قاطع على تعيين أحدهما ولا منافاة بينهما أخذنا بهما احتياطا واحتج الحنفية ايضا على اشتراط الجرح انه لا بد من الذكوة والذكوة الاضطراري الجرح فى اى موضع كان من البدن بانتساب ما وجد من الآلة اليه بالاستعمال وان كسر عضوا فقتله ففى رواية عن ابى حنيفة رح انه لا بأس باكله لانه جراحة باطنة فهى كالجراحة الظاهرة والصحيح من مذهبه انه لا يؤكل لان المعتبر جرح ينتهض سببا لانهار الدم ولا يحصل ذلك بالكسر فاشبه التخنيق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انهر الدم وذكر اسم الله فكل وكذا يشترط الجرح فى الرمي اجماعا لحديث عدى بن حاتم قال قلت يا رسول الله انا نرمى بالمعراض قال كل ما خزق «1» وما أصاب بعرضه فقتله فانه وقيذ فلا تأكل متفق عليه (مسئلة:) يجوز الاصطياد بكل جارح من البهائم والطيور وعن ابى يوسف رح انه استثنى من ذلك الأسد والذئب لانها لا يعملان لغيرهما الأسد لعلو همته والذئب لخساسته والحق بهما البعض الحداءة لخساسة والخنزير مستثنى اجماعا لانه نجس العين لا يجوز الانتفاع به بوجه قلت لا وجه لاستثناء الأسد والذئب والحدأة من الجوارح والقول بانهما لا يعملان لغيرهما لا يضر فانهما حينئذ يخرجان من قوله تعالى ما علمتم وقال احمد لا يحل صيد الكلب الأسود البهيم لحديث عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) خزق السهم وخسق إذا أصاب الرمية ونفذ فيها 12 نهايه

لولا ان الكلب امّة من الأمم لامرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم رواه ابو داود والترمذي والدارمي وعن جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم نهى عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين فانه شيطان رواه مسلم والجمهور على انه يحل صيده لعموم الآية والله اعلم- مُكَلِّبِينَ حال من الضمير المرفوع فى علمتم وفائدتها المبالغة فى التعليم والإغراء والمكلب الذي يغرى الكلاب على الصيد ويعلمها ويودبها مشتق من الكلب لان التأديب يكون فيه اكثر واثر او لان كل سبع يسمى كلبا فى القاموس الكلب كل سبع عقور وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عتبة بن ابى لهب وقد كان يسبّ النبي صلى الله عليه وسلم اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك فخرج فى قافلة يريد الشام فنزلوا منزلا فقال انى أخاف دعوة محمّد فحطّوا متاعهم حوله وقعدوا يحرسونه فجاء الأسد فانتزعه فذهب به أخرجه الحاكم فى المستدرك من حديث ابى نوفل بن ابى عقرب عن أبيه وقال صحيح الاسناد تُعَلِّمُونَهُنَّ حال ثانية او استيناف مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ من طرق التأديب او مما علمكم ان تعلموها من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره وانصرافه بدعائه وان يمسك الصيد ولا يأكل منه ويعلم كونه معلما بتكرر ظهور اثار التعليم هذه منها ثلث مرات أسند الله سبحانه التعليم الى نفسه لان العلوم كلها التصورية والتصديقية البديهية والنظرية ملهمة من الله تعالى والعقل والفكر فى بعض الأمور سبب عادى والعلم بالنتيجة بعد العلم بالمقدمتين انما يحصل بفيضان من الله تعالى على مقتضى جرى العادة فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ اى الجوارح عَلَيْكُمْ يعنى مما لم تأكل منه وهذا التفسير مستفاد من حديث عدى بن حاتم قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فان امسك فادركته حيا فاذبحه وان أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله وان أكل فلا تأكله فانما امسك على نفسه الحديث متفق عليه وفى رواية بلفظ ما علمت من كلب او باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل مما اسكن عليك قلت وان قتل قال ان قتله ولم يأكل منه فكله وان أكل فلا تأكله فانما امسكه على نفسه رواه ابو داود والبيهقي من رواية مجالد عن الشعبي عنه وقال البيهقي تفرد مجالد بذكر الباز فيه وخالفه الحفاظ فهذه الآية بهذا التفسير المستفاد من الحديث حجة لابى حنيفة رح واحمد رح والشافعي رح فى أصح قوليه ان الكلب إذا أكل من الصيد لا يباح أكله قال البغوي وهو المروي

عن ابن عباس وهو قول عطاء وطاؤس والشعبي والثوري وابن المبارك قالوا اية كون الكلب معلّما ان لا يأكل ثلث مرات فاذا ترك الاكل ثلث مرات حل صيده فى الرابعة وفى رواية عن ابى حنيفة رح حل صيده فى الثالثة وقال مالك رح لا بأس بأكل الكلب من الصيد ويحل أكله وهو أحد قولى الشافعي رح قال البغوي وهو المروي عن ابن عمر وسلمان الفارسي وسعد بن ابى وقاص لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له ابو ثعلبة فقال يا رسول الله ان لى كلابا مكلبة فافتنى فى صيدها فقال ان كانت لك كلابا مكلبة فكل مما أمسكن عليك قال ذكىّ وغير ذكىّ قال ذكىّ وغير ذكىّ قال وان أكل منه قال وان كل منه رواه ابو داود قلت هذا الحديث أعله البيهقي وحديث عدى بن حاتم متفق على صحته والله اعلم قلت وهذه الاية بهذا التأويل وما رواه ابو داود برواية مجالد عن الشعبي من الحديث يقتضى اشتراط ترك الاكل فى سباع الطيور ايضا واليه ذهب بعض الفقهاء وقال ابو حنيفة رح لا يشترط ذلك فى السباع الطيور لان بدن الطيور لا يتحمل الضرب وبدن الكلاب يتحمله فيضرب ليتركه اخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال إذا أكل الكلب فلا تأكل وإذا أكل الصقر فكل لان الكلب يستطيع ان تضربه والصقر لا يستطيع ان تضربه فان قيل هذا استدلال فى مقابلة نص الكتاب والسنة قلنا الكتاب ليس بظاهر الدلالة على اشتراط عدم الاكل فان الإمساك ضد الإرسال لا ضد الاكل وانما اشترطنا عدم الاكل فى الكلب بحديث الصحيحين وما تفرد به مجالد لا يعتد به لمخالفة الحفاظ ومخالفة القياس والله اعلم وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ الضمير عايد الى ما علمتم يعنى سموا عليه عند إرساله فيشترط التسمية عند إرسال الكلب والباز ونحوهما وكذا عند الرمي كما يشترط عند الذبح غير ان التسمية عند الذبح انما هو على المذبوح وفى الصيد على الآلة لان المقدور فى الاوّل الذبح وفى الثاني الرمي والإرسال دون الاصابة فيشترط عند فعل يقتدر عليه حتى لو اضجع شأة وسمّى وذبح غيرها بتلك التسمية لا يجوز ولو رمى الى صيد وسمى وأصاب صيدا غيره حل ولو اضجع شاة وسمى ثم رمى بالشفرة وذبح بأخرى أكل وان سمى على سهم ثم رمى بغيره لا يؤكل والتسمية على المذبوح هو الأصل وجواز التسمية على الآلة انما هو عند العجز عن الأصل فان أدرك مرسل للباز او الكلب بالتسمية او الرامي بالتسمية الصيد حيا وجب عليه ان يذكّيه ويذكر اسم الله عند الذبح ثانيا وان ترك تذكية حتى مات لم يؤكل وهذا إذا تمكن من ذبحه واما إذا وقع فى يده ولم يتمكن من ذبحه وفيه من

الحيوة فوق ما يكون فى المذبوح لم يؤكل عند ابى حنيفة رح وفى رواية عنه وعن ابى يوسف رح انه يحل وهو قول الشافعي رح لانه لم يقدر على الأصل وقال بعضهم ان لم يتمكن لفقد الآلة لم يؤكل وان لم يتمكن لضيق الوقت أكل عند ابى حنيفة رح خلافا للشافعى رح- (مسئلة:) ان ترك التسمية عامدا عند إرسال الكلب او السهم او عند الذبح او شاركه كلب غير معلم او كلب مجوسى او كلب لم يذكر اسم الله عليه عمدا لا يحل أكله لفوات شرط الحل فى هذه الاية ولقوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ولحديث عدى بن حاتم قال قلت يا رسول الله أرسل كلبى فاجد معه كلب اخر قال فلا تأكل فانما سميت على كلبك ولم تسم على كلب اخر متفق عليه وعنه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فان امسك عليك فأدركته حيا فاذبحه وان أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله وان أكل فلا تأكل فانما امسك على نفسه فان وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل فانك لا تدرى أيهما قتل وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله فان غاب عنك يوما فلم تجد فيه الا اثر سهمك فكل ان شئت وان وجدته غريقا فى الماء فلا تأكل متفق عليه وعن ابى ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك غير معلم فادركت ذكوته فكل متفق عليه (مسئلة:) وكذا ان ترك التسمية ناسيا عند احمد ويحل عند ابى حنيفة رح وهو رواية عن احمد رح وبه قال مالك رح كذا فى كتب المالكية وعن احمد ان نسيها على الذبيحة حلت واما على الصيد فلا وعنه ان نسيها على السهم حلت واما على الكلب والفهد فلا وقال الشافعي رح وهو رواية عن مالك يحل مطلقا وبه قال ابو القاسم من المالكية سواء ترك التسمية عامدا او ناسيا على الذبيحة او على الصيد بالكلب او بالسهم بعد ان كان الكلب معلما والمكلب مسلما او كتابيا ويحرم بمشاركة الكلب غير المعلم وكلب المجوسي والحجة على حل متروك التسمية مطلقا حديث عائشة رض ان قوما قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم ان قوما يأتونا باللحم لا يدرى اذكر اسم الله أم لا فقال سموا أنتم وكلوا قالت وكانوا حديثى العهد بالكفر رواه البخاري وعن ابى هريرة قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ارايت الرجل منا يذبح وينسى ان يسمى الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم اسم الله فى فم كل مسلم رواه الدار قطنى وعن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلم

ان نسى ان يسمى حين يذبح فليسم وليذكر اسم الله ثم لياكل رواه الدار قطنى وعن الصلت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله او لم يذكر رواه ابو داود فى المراسيل ورواه البيهقي من حديث ابن عباس موصولا وفى اسناده ضعف وقال البيهقي الأصح وقفه على ابن عباس والجواب ان الحديث الاوّل لا يدل على ترك التسمية والظاهر تسميتهم واما الثاني ففيه مروان بن سالم قال احمد ليس ثقة وقال النسائي والدار قطنى متروك واما الثالث ففيه معقل مجهول واما الرابع فمرسل ثم الحديث الثاني والثالث فى متروك التسمية ناسيا فليس فيهما حجة للشافعى رح والحديث الرابع نحمله على حالة النسيان قال صاحب الهداية وهذا القول من الشافعي رح يعنى يحل متروك التسمية عامدا مخالف للاجماع فانه لا خلاف فيمن كان قبله فى حرمة متروك التسمية عامدا وانما الخلاف بينهم فى متروك التسمية ناسيا فمن مذهب ابن عمر انه يحرم ومن مذهب على وابن عباس يحل بخلاف متروك التسمية عامدا ولهذا فأل ابو يوسف رح متروك التسمية عامد الا يسع فيه الاجتهاد ولو قصى القاضي بجواز بيعه لا ينفذ لكونه مخالفا للاجماع- (مسئلة:) ما استأنس من الصيد فذكوته الذبح وما توحش من الإبل والبقر فذكوته العقر والجرح واما الشاة فاذا ندت فى الصحراء فذكوته العقر وان ندت فى المصر لا تحل بالعقر لانه يمكن أخذها فى المصر ومبنى الحكم على ان ذكوة الاضطرار انما يصار اليه عند العجز عن ذكوة الاختيار والعجز متحقق فيما توحش من النعم دون ما استأنس من الصيد وكذا ما تردى من النعم فى بير ووقع العجز عن ذكوته الاختيارية جاز فيه الذكوة الاضطرارية عند الجمهور وقال مالك لا يجوز ذكوة النعم الا فى الحلق واللبة لان توحشها نادر فلا عبرة به لنا حديث رافع بن خديج قال أصابنا نهب ابل فند منها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش فاذا غلبكم منها شىء فافعلوا به هكذا متفق عليه وعن ابى العشراء عن أبيه انه قال يا رسول الله اما يكون الذكوة الا فى الحلق واللبة فقال لو طعنت فى فخذها لاجزأ عنك رواه احمد واصحاب السنن الاربعة والدارمي وقال ابو داؤد هكذا ذكوة المتردى وقال الترمذي هذا فى الضرورة ورواه الحافظ ابو موسى فى مسند ابى العشراء بلفظ لو طعنت فى فخذها او شأكلتها وذكرت اسم الله لاجزأ عنك وقال الشافعي رح

[سورة المائدة (5) : آية 5]

تردى بعير فى بير فطعن فى شاكلته فسأل ابن عمر عن أكله فأمر به- (مسئلة:) إذا رمى صيدا فقطع عضوا منه أكل الصيد ولا يؤكل العضو وقال الشافعي رح أكلا وان مات الصيد منه لانه مبان بذكاة اضطراري فيحل المبان والمبان منه ولنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم ما أبين من الحي فميت وَاتَّقُوا اللَّهَ فى محرماته إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ فيؤاخذكم بما جل ودق. الْيَوْمَ يعنى الان عند كمال الدين الى يوم القيامة إذ لا نسخ بعد الإكمال أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ كرره للتأكيد ولفظ الطيبات ضد الخبائث مجمل التحق الأحاديث النبوية البينة للطيبات والخبائث بيانا له ثم قيس على موارد النصوص أشباهها والأصل فيه ان ما ورد النص بكونه حلالا ظهرانه طيب وما ورد النص بكونه حراما ظهر كونه خبيثا وما ورد الأمر بقتله وسماه خبيثا فاسقا فهو خبيث حرام كما روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس لا جناح على من قتلهن فى الحرم والإحرام الفارة والغراب والحداة والعقرب والكلب العقور متفق عليه وعن عائشة عنه صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم الحية والغراب الأبقع والفارة والكلب العقور والحدأة متفق عليه وعن ابى هريرة فى الحية ما سالمنا هم منذ حاربناهم ومن ترك شيئا منهم خيفة فليس منا رواه ابو داود وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف ثارهن فليس منى رواه ابو داود والنسائي وما لم يرد النص فيه يقاس اما على الطيّبات بجامع استطابة الطبائع السليمة من العرب واما على الخبائث بجامع استقذار الطبائع السليمة منهم وكانت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعون يكرهون ما يأكل الجيف أخرجه ابن ابى شيبة من طريق ابراهيم النخعي ولذا قال جمهور العلماء لا يؤكل من الدواب والطيور ما يأكل الجيف والنهى عن قتل حيوان لا يدل على حرمته ولا على كراهته ما لم يدل عليه دليل اخر عند الائمة الثلاثة وعند الشافعي رح يدل على تحريمه فلا يحرم الهدهد والطاووس عند الثلاثة خلافا للشافعى رح- (مسئلة:) كل حيوان ذى ناب من السباع كالاسد والذئب والنمر والفهد والكلب والهرة وذى مخلب من الطير كالصقر والباز والحدأة ونحوها فاكله حرام عند الائمة الثلاثة وقال مالك رح يكره ولا يحرم شىء من ذلك لقوله تعالى قل لا أجد فيما اوحى الى محرما على طاعم يطعمه الآية وهذا هو الأصل لمالك فى جميع مسائل الباب قلنا هذه الآية تدل على عدم وجدان الحرمة

حالة نزول هذه الاية لا بعد ذلك وسنذكر البحث عن الآية فى موضعها إنشاء الله تعالى وقد ظهر حرمة غير المذكورات فى الآية بعد ذلك بنصوص صحيحة تلقته الامة بالقبول منها حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذى ناب من السباع فاكله حرام رواه مسلم وعن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذى ناب من السباع وذى مخلب من الطير رواه مسلم قال ابن عبد البر مجمع على صحته وكذا روى عبد الله بن احمد فى زيادات المسند من حديث على وفى اسناده علة وروى احمد نحوه من حديث جابر وعن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهر وأكل ثمنها رواه ابو داود والترمذي (مسئلة:) الضبع والثعلب حرام عند ابى حنيفة رح مكروه عند مالك رح كسائر السباع وقال الشافعي رح واحمد رح يحلهما وفى رواية عن احمد رح لا يحل الثعلب قال صاحب الهداية هما من السباع وفى الكفاية ان لهما نابان يقاتلان بانيا بهما فلا يؤكلان كالذئب احتج الشافعي رح بحديث جابر انه سئل عن الضبع اصيد هى قال نعم قيل أيؤكل قال نعم قيل أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم رواه الشافعي رح واصحاب السنن غير ابى داود والبيهقي وصححه البخاري والترمذي وغيرهما وأعله ابن عبد البر بعبد الرحمن بن ابى عمارة ووثقه ابو ذرعة والنسائي وقال الشافعي رح وما يباع لحم الضباع الّا بين الصفا والمروة ورواه ابو داود بلفظ سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم قلت كونه صيدا وجزائه بكبش فى الإحرام لا يقتضى حله فانه يجب على المحرم الجزاء بقتل صيد حرم لحمه والصيد هو الحيوان المتوحش الممتنع بالطبع وحديث حل الضبع لا يقوى قوة حديث حرمة السباع وعند التعارض الترجيح للمحرم على المبيح احتياطا ولئلا يلزم تكرار النسخ كما بين فى الأصول واماما رواه الترمذي من حديث خزيمة بن جرير او يأكل الضبع أحد فضعيف لا تفاقهم على ضعف عبد الكريم بن امية والراوي عنه امية بن مسلم- (مسئلة:) يحرم حشرات الأرض مثل الفار والوزغ وغيرها عند الائمة الثلاثة وقال مالك رح يكره ولا يحرم لما ذكرنا لنا حديث أم شريك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على ابراهيم متفق عليه وعن سعد رض بن ابى وقاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بقتل الوزغ وسماه فويسقا رواه مسلم وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل وزغا فى أول ضربة كتبت له مائة حسنة

وفى الثانية دون ذلك وفى الثالثة دون ذلك رواه مسلم وسبق فى الحديث الأمر بقتل الفارة فى الحل والحرم وتسميته فاسقة فيحرم الحشرات كلها استدلالا بالوزغ والفارة ومنها القنفذ وهو حلال عند مالك رح والشافعي رح وقال ابو حنيفة رح بتحريمه لانه من الحشرات ولما روى ابو داود من حديث عيسى بن نميلة عن أبيه قال كنت عند ابن عمر فسئل عن القنفذ فقرأ هذه الآية قل لا أجد فيما اوحى الىّ الآية فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة رضى الله عنه يقول ذكر القنفذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خبيثة من الخبائث فقال ابن عمر ان كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو كما قاله قال البيهقي فيه ضعف ولم يرو الا بهذا الاسناد- (مسئلة:) يحرم الضب واليربوع عند ابى حنيفة رح وعند مالك رح والشافعي رح هما حلالان وقال احمد الضبّ حلال وفى اليربوع عنه روايتان احتجوا على حل الضب بحديث ابن عمر رض قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الضب لست أكله ولا احرمه متفق عليه وعن ابن عباس رض ان خالد بن الوليد أخبره انه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة وهى خالته وخالة ابن عباس فوجد عندها ضبا محنوذا «1» فقدمت الضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضب فقال خالد احرام الضب يا رسول الله قال لا ولكن لم يكن بأرض قومى فاجدنى إعافة قال خالد فاجتررته فاكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر الى متفق عليه قال ابو حنيفة رح الضب من الحشرات وهذا استدلال فى مقابلة النصّ الصحيح الصريح وذكر فى الهداية ان النّبى صلى الله عليه وسلم نهى «2» عائشة حين سألت عن أكل الضب ولا اعرف ذلك الحديث- (مسئلة:) يحلّ أكل الجراد ميتا على كل حال وقال مالك رح لا يؤكل منه ما مات على حتف انفه من غير سبب يضع به يعنى يكره احتج الجمهور بحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان والدمان فاما الميتتان فالجراد والحوت

_ (1) محنوذا بالحاء المهملة والنون والذال المعجمة اى مشويا 12 (2) حديث عائشة رضى الله عنها أورده صاحب المشكوة فى باب ما يحل أكله وما لا يحل أكله من حديث عبد الرحمن بن شبل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضب رواه ابو داود هكذا وجدت فى اصل النسخة فليحقق

واما الدمان فالكبد والطحال رواه الشافعي واحمد وابن ماجة والدارقطني والبيهقي من رواية عبد الرحمن بن زيد بن اسلم عن أبيه عنه وعبد الرحمن بن زيد ضعيف متروك ورواه الدارقطني عن زيد بن اسلم موقوفا على ابن عمر فقال وهو أصح وكذا صحح الموقوف ابو ذرعة وابو حاتم وأخرجه الخطيب من رواية مسور بن الصلت عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن ابى سعيد الخدري والمسور قد كذبه احمد بن حنبل وقال ابن حبان يروى عن الثقات الموضوعات (مسئلة:) يحرم أكل لحوم الحمر الاهلية والبغال عند الائمة الثلاثة وقال مالك رح يكره لنا حديث ابى ثعلبة قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الاهلية متفق عليه وفى رواية عن احمد رح امر عبد الرحمن بن عوف ينادى بالناس ان لحوم الحمر الانسية لا تحل لمن شهد انى رسول الله وعن جابر انه صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الاهلية وأذن فى الخيل متفق عليه وعنه قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر الحمر الانسية ولحوم البغال وكل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير رواه الترمذي وقال حديث غريب ورواه احمد بلفظ حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمر الانسية ولحوم الثعالب وكل ذى ناب من السباع وذى مخلب من الطير وعنه قال أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر رواه الترمذي وصححه والنسائي وعن ابى هريرة رض ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم يوم خيبر كل ذى ناب من السباع والحمر الانسية رواه احمد وعن البراء بن عازب قال أصبنا يوم خيبر حمرا فاذا ينادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اكفئوا القدور متفق عليه وعن على رضى الله عنه ان النبىّ صلى الله عليه وسلم نهى عام خيبر عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الاهلية متفق عليه وفى الباب حديث ابى سليط وانس وابن عباس وسلمة بن الأكوع وعبد الله بن ابى اوفى وخالد بن الوليد وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والمقدام بن معد يكرب وعمرو بن دينار- (مسئلة:) يحل أكل لحوم الخيل عند الجمهور وبه قال ابو يوسف ومحمد رحمهما الله وقال ابو حنيفة ومالك رحمهما الله يكره ثم قيل الكراهة عند ابى حنيفة رح كراهة تحريم وقيل كراهة تنزيه قال صاحب الهداية الاول أصح احتج الجمهور لما مر من حديث جابر اذن فى الخيل وحديث اسماء «1» قال نحرنا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فاكلناه ونحن بالمدينة متفق عليه

_ (1) اسماء لم نقف على اسمه- مصحح.

زاد احمد فيه نحن واهل بيته احتج ابو حنيفة رح بقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة قال خرج مخرج الامتنان والاكل من أعلى منافعها والحكيم لا يترك الامتنان بالأعلى ويمن بالأدنى وبحديث خالد بن الوليد عن النبىّ صلى الله عليه وسلم انه قال حرام لحوم الحمر الاهلية وخيلها وفى لفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير رواه احمد برواية صالح بن يحيى بن المقدام عن جده المقدام عن خالد قال احمد هذا حديث منكر وقال موسى ابن هارون لا يعرف صالح بن يحيى ولا أبوه الا بجده وقال الدارقطني هذا حديث ضعيف قال ابن الجوزي وفى بعض ألفاظ هذا الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر قال الواقدي انما اسلم خالد بعد خيبر والله اعلم- (مسئلة:) يكره عند ابى حنيفة رح ابن عرس فانه من سباع الهوام- (مسئلة:) يكره عند الائمة الثلاثة أكل الرخم والبغاث لانهما يأكلان الجيف والأبقع الذي يأكل الجيف وكذا الغراب وكذا النسر وكذا كل ما يأكل الجيف ولا ياس بغراب الزرع لانه يأكل الحب وليس من سباع الطير ولا بأس بأكل العقعق لانه يخلط فاشبه الدجاجة وعن ابى يوسف رح انه يكره لان غالب أكله الجيف- (مسئلة:) يحرم أكل الجلّالة وبيضها ولبنها عند احمد رح ما لم يحبس فانكان طائرا فثلثة ايام وان كان من الإبل فاربعين يوما والبقر ثلثين والغنم سبعة والدجاجة ثلثة وفى رواية كلها ثلثة وعند الائمة الثلاثة يكره تحريما ان ظهر النتن فى لحمها او لبنها وتحبس حتى تزول رائحة النجاسة عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى لبن الشاة الجلالة رواه احمد وعن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة «1» وألبانها رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة وعن عبد الله بن عمر وقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة ان يؤكل لحمها ولا يشرب ألبانها ولا يركبها الناس حتى ينقضه أربعين ليلة رواه البيهقي والدارقطني وفيه إسماعيل بن ابراهيم ابن مهاجر عن أبيه قال ابن الجوزي هو وأبوه ضعيفان ورواه احمد وابو داود والنسائي والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ نهى عن لحوم الحمر الاهلية وعن الجلالة وعن ركوبها-

_ (1) الجلالة من الحيوان ما يأكل العذرة والجلة البعرة فوضع موضع العذرة 12 نهاية

(مسئلة:) لا يؤكل من حيوان البحر الا السمك عند ابى حنيفة رحمه الله وقال مالك رحمه الله يؤكل كلها حتى السرطان والضفدع وكلب الماء وخنزيره لكنه كره الخنزير وحكى انه توقف فيه وقال احمد كلما يعيش ويولد فى البحر يحل أكله الا الضفدع والتمساح والكوسج ويحتاج عنده غير السمك الى الذبح كخنزير البحر وكلبه وانسانه واختلف اصحاب الشافعي رح فمنهم من قال مثل قول مالك ومنهم من قال مثل قول ابى حنيفة رحمه الله ومنهم من قال كل ما له شبه فى البر لا يوكل فلا يوكل كلب الماء وخنزيره وانسانه وحيته وفارته وعقربه ويوكل ما سوى ذلك ومنهم من قال يؤكل غير التمساح والضفدع والحية والعقرب والسرطان والسلحفاة احتج مالك رحمه الله ومن معه بعموم قوله تعالى أحل لكم صيد البحر من غير فصل وقوله صلى الله عليه وسلم فى البحر هو الطهور مائه والحل ميتته وأجيب بان المراد بالصيد الاصطياد بدليل قوله تعالى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما فان المحرم هو اصطياد صيد البر فأما إذا صاد الحلال صيد البر بلا اعانة من المحرم ولا دلالة حل للمحرم أكله والمراد بالميتة هو السمك وقوله صلى الله عليه وسلم ما من دابة فى البحر الا قد ذكاه الله عز وجل لبنى آدم رواه الدارقطني من حديث جابر وروى عن عبد الله بن سرجس قوله صلى الله عليه وسلم ذبح كل نون لبنى آدم قلنا النون هو السمكة وسوق الحديث لعدم الاحتياج الى ذبح السمكة لا لعموم حل ما فى البحر ويدل على حل بعض ما فى البحر سوى السمكة حديث جابر قال غزوت جيش الخبط وامر ابو عبيدة فجعنا جوعا شديدا فالقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر فاكلنا منه نصف شهر فاخذ ابو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته فلما قد منا ذكرنا للنبى صلى الله عليه وسلم فقال كلوا رزقا أخرجه الله إليكم وأطعمونا ان كان معكم قال فارسلنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فاكله متفق عليه وقالت الحنفية لعل ذلك الحيوان من اقسام السمك كما يدل عليه لفظ الحوت والحجة على حرمة الضفدع ونحوه مما يستقذر الطبع السليم قوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث وحديث عبد الرحمن بن عثمان قال ذكر طبيب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دواء وذكر الضفدع يجعل فيه فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع رواه احمد وابو داود والنسائي والبيهقي قال البيهقي هو أقوى ما ورد فى النهى-

(مسئلة:) ويكره أكل الطافي من السمك عند ابى حنيفة رحمه الله ولا يكره عنه الجمهور احتجوا بما ذكرنا من حديث جابر فى العنبر وقوله صلى الله عليه وسلم هو الحل ميتة قلنا ورد فى حديث جابر انه القى البحر حوتا ميتا ومعناه القى البحر حوتا فماتت بإلقائه وذلك حلال اتفاقا وميتة البحر ما لفظه البحر حتى يكون موته مضافا الى البحر لا ما مات فيه بلا آفة احتج الحنفية بحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا طفا فلا تأكله وإذا جزر عنه فكله وما كان على حافته فكله رواه الدارقطني من طريق ابى احمد الزبيري عن سفيان الثوري عن ابى الزبير عن جابر قال الدارقطني لم يسنده عن الثوري غير ابى احمد ورواه وكيع وعبد الرزاق ومومل وغيرهم موقوفا وكذلك روى ابو أيوب السجستاني وعبد الله بن عمرو ابن جريح وزهير وحماد بن سلمة وغيرهم عن ابى الزبير موقوفا ولا يصح رفعه ورواه الدارقطني من طريق اخر بلفظ كلوا ما حسر عنه البحر وما القى وما وجدتموه ميتا او طافيا فوق الماء فلا تأكلوه قال الدارقطني تفرد به عبد العزيز عن وهب وعبد العزيز ضعيف لا يحتج به قال احمد هو ضعيف والحديث ليس بصحيح وقال النسائي هو متروك وله طريق اخر رواه ابو داود عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما القى البحر او جزر عنه فكلوه وما مات فيه وطفى فلا تأكلوه وفى هذا الطريق اسمعيل بن امية وهو متروك قال ابو داود رواه سفيان وأيوب وحماد عن ابى الزبير فوقفوه على جابر والله اعلم- (مسئلة:) حل أكل الأرنب اجماعا لحديث انس قال انفجنا أرنبا بمر الظهران فأخذتها فاتيت بها أبا طلحة فذبحها وبعث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها فقبله متفق عليه- (فائدة) أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم الدجاج متفق عليه عن ابى موسى (فائدة) عن سفينة أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم الحبارى رواه ابو داود- وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ المراد بالطعام الذبائح لان سائر الاطعمة لا يختص حلها بالميتة وقوله تعالى الذين أوتوا الكتاب يشتمل اليهود والنصارى والصابئين ان كانوا يؤمنون بدين نبى ويقرءون بكتاب لا ان كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم حربيا كان الكتابي او ذميا عجميا كان او عربيا او تغلبيا به قال ابو حنيفة رحمه الله

وقالت الائمة الثلاثة لا يحل ذبيحة نصارى العرب من بنى تغلب قال ابن الجوزي روى أصحابنا حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبايح نصارى العرب وروى ابن الجوزي بسنده عن على رضى الله عنه قال لا تأكلوا من ذبايح نصارى بنى تغلب فانهم لم يتمسكوا من النصرانية بشئ الا شربهم الخمر ورواه الشافعي رحمه الله بسند صحيح عنه واخرج عبد الرزاق من طريق ابراهيم النخعي ان عليّا كان يكره ذبايح نصارى بنى تغلب ونسائهم قلت ولم يظهر لى صحة الحديث المرفوع فى الباب ولو صح فهو حديث احاد لا يصلح ناسخا للكتاب قال البغوي يريد الله سبحانه ذبايح اليهود والنصارى ومن دخل فى دينهم من سائر الأمم قبل مبعث النبىّ صلى الله عليه وسلم واما من دخل فى دينهم بعد مبعث النبىّ صلى الله عليه وسلم يعنى من غير اهل الإسلام فلا تحل ذبيحته قلت وهذا التقييد ليس بشئ عندنا قال صاحب الهداية لا يؤكل ذبيحة المرتد يعنى من كان مسلما ثم ارتد نعوذ بالله منها فصار يهوديا او نصرانيا او مجوسيا او وثنيا لا يوكل ذبيحته لانه لا ملة له لانه لا يقر على ما انتقل اليه بخلاف الكتابي إذا انتقل الى غير دينه لانه يقر عليه عندنا فيعتبر ما هو عليه عند الذبح لا ما قبله قال فى الكفاية حتى لو تمجس يهودى او نصرانى لا يحل صيده ولا ذبيحته بمنزلة ما لو كان مجوسيا فى الأصل وان تهود مجوسى او تنصر يوكل ذبيحته وصيده كما لو كان عليه فى الأصل لانه يقر على ما اعتقد عندنا- (مسئلة:) لو ذبح يهودى على اسم عزير ونصرانى على اسم عيسى لا يحل أكله عندنا قال فى الكفاية انما يحل ذبيحة الكتابي فيما إذا لم يذكر وقت الذبح اسم عزير او اسم المسيح واما إذا ذكر فلا يحل كما لا يحل ذبيحة المسلم إذا ذكر وقت الذبح اسم غير الله تعالى لقوله تعالى وما اهل به لغير الله فحال الكتابي فى ذلك لا يكون أعلى من حال المسلم وقال البغوي اختلف العلماء فى هذه المسألة قال ابن عمر لا يحل وذهب اكثر اهل العلم الى انه يحل وهو قول الشعبي وعطاء والزهري ومكحول سئل الشعبي وعطاء عن النصراني يذبح باسم المسيح قالا يحل فان الله تعالى قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون وقال الحسن إذا ذبح اليهودي او النصراني فذكر اسم غير الله تعالى وأنت تسمع فلا تأكله وإذا غاب عنك فكل فقد أحل الله لك قلت والصحيح المختار عندنا هو القول الاوّل يعنى ذبايح الكتابي تاركا للتسمية عامدا او على غير اسم الله تعالى لا يؤكل ان علم ذلك يقينا او كان غالب

حالهم ذلك وهو محمل النهى عن أكل ذبايح نصارى العرب ومحمل قول على رضى الله عنه لا تأكلوا من ذبايح نصارى بنى تغلب فانهم لم يتمسكوا من النصرانية بشئ الا بشربهم الخمر فلعل عليا رضى الله عنه علم من حالهم انهم لا يسمون الله عند الذبح او يذبحون على غير اسم الله تعالى فكذا حكم نصارى العجم ان كان عادتهم الذبح على غير اسم الله تعالى غالبا لا يؤكل ذبيحتهم ولا شك ان النصارى فى هذا الزمان لا يذبحون بل يقتلون بالوقد غالبا فلا يحل طعامهم وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ فان قيل النبىّ صلى الله عليه وسلم مبعوث الى كافة الناس بشريعة واحدة فما معنى لاختلاف الحل والحرمة بالنسبة الى هؤلاء وهؤلاء- قلت معناه ان من الأشياء ما هو حلال على كافة الناس من غير شرط كحل ماء البحر ومنها ما هو مشروط حلها بشرائط كالصلوة مشروط جوازها بالوضوء وسائر العبادات مشروط إتيانها بالايمان بالله ورسوله واخلاص النية وأكل الأموال مشروط حلها بالملك او اذن من المالك فذبايح المؤمنين حلال على الكفار حتى لا يعذبون فى الاخرة بأكلها كما لا يعذبون بإتيان امور مباحة للعالمين إتيانها من غير شرط الايمان بخلاف ذبايح المجوس فانها كالميتة يحرم أكلها على سائر الناس فيعذب الكفّار بأكلها كما يعذبون بترك الايمان وترك سائر الواجبات المتوقفة على الايمان وإتيان المنهيات قال الله تعالى ما سلككم فى سقر قالوا لم نك من المصلين الآية وفائدة هذا القول التفرقة بين ذبايح المسلمين ونسائهم فان ذبايح المسلمين حلال على كافة الناس من غير اشتراط الايمان بخلاف نسائهم فانه يشترط لحل مناكحتهم الايمان- قال الزجاج معناه حلال لكم ان تطعموهم فيكون خطاب الحل مع المسلمين وعبّر البيضاوي ما قال الزجاج بعبارة أصح واصرح فقال فلا عليكم ان تطعموهم وتبيعوا منهم ولو حرم عليهم لم يجز ذلك والسر فى هذا المقام ما ذكرنا ان حل أكل ذبايح المؤمنين غير مشروط بالايمان بخلاف حل نسائهم والله اعلم وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ عطف على الطيبات او مبتدا خبره محذوف يعنى حل لكم والجملة معطوفة على قوله وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وما بينهما اعتراض قال البغوي اختلفوا فى معنى المحصنات فذهب اكثر العلماء الى ان المراد منهن الحرائر وأجاز وإنكاح كل حرة مؤمنة كانت او كتابية فاجرة كانت او عفيفة وهو قول مجاهد وقال

هؤلاء لا يجوز نكاح الامة الكتابية لقوله تعالى فمما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات جوز نكاح الامة بشرط الايمان وذهب قوم الى ان المراد من المحصنات العفائف من الفريقين حرائركن او إماء وأجازوا نكاح الامة الكتابية وحرم البغايا من المؤمنات والكتابيات وهو قول الحسن وقال الشعبي إحصان الكتابية ان تستعف من الزنا وتغتسل من الجنابة قلت وقول البغوي هذا مبنى على اعتبار المفهوم المخالف وهو غير معتبر عند ابى حنيفة رحمه الله ويقول بجواز نكاح الامة الكتابية الغير العفيفة ايضا لعموم قوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم وعند الشافعي رح المفهوم وان كان معتبرا لكنه غير معتبر فى قوله تعالى والمحصنات من المؤمنات حيث يجوز نكاح الامة المؤمنة الفاجرة ولذلك قال البيضاوي تخصيصهن بعث على ما هو اولى وإذا لم يعتبر فيه المفهوم فلا وجه لاعتباره فى قوله تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب والله اعلم وعموم «1» هذه الاية يقتضى جواز نكاح الكتابية الحربية وعليه انعقد الإجماع وكان ابن عباس يقول لا يجوز نكاح الحربية والله اعلم وكان ابن عمر يمنع نكاح الكتابية مطلقا حرة كانت او امة ذمية او حربية لاندراجها فى المشركات قال الله تعالى قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقال الله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن وفسّر ابن عمر المحصنات فى الآية بالمسلمات وهذا التفسير غير صحيح فان تفسير المحصنات بالمسلمات ليس من اللغة وقد انعقد الإجماع على حل نكاح الحرة الكتابية وانما الخلاف فى الامة الكتابية كما ذكرنا فى سورة النساء لكنه يكره نكاح الكتابية مطلقا اجماعا لاستلزام النكاح مصاحبة الكافرة وموالاتها وتعريض الولد على التخلق بأخلاق الكفار لاجل مصاحبة الام وموانستها قال ابن همام نكح حذيفة وطلحة وكعب بن مالك كتابيات فغضب عمر رضى الله عنه فقالوا انطلق يا امير المؤمنين وهذه القصة تدل على جواز النكاح حتى يترتب عليه الطلاق وعلى كراهته- (فائدة) روى الخلاف بين ابى حنيفة رحمه الله وصاحبيه رحمهما الله فى نكاح الصابيات جوزه ابو حنيفة رحمه الله زعما منه انهم يؤمنون بزبور داود عليه السلام فهم من اهل الكتاب وكذا من أمن بصحف ابراهيم وشيث عليهما السلام ولم يجوزه صاحباه زعما منهما انهم

_ (1) وعن عمر رضى الله عنه انه قال المسلم يتزوج النصرانية ولا يتزوج المسلمة نصرانى 12

يعبدون الكواكب فهم من المشركين قال فى الهداية وهذا الخلاف محمول على اشتباه مذهبهم فكل أجاب على ما وقع عنده ولا خلاف فى الحقيقة- (مسئلة:) قال فى المستصفى قالوا هذا يعنى الحل إذا لم يعتقد النصراني المسيح الها واما إذا اعتقده فلا وفى مبسوط شيخ الإسلام ويجب ان لا يؤكل ذبايح اهل الكتاب إذا اعتقدوا ان المسيح اله وان عزيرا اله ولا يتزوج نسائهم قيل وعليه الفتوى ولكن بالنظر الى الدلائل ينبغى ان يحل الاكل والتزوج انتهى كلامه قال ابن همام وهو موافق لما فى رضاع مبسوط شيخ الإسلام فى ذبحة النصراني انه حلال مطلقا سواء قال بثالث ثلثه اولا وموافق لاطلاق الكتاب هنا قلت الظاهر ان المراد باهل الكتاب فى الاية موحد وهم بدليل قوله تعالى لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن والقول بان حكم حرمة نكاح المشركة منسوخ فى حق اهل الكتاب خاصة بهذه الاية بعيد جدا إذ لا فرق بين شرك وشرك وقوله تعالى قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصري المسيح ابن الله قد قيل ان القائل بذلك طائفتان من اليهود والنصارى انقرضوا كلهم قال ابن همام ويهود ديارنا مصرحون بالتنزيه عن ذلك والتوحيد واما النصارى فلم ار الا من يصرح بالابنية لعنهم الله وما ذكرنا من قول على رضى الله عنه فى منع أكل ذبيحة بنى تغلب ومناكحة نسائهم يؤيد ما قلنا والله اعلم إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ اى مهورهن وتقييد الحل بإتيانها لتاكيد وجوبها والحث على الاولى وقيل المراد بإتيانها التزامها وذلك بالنكاح فكانه قال إذا نكحتموهن مُحْصِنِينَ اى مريدين تحصين الفروج بالنكاح غَيْرَ مُسافِحِينَ اى غير مضيعين الماء بالزنا باى مزنية كانت بلا تعيين مزنية وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ صديقات معينات تزنون بهن والخدن يقع على الذكر والأنثى وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ اى بشرائع الإسلام فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ لان الايمان شرط لقبول الأعمال وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ قال ابن عباس خسر الثواب روى البخاري من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت سقطت قلادة لى بالبيداء ونحن داخلون المدينة فاناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فثنى راسه فى حجرى راقداوا قبل ابو بكر فلكزنى لكزة «1» شديدة وقال حبست

_ (1) الكز الدفع بالكف 12 نهايه

[سورة المائدة (5) : آية 6]

الناس فى قلادة ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزلت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الاية فقال أسيد ابن حضير لقد بارك الله للناس فيكم يا ال ابى بكر وهذه الرواية مصرحة بان النازل فى قصة قلادة عائشة هذه الاية فى المائدة دون اية النساء ويعلم ان هذه الاية اسبق نزولا من اية النساء والا لما عاتب ابو بكر عائشة بقوله انها حبست الناس لا على ماء ولا ماء معهم وما شكرها أسيد بن حضير وروى الطبراني عنها نحوه وفيه فانزل الله رخصة التيمم فقال ابو بكر انك لمباركة ومعنى إذا قمتم الى الصلاة اى إذا أردتم القيام الى الصلاة كقوله تعالى وإذا قرأت القران فاستعذ بالله عبر عن ارادة الفعل بالفعل المسبب عنها للايجاز والتنبيه على ان من أراد العبادة فليبادر إليها بحيث لا ينفك الارادة عن الفعل وظاهر الاية يوجب الوضوء على كل قائم الى الصلاة وان لم يكن محدثا والإجماع على خلافه وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صلى يوم الفتح الصلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه وكان يتوضأ عند كل صلوة فقال له عمر لقد صنعت شيئا اليوم لم تكن تصنعه قال عمد اصنعته يا عمر رواه مسلم واصحاب السنن الاربعة من حديث بريدة فاختلف العلماء فى تاويل هذه الاية فقال بعضهم الأمر فيه للوجوب وكان ذلك اوّل الأمر ثم نسخ ويدل عليه حديث عبد الله بن حنظلة بن عامر غسيل الملائكة ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بالوضوء عند كل صلوة طاهرا او غير طاهر فلما شق ذلك عليه امر بالسواك لكل صلوة رواه احمد وابو داود وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحهما والحاكم فى المستدرك وقال بعضهم الأمر للندب والإجماع منعقد على كون الوضوء مسنونا مندوبا عند كل صلوة وان كان المصلى طاهرا ويدل على كونه مسنونا حديث انس قال كان النبىّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلوة الحديث رواه النسائي وصححه ويدل على كونه مندوبا حديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات رواه النسائي بإسناد ضعيف وقيل هذا الحكم وان كان مطلقا لفظا لكنه أريد به التقييد ومعناه إذا قمتم الى الصلاة محدثين يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلوة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ رواه الشيخان فى الصحيحين وابو داود والترمذي عن ابى هريرة وقال زيد بن اسلم

معنى الاية إذا قمتم الى الصلاة من النوم وقال بعضهم هذا اعلام من الله تعالى رسوله ان لا وضوء عليه الا إذا قام الى الصلاة دون غيرها من الأعمال فأذن له ان يفعل بعد الحدث ما شاء من الافعال غير الصلاة عن ابن عباس قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فرجع من الغائط فأتى بطعام فقيل له الا تتوضأ فقال أريد ان أصلي فاتوضأ رواه البغوي- (فائدة) الوضوء كان واجبا قبل نزول هذه الاية كما يدل عليه ما روى البخاري فى شأن نزول الاية من قصة فقد قلادة عائشة ولذا استعظموا نزولهم على غير ماء وقال ابن عبد البر معلوم عند جميع اهل المغازي انه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ فرضت الصلاة الا بوضوء وكان فرض الوضوء مع فرض الصلاة والحكمة فى نزول اية الوضوء مع ما تقدم من العمل ليكون فرضه متلوا بالتنزيل قلت ولتمهيد التيمم والله اعلم فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الغسل إمرار الماء عليه ولا يشترط فيه الدلك عند الائمة الثلاثة خلافا لمالك رح وهو محجوج بإطلاق الكتاب والوجه اسم لعضو معلوم مشتق من المواجهة وحده من منأبت الشعر الى منتهى الذقن طولا وما بين الأذنين عرضا فمن ترك غسل ما بين اللحية والاذن لم يجز وضوئه عند الائمة الثلاثة خلافا لمالك رحمه الله ويجب إيصال الماء الى ما تحت الحاجبين واهداب العينين والشارب واماما تحت اللحية فانكانت خفيفة يرى ما تحتها يجب غسله وان كانت كثيفة لا يرى البشرة من تحتها يسقط غسل البشرة فى الوضوء كما يسقط مسح الراس بالشعر النابت عليه- والدليل عليه اجماع الامة وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم انه صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بغرفة واحدة رواه البخاري من حديث ابن عباس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كث اللحية ذكره القاضي عياض وقرر ذلك فى أحاديث جماعة من الصحابة بأسانيد صحيحة وفى مسلم من حديث جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية قلت ولا يمكن إيصال الماء بغرفة واحدة الى تحت كل شعرة لمن كان كث اللحية ويجب غسل ظاهر اللحية كلها عوضا عن البشرة عند الجمهور كما فى مسح شعر الراس وبه قال ابو حنيفة رحمه الله فى رواية قال فى الظهيرية وعليه الفتوى وقال فى البدائع ان ما عدا هذه الرواية مرجوع عنه وفى رواية عنه يجب مسح ربع اللحية وفى رواية مسح ثلث اللحية وفى رواية لا يجب مسح اللحية ولا غسلها والحجة على وجوب غسل ظاهر اللحية كلها ان غسل البشرة

سقط بالإجماع وسند الإجماع اما فعل النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يغسل وجهه بغرفة واما القياس على سقوط مسح الراس بالشعر النابت عليه ولا شك ان مستند الإجماع نصا كان او قياسا يدل على ان غسل ما تحت اللحية انما سقط لقيام الشعر مقامه ووجوب غسله بدلا عنه اما القياس فلان حكم الأصل ليس الا سقوط مسح الراس الى بدل وهو وجوب مسح الشعر فلابد ان يكون سقوط وظيفة الوجه اعنى الغسل ايضا الى بدل وهو وجوب غسل ما يستره من اللحية كيلا يلزم مزية الفرع على الأصل واما الحديث فايضا يدل على انه صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بغرفة ولا شك انه كان يغسل اللحية فظهر ان الإجماع منعقد على قيام اللحية مقام الوجه وسقوط وظيفة الوجه الى بدل لا بلا بدل فثبت بذلك ان وظيفة الوجه وهو غسل تمامه ثابت فى بدله وهو اللحية والله اعلم- وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ اليد اسم لعضو معلوم من الأنامل الى الآباط ولما جعل المرافق غاية الغسل سقط ما ورائه اى العضد وبقي غسل المرافق واجبا عند الائمة الاربعة وجمهور العلماء وحكى عن الشعبي ومحمد بن جرير عدم وجوب غسل المرافق وبه قال زفر رحمه الله لان كلمة الى للغاية والغاية تكون خارجة عن حكم المغيا كما فى أتموا الصيام الى الليل او لان مذهب المحققين من علمآء العربية انها موضوعة لمطلق الغاية واما دخولها فى الحكم او خروجها فلا دلالة لها عليه وانما يعلم من خارج ولا دليل هاهنا فلا يدخل بالشك قلنا بل هاهنا دليل على كون الغاية داخلا فى حكم المغيا وهو الإجماع قال الشافعي رحمه الله فى الام لا اعلم مخالفا فى إيجاب دخول المرفقين فى الوضوء وما حكى عن الشعبي ومحمد بن جرير ان صح الرواية عنهما وكذا قول زفر رحمه الله لا يرفع اجماع من قبلهم ومن بعدهم ولم يثبت عن مالك رحمه الله خروج المرفقين صريحا وانما حكى عنه اشهب كلاما محتملا وسند الإجماع فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبين لمجمل الكتاب روى الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان فى الوضوء فغسل يديه الى المرفقين حتى مس أطراف العضدين وقال هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى ايضا من حديث جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه لكن اسناده ضعيف وروى البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر مرفوعا وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفقين وروى الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد

عن أبيه مرفوعا ثم يغسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة انهم تركوا غسل المرافق والكعاب فى الوضوء وذلك دليل واضح لمعرفة معنى الكتاب ومن ثم قال بعض المفسرين الى هاهنا فى الموضعين بمعنى مع كما فى قوله تعالى ويزدكم قوة الى قوتكم وقوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم وقوله تعالى من انصارى الى الله اى مع الله وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ اختلف العلماء فى القدر الواجب من مسح الراس بهذه الاية فقال مالك واحمد رحمه الله يجب مسح جميع الراس لان الراس اسم لعضو معلوم والباء زائدة فاذا أمرنا بالمسح يجب استيعابها كما يجب استيعاب الوجه بالمسح فى التيمم ويدل عليه استيعابه صلى الله عليه وسلم روى عبد الله بن زيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح راسه بيديه فاقبل بهما وأدبر بمقدم راسه ثم ذهب بهما الى قفاه ثم ردّهما الى المكان الذي بدأ منه متفق عليه وقال ابو حنيفة رحمه الله والشافعي رحمه الله الباء للالصاق لانه هو المعنى الحقيقي للباء اجمع عليه علماء العربية لا يصار عنه الا بدليل وهى تدخل على الوسائط غالبا والوسائط لا تقصد استيعابها ولذلك إذا دخلت على المحل دلت على ان الاستيعاب غير مراد ويدل على ذلك فعله صلى الله عليه وسلم عن المغيرة بن شعبة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته ومسح على الخفين والعمامة رواه مسلم وروى الشافعي رحمه الله عن عطاء مرسلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة ومسح مقدم راسه وهو مرسل اعتضد من وجه اخر روى موصولا أخرجه ابو داود من حديث انس وفى اسناده ابو معقل لا يعرف حاله واخرج سعيد بن منصور عن عثمان صفة الوضوء قال ومسح مقدم راسه وفيه خالد بن يزيد بن ابى مالك مختلف فيه قال الحافظ ابن حجر وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الراس قاله ابن المنذر وغيره ولم يصح عن أحد من الصحابة انكار ذلك قاله ابن حزم وأحاديث الاستيعاب محمولة على الاستحباب لا ينفى عدم جواز الاكتفاء على البعض ولما ثبت ان مسح جميع الراس غير مراد فقال الشافعي رحمه الله فالمعنى وامسحوا بعض رءوسكم فالاية مطلق فيكفى من الرأس مسح شعرة او ثلث شعرات وقال ابو حنيفة رحمه الله بل الآية مجملة لان جميع الراس غير مراد بدلالة كلمة الباء وأحاديث المسح على مقدم الراس ولا مطلق البعض من الراس

اى بعض كان لان ذلك يحصل فى ضمن غسل الوجه ضرورة استيعاب الوجه وإذا كانت الآية مجملة التحق حديث المغيرة وما فى معناه بيانا لها فقلنا بوجوب مسح ربع الراس لان للراس اربعة جوانب مقدم الراس واحد منها وَأَرْجُلَكُمْ قرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب وحفص بالنصب معطوف على ايديكم بقرينة ضرب الغاية لقوله تعالى إِلَى الْكَعْبَيْنِ فان الغاية لا يضرب فى الممسوح كالراس وأعضاء التيمم انما يضرب للمغسولات وقرأ الباقون بالجر لاجل الجوار كما فى قوله تعالى انى أخاف عليكم عذاب يوم اليم بالجر فى اليم على الجوار مع انه صفة لعذاب وهو منصوب والقول بان جر الجوار أنكره اكثر النحاة ومن جوزه جوزه بشرط ان لا يتوسط حرف العطف وبشرط الا من من اللبس مدفوع إذا لا من من اللبس حاصل بذكر الغاية وانكار اكثر النحاة ممنوع وإنكاره مكابرة لوقوعه كثيرا فى القران وكلام البلغاء وذكر الامثلة يقتضى تطويلا لكن اختلف النحاة فى مجئ جر الجوار بتوسط حرف العطف فقيل لا يجئ لان العاطف يمنع التجاوز والحق انه يجوز بتوسط العاطف فان العاطف موضوع لتوكيد الوصل دون القطع قال ابن مالك وخالد الأزهري ان الواو يختص من بين سائر حروف العطف بأحد وعشرين حكما منها جواز جر الجوار فى المعطوف بها قلت ولو لم يكن على جواز جر الجوار بتوسط المعطوف بالواو دليل اخر فهذه الآية الدالة على وجوب غسل الرجلين بما ذكرنا من وجوه العطف على الأيدي وعدم جواز عطف الأرجل على الرؤوس وبما لحقه البيان من الأحاديث والإجماع كافية لاثبات جواز جر الجوار بتوسط الواو العاطفة والله اعلم وايضا المراد بالكعبين هو المرتفع من العظم عند ملتقى الساق والقدم كما سيجئ تحقيقه وفرضية مسح القدم الى الكعبين لم يقل به أحد وما قيل ان الكلام حينئذ يصير من قبيل ضربت زيدا وعمرا وأكرمت بكرا وخالدا على ارادة كون خالدا مضروبا عطفا على عمر الا مكرما باطل إذ لا قرينة هناك ولا مانع لعطف خالد على بكر والقول بان النصب مبنى على انه معطوف على محل الرؤوس او بنزع الخافض ساقط إذا الأصل فى المعرب العطف على اللفظ دون المحل وذكر الخافض ولا بد للعدول من الأصل وجه وقرينة وكذا لا يجوز القول بتقدير امسحوا فان تقدير الفعل الخاص لا يجوز من غير قرينة تدل على تعيينه ويشترط فى جميع تلك التأويلات الا من عن التباس المعنى المقصود بما يناقضه وكذا القول بان الواو بمعنى مع باطل لان المصاحبة فى اصل الفعل غير كافية فى المفعول معه

بل لا بد من المعية فى الزمان او المكان والمعية فى الزمان غير متصور فان الواجب اما الترتيب واما مطلق الفعل وبوجوب المسحين فى مكان واحد لم يقل أحد ولو فرض كونه معطوفا على الرءوس بتلك التوجيهات الركيكة فالباء الداخلة على الرءوس تدخل على الآلات غالبا وإذا تدخل على المحل لا يراد بها الاستيعاب تشبيها له بالآلة بل يكون للتبعيض ومن ثم ذهب اكثر الفقهاء الى فرضية مسح بعض الراس وتغير اسلوب الكلام فى المعطوف يقتضى ارادة الاستيعاب فى المعطوف والقائلون بمسح الرجلين لم يقل منهم أحد بفرضية استيعاب مسح الرجلين فوظيفة الأرجل الغسل وقالت الامامية وهو معطوف على رءوسكم وحقه الجر وللنصب ذكروا توجيهات ركيكة لنا ما روى ابن خزيمة وغيره من حديث عمرو بن عنبسة عنه صلى الله عليه وسلم مطولا فى فضل الوضوء وذكر فيه ثم يغسل قدميه كما امره الله تعالى فهذه الحديث يدل على ان الله تعالى انما امر بالغسل وقد تواتر النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى أحاديث غسل الرجلين رجال لا يمكن حصرهم ولا يحتمل تواطؤهم على الكذب ولم يرو عنه صلى الله عليه وسلم المسح أصلا واجمع عليه الصحابة ولم يثبت عن أحد منهم خلاف ذلك الا ما روى عن علىّ وابن عباس وانس وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك هكذا قال الحافظ ابن حجر عن على رضى الله عنه انه قرأ وأرجلكم قال عاد الى الغسل رواه سعيد بن منصور وابن المنذر وابن ابى حاتم وعن ابى عبد الرحمن السلمى قال قرأ الحسن والحسين وأرجلكم الى الكعبين فسمع على ذلك وكان يقضى بين الناس فقال وأرجلكم هذا من المقدم والمؤخر من الكلام أخرجه ابن جرير عن ابى عبد الرحمن وقال قال عبد الرحمن بن ابى ليلى اجمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين رواه سعيد بن منصور واخرج ابن ابى شيبة عن الحكم قال مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بغسل القدمين واخرج ابن جرير عن عطاء قال لم يجز أحد المسح على القدمين وادعى الطحاوي وابن حزم ان المسح منسوخ روى ابن جرير عن انس انه قال نزل القران بالمسح والسنة بالغسل وهذا القول يدل على ان ظاهر القران يدل على المسح لكن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الغسل ولا يمكن ذلك الا ان يكون المراد بالقران هو الغسل او كان حكم القران منسوخا ولنا ايضا حديث عبد الله بن عمر قال تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

فى سفرة سافرناها فادركنا وقد راهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا قال فنادى بأعلى صوته ويل للاعقاب من النار متفق عليه وروى عن ابى هريرة انه مر بقوم يتوضأون فقال اسبغوا الوضوء فانى سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول ويل للاعقاب من النار متفق عليه وقد روى ويل للاعقاب من النار جابر وعايشة واحتجوا بما رواه اويس بن ابى اويس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه ثم قام الى الصلاة ورواه ابو داود وقال على نعليه وقدميه قلنا معناه مسح على نعليه اللتين عمت على قدميه فمسح عليهما كما يمسح على الخفين فان قيل قد رواه هيثم عن يعلى وقال فيه توضأ ومسح على رجليه قلنا قال احمد لم يسمع هيثم من يعلى وقد كان يدلس فلعله سمع عن بعض السفهاء ثم أسقط من البين او يقال معناه مسح على رجليه وهما فى الخفين والكلام فى الكعبين كالكلام فى المرافق وقد مر والكعب هو المرتفع من العظم عند ملتقى الساق والقدم هو الذي يعرفه اهل اللغة دون معقد الشراك ويدل على هذا إيراد لفظ التثنية فقال الكعبين ولم يقل الى الكعاب لان انقسام الآحاد على الآحاد انما يتصور عند مقابلة الجمع بالجمع دون التثنية بالجمع وإذا لم يمكن الانقسام وجب ان يكون فى كل رجل كعبان ومعقد الشراك فى كل رجل واحد- (مسئلة:) يجزى المسح على الخفين عن غسل الرجلين عند الجمهور إذا لبسهما على طهارة كاملة فى الحضر والسفر خلافا لمالك رحمه الله فى الحضر واما السفر فالروايات الصحيحة عنه انه يجوز المسح ومنعت الامامية وابو بكر بن داود المسح على الخفين مطلقا قال بعض المفسرين قراءة النصب يوجب غسل الرجلين عطفا على الأيدي وقراءة الجر يوجب مسحهما عطفا على رءوسكم ويحمل تلك القراءة على حالة كونهما فى الخفين «1» والقراءتان بمنزلة

_ (1) يقال كلما دخلت على الأمير قبلت على رجليه وقد كان يقبل على رجليه ان كانتا مكشوفتين وعلى خفيه إن كانتا فى الخفين والقول بانه لم يجز ذكر الخفين وما دلت عليه قرينة ليس بمغنئ لان الآيتين او القراءتين إذا تعارضتا يجب الجمع بينهما ومن وجوه الجمع حملهما على الحالين ولا يشترط ذكر الحالين فى الكلام ولا قيام القرينة الا ترى انهم حملوا قراءة التشديد فى قوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن فيما إذا كان انقطاع الدم قبل العشرة وقراءة التخفيف على كون الانقطاع لتمام العشرة وكون لبس الخفين فى زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم نادرا ممنوع 12 منه دام بركاته [.....]

الآيتين يجوز ان يحمل أحدهما على المعنى الحقيقي والاخرى على المعنى المجازى الا ترى ان التركيب والتقدير فى احدى القرائتين يغائر التركيب والتقدير فى الاخرى ولولا هذا التأويل فالحجة للجمهور ان حديث جواز المسح على الخفين متواتر بالمعنى يجوز به نسخ الكتاب صرّح جمع من الحفاظ بان المسح على الخفين متواتر وجمع بعضهم رواته فجاوز الثمانين منهم العشرة المبشرة وروى ابن ابى شيبة وغيره عن الحسن البصري حدثنى سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين قال ابو حنيفة رحمه الله ما قلت بالمسح حتى جاءنى فيه مثل ضوء النهار وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين وقال احمد ليس فى قلبى من المسح شىء فيه أربعون حديثا عن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رفعوا وما وقفوا وذكر منها حديثين أحدهما حديث المغيرة بن شعبة قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فى سفر فقال يا مغيرة خذ الاداوة فاخذتها فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توارى عينى فقضى حاجته فصببت عليه فتوضأ وضوئه للصلوة ومسح على خفيه ثم صلى متفق عليه ولهذا الحديث طرق كثيرة روى عنه من نحو ستين طريقا وذكر ابن مندة منها خمسة وأربعين ثانيهما حديث جرير قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على الخفين قال ابراهيم وكان يعجبهم هذا الحديث لان اسلام جرير كان بعد نزول المائدة متفق عليه وقال ابن عبد البر المالكي لا اعلم روى عن أحد من الفقهاء إنكاره الا عن مالك مع ان الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته ولم يرو عن أحد من الصحابة إنكاره الا عن ابن عباس وعائشة وابى هريرة فاما ابن عباس وابو هريرة فقد جاء عنهما بالأسانيد الحسان خلاف ذلك وموافقة ساير الصحابة واما عائشة ففى صحيح مسلم عن شريح بن هانى قال سالت عائشة عن المسح على الخفين قالت عليك بابن ابى طالب فاساله فانه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسالناه فقال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثة ايّام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم رواه ابو داؤد والترمذي وابن حبان وروى الدارقطني عن عائشة اثبات المسح على الخفين وما قيل ان عليا عليه السلام قال ما أبالي مسحت على الخفين او على ظهر حمارى باطل لا اصل له وما قيل ان عائشة قالت لان اقطع الرجل بالموسى أحب الىّ من ان امسح

على الخفين باطل نص عليه الحفاظ. (مسئلة:) مدة المسح على الخفين للمسافر ثلثة ايام ولياليها وللمقيم يوم وليلة لحديث ابى بكر أرخص للمسافر ثلثة ايّام وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه رواه الترمذي وصححه ورواه ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والشافعي رحمه الله وابن ابى شيبة والبيهقي والدارقطني ونقل البيهقي ان الشافعي رحمه الله صححه وفى حديث المغيرة كما مرّ وفيه قلت يا رسول الله الا انزع خفيك قال دعهما فانى أدخلتهما وهما طاهرتان وثبت مدة المسح فى حديث على وصفوان بن عسال وعمرو بن الخطاب وعمرو بن ابى امية الضميري وابى هريرة وخزيمة بن ثابت ذكرها ابن الجوزي فى التحقيق وسردناها فى منار الاحكام فهى حجة على مالك حيث لا يوقت للمسافر ويمنع المقيم كما روى عنه (مسئلة:) ولا يشترط فى الوضوء الترتيب ولا الموالاة عند ابى حنيفة رحمه الله ويشترط الترتيب عند الائمة الثلاثة وكذا الموالاة عند مالك واحمد رحمه الله والقول القديم للشافعى رحمه الله لنا ان فى الاية ورد العطف بالواو وهى لمطلق الجمع دون الترتيب فهى لا تدل على الترتيب ولا على الموالاة وروى ان على بن ابى طالب قال ما أبالي باى أعضائي بدأت احتجوا بحديث ابى بن كعب وابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بوضوء فتوضأ مرة مرة فقال هذا وضوء من لم يتوضأ لم يقبل الله له صلوة ثم توضأ مرتين مرتين فقال هذا وضوء من توضأ أعطاه الله كفلين من الاجر ثم توضأ ثلثا ثلثا فقال هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلى رواهما الدارقطني وجه الاحتجاج انه صلى الله عليه وسلم لا يخلو من انه توضأ مرتبا متواليا اولا لا جايز انه لم يرتب ولم يوال والا لافترض ترك الترتيب والموالاة ولم يقل به أحد فثبت انه رتب ووالى فثبت انه لا يقبل الله الصلاة الا بهما والجواب عنه بوجوه أحدها من حيث السند ان الحديثين ضعيفان فى حديث ابى بن كعب زيد بن ابى الجواري قال يحيى ليس بشئ وقال ابو ذرعة واهي الحديث وعبد الله بن عوادة قال يحيى ليس بشئ وقال البخاري منكر الحديث وفى حديث ابن عمر المسيب بن واضح ضعيف ثانيها من حيث المتن بالنقض وذلك بان يقال لو صح الاستدلال بهذا الحديث على وجوب الترتيب لوجب بهذا الحديث اما التيامن او عدمه والسواك او عدمه والاستنثار او عدمه لان فعله صلى الله عليه وسلم لا يخلو عن أحد الضدين من هذه الأمور وثالثها وهو الحلّ

ان المراد به الاكتفاء على مرة مرة ادنى مراتب الامتثال لا يقبل الله الصلاة الا به وقد يحتج على وجوب الترتيب بحديث عمرو بن عنبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما منكم أحد يقرب وضوئه ثم يمضمض ويستنشق ويستنثر إلا خرت خطايا فمه وخياشيمه مع الماء ثم يغسل وجهه إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه الى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أطراف أنامله مع الماء ثم يمسح راسه كما امره الله تعالى إلا خرت خطايا راسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه الى الكعبين كما امره الله تعالى إلا خرت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء رواه مسلم وكذا روى عن ابى هريرة بلفظ ثم وهى للترتيب قلنا هذا الحديث حكاية عما يفعل المتوضي غالبا وبشارة له بالمغفرة ولا يدل على عدم جواز الصلاة عند فوات الترتيب بل لا يدل على عدم المغفرة عند فواته واحتجوا على وجوب الموالاة بان رجلا توضأ للصلوة فترك موضع ظفر على ظهر قدمه فابصر النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فاحسن وضوءك فرجع فتوضأ ثم صلى رواه من حديث عمر بن الخطاب واحمد وابو داود وغيرهما من حديث انس ولا حجة فيه لان معنى قوله صلى الله عليه وسلم احسن وضوءك اى أتمم وضوءك بغسل هذا الموضع ولا يدل على الأمر باعادة الوضوء فان قيل روى احمد حديث عمر بلفظ امره ان يعيد الوضوء قلنا فيه ابن لهيعة ضعيف وكذا ما روى عن بعض ازواج النبي صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى وفى بعض ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصيها الماء فامره عليه السلام ان يعيد الوضوء ضعيف فيه بقية مدلس لا يصح حديثه ما لم يتابع عليه أحد ويدل على عدم اشتراط الموالاة ما رواه البخاري عن ميمونة فى صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ثم تنحى عن مقامه فغسل قدميه وروى مالك عن نافع عن ابن عمر والشافعي رحمه الله فى الام عن مالك ان ابن عمر توضأ فى سوق المدينة فدعى الى جنازة وقد بقي من وضوئه فرض الرجلين فذهب معهم الى المصلّى ثم مسح على الخفين ويذكر عن ابن عمر غسل القدمين بعد ما جف وضوئه والله اعلم- (مسئلة:) ولا يشترط فى الوضوء النية عند ابى حنيفة رحمه الله ويشترط عند الائمة الثلاثة لانه عبادة بالإجماع وكل عبادة يشترط له النية بالنصوص والإجماع

قال الله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقال عليه السلام انما الأعمال بالنيات قلنا الوضوء له اعتباران فباعتبار انه عبادة مكفرة للسيئات لا بد له من نية لما ذكرتم فان ثواب الأعمال انما هو بالنية وباعتبار انه مفتاح للصلوة وشرط من شروطها لا يشترط له النية كما لا يشترط لسائر شرائط الصلاة من ستر العورة وطهارة الاخباث وغيرها. (مسئلة:) لا يشترط للوضوء التسمية ولا المضمضة ولا الاستنشاق عند الجمهور وقال احمد كل ذلك واجب ركن للوضوء اما التسمية فلقوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه رواه احمد وجماعة من الائمة من حديث كثير بن زيد عن رميح بن عبد الرحمن بن ابى سعيد الخدري عن أبيه عن جده ورواه الترمذي وجماعة من حديث سعيد بن زيد من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن ابى ثقال عن رباح عن جدته عن أبيها وروى احمد واصحاب السنن من حديث ابى هريرة من طريق يعقوب ابن سلمة عن أبيه عنه وفى بعض ألفاظه من توضأ وذكر اسم الله فانه طهر جسده كله ومن توضأ ولم يذكر اسم الله لم يطهر الا موضع الوضوء رواه الدارقطني عنه وعن ابن مسعود وابن عمر ولحديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الى الوضوء فيسمى الله عز وجل رواه الترمذي وابن ابى شيبة وابن عدى وحديث خصيف قال توضأ رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسم فقال أعد وضوءك ثم توضأ ولم يسم فقال أعد وضوءك ثلث مرات ثم توضأ وسمى فقال الان خيرا أصبت وضوءك والجواب ان حديث خصيف موضوع لا اصل له وباقى الأحاديث كلها ضعاف قال ابو بكر الأثرم سمعت احمد بن حنبل يقول ليس فى هذا شىء يثبت وأحسنها حديث كثير بن زيد وكثير ضعيف وكذا عبد الرحمن بن حرملة قال ابو حاتم لا يحتج به ولينه البخاري وابو ثقال ورباح مجهولان وجدة رباح راوية هذا الحديث عن سعيد بن زيد لا يعرف اسمها ولا حالها وكذا قال ابو حاتم وابو ذرعة ويعقوب بن سلمة هو الليثي قال البخاري لا يعرف له سماع من أبيه ولا لابيه من ابى هريرة واما حديث عائشة ففى اسناده حارثة عن محمد وهو ضعيف قال الحافظ ابن حجر وفى الباب حديث على رواه ابن عدى وقال اسناده ليس بمستقيم وحديث انس رواه عبد الملك وهو شديد الضعف

وحديث ابن عمر وفيه ابو بكر الداهر وهو متروك وحديث ابن مسعود وفيه يحيى بن هاشم الشمشاد متروك وروى مرسلا عن ابان وهو مرسل ضعيف فالحاصل ليس فى الباب حديث صحيح ومن ثم قال احمد لا امره بالاعادة فارجوا ان يجزيه الوضوء لكن احمد يقدم الحديث الضعيف على القياس لا سيما هذه الأحاديث بالاجتماع والاعتضاد تدل على ان لها أصلا واستدلوا ايضا على وجوب البسملة بحديث ابى هريرة مرفوعا كل امر ذى بال لم يبدأ ببسم الله فهو اجزم قلنا هذا الحديث لا يدل على الوجوب والا لكان الحمد ايضا واجبا لورود الحديث فيه ايضا بمعناه ثم هذه الأحاديث معارض بحديث ابى جهيم قال اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بيرجمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى اقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه متفق عليه فان هذا الحديث يدل على انه صلى الله عليه وسلم كره ان يذكر لفظ السلام وهو من اسماء الله تعالى على غير طهر فذكر الله تعالى بالتسمية قبل الوضوء اولى بالكراهة ولو سلمنا أحاديث الأمر بالتسمية فهى محمولة على الندب والمراد نفى الوضوء على وجه الكمال واما المضمضة والاستنشاق فدليل وجوبهما حديث عائشة رضى الله عنها وابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه او لا يتم الوضوء الا بهما وحديث ابى هريرة امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق روى الأحاديث الثلاثة الدارقطني والجواب ان حديث عائشة فيه سليمان بن موسى قال البخاري عنده مناكير وقال النسائي ليس بالقوى وحديث ابن عباس فيه جابر الجعفي كذبه أيوب السجستاني وزائدة وقال النسائي متروك واما حديث ابى هريرة فقال الدارقطني لم يسنده غير هدبة وداؤة بن المحبر عن حماد عن عمار بن ابى عمار عنه وغيرهما يرويه عن عمار مرسلا وأجاب ابن الجوزي بان هدبة ثقة اخرج عنه فى الصحيحين والرفع زيادة ومن الثقة مقبولة ثم المرسل ايضا حجة وقد يحتج على وجوب الاستنشاق بحديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخره من الماء ثم ليستنثر رواه مسلم وفى بعض طرقه فليجعل فى انفه ماء ثم ليستنثر متفق عليه قال ابن الجوزي قد روى نحوه عن عثمان بن عفان وسلمان بن قيس ومقدام بن معد يكرب

وروى احمد وابو داؤد والحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا استنثروا مرتين بالغتين او ثلثا ولابى داؤد الطيالسي إذا توضأ أحدكم فليستنثر وليفعل ذلك مرتين او ثلثا واسناده حسن قلنا الأمر بالمضمضة والاستنشاق والاستنثار محمول على الاستحباب لا سيما عند اقترانه بالاستنثار الذي هو ليس بواجب اجماعا وقد روى عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من توضأ فليستنثر من فعل فقد احسن ومن لا فلا حرج ثم على اصل ابى حنيفة رحمه الله الأحاديث التي تدل على وجوب التسمية او المضمضة او الاستنشاق او غير ذلك فى الوضوء لو فرضنا صحتها لا يجوز بها الزيادة على الكتاب لان الزيادة على الكتاب عنده فى حكم النسخ لان مقتضى الآية صحة الصلاة عند الاقتصار على الأركان الاربعة ولا يجوز نسخ الكتاب بحديث الآحاد فلا يجوز الزيادة على الكتاب بحديث الآحاد والله اعلم- (فصل) وسنن الوضوء النية والبداية بغسل اليدين الى الرسغين ثلثا والمضمضة والاستنشاق والاستنثار ثلثا ثلثا وتثليث غسل المغسولات ومسح كل الراس مرة والترتيب والموالاة لحديث عبد الله بن زيد قيل له توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا باناء فاكفأ منه على يديه فغسلهما ثلثا فمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلثا فغسل وجهه ثلثا فغسل يديه الى المرفقين مرتين مرتين فمسح برأسه فاقبل بيديه وأدبر ثم غسل رجليه الى الكعبين ثم قال هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه وفى رواية فمضمض واستنشق واستنثر ثلثا بثلث غرفات وفى حديث على تمضمض ثلاثا واستنشق ثلثا وغسل وجهه ثلثا وذراعيه ثلثا ومسح برأسه مرة ثم غسل قدميه الى الكعبين ثم قام فاخذ فضل طهوره فشرب وهو قائم ثم قال أحببت ان أريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي والنسائي قال الدارقطني لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه توضأ وضوء لم يدع فيه أحدا من هذه الثلاثة يعنى النية والترتيب والموالاة وقال الشافعي رحمه الله فى أحد قوليه واحمد رحمه الله ان السنة مسح الراس ثلثا وقد صح من حديث عثمان وعلى وعبد الله بن زيد وسلمة ابن الأكوع وانس ومعاذ بن جبل وبراء بن عازب وعبد الله بن عمرو ابن عبّاس انه

مسح راسه مرة احتجوا بحديث عثمان انه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلثا ثلثا رواه البخاري وحديث على مثله رواه الترمذي قلنا قوله توضأ ثلثا يعود الى تثليث ما يحصل به الوضاءة وهو الغسل قال ابو داؤد أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على ان مسح الراس مرة واحدة وما ورد فى بعض ألفاظ حديث على توضأ ومسح برأسه واذنيه ثلثا فنحمله على تثليث إمرار اليد من غير أخذ ماء جديد لكل مرة جمعا بين الأحاديث وحينئذ يعد المسح مرة واحدة كما ورد فى حديث عبد الله بن زيد مسح راسه بيديه فاقبل بهما وأدبر بمقدم راسه ثم ذهب بهما الى قفاه ثم ردهما الى المكان الذي بدأ منه والله اعلم- ومنها مسح الأذنين لحديث ابى امامة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأذنان من الراس وكان يمسح راسه مرة............ وكان يمسح الماقين رواه احمد واصحاب السنن والحديث يدل على المواظبة وحديث مقدام بن معد يكرب مرفوعا توضأ فادخل إصبعيه فى حجرى اذنيه رواه النسائي وابن ماجة وحديث على توضأ ومسح برأسه واذنيه ثلثا وقال هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فان قيل ليس فى كثير من الأحاديث ذكر الأذنين قلنا إذا ثبت المواظبة بحديث ابى امامة وعلى فعدم ذكر غيرهما لا ينتهض دليلا على النفي ولعل من لم يذكر مسح الأذنين اكتفى بذكر مسح الرأس بناء على قوله صلى الله عليه وسلم الأذنان من الراس ومنها تخليل اللحية لحديث عثمان ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته رواه الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وابن حبان وفى الباب حديث ابن عمر رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي وصححه ابن السكن ومنها ان يدلك عارضيه بعض الدلك لحديث ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرك عارضيه بعض العرك رواه ابن ماجة والدارقطني وصححه ابن السكن والحديث حسن- (فصل) ويستحب البداية بالتسمية لما ذكرنا من الأحاديث وحملناه على الندب والتيامن وكان القياس كونها سنة ولم يقل العلماء بسنيته لان مواظبته صلى الله عليه وسلم كان على سبيل العادة دون العبادة لحديث عايشة قالت كان النبىّ صلى الله عليه وسلم يحب التيامن ما استطاع فى شانه كله فى طهوره وترجله وتنعّله متفق عليه وقال عليه السّلام إذا توضأوا فابدءوا بميامنكم رواه احمد وابو داود

وغيرهما وإذا فرغ من الوضوء يستحب ان يقول اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين- روى مسلم من حديث عقبة بن عامر عن عمر من توضأ فقال اشهد ان لا اله الا الله الى قوله رسوله فتحت له أبواب الجنة يدخلها من ايها شاء ورواه الترمذي من وجه اخر وزاد فيه اللهم اجعلنى إلخ او يقول سبحانك الله وبحمدك اشهد ان لا اله الّا أنت استغفرك وأتوب إليك ويصلى ركعتين رواه ابن ماجة من حديث انس والنسائي والحاكم من حديث ابى سعيد بلفظ من توضأ فقال سبحانك إلخ كتب فى رق ثم طبع بطابع فلم يكسر الى يوم القيامة وصحح النسائي الموقوف والمرفوع ضعيف لكن الموقوف له حكم الرفع- (مسئلة) السواك سنة مؤكدة فى نفسه روى البخاري من حديث انس مرفوعا أكثرت عليكم فى السواك ومسلم من حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته يبدأ بالسواك والطبراني والبيهقي من حديث امّ سلمة ما زال جبرئيل يوصينى بالسواك حتى خشيت ان يدردنى «1» وورد نحوه من حديث سهل بن سعد وابى امامة وجبير بن مطعم وابى الطفيل وابن عبّاس والمطلب وعائشة وانس فى كتب الحديث وهذا يدل على كمال المواظبة خصوصا للمستيقظ فانه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من النوم استاك متفق عليه ويستحب السواك عند كل صلوة قال عليه السلام لولا ان أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلوة رواه مسلم وابو داود وعن عائشة مرفوعا فضل الصلاة التي يستاك بها على الصلاة التي لا يستاك بها سبعين ضعفا رواه احمد وابن خزيمة والحاكم وغيره وليست السواك من سنن الوضوء لانه روى عن عثمان وعلى وعبد الله ابن زيد وغيرهم فى صفة الوضوء أحاديث كثيرة لم يرو عنهم السواك كما روى المضمضة والاستنشاق والله اعلم وَإِنْ كُنْتُمْ وقت قيامكم الى الصلاة جُنُباً قد مر تفسيره فى سورة النساء فَاطَّهَّرُوا امر بالمبالغة فى التطهير فيجب غسل سائر البدن ويجب المضمضة والاستنشاق ايضا امتثالا للمبالغة بالتطهير فان باطن الفم والخيشوم ظاهر البدن من وجه إذا انفتح وباطنه إذا انضم فالحقنا فى الغسل

_ (1) الادراد إسقاط الأسنان 12

بالظاهر رعاية للمبالغة وقال مالك والشافعي رحمهما الله هما سنتان فى الغسل ايضا كما فى الوضوء لحديث أم سلمة قالت قلت يا رسول الله انى امراة أشد ضفر راسى فانقضه لغسل «1» الجنابة قال لا انما يكفيك ان تحثى على راسك ثلث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين رواه مسلم قلنا انها سالت عن كيفية غسل الراس هل ينقض شعرها أم لا فورد جوابها من غير تعرض للمضمضة والاستنشاق نفيا ولا اثباتا فلا حجة فيه- (مسئلة:) ويجب ايضا إيصال الماء فى الغسل الى اصول شعر الراس على الرجل والمرأة وكذا غسل باطن اللحية خلافا لمالك والشافعي رحمهما الله فى رواية له القياس على الوضوء وجه الفرق عندنا الأمر بالمبالغة فى التطهير فى الغسل دون الوضوء وقوله صلى الله عليه وسلم انقوا البشر وحديث على سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا من النار قال على فمن ثم عاديت شعرى رواه ابو داؤد وابن ماجة واسناده صحيح وما قيل الصواب وقفه قلنا الرفع زيادة والزيادة من الثقة مقبولة ثم الموقوف فى الباب له حكم الرفع لان عذاب الاخرة لا يدرك بالرأي وعن ابى ايّوب مرفوعا أداء الامانة غسل الجنابة فان تحت كل شعرة جنابة رواه ابن ماجه واسناده ضعيف وفى الصحيحين عن عائشة فى صفة غسله صلى الله عليه وسلم ثم يدخل أصابعه فى الماء فيخلل بها اصول شعره وعن عائشة ان اسماء سالت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض فذكر الحديث وفيه فيدلك دلكا شديدا حتى يبلغ شؤن راسها رواه مسلم وفى الباب حديث ابى ذر إذا وجدت الماء فامسس بشرتك رواه احمد- (مسئلة:) ولا يجب الدلك عند الجمهور خلافا لمالك رحمه الله لنا قوله تعالى

_ (1) اخرج ابن ابى شيبة عن ابن عمر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتاه رجل جيد الثياب طيب الريح حسن الوجه فقال يا رسول الله ما الإسلام قال تقيم الصلاة وتوتى الزكوة وتصوم رمضان وتحج البيت وتغتسل من الجنابة قال صدقت واخرج عبد بن حميد عن وهب الزمارى قال مكتوب فى الزبور من اغتسل من الجنابة فانه عبدى حقا ومن لم يغتسل من الجنابة فانه عدوى حقا 12 منه

حتى تغتسلوا والاغتسال اسالة الماء والدلك امر خارج من مفهومه وحديث جبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم امّا انا فاخذ ملأ كفى من الماء فاصب على راسى ثم أفيض بعد على سائر جسدى متفق عليه وليس فى شىء من أحاديث الغسل ما يدل على وجوب الدلك- (مسئلة:) ولا يجب على المرأة نقض الظفائر وغسل فروع الشعر اجماعا واما على الرجل فنقض الظفائر وغسل فروع الشعر من الرأس واللحية واجب بالإجماع وكان القياس وجوب غسل فروع الشعر بنقض الظفائر على الفريقين نظرا للامر بالمبالغة فى التطهير لكن سقط غسل فروع الشعر عن المرأة للحرج اللازم لها دونه كما دل عليه حديث أم سلمة المذكور وروى مسلم عن عبيد بن عمير قال بلغت عائشة ان عبد الله بن عمر يأمر النساء إذا اغتسلن ان ينقضين رؤسهن قالت أفلا يأمرهن ان يحلقن رؤسهن لقد كنت اغتسل انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من اناء واحد فما أزيد على ان افرغ على راسى ثلث فرغات ولم يسقط غسل فروع الشعر للرجال عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وانقوا البشر رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي لكنه ضعيف مداره على الحارث بن دحية وهو ضعيف جدا قال الدارقطني انما يروى هذا عن مالك بن دينار مرسلا وكذا رواه سعيد بن منصور عن هشيم عن يونس عن الحسن مرسلا وقال ابن الجوزي انما يروى هذا من قول ابى هريرة فهو مرسل صحيح وحديث موقوف صحيح والحديث المتصل المرفوع ضعيف والمرسل حجة لا سيما عند الاعتضاد بالمسند والأثر- (فصل) والسنة فى الغسل النية والموالاة وان يتوضأ الا رجليه ثم يفيض الماء على بدنه ثم يغسل رجليه لا فى المستنقع اما النية فالخلاف فيه كما فى الوضوء وقد مر واما الموالاة فلمواظبته عليه السلام واما باقى السنن فلحديث ميمونة قالت وضعت للنبىّ صلى الله عليه وسلم غسلا فاغتسل من الجنابة فاكفأ الإناء بشماله على يمينه فغسل كفيه ثلثا ثم أفاض على فرجه ثم مضمض واستنشق وغسل وجهه ثلثا وذراعيه ثلثا ثم أفاض على راسه ثلثا ثم أفاض على سائر جسده الماء ثم تنحى فغسل رجليه متفق عليه وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

إذا غسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم توضأ كما يتوضأ للصلوة ثم يدخل أصابعه فى الماء فيخلل بها اصول شعره ثم يفيض الماء على جلده كله متفق عليه- (فائدة) وازالة النجاسة الحقيقية عن بدنه انكانت فواجبة ولذا لم تذكر من سنن الغسل كما لم تذكر الاستنجاء من سنن الوضوء وتثليث غسل سائر البدن لم يظهر لى عليه دليل والله اعلم وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ قد مر تفسيره فى سورة النساء زاد الله تعالى فى هذه السورة قوله مِنْهُ اى من الصعيد قال البغوي فيه دليل على انه يجب مسح الوجه واليدين بالصعيد وهو التراب قلت هذا مبنى على ان كلمة من للتبعيض ومن هاهنا قال ابو يوسف وغيره لا يجوز التيمم على شىء من جلس الأرض بلا نقع عليه وعن محمد رح روايتان قلنا المحققون من اهل العربية على ان أصلها لابتداء الغاية وكونها للتبعيض او البيان موقوف على القرينة قال المحقق التفتازانيّ وهو من الشافعية ذهب بعض الفقهاء يعنى من الشافعية ان من اصل وضعها للتبعيض دفعا للاشتراك وهذا ليس بسديد لاطباق ائمة اللغة على انها حقيقة فى ابتداء الغاية انتهى كلامه قلت ومعنى التبعيض هاهنا لا يصح لان ضابطة التبعيض جواز وضع لفظ البعض موضعها وذالا يتصور لان المسح إمرار اليد فمعنى قوله تعالى فامسحوا بوجوهكم الاية امرروا ايديكم ملصقا بوجوهكم وايديكم وهذا كلام تام لا يستدعى مفعولا به اخر حتى تجعل بعض الأرض مفعولا به فان قيل قال صاحب الكشاف قولهم انها لابتداء الغاية تعسف ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسي من الدهن او من الماء او من التراب الا معنى التبعيض قلنا فى الامثلة التي ذكر صاحب الكشاف انما يفهم التبعيض بالقرينة العقلية لا من كلمة من فان إمرار اليد ملصقا بالرأس مبتديا امراره عن الدهن او الماء او التراب يقتضى عند العقل تلطخ اليد ببعض هذه الأشياء لا باللفظ واما لو قيل مسحت برأسي من الصخرة لا يفهم منه معنى التبعيض البتة بل يفهم معنى الابتداء كما لا يخفى وإذا ثبت ان من لابتداء الغاية ثبت جواز التيمم على الصخرة بلا نقع والله اعلم ما يُرِيدُ اللَّهُ بالأمر بالوضوء والغسل والتيمم لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ من ضيق وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ

[سورة المائدة (5) : آية 7]

من الأحداث ومن الذنوب كما روينا من حديث عمرو بن عنبسة قوله صلى الله عليه وسلم ما منكم أحد يقرب وضوئه ثم يمضمض ويستنشق إلا خرت خطايا فمه وخياشيمه مع الماء الحديث وروى البغوي عن عثمان انه توضأ ثلثا ثلثا ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من توضأ وضوئي هذا خرجت خطايا من وجهه ويديه ورجليه وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ بشرعية ما هو مطهر لا بد انكم ومكفر لذنوبكم ومفتاح لصلوتكم التي هو معراج لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار رواه احمد وابن ابى شيبة والترمذي من حديث معاذ بن جبل وعن ابى هريرة قال انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من اثار الوضوء فمن استطاع منكم ان يطيل غرّته فليفعل رواه البخاري واللام فى المواضع الثلاثة مزيدة وان بعدها مقدرة والمصدر مفعول به ليريد وضعّف البيضاوي هذا التأويل مع كونه اظهر أخذا من عبارة الكافية حيث قال يقدر ان بعد لام كى ولام الجحود وقال البيضاوي ان لا يقدر بعد المزيدة وقد صرح الرضى وصاحب الكشاف بالتقدير فى أمثاله مع كونها زائدة وفى التسهيل ويظهر ان ويضمر بعد لام الجر الغير الجحودية وقال البيضاوي فى تاويل الاية ان مفعول يريد فى الموضعين محذوف واللام للعلة والمعنى ما يريد الله الأمر بالطهارة تضييقا عليكم ولكن يريد الأمر المذكور ليطهركم وليتم نعمته عليكم ولا شك ان بعد ورود الأمر بيان علة ارادة الأمر دون الأمر مستبعد جدا والله اعلم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمته. وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بإرسال الرسول وإنزال الكتاب والتوفيق للاسلام وسائر النعم ليذكركم المنعم ويرغبكم فى شكره عز وجلّ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ الذي اخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى العسر واليسر والمنشط والمكره أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت او ميثاق ليلة العقبة الذي اخذه من الأنصار رواه البخاري وغيره او ميثاق بيعة الرضوان فى الحديبية كما نطق به القران وقال مجاهد ومقاتل يعنى الميثاق الذي أخذ على العلمين حين أخرجهم من صلبادم

[سورة المائدة (5) : آية 8]

عليه السّلام إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا بيان للميثاق وَاتَّقُوا اللَّهَ فى نسيان العامة ونقض ميثاقه إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ من خطراتكم من الخير والشر فضلا عن ظواهر أعمالكم فيه وعد ووعيد والله اعلم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ على أنفسكم واحبتكم بِالْقِسْطِ بالعدل والصدق وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا جرم يجرم بمعنى كسب كاجترم يقال جرم لاهله كذا فى القاموس وعدى بعلى بتضمين فعل يتعدى به كانه قيل ولا يحملنكم شدة بغضكم لقوم مشركين على ترك العدل فيهم فتعتدوا عليهم بكسب ما لا يحل لكم منهم كالمثلة والقذف وقتل النساء ونقض العهد تشفيا لما فى قلوبكم على مقتضى اهوائكم اعْدِلُوا امر بالعدل وهو ضد الجور بعد النهى عن تركه تأكيدا هُوَ اى العدل أَقْرَبُ لِلتَّقْوى اى اقرب الى التقوى من غيره فان التقوى عبارة عن وقاية نفسه وقواه الظاهرة والباطنة عن إتيان ما كره الله فى الدنيا حتى يكون ذلك وقاية لنفسه عن عذاب الله وسخطه فى الاخرة ومرجع العدل والجور الى حقوق الناس ورعاية حقوق الناس أهم وادخل فى التقوى ولذلك قال هو اقرب للتقوى وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما امر ونهى إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فيجازيكم به فيه وعد ووعيد وتكرير هذا الحكم اما لاختلاف السبب كما قيل الاولى نزلت فى المشركين وهذه فى اليهود او لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة فى اطفاء نائرة العقب. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ الجملة فى موضع المفعول الثاني من وعد لان الوعد نوع من القول فيقع على الجملة او هى مستانفة والمفعول الثاني لوعد محذوف يدل عليه هذه الجملة وجاز ان يكون الصالحات ثانى مفعولى وعد اى وعد المثوبات الصالحات ومفعول عملوا محذوف لظهور ان اعمال المؤمن انما هو ما آمن بحسنه. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ يعنى لا يفارقونها هذا من قبيل عطف المعمولين على المعمولين السابقين على تقدير كون جملة لهم مغفرة فى موضع النصب على المفعولية والمعنى وعد الله المؤمنين بهذا القول والكافرين بهذا القول وجاز ان يكون الموصول مبتدأ خبره أولئك اصحاب الجحيم

[سورة المائدة (5) : آية 11]

والجملة معطوفة على الجملة الاسمية السابقة وكلاهما مفعول ثان لوعد يعنى ان الله وعد المؤمنين بمغفرتهم وإهلاك أعدائهم وجاز ان يكون الذين كفروا معطوفا على الذين أمنوا وموعودهم محذوف يدل عليه أولئك اصحب الجحيم على تقدير حذف مفعول وعد فى الاول وجعل جملة لهم مغفرة مستانفة دليلا على المحذوف ويجوز ان يكون هذا كلاما مستانفا والواو للاستيناف ومن عادته سبحانه ذكر حال أحد الفريقين بعد ذكر الفريق الاخر لا تمام مقام الدعوة والله اعلم- قال البغوي قال مجاهد وعكرمة والكلبي وابن بشار عن رجاله انه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمر والساعدي وهو أحد نقباء ليلة العقبة فى ثلثين ركبا من المهاجرين والأنصار الى بنى عامر بن صعصعة فخرجوا ولقوا عامر بن الطفيل على بيرمعونة وهى من مياه بنى عامر واقتتلوا فقتل المنذر وأصحابه الا ثلثة نفر كانوا فى طلب ضالة لهم أحدهم عمرو بن امية الضميري فلم يرعهم الا والطير تحوم فى السماء يسقط من بين خراطيمها علق الدم فقال أحد النفر قتل أصحابنا ثم تولى يشتد حتى لقى رجلا فاختلفا ضربتين فلما خالطته الضربة رفع راسه الى السماء وفتح عينيه وقال الله اكبر الجنة ورب العلمين ورجع صاحباه فلقيا رجلين من بنى سليم وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة فانتسبا لهما ال بنى عامر فقتلاهما وقدم قومهما الى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون الدية فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة وعبد الرحمن بن عوف حتى دخلوا على كعب ابن الأشرف وبنى النضير يستعينهم فى عقلهما وكانوا عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على ترك القتال وعلى ان يعينوا فى الديات فقالوا نعم يا أبا القاسم قد ان لك ان تأتينا وتسالنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك ما تسالنا فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلا بعضهم ببعض فقالوا انكم لم تجدوا محمدا اقرب منه الان فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا فقال عمرو بن جحش انا فجاء الى رحا عظيمة ليطرحها عليه فامسك الله أيديهم وجاء جبرئيل وأخبره فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا الى المدينة ثم دعا عليّا وقال لا تبرح مقامك فمن خرج عليك من أصحابي فسألك عنى فقل توجه الى المدينة ففعل ذلك على حتى تناثلوا اليه ثم اتبعوه فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ

آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ الآية ذكر القصة بطولها ابن إسحاق وابن عمرو وابن سعد وذكروا فيها ان سلام بن مشكم نهاهم عن ذلك وقال لئن فعلتم ليخبرن بانا قد غدرنا به وان هذا نقض للعهد الذي بيننا وبينه فلا تفعلوا واخرج ابن جرير عن عكرمة ويزيد بن زياد ونحوه عن عبد الله بن ابى بكر وعاصم بن عمر بن قتادة ومجاهد وعبد الله بن كثير وابى مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه ابو بكر الحديث كما ذكر البغوي ولم يذكر قصة قتل المنذر أصحابه واخرج ابو نعيم فى الدلائل عن ابن عباس وابن إسحاق والبيهقي فى الدلائل عن يزيد بن رومان والذي فى روايتهم ان المقتولين عبدان الا انهما كانا مسلمين واخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا ان هذه الاية نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخل فى الغزوة السابعة فاراد بنو ثعلبة وبنو محارب ان «1» يفتكوا به وبأصحابه إذا اشتغلوا بالصلوة فاطلعه الله تعالى على ذلك وانزل صلوة الخوف واخرج ابو نعيم فى دلائل النبوة من طريق الحسن عن جابر بن عبد الله ان رجلا من محارب يقال له الغويرث بن الحارث قال لقومه اقتل لكم محمدا فاقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه فى حجره فقال يا محمد انظر الى سيفك هذا قال نعم فاخذه فاستله فجعل يهزه ويهم به فيكبته «2» الله تعالى فقال يا محمد اما تخافنى قال لا قال اما تخافنى والسيف فى يدى قال لا يمنعنى الله منك ثم غمد السيف ورده الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى هذه الاية وذكر هذه الرواية عن الحسن وقال كان النبىّ صلى الله عليه وسلم حينئذ محاصر غطفان بنخل واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم من طريق العوفى عن ابن عباس فى هذه الاية ان قوما من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولاصحابه طعاما ليقتلوه فاوحى الله عز وجل بشانهم فلم يأت الطعام وامر أصحابه فلم يأتوه واخرج الشيخان من حديث جابر نحو هذه القصة وليس عندهما ذكر نزول الاية واخرج البيهقي فى الدلائل عن قتادة انها نزلت فى قوم من العرب أرادوا ان يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فارسلوا اليه الاعرابى يعنى الذي جاءه وهو نائم فى بعض المنازل فاخذ سلاحه وقال من

_ (1) الفتك ان يأتى الرجل صاحبه وهو غافل فيقتل 12 نهايه (2) اى يذله الله ويصرفه عنه 12

[سورة المائدة (5) : آية 12]

يحوله بينى وبينك فقال له الله فشام السيف ولم يعاقبه إِذْ هَمَّ قَوْمٌ الظرف متعلق بنعمة ومفعول هم قوله أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ بالقتل والإهلاك يقال بسط اليه يده إذا بطش وبسط اليه لسانه إذا شتم فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ اى منع ورد مضرتها عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فانه الكافي لا يصال الخير ودفع الشر. وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ حين انزل عليهم التورية بعد الفراغ من امر فرعون وقد مرّ قصة أخذ الميثاق فى سورة البقرة حيث قال وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً والمراد به رئيس كل سبط يكون شاهدا ينقب عن احوال قومه ويفتش عنها ويكفل عنهم بالوفاء بما أمروا به ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر على حسب امر نبيهم ونهيه وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ يعنى ما دمتم مريدين الوفاء بالميثاق معية بلا كيف يوجب التوفيق لامتثال الأوامر والانتهاء عن المناهي وشرح الصدر والاطمينان وتم الكلام للابتداء بالشرط الداخل عليه اللام الموطّئة للقسم فى قوله تعالى لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي اى بموسى ومن يأتي بعده مصدقا لما جاء به موسى من غير تفريق بين أحد منهم وَعَزَّرْتُمُوهُمْ اى عظمتموهم وقويتموهم ونصرتموهم فى القاموس العزر اللوم والتفخيم والتعظيم ضد والاعانة والتقوية والنصر وفى الصحاح التعزير النصرة مع التعظيم وأصله الذب والرد وفى النصرة رد الأعداء وسمى الزاجر ما دون الحد تعزيرا لان فيه منعه عن شنائع الأعمال ودفع الشنائع عنه والله اعلم وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ بالإنفاق فى سبيل الخير وقيل هو كل حسنة وجاز ان يكون معناه أقرضتم عباد الله بحذف المضاف او أقرضتم الناس لله قَرْضاً حَسَناً يحتمل المصدر والمفعول والقرض الحسن ما يكون بلا منّ وعجب ورياء وغير ذلك مما يبطل العمل لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ جواب للقسم سادّ مسدّ جواب الشرط وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ اى بعد ذلك الميثاق والوعد المؤكد المعلق بالوفاء فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اضافة الصفة الى الموصوف يعنى ضل سبيلا مستويا واخطأ

[سورة المائدة (5) : آية 13]

طريق الحق والمراد به ضلالا بينا لا شبهة فيه ولا عذر معه يدل عليه التعبير عن المستقبل بالماضي وتأكيده بقد بخلاف من كفر قبل ذلك فانه يحتمل ان يكون له شبهة ويتوهم له معذرة. فَبِما نَقْضِهِمْ ما زائدة أفاد التفخيم مِيثاقَهُمْ حيث كذب النصارى محمدا صلى الله عليه وسلم واليهود إياه وعيسى وغيرهما من الأنبياء ونبذوا كتب الله وضيعوا فرائضه لَعَنَّاهُمْ قال عطاء بعد ناهم عن رحمتنا وقال الحسن ومقاتل مسخناهم وقيل معناه ضربنا عليهم الجزية وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً غليظة لا تلين بذكر الله ولا تنفعل بالآيات والنذر من القسوة بمعنى غلظ القلب وأصله من حجر قاس كذا فى الصحاح وهو المراد بما فسر ابن عباس باليابسة قرأ حمزة والكسائي قسية بتشديد الياء من غير الف قال البغوي هما لغتان كالزاكية والزكية ومعناهما واحد وقال البيضاوي وهى اما مبالغة قاسية او بمعنى ردية من قولهم درهم قسى إذا كان مغشوشا قلت وهو ايضا من القسوة بمعنى الغلظ فان المغشوش فيه يبس وصلابة وقيل معناه ان قلوبهم ليست بخالصة للايمان بل ايمانهم مشوب بالكفر والنفاق كالدرهم المغشوش يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ يعنى كلمات الله التي فى التورية عَنْ مَواضِعِهِ قيل هو تبديل نعت النبي صلى الله عليه وسلم وقيل تحريفهم بسوء التأويل والجملة مستأنفة لبيان قسوة قلوبهم فان تحريف كلام الله والافتراء عليه مقتضى كمال القسوة وجاز ان يكون حالا من مفعول لعناهم لا عن القلوب إذ لا ضمير وَنَسُوا تركوا حَظًّا نصيبا وافيا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فى التورية وعلى لسان الأنبياء من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم او المعنى تركوا حظهم مما انزل إليهم لان حظ ابائهم كان اتباع موسى عليه السلام وحظ هؤلاء الموجودين فى زمان النبي صلى الله عليه وسلم كان اتباع محمد صلى الله عليه وسلم فلم ينالوه ذكر التحريف بلفظ المضارع والنسيان بلفظ الماضي لان الاول مترتب على الثاني فى الوجود وقيل معناه انهم حرفوا فنسو بشوم التحريف علوما كانوا يحفظونها مما ذكروا به روى احمد بن حنبل فى الزهد عن ابن مسعود لا حسب الرجل ينسى العلم كان يعلمها بالخطية يعملها وتلا هذه الاية وَلا تَزالُ يا محمّد تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ الخائنة فاعلة بمعنى المصدر كالكاذبة واللاعنة يعنى على خيانة او هى بمعناها والمعنى

[سورة المائدة (5) : آية 14]

فرقة خائنة او نفس خائنة او فعلة ذات خيانة او معناه خائن والهاء للمبالغة مِنْهُمْ الضمير عائد الى بنى إسرائيل أجمعين الموجودين فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأسلافهم والاطلاع أعم منه بالمشاهدة او بالأخبار يعنى ان الخيانة والغدر من عادتهم وعادة أسلافهم لا تزال ترى ذلك منهم كان أسلافهم يخولون الرسل الماضين وهؤلاء يخونونك وكانت خيانة هؤلاء نقض ما عهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمهم بقتله وسمّه ونحو ذلك إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ لم يخونوا وهم الصالحون من امة موسى وعيسى عليهما السّلام والذين أمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه وقيل الاستثناء من قوله وجعلنا قلوبهم قاسية وهذا ليس بسديد لان جعل قلوبهم قاسية متفرع على نقضهم ميثاقهم ونقض الميثاق يستلزم القساوة البتة فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ اى اعرض عنهم ولا تتعرض ولا تواخذهم بما اذوك ولا تعامل معهم الا ما أمرك الله به والعفو عما فعلوا فى شانه صلى الله عليه وسلم لا ينافى القتال بامر الله تعالى وقيل معناه اعف واصفح عنهم ان تابوا وأمنوا او عاهدوا والتزموا الجزية وقيل هذا الحكم منسوخ باية السيف إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ تعليل للامر بالصفح وحث عليه وتنبيه على ان العفو عن الكافر الخائن احسان فضلا عن العفو عن غيره. وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ الجار والمجرور متعلق باخذنا وهو معطوف على قوله تعالى ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وضمير ميثاقهم اما راجع الى الموصول يعنى وأخذنا من النصارى فى الإنجيل وعلى لسان عيسى عليه السّلام ميثاق النصارى بامتثال ما أمروا فى الإنجيل مصدقا لما بين يديه من التورية ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد واما راجع الى بنى إسرائيل المذكورين من قبل يعنى أخذنا من النصارى ميثاق من ذكر قبلهم من قوم موسى اى ميثاقا مثل ميثاقهم قال الحسن فيه دليل على انهم نصارى بتسميتهم أنفسهم لا بتسمية الله تعالى والاولى ان يقال انه تعالى انما لم يقل ومن النصارى أخذنا ميثاقهم ليدل على انهم يسمّون أنفسهم بذلك ادّعاء لنصرة الله تعالى وليسوا كذلك وليس هذا الا للتعريض على الموجودين فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا على أسلافهم فان منهم من كانوا أنصار الله تعالى

[سورة المائدة (5) : آية 15]

على الحقيقة وأخذ الميثاق على هؤلاء الموجودين انما كان تبعا لاخذ الميثاق على ابائهم فَنَسُوا يعنى اكثر هؤلاء الموجودين وبعض من قبلهم حَظًّا اى حظا وافيا او حظهم مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فى الإنجيل فكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم بعد البشارة بمبعثه واتبعوا اهوائهم قبل ذلك فافترقوا فرقا منهم الملكائية والنسطورية واليعقوبية قال بعضهم ان الله ثالث ثلثة وبعضهم عيسى ابن الله وبعضهم ان الله هو المسيح فَأَغْرَيْنا يعنى الصقنا والزمنا من غرى الشيء إذا لصق به ولزمه بَيْنَهُمُ قال مجاهد وقتادة يعنى بين اليهود والنصارى وقال الربيع بين فرق النصارى وهو الأظهر الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ لاجل اختلاف اهوائهم فى الدين إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بالجزاء والعقاب فى الاخرة بِما كانُوا يَصْنَعُونَ فى الدنيا من الكفر والمعاصي وترك الاقتداء بالكتب السماوية التي مآلها واحد والله اعلم اخرج ابن جرير عن عكرمة قال ان نبى الله صلى الله عليه وسلم أتاه اليهود يسالونه عن الرجم فقال أيكم اعلم فاشاروا الى ابن صوريا فناشده بالذي انزل التورية على موسى والذي رفع الطور بالمواثيق الذي أخذت عليهم فقال انه لما كثر الزنا فينا جلدنا مائة وحلقنا الرؤوس فحكم عليهم بالرجم فانزل الله تعالى. يا أَهْلَ الْكِتابِ الى قوله صراط مستقيم والمراد باهل الكتاب اليهود والنصارى ووحد الكتاب لانه للجنس قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا محمد صلى الله عليه وسلم يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ اى التورية والإنجيل مثل اية الرجم ونعت محمد صلى الله عليه وسلم فى التورية وبشارة عيسى بأحمد فى الإنجيل وَيَعْفُوا اى يعرض عَنْ كَثِيرٍ مما يخفونه لا يخبر به إذا لم يتوقف عليه امر دينى او عن كثير منكم فلا يؤاخذ بجرمه قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ يعنى محمد صلى الله عليه وسلم او الإسلام وَكِتابٌ مُبِينٌ للاحكام او بين الاعجاز وهو القران وجاز ان يكون العطف تفسيريا وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم والقران نورا لكونهما كاشفين لظلمات الكفر. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ وحد الضمير لان المراد بهما اما واحد او كواحد فى الحكم مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ اى رضاه بالايمان منهم سُبُلَ السَّلامِ اى طرق السلامة من عذاب الله وقيل السلام هو الله تعالى وسبله شرائعه الموصلة اليه وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ

[سورة المائدة (5) : آية 17]

الظُّلُماتِ اى ظلمات الكفر إِلَى النُّورِ نور الايمان بِإِذْنِهِ بإرادته وتوفيقه وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ اى طريق موصل الى الله تعالى البتة وهو الإسلام. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ والقائلون بهذا القول اليعقوبية من النصارى فانهم قائلون بالاتحاد وقيل لم يصرح به أحد ولكن لما زعموا ان فيه لاهوتا وقالوا لا اله الّا واحد لزمهم ان يكون هو المسيح فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم وتفضيحا لمعتقدهم قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ اى يقدر ان يدفع مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً يعنى ان المسيح وامه عبدان مخلوقان من جنس سائر الممكنات فان عطف من فى الأرض عليهما يفيد انهما من جنسهم متصفان بالحدوث واماراته من الابنيّة والامومية قابلان للهلاك والغناء مقدوران لله تعالى وحده إنشاء الله تعالى هلاكهما لا يستطيعان دفع الهلاك عن أنفسهما كسائر الممكنات وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ بغير مادة سبقت عليه كالسموات والأرض او من مادة من غير جنسه كما خلق آدم من الطين او من ذكر وحده كما خلق حواء من آدم او من أنثى وحدها كما خلق عيسى بن مريم او من ذكر وأنثى كاكثر الحيوانات وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ من الاحياء والاماتة فكيف يتصور اتحاد من ذلك شانه وظهر احتياجه وإمكانه بمن هذا سلطانه وعزّ برهانه روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن احيى وبحرى بن عمرو وشاس بن عدى فكلموه وكلمهم ودعاهم الى الله وحذرهم نقمته فقالوا ما تخوفنا يا محمد نحن والله أبناء الله واحباؤه كقول النصارى فانزل الله تعالى. وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ الاية قيل أرادوا ان الله تعالى كالاب لنا فى الحنو والعطف ونحن كالابناء له فى القرب والمنزلة وقال ابراهيم النخعي ان اليهود وجدوا فى التورية يا أبناء احبارى فبدّلوا يا أبناء ابكارى فمن ذلك قالوا نحن أبناء الله وقيل معناه نحن أبناء رسل الله وقيل أرادوا انهم أشياع ابنيه عزير والمسيح كما قال لاشياع ابى الجنيب عبد الله بن الزبير الجنيبيون قُلْ يا محمد ان صح ما زعمتم فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ فان الأب

[سورة المائدة (5) : آية 19]

لا يعذب ولده والحبيب حبيبه وقد عذبكم الله فى الدنيا بالقتل والاسر والمسح وأنتم مقرون انه سيعذبكم بالنار أياما معدودات فليس الأمر كما زعمتم بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ كسائر بنى آدم يحزون بالاساءة والإحسان يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ما دون الكفر فضلا وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ مدلا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما كلها سواء فى المملوكية والمخلوقية والمملوكية تنافى البنوة فيه تنبيه على نفى بنوة عزير وعيسى وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ لكل مخلوق فيجازى على حسب اعماله فيه وعد ووعيد روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودا الى الإسلام ورغبهم فيه فقال معاذ بن جبل وسعد بن عبادة يا معشر يهود اتقوا الله فو الله انكم لتعلمون انه رسول الله لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهود اما قلنا لكم هذا وما انزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بشرا بعده فانزل الله تعالى. يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا محمد صلى الله عليه وسلم يُبَيِّنُ لَكُمْ اعلام الهدى وشرائع الدين وحذف لظهوره او ما كتمتم وحذف لتقدم ذكره ويجوز ان لا يقدر مفعول والمعنى يبذل لكم البيان والجملة فى موضع الحال اى جاءكم رسولنا مبينا لكم عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ متعلق بجاء اى جاءكم على حين فتور من المرسلين وانقطاع من الوحى او حال من الضمير فى يبين أَنْ تَقُولُوا يعنى كراهة ان تقولوا او لئلا تقولوا معتذرين ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ يعنى فلا تعتذروا فقد جاءكم بشير ونذير وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على الإرسال تترى كما فعل بين موسى وعيسى وكان بينهما الف وسبعمائة او خمسمائة سنة والف نبى اخرج ابن سعد والزبير بن بكار وابن عساكر عن الكلبي انه كان بين موسى بن عمران ومريم بنت عمران أم عيسى الف وسبعمائة سنة وليسا من سبط واحد واخرج الحاكم عن ابن عبّاس بلفظ بين موسى وعيسى الف وخمسمائة سنة واخرج ابن ابى حاتم عن الأعمش قال كان بين موسى وعيسى الف نبى ويقدر على الإرسال على فترة كما فعل بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم وكان بينهما ستمائة سنة أخرجه ابن عساكر وابن ابى حاتم عن قتادة او خمسمائة وستون سنة أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير من طريق

[سورة المائدة (5) : آية 20]

معمر عن قتادة ولم يكن بعد عيسى رسول سوى رسولنا صلى الله عليه وسلم وفى الاية امتنان عليهم بان بعث إليهم حين انطمست اثار الوحى وكانوا أحوج ما يكونون اليه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا اولى الناس بعيسى بن مريم فى الاولى والاخرة الأنبياء اخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وليس بيننا نبى متفق عليه. وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ بنى إسرائيل يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ فارشدكم وشرفكم بهم ولم يبعث فى امة ما بعث فى بنى إسرائيل من الأنبياء وَجَعَلَكُمْ اى جعل منكم او فيكم مُلُوكاً وقد تكاثر فيهم الملوك بعد فرعون حتى قتلوا يحيى وهمّوا بقتل عيسى عليهما السلام وقال ابن عباس أراد بالملوك اصحاب خدم وحشم قال قتادة كانوا اوّل من ملك الخدم ولم يكن لمن قبلهم خدم وروى ابن ابى حاتم عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان بنو إسرائيل إذا كان لاحدهم خادم وامرأة ودابة يكتب ملكا وله شاهد من مرسل زيد بن اسلم وقال عبد الرحمن الحبلى سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال السنا من فقراء المهاجرين فقال له عبد الله ألك امرأة تأوي إليها قال نعم قال ألك مسكن تسكنه قال نعم قال فانت من الأغنياء قال فان لى خادما قال فانت من الملوك وقال السدى معناه وجعلكم أحرارا تملكون امر أنفسكم بعد ما كنتم فى أيدي القبط يستعبدونكم وقال الضحاك كانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية فمن كان مسكنه واسعا فيها ماء جار فهو ملك وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ فى زمانهم لشرف صحبة الأنبياء من مراتب القرب عند الله مع الرفعة فى الدنيا والكرامات مثل فلق البحر وإنزال انواع الرجز على أعدائهم دونهم. يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ قال مجاهد هى الطور وما حوله وقال الضحاك ايليا وبيت المقدس وقال عكرمة والسدى هى أريحا وقال الكلبي هى دمشق وفلسطين وبعض الأردن وقال قتادة هى الشام كلها وقال كعب وجدت فى كتاب الله المنزل ان الشام كنز الله من ارضه وبها كنز من عباده سميت بالمقدسة لانها مقر الأنبياء ومسكن المؤمنين الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ اى كتب وفرض عليكم دخولها كما كتب الصوم والصّلوة كذا قال قتادة والسدى وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ الى مصر او الى خلاف ما أمركم الله جبتا فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ ثواب الدارين يجوز فى

فتنقلبوا الجزم على العطف والنصب على الجواب وقيل معنى كتب الله فى اللوح المحفوظ انها يكون مسكنا لكم ولا بد على هذا التأويل ان يقيد بشرط مقدر وهو ان أمنتم وأطعتم لقوله تعالى بعد ما عصوا انها محرمة عليهم وجاز ان يكون ضمير لكم عائدا الى بنى إسرائيل بالنسبة الى بعضهم يعنى المطيعين وضمير محرمة عليهم بالنسبة الى بعض اخر يعنى العاصين او يقال التحريم مقيد بأربعين سنة ثم يكون مسكنا لهم وقال ابن إسحاق معنى كتب الله لكم وهب الله لكم وجعلها لكم قال الكلبي صعد ابراهيم جبل لبنان فقال له انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس وهو ميراث لذريتك قال البغوي ان الله عز وجل وعد موسى ان يورثه وقومه الأرض المقدسة وهى الشام وكان يسكنها الكنعانيون الجبارون فلما استقرت لبنى إسرائيل الديار بمصر يعنى بعد الفراغ من امر فرعون أمرهم الله بالمصير الى أريحا من ارض الشام وهى الأرض المقدسة وكانت بها الف قرية فى كل قرية الف بستان قلت لعل المراد بالألف الكثرة جدا دون العدد والله اعلم وقال الله تعالى يا موسى انى كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرج إليها وجاهد من فيها من العدو فانى ناصرك عليهم وخذ من قومك اثنا عشر نقيبا من كل سبط نقيبا يكون كفيلا على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا به فاختار موسى النقباء وسار ببني إسرائيل حتى إذا قربوا من أريحا بعث هؤلاء النقباء يتجسسون له الاخبار ويعلمون علمها فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عوج بن عنق وكان طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلثة وثلثون ذراعا وثلث ذراع وكان يحتجر بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه يعنى بالشمس يرفعه إليها ثم يأكله ويروى ان الماء طبق على ما على الأرض من جبل وما جاوز من ركبتى عوج وعاش ثلثة آلاف سنة حتى أهلكه الله على يدى موسى وذلك ان جاء وقور «1» صخرة من الجبل على قدر عسكر موسى عليه السّلام وكان فرسخا فى فرسخ وحملها ليطبقها عليهم فبعث الله الهدهد فنقر الصخرة بمنقاره فوقعت فى عنقه فصرعته فاقبل موسى عليه السّلام وهو مصروع فقتله وكانت امه عنق احدى بنات آدم عليه السّلام وكان مجلسها جريبا من الأرض قال فلما لقى عوج النقباء وعلى راسه حزمة حطب أخذ الاثني عشر وجعلهم فى حجزته وانطلق بهم الى امرأته

_ (1) وقور فعول من الوقر بمعنى الثقل 12

[سورة المائدة (5) : آية 22]

وقال انظري الى هؤلاء الذين يزعمون انهم يريدون قتالنا وطرحهم بين يديها وقال الا اطحنهم برجلي فقالت امرأته لا بل خلّ عنهم حتى يخبروا قومهم بما راوا ففعل ذلك وروى انه جعلهم فى كمه واتى بهم الى الملك فنشرهم بين يديه فقال الملك ارجعوا فاخبروهم بما رايتم وكان لا يحمل عنقودا من عنبهم إلا خمسة انفس منهم فى خشبة ويدخل فى شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة انفس قلت كذا ذكر البغوي فى عوج بن عنق وفيه مبالغات لا يقبلها العقل وينكرها المحدثون غير انه أعظم جثة وأقوى قوة من الجبارين وكانوا اجراما عظيمة اولى بأس شديد فلما رجع النقباء الى موسى واخبروه بما عاينوا قال لهم موسى اكتموا شانهم ولا تخبروا به أحدا من اهل العسكر فيفشلوا فاخبر كل رجل منهم قريبه وابن عمه الا رجلان وفيا بما قال لهم موسى أحدهما يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف فتى موسى والاخر كالب بن يوقنا ختن موسى على أخته مريم بنت عمران وكان من سبط يهود افعمت جماعة بنى إسرائيل ذلك ورفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا يا ليتنا متنا بمصر وليتنا نموت ولا يدخلنا الله ارضهم فتكون نساءنا وأولادنا وأثقالنا غنيمة لهم وجعل الرجل يقول لصاحبه تعال نجعل علينا راسا وننصرف الى مصر. قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها اى فى تلك الأرض قَوْماً جَبَّارِينَ الجبار فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه وهو العالي الذي يجبر الناس على ما يريد وقال البغوي الجبار المتعظم الممتنع عن القهر بحيث لا يتاتى مقاومته يقال نخلة جبارة إذا كانت طويلة ممتنعة عن وصول الأيدي إليها قلت كان امتناعهم اما بطولهم وقوة أجسادهم كما يدل عليه القصة او لكثرة جنودهم وأموالهم وآلات الحرب معهم قال البغوي كانوا من العمالقة وبقية قوم عاد وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ إذ لا طاقة لنا بهم فلما قال بنو إسرائيل ذلك وهموا بالانصراف الى معه وخر موسى وهارون ساجدين وخرق كالب ويوشع ثيابهما وهما الذين اخبر الله تعالى عنهما فى قوله. قالَ رَجُلانِ يعنى كالب ويوشع مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ الله تعالى ويتقونه وقيل كانا رجلين من الجبابرة أسلما وصارا الى موسى فعلى هذا الواو لبنى إسرائيل والراجع الى الموصول محذوف اى من الذين يخافهم بنو إسرائيل ويشهده قراءة سعيد ابن جبير يخافون بضم الياء أخرجه ابن جرير عنه والحاكم وصححه عن ابن عباس

[سورة المائدة (5) : آية 24]

أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بالايمان والتثبت صفة ثانية لرجلين او اعتراض ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ باب قريتهم اى باغتوا وضاغطوهم فى المضيق وامنعوهم عن الخروج الى الصحارى فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ 5 لتعذر الكر عليهم فى المضايق ولان الله منجز وعده وانا رايناهم فكانت أجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ به مصدقين بوعده قال البغوي فاراد بنو إسرائيل ان يرجموهما بالحجارة وغضبوهما و. قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً نفوا دخولهم على التأكيد والتأبيد وقوله ما دامُوا فِيها بدل من ابدا بدل البعض فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ قيل قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما وهذا مستبعد جدا لانه يستلزم الكفر فلا يتصور بعد ذلك مصاحبة موسى وقد كانوا فى مصاحبته ونزل عليهم المن والسلوى وظلل عليهم الغمام وانفجرت من الحجر عيونا لشربهم فالمعنى اذهب أنت وربك يعينك والله اعلم عن ابن مسعود قال شهدت من المقداد بن اسود مشهد الان أكون صاحبه لاحب الى مما عدل به اتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعوه على المشركين قال لا نقول كما قال قوم موسى اذهب أنت وربك فقاتلا ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرايت النبىّ صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره رواه البخاري وغيره فلما فعلت بنو إسرائيل ما فعلت من مخالفة امر الله ورسوله وهموا بيوشع وكالب غضب موسى ودعا عليهم. قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي يعنى وأخي لا يملك الا نفسه فاخى اما منصوب عطفا على اسم ان او مرفوع عطفا على الضمير المرفوع فى املك او مبتدأ خبره محذوف يعنى كذلك وجاز ان يكون معناه لا يطيعنى الا نفسى وأخي وحينئذ أخي اما منصوب عطفا على نفسى او مجرور عند الكوفيين عطفا على ياء المتكلم فى نفسى والحصر إضافي بالنسبة الى القوم العاصين اخرج الكلام شكاية عنهم ولا يلزم منه عدم إطاعة الرجلين يوشع وكالب فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ بان تحكم لكل ما يستحقه من المدح والثواب والذم والعقاب او المعنى فافرق بالتبعيد بيننا وبينهم وتخليصنا من صحبتهم. قالَ الله تعالى فَإِنَّها اى الأرض المقدسة مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ تحريم منع لا تحريم تعبد يعنى انها ممنوعة منهم لا يدخلونها ولا يسكنونها بسبب

عصيانهم أَرْبَعِينَ سَنَةً الظاهر انه متعلق بقوله محرمة فيكون التحريم موقتا غير موبد ولا يكون مخالفا لظاهر قوله تعالى التي كتب الله لكم على تاويل كتب الله فى اللوح المحفوظ كونها مسكنا لكم ويؤيد ذلك ما روى ان موسى فتح أريحا بمن بقي من بنى إسرائيل وكان يوشع على مقدمته وقاتل الجبابرة واقام موسى فيها ما شاء الله ثم قبض كما سيجئ قصته ولا يعلم قبره أحد قال البغوي وهذا أصح الأقاويل لاتفاق العلماء ان عوج بن عنق قتله موسى قلت ولقوله تعالى وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض الى قوله تعالى اهبطوا مصرا فان لكم ما سالتم فانه يدل على ان موسى كان حيا حين اهبطوا مصرا بعد خروجهم من التيه وذلك يعد أربعين سنة وقيل الظرف متعلق بما بعده يعنى يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ اى يسيرون فيها يتحيرون لا يرون الطريق فيكون التحريم حينئذ مطلقا ولم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال لا ندخلها بل هلكوا فى التيه كلهم وانما قاتل الجبابرة أولادهم مع يوشع لما هلكوا كلهم وانقضت أربعون سنة ونشات النواشي من ذراريهم ولم يسر إليهم يوشع الا بعد موت موسى ومات موسى وهارون عليهما السلام فى التيه كذا اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال البغوي على هذه الرواية فلما مات موسى وانقضت الأربعون سنة بعث الله يوشع نبيا فامرهم ان الله تعالى قد امر بقتال الجبابرة فصدقوه وبايعوه فتوجه بنوا إسرائيل الى أريحا ومعه تابوت الميثاق فاحاط بمدينة أريحا ستة أشهر فلما كان السابع نفخوا فى القرن وضجّ «1» الشغب ضجة واحدة فسقط سور المدينة ودخلوا فقاتلوا الجبارين فهزموهم وهجموا عليهم يقتلونهم وكانت العصابة من بنى إسرائيل يجتمعون على عنق رجل يضربونها لا يقطعونها فكان القتال يوم الجمعة فبقيت منه بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فقال اللهم اردد الشمس علىّ وقال للشمس انك فى طاعة الله وانا فى طاعته فسال الشمس ان تقف حتى ينتقم من اعداء الله قبل دخول السبت فردت عليه الشمس وزيد فى النهار ساعة حتى قتلهم أجمعين روى احمد فى مسنده مرفوعا ان الشمس لم تحبس على بشر الا ليوشع ليالى سار الى بيت المقدس قال البغوي وتتبع

_ (1) الضجع الضياح عند المكروه والمشقة والجزع والشغب بسكون الغين تهيج الشر والفتنة والخصام 12 نهاية

ملوك الشام فقتل منهم واحد او ثلثين ملكا حتى غلب على جميع ارض الشام وفرق العمال فى نواحيها وجمع الغنائم فلم تنزل النار فاوحى الله الى يوشع ان فيها غلولا فمرهم فليبايعوك فبايعوه فالتصق يد رجل منهم بيده فقال هلم ما عندك فاتاه برأس ثور من ذهب مكلل بالجواهر واليواقيت كان قد غله فجعله فى القربان وجعل الرجل معه فجاءت النار فاكلت الرجل والقربان ثم مات يوشع ودفن فى جبل افرائيم وكان عمره مائة وستا وعشرين سنة وتدبيره امر بنى إسرائيل بعد موسى ستا وعشرين سنة فَلا تَأْسَ اى لا تحزن عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ خاطب به موسى لما ندم على الدعاء عليهم وبين انهم احقّاء بذلك لفسقهم روى انهم لبثوا أربعين سنة فى ستة فراسخ وكانوا يسيرون كل يوم جادين فاذا امسوا كانوا فى الموضع الذي ارتحلوا عنه كذا اخرج ابن جرير وابو الشيخ فى العظمة عن وهب بن منبه بدون ستة فراسخ قال البغوي كانوا ستمائة الف مقاتل قيل ان موسى وهارون لم يكونا فيهم والأصح انهما كانا فيهم ولم يكن لهما عقوبة بل كان روحا لهما وزيادة لدرجتهما وانما كانت العقوبة لهؤلاء القوم وكان الغمام يظللهم من الشمس فى التيه قدر خمسة فراسخ او ستة كذا اخرج ابن جرير عن الربيع ابن انس وكان يطلع بالليل عمود من النور فيضئ لهم وكان طعامهم المن والسلوى ومائهم من الحجر الذي يحملونه حتى انقضت مدة التيه وأمروا بان يهبطوا مصرا ثم قاتل موسى الجبابرة وفتح أريحا وأمروا ان يدخلوا الباب سجّدا وقولوا حطّة (قصّة وفات هارون عليه الصلاة والسلام) قال السدى اوحى الله الى موسى انى متوفى هارون عليه السلام فآت به جبل كذا وكذا فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فاذا هما بشجرة لم ير مثلها وإذا بيت مبنى وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة فلما نظر هارون الى ذلك أعجبه قال يا موسى انى أحب ان أنام على هذا السرير قال فنم عليه فقال انى أخاف ان يأتي رب هذا البيت فيغضب على قال موسى لا ترهب انى أكفيك رب هذا البيت قال يا موسى فنم أنت معى فان جاء رب البيت غضب علىّ وعليك جميعا فلما ناما أخذ هارون عليه السلام الموت فلما وجد معه قال يا موسى خذ عينى فلما قبض رفع البيت وذهب تلك الشجرة ورفع السرير الى السماء فلما رجع موسى الى بنى اسراءيل وليس معه هارون قالوا ان موسى قتل هارون وحسده لحب بنى إسرائيل له فقال موسى ويحكم كان

أخي أفترونني اقتله فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى ونزل السرير حتى نظروا اليه بين السماء والأرض فصدقوه وعن على بن ابى طالب رضى الله عنه قال صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته فآذوه فامر الله تعالى الملئكة فحملته حتى مروا به على بنى إسرائيل فكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنوا إسرائيل انه قد مات فبراه الله مما قالوا ثم ان الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره الا الرخم فجعله الله أصم ابكم وقال عمرو بن ميمون مات هارون وموسى عليهما السّلام فى التيه مات هارون قبل موسى وكانا قد خرجا الى بعض الكهوف فمات هارون ودفنه موسى وانصرف الى بنى إسرائيل فقالوا قتلته لحبنا إياه وكان محبا فى بنى إسرائيل فتضرع موسى عليه السلام الى ربه عز وجل فاوحى الله اليه انطلق بهم الى قبره فنادى يا هارون فخرج من قبره ينفض راسه فقال انا قتلتك قال لا ولكنى مت قال فعد الى مضجعك وانصرفوا- (قصّة وفات موسى عليه السّلام) قال ابن إسحاق كان صفى الله موسى يكره الموت فاراد الله ان يحبب اليه الموت فنبأ يوشع بن نون فكان يغدو ويروح عليه فيقول له موسى يا نبى الله ما أحدث الله إليك فيقول له يوشع يا نبى الله الم أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت اسألك عن شىء ما أحدث إليك حتى تكون أنت الذي تبتدى به وتذكره ولا يذكر له شيئا فلما رأى موسى ذلك كره الحيوة وحبب الموت وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ملك الموت الى موسى فقال له أجب ربك قال فلطم موسى عليه السّلام عين ملك الموت ففقأها قال فرجع الملك الى الله سبحانه وتعالى فقال انك أرسلتني الى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عينى قال فرد الله اليه عينه وقال ارجع الى عبدى فقل له الحيوة تريد فان كنت تريد الحيوة فضع يدك على متن ثور فما وارت يدك من شعره فانك تعيش بها سنة قال ثم مه قال ثم تموت قال فالآن من قريب قال رب أدنني من الأرض المقدسة رمية الحجر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو انى عنده لاريتكم قبره الى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر متفق عليه وقال وهب خرج موسى لبعض حاجته فمر برهط من الملائكة يحفرون قبر الم ير شيئا احسن منه ولا مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة فقال لهم يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر قالوا لعبد كريم على ربه قال ان هذا العبد

[سورة المائدة (5) : آية 27]

من الله بمنزل ما رايت كاليوم مضجعا فقال الملائكة يا صفى الله أتحب ان يكون لك قال وددت قالوا فانزل واضطجع فيه وتوجه الى ربّك قال فاضطجع وتوجه الى ربه ثم تنفس أسهل تنفس فقبض الله تبارك وتعالى روحه ثم سوت عليه الملائكة وقيل ان ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها وقبض روحه وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة والله اعلم-. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ هابيل وقابيل بِالْحَقِّ صفة مصدر محذوف اى تلاوة متلبسة بالحق او حال من الضمير فى اتل او من نبأ اى متلبسا بالصدق موافقا لما فى كتب الأولين إِذْ قَرَّبا قُرْباناً ظرف لنبأ او حال منه او بدل على حذف مضاف اى اتل نبأهم نبا ذاك الوقت والقربان اسم ما يتقرب بها الى الله تعالى من ذبيحة او غيرها كما ان الحلوان اسم لما يحلى اى يعطى وهو فى الأصل مصدر ولذلك لم يثن وقيل تقديره إذ قرب كلو أحد منهما قربانا وكان سبب قربانهم على ما ذكر اهل العلم ان حواء كانت تلد لآدم عليه السلام فى بطن غلاما وجارية وكان جميع ما ولد أربعين ولدا فى عشرين بطنا أولهم قابيل وتوامته إقليما وثانيهم هابيل وتوامته لبودا وآخرهم ابو المغيث وتوامته أم المغيث قال ابن عباس لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين الفا قال محمد بن اسحق عن بعض اهل العلم بالكتاب الاوّل انه ولد قابيل وأخته فى الجنة فلم تجد حواء عليهما وجعا ولا وصبا ولا طلقا ولم تر معهما دما فلما هبطا الى الأرض حملت بهابيل وأخته فوجدت عليهما الوجع والوصب والطلق والدم وقال غيره غشى آدم حواء بعد مهبطهما الى الأرض بمائة سنة فولدت له قابيل وأخته فى بطن ثم هابيل وأخته فى بطن وكان بينهما سنتان فى قول الكلبي وكان آدم إذا شب أولاده يزوج غلام هذا البطن جارية بطن اخرى فكان الرجل منهم يتزوج اية أخواته شاء الا توامته فلما بلغ قابيل وهابيل النكاح اوحى الله تعالى الى آدم ان يزوج كلواحد منهما توامة الاخر فرضى هابيل وسخط قابيل لان توامته كانت أجمل وقال انا أحق بها ونحن من ولادة الجنة وهما من ولادة الأرض فقال له أبوه انها لا تحل لك فابى ان يقبل ذلك وقال ان الله لم يأمره بهذا وانما هو برأيه فقال آدم فقربا قربانا فمن يقبل قربانه فهو احقّ بها وكانت القربان إذا قبلت نزلت نار من السماء بيضاء فاكلته وإذا لم تقبل لم تنزل النار وأكله الطير والسباع فخرجا ليقربا وكان قابيل صاحب زرع فقرب صبرة من طعام من أردى زرعه وأضمر

فى نفسه لا أبالي أيقبل قربانى أم لم يقبل لا يتزوج أختي ابدا وكان هابيل صاحب غنم فعمد الى احسن كبش من غنمه فقرب به وأضمر رضوان الله تعالى فوضعا قربانهما على الجبل ثم دعا آدم عليه السّلام فنزلت نار من السماء فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما يعنى هابيل أكلت النار قربانه وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ يعنى من قابيل قربانه فغضب قابيل لرد قربانه وكان يضمر الحسد فى نفسه الى ان اتى آدم مكة لزيارة البيت فلما غاب آدم اتى قابيل هابيل قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ هابيل لم قال لان الله تعالى قبل قربانك ورد قربانى وتنكح أختي الحسناء وانكح أختك الذميمة فيتحدث الناس انك خير منى ويفتخر ولدك على ولدي فقال هابيل وما ذنبى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ القربان مِنَ الْمُتَّقِينَ وفيه اشارة الى ان الحاسد ينبغى ان يرى حرمانه من تقصيره ويجتهد فى تحصيل ما به صار المحسود محظوظا لا فى ازالة حظه فان ذلك مما يضره ولا ينفعه وان الطاعة انما يتقبل من مومن متق عن الرذائل والمناهي عند اخلاص النية اخرج ابن ابى شيبة عن الضحاك فى قوله تعالى انما يتقبل الله من المتقين قال الذين يتقون الشرك قلت لعل المراد بقوله تعالى انما يتقبل الله من المتقين ان القربان لا يتقبل الا ممن كان محقا من الخصمين لا من المبطل والله اعلم وسئل موسى بن أعين عن قوله تعالى انما يتقبل الله من المتّقين قال تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة الحرام واخرج ابن ابى الدنيا عن على بن ابى طالب قال لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبّل واخرج ابن ابى الدنيا عن عمر بن عبد العزيز انه كتب الى رجل أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها ولا يرحم الا أهلها ولا يثاب الا عليها فان الواعظون بها كثير والعاملون بها قليل واخرج ابن ابى حاتم عن ابى الدرداء قال لان استقر انّ الله قد تقبل منى صلوة واحدة أحب الى من الدنيا وما فيها ان الله يقول انما يتقبل الله من المتقين واخرج ابن عساكر عن هشام بن يحيى عن أبيه قال دخل سائل الى ابن عمر فقال لابنه أعطه درهما فاعطاه فلما انصرف قال ابنه تقبل منك يا أبتاه قال لو علمت ان الله يقبل سجدة واحدة او صدقة درهم لم يكن غائب أحب الى من الموت تدرى ممن يتقبل الله انما يتقبل الله من المتقين واخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال لان أكون اعلم ان الله يتقبل منى عملا أحب الى من ان أكون لى ملأ الأرض ذهبا وعن عامر بن عبد الله انه بكى حين حضره الوفاة

[سورة المائدة (5) : آية 28]

فقيل له وما يبكيك وقد كنت وكنت يعنى كنت كثير العبادة قال انى اسمع الله يقول انما يتقبل الله من المتقين وقال هابيل فى جوابه. لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ قرأ نافع وابو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بالإسكان إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بالإسكان أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ قال عبد الله بن عمرو وايم الله ان كان المقتول لاشد الرجلين ولكن منعه التحرج ان يبسط يده الى أخيه يعنى استلم له خوفا من الله تعالى اما لان الدفع لم يبح بعد قال مجاهد كتب عليهم فى ذلك الوقت إذا أراد الرجل قتل رجل ان لا يمتنع ويصبر واما تحريا لما هو الأفضل قال عليه السّلام كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل أخرجه ابن سعد فى الطبقات من حديث عبد الله وهذا جائز فى شريعتنا ان ينقاد ويستسلم كما فعل عثمان رضى الله عنه اخرج ابن سعد عن ابى هريرة قال دخلت على عثمان يوم الدار فقلت جئت لانصرك فقال يا أبا هريرة أيسرك ان تقتل الناس جميعا وإياي معهم قلت لا قال فان قتلت رجلا واحدا فكانما قتلت الناس جميعا واخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابني آدم ضربا مثلا لهذه الامة فخذوا بالخير منهما واخرج عبد بن حميد عنه بلفظ فتشبهوا بخيرهما ولا تشبهوا بشرهما وانما قال ما انا بباسط فى جواب لئن بسطت للتبرى عن هذا الفعل الشنيع راسا والتحرز من ان يوصف به ويطلق عليه ولذا أكد النفي بالباء. إِنِّي فتح الياء نافع واسكن غيره أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ الى ربك بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ كلاهما فى موضع الحال من فاعل تبوء اى ترجع متلبسا بالاثمين حاملا لهما يعنى إذا قتلتنى ترجع حاملا اثم خطاياى التي عملتها واثم خطاياك التي عملتها من قتلى وغير ذلك كذا روى ابن نجيح عن مجاهد فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ فان المظلوم يعطى من حسنات الظالم يوم القيمة جزاء لظلمه وان لم يكن للظالم حسنات او كانت ولكن فنيت قبل أداء جميع حقوق الناس يطرح على الظالم اثم خطايا المظلوم ويلقى فى النار عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان المفلس من أمتي من يأتى يوم القيامة بصلوة وصيام وزكوة ويأتى قد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته

[سورة المائدة (5) : آية 30]

وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النّار رواه مسلم فان قيل لا يجوز لمسلم ارادة معصية أخيه وشقاوته فكيف أراد هابيل هكذا قلنا ليس الكلام على حقيقته ولم يكن مراد هابيل ان يقتله اخوه البتة ويكون اخوه قاتلا عاصيا بل انه لما علم انه يكون قاتلا او مقتولا لا محالة أراد نفى كونه قاتلا عن نفسه لا كون أخيه قاتلا فالمراد بالذات ان لا يكون عليه اثم. فَطَوَّعَتْ اى أسمعت وانقادت لَهُ نَفْسُهُ وله لزيادة الربط كقولك حفظت لزيد ماله قَتْلَ أَخِيهِ كانه دعا نفسه اليه فطاوعته واطاعته قال فى الصحاح طوعت ابلغ من اطاعت فلما قصد قابيل قتله لم يدر كيف يقتله قال ابن جريح فتمثل له إبليس فاخذ طيرا فوضع راسه على حجر ثم شدخ راسه بحجر اخر وقابيل ينظر اليه فعلمه القتل فرضخ قابيل راس هابيل بين حجرين قيل وهو مستسلم وقيل اغتاله فى النوم فشدخ راسه فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ فى الدنيا حيث بقي مدة عمره مطرودا محزونا وفى الاخرة حيث بدل جنته بالنار وكان هابيل يوم قتل ابن عشرين سنة قال ابن عباس قتله على جبل نود وقيل عند عقبة حراء فلما قتله تركه بالعراء ولم يدر ما يصنع به لانه كان أول ميت على وجه الأرض من بنى آدم وقصده السباع فجعله فى جراب على ظهره أربعين يوما وقال ابن عبّاس سنة حتى تعير وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمى به فتاكله فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمنقاره وبرجله حتى مكن له ثم ألقاه فى الحفرة وواراه وقابيل ينظر اليه وذلك قوله تعالى. فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ الضمير المرفوع راجع الى الله سبحانه او الى الغراب كَيْفَ حال من الضمير فى يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قدم عليه لاقتضائه صدر الكلام والجملة ثانى مفعولى ليريه والروية هاهنا بمعنى العلم دون الابصار إذ الابصار لم يتحقق بمواراة سوأة أخيه بل بمواراة الغراب ولا بد هاهنا من مفعول ثالث لتعديته بهمزة الافعال فتقول جملة كيف يوارى قائم مقام المفعولين كما فى قولك علمت ان زيدا قائم ومعنى الكلام ليريه توارى سوأة أخيه متكيفا بتلك الكيفية والمراد بسوأة أخيه جسده الميت فانه مما يستقبح ان يرى وقيل المراد به عورته وما لا يجوز ان ينكشف من جسده ولم يلهم الله سبحانه قابيل ما الهم الغراب ازدراء به وتنبيها على انك أهون على الله

من الغراب وابعد منزلة منه حتى جعلك تلميذا له يدل عليه قوله قالَ يا وَيْلَتى كلمة جزع وتحسر والالف منه بدل من ياء المتكلم والمعنى يا ويلتى احضرى هذا أوانك ونجنى من الم العجز والويل الهلاك وهو منادى مستغاث او كلمة ندبة مثل يا حسرتا أَعَجَزْتُ والاستفهام للتعجب أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ عطف على ان أكون وليس جواب الاستفهام إذ ليس المعنى لو عجزت لو اريت سَوْأَةَ أَخِي يعنى لست انا اهتدى الى ما اهتدى اليه الغراب فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ على حمله على عاتقه سنة وقيل ندم على فراق أخيه وقيل ندم على القتل لانه أسخط والديه وما انتفع بقتله شيئا ولم يكن ندم على القتل من حيث ركوب الذنب قال المطلب بن عبد الله بن حنطب لما قتل ابن آدم أخاه رجفت الأرض بما عليها ثم شربت الأرض دمه كما يشرب الماء فناداه الله اين أخوك هابيل قال ما أدرى ما كنت عليه رقيبا فقال ان دم أخيك لينادينى من الأرض فلم قتلت أخاك قال فاين دمه ان كنت قتلته فحرم الله عز وجل على الأرض يومئذ ان يشرب دما بعده ابدا وروى انه لما قتله اسود جسده فسأله آدم عن أخيه فقال ما كنت عليه وكيلا فقال بل قتلته ولذلك اسود جسدك وتبرأ عنه ومكث بعد ذلك مائة سنة لا يضحك وقال مقاتل ابن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس لما قتل قابيل هابيل وآدم بمكة اشتاك الشجر وتغيرت الاطعمة وحمضت الفواكه وامرّ الماء واغبرت الأرض فقال آدم قد حدث فى الأرض حدث فاتى الهند فاذا قابيل قتل هابيل فانشا يقول وهو أول من قال شعرا تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح تغير كل ذى طعم ولون ... وقل بشاشة الوجه المليح وروى عن ميمون بن مهران عن ابن عبّاس قال من قال ان آدم قال شعرا فقد كذب على الله ورسوله فان محمدا والأنبياء كلهم فى الشعر سواء لكنه لما قتل هابيل رثاه آدم وهو سريانى فلما قال آدم مرثية قال لشيث يا بنى انك وصيي احفظ هذا الكلام ليتوارث فيرق الناس عليه فلم يزل ينقل حتى وصل الى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أول من خط بالعربية وكان يقول الشعر فرد المقدم

[سورة المائدة (5) : آية 32]

الى المؤخر والمؤخر الى المقدم وجعله موزونا وزيد فيه أبيات منها ومالى لا أجود بسكب دمع ... وهابيل تضمنه الضريح ارى طول الحياة علىّ غما ... فهل انا من حياتى مستريح فلما مضى من عمر آدم مائة وثلثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حواء شيثا واسمه هبة الله يعنى انه خلف من هابيل علمه الله ساعات الليل والنهار وعلمه عبادة الحق فى كل ساعة منها وانزل عليه خمسين صحيفة فصار وصى آدم وولى عهده فاما قابيل فقيل له اذهب طريدا شريدا فزعا مرعوبا لا تأمن من تراه فاخذ بيد أخته إقليما وهرب بها الى عدن من ارض اليمن فاتاه إبليس فقال له انما أكلت النّار قربان هابيل لانه كان يعبد النار فانصب أنت ايضا نارا تكون لك ولعقبك فبنى بيتا للنار فهو اوّل من عبد النار واتخذ أولاد قابيل آلات اللهو من اليراع والطبول والمزامير والعيدان والطنابير وانهمكوا فى اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزنا والفواحش حتى غرقهم الله بالطوفان ايام نوح وبقي نسل شيث عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل نفس ظلما الا كان على ابن آدم الاوّل كفل من دمها لانه اوّل من سن القتل رواه البخاري وغيره وروى البيهقي فى شعب الايمان عن ابن عمر وابن آدم القاتل يقاسم اهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم واخرج ابن عساكر عن ابى هريرة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال من هجر أخاه سنة لقى الله بخطية قابيل لا يفكه شىء دون ولوج النار. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ قرأ ابو جعفر من أجل بكسر النون موصولا وإلقاء الهمزة والعامة بسكون النون وفتح الهمزة مقطوعا اى بسبب وقوع ذلك الجناية العظيمة من ابن آدم وسد باب القتل وأجل فى الأصل مصدر أجل شرا بأجل إذا اجناه اى جره اليه فى القاموس أجل للشر عليهم ياجله جناه إذا ثاره وهيجه ثم استعمل فى تعليل الجنايات ثم اتسع فيه فاستعمل فى كل تعليل ومن ابتدائية متعلقة بقوله كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ اى ابتداء الكتب وانشأه من أجل ذلك أَنَّهُ الضمير للشان مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ اى بغير قتل نفس يوجب القصاص أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ وهو يشتمل فساد اهل الحرب واهل البغي وقطاع الطريق وزنا يعنى بغير هذه الأشياء الموجبة للقتل فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ «1» جَمِيعاً قال البغوي اختلفوا فى تأويلها

_ (1) اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله تعالى فكانما قتل الناس جميعا قال هذه مثل التي فى سورة النساء ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعدله عذابا عظيما يقول لو قتل الناس لم يزد على مثل ذلك 12 منه

فقال ابن عباس فى رواية عن عكرمة من قتل نبيا او امام عدل فكانما قتل الناس جميعا ومن شد على عضد نبىّ او امام عدل فكانما أحيا الناس جميعا وقال مجاهد من قتل نفسا محرمة يصل النار بقتلها كما يصل لو قتل الناس جميعا ومن أحياها يعنى من سلم من قتلها فقد سلم من قتل الناس جميعا وقال قتادة عظم الله أجرها وعظم وزرها معناه من استحل قتل مسلم بغير حقه فكانما قتل الناس جميعا فى الإثم لانهم لا يسلمون منه وَمَنْ أَحْياها اى تورع عن قتلها او استنقذها من بعض اسباب الهلاك كالقتل بغير حق او غرق او حرق او هدم او نحو ذلك فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً فى الثواب لسلامتهم منه وقال الحسن فكانما قتل الناس جميعا يعنى انه يجب عليه القصاص بقتلها مثل الذي يجب عليه لو قتل النّاس جميعا ومن أحياها اى عفا عمن وجب عليه القصاص له فلم يقتله فكانما احيى الناس جميعا والمقصود من هذه الاية تعظيم قتل النفس وإحياءها فى القلوب ترهيبا عن التعرض لها وترغيبا فى المحاماة عليها عن البراء بن عازب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق رواه ابن ماجة بسند حسن والبيهقي وزاد ولو ان اهل سموته واهل ارضه اشتركوا فى دم مؤمن لادخلهم النار وفى رواية له من سفك دم بغير حق ولمسلم من حديث عبد الله بن عمر مثل الاول والنسائي من حديث بريدة قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ولابن ماجة من حديث عبد الله بن عمر ورايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول ما اطيبك وما أطيب ريحك وما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفسى بيده لحرمة المؤمن أعظم من حرمتك وماله ودمه قال سليمان بن على قلت للحسن فى هذه الآية يا أبا سعيد أهي لنا كما كانت لبنى إسرائيل قال اى والذي لا اله غيره ما كان دماء بنى إسرائيل أكرم على الله من دمائنا وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ يعنى بنى إسرائيل رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الواضحات ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ اى بعد ما كتبنا عليهم هذا التشديد العظيم من أجل أمثال تلك الجناية وأرسلنا إليهم الرسل بالآيات الواضحات تأكيدا للامر وتجديدا للعهد كى يتحاموا عنها كثير منهم فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ

[سورة المائدة (5) : آية 33]

بالقتل لا يبالون به والإسراف التباعد عن حد الاعتدال فى الأمر. إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ «1» اى يحاربون عباد الله ويحاربون رسوله فانه صلى الله عليه وسلم هو الحافظ للطرق والخلفاء والملوك بعده نوابه او المعنى يحاربون الله ورسوله انهم يخالفون أمرها ويهتكون حرمة دماء واموال ثبت باثباتهما قال البيضاوي اصل الحرب السلب وفى القاموس الحرب معروف والسلب وهذا يدل على كونه مشتركا وكلام البيضاوي يدل على كونه منقولا وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً اى مفسدين او للفساد وجاز ان يكون منصوبا على المصدرية لان سعيهم كان فسادا وقيل يفسدون فى الأرض فسادا واختلفوا فى نزول هذه الاية اخرج ابن جرير عن يزيد بن ابى حبيب ان عبد الملك بن مردان كتب الى انس يسأله عن هذه الاية فكتب اليه انس ان هذه الاية نزلت فى العرنيين ارتدّوا عن الإسلام وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل الحديث ثم اخرج عن جرير مثله واخرج عبد الرزاق نحوه عن ابى هريرة وكذا ذكر البغوي قول سعيد بن جبير روى البخاري وغيره عن انس قال لما قدم على النبىّ صلى الله عليه وسلم نفر عن عكل فاسلموا فاجتوت «2» المدينة فامرهم النبي صلى الله عليه وسلم ان يأتوا ابل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا

_ (1) اخرج الخرابطى فى مكارم الأخلاق عن ابن عباس ان قوما من عرينة جاؤا الى النبي صلى الله عليه وسلم فاسلموا وكان قد شلت أعضائهم واصفرت وجوههم وعظمت بطونهم فامر بهم النبىّ صلى الله عليه وسلم الى ابل الصدقة يشربون من ألبانها وأبوالها فشربوا حتى صحوا وسمنوا فعمدوا الى راعى النبي صلى الله عليه وسلم فقتلوا واستاقوا الإبل وارتدوا عن الإسلام وجاء جبرئيل فقال يا محمد ابعث فى اثارهم فبعث ثم قال ادع بهذا الدعاء اللهم ان السماء سماءك والأرض أرضك والمشرق مشرقك والمغرب مغربك اللهم ضيق عليهم الأرض برحبها حتى تجعلها عليهم أضيق من سك جمل حتى تقدرنى عليهم فجاؤا بهم فانزل الله تعالى انما جزاؤ الذين الاية فامر جبرئيل من أخذ المال وقتل يصلب ومن قتل ولم يأخذ يقتل ومن أخذ المال ولم يقتل يقطع يده ورجله من خلاف قال ابن عباس هذا الدعاء لكل ابق ولكل من ضلت له ضالة من انسان او غيره يدعو بهذا الدعاء ويكتب فى شىء ويدفن فى مكان نظيف الا قدره الله عليه 12 (2) اى أصابهم الجوى وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول وذلك إذا لم يوافقهم هواء المدينة 12 نهايه

فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فى اثارهم فاتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ثم أمرهم بمسامير فكحلهم بها وطرحهم بالحرة يستسقون فما يسقون حتى ماتوا قال ابو قلابة قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله وسعوا فى الأرض فسادا واختلفوا فيما فعل بالعرنيين فقال بعضهم منسوخ بهذه الاية لان المثلة لا يجوز وقال بعضهم حكم ثابت الا السمل والمثلة وهذا القول لا يتصور الا إذا كان الامام مخيرا بين الاحكام الاربعة المذكورة فى هذه الاية وروى قتادة عن ابن سيرين ان ذلك كان قبل ان ينزل الحدود وقال ابو الزناد لما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بهم انزل الله الحدود ونهاه عن المثلة فلم يعدو عن قتادة قال بلغنا ان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة وقال سليمان التيمي عن انس انما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لانهم سملوا أعين الرعاة وقال الليث بن سعد نزلت هذه الاية معاتبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليما منه إياه عقوبتهم وقال انما جزاؤهم هذه لا المثلة وقال الضحاك نزلت هذه الاية فى قوم من اهل الكتاب كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا فى الأرض وقال الكلبي نزلت فى قوم هلال بن عويمر وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم وادع هلال بن عويمر وهو ابو برزة الأسلمي على ان لا يعينه ولا يعين عليه ومن مر بهلال بن عويمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهوا من لا يهاج فمر قوم من بنى كنانة يريدون الإسلام بناس من اسلم من قوم هلال ابن عويمر ولم يكن هلال شاهدا فنهدوا إليهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزل جبرئيل عليه السلام بالقضية فيهم والله اعلم- (فائدة) اجمعوا على ان المراد بالمحاربين المفسدين فى هذه الاية قطاع الطريق سواء كانوا مسلمين او من اهل الذمة واتفقوا على ان من برزو شهر السلاح مخيفا مغيرا خارج المصر بحيث لا يدركه الغوث فهو محارب قاطع للطريق جارية عليه احكام هذه الاية واختلفوا فيمن قطع الطريق ليلا او نهارا فى المصر او بين الكوفة والحيرة مثلا فقال مالك رح والشافعي رح واحمد رح هو قاطع محارب وقال ابو حنيفة رح لا يثبت هذا الحكم الا فيمن يكون خارج المصر بعيدا منه بحيث لا يلحقه الغوث كذا ذكر صاحب رحمة الامة وقال البغوي المكابرون فى الأمصار داخلون فى حكم هذه الاية وهو قول مالك والأوزاعي والليث

ابن سعد والشافعي رح وقال ابن همام هذا مذهب الشافعي رح فان فى وجيزهم من أخذ فى البلد مالا مغالبة فهو قاطع طريق وعلى ظاهر الرواية من مذهب ابى حنيفة رح يشترط ان يكون بين مكان القطع وبين المصر مسيرة سفر وعن ابى يوسف رح انه إذا كان خارج المصر ولم يقرب منه يجب الحد لانه لا يلحقه الغوث لانه محارب بل مجاهرته هاهنا اغلظ من مجاهرته فى المفازة ولا تفصيل فى النصّ فى مكان القطع وعن مالك كل من أخذ المال على وجه لا يمكن لصاحبه الاستعانة فهو محارب وعنه لا محاربة الا على قدر ثلثة أميال من العمران وتوقف احمد مرة وعند اكثر أصحابه ان يكون بموضع لا يلحقه الغوث وعن ابى يوسف رح فى رواية اخرى ان قصد بالسلاح نهارا فى المصر فهو قاطع وان قصد بخشب ونحوه فليس بقاطع وفى الليل يكون قاطعا بالخشب والحجر لان السلاح لا يلبث فيتحقق القطع قبل الغوث والغوث يبطى بالليل فيتحقق القطع فيها بلا سلاح وفى شرح الطحاوي الفتوى على قول ابى يوسف رح يعنى هذا قال فى الهداية قول ابى حنيفة رح استحسان والقياس قول الشافعي رح لوجود قطع الطريق حقيقة ووجه الاستحسان ان قطع الطريق بقطع المادة ولا يتحقق ذلك فى المصر ويقرب منه لان الظاهر لحوق الغوث انتهى كلامه وقال ابن همام وأنت تعلم ان الحد المذكور فى الاية لم ينط بمسمى قطع الطريق وانما هو اسم من الناس وانما ينط بمحاربة عباد الله على ما ذكرنا من تقدير المضاف وذلك يتحقق فى خارجه ثم هذا الدليل المذكور لا يفيد تعيين مسيرة ثلثة ايّام بين المصر وبين القاطع قلت وحديث العرنيين يابى عن اشتراط هذه المسافة بين المصر ومكان القطع والله اعلم- (مسئلة:) ويشترط كونهم ذا منعة جماعة تمنعين او واحد يقدر على الامتناع لا مختلسون يتعرضون لاخر القافلة يعتمدون المهرب والذين يغلبون شرذمة بقوتهم فهم قطاع فى حقهم وان لم يكونوا قطاعا فى حق قافلة عظيمة وهذا الشرط يستفاد من الاية فان المحاربة والفساد فى الأرض لا يتحقق بدون المنعة والقدرة على الامتناع أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ يعنى أيديهم الايمان وأرجلهم الإيسار بإجماع الامة أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذهب قوم الى ان الامام بالخيار فى امر المحاربين بين القتل والصلب والقطع والنفي كما هو المستفاد

من ظاهر الاية بكلمة او فانها للتخيير ولا يحتاج حينئذ الى تقدير تقييد وهو قول سعيد ابن المسيب وعطاء وداود والحسن والضحاك والنخعي ومجاهد وابو ثور وقال مالك انه يفعل فيهم الامام على ما يراه ويجتهد فمن كان منهم ذا راى وقوة قتله فان راى زيادة سياسة صلب ومن كان ذا قوة وجلدة بلا رأى قطعه من خلاف ومن كان لا راى له ولا قوة نفاه والمراد بالنفي عنده ان يخرج من البلد الذي كان فيه الى غيره ويحبس فيه كما سنذكر قول محمد بن جبير ويشترط عند مالك فى المال المأخوذ ان يكون جملتها نصابا ولا يشترط عنده ان يكون نصيب كلواحد من المحاربين نصابا وقال ابو حنيفة رح والشافعي رح واحمد رح والأوزاعي وقتادة كلمة او للتوزيع على احوال القاطع ان قصدوا قطع الطريق وأخافوا فاخذوا قبل ان يأخذوا مالا او يقتلوا نفسا ينفوا من الأرض والمراد بالنفي عند ابى حنيفة رح ان يحبس حتى يظهر منه التوبة لانه نفى عن وجه الأرض بدفع شرهم عن أهلها قال مكحول ان عمر بن الخطاب أول من حبس فى السجون وقال احبسه حتى اعلم منه التوبة ولا انفيه الى بلد فيوذيهم وقال محمد بن جبير ينفى من بلده الى غيره ويحبس فى السجن فى البلد الذي نفى اليه حتى يظهر توبته وعلى هذا القول يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وقال اكثر العلماء هو ان يطلبه الامام ففى كل بلد يوجد ينفى عنه ولا يتمكنون من القرار فى موضع وان أخذوا مال مسلم او ذمى ولم يقتلوا والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحد نصاب السرقة وهو عشرة دراهم عند ابى حنيفة رح وربع دينار عند الشافعي رح واحمد رح او ثلثة دراهم كما سنذكره إن شاء الله تعالى اقطع الامام أيديهم وأرجلهم من خلاف وان قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم الامام حدا ولا يلتفت الى عفو الأولياء وان باشر القتل او الاخذ أحدهم اجرى الحد على جميعهم عند ابى حنيفة رح ومالك واحمد رح لانه جزاء المحاربة وهى يستحقق بان يكون البعض ردا للبعض حتى لو زالت أقدامهم انحازوا إليهم وانما الشرط القتل من واحد منهم والتشديد فى قوله تعالى ان يقتّلوا او يصلّبوا او تقطع يفيدان يجرى الحد بمباشرة بعضهم على كلهم واحدا بعد واحد فان التفعيل للتكثير وايضا يفيد المبالغة فلا يجوز عفوه وقال الشافعي رح لا يجب على الرد أغير التعزير بالحبس والتغريب وغير ذلك وان قتلوا وأخذوا المال فعند ابى حنيفة رح وابى يوسف الامام بالخيار ان شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم وان شاء قتلهم و

ان شاء صلبهم وعنه الشافعي رح واحمد رح قتلوا وصلبوا ولا قطع فيه وهو الظاهر من الاية وقال محمد يقتل او يصلب ولا يقطع لانه جناية واحدة فلا توجب حدين ولان ما دون النفس يدخل فى النفس فى باب الحد كحد السرقة والرجم وجه قول ابى حنيفة رح ان هذه عقوبة واحدة تغلظت لتغلظ سببها وهو تفويت الا من على التناهى بالقتل وأخذ المال ولهذا كان قطع اليد والرجل فى السرقة الكبرى حدا واحدا وان كان فى الصغرى حدين والتداخل انما يكون فى حدين لا فى حد واحد وعن ابى يوسف رح انه يقتل ويصلب البتة ولا يترك الصلب لانه منصوص عليه والمقصود به التشهير ليعتبر به غيره وقال ابو حنيفة رح اصل التشهير بالقتل والمبالغة فى الصلب فيخير فيه وصفة الصلب عند الشافعي رح انه يقتل ثم يصلب وقيل عنده يصلب حيا ثم يطعن برمح حتى يموت وكلا الروايتين عن ابى حنيفة رح الاولى مختار الطحاوي رح توقيا عن المثلة والثانية مروى عن الكرخي رح وهو الأصح لدخول كلمة او بين القتل والصلب ولا يصلب فوق ثلثة ايّام عند ابى حنيفة رح لانه يتغير بعدها فيتاذى به الناس وعن ابى يوسف رح انه يترك على خشبة حتى ينقطع فيسقط ليعتبر به غيره قلنا يحصل الاعتبار بالصلب والنهاية غير مطلوبة وهذا التفسير الذي اختاره الجمهور رواه الشافعي رح عن ابن عباس قال فى قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض ورواه البيهقي من طريق محمد بن سعد العوفى عن ابائه الى ابن عبّاس فى هذه الاية قال إذا حارب وقتل فعليه القتل إذا ظهر عليه قبل توبته وإذا حارب وأخذ المال وقتل فعليه الصلب وان لم يقتل فعليه قطع اليد والرجل من خلاف وان حارب وأخاف السبيل فعليه النفي وروى محمد عن ابى يوسف رح عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بردة هلال بن عويمر الأسلمي فجاء أناس يريدون الإسلام فقطع عليهم اصحاب ابى بردة الطريق فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحدان من قتل وأخذ المال صلب ومن قتل ولم يأخذ قتل ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ومن جاء مسلما هدم الإسلام ما كان منه فى الشرك وفى رواية عطية عن ابن عباس

ومن أخاف الطريق ولم يقتل ولم يأخذ المال نفى رواه احمد بن حنبل فى تفسيره عن ابى معاوية عن عطية وايضا القول بالتوزيع موافق لقواعد الشرع دون التخيير لان هذه الجناية يتفاوت خفة وغلظا والقول بالتخيير يقتضى جوازان يترتب على اغلظ الجنايات أخف الاجزية وبالعكس والقتل بالقتل والقطع بالأخذ والجمع بين الصلب والقتل بالجمع امر معقول وانما أجاز ابو حنيفة رح الاكتفاء بالقتل وترك الصلب بحديث العرينين حيث لم يصلبهم النبي صلى الله عليه وسلم. (مسئلة:) وان لم يقتل القاطع ولم يأخذ مالا وقد جرح اقتص منه مما فيه القصاص وأخذ الأرش مما فيه الأرش وذلك الى المجنى عليه فيجوز عفوه قال فى الهداية لانه لا حد فى هذه الجناية فظهر حق العبد وهو ما ذكرناه ويرد عليه ان حد هذه الجناية النفي بسبب الاخافة فقوله لاحد فى هذه الجناية ممنوع. (مسئلة:) وان أخذ ما لا ثم جرح قطعت يده ورجله وبطلت الجراحات لانه لما وجب الحد حقا لله تعالى سقطت عصمة النفس حقا للعبد كما يسقط عصمة المال عند ابى حنيفة رح وقال الشافعي رح لا يسقط حق العبد بالحد فيستوفى الجراحات مع الحد وعلى هذا الخلاف إذا قتل القاطع حدا او قطعت يده ورجله لا ضمان عليه فى مال أخذ وهلك عنده او استهلك عند ابى حنيفة رح وعند الشافعي رح واحمد رح عليه الضمان وان كان المال موجودا يرد على المالك اجماعا وسنذكر هذا الخلاف فى حد السرقة ان شاء الله تعالى. (مسئلة:) ان كان فى قطاع الطريق امرأة فوافقتهم فقتلت وأخذت قال مالك رح والشافعي رح واحمد رح تقتل حدا وقال ابو حنيفة رح تقتل قصاصا وتضمن المال. (مسئلة:) وان كان من قطاع الطريق صبى او مجنون يحد الباقون عند الائمة الثلاثة وقال ابو حنيفة وزفر يسقط الحد عن الباقين وعن ابى يوسف رح لو باشر العقلاء يحد الباقون وكذا الخلاف لو كان من قطاع الطريق ذو رحم محرم من بعض اهل القافلة لابى حنيفة رح انه جناية واحدة قامت بالكل فاورثت شبهة فى الباقين وعند الجمهور لا عبرة بهذه الشبهة إذ حينه عن ينسد باب الحد. (مسئلة:) إذا قطع بعض القافلة على البعض لا يجب الحد لان القافلة حرز واحد

[سورة المائدة (5) : آية 34]

فصار كسارق سرق متاع غيره وهو معه فى دار واحدة وإذا لم يجب الحد وجب القصاص والضمان ذلِكَ الذي ذكر لَهُمْ من الحد خِزْيٌ ذل وفضيحة فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ لعظم ذنبهم. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ قال البغوي من ذهب ان الاية نزلت فى الكفار قال معناه الا الذين تابوا من الشرك واسلموا قبل القدرة عليهم فلا سبيل عليهم بشئ من الحدود ولا تبعة عليهم فيما أصابوا فى حال الكفر من دم او مال قلت وكذا ان تاب الكافر الحربي عن الشرك بعد القدرة ويثبت هذا الحكم من غير هذه الاية واما قطاع الطريق من المسلمين واهل الذمة فمن تاب منهم من قطع الطريق قبل القدرة عليه اى قبل ان يظفر به الامام فبمقتضى هذا الاستثناء يسقط عنه الحد المذكور حقا لله تعالى اجماعا كما يدل عليه قوله تعالى فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ واما حقوق العباد فقال بعضهم يسقط ولا يكون لاحد عليه تبعة فى دم او مال الا ان يوجد معه مال بعينه فيرده الى صاحبه وهو المروي عن على فى حارثة بن بدر كان خرج محاربا فسفك الدماء وأخذ الأموال ثم جاء تائبا قبل ان يقدر عليه فلم يجعل عليه على عليه السّلام تبعة كذا روى ابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن ابى الدنيا وابن جرير وابن ابى حاتم عن الشعبي عن على واخرج ابن ابى شيبة وعبد بن حميد عن اشعث عن رجل عن ابى موسى الأشعري نحوه وعند الجمهور لا يسقط عنه حقوق العباد فان كان قد قتل وأخذ المال وتاب قبل ان يظفر به يستوفى الولي القصاص او يعفو ويجب ضمان المال إذا هلك فى يده او استهلكه قال ابو حنيفة سقوط القصاص والضمان انما كان مبنيا على وجوب الحد وكونه خالص حق الله تعالى فاذا ظهر بالاستثناء ان الحد لم يجب ظهر حق العبد فى النفس والمال ويجب القصاص فى النفس والأطراف والضمان فى الأموال تغير هذه الاية والله اعلم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ اى التقرب رواه الحاكم عن حذيفة وكذا روى الفرياني وعبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس قلت يعنى تقربا ذاتيا بلا كيف فى القاموس الوسيلة المنزلة عند الملك والدرجة والقربة والواسل الراغب وفى الصحاح الوسيلة التوصل الى شىء برغبة وهى أخص من الوصيلة لتضمنها

[سورة المائدة (5) : آية 36]

معنى الرغبة وفى الحديث الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فسلوا الله ان يوتينى الوسيلة رواه احمد بسند صحيح عن ابى سعيد الخدري مرفوعا وروى مسلم عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علىّ فانه من صلى علىّ صلوة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لى الوسيلة فانها منزلة فى الجنة لا ينبغى الا لعبد من عباد الله وأرجو ان أكون انا هو فمن سال لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة فان قيل هذه الأحاديث تدل على ان الوسيلة درجة ليست فوقها درجة ولا جرم انها مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه النصوص والإجماع وقوله تعالى وابتغوا اليه الوسيلة امر بطلبه ويظهر بذلك جواز حصوله لغيره فما الوجه لتخصيصه قلت المرتبة المختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن حصولها لاحد من الناس بالاصالة ولكن جاز حصولها لكمل افراد أمته بالتبعية والوراثة ومن طلب زيادة شرح هذا المقام فليرجع الى مكاتيب سيدى وامامى القيوم الرباني المجدد للالف الثاني ومن هاهنا يتلاشى كثير من اعتراضات المعاندين المتعصبين الغافلين عن حقيقة الأمر عن كلامه ويمكن ان يقال الوسيلة تعم درجات قربه تعالى وما طلبه النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه هو أعلى افرادها والله اعلم- (فائدة) وكون الرغبة والمحبة داخلة فى مفهوم الوسيلة كما ذكره الجوهري فى الصحاح يفيدك ان الترقي الى هنالك منوط بالمحبة لا بشئ اخر ويؤيده ما قال المجدد رض ان السير يعنى النظري فى مرتبة اللاتعين التي هى أعلى مراتب القرب التي ليس فوقها درجة وهى المكنى عنها بقوله صلى الله عليه وسلم لى مع الله وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل منوط بالمحبة لا غير والله اعلم والمحبة ثمرة اتباع السنة قال الله تعالى فاتبعونى يحببكم الله فكمال متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا يفيد حصول تلك المرتبة لمن يشاء الله تعالى تبعا ووراثة وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ مع اعداء الله سبحانه عن النفس والشياطين والكفار لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وتفوزون الى ما هو مقصودكم من الخلوص لعبودية الله تعالى وكمال التقوى وابتغاء الوسيلة. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ ثبت أَنَّ لَهُمْ فى الاخرة ما فِي الْأَرْضِ من صنوف المحبوبين عنده جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ وبذلوه يدل عليه سياق الكلام لِيَفْتَدُوا بِهِ ووحد الضمير والمذكور شيئان

[سورة المائدة (5) : آية 37]

اما لاجرائه مجرى اسم الاشارة فى نحو قوله تعالى عوان بين ذلك او لان الواو فى ومثله بمعنى مع من قبيل كل رجل وضيعة معطوف على اسم ان وكلمة معه للتاكيد والتنبيه على ان الواو بمعنى مع فان قيل الواو بمعنى مع يفيد المعية فى الثبوت لا المعية فى الافتداء قلنا رجوع الضمير الى ما معه الشيء يفيد تعلق الحكم الذي تعلق به بما معه التزاما مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ المترتب على كمال بعدهم من الله وكونهم ملعونين مطرودين عن رحمته ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ جواب لو ولو بما فى حيّزه خبر ان والمعنى ان الكافرين الذين اختاروا فى الدنيا محبوبين غير الله سبحانه من الأنفس والأولاد والأموال وغيرها وما بذلوها فى الدنيا رغبة فى الله تعالى لو بذلوها فى الاخرة ما تقبل منهم لذهاب وقته فان قيل هذا المعنى يحصل فى القول بان الذين كفروا لو افتدوا بما فى الأرض ومثله معه ما تقبل منهم مع كونه اخصر قلنا فى هذا الأسلوب فائدتان جليلتان أحدهما انهم لو حصلوا ما فى الأرض ومثله للبذل والافتداء وكانوا خائفين من الله وحفظوا الفدية له وتفكروا فى الافتداء ورعاية أسبابه كما هو شان من يصدر منه امر بهم ما تقبل منه فضلا عند كونه غافلين عن تحصيل الفدية ثانيهما ان لا يتوهم ان عدم قبول الفدية لانها ليست عندهم ما يفتدوا به والله اعلم وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعنى انه كما لا يندفع به عذابهم لا يخفف عنهم عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله لاهون اهل النار عذابا يوم القيامة لو ان لك ما فى الأرض من شىء أكنت تفتدى به فيقول نعم فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت فى صلب آدم ان لا تشرك بي شيئا فابيت ان لا تشرك بي متفق عليه. يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ اى يقصدون الخروج كما فى قوله تعالى كلما أرادوا ان يخرجوا منها أعيدوا فيها او يتمنون ويطلبون من الله كما فى قوله تعالى اخبارا عنهم ربنا أخرجنا منها وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها أورد الجملة الاسمية بدل وما يخرجون للمبالغة والجملة حال من فاعل يريدون وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ اى دائم فيه تصريح لما علم ضمنا من الجملة السابقة وفيها إفادة انه كما لا يندفع ولا يخفف عذابهم لا يندفع دوامه ولا يزول عنهم. وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما كان المختار عند النحاة فى مثل هذا الموضع اعنى فى اسم يقع بعده فعل مشتغل عنه بضميره وكان الفعل إنشاء النصب بإضمار الفعل على شريطة التفسير

لان الإنشاء لا يقع خبرا الا بإضمار وتاويل وقد اتفق القراء هاهنا على الرفع فاحتاج النحاة هاهنا الى تكلف فقال سيبويه الاية جملتان السارق والسارقة مبتدأ خبره محذوف تقديره حكمهما فيما يتلى عليكم وقوله فاقطعوا جزاء شرط محذوف اى ان ثبت سرقتهما فاقطعوا وقال المبرد هى جملة واحدة وكون الفعل إنشاء وان كان يقتضى النصب لكن يعارضه ان الفاء يمنع عن المنع فيما قبله فقوله تعالى السارق والسارقة مبتدأ تضمن معنى الشرط ولذا دخل الفاء على خبره اى الذي سرق والتي سرقت فاقطعوا قال المحقق التفتازانيّ الإنشاء فى مثل هذا الموضع يقع خبر مبتدأ بلا تكلف لكونه فى الحقيقة جزاء للشرط اى ان سرق أحد فاقطعوه ولم يدرج الله سبحانه الإناث هاهنا وكذا فى حد الزنا فى التعبير عن الذكور كما هو داب القران فى كثير من المواضع لان الحدود تندرئ بالشبهات فلابد فيه من التصريح وبدأ بذكر الرجل هاهنا واخر فى الزانية والزاني لان فى السرقة لا بد من الجرأة وهى فى الرجال اكثر وفى الزنا من الشهوة وهى فى النساء أوفر وقطعت اليد لانها فمعز الدولة السرقة ولم يقطع فمعز الدولة الزنا تعاديا عن قتل النسل واليد اسم للعضو الى المنكب ولذلك ذهب الخوارج الى ان المقطع هو المنكب لكن توارث العمل وانعقد الإجماع على ان القطع من الرسغ ومثله لا يطلب له سند بخصوصه وقد روى فيه خصوص متون امر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع السارق من المفصل رواه الدارقطني فى حديث رداء صفوان وضعف بالعذرى ورواه ابن عدى فى الكامل عن عبد الله بن عمر وفيه عبد الرحمن بن سلمة قال ابن القطان لا اعرف له حالا واخرج ابن ابى شيبة عن رجاء بن حيوة ان النّبى صلى الله عليه وسلم قطع رجلا من المفصل وانما فيه الإرسال واخرج عن عمر وعلى انهما قطعا من المفصل وقيل اليد اسم مشترك يطلق على ما الى المنكب وما الى الرسغ بل الإطلاق الثاني أشهر من الاول حتى يتبادر عند الإطلاق وإذا كان مشتركا فالقطع من الرسغ عملا بالمتيقن ودرأ للزائد عند احتمال عدمه والمراد بايديهما إيمانهما اجماعا عملا بقراءة ابن مسعود فاقطعوا إيمانهما وهى مشهورة يجوز به تقييد المطلق إذا كانا فى الحكم واتحدت الحادثة وليس هذا من بيان المجمل إذ لا إجمال فيه وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة اليمين فلو كان الإطلاق مرادا دون التقييد باليمين لقطع اليسار البتة طلبا لليسر للناس ما أمكن فان اليمين انفع من اليسار والله اعلم ولما كان المراد إيمانهما

جاز وضع الجمع موضع المثنى كما فى قوله تعالى صغت قلوبكما اكتفاء بتثنية المضاف اليه واحترازا عن تكرير التثنية وذلك انما يجوز عند عدم اللبس فلا يقال عند ارادة التثنية افراسكما وغلمانكما ولو كان الإطلاق مرادا لم يجز ذلك لاجل اللبس فان أيدي الشخصين اربعة جاز ارادة الجمع ايضا والله اعلم والسرقة أخذ مال الغير من حرز مختفيا قال فى القاموس سرق منه الشيء واسترقه جاء مستترا الى حرز فاخذ مال غيره فالاخذ مال الغير على وجه الخفية من حرز داخل فى مفهومه فلهذا يشترط فى السرقة كون المال مملوكا لغيره لا يكون للسارق فيه ملك ولا شبهة ملك وكون المال فى حرز لا شبهة فيه وما كان حرز الشيء من الأموال فهو حرز لجميعها عند ابى حنيفة رح وعند الائمة الثلاثة الحرز يختلف باختلاف الأموال ومبناه على العرف فلو سرق لؤلؤا من إصطبل او حظيرة غنم يقطع عند ابى حنيفة لا عندهم والحرز قد يكون بالمكان المعدلة وقد يكون بالحافظ كمن جلس فى الطريق او المسجد وعنده متاعه فهو محرز به وقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرق رداء سفيان من تحت راسه وهو نائم فى المسجد رواه مالك فى المؤطا واحمد من غير وجه والحاكم وابو داؤد والنسائي وابن ماجة قال صاحب التنقيح حديث صحيح وله طرق كثيرة وألفاظه مختلفة وان كان فى بعضها انقطاع وفى بعضها ضعف وكون الاخذ مختفيا اما ابتداء وانتهاء ان كان السرقة بالنهارا وابتداء فقط ان كانت بالليل فانه إذا نقب الجدار ليلا على الاستسرار أو أخذ المال من المالك جهارا مكابرة فهو سرقة وهذه الشروط مراعى بالإجماع لكونها ماخوذة فى مفهوم السرقة وما قيدنا من عدم الشبهة فى الملك او الحرز فمستفاد من الأحاديث المرفوعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فان وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله فان الامام لان يخطى فى العفو خير من ان يخطى فى العقوبة رواه الشافعي رح والترمذي والحاكم والبيهقي وصححه من حديث عائشة وروى ابن ماجة من حديث ابى هريرة مرفوعا بسند حسن ادفعوا الحدود عن عباد الله ما وجدتم له مدفعا وعن على مرفوعا ادرءوا الحدود ولا ينبغى للامام تعطيل الحدود رواه الدارقطني والبيهقي بسند حسن وروى ابن عدى فى جزء له من حديث اهل المصر بسند ضعيف والجربزة عن ابن عباس مرفوعا ادرءوا الحدود بالشبهات وأقيلوا الكرام عثراتهم الا فى حد من حدود الله وروى صدره ابو مسلم الكحى وابن السمعاني

فى الذيل عن عمر بن عبد العزيز مرسلا ومسدد عن ابن مسعود موقوفا وقد انعقد الإجماع على درء الحدود بالشبهات وإذا تمهد ما ذكرنا من الشروط فى السرقة فليتفرع عليها مسائل منها انه لا قطع على منتهب ولا مختلس لانه يجاهر بفعله فليس بسرقة ولا على خائن وجاحد وديعة لقصور فى الحرز لانه قد كان فى يد الخائن وحرزه لا حرز المالك باعتبار انه احرزه بايداعه عنده لكنه حرز ماذون للسارق فيه الدخول فيه وفى ما ذكرنا حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على المنتهب قطع ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا رواه ابو داود وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع رواه احمد والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن ماجة والدارمي وله شاهد من حديث عبد الرحمان بن عوف رواه ابن ماجة بإسناد صحيح واخر من رواية الزهري عن انس أخرجه الطبراني فى الأوسط ورواه ابن الجوزي فى العلل من حديث ابن عباس وضعفه وقال احمد يجب القطع على جاحد العارية لحديث عائشة قالت كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فامر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فاتى أهلها اسامة بن زيد فكلموه فكلم اسامة النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا اسامة لا أراك تكلمنى فى حد من حدود الله ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال انما هلك من كان قبلكم بانه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسى بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها فقطع يد المخزومية رواه مسلم وعن ابن عمر قال كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده فامر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بان المرأة كانت متصفة مشهورة بجحد العارية فعرفتها عائشة بوصفها المشهور والمعنى امرأة كانت وصفها جحد العارية سرقت فامرت بقطعها ولو سلمنا حملها على الظاهر فهذا الحديث يعارضه ما ذكرنا من حديث جابر لا قطع على الخائن وقد تلقته الامة بالقبول والعمل به فيحمل هذا الحديث على كونه منسوخا درا للحد ومنها انه لا قطع على النباش بشبهة فى الملك والحرز وبه قال ابو حنيفة ومحمد لان الكفن ليس ملكا للورثة لتاخر تعلق حقهم بالتركة من التجهيز بل من الديون والوصايا ايضا ولا ملكا للميت فانه فى احكام الدنيا ملحق بالجمادات ليس أهلا للملك والقبر حفرة من الصحراء مامور

للعموم المرور به ليلا ونهارا ولا غلق عليه ولا حارس فلا حرز وقالت الائمة الثلاثة وابو يوسف بقطع النباش لقوله صلى الله عليه وسلم من نبش قطعناه وهو حديث منكر رواه البيهقي فى المعرفة من حديث البراء بن عازب وقال فى اسناده بعض من يجهل حاله وقال البخاري فى التاريخ قال هشيم حدثنا سهل شهدت ابن الزبير قطع نباشا وسهل ضعيف قال عطاء نتهمه بالكذب وروى احمد بن حنبل بسنده عن هشيم عن يونس عن الحسن وابن سيرين قالا النباش يقطع وروى ايضا عن معاوية بن فروة قال يقطع النباش ولم يصح فى الباب حديث مرفوع ومنها انه لا يقطع السارق من بيت المال عند ابى حنيفة والشافعي واحمد والنخعي والشعبي وقال مالك يقطع قلنا انه مال عامة والسارق منهم واخرج ابن ابى شيبة عن عمر انه قال لا قطع عليه يعنى على سارق من بيت المال ما من أحد الا وله فيه حق وروى البيهقي عن على ليس على من سرق من بيت المال قطع واخرج ابن ماجة عن ابن عبّاس ان عبدا من رقيق الخمس سرق من المغنم فرفع الى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه وقال مال الله سرق بعضه بعضا وعن ابن مسعود فيمن سرق من بيت المال قال أرسله فما من أحد إلا وله فى هذا المال حق ومنها انه لا يقطع السارق إذا كان للسارق فيه شركة بان سرق أحد الشريكين من حرز الاخر مالا مشتركا بينهما ومنها انه من له على اخر دراهم فسرق مثلها لم يقطع لانه استوفى حقه وكذا لو سرق اكثر من حقه لان فى الزيادة يكون شريكا بحقه ومنها انه لا يقطع الآباء والأمهات وان علوا فيما سرقوا من مال أولادهم لقوله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لابيك وكذا ان سرق الفرع مال أصله عند الثلاثة للبسوطة فى المال وفى الدخول فى الحرز وقال مالك يقطع وكذا من سرق من ذى رحم محرم كالاخ والعم عند ابى حنيفة للبسوطة فى الدخول فى الحرز ولذا أباح الشرع النظر الى مواضع الزينة الظاهرة وعند الائمة الثلاثة يقطع الحاقا لها بالقرابة البعيدة ومما يدل على نقصان الحرز فى المحارم من ذوى الأرحام قوله تعالى ولا على أنفسكم ان تأكلوا من بيوتكم او بيوت ابائكم او بيوت أمهاتكم او بيوت إخوانكم او بيوت أخواتكم او بيوت أعمامكم او بيوت عماتكم او بيوت أخوالكم او بيوت خالاتكم او ما ملكتم مفاتحه او صديقكم فانه يفيد اطلاق الدخول وجواز الاكل او يورث شبهة عند قيام دليل المنع كما فى قوله عليه السلام أنت ومالك لابيك فان قيل فعلى هذا ينبغى ان لا يجب القطع من بيت الصديق ايضا

قلنا لما سرق من ماله فقد عاداه فلم يبق صديقا وقت السرقة ومنها انه لو سرق من بيت ذى الرحم مال غيره لا يقطع ولو سرق من بيت غير ذى الرحم مال ذى رحمه يقطع عند ابى حنيفة رح اعتبارا للحرز وعدمه ومنها انه لا يقطع أحد الزوجين بسرقة مال الاخر سواء سرق من بيت خاص لاحدهما او من البيت الذي هما فيه عند ابى حنيفة رح وهى رواية عن احمد رح وقول للشافعى وقال مالك رح والشافعي رح وهى رواية عن احمد اخرى ان سرق من بيت خاص قطع ومن بيت سكناها لا يقطع وفى قول للشافعى يقطع الزوج خاصة دون الزوجة لقوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة ابى سفيان خذ من ماله ما يكفيك وولدك ووجه قول ابى حنيفة الاذن فى الدخول عادة فاختل الحرز وفى موطأ مالك عن عمر انه اتى بغلام سرق مراة امرأة سيده فقال ليس عليه شىء خادمكم سرق متاعكم فاذا لم يقطع خادم الزوج فالزوج اولى ومنها انه لا يقطع العبد بسرقة مال سيده او زوجة سيده او زوج سيدتها للاذن فى الدخول ولا الضيف إذا سرق ممن اضافه لوجود الاذن فى الدخول ولا من سرق من بيت اذن فى الدخول منه كحوانيت التجار نهارا ومنها انه إذا سرق نصابا ثم ملكه بشراء او هبة مع القبض او ارث او غيره قبل الترافع او بعده وبعد القضاء لا يقطع عند ابى حنيفة ومحمد وعند الائمة الثلاثة وابى يوسف يقطع لان السرقة قد تمت انعقادا وظهورا فلا شبهة ولحديث صفوان بن امية قال بينا أنارا قد إذ جاء السارق فاخذ ثوبى من تحت راسى فادركته فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ان هذا السرق ثوبى فامر به النبي صلى الله عليه وسلم ان يقطع فقلت يا رسول الله ليس هذا أردت هو عليه صدقة قال هلا قبل ان تأتيني به رواه مالك واحمد وابو داؤد وابن ماجة زاد النسائي فى روايته فقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى ابو داؤد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب وأجاب ابن همام بان حديث صفوان المذكور فى رواية كما ذكر وفى رواية الحاكم فى المستدرك انا أبيعه وانسئه ثمنه وسكت عليه وفى كثير من الروايات لم يذكر هذا بل قال ما كنت أريد هذا او قال أيقطع رجل من العرب فى ثلثين درهما فكان فى هذه الزيادة اضطرابا والاضطراب موجب للضعف واستيفاء الحدود من تمام القضاء وملك السارق قبل القضاء توجب شبهة البتة.

(فصل) ويشترط للقطع ان يكون المال المسروق نصابا بإجماع اهل السنة وعند الخوارج لا يشترط ذلك وبه قال ابن بنت الشافعي وداؤد وهو المروي عن الحسن البصري لاطلاق الاية ولقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله السارق يسرق الحبل فيقطع يده ويسرق البيضة ويقطع يده متفق عليه من حديث ابى هريرة قلنا الاية ليست على إطلاقه اجماعا وقول الخوارج لا عبرة بها وكذا قول داؤد والحسن لا يصلحان خارقا للاجماع (مسئلة:) لو سرق جماعة نصابا واحدا او اكثر وأصاب كل واحد منهم اقل قال احمد يقطع أيديهم أجمعين وهو محمل حديث ابى هريرة عنده وقال مالك ان كانوا أخذوا نصابا واحدا وأخرجوه معا وكان المأخوذ مما يحتاج اليه المعاونة فيه قطعوا جميعا والا لا يقطع ما لم يصب كلواحد نصابا وعند ابى حنيفة والشافعي لا قطع على واحد من الجماعة بحال ما لم يصب كلواحد منهم نصابا. (مسئلة:) نصاب السرقة عشرة دراهم او دينارا وما يبلغ قيمة أحدهما عند ابى حنيفة رحمه الله وعند مالك واحمد فى اظهر الروايات عنه ربع دينار او ثلثة دراهم او ما يبلغ قيمة أحدهما وعند الشافعي ربع دينار من الدراهم وغيرها لحديث عائشة مرفوعا يقطع اليد فى ربع دينار فصاعدا ويروى لا يقطع اليد الا فى ربع دينار متفق عليه باللفظين معا وفى لفظ لن يقطع يد السارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ادنى من ثمن المجن وفى لفظ لمسلم لا يقطع اليد الا فى ربع دينار فما فوقه وفى مسند احمد فى حديثها اقطعوا فى ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو ادنى من ذلك وفى حديث ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقا فى مجن قيمته ثلثة دراهم متفق عليه وروى مالك فى المؤطا عن عمرة بنت عبد الرحمن ان سارقا سرق فى زمن عثمان اترجة فامر بها عثمان فقومت بثلاثة دراهم من ضرب اثنا عشر بدينار فقطع عثمان يده وجه قول ابى حنيفة ان الاخذ بالأكثر فى هذا الباب اولى احتيالا للدرء وقد روى فى ثمن المجن اكثر مما ذكر روى الحاكم فى المستدرك عن مجاهد عن ايمن قال لم يقطع اليد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا فى ثمن المجن وثمنه يومئذ دينار وروى احمد والشافعي عن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان قيمة المجن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم واخرج الدار قطنى واحمد من طريق سالم بن قتيبة حدثنا زفر بن

هذيل حدثنا الحجاج بن ارطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع السارق الا فى عشرة دراهم وروى ابن ابى شيبة فى مصنفه فى كتاب اللقطة عن سعيد ابن المسيب عن رجل من مزينة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما بلغ ثمن المجن قطعت يد صاحبه وكان ثمن المجن عشرة دراهم وروى عبد الرزاق والطبراني عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود موقوفا لا قطع الا فى دينار او عشرة دراهم وهو موقوف منقطع فان القاسم لم يسمع من ابن مسعود والحق ان الأحاديث التي احتج بها الجمهور صحاح غاية الصحة وهذه الأحاديث ضعاف ولا ترجيح ولا أخذ بالأحوط الا عند المعارضة فان ابن إسحاق وسالم وزفر والحجاج من رواة حديث عمرو بن شعيب كلهم ضعاف وايضا قول الراوي قيمة المجن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم ظن وتخمين من الراوي ولا شك ان ثمن المجن قد يكون ثلثة دراهم وقد يكون عشرة وقد يكون اكثر من ذلك على اختلاف كيفية المجن فعلى هذا حديث لن يقطع يد السارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ادنى من ثمن المجن كان مجملا وو الحديث بلفظ يقطع فى ربع دينار وبلفظ لا يقطع الا فى ربع دينار وبلفظ اقطعوا فى ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو ادنى من ذلك محكم لا يعارضه الا لفظ لا يقطع السارق الا فى عشرة دراهم ان صح لكن بهذا اللفظ لا يصح مرفوعا والموقوف فى الخلافيات لا يكون حجة اجماعا نقل عن الشافعي انه قال لمحمد بن الحسن هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقطع فى ربع دينار فصاعدا فكيف قلت لا يقطع الا فى عشرة دراهم فصاعدا فاحتج محمد بحديث مجاهد عن ايمن بن أم ايمن أخي اسامة بن زيد لامه فاجاب الشافعي ان ايمن ابن أم ايمن قتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبل ان يولد مجاهد وقد ذكر ابو حاتم ان ايمن راوى هذا الحديث غير ايمن الذي قتل يوم حنين وهذا تابعي لم يدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا زمن أحد من الخلفاء الاربعة قلت ومن لم يدرك زمن الخلفاء كيف تلده أم ايمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى كانت حاضنة للنبى صلى الله عليه وسلم اكبر سنا منه وقيل ايمن كان اسما لرجلين من التابعين أحدهما مولى ابن الزبير وثانيهما مولى ابن ابى عمر وابن ابى حاتم وابن حبان جعلاهما واحدا والحاصل ان هذا الحديث لا يصلح كونه معارضا لحديث عائشة وابن عمر.

(مسئله) ولا قطع عند ابى حنيفة رحمه الله فيما يوجد تافها مباحا فى تلك الديار كالخشب والحشيش والقصب والسمك والطير والصيد والجص والنورة ولا فيما يتسارع اليه الفساد من الاطعمة كاللبن واللحم والفواكه والثمار الرطبة والرطاب وعند الائمة الثلاثة يقطع فى كل ذلك انكانت محرزة لعموم الاية وجه قول ابى حنيفة ان الاية ليست على عمومها اجماعا حيث خص منها ما دون النصاب فيختص هذه الأشياء ايضا بحديث عائشة لم يكن السارق يقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشيء التافه رواه ابن ابى شيبة فى مصنفه من حديث عبد الرحمن بن سليمان عن هشام بن عروة عنها ورواه مرسلا ايضا عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه ورواه عبد الرزاق فى مصنفه أخبرنا ابن جريح عن هشام به وكذا اسحق بن راهويه قال أخبرنا عيسى بن يونس عن هشام ورواه ابن عدى فى الكامل مسندا عن عبد الله بن قبيصة الفزاري عن هشام بن عروة عن عائشة ولم يقل فى عبد الله هذا شيئا الا انه قال لم يتابع عليه ولم ار للمتقدمين فيه كلاما قال ابن همام لا يخفى ان هذه المرسلات كلها حجة وقد وصله ابن ابى شيبة وما روى عبد الرزاق بسند فيه جابر الجعفي عن عبد الله بن يسار قال اتى عمر بن عبد العزيز برجل سرق دجاجة فاراد ان يقطعه فقال له سلمة بن عبد الرحمن قال عثمان لا قطع فى الطير وروى ابن ابى شيبة عن عبد الرحمن بن مهدى عن زهير بن محمد عن يزيد بن حفصة قال اتى عمر بن عبد العزيز برجل قد سرق طيرا فاستفتى فى ذلك السائب بن يزيد فقال ما رايت أحدا قطع فى الطير وما عليه فى ذلك قطع فتركه عمر واخرج ابو داود فى المراسيل عن جرير بن حازم عن الحسن البصري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انى لا اقطع فى الطعام وذكره عبد الحق ولم يعله بغير الإرسال والمرسل عندنا حجة وحديث رافع ابن خديج قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا قطع فى ثمر ولا كنز رواه الترمذي عن ليث بن سعد والنسائي وابن ماجة عن سفيان بن عيينة كلاهما عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع ورواه ابن حبان فى صحيحه وعند تعارض الانقطاع والوصل الوصل اولى لانه زيادة ومن الثقة مقبولة قال الطحاوي هذا الحديث تلقته الامة بالقبول قالوا المراد بالثمر فى هذا الحديث الثمر المعلق بالشجر لعدم الحرز بدليل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو انه عليه الصلاة والسلام سئل

عن الثمر المعلق فقال من أصاب بفيه من ذى حاجة غير متخذ خبنة «1» فلا شىء عليه ومن خرج بشئ منه فعليه غرامة مثليه ومن سرق منه شيئا بعد ان يوويه الجرين «2» فبلغ تمن المجن فعليه القطع رواه ابو داود عن ابن عجلان والوليد بن كثير وعبيد الله بن الأخنس ومحمد بن اسحق اربعتهم عن عمرو بن شعيب ورواه النسائي من طريق وهب عن عمرو بن الحارث وهشام بن سعد عن عمرو بن شعيب وفى روايته ان رجلا من مزينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحريسة «3» التي تؤخذ فى مراتعها فقال فيها ثمنها مرتين وضرب ونكال وما أخذ من عطته ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن قالوا يا رسول الله فالثمار وما أخذ منها فى أكمامها فقال من أخذ بفيه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شىء ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب ونكال وما أخذ من اجرانه ففيه القطع رواه احمد والنسائي وفى لفظ ما ترى فى الثمر المعلق فقال ليس فى شىء من الثمر المعلق قطع الا ما اواه الجرين فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع وما لم يبلغ ثمن المجن غرامة مثليه وجلدات نكال ورواه الحاكم بهذا المتن وقال قال اما منا اسحق بن راهويه إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ثقة فهو كايوب عن نافع عن ابن عمر ورواه ابن ابى شيبة ووقفه على عبد الله بن عمرو وقال ليس فى شىء من الثمار قطع حتى يأوي الجرين وأخرجه عن ابن عمر مثله سواء وهذا الحديث حجة للائمة الثلاثة حيث أوجبوا القطع فى الثمار بعد الاحراز وايضا يؤيد مذهبهم ما رواه مالك فى المؤطأ ان سارقا سرق اترجة فى عهد عثمان فامر بها عثمان فقومت ثلثة دراهم من ضرب اثنى عشر درهما بدينار فقطع يده قال مالك وهى الا ترجة التي يأكلها الناس وقال ابن كنانة كانت اترجة من ذهب قدر الحمصة يجعل فيها الطيب ورد عليه بانه لو كانت من ذهب لم يقوم وأجاب عنه الحنفية بوجوه أحدها ان هذا الحديث متروك الظاهر بنص الكتاب حيث وجب الحديث فى الثمر غرامة مثليه وفى الحريسة ثمنها مرتين وقد قال الله تعالى فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وهذا انقطاع معنوى فى الحديث يوجب ترك العمل به ثانيها ان الحديث معارض بإطلاق ما روينا لا قطع فى ثمر ولا كنز وهو يشمل ما يوويه الجرين وغيره فالسبيل فى دفع التعارض اما التوزيع فيحمل عدم القطع على الرطب والقطع على اليابس واما ترجيح مالا يوجب القطع درأ للحد والله اعلم والمراد بالطعام فى الحديث الذي يوجب عدم القطع ما يتسارع اليه الفساد للاجماع

_ (1) يعطف الإزار وطرف الثوب اى لا يأخذ منه فى ثوبه 12 نهاية (2) موضع بخفيف التثمر (3) الحريسة يقال للشاة التي يدركها الليل قبل ان يصل الى مراحها وفلان يأكل الحرساة إذا سرق أغنام الناس وأكلها 12 نهاية

على انه يقطع فى الحنطة وغيرها من الحبوب والسكر الا فى عام سنة فانه لا يقطع فيها لانه عن ضرورة ظاهرا وهى تبيح التناول وعنه صلى الله عليه وسلم انه لا قطع فى مجاعة مضطر وعن عمر رضى الله تعالى عنه لا قطع فى عام سنة. (مسئلة:) وإذا سرق ثانيا بعد القطع فى الاولى او سرق اولا وهو مقطوع اليد اليمنى يقطع رجله اليسرى اجماعا لا بهذه الاية لان المأمور بالآية قطع اليد والمراد به قطع اليد اليمنى خاصة بدليل قراءة ابن مسعود والإجماع فلا يجب القطع لفوات المحل بل بالسنة والإجماع وان كان السارق مقطوع اليد اليمنى والرجل اليسرى او سرق ثالثا بعد القطع لا يقطع عند ابى حنيفة واحمد رحمهما الله بل يسجن ويعزر وقال مالك والشافعي يقطع رجله اليسرى ثانيا ثم ان سرق ثالثا يقطع يده اليسرى ثم ان سرق رابعا يقطع رجله اليمنى وهو رواية عن احمد ثم ان سرق خامسا يعزر ويحبس عندهما ايضا كقولنا فى الثالثة وحكى عن عطاء وعمرو بن العاص وعثمان وعمرو بن عبد العزيز يقتل فى الخامسة احتج مالك والشافعي بحديث جابر بن عبد الله قال اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطع يده ثم اتى به قد سرق فقطع رجله ثم اتى به قد سرق فقطع يده ثم اتى به قد سرق فقطع ثم اتى به قد سرق فامر به فقتل رواه الدارقطني وفى اسناده محمد بن يزيد بن سنان وهو ضعيف ورواه ابو داود والنسائي بغير هذا السياق بلفظ جئ بسارق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اقتلوه فقالوا يا رسول الله انما سرق قال اقطعوه فقطع به ثم جئ به الثانية فقال اقتلوه فقالوا يا رسول الله انما سرق قال اقطعوه ثم جئ به الثالثة فقال اقتلوه فقالوا انما سرق قال اقطعوه فقطع ثم جئ به الرابعة فقال اقتلوه فقالوا يا رسول الله انما سرق فقال اقطعوه فقطع ثم جئ به الخامسة فقال اقتلوه قال جابر فانطلقنا به الى مربد النعم فاستلقى على ظهره فقتلناه ثم اجتررناه فالقيناه فى بير ورمينا عليه الحجارة وفى اسناده مصعب بن ثابت قال النسائي ليس بالقوى والحديث منكر لا اعلم فيه حديثا صحيحا وفى الباب عن الحارث بن حاطب الحجبي عند النسائي والحاكم وعن عبد الله بن زيد عند ابى نعيم فى الحلية وقال ابن عبد البر حديث القتل منكر لا اصل له وقد قال الشافعي هذا الحديث منسوخ لا خلاف فيه عند اهل العلم قال ابن عبد البر هذا يدل على ان ما حكاه ابو مصعب عن عثمان وعمرو بن عبد العزيز انه يقتل لا اصل له لانهم لا يخالفون الإجماع وبحديث ابى هريرة عن النبي صلى الله

عليه وسلم إذا سرق السارق فاقطعوا يده فان عاد فاقطعوا رجله فان عاد فاقطعوا يده فان عاد فاقطعوا رجله رواه الدارقطني وفى اسناده الواقدي قال احمد كذاب ورواه الشافعي عن بعض أصحابه عن ابن ابى ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن ابى مسلمة عن ابى هريرة مرفوعا نحوه وفى الباب عن عصمة بن مالك رواه الطبراني والبيهقي واسناده ضعيف وروى الدارقطني عن ابن عباس قال شهدت عمر بن الخطاب فقطع بعد يد ورجل يدا وروى مالك فى المؤطا عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ان رجلا من اليمن اقطع اليد والرجل قدم فنزل على ابى بكر فشكا اليه ان عامل اليمن ظلمه فكان يصلى بالليل ويقول ابو بكر وأبيك وما ليلك بليل سارق ثم انهم فقدوا عقد الأسماء بنت عميس فجعل الرجل يطوف معهم ويقول اللهم عليك بمن بيت اهل هذا البيت الصالح فوجد الحلي عند صائغ زعم ان الأقطع جاء به فاعترف الأقطع وشهد عليه فامر به ابو بكر فقطعت يده اليسرى قال ابو بكر لدعائه على نفسه أشد عليه من سرقته وفى سنده انقطاع ورواه عبد الرزاق نحوه وقال محمد بن الحسن فى مؤطاه قال الزهري ويروى عن عائشة رض قالت انما كان الذي سرق حلى اسماء اقطع اليد اليمنى فقطع ابو بكر رجله اليسرى قال وكان ابن شهاب اعلم بهذا الحديث من غيره ولنا ما رواه محمد فى كتاب الآثار انا ابو حنيفة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن على رض قال إذا سرق السارق قطعت يده اليمنى فان عاد قطعت رجله اليسرى فان عاد ضمنته السجن حتى يحدث خيرا انى لاستحيى من الله ان ادعه ليس له يد يأكل بها ويستنجى بها ورجل يمشى عليها وروى عبد الرزاق فى مصنفه أخبرنا معمر عن جابر عن الشعبي قال كان على لا يقطع الا اليد والرجل وان سرق بعد ذلك سجنه ويقول انى لاستحيى من الله الحديث واخرج ابن ابى شيبة فى مصنفه حدثنا حاتم بن اسمعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على مثل ما قال الشعبي عنه واخرج البيهقي عن عبد الله بن سلمة عن على انه اتى بسارق فقطع يده ثم اتى به فقطع رجله ثم اتى به فقال اقطع يده باى شىء يتمسح وباى شىء يأكل اقطع رجله على اى شىء يمشى انى لاستحيى من الله ثم ضربه وخلده فى السجن وفى تنقيح عبد الهادي قال سعيد بن منصور حدثنا ابو معشر عن سعيد بن ابى سعيد المقبري عن أبيه قال حضرت على بن ابى طالب اتى برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق

قال لاصحابه ما ترون فى هذا قالوا اقطعه يا امير المؤمنين قال قتلته إذا وما عليه القتل باى شىء يأكل الطعام باى شىء يتوضأ للصلوة باى شىء يغتسل من جنابته باى شىء يقوم على حاجته فرده الى السجن أياما ثم استخرجه فاستشار الصحابة فقالوا مثل قولهم الاوّل وقال لهم مثل ما قال اوّل مرّة فجلده جلدا شديدا ثم أرسله وقال سعيد ايضا حدثنا ابو الأحوص عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عامر قال اتى عمر بن الخطاب باقطع اليد والرجل قد سرق فامر به ان يقطع رجله فقال على قال الله تعالى انما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله الاية فقد قطعت يد هذا ورجله فلا ينبغى ان يقطع رجلا فتدعه ليس له قائمة يمشى عليها اما ان تعزره واما ان تودعه السجن فاستودعه السجن وروى هذا البيهقي واخرج ابن ابى شيبة عن سماك ان عمر استشارهم فى سارق فاجمعوا على مثل قول علىّ واخرج عن مكحول ان عمر قال إذا سرق فاقطعوا يده ثم ان عاد فاقطعوا رجله ولا تقطعوا يده الاخرى وذروه يأكل بها ويستنجى بها ولكن احبسوه عن المسلمين وروى ابن ابى شيبة عن ابن عباس مثل قول على فظهران ما قال علىّ انعقد عليه الإجماع ورجع اليه عمر وما احتج به الشافعي اما لا اصل له واما منسوخ ولو كان عند الصحابة علم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لاحتجوا به على علىّ ولم يجز لعلى القول بانى لاستحيى الله الى آخره قال الله تعالى لا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله والله اعلم وبما استدل به على يستفاد ان من كان يده اليسرى او إبهامه او رجله اليمنى اقطع او شلاء وسرق اوّل مرة لا يقطع يمناه لانه إهلاك معنى وما عليه القتل والله اعلم- (مسئلة:) ويجب ان يحسم بعد القطع كيلا يودى الى التلف وعن الشافعي واحمد انه مستحب وروى الحاكم من حديث ابى هريرة انه صلى الله عليه وسلم اتى بسارق سرق شملة فقال عليه السّلام ما إخاله سرق فقال السارق بلى يا رسول الله فقال اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم ايتوني فقطع ثم حسم ثم اتى به فقال تب الى الله فقال تبت الى الله فقال تاب الله عليك وقال صحيح على شرط مسلم ورواه ابو داؤد فى المراسيل ورواه القاسم ابن سلام فى غريب الحديث واخرج الدارقطني عن على موقوفا انه قطع أيديهم من المفصل ثم حسمهم-

(مسئلة:) يجب القطع بإقراره مرة عند ابى حنيفة ومحمد ومالك والشافعي واكثر العلماء وقال احمد وابو يوسف وابن ابى ليلى وزفر وابن شبرمة لا يقطع الا بإقراره مرتين ويروى عن ابى يوسف اشتراط كون الإقرار مرتين فى مجلسين ليستدلوا بحديث ابى امية المخزومي انه صلى الله عليه وسلم اتى بلصّ قد اعترف فقال عليه السلام ما إخالك سرقت قال بلى يا رسول الله فاعادها عليه السلام مرتين او ثلثا فامر به فقطع فلم يقطع الا بعد تكرار إقراره وأسند الطحاوي الى على ان رجلا أقر عنده بسرقة مرتين فقال قد شهدت على نفسك شهادتين فامر به فقطع فعلقها فى عنقه وبالقياس على الشهادة فى الزنا اعتبر عدد الإقرار فيه بعدد الشهود والجواب ان حديث ابى امية المخزومي قال الخطابي فى اسناده مقال وقال الحديث إذا رواه مجهول لم يكن حجة ولم يجب الحكم به واما القياس فلا يصح لانه مع الفارق فان اعتبار العدد فى الشهادة للتهمة ولا تهمة فى الإقرار واشتراط العدد فى الإقرار بالزنا معدول عن سنن القياس بالنص وايضا يعارضه القياس على حد القذف والقصاص والحجة لابى حنيفة ما ذكرنا من حديث ابى هريرة فى مسئلة الحسم حيث قطعه بإقراره مرة- جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ منصوبان على المفعول له او المصدرية ودل على فعلهما فاقطعوا وقال البغوي منصوبان على الحال يعنى من فاعل فاقطعوا بتأويل اسم الفاعل وفى المدارك جزاء منصوب على المفعول له ونكالا بدل منه وفى القاموس نكّل تنكيلا صنع به صنعا يحذر غيره ونحاه عن ما قبله والنكال ما نكلت به غيرك كائنا ما كان قال المحقق التفتازانيّ ترك العطف اشعارا بان القطع للجزاء والقطع على قصد الجزاء للنكال والمنع عن المعاودة ولمنع الغير عن مثله قلت فعلى هذا الاولى ان يقال جزاء مفعول له لقوله فاقطعوا ونكالا مفعول له لقوله جزاء وقال بعض المحققين لم يعطف لان العلة مجموعهما والجزاء اشارة الى ان فيه حق العبد والنكال اشارة الى ان فيه حق الله تعالى. (مسئلة:) القطع يسقط عصمة المال المسروق عند ابى حنيفة رحمه الله ولا يجتمع القطع مع الضمان عنده وعند الائمة الثلاثة لا يسقط العصمة بالقطع ويجتمع القطع مع الضمان فان كان المال المسروق موجود أيسترد المالك من السارق اجماعا قبل لقطع وبعده وان هلك المال او استهلكه السارق لا ضمان على السارق عند ابى حنيفة

خلافا لهم وان سرق السارق الاول المال المسروق المردود الى المالك منه ثانيا بعد القطع فى السرقة الاولى وهو كذلك لا يقطع ثانيا عند ابى حنيفة لزوال العصمة وعندهم يقطع احتج ابو حنيفة بوجوه أحدها الاستدلال بهذه الاية قالوا الجزاء إذا اطلق فى موضع العقوبة يراد به ما يجب حقا خالصا لله لا يكون فيه حق العبد وكذا النكال فكان القطع خالص حق الله تعالى فوجب ان يكون الجناية على حقه خالصا بان يكون محلها حراما لعينه كالخمر لا حراما لغيره والا كان مباحا فى ذاته بالاباحة الاصلية وهو لا يوجب الجزاء لله وايضا لو كان مباحا لذاته ينتفى القطع للشبهة وايضا الجزاء اما مشتق من جزى بمعنى قضى او من جزأ بمعنى كفى وكلواحد منهما يدل على الكمال والكمال بالحرمة لعينه وإذا كان محرما لعينه لم يبق معصوما كالخمر والميتة فلا ضمان عند الهلاك والاستهلاك ثانيها انه لو وجب الضمان بعد القطع يتملك السارق المسروق بأداء الضمان مستندا الى وقت الاخذ فتبين انه ورد السرقة على ملكه فينتفى القطع وما يؤدى الى انتفائه فهو المنتفى وثالثها بحديث عبد الرحمن ابن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غرم على السارق بعد قطع يمينه رواه الدارقطني ورواه النسائي بلفظ لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد والبزار بلفظ لا يضمن السارق سرقته بعد اقامة الحد ومدار هذا الحديث على سعيد بن ابراهيم يرويه عن أخيه مسور بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن جده عبد الرحمن بن عوف قال الدارقطني سعيد بن ابراهيم مجهول ومسور لم يذكر عبد الرحمن بن عوف وقال ويروى هذا من وجوه كلها لا يثبت وقال ابن همام سعيد بن ابراهيم انه الزهري قاضى المدينة أحد الثقات الإثبات وأجاب الشافعية عن الاستدلال بالآية بان قولكم الجزاء إذا اطلق فى معرض العقوبة يراد به ما يجب خالصا حقا لله تعالى ممنوع كيف وقد قال الله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح فاجره على الله فانه صريح فى كون الجزاء حقا للعبد حتى يتصور العفو منه والظاهر ان الجزاء اشارة الى حق العبد والنكال اشارة الى حق الله تعالى كما ذكرنا والجزاء وان دل على الكمال لكن الكمال فى الجناية ان يجنى على كلا الحقين حق الله تعالى وحق العبد سلمنا ان القطع خالص حق الله تعالى لكن لا يلزم منه ان يكون المحل حراما لعينه حتى لا يترتب عليه الضمان بل القطع حق الشرع وسببه ترك الانتهاء عما نهى عنه والضمان حق العبد وسببه أخذ المال الذي تعلق به

[سورة المائدة (5) : الآيات 39 إلى 40]

حق العبد كاستهلاك صيد مملوك فى الإحرام سلمنا حرمة المحل لكن لاجل النهى لا لمعنى فيه كيف ولو حرم لعينه لم يحل للمسروق منه حال بقائه بعد القطع ولم يحل للزوج وطى المزنية بعد رجم الزاني لقوله تعالى فيه نكالا وايضا لو كانت الحرمة لعينه كالخمر والميتة يجب ان لا يجب القطع إذ لا قطع فى الخمر والميتة فينتفى القطع وما يودى الى انتفائه فهو المنتفى ولو يفرق بعصمة المسروق قبل السرقة بخلاف الخمر لقول سقوط العصمة ان لم يمنع القطع فلا اقل من ايراث الشبهة سلمنا الحرمة لعينه كالخمر لم لا يجوز ان يحرم بحرمتين او ثلث كشرب الخمر المملوكة للذمى فى صوم رمضان والزنا بامة غيره فى رمضان وأجابوا عن الاستدلال الثاني بانا لا نسلم ان السارق يملك المسروق مستندا من وقت الاخذ بل انما يجب عليه ضمان الاتلاف بالهلاك والاستهلاك وعن الثالث بان الحديث ضعيف ولو صح الحديث فلا يصادم عموم قوله تعالى فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقوله عليه السلام على اليد ما أخذت حتى يوديه رواه احمد واصحاب السنن الاربعة بسند صحيح والحاكم عن سمرة بن جندب وَاللَّهُ عَزِيزٌ غالب لا يعارض فى حكمه حَكِيمٌ فيما حكم اخرج احمد وابن جرير وابن ابى حاتم عن عبد الله بن عمر وان امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت يدها اليمنى فقالت هل لى من توبة يا رسول الله قال نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فانزل الله تعالى. فَمَنْ تابَ من السرقة وغيرها مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ اى معصية من السرقة وغيرها والمراد بالتوبة الندم على ما وقع منه من المعصية ورد المظلمة والاستغفار من الله تعالى والعزم على تركها وَأَصْلَحَ امره بعد ذلك فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ اى يرجع عليه بالرحمة وقبول التوبة فلا يعذبه فى الاخرة وهل يسقط عنه القطع فى الدنيا أم لا فقال احمد يسقط القطع عن السارق وكل حد بالتوبة لهذه الاية ولقوله تعالى واللذان يأتيانها منكم فاذوهما فان تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما ولقوله عليه السّلام التائب من الذنب كمن لا ذنب له وفى قول للشافعى يسقط الحد إذا مضى على التوبة سنة وعند ابى حنيفة ومالك وهو رواية عن احمد وقول للشافعى لا يسقط شىء من الحدود بالتوبة الأحد قاطع الطريق بالاستثناء المذكور فى الاية قالوا هذه الاية لا تدل على سقوط الحد وقوله تعالى واللذان يأتيانها كان فى اوّل الأمر ثم نسخ ونحن نقطع بان رجم ما عز والغامدية كان بعد توبتهما.

(مسئلة:) ومن سرق سرقة ورد المسروق الى المالك قبل الارتفاع الى الحاكم لم يقطع وعن ابى يوسف يقطع اعتبارا بما إذا ردها بعد المرافعة وجه الظاهر ان الخصومة شرط الظهور السرقة فكانت شرطا فى القطع والخصومة لا تتصور بعد الرد بخلاف ما لوردها بعد المرافعة وسماع البينة والقضاء فانه يقطع وكذا بعد سماعها قبل القضاء استحسانا لظهور السرقة عند القاضي بالشهادة بعد الخصومة. (مسئلة:) قطع السارق هل يكون له توبة اولا فقال مجاهد نعم لحديث عبادة ابن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابه بايعونى على ان لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين ايديكم وأرجلكم ولا تعصوا فى معروف فمن وفى منكم فاجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب على ذلك فى الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو الى الله ان شاء عفى عنه وان شاء عاقبه فبايعناه على ذلك متفق عليه وقال البغوي الصحيح ان القطع للجزاء على الجناية كما قال الله تعالى جزاء بما كسبا ولا بد من التوبة بعده ويدل عليه حديث ابى هريرة الذي ذكرناه فى مسئلة الحسم بعد القطع حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد القطع بالإقرار تب الى الله فقال تبت الى الله تعالى فقال تاب الله عليك إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَلَمْ تَعْلَمْ ايها النبي والمراد به الامة او المراد الم تعلم ايها الإنسان خطابا لكل واحد. أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ تعذيبه من العصاة سواء ارتكب صغيرة او كبيرة فانه عدل مقتضى المعصية وَيَغْفِرُ بفضله صغيرة كانت او كبيرة بالتوبة وبلا توبة لِمَنْ يَشاءُ مغفرته وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من التعذيب والمغفرة قَدِيرٌ لا يجب عليه شىء قدم التعذيب لان استحقاق التعذيب مقدم على المغفرة ولان المقصود وصفه تعالى بالقدرة والقدرة فى تعذيب من يشاء اظهر من القدرة فى مغفرته لانه لا اباء فى المغفرة وفى التعذيب اباء والله اعلم روى احمد ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودى محمم مجلود فدعاهم فقال هكذا تجدون حد الزاني فى كتابكم قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي انزل التورية على موسى هكذا تجدون حد الزاني فى كتابكم قال لا والله ولولا انك

نشدتنى لم أخبرك نحد حد الزاني فى كتابنا الرجم ولكنه كثر فى اشرافنا فكنا إذا أخذ الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم انى أول من احيى أمرك إذا أماتوه فامر به فرجم فانزل الله تعالى يا ايها الرسول لا يحزنك الى قوله ان أوتيتم هذا فخذوه يقولون ايتوا محمدا فان افتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وان افتاكم بالرجم فاحذروا الى قوله ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون وذكر البغوي هذه القصة بان امرأة ورجلا من اشراف خيبر زنيا وكانا محصنين وكان حدهما فى التورية الرجم فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فارسلوا الى إخوانهم بنى قريظة وقالوا سلوا محمدا عن الزانيين إذا احصنا ما حدهما فان أمركم بالجلد فاقبلوا منه وان أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا منه وأرسلوا معهم الزانيين فقالت قريظة والنضير إذا والله يأمركم بما تكرهون ثم انطلق منهم كعب بن اشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الضيف ولبابة بن ابى الحقيق وغيرهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا احصنا ما حدهما فى كتابك فقال هل ترضونى بقضائي قالوا نعم فنزل جبرئيل بالرجم فاخبرهم بذلك فابوا ان يأخذوا به فقال جبرئيل جعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا امرد ابيض اعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا قالوا نعم قال فاى رجل هو فيكم قالوا هو اعلم يهودى بقي على وجه الأرض بما انزل الله سبحانه على موسى فى التورية قال فارسلوا اليه فاتاهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت ابن صوريا قال نعم قال وأنت اعلم اليهود قال كذلك يزعمون قال أتجعلونه بينى وبينكم قالوا نعم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله الذي لا اله الا هو الذي انزل التورية على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق ال فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وانزل عليكم المن والسلوى وانزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون فى كتابكم الرجم على من أحصن قال ابن صوريا نعم والذي ذكرتنى لولا خشيه ان يحرقنى التورية ان كذبت وغيرت ما اعترفت لك ولكن كيف هى فى كتابك يا محمد قال إذا شهد اربعة رهط عدول انه قد ادخله فيها كما يدخل الميل فى المكحلة وجب عليه الرجم قال ابن صوريا والذي انزل التورية

[سورة المائدة (5) : آية 41]

على موسى هكذا انزل الله فى التورية على موسى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان أول ما ترخصتم به امر الله قال كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزناء فى اشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل اخر فى اسرة من الناس فاراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه فقالوا والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك فقلنا تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الوضيع والشريف فوضعنا الجلد والتحميم فامر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بهما عند باب مسجده وقال اللهم انى أول من احيى أمرك إذا ماتوه فانزل الله عز وجل. يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ صنيع الَّذِينَ يُسارِعُونَ يقعون سريعا فِي الْكُفْرِ اى فى انكار ما يجب فى الشرع إقراره والاعتقاد به إذا وجدوا منه فرصة روى البغوي بسنده عن ابن عمر قال ان اليهود جاؤا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ان رجلا منهم وامراة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون فى التورية فى شان الرجم قال نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم ان فيها لاية الرجم فاتوا بالتورية فنشروها فوضع أحدهم يده على اية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله ارفع يدك فرفع يده فاذا فيها اية الرجم قالوا صدق محمد فيها اية الرجم فامر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما فقال عبد الله فرايت الرجل يحنى على المرأة يقيها الحجارة واخرج احمد فى مسنده عن جابر بن عبد الله قال زنى رجل من اهل فدك فكتب اهل فدك الى ناس من اليهود بالمدينة ان سألوا محمدا عن ذلك فان أمركم بالجلد فخذوه عنه وان أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه فسألوه عن ذلك فذكر نحو حديث مسلم فامر به فرجم فنزلت فان جاءوك فاحكم بينهم الاية واخرج البيهقي فى الدلائل من حديث ابى هريرة نحوه وقال البغوي وقيل سبب نزول الاية القصاص وذلك ان بنى نضير كان لهم فضل على بنى قريظة فقال بنو قريظة إخواننا بنى النضير أبونا واحد وديننا واحد ونبيّنا واحد وإذا قتلوا منا قتيلا لم يقيدونا واعطون ديته سبعون وسقا من تمر وإذا قتلنا منهم قتلوا القاتل وأخذوا منا الضعف مائة وأربعين وسقا من تمر وإن كان القتيل امرأة قتلوا بها رجلا منا وبالرجل رجلين وبالعبد حرامنا وجراحاتنا على التضعيف من جراحاتهم فاقض بيننا وبينهم فانزل الله عز وجل هذه الاية كذا روى

احمد وابو داؤد عن ابن عباس قال أنزلها الله فى طائفتين من اليهود قهرت إحداهما الاخرى فى الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على ان كل قتيل قتلته العزيزة فديته خمسون وسقا وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق فكانوا على ذلك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا فارسلت العزيزة ان ابعثوا الدية مائة وسق فقال الذليلة وهل كان ذلك فى حيين قط دينهما واحد ونسبتهما واحدة وبلدهما واحد دية بعضهم نصف دية بعض انا أعطيناكم هذا ضيما «1» منكم لنا وفرقا «2» فاما إذا قدم محمد فلا تعطيكم فكادت الحرب تهيج وبينهما ثم ارتضوا على ان جعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فارسلوا اليه ناسا من المنافقين ليختبروا رايه فانزل الله عز وجل يا ايها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر مِنَ الَّذِينَ قالُوا بيان لقوله الذين يسارعون آمَنَّا مقولة قالوا بِأَفْواهِهِمْ متعلق بقالوا لا بآمنا وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ فى محل النصب على الحال من فاعل قالوا ويحتمل العطف على قالوا وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا عطف على من الذين قالوا يعنى من المنافقين واليهود سَمَّاعُونَ خبر مبتدأ محذوف اى هم سماعون والضمير للفريقين او للذين يسارعون ويجوز ان يكون مبتدأ ومن الذين هادوا خبره اى من اليهود قوم سماعون لِلْكَذِبِ اللام اما مزيدة للتاكيد او لتضمين السماع معنى القبول اى قابلون لما يفتريه الأحبار او للعلة والمفعول محذوف اى سماعون كلامك ليكذبوا عليك فيها بالزيادة والنقصان والتغير والتبديل وقيل اللام بمعنى الى اى سماعون الى كذب أحبارهم سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ من اليهود لَمْ يَأْتُوكَ اى لم يحضروك وتجافوا عنك تكبرا او افراطا فى البغض واللام فى لقوم اما لتضمن السماع معنى القبول اى مصغون لقوم آخرين قابلون كلامهم واما للعلة اى سماعون لاجلهم والإنهاء إليهم اى هم يعنى بنى قريظة جواسيس لقوم آخرين وهم اهل خيبر ويجوز ان يتعلق اللام بالكذب وسماعون الثاني مكرر للتاكيد اى سماعون كلامك ليكذبوا عليك لقوم آخرين أمي للانهاء إليهم يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ المنزلة فى التورية من اية الرجم والقصاص وغير ذلك والكلم اسم جنس او اسم جمع وليس بجمع ولذلك أفرد الضمير نظرا الى لفظه فى قوله تعالى مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ اى من بعد وضعه الله تعالى مواضعه معنى يحرفون الكلم

_ (1) الضيم الظلم 12 قاموس (2) الفرق بالفتحتين الخوف 12 نهاية [.....]

[سورة المائدة (5) : آية 42]

عما هو فى التورية اما لفظا بان يغيروه بغيره او معنى بان يحملوه على غير ما أريد منه والجملة صفة اخرى لقوم او صفة لسماعون او حال من الضمير فيه او استيناف لا موضع من الاعراب او فى موضع الرفع خبرا عن مبتدأ محذوف اى هم يحرفون وكذلك قوله تعالى يَقُولُونَ وجاز ان يكون حالا من الضمير فى يحرفون إِنْ أُوتِيتُمْ يعنى ان أتاكم محمد صلى الله عليه وسلم حكما مثل هذا المحرف فَخُذُوهُ اى اعملوا به وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ يعنى افتاكم محمد صلى الله عليه وسلم بخلافه فَاحْذَرُوا قبول ما افتاكموه وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ ضلالته او هلاكه او عذابه فَلَنْ تَمْلِكَ يا محمد لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً اى لن تقدر ولن تستطيع له شيئا من الاستطاعة كائنة من الله تعالى فى دفع مراده او لن تقدر دفع شىء من مراده تعالى فقوله تعالى أمن الله اما متعلق بقوله تملك ومن ابتدائية او ظرف مستقر حال من شيئا وشيئا منصوب على المصدرية او المفعولية فيه حجة لنا على المعتزلة فى ان مراد الله لا ينفك عن إرادته أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ من الكفر اية محكمة دالة على فساد قول المعتزلة ان الله يريد من كل عباده الايمان دون الكفر لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ هوان بالقتل كما وقع فى بنى قريظة او بالجزية والخوف من المؤمنين وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ وهو الخلود فى النار والضمير للذين هادوا على تقدير الاستيناف بقوله ومن الذين هادوا والا فللفريقين سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ كرر للتأكيد اى هم سماعون ومثله. أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ قرأ ابن كثير وابو عمرو والكسائي وابو جعفر فى المواضع الثلاثة بضم الحاء والباقون بإسكانها ومعناه الحرام وأصله الهلاك قال الله تعالى فيسحتكم بعذاب قال الأخفش السحت كل كسب لا يحل نزلت الاية فى حكام اليهود كعب بن الأشرف وأمثاله كانوا يرتشون ويقضون لمن رشاهم ويسمعون الكذب ويقبلونه من الراشي ولا يلتفتون الى خصمه وقال الحسن ومقاتل وقتادة والضحاك السحت هو الرشوة فى الحكم وقال الحسن انما ذلك فى الحكم إذا رشوته ليحق لك باطلا او يبطل عليك حقا فاما ان يعطى الرجل الوالي يخاف ظلمه ليدرأ به عن نفسه الظلم فلا بأس به يعنى لا بأس به على المعطى فى دفعه وقاية لنفسه وماله واما على الاخذ فحرام اخذه قلت وكذا إذا كان المدعى محقا يرى ان القاضي لا يحكم له بحقه ولا يدفع عنه ظلم

خصمه الا بدفع الرشوة فلا بأس له فى الدفع وحرام على القاضي الاخذ لان الحكم بالحق ودفع الظلم واجب عليه لا يجوز له ان يأخذ عليه شيئا قال ابن مسعود من يشفع شفاعة ليرد بها حقا او يدفع بها ظلما فاهدى له فقبل فهو سحت فقيل له يا باعبد الرحمن ما كنا نرى ذلك الا الاخذ على الحكم فقال الاخذ على الحكم كفر قال الله عز وجل ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون وعن مسروق قال قلت لعمر بن الخطاب ارايت الرشوة فى الحكم من السحت هى قال لا ولكن كفر انما السحت ان يكون للرجل عند السلطان جاه ومنزلة ويكون للاخر الى السلطان حاجة فلا يقضى حاجته حتى يهدى اليه هدية وعن عمر قال بابان من السحت يأكلهما الناس الرشا فى الحكم ومهر الزانية وعن ليث قال تقدم الى عمر بن الخطاب خصمان فاقامهما ثم عادا فاقامهما ثم عادا ففصل بينهما فقيل له فى ذلك فقال تقدما الى فوجدت لاحدهما ما لم أجد لصاحبه فكرهت ان افصل بينهما على ذلك ثم عادا فوجدت بعض ذلك فكرهت ثم عادا قد ذهب ذلك ففصلت بينهما وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعنة الله على الراشي والمرتشي فى الحكم رواه احمد والترمذي وصححه والحاكم عن ابى هريرة وروى البغوي نحوه عن عبد الله بن عمر ومرفوعا وروى احمد بإسناد ضعيف عن ثوبان مرفوعا لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يسعى بينهما. (فائدة) قال ابن همام الرشوة على اقسام منها ما هو حرام على الاخذ والمعطى وهو الرشوة فى تقليد القضاء فلا يصير قاضيا وارتشاء القاضي ليحكم فلا ينفذ قضاؤه فى تلك الواقعة وان حكم بحق لانه واجب عليه فلا يحل أخذ المال عليه ولا إعطائه ومنها ما هو حرام على الاخذ دون المعطى كما إذا اعطى المال ليسوى امره عند السلطان دفعا للضرر او جلبا للنفع وحيلة حلها للاخذ ان يستاجر يوما الى الليل او يومين فيصير منافعه مملوكة له ثم يستعمله فى الذهاب الى السلطان للامر الفلاني وكذا إذا ما اعطى المال لدفع الخوف من المدفوع اليه على نفسه او ماله حرام على الاخذ دون المعطى لان دفع الضرر على المسلم واجب ولا يجوز أخذ المال على الفعل الواجب. (فائدة) وفى المحيط الرشوة على انواع نوع منها ان يهدى الرجل الى رجل مالا لابتغاء التودد والتحبب وهذا حلال من جانب المهدى والمهدى اليه قلت وفى الباب قوله صلى

الله عليه وسلم تهادوا تحابوا ونوع منها ان يهدى الرجل الى رجل ما لا بسبب ان ذلك الرجل قد خوفه فيهدى اليه ما لا ليدفع الخوف عن نفسه او يهدى الى السلطان مالا ليدفع ظلمه عن نفسه او ماله وهذا النوع لا يحل للاخذ وعامة المشايخ على انه يحل للمعطى لانه بذل ماله وقاية لنفسه وماله ونوع منها ان يهدى الرجل الى رجل مالا يسوى امره فيما بينه وبين السلطان ويعينه فى حاجته فان كان حاجته حراما لا يحل من الجانبين الاخذ والإعطاء وان كان مباحا فان كان قد اشترط انه انما يهدى اليه ليعينه عند السلطان لا يحل الاخذ وهل يحل الإعطاء تكلموا فيه فمنهم من قال يحل ومنهم من قال لا يحل والحيلة فيه ان يستاجره صاحب الحادثة يوما الى الليل ليقوم بعمله وان لم يشترط لكن انما يهدى اليه ليعينه عند السلطان فقال عامة المشايخ لا يكره اخذه وقيل يكره كذا نقل عن ابن مسعود فَإِنْ جاؤُكَ يا محمد يعنى اليهود لتحكم بينهم فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً خيّر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم إذا تحاكم اليه الكفار بين الحكم والاعراض قال البغوي اختلفوا فى حكم هذه الاية اليوم هل للحاكم الخيار فى الحكم بين اهل الذمة إذا تحاكموا إلينا فقال اكثر اهل العلم هو حكم ثابت وليس فى سورة المائدة منسوخ حكام المسلمين بالخيار فى الحكم بين اهل الكتاب ان شاؤا حكموا وان شاؤا لم يحكموا وان حكموا حكموا بحكم الإسلام وهو قول النخعي والشعبي وعطاء وقتادة وقال قوم يجب على حكام المسلمين ان يحكم بينهم والاية منسوخة نسخها قوله تعالى وان احكم بينهم بما انزل الله وهو قول مجاهد وعكرمة وروى ذلك عن ابن عباس وقال لم ينسخ من المائدة الا آيتان قوله تعالى لا تحلوا شعائر الله نسخها قوله تعالى اقتلوا المشركين كافة وقوله تعالى فان جاؤك فاحكم بينهم او اعرض عنهم نسخها قوله تعالى وان احكم بينهم بما انزل الله قال البيضاوي قيل لو تحاكما الكتابيان الى القاضي لم يجب عليه الحكم وهو قول الشافعي والأصح وجوبه إذا كان الترافعان او أحدهما ذميا لانا التزمنا الذنب عنهم ودفع الظلم منهم والاية ليست فى اهل الذمة وعند ابى حنيفة رحمه الله يجب مطلقا قلت إذا ترافع الى القاضي كافران ذميان او حربيان يجب على القاضي الحكم بينهما بالعدل لانه التزم من السلطان القضاء بالحق وكذا إذا ترافع أحدهما والمدعى عليه

[سورة المائدة (5) : آية 43]

مسلم او ذمى لالتزامه حكم الشرع بالإسلام او الاستسلام بخلاف ما إذا كان المدعى عليه حربيا حيث لم يلتزم أحكامنا واما إذا ترافع مسلمان او ذميان او حربيان او مختلفان الى رجل من المسلمين غير الحكام ليحكم بينهم لا يجب عليه قبول التحكيم بل هو بالخيار ان شاء حكم بينهم وان شاء اعرض عنهم وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ بالعدل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ العادلين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان المقسطين عند الله على منابر من نور رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أفضل عباد الله عند الله منزلة يوم القيامة امام عادل رفيق وان شر الناس عند الله منزلة امام جائر خرق «1» رواه البيهقي فى شعب الايمان. وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به والحال انهم يعلمون حكم الله فان عندهم التورية فيها حكم الله وهو الرجم وهم لا يعملون به والحاصل انه ليس غرضهم من تحكيمهم إياك إصابة الحق واقامة الشرع بل انما يطلبون ما يكون أهون عليهم وان لم يكن حكم الله وقوله فيها حكم الله حال من التورية ان رفعتها بالظرف وان جعلتها مبتدأ فمن ضميرها المستكن فى الظرف وتانيثها لكونها نظيرة المؤنث فى كلام العرب كرماة ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ عطف على يحكمونك داخل فى التعجيب يعنى ثم يعرضون عن حكمك الموافق لكتابهم مِنْ بَعْدِ ذلِكَ اى بعد تحكيمك وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ 6 بشئ من كتب الله تعالى لا بالتورية والا لعملوا بها وأمنوا بما يصدقه ويوافقه ولا بكتابك. إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً الى الحق وَنُورٌ ينكشف به احكام الله تعالى ويجتلى به القلوب الغير القاسية يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ موسى ومن بعده من الأنبياء آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم قضى عليهم بالرجم وقال الحسن والسدى أراد به محمدا صلى الله عليه وسلم حكم على اليهود بالرجم وذكر بلفظ الجمع كما فى قوله تعالى ان ابراهيم كان امة قانتا ويحكم بصيغة المضارع يدل على ان حكم محمّد صلى الله عليه وسلم ايضا داخل فى المقصود بالآية وقيل ان المراد بالنبيين هاهنا الذين بعثوا بعد موسى قبل عيسى

_ (1) الخرق بالضم الجهل والحمق 12

ليحكموا بالتورية بقرينة قوله تعالى وقفينا على اثارهم بعيسى وعلى تقدير شمول كلمة النبيين المذكورة محمدا صلى الله عليه وسلم وغيره لا بد من التأويل فى قوله تعالى وقفينا على اثارهم بان الضمير راجع إليهم بالنسبة الى بعض افرادهم كما فى قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن ومن هاهنا قال ابو حنيفة يجب علينا العمل بشرائع من قبلنا ما لم يظهر نسخه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا اولى الناس بعيسى بن مريم فى الاولى والاخرة الأنبياء اخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد الحديث متفق عليه يعنى دينهم واحد وهو ما قضى الله به سبحانه وطرق ظهور ذلك الدين فى الدنيا شتى بعدد تعينات الأنبياء الَّذِينَ أَسْلَمُوا اى انقادوا الحكم الله صفة أجريت على النبيين مدحا لهم وتنويها لشان المسلمين وتعريضا لليهود حيث لا يحكمون بما فى التورية ولا ينقادون لحكم الله تعالى لِلَّذِينَ هادُوا اى تابوا من الكفر متعلق بانزلنا او بالظرف المستقر أعنى فيها هدى ونورا وبيحكم اى يحكمون بها فى تحاكمهم وعلى التقدير الثالث قيل اللام بمعنى على كما فى قوله تعالى وان أسأتم فلها يعنى فعليها وقوله تعالى أولئك لهم اللعنة اى عليهم قلت وعلى هذا التأويل جاز ان يكون معنى الاية يحكم النبيون بالتورية على اليهود بكفرهم فان التورية يحكم عليهم انه إذا جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال البيضاوي هذا القيد يعنى للذين هادوا يدل على ان المراد بالنبيين فى هذه الاية أنبياء بنى إسرائيل الذين بعثوا بعد موسى عليه السّلام ليحكموا بما فى التورية لا من لم يومر بما فى التورية ومنهم عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم وكذا قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وهذا القول منه مبنى على مذهب الشافعي رح ان شرائع من قبلنا لا يكون حجة علينا قلنا قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا لا يدل على نسخ جميع احكام التورية بل على بعضها او أكثرها وما لم يظهر نسخ حكم ثبت بالكتاب او السنة ان الله تعالى حكم به لا بد من العمل به لقوله تعالى فبهدئهم اقتده والله اعلم وَالرَّبَّانِيُّونَ اى الصوفية الزهاد يحكم بها المسترشدين منهم فيما يتعلق بتهذيب الأخلاق وتجلية القلوب وَالْأَحْبارُ جمع حبر بفتح الحاء وكسرها والكسر افصح هو العالم المحكم للشئ وقيل الحبر بمعنى الجمال فى الحديث يخرج من النار رجل قد ذهب حبره

[سورة المائدة (5) : آية 45]

وصبره اى حسنه وهيئته ومنه التحبير للتحسين ويقال للعالم حبرا لما عليه من جمال العلم والعلماء جمال الامة بِمَا اسْتُحْفِظُوا العائد الى الموصول محذوف وبيانه من قوله تعالى مِنْ كِتابِ اللَّهِ الجار والمجرور متعلق بيحكم والباء للسببية والضمير المرفوع فى استحفظوا راجع الى النبيين والربانيين والأحبار والاستحفاظ منهم تكليفهم بحفظه والعمل به ومنعهم عن نسيانه وعن ترك العمل به وعن التضييع والتحريف يعنى يحكم بها الأنبياء ومن تبعهم بسبب أمرهم الله تعالى بان يحفظوه وَكانُوا عَلَيْهِ اى على الاستحفاظ من الله او على كتاب الله شُهَداءَ رقباء يعلمونه ويبينونه فَلا تَخْشَوُا ايها الحكام النَّاسَ فى الحكومة على خلاف مرادهم وَاخْشَوْنِ فى ترك العمل بكتابي واحكامى اثبت الياء فى الوصل فقط ابو عمرو وحذفها الجمهور فى الحالين اخرج ابن عساكر والحكيم الترمذي عن ابن عباس انه قال انما يسلط على ابن آدم من خافه ابن آدم فان لم يخف الا الله لم يسلط عليه غيره وانما وكل ابن آدم بمن رجا ابن آدم فان لم يرج ابن آدم الا الله لم يكله الى سواه وَلا تَشْتَرُوا اى لا تستبدلوا بِآياتِي باحكامى التي أنزلتها ثَمَناً قَلِيلًا من متاع الدنيا على سبيل الرشوة ونحو ذلك هذا صريح فى ان حكام هذه الامة مأمورون بالحكم بما ثبت كونه فى التورية ولم يثبت نسخه وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مستهينا به جاحدا له كذا قال عكرمة فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ان لم يحكم بالاستهانة وقيل المراد بالكفر الفسق وجاز ان يكون المراد بالكفر ستر الحق قال ابن عباس وطاووس ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعل فهو به كفر يعنى ستر الحق وليس كمن كفر بالله واليوم الاخر. وَكَتَبْنا اى فرضنا عَلَيْهِمْ اى على بنى إسرائيل فِيها اى فى التورية أَنَّ النَّفْسَ القاتلة حرا كانت او رقيقا ذكرا كانت او أنثى مسلما كانت او ذميا تقتل بِالنَّفْسِ المقتولة كيفما كانت وقد مرحكم هذه المسألة فى شريعتنا فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى الحر بالحر الاية وَالْعَيْنَ تقفأ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ تجدع بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ تقطع بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ تقلع بِالسِّنِّ قرأ الكسائي العين والانف والاذن والسن بالرفع على انها جمل متعاطفة عطفت على ان وما فى حيزها كانه قيل كتبنا عليهم النفس بالنفس فان الكتابة والقراءة يقعان على الجمل كالقول او مستانفة ومعناها وكذلك العين مقفوة بالعين والانف

مجدوعة بالأنف والاذن مقطوعة بالاذن والسن مقلوعة بالسن او على ان المرفوع منها معطوف على المستكن فى قوله بالنفس وانما ساغ لانه فى الأصل مفصول عنه بالظرف والجار والمجرور مبنية للمعنى والباقون بالنصب وقرأ نافع الاذن بالاذن وفى اذنيه بإسكان الذال حيث وقع والباقون بضمها وَالْجُرُوحَ ذات قِصاصٌ قرأ ابن كثير والكسائي وابو عمرو وابن عامر وابو جعفر بالرفع على انه إجمال للحكم بعد التفصيل والباقون بالنصب عطفا على اسم ان وهذا تعميم بعد التخصيص ولفظ القصاص ينبئ عن المماثلة فكل ما أمكن فيه رعاية المماثلة يجب فيه القصاص ومالا فلا فاليد ان قطع من المفصل عمدا قطعت يد الجاني من ذلك المفصل وانكانت يده اكبر من اليد المقطوعة وكذلك الرجل ومارن الانف والاذن والسن لامكان رعاية المماثلة ومن ضرب عين رجل فقلعها لا قصاص عليه لامتناع المماثلة فى القلع فان كانت العين قائمة وذهب ضوءها فعليه القصاص لا مكان المماثلة فتحمى له المرأة ويجعل على وجهه قطن رطب ويقابل عينه بالمرءاة فيذهب ضوءها وهو ماثور عن جماعة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين قال فى الكفاية هذه حادثة وقعت فى زمن عثمان فسأل الصحابة عنها فلم يكن عندهم جواب فحضر على رض فاجاب بهذا فقضى عثمان بهذا ولم ينكر عليه أحد فصار اجماعا ولا قصاص فى عظم الا فى السن. (مسئلة:) ولا يقتص من الجراحة الا بعد الاندمال عند ابى حنيفة واحمد وقال الشافعي يقتص فى الحال لنا حديث جابر ان رجلا جرح فاراد ان يستقيد منه فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح رواه الدارقطني. (مسئلة:) من قطع يد رجل من نصف الساعد او جرحه جائفة فبرأ منها فلا قصاص عليه لانه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه إذ الاول كسر العظم ولا ضابطة فيه وكذا البرأ نادر فيفضى الثاني الى الهلاك ظاهرا وقال الشافعي لو كسر عضده وابانه قطع من المرفق وله حكومة الباقي وكذا فى كسر الساعد وغيره من العظام ان له قطع اقرب مفصل من موضع الكسر وحكومة الباقي. (مسئلة:) لا قصاص عند ابى حنيفة فى اللسان ولا فى الذكر الا ان يقطع الحشفة

لانهما ينقبضان وينبسطان فلا يمكن اعتبار المماثلة وعن ابى يوسف انه إذا قطع اللسان او الذكر من أصله يجب القصاص وبه قال الشافعي واحمد لانه يمكن اعتبار المساواة والشفة ان استقصاها بالقطع يجب القصاص لامكان اعتبار المماثلة بخلاف ما إذا قطع بعضها لانه يتعذر اعتبارها. (مسئلة:) ولا يقطع اليد الصحيحة باليد الشلاء ولا يمين بيسار ولا يسار بيمين اجماعا- (مسئلة:) فى العين القائمة بلا نور واليد الشلاء ولسان الأخرس والذكر الأشل والإصبع الزائدة حكومة عدل عند الجمهور وعند احمد فيها ثلث دية العضو الصحيح لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى فى العين العوراء السادة مكانها إذا طمست ثلث ديتها وفى اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها وفى السن السوداء إذا نزعت بثلث ديتها رواه البيهقي من طريق النسائي وعن ابن عباس موقوفا فى اليد الشلاء ثلث الدية وفى العين القائمة إذا حشفت ثلث الدية رواه الدارقطني. (مسئلة:) ان كانت يد المقطوع صحيحة ويد القاطع شلاء او ناقصة الأصابع فالمقطوع بالخيار عند ابى حنيفة رحمه الله ان شاء قطع اليد المعيبة ولا شىء غيرها وان شاء أخذ الأرش كاملا لان استيفاء الحق كملا متعذر فله ان يتجوز بدون حقه وله ان يعدل الى البدل وعند الشافعي يجب الأرش لا غير. (مسئلة:) من شج رجلا فاستوعبت الشجة ما بين قرنيه وهى لا تستوعب ما بين قرنى الشاج فالمشجوج بالخيار ان شاء اقتص بمقدار شجته يبتدئ بها من اى الجانبين شاء وان شاء أخذ الأرش وفى عكسه يخير ايضا. (مسئلة:) ويجرى القصاص فى كسر السن كما يجرى فى قلعها عند ابى حنيفة رحمه الله وقال الشافعية لا قصاص فى الكسر لامتناع التماثل قلنا يمكن التماثل إذا يبرد بالمبرد وفى الباب حديث انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالقصاص فى السن رواه النسائي وعن انس ايضا قال كسرت الربيع وهى عمة انس بن مالك ثنية جارية من الأنصار فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فامر بالقصاص فقال انس بن النضر عم انس ابن مالك لا تكسر

ثنيتها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا انس كتاب الله القصاص فرضى القوم وقبلوا الأرش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من عباد الله من لو اقسم على الله لا بره متفق عليه. (مسئلة:) ليس فيما دون النفس شبهة عمد انما هو عمدا وخطاء لان شبه العمد فيما دون النفس عمد. (مسئلة:) لا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس ولا بين الحر والعبد ولا بين العبدين عند ابى حنيفة رحمه الله وعند الائمة الثلاثة يجرى القصاص فى جميع ذلك الا فى الحر يقطع طرفا للعبد جريا على أصلهم من انه لا يقتص حر لعبد لقوله تعالى الحر بالحر وهذه الاية بعمومها يعنى العين بالعين حجة لهم على ابى حنيفة ووجه قول ابى حنيفة ان الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فينعدم التماثل بالتفاوت فى القيمة وهو معلوم قطعا بتقويم الشرع فامكن اعتباره بخلاف الأنفس لان المتلف به الحيوة بازهاق الروح ولا تفاوت فيه. (مسئلة:) يجب القصاص فى الأطراف بين المسلم والذمي عند ابى حنيفة رحمه الله للتساوى بينهما فى الأرش عنده وقال الشافعي واحمد ان قطع المسلم طرف كافر فلا قصاص لعدم جريان القصاص بينهما فى الأنفس وقد مر المسألة فى سورة البقرة فَمَنْ تَصَدَّقَ من اصحاب الحق بِهِ اى بالقصاص وعفا عن الجاني فَهُوَ اى التصدق كَفَّارَةٌ لَهُ اى للمتصدق كذا قال عبد الله بن عمرو بن العاص والحسن والشعبي وقتادة اخرج ابن مردويه عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله فمن تصدق به فهو كفارة له قال هو الرجل يكسر سنه او يقطع يده او يقطع شىء منه او يجرح فى بدنه فيعفو عن ذلك فيحط عنه قدر خطاياه فان كان ربع الدية فربع خطاياه وإن كان الثلث فثلث خطاياه وانكانت الدية حطت عنه خطاياه كذلك وروى الطبراني فى الكبير بسند حسن عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصدق من جسده بشئ كفر الله بقدره من ذنوبه والطبراني والبيهقي عن سنجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابتلى فصبروا عقل فشكر وظلم فغفر وظلم فاستغفر أولئك لهم الا من وهم مهتدون وروى الترمذي وابن ماجة عن ابى الدرداء

[سورة المائدة (5) : آية 46]

قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل يصاب بشئ فى جسده فتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه خطيئة وكما أصيب شيخنا «1» وامامنا بجراحة توفى بها واستشهد أرسل اليه امير «2» الأمراء وقال لاقيدن ممن جنى عليك ايها الشيخ فقال الشيخ رضى الله تعالى عنه لا تعرضوا بمن جنى علىّ فتصدق الشيخ به وقيل الضمير عائد الى الجاني المفهوم مما سبق معنى عفوه كفارة لذنب الجاني لا يوخذ به فى الاخرة كما ان القصاص كفارة له واما اجر العافي فعلى الله قال الله تعالى فمن عفا وأصلح فاجره على الله قال البغوي روى ذلك عن ابن عباس وبه قال مجاهد وابراهيم وزيد بن اسلم وجاز ان يكون معنى الاية فمن تصدق به اى انقاد للقصاص لمن وجب له القصاص فهو كفارة له من ذنوبه قال الله تعالى ولكم فى القصاص حيوة يأولى الألباب وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ من القصاص وغيره فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ بالامتناع من ذلك. وَقَفَّيْنا اى اتبعناهم يعنى النبيين حذف المفعول لدلالة الجار والمجرور عليه اعنى عَلى آثارِهِمْ اى على اثار النبيين الذين اسلموا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مفعول ثان عدى اليه الفعل بالباء مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ فى موضع النصب على الحال من الإنجيل وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ اى الإنجيل مِنَ التَّوْراةِ عطف على فيه هدى وكذا قوله وَهُدىً وَمَوْعِظَةً وجاز نصبهما على العلية عطفا على محذوف يعنى رحمة للناس وهدى وموعظة لِلْمُتَّقِينَ لانهم هم المنتفعون به او تعلقا بمحذوف تقديره واتيناه هدى وموعظة وعلى تقدير نصبهما على العلية عطفا عليهما. وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ فى قراءة حمزة بكسر اللام ونصب يحكم يعنى ولكى يحكم وعلى التأويل الاول لام كى متعلق بمحذوف تقديره واتيناه ليحكم واما على قراءة الجمهور بسكون اللام والجزم على انه صيغة امر والجملة مستانفة فان قيل الإنجيل نسخ بالقران وصيغة الأمر للحال او للاستقبال فكيف يتصور الأمر بالحكم بما فى الإنجيل قلنا لا نسلم انه منسوخ بجميع أحكامه وما نسخ منه فتركه باتباع القران محكوم فيه فالحكم بالناسخ الذي ورد فى القران حكم بما انزل الله فى الإنجيل والحكم بالمنسوخ بعد النسخ ترك العمل بالإنجيل

_ (1) المراد به مرزاجا نجانا مظهر مرحوم 12 (2) نواب مرزا نجف خان 12

[سورة المائدة (5) : آية 48]

واهل الإنجيل هم امة عيسى عليه السّلام قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وامة محمّد صلى الله عليه وسلم بعد بعثته بدليل قوله تعالى لعيسى وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ الخارجون عن حكمه او عن الايمان بالاستهانة. وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ يا محمد الْكِتابَ القران متلبسا بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ اى من جنس الكتب المنزلة فاللام الاولى للعهد والثانية للجنس وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ روى الوالبي عن ابن عباس رضى الله عنهما اى شاهدا وهو قول مجاهد وقتادة والسدى والكسائي وقال عكرمة دالا وقال سعيد بن جبير وابو عبيدة موتمنا عليه وقال الحسن أمينا وقال سعيد بن المسيّب والضحاك قاضيا وقال الخليل رقيبا وحافظا والمعنى متقاربة ومعنى الكل ان كل كتاب يشهد به القران ويصدقه فهو كتاب الله قال ابن جريح القران أمين على ما قبله من الكتب فما اخبر اهل الكتاب من كتابهم فانكان فى القران فصدقوه والا فكذبوه يعنى الكان فى القران تصديقه فصدقوه وإن كان فى القران تكذيبه فكذبوه وان كان القران ساكتا عنه فاسكتوا عنه لاحتمال الصدق والكذب من اهل الكتاب قيل اصل مهيمن ما يمن مفيعل من الامانة فقلبت الهمزة هاء فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ اى بين الناس بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فى القران فانه اما موافق لما سبق من الاحكام او ناسخ له وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ اى أهواء الناس ان أرادوا منك الحكم على خلاف ما انزل الله عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ متعلق بقوله لا تتبع لتضمنه معنى لا تنحرف او حال من فاعله اى لا تتبع أهواءهم معرضا عما جاءك من الحق لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ اى جعلنا لكل امة منكم ايها الناس شِرْعَةً اى شريعة وهى الطريق الى الماء شبه الدين لانه طريق الى ما هو سبب للحيوة الا بدية وَمِنْهاجاً طريقا واضحا فى الدين من نهج الأمر إذا وضح استدل البيضاوي بهذه الاية على انا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة ونحن نقول إذا ثبت بالقران او السنة ان الله تعالى حكم بشئ فى شىء من الكتب السابقة ولم يثبت نسخه فنحن متعبدون به بناء على انه من احكام شريعتنا والقول بترك جميع ما نزل فى الكتب السابقة لا يساعده عقل ولا نقل واختلاف الشرائع انما هو باختلاف اكثر الفروع مع اتحاد الأصول لا محالة وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً

[سورة المائدة (5) : آية 49]

جماعة متفقة على جميع الفروع فى جميع الاعصار من غير نسخ وتبديل وَلكِنْ لم يشأ ذلك وجعلكم امما شتى على شرائع مختلفة لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ من الاحكام المناسبة لكل عصر وقرن اى ليعلم من يتبع حكم الله ممن ينقلب على عقبيه جمودا على دين ابائهم وقيل معناه ولو شاء الله اجتماعكم على الإسلام لاجبركم عليه ولكن لم يجبر ليبلوكم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ يعنى بادروا الى الأعمال الصالحة اغتناما للفرصة وحيازة لفضل السبق والتقدم فانه من سن سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها من غير ان ينقص من أجورهم شىء إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً استيناف فيه تعليل للاستباق ووعد ووعيد للمبادرين والمقصرين فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ بالجزاء الفاصل بين المحق والمبطل روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال قال كعب بن اسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس اذهبوا بنا الى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فاتوه فقالوا يا محمد انك قد عرفت انا أحبار اليهود واشرافهم وساداتهم وانا ان اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا وان بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضى لنا عليهم ونؤمن لك فابى ذلك فانزل الله تعالى. وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ الى قوله يوقنون عطف على الكتاب اى أنزلنا إليك الكتاب وأنزلنا إليك الحكم او على الحق اى أنزلناه بالحق وبان احكم وجاز ان يكون جملة بتقدير وأمرنا ان احكم بينهم بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عطف على احكم وكذا وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ اى ان يضلوك ويصرفوك وان مع صلته بدل اشتمال من الضمير المنصوب يعنى احذر فتنتهم او مفعول له يعنى احذرهم مخافة ان يفتنوك او لئلا يفتنوك عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الحكم المنزل وأرادوا غيره فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ اى يعجل لهم الله العقوبة فى الدنيا ببعض ذنوبهم هاهنا وضع المظهر موضع المضمر والمعنى يريد الله ان يصيبهم به اى بذلك التولي فى الدنيا وهذا الإبهام لتعظيم التولي والتنبيه على ان لهم ذنوب كثيرة واحدها هذا وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يعنى من اليهود لَفاسِقُونَ المتمردون المعتدون فى الكفر. أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ قرأ ابن عامر بالتاء الفوقانية على الخطاب والباقون بالتحتانية على الغيبة والمراد بالجاهلية الملة الجاهلية وهى متابعة الهوى

[سورة المائدة (5) : آية 51]

قيل نزلت فى قريظة وبنى النضير طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحكم بما كان يحكم به اهل الجاهلية من التفاضل بين القتلى والاستفهام للانكار يعنى لا تفعل ذلك وَمَنْ أَحْسَنُ يعنى لا أحد احسن مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ 4 اى عندهم واللام للبيان كما فى قولك هيئت لك اى هذا الاستفهام لقوم يوقنون فانهم هم الذين يتدبرون فى الأمور ويتحققون فى الأشياء بانظارهم فيعلمون ان لا احسن حكما من الله تعالى اخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال اسلم عبد الله بن ابى ابن سلول ثم انه قال ان بينى وبين قريظة والنضير حلف وانى أخاف الدوائر فارتد كافرا وقال عبادة بن الصامت انى ابرأ الى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسوله والمؤمنين فانزل الله تعالى هذه الاية الى قوله فترى الذين فى قلوبهم مرض الاية وقوله انما وليكم الله الاية وقوله لو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل اليه ما اتخذوهم اولياء واخرج ابن اسحق وابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع نشب بامرهم عبد الله بن ابى ابن سلول وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ الى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بنى عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم من عبد الله بن ابى فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم قال ففيه وفى عبد الله بن ابى نزلت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا «1» الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ اى لا تعتمدوا عليهم ولا تعاشروهم معاشرة الأحباب بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ايماء الى علة النهى يعنى انهم متفقون على خلافكم واضراركم وتوالى بعضهم بعضا لاتحادهم فى الدين وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ يعنى عبد الله بن ابى فَإِنَّهُ مِنْهُمْ يعنى كافر منافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا الحباب ما نفست «2» من ولاية

_ (1) عن عياض ان عمر امر أبا موسى الأشعري ان يرفع اليه ما أخذ وما اعطى فى أديم واحد وكان له كاتب نصرانى فرفع اليه ذلك فعجب عمر وقال ان هذا لحفيظ بل أنت قارى لنا كتابا فى المسجد جاء من الشام فقال انه لا يستطيع ان يدخل المسجد قال عمرا جنب قال لا بل نصرانى قال فنهزنى وضرب فخذى ثم قال أخرجه ثم قرأ لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء الاية أخرجه ابن ابى حاتم والبيهقي فى شعب الايمان 12 (2) اى ما صرت مرغوبا من ولاية اليهود على عباده 12

[سورة المائدة (5) : آية 52]

اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه قال إذا اقبل وجاز ان يكون قوله تعالى ومن يتولهم منكم فانه منهم مبنيا على التجوز يعنى من يتولهم فهو فاسق والفاسق يشابه الكافر والغرض منه التشديد فى وجوب مجانبتهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا برئ من كل مسلم اقام مع المشركين لا ترا انا راهما رواه الطبراني برجال ثقات عن خالد بن الوليد واخرج ابو داؤد والترمذي والنسائي عن جرير بن عبد الله إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفار وظلموا المؤمنين بموالاة أعدائهم. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعنى عبد الله ابن ابى ابن سلول وأصحابه من المنافقين يُسارِعُونَ فِيهِمْ اى فى موالاة اليهود ومعاونتهم مفعول ثان لترى إن كان من الروية بمعنى العلم والا فهو حال من فاعله يَقُولُونَ حال من فاعل يسارعون نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ من دوائر الزمان بان ينقلب الأمر ويكون الدولة للكفار ولا يتم امر محمّد فيدور علينا كذا قال ابن عباس وقيل معناه نخشى ان يدور الدهر علينا بمكروه فنحتاج الى نصرهم او يصيبنا جدب وقحط فلا يعطونا الميرة اخرج ابن جرير من حديث عطية وابن اسحق ان عبادة بن الصامت قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان لى موالى من اليهود كثيرا عددهم وانى ابرأ الى الله ورسوله من ولايتهم وأو الى الى الله ورسوله فقال ابن ابى انى رجل أخاف الدوائر لا ابرأ من ولاية موالى قال البغوي فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا الحباب ما نفست من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه قال إذا اقبل قال الله تعالى فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ قال قتادة ومقاتل بالقضاء الفصل من نصر محمد صلى الله عليه وسلم على من خالفه وقال الكلبي والسدى فتح مكة وقال الضحاك فتح قرى ليهود خيبر وفدك وغيرها أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ اى اظهار اسرار المنافقين وقتلهم وتفضيحهم او قتل بنى قريظة واجلاء بنى النضير واستيصال اليهود من جزيرة العرب فَيُصْبِحُوا اى هؤلاء المنافقين منصوب بان مقدرة بعد فاء السببية الواقعة بعد عسى لانه بمعنى لعل وهو من ملحقات التمني كما فى قوله تعالى لعلى ابلغ الأسباب اسباب السموات فاطلع بالنصب وجاز ان يكون معطوفا على الفتح تقديره عسى الله ان يأتي بالفتح وصيرورة المنافقين نادمين وجاز ان يكون معطوفا على يأتي وهذا اما على تقدير كون ان يأتي اسم عسى بدلا من الله

[سورة المائدة (5) : آية 53]

مغنيا عن الخير بما تضمنه من الحدث واما على تنزيل عسى الله ان يأتي منزلة عسى ان يأتي الله لان كليهما بمعنى واحد فالتقدير عسى ان يأتي الله بالفتح وعسى ان يصبحوا الا على تقدير كون يأتي خبر عسى لانه حينئذ لا بد من الضمير فى خبر عسى عائدا الى اسمه وجاز ان يقال لفظة الله فى قوله اقسموا بالله مظهر فى موضع الضمير والله اعلم عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ استبطنوه من النفاق وموالاة الكفار فضلا عما أظهروه مما أشعر على نفاقهم نادِمِينَ خبر ليصبحوا والجار والمجرور متعلق به. وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا قرأ الكوفيون بالواو ويقول بالرفع على انه كلام مبتدأ وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر بغير واو وهكذا فى مصاحفهم ويقول بالرفع على الاستيناف كانه فى جواب قائل يقول فماذا يقول المؤمنون حينئذ وقرأ ابو عمرو ويعقوب بالواو ويقول بالنصب على انه معطوف على يصبحوا والمعنى إذا جاء الله بالفتح يصير المنافقون نادمين ويقول المؤمنون متعجبين او على احتمالات اخر ذكرناها فى فيصبحوا والتقدير عسى ان يأتي الله بالفتح وقول المؤمنين كذلك او عسى ان يأتي الله بالفتح او عسى ان يقول المؤمنون او عسى الله ان يقول المؤمنون أهؤلاء المنافقون الذين اقسموا به تعالى كذلك أَهؤُلاءِ يعنى المنافقين الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ اى أغلظها مصدر قائم مقام الجملة الواقعة حالا تقديره اقسموا بالله يجتهدون جهدا ايمانهم ولذلك جاز كونه معرفة او منصوب على المصدرية من اقسموا لانه بمعناه إِنَّهُمْ اى المنافقين لَمَعَكُمْ هذه الجملة جواب للقسم يعنى يقول المؤمنون بعضهم لبعض تعجبا من حال المنافقين حيث كانوا يقسمون بانهم لمع المؤمنين وتبجّحا بما منّ الله عليهم من الإخلاص او يقولون لليهود فان المنافقين كانوا يحلفون لليهود بالمعاضدة ويقولون لهم ان أخرجتم لنخرجن معكم وان قوتلتم لننصرنكم حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ فى الدنيا والاخرة هذه الجملة اما من مقولة المؤمنين او من مقولة الله تعالى شهادة لهم بحبوط أعمالهم وخسرانهم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ «1» قرأ نافع

_ (1) عن قتادة انه قال انزل الله هذه الاية وقد علم انه سيرتد مرتدون من الناس فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم ارتد عامة العرب عن الإسلام الا ثلثة مساجد اهل المدينة واهل مكة واهل جواثا من عبد القيس وقال الذين ارتدوا نصلى الصلاة ولا تزكى والله لا يغصب أموالنا فكلم ابو بكر فى ذلك يتجاوز عنهم وقيل اما انهم لو قد فقهوا أدوا الزكوة فقال والله لا افرق بين شىء جمعه الله لو منعونى عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه فبعث الله بعصائب مع ابى بكر فقاتلوا حتى قتلوا وأقروا بالماعون وهو الزكوة قال قتادة فكنا نتحدث ان هذه الاية نزلت فى ابى بكر وأصحابه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابو الشيخ والبيهقي فى سننه وابن عساكر 12 منه (فائده) لم يوجد قتال مع المرتدين الا فى زمن ابى بكر وقد لامه الصحابة وكرهوا ذلك القتال فى الابتداء فلم يخف لومتهم ثم حمدوه فى الانتهاء 12 منه وعن ابى موسى الأشعري قال قلت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسوف يأتي الله بقوم يحبونه ويحبهم قال هؤلاء من اهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون ثم من تجيب وعن القاسم ابن محمره قال أتيت عمر فرجت فى ثم تلا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ثم ضرب على منكبى وقال احلف بالله انهم لمنكم اهل اليمن ثلثا أخرجه البخاري فى تاريخه قلت وقع قتال عسكر ابى بكر مع اهل الردة بامداد اهل اليمن 12 منه

وابن عامر يرتدد بفك الإدغام والباقون بالإدغام بفتح الدال مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ يعنى عن الإسلام الى الكفر قال الحسن علم الله تبارك وتعالى ان قوما يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم فاخبر انه سياتى فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ العائد الى عن محذوف تقديره فسوف يأتي الله اى يقيم الله تعالى لمدافعتهم قوما منكم يحبهم ويحبونه واختلفوا فى ذلك القوم من هم قال على رض ابن ابى طالب والحسن والضحاك وقتادة هم ابو بكر وأصحابه الذين قاتلوا اهل الردة ومانعى الزكوة وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض ارتد عامة العرب الا اهل مكة والمدينة والبحرين من عبد القيس ومنع بعضهم الزكوة وهمّ ابو بكر بقتالهم فكره ذلك اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال عمر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فمن قاله فقد عصم منى ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على الله عز وجل فقال ابو بكر رض والله لا قاتلن من فرق بين الصلاة والزكوة فان الزكوة حق المال والله لو منعونى عناقا كانوا يؤدونها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال انس بن مالك كرهت الصحابة قتال مانعى الزكوة وقالوا

اهل القبلة فتقلد ابو بكر رض سيفه وخرج وحده فلم يجدوا بدا من الخروج على اثر قال ابن مسعود رض كرهنا ذلك فى الابتداء ثم حمدناه عليه فى الانتهاء قال ابو بكر بن عياش سمعت أبا حفص يقول ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من ابى بكر رض قام بعد النبي صلى الله عليه وسلم فى قتال اهل الردة وقال قد ارتد فى حيوة النبي صلى الله عليه وسلم ثلث فرق منهم مذحج ورئيسهم ذو الحمار عبهلة بن كعب العنسي ويلقب بالأسود وكان كاهنا مشعبدا فتبنّى باليمن واستولى على بلاده فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين وأمرهم ان يحثوا الناس على التمسك بدينهم وعلى النهوض الى حرب الأسود فقتله فيروز الديلمي على فراشه قال ابن عمر فاتى الخبر النبي صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التي قتل فيها وقال النبي صلى الله عليه وسلم قتل الأسود البارحة قتله رجل مبارك قيل ومن هو قال فيروز وفاز فيروز فبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بهلاك الأسود وقبض صلى الله عليه وسلم من الغد واتى خبر مقتل العنسي المدينة فى اخر شهر ربيع الاول بعد مخرج اسامة وكان ذلك أول فتح جاء أبا بكر رض والفرقة الثانية بنو حنيفة باليمامة ورئيسهم مسيلمة الكذاب وكان قد تنبى فى حيوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اخر سنة عشر وزعم انه أشرك مع محمد صلى الله عليه وسلم فى النبوة وكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسيلمة رسول الله الى محمد رسول الله اما بعد فان الأرض نصفها لى ونصفها لك وبعث بذلك اليه رجلين من أصحابه فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ثم أجاب من محمد رسول الله الى مسيلمة الكذاب اما بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى فبعث ابو بكر خالد بن الوليد الى مسيلمة فى جيش كثير حتى أهلكه الله على يدى وحشي غلام مطعم بن عدى الذي قتل حمزة بن عبد المطلب بعد حرب شديد وكان وحشي يقول قتلت خير الناس فى الجاهلية وشر الناس فى الإسلام والفرقة الثالثة بنو اسد ورئيسهم طليحة بن خويلد وكان طليحة اخر من ارتد وادعى النبوة فى حيوة النبي صلى الله عليه وسلم وأول من قوتل بعد وفات النبي صلى الله عليه وسلم من اهل الردة فبعث ابو بكر خالد بن الوليد اليه فهزمهم خالد بعد قتال شديد وأفلت طليحة فمر على

وجهه هاربا نحو الشام ثم انه اسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وقد ارتد بعد وفات النبي صلى الله عليه وسلم فى خلافة ابى بكر رض خلق كثير سبع فرق فزارة قوم عيينة بن حصين وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري وبنو سليم قوم الفجاة بن عبد ياليل وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة وبعض تميم قوم شجاج بنت المنذر المتنبية زوجة مسيلمة وأسلمت آخرا وكندة قوم الأشعث بن قيس وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطيم حتى كفى الله بالمسلمين أمرهم ونصر دينه على يدى ابى بكر رض قالت عائشة توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب واشرب النفاق ونزل بابى ما لو نزل بالجبال الراسيات «1» لها ضمها «2» وارتد فى خلافة عمر غسان قوم جبلة ابن الابهم لما اجرى عليه عمر حكم القصاص تنصر وصار الى الشام وقال قوم المراد «3» بقوم يحبهم ويحبونه هم الأشعريون روى عن عياض بن غنم قال لما نزلت هذه الاية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم هذا وأشار الى ابى موسى الأشعري رواه ابن جرير فى سننه والطبراني والحاكم وكانوا من اليمن عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتاكم اهل اليمن هو أضعف قلوبا وارق افئدة الايمان يمان والحكمة يمانية متفق عليه وقال الكلبي هم احياء من اليمن الفان من النخع وو خمسة آلاف من كندة وبحيلة وثلثة آلاف من إفناء الناس فجاهدوا فى سبيل الله يوم القادسية فى ايام عمر رض أَذِلَّةٍ جمع ذليل من ذل يذل ذلا وذلالة بالضم وذلة بالكسر ومذلة وذلالة بالفتح بمعنى هان كذا فى القاموس والذلة انكانت على الإنسان من نفسه فهى محمودة قال الله تعالى واخفض لهما جناح الذل من الرحمة اى كن كالمقهور لهما وانكانت من غيره عليه فعليه عذاب قال الله تعالى ترهقهم ذلة وضربت عليهم الذلة والمسكنة وضد الذلة العز بمعنى الغلبة والعزيز الذي يقهر ولا يقهر وهى إن كان للانسان من نفسه لنفسه فمذموم قال الله تعالى بل الذين كفروا فى عزة وشقاق وقد يستعار

_ (1) اى القائمات 12 (2) اى كسرها 12 (3) اخرج ابن سعد وابن ابى شيبة واحمد والطبراني والبيهقي فى الشعب عن ابى ذر قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع يحب المساكين وان ادنوا منهم وان انظر الى من هو أسفل منى ولا انظر الى من هو فوقى وان اصل رحمى وان جفانى وان اكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله فانها من كنز تحت العرش وان أقول الحق وان كان مرا ولا أخاف فى الله لومة لائم وان لا أسأل الناس شيئا 12 منه

حينئذ للحمية قال الله تعالى أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وان كانت من الله تعالى فكمال ونعمة قال الله تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين وقال عز وجل من كان يريد العزة فلله العزة جميعا وقال عليه السلام كل عز ليس من الله فهو ذل قال البيضاوي هو جمع ذليل لا ذلول فان جمعه ذلل لكن قال فى القاموس جمع ذليل ذلال وأذلاء واذلة وجمع ذلول ذلل واذلة فاذلة جمع لكليهما قلت فان كان جمع ذلول فهو ضد صعب ومعناهما متقارب وحاصل المعنى انهم متواضعون لينون رحماء متعاطفون عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كان القياس للمؤمنين فاورد على هاهنا بمعنى اللام للمشاكلة التي دعى إليها المقابلة وتنبيها لاختصاص ذلهم بالمؤمنين مع علو مرتبتهم وفضلهم على من يذلون لهم أو هي بمعناها أورد لتضمن الذل معنى العطف والحنوا ويقال ذكر الاذلة فى مقابلة الاعزة تنبى عن نفى عزهم على المؤمنين كانه قيل غيرا عزة على المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ اى أشداء عليهم متغلبين ما استكانوا لهم وما ضعفوا فى مقابلتهم نظير هذه الاية قوله تعالى أشداء على الكفار رحماء بينهم يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حال من الضمير فى اعزة وجاز ان يكون صفة اخرى لقوم وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ الواو يحتمل ان يكون للحال يعنى يجاهدون وحالهم انهم لا يخافون لوم الكفار كما هو حال المنافقين كانوا يخرجون فى جيوش الإسلام اما خوفا من ظهور نفاقهم او طمعا فى الغنيمة ومع ذلك يخافون لومة اولياء هم من اليهود فلا يعملون شيئا مما يعلمون انه يلحقهم لوم من جهتهم او هى عاطفة عطف على يجاهدون بمعنى انهم هم الجامعون بين المجاهدة فى سبيل الله والتصلب فى دينهم عن عبادة بن الصامت قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وان نقوم او نقول بالحق حيث ما كنا لا نخاف فى الله لومة لائم متفق عليه واللومة المرّة من اللوم وفى تنكيرها وتنكير لائم مبالغتان كانه قال لا يخافون شيئا قط من لوم أحد من اللوام ذلِكَ يعنى محبتهم ومحبوبيتهم لله تعالى وذلهم للمؤمنين وقهرهم على الكفار ومجاهدتهم فى سبيل الله وعدم خوفهم من لومة لائم بعد ارتداد قوم منهم وضعف شوكتهم فَضْلُ اللَّهِ عليهم وعطائه يُؤْتِيهِ يمنحه ويوفق به مَنْ يَشاءُ من عباده فمن راى فيه شيئا من ذلك الأوصاف يجب عليه ان يشكر الله تعالى ولا يعجب بنفسه وانى يكون العجب لمن اتصف بهذه الأوصاف

[سورة المائدة (5) : آية 55]

وَاللَّهُ واسِعٌ فضله وقدرته وقالت الصوفية واسع وسعة بلا كيف يتجلى كمالاته فى المظاهر كلها عَلِيمٌ بمواقع اعمال قدرته لا يفوته ما يقتضيه الحكمة. إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا متصل بقوله تعالى لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء وما بينهما اما لتاكيد النهى كقوله تعالى ومن يتولهم منكم فانه منهم وقوله تعالى فترى الذين فى قلوبهم الاية واما لتوطية تعيين من هو حقيق للولاية كقوله تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه الاية وهذه الاية لتعيين من هو حقيق بالولاية والنفي المستفاد بانما هو على قول البصريين لتاكيد النهى المستفاد مما سبق وانما قال وليكم ولم يقل أوليائكم للتنبيه على ان الولاية لله خاصة على الاصالة وما هو لرسوله وللمؤمنين فبالتبع الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ صفة للذين أمنوا لانه جار مجرى الاسم ولو قدر له موصوف يكون صفة ثانية لموصوفه او بدل منه ويجوز نصه على المدح وكذا رفعه بتقدير المبتدأ يعنى هم او الاستيناف فى جواب من الذين أمنوا وَهُمْ راكِعُونَ الواو للعطف على يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة والمعنى هم مصلون صلوة ذات ركوع بخلاف صلوة اليهود والنصارى فانها لا ركوع فيها او المعنى هم خاضعون متخشعون فى صلوتهم وزكوتهم قال الجوهري يستعمل الركوع تارة فى التواضع والتذلل وجاز ان يكون الواو للحال من فاعل يؤتون اى يؤتون الزكوة فى حال ركوعهم فى الصلاة مسارعة الى الإحسان اخرج الطبراني فى الأوسط بسند فيه مجاهيل عن عمار بن ياسر قال وقف على على بن ابى طالب سائل وهو راكع فى تطوع ونزع خاتمه وأعطاه السائل فنزلت انما وليكم الله ورسوله الاية وله شواهد قال عبد الرزاق بن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس فى قوله تعالى انما وليكم الله قال نزلت فى على ابن ابى طالب وروى ابن مردويه عن وجه اخر عن ابن عباس مثله واخرج ايضا عن على مثله واخرج ابن جرير عن مجاهد وابن ابى حاتم عن سلمة بن كهيل مثله وروى الثعلبي عن ابى ذر والحاكم فى علوم الحديث عن على رض فهذه شواهد يقوى بعضها بعضا وهذه القصة تدل على ان العمل القليل فى الصلاة لا يبطلها وعليه انعقد الإجماع وعلى ان صدقة التطوع تسمى زكوة ونزول هذه الاية فى على رض لا يقتضى تخصيص الحكم به لان العبرة لعموم اللفظ دون خصوص المورد كما يدل عليه صيغة الجمع ولعل ذكر

[سورة المائدة (5) : آية 56]

الركوع هاهنا على سبيل التمثيل وعلى مقتضى الحادثة الواردة فيه والمراد منه يؤتون الزكوة فورا على السؤال بلا مهلة وقال البيضاوي ان صح انه نزل فى على رض فلعله جيئى بلفظ الجمع ليرغب الناس فى مثل فعله فيندرجوا فيه قلت ولو كان المراد به على رض فالحصر المستفاد بانما على قول البصريين حصر إضافي بالنسبة الى اليهود والنصارى دون المؤمنين كما فى قوله تعالى وما محمّد الا رسول وذكر البغوي انه روى عن ابن عباس انها نزلت فى عبادة ابن الصامت رضى الله عنه وعبد الله بن ابى ابن سلول حين تبرّأ عبادة من اليهود وقال أتولى الله ورسوله والذين أمنوا فنزل فيهم من قوله يا ايها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء الى قوله انما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الاية يعنى عبادة وسائر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال جاء عبد الله بن سلام الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان قومنا قريظة والنضير قد هجرونا وفارقونا واقسموا ان لا يجالسونا فنزلت هذه الاية فقال رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين اولياء وقال جويبر عن الضحاك فى قوله تعالى انما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا قال هم المؤمنون بعضهم اولياء بعض وقال ابو جعفر محمد بن على الباقر رضى الله عنهما نزلت فى المؤمنين فقيل له ان ناسا يقولون انها نزلت فى على ابن ابى طالب رض فقال هو من المؤمنين رواه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو نعيم فى الحلية وروى عن عكرمة انها نزلت فى ابى بكر رض قال البغوي وعلى هذه الروايات أراد بقوله وهم راكعون مصلون صلوة التطوع باليل والنهار. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا قال ابن عباس يريد المهاجرين والأنصار يعنى من يتخذهم اولياء فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ تقديره فانهم هم الغالبون وضع المظهر موضع المضمر تنبيها على البرهان عليه كانه قيل ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون ينتج فهم هم الغالبون وتنويها بذكرهم وتعظيما لشانهم وتشريفا لهم بهذه الاسم وتعريضا لمن تولى غير هؤلاء بانهم حزب الشيطان فى القاموس الحزب بالكسر الورد والطائفة والسلاح وجند الرجل وأصحابه الذين على رايه قلت وهذا هو المراد هاهنا قال البيضاوي الحزب القوم يجتمعون لامر حزبه فى القاموس حزبه الأمر يعنى نابه واشتد عليه احتجت الروافض بهذه الاية على انحصار الخلافة فى على رض قالوا المراد

بالولى المتولى لامور المسلمين والمستحق للتصرف فيهم فالله سبحانه كما اثبت الولاية لنفسه وللرسول اثبت لعلى رض وذكر بكلمة انما للحصر ولا شك ان ولاية الله والرسول عامة فكذلك ولاية على وهو الامام دون غيره واحتجوا بحديث البراء بن عازب وزيد ابن أرقم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بغدير خم أخذ بيد على فقال ألستم تعلمون انى اولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى اولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى فقال اللهم من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن ابى طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة رواه احمد وغيره وقد بلغ هذا الحديث مبلغ التواتر رواه جمع من المحدثين فى الصحاح والسنن والمسانيد برواية نحو من ثلثين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم على بن ابى طالب وبريدة بن حصيب وابو أيوب وعمرو ابن مرة وابو هريرة وابن عباس وعمار بن بريدة وسعد بن وقاص وابن عمر وانس وجرير بن مالك بن الحويرث وابو سعيد الخدري وطلحة وابو الطفيل وحذيفة بن أسيد وغيرهم وفى بعض الروايات من كنت اولى به من نفسه فعلى وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قالت الروافض هذا الحديث حديث غدير خم نص جلى فى خلافة على رض وعن عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان عليا منى وانا منه وهو ولى كل مؤمن رواه الترمذي وابن ابى شيبة وهذين الحديثين اولى بالاحتجاج من الاية لانه نص محكم فى وجوب ولاية على رض غير شامل لغيره بخلاف الاية فانها على تقدير صحة نزولها فى على شاملة لجميع المؤمنين فان العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد لكن استدلال الروافض بالحديثين والاية على نفى خلافة غيره باطل فان الولي والمولى مشتقان من الولي بمعنى القرب والدنو قال فى القاموس الولي اسم من الولي ويقال الولي للمحب والصديق والنصير وفى الصحاح الولاء والتوالي ان يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد والولاية والنصرة ويطلق ايضا على تولى الأمر وفى القاموس المولى المالك والعبد والمعتق والمعتق على البناء للفاعل والمفعول والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف وابن العم والنزيل والشريك وابن الاخت والولي والرب

والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحب والتابع والصديق وقد ورد فى القران ونسبة المحبة والقرب التي بين العبد والله سبحانه يطلق عليه الولاية ويطلق الولي على المؤمن فيقال ولى الله وعلى الله فيقال الله ولى الذين أمنوا واطلق المولى فى القران على الله سبحانه حيث قال نعم المولى ونعم النصير وعلى العباد فيما بينهم ايضا حيث قال ان الله هو موليه وجبريل وصالح المؤمنين فهذه الاية وهذه الأحاديث لا يدل شىء منها على خلافة على فضلا عن نفى خلافة غيره بل انما يدل الاية على استحقاق محبته والحديث على وجوب محبته وحرمة عداوته كما يدل الاية على حرمة ولاية اليهود والنصارى اعنى محبتهم ومناصرتهم اخرج ابو نعيم المدائنى عن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى انه لما قيل له ان خبر من كنت مولاه نص فى امامة على قال اما والله لو يعنى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الامامة والسلطان لافصح لهم فانه صلى الله عليه وسلم كان افصح الناس للمسلمين وكان سبب خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا الى اليمن امير العسكر فتسرى جارية من الخمس وشكى بذلك بعض الناس فغضب النبي صلى الله عليه وسلم لاجل شكايته وقال ما تريدون من رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وخطب تلك الخطبة ليتمكن محبة على فى قلوب المؤمنين ويزول شكايتهم وقوله صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون انى اولى بكل مؤمن الغرض منه تنبيه المسلمين على وجوب امتثال امره فى محبة على رض وكذا دعائه صلى الله عليه وسلم فى اخر الحديث للتاكيد فى محبته قلت وهذه الاية تدل على ابطال مذهب الروافض بوجهين أحدهما ان قوله تعالى اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم يستاصل بنيان التقية التي عليها بناء مذهبهم فان عليا رض تابع الخلفاء الثلاثة وصلى معهم وجاهد معهم الى ثلث وعشرين سنة وانكح ابنته عمر رض فان كان ذلك بالتقية خوفا من الناس لا يكون على داخلا فى حكم هذه الاية ولا مجال بهذه القول الباطل الا للروافض خذلهم الله والله اعلم وثانيهما ان قوله تعالى فان حزب الله هم الغالبون يدل على ان الفرقة الناجية ليست الا اهل السنة والجماعة دون الروافض وغيرهم من اهل الأهواء لبداهة غلبة اهل السنة فى القرون والأمصار بل الروافض يعترفون بذلك حيث قالوا ان عليا

[سورة المائدة (5) : آية 57]

كان مع الخلفاء الثلاثة تقية مقهورا مغلوبا والائمة بعده لم يظهروا دينهم خوفا وعلّموا أصحابهم دينهم خفية ويأمرونهم بالإخفاء ويقولون للجدر أذان كذا رووا عن الباقر والصادق فى كتبهم وقالوا صاحب الأمر اختفى فى سرد دابة سر من راى نحوا من الف سنة والله اعلم روى ابن جرير عن ابن عباس قال كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد اظهر الإسلام نفاقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ الى قوله تكتمون هُزُواً وَلَعِباً مهزوا به وملعوبا حيث يظهرون الايمان ويضمرون الكفر رتب النهى عن موالاتهم على استهزائهم أيماء الى علة النهى من باب ترتب الحكم على العلة وتنبيها على ان هذا الوصف يوجب المعادات فكيف يجوز موالاتهم مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعنى اليهود وَالْكُفَّارَ يعنى المشركين يؤيده قراءة ابن مسعود ومن الذين أشركوا قرأ ابو عمرو والكسائي بالجر عطفا على الموصول الثاني والباقون بالنصب عطفا على الموصول الاول عبّر المشركين بالكفار لتضاعف كفرهم وجاز ان يكون المراد بالكفار أعم من اهل الكتاب واهل الشرك فهو تعميم بعد تخصيص على قراءة النصب تنبيها على ان الاستهزاء والكفر كلواحد منهما يقتضى المعادات ويمنع الموالاة أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ بترك المناهي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ شرط استغنى عن الجزاء بما سبق يعنى ان الايمان بالله وبوعده ووعيده يوجب التقوى عن المناهي المقتضية للوعيد قال الكلبي كان منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى للصلوة وقام المسلمون إليها قالت اليهود قد قاموا لا قاموا وصلوا لا صلوا على طريق الاستهزاء وضحكوا فانزل الله عز وجل. وَإِذا نادَيْتُمْ عطف على اتخذوا دينكم يعنى لا تتخذوا الذين إذا ناديتم إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها يعنى الصلاة او المناداة هُزُواً وَلَعِباً اخرج ابن ابى حاتم عن السدى ان نصرانيا بالمدينة كان إذا سمع المؤذن يقول اشهد ان محمدا رسول الله قال احرق الله الكاذب فدخل خادمه ذات ليلة بنار وهو واهله ينام فتطائرت منها شرارة فاحترق هو واهله قيل ان الكفار لما اسمعوا الاذان حسدوا المسلمين فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد لقد أبدعت شيئا لم يسمع به فيما مضى من الأمم فان كنت تدعى النبوة فقد خالفت فيما أحدثت الأنبياء قبلك ولو كان فيه خيرا لكان

[سورة المائدة (5) : آية 59]

اولى الناس به الأنبياء فمن اين ذلك صياح كصياح العنز فما أقبح من صوت وما استبهج من امر فانزل الله تعالى ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وانزل الله هذه الاية ذلِكَ الاستهزاء بالحق بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ فان مقتضى العقل ترك الاستهزاء والتأمل فى حسن الشيء وقبحه وفى هذه الاية دليل على ان الكافرين مع كونهم عاقلين فى امور الدنيا كما يشهده البداهة لا يعقلون شيئا من امور الدين وبهذا يظهر ان صرف الحواس والعقل والنظر فى المقدمات ليست علة موجبة لحصول العلم بالمطالب كما يزعمه الفلاسفة بل هو امر عادى يخلق الله العلم بعد النظر ان شاء والله اعلم روى ابن جرير عن ابن عباس قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود فيهم ابو ياسر بن اخطب ورافع بن ابى رافع وعارى بن عمرو فسألوه عمن يؤمن به من الرسل قال او من بالله وما انزل الى ابراهيم واسمعيل واسحق ويعقوب والأسباط وما اوتى موسى وعيسى وما اوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا لا نؤمن بعيسى ولا بمن أمن به وفى رواية قالوا والله ما نعلم اهل الكتاب اقل حظّا فى الدنيا والاخرة منكم ولا دينا شرا من دينكم فانزل الله تعالى. قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ قرأ الكسائي بإدغام لام هل وبل فى التاء كما فى هذه الاية وقوله تعالى هل تعلم والثاء والسين والزاء والطا والضاد والنون نحو هل ثوب وبل سولت وبل زين وبل طبع وبل ظننتم وبل ضلوا وهل ندلكم وهل ننبئكم وهل نحن وشبهه وادغم حمزة فى التاء والثاء والسين فقط واختلف عن خلاد عند الطاء فى قوله بل طبع وادغم ابو عمرو هل ترى من فطور فهل ترى لهم فى الملك والحاقة لا غير واظهر الباقون عند اليمانية والاستفهام للانكار بمعنى النفي والنقمة العيب المنكر المكروه والأسقام مكافاته ومعنى ما تنقمون ما تنكرن وتكرهون وتعيبون مِنَّا اى من اعمالنا وصفاتنا شيئا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ يعنى الا ايمانا بالله وبكل ما انزل الله من الكتب وذلك هو الحسن البين حسنه وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ الواو للحال من فاعل هل تنقمون يعنى لا تكرهون الا أيماننا والحال ان أكثركم فاسقون اى كافرون فمالكم لا تعلمون انكم على أقبح الصفات من انكار الكتب السماوية ونحن على أحسنها ومع ذلك

[سورة المائدة (5) : آية 60]

تكرهون الحسن ولا تكرهون القبيح او هى للعطف على ان أمنا وكان المستثنى لازم الامرين وهو المخالفة يعنى لا تنكرون منا الا مخالفتكم حيث دخلنا فى الايمان وأنتم خارجون عنه او كان تقديره واعتقاد انّ أكثركم فاسقون فحذف المضاف او على علة أمنا بتقدير فعل منصوب يعنى الا ان أمنا واعتقدنا ان أكثركم فاسقون او هو معطوف على علة محذوفة والتقدير هل تنقمون منا الا ان أمنا لعدم اتصافكم ولان أكثركم فاسقون فهو منصوب بنزع اللام الخافض او منصوب بإضمار فعل دل عليه هل تنقمون اى ولا تنقمون ان أكثركم فاسقون او هى بمعنى مع يعنى هل تنقمون الا ان أمنا مع ان أكثركم فاسقون قيل لا يتم هذا على ظاهر كلام النحاة حيث يشترطون فى المفعول معه المصاحبة فى معمولية الفعل ويتم على مذهب الأخفش حيث اكتفى فى المفعول معه المقارنة فى الوجود مطلقا قلنا الاشتراط فى المفعول معه لا يوجب ان يشترط فى كل واو بمعنى مع فليكن الواو بمعنى مع للعطف ولا يكون مفعولا معه عند النحاة لانتفاء شرطه ويكون عند الأخفش وجاز ان يكون مجرورا معطوفا على ما يعنى ما تنقمون منا الا الايمان بالله وبما انزل وبان أكثركم فاسقون وجاز ان يكون مرفوعا على الابتداء والخبر محذوف تقديره ومعلوم عندكم ان أكثركم فاسقون لكن حب الرياسة والمال يمنعكم عن الانصاف وجاز ان يكون تقدير الكلام وما تنقمون منا شيئا لشئ الا لان أمنا ولان أكثركم فاسقون يعنى علة انكار شىء تنكرونه منا ليس الا المخالفة فى الدين. قُلْ يا محمد لمعشر اليهود هَلْ أُنَبِّئُكُمْ أخبركم بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ المتقوم المكروه عندكم مَثُوبَةً جزاء وهى مختصة بالخير كالعقوبة بالشر وضعت هاهنا موضع العقوبة استهزاء بهم كقوله تعالى بشّرهم بعذاب اليم والمثوبة منصوب على التميز عن بشر قال البغوي لما كان قول اليهود لم نر اهل دين اقل خطا فى الدنيا والاخرة ولا دينا شرا من دينكم فذكر الجواب بلفظ الابتداء وان لم يكن الابتداء شراكما فى قوله تعالى أأنبئكم بشر من ذلكم النار عِنْدَ اللَّهِ متعلق بشر مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ بدل من شر على حذف المضاف هاهنا او فيما قبل تقديره بشر من ذلك دين من لعنه الله او بشر من اهل ذلك من لعنه الله او خبر مبتدأ محذوف على حذف مضاف ايضا تقديره هو دين من لعنة الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ فالقردة اصحاب السبت والخنازير كفار مائدة عيسى عليه السّلام وروى عن على بن ابى طلحة

[سورة المائدة (5) : آية 61]

عن ابن عباس ان المسخين كلاهما فى اصحاب السبت فشبّانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ قرأ حمزة عبد بضم الباء والطاغوت بكسر التاء على الاضافة عطفا على القردة وعبد بضم الباء قيل مفرد كعبد بسكون الباء وهما لغتان كسبع وسبع وقيل هو اسم موضوع للمبالغة كحذر وفطن للبليغ فى الحذر والفطانة وقيل هو جمع عبد ذكره فى القاموس من صيغ الجمع كندس وقيل أصله عبدة فحذف التاء للاضافة تحرزا عن اجتماع الزيادتين من التاء والاضافة مثل أخلفوك عد الأمر الذي وعدوا اى عدة الأمر وقرأ الباقون بفتح الباء على الماضي ونصب الطاغوت عطفا على صلة من والمراد بالطاغوت اما العجل استعير له من الشيطان بجامع المعبودية الباطلة او المراد الشيطان فان عبادتهم العجل كان بتزيين الشيطان وقيل المراد به الكهنة وكل من أطاعوه فى معصية الله أُولئِكَ ملعونون شَرٌّ مَكاناً من كل شرير جعل مكانهم شرا ليكون ابلغ فى الدلالة على شرارتهم وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ من كل ضال عن السبيل السوي ونزلت فى المنافقين قوله تعالى. وَإِذا جاؤُكُمْ يعنى المنافقين قالُوا آمَنَّا بك وهم يسرّون الكفر وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ الجملتان حالان من فاعل قالوا وبالكفر وبه حالان من فاعلى دخلوا وخرجوا يعنى قالوا أمنا بك والحال انهم كاذبون فى هذا القول وقد دخلوا عندك متلبسين بالكفر وخرجوا لذلك لم يوثر فيهم ما سمعوا منك وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ فيه وعيد لهم بالفضيحة فى الدنيا والعذاب فى الاخرة. وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يعنى من اليهود او من المنافقين يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ قيل الإثم المعاصي والعدوان الظلم وقيل الإثم ما كتموا من التوراة والعدوان ما زادوا فيها وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ الحرام خصه بالذكر للمبالغة فى الذم فان أكلهم الرشى منعهم عن الايمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعثهم على تحريف التوراة والكذب على الله وصد غيرهم عن الايمان لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى لبئس شيئا بما يعملونه وصفهم بسوء الأعمال بعد وصفهم بسوء الاعتقاد ليستدل بها على نفاقهم. لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ يعنى العلماء قيل الربانيون علماء النصارى والأحبار علماء اليهود تخصيص لعلمائهم عن النهى عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ يعنى الكذب وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ الحرام وفيه كمال توبيخ

[سورة المائدة (5) : آية 64]

عليهم حيث كان منصبهم النهى عن المنكر وهم يأمرون به ويفعلونه لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ هذا ابلغ مما سبق فان الصنع عمل الإنسان بعد تدرب فيه وتعود وتحرى اجادة ولذلك ذم به خواصهم ذكر فى المدارك انه روى عن ابن عباس هى أشد اية فى القران حيث انزل تارك النهى عن المنكر منزلة مرتكب المنكر فى الوعيد بل ابلغ منه قال البيضاوي ترك الحسنة أقبح من الوقوع فى المعصية لان النفس يلتذ بها وتميل إليها ولا كذلك فى ترك الإنكار عليها فكان جديرا بأبلغ الذم. وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ قال ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة ان الله تعالى قد بسط على اليهود حتى كانوا من اكثر الناس مالا واخصبهم ناحية فلما عصوا الله فى محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوه كف الله عنهم ما بسط عليهم من السعة فعند ذلك نسبوه الى البخل وقال فنحاص بن عازورا راس يهود قينقاع يد الله مغلولة اى محبوسة مقبوضة عن الرزق كذا اخرج ابو الشيخ ابن حبان فى تفسيره عن ابن عباس واخرج الطبراني عن ابن عباس قال قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس ان ربك بخيل لا ينفق فانزل الله تعالى هذه الاية قيل انما قال هذه المقالة فنحاص او النباش ولكن لما لم ينهه الآخرون ورضوا بقوله اشركهم الله فى نسبة القول إليهم وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ دعاء عليهم بالبخل او بالفقر والمسكنة او بغل الأيدي حقيقة بالأسر فى الدنيا او بالاغلال فى أعناقهم والسلاسل فى نار جهنم وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يد الله صفة من صفاته تعالى كالسمع والبصر والوجه لا يدرى كنهها الا الله تعالى ولا تذهب نفسك الى الجارحة وتكيّفها ويجب على العباد الايمان بها والتسليم قال ائمة السلف من اهل السنة فى هذه الصفات امرّوا كما جاءت بلا كيف عن عمرو بن عنبسة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بانبياء ولا شهداء يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله قيل يا رسول الله ومن هم قال جمّاع «1» من نزاع القبائل يجتمعون على ذكر الله فيبتغون

_ (1) اى جماعات نزاع القابل جمع نازع ونزيع وهو القريب الذي نزع من اهله وعشيرته اى بعد وغاب نهاية

اطائب الكلام كما ينبغى أكل «1» أطائبه رواه الطبراني بسند جيد والمتأخرون يؤلونه بما يليق به تعالى من القدرة ونحوها قالوا بسط اليدين كناية عن الجود وثنى اليد مبالغة فى الرد ونفى البخل عنه واثباتا لغاية الجود فان غاية ما يبذله السخي من ماله ان يعطيه بيديه وتنبيها على منح الدنيا والاخرة وعلى ما يعطى للاستدراج وما يعطى للاكرام يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ يوسع تارة ويضيق اخرى على مقتضى حكمته والجملة تأكيد للجود ودفع لتوهم البخل عند التضيق وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً كما ان الغذاء الصالح يزيد للصحيح قوة وللمريض مرضا وضعفا كذلك القران لفساد بواطنهم يزيد هو طغيانا وكفرا قيل معناه انه كلما نزلت اية كفروا بها فازدادوا طغيانا وكفرا وقيل انهم عند نزول القران يحسدون ويتمادون فى الجحود فاسند الفعل الى السبب البعيد مجازا وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يعنى بين اليهود «2» والنصارى قال الحسن ومجاهد وقيل بين طوائف اليهود جعلهم الله مختلفين فى دينهم فلا يتوافق قلوبهم ولا يتطابق

_ (1) المراد به الصوفية العلية اهل الخانقاهات وطلبة العلم اهل المدارس 12 منه (2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقت امة موسى على احدى وسبعين ملة سبعون منها فى النار وواحدة فى الجنة وتفرقت امة عيسى ع على اثنتين وسبعين ملة واحدة منها فى الجنة واحدى وسبعون فى النار وستفرق أمتي على ثلث وسبعين ملة واحدة فى الجنة وثنتان وسبعون فى النار قالوا من هم يا رسول الله قال الجماعات الجماعات رواه ابن مردويه من طريق يعقوب بن زيد بن طلحه عن زيد بن اسلم عن انس وقال يعقوب بن زيد كان على ابن ابى طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا فيه قرانا قال ولو ان اهل الكتاب أمنوا واتقوا الى قوله ساء ما كانوا يعملون قال العبد الضعيف ثناء الله يعنى على رض ان الفرقة الناجية المتمسكون بكتاب الله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال ذلك عند ذهاب العلم قال زياد بن لبيد كيف يذهب العلم ونحن نقرأ القران ونقرأه أبنائنا ويقرأه أبناء أبنائنا أبنائهم الى يوم القيامة قال ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد ان كنت لاراك من افقه رجل بالمدينة او ليس هذه اليهود والنصارى يقرؤن التورية والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشىء رواه عن لبيد وروى ابن جرير عن جبير بن نفير وفيه ثم قرأ ولو انهم أقاموا التورية والإنجيل الاية 12 منه

[سورة المائدة (5) : آية 65]

أقوالهم كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ ظرف مستقر صفة لنار او لغو متعلق باوقدوا أَطْفَأَهَا اللَّهُ قال الحسن معناه كلما أرادوا حرب الرسول صلى الله عليه وسلم واثارة شر عليه أوقع بينهم منازعة كف بها عنه شرهم فردهم وقهرهم ونصر نبيه ودينه وقال قتادة هذا عام فى كل حرب طلبته اليهود وذلك انهم أفسدوا وخالفوا حكم التورية فبعث الله عليهم ضطنوس الرومي ثم أفسدوا فسلطا لله عليهم المجوس ثم أفسدوا فبعث الله المسلمين فلا تلقى اليهود فى بلد الا وجدتهم اذلّ الناس وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً اى للفساد او مفسدين وهو اجتهادهم فى اثارة الحروب والفتن وجاز ان يكون يسعون بمعنى يطلبون وفسادا منصوبا على المفعولية يعنى يطلبون الفساد والكفر ويجتهدون فى محو دين الإسلام وذكر النبي صلى الله عليه وسلم من كتبهم وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ فلا يجازيهم الأشرار. وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا محمد صلى الله عليه وسلم وبالقران وَاتَّقَوْا الكفر والمعاصي لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ التي فعلوها قبل ذلك وان جلت عن عمرو بن العاص قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك فلا بايعك فبسط يمينه فقبضت يدى فقال مالك يا عمرو قلت أردت ان اشترط قال تشترط ماذا قلت ان يغفر لى قال اما علمت يا عمرو ان الإسلام يهدم ما كان قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله رواه مسلم وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ فان دخول الجنة مشروط بالايمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي يهودى ولا نصرانى ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به الا كان من اصحاب النار رواه مسلم من حديث ابى هريرة. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ يعنى أقاموا حدودها وأحكامها وعملوا بما فيها ولم يحرفوها ولم يكتموها ومن جملة إقامتها ان يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبينوا ما وصفه الله تعالى فى التورية وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ يعنى القران والزبور وسائر الكتب السماوية فانهم مكلفون بالايمان بجميع الكتب فهى كالمنزل إليهم لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ قال الفراء أراد به كمال التوسعة فى الرزق كما يقال فلان فى الخير من القرن الى القدم وقال ابن عباس لا نزلت عليهم المطر من فوقهم

[سورة المائدة (5) : آية 67]

وأخرجت بنات الأرض من تحتهم نظيره قوله تعالى ولو ان اهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض والحاصل ان ما كف الله عنهم من الرزق بشوم كفرهم ومعاصيهم لا لبخل به تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ عادلة غير غالية ولا مقتصرة وهم عبد الله بن سلام وأشباهه مؤمنوا اهل الكتاب وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ 4 اى ساء ما يعملونه او ساء شيئا عملهم وهى المعاندة وتحريف كتاب الله عز وجل والاعراض عنه والافراط فى عداوة النبي صلى الله عليه وسلم والله اعلم اخرج ابو الشيخ عن الحسن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعا وعرفت ان الناس مكذبى فوعدنى لا بلغن او ليعذبنى فنزلت. يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعنى كل شىء انزل إليك لا يفوت منه شىء غير منتظر مضرتك ولا خائف من أحد مكروها روى عن مسروق قال قالت عائشة من حدثك ان محمدا كتم شيئا مما انزل الله فقد كذب وهو يقول يا ايها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وقيل بلغ ما انزل من الرجم والقصاص نزلت فى قصة يهود وقيل نزلت فى امر زينب بنت جحش ونكاحها «1» وقيل نزلت فى

_ (1) واخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية وابن عساكر عن ابى سعيد الخدري قال نزلت هذه الاية يا ايها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك يوم غدير خم فى على بن ابى طالب واخرج ابن مردوية عن ابن مسعود قال كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ايها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك ان عليا مولى المؤمنين وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ليكن هذه الرواية التي تدل على نزول الاية يوم غدير خم يأباه النقل والعقل وسوق هذه الاية بل سياق تمام السورة- اما النقل فاصح الروايات ما رواه البخاري عن عائشة رضى الله عنها تقول كان النبي صلى الله عليه وسلم سهرا فلما قدم المدينة الحديث ويطابقه ما اخرج الترمذي والحاكم عن عائشة وما اخرج الطبراني عن ابى سعيد الخدري فان هذه الروايات تدل على نزول الاية فى غزوة الخندق- واما اباء العقل فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل غدير خم لم يكن شيئا من التبليغ باقيا فى ذمته بل قد تم قبل ذلك ونزل يوم عرفة فى حجة الوداع اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا فكيف يقال له بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته ولم يكن حينئذ فى جزيرة العرب مشرك فكيف يقال له والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدى القوم الكافرين- وايضا قبل هذه الاية وبعد هذه الاية مخاطبات فى شان اليهود والنصارى من قوله تعالى يا ايها الذين أمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ان يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم الاية فالظاهر ان المراد بالتبليغ اية الرجم والقصاص التي نزلت فى قصة اليهود كما رواه ابو الشيخ عن الحسن وبعد هذه الاية قال الله تعالى يا اهل الكتاب لستم على شىء حتى تقيموا التورية والإنجيل الاية 12

الجهاد وذلك ان المنافقين كرهوه كما قال الله تعالى فاذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رايت الذين فى قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت وكرهه بعض المؤمنين قال الله تعالى الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم الاية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسك من الحث على الجهاد لما علم من كراهية بعضهم فانزل الله هذه الاية واخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد قال لما نزلت يا ايها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك قال يا رب كيف اصنع وانا وحدي يجتمعون على فنزلت وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ الاية قرأ نافع وابن عامر وابو بكر ويعقوب رسالاته على الجمع والباقون رسالته على التوحيد يعنى ان لم تفعل تبليغ كل شىء وتركت بعضه فكانما ما بلغت شيئا من رسالاته لان كتمان بعضها يضيع ما ادى منها كترك بعض اركان الصلاة وذلك لان ترك تبليغ البعض يستلزم كفر الناس بذلك البعض وانكارهم كونه من الله تعالى والايمان ببعض الكتاب مع الكفر بالبعض لا يعد ايمانا كقول اليهود نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض او لان كتمان البعض يستجلب العقاب مثل كتمان الكل نظيره قوله تعالى فكانما قتل الناس جميعا وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فلا تخفهم فى التبليغ وان كنت وحدك لا يستطيعون قتلك فلا يرد ان يقال انه صلى الله عليه وسلم قد شج راسه وكسرت رباعيته وأوذي بضروب من الأذى وقيل نزلت هذه الاية بعد ماشج راسه لان سورة المائدة من اخر القران نزولا واخرج الترمذي والحاكم عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الاية والله يعصمك من الناس فاخرج راسه من القبة فقال يا ايها الناس انصرفوا فقد اعصمنا الله فى هذا الحديث انها ليلية فراشية وروى البخاري عن عائشة تقول كان النبي صلى الله عليه وسلم سهرا فلما قدم المدينة قال ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسنى الليلة إذ سمعنا صوت سلاح فقال من هذا قال انا سعد بن ابى وقاص جئت لاحرسك ونام النبي صلى الله عليه وسلم

واخرج الطبراني عن ابى سعيد الخدري قال كان العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه فلما نزلت والله يعصمك من الناس ترك الحرس واخرج ايضا عن عصمة بن مالك الحطمى قال كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى نزلت والله يعصمك من الناس فترك الحرس واخرج ابن حبان فى صحيحه عن ابى هريرة قال كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر تركنا أعظم شجر وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها فجاء رجل فأخذه فقال يا محمد من يمنعك منى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يمنعنى منك ضع السيف فوضعه فنزلت والله يعصمك من الناس قال البغوي وروى محمد بن كعب القرظي عن ابى هريرة نحوه وفيه فرعدت يد الاعرابى وسقط السيف من يده وجعل يضرب برأسه الشجرة حتى انتشر دماغه فانزل الله عز وجل هذه الاية واخرج ابن ابى حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى انمار نزل ذات الرقيع بأعلى نخل فبينما هو جالس على راس بير قد دلى رجليه فقال الوارث من بنى النجار لاقتلن محمدا فقال له أصحابه كيف تقتله قال أقول له أعطني سيفك فاذا أعطانيه قتلته فاتاه فقال يا محمد أعطني سيفك أشمه فاعطاه إياه فرعدت يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حال بينى وبينك ما تريد فانزل الله يا ايها الرسول بلغ الاية وروى البخاري نحو هذه القصة وليس فيها ذكر نزول الاية ومن غريب ما ورد فى سبب نزولها ما أخرجه ابن مردويه والطبراني عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس وكان يرسل معه ابو طالب كل يوم رجلا من بنى هاشم يحرسونه حتى نزلت هذه الاية فاراد عمه ان يرسل معه من يحرسه فقال يا عم ان الله عصمنى من الجن والانس واخرج ابن مردوية عن جابر بن عبد الله نحوه وهذا يقتضى ان الاية مكية والظاهر خلافه إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ اى لا يمكنهم ما يريدون من قتلك ومحو دين الإسلام قال البغوي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود الى الإسلام فقالوا اسلمنا قبلك وجعلوا يستهزءون به فيقولون تريد ان نتخذك حنانا كما اتخذ النصارى عيسى حنانا فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سكت فنزلت يا ايها الرسول بلغ الاية وامره ان يقول يا اهل الكتاب لستم على شىء الاية وروى ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال جاء رافع وسلام بن مشكم ومالك بن

[سورة المائدة (5) : آية 68]

الضيف فقالوا يا محمد الست تزعم انك على ملة ابراهيم ودينه وتؤمن بما عنده قال بلى ولكنكم أحدثتم وجحدتم بما فيها وكتمتم ما أمرتم ان تبينوه للناس قالوا فانا ناخذ بما فى أيدينا فانا على الهدى والحق فانزل الله تعالى. قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ اى على دين معتد به عند الله او يقال إذا لم يكن دينهم معتدا به عند الله تعالى والدين كالصلوة له وجود اعتباري باعتبار الشرع لا وجود له سواه كان باطلا فصدق لستم على شىء من الدين حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ومن إقامتها الايمان بما فيها من اصول الدين ومنها الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقران والعمل بمقتضاها من بيان نعت محمد صلى الله عليه وسلم وفى فروع الايمان الأعمال المأمورة فى التورية ما لم يثبت نسخها وبعد النسخ العمل بالناسخ مما انزل الله وهذه الاية تدل على وجوب العمل بالشرائع المتقدمة وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعنى القران طُغْياناً وَكُفْراً وقد مر شرحه فَلا تَأْسَ فلا تحزن عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ لزيادة طغيانهم ترحّما عليهم ولا خوفا من شرهم. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ قد مر تفسير هذه الاية فى سورة البقرة بقي الكلام فى رفع الصابئين وكان حقه والصابئين فذهب الكوفيون الى انه يجوز للعطف على اسم ان بالرفع نظرا الى محله من غير اشتراط مضى الخبر فان ان عندهم لا تعمل الا فى الاسم وعند الكسائي والمبرد يجوز ذلك ان كان اسم ان مبنيا لعدم ظهور عملها فيه فكانها لم تعمل فلا إشكال على مذهب هؤلاء وعند البصريين لا يجوز ذلك من غير مضى الخبر كيلا يجتمع العاملان فى الخبران ومعنى الابتداء فاحتاجوا الى تكلف فقال سيبويه هو مرفوع على الابتداء وخبره محذوف والنية فيه التأخير تقديره ان الذين أمنوا والذين هادوا وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ والصابئون كذلك وهذه الجملة انما قدمت من مقامها لتدل على ان الصابئين مع ظهور ضلالتهم وميلهم عن الأديان كلها يغفر لهم ويثاب عليهم ان صح ايمانهم وعملوا صالحا فغيرهم اولى بذلك وجاز ان يكون والنصارى ايضا مرفوعا عطفا على الصابئون وما بعدهما خبرهما وخبران

[سورة المائدة (5) : آية 70]

مقدرة دل عليه ما بعده كقول الشاعر نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف وجاز ان يكون الصابئون معطوفا على الموصول مع الصلة بحذف الموصول وصدر الصلة تقديره والذين هم الصابئون وقيل ان بمعنى نعم وما بعدها فى موضع الرفع على الابتداء وقيل والصابئون منصوب بالفتحة وذلك كما جوز بالياء جوز بالواو. لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ فى التورية بالتوحيد والعمل بما فيها والايمان بالأنبياء كلهم وبمحمد صلى الله عليه وسلم وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ليذكروهم وليبينوا لهم امر دينهم كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فى هذا الكلام دلالة على انهم خالفوا التورية ونقضوا المواثيق فكلما جاءهم رسول بما فى التورية مخالفا لهواهم فَرِيقاً منهم كَذَّبُوا ولم يقتلوه وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ بعد تكذيبهم هذا جواب الشرط والجملة الشرطية صفة رسلا والعائد محذوف اى كلما جاءهم رسول منهم وقيل الجواب محذوف والشرطية مستانفة وانما جئ بيقتلون موضع قتلوا على حكاية الحال الماضية استحضارا لها واستعظاما للقتل وتنبيها على ان هذا ديدنهم ماضيا ومستقبلا ومحافظة على رؤس الآي او المراد انهم يريدون قتل محمد صلى الله عليه وسلم يحاربونه ويجعلون فى طعامه سما ويسحرونه. وَحَسِبُوا يعنى بنى إسرائيل أَلَّا تَكُونَ قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي بالرفع على ان هى المخففة من الثقيلة والحسبان نزل منزلة العلم لتمكنه فى قلوبهم تقديره انه لا تكون وان بما فى حيزها ساد مسد مفعوليه والباقون بالنصب على انه مصدرية وكان تامة فاعله فِتْنَةٌ اى لا تصيبهم عذاب وبلاء بقتل الأنبياء وتكذيبهم فَعَمُوا عن الدين والدلائل وَصَمُّوا عن استماع الحق لاجل حسبانهم الباطل بعد موسى عليه السلام ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حين تابوا وأمنوا بعيسى عليه السلام ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كرة اخرى بعد عيسى عليه السلام وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ مِنْهُمْ بدل من الضمير او فاعل والواو علامة الجمع كقولهم أكلوني البراغيث او خبر مبتدأ محذوف اى أولئك كثير منهم وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ فيجازيهم على حسب أعمالهم. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ يعنى الملكائية واليعقوبية منهم زعموا بالحلول والاتحاد

[سورة المائدة (5) : آية 73]

وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ يعنى مربوب مثلكم ولا يمكن اتحاد الرب مع المربوب وحلوله فيه إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ اى بمرتبة التنزيه الصرف غيره فى استحقاق العبادة او فى وجوب الوجود او فيما يختص به من الصفات والافعال فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ التي أعدت للموحدين المتقين يعنى جعل دخولها عليه ممتنعا بالغير وَمَأْواهُ النَّارُ التي أعدت للمشركين وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ وضع الظاهر موضع الضمير تنبيها على انهم ظلموا أنفسهم ومن زائدة يعنى ما لهم ناصر وذكر الأنصار موضع ناصر مبنى على زعمهم ان لهم أنصارا كثيرة تهكما بهم وقيل فيه اشارة الى انه لا بد لهم جمع كثير ينصرهم وليس لهم ذلك وقوله انه من يشرك بالله الى آخره يحتمل ان يكون من كلام الله تعالى وان يكون من تمام كلام عيسى عليه السلام اخبر الله تعالى بذلك حكاية عنه تنبيها على انهم قالوا ما قالوا تعظيما لعيسى عليه السّلام وتقربا اليه فى زعمهم وهو يخاصمهم فيه ويعاديهم بذلك فما ظنك لغيره. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ اى ثالث الهة ثلاثة يعنى المرقوسية والنسطورية القائلون بالأقانيم الثلاثة قيل المراد بالثلاثة الله يعنى مرتبة الذات وعيسى وهو عبارة عن صفة العلم على زعمهم وجبرئيل وهو عبارة عن صفة الحيوة على زعمهم وقيل الثلاثة هو الله وعيسى ومريم كما يدل عليه قوله تعالى للمسيح أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله وَما مِنْ إِلهٍ من مزيدة للاستغراق واله فى محل الرفع على انه اسم ما وخبره محذوف اى ما اله فى الوجود اى ما فى الوجود والإمكان العام اله واجب وجوده مستحق للعبادة من حيث وجوب وجوده وكونه مبدأ لوجود كل موجود يغائره إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ موصوف بالوحدانية متعال عن قبول الشركة لا فى ذاته وماهيته ولا فى شىء من صفاته وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ من كلمات الشرك ولم يوحدوا لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ من للبيان او للتبعيض بناء على ان الذين داموا على الكفر بعض منهم ووضع المظهر موضع المضمر تكريرا للشهادة على كفرهم وتنبيها على ان من دام على الكفر حتى مات فله عَذابٌ أَلِيمٌ ولذلك عقبه بقوله. أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ من الشرك وَيَسْتَغْفِرُونَهُ عمّا صدر منهم موحدين منزهين عن الاتحاد والحلول بعد هذا التقرير والتهديد وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

[سورة المائدة (5) : آية 75]

يغفر لهم ويرحمهم ان تابوا وفى هذا الاستفهام تعجيب من إصرارهم. مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ يعنى هو منحصر فى صفة الرسالة ليست له صفة الالوهية كما زعمته النصارى خذلهم الله فالحصر إضافي بالنسبة الى ما يصفه به النصارى قَدْ خَلَتْ اى مضت مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وهو يمضى ايضا الجملة صفة لرسول يعنى ما هو الا رسول من جنس الذين خلوا من قبله ممكن حادث جائز العدم خصه الله ببعض المعجزات كابراء الأبرص والأكمه واحياء الموتى كما خص غيره بغير ذلك فان الله احيى على يد موسى عصاه وجعلها حية تسعى وذلك اعجب من احياء الموتى وان خلقه من غير اب فقد خلق آدم من غير اب وأم وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ يعنى كانت امرأة كسائر النساء فضلت على أكثرهن بكثرة الصدق وتصديق آيات الله وأنبيائه كما ينبغى كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ويفتقران اليه كسائر الحيوانات بيّن اولا أقصى ما لهما من الكمال وبين انه لا يوجب الالوهية وان كثيرا من الناس يشاركهما فى مثله ثم بين نقصهما وما فيهما من امارة الحدوث ومنافى الربوبية وكونهما من جملة المركبات الكائنة الفاسدة ثم تعجب ممن يدعى الربوبية لهما مع هذه الادلة الظاهرة فقال انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ الدالة على بطلان قولهم ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله وثم لتفاوت ما بين العجبين يعنى بياننا عجيب واعراضهم عنها اعجب منه فانهم مع بداهة كونه من الحوادث اليومية الممكنة المفتقرة الى علة الإيجاد والإبقاء لا يحكمون عليه بالإمكان والحدوث ومع بون بعيد بين الرب والمربوب لما نظروا الى بعض صفاته الكاملة المستعارة من الله سبحانه حكموا عليه بالالوهيّة. قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً يعنى عيسى عليه السّلام فان أفعاله مخلوقة لله تعالى كسائر العباد فلا يملك فى الحقيقة شيئا وان ملك بعض الأشياء بتمليك الله تعالى وصدر على يده بخلق الله تعالى وهو لا يملك مثل ما يضر الله به من البلايا والمصائب فى الدنيا والتعذيب بالنار فى الاخرة ولا مثل ما ينفع الله به من الصحة والسعة فى الدنيا والجنة فى الاخرة وعبّر بكلمة ما وهو بغير ذوى العقول توطية لنفى القدرة عنه راسا وتنبيها على انه من هذا الجنس ومن كان له مجانسة بالممكنات فهو بمعزل عن الالوهية وقدم الضرر لان دفع الضرر أهم

[سورة المائدة (5) : آية 77]

من جلب النفع وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بالأقوال والعقائد فيجازى على حسبها وضمير الفصل للحصر يدل على ان عيسى ليس له فى حد ذاته سمعا ولا بصرا ولا علما ولا غير ذلك من صفات الكمال بل هى مستعارة من الله تعالى. قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ الغلو التجاوز عن الحد بالإفراط او التفريط فان من جملة الدين الصحيح عند الله الايمان بان عيسى عبد الله ورسوله فاليهود فرطوا فى دينهم وأنكروا رسالته وبهتوا امه والنصارى افرطوا فيه وادعوا له الالوهية وقيل الخطاب للنصارى فقط غَيْرَ الْحَقِّ منصوب على المصدرية اى غلوا باطلا غير الحق وفيه تأكيد والا فالغلو لا يكون الا باطلا وجاز ان يكون حالا من دينكم يعنى لا تغلوا فى دينكم حال كونه غير الحق والغلو فى الدين الباطل الإصرار عليه وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ يعنى أسلافهم الذين ضلوا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فى شريعتهم وَأَضَلُّوا كَثِيراً ممن تابعهم على البدع والضلال وَضَلُّوا بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لما كذبوه وبغوا عليه عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ 4 يعنى عن دين الإسلام الذي هو ظاهر الحقية وقيل الضلال الاول كفرهم والضلال الثاني اضلالهم غيرهم وقيل الاول اشارة الى ضلالهم عن مقتضى العقل والثاني اشارة الى ضلالهم عما نطق به الشرع. لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ يعنى اليهود عَلى لِسانِ داوُدَ يعنى فى الزبور او المراد بهم اهل ايلة لما اعتدوا فى السبت قال داؤد عليه السلام اللهم العنهم واجعلهم اية فمسخوا قردة وَعلى لسان عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فى الإنجيل او المراد بهم كفار اصحاب مائدة لما لم يؤمنوا قال عيسى عليه السّلام اللهم العنهم واجعلهم اية فمسخوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل ذلِكَ اللعن بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ اى بسبب عصيانهم واعتدائهم ثم فسر العصيان والاعتداء بقوله. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ اى لا ينهى بعضهم بعضا عَنْ مُنكَرٍ يعنى عن معاودة منكرا وعن مثل منكر فَعَلُوهُ او المعنى عن منكر أرادوا فعله فان جريمة ترك النهى عن المنكر يقتضى عذاب كلهم أجمعين عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الناس إذا راوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك ان يعمهم الله بعقاب رواه الاربعة قال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان ولفظ النسائي القوم إذا راوا المنكر فلم يغيروه

[سورة المائدة (5) : آية 80]

وفى لفظ لابى داؤد ما من قوم يعمل فيهم المعاصي وهم يقدرون على ان يغيروا فلم يغيروا او شك ان يعمهم الله العذاب وجاز ان يكون المعنى لا ينتهون عن منكر بل يصرون عليه من قولهم تناهى عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع منه لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ تعجب من سوء فعلهم مؤكد بالقسم ذمهم عن عبد الرحمن بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيمن قبلكم من بنى إسرائيل إذا عمل العامل منهم الخطية نهاه الناهي تعذيرا فاذا كانوا من الغد جالسه وأكله وشاربه كانه لم يره على الخطيئة بالأمس فلما راى الله تبارك وتعالى ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض وجعل منهم القردة والخنازير ولعنهم على لسان داؤد وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون والذي نفسى بيده لتامرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتاخذن على يد السفيه ولتاطرن على الحق اطرا او ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم رواه البغوي ورواه الترمذي وابو داؤد من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا. تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يعنى من اليهود كعب بن الأشرف وأصحابه يَتَوَلَّوْنَ اى يوالون الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى مشركى مكة حين خرجوا إليهم يستجيشون على النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس ومجاهد والحسن فى منهم ضمير للمنافقين فانهم كانوا يتولون اليهود لَبِئْسَ اى شيئا ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ ان مع صلته مخصوص بالذم والمراد بالسخط موجب سخط الله وعذابه المخلد او المخصوص محذوف وهذا علة الذم اى لبئس شيئا قدمت لهم أنفسهم ذلك لان ذلك يوجب السخط والخلود فى العذاب. وَلَوْ كانُوا هؤلاء اليهود او المنافقون يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ يعنى نبيهم وان كانت الاية فى المنافقين فالمراد به نبينا صلى الله عليه وسلم وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ من التورية او القران مَا اتَّخَذُوهُمْ يعنى ما اتخذ اليهود كفار مكة على بغض النبي صلى الله عليه وسلم او المنافقون اليهود أَوْلِياءَ إذ الايمان بالأنبياء والكتب السماوية يمنع ذلك وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن امتثال امر الله سبحانه. لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ اخرج ابو الشيخ وابن مردويه عن ابى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلا يهودى بمسلم

الأحدث نفسه بقتله وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يعنى مشركى العرب لانهما كهم فى اتباع الهوى وركونهم الى التقليد وبعدهم عن التحقيق وتمرنهم على تكذيب الأنبياء ومعاداتهم وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى قال البغوي لا يريد جميع النصارى لانهم فى عداوة المسلمين كاليهود فى قتل المسلمين واسرهم وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم فلا كرامة لهم بل الاية فيمن اسلم منهم مثل النجاشي وأصحابه واخرج النسائي وابن ابى حاتم والطبراني عن عبد الله بن زبير قال نزلت هذه الاية فى النجاشي وأصحابه إذا سمعوا الاية وروى ابن ابى حاتم وغيره عن مجاهد قال هم الوفد الذين جاؤا مع جعفر وأصحابه من ارض الحبشة وكذا اخرج عن عطاء انما يراد به النجاشي وأصحابه وقيل نزلت فى جميع اليهود وجميع النصارى لان اليهود أقسى قلبا والنصارى ألين قلبا منهم وكانوا اقل مظاهرة للمشركين من اليهود قلت عموم لفظ الاية يقتضى ان لا يراد بهم جماعة معينة منهم وان كان سبب النزول قصة النجاشي كيف والجماعة المعينة من اليهود يعنى الذي اسلموا منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وكعب الأحبار ايضا بهذه الصفة فلا وجه للتفرقة بين اليهود والنصارى بل الظاهر ان المراد بالنصارى هاهنا الذين هم كانوا على الدين الحق دين عيسى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم منهم النجاشي وأصحابه دون القائلين بان المسيح هو الله او ثالث ثلثة فان تلك الفرق من النصارى مثل اليهود فى كونهم على الباطل قاسية قلوبهم متبعين أهواءهم كاهل نجران واما من كان منهم على الدين الحق ووصية عيسى عالمين بالإنجيل منتظرين ظهور رسول يأتي من بعد عيسى اسمه احمد صلى الله عليه وسلم مشتغلين بالعلم والعمل معرضين عن الدنيا كانت قلوبهم صافية لاجل ايمانهم بعيسى قبل مبعث سيد الرسل عليهم الصّلوة والسّلام يدل عليه قوله تعالى ذلِكَ القرب مودة للمؤمنين بِأَنَّ اى بسبب ان مِنْهُمْ اى من النصارى قِسِّيسِينَ قال البغوي القس والقسيس العالم بلغة الروم وفى القاموس هو رئيس النصارى فى العلم والقس مثلثة تتبع الشيء وطلبه فى الصحاح هو العالم العابد من رؤس النصارى واصل القس تتبع الشيء وطلبه بالليل كانهم سموا بذلك لان العلماء والعباد يطلبون العلم ووحدة الوجهة الى الله سبحانه

فى ظلمات الليالى وَرُهْباناً جمع راهب كالركبان جمع راكب وهم العباد اصحاب الصوامع فى القاموس رهب كعلم خاف والترهب التعبد وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن قبول الحق إذا دعوا اليه ويتواضعون ولا يتكبرون كاليهود قال قتادة نزلت هذه الاية فى ناس من اهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى عليه السّلام فلما بعث الله سبحانه محمدا صلى الله عليه وسلم صدقوه وأمنوا به فاثنى الله عز وجل عليهم بقوله ذلك بان منهم قسيسين الاية قلت وهؤلاء القوم من النصارى الذين كانوا على الدين الحق قبل البعثة وأمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعدها هم المراد باهل الكتاب فى قوله صلى الله عليه وسلم ثلثة لهم أجران رجل من اهل الكتاب أمن بنبيه وأمن بمحمد الحديث متفق عليه عن ابى موسى الأشعري والله اعلم قال اهل التفسير ائتمرت قريش ان يفتنوا المؤمنين عن دينهم فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يوذونهم ويعذبونهم فافتتن من افتتن وعصم الله منهم من شاء ومنع الله تعالى رسوله بعمه ابى طالب فلما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد أمرهم بالخروج الى ارض الحبشة وقال ان بها ملكا صالحا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فاخرجوا اليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا وأراد به النجاشي واسمه اصحمة وهو بالحبشة عطية وانما النجاشي اسم الملك مثل قيصر وكسرى فخرج إليها سرّا أحد عشر رجلا واربع نسوة وهم عثمان ابن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وابو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو مصعب بن عمير وابو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت امية وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت ابى حشمة وحاطب بن عمر وسهيل ابن بيضا رضى الله عنهم أجمعين فخرجوا الى البحر وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار فى رجب من السنة الخامسة من البعثة وهذه الهجرة الاولى ثم خرج جعفر بن ابى طالب وتتابع المسلمون إليها وكان جميع المهاجرين الى الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان فلما علمت قريش بذلك وجهوا عمرو بن العاص وصاحبه بالهدايا الى النجاشي وبطارقته ليردهم إليهم فعصمهم الله وذكرت القصة فى تفسير

سورة ال عمران فى تفسير قوله تعالى ان اولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي الاية......... فلما انصرفا اقام المسلمين هناك بخير واحسن جوار الى ان هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلا امره وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى النجاشي على يدى عمرو بن امية الضميري سنة ست من الهجرة ليزوجه أم حبيبة بنت ابى سفيان وقد هاجرت مع زوجها فمات زوجها وليبعث من عنده من المسلمين فارسل النجاشي الى أم حبيبة جارية له يقال لها ابرهة تخبرها بخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعطتها اوضاحا لها سرورا بذلك فاذنت خالد بن سعيد بن العاص حتى انكحها على صداق اربعمائة دينار فانقد إليها النجاشي اربعمائة دينار على يد ابرهة فلما جاءتها بها أعطتها خمسين دينارا فردته وقالت أمرني الملك ان لا أخذ منك شيئا وقالت انا صاحبة دهن الملك وثيابه وقد صدقت ومحمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وامنت به وحاجتى منك ان تقرئيه منى السلام قالت نعم وقد امر الملك نسائه ان يبعثن إليك بما عندهن من عود وعنبر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراه عليها وعندها فلا ينكر وقالت أم حبيبة فخرجنا الى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فخرج من خرج اليه وأقمت بالمدينة حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه فكأن يسألنى عن النجاشي فقرأت عليه من ابرهة السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى عسى الله ان يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم يعنى أبا سفيان مودة يعنى بتزويج أم حبيبة ولما جاء أبا سفيان تزويج أم حبيبة قال ذلك الفحل لا يقرع انفه وبعث النجاشي بعد قدوم جعفر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه ارها بن اصحمة ابن الجر فى ستين رجلا من الحبشة وكتب اليه يا رسول الله اشهد انك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت لله رب العلمين وقد بعثت إليك بابني ارها وأنت ان شئت ان اتيك بنفسي فعلت والسلام عليك يا رسول الله فركبوا سفينة فى اثر جعفر وأصحابه حتى إذا كانوا فى وسط البحر غرقوا ووافى جعفر وأصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من اهل الشام فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس الى آخرها فبكوا حين سمعوا القران وأمنوا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه السّلام

[سورة المائدة (5) : آية 83]

فانزل الله تعالى هذه الاية ولتجدن أقربهم مودة للذين أمنوا الذين قالوا انا نصارى يعنى وفد النجاشي الذين قدموا مع جعفر وهم سبعون وكانوا اصحاب الصوامع وقال مقاتل والكلبي كانوا أربعين رجلا اثنان وثلثون من الحبشة وثمانية من اهل الشام وقال عطاء كانوا ثمانين رجلا أربعون من اهل نجران من بنى الحارث واثنان وثلثون من اهل الحبشة وثمانية من اهل الشام روميون واخرج ابن ابى شيبة وابن ابى حاتم والواحدي من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وابى بكر بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير مرسلا قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن امية الضمري وكتب معه كتابا الى النجاشي فقدم على النجاشي فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا جعفر بن ابى طالب والمهاجرين معه وأرسل الى الرهبان والقسيسين ثم امر جعفر ابن ابى طالب فقرأ عليهم سورة مريم فامنوا بالقران وقاضت أعينهم من الدمع فهم الذين انزل فيهم لتجدن أقربهم مودة الى قوله فاكتبنا مع الشاهدين وروى ابن جرير وابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال بعث النجاشي فلاس رجلا من خيار أصحابه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه سورة يس فبكوا فنزلت فيهم الاية واخرج النسائي عن عبد الله بن الزبير قال نزلت هذه الاية فى النجاشي وأصحابه. وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ وروى الطبراني عن ابن عباس نحوه ابسط منه قلت ونزول الاية فى النجاشي او فى الذين وفدهم لا يقتضى اختصاصهم بهذا الحكم فان العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد قوله وإذا سمعوا عطف على لا يستكبرون وهو بيان لرقة قلوبهم وشدة خشيتهم ومسارعتهم الى قبول الحق وعدم تابيهم عنه والفيض هو انصباب عن امتلاء فوضع موضع الامتلاء للمبالغة او جعلت أعينهم من فرط البكاء كانها تفيض بانفسها وتفيض فى موضع النصب على الحال.... لان الروية بمعنى الابصار وقيل من للابتداء والظاهر انها للتعليل اى من أجل الدمع مِمَّا عَرَفُوا من للابتداء او للتعليل اى من أجل المعرفة وما موصولة يعنى من الذي عرفوه كائنا مِنَ الْحَقِّ من اما للبيان او للتبعيض يعنى انهم عرفوا بعض الحق فابكاهم فكيف إذا عرفوه كله قال ابن عباس فى رواية عطاء به يريد بالسامعين النجاشي وأصحابه قرأ عليهم جعفر بالحبشة كهيعص فما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر من القراءة يَقُولُونَ حال من الضمير الفاعل فى عرفوا رَبَّنا آمَنَّا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما انزل عليه منك والمراد

[سورة المائدة (5) : آية 84]

إنشاء الايمان والدخول فيه وانما قالوا ربنا ليكونوا مومنين فيما بينهم وبين الله لا كالمنافقين فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ يعنى مع امة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يشهدون للرسل على سائر الأمم قالوا ذلك لانهم وجدوا ذكر امة فى الإنجيل كذلك او المعنى مع الشاهدين بنبوته وبان القران حق من عند الله تعالى والشهادة ما يكون عن صميم القلب ولذلك قال الله تعالى فى المنافقين والله يشهد ان المنافقين لكاذبون ففيه تنزيه لانفسهم عن النفاق ثم أظهروا الحجة على ان ايمانهم ايمان الشهداء لا المنافقين بقولهم. وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا على لسان محمّد مِنَ الْحَقِّ يعنى القران وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا الجنة مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ اى مع مؤمنى امة محمد صلى الله عليه وسلم الذين قال الله تعالى فيهم ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر انّ الأرض يرثها عبادى الصّالحون قوله ما لنا مبتدأ وخبر ولا نؤمن حال اى غير مؤمنين كقولك مالك قائما ونطمع معطوف على نؤمن يعنى ما لنا لا نؤمن ولا نطمع او عطف على نؤمن اى ما لنا نجمع بين عدم الايمان والطمع فانهما متنافيان فان الطمع مع عدم الايمان باطل او خبر مبتدأ محذوف اى نحن والواو للحال وجملة ونحن نطمع حال من ضمير الفاعل فى نؤمن وفيه انكار واستبعاد لانتفاء الايمان مع قيام موجبه وهو الطمع فى انعام الله تعالى وقيل جواب سوال ذكر البغوي ان اليهود عيّرهم وقالوا لم أمنتم فاجابوا وقيل انهم لما رجعوا الى قومهم لاموهم فاجابوا بذلك ويرد عليه انه كيف جاء الجواب بالعاطف والجواب مبنية للفصل وغاية التوجيه ان يقال تقديره مالك لا تؤمن وما لنا لا نؤمن. فَأَثابَهُمُ اللَّهُ اى جزاهم الله بِما قالُوا بعد خلوص الاعتقاد المدلول عليه بقوله ترى أعينهم تفيض من الدمع بما عرفوا من الحق وقيل القول يستعمل فى قول عن اعتقاد يقال هذا قول فلان اى معتقده جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الجنات جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ الذين يعبدون الله تعالى بكمال الخشوع والحضور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ثم ذكر جزاء الكافرين المكذبين كما هو داب المثاني والقران العظيم من الجمع بين الترغيب والترهيب ولما كان فيما مضى ذكر التصديق بالقلب ومعرفة الحق مع الإقرار باللسان عقبه بما يضاده

[سورة المائدة (5) : آية 86]

من جحود الحق والتكذيب فقال. وَالَّذِينَ كَفَرُوا اى جحدوا الحق بقلوبهم وَكَذَّبُوا بِآياتِنا بألسنتهم أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ع روى الترمذي وغيره عن ابن عباس ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتى فحرمت علىّ اللحم فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ اى ما طاب ولذّ وتشتهيها الأنفس من الحلال وفى ترتيب الآيات لطافة فانه تضمن ما قبله مدح النصارى على ترهبهم والحث على كسر النفس ورفض الشهوات ثم عقبه النهى عن الافراط فى ذلك والاعتداء عما حد الله تعالى بجعل الحلال حراما فقال وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ويجوز ان يراد به ولا تعتدوا حدود ما أحل الله لكم الى ما حرم عليكم فتكون الاية ناهية عن تحريم ما أحل وتحليل ما حرم داعية الى القصد بينهما وجاز ان يكون المعنى ولا تسرفوا فى تناول الطيبات اخرج ابن جرير من طريق العوفى انّ رجالا من الصحابة منهم عثمان بن مظعون حرموا النساء واللحم على أنفسهم وأخذوا الشفار ليقطعوا مذاكيرهم لكى ينقطع الشهوة عنهم ويتفرغوا للعبادة فنزلت هذه الاية واخرج ابن جرير نحو ذلك من مرسل عكرمة وابى قلابة ومجاهد وابى مالك والنخعي والسدى وغيرهم وفى رواية السدى انهم كانوا عشرة منهم ابن مظعون وعلى ابن ابى طالب وفى رواية عكرمة منهم ابن مظعون وعلى وابن مسعود والمقداد بن الأسود وسالم مولى حذيفة وفى رواية مجاهد منهم ابن مظعون وعبد الله بن عمرو واخرج ابن عساكر فى تاريخه من طريق السدى الصغير عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية فى رهط من الصحابة منهم ابو بكر وعمر وعلى وابن مسعود وعثمان بن مظعون والمقداد بن الأسود وسالم مولى ابى حذيفة توافقوا على ان يجبوا أنفسهم ويعتزلوا النساء ولا يأكلوا لحما ولا دسما ويلبسوا المسوح ولا يأكلوا من الطعام الا قوتا وان يسيحوا فى الأرض كهيئة الرهبان فنزلت وذكر البغوي عن اهل التفسير ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الناس يوما ووصف القيامة فرق الناس له وبكوا فاجتمع عشرة من الصحابة فى بيت عثمان بن مظعون الجمحي وهم أبو بكر الصديق وعلى بن ابى طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وابو ذر الغفاري وسالم مولى ابى حذيفة والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ومعقل

ابن مقرن رضى الله عنهم أجمعين وتشاوروا واتفقوا على ان يترهبوا ويلبسوا المسوح ويجبوا مذاكيرهم ويصوموا الدهر ويقوموا الليل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللحم والودك ولا يقربوا النساء والطيب ويسيحوا فى الأرض فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتى دار عثمان بن مظعون فلم يصادفه فقال لامرأته أم حكيم بنت ابى امية واسمها الخولاء وكانت عطارة أحق ما بلغني عن زوجك وأصحابه فكرهت ان تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرهت ان تبدى على زوجها فقالت يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل عثمان أخبرته بذلك فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الم أنبأكم انكم اتفقتم على كذا وكذا قالوا بلى يا رسول الله وما أردنا الا الخير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لم اومر بذلك ثم قال لانفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فانى أقوم وأنام وأصوم وأفطروا كل اللحم والدسم واتى النساء ومن رغب عن سنتى فليس منى ثم جمع الناس وخطبهم فقال ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا اما انى لست أمركم ان تكونوا قسيسين ورهبانا فانه ليس فى دينى ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع وان سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد واعبدوا الله تعالى ولا تشركوا به شيئا وحجوا واعتمروا واقيموا الصلاة وأتوا الزكوة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم فانما هلك من كان قبلكم بالتشديد شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فاولئك بقاياهم فى الديارات والصوامع فانزل الله عز وجل هذه الاية وروى البغوي بسنده عن سعد بن مسعود ان عثمان بن مظعون رض اتى النبي صلى الله عليه وسلم قال ائذن لنا فى الاختصاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من خصى ولا من اختصى ان خصاء أمتي الصيام فقال يا رسول الله ائذن لنا فى السياحة فقال ان سياحة أمتي الجهاد فى سبيل الله قالوا يا رسول الله ائذن لنا فى الترهب فقال ان ترهب أمتي الجلوس فى المساجد وانتظار الصلاة وفى الصحيحين عن انس قال جاء ثلثة رهط الى ازواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبىّ صلى الله عليه وسلم فلمّا أخبروا بها كانهم تقالّوها فقالوا اين نحن من النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال أحدهم اما انا فاصلى الليل ابدا وقال

[سورة المائدة (5) : آية 88]

الاخر انا أصوم النهار ولا أفطر وقال الاخر انا اعتزل النساء فلا أتزوج ابدا فجآء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنتم الذي قلتم كذا وكذا اما والله انى لاخشاكم لله وأتقاكم له ولكنى أصوم وأفطر وأصلي وارقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى وروى ابو داؤد عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فان قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم فى الصوامع والديار رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم وفى الصحيحين عن عائشة قالت صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء اصنعه فو الله انى لاعلمهم بالله وأشدهم خشية وروى ابن ابى حاتم عن زيد ابن اسلم ان عبد الله بن رواحة أضاف ضيفا من اهله وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع الى اهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارا له فقال لامرأته حبست ضيفى من اجلى وهو حرام على فقالت امرأته هو على حرام قال الضيف هو على حرام فلما رأى ذلك وضع يده وقال كلوا بسم الله ثم ذهب الى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الذي كان منهم ثم انزل الله يايها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً قال عبد الله بن مبارك الحلال ما أخذته من وجهه يعنى من وجه مشروع والطيب ماغذ او نما فاما الجوامد كالطين والتراب وما لا يغذى فمكروه الا على وجه التداوى حلالا مفعول كلوا ومما رزقكم حال منه قدمت لكون ذى الحال نكرة ومن للتبعيض وفيه تصريح ان بعض الرزق يكون حلالا دون بعض كما يقوله اهل الحق ويجوز ان يكون من ابتدائية متعلقة بكلوا ويجوز ان يكون مفعولا وحلالا حال من الموصول والعائد محذوف او صفة لمصدر محذوف يعنى أكلا حلالا وعلى الوجوه كلها لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة وَاتَّقُوا اللَّهَ توكيد للتوصية بما امر به وزاده توكيدا بقوله الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ لان مقتضى الايمان التقوى فيما امر به ونهى عنه روى البغوي بسنده عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحلوا والعسل رواه البخاري وعن ابن عباس قال كان أحب الطعام الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز والثريد من

[سورة المائدة (5) : آية 89]

الحيس رواه ابو داؤد وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعم الشاكر كالصائم الصابر رواه الترمذي ورواه ابن ماجة والدارمي عن سنان بن سنة عن أبيه قال البغوي قال ابن عباس لما نزلت لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم قالوا يا رسول الله فكيف نصنع بايماننا التي حلفنا عليها وكانوا حلفوا على ما أنفقوا عليه فانزل الله تعالى. لا يُؤاخِذُكُمُ «1» اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ قرأ ابن ذكوان عاقدتم من المفاعلة بمعنى فعل وقرأ ابو بكر وحمزة والكسائي عقدتم بغير الف مخففا على وزن ضربتم والباقون مشددا من التفعيل وقد مر تفسير الاية فى سورة البقرة واقسام الايمان وأحكامها وان المراد بالمؤاخذة المؤاخذة الاخروية وبما عقدتم الايمان ما تعلق القصد بتوثيقه والزام شىء من فعل او ترك به على نفسه صيانة لذكر اسم الله تعالى فتكون لا محالة فى الإنشاء وهذا القسم من اليمين يوجب ذلك الفعل او الترك على الحالف بقوله تعالى يا ايها الذين أمنوا أوفوا بالعقود وقوله تعالى ولكن يواخذكم بما عقدتم يعنى بنكث ما عقدتم او يواخذكم بما عقدتم ان حنثتم وحذف للعلم. (مسئلة:) ينعقد اليمين عند جمهور العلماء والائمة الاربعة بحرف القسم ملفوظا او مقدرا مقترنا باسم من اسماء الله تعالى او ما يدل على ذاته تعالى نحو والذي نفسى بيده والذي لا اله غيره ومقلب القلوب ورب السموات والأرض ونحو ذلك وقال بعض مشائخ الحنفية كل اسم لا يسمى به غيره تعالى فهو يمين وما يسمى به غيره ايضا كالحليم والعليم والقادر والوكيل والرحيم ونحو ذلك لا يكون يمينا الا بالنية او العرف او دلالة الحال وكذا ينعقد عند الجمهور بكل صفة من صفاته وقال ابو حنيفة ينعقد بكل صفة يحلف بها عرفا كعزة الله وجلاله وعظمته وكبريائه لا بما لا يحلف عرفا كعلم الله وإرادته ومشيته ولمشايخ العراق هاهنا تفصيل اخر وهو ان الحلف بصفات الذات يكون يمينا وبصفات الفعل لا يكون يمينا وصفات الذات ما لا يوصف الله تعالى بضده كالقدرة والجلال والكبرياء والعظمة والعزة وصفات الفعل ما يوصف به وبضده كالرحمة والغضب والرضاء

_ (1) روى ابو الشيخ وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير ان اللغو ان تحرم ما أحل الله لكم تكفر عن يمينك ولا تحرمه لا يؤاخذكم الله به ولكن بما عقدتم الايمان فان مت عليه أخذت به 12 [.....]

والسخط والقبض والبسط. (مسئلة) لو حلف بالقران يكون يمينا عند الائمة الثلاثة وعند ابى حنيفة لا يكون يمينا لعدم العرف وقال ابن همام ولا يخفى ان الحلف بالقران الان متعارف فيكون يمينا يعنى عنه ابى حنيفة ايضا كما هو قول الائمة الثلاثة وكذا الكلام لو حلف بالمصحف فان المراد به القران دون القراطيس وحكى ابن عبد البر فى التمهيد فى المسألة اقوال الصحابة والتابعين واتفاقهم على إيجاب الكفارة فيها قال ولم يخالف فيها الا من لا يعتد بقوله واختلفوا فى قدر الكفارة فقال مالك والشافعي يلزم كفارة واحدة وعن احمد رح روايتان إحداهما كالجمهور والثانية يلزم بكل اية كفارة ولو قال وحق الله كان يمينا عند الثلاثة خلافا لابى حنيفة ولو قال لعمر الله وايم الله قال ابو حنيفة يمين نوى او لم ينو وهى رواية عن احمد وقال بعض اصحاب الشافعي وهى رواية عن احمد ان لم ينو لا يكون يمينا. (مسئلة) من حلف بالكعبة او بالنبي لا يكون يمينا ولا يجب عليه الكفارة عند الائمة الثلاثة وهى رواية عن احمد وفى اظهر الروايتين عنه الحلف بالنبي يكون يمينا لنا قوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله او ليصمت متفق عليه من حديث ابن عمر وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف بغير الله فقد أشرك رواه ابو داؤد وعن ابن مسعود موقوفا لان احلف بالله كاذبا أحب الىّ ان احلف بغير الله صادقا قال صاحب الهداية هذا إذا قال والنبي اما لو قال ان فعلت كذا فهو برئ عن النبي صلى الله عليه وسلم او عن الكعبة او هو يهودى او نصرانى او كافر يكون يمينا لانه لما جعل الشرط علما على الكفر فقد جعله واجب الامتناع وقد أمكن القول بوجوبه لغيره فجعلناه يمينا كما نقول فى تحريم الحلال فان تحريم الحلال عند نايمين وقال الشافعي رح تحريم الحلال لا يكون يمينا لنا ان النبي صلى الله عليه وسلم حرم مارية وشرب العسل فنزل يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم كذا فى الصحيحين وغيرهما وسنذكر فى سورة التحريم ان شاء الله تعالى. (مسئلة) ولو قال ان فعلت كذا فهو يهودى او برئ من الإسلام او نحو ذلك فى شىء قد فعله فهو الغموس ولا يكفر عند ابى حنيفة اعتبارا بالمستقبل وقيل يكفر لانه تنجيز معنى قال صاحب الهداية والصحيح انه لا يكفر إن كان يعلم انه يمين وإن كان عنده

انه يكفر بالحلف يكفر لانه رضى بالكفر عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال انى برئ من الإسلام فان كان كاذبا فهو كما قال وان كان صادقا لن يرجع الى الإسلام سالما رواه ابو داؤد والنسائي وابن ماجة. (مسئلة) لو ذكر فعل القسم على صيغة الماضي مقترنا باسم الله او صفة من صفاته فقال أقسمت بالله او حلفت بالله او شهدت بالله او عزمت بالله لا فعلن كذا فهو يمين بلا خلاف ولو قال بصيغة المضارع نحو اقسم بالله او احلف بالله او اشهد بالله او اعزم بالله فهو يمين عند ابى حنيفة واحمد وعند الشافعي لا يكون يمينا الا بالنية لاحتمال ان يريد بالمستقبل الوعد قالت الحنفية المضارع حقيقة فى الحال مجاز فى الاستقبال لا ينصرف اليه الا بقرينة السين او سوف او نحو ذلك. (مسئلة) لو قال أقسمت او اقسم او حلفت او احلف ونحو ذلك من غير ذكر اسم الله تعالى وصفة فهو يمين عند ابى حنيفة نوى او لم ينو شيئا وان نوى غيره يصدق ديانة لا قضاء وقال مالك واحمد فى رواية وزفران نوى يكون يمينا والا فلا لاحتمال اليمين بغير الله وقال الشافعي لا يكون يمينا وان نوى قلنا الحلف بالله هو المعهود والمشروع وبغيره محظور فيصرف الى المشروع عند عدم النية واحتج فى هذه المسألة بحديث ابن عباس ان رجلا راى رويا فقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابو بكر ايذن لى فاعبرها فاذن له فعبرها ثم قال أصبت يا رسول الله قال أصبت واخطأت قال أقسمت يا رسول الله لتخبرنى قال لا تقسم هكذا رواه احمد وقد اخرج فى الصحيحين بلفظ اخر فانه قال والله لتخبرنى بالذي اخطأت قال لا تقسم والله اعلم فَكَفَّارَتُهُ اى كفارة نكثه او كفارة معقود الايمان او كفارة ما عقدتم الايمان إذا حنثتم والكفارة الفعلة التي من شانها ان يكفر الخطيئة ويذهب إثمها ويسترها إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ والإطعام جعل الغير طاعما سواء كان بالتمليك او الإباحة ومن ثم قال ابو حنيفة لو غدّاهم وعشّاهم اكلتين مشبعتين من غير تمليك جاز قليلا أكلوا او كثيرا كذا ذكر الكرخي بإسناده الى الحسن خلافا للشافعى رحمه الله فعنده يشترط التمليك اعتبارا بالزكاة وصدقة الفطر ولان التمليك ادفع للحاجة فلا ينوب منابه الإباحة قلنا المنصوص عليه فى الزكوة الإيتاء وفى صدقة الفطر الأداء وهما للتمليك

حقيقة بخلاف الإطعام لانه حقيقة فى التمكين من الطعم فان قيل لما كان الإطعام حقيقة فى التمكين ينبغى ان لا يجوز التمليك وإلا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز قلنا فى التمليك من الطعم ايضا او يقال جواز التمليك انما هو بدلالة النص والدلالة لا يمنع العمل بالحقيقة كما فى حرمة الضرب والشتم مع التأفيف لان النص ورد فى دفع حاجة الاكل فالتمليك الذي هو لدفع كل حاجة ومنها الاكل اجوز اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير وابن ابى حاتم عن على بن ابى طالب رض فى قوله تعالى فكفارته اطعام عشرة مساكين قال يغديهم ويعشيهم ان شئت خبزا ولحما او خبزا وزيتا او خبزا وسمنا او خبزا وتمرا- (مسئلة) لو كان فيمن أطعمهم صبيا فطيما لا يجزيه لانه لا يستوفى كاملا- (مسئلة) لا بد من الادام فى خبز غير الحنطة ليمكنهم الاستيفاء الى الشبع فى صورة الإباحة وفى خبز الحنطة لا يشترط ان كان اوسط طعام اهله بغير ادام. (مسئلة) ان اعطى مسكينا واحدا عشرة ايام يجوز عند ابى حنيفة وان اطعم فى يوم واحد عشر مرات لا يجوز وقيل هذا إذا كان بالاباحة واما إذا كان بالتمليك فيجوز لان الحاجة الى التمليك يتجدد فى يوم واحد ولا يتجدد الحاجة الى الاكل فى يوم واحد عشر مرات وإذا دفع الى فقير وأحد طعام عشرة مساكين دفعة واحدة فى يوم واحد ولو بالتمليك لا يجوز هذا كله قول ابى حنيفة وجه قوله ان المقصود سدخلة المحتاج والحاجة يتجدد فى كل يوم فالدفع اليه فى اليوم الثاني كالدفع الى غيره ولا يتجدد الحاجة فى يوم الى الاكل عشر مرات وقال مالك والشافعي وهو الصحيح من مذهب احمد وبه قال اكثر اهل العلم لا يجوز اطعام مسكين واحد عشرة ايام ولو بالتمليك لانه تعالى نص على عشرة مساكين وبتكرر الحاجة فى مسكين واحد لا يصير هو عشرة مساكين والتعليل بان المقصود سدخلة المحتاج الى اخر ما ذكر مبطل لمقتضى النص فلا يجوز. (مسئلة) وإذا ملك الطعام عشرة مساكين فالقدر الواجب لكل مسكين عند اهل العراق مدان وهو نصف صاع قال البغوي يروى ذلك عن عمرو على وقال ابو حنيفة نصف صاع من بر او صاع من شعير او تمر وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومجاهد والحكم وقال مالك مد وهو رطلان بالبغدادي وقال احمد مد من حنطة او دقيق ومدان من شعير او تمر ورطلان من خبز اى خبز حنطة وقال الشافعي مد النبي صلى الله عليه وسلم وهو رطل

وثلث رطل من غالب قوة البلد ولا يجوز عنده دفع الخبز ولا الدقيق بل إعطاء الحب قال البغوي وهو قول زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسليمان بن يسار وعطاء والحسن وكذلك الخلاف فى جميع الكفارات ويجوز دفع القيمة من الدراهم والدنانير عند ابى حنيفة خلافا لغيره وذكر الكرخي بإسناده الى عمر قال صاع من تمر او شعير او نصفه من بر وبإسناده الى علىّ قال كفارة اليمين نصف صاع من حنطة وبإسناده الى مجاهد قال كل كفارة فى القران فهو نصف صاع من بر لكل مسكين وروى ابن الجوزي فى التحقيق بسنده عن سليمان بن يسار قال أدركت الناس وهم يعطون فى طعام المساكين مدا مدا ويروى ان ذلك يجزى عنهم وفى الباب حديث ابى سلمة ان سليمان بن صخر ويقال له سلمة بن صخر البياضي جعل امرأته كظهر امه حتى يمضى رمضان فلما مضى نصف من رمضان وقع عليها ليلا فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة قال لا أجدها قال فصم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال اطعم ستين مسكينا قال لا أجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعروة بن عمرو أعطه ذلك الفرق وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا او ستة عشر صاعا يطعم ستين مسكينا رواه الترمذي وروى ابو داؤد وابن ماجة والدارمي عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر نحوه قال كنت أصبت من النساء ما لا يصيب غيرى وهذا الحديث حجة للشافعى وغيره من قال ان لكل مسكين هذا احتج ابو حنيفة بحديث رواه الطبراني عن أوس بن الصامت قال فاطعم ستين مسكينا ثلثين صاعا قال لا املك ذلك الا ان تعيننى فاعانه النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا وأعانه الناس حتى بلغ انتهى قلت لعل كان ذلك من الحنطة وروى ابو داؤد من طريق ابن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام فى حديث أوس بن الصامت انه قال صلى الله عليه وسلم فانى ساعينه بفرق من تمر قال يا رسول الله وانا أعينه بفرق اخر قال أحسنت قال الفرق ستون صاعا واخرج الحديث ايضا بهذا الاسناد الا انه قال والمكتل ثلثون صاعا قال ابن همام وهذا أصح لانه لو كان ستين لم يحتج الى معاونتهما ايضا بفرق اخر فى الكفارة واخرج ابو داؤد عن ابى سلمة بن عبد الرحمن قال الفرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا واخرج ابو داؤد فى حديث سلمة بن

صخر البياضي قال فاطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا قال والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشيين ما املك لنا طعاما قال فانطلق الى صاحب صدقة بنى زريق فليدفعها إليك فاطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها الحديث أخرجه احمد وابو داؤد (مسئلة) يجوز دفع الطعام وتمليكه لصغير يقبل عنه وليه وهل يجزى بصغير لم يطعم الطعام قال الثلاثة نعم وقال احمد لا. (مسئلة) ان ادى الى ذمى قال ابو حنيفة يجوز لاطلاق النص وقد قال الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين الاية وعند الجمهور لا يجوز قياسا على الزكوة فانه لا يجوز صرف الزكوة الى الذمي اجماعا مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ محله النصب لانه صفة مفعول محذوف تقديره ان تطعموا عشرة مساكين طعاما من اوسط ما تطعمون او الرفع على البدل من اطعام قال البغوي اى من خير قوة عيالكم قلت والظاهر ان المراد المتوسط فى الكيفية لا أعلى ولا ادنى فمن كان غنيا يأكل اهله أطعمة لذيذة يجب فى التغدي والتعشي ان يطعم الفقراء على غالب قوة اهله وهذا الكلام يدل على ما قال ابو حنيفة بجواز عطاء الفقير على وجه الإباحة اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس فى قوله تعالى من اوسط ما تطعمون قال من عسركم ويسركم وفى رواية ليس بارفعه ولا أدناه وجمع الأهل بالياء والنون شاذ لعدم العلمية أَوْ كِسْوَتُهُمْ عطف على اطعام او على من اوسط ان جعل بدلا لان البدل هو المقصود وادنى الكسوة ما يجوز به الصلاة عند مالك واحمد وهو المروي عن محمد ففى الرجل يجزى السراويل فقط او الإزار فقط او القميص فقط وفى المرأة لا بد من ثوبين قميص وخمار وعند ابى حنيفة وابى يوسف أدناه ما يستر عامة البدن فلا يجوز السراويل وان صح صلوته فيه لان لابسه يسمى فى العرف عريانا والمأمور به جعله مكتسيا ويجوز ان يعطى قميصا سابلا للمرأة وان لم يصح صلوتها بدون الخمار لانها مكتسية عرفا لا عريانة اخرج ابن مردويه عن حذيفة قال قلنا يا رسول الله او كسوتهم ما هو قال عباءة وكذا اخرج الطبراني وابن مردوية عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عباءة لكل مسكين وعند الشافعي رح يجوز اقل ما يقع عليه اسم الكسوة فيجوز عنده العمامة فحسب والسراويل فقط والقميص فقط وفى القلنسوة لاصحابه وجهان ان اطعم

خمسا وكسى خمسا قال ابو حنيفة واحمد يجوز وقال مالك والشافعي لا يجوز أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ يعنى اعتاق انسان ويجوز فى كفارة اليمين والظهار اعتاق رقبة كافرة عند ابى حنيفة لاطلاق النص وعند مالك والشافعي واحمد لا يجوز الا مؤمنا حملا للمطلق على المقيد الوارد فى كفارة القتل قلنا المطلق يجرى على إطلاقه والمقيد على تقئيده ولا وجه لحمل أحدهما على الاخر. (مسئلة) مقتضى كلمة او إيجاب احدى الخصال الثلث مطلقا ويخير المكلف فى التعيين اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال لما نزلت اية الكفارة قال حذيفة يا رسول الله نحن بالخيار قال أنت بالخيار ان شئت كسوت وان شئت أطعمت فمن لم يجد فصيام ثلثة ايام متتابعات فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شيئا من ذلك وعجز عنها بان لا يفضل ماله عن الديون وعن قوته وقوة عياله وحوائجه ما يطعم او يكسو او يعتق وقال بعض العلماء إذا ملك ما يمكنه الإطعام او أحد أخواته وان لم يفضل عن كفاية فليس هو بعاجز وهو قول الحسن وسعيد بن جبير وروى ابو الشيخ عن قتادة ان كان عنده خمسون درهما فهو ممن يجد ويجب عليه الإطعام وانكانت اقل فهو ممن لا يجد ويصوم واخرج ابو الشيخ عن ابراهيم النخعي قال إذا كان عنده عشرون درهما فعليه ان يطعم. (مسئلة) العبد لا كفارة له الا الصوم لانه لا يقدر على الإطعام والاكساء والاعتاق لعدم مالكية المال ولو أعتق عنه مولاه او اطعم او اكسى لا يجزيه وكذا المكاتب والمستسعى. (مسئلة) لو صام العبد فعتق قبل ان يفرغ ولو بساعة فاصاب مالا وجب عليه استيناف الكفارة وكذا الفقير إذا صام فاصاب مالا قبل ان يفرغ من الصيام استأنف الكفارة. (مسئلة) المعتبر عندنا كونه واجدا عند ارادة التكفير وعند الشافعي عند الحنث لنا ان الصوم خلف عن المال كالتيمم فانما يعتبر فيه وقت الأداء فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ خبر مبتدأ محذوف والجملة جزاء للشرط يعنى فكفارته صيام ثلثة ايام. (مسئلة) لا يجب عند مالك التتابع فى الصيام لاطلاق النص بل يستحب وعن

الشافعي قولان الجديد الراجح انه يستحب ولا يجب وقال ابو حنيفة واحمد وهو أحد قولى الشافعي رح انه يجب وجه قول احمد ورواية الشافعي حمل المطلق على المقيد الوارد فى كفارة القتل والظهار ووجه القول الجديد للشافعى ان هذه الكفارة يحاذيها الاصلان فى التتابع وعدمه فحمله على كفارة القتل والظهار يقتضى التتابع وحمله على صوم المتعة بناء على انه دم جبر عنده يوجب التفرق فترك الحمل على كل منهما وعمل بإطلاق النص هاهنا ووجه قول ابى حنيفة العمل بقراءة ابن مسعود فانه قرأ ثلثة ايام متتابعات وهى مشهورة يجوز به تقئيد مطلق النص لانه داخل على الحكم دون السبب. (مسئلة) يمين الكافر لا ينعقد ولا يلزمه الكفارة عند ابى حنيفة وقال الائمة الثلاثة ينعقد يمينه ويلزمه الكفارة بالحنث لنا انه ليس باهل اليمين لانها تنعقد لتعظيم اسم الله تعالى ومع الكفر لا يكون معظما ويرد عليه انه فى الدعاوى يستحلف الكافر المنكر اجماعا ولانه ليس أهلا للكفارة لكونها عبادة قلت ومقتضى هذا الدليل انه لو حلف الكافر ثم اسلم وحنث بعد الإسلام يلزمه الكفارة والله اعلم. ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وحنثتم فان الكفارة لا تجب الا بعد الحنث اجماعا استدل احمد والشافعي بهذه الاية على جواز تقديم الكفارة قبل الحنث وهو أحد الروايتين عن مالك لانه أضيف الكفارة الى اليمين دون الحنث والاضافة دليل بسببية المضاف اليه للمضاف الواقع حكما شرعيا او متعلقه كما فى ما نحن فيه فان الكفارة متعلق الحكم الذي هو الوجوب وإذا ثبت سببيته جاز تقديم الكفارة على الحنث لانه حينئذ شرط والتقديم على الشرط بعد وجود السبب ثابت شرعا كما فى الزكوة جاز تقديمها على الحول بعد وجود السبب الذي هو ملك النصاب وكما فى تقديم التكفير بعد الجرح على المقتول قبل الموت وبناء على هذا الدليل لا فرق بين الكفارة بالمال والصوم وعند مالك واحمد وبه قال الشافعي فى القديم وفى القول الجديد للشافعى يجوز تقديم الكفارة بالمال قبل الحنث ولا يجوز بالصوم لان تقديم الأداء على الوجوب بعد السبب لم يعرف شرعا الا فى العبادة المالية ولا يجوز تقديم الصوم والصلاة قبل وجوبهما وعند ابى حنيفة لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث مطلقا هو يقول ان سبب الكفارة هو الحنث دون اليمين لان الكفارة انما وجبت لستر الجناية ودفع الإثم ولا جناية ولا اثم الا بالحنث واليمين

ليست بسبب للحنث ولا للكفارة بل للبر إذا قل ما فى السبب ان يكون مفضيا اليه واليمين ليس كذلك لانه مانع عن عدم المحلوف عليه فكيف يكون مفضيا اليه نعم قد يتفق تحققه اتفاقا والاضافة قد يكون الى الشرط كما فى صدقة الفطر ولو سلم ان اليمين سبب فلا شك فى ان الحنث شرط للوجوب فلا يقع التكفير واجبا قبله فلا يسقط الوجوب قبل ثبوته ولا عند ثبوته بفعل وجد قبله ولم يكن واجبا وكان مقتضى هذا الدليل عدم جواز أداء الزكوة قبل الحول وصدقة الفطر قبل الفطر لكن ثبت جواز ادائهما قبل وجوبهما بالنص على خلاف القياس فيقتصر على موردهما اما الزكوة فلحديث على رضى الله عنه ان العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تعجيل صدقة قبل ان تحل فرخص له فى ذلك رواه ابو داؤد والترمذي وابن ماجة والدارمي واما صدقة الفطر فلما رواه البخاري عن ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر الى ان قال فى آخره وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم او يومين وهذا مما لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم بل لا بد من كونه بإذن سابق فان الاسقاط قبل الوجوب مما لا يعقل فلم يكونوا يقدمون الا بسمع قبله كذا قال ابن همام والصحيح عندى ان اليمين سبب للكفارة كما يدل عليه الاضافة غير ان الحنث شرط لكونه سببا كما حقق فى اصول الفقه ان التعليق بالشرط فى قوله ان دخلت الدار فانت طالق مانع عن السبب دون الحكم عند ابى حنيفة وعند الشافعي مانع عن الحكم فهذا الكلام لا يكون سببا للطلاق الا بعد دخول الدار وزوال المانع وقبل ذلك كان سببا لمنع المرأة عن الدخول كذلك الحلف بالله تعالى سبب للبر وبعد فوات البر والحنث تصير سببا للكفارة فالكفارة قبل الحنث أداء قبل السبب بخلاف الزكوة فان سببه المال وبخلاف صدقة الفطر فان سببه الراس وقد يستدل على جواز التكفير قبل الحنث بحديث ابى الأحوص عوف بن مالك عن أبيه قال قلت يا رسول الله أرأيت ابن عم لى اتيه اسأله فلا يعطينى ولا يصلنى ثم يحتاج الىّ فياتينى فيسألنى وقد حلفت ان لا أعطيه ولا أصله فامرنى ان اتى الذي هو خير واكفر عن يمينى رواه النسائي وابن ماجة وفى رواية قال قلت يا رسول الله يأتينى ابن عمى فاحلف ان لا أعطيه ولا أصله قال كفر عن يمينك وعن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى والله إنشاء الله لا احلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا كفرت عن يمينى واثبت

الذي هو خير متفق عليه وعن عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وات الذي هو خير وفى رواية فات الذي هو خير وكفر عن يمينك متفق عليه وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل رواه مسلم والاحتجاج بهذه الأحاديث على جواز تقديم الكفارة على الحنث لذكر الكفارة فى بعض الروايات قبل ذكر الحنث ليس بشئ لان الواو لمطلق الجمع دون الترتيب فان قيل قد ورد فى بعض الروايات بكلمة ثم روى ابو داؤد حديث عبد الرحمن بن سمرة بلفظ فكفر عن يمينك ثم ات الذي هو خير وفى المستدرك من حديث عائشة كان عليه الصلاة والسلام إذا حلف لا يحنث حتى انزل الله كفارة اليمين فقال لا احلف الى ان قال الا كفرت عن يمينى ثم أتيت الذي هو خير قلنا هى رواية شاذة مخالفة لما فى الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن سمرة وقد ذكرنا ولما فى البخاري من حديث عائشة وفيه العطف بالواو وقد شذت الرواية بثم لمخالفتهما روايات الصحيحين والسنن والمسانيد وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ قيل أراد به ترك الحلف اى لا تحلفوا لكل امر والصحيح ان المراد منه حفظ اليمين عن الحنث وإيفاء ما أوجب على نفسه القيام بمقتضاه ويؤيده قوله تعالى يا ايها الذين أمنوا أوفوا بالعقود والحكم فى الباب ان المحلوف عليه ان كان طاعة لزمه الوفاء بها وهل له ان يعدل عن الوفاء الى الكفارة مع القدرة على الوفاء قال ابو حنيفة واحمد ليس له ذلك عملا بهذه النص وقال الشافعي الاولى ان لا يعدل فان عدل جاز ولزمه الكفارة وعن مالك روايتان كالمذهبين وكذا ان حلف على امر مباح ليس تركه خيرا من فعله وان كان المحلوف عليه معصية يجب عليه ان يحنث ويكفر لان اثم المعصية لازم واثم الحنث مكفر بالكفارة وان حلف على ترك امر مستحب فالاولى ان يحنث ويكفر قال الله تعالى لا نجعلوا الله عرضة لايمانكم يعنى حاجزا مانعا من الحسنات وقال عليه السلام كفر عن يمينك وات بالذي هو خير عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال انى احلف لا اعطى أقواما ثم يبدو لى ان أعطيهم فاطعم عشرة مساكين صاعا من شعير او صاعا من تمر او نصف صاع من قيح وعن عائشة قالت كان ابو بكر إذا حلف لم يحنث حتى نزلت اية الكفارة وكان بعد ذلك يقول لا احلف على يمين فارى غيرها خيرا منها الا أتيت الذي هو خير وقبلت رخصة الله رواه ابن ابى شيبة وعبد الرزاق والبخاري وابن مردوية.

(فصل فى النذر) إذا نذر شيئا معلقا بشرط يريد وجوده كما يقول ان شفى مريضى فعلىّ صوم يجب عليه الوفاء كما يجب بالنذر المنجز اجماعا وان نذر شيئا معلقا بشرط يريد عدمه كما يقول ان فعلت كذا يريد ترك ذلك الفعل فعلىّ حج فعن ابى حنيفه انه لزمه الوفاء والصحيح انه رجع عن هذا القول وقال أجزأه كفارة يمين وهو قول محمد وبه قال احمد فيخرج بالوفاء وبالكفارة يميل الى أيهما شاء وفى رواية عن احمد ان الواجب الكفارة لا غير وعن الشافعي كالروايتين الأخريين وقال مالك فى صدقة المال يلزمه الثلث وفى غيره يلزمه الوفاء احتج مالك بحديث ابى لبابة انه قال للنبى صلى الله عليه وسلم ان من توبتى ان اهجر دار قومى التي أصبت فيها الذنب وان انخلع مالى كله صدقة قال عليه السلام يجزى عنك الثلث والحجة لجواز الكفارة حديث عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفارة النذر كفارة اليمين رواه مسلم وحديث عمران بن حصين لا نذر فى غضب وكفارته كفارة اليمين رواه احمد والنسائي نحوه. (مسئلة) من نذر نذرا لا يمكنه وفائه اما بان لا يطيقه كحج ماشيا وصوم الدهر او كان النذر بمعصية يكفر عنه كفارة يمين لان النذر إيجاب شىء على نفسه وإيجاب شىء يقتضى تحريم ضده والتحريم يمين واللام المستعمل فى النذر فى قوله لله علىّ كذا يجئى بمعنى القسم قال الله تعالى لعمرك وفى الباب حديث عائشة لا نذر فى معصية وكفارته كفارة اليمين رواه احمد وابو داؤد والترمذي والنسائي وروى النسائي عن عمران بن حصين نحوه وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نذر نذر الم يسمه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا فى معصية فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا اطاقه فليف به رواه ابو داؤد وابن ماجة ووقفه بعضهم على ابن عباس وعن عبد الله بن مالك ان عقبة بن عامر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اخت له نذرت ان تحج حافية غير مختمرة قال مروها فتخمر ولتركب ولتصم ثلثة ايام رواه اصحاب السنن الاربعة والدارمي. (مسئلة) من حلف على يمين وقال إنشاء الله متصلا بيمينه فلا حنث عليه لحديث ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين فقال إنشاء الله فلا حنث عليه رواه اصحاب السنن الاربعة والدارمي وذكر الترمذي ان جماعة وقفوه

[سورة المائدة (5) : آية 90]

على ابن عمر كَذلِكَ اى مثل ذلك البيان يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ اى اعلام شرايعه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ على نعمة التعليم او نعمة أداء الواجب وفراغ الذمة وحصول مرضاة الله تعالى ودرجات القرب والثواب فان مثل هذا التبين يسهل الأداء. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ «1» قد مر تفسيرهما وحكمهما فى تفسير سورة البقرة وَالْأَنْصابُ اى الأصنام التي نصبت للعبادة وَالْأَزْلامُ سبق تفسيرها فى أول السورة رِجْسٌ قذر يعاف عنه العقول السليمة والطباع المستقيمة وافراده لانه خبر للخمر وخبر المعطوفات محذوف او بحذف المضاف كانه قال انما تعاطى الخمر والميسر مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ اى من تسويله وتزئينه فكانه عمله فَاجْتَنِبُوهُ الضمير للرجس او لما ذكر او للتعاطى لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لكى تفلحوا بالاجتناب عنه ان الله سبحانه أكد تحريم الخمر والميسر فى هذه الاية بان صدر الجملة بانما وقرنهما بالانصاب والأزلام وسماهما رجسا وجعلهما من عمل الشيطان تنبيها على ان الاشتغال بهما شربحت او غالب وامر بالاجتناب عن أعينهما وجعله سببا يرجى منه الفلاح ثم بين ما فيهما من المفاسد الدينية والدنيوية المقتضية للاجتناب فقال. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ

_ (1) اخرج الترمذي عن عمر بن الخطاب انه قال اللهم بين لنا فى الخمر بيان شفاع فنزلت التي فى البقرة يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس الاية فدعى عمر فقرأت عليه ثم قال اللهم بين لنا فى الخمر بيان شفاء فنزلت التي فى النساء يا ايها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى الاية فدعى عمر فقرأت عليه ثم قال اللهم بين لنا فى الخمر بيان شفاء فنزلت التي فى المائدة انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر الى قوله فهل أنتم منتهون فدعى عمر فقرأت عليه فقال انتهينا انتهينا واخرج النسائي عن عبد الرحمن بن الحارث قال سمعت عثمان بن عفان رضى الله عنهما يقال اجتنبوا الخمر فانها أم الخبائث انه كان رجل ممن خلا قبلكم يتعبد فعلقته امرأة غرية فارسلت اليه جاريتها فقالت له انا ندعوك للشهادة فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى افضى الى امرأة وضية عندها غلام وباطية خمر فقالت انى والله ما دعوتك للشهادة ولكن دعوتك لتقع علىّ او تشرب الخمر كأسا او تقتل هذا الغلام قال فاسقينى من هذا الخمر فسقته كاسا قال رويدنى فلم يزل حتى وقع عليها وقتل النفس فاجتنبوا الخمر فانها والله لا يجتمع الايمان وإدمان الخمر الا ليوشك ان يخرج أحدهما صاحبه 12

أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ كما فعل الأنصاري «1» الذي شج راس سعد بن ابى وقاص بلحى الجمل وفيه نزلت هذه الاية وقد مرت القصة فى سورة البقرة وَالْمَيْسِرُ قال قتادة كان الرجل يقاهر على الأهل والمال ثم يبقى حزينا مسلوب الأهل والمال مغتاظا على حرفائه خصهما باعادة الذكر وشرح ما فيهما من الفساد تنبيها على انهما هما المقصودان بالبيان هاهنا وانما ذكر الأنصاب والأزلام هاهنا للدلالة على انهما مثلهما فى الحرمة والشرارة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شارب الخمر كعابد الوثن أخرجه البزار من حديث عبد الله بن عمرو ورواه ابن ماجة بلفظ مد من الخمر ورواه الحارث بلفظ شارب الخمر كعابد اللات والعزى وَيَصُدَّكُمْ اى الشيطان بارتكاب الخمر والميسر عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ وذلك انه من اشتغل بالخمر والقمار الهاه عن ذكر الله وشوش عليه صلوته كما فعل باضياف عبد الرحمن بن عوف قدم رجلا ليصلى بهم صلوة المغرب بعد ما شربوا فقرأ قل يا ايها الكافرون اعبد بحذف لا كما مرت القصة فى سورة البقرة وخص الصلاة من بين الذكر للتعظيم والاشعار بان الصاد منها كالصاد من الايمان من حيث انها شعار المؤمنين وعماد الدين والفارق بين المؤمن والكافر صورة

_ (1) عن ابن عباس ان الشّراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصا حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابو بكر لو فرضنا لهم حدا فتوخى نحو ما كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ابو بكر جلدهم أربعين حتى توفى ثم كان عمر من بعدهم فجلدهم كذلك أربعين حتى اتى برجل من المهاجرين الأولين قد شرب فامر به ان يجلد فقال لم تجلدنى بينى وبينك كتاب الله عز وجل قال وفى اى كتاب تجدان لا أجلدك قال ان الله يقول فى كتابه ليس على الذين أمنوا وعملوا الصّلحت جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وأمنوا الاية فانا من الذين أمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد قال عمر الا تردون عليه فقال ابن عباس هؤلاء آيات نزلت عذرا للماضين وحجة فى الباقين عذرا للماضين لانهم لقوا الله قبل ان يحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لان الله يقول انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام حتى بلغ الاية الاخرى فكان من الذين أمنوا وعملوا الصّلحت ثم اتقوا وأحسنوا فان الله قد نهى ان يشرب الخمر قال عمر فماذا ترون فقال على بن ابى طالب نرى انه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفترى ثمانون جلدة فامر عمر فجلد ثمانين رواه ابو الشيخ وابن مردوية والحاكم وصححه 12

[سورة المائدة (5) : آية 92]

قال الله تعالى وما كان الله ليضيع ايمانكم يعنى صلوتكم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة رواه مسلم وابو داؤد والترمذي وابن ماجة من حديث جابر وروى احمد من حديث عبد الله بن بريدة نحوه وفيه فمن تركها فقد كفر وروى احمد من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم انه ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وابى بن خلف ثم أعاد الحث على الانتهاء بصيغة الاستفهام مرتبا على ما تقدم من انواع المفاسد فقال فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ لفظة استفهام ومعناه امر بأبلغ الوجوه كانه قيل فهل أنتم بعد ما ذكر من المفاسد منتهون أم لا كانكم لم توعظوا. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فى الانتهاء عن الخمر والميسر وسائر المناهي وإتيان الواجبات وَاحْذَرُوا عن مخالفتهما فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن إطاعة الله والرسول فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ فتوليكم لا يضر بالرسول وانما يضر بانفسكم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل مسكر حرام وان حتما على الله ان لا يشربه عبد فى الدنيا الا سقاه الله عن طينة الخبال هل تدرون ما طينة الخبال قال عرق اهل النار رواه البغوي وعنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر فى الدنيا ثم لم يتب منها حرمها الله فى الاخرة رواه البغوي وعنه انه قال اشهد انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبايعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمول اليه وأكل ثمنها رواه ابن ماجة وروى ابو داؤد وليس فيه وأكل ثمنها وفى الباب عن انس بن مالك وروى الترمذي وابن ماجة عن ابن عباس والحاكم عن ابن مسعود وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر لم يقبل الله له صلوة أربعين صباحا فان تاب تاب الله عليه فان عاد لم يقبل الله له صلوة أربعين صباحا فان تاب تاب الله عليه فان عاد لم يقبل الله له صلوة أربعين صباحا فان تاب تاب الله عليه فان عاد فى الرابعة لم يقبل الله له صلوة أربعين صباحا فان تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال رواه الترمذي ورواه النسائي وابن ماجة والدارمي عن عبد الله بن عمرو وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة عاق ولا قمار ولا مد من خمر رواه الدارمي وعن ابى امامة قال قال رسول

[سورة المائدة (5) : آية 93]

الله صلى الله عليه وسلم ان الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للعلمين وأمرني ربى بمحق المعازف والمزامير والأوثان والصليب وامر الجاهلية وحلف ربى عز وجل بعزتي لا يشرب عبد من عبيد جرعة من خمر إلا سقيته من الصديد مثلها ولا يتركها من مخافتى الا سقيته من حياض القدس رواه احمد وعن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلثة قد حرم الله عليهم الجنة مد من الخمر والعاق والديوث رواه احمد والنسائي وعن ابى موسى الأشعري مثله وفيه مد من الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر رواه احمد وقد ذكرنا فى سورة البقرة ما أخرجه احمد عن ابى هريرة قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر الحديث الى ان قال ثم نزلت اغلظ من ذلك يا ايها الذين أمنوا انما الخمر والميسر الى قوله فهل أنتم منتهون قالوا انتهينا ربنا فقال الناس ناس قتلوا فى سبيل الله وماتوا على فراشهم وكانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فانزل الله تعالى ليس على الذين أمنوا الاية وروى النسائي والبيهقي عن ابن عباس قال انما نزل تحريم الخمر فى القبيلتين من قبائل الأنصار شربوا فلما ان ثمل «1» القوم عبث بعضهم ببعض فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر فى وجهه وراسه ولحيته فيقول صنع بي هذا أخي فلان وكانوا اخوه ليس فيهم ضغائن فيقول والله لو كان بي رءوفا رحيما ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن فى قلوبهم فانزل الله يا ايها الذين أمنوا انما الخمر والميسر الاية فقال ناس من المتكلفين هى رجس وهى فى بطن فلان وقد قتل يوم أحد فانزل الله تعالى. لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا اى شربوا من الخمر وأكلوا من مال الميسر قبل تحريمهما إِذا مَا اتَّقَوْا الشرك وَآمَنُوا بالله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بعد الايمان ثُمَّ اتَّقَوْا الخمر والميسر بعد التحريم وَآمَنُوا بتحريمهما ثُمَّ اتَّقَوْا سائر المحرمات او الاولى عن الشرك والثاني عن المحرمات والثالث عن الشبهات وَأَحْسَنُوا الى الناس او المعنى أحسنوا الأعمال بان عبدوا ربهم كانهم يرونه وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ع فلا يؤاخذهم بشئ وفيه تنبيه على انه من فعل ذلك صار محسنا ومن صار محسنا صار لله محبوبا ونزلت عام الحديبية وكانوا محرمين بالعمرة فى ذى القعدة سنة ست. يا أَيُّهَا الَّذِينَ

_ (1) ثمل اى اخذه منه الشراب والسكر 12

[سورة المائدة (5) : آية 95]

آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ اى شىء يسير ليس من العظائم التي يدحض الاقدام كالابتلاء ببذل الأنفس والأموال مِنَ الصَّيْدِ يرسله إليكم صفة لشئ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ صفة بعد صفة فكانت الوحوش «1» تغشاهم فى رحالهم بحيث يتمكنون من أخذها بايديهم وطعنها برماحهم لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ متعلق بيبلوا فان ذلك الابتلاء انما هو لينميز الخائف من عقاب الله ممن لا يخافه فذكر العلم وأراد وقوع المعلوم وظهوره او تعلق العلم او المعنى ليعلم خوف الخائف موجودا كما كان يعلمه قبل وجوده انه يوجد حتى ليثبه على عمله لا على علم نفسه فيه بِالْغَيْبِ اى متلبسا ذلك الخائف بالغيب يعنى غائبا من العذاب او من الله سبحانه يعنى يخافه ولم يره اخبر الله سبحانه بذلك الابتلاء ليكونوا اصبر على الانتهاء عن المعصية اعانة للمؤمنين فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ الابتلاء بالصيد فصاده او بعد ذلك الاخبار من الله سبحانه بالابتلاء فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ فانه لم يملك نفسه فى مثل ذلك الشيء اليسير ولم يراع حكم الله فيه فكيف يملك نفسه فيما يكون النفس اليه أميل قال البغوي روى عن ابن عباس انه قال يوسع جلد ظهره وبطنه جلدا او يسلب ثيابه ذكر البغوي ان رجلا يقال له ابو اليسر شدّ على حمار وحش فقتله فنزلت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ يعنى الحيوان الممتنع المتوحش فى اصل الخلقة سواء كان ماكول اللحم او لا كذا فى القاموس وبه قال ابو حنيفة رحمه الله غير انه خص منه ما ورد فى الحديث جواز قتلها وهى الحية والعقرب والفارة والحداة والغراب والذئب السبع العادي دون غير العادي فيجوز قتل الكلب لا سيما العقور والظاهر انه صيد واستيناسها عارضى وقيل انه ليس بصيد فانه غير متوحش بالطبع فى الصحيحين عن ابن عمر سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يقتل المحرم من الدواب فقال لا جناح فى قتلهن على من قتلهن العقرب والفارة والغراب والحداة والكلب العقور وفيهما عن عائشة وعن حفصة نحوه قال ابن الجوزي المراد بالكلب السبع مطلقا لانه يطلق الكلب على السبع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قصة عتبة بن ابى لهب اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وقال الله تعالى من الجوارح مكلبين قال ابو حنيفة

_ (1) اخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل بن حبان قال نزلت هذه الاية فى عمرة الحديبية فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم فى رحالهم لم يروا مثله قط فنهاهم الله عن قتلها وهم محرمون يعلم الله من يحافه بالغيب 12

لو سلمنا جواز اطلاق الكلب على السبع لغة لكن فى العرف غلب استعماله فى الحيوان المخصوص وحمل الحديث على العرف العام اولى واخرج ابو عوانة فى المستخرج من طريق البخاري عن عائشة ذكر فيها ستا وزاد الحية وروى ابو داؤد من حديث ابى سعيد الخدري قال عليه السّلام يقتل المحرم الحية والعقرب والفويسقة والكلب العقور والحداة والسبع العادي ويرمى الغراب ولا يقتله ورواه الترمذي ولم يذكر السبع العادي وقال الحسن ويحمل الغراب المنهي عن قتله على غراب الزرع وروى ابن خزيمة وابن المنذر من حديث ابى هريرة زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة لكن قال ابن خزيمة ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور وفى مرسل سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم يقتل المحرم الحية والذئب أخرجه ابن ابى شيبة وسعيد بن منصور وابو داؤد ورجاله ثقات واخرج مسلم عن عائشة ذكر أربعا وأسقط العقرب عن الخمس المشهور فان قيل كيف يجوز تخصيص الكتاب على اصل ابى حنيفة بأحاديث الآحاد قلنا هذه الحديث تلقته الامة بالقبول فصار فى حكم الحديث المشهور جاز به تخصيص الكتاب او يقال ثبت بالإجماع ان بعض الصيد يجوز قتله للمحرم فصار العام مخصوصا بالبعض فخصصناه بالأحاديث وقال الشافعي واحمد انما يحرم على المحرم قتل ما يحل أكله دون ما لا يحل أكله لان فى الأحاديث اعيان بعضها سباع ضارة وبعضها هو أم قاتلة وبعضها طير لا يدخل فى معنى السباع بل هو حيوان مستخبث اللحم فرتبنا الحكم على استخباث اللحم وخصصنا الاية بالقياس بعد التخصيص بالحديث قلت التعليل فى اباحة القتل باستخباث اللحم غير مناسب لعدم استلزامه المصلحة فلا يجوز القياس والمختار عندى للفتوى ما قال صاحب البدائع ان الحيوان البرى ينقسم الى ماكول وغير ماكول والثاني الى ما يبتدى بالاذى غالبا وما ليس كذلك وانما يجوز فى الإحرام قتل ما يبتدى بالاذى غالبا من غير المأكول وهى رواية عن ابى يوسف كذا فى فتاوى قاضى خان ومثله عن مالك والعلة المؤثرة فى القياس البداية بالاذى قلت والإيذاء على انواع مختلفة فكان النبي صلى الله عليه وسلم نبه بالعقرب على ذوات السموم كالزنبور وكل ما يلدغ وبالفارة ما يشاركها فى النقب والتقرض كابن عرس وبالغراب والحداة على ما يشاركهما فى الاختطاف كالصقر وبالكلب العقور على كل سبع عادى والسنور الأهلي ليس بصيد عند ابى حنيفة لعدم توحشها والصحيح انها متوحشة واستيناسها عارضى بخلاف المتوحش من الانعام فانها مستأنسة خلقة.

(مسئلة) ويلتحق بقتل الصيد الاشارة اليه والدلالة عليه للذى يريد قتله اجماعا لانه فى معنى القتل إذ هو ازالة الا من عن الصيد لانه أمن بتوحشه وبعده عن الأعين روى الشيخان فى الصحيحين حديث ابى قتادة وفيه أحرموا كلهم الا أبا قتادة لم يحرم فبينما هم يسيرون إذ راوا حمر وحش فحمل ابو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا فاكلوا من لحمها الحديث وفيه فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم امنكم أحد امره ان يحمل عليها او أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمها ففى الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم علق اباحة الاكل بعدم الاشارة. (مسئلة) ويلتحق بالصيد بيض الطائر وقال داؤد لا يضمن وسنذكر ما ورد من الحديث والآثار فى ضمان البيص. (مسئلة) اجمعوا على ان المحرم إذا اصطاد صيدا او ذبحه كان حكمه حكم الميتة لا يجوز أكله للحلال ولا للمحرم وقال الثوري وابو ثور وطائفة يجوز أكله وهو كذبيحة السارق وهو وجه للشافعية لنا انه اثم فى ذبحه بمنزلة تارك التسمية عامدا فصار فى معنى ما ذبح فسقا اهل لغير الله بخلاف السارق فان الذبح له فى نفسه وانما المانع هناك حق العبد وهو ينجبر بالضمان. (مسئلة) وان اصطاده حلال وكان امره بالقتل محرم او دل عليه او أشار اليه يحرم أكله للمحرم لما ذكرنا من حديث ابى قتادة حيث علق النبي صلى الله عليه وسلم اباحة الاكل للمحرم بعدم الأمر والاشارة ويجوز أكله للحلال اجماعا وَمَنْ قَتَلَهُ يعنى الصيد مِنْكُمْ يعنى من المؤمنين المحرمين مُتَعَمِّداً قال سعيد بن جبير وداؤد وابو ثور وابو منذر من الشافعية وهى رواية عن احمد بن حنبل ان هذا القيد يفيد انه لا يجب الجزاء إذا قتل مخطيا او ناسيا إحرامه او مكرها او نحو ذلك وقال مجاهد والحسن انما الجزاء انما يجب إذا قتله عامدا فى قتله ناسيا إحرامه واما إذا قتله ذاكرا إحرامه فلا حكم عليه وامره الى الله تعالى لانه أعظم من ان يكون له كفارة وجمهور العلماء والائمة الاربعة على انه يجب الجزاء سواء قتله عامدا او ناسيا إحرامه او مكرها او مخطيا او جاهلا للحرمة قال الزهري الجزاء على المتعمد بالكتاب وعلى المخطى بالسنة والمفهوم ليس بحجة عند ابى حنيفة وعند القائلين به المفهوم دليل ظنى ومنطوق الحديث

أقوى منه والإجماع أقوى من الكل لكونه دليلا قطعيا واستدل ابن الجوزي بحديث جابر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال هى صيد وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا رواه الترمذي وقال هذا حديث صحيح والاستدلال بإطلاق الحكم قيل قوله تعالى متعمدا توطية لقوله تعالى ومن عاد فينتقم الله منه. (مسئلة) إذا دل المحرم على صيد «1» من يريد قتله باللسان او باليد يجب عليه الجزاء كما يجب بالقتل عند ابى حنيفة واحمد وقال مالك والشافعي لا يلزم الجزاء على الدال وان كان يا ثم كمن دل صائما على امرأة فجامعها لا يلزم الكفارة على الدال ولا يفسد صومه ولكن يأثم فكذا هاهنا لان الدلالة ليس بقتل والجزاء انما هو على القتل بالنص قلنا الدلالة فى معنى القتل والنبي صلى الله عليه وسلم سوى بين الاشارة والقتل كما مر فى حديث ابى قتادة ولانه محظورات الإحرام اجماعا فلو لم يجب عليه الجزاء لا يرتفع إثمه ويرتفع اثم القتل بالجزاء فيلزم مزية الدلالة على القتل فان قيل فعلى هذا يلزم ان يجب الكفارة على الدال وان لم يتعقبه القتل قلنا الدلالة فانية ان يكون كالرمى الى الصيد من اسباب القتل وذلك ليس بموجب للجزاء ما لم يتعقبه القتل فانه إذا لم يتعقبه القتل لم ينعقد سببا فَجَزاءٌ خبر مبتدأ محذوف يعنى فالواجب عليه جزاء او مبتدأ خبره ظرف مقدم عليه او فاعل ظرف مقدم عليه يعنى فعليه جزاء والجملة خبر لمن والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط قرأ الجمهور مضافا الى مِثْلُ ما قَتَلَ قيل الاضافة بيانية والظاهر انه اضافة المصدر الى مفعوله يعنى فعليه ان يجزى مثل ما قتل وقرأ الكوفيون فجزاء منونا ومثل مرفوعا بدلا منه او صفة له ومال القرائتين واحد معنى والمراد بالمثل القيمة عند ابى حنيفة وابى يوسف لان المثل المطلق صورة ومعنى هو المشارك فى النوع غير مراد هاهنا اجماعا فبقى ان يراد المثل معنى وهو القيمة ولان القيمة فى قتل بعض الصيد واجب اجماعا وهو ما لا يكون له مثل من النعم وما كان أصغر من الحمامة كالعصفور والجراد فلا بد ان يقال بوجوب القيمة فى الجميع كيلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز او عموم المشترك ولان المعهود فى الشرع فى اطلاق المثل ان يراد المشارك فى النوع او القيمة قال الله تعالى فى ضمان العدوان فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل اعتدى عليكم والمراد الأعم اعنى المماثل فى النوع إذا كان المتلف مثليا

_ (1) عن الحكم ان عمر كتب ان يحكم عليه فى جزاء الصيد فى الخطاء والعمد 12

والقيمة إذا كان قيميا بناء على انه مشترك معنوى وفى الحيوانات أهدر المماثلة الكائنة فى تمام الصورة اجماعا تغليبا للاختلاف الباطني بين افراد نوع واحد فجعل من القيميات فما ظنك إذا انتفى المشاركة فى النوع ايضا ولم يكن هناك الا مشاكلة فى العوارض كطول العنق والرجلين فى النعامة مع البدنة وان يعب ويهدر فى الحمامة مع الشاة وعند مالك والشافعي واحمد ومحمد بن الحسن المراد بالمثل حيوان من النعم الاهلية يشابهه الصيد المقتول من حيث الخلقة لان النبي صلى الله عليه وسلم قال الضبع صيد وفيه شاة رواه ابو داؤد عن عبد الله وكذا روى اصحاب السنن والحاكم فى المستدرك واحمد وابن حبان عن جابر ولفظ الحاكم الضبع صيد فاذا أصابه المحرم ففيه كبش ويوكل وقال صحيح الاسناد وروى مالك فى الموطأ والشافعي بسند صحيح عن عمر بن الخطاب انه قضى فى الضبع بكبش وفى الغزال بمعز وروى الشافعي والبيهقي عن ابن مسعود قضى فى اليربوع بجفر او جفرة واخرج البيهقي عن ابن عباس قال فى حمامة الحرم شاة وفى البيضتين درهم وفى النعامة جزور وفى البقر بقرة وفى الحمار بقرة وروى الشافعي والبيهقي عن عثمان بن عفان انه قضى فى أم جنين بحلان من الغنم ولان قوله تعالى مِنَ النَّعَمِ اى الإبل او البقر او الغنم صفة لمثل بيان له والقيمة لا يكون من النعم وأجاب الحنفية عن استدلالهم بان التقديرات المذكورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة انما هى باعتبار القيمة دون المشاكلة الصورية وبانا لا نسلم ان قوله تعالى من النعم صفة لمثل بل هو حال من الضمير المنصوب المحذوف اى مثل ما قتله حال كون المقتول من النعم اى ذات قوائم الأربع والنعم يطلق على الوحشي كما يطلق على الأهلي كذا قال ابو عبيدة وكذا فى القاموس ويرد عليه ان الكلام فى جزاء الصيد مطلقا سواء كان من النعم او من الطير فجعله حالا من المقتول ينافى المقصود قلت وعندى انه صفة لمثل والمراد بالمثل حيوان من النعم الاهلية يماثل المقتول فى القيمة دون بعض العوارض لما ذكر ابو حنيفة من الدليل فعندى انه إذا اختار الجاني الهدى فعليه ان يهدى من النعم الأهلي امثلها وأقربها قيمة من الصيد المقتول ففى حمار الوحش وبقر الوحش وكل ما زاد قيمته على قيمة الشاة سواء كانت قيمته مثل قيمة البقر او دونه يهدى بقرة جيدة او ردية بشرط ان لا يكون قيمة الهدى اقل من قيمة الصيد وفيما زاد على البقر فى القيمة سواء كان مثل البدنة فى القيمة او اقل منها يهدى بدنة وفيما زاد على البدنة يهدى شاة مع بدنة او بقرة وشاة او بدنة

وبقرة او بدنتين او بقرتين او شاتين او نحو ذلك يعنى يكون قيمة الهدى مثل قيمة الصيد او اكثر منه وما كان قيمته كقيمة الشاة جائز التضحية يهدى شاة كذلك وما يكون قيمته اقل من قيمة الشاة كالضبع والوبر واليربوع والغزال وأم جنين والحرباء والضب والثعلب يهدى عناقا او جفرة او حملا اعنى ما يكون قيمته كقيمة الصيد او اكثر منه من نوع الغنم وفى الحمامة وما دونه إذا اختار الهدى يهدى ادنى ما يطلق عليه اسم الشاة هذا على اصل الجمهور انه لا يشترط ان يكون الهدى جائز التضحية وهو المختار عندى للفتوى واما على اصل ابى حنيفة رحمه الله فلا بد ان يهدى فى كل ما يكون قيمته اقل من قيمة الشاة شاة جائز التضحية وبه قال مالك ان المقتول سواء كان صغيرا او كبيرا صحيحا او معيبا الواجب انما هو الهدى جائز التضحية الكبير الصحيح وجه قولهما ان مطلق الاسم ينصرف اليه ولذا لا يجوز فى هدى المتعة وسائر الجنايات فى الحج ان يهدى الا جائز التضحية لنا ان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أوجبوا عناقا وجفرة ولا نسلم ان المذكور فى النص مطلق اسم الهدى حتى ينصرف الى الكامل كما فى هدى المتعة ونحوه بل المذكور هاهنا مثل ما قتل من النعم هديا فالمراد الهدى المماثل بالمقتول اما صورة كما قال الشافعي او قيمة كما قلنا فلا وجه لايجاب الكبير جائز التضحية وما ذكرنا من التفسير للاية لا يزاحمه اقوال الصحابة فان الصحابة انما حكموا فى الأرنب بعنز لأن العنز يماثل قيمة بقيمة الأرنب وفى الحمامة بشاة لان الشاة ادنى اقسام الهدى وأشبهها وأقربها بالحمامة قيمة بالنسبة الى البقرة والبدنة فلو أراد الهدى يهدى ادنى افراد الشاة ولا دليل على انهم اعتبروا المماثلة فى الخلقة فان قيل روى البيهقي بسند حسن عن ابن عباس وروى ايضا من عطاء الخراسانى عن عمر وعثمان وعلى وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية انهم قالوا فى النعامة يقتلها المحرم بدنة ورواه مالك من طريق ابى عبيدة بن عبد الله بن مسعود مكاتبة عن أبيه وقال مالك لم ازل اسمع ان فى النعامة بدنة ولا شك ان حكمهم فى النعامة ببدنة ليس الا لرعاية المشابهة فى طول العنق والرجلين دون القيمة قلنا فى الأثر ضعف وانقطاع وقال الشافعي هذا غير ثابت عند اهل العلم بالحديث وبالقياس قلنا ان فى النعامة بدنة او يقال لعل بعض افراد النعامة فى بعض الازمنة بلغ قيمة شىء من الإبل فحكم بعض الصحابة ان فى النعامة بدنة ثم تبعه جماعة من التابعين زعما

منهم ان ذلك الصحابي انما حكم بالبدنة عملا بالمماثلة الصورية فشاع ذلك فيهم حتى قال مالك ثم ازل اسمع ان فى النعامة بدنة فان قيل روى البيهقي عن عكرمة قال جاء رجل الى ابن عباس فقال انى قتلت أرنبا وانا محرم فكيف ترى فقال هى تمشى على اربع والعناق تمشى على اربع وهى تجتر «1» والعناق تجتر ويأكل الشجر وكذا العناق اهد مكانها عناقا وهذا صريح فى رعاية المماثلة الصورية وروى ابن ابى شيبة من طريق عطاء ان رجلا اغلق بابه على حمامة وفرخيها ثم انطلق الى عرفات ومنى ورجع وقد ماتوا فاتى ابن عمر فجعل عليه ثلثة من الغنم وحكم معه رجل وروى الثوري وابن ابى شيبة والشافعي والبيهقي من حديث ابن عباس مثله وهذا ايضا يدل على ان وجوب الشاة فى الحمامة ليس من حيث القيمة والا لكفت شاة واحدة فى ثلث حمامات واكثر منها قلنا نعم بعض الآثار تدل على رعاية المشابهة فى الصورة وذلك عن راى لا عن رواية وليس علينا اتباع بعض الصحابة مع مخالفة الكتاب وقد قال الله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم ونحن نتيقن ان البدنة ليست مثلا للنعامة ولا الشاة للحمامة فى الصورة ولا فى المعنى والمشابهة فى بعض صفات لا يعبأ بها غير معتبرة عرفا ولغة والا فجميع الحيوانات لا يخلوا عن مشابهة ما فى صفة من الصفات البتة يَحْكُمُ بِهِ اى بالجزاء او بالمثل ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ «2» جملة واقعة صفة للجزاء او للمثل لان المثل لا يتعرف بالاضافة فجاز وصفها ووصف ما أضيف إليها بالجملة او حالا من ضمير الجزاء فى خبره او منه إذا رفعته بظرف على الفاعلية قال

_ (1) الاجترار كشيدن ونشخوار كردن شتر و چريدن 12 (2) عن ميمون بن مهران ان أعرابيا اتى أبا بكر فقال قتلت صيدا انا محرم فما ترى علىّ من الجزاء فقال ابو بكر وابى بن كعب وهو جالس عنده ما ترى فيها فقال الاعرابى أتيتك وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسألك فاذا أنت تسأل غيرك فقال ابو بكر فما تنكر يقول الله عز وجل يحكم به ذوا عدل منكم فشاورت صاحبى حتى إذا اتفق على شىء امرناك به وعن ابى بكر المزني قال كان رجلان محرمين فحاش أحدهما ظبيا فقتله الاخر وأتيا عمر وعبد الرحمن بن عوف عنده فقال له عمر ما ترى قال شاة قال وانا ارى ذلك فاهديا شاة فلما مضيا قال أحدهما لصاحبه مادرى امير المؤمنين ما يقول حتى سأل صاحبه فسمعها عمر فردهما واقبل على القائل ضربا بالدرة قال تقتلون الصيد وأنتم حرم وتغمصون الفتيا ان الله تعالى يقول يحكم به ذوا عدل منكم ثم قال ان الله لم يرض لعمر وحده فاستعنت لصاحبى 12 منه

اكثر الحنفية الواحد يكفى لاعتبار المماثلة كما روى عن كثير من الصحابة انهم حكموا وحدانا والاثنان أحوط وابعد من الغلظ وقال الشافعي وجمهور العلماء انه يشترط العدد والعدالة وهو المختار للفتوى اتباعا للنص واقتداء بعمل الصحابة كما يشهد به الآثار روى مالك عن محمد بن سيرين ان عمر سأله رجل عن جزاء الظبى قال عمر لعبد الرحمن بن عوف تعال حتى احكم انا وأنت فحكما عليه بعنز فقال الرجل هذا امير المؤمنين لا يستطيع ان يحكم فى ظبى حتى دعا رجلا يحكم معه فسمع عمر قوله فدعاه فسأله هل تقرأ سورة المائدة فقال لا فقال عمر لو انك أخبرتني انك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضربا قال الله تعالى فى كتابه يحكم به ذوا عدل منكم. (مسئلة:) اختلف القائلون بالمثل خلقة فقال مالك يحكم الحكمان فى كل زمان حكما مستانفا وقال أكثرهم ان الحكم فى ذلك ما حكم به السلف لا يتجاوز عنه وما لم يحكموا فيه يستانف فيه الحكم وما اختلف فيه مجتهد فيه وقال الثوري الاختيار فى ما اختلف فيه السلف الى الحكمين فى كل زمان والقران يبطل هذه الأقوال كلها فان الحكم فى كل زمان مستانفا غير مفيد عند اعتبار المماثلة خلقة إذ الخلقة لا تتفاوت والاخذ بما حكم به السلف يرده قوله تعالى يحكم به ذوا عدل منكم فانه يقتضى ان يحكم العدلان فى كل زمان مستانفا ولو كان الحكم مرة يكفى للابد لحكم النبي صلى الله عليه وسلم فى جميع الصيود او فى اكثر منه ولم يحتج الى حكم الحكمين فى كل مرة فالاية دليل على ان المراد بالمثل هو المثل من حيث القيمة حتى يتصور الاحتياج الى حكم الحكمين فى كل زمان ومكان لاختلاف القيمة باختلاف الازمنة والامكنة هَدْياً حال من الضمير الراجع الى الى الجزاء او الى المثل او من جزاء وان نوّن لتخصيصه بالصفة او بدل عن مثل باعتبار محله قال الشافعي وغيره هذا يدفع قول ابى حنيفة ان المراد بالمثل القيمة فان القيمة لا يكون هديا قلت ولا يرد ذلك على ما ذكرت من التفسير للمثل بالحيوان من النعم يماثل الصيد فى القيمة فانه يكون هديا على انه لو كان المراد بالمثل القيمة كما قاله ابو حنيفة فيجوز ان يكون هديا حالا مقدرة اى صائرا ذلك القيمة هديا بواسطة الشراء بها لا يقال حينئذ يحتاج الى التقدير بقوله صائرا من غير ضرورة قلنا الضرورة ثابتة لما ذكرنا وايضا التقدير لازم على تفسير الشافعي ايضا إذ لا يصح حكمهما بالهدى

موصوفا ببلوغه الى الكعبة حال حكمهما به على التحقيق فالتقدير على تفسيركم انه يحكمان به مقدرا بلوغه فلزوم التقدير ثابت غير انه يختلف محله على الوجهين. (مسئلة:) هل يجب فى الهدى السوق أم يجوز ان يشترى بمكة فقال مالك يجب فيه السوق عملا بظاهر قوله تعالى هديا بالِغَ الْكَعْبَةِ وصف به هديا لان إضافته لفظية وقال الجمهور لا يجب السوق بل انما ذكر قوله هديا بالغ الكعبة للدلالة على ان الحرم شرط لذبح الهدى وعليه انعقد الإجماع وكونه مهدى من خارج غير مقصود قلت والدليل على ان السوق ليس بشرط قصة حجة الوداع ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة قال للناس من كان منكم اهدى فانه لا يحل من شىء حرم منه حتى يقضى حجه ومن لم يكن منكم اهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهدو من لم يجد هديا فليصم وهذا صريح فى ان بعض الصحابة لم يسق الهدى واشتروا هديا بمكة ومن لم يجد هديا صام وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم هديا حيث قال ثم ليهل بالحج وليهدو قد قال الله تعالى فى التمتع ايضا فما استيسر من الهدى وما قاله مالك فيمن اشترى الهدى من الحرم الواجب ان يخرج به إذا حج الى عرفة امر لا دليل عليه. (مسئلة) هل يجب التصدق بلحم الهدى على فقراء مكة فقال الجمهور يجب ذلك لان صفة بلوغ الهدى الكعبة يشعر ان ينفق اللحم على مساكين الحرم وقال ابو حنيفة لا يجب ذلك بل يتصدق على من يشاء من المساكين فى الحرم وغيره لان الذبح عبادة غير معقولة فلا بد فيه من رعاية المكان حتى انه من ذبح فى غير الحرم لا يجزيه الا ان يبلغ اللحم قيمة الصيد فينفقه بنية الإطعام واما انفاق اللحم فعبادة معقولة ولا دليل على التخصيص بمساكين الحرم وما ذكروا من الاشعار ممنوع أَوْ كَفَّارَةٌ عطف على جزاء قرأ نافع وابن عامر بالاضافة الى طَعامُ مِسْكِينٍ اضافة بيانية والباقون بتنوين كفارة ورفع طعام على انه عطف بيان او بدل منه او خبر مبتدأ محذوف اى هى طعام مساكين وكلمة او للتخيير «1» تفيد ان الجاني مخير

_ (1) والعطف بكلمة او للتخيير اى تخيير الجاني بين الخصال الثلاثة تخفيفا عليه كما فى خصال كفارة اليمين هذا عند ابى حنيفة وابى يوسف رح وقال محمد والشافعي رح الخيار فى تعيين شىء من الخصال الى الحكمين ولا دليل لهذا القول فى الاية بل الاية تدل على ان المراد بالمثل القيمة وتقدير القيمة مفوض الى الحكمين فاذا حكما بمقدار القيمة فالخيار الى الجاني ان شاء يشترى بها هديا بالغ الكعبة وان شاع يشترى بها طعاما للمساكين وان شاء صام مكان كل مسكين يوما ولا مدخل للحكمين فى التعيين فان الحاكم هو الله لا غير وانما التخيير للتخفيف رحمة من الله تعالى وذلك فى تخيير الجاني 12 منه

بين ان يجزى مثل ما قتل من النعم وبين ان يكفر فيطعم المساكين وبين ان يصوم وقال الشعبي والنخعي جزاء الصيد على الترتيب والاية حجة لنا عليهما. (مسئلة) اجمعوا على ان بناء الإطعام على القيمة وعلى ان الصيد إذا لم يكن له مثل من النعم فالمعتبر قيمة الصيد يشترى به طعاما واما إذا كان له مثل من النعم فعند الجمهور يعتبر قيمة مثله لا قيمته لان الواجب عندهم المثل لا قيمة الصيد والإطعام بدل عنه فمن قتل حمامة واختار الإطعام يطعم عندهم قيمة شاة لا قيمة حمامة إذا النظير هو الواجب عينا وعند ابى حنيفة رح يعتبر قيمة الصيد مطلقا لانها هو الواجب عنده واما على ما قلت ان الواجب على تقدير اختيار الهدى مثله من النعم فالمراد مثله فى القيمة فما زاد الهدى على قيمة الصيد انما التزمه تطوعا او لزمه ضرورة عدم التجزى فى الهدى ولا ضرورة ولا التزام عند اختيار الإطعام فيعتبر قيمة الحمامة لا قيمة الشاة لان المتلف هو المضمون فلا معنى لتقويم غيره لجبره ولا نسلم ان النظير هو الواجب عينا فانه من قتل حمامة لو اهدى بعيرا أجزأه البتة ولو كانت الشاة هى الواجبة عينا لم يجزه البعير على ان القول بان النظير هو الواجب عينا لا يتصور الا إذا كان الواجب على الترتيب كما قال الشعبي والنخعي فيجب اولا النظير فان لم يجد النظير يقضيه بالاطعام وان لم يجد فبالصيام قضاء غير معقول وليس كذلك بل الواجب أحد الخصال الثلاثة على التخيير كما ذكرنا فاعتبار احدى الخصال فى الاخرى بلا دليل شرعى باطل وانما اعتبر قدر الإطعام فى الصيام بقوله تعالى أَوْ عَدْلُ ذلِكَ الطعام صِياماً معطوف على جزاء قال الفراء العدل بالكسر المثل من جنسه وبالفتح المثل من غير جنسه. (مسئلة:) اختلفوا فى مقدار طعام كل مسكين فقال الشافعي ليطعم كل مسكين مدا كما هو كذلك عنده فى كفارة الصوم والظهار واليمين وقال ابو حنيفة يطعم كل

[سورة المائدة (5) : الآيات 96 إلى 97]

مسكين نصف صاع من بر او صاعا من شعير او تمر كما هو عنده فى صدقة الفطر وحمل على ذلك الكفارات كلها والاولى ان يقال نصف صاع من غالب قوت البلد للاجماع على انه هو المقدار للاطعام فى باب الجنايات إذا حلق المعذور راسه حيث امر النبي صلى الله عليه وسلم كعبا بتفريق الفرق بين ستة وقد مر الحديث فى سورة البقرة والحمل على هذا اولى من الحمل على صدقة الفطر لاتحاد جنس الجناية ويشترط عند الجمهور للاطعام مساكين الحرم كما فى انفاق لحم الهدى ولا يشترط ذلك عند ابى حنيفة لما قلنا. (مسئلة:) ولو كان قيمة الصيد اقل من طعام مسكين واحد او فضل شىء يسير من طعام مسكين او مساكين يعطى ذلك القدر اليسير مسكينا ولا يجب عليه جبر الكسر اجماعا وان صام عنه صام يوما لان الصوم لا يتجزى وكذا لو اهدى يهدى ادنى ما يطلق عليه اسم الشاة على ما قلت وشاة جائز للتضحية عند ابى حنيفة ومالك لِيَذُوقَ متعلق بمحذوف يعنى أوجبنا ذلك الجزاء او الكفارة ليذوق الجاني وَبالَ أَمْرِهِ اى ثقل فعله وسوء عاقبته هتكه حرمة الله واصل الوبل الثقل يقال طعام وبيل اى ثقيل ومنه أخذناه أخذا وبيلا عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ من قتل الصيد محرما فى الجاهلية او قبل التحريم او فى هذه المرة وَمَنْ عادَ الى قتل الصيد بعد ذلك المرة فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ خبر مبتدأ محذوف تقديره فهو ينتقم الله منه لان الفاء لا تدخل على المضارع إذا وقع جزاء ذهب ابن عباس على ظاهر هذه الاية حيث روى عنه انه إذا قتل المحرم صيدا متعمدا يسأله هل قتلت قبله شيئا من الصيد فان قال نعم لم يحكم وقال له اذهب فينتقم الله منك وان قال لم اقتل قبله شيئا من الصيد حكم عليه فان عاد بعد ذلك لم يحكم عليه ولكن يملأ ظهره وصدره ضربا وجيعا كذا قال البغوي قلت والاولى ان يقال فى تفسير الاية عفا الله عما سلف بأداء الجزاء ومن عاد فينتقم الله منه يعنى يوجب عليه الجزاء مرة ثانية فان لم يود الجزاء يعذبه فى الاخرة وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ ممّن أصر على عصيانه. أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ اى الاصطياد «1» من البحر لانه هو المراد من صيد «2» البر كما سنذكر وَطَعامُهُ

_ (1) وعن انس عن ابى بكر الصديق فى الاية قال صيده ما حويت عليه وطعامه ما لفظ إليك رواه ابو الشيخ 12 منه (2) عن الحارث بن نوفل قال حج عثمان بن عفان فاتى بلحم صيد صاده حلال فاكل منه عثمان ولم يأكل على فقال عثمان والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا فقال على وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وعن الحسن ان عمر بن الخطاب لم يكن يرى بأسا بلحم الصيد للمحرم إذا صيد لغيره وكرهه ابن ابى طالب رواه ابن ابى شيبة 12 منه

اى ما يطعم منه الضمير اما عائد الى الصيد او الى البحر اى ما يطعم من صيد البحر او من البحر وقيل المراد بصيد البحر كل حيوان لا يعيش الا فى الماء وطعامه أكله واحتج به مالك على جواز أكل كل حيوان بحرى وقد مرت المسألة فى أول السورة وقال عمر رضى الله عنه صيد البحر ما اصطيد وطعامه ما رمى به وعن ابن عباس وابن عمر وابى هريرة طعامه ما قذفه الماء الى الساحل ميتا وقال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعكرمة وقتادة والنخعي ومجاهد صيده طريه وطعامه مالحه مَتاعاً لَكُمْ مفعول له لاحلّ يعنى أحل ذلك تمتيعا لكم اى للمقيمين منكم يأكلونه طريا وَلِلسَّيَّارَةِ اى للمسافرين منكم يتزودونه قد يدا وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً قيل معنى الاية حرم صيد البر مطلقا على المحرم وان اصطاده حلال من غير امر المحرم ولا اعانته ولا إشارته ولا لاجله يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول طاووس وسفيان الثوري ويويده حديث ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي انه اهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء او بودان فرد عليه فلما رأى ما فى وجهه قال انا لم نرده عليك الا انا حرم متفق عليه وعند النسائي لا تأكل الصيد وفى رواية سعيد عن ابن عباس لولا انا محرمون لقبلناه منك وأجيب بما ترجم البخاري فى الباب انه حمل الحديث على ان الحمار كان حيا والمحرم لا يجوز له ذبح الصيد الحي كذا نقلوا التأويل عن مالك وهذا التأويل لا يصح لانه رواه إسحاق فى مسنده بسنده عن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهري فقال لحم حمار واخرج الطبراني عن الزهري فقال رجل حمار وحش وفى رواية عند مسلم عجز حمار وحش تقطر دما وفى رواية عند مسلم رجل حمار وحش واخرج مسلم من طريق حبيب بن ابى ثابت عن سعيد فقال تارة حمار وحش وتارة شق حمار وحش واتفقت الروايات كلها على انه رده الا ما رواه وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن امية ان النبي صلى الله عليه وسلم اهدى له عجز حمار وحش وهو بالجحفة فاكل منه وأكل القوم والجمع بينهما بالحمل على القصتين اولى لان القصة المروية فى الصحيحين كانت بالأبواء او بودان وفى رواية وهب انه بالجحفة وبين الجحفة

والأبواء ثلثة وعشرون ميلا وبين جحفة وودان ثمانية أميال وفى الباب حديث على قال انشد من كان هاهنا من أشجع أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اهدى اليه عضو صيد فلم يقبله قال انا حرم قال نعم رواه ابو داؤد والطحاوي وروى مسلم نحوه لكن اجمع المسلمون بعد القرن الاول ان ما صاده الحلال لاجل نفسه يحل للمحرمين أكله وقد صح الأحاديث ان النبي صلى الله عليه وسلم أكل من لحم الصيد وامر أصحابه باكله منها حديث ابى قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا ما بقي من لحمها وفى بعض الروايات الصحيحة ان النبي صلى الله عليه وسلم أكلها ومنها ما ذكرنا من حديث الصعب بن جثامة انه وقع فى بعض رواياته ان النبي صلى الله عليه وسلم أكل منها ومنها ما رواه مسلم عن معاذ ابن عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن أبيه قال كنا مع طلحة بن عبد الله ونحن حرم فاهدى له طير وطلحة راقد فمنا من أكل ومنا من تورع فلما استيقظ طلحة وافق من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها حديث عمرو بن سلمة الضميري عن البهزى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحا إذا حمار وحشي عقير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فانه يوشك ان يأتى صاحبه فجاء البهزى وهو صاحبه فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم شانكم بهذا الحمار فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق الحديث رواه مالك واصحاب السنن وصححه ابن خزيمة فتفسير الاية وحرم عليكم صيد البر أي اصطياده. (مسئلة) ما اصطاد الحلال لاجل المحرم اختلف فيه فقال ابو حنيفة يحل أكله مطلقا حتى يحل لمن صيد لاجله ايضا وقال مالك لا يحل أكله لا للحلال ولا للمحرم وقال الشافعي واحمد ما صيد لاجل المحرم قبل إحرامه او بعده يحرم على ذلك المحرم أكله ولا يحرم أكله لغير المحرم ولا لمن لم يصد له من المحرمين ومذهب الشافعي واحمد مروى عن عثمان روى مالك فى الموطإ عن عبد الله بن ابى بكر عن عبد الله بن عامر قال رايت عثمان بن عفان بالعرج وهو محرم فى صائف قد غطى وجهه بقطيفة ثم اتى بلحم صيد فقال لاصحابه كلوا فقالوا اولا تأكل أنت قال لست كهيئتكم انما صيد من اجلى وما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أكل من لحم الصيد وروى انه رده ولم يأكله قال الائمة الثلاثة وجه الجمع بين الروايتين انه أكل ما صاده الحلال لاجل نفسه ولم يأكل

ما صاد لاجل رسول الله صلى الله عليه وسلم او لغيره من المحرمين قلنا لا دليل فى شىء من الأحاديث المذكورة على هذا التفصيل ووجه الجمع عندى ان أكل لحم الصيد مطلقا إذا صاده الحلال مباح للمحرم لكن تركه أفضل فبالاكل تارة علّم النبي صلى الله عليه وسلم الجواز وبترك الاكل منه اخرى نبه على الاستحباب فان قيل إذا تعارض الأحاديث ولا ترجيح كان القياس الاخذ بالمحرم احتياطا قلنا نعم لكنا انما لم نقل هكذا حتى لا يلزمنا مخالفة الإجماع فانهم اجمعوا على ان أكل بعض الصيد للمحرم حلال احتج الائمة الثلاثة على حرمة ما صيد لاجل المحرم بحديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوا او يصاد لكم أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة واحمد نحوه قال مالك سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين ما صاده المحرم وما صيد له حالة إحرامه فثبت ان ما صيد لاجل المحرم حكمه حكم ما صاده المحرم بنفسه فهو حرام على جميع الناس كالميتة وقال الشافعي واحمد ان انقسام الآحاد على الآحاد يقتضى ان كل محرم يحرم عليه ما صاده وما صيد له واما ما صاده محرم غيره او حلال او صيد لغيره من محرم او حلال فلا يثبت من هذا الحديث فيه شىء وانما يعرف حكمه من خارج وقلنا هذا الحديث لا يصلح للاحتجاج فان مداره على عمرو بن ابى عمرو فرواه احمد عنه عن رجل من الأنصار عن جابر ورواه الترمذي وغيره عنه عن المطلب عن جابر ففى رواية احمد راوى عن جابر مجهول وفى رواية الترمذي قال الترمذي لا يعرف للمطلب سماع من جابر ثم عمرو بن ابى عمرو وهو مولى المطلب قال يحيى بن معين لا يحتج بحديثه وقال مرة هو وابو داؤد انه ليس بالقوى لكن قال احمد ما به بأس ثم هو استدلال بمفهوم الغاية والاستدلال بالمفهوم لا يجوز عندنا وقد يحتجون بحديث ابى قتادة قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فاحرم أصحابي ولم احرم فرايت حمارا فحملت عليه فاصطدته فذكرت شانه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت انى لم أكن أحرمت وانى انما اصطدته لك فامر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فاكلوا او لم يأكل منه حين أخبرته انى اصطدته لك أخرجه إسحاق وابن خزيمة والدارقطني والجواب انه قال ابن خزيمة وابو بكر النيسابورى والدارقطني انه تفرد بهذه الزيادة معمر ولا اعلم أحدا ذكر قوله اصطدته لك وقوله ولم يأكل منه غيره فلعل هذا من اوهامه

[سورة المائدة (5) : آية 98]

قال الذهبي معمر بن راشد له أوهام قلت وقد ورد فى الروايات المتفقة على صحتها ان النبي صلى الله عليه وسلم أكلها وما استدلوا برواية معمر حجة على مالك لا له حيث قال فامر أصحابه فاكلوا فان مالكا يجعل ما صيد لاجل المحرم حراما على جميع الناس. وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ جَعَلَ اى صير اللَّهُ الْكَعْبَةَ سميت لتربعها والعرب تسمى كل بيت مربع كعبة وقال مقاتل سميت كعبة لانفرادها من البناء وقيل سميت كعبة لارتفاعها من الأرض وأصلها الخروج والارتفاع ومنه سمى الكعب فى الرجل كعبا لارتفاعه من جانبى القدم ومنه قيل للجارية إذا قاربت البلوغ وخرج ثديها تكعبت الْبَيْتَ الْحَرامَ عطف بيان على جهة المدح او بدل او المفعول الثاني سمى به لان الله حرمه وعظم حرمته قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض قِياماً لِلنَّاسِ منصوب على انه مفعول ثان او حال قرأ ابن عامر قيما بلا الف والباقون بالألف اى قواما لهم وهو ما يقوم به امر دينهم ودنياهم اما الدين فلان به يقوم الحج والمناسك واما الدنيا فلانهم كانوا يأمنون فيه من النهب والغارة ولا يتعرض أحد لهم فى الحرم وَالشَّهْرَ الْحَرامَ يعنى جنس الأشهر الحرم وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم جعلها قياما للناس يأمنون فيه من القتال وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ سبق تفسيرها فى اوّل السورة يأمنون الناس بها من التعرض ذلِكَ اشارة الى الجعل او الى ما ذكر من الأمر بحفظ حرمة الإحرام وغيره وقال الزجاج راجع الى ما سبق فى هذه السورة من الاخبار عن الغيوب وكشف الاسرار مثل قوله سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين ومثل اخباره بتحريفهم الكتب ونحو ذلك لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ فان شرع الاحكام لدفع المضار قبل وقوعها وجلب المنافع المترتبة عليهما دليل على حكمة الشارع وكمال علمه وكذا الاخبار بالغيب دليل على علمه الكامل الشامل وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تعميم بعد تخصيص ومبالغة بعد اطلاق. اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وعد ووعيد لمن انتهك محارمه ولمن حافظ عليها ولمن أصر عليها ولمن انقلع عليها اخرج ابو الشيخ عن الحسن ان أبا بكر الصديق

[سورة المائدة (5) : آية 99]

حين حضرته الوفاة قال الم تر ان الله ذكر اية الرخاء عند اية الشدة واية الشدة عند اية الرخاء ليكون المؤمن راغبا راهبا لا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقى بايديه الى التهلكة. ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وقد فرغ الرسول ما وجب عليه من التبليغ وقامت عليكم الحجة ولا عذر لكم فى التفريط فيه تشديد فى إيجاب القيام بما امر به وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ من تصديق وتكذيب وفعل وعزيمة اخرج الواحدي والاصبهانى فى الترغيب عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر تحريم الخمر فقام أعرابي فقال انى كنت رجلا كانت هذه تجارتى فاعتقيت منها ما لا فهل ينفع ذلك المال ان عملت فيه بطاعة الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله لا يقبل الا الطيب فانزل الله تصديقا لرسوله. قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ «1» وَالطَّيِّبُ لفظه عام فى نفى المساوات عند الله بين الردى من الاشخاص والأعمال وبين جيدها رغب به فى صالح العمل والحلال من المال وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فان العمل القليل الصّالح بالإخلاص خير من كثير بلا اخلاص وانفاق مال قليل حلال خير من الكثير الحرام عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصدق بعدل تمرة ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ويربيها لصاحبه كما يربى أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل متفق عليه والمخلصون والصالحون من الناس خير عند الله من ملأ الأرض من الخبيثين عن سهل بن سعد قال مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس ما رأيك فى هذا فقال رجل من اشراف الناس هذا والله حرى ان خطب ان ينكح وان شفع ان يشفع قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيك فى هذا فقال يا رسول الله رجل من فقراء المسلمين هذا حرى ان خطب ان لا ينكح وان شفع ان لا يشفع وان قال

_ (1) اخرج ابن ابى حاتم ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب ثنى يعقوب الإسكندر انى قال كتب الى عمر بن عبد العزيز بعض عماله ان الخراج قد انكسر فكتب اليه عمر ان الله يقول لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فان استطعت ان تكون فى العدل والإحسان والإصلاح بمنزلة من كان قبلك فى الظلم والفجور والعدول فافعل ولا قوة الا بالله 12 منه

[سورة المائدة (5) : آية 101]

لا يسمع لقوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير من ملأ الأرض مثل هذا متفق عليه فَاتَّقُوا اللَّهَ حتى تكونوا عند الله من الطيبين واثروا الطيب وان قل من العمل والمال على الخبيث وان كثر قال البغوي يعنى فاتقوا الله ولا تتعرضوا للحجاج وان كانوا مشركين وقد مضت قصة شريح فى اوّل السورة يا أُولِي الْأَلْبابِ اصحاب العقول السليمة لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ع اى راجين ان تبلغوا الفلاح بالتقوى روى احمد والترمذي والحاكم عن على عليه السّلام وابن جرير مثله من حديث ابى هريرة وابى امامة وابن عباس انه لما نزلت ولله على الناس حج البيت قالوا يا رسول الله فى كل عام فسكت قالوا يا رسول الله فى كل عام قال لا ولو قلت نعم لوجبت وفى رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم ما يومنك ان أقول نعم والله لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم فاتركونى ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سوالهم واختلافهم على أنبيائهم فاذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه فانزل الله تعالى عز وجل. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ والقائل عكاشة بن محصن كذا فى حديث ابى هريرة عند ابن جرير يعنى لا تسألوا عن أشياء يشق عليكم إتيانها كالحج فى كل عام قال الخليل وسيبويه وجمهور البصريين أصله شئياء على وزن فعلاء بهمزتين بينهما الف وهمزته الثانية للتأنيث ولذا لم ينصرف كحمراء وهى مفردة لفظا جمع معنى يعنى اسم جمع ولما استثقلت الهمزتان المجتمعان قدمت الاولى التي هى لام الكلمة فجعلت قبل الشين فصار وزنها لفعاء وقيل أصله أشياء على وزن افعلاء جمع لشىء على ان أصله شيئ كهيئ او شييئ كصديق فخفف وقيل افعال جمع لشئ من غير تغيير كبيت وأبيات ومنع عن الصرف على الشذوذ لعدم السببين إِنْ تُبْدَ لَكُمْ اى تظهر لكم ذلك الأشياء الشاقة بان تومروا بإتيانها تَسُؤْكُمْ اى تغمكم ويصعب عليكم إتيانها وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها عن هذه التكليفات الشاقة حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ والرسول بين أظهركم تُبْدَ لَكُمْ يعنى يحتمل ان تبد لكم وتومروا بما سألتم من التكاليف الشاقة الجملتان الشرطيتان المتعاطفتان صفتان لاشياء وهما كالمقدمتين المنتجتين لمنع السؤال. (مسئلة) الأمر المطلق لا يقتضى التكرار على اصل ابى حنيفة ولا يحتمله فمعنى

[سورة المائدة (5) : آية 102]

قوله صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت وقوله تعالى ان تبد لكم تسؤكم انه لو قال النبي صلى الله عليه وسلم نعم يجب الحج كل عام ويظهر ذلك الأمر لكان ناسخا للامر المطلق لا بيانا له ويدل عليه قوله تعالى وان تسألوا عنها حين ينزل القران تبد لكم فانه لو كان بيانا لامتنع تاخره عن وقت الحاجة من غير سؤال ولان البيان قد يكون بالعقل والتأمل وتتبع اللغة وبما ذكرنا ظهر ان السؤال والاستفسار للمجمل او المشكل او الخفي لا بأس به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما شفاء العي السؤال وانما الممنوع السؤال عن تكليف لم يرد الشرع به كالحج فى كل عام وكالسؤال عن لون البقرة المامورة ذبحها لبنى إسرائيل ونحو ذلك عَفَا اللَّهُ عَنْها اى عن الأشياء الشاقة المذكورة حيث لم يأمر بإتيانها صفة اخرى لاشياء وجاز ان يكون استينافا اى عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا الى مثلها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ لا يعاجلكم بتفريط وافراط منكم ويعفوا. قَدْ سَأَلَها «1» الضمير راجع الى الأشياء بحذف الجار اى عنها او الى المسألة التي دل عليها لا تسألوا «2» فلم يعد بعن قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ قال البيضاوي الظرف متعلق بسألها وليس صفة لقوم لان ظرف الزمان لا يكون صفة الجثة ولا حالا منها ولا خبرا عنها وقيل فيه نظر لان الظرف يسند الى الجثة التي لا يتعين وجودها فيه نحو الهلال يوم الجمعة فيصح كونه صفة لقوم سأل بنو إسرائيل حين أمروا بذبح البقرة بما هى وما لونها وما هى فشق ذلك عليهم وسأل ثمود صالحا الناقة وقوم عيسى المائدة وسأل بنو إسرائيل بعد موسى ابعث لنا ملكا نقاتل فى سبيل الله مع جالوت ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها اى بمسبها كافِرِينَ حيث لم يأتمروا بما أمروا بعد سوالهم قال ابو ثعلبة الخشني ان الله فرض فرايض فلا تسبقوها يعنى بالسؤال ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدود أفلا تعتدوها

_ (1) قال قتادة فى قراءة ابى بن كعب قد سألها قوم بنيت لهم فاصبحوا بها كافرين أخرجه ابن جرير وابن المنذر وغيرهما 12 منه (2) عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهو غضبان محمار وجهه حتى جلس على المنبر فقام اليه رجل فقال اين ابائى قال فى النار فقام اخر فقال من ابى فقال أبوك فلان فقام عمر بن الخطاب فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقران اماما انا يا رسول الله حديث عهد بالجاهلية والشرك والله اعلم من آبائنا فسكن غضبه ونزلت يا ايها الذين أمنوا لا تسألوا عن أشياء الاية 12 منه

[سورة المائدة (5) : آية 103]

وعفا عن أشياء بغير نسيان فلا تبحثوا عنها وروى البخاري عن قتادة عن انس بن مالك قال سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احفوه بالمسألة فغضب فصعد المنبر فقال لا تسألونى اليوم عن شىء إلا بينته لكم فجعلت انظر يمينا وشمالا فاذا كل رجل لان راسه فى ثوبه يبكى فاذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه فقال يا رسول الله من ابى قال حذافة ثم انشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا نعوذ بالله من الفتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رايت فى الخير والشر كاليوم قط انه صورت لى الجنة والنار حتى رايتهما وراء الحائط وكان قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الاية يا ايها الذين أمنوا لا تسألوا عن أشياء الاية وقال يونس عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة ما سمعت بابن قط اعق منك امنت ان تكون أمك قد فارقت بعض ما تقارف نساء اهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس قال عبد الله بن حذافة والله لو الحقنى بعبد اسود للحقته وروى ان عمر قال يا رسول الله انا حديث العهد بالجاهلية فاعف عنا يعف الله سبحانه عنك فسكن غضبه وروى البخاري ايضا عن ابن عباس قال كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء فيقول الرجل من ابى ويقول الرجل ضلت ناقة اين ناقتى فانزل الله تعالى هذه الاية قال الحافظ ابن حجر لا مانع ان تكون نزلت فى الامرين وحديث ابن عباس فى ذلك أصح اسنادا قلت وقصة السؤال عن الحج فى كل عام أوفق بسياق الكتاب وانكانت الاية نزلت فى السؤال عن أبيه فمعنى لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم انه ان تبد لكم نسبكم الى غير أبيكم تفضحوا وتسؤكم وقال مجاهد هذه الاية نزلت حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام الا تراه ذكرها. ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ كلمة من زائدة يعنى ما شرع هذه الأشياء ووضع لها احكاما قال ابن عباس البحيرة الناقة التي ولدت خمسة ابطن كانوا بحروا اذنها اى شقوها وتركوا الحمل عليها ولم يركبوها ولم يجزوا وبرها ولم يمنعوها الماء والكلاء فان كان خامس ولدها ذكرا نحروه وأكله الرجال والنساء وان كان أنثى بحروا اذنها اى شقوها قال ابو عبيدة السائبة البعير الذي يسيب وذلك ان الرجل

من اهل الجاهلية إذا مرض او غاب له قريب نذر فقال ان شفانى الله او شفى مريضى أورد غائبى فناقتى هذه سائبة ثم تسيب فلا تحبس عن رعى وماء ولا يركبها أحد فكانت بمنزلة البحيرة وقيل الناقة إذا نتجت ثنتى عشرة إناثا سيبت ولم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها الا ضيف فما نتجت بعد ذلك شق اذنها ثم خلى مع أمها فهى البحيرة بنت السائبة فعل بها كما فعل بامها وقال علقمة العبد يسيب على ان لا ولاء عليه ولا عقل ولا ميراث وقال عليه السلام الولاء لمن أعتق والسائبة الفاعلة بمعنى المفعولة وهى المسيبة نحو عيشة راضية اى مرضية واما الوصيلة فمن الغنم كان الشاة إذا ولدت سبعة ابطن نظروا فان كان السابع ذكرا ذبحوه فاكله الرجال والنساء وان كانت أنثى تركوها فى الغنم وانكانت ذكرا مع أنثى استحيوا الذكر من أجل الأنثى وقالوا وصلت أخاها فلم يذبحوه وكان لبن الأنثى حراما على النساء فان مات منها شىء أكله الرجال والنساء جميعا واما الحام فهو الفحل إذا ركب ولد ولده ويقال إذ انتج من صلبه عشرة ابطن قالوا حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من كلأ ولا ماء فاذا مات أكله الرجال والنساء روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال البحيرة التي تمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس والسائبة كانوا يسيبونها لالهتهم لا يحمل عليها شىء والوصيلة الناقة البكر تبكر فى أول نتاج الإبل ثم تثنى بعده بالأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم ان وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فاذا قضى ضرابه دعوه للطواغيت واعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شىء وسموه بالحام قال ابو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رايت عمرو بن عامر الخزاعي يجز قصبه فى النار كان أول من سيب السوائب قال البغوي روى عن محمد بن إسحاق عن محمد بن ابراهيم التيمي عن ابى صالح السمان عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاكثم بن جون الخزاعي يا أكثم رايت عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف يجر قصبه فى النار فما رايت من رجل أشبه برجل منك به ولا به منك وذلك انه أول من غير دين اسمعيل ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السوائب ووصل الوصيلة وحمى الحامى فلقد رأيته فى النار يؤذى اهل النار بريح قصبه فقال أكثم أيضرني شبهه يا رسول الله فقال لا انك مؤمن وهو كافر وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى

[سورة المائدة (5) : آية 104]

اللَّهِ الْكَذِبَ فى قولهم ان الله أمرنا بها وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وجه التحليل والتحريم بل يقلدون كبارهم الجهال وفيه اشارة ان بعضهم يعرفون بطلان ذلك ولكن يمنعهم حب الرياسة وتقليد الآباء ان يعترفوا به. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ فى التحليل والتحريم قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا حسبنا مبتدأ والخبر ما وجدنا يعنى الذي وجدنا عليه آباءنا بيان «1» لقصور عقلهم وان لا استدلال لهم سوى التقليد أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ الواو للحال والهمزة دخلت عليها لانكار التقليد على هذا الحال يعنى ايحسبهم ما وجدوا عليه اباؤهم ولو كانوا جهلة ضالين يعنى اى يحسبهم الجهل والضلال الذي كان عليه اباؤهم والحاصل ان الاقتداء لا يليق الا بالعلماء المهتدين. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الجار والمجرور اسم فعل جعلا اسما لالزموا فلذلك نصب أنفسكم يعنى الزموا إصلاحها واحفظوها لا يَضُرُّكُمْ يحتمل الرفع على انه مستانف والجزم على انه جواب امر او على انه نهى ضمت الراء اتباعا لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ قيل نزلت الاية لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفار ويتمنون ايمانهم اخرج احمد والطبراني وغيرهما عن ابى عامر الأشعري قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاية فقال لا يضركم من ضل من الكفار إذا اهتديتم وقال مجاهد وسعيد بن جبير الاية فى اليهود والنصارى يعنى عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل من اهل الكتاب إذا اهتديتم فخذوا منهم الجزية واتركوهم وقيل كان الرجل إذا اسلم يقال سفهت أباك اخرج ابن ابى حاتم عن عمر مولى عفرة قال انما نزلت هذه يا ايها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لان الرجل كان ليسلم ويكفر أبوه او اخوه فلما دخل فى قلوبهم حلاوة الايمان دعوا ابائهم وإخوانهم الى الإسلام فقالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا فانزل الله هذه الاية وليست الاية فى ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لان من الاهتداء الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على حسب طاقته عن ابى بكر

_ (1) اخرج ابن ابى حاتم عن عمر مولى عفرة قال انما نزلت هذه الاية يايها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لان الرجل كان يسلم ويكفر أبوه او اخوه فلما دخل فى قلوبهم حلاوة الايمان دعوا آباءهم وإخوانهم الى الإسلام فقالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا فانزل الله هذه الاية 12 [.....]

الصديق رضى الله عنه قال يا ايها الناس انكم تقرءون هذه الاية يا ايها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وانكم تضعون على غير موضعها فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك ان يعمهم الله بعقابه رواه ابن ماجة والترمذي وصححه وفى رواية ابى داؤد إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك ان يعمهم الله بعقاب وفى اخرى له ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على ان يغيروا ثم لا يغيرون الا يوشك ان يعمهم الله بعقاب وفى اخرى له ما من قوم يعمل فيهم المعاصي وهم اكثر ممن يعمله الحديث وفى رواية ليأمرون بالمعروف ولينهن عن المنكر او ليسلطن سبحانه عليكم شراركم فليسومونكم سوء العذاب ثم ليدعن الله عز وجل خياركم فلا يستجاب لكم وقال البغوي روى عن ابن عباس انه قال فى هذه الاية مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قبل منكم فان رد عليكم فعليكم أنفسكم ثم قال ان القران نزل منه اى قد مضى تأويلهن قبل ان ينزلن ومنه اى وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه اى وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير ومنه اى يقع تأويلهن بعد اليوم ومنه اى يقع تأويلهن فى اخر الزمان ومنه اى يقع تأويلهن يوم القيامة ما ذكر من الحساب والجنة والنار فما دامت قلوبكم واهوائكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض فامروا وانهوا وإذا اختلفت القلوب والأهواء والبستم شيعا وذاق بعضكم بأس بعض فامرأ ونفسه فعند ذلك جاء تاويل هذه الاية وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ والبيهقي فى الشعب عن ابى العالية هذه القصة عن عبد الله بن مسعود وروى الترمذي وابن ماجة عن ابى ثعلبة الخشني فى قوله تعالى عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم فقال اما والله لقد سالت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رايت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذى راى برايه ورايت امر الابد لك منه فعليك نفسك ودع امر العوام فان ورائكم ايام الصبر فمن صبر فيهن قبض على الجمر للعامل فيهن اجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله قالوا يا رسول الله اجر خمسين منهم قال اجر خمسين منكم وقيل نزلت الاية فى اهل الأهواء قال ابو جعفر الرازي دخل على صفوان بن محرز شاب من اهل

[سورة المائدة (5) : آية 106]

الأهواء فذكر شيئا من امره فقال صفوان الا ادلك على خاصة الله تعالى خص بها أوليائه يا ايها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً الضال والمهتدى فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيجزى كل على حسب عمله ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره فيه وعد ووعيد للفريقين ذكر البغوي واخرج نحوه البخاري وابو داؤد والترمذي عن ابن عباس رضى الله عنهما ان تميما الداري وعدى بن بدا خرجا الى الشام للتجارة وكانا حينئذ نصرانيين ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلما فلما قدموا الشام مرض بديل ودوّن ما معه فى صحيفة وطرحها فى متاعه ولم يخبرهما به واوصى إليهما ان يدفعها متاعه الى اهله ومات بديل ففتّشا متاعه وأخذا منه اناء فضة فيه ثلاثمائة مثقال منقوشا بالذهب فغيباه ثم قضيا حاجتهما فانصرفا الى المدينة فدفعا الى اهل الميت ففتّشوا فاصابوا صحيفة فيها تسمية ما كان معه فجاؤا تميما وعديا فقالوا هل باع صاحبنا شيئا من متاعه قالا لا قالوا فهل اتجر تجارة قالا لا قالوا فهل طال مرضه فانفق على نفسه قالا لا فقالوا انا وجدنا فى متاعه صحيفة فيها تسمية ما معه وانا قد فقدنا منها اناء من فضة مموها بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال من فضة قالا لا ندرى انما اوصى لنا بشئ فامرنا ان ندفعه إليكم فدفعناه وما لنا من علم بالاناء فجحدوا فترافعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ شهادة بينكم مبتدأ خبره اثنان بحذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه تقديره شهادة بينكم شهادة اثنين لفظه خبر ومعناه امر اى ليشهد اثنان وجاز ان يكون اثنان فاعل المصدر يعنى شهادة بينكم والمصدر مبتدا خبره محذوف مقدم عليه تقديره فيما أمرتم شهادة اثنين اى ان يشهد اثنان واتسع فى بين فاضيف اليه المصدر والمراد بالشهادة الاشهاد بمعنى الإحضار للايصاء إليهما يدل عليه سياق القصة المنزلة فيها كما فى قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين وعدد الاثنان مبنى على الأحوط والواحد يكفى للوصية اجماعا وإذا حضر ظرف الشهادة اى الاشهاد ومعنى إذا حضر أحدكم الموت إذا ظهرت اماراته وقوله حين الوصية ظرف لحضر او بدل من إذا حضر وفى إبداله تنبيه على ان الوصية مما ينبغى ان لا يتهاون فيه

يعنى وقت حضور الموت وقت الوصية ضرورة ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ اى من اهل دينكم يا معشر المؤمنين صفتان للاثنان فان المسلمين العدول اولى للاستيمان أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ مرفوع بفعل مضمر يفسره ما بعده ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ اى سافرتم فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ فاوصيتم إليهما ودفعتم إليهما ما لكم فاتهمهما بعض الورثة وادعوا عليهما خيانة وأنكر الخيانة يدل على هذا التقدير سبب النزول حيث أصاب اهل بديل الصحيفة فطالبوهما الإناء فجحد الوصيان تَحْبِسُونَهُما صفة لاثنان او آخران يعنى لكل اثنين عادلين من الحاضرين للايصاء سواء كان منكم او من غيركم ولا وجه لجعله صفة لاخرين فقط والمعنى تقفون الوصيين المنكرين للخيانة مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ من زائدة والمراد بالصلوة صلوة العصر لانه وقت اجتماع الناس وتصادم ملئكة الليل وملئكة النهار وقيل اى صلوة كان فَيُقْسِمانِ اى الوصيان بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ شرط استغنى عن الجزاء بما سبق يعنى ان ارتاب الوارث منكم ويتهم الوصيين بالخيانة وينكر انها يستحلف الوصيين الحاكم فيقسمان بالله وان لم يرتابوا ولم يتهموا فلا حاجة الى تحليفهما فقوله ان ارتبتم اعتراض وجواب القسم لا نَشْتَرِي بِهِ اى لا نستبدل بالقسم او بالله ثَمَناً عرضا من الدنيا اى لا نحلف بالله كاذبا لطمع وَلَوْ كانَ الوصي ذا قُرْبى من الميت وادعى الورثة عليه الخيانة يعنى الاستخلاف لا يختص بالاجنبى عند انكار الخيانة والله اعلم وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ اى الشهادة التي امر الله بإقامتها والمراد بالشهادة هاهنا اظهار الحق والاخبار بالصدق ولو على أنفسهم قرأ يعقوب شهادة الله ممدودا جعل همزة الاستفهام عوضا عن حرف القسم اى والله إِنَّا إِذاً اى إذا كتمنا الحق لَمِنَ الْآثِمِينَ فلما نزلت هذه الاية فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة العصر دعا تميما وعديا فاستحلفهما عند المنبر بالله الذي لا اله الا هو انهما لم يختانا شيئا مما دفع إليهما فحلفا على ذلك وخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيلهما ثم وجد الإناء فى أيديهما بعد ما طال الزمان وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس انه وجد بمكة فقالوا اشترينا عن تميم وعدى فبلغ ذلك بنى سهم فاتوهم فى ذلك فقالا انا كنا اشترينا منه هذا فقالوا الم تزعما ان صاحبنا لم يبع شيئا من متاعه قالا لم يكن

[سورة المائدة (5) : آية 107]

عندنا بينة فكرهنا ان نقر لكم به فكتمنا لذلك فرفعوهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. فَإِنْ عُثِرَ اى اطلع واصل العثر الوقوع على الشيء عَلى أَنَّهُمَا يعنى الوصين اسْتَحَقَّا اى استوجبا وفعلا ما أوجب إِثْماً بخيانتهما وإيمانهما الكاذبة وادعيا دعوى بالشراء او نحو ذلك ليدفع عنهما تهمة الخيانة فَآخَرانِ فشاهدان اخر ان يَقُومانِ ليحلفا مَقامَهُما مقام الوصيين سمى الاثنان من الورثة شاهدين لانهما بدعوى حقهما وتصديق الشرع لهما فى ان الحق لهما يظهر ان اثم الشاهدين السابقين كانهما شاهدان على إثمهما وتخصيص الحلف باثنين من أقارب الميت لخصوص الواقعة التي نزلت لها فانكان وارث الميت واحد أيحلف هو او اكثر من الاثنين يحلفوا جميعا حيث أنكروا ما ادعيا الوصيان من الشراء من الميت او نحو ذلك مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ قرأ حفص على البناء للفاعل يعنى من اهل الميت الذين استحق عَلَيْهِمُ اى على الورثة الْأَوْلَيانِ من بين الورثة بالشهادة وذلك بسبب كونهما اقرب الى الميت غير محجوبين بغيرهما من الورثة استحقا على سائر الورثة بان يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب الوصيين وعلى هذه القراءة الاوليان فاعل لاستحق والجار والمجرور متعلق به وقرأ الباقون استحقّ على البناء للمفعول أسند الى عليهم وعلى حينئذ بمعنى فى كما فى قوله تعالى على ملك سليمان اى فى ملكه يعنى استحق الحالفان الإثم فيهم اى بسببهم والاوليان صفة للاخرين وانما جاز ذلك مع ان الاوليان معرفة وآخران نكرة لانه لما وصف الآخران بقوله تعالى من الذين صار معرفة والظاهران أوليان بدل من آخران او من الضمير فى يقومان ولا يلزم خلو الصفة عن الضمير لان المبدل منه موجود وان كان فى حكم المطروح ولكون البدل عين المبدل منه فهو يسد مسده كالظاهر موضع الضمير او خبر مبتدأ محذوف اى هما الاوليان والمراد بالاوليان الاقربان الى الميت الذين لم يحجبهما غيرهما وقرأ ابو بكر عن عاصم وحمزة ويعقوب الأولين على انه صفة الذين او بدل منه او من الأولين الذين استحق عليهم وسموا أولين لانهم كانوا أولين فى الذكر فى قوله شهادة بينكم فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ على خيانة الوصيين وكذبهما فى دعوى الشراء ونحو ذلك ويقولان لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما يعنى يميننا أحق بالقبول من يمينهما كما فى قوله تعالى

[سورة المائدة (5) : آية 108]

فشهادة أحدهم اربع شهادات بالله انه لمن الصادقين وَمَا اعْتَدَيْنا اى ما تجاوزنا الحق فى أيماننا إِنَّا إِذاً اى إذا اعتدينا لَمِنَ الظَّالِمِينَ الواضعين الباطل موضع الحق فلما نزلت هذه الاية قام رجلان من اولياء السهمي فحلفا هكذا فى رواية البخاري وفى رواية الترمذي فقام عمرو بن العاص ورجل اخر منهم فحلفا وسمى البغوي الاخر المطلب بن وداعة السهمي حلفا بالله بعد العصر ولعل حلف السهميان على عدم علمهما ببيع بديل الإناء من الوصيين وروى الترمذي وضعفه غيره من حديث ابن عباس عن تميم الداري فى هذه الاية قال يرى الناس منها غيرى وغير عدى بن بدا كنا نصرانيين يختلفان الى الشام قبل الإسلام فاتينا الشام لتجارتنا وقدم علينا مولى لبنى سهم يقال له بديل بن ابى مريم بتجارة ومعه جام من فضة فمرض فاوصى إلينا وأمرنا ان تبلغا ما ترك اهله فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه انا وعدى بن بدا فلما قدمنا الى اهله دفعنا إليهم ما كان معنا وفقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا غير هذا ما دفع إلينا فلما أسلمت وتاثمت من ذلك فاتيت اهله فاخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم ان عند صاحبى مثلها فاتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا فامرهم ان يستحلفوه فحلف فانزل الله تعالى يا ايها الذين أمنوا شهادة بينكم الى قوله ان ترد ايمان بعد ايمانهم فقام عمرو بن العاص ورجل اخر فحلفا فنزعت الخمسمائة درهم من عدى بن بدا. ذلِكَ الحكم بتحليف الوصيين عند ارتياب الورثة وتحليف الورثة عند دعوى الوصيين بالشراء ونحوه. أَدْنى اى اقرب من أَنْ يَأْتُوا اى يأتي الأوصياء بِالشَّهادَةِ اى بإظهار الحق وبيان ما اوصى إليهم الميت عَلى وَجْهِها على نحو ما حملوها من غير خيانة فيها أَوْ يَخافُوا عطف على يأتوا اى او ادنى ان يخافوا أَنْ تُرَدَّ على الورثة أَيْمانٌ على انكار ما ادعاه الوصي بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ عطف على محذوف اى احفظوا احكام الله واتقوا الله وَاسْمَعُوا ما أمركم الله سماع اجابة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ يعنى ان لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم قوما فاسقين والله لا يهدى القوم الفاسقين الى حجة او الى طريق الجنة وعلى هذا التفسير الذي ذكرت تطابق الاية

[سورة المائدة (5) : آية 109]

سبب نزولها ولا يلزم النسخ لان يمين الوصي عند إنكاره الخيانة ويمين الوارث عند إنكاره دعوى الوصي الشراء ونحوه حكم ثابت محكم وقد تقرر عند القوم ان شيئا من سورة المائدة لم ينسخ وقيل معنى الاية ليستشهد الميت عند احتضاره إذا اوصى لاحد رجلين ليوديا الشهادة عند القاضي للموصى له ويدل عليه ظاهر قوله تعالى لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى يعنى ولو كان الموصى له ذا قربى منا لا نشهد له بالزيادة على الوصية طمعا وعلى هذا التأويل قيل معنى ذوا عدل منكم اى من حى الموصى او آخران من غيركم اى من غير حيكم وعشيرتكم وهو قول الحسن والزهري وعكرمة. (مسئلة:) ولا يجوز شهادة كافر على مسلم فى شىء من الاحكام وقال اكثر المفسرين معنى قوله تعالى منكم اى من اهل دينكم وملتكم ومن غيركم اى من غير ملتكم وبه قال ابن عباس وابو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وابراهيم النخعي وسعيد ابن جبير ومجاهد وعبيدة فقال النخعي وجماعة هى منسوخة وكانت شهادة اهل الذمة مقبولة فى الابتداء ثم نسخت فان شهادة الكافر على المسلم لا يسمع وذهب قوم الى انها ثابتة وقالوا إذا لم يجد مسلمين ليشهد كافرين قال شريح من كان بأرض غربة ولم يجد مسلما يشهد على وصية فاشهد كافرين فشهادتهما جائزة ولا يجوز شهادة كافر على مسلم الا على وصية وعن الشعبي ان رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا ولم يجد مسلما يشهده على وصية فاشهد رجلين من اهل الكتاب فقدما الكوفة بتركته وأتيا الأشعري فاخبراه وقد ما بتركته ووصيته فقال الأشعري هذا امر لم يكن بعد الذي كان فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فاحلفهما وامضى شهادتهما قلت ولو كان حكم هذه الاية ثابتة يجب ان يرد اليمين على الورثة ان ظهر كذب الشاهدين فى الشهادة على الوصية بوجه. يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ يعنى يوم القيامة ظرف متعلق بلا يهدى يعنى لا يهدى الى طريق الجنة يوم يجمع او بدل من مفعول اتقوا بدل اشتمال او مفعول لا سمعوا على حذف مضاف يعنى واسمعوا خبر يوم يجمع او منصوب بإضمار اذكروا او احذروا فَيَقُولُ الله تعالى للرسل ماذا أُجِبْتُمْ ماذا منصوب بأجبتم نصب المصدر او بنزع الخافض اى اىّ اجابة اجابتكم أمتكم او باى شى مما دعوتم قومكم اجابتكم قومكم وهذا السؤال لتوبيخ قومهم كما يسئل الموؤدة باى ذنب

[سورة المائدة (5) : آية 110]

قتلت لتوبيخ الوائدة قالُوا يعنى الرسل لا عِلْمَ لَنا قال ابن عباس والحسن ومجاهد والسدى ان للقيامة اهو الا وزلازل يزول فيها القلوب عن مواضعها فيفزعون من هول ذلك اليوم ويذهلون عن الجواب ويقولون لا علم لنا ثم بعد ما ثابت إليهم عقولهم يشهدون على أممهم وقال ابن جريج معناه لا علم لنا بعاقبة أمرهم وبما أحدثوا بعدنا وبما اضمروا فى قلوبهم إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ تعلم ما غاب عنا ونحن لا نعلم الا ما نشاهده قرأ ابو بكر وحمزة الغيوب بكسر الغين حيث وقع والباقون بضمها عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليردن علىّ ناس من أصحابي الحوض حتى عرفتهم اختلجوا دونى فاقول أصيحابي أصيحابي فيقول لا تدرى ما أحدثوا بعدك رواه البخاري وغيره ونظيره قوله تعالى حكاية عن عيسى كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وروى عن ابن عباس انه قال معناه لا علم لنا الا علما أنت اعلم به منا وقيل المعنى لا علم لنا الى جنب علمك وقيل لا علم لنا بوجه الحكمة عن سوالك إيانا عن امر أنت اعلم به منا. إِذْ قالَ اللَّهُ بدل من يوم يجمع يعنى يوبخ الكفرة يومئذ بسوال الرسل عن اجابتهم وتعديد ما اظهر عليهم من الآيات فكذبتهم طائفة وسموهم سحرة وغلا آخرون فاتخذوهم الهة او منصوب بإضمار اذكر يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي لفظه واحد ومعناه جمع إذ المراد به الجنس عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ مريم حيث طهرتها واصطفيتها على نساء العلمين قال الحسن ذكر النعمة شكرها إِذْ أَيَّدْتُكَ اى قويتك ظرف لنعمتى او حال منه بِرُوحِ الْقُدُسِ اى جبريل عليه السّلام او بالكلام الذي يحيى به النفوس حيوة ابدية ويطهرها من الآثام ولذا أضاف الروح الى القدس لانه سبب الطهر والذي يحيى به المولى تُكَلِّمُ النَّاسَ حال من مفعول أيدتك فِي الْمَهْدِ اى كائنا فى المهد صبيا وَكَهْلًا نبيّا يعنى يكلمهم فى الطفولية والكهولة على سواء الحق حاله فى الطفولية بحال الكهولة فى كمال العقل والتكلم بالحكمة وبه يستدل على انه سينزل فانه رفع قبل الكهولة قال ابن عباس أرسله الله وهو ابن ثلثين سنة فمكث فى رسالته ثلثين شهرا ثم رفعه الله اليه قال بعض الأفاضل لا دلالة فى النظم على التسوية بين كلام الطفولية والكهولة والاولى ان يجعل وكهلا تشبيها بليغا اى يكلمهم كائنا فى المهد وكائنا كالكهل

[سورة المائدة (5) : آية 111]

وحينئذ لا دلالة فيه على انه سينزل وَإِذْ عَلَّمْتُكَ عطف على إذ أيدتك الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً قرأ نافع ويعقوب طائرا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي سبق تفسيره فى سورة ال عمران وَإِذْ كَفَفْتُ عطف على إذ علمتك يعنى إذ منعت وصرفت بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ يعنى اليهود حين هموا بقتلك إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعنى المعجزات المذكورات الدالة على نبوته ظرف لكففت فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا يعنى ما هذا الذي جئت به إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ قرأ حمزة والكسائي هاهنا وفى سورة هود والصف الا ساحر فالاشارة الى عيسى عليه السّلام وفى هود الى محمد صلى الله عليه وسلم. وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ عطف على إذ كففت ومعنى أوحيت ألهمتهم وقذفت فى قلوبهم كذا روى عبد بن حميد عن قتادة وابو الشيخ عن السدى وقيل معناه امرتهم على لسان عيسى أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ان مصدرية ويجوز ان يكون مفسرة لاوحيت قالُوا حين امرتهم ووفقتهم آمَنَّا بالله وبرسوله وَاشْهَدْ يا عيسى بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ مخلصون. إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ منصوب باذكر او ظرف لقالوا يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ قرأ الجمهور يستطيع على الغيبة وربّك مرفوعا على الفاعلية يعنى هل يطيعك ربك ان سألته فاستطاع بمعنى أطاع كاستجاب بمعنى أجاب اخرج ابن ابى حاتم عن عامر الشعبي ان عليا كان يقرأ هل يستطيع ربك قال هل يطيعك ربك وفى الآثار من أطاع الله أطاعه ويؤيده قراءة الكسائي هل تستطيع بصيغة الخطاب لعيسى وربك منصوبا على المفعولية بحذف المضاف وهى قراءة على وعائشة وابن عباس ومجاهد ورواه الحاكم من معاذ بن جبل يعنى هل تستطيع سوال ربك من غير صارف يصرفك عن سواله فيفعل ربك اجابة سوالك قالت عائشة كان الحواريون اعلم بالله من ان يقولوا هل يستطيع ان تدعوه رواه ابن ابى شيبة وابو الشيخ وغيرهما وقيل هذه الاستطاعة على ما يقتضيه الحكمة والارادة لا على ما يقتضيه القدرة فلم يقولوا شاكين فى قدرة الله بل كما يقول الرجل لصاحبه هل تستطيع ان تنهض معى وهو يعلم انه يستطيع

[سورة المائدة (5) : آية 113]

وهو يريد هل تفعل ذلك واجرى بعضهم على الظاهر فقالوا كان ذلك قبل استحكام المعرفة وكانوا بشرا حديث عهد بالجاهلية ومن ثم قال عيسى استعظاما لقولهم اتقوا الله ان كنتم مؤمنين يعنى لا تشكوا فى قدرته تعالى أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ المائدة الخوان إذا كان عليه الطعام فاعلة من ماده يميده إذا أعطاه وأطعمه كانها تميد اى تطعم من يقدم عليه فالمائدة بمعنى المعطية المطعمة للاكلين الطعام وسمى الطعام ايضا مائدة على التجوز كما يقال جرى النهر وقال اهل الكوفة سميت مائدة لانها تميد بالاكلين اى تتحرك وقال اهل البصرة فاعلة بمعنى المفعولة يعنى مميدة بالاكلين قالَ عيسى اتَّقُوا اللَّهَ عن أمثال هذا السؤال الذي لم يسأل مثله الأمم السابقة نهاهم عن اقتراح الآيات إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فانه لا يجوز للمؤمنين اقتراح الآيات او المعنى اتقوا ولا تشكوا فى قدرته ان كنتم مؤمنين بكمال قدرته وصحة نبوتى أو ان كنتم صدقتم فى ادعاء الايمان اخرج الحكيم الترمذي فى نوادر الأصول وابن ابى حاتم وابو الشيخ فى العظمة وابو بكر الشافعي فى الفيلانيات عن سلمان الفارسي قال لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة كره ذلك جدا وقال اقنعوا بما رزقكم الله تعالى فى الأرض ولا تسألوا المائدة فانها ان نزلت عليكم كانت اية من ربكم وانما هلكت ثمود حين سألوا نبيّهم اية فابتلوا بها قابوا الا ان يأتيهم بها فلذلك. قالُوا اى الحواريون انما سألنا لانا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا بانضمام علم المشاهدة الى علم الاستدلال بكمال قدرته وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا فى ادعاء النبوة اى نزداد ايمانا او يقينا قيل ان عيسى أمرهم ان يصوموا ثلثين يوما فاذا أفطروا لا يسألون الله شيئا الا أعطاهم ففعلوا وسألوا المائدة وقالوا ونعلم ان قد صدقتنا بمعنى صدقتنا ان الله يجيب دعوتنا بعد ما صمنا ثلثين يوما وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ لله بالوحدانية والقدرة ولك بالنبوة بعد ما أمنا بذلك بالغيب او من الشاهدين لك عند بنى إسرائيل إذا رجعنا إليهم قيل ان عيسى حينئذ اغتسل ولبس المسيح وصلى ركعتين وطأطأ رأسه وغض بصره وبكى. قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا نداء ثان لا صفة ولا بدل لان اللهم لا يوصف ولا يبدل منه كذا قال التفتازانيّ أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً قال السدى معناه تتخذ ذلك اليوم عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا

والعيد السرور بعد الغم وقيل يوم السرور سمى به للعود من الترح الى الفرح قيل كان هو يوم الأحد ولذا اتخذه النصارى عيدا وقيل عيدا اى عائدة من الله حجة وبرهانا لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً بدل من لنا باعادة الجار اى يكون عيدا لمتقدمنا ومتاخرنا يعنى اهل زماننا ومن جاء بعدنا على ملتنا قال ابن عباس يأكل منها اخر الناس كما أكل أولهم والظاهر ان لنا خبر كان وعيدا خبر ثان ولاولنا وآخرنا صفة ليعد او اية عطف على عيدا مِنْكَ صفة لاية اى دلالة وحجة كائنة منك على كمال قدرتك وصحة نبوتى وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ قالَ اللَّهُ تعالى مجيبا لعيسى عليه السّلام. إِنِّي مُنَزِّلُها يعنى المائدة قرأ نافع وابن عامر وعاصم مشدّدا من التفعيل والتفعيل يدل على التكثير مرة بعد اخرى والباقون مخففا من الافعال عَلَيْكُمْ اجابة الى سوالكم فَمَنْ يَكْفُرْ بعد نزول المائدة بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً اى تعذيبا مصدر للجنس ويجوز ان يجعل مفعولا به على السعة اى أعذبه بعذاب ويراد بالعذاب ما يعذب به لا أُعَذِّبُهُ صفة لعذابا والضمير للمصدر او للعذاب بمعنى ما يعذب به على حذف حرف الجر أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ ع اى من عالمى زمانهم او العلمين مطلقا فانهم مسخوا قردة وخنازير لما كفروا بعد نزول المائدة ولم يعذب بمثل ذلك غيرهم وتمام حديث سلمان الفارسي المذكور انه لما سأل عيسى ذلك ربه نزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة من فوقها وغمامة من تحتها وهم ينظرون إليها وهى تهوى منقضة حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى عليه السلام وقال اللهم اجعلنى من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة واليهود ينظرون الى شىء لم يروا مثله قط ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه فقال عيسى عليه السّلام ليقم أحسنكم عملا فيكشف عنها ويذكر اسم الله تعالى فقال شمعون الصفار راس الحواريين أنت اولى بذلك منا يا رسول الله فقام عيسى عليه السّلام فتوضأ وصلى صلوة طويلة وبكى كثيرا ثم كشف المنديل عنها وقال بسم الله خير الرازقين فاذا هو سمكة مشوية ليس عليها قلوسا ولا شوك عليها يسيل من الدسم وعند راسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث وإذا خمسة ارغفة على واحد زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فقال

شمعون يا روح الله أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الاخرة فقال ليس شىء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الاخرة ولكنه شىء افتعله الله تعالى بالقدرة الغالبة كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله قالوا يا روح الله كن أول من يأكل منها فقال عيسى عليه السّلام معاذ الله ان أكل منها ولكن يأكل منها من سألها فخافوا ان يأكلوا منها فدعا لها عيسى اهل الفاقة والمرض واهل البرص والجذام والمقعدين والمبتلين وقال كلوا من رزق الله ولكم المهناء ولغيركم البلاء فاكلوا وصدر عنها الف وثلاثمائة رجل وامراة من فقير ومريض وزمن ومبتلى كلهم الشبعان وإذا السمكة كهيئتها حين نزلت ثم طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى توارت فلم يأكل منها زمن ولا مريض ولا مبتلى الا عوفى ولا فقير الا استغنى وندم من لم يأكل منها فلبث أربعين صباحا ينزل ضحى فاذا نزلت اجتمع الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والرجال والنساء ولا تزال منصوبة توكل منها حتى إذا فاء الفيء طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها فى ظلها حتى توارت عنهم وكانت تنزل غبا تنزل يوما ولا تنزل يوما كناقة ثمود فاوحى الله الى عيسى عليه السّلام اجعل مائدتى ورزقى للفقراء دون الأغنياء فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكوا وشككوا الناس فيها وقالوا ترون المائدة حقا ينزل من السماء فاوحى الله تعالى الى عيسى انى شرطت ان من كفر بعد نزولها عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فقال عيسى عليه السّلام ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم فمسخ منهم ثلاثمائة وثلثة وثلثون رجلا باتوا من ليلتهم على فرشهم مع نسائهم فاصبحوا خنازير يسعون فى الطرقات والكناسات ويأكلون العذرة فى الحشوس فلما رأى الناس ذلك فزعوا الى عيسى عليه السّلام وبكوا فلما أبصرت خنازير عيسى بكت وجعلت تطيف بعيسى عليه السّلام فجعل عيسى يدعوهم بأسمائهم فيشيرون برؤسهم ويبكون ولا يقدرون على الكلام فعاشوا ثلثة ايام ثم هلكوا وقال البغوي روى خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انها نزلت خبزا ولحما وقيل لهم انها مقيمة لكم ما لم تخونوا وتخبئوا فما مضى

[سورة المائدة (5) : آية 116]

يومهم حتى خانوا وخبئوا فمسخوا قردة وخنازير وقال ابن عباس ان عيسى عليه السّلام قال لهم صوموا ثلثين يوما ثم سلوا الله ما شئتم يعطكموه فصاموا فلما فرغوا قالوا يا عيسى لو عملنا لاحد فقضينا عمله لاطعمنا وسألوا المائدة فاقبلت الملئكة بمائدة يحملونها عليها سبعة ارغفة وسبعة أخوات حتى وضعتها بين أيديهم فأكل اخر الناس كما أكل أولهم وقال كعب الأحبار نزلت مائدة منكوسة تطير بها الملئكة بين السماء والأرض عليها كل الطعام الا اللحم وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس انزل على المائدة كل شىء الا الخبز واللحم وقال قتادة كان عليها ثمر من ثمار الجنة وقال عطية العوفى نزلت من السماء سمكة فيها طعم كل شىء وقال الكلبي كان عليها خبز رز وقال وهب بن منبه انزل الله أقرصة من شعير وحيتانا وكان قوم يأكلون ثم يخرجون ويجئى آخرون فياكلون حتى أكلوا بأجمعهم وفضل وعن الكلبي ومقاتل انزل الله خبزا وسمكا وارغفة فاكلوا ما شاء الله سبحانه وتعالى والناس الف ونيف فلما رجعوا الى قراهم ونشروا الحديث ضحك منهم من لم يشهد وقالوا ويحكم انما سحرا عينكم فمن أراد الله به الخير ثبته على بصيرة ومن أراد فتنة رجع الى كفره فمسخوا خنازير ليس فيهم صبى ولا امرأة فمكثوا بذلك ثلثة ايام ثم هلكوا ولم يتوالدوا ولم يأكلوا ولم يشربوا وكذلك كل ممسوخ وقال قتادة كانت المائدة تنزل عليهم بكرة وعشيا حيث كانوا كالمن والسلوى لبنى إسرائيل هكذا اقوال اكثر العلماء وقال مجاهد والحسن لم تنزل المائدة فان الله عز وجل لما أوعدهم على كفرهم بعد نزول المائدة خافوا ان يكفر بعضهم فاستعفوا وقالوا لا نريدها فلم ينزل ومعنى قوله تعالى انى منزلها عليكم يعنى ان سألتم والصحيح هو الذي عليه الأكثرون انها نزلت لقوله تبارك وتعالى انى منزلها عليكم ولا خلف فى خبره تعالى ولتواتر الاخبار به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين. وَإِذْ قالَ اللَّهُ قال البغوي اختلفوا فى هذا القول متى يكون فقال السدى قاله الله تعالى ذلك حين رفعه الى السماء يدل عليه كلمة إذ فانها للماضى وصيغة قال وقال سائر المفسرين انما يقول الله تعالى له ذلك يوم القيامة يريد به توبيخ الكفرة وتبكيتهم بدليل قوله تعالى يوم يجمع

[سورة المائدة (5) : آية 117]

الله الرسل وقوله تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم وأراد بها يوم القيامة وقد يجئى إذ مع صيغة الماضي فى المستقبل للدلالة على إتيانها لا محالة كانها كائنة نظيره قوله تعالى ولو ترى إذ فزعوا يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ توبيخ للكفرة قدمت المسند اليه على المسند الفعلى لتقوية النسبة لان نسبة هذا القول الى عيسى كانت مستبعدة فاحتاجت الى التقوية ففيه توبيخ للكفرة قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ لم يقل ومريم مكان أمي للتوبيخ بانك مع كونك مولودا وهى والدة كيف وسعك دعوى الالوهية مع وجوب تنزه الإله عن التوالد والتماثل مِنْ دُونِ اللَّهِ صفة لالهين او صلة اتخذوني او حال من فاعل اتخذوني او من مفعوله يعنى حال كونكم متجاوزين الله فى الاتخاذ او حال كونى الهادون الله ومعنى دون المغايرة فيكون فيه تنبيها على ان عبادة الله مع عبادة غيره بمنزلة العدم فمن عبد الله مع عيسى ومريم فكانه لم يعبد الله وجاز ان يكون دون للقصور فانهم لم يعتقدوا عيسى ومريم مستقلين باستحقاق العبادة بل زعموا ان عبادتهما توصل الى عبادة الله قال ابو روق إذا يسمع عيسى هذا الخطاب ترعد مفاصله وتتفجر من اصل كل شعر على جسده عين من دم ثم يقول كما حكى الله تعالى عنه قالَ عيسى سُبْحانَكَ يعنى أسبحك سبحانا وأنزهك تنزيها من ان يكون لك شريك او تنزيها من ان تكون فى العلم بالحقيقة محتاجا الى الاستفهام والبيان ما يَكُونُ لِي اى ما ينبغى لى أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ اى قولا لا يحق لى إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ يعنى لا حاجة لى الى الاعتذار لانك تعلم انى لم اقله ولو قلته لعلمته لانك تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ يعنى تعلم ما اخفيه فى نفسى ولا اعلم ما تخفيه من المعلومات والمراد بالنفس الذات وتعبيره بالنفس للمشاكلة إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مر اختلاف القراءة فى الغيوب ما كان منها وما يكون الجملة خبر وأنت تأكيد لاسم ان تقرير للجملتين السابقين بالمنطوق والمفهوم. ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ تصريح بنفي المستفهم عنه بعد تقديم ما يدل عليه أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ يعنى وحدوه

[سورة المائدة (5) : آية 118]

ولا تشركوا به شيئا وهو خالقى كما هو خالقكم ان مع صلته عطف بيان للضمير فى به او بدل منه وليس من شرط البدل جواز طرح المبدل منه مطلقا حتى يلزم بقاء الموصول بلا عائد أو خبر مبتدأ محذوف اعنى هو او منصوب بتقدير اعنى ولا يجوز إبداله من ما أمرتني به فان المصدر لا يكون مقول القول ولا ان يكون ان مفسرة لان الأمر مسند الى الله وهو لا يقول اعبدوا الله ربى وربكم والقول لا يفسر بان اللهم الا ان يقال القول مأول بالأمر تقديره ما امرتهم الا ما أمرتني به ثم فسر عيسى امر نفسه بقوله ان اعبدوا الله وفى وضع قلت موضع أمرت نكتة جليلة وهى التحاشى عن ان يجعل نفسه كالرب فى كونه امرا وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً رقيبا ومشاهدا لاحوالهم من الكفر والايمان مرشدهم الى الحق مانعهم من القول والاعتقاد الباطل ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي يعنى قبضتنى ورفعتنى إليك والتوفى أخذ الشيء وافيا والموت نوع منه قال الله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت فى منامها كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ المحافظ بأعمالهم والمراقب لاحوالهم فتمنع من أردت عصمته بالإرشاد الى الدلائل وإرسال الرسل وإنزال الكتب والتوفيق وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ من قولى وفعلى وقولهم وفعلهم. إِنْ تُعَذِّبْهُمْ «1» فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ولا اعتراض على المالك المطلق بما فعل بملكه كيف وقد عبدوا غيرك وأنت خلقتهم وشكروا سواك وأنت أنعمت عليهم وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ القادر الغالب القوى على الثواب والعقاب فمغفرتك ليست عن عجز حتى يستقبح الْحَكِيمُ لا تفعل الا بمقتضى الحكمة يعنى ان عذبت

_ (1) اخرج ابن مردوية عن ابى ذر قال قلت يا رسول الله بابى أنت وأمي قمت الليلة باية من القران لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه قال دعوت لامتى قال فماذا أجبت قال أجبت بالذي لو اطلع كثير منهم عليه لتركوا الصلاة قال أفلا ابشر الناس قال بلى قال عمر يا رسول الله انك ان تبعث الى الناس بهذا اتكلوا عن العبادة فناداه ان ارجع فرجع وتلا الاية التي يتلوها ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم واخرج مسلم والنسائي عن عبد الله ابن عمرو بن العاص نحوه 12 منه

[سورة المائدة (5) : آية 119]

فعدل وان غفرت ففضل وعدم غفران المشرك بمقتضى الوعيد لا ينافى جواز المغفرة لذاته حتى يمتنع الترديد والتعلق بان وليس فيه طلب المغفرة للكفار ومن ثم لم يقل فانك أنت الغفور الرحيم بل فيه تسليم الأمر وتفويضه الى ارادة الله تعالى وحكمته وكان ابن مسعود يقرأ ان تغفر لهم فانهم عبادك وان تعذبهم فانك أنت العزيز الحكيم وكانّ هذه القراءة كان نظرا الى مناسبة العزيز الحكيم بالتعذيب دون المغفرة ولذلك قيل فى الاية تقديم وتأخير وقد عرفت ان المستحسن المناسب هو الذي فى القراءة المتواترة عن عبد الله بن عمرو بن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم تلى قوله تعالى فى ابراهيم عليه السّلام رب انهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فانه منى ومن عصانى فانك غفور رحيم وفى عيسى قال ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم فقال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله سبحانه يا جبرئيل اذهب الى محمد وربك اعلم فاسئله ما يبكيك فاتاه جبرئيل فسأله فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال فقال الله تعالى يا جبرئيل اذهب الى محمد فقل انا سنرضيك فى أمتك ولا نسوءك. قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ قرأ نافع يوم بالفتح اما على انه منصوب ظرفا لقال اى قال الله هذا الكلام لعيسى يوم ينفع وجاز ان يكون خبر هذا محذوف يعنى قال الله هذا حق يعنى ما قال عيسى حق قال ذلك يوم ينفع تصديقا لعيسى ومزيد توبيخ لامة او ظرفا مستقرا واقعا خبرا لهذا يعنى هذا الذي مر من كلام عيسى واقع يوم ينفع فالجملة تأكيد لما سبق واما على انه مرفوع خبرا لهذا لكنه بنى على الفتح لاضافته الى المبنى لا يقال انه مضاف الى المضارع وهو معرب لانا نقول المضاف اليه هو....... الجملة الفعلية لا المضارع فحسب وقرأ الجمهور بالرفع بالضم على انه خبر هذا وفيه رد لما يفهم من الاستغفار فى حق الكفار يعنى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم دون الكاذبين الكفار حيث لا مغفرة لهم ويحتمل ان يراد به ازالة خوف عيسى من صورة هذا السؤال والمعنى هذا يوم ينفع الصادقين فى الدنيا صدقهم فى الاخرة واما الكاذبون فى الدنيا لو صدقوا فى الاخرة وقالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وقال

[سورة المائدة (5) : آية 120]

الشيطان ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم الاية لا ينفعهم صدقهم وكذا لا ينفعهم كذبهم بل لو كذبوا وقالوا والله ربنا ما كنا مشركين يختم على أفواههم ونطقت جوارحهم فافتضحوا قيل أراد بالصادقين النبيين وقال الكلبي ينفع المؤمنين ايمانهم وقال عطاء يوم من ايام الدنيا لان الاخرة دار جزاء لا دار عمل ثم بين الله نفعهم وثوابهم فقال لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ لاجل المحبة من الجانبين كذا قالت الصوفية وقال العامة رضى الله عنهم بالسعي المشكور ورضوا عنه بالجزاء الموفور ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لانه باق بخلاف الفوز فى الدنيا ثم عظم الله نفسه ونبه على كذب النصارى وبطلان دعويهم فى عيسى وامه فقال. لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ لم يقل من فيهن تغليبا للعقلاء وقال ما فيهن اتباعا لهم غير العقلاء تنبيها لغاية قصورهم عن مرتبة الالوهية بسبب مجالستهم لغير العقلاء فى الإمكان والقصور فى العلم والارادة ونحو ذلك بل الصفات الكاملة فى الممكن بمنزلة العدم قال الله تعالى انك ميت وانهم ميتون يعنى فى حد ذواتكم ولان كلمة ما تطلق على الأجناس كلها فهى اولى لارادة العموم وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ من المنع والإعطاء والإيجاد والافناء. تمّت سورة المائدة وعمت الفائدة ونرجوا العائدة إنشاء الله تعالى فى السادس عشر من ذى القعدة سنة الف ومائة وثمان وتسعين.

سورة الانعام

سورة الانعام مكيّة وهى مائة وخمس او ست وستون اية وعشرون ركوعا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ تعليم للعباد بالتحميد فى ضمن الاخبار بثبوت جميع المحامد له تعالى والتعريض بانه سبحانه مستغن عن تحميد العباد فله الحمد وان لم يحمد الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ يعنى قدرهما وأوجدهما من غير مثال سبق وفى التوصيف به تنبيه على ظهور ثبوت الحمد لله تعالى من غير احتياج الى الاستدلال خص الله سبحانه السموات والأرض بالذكر لانهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد وفيهما العبر والمنافع للناس ولان خلق غيرهما وحدوثهما مما يراه الناس من الحوادث اليومية ظاهر ومن ثم زعم بعض الجهلة قدمهما بالزمان وذكر السموات بلفظ الجمع دون الأرض وهى مثلهن اشعارا باختلاف ماهيات السموات وأشكالها دون الأرضين قال كعب الأحبار هذه الاية اوّل اية فى التورية واخر اية فى التورية قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا الاية قال ابن عباس فتح الله الخلق بالحمد فقال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وختمهم بالحمد فقال وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العلمين وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ فى القاموس الجعل بمعنى الخلق وقال البيضاوي الفرق بينهما ان الخلق بمعنى التقدير والجعل فيه معنى التضمين اى جعل الشيء فى ضمن الشيء اى تحصيل منه او تصير إياه او ينقل منه اليه بالجملة فيه اعتبار الشيئين وارتباط بينهما ولذلك عبر عن احداث النور والظلمة بالجعل تنبيها على انهما لا يقومان بانفسهما كما زعمت الثنوية قلت ولاجل عدم قيامهما

[سورة الأنعام (6) : آية 2]

بانفسهما أسند الجعل الى الظلمة مع كونها عدميا والعدم لا يتعلق به الجعل نظرا الى كونها منتزعا من محل مخلوق وجمع الظلمات لكثرة اجرام حاملة لها بالنسبة الى الاجرام النورانية فالنور بالنسبة الى الظلمة كل واحد بالنسبة الى المتعدد وقال الحسن جعل الظلمات والنور يعنى الكفر والايمان فعلى هذا أورد الظلمات بلفظ الجمع دون النور لتعدد طرق الكفر واتحاد طريقة الايمان عن ابن مسعود رض قال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله وقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا اليه ثم قرأ ان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله رواه احمد والنسائي والدارمي وقدم الظلمات فى الذكر لتقدمها فى الوجود عن عبد الله ابن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله خلق الخلق فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله رواه احمد والترمذي ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ عطف على قوله الحمد لله يعنى انه تعالى حقيق بالحمد على ما خلقه نعمة على العباد ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته او على قوله خلق يعنى انه خلق ما لا يقدر عليه أحد غيره ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شىء أصلا ومعنى ثم استبعاد عدولهم بعد هذا البيان والباء فى بربهم متعلق بكفروا وصلة يعدلون محذوف ليقع الإنكار على الفعل يعنى يعدلون عنه وعلى الثاني متعلق بيعدلون يعنى ان الكفار يعدلون اى يسوون بربهم الأوثان وقال النضر بن شميل الباء بمعنى عن اى عن ربهم يعدلون اى يميلون وينحرفون الى غيره من العدول. هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ يعنى ابتدأ خلقكم منه حيث خلق منه أصلكم آدم عليه السّلام او المعنى خلق أباكم آدم بحذف المضاف قال السدى بعث الله تعالى جبرئيل الى الأرض لياتيه طائفة منها فقالت الأرض انى أعوذ بالله منك ان تنقص منى فرجع ولم يأخذ وقال يا رب انها عاذت بك فبعث ميكائيل فاستعاذت فرجع فبعث ملك الموت فعاذت منه بالله فقال وانا أعوذ بالله ان أخالف امره فاخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء فلذلك اختلف ألوان بنى آدم ثم عجنها بالماء العذب والملح والمر كذلك

ولذا اختلف اخلاقهم فقال الله تعالى رحم جبرئيل وميكائيل الأرض ولم ترحمها لا جرم اجعل أرواح من اخلق من هذا الطين بيدك روى عن ابى هريرة رضى الله عنه خلق الله آدم عليه السلام من تراب وجعله طينا ثم تركه حتى كان حماء مسنون ثم خلقه وصوره وتركه حتى صار صلصالا كالفخار ثم نفخ فيه روحه كذا قال البغوي وعن ابى موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب رواه احمد والترمذي وابو داؤد وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم خلق الله آدم من تراب الجابية «1» وعجنه بماء الجنة رواه الحكيم وابن عدى بسند حسن ثُمَّ قَضى أَجَلًا والمراد به والله اعلم انه يكتب الملك اجله بإذن ربه بعد تمام خلقه كما يدل عليه كلمة ثم والجملة الفعلية عن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله اليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله واجله ورزقه وشقى او سعيد ثم ينفخ فيه الروح فو الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الاذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها وان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها متفق عليه وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ اى أجل مثبت معين عند الله فى علمه القديم لا يقبل التغير ولا مدخل فيه لغيره تعالى ولذا عبر عنه بالجملة الاسمية الدالة على الدوام والاستمرار والاستيناف به لتعظيمه ولذلك نكر وكونه مخصوصة بالصفة اغنى عن تقديم الخبر وقال الحسن وقتادة والضحاك الاجل الاول من الولادة الى الموت والاجل الثاني من الموت الى البعث وهو البرزخ روى ذلك عن ابن عباس وقال لكل واحد أجلان أجل من الولادة الى الموت وأجل من الموت الى البعث فان كان برا تقيا وصولا للرحم زيد له من أجل البعث فى أجل العمر وان كان فاجرا قاطعا للرحم نقص من أجل العمر وزيد فى أجل البعث وقال مجاهد وسعيد بن جبير الاجل الاول أجل الدنيا و

_ (1) الجبا بالكسر ما جمعت فيه الماء 12

[سورة الأنعام (6) : آية 3]

أجل الثاني أجل الاخرة وقال عطية عن ابن عباس ثم قضى أجلا يعنى النوم يقبض فيه الروح ثم يرجع عند اليقظة وأجل مسمى عنده أجل الموت ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ اى تشكون من المرية او تجادلون من المراء فى قضائه وقدره تعالى او فى البعث بعد الموت وكلمة ثم لاستبعاد المرية والمراء بعد ظهور انه تعالى خالقهم وخالق أصولهم ومحييهم الى اجالهم فمن كان هذا شانه لا يخرج من قضائه وعلمه شىء ويقدر هو على اعادتهم كما خلق أول مرة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبى مجاب الزائد فى كتاب الله والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت ليعز من اذله الله ويذل من أعزه الله والمستحل لحرمة الله والمستحل من عزتى ما حرم الله والتارك لسنتى رواه البيهقي فى المدخل ورزين فى كتابه قلت الزائد فى كتاب الله الروافض يزيدون فى كتاب الله عشرة اجزاء فوق ثلثين جزء ويزعمون ان عثمان أسقطها من القران ويزعمون ان سورة الأحزاب مثل سورة البقرة والمستحل من عترة النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج والمكذب بقدر الله المعتزلة وهم المشار إليهم بهذه الاية والمستحل لحرمة الله المرجئة القائلين بالجبر والمتسلط بالجبروت السلاطين الظلمة والتارك للسنة جميع اهل الأهواء والفساق. وَهُوَ اللَّهُ الضمير راجع الى الله الموصوف بما ذكروا الله خبره او بدل منه وجاز ان يكون الضمير للشان والله مبتدا نظيره قوله تعالى قل هو الله أحد فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ متعلق باسم الله على تقدير كونه مشتقا بمعنى المعبود يعنى هو المعبود على الاستحقاق فيهما لا غيره نظيره قوله تعالى وهو الذي فى السماء اله وفى الأرض اله او على تاويل المشتق يعنى هو المعرف بذلك الاسم او المذكور به فيهما او ظرف مستقر وقع خبرا على التجوز فان الخلائق كلها مظاهر صفاته ومجالى كمالاته وقال البيضاوي انه تعالى لكمال علمه بما فيهما كانه فيهما وقوله تعالى يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ الجملة خبر ثان او هى الخبر والظرف متعلق به ويكفى لصحة الظرفية كون المعلوم فيهما يقال رميت الصيد فى المفازة من العمران والمعنى يعلم ما تكتمون فى أنفسكم وما تبدون منها وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ بالجوارح من خيرا وشر فيجازيكم عليها وجاز ان يكون المعنى يعلم ما أسررتم من افعال القلوب

[سورة الأنعام (6) : آية 4]

والجوارح وما أعلنتم منها وما تكسبونها فى الاستقبال ولم تعملوا بعد فانه من خصائص معلومات الله تعالى. وَما تَأْتِيهِمْ يعنى اهل مكة مِنْ آيَةٍ من زايدة للاستغراق مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ مثل انشقاق القمر ونطق الحصيات وغير ذلك وقال عطاء من آيات القران ومن للتبعيض إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ تاركين النظر فيه. فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ بالقران وقيل بمحمد عليه السّلام لَمَّا جاءَهُمْ الفاء للتفريع على ما سبق فانهم لما اعرضوا عن الآيات كلها كذبوا بالحق الذي جاءهم فانه من الآيات او للسببية يعنى انهم لما كذبوا بالقران الذي هو أعظم المعجزات باهر الاعجاز لفظا ومعنى فى كل حين وزمان وكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم مع ظهور اعجاز وجوده الشريف حيث كان مولودا فيهم اميا لم يقرء ولم يكتب فى زمان الجاهلية وفترة العلم والحكمة وقد تفجر منه ينابيع العلم والحكمة والآداب على ما تساعده الكتب القيمة المتقدمة وأقر بنبوته القسيسين والأحبار والرهبان فكيف لا يعرضون عن افراد المعجزات فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ يوم القيمة او عند ظهور الإسلام وارتفاع امره أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يعنى يظهر لهم قبحه عند نزول العذاب بهم فى الاخرة او فى الدنيا. أَلَمْ يَرَوْا فى أسفارهم الى الشام كَمْ خبرية بمعنى كثيرا أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ من زائدة وكذا فى قوله تعالى مِنْ قَرْنٍ القرن القوم المقترنون فى زمان واحد وجمعه قرون ومنه قوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرنى يعنى من اقترن معى او طائفة من الزمان يقترن فيها الناس فقيل هو أربعون سنة او عشرة او عشرون او ثلثون او خمسون او ستون او سبعون او ثمانون او مائة او مائة وعشرون والأصح انه مائة سنة لانه صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بشر المازني انك تعيش قرنا فعاش مائة سنة كذا ذكر البغوي وفى نهاية الجزري انه صلى الله عليه وسلم مسح راس غلام وقال عش قرنا فعاش مائة سنة وعلى تقدير كونه للزمان معناه اهل قرن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ يعنى قررناهم فيها وأعطيناهم من القوى والأسباب والعدد ما تمكنوا بها على ما أرادوا والجملة فى موضع الجر صفة لقرن وجمع نظرا للمعنى ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ ما لم نعطكم من القوى والمال والأسباب والعدد ما موصوفة بمعنى شيئا منصوب اما على انه مفعول ثان

[سورة الأنعام (6) : آية 7]

لمكناهم بتضمين أعطيناهم او على المصدرية يعنى مكناهم شيئا من التمكين لم نمكن لكم مثلهم قال ابن عباس امهلناهم فى العمر ما لم نعمركم مثل قوم نوح وعاد وثمود فيه التفات من الغيبة الى الخطاب وقال البصريون اخبر عن اهل مكة بلفظ الغيبة فقال الم يروا ولما كان فيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أورد بلفظ الخطاب وَأَرْسَلْنَا عطف على مكنا السَّماءَ يعنى المطر عَلَيْهِمْ مِدْراراً مفعال من الدر والدر اللبن وفى اللبن خير كثير للعرب حال من السماء يعنى حال كونه كثير النفع فى اوقات حاجاتهم وقال ابن عباس يعنى متتابعا وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ اى من تحت مساكنهم فعاشوا مترفهين بين الثمار والأنهار فَأَهْلَكْناهُمْ إذا جاءتهم الرسل وكذبوهم بِذُنُوبِهِمْ بسبب عصيانهم الرسل ولم يغن مكنتهم فى الدنيا ورفاهيتهم فيها عنهم شيئا فكيف يغنى هؤلاء الكفار أسبابهم فى الدنيا إذا كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم القران وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ فكما أهلكنا من قبلكم وأنشأنا مكانهم آخرين نفعل بكم يا اهل مكة ان لم تؤمنوا قال الكلبي ومقاتل ان النضر بن الحارث وعبد الله بن ابى امية ونوفل بن خويلد قالوا يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه اربعة من الملئكة يشهدون عليه انه من عند الله وانك رسوله فانزل الله تعالى. وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً مكتوبا فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ اى مسوا ذلك القرطاس بِأَيْدِيهِمْ بحيث لا يحتمل التزوير بوجه فان السحر لا يجرى فى الملموس فلا يمكنهم ان يقولوا سكرت أبصارنا لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا تعنتا وعنادا إِنْ هذا المكتوب إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ لانه سبق علمه تعالى فيهم انهم لا يؤمنون. وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ يعنى على محمد اى معه مَلَكٌ يكلمنا انه نبى كما فى قوله تعالى لولا انزل معه ملك فيكون معه نذيرا وَلَوْ أَنْزَلْنا معه مَلَكاً كما اقترحوا لَقُضِيَ الْأَمْرُ باهلاكهم بجريان سنة الله تعالى باهلاك الأمم عند نزول الآيات على اقتراحهم ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ اى لا يهملون بعد نزوله طرفة عين وقال مجاهد لقضى الأمر اى لقامت القيامة وقال الضحاك لو أتاهم ملك فى صورته لماتوا من هوله وكلمة ثم لبعد ما بين الامرين قضاء الأمر وعدم الانظار فان عدم الانظار بمعنى فجاءد العذاب أشد من نفس العذاب. وَلَوْ جَعَلْناهُ الضمير للمطلوب او للرسول مَلَكاً يعنى لو جعلنا

[سورة الأنعام (6) : آية 10]

قرينا لك ملكا يعاينوه او جعلنا الرسول ملكا فانهم تارة يقولون لولا انزل معه ملكا فيكون معه نذيرا وتارة يقولون لو شاء ربنا لانزل ملئكة لَجَعَلْناهُ رَجُلًا يعنى لمثلناه رجلا كما كان جبرئيل يتمثل للنبى صلى الله عليه وسلم غالبا فى صورة دحية لان القوة البشرية لا يقوى على روية الملك فى صورته وانما رأهم كذلك الافراد من الأنبياء أحيانا لقوتهم القدسية ولان الرسول برزخ بين الخالق والخلق ولا بد فى البرزخ من المناسبتين مناسبة بالخالق كى يتلقى الفيوض من جنابه المقدس ومناسبة بالخلق كى يفيض عليهم ما استفاض من الجناب المقدس فان الافادة والاستفادة لا يتصور من غير مناسبة فالرسول له مناسبة باطنية بالخالق فان مبدأ تعينه صفة من صفات الله تعالى بخلاف سائر الخلائق سوى الأنبياء والملائكة فان مبادى تعيناتهم ظلال الصفات فلا بد ان يكون للرسول مناسبة صورية بالناس المرسل إليهم ولان بناء التكليف على الايمان بالغيب فلابد من التلبيس والتخليط لبقاء التكليف ومن ثم قال الله تعالى وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ اى لخلطنا واشكلنا عليهم فلا يدرون انه ملك بل يقولون ما هذا الا بشر مثلكم ما يَلْبِسُونَ على أنفسهم من امر الرّسول بعد ظهور رسالته بالآيات ثم سلى نبيه صلى الله عليه وسلم على ما أصابه من استهزاء قومه بقوله. وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ كما استهزئك يا محمد فلا تهتم فَحاقَ قال الضحاك أحاط وكذا فى القاموس وقال الربيع بن انس نزل وقال عطاء حل بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فكذا يحيق بهؤلاء ما يستهزءون بك وما موصولة او مصدرية والمضاف على التقديرين محذوف يعنى أحاط بهم وبال الذي كانوا يستهزءون به او وبال كونهم مستهزئين. قُلْ يا محمد سِيرُوا فِي الْأَرْضِ بالاقدام او بالعقول والقوى الفكرية معتبرين ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ اى جزاء أمرهم وكيف أورثهم الكفر والتكذيب الهلاك والخسران فان قيل جاء فى موضع اخر قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين بكلمة الفاء وهاهنا بكلمة ثم والفاء للتعقيب بلا مهلة وثم للتراخى فكيف التوفيق قلنا السير ممتد والنظر على مساكن المكذبين من الأمم السابقة يقع متراخيا بالنسبة الى ابتداء السير غالبا ويترتب على بعض اجزاء السير بلا مهلة فايراد الفاء نظرا الى بعض اجزاء

[سورة الأنعام (6) : آية 12]

السير وإيراد ثم نظرا الى بداية السير قال البيضاوي والفرق بين هذه وبين قوله تعالى سيروا فى الأرض فانظروا ان السير ثمه لاجل النظر ولا كذلك هاهنا ولذلك قيل معنى هذه الاية اباحة السير للتجارة وغيرها وإيجاب النظر فى اثار الهالكين وكذا قال صاحب المدارك وزاد انه تعالى نبه على إيجاب النظر فى اثار الهالكين بثم للتباعد بين الواجب والمباح قلت بناء قول الشيخين على ان الفاء للسببية دون ثم ومقتضى السببية كون السير سببا للنظر فى الواقع سواء كان السير لاجل النظر قصدا اولا فمفاد الآيتين ان المطلوب شيئان..... السير مطلقا والنظر فى اثار الهالكين غير ان هذا الاية بكلمة ثم لا يفيد سببية أحدهما للاخر وتلك الاية تفيدها وسياق كلتا الآيتين يقتضى ان المأمور به قصدا انما هو النظر والسير انما امر به لكونه وسيلة الى النظر وكانّ فى كلمة ثم اشارة الى التباعد بين ما هو المطلوب قصدا وبالذات وما هو المطلوب ليكون وسيلة الى غيره وعلى هذا التحقيق لا حاجة فى التوفيق بين الآيتين الواردتين إحداهما بالفاء والاخرى بثم الى ملاحظة بداية السير ونهايته. قُلْ يا محمد تبكيت للخصم لِمَنْ من استفهامية والظرف خبر والمبتدأ ما يعنى الأشياء التي هى كائنة فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعم العقلاء وغيرهم ولذلك أورد بكلمة ما قُلْ لِلَّهِ تقرير لهم اى هو الله لا خلاف بيننا وبينكم فيه وتنبيه على انه لا يمكن لاحد ان يجيب بغيره كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ يعنى التزم ووعد وعدا مؤكدا لا يمكن خلفه الرَّحْمَةَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى الله الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق العرش ان رحمتى غلبت غضبى وفى رواية بلفظ ان رحمتى سبقت غضبى رواه البغوي من حديث ابى هريرة وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لله مائة رحمة انزل منها رحمة واحدة بين الجن والانس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها يتعاطف الوحوش على أولادها واخّر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيمة رواه مسلم قلت لعل المراد بعدد المائة تمثيل التكثير دون تعيين العدد فان ما عندكم ينفد وما عند الله باق كيف وصفات الممكنات متناهية وصفاته تعالى غير متناهية وما انزل الله من الرحمة فى خلقه وخلقها فى قلوبهم انما هى ظل من ظلال رحمة الله تعالى وعن عمر بن الخطاب قال قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبى فاذا امراة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذا وجدت صبيا فى السبي

[سورة الأنعام (6) : آية 13]

أخذته فالصقته ببطنها وارضعته فقال النبي صلى الله عليه وسلم ترون هذه طارحة ولدها فى النار قلنا لا وهى تقدر على ان لا تطرحه فقال لله ارحم بعباده من هذه بولدها واعلم ان رحمة الله تعالى منها ما يترتب عليها نعماء الدنيا ومنها ما يترتب عليها نعماء الاخرة لارسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الادلة الدالة على التوحيد والموت والبعث بعدها المفضى الى نعيم الجنان ولقاء الرحمن والعمدة فى الباب والمقصود بالذكر انما هى التي تعلقت بالاخرة كما يدل عليه ما ذكرنا من الأحاديث ويدل عليه قوله تعالى لَيَجْمَعَنَّكُمْ يعنى ليجمعن اجزاءكم مبعوثين إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ الظاهر ان الى هاهنا بمعنى فى او المعنى ليجمعنكم فى القبور ميتين الى يوم القيمة ويفهم منه التزاما انه ثم يبعثكم فتصدرون أشتاتا لتروا أعمالكم والجملة جواب قسم محذوف وهو بدل من الرحمة بدل البعض وبهذا يظهر ان المقصود انما هى الرحمة الاخروية ولما كان الكفار مبالغين فى انكار البعث أكده سبحانه بالقسم بعد الانذار على تكذيب المبلغ الصادق وبيان قدرته عليه بقوله لمن ما فى السموات والأرض وبيان الحكمة فى البعث بقوله كتب على نفسه الرحمة لا رَيْبَ فِيهِ اى فى الجمع او فى اليوم ولما كان مقتضى الاية عموم رحمة الله تعالى موهما شمولها للكفار قال الله تعالى لدفع ذلك التوهم وبيان ان حرماتهم من رحمة الله تعالى بسوء اختيارهم وخسرانهم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بالاشراك حيث ضيعوا رأس ما لهم وهو الفطرة السليمة والعقل السليم وفوتوا حظهم من الرحمة واشتروا به العذاب والنقمة الموصول مبتدأ وخبره فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الفاء للدلالة على ان خسرانهم فى علم الله تعالى سبب لعدم ايمانهم وكان القياس العطف على لا ريب فيه ووجه الفصل تقدير السؤال كانه قيل فلم يرتاب الكافرون فاجيب بان خسرانهم أنفسهم صار سببا لعدم الايمان وجاز ان يكون الموصول منصوبا على الذم وكما يدل هذه الاية على شمول رحمة الله تعالى وحرمان الكفار بسوء اختيارهم وخسرانهم يدل عليه حديث ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلكم يدخل الجنة الا من شرد على الله شرد «1» البعير على اهله رواه الطبراني والحاكم بسند صحيح. وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ من السكنى

_ (1) اى اخرج عن طاعته وفارق الجماعة يقال شرد البعير إذا نفر وذهب فى الأرض 12 نهايه

[سورة الأنعام (6) : آية 14]

وتعديته الى المكان بفي كما فى قوله تعالى وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وعدى هاهنا الى الزمان اتساعا والمراد كل ما يمر عليه الليل والنهار او من السكون والمعنى كل ما سكن فيهما وتحرك فاكتفى بأحد الضدين عن الاخر كما فى قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر يعنى الحر والبرد وَهُوَ السَّمِيعُ لاصواتهم الْعَلِيمُ بأحوالهم وعيد للمشركين على أقوالهم وأفعالهم. قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ناصرا ومعبودا استفهام لانكار اتخاذ غير الله وليالا لاتخاذ الولي ولذلك قدم المفعول الاول لاتخذ عليه وذكره متصلا بالهمزة فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى خالقهما ومبدعهما والاضافة معنوية لان فاطر بمعنى فطر ولذلك قرأ فطر فهو مجرور صفة لله وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ اى يرزق المرزوقين ولا يرزق وتخصيص الطعام لشدة احتياج الناس اليه والجملة حال من الله والاية نزلت حين دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى دين ابائه قُلْ إِنِّي قرأ نافع بفتح الياء والباقون بالإسكان أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ لان النبي صلى الله عليه وسلم سابق أمته فى الدين وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ معطوف على قل او على أمرت بتقدير وقيل لى ان لا تكونن من المشركين قُلْ إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بالإسكان. أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بان عبدت غيره عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مبالغة فى قطع اطماعهم وتعريض بهم باستيجابهم العذاب بالكفر والعصيان اعترض الشرط بين الفعل والمفعول به وحذف جزاء الشرط لدلالة الجملة عليه يعنى انى أخاف عذاب يوم عظيم اى يوم القيمة ان عصيت ربى عذبنى يومئذ. مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ قرأ حمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم ويعقوب يصرف بفتح الياء وكسر الراء على البناء للفاعل والضمير عائد الى ربى والمفعول به محذوف او يومئذ بحذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه يعنى من يصرف ربى العذاب يومئذ او عذاب يومئذ يعنى يوم القيامة والباقون بضم الياء وفتح الراء على البناء للمفعول والضمير عائد الى العذاب يعنى من يصرف عنه العذاب يومئذ او يكون مسندا الى يومئذ بحذف المضاف اى عذاب يومئذ وحينئذ ويومئيذ «1» مبنى على الفتح فَقَدْ رَحِمَهُ الله حيث نجاه من العذاب و

_ (1) لاكتسابه البناء من المضاف اليه 12 منه

[سورة الأنعام (6) : آية 17]

ادخله الجنة رحمة منه لا لاداء حق عليه وَذلِكَ الصرف الْفَوْزُ الْمُبِينُ فى القاموس الفوز النجاة والظفر بالخير والهلاك فالمراد هاهنا الظفر بالخير لان الهلاك ليس بمراد البتة لدلالة السياق وكذا النجاة غير مراد إذ المراد باسم الاشارة هو الصرف وهو عين النجاة فيكون الحمل غير مفيد وبهذا يظهر ان دخول الجنة لازم لصرف العذاب عنه فيمكن بهذه الاية الاستدلال على نفى المنزلة بين المنزلتين كما قالت بها المعتزلة. وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ بشدة كفقر او مرض او عذاب فَلا كاشِفَ لَهُ يعنى لا قادر على كشفه أحد إِلَّا هُوَ والا يلزم عجزه تعالى وهو محال مناف للالوهية ووجوب الوجود وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ بعافية ونعمة من صحة وغنى وغيرهما فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فكان قادرا على ادامته وحفظه وكذا على إزالته ولا يستطيع أحد غيره إزالته روى البغوي بسنده عن ابن عباس رض قال اهدى للنبى صلى الله عليه وسلم بغلة اهديها له كسرى فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه ثم سار بي مليا ثم التفت الى فقال يا غلام قلت لبيك يا رسول الله قال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده امامك تعرف الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة فاذا سالت فاسال الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد مضى القلم بما هو كائن فلو جهد الخلائق ان ينفعوك بما لم يقضه الله تبارك وتعالى لك لم يقدروا عليه ولو جهدوا ان يضروك بما لم يكتبه الله سبحانه وتعالى عليك ما قدروا عليه فان استطعت ان تعمل بالصبر مع اليقين فافعل فان لم تستطع فاصبر فان فى الصبر على ما تكره خيرا كثيرا واعلم ان النصر مع الصبر وان مع الكرب الفرج وان مع العسر يسرا وروى احمد والترمذي نحوه وقال الترمذي حديث حسن صحيح وليس فى روايتهما من قوله فان استطعت ان تعمل بالصبر إلخ. وَهُوَ الْقاهِرُ مبتدأ وخبر والقهر الغلبة والتذليل معا وفيه زيادة معنى على القدرة وهى منع غيره عن بلوغ المراد من غير إرادته فَوْقَ عِبادِهِ خبر بعد خبر تصوير لقهره وعلوه وَهُوَ الْحَكِيمُ فى امره الْخَبِيرُ بكل شىء لا يخفى عليه شى قال الكلبي اتى اهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أرنا من يشهد انك رسول الله فانا لا نرى أحدا يصدقك ولقد سالنا عنك اليهود والنصارى فزعموا انه ليس لك عندهم ذكر فانزل الله تعالى. قُلْ أَيُّ شَيْءٍ الشيء يقع

على كل موجود وقد مر الكلام فيه فى سورة البقرة والمعنى اى شاهد أَكْبَرُ اى أعظم شَهادَةً اى شىء مبتدأ واكبر خبره وشهادة تميز عن النسبة يعنى شهادة اى شاهد اكبر فان أجابوك والا قُلْ أنت اللَّهُ اكبر شهادة حذف الخبر لقرينة السؤال وتم الكلام وقوله شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ خبر مبتدأ محذوف يعنى هو شهيد بينى وبينكم وجاز ان يكون الله شهيد هو الجواب لانه تعالى إذا كان شهيدا كان اكبر شىء شهادة وجاز ان يكون تاويل الاية انه اى مشهود اكبر شهادة يعنى مشهودية رسالتى او عدمها والجواب الله شهيد على رسالتى ومعلوم انه ما كان الله عليه شهيدا فهو اكبر شهادة وحينئذ لا حاجة الى تكلف وشهادة الله تعالى على الرسالة اظهار المعجزات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم ولما كان أعظم المعجزات القران بين الشهادة بقوله وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ المعجز المخبر بأخبار المبدأ والمعاد على ما نطق به الكتب السابقة لِأُنْذِرَكُمْ أخوفكم من عذاب الله ان لم تؤمنوا بِهِ اى بالقران اكتفى بالإنذار عن ذكر البشارة لدلالة الحال والمقال ولمزيد الاهتمام بالإنذار فان دفع المضرة اولى من جلب المنفعة وَمَنْ بَلَغَ منصوب بالعطف على ضمير المخاطبين يعنى لانذركم يا اهل مكة ومن بلغه القران من الموجودين فى ذلك الزمان وبعد ذلك الزمان الى يوم القيامة من الجن والانس عن عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغوا عنى ولو اية وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار متفق عليه والمراد ببني إسرائيل فى هذا الحديث المؤمنين الصادقين منهم إذ لا وثوق برواية الكفرة الكذابين بدليل حديث سمرة بن جندب والمغيرة ابن شعبة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حدث عنى بحديث يرى انه كذب فهو أحد الكاذبين رواه مسلم وعن ابن مسعود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نضر الله عبد اسمع مقالتى فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه الى من هو افقه منه ثلث لا يغل عليهن قلب مسلم اخلاص العمل لله تعالى ونصيحة المسلمين ولزوم جماعتهم فان دعوتهم تحيط من ورائهم رواه الشافعي والبيهقي فى المدخل ورواه احمد والترمذي وابو داؤد وابن ماجة والدارمي عن زيد بن ثابت الا ان الترمذي وأبا داؤد لم يذكرا ثلاث لا يغل إلخ قال محمد بن كعب القرظي من بلغه القران فكانما رأى

[سورة الأنعام (6) : آية 20]

محمدا صلى الله عليه وسلم وسمع منه أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ يا اهل مكة أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى تقرير لهم مع انكار واستبعاد وتعجب حيث يشهدون على امر ظاهر بطلانه بالادلة القطعية النقلية والعقلية على التوحيد هذه الاية تدل على ان اهل مكة طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم شاهدا على التوحيد ومعنى الاية ان الله يشهد على التوحيد بنصب الادلة عليه وإنزال القران المعجز وهو اكبر شهادة اأنتم تشهدون على خلافه قلت لعلهم طلبوا شاهدا على التوحيد والرسالة جميعا واقتصر الكلبي فى ذكر شان النزول على طلب الشهادة على الرسالة فان الشهادة على الرسالة يستلزم الشهادة على التوحيد من غير عكس قُلْ لا أَشْهَدُ بما تشهدون قُلْ إِنَّما هُوَ اى الله إِلهٌ واحِدٌ متوحد فى استحقاق العبودية ووجوب الوجود والتخليق والترزيق وغير ذلك من صفات الكمال لا شريك له فى شىء منها منزه عن أنحاء التركيب والتعدد وما يستلزمه أحدهما من الجسمية والتحيز والمشاركة لشئ من الأشياء فى صفة من صفات الكمال فلا يرد ما يقال ان الحمل غير مفيد فان الله جزئى حقيقى والجزئى الحقيقي لا يحتمل التعدد هذا على تقدير كون ما كافة وضمير هو راجعا الى الله تعالى وجاز ان يكون ما موصولة مبتدأ وضمير هو راجعا الى الموصولة وجملة هو اله صلة وواحد خبر للموصول مع الصلة فلا إشكال يعنى ما هو اله مستحق للعبادة لاجل كونه واجبا وجوده وصفات كماله مقتضيا لوجود من عداه وتوابعه واحد لا شريك له والمعنى لا اشهد ما تشهدون بل على التوحيد وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ بالله تعالى إياه فى استحقاق العبادة من الأصنام او من اشراككم. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم موصوفا بالرسالة من الله تعالى لتطابق حليته وأخلاقه وأوصافه بما نعت فى التورية والإنجيل كَما يَعْرِفُونَ اى معرفة كمعرفة أَبْناءَهُمُ من بين الصبيان بحلاهم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من اهل الكتاب بكتمان نعته صلى الله عليه وسلم حيث قدر الله تعالى عليهم بالخسران فى علمه القديم فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بالنبي صلى الله عليه وسلم ويجحدون بنبوته بعد ما استيقنت به أنفسهم ظلما وعلوا وتعنتا وعنادا هذه الاية جواب لقولهم لقد سالنا عنك اليهود والنصارى

[سورة الأنعام (6) : آية 21]

فزعموا انه ليس لك عندهم ذكر يعنى انهم كذبوا وخسروا أنفسهم حيث بدلوا منازلهم من الجنة ان أمنوا بمنازلهم من النار اخرج ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد الا له منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار فاذا مات فدخل النار ورث اهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون قال البغوي إذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل اهل النار فى الجنة ولاهل النار منازل اهل الجنة فى النار وذلك الخسران قلت كان مقتضى سياق الكلام الذين لا يؤمنون خسروا أنفسهم قلب الحمل مبالغة. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً يعنى ادعى الرسالة كاذبا وقال اوحى الى ولم يوح اليه شىء أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ المنزلة فى القران والمعجزات الدالة على التوحيد وصدق الرسول يعنى لا أحد اظلم منه فهذه الاية بهذا التأويل لتنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الكذب وتنبيه الكافرين على كونهم اظلم الناس وجاز ان يكون المعنى من اظلم ممن افترى على الله كذبا وقال فيه ما لا يليق به من نسبة الولد او الشريك وقال للحجارة هؤلاء شفعاءنا عند الله او كذب باياته وكان المناسب على هذا التأويل العطف بالواو مكان او لانهم قد جمعوا بين الامرين لكن ذكر كلمة او تنبيها على ان كل واحد من الامرين بالغ غاية الافراط فى الظلم فكيف إذا اجتمعا وجاز ان يكون فى كلمة او اشعارا بكون الامرين متناقضين مع كونهما قبيحا ومع ذلك جمع الكفار بين الامرين المتناقضين لفرط حماقتهم وجه التناقض ان الافتراء على الله ودعوى انه تعالى حرم كذا وأحل كذا واتخذ صاحبة وولدا ويقبل شفاعة الأصنام مثل دعوى الرسالة يزعمون وجوب قبوله بلا دليل وتكذيبهم الآيات والمعجزات وقولهم الرسول لا يكون بشرا بل لا بد ان يكون ملكا يشعر وجوب عدم قبول دعوى الرسالة مع قيام الادلة القاطعة إِنَّهُ اى الشان لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ فضلا عمن هو اظلم الناس لا أحد اظلم منه «1» . وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ يعنى الكفار وما عبدوه جَمِيعاً يعنى يوم القيمة قرأ يعقوب بالياء على الغيبة والضمير عائد الى الله تعالى ووافقه حفص فى سبا والباقون بالنون على التكلم فى الموضعين والظرف معمول بفعل

_ (1) شعر واى بر قومى كه بت را سجده بي حجت كنند ... با رسل گويند ايتونا بسلطن مبين . 12 منه

[سورة الأنعام (6) : آية 23]

محذوف حذف الفعل لينتقل الذهن الى احوال كثيرة واهوال متعددة تلحق الناس فى ذلك اليوم كانه قال يدهشون دهشة لا يحيط به العبارة وتدنو الشمس منهم ويلجمهم العرق ويذهب عرقهم فى الأرض سبعين باعا كما ورد فى الصحاح من الأحاديث ويفعل بهم كيت كيت يوم يحشرهم وجاز ان يكون مفعولا به لا ذكر ثُمَّ نَقُولُ معطوف على نحشر وفى كلمة ثم اشارة الى انتظارهم بعد الحشر الى السؤال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل فى الكنانة خمسين الف سنة لا ينظر إليكم رواه الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر وقال تمكثون الف عام فى الظلمة يوم القيامة لا تكلمون رواه البيهقي عن ابن عمر لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ اى الهتكم التي جعلتموها شركاء الله فى العبادة الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ اى تزعمونها شركاء فى استحقاق العبادة او تزعمونها شفعاء عند الله حذف المفعولان والمراد من الاستفهام التوبيخ. ثُمَّ لَمْ تَكُنْ قرأ حمزة والكسائي ويعقوب بالياء على التذكير وفِتْنَتُهُمْ بالنصب على انه خبر كان واسمها إِلَّا أَنْ قالُوا وقرأ نافع وابو عمرو وابو بكر وابو جعفر لم تكن بالتاء على التأنيث لتانيث الخبر وفتنتهم بالنصب وابن كثير وابن عامر وحفص لم تكن بالتاء على التأنيث وفتنتهم بالرفع على انه اسم كان والمستثنى حبره وكلمة ثم تدل على طول التأمل فى الجواب والمراد بالفتنة الكفر يعنى يكون عاقبة كفرهم هذا القول بعد طول التأمل والندامة وقال ابن عباس وقتادة معذرتهم وانما سمى المعذرة فتنة لانهم يتوهمون بها خلاص أنفسهم من فتنت الذهب إذا أخلصته وقيل معنى فتنتهم جوابهم وانما سماه فتنة لانه كذبا ولانهم قصدوا بها الخلاص وقيل معناه التجربة ولما كان سوالهم تجربة لاظهار ما فى قلوبهم سمى الجواب فتنة قال الرجاج فى قوله تعالى ثم لم تكن فتنتهم معنى لطيف وذلك مثل الرجل يفتن بحبوب ثم يصيبه فيه محنة فيتبرأ من محبوبه فيقال لم تكن فتنة الا هذا كذلك الكفار فتنوا بمحبة الأصنام قلت بل بتقليد الآباء ثم لما رأوا العذاب تبرأوا منها وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ مقولة قالوا قرأ حمزة ربنا بالنصب على النداء او المدح والباقون بالجر على انه نعت لله روى البخاري وغيره عن ابن عباس فى قوله تعالى ولا يكتمون الله حديثا وقوله تعالى والله ربنا ما كنا مشركين انه قال ان المشركين لما راوا يوم القيامة ان الله يغفر لاهل الإسلام ويغفر الذنوب و

[سورة الأنعام (6) : آية 24]

لا يغفر الشرك جحدوا رجاء ان يغفر لهم فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا فقال الله تعالى. انْظُرْ ايها المخاطب كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ اى زال وذهب عنهم افترائهم بان الله حرم هذا وهؤلاء شفعاءنا عند الله عطف على كذبوا وكيف حال من فاعل كذبوا قدم لاقتضاء الاستفهام الصدارة ومضمون الجملة مفعول انظر يعنى انظر كذبهم على أنفسهم متكيفين باى كيفية حيث لا يفيدهم قال الكلبي اجتمع ابو سفيان بن حرب وابو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعه وامية وابى ابنا خلف والحرث بن عامر يستمعون القران فقالوا للنضر يا با قتيلة ما يقول محمد قال ما أدرى ما يقول الا انه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما أحدثكم عن القرون الماضية وكان النضر كثير الحديث عن القرون واخبارها فقال ابو سفيان انى ارى بعض ما يقول حقا فقال ابو جهل كلا لا تقر بشئ من هذا وفى رواية الموت أهون علينا من هذا فانزل الله تعالى. وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حين تتلو القران وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً جمع كنان وهو ما يستر الشيء أَنْ يَفْقَهُوهُ اى لئلا يفقهوه او كراهة ان يفقهوه وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً صمما وثقلا يمنع أسماعهم وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ من المعجزات لا يُؤْمِنُوا بِها لانه تعالى جعل على أبصارهم غشاوة وعلى قلوبهم اكنة وتلك الاكنة موجبة لفرط عنادهم بالنبي صلى الله عليه وسلم واستحكام تقليدهم بالآباء حيث لا يرون الحسن حسنا ولا القبيح قبيحا حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا حتى عاطفة تدخل على الجمل عطف على لا يؤمنون وإذا ظرف تضمن معنى الشرط جوابه يجادلونك ويقول تفسير له او يقال يجادلونك منصوب المحل على انه حال من فاعل جاؤا وجواب الشرط يقول والمعنى بلغ عدم ايمانهم وتكذيبهم الى مرتبة المجادلة وجعل اصدق الحديث خرافات الأولين والمجيء لاجل المجادلة وهذا غاية التكذيب وجاز ان يكون حتى جارة وإذا فى محل الجر متعلقا بقوله تعالى لا يؤمنون على مذهب سيبويه حيث يقول بجواز وقوع إذا غير ظرف خلافا لجمهور النحاة وعلى هذا التأويل

[سورة الأنعام (6) : آية 26]

يجادلونك حال ويقول تفسير له وفى يقول الذين كفروا وضع المظهر موضع المضمر إِنْ هذا يعنى ما هذا القران إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ مقولة يقول فى القاموس السطر الصف من الشيء كالكتاب والشجر والخط والجمع اسطر وسطور واسطار وجمع الجمع أساطير والأساطير الأحاديث التي لا نظام لها وقال البيضاوي الأساطير الأباطيل قلت هذا لازم معناه الحقيقي فان المكتوب فى كتب قصص الأولين غالبا يكون أباطيل لعدم الاطلاع على ما سبق وعدم الاحتياط فى الرواية ويكون قصص الأولين غالبا لا نظام لها لاجل اختلاف الروايات ثم استعمل لفظ أساطير الأولين فى الأحاديث الباطلة الكاذبة حتى صار هو معناه الحقيقي المنقول اليه. وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ قال ابن عباس نزلت الاية فى ابى طالب كان ينهى المشركين ان يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتباعد عما جاء به فلا يؤمن به كذا اخرج الحاكم وغيره عنه وعلى هذا ضمير الجمع راجع الى ابى طالب ومن يساعده وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن ابى هلال حيث قال نزلت فى عمومة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا عشرة فكانوا أشد الناس معه فى العلانية وأشد الناس عليه فى السر فمعنى الاية ينهون الناس عن إيذائه صلى الله عليه وسلم وينئون اى يتباعدون عن اتباعه قال البغوي انه روى انه اجتمع رؤس المشركين الى ابى طالب وقالوا خذ شابا من أصبحنا وجها وادفع إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم فقال ابو طالب ما أنصفتموني ادفع إليكم ولدي لتقتلوه واربى ولدكم وروى ان النبي صلى الله عليه وسلم دعاه الى الإسلام فقال لولا ان يعيرنى قريش لا قررت به عينك ولكن أذب عنك ما حييت وقال فيه أبياتا شعر والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى اوسّد فى التراب دفينا فاصدع بامرك ما عليك غضاضة ... وابشر وقر بذاك عنك عيونا دعوتنى وعرفت انك ناصحى ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا وعرضت دينا قد علمت بانه ... من خير أديان البرية دينا لولا الملامة او حذار مسبة ... لوجدتنى سمحا بذاك مبينا غضاضة الشباب نضارته وطراوته وقال محمد بن الحنفية والضحاك وقتادة نزلت فى كفار مكة ومعناه ينهون الناس

[سورة الأنعام (6) : آية 27]

عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم او القران ويتباعدون عنه وَإِنْ اى ما يُهْلِكُونَ بذلك إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ان ضرره يعود إليهم ولا يعود الى النبي صلى الله عليه وسلم منه شىء. وَلَوْ تَرى الكفار إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ يعنى حين يوقفون على النار حتى يعاينوها ويطلعوا عليها او يدخلوها فيعرفوا عذابها وجواب لو محذوف يعنى لرايت امرا عجيبا فزيعا فَقالُوا عطف على وقفوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ الى الدنيا دار العمل وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قرأ حفص وحمزة الفعلين منصوبين على جواب التمني بإضمار ان بعد الواو وقرأ ابن عامر برفع الاول عطفا على نرد او حالا من الضمير فيه ونصب الثاني على الجواب والباقون بالرفع فيهما عطفا على نرد او حالا من فاعله او استينافا وقال المحقق التفتازانيّ هو عطف الخبر على الإنشاء وهو جائز إذا اقتضاه المقام. بَلْ إعجاب عن ارادة الايمان والعزم عليه المفهوم من التمني يعنى انما قالوا ذلك ضجرا على كفرهم لا عزما على الايمان بَدا لَهُمْ اى ظهر لهم ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ فى الدنيا من النفاق او ما كان اهل الكتاب يخفون نعت النبي صلى الله عليه وسلم وقد كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم او ما كانوا يخفون فى الاخرة من الشرك حين قالوا والله ربنا ما كنا مشركين قال النضر بن شميل معناه بدا عنهم وقال المبرد بدا لهم جزاء ما كانوا يخفون وَلَوْ رُدُّوا الى الدنيا فرضا بعد ما عاينوا نار جهنم لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ من الكفر والمعاصي لان مبادى تعيناتهم ظلال اسم الله المضل لا يحتمل صدور الايمان منهم وان كانوا على يقين من حقية الايمان وبطلان الكفر كما ان اليهود كانوا ينكرون ويبغضون محمدا عليه السلام وهم كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويجحدون بما استيقنت به أنفسهم ظلما وعلوا وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما وعدوه بعدم التكذيب والايمان على قراءة الرفع او فيما يفهم من الوعد من التمني او المعنى انهم معتادون بالكذب لا يتكلمون بمقتضى الآيات من التوحيد وغير ذلك عوض العايضين اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليعذرن الله الى آدم يوم القيمة ثلثة معاذير يقول يا آدم لولا انى لعنت الكاذبين وأبغضت الكذب والخلف وواعدت عليه لرحمتك اليوم ولدك أجمعين

[سورة الأنعام (6) : الآيات 29 إلى 30]

ولكن حق القول منى لئن كذّبت رسلى وعصى امرى لاملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ويقول الله يا آدم انى لا ادخل النار أحدا ولا أعذب منهم الا من علمت بعلمي انى لورددته الى الدنيا لعاد الى شر ما كان فيه لم يرجع ولم يعقب ويقول الله يا آدم قد جعلتك حكما بينى وبين زريتك قم عند الميزان إذا يرفع إليك من أعمالهم فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة حتى تعلم انى لا ادخل النار الا ظالما. وَقالُوا عطف على لعادوا يعنى لوردوا قالوا او على انهم لكاذبون يعنى وهم الذين قالوا ذلك فى الدنيا او على نهوا يعنى لو ردوا لعادوا لما نهوا ولما قالوا او استيناف بذكر ما قالوه فى الدنيا إِنْ هِيَ الضمير للحيوة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا اى القربى مؤنث ادنى من الدنو وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ وَلَوْ تَرى يا محمد إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ مجاز عن الحبس للسوال والتوبيخ وقيل معناه على قضاء ربهم او جزائه او عرفوه حق التعريف وجواب لو محذوف مثل ما تقدم قالَ الله او خزنة النار بإذن الله كانه جواب قائل قال ماذا قال ربهم حينئذ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ المشار اليه البعث وما ترتب عليه من الثواب والعقاب استفهام للتفريع والتعيير على التكذيب قالُوا بَلى وَرَبِّنا أقروا مؤكدا باليمين لظهور الأمر كل الظهور وللتبرى عن الشرك والتكذيب وقال ابن عباس هذا فى موقف وللقيامة مواقف ففى موقف يقرون وفى موقف ينكرون قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ع اى بسبب كفركم او يبدله. قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ اى بالبعث بعد الموت المفضى الى روية الله خسر الكافرون حيث أنكروا البعث والجنة والنار ففاتهم النعيم المقيم واستبدلوا بها العذاب الأليم وخسر المعتزلة حيث أنكروا روية الله تعالى فيحرمون عنها وأنكروا الشفاعة والمغفرة فيحرمون عنهما قال الله تعالى انا عند ظن عبدى بي متفق عليه عن ابى هريرة مرفوعا وعند الطبراني والحاكم بسند صحيح عن واثلة واخرج اللالكائى عن ابراهيم الصائغ قال ما يسرنى ان لى نصف الجنة بالروية ثم تلى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم انهم لصالوا الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال بالروية حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ قال البيضاوي غاية لكذبوا لا لخسروا فان خسرانهم لا غاية له فان قيل تكذيبهم منته الى الموت لا الى قيام

الساعة قلنا لعل المراد بالساعة ساعة الموت فانه من مات فقد قامت قيامته فى الصحيحين عن عائشة قالت كان رجال من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه عن الساعة فكان ينظر الى أصغرهم فيقول ان يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم وان كان المراد بها القيامة فالموت مقدمة للساعة فكانها هى الساعة او جعل الساعة زمان الموت لسرعة مجئ الساعة بعدها وحينئذ يمكن ان يقال انه غاية للخسران لان الخسران فوات راس المال وحين الموت لم يبق راس المال وهى الحيوة فانتهى زمان خسرانهم وبعده زمان الإفلاس بَغْتَةً يعنى فجأة منصوب على الحال او المصدر فانها نوع من المجيء قالُوا يا حَسْرَتَنا جواب إذا ذكر على وجه النداء يعنى تعال هذا او انك عَلى ما فَرَّطْنا فِيها اى فى الحيوة الدنيا من عمل الخير فهو إضمار بلا ذكر المرجع للعلم به او الضمير راجع الى الساعة يعنى قصرنا فى شان الساعة والايمان بها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ يعنى أعمالهم القبيحة عَلى ظُهُورِهِمْ إذا خرجوا من القبور اخرج ابن ابى حاتم عن عمرة بن قيس الملائى ان المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله فى احسن صورة وأطيب ريح فيقول هل تعرفنى فقال لا الا ان الله قد أطيب ريحك واحسن صورتك فيقول كذلك كنت فى الدنيا انا عملك الصالح طال ما ركبتك فى الدنيا اركبنى اليوم وتلا يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا وإن كان الكافر يستقبله عمله فى أقبح صورة وأنتنه ريحا فيقول او لا تعرفنى قال لا الا ان الله قبح صورتك ونتن ريحك فيقول كذلك كنت فى الدنيا انا عملك السيء طال ما ركبتى فى الدنيا وانا أركبك اليوم وتلى وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم وعن ابى هريرة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم الغلول وامره ثم قال الا الفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول يا رسول الله أغثني فاقول لا املك من الله شيئا قد أبلغتك الحديث ذكر فيه على رقبته فرس له حمحمة على رقبته شاة لها ثغاء على رقبته صامة متفق عليه وروى ابو يعلى والبزار عن عمر بن الخطاب نحوه واخرج الطبراني عن ابن مسعود مرفوعا من بنى بناء فوق ما يكفيه كلف ان يحمل على عاتقه وفى الصحيحين عن عائشة مرفوعا من ظلم قيد شبر من ارض طوقه الله يوم القيامة من سبع ارضين وفى الباب عند الطبراني عن الحكم بن حارث وانس وعنده وعند احمد عن يعلى بن مرة وابى مالك الأشعري

[سورة الأنعام (6) : آية 32]

أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ اى بئس شيئا يزرونه وزرهم. وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ جواب لقولهم ان هى الا حيوتنا الدنيا واللعب فعل لا يكون له غرض صحيح ولا يترتب عليه منفعة واللهو ما يشغله عما ينفعه يعنى ما الأعمال التي يقصد بها معيشة الدنيا ولذاتها من غير ان يبتغى بها وجه الله تعالى الا باطلا لا ينفع منفعة معتدة بها لسرعة زوالها فكانها لا منفعة فيها أصلا وهى شاغلة عما يفيده فى الحيوة الابدية وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ قرأ ابن عامر ولدار الاخرة بالاضافة بتأويل ولدار الساعة الاخرة كصلوة الوسطى ومسجد الجامع والباقون بالتوصيف خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ عن الشرك والمعاصي لدوامها وخلوص منافعها ولذاتها وتخصيص الخيرية بالمتقين لانها شر للمشركين حيث يعذبون فيها وفيه اشارة الى انه ما ليس من اعمال المتقين لعب ولهو فان اعمال المتقين فى مقابلة اعمال الدنيا أَفَلا تَعْقِلُونَ قرأ نافع وابن عامر وحفص بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة يعنى أفلا يعقلون اى الامرين من اعمال الدنيا والاخرة خير فان خير ما يكون منفعته قوية خالصة ابدية على ما هى ضعيفة مشوبة بالمضرات على شرف الزوال بديهية روى الترمذي والحاكم عن على ان أبا جهل قال للنبى صلى الله عليه وسلم انا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فانزل الله تعالى. قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ الاية قال البيضاوي قد لزيادة الفعل وكثرته كما فى قوله ولكنه قد يهلك المال نايله وضمير انه للشان قال السدى التقى الأخنس بن شريف وابو جهل ابن هشام فقال الأخنس لابى جهل يا أبا الحكم أخبرني عن محمد بن عبد الله اصادق هو أم كاذب فانه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيرى فقال ابو جهل والله ان محمد الصادق وما كذب محمد قط لكن إذا ذهب بنو قصى باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لساير قريش فانزل الله عز وجل فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ قرأ نافع والكسائي بالتخفيف من الافعال من أكذبه إذا وجده كاذبا والباقون بالتشديد من التفعيل بمعنى نسبته الى الكذب وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ قال ناجية بن كعب قال ابو جهل للنبى صلى الله عليه وسلم لا نتهمك ولا نكذبك ولكنا نكذب التي جئت به وضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على انهم ظلموا لجحودهم او جحدوا لتمرنهم على الظلم والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب يعنى ان تكذيبهم

[سورة الأنعام (6) : آية 34]

إياك راجع الى الله تعالى فانهم انما يكذبونك من حيث الرسالة وتكذيب الرسول من حيث انه رسول تكذيب للمرسل. وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى كذّبهم قومهم كما كذبك قومك وفيه دليل على ان قوله لا يكذبونك ليس على حقيقة بل المراد منه ان تكذيبه صلى الله عليه وسلم راجع الى تكذيب الله سبحانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آذاني فقد أذى الله فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا يعنى على تكذيبهم وإيذائهم حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا جعل غاية الصبر النصر فاصبر أنت ايضا كما صبروا حتى يأتيك النصر ففيه وعد بالنصر وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ اى لمواعيده بالنصرة لانبيائه قال الله تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون وقال انا لننصر رسلنا وقال كتب الله لاغلبن انا ورسلى وجاز ان يكون المعنى لا مبدل لقضائه وكلماته التكوينية يعنى متى لم يأت وقت النصر لا فائدة للاضطراب بل لا بد من الصبر وإذا جاء وقت النصر لا مرد له وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ من زائدة عند الأخفش وتبعيضية عند سيبويه حيث لا يجوز زيادة من فى الكلام الموجب يعنى جاءك ما يكفيك للتسلية من نبأ المرسلين ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا أشد الحرص على ايمان قومه وكان يشق عليه اعراضهم من الايمان وكان إذا سئلوا اية أحب ان يريهم الله تعالى طمعا فى ايمانهم انزل الله تعالى. وَإِنْ كانَ كَبُرَ اى شق عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ عن الايمان بما جئت به فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ تطلب نَفَقاً سريا فِي الْأَرْضِ صفة لنفقا يعنى تطلب منفذا تنفذ الى جوف الأرض فتطلع لهم اية أَوْ سُلَّماً يعنى مصعدا فِي السَّماءِ صفة سلما يعنى تطلب مصعدا جانب العلو تصعد منه الى السماء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ فتنزل منها اية وجواب الشرط الثاني محذوف يعنى فافعل والجملة جواب للشرط الاول والحاصل انك لا تقدر على إتيان اية فلا تتعب وان كبر عليك اعراضهم بل تصبر وَلَوْ شاءَ اللَّهُ هدايتهم أجمعين لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فان مشية العباد مخلوقة لله تعالى تابع للمشية لكنه لم يشأ لحكمة لا يعلمها الا الله ولا تتمالك أنت فلا تتعب واصبر فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ فان اتعاب النفس فيما لا يفيد والجزع

[سورة الأنعام (6) : آية 36]

فى مواضع الصبر من داب الجاهلين او المعنى لا تكونن من الجاهلين بان هدايتهم بمشية الله تعالى لا بمشيتك. إِنَّما يَسْتَجِيبُ دعوتك من أمتك الَّذِينَ يَسْمَعُونَ يعنى الذين يخلق الله تعالى فى قلوبهم علما بحقية المسموع اطلق السمع وأريد به العلم الحاصل بعد ذلك جريا على عادة الله تعالى وَالْمَوْتى يعنى الكافر عبر الله تعالى الكافر بالموتى لان الله تعالى لما طبع على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فلا يخلق فى قلوبهم العلم بحقية ما هو حق وبطلان ما هو باطل فلا ينتفعون بالأسماع والابصار كانوا كالموتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ يوم القيامة ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ فيجازيهم على كفرهم ولا يسمعون الحق ولا يبصرونه قبل ذلك او المعنى والموتى من المؤمن والكافر يبعثهم الله ثم اليه يرجعون بعد البعث فيجازيهم على حسب أعمالهم. وَقالُوا يعنى روساء قريش لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعنى اية مما اقترحوه او اية اخرى سوى ما انزل عليه من الآيات المتكثرة لعدم اعتدادهم بها عنادا قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً مما اقترحوه او اية يضطرهم الى الايمان كنتق الجبل او اية ان جحدوا بعدها هلكوا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ان الله قادر على انزالها او ما عليهم فى انزالها من الاستيصال بعد تكذيب اية ينزل باقتراحهم كما هو عادة الله تعالى. وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ تدب عليها وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ فى الهواء وضعه به تأكيدا وقطعا لاحتمال مجاز السرعة ونحوها الّا امم أَمْثالُكُمْ فى الخلق والموت والبعث وفى الغذاء وابتغاء الرزق والعافية وإصابة البلاء لا مزية لكم عليها الا بمعرفة الله تعالى ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ يعنى فى اللوح المحفوظ مِنْ شَيْءٍ من زائد وشىء فى موضع المصدر اى شيئا من التفريط وليس بمفعول به فان فرط لا يتعدى بنفسه يعنى علم الله تعالى شامل لكل شىء خفى وجلى ولم يهمل فى اللوح المحفوظ امر حيوان ولا جماد او المراد بالكتاب القران فانه قد دون فيه ما يحتاج اليه من امر الدين مفصلا او مجملا ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ يعنى الأمم كلها المشبه والمشبه به فصح الجمع بالواو قال ابن عباس والضحاك حشرها موتها وروى ابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي عن ابى هريرة قال يحشر الخلق كلهم يوم القيامة البهائم و

[سورة الأنعام (6) : آية 39]

الدواب والطير وكل شىء فبلغ من عدل الله تبارك وتعالى ان يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول كونى ترابا فذلك حين يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا وروى البغوي عنه انه قال عليه الصّلوة والسّلام لتؤدن الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء وروى الطبراني فى الأوسط عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أول خصم يقضى فيه يوم القيامة عنزان ذات قرن وغير ذات قرن ونحوه عن ابى ذر عند احمد والبزار والطبراني وروى الحاكم عن ابن عمر ونحوه ولما ذكر من خلائقه واثار قدرته ما يدل على عظمته وشمول علمه وقدرته على البعث والجزاء قال. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ لا يسمعون مثل هذه الآيات المنبهة خبر للموصول وَبُكْمٌ لا ينطقون بالحق معطوف على صم فِي الظُّلُماتِ خبر بعد خبر والمراد بالظلمات ظلمة الكفر والجهل والعناد وتقليد الآباء وجاز ان يكون حالا من المستكن فى الخبر ثم قال إيذانا بان الاهتداء بالآيات وعدمه يتوقف على مشية الله تعالى وانه تعالى يفعل ما يريد مَنْ يَشَأِ اللَّهُ ضلاله يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ هدايته يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى ما هو حق فى نفس الأمر. قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين أَرَأَيْتَكُمْ قرأ نافع ارايتكم وارايتم وأ فرأيت وشبهه إذا كان قبل الراء همزة بتسهيل الهمزة والتي بعد الراء والكسائي يسقطها أصلا وحمزة يوافق نافعا فى الوقف فقط والباقون يحققونها فى الحالين استفهام تعجيب والكاف حرف خطاب أكد به الضمير المرفوع المفرد بناء على شمول الجمع المفرد ولا محل له من الاعراب ومفعولاه محذوفان تقديره ارايتكم الهتكم تنفعكم إذ تدعونها يدل عليهما ما بعده او الفعل فى المعنى متعلق بغير الله تدعون لكنه معلق لان الروية تعلق قبل الاستفهام كما عرف فى موضعه قال البيضاوي الاستفهام للتعجيب فانهم لما عاملوا معاملة من يعلم انه يدعو غير الله فى الابتلاء الشديد نزلهم منزلتهم وتعجيب عن هذا العلم وقال الفراء يقولون ارايتك وهم يريدون أخبرنا قال المحقق التفتازانيّ انما وضع الاستفهام عن العلم او عن روية البصر عن الاستخبار لان الروية بالبصر سبب للعلم والعلم سبب للاخبار فوضع السبب موضع المسبب إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ فى الدنيا كما اتى الأمم الماضية أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ باهوالها أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ بصرف

[سورة الأنعام (6) : آية 41]

العذاب عنكم استفهام انكار فيه تبكيت لهم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ان الأصنام الهة فادعوها وليس الأمر كذلك. بَلْ إِيَّاهُ يعنى الله تعالى تَدْعُونَ قدم المفعول للحصر يعنى لا تدعون فى الشدائد الا الله سبحانه لا غير فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ اى ما تدعونه الى كشفه إِنْ شاءَ كشفه ذلك فى الدنيا دون الاخرة وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ ع يعنى تتركون الهتكم فى ذلك الوقت لما تقرر فى العقول ان القادر على كشف الضر هو الله تعالى لا غير. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ من زائدة فكذبوهم فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ بالشدة والفقر وَالضَّرَّاءِ المرض والآفات لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ اى يتوبون بالتضرع والخشوع عن ذنوبهم التضرع السؤال بالتذلل. فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا يعنى فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا وانما عدل عن نفى التضرع الى صيغة التنديم ليفيد ان ترك التضرع منهم لم تكن من عذر بل كان مع قيام ما يدعوهم اليه وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ فلم ينتبهوا بما ابتلوا به وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فاستحسنوا سيئات أعمالهم استدراك على المعنى وبيان للصارف لهم عن التضرع وانه لا مانع لهم الا قساوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم بتزيين الشيطان. فَلَمَّا نَسُوا تركوا ما ذُكِّرُوا بِهِ ما وعظوا وأمروا به ولم ينتبهوا بالبأساء والضراء ولم يتضرعوا فَتَحْنا قرأ ابن عامر هاهنا وفى الأعراف والقمر وفتحت فى الأنبياء بتشديد التاء فى الاربعة من التفعيل للتكثير وقرأ ابو جعفر فى كل القران بالتشديد والباقون بالتخفيف فى الكل عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ من انواع النعم استدراجا ومكرا بهم عن عقبة بن عامر مرفوعا إذا رايت يعطى العبد فى الدنيا وهو مقيم على معاصيه ما يجب فانما هو استدراج ثم تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نسوا ما ذكروا به الاية والتي بعدها حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا فرح بطر اى بطروا ولم يتوجهوا الى المنعم شكرا كما لم يتضرعوا اليه فى الضراء وقام عليهم حجة بامتخانهم بالسراء والضراء ولم يبق بهم معذرة أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً أخذا فجاة اعجب ما كانت الدنيا لهم فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ آيسون من كل خير. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا فى القاموس الدابر التابع واخر كل شىء

[سورة الأنعام (6) : آية 46]

والأصل والمعنى انهم اهلكوا كلهم ولم يبق منهم أحد حتى يتوالد فقطع نسلهم فقطع الدابر اما باعتبار هلاك الأصول او باعتبار قطع الاتباع والفروع وضع المظهر موضع المضمر ليدل على ان هلاكهم كان لاجل ظلمهم وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على إهلاكهم حمد نفسه عند هلاك الظلمة لانه نعمة جليلة من حيث دفع شرهم عن المؤمنين وتطهير الأرض عن العقائد والأعمال الفاسدة الموجبة لنزول العذاب ووصف نفسه برب العالمين لان مقتضى ربوبية العالم إهلاك الظلمة وفيه إيذان بوجوب الحمد عند هلاك من لم يحمد لله ثم دل على قدرته وتوحيده بقوله. قُلْ يا محمد أَرَأَيْتُمْ ايها المشركون إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ بان اصمكم واعميكم وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ بان يغشها بما يزول به عقولكم وجواب الشرط محذوف يدل عليه قوله مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ يعنى لا يأتكم به أحد والجملة الشرطية فى موضع المفعولين لرايتم والاستفهام للتقرير يعنى قد علمتم انه لا يأتيكم أحد بشئ مما ذكره ان اخذه الله انْظُرْ يا محمد كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ فى القاموس صرف الآيات تبيينها كذا قال البغوي يعنى نبيّن العلامات الدالة على التوحيد وقال البيضاوي معناه نكررها تارة من جهة المقدمات العقلية وتارة من حيث الترغيب والترهيب وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ اى يعرضون عنها وثم لاستبعاد الاعراض بعد تصريف الآيات وظهورها. قُلْ يا محمد أَرَأَيْتَكُمْ ايها المشركون إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً منصوبان على المصدرية او على الحالية يعنى اتيانا بغتة فجاة من غير تقدم امارة إتيانه او اتيانا جهرة اى ظاهرة قبل إتيانه بتقدم اماراته او المعنى أتاكم عذابه حال كونه مباغتا اى مفاجيا او مجاهرا وقال ابن عباس والحسن معناه ليلا او نهارا هَلْ يُهْلَكُ استفهام انكار ومعناه النفي ومن ثم جاز الاستثناء المفرغ فالتقدير ما يهلك إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ على أنفسهم بالكفر. وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ المؤمنين بالجنة وَمُنْذِرِينَ الكافرين بالنار يعنى ما نرسلهم قادرين على إتيان الآيات المقترحة وهداية من لم يشأ الله هدايته ولا على شىء اخر من الأحوال التي يتوقعها الكفار الا حال كونهم مبشرين ومنذرين فَمَنْ

[سورة الأنعام (6) : آية 49]

آمَنَ بما جاؤا به وَأَصْلَحَ عمله طمعا فيما بشروا به وخوفا مما حذروه من النار فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من العذاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ بفوات الثواب. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا المبشرة والمنذرة يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ جعل العذاب ما سالهم كانه حى يفعل بهم ما يريد بِما كانُوا يَفْسُقُونَ اى بسبب خروجهم عن الايمان والطاعة. قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ اى مقدوراته او خزائن رزقه وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ عطف على عندى خزائن الله ولا زائدة يعنى لا أقول لكم اعلم الغيب ما لم يوح الىّ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ من الملئكة حتى ينافى دعوى الاكل والشرب والنكاح يعنى لا أقول لكم شيئا يجب إنكاره عقلا او يستدعى اقتراح الآيات إِنْ أَتَّبِعُ فى تعليم العلوم وتبليغ الاحكام شيئا إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ يعنى انما ادعى النبوة واتصدى بما يتصدى له الأنبياء ولا استحالة فيه بل هو جائز عقلا واقع تواتر به الاخبار عن الأنبياء الماضين فيه رد على استبعادهم دعواه وجزمهم على فساد مدعاه وقال البغوي هذه الاية نزلت حين اقترحوا الآيات يعنى قل لهم لا أقول لكم عندى خزائن الله حتى اجعل لكم الصفا ذهبا وأعطيكم ما تريدون ولا اعلم الغيب حتى أخبركم بما مضى وما سيكون من غير وحي من الله ولا أقول لكم انى ملك حتى لا احتاج الى الاكل والشرب والنكاح ان اتبع الا ما يوحى إليّ قُلْ يا محمد هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى يعنى الذي لا يمتاز بين الحق والباطل فينكر ما لا يجوز إنكاره ويصدق ما لا يجوز تصديقه وَالْبَصِيرُ الذي يمتاز بينهما فيصدق من يدعى النبوة بعد شهادة الآيات والمعجزات ويكذب من يدعى ان مع الله الهة اخرى ويقول للحجارة هؤلاء شفعاءنا عند الله وان الملئكة بنات الله ويقول بتحريم السوائب مثلا بلا دليل أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ فتهتدوا للامتياز بين الحق والباطل وما يجب تصديقه وما لا يجوز القول به. وَأَنْذِرْ بِهِ اى خوف بما يوحى الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا اى يجمعوا ويبعثوا إِلى رَبِّهِمْ قال البيضاوي أراد بالموصول المؤمنون المفرّطون فى العمل او المجوزون الحشر مومنا كان او كافرا مقرا به من اهل الكتاب او مترددا فيه فان الانذار ينجع فيهم دون الفارغين الجازمين باستحالته والباعث له على هذا القول كون الخوف صلة له وهذا ليس بشئ لان الأمر بالإنذار

[سورة الأنعام (6) : آية 52]

لم يكن مختصا بمن ذكر بل امره الله تعالى بان يقول اوحى الىّ هذا القران لانذركم به ومن بلغ وايضا لا وجه لتخصيص الانذار بالمفرطين فان المجتهدين فى العمل ايضا ينفعهم الانذار كيلا يخرجوا من اجتهادهم كيف ولم يكن من المؤمنين فى خير القرون مفرط بل كلهم كانوا مجتهدين فالاولى ان يقال المراد بالموصول من كان من شانه ان يخاف فيعم الناس أجمعين فان العبد المقهور حقيق ان يخاف الخالق القهار او يقال خص الخائفون بالذكر لانهم هم المنتفعون بالإنذار لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ اى من دون الله وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ الجملة فى موضع الحال من الضمير فى يحشروا فان المخوف هو الحشر فى هذا الحال يعنى يحشرون غير منصورين ولا مشفوعا لهم قلت وجاز ان يكون مضمون هذه الجملة بدلا من الضمير المجرور فى انذر به يعنى انذر بان ليس لهم من دون الله من ولى ولا شفيع فلا يعبدوا ولا يدعوا الا إياه فان قيل هذه الاية ينفى الولاية والشفاعة لغير الله تعالى من الأولياء والأنبياء قلنا لا بل ولاية الأولياء وشفاعتهم انما هى بإذن الله تعالى فهى ولاية الله تعالى وشفاعته لا غير لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اى لكى يتقوا روى احمد والطبراني وابن ابى حاتم عن ابن مسعود قال مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خبّاب وصهيب وبلال وعمار فقالوا يا محمد رضيت بهؤلاء أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا لو طردت هؤلاء لاتبعناك فانزل فيهم القران وانذر به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم الى قوله سبيل المجرمين وروى ابن حبان والحاكم عن سعد ابن ابى وقاص قال لقد نزلت هذه الاية فى ستة انا وعبد الله بن مسعود واربعة قالوا يعنى كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم اطردهم فانا نستحيى ان نكون تبعا لك كهولاء فوقع فى نفس النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله فانزل الله تعالى وروى مسلم بلفظ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون اطردهم لا يجترؤا علينا قال كنت انا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسمها فوقع فى نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ان يقع فحدث نفسه فانزل الله تعالى. وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ اى يعبدونه ويذكرونه فان عبادة الكريم وذكره داع الى انعامه وقيل المراد منه حقيقة الدعاء بِالْغَداةِ قرأ ابن عامر هاهنا

[سورة الأنعام (6) : آية 53]

وفى سورة الكهف بضم الغين وسكون الدال وواو مفتوحة والباقون بفتح الغين وو الدال والالف وَالْعَشِيِّ قال ابن عباس يعنى صلوة الصبح والعصر ويروى عنه ان المراد منه الصلوات الخمس وذلك ان ناسا من الفقراء كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال ناس من الاشراف إذا صلينا فاخّره هؤلاء ليصلوا خلفنا فنزلت الاية يُرِيدُونَ وَجْهَهُ حال من فاعل يدعون يعنى يدعون مخلصين فان الإخلاص ملاك الأمر رتب النهى عليه اشعارا بانه يقتضى إكرامهم وينافى طردهم ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ من زائدة وشىء اسم ما والظرف خبره ومن حسابك وكذا من حسابهم حال من الظرف يعنى ان الطرد وترك المجالسة انما يجوز بل يجب إذا أضر مجالسة أحدهما صاحبه وليس فلا يجوز او المعنى لا يضرك حسابهم بل ينفعك فانهم يأتون بالحسنات وثواب حسنات الامة راجع الى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يضرهم حسابك بل ينفعهم فانك قد بلغتهم وأرشدتهم وهديتهم والجملة المنفية فى موضع الحال من الموصول فى لا تطرد الذين ويمكن ان يكون ضمير حسابهم وعليهم راجعا الى المشركين والمعنى لا تواخذ بحساب المشركين ولا هم بحسابك حتى يهمك ايمانهم بحيث تطرد المؤمنين طمعا فيه فَتَطْرُدَهُمْ منصوب على جواب النفي يعنى ما ثبوت حسابهم عليك فتطردهم منك فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ منصوب على جواب النهى يعنى لا يكن منك طردهم فكونك من الظالمين. وَكَذلِكَ الكاف زائدة كما فى قوله تعالى ليس كمثله شىء والمشار اليه ضلال رؤساء قريش واسم الاشارة منصوب المصدرية بقوله تعالى فَتَنَّا يعنى اضللنا ذلك الضلال بَعْضَهُمْ اى بعض الناس يعنى كفار قريش بِبَعْضٍ اى ببعضهم يعنى فقراء المؤمنين حيث امتنعوا من الإسلام بسببهم قال التفتازانيّ شاع هذا التركيب فى معنى فتنا بعضهم ببعض ذلك الفتن ولا يراد به مثل ذلك الفتن او يقال معناه مثل ذلك الفتنة التي فتنا رؤساء قريش فتنا بعض الناس ببعض فى الأمم السابقة حيث قال قوم نوح ما نريك الا بشرا مثلنا وما نريك اتبعك الا الذين هم أراذلنا بادى الرأي وقال نوح ما انا بطارد الذين أمنوا وقال البيضاوي معناه مثل ذلك الفتن وهو اختلاف الناس فى امور

الدنيا بالفقر والغناء فتنا يعنى ابتلينا بعضهم ببعض فى امر الدين فقد منا هؤلاء الضعفاء على اشراف قريش بالسبق الى الايمان لِيَقُولُوا اى الأغنياء واللام للعاقبة أَهؤُلاءِ الفقراء مَنَّ اى أنعم اللَّهُ عَلَيْهِمْ بالهداية والتوفيق لما يسعدهم مِنْ بَيْنِنا دوننا انكار لتخصيص الفقراء باصابة الحق والسبق الى الخير وحاصله لو كان خيرا ما سبقونا اليه أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ يعنى بالذين هم مستعدون للشكر فيوفقهم له وبمن ليس فى استعداده قبول الايمان والشكر فيخذله وهذه الاية تدل على ان الاستعداد يسبق الوجود كما قال المجدد رضى الله عنه ان مربيات تعينات المؤمنين ظلال اسم الله تعالى الهادي ومربيات تعينات الكفار ظلال اسم الله تعالى المضل فلا يمكن لاحد من الفريقين ان يصدر منه الا ما خلق منه وخلق لاجله وجاز ان يكون معنى قول الكفارا هؤلاء الفقراء الأراذل منّ الله عليهم بتخصيص صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم دوننا فقال الله تعالى أليس الله بأعلم بالشاكرين فان الشاكرين هم الاحقاء بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم دون الأغنياء قال البغوي قال سلمان وخباب بن الأرت فينا نزلت هذه الاية جاء الأقرع ابن حابس التميمي وعيينة بن حصين الفزاري وغيرهم من المؤلفة فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وصهيب وعمار وخباب فى ناس من ضعفاء المؤمنين فلما راوهم حوله حقروهم فاتوا وقالوا يا رسول الله لو جلست فى صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم وكان عليهم جباب صوف لم يكن عليهم غيرها لجالسناك وأخذنا عنك فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما انا بطارد المؤمنين فقالوا فانا نحب ان تجعل لنا منك مجلسا تعرف العرب فضلنا فان وفود العرب تأتيك فنستحيى ان يرانا العرب مع هؤلاء الا عبد فاذا نحن جئناك فاقمهم عنا فاذا نحن فرغنا فاقعد معهم ان شئت قال نعم قالوا اكتب لنا عليك بذلك كتابا قال فدعا بالصحيفة ودعا عليا ليكتب قال ونحن قعود فى ناحية إذ نزل جبرئيل بقوله تعالى ولا تطرد الذين الى قوله بالشاكرين فالقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ثم دعانا فاتيناه وهو يقول سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة فكنا نقعد معه فاذا أراد ان يقوم قام وتركنا فانزل الله عز وجل واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم

[سورة الأنعام (6) : آية 54]

بالغدوة والعشى يريدون وجهه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعدو وندنوا منه حتى كادت ركبتنا تمس ركبته فاذا بلغ الساعة التي يقوم فيه قمنا وتركنا حتى يقوم وقال لنا الحمد لله الذي لم يمتنى حتى أمرني ان اصبر مع قوم من أمتي معكم المحيي والممات وقال الكلبي قالوا له اجعل لنا يوما ولهم يوما قال لا افعل قالوا فاجعل المجلس واحدا فاقبل علينا وولّ ظهرك عليهم فانزل الله تعالى هذه الاية وروى ما ذكر البغوي عن سلمان وخباب وابن جرير وابن ابى حاتم وغيرهما عن خباب وزادوا ثم ذكر الله تعالى الأقرع وصاحبه فقال وكذلك فتنا بعضهم ببعض الاية قال ابن كثير هذا غريب فان الاية مكية والأقرع وعيينة انما أسلما بعد الهجرة بدهر وروى البغوي بسنده عن ابى سعيد الخدري جلست فى نفر من المهاجرين وان بعضهم ليستتر ببعض من العرى وقارئ يقرأ علينا إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن القاري فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ما كنتم تصنعون قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاريا يقرأ علينا فكنا نسمع الى كتاب الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرني ان اصبر نفسى معهم ثم جلس وسطنا ليعدل نفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتحلقوا وبرزت وجوههم له قال فما رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف منهم أحدا غيرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابشروا يا معاشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة يدخلون الجنة قبل اغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقدار خمسمائة سنة واخرج ابن جرير عن عكرمة قال جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدى والحارث بن نوفل فى اشراف بنى عبد مناف من اهل الكفر الى ابى طالب فقالوا لو ان ابن أخيك يطرد عنه هؤلاء الا عبد كان أعظم فى صدورنا وأطوع له عندنا واولى لاتباعنا إياه فكلم ابو طالب النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر بن الخطاب لو فعلت ذلك حتى تنتظر ما الذي يريدون فانزل الله وانذر به الذين يخافون الى قوله أليس الله بأعلم بالشاكرين وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى ابى حذيفة وصبيحا مولى أسيد وابن مسعود والمقداد بن عبد الله وواقد ابن عبد الله الحنظلي وأشباههم فاقبل عمر فاعتذر من مقالته فنزل. وَإِذا جاءَكَ

[سورة الأنعام (6) : آية 55]

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ قال عكرمة نزلت فى الذين نهى الله عز وجل نبيه عن طردهم فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا راهم بدأهم بالسّلام وقال عطاء نزلت فى ابى بكر وعمر وعثمان وعلى وبلال وسالم وابى عبيدة ومصعب بن عمير وحمزة وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر وأرقم بن الأرقم وابى سلمة بن عبد الأسد رضى الله عنهم أجمعين واخرج الفريابي وابن ابى حاتم عن ماهان قال جاء ناس الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا انا أصبنا ذنوبا عظاما فما رد عليهم شيئا فانزل الله تعالى وإذا جاءك الذين يؤمنون باياتنا فقل سلام عليكم كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بان يبدأهم بالتسليم او يبلغ سلام الله إليهم ويبشرهم بوجوب الرحمة من الله لهم بوعده المؤكد تفضلا بعد بشارتهم بالسلامة مما يكره المستفاد من السّلام أَنَّهُ الضمير للشان قرأ نافع وابن عامر وعاصم بفتح الهمزة على انه بدل من الرحمة او بتقدير الباء والباقون بالكسر على الاستيناف على انه تفسير للرحمة مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ فى موضع الحال اى من عمل سوءا جاهلا بحقيقة ما يتبعه....... من المضار والمفاسد او متجاهلا بارتكاب ما يودى الى الضرر من افعال اهل الجهل وذلك التجاهل انما هو لغلبة شهوة النفس فمفعول الجهالة على التقدير الاول محذوف وعلى التقدير الثاني لا يقتضى المفعول ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ اى بعد السوء يعنى رجع عن ذنبه بان ندم على ما فعل وعزم على ان لا يفعل ابدا وَأَصْلَحَ عمله فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب انه بفتح الهمزة على انه خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره محذوف يعنى فامره انه تعالى غفور رحيم او فله انه تعالى غفور والباقون بالكسر والفاء تدل على ان التوبة سبب للغفران. وَكَذلِكَ يعنى كما فصلنا لك فى هذه السورة نُفَصِّلُ الْآياتِ آيات القران او دلائلنا فى كل حق ينكره الكافرون وَلِتَسْتَبِينَ قرأ ابو بكر وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة وتذكير الفاعل وابن كثير وابو عمرو وابن عامر وحفص بالتاء على تأنيث الفاعل الغائب ورفع كلهم سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ع على الفاعلية والسبيل يذكر ويؤنث وقرأ نافع لتستبين بالتاء على الخطاب اى لتستوضح يا محمد وسبيل منصوبا على المفعولية والعطف على مقدر تقديره ليظهر الصراط المستقيم ولتستبين

[سورة الأنعام (6) : آية 56]

سبيل المجرمين. قُلْ إِنِّي نُهِيتُ اى صرفت وزجرت بالآيات والادلة العقلية والآيات القرآنيّة السمعية أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعنى ما تدعونها وتسمونها الهة وتعبدونها من دون الله قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ تأكيد لقطع اطماعهم وبيان لان ما هم عليه انما هو امر لا دليل عليه سمعا ولا عقلا بل بتبعية الهوى وتعليل لتركه موافقتهم وتنبيه لمن طلب الحق ان يتبع الحجة ولا يقلد قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً يعنى إذا اتبعت أهواءكم فقد ضللت وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ حينئذ وفيه تعريض بانهم ليسوا بمهتدين. قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ تنبيه على ما يجب اتباعه بعد بيان ما لا يجوز اتباعه يعنى انى على برهان وبصيرة مِنْ رَبِّي صفة لبينة أو صلة له يعنى بينة كائنة من ربى او بينة من معرفة ربى وانه لا معبود سواه وَكَذَّبْتُمْ بِهِ الضمير راجع الى البينة باعتبار المعنى يعنى كذبتم بالبرهان او راجع الى ربى والمعنى كذبتم بربي حيث أشركتم به ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب حيث تقولون ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم او المراد ما تستعجلون به من القيامة قال الله تعالى يستعجل بها الذين لا يومنون بها إِنِ الْحُكْمُ فى تعجيل العذاب وتأخيره وإتيان القيامة لاحد إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ قرأ نافع وابن كثير وعاصم بالصاد المهملة المشددة يعنى يقول ويبين الْحَقَّ ويفصله او يتبع الحق والحكم من قص اثره والباقون بالضاد المعجمة المكسورة بحذف الياء من يقضى لاجتماع الساكنين وصلا وكذا وقفا اتباعا للخط يعنى يحكم بالحق وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ الحاكمين والمظهرين. قُلْ يا محمد لَوْ ثبت أَنَّ عِنْدِي اى فى قدرتى ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب او إتيان القيامة لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ اى فرغ من العذاب وأهلكتم وانقطع ما بينى وبينكم من المنازعة او المعنى لقضى بإحقاق الحق وابطال الباطل اليوم بقيام الساعة ما يقضى بينى وبينكم أجلا يوم القيامة قال الله تعالى ثم اليه مرجعكم ثم يحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ولما كان قوله لقضى الأمر بينى وبينكم مجملا لم يتعين فيه مورد العذاب يبيّنه بقوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ فيهلكهم على مقتضى حكمة. وَعِنْدَهُ تعالى دون عند غيره يستفاد الحصر من تقديم الظرف مَفاتِحُ الْغَيْبِ مفاتح جمع

مفتح بفتح الميم وهو المخزن او جمع مفتح بكسر الميم بمعنى المفتاح وهو ما يتوصل به الى شىء مغلق والمراد بمفتاح الغيب علمه فان بالعلم يدرك المعلوم كانه وصلة والمراد بالغيب ما لم يوجد بعد كاخبار المعاد ومن هذا القبيل ان المطر هل ينزل او لا ومتى ينزل ومنه ما تكسب نفس غدا وانه باى ارض تموت او وجد ولم يظهر الله تعالى على أحد ومنه ما فى الأرحام ومعنى عنده خزائن الغيب احاطة علمه بها كانه موجود عنده تعالى روى البغوي بسنده عن ابن عمر انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا الله لا يعلم ما يغيض الأرحام أحد الا الله ولا يعلم ما فى الغد أحد الا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد الا الله ولا تدرى نفس باى ارض تموت ولا يعلم متى تقوم الساعة أحد الا الله وكذا روى احمد والبخاري وفى الصحيحين فى حديث ابى هريرة فى قصة سوال جبرئيل انه عليه السلام قال فى خمس يعنى الساعة لا يعلمهن الا الله ثم قرأ ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث الاية قلت وليست خزائن الغيب منحصرة فى الخمس المذكورة بل كل ما لم يوجد او لم يظهر بعد وقال الضحاك مفاتح الغيب خزائن الأرض وعلم نزول العذاب وقال عطاء ما غاب عنكم من الثواب والعقاب وقيل انقضاء الآجال وقيل احوال العباد من السعادة والشقاوة وخواتيم أحوالهم ولا تعارض بين هذه الأقوال بناء على ما قلت لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ تنصيص بما أشير اليه من حصر علم الغيب به تعالى يعنى لا يعلم شيئا من المغيبات الا الله تعالى ولا يعلم غيره منها الا بتوقيفه وهو سبحانه يعلم أوقاتها وما فى تعجيلها وتأخيرها من الحكمة وفيه دليل على انه تعالى يعلم الأشياء قبل وجودها وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ من النبات والدواب وغيرها وَالْبَحْرِ من الحيوانات والجواهر وغيرها هذه الجملة للاخبار عن تعلق علمه بالموجودات المشاهدات عطف على الاخبار عن علمه تعالى بالمغيبات وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها مبالغة فى احاطة علمه بالجزئيات بعد ما علم ذلك فيما سبق فان ما للنفى ومن للاستغراق اى يعلم عددها وأحوالها قبل السقوط وبعده وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ قال ابن عباس الرطب الماء واليابس البادية وقال عطاء ما ينبت وما لا ينبت وقيل الحي والميت والصحيح انه عبارة عن كل شىء قوله وَلا حَبَّةٍ

[سورة الأنعام (6) : آية 60]

مع ما عطف عليه معطوف على ورقة والعطف يشاركهما فى الصفة اعنى لا يعلمها فكانه قال ولا رطب ولا يابس الا يعلمها فقوله تعالى إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ بدل من الاستثناء الاول من بدل الكل على ان الكتاب المبين علم الله تعالى او بدل اشتمال ان أريد به اللوح المحفوظ او يقال حبة معطوف على ورقة والا فى كتاب مبين معطوف على الا يعلمها عطف المعمولين على المعمولين بفعل واحد. وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ اى ينيمكم فان النوم أحد اقسام التوفى وأصله قبض الشيء بتمامه او هو مستعار من الموت بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ اى كسبتم بالجوارح بِالنَّهارِ خص النوم بالليل والكسب بالنهار نظرا الى الغالب المعتاد وتخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفى الحكم عما عداه ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ اى فى النهار فيه تقديم وتأخير تقديره يتوفيكم بالليل ثم يبعثكم فى النهار ويعلم ما جرحتم به ووجه التقديم الاهتمام بذكر الكسب لِيُقْضى اى ليؤخر أَجَلٌ مُسَمًّى للموت سمى ذلك الاجل حين كان جنينا فى بطن امه بل فى الأزل ثُمَّ إِلَيْهِ اى الى حكمه تعالى بجزاء ما كسبتم مَرْجِعُكُمْ بعد الموت ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ يوم القيامة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ع عند الحساب فيجازيكم عليه فى الاية السابقة تنبيه على شمول علمه تعالى وفى هذه الاية على كمال قدرته وايماء بالاستدلال بما نشاهد من قدرته على الاحياء بعد النوم التي هى اخت الموت على البعث بعد الموت. وَهُوَ الْقاهِرُ الغالب الذي لا يتصور من أحد مقاومة فى إنفاذ المراد فَوْقَ عِبادِهِ تصوير للغلبة والاستعلاء وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً يحفظون أعمالكم ويكتبونها فى الصحف وينشر تلك الصحف يوم القيامة ليظهر المطيع من العاصي على رؤس الاشهاد حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ غاية لارسال الحفظة او غاية للغلبة يعنى بلغت غلبته الى انهم لا يقدرون على مخالفته فى قبض أرواحهم تَوَفَّتْهُ جواب إذا قرأ حمزة توفاه بالألف الممال على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث رُسُلُنا اخرج ابن ابى حاتم وابن ابى شيبة عن ابن عباس ان المراد بهم أعوان ملك الموت من الملئكة وكذا اخرج ابو الشيخ عن النخعي وذكر السيوطي عن وهب بن منبه قال ان الملئكة الذين يقربون بالناس هم الذين يتوفونهم ويكتبون اجالهم فاذا توفى الأنفس

اجالهم دفعوها الى ملك الموت وهو كالعاقب اى العشار الذي يودى اليه من تحته واخرج ابن حبان وابو الشيخ عن الربيع بن انس انه سئل عن ملك الموت هل هو وحده الذي يقبض الأرواح قال هو الذي يلى امر الأرواح وله أعوان على ذلك غير ان ملك الموت هو الرئيس وكل خطوة منه من المشرق الى المغرب قلت اين تكون أرواح المؤمنين قال عند سدرة المنتهى قال القرطبي لا منافاة بين قوله تعالى توفته رسلنا وقوله تعالى يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم وقوله تعالى الله يتوفى الأنفس لان اضافة التوفى الى ملك الموت لانه المباشر للقبض والى الملئكة الذين هم أعوانه لانهم يأخذون فى جذبها فهو قابض وهم معالجون والى الله تعالى لانه هو الفاعل على الحقيقة يعنى افعال العباد مخلوقة له تعالى وقال القرطبي انه فى الخبر انه ينزل عليه اى على الميت اربعة من الملئكة ملك يجذب النفس من قدمه اليمنى وملك يجذبها من قدمه اليسرى وملك يجذبها من يده اليمنى وملك يجذبها من يده اليسرى ذكره ابو حامد وقال الكلبي يقبض ملك الموت الروح من الجسد ثم يسلمها الى ملئكة الرحمة او ملئكة العذاب واخرج جويبر فى تفسيره عن ابن عباس قال قال ملك الموت هو الذي يتوفى الأنفس كلها وقد سلط على ما فى الأرض كما سلط على ما فى راحته ومعه ملئكة من ملئكة الرحمة والعذاب فاذا توفى نفسا طيبة دفعها الى ملئكة الرحمة وإذا توفى نفسا خبيثة دفعها الى ملئكة العذاب واخرج ابن ابى الدنيا وابو الشيخ عن ابن المثنى الحمصي نحوه ويدل على هذا ما روى احمد وابو داؤد والحاكم وابن ابى شيبة والبيهقي وغيرهم من طرق صحيحة فى حديث طويل عن البراء بن عازب وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا واقبال من الاخرة نزل اليه ملئكة بيض الوجوه كأنّ وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت عليه السّلام حتى يجلس عند راسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجى الى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فياخذها يعنى ملك الموت فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها فى ذلك الكفن وفى ذلك الحنوط الحديث وذكر فى الكافر انه ينزل ملئكة سود الوجوه

معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند راسه فذكر الحديث نحوه انه يقبض فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين الحديث واخرج ابن ابى حاتم عن زهير بن محمد قال قيل يا رسول الله ملك الموت واحد والزحفان يلتقيان من المشرق والمغرب وما بين ذلك من السقط والهلاك فقال انه حوى الدنيا لملك الموت حتى جعلها كالطست بين يدى أحدكم فهل يفوته منها شىء واخرج ابن ابى الدنيا وابو الشيخ عن اشعث بن اسلم قال سال ابراهيم عليه السّلام ملك الموت واسمه عزرائيل وله عينان فى وجهه وعينان فى قفاه فقال يا ملك الموت ما تصنع إذا كانت نفس بالمشرق ونفس بالمغرب ووقع الوباء بأرض والتقى الزحفان كيف تصنع قال ادعوا الأرواح بإذن الله فيكون بين إصبعي هاتين قال ودحيت له الأرض فتركت كالطست يتناول منها حيث يشاء واخرج ان ملك الموت قال ليعقوب حين سأله ان الله سخر لى الدنيا فهى كالطست يوضع قدام أحدكم فيتناول من اى أطرافه شاء كذلك الدنيا عندى واخرج فى الزهد وابو الشيخ وابو نعيم عن مجاهد قال جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول من حيث شاء وجعل له أعوانا يتوفى الأنفس ثم يقبضها منهم قلت وتحقيق المسألة بالنظر الى الأحاديث والآثار ان الله سبحانه جعل ملك الموت بحيث نسبته الى جميع الأرض والأقطار على السواء كالشمس فى المشاهدات وجعل نفسه بحيث لا يغنيه شان عن شان وكذلك يجعل لنفوس بعض أوليائه فانهم يظهرون ان شاء الله تعالى فى ان واحد فى امكنة شتى بأجسادهم المكتسبة وجعل لملك الموت أعوانا فى جذب النفوس هم كالجوارح له وتنزل عند كل ميت مومن او كافر جمع من الملئكة بأكفان من الجنة او النار فياخذون روحه من ملك الموت ويرتقون به الى السماء فالمراد برسلنا فى هذه الاية اما أعوان ملك الموت واما الملئكة الذين يرتقون بالأرواح وياخذونها من ملك الموت وقيل أراد بالرسل ملك الموت وحده فذكر الواحد بلفظ الجمع وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ اى لا يقصرون بالتواني والتأخير ولا يقدرون على قبض الأرواح الا بعد اذنه تعالى اخرج الطبراني وابن مندة وابو نعيم عن الحارث بن الخزرج ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر الى ملك الموت عند راس رجل من الأنصار فقال يا ملك الموت ارفق بصاحبى فانه مومن فقال ملك الموت طب نفسا وقر عينا واعلم انى لكل مومن رفيق واعلم

[سورة الأنعام (6) : آية 62]

يا محمد انى لاقبض روح ابن آدم فاذا صرخ صارخ من اهله قمت فى الدار ومعى روحه فقلت يا هذا الصارخ والله ما ظلمناه ولا سبقنا اجله ولا استعجلنا قدره وما لنا فى قبضة من ذنب فان ترضوا بما صنع الله توجروا وان تسخطوا تأثموا وتوزروا وان لنا عندكم عودة بعد عودة فالحذر الحذر وما من اهل بيت شعر ولا مدربر ولا فاجر سهل ولا جبل الا وانا أتصفحهم فى يوم وليلة حتى لانا اعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بانفسهم والله لو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت.... على ذلك حتى يكون الله هو يأذن بقبضها واخرج ابن ابى الدنيا وابو الشيخ عن الحسن نحوه قال جعفر بن محمد بلغني انه انما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة فاذا نظر عند الموت فان كان ممن يحافظ على الصلوات الخمس دنا منه ملك الموت وطرد عنه الشياطين ويلقنه لا اله الا الله محمد رسول الله فى ذلك الحال العظيم. ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ اى مالكهم الْحَقِّ المراد بهذه الاية اما ودهم الى الله تعالى عرضهم على الحساب يوم القيامة كما تدل عليه كلمة ثم واما بعد الموت يرتقون بهم ملئكة الرحمة والعذاب كما ورد فى ذلك الحديث الطويل عن البراء بن عازب قال فيصعدون بها يعنى المؤمن فلا يمرون على ملأ من الملئكة الا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونها فى الدنيا حتى ينتهوا الى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها الى السماء التي تليها حتى ينتهى بها الى السماء السابعة فيقول الله اكتبوا كتاب عبدى فى عليين واعيدوه الى الأرض الحديث وقال فى الكافر فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة الا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى به فى الدنيا حتى ينتهى بها الى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفتح لهم أبواب السماء الاية فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه فى سجين فى الأرض السفلى فيطرح روحه طرحا ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يشرك بالله فكانما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوى به الريح فى مكان سحيق الحديث أَلا لَهُ الْحُكْمُ لا لغيره وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ لا يشغله حساب عن حساب وفى الحديث يحاسب الخلق كلهم فى قدر نصف نهار من ايام الدنيا. قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ قرأ يعقوب بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل

[سورة الأنعام (6) : آية 64]

مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ يعنى من شدائدهما ومهالكهما استعيرت الظلمة للشدة لمشاركتهما فى الهول كانوا إذا سافروا فى البر او البحر فضلّوا الطريق وأحيطوا بالصواعق او الأمواج او غيرها من البليات والمصائب دعوا الله مخلصين له الدين لعلمهم ان الأوثان حجارة لا تضر ولا تنفع تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً مصدر بمعنى الفاعل حال من ضمير الفاعل فى يدعونه والجملة حال من ضمير المفعول فى ينجيكم والتضرع التذلل والمبالغة فى السؤال وَخُفْيَةً قرأ ابو بكر عن عاصم هنا وفى الأعراف بكسر الخاء والباقون بالضم وهما لغتان يعنى مسرين فان الاسرار سنة الدعاء والذكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم لا تدعون أصم ولا غائبا والمعنى تدعون الله بالتضرع والإخلاص فان الاسرار بالدعاء ابعد من الرياء وادل على الإخلاص لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ الظلمة والشدة بتقدير القول بيان لتدعونه يعنى تقولون لئن أنجيتنا قرأ الكوفيون أنجانا على صيغة الغائب والباقون بصيغة الخطاب لله تعالى لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لله تعالى والشكر هو معرفة النعمة مع القيام بحقها يعنى صرفها فى رضاء المنعم. قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ قرأ الكوفيون وهشام مشددا من التفعيل على طبق السؤال والباقون بالتخفيف من الافعال مِنْها اى من تلك الشدة وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ غاية الغم ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ تعوون الى الشرك ولا توفون بالعهد وتعلمون ان الله هو الذي ينجيكم وتشركون معه الأصنام التي قد علمتم انها لا تضر ولا تنفع وفى وضع تشركون موضع لا تشكرون كمال توبيخ وتنبيه على ان من أشرك فى عبادة الله فكانه لم يعبد الله راسا وكلمة ثم ليس للتراخى فى الزمان بل لكمال البعد بين الإحسان والإشراك. قُلْ هُوَ اى الله هو الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ كما فعل بقوم نوح وعاد وقوم لوط واصحاب الفيل أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ كما فعل بقوم نوح من نبع الأرض وإغراق فرعون وخسف قارون عن ابن عباس ومجاهد من فوقكم السلاطين الظلمة ومن تحت أرجلكم العبيد السوء وقال الضحاك من فوقكم اى من قبل كباركم ومن تحت أرجلكم من قبل صغاركم وقيل حبس المطر والنبات أَوْ يَلْبِسَكُمْ اى يخلطكم شِيَعاً فرقا متفرقين على أهواء شتى ويكون القتال بينكم وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ البأس العذاب والشدة فى الحرب كذا فى القاموس يعنى يقتل بعضكم بعضا

[سورة الأنعام (6) : آية 67]

عن جابر بن عبد الله قال لما نزلت هذه الاية قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بوجهك الكريم او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أهون وهذا أيسر رواه البخاري وغيره. (فائدة) ظهر تاويل هذه الاية بعد خمس وثلثين سنة من الهجرة حين قاتل المسلمون فى وقعة جمل وصفين وغير ذلك- وعن سعد بن ابى وقاص قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بنى معاوية فدخل فصلى ركعتين فصلينا معه فناجى ربه طويلا ثم قال سالت ربى ثلثة سالته ان لا يهلك أمتي بالغرق فاعطانيها وسالته ان لا يهلك أمتي بالسنة فاعطانيها وسالته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها رواه البغوي وعن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري ان عبد الله بن عمر جاءهم ثم قال ان النبي صلى الله عليه وسلم دعا فى مسجد فسال الله ثلثا فاعطاه اثنتين ومنعه واحدة ساله ان لا يسلط على أمته عدوا من غيرهم يظهر عليهم فاعطاه ذلك وسالهم ان لا يهلكهم بالسنين فاعطاه ذلك وساله ان لا يجعل بأس بعضهم على بعض فمنعه ذلك رواه البخاري واخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن اسلم قال لما نزلت قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم الاية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف قالوا ونحن نشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله فقال بعض الناس لا يكون هذا ابدا يعنى ان يقتل بعضكم بعضا ونحن مسلمون فنزلت انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ بالوعد والوعيد لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ اى بالعذاب او بالقران. قَوْمُكَ اى كفار قريش وَهُوَ الْحَقُّ الواقع لا محالة او الصدق قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ اى مسلطا من الله عليكم وكّل الىّ أمركم ألزمكم الإسلام لا محالة او اجازيكم ان أبيتم. لِكُلِّ نَبَإٍ خبر من اخبار القران من العذاب النازل بالكفار وغيره مُسْتَقَرٌّ وقت استقرار ووقوع لا يتقدم عليه ولا يتاخر وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عند وقوعه فى الدنيا او فى الاخرة. وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها وكانت القريش تفعل ذلك فى أنديتهم «1» فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ اى قم من عندهم ولا تجالسهم والمقصود

_ (1) اندية جمع نادى وهو المجلس واهله 12

[سورة الأنعام (6) : آية 69]

التحذير عن دينهم ومجالستهم لا المنع عن قتالهم حتى يقال بالنسخ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أعاد الضمير على معنى الآيات لانها القران وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ قرأ ابن عامر بفتح النون وتشديد السين من التفعيل والباقون بسكون النون وكسر السين من الافتعال يعنى ان ينسينك ما نهيت عنه الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى يعنى بعد ان تذكره مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى معهم وضع المظهر موضع المضمر تنبيها على انهم ظلموا بوضع التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والاستعظام قال البغوي روى عن ابن عباس انه لما نزلت هذه الاية قال المسلمون كيف نقعد فى المسجد الحرام ونطوف بالبيت.... وهم يخوضون ابدا وفى رواية قال المسلمون فانا نخاف الإثم حين نتركهم ولا ننههم فانزل الله عز وجل. وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه مِنْ حِسابِهِمْ اى الكفار المستهزئين ومن للتبعيض مِنْ شَيْءٍ من زائدة يعنى مما يحاسب عليه الكفار من الآثام ليس شىء منها لازما للمتقين وَلكِنْ عليهم ذِكْرى اى تذكيرهم ومنعهم عن الخوض ونحو ذلك من القبائح ان استطاعوا فذكرى فى محل الرفع ويحتمل النصب على المصدرية يعنى ولكن ذكروهم ذكرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اى الكفار بتذكير المؤمنين وجاز ان يكون الضمير للذين يتقون يعنى لكن يثبتوا على التقوى. وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً يعنى تدبنوا بما لا ينفعهم عاجلا وأجلا كعبادة الأوثان وتحريم البحائر والسوائب او المعنى اتخذوا دينهم الذي كلفوا بإتيانه لهوا ولعبا حيث يسخرون به وقيل معناه ان الله تعالى جعل لكل قوم عيدا فاتخذ كل قوم دينهم يعنى عيدهم لعبا ولهوا الا المسلمين فان فى عيدهم الصلاة صلوة العيد والجمعة والتكبير والنحر لله تعالى وصدقة الفطر والخطبة والتذكير والمعنى اعرض عنهم ولا تبال بأفعالهم وأقوالهم ويجوز ان يكون معناه التهديد كقوله تعالى ذرنى ومن خلقت وحيدا ومن جعله منسوخا باية السيف حمله على ترك التعرض لهم والأمر بالكف عنهم وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا حتى أنكروا البعث وَذَكِّرْ بِهِ اى بالقران أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ يعنى لئلا تبسل او كراهة ان تبسل اى تحبس بما كسبت من السيئات والبسل الحبس كذا فى القاموس لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ ناصر يدفع عنها العذاب بالمقاومة

[سورة الأنعام (6) : آية 71]

وَلا شَفِيعٌ يدفع بالشفاعة وَإِنْ تَعْدِلْ تلك النفس كُلَّ عَدْلٍ العدل الفدية لانها تعادل المفدى اى ان تفد كل الفدية وكل منصوب على المصدرية لا يُؤْخَذْ مِنْها الفعل مسند الى منها ولا ضمير فيه عائد الى العدل لانه هاهنا بمعنى المصدر دون المفعول فلا يسند اليه الاخذ بخلاف قوله تعالى لا يؤخذ منها عدل فان هناك بمعنى المفدى أُولئِكَ المشار اليه الَّذِينَ اتخذوا دينهم لعبا الذين أُبْسِلُوا اى حبسوا وسلموا الى العذاب بِما كَسَبُوا من السيئات لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ ماء بالغ غاية الحرارة وَعَذابٌ أَلِيمٌ بالنار وغيرها بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ع اى بسبب كفرهم جملة مستأنفة او خبر بعد خبر لاولئك. قُلْ أَنَدْعُوا أنعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا اى عبدناه وَلا يَضُرُّنا ان لم نعبده ونكفر به يعنى لا يقدر على شىء من ذلك وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا يعنى نرجع الى الشرك الذي كان الناس عليه فى الجاهلية عطف على ندعوا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ بالوحى فانقذنا من الشرك ورزقنا الإسلام كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ استفعال من هوى يهوى بمعنى ذهب قرأ حمزة استهواه بالألف مما لا على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث نظرا الى جمعية الفاعل والكاف فى محل النصب على المصدرية او على الحالية يعنى ردا مثل رد الذي ذهب به الشياطين او نرد مشبهين بالذي ذهب به الشياطين يعنى مردة الجن فِي الْأَرْضِ اى فى المفازة من الطريق الى المهالك حَيْرانَ حال من مفعول استهوته اى ضالا متحير الا يدرى اين يذهب وكيف يصنع لَهُ اى بهذا المستهوى أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى اى الى الطريق المستقيم سماه هدى تسمية للمفعول بالمصدر ائْتِنا تفسير ليدعونه بتقدير القول يعنى يقولون له ائتنا والمستهوى لا يجيبهم ولا يأتيهم وجملة له اصحاب فى محل النصب على الحالية من مفعول استهوته شبه الله سبحانه الضال عن طريق الإسلام والمسلمون يدعونه الى الإسلام فلا يلتفت إليهم بالذي استهوته الغيلان فذهبوا به عن الطريق وأصحابه يدعونه الى الطريق والاستفهام للانكار وجملة التشبيه حال من ضمير نرد قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ اى الإسلام هُوَ الْهُدى وما عداه ضلال وَأُمِرْنا منصوب المحل عطفا على محل ان هدى الله هو الهدى يعنى قل هذا القول وقل أمرنا لِنُسْلِمَ اللام بمعنى الباء او زائدة والفعل بتأويل المصدر بان مقدوة

[سورة الأنعام (6) : آية 72]

مفعول لامرنا يعنى أمرنا ان نسلم او بان نسلم او هى للتعليل والمفعول محذوف يعنى أمرنا باتباع الرسول لنسلم لِرَبِّ الْعالَمِينَ فان الوصول الى الله تعالى وتسليم أنفسهم له تعالى منحصر فى اتباع الرسول. وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ عطف على ان نسلم مفعولا لامرنا او علة يعنى أمرنا بان اقيموا او لاقامة الصّلوة والتقوى وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ يوم القيمة. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قائما بِالْحَقِّ بالحكمة او محقا او المعنى متلبسات بالحق نظيره ما خلقت هذا باطلا او الباء بمعنى اللام اى لاظهار الحق وَيَوْمَ يَقُولُ للشئ كُنْ فَيَكُونُ يعنى يقول للخلق قوموا فيقومون فيكون مرفوعا على الخبر وليس بجواب ويوم منصوب باذكر او هو معطوف على الضمير المنصوب فى واتقوه يعنى اتقوا عذاب يوم يقول كن يعنى يوم القيمة او على السموات يعنى خلق السموات ويوم القيمة او منصوب بفعل محذوف دل عليه السياق يعنى خلق السموات والأرض وما بينهما ويعيدها يوم يقول للبعث كن فيكون وعلى هذه التأويلات قَوْلُهُ الْحَقُّ مبتدأ وخبر كلام مستأنف يعنى قوله هو الحق الصدق لا محالة وجاز ان يكون الموصوف مع الصفة فاعلا ليقول يعنى فيكون قوله الحق ولا يتخلف الخلائق عن قوله او المعنى حين يقول لقوله الحق اى لقضائه كن فيكون وقيل قوله الحق مبتدا ويوم يقول خبره مقدما عليه كما تقول يوم الجمعة قولك الصدق يعنى قولك الصدق كائن يوم الجمعة قدم الخبر للاهتمام والمعنى انه الخالق للسموات والأرض قوله الحق نافذ فى الكائنات يوم يقول كن فيكون وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ كقوله تعالى لمن الملك اليوم لله الواحد القهار والصور قرن ينفخ فيه كذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جواب الاعرابى حين ساله رواه ابو داؤد وحسنه والنسائي وابن جبان وصححه والبيهقي فى البعث وابن المبارك فى الزهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص واخرج ابو الشيخ بن حبان فى كتاب العظمة عن وهب بن منبه قال خلق الله الصور من لؤلؤ بيضاء فى صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان اسرافيل فامره ان يأخذ الصور فاخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة ونفس منفوسة لا يخرج روحان من ثقب واحد وفى وسط الصور كوة كاستدارة السماء والأرض واسرافيل واضع فمه فى تلك الكوة ثم قال له الرب تعالى قد وكلتك بالصور فانت بالنفخة والصيحة فدخل اسرافيل

[سورة الأنعام (6) : آية 74]

فى مقدم العرش وادخل رجله اليمنى تحت العرش وقدم اليسرى ولم يطرف منذ خلقه الله ينتظر متى يومر به واخرج احمد والطبراني بسند جيد عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن واحنى جبهته وأصغى بالسمع متى يومر فسمع بذلك اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل وكذا اخرج احمد والحاكم فى المستدرك والبيهقي فى البعث والطبراني فى الأوسط عن ابن عباس وفيه حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا وكذا الترمذي والحاكم والبيهقي عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم وابو نعيم عن جابر واخرج البزار والحاكم عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من صباح الا وملكان موكلان بالصور ينتظران متى يومران فينتفخان وروى ابن ماجة والبزار عنه مرفوعا بلفظ ان صاحبى الصور بايديهما قرنان يلاحظان النظر متى يومران واخرج الحاكم من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النافخان فى السماء الثانية وراس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب وراس أحدهما بالمغرب ورجلاه بالمشرق ينتظران متى يومران ان ينفخا فى الصور فينفخان فهذه الأحاديث تدل على ان نافخا الصور ملكان لهما قرنان واخرج الطبراني بسند حسن عن كعب الأحبار حديثا فيه ملك الصور جاث على احدى ركبتيه وقد نصب الاخرى فالتقم الصور فحنى ظهره وقد امر إذ رأى اسرافيل قد ضم جناحيه ان ينفخ فى الصور فقالت عائشة هكذا يعنى مثل ما قال كعب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال ابن حجر هذا الحديث يدل على ان النافخ غير اسرافيل فليحمل على انه ينفخ النفخة الاولى إذا راى اسرافيل ضم جناحيه ثم ينفخ اسرافيل نفخة البعث والله اعلم واخرج ابو الشيخ بن حبان فى كتاب العظمة عن ابى بكر الهذلي قال ان ملك الصور الذي وكل به ان احدى قدميه لفى الأرض وهو جاث على ركبته شاخص ببصره الى اسرافيل ما طرف منذ خلقه الله ينتظر متى يشير اليه فينفخ فى الصور عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ اى هو عالم الغيب يعنى ما لم يوجد والشهادة يعنى ما وجد فان كل موجود مشهود لله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض وَهُوَ الْحَكِيمُ فى الإيجاد والافناء الْخَبِيرُ بالحساب والجزاء وبأحوال المخلوقات كلها. وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ قرأ يعقوب آزر بالضم

يعنى يا آزر والباقون بالفتح فى محل الجر على انه عطف بيان لابيه وهو اسم أعجمي غير منصرف للعلمية والعجمة وقيل هو اسم عربى مشتق من الأزر بمعنى القوة او الوزر بمعنى الثقل لم ينصرف للعلمية ووزن الفعل وكان آزر على الصحيح عما لابراهيم والعرب يطلقون الأب على العم كما فى قوله تعالى نعبد إلهك واله ابائك ابراهيم واسمعيل وإسحاق الها واحدا وكان اسمه ناخور........ وكان ناخور على دين ابائه الكرام كما ذكرنا فى سورة البقرة ثم لما صار وزير النمرود اختار الكفر للحرص فى الدنيا وترك دين ابائه روى البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يلقى ابراهيم آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول ابراهيم الم اقل لك لا تعصنى فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول ابراهيم يا رب انك وعدتني ان لا تخزينى يوم يبعثون فاى خزى اخزى من ابى الا بعد فيقول الله انى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا ابراهيم ما تحت رجليك فينظر فاذا بذيخ «1» متلطخ فيوخذ بقوائمه فيلقى فى النار والله اعلم قال الرازي انه كان عما لابراهيم ولم يكن أبوه وقد سبقه الى هذا القول جماعة من السلف قال الزرقانى فى شرح المواهب ان دليل كون آزر عما لابراهيم ما قد صرح به الشهاب الهيثمي بان اهل الكتابين والتاريخ اجمعوا ان آزر عم ابراهيم كما قال الرازي وقال السيوطي روينا بالأسانيد عن ابن عباس ومجاهد وابن جرير والسدى انهم قالوا ليس آزر أبا لابراهيم انما هو ابراهيم بن تارخ وقال السيوطي وقفت على اثر فى تفسير ابن المنذر صرح فيه بانه عمه وفى القاموس آزر اسم عم ابراهيم عليه السلام واما أبوه فانه تارخ بالخاء المهملة وقيل بالمعجمة او هما واحد ويؤيد القول بانه لم يكن أبا له عليه السلام ما ذكرنا فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى ولا تسال عن اصحاب الجحيم انه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه رواه البخاري وقد صنف السيوطي فى اثبات اسلام اباء النبي صلى الله عليه وسلم الى آدم عليه السّلام رسائل والله اعلم لكن قال محمد بن إسحاق والضحاك والكلبي ان آزر اسم ابى ابراهيم واسمه تارخ ايضا مثل إسرائيل ويعقوب وقال مقاتل ابن حبان آزر لقب لابى ابراهيم واسمه تارخ قال سليمان التيمي هو سبّ وعيب ومعناه فى كلامهم المعوج وقيل معناه الشيخ الهرم بالفارسية وعلى هذا

_ (1) الذيخ ذكر الضباع أراد بالتلطخ التلطخ برجيعه او بالطين 12

[سورة الأنعام (6) : آية 75]

عدم انصرافه لانه اسم أعجمي حمل على موازنه والاول أصح وقال سعيد ابن المسيب ومجاهد آزر اسم صنم لقب به لانه كان يعبده او اطلق عليه بحذف المضاف يعنى عبد آزر وعلى تقدير كونه اسم صنم منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده اعنى أَتَتَّخِذُ تقديره أتعبد آزر أتتخذه الها فوضع المظهر موضع المضمر للدلالة على عدم انحصار عبادته فى آزر فقال أَصْناماً آلِهَةً دون الله تعالى إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بالإسكان أَراكَ وَقَوْمَكَ يعنى اهل دينك فِي ضَلالٍ عن الحق مُبِينٍ ظاهر الضلالة. وَكَذلِكَ يعنى كما أريناه الحق على خلاف قرنه نُرِي حكاية حال ماضية إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ كرهبوت وترقوت العز والسلطان كذا فى القاموس مشتق من الملك زيدت الواو والتاء للمبالغة فهو أعظم الملك قال فى الصحاح الملكوت مختصة بملك الله تعالى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اضافة الملكوت الى السموات والأرض من قبيل اضافة المصدر الى المفعول يعنى سلطان الله وربوبيته السموات قال مجاهد وسعيد بن جبير يعنى آيات السموات والأرض وذلك انه أقيم على صخرة وكشف له عن السموات والأرض حتى العرش وأسفل الأرضين ونظر الى مكانه فى الجنة وذلك قوله تعالى واتيناه اجره فى الدنيا يعنى أريناه مكانه فى الجنة وروى عن سلمان ورفعه بعضهم عن على رضى الله عنه لما ارى ابراهيم ملكوت السموات والأرض ابصر رجلا على فاحشة فدعا عليه فهلك ثم ابصر اخر فدعا عليه فهلك ثم ابصر اخر فاراد ان يدعوا عليه فقال الرب عز وجل يا ابراهيم انك رجل مستجاب الدعوة فلا تدعون على عبادى فانما انا من عبادى على ثلث خصال اما ان يتوب الىّ فاتوب عليه واما ان اخرج عنه نسمة تعبدنى واما ان يبعث الىّ فان شئت عفوت عنه وان شئت عاتبته وفى رواية واما ان يتولى فان جهنم من ورائه وقال قتادة ملكوت السموات الشمس والقمر والنجوم وملكوت الأرض الجبال والأشجار والبحار وَلِيَكُونَ معطوف على مقدر دل عليه السباق يعنى يستدل وليكون مِنَ الْمُوقِنِينَ او متعلق بفعل محذوف معطوف على نرى يعنى وفعلنا ذلك ليكون من الموقنين عيانا كما كان على بصيرة إلهاما من الله تعالى. فَلَمَّا جَنَّ اى اظلم عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى قرأ حمزة والكسائي وابو بكر وابن ذكوان هذا وشبهه من لفظه إذا لم يأت بعد الياء ساكن بامالة فتحة الراء والهمزة

جميعا كَوْكَباً اى الزهرة او المشترى قالَ إلزاما للكفار فانهم كانوا يعبدون الأصنام والكواكب ويعظمونها ويرون ان الأمور كلها إليها فاراد ان ينبههم على ضلالتهم ويرشدهم الى الحق من طريق النظر والاستدلال فقال هذا رَبِّي فى زعمكم او بحذف همزة الاستفهام يعنى أهذا ربى او قال على سبيل الفرض فان المستدل على فساد قوله يحكيه على ما يقوله الخصم ثم يرجع عليه بالابطال واجرى بعضهم على ظاهره فقال كان ابراهيم عليه السّلام حينئذ مسترشدا طالبا للتوحيد حتى وفقه الله تعالى وأتاه رشده فلم يضره ذلك فى حالة الاستدلال قال البغوي وكان ذلك فى حالة طفوليته قبل قيام الحجة عليه فلم يكن كفرا وقال البيضاوي انما قال ذلك زمان راهقته او أول أوان بلوغه وفى شرح خلاصة السير لمولانا ابى بكر ان استدلاله بالكواكب والقمر كان وهو ابن خمسة عشر شهرا والصحيح هو القول الاوّل إذ لا يجوز ان يكون لله رسول يأتي عليه وقت من الأوقات الا وهو لله موحد وبه عارف ومن كل معبود سواه برى وكيف يتوهم هذا على من عصمه الله وطهّره وأتاه رشده من قبل قال فى الشفاء قال الله تعالى ولقد اتينا ابراهيم رشده من قبل اى هديناه صغيرا قاله مجاهد وغيره وقال ابن عطا اصطفاه قبل بدأ خلقه وقال بعضهم لما ولد ابراهيم عليه السّلام بعث الله اليه ملكا يأمره عن الله تعالى ان يعرفه بقلبه ويذكره بلسانه فقال قد فعلت ولم يقل افعل فذلك رشده وفى هذه الاية عطف قوله تعالى فلما جن على قوله تعالى قال ابراهيم وقوله تعالى وكذلك نرى ابراهيم اعتراض والغاء للتعقيب فدلت هذه الاية على انه كان هذا الاستدلال بعد قوله أتتخذ أصناما الهة انى أراك وقومك فى ضلال مبين وعلى تقدير كون هذا الكلام على طريقة الاستدلال الفاء للتفسير والتفصيل لقوله تعالى كذلك نرى ابراهيم وعلى هذا التقدير لا بد ان يكون هذا الكلام أول ليلة راى الكوكب من زمان عقله وشعوره بحيث لم ير قبل ذلك قط وأساسا لهذا المفاد يذكرون قصة وذلك ان ابراهيم عليه السّلام ولد فى زمن نمرود بن كنعان وكان نمرود أول من وضع التاج على راسه ودعا الناس الى عبادته وكان له كهان ومنجمون فقالوا له انه يولد فى بلدك هذه السنة غلام يغير دين اهل الأرض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه ويقال انهم وجدوا ذلك فى كتب الأنبياء عليهم السّلام وقال السدى راى نمرود فى منامه كان كوكبا طلع فذهب بضوء الشمس والقمر حتى لم يبق لهما ضوء ففزع فزعا شديدا

فدعا السحرة والكهنة فسالهم عن ذلك فقالوا هو مولود يولد فى ناحيتك هذه السنة فيكون هلاكك واهل بيتك وزوال ملكك على يديه قالوا فامر بذبح كل غلام يولد فى ناحيته تلك السنة وامر بعزل الرجال عن النساء وجعل على كل عشر رجلا فاذا حاضت المرأة خلى بينها وبين زوجها لانهم كانوا لا يجامعون فى الحيض فاذا طهرت حال بينهما فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت من الحيض فواقعها فحملت بإبراهيم عليه الصّلوة والسّلام قال محمد بن إسحاق بعث نمرودا الى كل امرأة حبلى بقرينه فحبسها عنده الا ما كان من أم ابراهيم عليه السّلام لانها كانت جارية حديثة السن لم يعرف الحبل فى بطنها وقال السدى خرج نمرود بالرجال الى المعسكر ونحاهم عن النساء تخوفا من ذلك المولود ان يكون فمكث بذلك ما شاء الله ثم بدت له حاجة الى المدينة فلم يأتمن عليها أحدا من قومه الا آزر فبعث اليه ودعاه وقال ان لى حاجة أحب ان أوصيك بها ولا أبعثك الا لثقتى بك فاقسمت عليك ان لا تدنوا من أهلك فقال آزر انا أشحّ على دينى من ذلك فاوصاه بحاجته فدخل المدينة وقضى حاجته ثم قال لو دخلت على أهلي فنظرت إليهم فلما نظر الى أم ابراهيم عليه السّلام لم يتمالك حتى واقعها فحملت بإبراهيم عليه السّلام وقال ابن عباس لما حملت أم ابراهيم قال الكهان لنمرود ان الغلام الذي قد أخبرناك به قد حملت امه الليلة فامر نمرود بقتل الغلمان فلما دنت ولادة أم ابراهيم وأخذها المخاض خرجت هاربة مخافة ان يطلع عليها فيقتل ولدها فوضعته فى «1» حلفاء فرجعت فاخبرت زوجها بانها ولدت وان الولد فى موضع كذا فانطلق أبوه فاخذه من ذلك المكان وحفر له سربا عند نهر فواراه فيه وسد عليه بابه بصخرة مخافة السباع وكانت امه تختلف اليه فترضعه وقال محمد بن إسحاق لما وجدت أم ابراهيم الطلق خرجت ليلا الى مغارة كانت قريبا منها فولدت فيها ابراهيم فاصلحت من شانه ما يصنع بالمولود ثم سدت عليه المغارة ورجعت الى بيتها ثم كانت تطالعه لتنظره ما فعل فتجده حيا يمص إبهامه قال ابو روق قالت أم ابراهيم ذات يوم لانظرن الى أصابعه فوجدته يمص من إصبع ماء ومن إصبع لبنا ومن إصبع عسلا ومن إصبع تمرا ومن إصبع سمنا وقال محمد ابن إسحاق كان آزر قد سال أم ابراهيم عن حملها ما فعل فقالت قد ولدت غلاما فمات فصدقها وسكت

_ (1) حلفاء نبت فى الماء 12

عنها وكان اليوم على ابراهيم فى الشباب كالشهر والشهر كالسنة فلم يمكث ابراهيم فى المغارة الا خمسة عشر شهرا حتى قال لامه أخرجني فاخرجته عشاء فنظر فتفكر فى خلق السموات والأرض وقال ان الذي خلقنى وأطعمني وسقانى لربى الذي مالى اله غيره ثم نظر فى السماء فرأى كوكبا قال هذا ربى ثم اتبعه بصره ينظر اليه حتى غاب فلما أفل قال لا أحب الآفلين ثم راى القمر بازغا قال هذا ربى ثم اتبعه بصره حتى غاب ثم طلع الشمس هكذا الى آخره ثم رجع الى أبيه آزر وقد استقامت وجهته وعرف ربه وبرى من دين قومه الا انه لم يبادهم بذلك فاخبره انه ابنه وأخبرته امه انه ابنه وأخبرته بما كانت صنعت فى شانه فسر آزر بذلك وفرح فرحا شديدا وقيل انه كان فى السرب سبع سنين وقيل ثلث عشرة سنة وقيل سبع عشرة سنة قلت وهذه القصة ان صحت فالى هنالك لا تدل على كفر أبوي ابراهيم الا تسمية ابى ابراهيم بازر فان كفر آزر ثابت بالكتاب والسنة والظاهر ان تسمية ابى ابراهيم فى هذه القصة بازر وهم من بعض الرواة لكن قال بعضهم فى القصة انه لما شب ابراهيم عليه السّلام وهى فى السرب قال لامه من ربى قالت انا قال فمن ربك قالت أبوك قال فمن رب ابى قال نمرود قال فمن ربه قالت اسكت فسكت ثم رجعت الى زوجها فقالت ارايت الغلام الذي كنا نحدث انه يغير دين اهل الأرض فانه ابنك ثم أخبرته بما قال فاتاه أبوه فقال له ابراهيم يا أبتاه من ربى قال أمك قال فمن رب أمي قالت انا قال فمن ربك قال نمرود قال فمن رب نمرود فلطمه لطمة وقال له اسكت فلما جن عليه الليل دنا من باب السرب فنظر من خلال الصخرة فابصر كوكبا قال هذا ربى ويقال انه قال لابويه أخرجاني فاخرجاه من السرب وانطلقا به حين غابت الشمس فنظر ابراهيم الى الإبل والخيل والغنم فسال أباه ما هذه فقال ابل وخيل وغنم قال ما لهذه بد من ان يكون لهارب وخالق ثم نظر فاذا المشترى قد طلع ويقال الزهرة فكان تلك الليلة من اخر الشهر فتاخر طلوع القمر فيها فرأى الكوكب قبل القمر فذلك قوله عز وجل فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى وهذه القصة تدل على كفر أبوي ابراهيم عليه السّلام لكن لا يدل على موتهما على الكفر وايضا هذه القصة مع اختلافها واضطرابها وعدم ثبوتها بسند صحيح لا يقوى معارضة ما صح عنه صلى الله عليه وسلم ان ابائه كلهم من آدم عليه السّلام الى أبويه كانوا مومنين

[سورة الأنعام (6) : آية 77]

وانه انتقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات ومن أرحام الطاهرات الى أصلاب الطاهرين وعليه حمل قوله تعالى ونقلبك فى الساجدين واطلاق الأب على العم شائع لا سيما إذا رباه ولعل تارخ مات وترك ابراهيم فى بطن امه او وليدا رضيعا ورباه عمه آزر والله اعلم- فَلَمَّا أَفَلَ يعنى غاب الكوكب قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ اى لا أحب عبادة المتغيرين عن حال الى حال لان التغير امارة الحدوث إذ القديم لا يكون محلا للحوادث والحدوث ينافى الالوهية. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ قرأ حمزة وابو بكر هذا وشبهه إذا لقيت الياء ساكنا منفصلا بامالة فتحة الراء فقط دون الهمزة والباقون بفتحها هذا فى حالة الوصل واما فى حالة الوقف فالاختلاف كما مر فى رأى كوكبا وعن ابى بكر وابى شعيب فى روايته عنهما بامالة الراء والهمزة جميعا فى الوصل ايضا وعن البزي نحوه بازِغاً فى بداية الطلوع قالَ هذا رَبِّي هذا القول فى القمر والشمس بعد تمام الاستدلال بالكوكب ليس الا لالزام الخصم والا فالعاقل يكفيه الاشارة وابراهيم عليه السلام مع كمال قوته النظرية لا يتصور ان يحتاج الى استدلال اخر بعد تمام الاستدلال فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ قال ذلك شكر النعمة الهداية من الله تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا وفيه ارشاد لقومه وتنبيه لهم على ان القمر ايضا لتغير حاله لا يصلح للالوهية وان من اتخذه الها فهو ضال وانما احتج عليهم بالأقوال دون البزوغ مع ان كلا منهما انتقال من حال الى حال لان الاحتجاج به اظهر لكونه انتقالا الى اخس الحالين وأدونهما. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي قيل ذكر اسم الاشارة لتذكير الخبر وصيانية للرب عن شبهة التأنيث وقيل أراد به هذا الطالع أوردا الى المعنى وهو الضياء والنور وعندى ان تأنيث الشمس انما هو سماعى لفظى فى لغة العرب لان تصغيره شميسة دون غيرها من اللغات ولسان ابراهيم عليه السّلام لم يكن عربيا فذكر ابراهيم اسم الاشارة بناء على لغته وحكاه الله سبحانه على ما قاله بلغة العرب هذا أَكْبَرُ من الكواكب كبره استدلالا واظهار الشبهة الخصم فَلَمَّا أَفَلَتْ غربت قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ تبرأ من جميع الالهة الباطلة فانه لما تبين ان الكواكب والقمر والشمس مع كونها اجراما

[سورة الأنعام (6) : آية 79]

علوية عظيمة منيرة غير صالحة للالوهية لكونها محلا لتغيرات محدثة محتاجة الى محدث يحدثها ويخصصها بما يختص به فالاصنام وغيرها من الاجرام السفلية اولى ان لا تتخذ الها وهذا يعنى مخاطبة القوم والتبري عما يعبدونه بعد تمام الحجة دليل واضح على ان هذا الكلام من ابراهيم عليه السّلام لم يكن الا لالزام الخصوم لا لطلب تحقيق لم يكن حاصلا له ولما تبرأ عن الالهة الباطلة ارشدهم الى وجود الإله الحق الذي دلت عليه الممكنات بأسرها فقال. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بالإسكان لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وما فيها وَالْأَرْضَ وما فيها يعنى الذي دلت على وجوده ووجوبه هذه الموجودات التي لا تقتضى ذواتها وجوداتها المحتاجة الى من يخرجها من العدم الى الوجود حَنِيفاً حال من فاعل وجهت يعنى مائلا من الأديان كلها الى الإسلام وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بالله شيئا من خلقه. وَحاجَّهُ قَوْمُهُ فى توحيد الله ونفى الشركاء عنه يعنى قاموا بالمجادلة لما عجزوا وبهتوا فى مقابلة الاستدلال الصحيح وقالوا احذر الهتنا ان تمسك بسوء واحذر نمرود ان يقتلك او يحرقك قالَ ابراهيم أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ بعد تمام الاستدلال على وجوده وتوحيده وَقَدْ هَدانِ اثبت الياء فى الوصل ابو عمرو حذف الباقون يعنى هدانى الله الى الحق واقامة الحجة مع كونى صغيرا اميا وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ تعالى من الممكنات سواء كان من الفلكيات كالشمس والقمر والكواكب او من العنصريات من ذوى العقول كنمرود او من الجمادات كالاصنام فان كلها مثلى فى عدم الاقتدار على النفع والضرر الا باقتدار الله تعالى او أعجز منى روى ان ابراهيم لما خرج من السرب وصار بحال سقط عنه طمع الذباحين وضمه آزر الى نفسه جعل آزر يصنع الأصنام ويعطيها ابراهيم ليبيعها فيذهب بها ابراهيم وينادى من يشترى ما يضره ولا ينفعه فلا يشتريها أحد فاذا بات عليه ذهب بها الى نهر فصوب فيه راسه وقال اشربى استهزاء بقومه إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً يعنى لا يستطيع ما تشركون بالله اضرارى فى وقت من الأوقات الا وقت ان يشاء ربى شيئا من الإضرار وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً كانه علة للاستثناء يعنى لا يبعد ان يكون فى علمه ان يصيبنى مكروه من جهة بعض عباده بمشيته وخلقه وأقداره على الكسب أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ فتميّزوا بين العاجز على الإطلاق كالاصنام وبين العاجز فى نفسه

[سورة الأنعام (6) : آية 81]

القادر باقدار الله تعالى ومشيته وبين القهار المقتدر على الإطلاق. وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ به ولا يقدر أحد منهم على الإضرار من غير مشية الله وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وهو حقيق ان يخاف منه كل الخوف فانه هو القادر على الإطلاق الضار النافع ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اى باشراكه عَلَيْكُمْ سُلْطاناً دليلا نقليا من الكتاب ولا عقليا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ من الموحدين بالله المعتقدين على ما اقتضاه العقل والنقل والمشركين به المعتقدين بما لا دليل عليه أَحَقُّ بِالْأَمْنِ من العذاب والمكاره فى الدنيا والاخرة لم يقل أينا احترازا عن تزكية النفس وايماء بان استحقاق الا من غير مختص به بل يشتمل كل موحد ففيه ترغيب لهم فى التوحيد إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ من يحق ان يخاف منه لا تخافوا الا الله تعالى كما أخاف دل على الجزاء ما سبق او المعنى ان كنتم ذا علم وبصيرة فانصفوا فى الجواب عن الاستفهام. الَّذِينَ آمَنُوا بالله وَلَمْ يَلْبِسُوا اى لم يخلطوا إِيمانَهُمْ بالله تعالى بِظُلْمٍ بشرك أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ من العذاب وَهُمْ مُهْتَدُونَ الى الحق والى الجنة عن عبد الله بن مسعود قال انه لما نزلت هذه الاية شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول الله فاينا لا يظلم نفسه فقال ذلك انما هو الشرك الم تسمعوا الى ما قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم متفق عليه وهذه الاية استيناف من الله تعالى او من ابراهيم بالجواب عما استفهم عنه حين لم يسمع منهم جوابا حقا واخرج ابن ابى حاتم من طريق عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة قال حمل رجل من العدو على المسلمين فقتل رجلا ثم حمل فقتل اخر ثم حمل فقتل اخر ثم قال أينفعنى الإسلام بعد هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فدخل فيهم ثم حمل على أصحابه فقتل رجلا ثم اخر ثم قتل قال فيرون ان هذه الاية نزلت فيه الذين أمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم الاية. وَتِلْكَ اشارة الى ما مر من قوله تعالى فلما جن عليه الليل الى قوله تعالى وهم مهتدون وهذا اصرح دليلا على ان ما مر من مقال ابراهيم انما كان احتجاجا على قومه لا تفكرا واستدلالا لنفسه كيف والنفوس القدسية لا يحتاجون الى تجشم الاستدلال وقيل أراد به الاحتجاج الذي حاج نمرود على ما سبق فى سورة البقرة وهذا بعيد جدا حُجَّتُنا خبر لاسم الاشارة او صفة له او بدل منه آتَيْناها إِبْراهِيمَ ارشدناه إليها الجملة خبر او خبر بعد خبر او معترضة

[سورة الأنعام (6) : آية 84]

عَلى قَوْمِهِ يعنى على من بعث إليهم كنمرود واتباعه متعلق بحجتنا ان جعل خبرا وصفة وبمحذوف ان جعل بدلا يعنى اتيناها ابراهيم حجته على قومه نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ قرأ الكوفيون هاهنا وفى سورة يوسف درجات بالتنوين على انه تميز من النسبة او مفعول مطلق يعنى نرفع من نشاء درجات فى العلم والحكمة والباقون بالاضافة اى نرفع درجاتهم إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فى رفعه وخفضه عَلِيمٌ بحال من يرفعه واستعداده. وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ ابنا وَيَعْقُوبَ ابن ابن كُلًّا اى كلواحد منهما هَدَيْنا انتصب كلا بهدينا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ابراهيم عد هداه نعمة على ابراهيم من حيث انه أبوه وفيه دليل على ان شرف الوالد يتعدى الى الولد وبالعكس قلت فمن المحال ان يكون بعض اباء النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه محبوبا لله كافرا وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ قيل الضمير راجع الى ابراهيم لان الكلام فيه وقيل لنوح لانه اقرب ولان يونس ولوطا ليسا من درية ابراهيم والثاني اظهر فلو كان لابراهيم اختص البيان فى المعدودين فى تلك الاية والتي بعدها والمذكورون فى الاية الثالثة معطوفون على نوحا داوُدَ بن اليشا وَسُلَيْمانَ بن داود وَأَيُّوبَ بن اموص بن رازخ بن روم ابن عيص بن إسحاق بن ابراهيم وَيُوسُفَ بن يعقوب بن إسحاق وَمُوسى وَهارُونَ اخوه اكبر منه بسنة ابني عمران بن يصهر بن قاهت بن لاوى بن يعقوب وَكَذلِكَ منصوب على المصدرية بما بعده اى جزاء مثل جزاء ابراهيم على إحسانه يرفع درجاته ودرجات ابنائه نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك متفق عليه من حديث عمر مرفوعا فى قصة سوال جبرئيل. وَزَكَرِيَّا بن اذن وَيَحْيى بن زكريا وَعِيسى بن مريم بنت عمران وَإِلْياسَ بن متى ابن فخاص بن عيزار بن هارون عليه السّلام وقال ابن مسعود هو إدريس وله اسمان مثل يعقوب وإسرائيل وسياق الاية يابى عنه فان إدريس ليس من ذرية نوح بل هو جد ابى نوح فان نوحا ابن لامك بن متوشلخ بن خنوخ بن إدريس وهو أول بنى آدم اعطى النبوة وخط بالقلم كُلٌّ اى كلواحد منهما كائن مِنَ الصَّالِحِينَ اى المعصومين عن الصغائر والكبائر فان من اتى بما نهى الله عنه او ترك ما امر به فهو فاسد وان قل فساده بالنسبة الى غيره واطلاق الصالح على غير المعصوم إضافي

[سورة الأنعام (6) : آية 86]

غير حقيقى لكن إطلاقه على من اتى بمعصية ثم تاب عنه واستغفر صحيح بالحقيقة فان التائب من الذنب كمن لا ذنب له لكن الكامل فى الصلاح هو المعصوم والله اعلم.. وَإِسْماعِيلَ بن ابراهيم جد النبي صلى الله عليه وسلم وَالْيَسَعَ بن أخطوب بن العجحور قرأ حمزة والكسائي واليسع هنا بلام مشددة واسكان الياء والباقون بلام ساكنة مخففة وفتح الياء وعلى القراءتين علم أعجمي ادخل عليه اللام كما ادخل على اليزيد فى قوله رايت الوليد بن اليزيد مباركا شديدا باعياء الخلافة كاهله وَيُونُسَ بن متى وَلُوطاً ابن هاران ابن أخي ابراهيم عليه وعليهم الصلاة والسلام وَكلًّا اى كلواحد منهم منصوب بما بعده فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ اى عالمى زمانهم فيه دليل على فضلهم على من عداهم فى ذلك الزمان من الملئكة وغيرهم من الخلائق. وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ عطف على كلا يعنى فضلنا كلا منهم وبعض ابائهم وذرياتهم وإخوانهم او على نوحا يعنى هدينا هؤلاء وبعض ابائهم وذرياتهم وإخوانهم فان منهم من لم يكن نبيا ولا مهديا وَاجْتَبَيْناهُمْ اى اخترناهم عطف على فضلنا او هدينا وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تكرير لبيان ما هدوا اليه. ذلِكَ التوحيد الذي دانوا به هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ دليل على انه متفضل بالهداية وَلَوْ أَشْرَكُوا يعنى هؤلاء الأنبياء فرضا مع فضلهم وعلو شانهم لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فضلا عن غيرهم. أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ اى الجنس الكتب المنزلة والإتيان أعم من الانزال عليه او امره بتبليغه وَالْحُكْمَ اى الحكمة والفقه او فصل الخصومات على مقتضى الحق او كونهم حاكمين مطاعين وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها اى بهذه الثلاثة هؤُلاءِ اى كفار مكة فَقَدْ وَكَّلْنا بِها يعنى وفقنا بالايمان بها وبمراعات حقوقها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ يعنى الأنصار واهل المدينة قاله ابن عباس ومجاهد والظاهر عمومه لجميع الصحابة ولمن تبعهم من اهل الفرس وغيرهم وقال ابو رجا العطاردي ان يكفر بها اهل الأرض فقد وكلنا بها اهل السماء وهم الملئكة. أُولئِكَ المذكورون من الأنبياء مبتدأ خبره الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ يعنى هديهم الله الى التوحيد واصول الدين والى الإتيان بما امر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه فَبِهُداهُمُ اى بطريقتهم

[سورة الأنعام (6) : آية 91]

اقْتَدِهْ الظرف للحصر يعنى لا تقتد الا بهديهم فيه تعريض على المشركين فى اقتدائهم بآبائهم الضالين والمراد بالاقتداء بطريقتهم الاخذ بها لا تقليدهم فان التقليد ليس من شأن اهل الاجتهاد من الامة فكيف يليق بالأنبياء لا سيما بسيدهم يعنى اسلك على طريق الهداية واتباع الشرع المويد بالعقل كما سلكوا ففيه تنبيه على ان طريقهم هو الحق الموافق للدليل العقلي والسمعي قال البيضاوي المراد بهداهم ماتوا فقوا عليه من التوحيد واصول الدين دون الفروع المختلف فيها فانها ليست مضافة الى الكل ولا يمكن التأسى بهم جميعا فليس فيه دليل على انه صلى الله عليه وسلم كان متعبدا بشرائع من قبلنا قلت كلهم كانوا مامورين فى الفروع بامتثال امر نزل من الله تعالى ما لم ينزل نسخه فيحصل التأسى بجميعهم فى الفروع ايضا بإتيان ما ثبت نزوله من الله تعالى بالوحى المتلو او غير المتلو ولم يثبت نسخه فيجب التعبد بشرائع من قبلنا والله اعلم والهاء فى اقتده هاء سكت ولذا حذفه حمزة والكسائي ويعقوب وصلا وأثبتها الباقون فى الحالين تبعا للخط وقرأ ابن عامر بكسر الهاء وابن ذكوان عنه بالإشباع وهشام عنه بالكسر بلا صلة تشبيها بهاء الضمير او هى ضمير راجع الى المصدر يعنى اقتد الاقتداء قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على التبليغ او القران أَجْراً من جهتكم كما لم يسأل من قبلى من النبيين وهذا مما امر بالاقتداء بهم فيه وفيه دليل على ان أخذ الاجر على تعليم القران والفقه ورواية الحديث لا يجوز إِنْ هُوَ اى التبليغ او القران إِلَّا ذِكْرى تذكيرا وعظة لِلْعالَمِينَ ع للانس والجن اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير مرسلا قال جاء رجل من اليهود يقال له مالك ابن الضيف يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالذي انزل التورية على موسى هل تجد فى التورية ان الله يبغض الحبر السمين وكان سمينا فغضب فقال والله ما انزل الله على بشر من شىء فقال له أصحابه ويحك ولا على موسى فانزل الله تعالى. وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الاية واخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة قال البغوي لاجل هذه المقالة نزع يهود مالكا عن الحيرية وجعلوا مكانه ابن الأشرف وقال السدى نزلت هذه الاية فى فخاص بن عازورا وهو قائل هذه المقالة وقد تقدم الحديث فى سورة النساء واخرج ابن جرير من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قال قالت اليهود يا محمد انزل الله عليك كتابا قال نعم قالوا والله ما انزل الله من السماء كتابا فانزل الله تعالى

[سورة الأنعام (6) : آية 92]

ما قدروا الله حقّ قدره اى ما عرفوه حق معرفته فى الرحمة والانعام على العباد إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ حين أنكروا بعثة الرسل وذلك أعظم رحمة وحق قدره منصوب على المصدرية قُلْ يا محمد مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ التورية الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً حال من الكتاب او من الضمير فى به وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تكتبون عنه دفاتر وكتبا مقطعة تُبْدُونَها اى ما تحبون منها وَتُخْفُونَ كَثِيراً كنعت محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السّلام واية الرجم وغير ذلك وفيه توبيخهم وذمهم على ما فعلوا بالتورية باتباع شهواتهم قرأ ابن كثير وابو عمرو يجعلونه يبدونها يخفون الثلاثة بالياء على الغيبة حملا على ما قدروا وقالوا والباقون بالتاء على الخطاب لقوله تعالى قل من انزل وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قال الأكثرون هذا خطاب لليهود يعنى علمتم ايها اليهود على لسان محمد صلى الله عليه وسلم زيادة على ما فى التورية او بيانا لما أشكل عليكم وعلى ابائكم من عبادة التورية نظيره قوله تعالى ان هذا القران يقص على بنى إسرائيل اكثر الذي هم فيه يختلفون قال الحسن جعل لهم علم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فضيعوه وقال مجاهد هذا خطاب للمسلمين يذكرهم النعمة فيما علموا ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أميين قُلِ اللَّهُ اى أنزله الله او الله أنزله هذا متصل بقوله تعالى قل من انزل امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالجواب لما بهتوا عن الجواب اشعارا بان الجواب متعين لا يمكن غيره ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ اى فى أباطيلهم يَلْعَبُونَ حال من مفعول ذرو الظرف متعلق بذرهم او يلعبون او حال من فاعل يلعبون وجاز ان يكون يلعبون حالا من ضمير فى خوضهم والظرف متصل بالأول. وَهذا القران كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ اى كثير الفائدة والنفع مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من التورية وغيرها وَلِتُنْذِرَ عطف على ما دل عليه مبارك يعنى لتنتفع به ولتنذر قرأ ابو بكر عن عاصم لينذر بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الكتاب أُمَّ الْقُرى يعنى مكة سميت بها لان الأرض دحيت من تحتها فهى كالاصل لجميع الأرض او لانها قبلة اهل القرى وموضع حجهم ومرجع لاهل جميع الأرض والمضاف محذوف يعنى لتنذر اهل أم القرى وَمَنْ حَوْلَها الى الشرق والغرب وأطراف الأرض وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ

[سورة الأنعام (6) : آية 93]

بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ فان من أمن بالاخرة خاف العاقبة ولا يزال الخوف يحمله على النظر والتفكر حتى يؤمن بالنبي والكتاب والضمير يحتملهما ويحافظ على الطاعات وخص الصلاة بالذكر لانها عماد الدين وفى الاية تعريض على اليهود انهم لم يؤمنوا بالقران ومحمد صلى الله عليه وسلم لاجل انهم لم يؤمنوا بالاخرة وبما جاء به موسى عليه السّلام للتلازم بين الايمان بالتورية والقران والقيامة. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى اى اختلق والفرية بالكسر الكذب عَلَى اللَّهِ كَذِباً منصوب على المصدرية مثل مالك بن الضيف القائل بانه ما انزل الله على بشر من شىء ومثل عمرو بن لحىّ واتباعه القائلين بان الله حرم الصوائب والحوامي وبان انعاما حرمت ظهورها وبان ما فى بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وان يكن ميتة فهم فيه شركاء أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ قال البغوي قال قتادة نزلت فى مسيلمة الكذاب..... وكان يسجع ويتكهن وادعى النبوة وزعم انه اوحى اليه وكذا اخرج ابن جرير عن عكرمة وكان قد أرسل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولين فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتشهدان ان مسيلمة نبى قالا نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما روى البغوي بسنده عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا انا نائم إذ أتيت مفاتيح خزائن الأرض فوضع فى يدى سواران من ذهب فكبرا علىّ فاهمانى فاوحى الى ان انفخهما فنفختهما فذهبا فاولتهما الكذابين هما صاحب صنعاء وصاحب يمامة أراد بصاحب صنعاء الأسود العنسي وبصاحب يمامة مسيلمة الكذاب وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ قال البغوي نزلت فى عبد الله بن ابى سرج وكان قد اسلم وكان يكتب للنبى صلى الله عليه وسلم وكان إذا املى سميعا بصيرا كتب عليما حكيما وإذا قال عليما حكيما كتب غفورا رحيما فلما نزلت ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين املاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان فقال تبارك الله احسن الخالقين فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتبها فهكذا نزلت فشك عبد الله وقال ان كان محمد صادقا لقد اوحى الى كما اوحى اليه وان كان كاذبا فقد قلت مثل ما قال فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين وكذا اخرج ابن جرير عن عكرمة والسدى قصة تبارك الاية ذكر البغوي ثم رجع عبد الله

[سورة الأنعام (6) : آية 94]

الى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وقال الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس فى سيرته تشفع ابن ابى سرج بعثمان رضى الله عنه فقبله النبي صلى الله عليه وسلم بعد تلوم وحسن إسلامه بعد ذلك حتى لم ينقم عليه فيه شيئا ومات ساجدا قال ابن عباس قوله تعالى سانزل مثل ما انزل الله يريد المستهزئين وهو جواب لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا قلت يعنى النضر بن الحارث كان يقول والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا والخابزات خبزا كانه يعارض قوله تعالى والنازعات غرقا الآيات وَلَوْ تَرى يا محمد والمفعول محذوف اى الظالمين يدل عليه إِذِ الظَّالِمُونَ مبتدأ واللام اما للعهد يعنى الذين نزلت فيهم الاية من اليهود والمتنبية والمستهزئين او للجنس ويدخل فيه هؤلاء وجواب لو محذوف يعنى لرأيت امرا عظيما فزيعا فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ خبر المبتدأ اى شدائده فى القاموس غمرة الشيء شدته وأصله التغطية يقال غمره الماء واغتمره اى غطاه ثم وضعت فى موضع الشدائد والمكاره وفى الصحاح اصل الغمر ازالة اثر الشيء ومنه يقال للماء الكثير وعلى هذا اضافة الغمرة الى الموت بيانية سميت شدة الموت غمرة لازالته اثر الحيوة وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ الجملة حال من الضمير المستتر فى الظرف والعائد محذوف يعنى باسطوا أيديهم لقبض أرواحهم كالمتقاضى الملظ او لتعذيبهم نظيره قوله تعالى والملئكة يضربون وجوههم وادبارهم أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ خبر للملئكة بعد خبر يعنى قائلون لهم يعنى للظلمين تغليظا وتعنيفا اخرجوا أنفسكم إلينا من أجسادكم او أخرجوها من العذاب وخلصوها من أيدينا الْيَوْمَ المراد به الزمان الممتد من وقت الامانة الى ما لا نهاية له تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ يعنى عذابا متضمنا لشدة واهانة وإضافته الى الهون لتمكنه فيه ولمقابلة الهوان فيه بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ افتراء غَيْرَ الْحَقِّ كادعاء الولد والشريك وادعاء النبوة والوحى كاذبا منصوب من تقولون على المصدرية او المفعولية وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ المنزلة فى القران او دلايل التوحيد تَسْتَكْبِرُونَ فلا تتاملون فيها ولا تؤمنون اخرج ابن جرير وغيره عن عكرمة قال قال النضر بن الحارث سوف تشفع لنا الى الله اللات والعزى فنزلت. وَلَقَدْ جِئْتُمُونا بعد الموت ويوم القيامة للحساب والجزاء فُرادى حال من فاعل جئتمونا اى منفردين عن الأموال والأولاد والأعوان والأحباب وسائر ما اثرتموه من الدنيا او من الأوثان

[سورة الأنعام (6) : آية 95]

التي زعمتموها شفعاء لكم وهو جمع فرد والالف للتانيث ككسالى هذا خبر من الله تعالى بقول للكفار على لسان الملئكة يوم موتهم او يوم القيامة والسياق يقتضى يوم الموت لعطفه على قوله اليوم تجزون كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بدل من فرادى اى جئتمونا على الهيئة التي ولدتم عليها فى الانفراد او حال مرادف لفرادى او من الضمير فى فرادى اى مشبهين ابتداء خلقكم عراة حفاة غرلا بهما او صفة مصدر اى جئتمونا مجيئا كخلقنا لكم وَتَرَكْتُمْ فى الدنيا ما خَوَّلْناكُمْ ما أعطيناكم من الأموال والأولاد والخدم والحشم وَراءَ ظُهُورِكُمْ ولم تحتملوا نقيرا وجاز ان يكون المعنى جئتمونا خاسرين بلا كسب كمال كما خلقناكم أول مرة وضيعتم راس مالكم اى اعماركم وتركتم فى الدنيا ما أعطيناكم من الأموال وغيرها ما قدمتم منها شيئا للاخرة وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ الله سبحانه فى ربوبيتكم واستحقاق العبادة يعنى الأوثان لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ قرأ نافع وحفص والكسائي بنصب بينكم على إضمار الفاعل لدلالة ما قبله عليه او أقيم بينكم مقام موصوفه وأصله لقد تقطع ما بينكم من الوصل او يقال فاعله ضمير راجع الى المصدر اى تقطع التقطع بينكم او يقال الفاعل بينكم مجازا فى الاسناد وترك منصوبا للزوم ظرفيته والباقون بالرفع على اسناد الفعل الى الظرف مجاز او المعنى لقد تقطع التقطع بينكم او يقال بينكم بمعنى وصلكم يعنى تقطع وصلكم وتشتت جمعكم وبين مصدر من الاضداد يستعمل للوصل والفصل اسما وظرفا كذا فى القاموس وَضَلَّ عَنْكُمْ اى ضاع وبطل ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ انها شفعائكم وان لا بعث ولا جزاء. إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى قال الحسن وقتادة والسدى معناه شق الحبة عن السنبلة والنواة عن النخلة فيخرجها منها وقال الزجاج يشق الحبة اليابسة والنواة اليابسة فيخرج منها ورقا اخضر وقال مجاهد المراد انشقاق الذي بين الحنطة والنواة وقال الضحاك فالق الحب والنوى يعنى خالقهما والحب جمع الحبة وهى اسم لجميع البذور الماكولة من البر والشعير والذرة والارز ونحوها والنوى جمع النواة وهى كل ما لا يوكل من البذور كنواة التمر والمشمش والخوخ والرمان يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يعنى ما ينمو من الحيوان والنبات مما لا ينمو كالنطفة والحبة والنواة هذه الجملة وقع موقع البيان لما سبق ولذا لم يعطف وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ يعنى ما لا ينموا ويتفتت مما ينموا

[سورة الأنعام (6) : آية 96]

معطوف على فالق الحب ولذلك ذكره بلفظ اسم الفاعل ذلِكُمُ المحيي والمميت اللَّهَ يعنى هو المستحقّ للعبادة دون من لا يقدر على شىء بل ينفعل ما يفعل به فَأَنَّى اين تُؤْفَكُونَ تصرفون عنه الى غيره. فالِقُ الْإِصْباحِ هو مصدر أصبح إذا دخل فى الصبح سمى به الصبح تسمية المحل باسم الحال يعنى شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل او عن بياض النهار او شاق ظلمة الإصباح وهو الغبش الذي يليه وَجَعَلَ اللَّيْلَ كذا قرأ الكوفيون على صيغة الماضي ونصب الليل على المفعولية معطوف على معنى فالق فان معناه فلق الإصباح وقرأ الباقون جاعل على وزن فاعل مضافا الى الليل سَكَناً يسكن فيه الإنسان واكثر الحيوانات للاستراحة عن كد لمعيشة الى نوم الغفلة او عن وحشة الخلق الى الانس بالحق منصوب بفعل دل عليه اسم الفاعل على قراءة غير اهل الكوفة لان اسم الفاعل بمعنى الماضي كما يدل عليه قراءة جعل لا يعمل وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ على قراءة اهل الكوفة معطوفان على الليل وعلى قراءة غيرهم منصوبان يجعل مقدر يعنى جعل الشمس والقمر حُسْباناً مصدر حسب بالفتح بمعنى الحساب كما ان الحسبان بالكسر مصدر حسب بالكسر وقيل جمع حساب كشهاب وشهبان يعنى جعلهما علمين لحساب الأوقات يعلم بسيرهما ذلِكَ اى جعلهما حسبانا تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي قهرهما وسخرهما الْعَلِيمِ بتدبيرهما والانفع من التداوير الممكنة لهما. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اى خلق لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الليل فى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ واضافتها إليهما للملابسة او المراد بالظلمات مشتبهات الطرق سميت ظلمات على الاستعارة قَدْ فَصَّلْنَا بيّنّا الْآياتِ الدالة على توحيد الصانع المبدع الحكيم لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فانهم هم المنتفعون به. وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ اى ابتدأ خلقكم مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ آدم عليه السّلام فَمُسْتَقَرٌّ قرأ ابن كثير وابو عمرو بكسر القاف على انه اسم فاعل يعنى فمنكم مستقر والباقون بالفتح على انه اسم مفعول او مصدر ميمى او ظرف يعنى فمنكم مستقر او فلكم استقرار او موضع استقرار وَمُسْتَوْدَعٌ بفتح الدال بلا خلاف لجواز نسبة الاستقرار دون الاستيداع يعنى لكم استيداع او موضع استيداع او منكم مستودع قال ابن مسعود المستقر فى الرحم الى ان يولد قال الله تعالى يقر فى الأرحام والمستودع فى القبر الى ان يبعث وقال سعيد ابن جبير مستقر فى الرحم ومستودع فى صلب الأب وعن ابى بعكس هذا وقال مجاهد

[سورة الأنعام (6) : آية 99]

مستقر فى الأرض قال الله تعالى ولكم فى الأرض مستقر والمستودع فى القبر وقال الحسن المستقر فى القبر والمستودع فى الدنيا وعندى المستقر الجنة او النار والمستودع ما عدا ذلك من الأصلاب والأرحام والدنيا والقبر قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ذكر مع النجوم يعلمون لان أمرها ظاهر ومع ذكر تخليق بنى آدم واستيداعهم واستقرارهم يفقهون لان هذه الأمور دقيق يحتاج الى تفقه وتدبر. وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ اى السحاب ومنه الى الأرض ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ اى بالماء نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ نبت كل صنف من الحبوب والنواة سبحان الله أنبت أنواعا مختلفة تسقى بماء واحد وفضل بعضها على بعض فى الاكل فَأَخْرَجْنا مِنْهُ اى من النبات او من الماء خَضِراً شيئا اخضر وهو ما تشعب من اصل النبات الخارج من البذر نُخْرِجُ مِنْهُ من الخضر حَبًّا مُتَراكِباً وهى السنبلة المتراكب حباتها وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها بدل للاول وهو خبر والمبتدأ قِنْوانٌ جمع قنو وهو العذق دانِيَةٌ قريبة من المتناول او قريبة بعضها من بعض اقتصر على ذكرها من مقابلها اما لدلالتها عليه كما فى قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر يعنى والبرد واما لان قربها من المتناول او كثرتها وقرب بعضها ببعض أعظم نعمة وأوجب للشكر وجاز ان يكون التقدير وأخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان دانية وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ عطف على نبات كل شىء يعنى أخرجنا منه جنات قرأ الأعمش عن الأعشى عن عاصم جنات بالرفع عطفا على قنوان وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ عطف على نبات يعنى أخرجنا منه شجرا الزيتون والرمان او نصب على الاختصاص لغير هذين الصنفين عندهم مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ حال من الرمان او من الجميع يعنى حال كون بعضها مشتبها ببعض اخر وبعضها غير متشابه فى الهيئة والقدر واللون والطعم انْظُرُوا ايها الناس بنظر الاعتبار إِلى ثَمَرِهِ قرأ حمزة والكسائي فى الموضعين هاهنا وفى يس بضم الثاء والميم على انه جمع ثمارا وثمرة والباقون بفتحتين على انه اسم جنس كتمرة وتمر وكلمة وكلم إِذا أَثْمَرَ إذا اخرج ثمره كيف يخرج لا يكاد ينتفع به وَالى يَنْعِهِ حال نضجه كيف يعود ضخيما لذيذا فهو مصدر وقيل هو جمع يانع كتاجر وتجر إِنَّ فِي ذلِكُمْ المذكورات لَآياتٍ على توحيد قادر حكيم لا يكون له ضدّ يعانده ولا ندّ يعارضه لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

[سورة الأنعام (6) : الآيات 100 إلى 101]

فانهم هم المستدلون بها وذكر هذه الآيات يستوجب التوبيخ على المشركين فقال وَجَعَلُوا يعنى كفار مكة مع قيام ادلة التوحيد لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ يعنى الملئكة عبدوهم وقالوا الملئكة بنات الله سماهم جنا لاجتنانهم وتحقيرهم عن درجة الربوبية او المراد بالجن الشياطين لانهم أطاعوهم وعبدوا غير الله من الأوثان وغيرها بتسويلهم او لاجل حلول الشياطين فى الأوثان أحيانا او لاجل قولهم الله خالق الخير والشيطان خالق الشر ومفعولا جعلوا لله وشركاء والجن بدل من شركاء او شركاء والجن ولله متعلق بشركاء او حال منه وَخَلَقَهُمْ حال من الله تعالى بتقدير قد او منه ومن الجن معا على ان يكون الضمير المنصوب راجعا الى الجن يعنى وقد علموا ان الله تعالى خلق الانس والجن وكل شىء وان الجن لا يخلق شيئا وَخَرَقُوا قرأ نافع بتشديد الراء للتكثير والمعنى اختلقوا وافتروا لَهُ بَنِينَ قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وَبَناتٍ قالت العرب الملئكة بنات الله بِغَيْرِ عِلْمٍ من غير ان يعلموا صدق ما قالوا بدليل عقلى او نقلى وهو فى موضع الحال من فاعل خرقوا او المصدر اى خرقا بغير علم سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اضافة الصفة المشبهة الى فاعلها يعنى بديع سموته وارضه ليس لها نظير وقيل معناه المبدع يعنى خالقها بلا سبق مثال خبر مبتدا محذوف يعنى هو او مبتدا خبره. أَنَّى من اين او كيف يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ يكون منها الولد وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فى الاية استدلال على نفى الولد بوجوه الاول ان من مبدعاته السموات والأرض وهى مع انها من جنس ما يوصف بالولد مستغن عنه لطول بقائها فالله سبحانه اولى به الثاني انه خالق الأجسام العظيمة وخالق الأجسام لا يكون جسما والولادة من خواص الأجسام والثالث ان الولد ينشئ من ذكر وأنثى متجانسين والله تعالى منزه عن المجانسة الرابع ان الولد كفو للوالد ونظيره وليس له كفوا أحد لان كل ما عداه مخلوقه فلا يكافيه شىء ولانه عالم بكل شىء ولا كذلك غيره بالإجماع الا بتعليمه ذلِكُمُ اى الموصوف بما سبق من الصفات مبتدا اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ اخبار مترادفة ويجوز ان يكون البعض خبرا والبعض بدلا او صفة فَاعْبُدُوهُ الفاء للسببية يعنى

[سورة الأنعام (6) : الآيات 103 إلى 104]

من استجمع تلك الصفات فهو الحقيق بالعبادة دون غيره من خلقه وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ بالحفظ له والتدبير فيه يعنى هو متول لاموركم رقيب على أموالكم فكلوا إليه الأمور وتوسلوا اليه بالعبادة ينجح ما ربكم ويجازى على حسناتكم لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ اخرج ابن ابى حاتم وغيره بسند ضعيف عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو ان الجن والانس والشياطين والملائكة منذ خلقوا الى ان فنوا صفا واحدا ما احاطوا بالله ابدا استدل المعتزلة بهذه الاية على امتناع الروية واجمع اهل السنة على نفى الروية فى الدنيا وإثباتها فى الاخرة للمؤمنين فى الجنة والاستدلال بها على الامتناع باطل بوجوه أحدها ان صيغة المضارع اما للحال ويستعمل فى الاستقبال مجازا او هى مشترك فى المعنيين والحال مراد فى الاية اجماعا إذ لا قايل بروية الله تعالى فى الدنيا فلا يجوز ارادة الاستقبال والا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز او عموم المشترك ثانيها ان الابصار بصيغة الجمع يدل على ارادة الافراد دون الجنس فاللام اما للعهد يعنى الابصار الموجودة فى الدنيا او للاستغراق فانكان للعهد فلا دليل على نفى الروية بالأبصار المخلوقة للمؤمنين فى الجنة وان كان للاستغراق فمدلول الاية نفى الاستغراق لا استغراق النفي فلا دليل فيه على نفى الروية بابصار اهل الجنة روى ابو نعيم فى الحلية عن ابن عباس قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أرني انظر إليك قال قال الله يا موسى انى لا يرانى حى إلا مات ولا يابس الا تدهده ولا رطب الا تفرق وانما يرانى اهل الجنة لا يموت أعينهم ولا يبلى أجسامهم ثالثها ان الإدراك غير الروية لان الإدراك هو الوقوف على كنه الشيء والإحاطة به او الوصول الى الشيء بحيث لا يفوت منه شىء والروية المعاينة ولا تلازم بينهما قال الله تعالى فلما ترائ الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا فى هذه الاية نفى للدرك بعد اثبات الروية من الجانبين رابعها ان النفي لا يوجب الامتناع وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ يحيط بها علمه وَهُوَ اللَّطِيفُ فى القاموس هو البر بعباده المحسن الى خلقه بايصال المنافع إليهم برفق ومن هاهنا قال ابن عباس اللطيف باوليائه وفيه ايضا اللطيف العالم بخفايا الأمور وفى الصحاح قد يعبر باللطيف ما لا يدرك بالحاسة وعلى هذا ففى الكلام لف ونشر مرتب يعنى لا تدركه الابصار لانه اللطيف وهو يدرك الابصار لانه الْخَبِيرُ قَدْ جاءَكُمْ

[سورة الأنعام (6) : آية 105]

بَصائِرُ يعنى الحجج البينة التي يحصل بها البصيرة التي تبصرون بها الهدى من الضلال والحق من الباطل فالبصيرة للنفس كالبصر للبدن مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ يعنى من استعمل الحجة وابصر الحق وأمن به فَلِنَفْسِهِ ابصر يعود نفعه إليها وَمَنْ عَمِيَ عن الحق واعرض عن الحجج وضل فَعَلَيْها وباله وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها بل الحفيظ هو الله تعالى وانما انا البشير النذير هذا كلام ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كانه قيل قل قد جاءكم بصائر الاية وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ اى نفصلها ونبين واصل الصرف النقل من حال الى حال وفى التفصيل نقل معنى واحد من عبارة الى عبارة حتى يفهم المخاطب وفى القاموس صرف الحديث ان يزاد فيه ويحسّن من الصرف فى الدراهم وهو فضل بعضها على بعض فى القيمة وكذلك صرف الكلام وله عليه صرف اى فضل لانه إذا فضل صرف عن اشكاله وكذلك منصوب على المصدرية يعنى نصرف الآيات تصريفا مثل تصريفنا فى هذه السورة وَلِيَقُولُوا عطف على مقدر تقديره ليتم التبليغ وليقولوا اى الكفار واللام لام العاقبة يعنى يكون عاقبة الأمر ان يقولوا دَرَسْتَ قرأ نافع والكوفيون بفتح الدال والراء وسكون السين وفتح التاء على صيغة الخطاب من درست الكتاب بمعنى قرات من غيرك قال ابن عباس ليقول اهل مكة حين تقرأ عليهم درست تعلمت من يسار وجبر كانا عبدين من سبى الروم ثم قرأت علينا تزعم انه من عند الله وقرأ ابن كثير وابو عمر دارست من المفاعلة يعنى قارات وذاكرات اهل الكتاب والمعنى واحد وقرأ ابن عامر ويعقوب درست بفتح السين وسكون التاء على صيغة المؤنث الغائب اى قدمت هذه الاخبار التي تتلوها علينا وانمحت من قولهم درس الأثر دروسا وَلِنُبَيِّنَهُ اى القران وهو مذكور لذكر الآيات فيما سبق والآيات هى القران لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فانهم هم المنتفعون به فتصريف الآيات ليتم التبليغ وليشقى به من قال درست وليسعد من تبين له الحق اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعنى اعمل بالقران لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اعتراض لتاكيد إيجاب اتباع الوحى او حال مؤكدة من ربك يعنى منفردا فى الالوهية وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فلا تجادلهم ولا تستمع بأقوالهم ولا تلتفت الى آرائهم وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ايمانهم ما أَشْرَكُوا ولكن حق القول منه لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين فيه

[سورة الأنعام (6) : آية 108]

دليل على ان الكفر والايمان كلا منهما بارادة الله تعالى وان مراده واجب الوقوع خلافا للمعتزلة وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً لاعمالهم رقيبا عليهم ماخوذا باجرامهم وقال عطاء ما جعلنك عليهم حفيظا تمنعهم من عذاب الله انها بعثت معلما وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ تقوم بامرهم قال ابن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فيسب الكفار الله تعالى فانزل الله وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الاية قال البغوي قال ابن عباس لما نزلت انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قال المشركون يا محمد لتنتهين عن سب الهتنا او لتهجون ربك فنهيهم الله ان يسبوا أوثانهم وقال السدى لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنا مرنه ان ينهى عنا ابن أخيه فانا نستحيى ان نقتله بعد موته فيقول العرب كان يمنعه عمه فلما مات قتلوه فانطلق ابو سفيان وابو جهل والنضر بن الحارث وامية وابى ابنا خلف وعقبة بن ابى معيط وعمرو بن العاص والأسود بن ابى البختري الى ابى طالب فقالوا يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وان محمدا قد اذانا والهتنا فتجب ان تدعوه وتنهاه عن ذلك وعن ذكر الهتنا ولندعنه والهه فدعاه فقال هولاء قومك تريد ان تدعنا والهتنا وندعك وإلهك وقد أنصفك قومك فاقبل منهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارايتم ان أعطيتكم هذا هل أنتم معطى كلمة ان تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم العجم قال ابو جهل نعم وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها قال فما هى قال قولوا لا اله الا الله فابوا وتفرقوا فقال ابو طالب قل غيرها يا ابن أخي قال يا عم ما انا بالذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها فى يدى فقالوا التكفن عن سب الهتنا او لنشتمنك ونشتمن من يأمرك فانزل الله عز وجل ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله يعنى لا تذكروا الأوثان بما فيها من القبائح فَيَسُبُّوا اللَّهَ منصوب على جواب النهى عَدْواً تجاوزا عن الحق الى الباطل بِغَيْرِ عِلْمٍ اى على جهالة بالله تعالى وبما يجب ان يذكر به وما هو منزه عنه فظاهر الاية وان كان نهيا عن سب الأصنام فحقيقة النهى عن سب الله تعالى لانه سبب لذلك وفيه دليل على ان الطاعة إذا أدت الى معصية راجحة وجب تركها لان ما يودى الى الشرشر كَذلِكَ اى تزئينا مثل تزئين سب الله للكافرين زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ مؤمنة وكافرة عَمَلَهُمْ من الخير والشر

[سورة الأنعام (6) : آية 109]

توفيقا وتخذيلا فان الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء فظهر ان الأصلح ليس بواجب عليه تعالى ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ مصيرهم فَيُنَبِّئُهُمْ بالمحاسبة والمجازاة بِما كانُوا يَعْمَلُونَ من الخير والشر اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وكذا ذكر البغوي عنه وعن الكلبي قال كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فقالوا يا محمد تخبرنا ان موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فينفجر منه اثنا عشرة عينا وان عيسى كان يحيى الموتى وان ثمود كانت لهم ناقة فاتنا من الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اى شىء تحبون ان اتيكم به قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا وزاد البغوي عنهما او ابعث لنا بعض موتانا حتى نسالهم عنك أحق ما تقول أم باطل او أرنا الملئكة يشهدون لك فذكر ابن جرير والبغوي انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فان فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني قالوا نعم والله لان فعلت لنتبعنك أجمعين وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينزلها عليهم حتى يؤمنوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ان يجعل الصفا ذهبا فجاءه جبرئيل فقال له ان شئت أصبح ذهبا ولكن ان لم يصدقوا عذبتهم وان شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يتوب تائبهم فانزل الله تعالى وَأَقْسَمُوا يعنى الكفار بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ منصوب على المصدرية او مصدر فى موقع الحال يعنى مجتهدين فى إتيان أوكد ما قدروا عليه من الايمان والداعي لهم على القسم وتوكيده التحكم فى طلب الآيات واستحقار ما راوا منها لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ من مقترحاتهم لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ فى قدرته تعالى واختياره يظهر منها ما يشاء وليس شىء منها فى قدرتى واختياري وَما يُشْعِرُكُمْ ما استفهامية للانكار أنكر السبب مبالغة فى نفى المسبب او ما نافية والمعنى على التقديرين انه لا تشعرون خطاب للمشركين الذين اقسموا او للمؤمنين أَنَّها اى الآيات قرأ ابن كثير وابو عمرو وابو بكر عن عاصم ويعقوب بخلاف عنه بكسر الهمزة على الابتداء فعلى هذه القراءة مفعول ما يشعركم محذوف اى ما يشعركم ما يصدر من الكفار بعد مجئ الآيات الايمان او الكفر ثم أخبرهم فقال انها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ هكذا علم الله تعالى فيهم فان مبادى تعيناتهم ظلال الاسم المضل لا يمكن منهم

[سورة الأنعام (6) : آية 110]

الاهتداء وقرأ الباقون بفتح الهمزة على انه مفعول يشعركم لكن قرأ ابن عامر وحمزة لا تومنون بالتاء بصيغة الخطاب على انها خطاب للمشركين والباقون بالياء على الغيبة على انها خطاب للمؤمنين يعنى انكم لا تشعرون ايها المؤمنون او ايها المشركون انها إذا جاءت لا يؤمنون او لا تؤمنون وقيل لا زائدة كما فى قوله تعالى حرام على قرية أهلكناها انهم لا يرجعون ومعناه ما يشعركم انها إذا جاءت يؤمنون وقيل انها بمعنى لعلها يعنى ما يشعركم ما يصدر من الكفار بعد مجئ الآيات لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وقيل فيه حذف وتقديره وما يشعركم ايّها المؤمنون او المشركون انها إذا جاءت لا يؤمنون او تؤمنون بالياء والتاء وَنُقَلِّبُ عطف على لا يؤمنون الا على تقدير كون لا زائدة فحينئذ عطف على ما يشعركم أَفْئِدَتَهُمْ عن الحق فلا يفقهونه وَأَبْصارَهُمْ فلا يبصرونه نظر اعتبار فلا يومنون بها كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ اى بما انزل من الآيات كانشقاق القمر وغيرها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ اى نذرهم متحيرين فى طغيانهم ولا نهديهم. وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى مصدقا لنبوتك باحيائنا وَحَشَرْنا جمعنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا قرأ نافع وابن عامر بكسر القاف وفتح الباء على انه مصدر والباقون بضمهما على انه جمع قبيل بمعنى كفيل اى كفلا بما بشروا وانذروا او جمع قبيل الذي هو جمع قبيلة بمعنى جماعات او مصدر بمعنى مقابلة وعلى الوجوه كلها حال من كل شىء ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا لما سبق عليهم القضاء بالكفر ولكون مبادى تعيناتهم ظلال الاسم المضل إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ يعنى فى حال من الأحوال الا حال مشية الله تعالى ايمان من سبق عليه القضاء بالايمان وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ انهم لو أتوا بكل اية لم يومنوا فيقسمون بالله جهد ايمانهم على ما لا يشعرون ولذلك أسند الجهل الى أكثرهم مع ان مطلق الجهل يعمهم او لكن اكثر المسلمين يجهلون انهم لا يؤمنون فيتمنون نزول الآيات طمعا فى ايمانهم وَكَذلِكَ يعنى كما جعلنا كفار قريش اعداء لك يؤذونك ويخالفون أمرك كذلك جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ سبقك عَدُوًّا وهو دليل على ان عداوة الكفار للانبياء بفعل الله تعالى وخلقه شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بدل من عدوا أو أول مفعول جعلنا وعدوا مفعوله الثاني ولكل متعلق بجعلنا او حال

[سورة الأنعام (6) : آية 113]

والمراد بالشياطين المتمردون من الفريقين قال قتادة ومجاهد والحسن ان من الانس شياطين والشيطان العاتي المتمرد من كل شىء قلت ويؤيده حديث جابر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم نهى عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين فانه شيطان رواه مسلم وقالوا ان الشيطان إذ اعياه المؤمن وعجز عن اغوائه ذهب الى متمرد من الانس وهو شيطان الانس فاغراه بالمؤمن ليفتنه ويدل عليه ما روى عن ابى ذر قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعوذت بالله من شر شياطين الجن والانس قلت يا رسول الله هل للانس من شياطين قال نعم هم شر من شياطين الجن قال مالك بن دينار ان شياطين الانس أشد من شياطين الجن وذلك لانى إذا تعوذت بالله ذهب عنى شياطين الجن وشياطين الانس يجيئنى فيجرنى الى المعاصي عيانا وقال عكرمة والضحاك والسدى والكلبي معنى شياطين الانس التي مع الانس وشياطين الجن التي مع الجن وليس من الانس شياطين وذلك ان إبليس قسم جنده فريقين فبعث فريقا منهم الى الانس وفريقا منهم الى الجن وكلا الفريقين اعداء للنبى صلى الله عليه وسلم ولاوليائه وهم يلتقون فى كل حين فيقول شياطين الانس لشياطين الجن أضللت صاحبى بكذا فاضل صاحبك بمثله ويقول شياطين الجن لشياطين الانس كذلك فذلك وحي بعضهم الى بعض والاول أرجح وأشد موافقة للسياق يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ اى يوسوس شياطين الجن الى شياطين الانس او بعض الجن الى بعض وبعض الانس الى بعض زُخْرُفَ الْقَوْلِ الأباطيل المموهة غُرُوراً منصوب على العلية او المصدرية او مصدر فى موقع الحال يعنى لزينوا الأعمال القبيحة لبنى آدم او يغرهم غرورا او غارين وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ان لا يفعلوا ما فَعَلُوهُ يعنى معادات الأنبياء وايحاء الزخارف او الغرور وهذا ايضا دليل على المعتزلة فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ عليك وعلى الله فان الله يجزيهم وينصرك ويخزيهم وَلِتَصْغى عطف على غرورا إن كان علة او متعلق بمحذوف يعنى وفعلنا ذلك لتصغى اى تميل إِلَيْهِ اى الى زخرف القول أَفْئِدَةُ اى قلوب الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ لانفسهم وَلِيَقْتَرِفُوا اى ليكتسبوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ من المعاصي ولما كانت القريش يقولون للنبى صلى الله عليه وسلم اجعل بيننا وبينك

[سورة الأنعام (6) : آية 114]

حكما فانزل الله تعالى فى جوابهم أَفَغَيْرَ اللَّهِ على ارادة القول يعنى قل لهم يا محمد والفاء للعطف على محذوف يعنى أجيب ما تطلبون منى فغير الله أَبْتَغِي اى اطلب حَكَماً قاضيا بينى وبينكم يفصل المحق منا من المبطل وغير مفعول ابتغى وحكما حال منه ويحتمل ان يكون عكسه وحكما ابلغ من حاكم ولذلك لا يوصف به غير العادل وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ القران المعجز المخبر بالمغيبات مطابقا للكتب المنزلة السابقة مُفَصَّلًا مبينا فيه الحق والباطل بحيث ينفى اللبس حال من الكتاب والجملة حال من الله تعالى وفيه تنبيه على ان القران باعجازه وتقريره مغن عن سائر الآيات وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى اليهود يَعْلَمُونَ أَنَّهُ اى القران مُنَزَّلٌ قرأ ابن عامر وحفص بالتشديد من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ تأكيد لدلالة الاعجاز لان اهل الكتاب يعلمون بالقران كونه محقا لاجل مطابقة كتبهم مع كون النبي صلى الله عليه وسلم اميا لم يدارس كتبهم ولم يجالس علمائهم وانما أسند العلم الى جميعهم لان بعضهم يعلمون وبقيتهم متمكنون منه بأدنى تأمل او بالرجوع الى علمائهم فلا تكوننّ ايها السامع مِنَ الْمُمْتَرِينَ الشاكين فى انه من عند الله تعالى وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ قرأ الكوفيون ويعقوب كلمة بالتوحيد على الجنس والباقون كلمات على الجمع وأراد به اخباره ووعده ووعيده وامره ونهيه الواردة فى القران يعنى بلغت الغاية صِدْقاً فى الاخبار والوعد والوعيد وَعَدْلًا فى الاحكام كذا قال قتادة ومقاتل منصوبان على التميز او الحال لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يعنى لا أجد يبدل شيئا منها قال ابن عباس لاراد لقضائه ولا مغير لحكمه او المعنى لا نبى ولا كتاب بعد القران ينسخها ويبدل أحكامها وَهُوَ السَّمِيعُ لما يقولون الْعَلِيمُ بما يضمرون فلا يمهلهم وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يعنى الكفار فانهم كانوا اكثر من المؤمنين يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن الطريق الموصل اليه تعالى يعنى الدين الإسلام إِنْ يَتَّبِعُونَ اى اكثر اهل الأرض إِلَّا الظَّنَّ يعنى جهالاتهم وآرائهم فى تحليل الميتة وتحريم البحائر ونحوها مما يقولون وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ اى يقولون ما يقولون بالظن والتخمين بلا علم حاصل بدليل صحيح إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ يعنى يعلم بالفريقين فيجازى كلا

[سورة الأنعام (6) : آية 118]

بما يستحقه ومن موصولة او موصوفة فى محل النصب بفعل دل عليه اعلم لا بافعل التفضيل فانه لا يعمل فى الظاهر او هو منصوب بنزع الخافض متعلق بأعلم اى اعلم بمن يضل او استفهامية مرفوعة بالابتداء والخبر يضل والجملة معلق عنها الفعل المقيد روى ابو داؤد والترمذي عن ابن عباس قال اتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله اناكل ما نقتل ولا ناكل ما يقتل الله فانزل الله تعالى فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الفاء للسببية فانه تعالى لما نهى عن اتباع الكفار المضلين فرع عليه قوله فكلوا يعنى لا تتبعوا فى تحريم الحلال وتحليل الحرام آراء الكفار القائلين بتحليل الميتة وتحريم الذبائح إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ فان الايمان به تعالى يقتضى استباحة ما أحل الله واجتناب ما حرمه وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ما استفهامية فى موضع الرفع بالابتداء ولكم خبره وَيعنى والحال انه قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ قرأ نافع وحفص ويعقوب فصل وحرم بالفتح فيهما على البناء للفاعل يعنى بين الله لكم ما حرم الله عليكم وقرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بضم الفاء والحاء وكسر الصاد والراء على البناء للمفعول فيهما وقرأ ابو بكر وحمزة والكسائي فصل على البناء للفاعل وحرم على البناء للمفعول والمراد بتفصيل المحرمات قوله تعالى قل لا أجد فيما اوحى الىّ محرما الاية إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ استثناء من ضمير حرم وما مصدرية بمعنى المدة يعنى فصل لكم ما حرم عليكم فى جميع الأوقات الا وقت الاضطرار اليه فان قيل ما الفائدة فى الاستثناء وقد اغنى عنه قوله فصل لكم ما حرم عليكم فان التفصيل شامل للاستثناء قلنا فائدته المبالغة فى النهى عن الامتناع عن أكل سالم يحرم فان ما حرم يصير عند الاضطرار مباحا بخلاف ما أحل فانه لا يحرم قط وَإِنَّ كَثِيراً من الناس لَيُضِلُّونَ بتحليل الحرام وتحريم الحلال قرأ الكوفيون هاهنا وفى سورة يونس ليضلون بضم الياء على انه من الإضلال والباقون بالفتح بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ من دليل عقلى ولا نقلى إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ المتجاوزين من الحق الى الباطل ومن الحلال الى الحرام وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ يعنى الذنوب كلها ظاهرها من اعمال الجوارح وباطنها من اعمال القلب وصفات النفس قال الكلبي واكثر المفسرين الإعلان بالزنا والاسرار به وقال سعيد بن جبير ظاهره نكاح المحارم وباطنه

[سورة الأنعام (6) : آية 121]

الزنا وقال ابن زيد ظاهره التجرد من الثياب والطواف عريانا وباطنه الزنا وروى عن الكلبي ظاهره طواف الرجال عريانا بالنهار وباطنه طواف النساء عريانا بالليل إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ فى الاخرة بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ يكتسبون فى الدنيا وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ هذه الاية بعمومها حجة لاحمد حيث يقول متروك التسمية عامدا او ناسيا لا يجوز أكله وبه قال داؤد وابو ثور والشعبي ومحمد بن سيرين وقال مالك خص متروك التسمية ناسيا من عموم هذه الاية بحديث ابى هريرة قال سال رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ارايت الرجل منا يذبح وينسى ان يسمى الله قال اسم الله فى فم كل مسلم رواه الدارقطني وحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلم ان نسى ان يسمى حين يذبح فليسم ثم لياكل رواه الدارقطني والحديثان ضعيفان فان فى حديث ابى هريرة مروان بن سالم قال احمد ليس بثقة وقال النسائي والدارقطني متروك وفى حديث ابن عباس معقل مجهول وقال ابو حنيفة ايضا بجواز أكل متروك التسمية ناسيا لكن القول بتخصيص الآحاد لا يصح على اصل ابى حنيفة فقال صاحب الهداية لكنا نقول فى اعتبار ذلك يعنى فى تعميم الاية للناسى ايضا من الحرج ما لا يخفى لان الإنسان كثير النسيان والحرج مدفوع والسمع غير مجرى على ظاهره إذ لو أريد به العموم لجرت المحاجة فظهرت الانقياد وارتفع الخلاف فى الصدر الاول ولا يخفى ضعف هذا القول وقال الشافعي المراد به بما لم يذكر اسم الله عليه الميتات وما ذبح على غير اسم الله تعالى بدليل قوله تعالى وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ والفسق فى ذكر اسم غير الله تعالى كما فى اخر السورة قل لا أجد فيما اوحى الى قوله او فسقا اهل لغير الله به واحتج الشافعي على حل متروكة التسمية عامدا بحديث عائشة قالت ان قوما قالوا يا رسول الله ان هاهنا أقواما حديث عهدهم بشرك يأتوننا بلحمان لا ندرى يذكرون اسم الله عليها او لا قال اذكروا أنتم اسم الله وكلوا رواه البخاري قال البغوي لو كانت التسمية شرطا للاباحة لكان الشك فى وجوده مانعا من أكلها كالشك فى اصل الذبح وبحديث الصلت مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله او لم يذكر رواه ابو داؤد فى المراسيل قالت الحنفية حديث الصلت محمول على حالة النسيان وحديث عائشة حجة لنا لا علينا لانهم سالوا عن الاكل عند

[سورة الأنعام (6) : الآيات 122 إلى 123]

وقوع الشك بالتسمية بعد علمهم بان الذابح مسلم فذلك دليل على انه كان معروفا عندهم اشتراط التسمية للحل وانما امر النبي صلى الله عليه وسلم بالأكل بناء على ظاهر ان المسلم لا يترك التسمية عمدا كمن اشترى لحما من سوق المسلمين يباح له الاكل بناء على الظاهر وان كان يحتمل انه ذبيحة مجوسى وما قال الشافعي ان الاية فى الميتات وما ذبح على غير اسم الله فمدفوع بان العبرة لعموم اللفظ ونصوص الكتاب والسنة لم يرد شىء منها فى الذبح والصيد الا مقيدا بذكر اسم الله تعالى وقد مر هذه المسألة وغيرها من مسائل الذبح فى تفسير سورة المائدة قال فى شرح المقدمة المالكية يجزيه يعنى الذبح لو ترك التسمية عمدا فى مذهب مالك عند ابى القاسم وفى مذهب المدونة لا يجزيه ومذهب المدونة هو المشهور لانها واجبة مع الذكر وكل هذا فى غير المتهاون واما المتهاون فلا خلاف انها لا يوكل ذبيحته تحريما قاله ابن الحارث وابن البشير والمتهاون هو الذي يتكرر منه ذلك كثيرا والله اعلم اخرج الطبراني وغيره عن ابن عباس قال لما نزلت ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق أرسلت فارس الى قريش ان خاصموا محمدا فقولوا ما تذبح أنت بسكين فهو حلال وما ذبح الله بشمشار من ذهب يعنى الميتة فهو حرام وكذا اخرج ابو داؤد والحاكم وغيرهما قول كفار مكة من غير ذكر فارس فنزلت وَإِنَّ الشَّياطِينَ يعنى شياطين الانس من الفارس او شياطين الجن لَيُوحُونَ يعنى ليلقون او ليوسوسون إِلى أَوْلِيائِهِمْ يعنى كفار قريش او مطلق الكفار لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فى استحلال ما حرم إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ع فان من ترك طاعة الله او أطاع غيره واتبعه فى دينه فقد أشرك حذف الفاء من الجزاء لكون الشرط بلفظ الماضي قال الزجاج فيه دليل على ان من أحل شيئا مما حرم الله او حرم ما أحل الله فهو مشرك قلت إذا ثبت ذلك بدليل قطعى أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً يعنى كافرا غافلا قلبه عن الحق قرأ نافع ويعقوب هاهنا وفى يس الأرض الميتة وفى الحجرات لحم أخيه ميتا بتشديد الياء فى الثلاثة والباقون بإسكانها استعارة تمثيلية وكذا فى قوله كمن مثله فى الظلمات فان الكافر لا يمتاز بين ما ينفعه وما يضره كالميت فَأَحْيَيْناهُ يعنى أحيينا قلبه بنور الايمان

وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً «1» يعنى فراسة المؤمن يمتاز به الحق من الباطل يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ يعنى يمشى بذلك النور على طريق يقتضيه العقل السليم والطبع المستقيم والشرع المنزل من الله تعالى كَمَنْ مَثَلُهُ اى صفته مبتدا كونه فِي الظُّلُماتِ خبر لمثله وجاز ان يكون الظرف خبر مبتدأ محذوف اى هو والجملة خبر لمثله والجملة الكبرى صلة وقوله لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها حال من المستكن فى الظرف لا من الهاء فى مثله للفصل والمعنى او من كان مومنا كمن هو كافر لم يومن والاستفهام للانكار يعنى هما لا يتماثلان اخرج ابو الشيخ عن ابن عباس انه قال نزلت فى عمر بن الخطاب وابى جهل واخرج ابن جرير عن الضحاك مثله وقال البغوي قال ابن عباس يريد بهما حمزة بن عبد المطلب وأبا جهل وذلك ان أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث فاخبر حمزة بما فعل ابو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس وحمزة لم يؤمن بعد فاقبل غضبان حتى اتى أبا جهل بالقوس وهو يتضرع ويقول يا با يعلى اما ترى ما جاء محمد به سفّه عقولنا وسب الهتنا وخالف ابائنا فقال حمزة ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله فانزل الله تعالى هذه الاية وقال عكرمة والكلبي نزلت فى عمار بن ياسر وابى جهل فاتفقت الروايات ان المراد عن مثله فى الظلمات ابو جهل ومقابله أحد الثلاثة والظاهر ان هؤلاء الثلاثة أمنوا متقاربين فى الزمان وحينئذ نزلت الاية ولفظها عام فيمكن حمله على كلهم وفى هذه الاية رد لما زعم ابو جهل انه أفضل من المؤمنين الذين خالفوا ابائهم وسبوا الهتهم فكان مقتضى السياق نفى افضلية الكفار فذكر الله سبحانه نفى المساوات ليكون ابلغ فى الدلالة على نفى أفضليتهم وكيلا يتطرق الوهم الى المساوات واستدل على نفى المساوات بما يقتضى افضلية المؤمنين بل اختصاصهم بالجمال والكمال ونفى ذلك عن الكفار بالكلية فاختصاص المؤمنين بالكمال ونفى مساواتهم بالكفار اشارة النص بالمطابقة ونفى افضلية الكفار عبارة النص بالالتزام كَذلِكَ اى كما زين لابى جهل اعماله حيث زعم نفسه أفضل من المؤمنين زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ أجمعين سيئات ما كانُوا يَعْمَلُونَ وَكَذلِكَ اى كما جعلنا فى مكة أكابر مجرميها

_ (1) وعن زيد بن اسلم انها نزلت فى عمر بن الخطاب وابى جهل وعن الحسن مثله وعن ابى سنان مثله 12

[سورة الأنعام (6) : آية 124]

ليمكروا فيها جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها ان كان جعلنا بمعنى صيرنا فمفعولاه اما فى كل قرية وأكابر ومجرميها بدل من أكابر واما أكابر ومجرميها على تقديم المفعول الثاني على الاول وجاز ان يكون أكابر مضافا الى مجرميها أحد مفعوليه والثاني فى كل قرية وإن كان جعلنا بمعنى مكنا فالظرف متعلق بمكنا وأكابر مضافا الى مجرميها مفعوله وافعل التفضيل إذا أضيف جاز فيه الافراد والمطابقة وخصص الأكابر لانهم أقوى فى استتباع الناس والمكر بهم وذلك سنة الله تعالى حيث يجعل اتباع الرسل فى بدو الأمر ضعفائهم والمكر الخديعة كذا فى القاموس وفى الصحاح المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة وكان مكر قريش انهم اجلسوا على كل طريق من طرق مكة اربعة نفر ليصرفوا الناس عن الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ويقولون لكل من يقدم إياك وهذا الرجل فانه كاهن ساحر كذاب وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ حيث يعود إليهم وباله وَما يَشْعُرُونَ ذلك قال البغوي قال قتادة قال ابو جهل زاحمنا بنو عبد مناف فى الشرف حتى إذا صرنا كفرسى «1» رهان قالوا منا نبى يوحى اليه والله لا نومن به ولا نتبعه ابدا الا ان يأتينا وحي كما يأتيه وقيل ان الوليد بن المغيرة قال لو كانت النبوة حقا لكنت اولى به منك لانى اكبر منك سنا واكثر منك مالا فانزل الله تعالى وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا يعنى كفار قريش لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ثم قال الله تعالى اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ «2» رِسالَتَهُ قرأ ابن كثير وحفص على الافراد وفتح التاء والباقون رسالاته بالجمع وكسر التاء استيناف للرد عليهم بان النبوة ليست بالنسب والمال والسن وانما هى فضل من الله تعالى بمن يعلم انه أحق به قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه مبادى تعينات الأنبياء صفات الله تعالى من غير شائبة الظلية ومبادى تعينات غيرهم من الناس ظلال

_ (1) فرسى رهان مثل يضرب لاثنين يستبقان الى غاية فيستويان 5 قاموس 5 (2) عن ابن مسعود ان الله نظر فى قلوب العباد فوجد قلب محمد خير القلوب فاصطفاه لنفسه وبعثه برسالته ثم نظر فى قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما راه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وما راه المؤمنون سيئا فهو عند الله سيئ 12

[سورة الأنعام (6) : آية 125]

الأسماء والصفات وصفات الله تعالى وان كانت واجبة لكن وجوبها بالغير فهى باعتبار احتياجها الى الذات صارت مبادى تعينات الأنبياء والملئكة ومن ثم خصت العصمة بهذين الصنفين غير ان الصفات من حيث بطونها وقيامها بالله تعالى مباد لتعينات الملئكة ومن حيث ظهورها وكونها مصادر للعالم وحجبا مبادى لتعينات الأنبياء فولاية الملئكة ارفع واقرب الى الله تعالى من ولاية الأنبياء وفضلهم على الملئكة انما هو من حيث النبوة المختصة بالبشر وذلك بالتجليات الذاتية البحتة فاستحقاق النبوة والرسالة ناش من كون مبادى تعيناتهم صفات الله تعالى لا من حيث النسب والسن والمال كما زعمه الا عمهون سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا يعنى أكابر الكفار صَغارٌ ذل وهوان عِنْدَ اللَّهِ يوم القيامة وقيل تقديره من عند الله يعنى فى الدنيا والاخرة وَعَذابٌ شَدِيدٌ بالقتل والاسر فى الدنيا كما أصاب كفار قريش يوم بدر وبالنار فى الاخرة بِما كانُوا يَمْكُرُونَ الباء للسببية او المقابلة اى بسبب مكرهم فى الدنيا او جزاء على مكرهم فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ الى معرفة طريق الحق يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ لما نزلت هذه الاية سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرح الصدر قال نور يقذفه الله فى قلب المؤمن فيشرح له ويتفسح قلت يعنى يتسع لمعرفة الحق ويومن قالوا فهل لذلك امارة قال نعم الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور واستعداد الموت قبل نزول الموت أخرجه الحاكم والبيهقي فى شعب الايمان من حديث ابن مسعود واخرج الفريابي وابن جرير وعبد بن حميد من حديث ابى جعفر مرسلا قالت الصوفية العلية شرح الصدر لا يكون الا بعد فناء النفس بزوال عينها واثرها وذلك بتجليات صفات الله تعالى الحسنى فى الولاية الكبرى ولاية الأنبياء وحينئذ يحصل الايمان الحقيقي وَمَنْ يُرِدْ الله سبحانه أَنْ يُضِلَّهُ عن طريق الحق يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً قرأ ابن كثير ضيقا بالتخفيف بإسكان الياء هاهنا وفى الفرقان والباقون بالتشديد وهما لغتان مثل هين وهيّن ولين وليّن وقرأ نافع وابو بكر عن عاصم حرجا بكسر الراء والباقون بفتحها قال سيبويه بالفتح المصدر كالطلب بمعنى الصفة وبالكسر الصفة وهى أشد الضيق وقيل هما لغتان بمعنى الصفة يعنى يجعل صدره بحيث لا يدخله الايمان ويشق عليه قبول الحق ويزعمه مستحيلا

[سورة الأنعام (6) : آية 126]

قال الكلبي يعنى ليس للخير فيه منفذ وقال ابن عباس إذا سمع ذكر الله اشمأز قلبه وإذا ذكر شيئا من عبادة الأوثان ارتاح الى ذلك قرأ عمر بن الخطاب هذه الاية فسال أعرابيا من كنانة ما الحرجة قال الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التي لا يصل إليها راعية ولا وحشية ولا شىء فقال عمر كذلك قلب المنافق لا يصل اليه شىء من الخير كَأَنَّما يَصَّعَّدُ قرأ ابن كثير بالتخفيف وسكون الصاد من المجرد وابو بكر يصاعد بالألف وتشديد الصاد اى يتصاعد والباقون بتشديد الصاد والعين اى يتصعد فِي السَّماءِ شبّهه مبالغة فى ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه فان صعود السماء مثل فيما يبعد من الاستطاعة فيه اشعار بان الايمان يمتنع منه كما يمتنع الصعود عادة وقيل كانما يتصاعد الى السماء يعنى يتباعد عنه فى الهرب عنه كَذلِكَ اى كما يضيق صدره ويبعد قلبه عن الايمان يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ يعنى العذاب كذا قال عطاء وقال الزجاج الرجس اللعنة فى الدنيا والعذاب فى الاخرة وقال الكلبي هو الماثم وقال مجاهد الرجس ما لا خير فيه وقال ابن عباس هو الشيطان يعنى يسلط عليه الشيطان عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اى عليهم وضع المظهر موضع المضمر للتعليل والاية حجة على المعتزلة فى ارادة المعصية وَهذا الذي بينا من شرح صدر من أراد هدايته وجعله ضيقا لمن أراد إضلاله صِراطُ رَبِّكَ طريقه الذي اقتضته الحكمة وسنة التي جرت فى عباده وقيل معناه هذا الذي أنت عليه يا محمد وجاء به القران من الإسلام صراط ربك الموصل اليه مُسْتَقِيماً معناه على التقدير الاول عادلا مطردا وعلى التقدير الثاني لا عوج فيه حال من الصراط والعامل فيها معنى الاشارة قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ من اهل السنة والجماعة فانهم هم المنتفعون بها العالمون بان القادر هو الله تعالى لا غير وان كل ما يحدث من خير وشر بقضائه وخلقه وانه عليم بأحوال العباد حكيم عادل لا مجال لاحد بالاعتراض عليه لَهُمْ اى لقوم يتذكرون بالنصوص ولا يتبعون الأهواء دارُ السَّلامِ يعنى الجنة سميت بها لانها دار السّلام من المكاره او دار تحيتهم فيها سلام او المعنى دار الله أضاف الى نفسه تعظيما عِنْدَ رَبِّهِمْ اى فى ضمانه او ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنهها غيره وَهُوَ اى الله تعالى وَلِيُّهُمْ اى متولى أمورهم فى الدنيا بالتوفيق وفى القبور بالتثبيت فى الجواب جواب المنكر والنكير وفى الاخرة بجزيل الجزاء ويرفعهم فى

[سورة الأنعام (6) : آية 128]

درجات القرب بِما كانُوا يَعْمَلُونَ اى بسبب أعمالهم وَنقول او يقول الله يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ يعنى الجن والانس قرأ حفص بالياء على الغيبة والباقون بالنون على التكلم جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ يعنى الشياطين قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ بان جعلتم كثيرا منهم اتباعكم فى الضلالة او استكثرتم من اغوائهم وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ الذين أطاعوهم رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ اى انتفع الانس من الجن بما يتلقون منهم من الأراجيف والسحر والكهانة وتزئينهم لهم الأمور التي يشتهونها وأطاعه الجن لهم فى تحصيل مراداتهم وإيصالهم الى شهواتهم ويبيت الانس فى جوار الجن حين يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه وانتفع الجن من الانس باستعبادهم واستتباعهم فى الضلالات والمعاصي وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا يعنى يوم القيامة أجلت للبعث اعتراف بذنبهم وتحسر على أنفسهم قالَ الله تعالى النَّارُ مَثْواكُمْ منزلكم او ذات مقامكم خالِدِينَ فِيها حال والعامل فيها مثويكم ان جعل مصدر او معنى الاضافة ان جعل مكانا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ قيل معناه الا مدة سبقت على وقت دخولهم فى النار كانه قيل النار مثويكم الا ما امهلتكم وقيل المستثنى الأوقات التي ينقلون فيها من النار الى الزمهرير وقيل معنى إلا سوى والمعنى خالدين فيها سوى ما شاء الله من انواع العذاب وقال ابن «1» عباس الاستثناء يرجع الى قوم سبق فيهم علم الله انهم يسلمون فيخرجون من النار وما بمعنى من على هذا التأويل إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فيما يفعل باوليائه وأعدائه عَلِيمٌ بما فى قلوبهم من الايمان والنفاق وباعمال الثقلين وأحوالهم وَكَذلِكَ اى كما خذلنا عصاة الجن والانس حتى استمتع بعضهم ببعض نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً اى بعضهم قال قتادة يعنى يجعل بعضهم اولياء بعض المؤمن ولى المؤمن يعينه على الخير والكافر ولى الكافر يبعثه الى الشر وروى معمر عن قتادة معناه نتبع بعضهم بعضا فى النار من الموالاة وقيل معناه نولى ظلمة الانس ظلمة الجن وظلمة الجن ظلمة الانس اى نكل بعضهم الى بعض وروى الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس

_ (1) قلت لعل المراد من قول ابن عباس ان نامنا ممن لم يبلغهم دعوة الرسل سبق فيهم علم الله انهم يسلمون لو بلغهم دعوة الرسل فيخرجون من النار ومن سبق فيه علم الله منهم انهم لا يسلمون يخلدون فى النار 12

[سورة الأنعام (6) : آية 130]

فى تفسير هذه الاية ان الله إذا أراد بقوم خيرا ولّى أمرهم خيارهم وإذا أراد بقوم شرا ولّى أمرهم شرارهم فمعنى نولى بعض الظالمين بعضا اى نسلط بعضهم على بعض فناخذ من الظالم بالظالم كما جاء من أعان ظالما سلطه الله عليه ويؤيد رواية الكلبي عن ابن عباس ما روى الحاكم عن صعصعة بن صوحان عن علىّ عليه السلام انه عليه السلام لما استشهد وضربه ابن ملجم قال الناس يا امير المؤمنين استخلف علينا فقال على ان يعلم الله فيكم خيرا بول عليكم خياركم قال على فعلم الله فينا خيرا فولّى أبا بكر رضى الله عنه وروى الظالم عدال الله فى الأرض ينتقم به من الناس ثم ينتقم منه بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ع من الكفر والمعاصي. مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ اختلفوا فى ان الجن هل أرسل إليهم منهم فسئل الضحاك عنه فقال بلى الم تسمع الله يقول الم يأتكم رسل منكم يعنى رسلا من الانس ورسلا من الجن قال الكلبي كانت الرسل قبل ان يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون الى الجن والى الانس جميعا يعنى الى بعض من كل من الفريقين فانه لم يبعث الى كافتهم الا خاتم الرسل عليه السلام وقال مجاهد الرسل من الانس والنذر من الجن ثم قرأ ولوا الى قومهم منذرين والمراد بالنذر رسل الرسل وهم قوم من الجن يستمعون كلام الرسل فيبلغون الجن ما سمعوا وليس للجن رسل فعلى هذا قوله تعالى رسل منكم ينصرف الى أحد الصنفين وهم الانس كما قال الله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وانما يخرج من الملح دون العذب وقال وجعل القمر فيهن وانما هو فى سماء واحدة قلت الاية تدل على كون الفريقين مرسلين إليهم سواء كان الرسل من كل صنف او من الانس فقط لكن لا مانع من كون بعض الرسل الى الجن منهم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كيف وقوله تعالى لو كان فى الأرض ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا يقتضى كون الرسل الى الجن منهم لكمال المناسبة بين الرسول ومن أرسل اليه كيف وخلقة الجن كان اسبق من آدم عليه السلام وكانوا مكلفين لكونهم من ذوى العقول ولقوله تعالى لا ملئن جهنم من الجنة والناس فلو لم يرسل إليهم حينئذ أحد لم يعذبوا لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فهذه الاية تدل على انه كان قبل آدم عليه السلام من الجن رسلا إليهم ومن هاهنا يظهر ان ما يدعوا اهل الهند من البرازخ ويسمونهم أوتارا ويذكرون فى تواريخهم

[سورة الأنعام (6) : آية 131]

ألوف ومائة ألوف من السنين لعلهم كانوا من الجن برازخ مبعوثين الى الجن ولعل لاهل الهند دين منزل من الله تعالى على الجن استفاد منهم الانس قيل لاجل كونهم مولودين من بطن الجنية منسوخ بشرائع منزلة بعد ذلك فان اصول دينهم يوافق الكتاب والسنة غالبا وما يخالف منه فهو من عمل الشيطان مردود والله اعلم قُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي يقرؤن كتبى يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا يعنى يوم القيامةالُوا جواباهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا بتبليغ الرسل إلينا وبالكفر قال مقاتل وذلك حين شهدت عليهم جوارحهم بالشرك والكفر غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا حتى لم يؤمنوا شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ ذم لهم على سوء اختيارهم فى الدنيا حتى اضطروا الى الاعتراف باستيجاب العذاب ذلِكَ يعنى إرسال الرسل خبر مبتدأ محذوف اى الأمر وما بعده تعليل للحكم او بدل من ذلك والأظهر انه مبتدأ وخبره ما بعده أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ ان مصدرية او مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن يعنى إرسال الرسل كان لانتفاء كون ربك او لان الشان لم يكن ربك مُهْلِكَ الْقُرى اى اهله بِظُلْمٍ اما حال من فاعل مهلك يعنى ما كان ربك مهلكهم ظالما وَأَهْلُها غافِلُونَ لم ينبهوا برسول واما حال من مفعوله واما ظرف لغو متعلق بمهلك يعنى ما كان ربك مهلكهم بسبب ظلم فعلوه او ملتبسين بظلم فى حال غفلتهم من قبل ان يأتيهم الرسل وذلك على جرى العادة من الله تعالى وَلِكُلٍّ من المكلفين دَرَجاتٌ مراتب من الله تعالى فى القرب والبعد مِمَّا عَمِلُوا اى من أجل أعمالهم التي اكتسبوها فى الدنيا فمنهم من هو اقرب منزلة وأجزل ثوابا ومنهم من هو ابعد رحمة وأشد عذابا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فيجزى كلا منهم على حسب عمله قرأ ابن عامر بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ عن العباد وعن عبادتهم ليس إرسال الرسل وتكليف العباد بالأوامر والنواهي لغرض يعود اليه تعالى بل لانه تعالى ذُو الرَّحْمَةِ على خلقه أرسل إليهم الرسل وأمرهم ونهاهم تكميلا لهم ومن رحمته تعالى انه يمهلهم على المعاصي ويتجاوز عنهم إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ اى يهلككم يا اهل مكة بذنوبكم ما به تعالى إليكم حاجة يفوت بذهابكم وَيَسْتَخْلِفْ اى يخلف وينشأ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ من الخلق غيركم أطوع منكم إنشاء كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ

[سورة الأنعام (6) : آية 134]

من أولاد قَوْمٍ آخَرِينَ قرنا بعد قرن لكنه أمهلكم ترحما عليكم إِنَّ ما تُوعَدُونَ من البعث والحساب والاثابة والتعذيب لَآتٍ كائن لا شبهة فيه وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فائتين طالبكم به بل يدرككم حيث ما كنتم قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ قرأ ابو بكر عن عاصم على مكاناتكم وعلى مكاناتهم حيث وقع على الجمع والباقون على الافراد والمكانة اما مصدر من مكن مكانة إذا تمكن وتسلط على شىء يعنى اعملوا على غاية تمكنكم واستطاعتكم او هو اسم ظرف بمعنى المكان استعير هاهنا للحال يقال للرجل إذا امر ان يثبت على حاله على مكانتك يا فلان اى اثبت على ما أنت عليه من الحال وعلى التقديرين امر للتهديد والوعيد والمعنى اثبتوا على كفركم وعداوتكم إِنِّي عامِلٌ على مكانتى التي انا عليها من المصابرة والثبات على الإسلام وعلى ما أمرني به ربى فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ قرأ حمزة والكسائي يكون بالياء هاهنا وفى القصص لان تأنيث العاقبة غير حقيقى والباقون بالتاء لتانيث الفاعل ومن اما موصولة فى محل النصب على انه مفعول يعلمون يعنى فسوف يعرفون الذين يكون له العاقبة الحسنى فى الدار الاخرى او استفهامية فى محل الرفع على الابتداء وفعل العلم معلق عنه يعنى يعلمون أينا يكون له العاقبة الحسنى فى الدار الاخرى إنذار مع الانصاف فى المقال وحسن الأدب وفيه تعريض على انى على علم ويقين بان العاقبة للمتقين إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الواضعون العبادة والطاعة فى غير محلها قال البغوي كان المشركون يجعلون لله تعالى من حروثهم وأنعامهم وثمارهم وسائر أموالهم نصيبا وللاوثان نصيبا فما جعلوه لله صرفوه الى الضيفان والمساكين وما جعلوه للاوثان أنفقوا على خدمها فان سقط شىء مما جعلو الله فى نصيب الأوثان تركوه وقالوا ان الله لغنى عن هذا وان سقط شىء من نصيب الأصنام فيما جعلوه لله ردوه الى الأوثان وقالوا انها محتاجة وكان إذا هلك او انتقص شىء مما جعلوه لله لم يبالونه وإذا هلك او انتقص شىء مما جعلوه للاصنام جبروه بما جعلوه لله وذلك قوله تعالى وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ اى خلقه الله مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً ولشركائهم نصيبا حذف هذه الجملة لظهورها بالمقابلة فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ يعنى زعموا كذلك ولم يأمرهم

[سورة الأنعام (6) : آية 137]

به الله ولا شرع لهم تلك القسمة قرأ الكسائي بضم الزاء والباقون بالفتح وهما لغتان وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ حيث كانوا يتمون ما جعلوا للاوثان مما جعلوا لله تعالى دون العكس قال قتادة كانوا إذا أصابتهم سنة استعانوا بما جعلوا لله وأكلوا منه ووفروا ولم يأكلوا ما جعلوا للاوثان ساءَ ما يَحْكُمُونَ حكمهم هذا واشراكهم خالق الحرث والانعام وسائر الخلائق جمادات لا يقدر على شىء ما وترجيحهم الجمادات على خالق السموات وَكَذلِكَ يعنى تزئينا مثل ما زين لهم قسمة الحرث ونحوها زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ بواد البنات ونحرهم لالهتهم شُرَكاؤُهُمْ فاعل زين قال مجاهد يعنى شياطينهم زينوا وحسنوا لهم واد البنات خيفة الفقر سميت الشياطين شركاء لانهم أطاعوها فى معصية الله وأضيف الشركاء إليهم لاتخاذهم إياها الهة بلا سبب موجب وقال الكلبي شركائهم سدنة الأوثان كانوا يزينون الكفار قتل الأولاد فكان الرجل منهم يحلف لئن ولد له كذا غلاما لينحرن أحدهم وقرأ ابن عامر زين بضم الزاء وكسر الياء على البناء للمفعول الذي هو القتل مرفوعا ونصب الأولاد على المفعولية للقتل وجر الشركاء على ان المصدر مضاف الى الفاعل اعنى الشركاء وترك المفعول اعنى أولادهم منصوبا ويظهر بتواتر هذه القراءة ان اضافة المصدر الى فاعله مفصولا بينهما بمفعوله صحيح فصيح وان ضعفه بعض اهل العربية كذا قال التفتازانيّ او يقال نزل المضاف اليه منزلة الفاعل المرفوع وجاز تقديم المفعول على الفاعل وانما أسند القتل الى الشركاء وان لم يتولوا ذلك لانهم هم الذين زينوا ذلك ودعوا اليه لِيُرْدُوهُمْ اى ليهلكوهم بالإغواء وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ اى ليخلطوا عليهم دينهم الذي كانوا عليه يعنى دين اسمعيل عليه السلام قبل التلبيس كذا قال ابن عباس او المراد دينهم الذي وجب عليهم ان يتدينوا به واللام للتعليل ان كان التزيين من الشياطين وللعاقبة ان كان من السدنة وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ان لا يفعلوا ذلك التخليط واللبس والتزيين او ان لا يقتلوا الأولاد وان لا يجعلوا للاصنام نصيبا من أموالهم ما فَعَلُوهُ اى المشركين ما زين لهم او الشركاء التزيين او الفريقان جميع ذلك فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ

[سورة الأنعام (6) : آية 138]

اى افترائهم او ما يفترونه من الافك وَقالُوا يعنى المشركين هذِهِ يعنى ما جعلوه لله ولالهتهم من الحرث والانعام على ما مر أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ اى حرام مصدر بمعنى المفعول يستوى فيه الواحد والجمع والذكر والأنثى وقال مجاهد يعنى بالانعام البحيرة والسائبة والوصيلة والحام لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء بِزَعْمِهِمْ من غير حجة وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها يعنى البحائر والسوائب والحوامي وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فى الذبح وانما يذكرون اسماء الأصنام وقال ابو وائل معناه لا يحجون عليها ولا يركبون لفعل الخير لانه لما جرت العادة بذكر اسم الله على فعل الخير عبر عن فعل الخير بذكر الله افْتِراءً عَلَيْهِ نصب على المصدر من قالوا لان ما قالوه تقولوا على الله والجار والمجرور متعلق لقالوا او بمحذوف هو صفة له يعنى افتراء واقعا عليه او منصوب على الحال يعنى قالوا ذلك مفترين او على العلية يعنى للافتراء والجار والمجرور متعلق به او بالمحذوف سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ اى بسبب افترائهم او بمقابلة وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ يعنى اجنة البحائر والسوائب ما ولد منها حيا خالِصَةٌ الخالص ما لا شوب فيه والهاء فيه للتاكيد والمبالغة وقال الكسائي خالص وخالصة واحد مثل وعظ وموعظة وقال الفراء ادخلت الهاء لتانيث الانعام لان ما فى بطونها مثلها وقيل نظرا الى المعنى فان معنى ما فى بطونها الاجنة والمراد به حلال خاصة لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا اى نسائنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً قرأ ابن عامر وابو جعفر وابن كثير ميتة بالرفع على الفاعلية على ان يكون تامة لكن المكي قرأ يكن بالياء التحتانية والآخران بالتاء الفوقانية لان الفاعل مؤنث غير حقيقى او لان الميتة لفظه مؤنث ومعناه يعم الذكر والأنثى فجاز التذكير على التغليب والتأنيث على اللفظ والباقون ميتة بالنصب على الخبرية غير ان أبا بكر عن عاصم قرأ تكن بالتاء الفوقانية مع ان الضمير راجع الى الموصول نظرا الى تأنيث الخبر او الى المعنى فان ما فى بطونها هى الاجنة والباقون بالتحتانية نظرا الى لفظ الموصول فَهُمْ اى الذكر والأنثى فِيهِ اى فى الميتة وذكر الضمير لانه يعم الذكر والأنثى شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ منصوب بنزع الخافض اى يوصفهم الله

[سورة الأنعام (6) : آية 140]

كاذبا فى التحليل والتحريم او على المصدرية بحذف المضاف اى جزاء وصفهم إِنَّهُ حَكِيمٌ فى جزائهم عَلِيمٌ بما يفعلون قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا قرأ ابن عامر وابن كثير بتشديد التاء على التكثير والباقون بالتخفيف أَوْلادَهُمْ سَفَهاً جهلا بِغَيْرِ عِلْمٍ بان الله رازق أولادهم ويجوز نصبه على المصدرية او الحال اى قتلا بغير علم او كائنين بغير علم قال البغوي نزلت الاية فى ربيعة ومضر وبعض من العرب كانوا يدفنون البنات احياء مخافة الفقر والسبي وبنو كنانة لا يفعلون ذلك وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ يعنى البحيرة والسائبة والوصيلة والحام افْتِراءً عَلَى اللَّهِ منصوب على العلية او الحالية او المصدرية يعنى يفترون على الله افتراء او حرموا مفترين او للافتراء قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ الى الحق والصواب وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ بساتين مَعْرُوشاتٍ قال ابن عباس ما انبسط على وجه الأرض فانتشر مما يعرض اى يرفع مثل الكرم والقرع والبطيخ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ ما قام على الساق ونسق مثل النخل والزرع وسائر الأشجار وقال الضحاك كلاهما من الكرم منها ما عرش يعنى غرسه الناس فعرشوه ومنها ما نبت فى البراري والجبال فلم يعرشه أحد وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ يعنى ثمره فى اللون والطعم والريح الضمير راجع الى الزرع والباقي مقيس عليه او الى النخل والزرع داخل فى حكمه لكونه معطوفا او للجميع على تقدير كل واحد منهما ومختلفا حال مقدرة لان وقت الإنشاء لا أكل له وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً بعض افرادها ببعض وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ بقيتها كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ اى من ثمر كل واحد منها إِذا أَثْمَرَ وان لم يدرك يعنى أول وقت الإباحة طلوع الثمر ولا يتوقف على الإدراك او يقال فائدة هذا القيد رخصة المالك فى الاكل منه قيل أداء حق الله تعالى وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قرأ ابو عمرو وابن عامر وعاصم حصادة بفتح الحاء والباقون بكسرها ومعناهما واحد كالصرام والصرام والجزار والجزار بالكسر والفتح فيهما اختلفوا فى هذا الحق فقال ابن عباس وطاووس والحسن وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب انه الزكوة المفروضة من العشر ونصف العشر لان الأمر للوجوب ولفظ الحق غالب استعماله فى الواجب والإجماع على انه لا واجب فى المال الا الزكوة وفى الصحيحين عن

طلحة بن عبد الله قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسال عن الإسلام فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات وصيام شهر رمضان والزكوة فقال هل على غيرها قال لا الا ان تطوع فعلى هذا القول هذه الاية مدنية وفيها حجة لابى حنيفة حيث يقول يجب الزكوة فى الثمار مثل الرمان خلافا لمالك والشافعي فانه لا يجب الزكوة عندهما الا فيما يقتات به وقد مر مسائل زكوة الزرع فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وأنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض وقال على بن الحسين وعطاء ومجاهد وحماد والحكم هو حق فى المال سوى الزكوة امر بإتيانه لان الاية مكية وفرضت الزكوة بالمدينة قال ابراهيم هو الضغث وقال الربيع لقاط السنبل اخرج ابن مردويه والنحاس فى ناسخه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم فى هذه الاية قال ما سقط من السنبل وقال مجاهد كانوا يعلقون العذق عند الصرام فياكل منه من مرّ وقال يزيد بن الأصم كان اهل المدينة إذا صرموا يجيئون بالعذق فيعلقونه فى جانب المسجد فيجئ المسكين فيضربه بعصاه فيسقط منه فياخذ ويويد هذا القول حديث فاطمه بنت قيس قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فى المال لحقا سوى الزكوة ثم تلا ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي وقد مر فى تفسير تلك الاية فى البقرة فالمراد بالحق أعم من ان يكون واجبا او مندوبا وقال سعيد ابن جبير كان هذا حقا يومر بإتيانه فى ابتداء الإسلام فصار منسوخا بايجاب العشر قال مقسم عن ابن عباس نسخت الزكوة كل نفقة فى القران وَلا تُسْرِفُوا الإسراف ضد القصد كذا فى القاموس وفى الصحاح انه التجاوز عن الحد فى كل فعل قيل أراد هاهنا بالإسراف إعطاء الكل قال البيضاوي هذه الاية كقوله تعالى ولا تبسطها كل البسط قال البغوي قال ابن عباس فى رواية الكلبي عمد ثابت بن قيس بن شماس فصرم خمسمائة نخلة فقسمها فى يوم واحد ولم يترك لاهله شيئا فانزل الله عز وجل هذه الاية وكذا اخرج ابن جرير عن ابن جريح قال البغوي قال السدى لا تسرفوا اى لا تعطوا سائر أموالكم فتقعدوا فقراء قلت إعطاء الكل انما يكون إسرافا ومنهيا عنه إذا لم يوصل الى عياله ومن له عليه حق حقوقهم كذا قال الزجاج واما بعد أداء

[سورة الأنعام (6) : آية 142]

حقوق اهل الحقوق فاعطاء الكل فى سبيل الله أفضل وليس بإسراف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان لى مثل أحد ذهبا يسرّنى ان لا يمرّ علىّ ثلث ليال وعندى منه شىء الا شىء ارصده لدين رواه البخاري وعن ابى ذر انه استاذن على عثمان فاذن له وبيده عصاه فقال عثمان يا كعب ان عبد الرحمن بن عوف توفى وترك مالا فما ترى فيه فقال إن كان يصل فيه حق الله فلا بأس به فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبا وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أحب لو ان لى هذا الجبل ذهبا أنفقه ويتقبل منى اذر خلفى منه ست أواق أنشدك بالله يا عثمان أسمعته ثلث مرات قال نعم رواه احمد وعن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بلال وعنده صبرة من تمر فقال ما هذا يا بلال قال شىء ادخرته لغد فقال أما تخشى ان ترى له غدا بخارا فى نار جهنم يوم القيامة أنفق يا بلال ولا تخش من ذى العرش إقلالا رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى هريرة قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اى الصدقة أفضل قال جهد المقل وابدأ بمن تعول رواه ابو داؤد وقال سعيد بن المسيب معنى لا تسرفوا لا تمنعوا الصدقة يعنى لا تجاوزوا الحد في الإمساك حتى تمنعوا الواجب من الصدقة وقال مقاتل معناه لا تشركوا الأصنام فى الحرث والانعام وقال الزهري معناه لا تنفقوا فى المعصية وقال مجاهد الإسراف ما قصرت به عن حق الله عز وجل وقال لو كان ابو قبيس ذهبا لرجل فانفقه فى طاعة الله لم يكن مسرفا ولو أنفق درهما او مدّا فى معصية الله تعالى كان مسرفا وقال إياس بن معاوية ما جاوزت به امر الله فهو سرف وإسراف وروى ابن وهب عن ابى زيد انه قال الخطاب فى هذه الاية للسلاطين يقول الله تعالى لا تأخذوا فوق حقكم فهذه الاية نظير قوله صلى الله عليه وسلم وإياكم وكرايم اموال الناس إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ لا يرتضى فعلهم وَانشأ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وهى كل ما حمل عليه من الإبل والبقر وَفَرْشاً وهى ما لا يحمل عليه من الصغار الدانية الى الأرض كالفصال والعجاجيل والغنم كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ امر اباحة وادخل من التبعيضية لان الرزق ليس كله ماكولا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ اى طرقه فى تحليل الحرام وتحريم الحلال

[سورة الأنعام (6) : آية 143]

إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بدل من حمولة وفرشا او مفعول كلوا ولا تتبعوا معترض بينهما او حال من ما بمعنى مختلفة او متعددة والزوج ما معه اخر من جنسه يزاوجه وقد يقال لمجموعهما والمراد الاول مِنَ الضَّأْنِ اسم جنس وهى ذات الصوف من الغنم وجمعه ضئين او الضان جمع ضائن والأنثى ضائنة وجمعها ضوائن اثْنَيْنِ زوجين اثنين الذكر والأنثى اعنى الكبش والنعجة بدل من حمولة ان جوز تعدد البدل ومن ثمانية ان جوز البدل من البدل وَمِنَ الْمَعْزِ وهى ذات الشعر من الغنم قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بفتح العين والباقون بالإسكان وهى جمع ما عز كصحب وصاحب وقال البغوي هو جمع لا واحد له من لفظه وجمع الماعز معزى وجمع الماعزة مواعز اثْنَيْنِ الذكر والأنثى التيس والعنز قُلْ يا محمد آلذَّكَرَيْنِ اجمع القراء على ابدال الهمزة الثانية او تسهيلها وكذا كلما دخل همزة الاستفهام على همزة الوصل نحو آلله آلآن يعنى آلذكر من الضان والمعز حَرَّمَ اى حرمه الله تعالى أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ منهما ونصب الذكرين والأنثيين بحرم أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ يعنى أعم من الذكر والأنثى من الجنين نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ يعنى أخبروني بامر معلوم من عند الله تعالى يدل على تحريم ما تحرمونه إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى دعوى التحريم وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ كما سبق يعنى شىء منهما لم يحرم وذلك انهم كانوا يقولون هذه انعام وحرث حجر وقالوا ما فى بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وكانوا يحرمون البحيرة والسائبة والوصيلة والحام بعضها على النساء فقط وبعضها على الرجال والنساء جميعا فلما جاء الإسلام قام مالك بن عوف ابو الأحوص الجشمي فقال يا محمد بلغنا انك تحرم أشياء مما كان ابائنا يفعلون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم قد حرمتم أصنافا من النعم على غير اصل وانما خلق الله تعالى هذه الأصناف الثمانية للاكل والانتفاع بها فمن اين جاء هذا التحريم من قبل الذكر أم من قبل الأنثى فسكت مالك بن عوف وتحير فلو قال جاء هذا التحريم بسبب الذكورة وجب ان يحرم جميع الذكور ولو قال بسبب

[سورة الأنعام (6) : آية 145]

الأنوثة وجب ان يحرم جميع الأنثى ولو قال باشتمال الرحم وجب ان يحرم الكل فاما تخصيص التحريم بالولد الخامس او السابع او بالبعض دون البعض فمن اين هو ويروى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك يا مالك لا تتكلم قال له مالك بل نتكلم واسمع منك أَمِ بل كُنْتُمْ يا اهل مكة شُهَداءَ حضورا إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا التحريم فانكم لا تؤمنون بنبي ولا كتاب لكم فلا طريق لكم الى المعرفة الا المشاهدة والسماع فَمَنْ أَظْلَمُ يعنى لا أحد اظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فى التحريم والتحليل وغيرهما والمراد عمرو بن لحى الخزاعي ومن جاء بعده على طريقه لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ روى انهم قالوا فما المحرم إذا فنزل قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ وهو يعم القران وغيره ولا وجه لتخصيصه بالقران كيف والكلام فى رد ما يزعمون من تحريم البحائر ونحوها بغير علم وذا لا يتم الا بارادة العموم فان المقصود من هذا الكلام التنبيه ان التحريم وغيرها من الاحكام انما يعلم بالوحى دون الهوى ولا أجد هاهنا من افعال القلوب ومفعوله الاول محذوف ومفعوله الثاني قوله تعالى مُحَرَّماً واختار اكثر المفسرين تقدير طعاما محرما ليصح استثناء الخنزير منه متصلا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ متعلق بمحرما إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً قرأ ابن عامر تكون بالتاء لتانيث الفاعل وميتة بالرفع على الفاعلية ويكون حينئذ تامة وقرأ ابن كثير وحمزة ايضا بالتاء نظرا الى تأنيث الخبر وميتة بالنصب على الخبرية كجمهور القراء والباقون بالياء التحتانية على ان الضمير المستتر فيه راجع الى المحذوف المقدر اعنى طعاما والمستثنى فى محل النصب على الحالية يعنى لا أجد طعاما محرما فى حال من الأحوال الا حال كونه ميتة والميتة ما فارقه الروح حتف انفه من غير فعل أحد فلا يدخل فيه الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع كما يدل عليه العطف فى قوله تعالى حرمت عليكم الميتة الاية فى سورة المائدة ويدل عليه ايضا قول الكفار تزعم يا محمد ان ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتله الكلب والصقر حلال وما قتله الله حرام وانما تثبت حرمة الموقوذة وأخواتها بغير هذه الآيات أَوْ دَماً مَسْفُوحاً اى مهراقا سائلا قال ابن عباس يريد ما خرج من الحيوان وهو حى وما خرج من الأوداج عند الذبح ولا يدخل فيه الكبد والطحال لانهما جامدان وقد جاء الشرع بإباحتهما

نصا واجماعا ولا ما اختلط باللحم من الدم لانه غير سائل أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ اى الخنزير لقربه رِجْسٌ اى قذر ومن هذه الاية ثبت كون الخنزير نجسا عينه ومن ثم لا يجوز بيع شىء من اجزائه ولا الانتفاع به أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ الجملة صفة لفسقا وهو معطوف على لحم خنزير وقوله فانه رجس معترض بين المعطوف والمعطوف عليه سمى الله سبحانه ما ذبح على اسم الصنم فسقا لتوغله فى الفسق وجاز ان يكون فسقا مفعولا له لاهل والجملة معطوفة على يكون والمستكن فيه راجع الى ما رجع اليه المستكن فى يكون فَمَنِ اضْطُرَّ اى دعته الضرورة الى تناول شىء من ذلك غَيْرَ باغٍ اى حال كونه غير باغ للذة وشهوة ولا باغ على مضطر مثله وَلا عادٍ اى متجاوز قدر الضرورة فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» لا يواخذ وقد مر مثل هذه الاية فى سورة البقرة وذكرنا ما يتعلق به هناك. (مسئلة) ذهب بعض العلماء الى ان التحريم مقصور على هذه الأشياء لانحصار التحريم بنص الكتاب فيها ولا يجوز نسخ الكتاب بخبر الآحاد يروى ذلك عن عائشة وابن عباس وبه قال مالك فانه يطلق الكراهة على ما سوى ذلك مما ورد النهى عنها فى الحديث قالوا ويدخل فى الميتة المنخنقة والموقوذة وما ذكر فى أوائل سورة المائدة قلت دخول الموقوذة وأخواتها فى الميتة ممنوع كما ذكرنا وقال اكثر الائمة ابو حنيفة والشافعي واحمد وغيرهم لا يختص التحريم بهذه الأشياء قال البيضاوي الاية محكمة يعنى غير منسوخة لانها تدل على انه لم يجد فيما اوحى اليه الى تلك الغاية محرما غير هذه وذلك لا ينافى ورود التحريم فى شىء اخر فلا يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد وهذا القول غير صحيح عندى فان كل اية او سنة نطقت

_ (1) قال الامام جلال الدين السيوطي فى الإتقان قال الشافعي فى هذه الاية ما معناه ان الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله جاءت الاية مناقضة لغرضهم فكانه قال لا حلال الا ما حرمتموه من البحيرة والسائبة والوصيلة ونحوها يعنى من الانعام ولا حرام الا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أحل لغير الله به فالاية نازلة منزلة من يقول فى جواب قول قائل لا تأكل اليوم حلاوة لا أكل اليوم الا حلاوة والغرض المصادة يعنى فى تحليل الانعام وتحريمها لا النفي والإثبات على الحقيقة قال الامام الحرمين وهذا فى غاية الحسن 12

بحكم غير مقيد بالتابيد او التوقيت فانها مؤيدة ظاهرا نظرا الى الاستصحاب وهو فى علم الله موقت ولا يكون قابلا للنسخ الا هذا القسم من النصوص فالناسخ يكون بيانا لمدة الحكم ولذا سمى النسخ بيان تبديل كيلا يلزم على الله البدء المستحيل وو لا شك ان هذه الاية تدل على حل ما عدا المذكورات فى هذا الوقت من غير دلالة على تابيد الحل او كونه منتهيا الى وقت ومن أجل ذلك كانت الاية رد التحريم البحاير وأخواتها واحتمال ورود التحريم بعد ذلك لا ينافى كون حلها حكما شرعيا ثابتا بنص الكتاب فالحكم الوارد بالسنة بعد ذلك بالتحريم يكون ناسخا للحل البتة فلا يصح ما قيل انه لا يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد فالاولى ان يقال قد لحقه التخصيص بالقطعي الوارد فى المنخنقة وأخواتها والوارد فى تحريم الخمر فانه ايضا من جنس الطعام فان قوله تعالى ليس على الذين أمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الاية وارد فى الخمر والعام المخصوص بالبعض يجوز تخصيصه بخبر الآحاد بل بالقياس ايضا والقول باشتراط المقارنة فى التخصيص ممنوع بل كل ما يخرج بعض الافراد عن الحكم من كلام مستقل فهو مخصص سواء كان متراخيا او مقارنا وانما الناسخ ما سلب الحكم عن جميع الافراد ولو سلمنا هذا الاشتراط فنقول حل جميع الحيوانات الثابت بهذا النص منسوخ بتحريم الخبائث الثابت بقوله تعالى يأمرهم بالمعروف وينهيهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث لكن الطيبات والخبائث مجمل التحق أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الواردة فى تحريم السباع والحمر الاهلية وأمثالها بيانا للاية فالناسخ انما هو الكتاب للكتاب والأحاديث بيان للكتاب او نقول الأحاديث الواردة فى تحريم السباع وغيرها وانكانت من رواية الآحاد لكن تلقتها جميع الامة بالقبول ومالك رحمه الله وان لم يقل بتحريم السباع وأمثالها لكنه يقول بالكراهة التحريمية عملا بتلك الأحاديث فلا شبهة فى قبوله الأحاديث المذكورة فصارت الأحاديث المذكورة مجمعا عليها فجاز نسخ الكتاب بها لكونها قطعية بإجماع الامة على قبولها والاختلاف الواقع فى الضبع والثعلب واليربوع والضب لا يضرابا حنيفة فانه يقول الضبع والثعلب من السباع والضب واليربوع من الحشرات ولا خلاف فى عدم جوازا كل السباع والحشرات وانما الخلاف فى كونها من السباع والحشرات وقد ذكرنا مسائل ما يحل من الحيوانات وما يحرم فى سورة المائدة فى تفسير قوله تعالى اليوم

[سورة الأنعام (6) : آية 146]

أحل لكم الطيبات الاية وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وهى كل ماله إصبع كالابل والسباع والطيور قال القتيبي هو كل ذى مخلب من الطير وكل ذى حافر من الدواب وحكاه عن بعض المفسرين سمى الحافر ظفرا على الاستعارة ولعل مسبب الظلم تعميم التحريم والا فبعضها محرم فى ملة الإسلام ايضا وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما اى ما اشتمل على الظهور والجنوب أَوِ الْحَوايا عطف على ظهورهما يعنى ما اشتمل على الحوايا وهى الأمعاء جمع حاوية او حاوياء أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ يعنى شحوم الالية لاتصالها بعجب الذنب والمخ فبقى بعد الاستثناء شحوم الجوف وهى الثروب وشحوم الكلى ذلِكَ التحريم مفعول ثان لقوله تعالى جَزَيْناهُمْ عقوبة لهم بِبَغْيِهِمْ بسبب ظلمهم من قتل الأنبياء وصدهم عن سبيل الله وأخذهم الربوا وأكلهم اموال الناس بالباطل فان قيل من كان هذا شانه لا يبالى بأكل ما حرم عليه فاى عقوبة وضيق عليهم بالتحريم قلت لعل هذا التحريم لزيادة تعذيبهم فى الاخرة عن جابر بن عبد الله انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام قيل أرأيت شحوم الميتة فانه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح فقال لا هو حرام شحومها ثم قال رسول الله لعن الله اليهود ان الله لما حرم عليهم شحومها جملوها ثم باعوه فاكلوا ثمنه رواه البخاري وغيره والله اعلم وَإِنَّا لَصادِقُونَ فى الاخبار والوعد والوعيد فَإِنْ كَذَّبُوكَ يعنى اليهود فيما أوحيت إليك هذا فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ يمهلكم على التكذيب فلا تغتروا بامهاله فانه لا يهمل وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عذابه عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ إذا جاء وقته او المعنى ذو رحمة واسعة للمؤمنين وذو بأس شديد للمكذبين المجرمين فاقام مقامه ولا يرد بأسه للدلالة على انه لازم بهم لا يمكن رده عنهم سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا اخبار عن مستقبل ففيه اعجاز فانه اخبار عن غيب وقع بعد ذلك وانهم لما لزمتهم الحجة وعجزوا عن جوابها استدلوا على كون ما هم عليهم مشروعا مرضيا لله تعالى بانه لَوْ شاءَ اللَّهُ خلاف ما نحن عليه ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ مما حرمناه يعنى ان الله قادر على ان يحول بيننا وبين ما نحن عليه حتى

[سورة الأنعام (6) : آية 149]

لا نفعله فلولا انه رضى بما نحن عليه وأراد منا وأمرنا به لحال بيننا وبين ذلك وهذا الاستدلال مبنى على جهلهم وعدم تفرقهم بين المشية بمعنى الارادة وبين الرضا فان إرادته تعالى متعلق بالخير والشر ما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون وانه تعالى لا يرضى لعباده الكفر كَذلِكَ اى مثل ما كذبوك فى ان الله منع من الشرك ولم يرض به ولم يحرم ما حرّموه كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ رسلهم حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا عذابنا الذين أنزلنا عليهم بتكذيبهم قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ مستنبط من كتاب او حجة يفيد العلم بانه تعالى راض عن الشرك وحرم ما حرموه او المراد بالعلم امر معلوم يصح الاحتجاج به على ما زعموا فَتُخْرِجُوهُ لَنا ولتظهروا ما أفادكم ذلك العلم وليس الأمر كذلك ولا يقولون انهم يقولون عن علم إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ الحاصل بتقليد الآباء وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ تكذبون والله اعلم قُلْ يا محمّد فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ التامة عليكم باوامره ونواهيه ولا حجة لكم بمشيته فان مشيته لا يلازم رضاه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد على مقتضى حكمته لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون احتج المعتزلة بهذه الاية على ان الكفر ليس بمشية الله تعالى وإرادته والا لما عابهم الله تعالى على قولهم لو شاء الله ما أشركنا ولما كذبهم الله فى هذا القول وبما ذكرنا لك من التفسير ظهر بطلان احتجاجهم بها وان الله تعالى لم يكذبهم فى هذا القول بل قولهم هذا يوافق قوله تعالى فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ولم يقل الله تعالى انكم كاذبون فى هذا القول بل عابهم على تكذيبهم الرسل فى ان الله تعالى ليس براض بالكفرناه عنه ولم يحرم ما يقولونه حراما وعابهم على زعمهم ان تحريمنا البحائر وأشباهها لما كان بمشية الله فهو راض عن ذلك التحريم وان الله حرم هذه الأشياء حيث قال الله تعالى قُلْ يا محمد هَلُمَّ اسم فعل غير منصرف يقال للواحد والتثنية والجمع عند اهل الحجاز ومعناه احضروا شُهَداءَكُمُ اى قدوتكم فى هذا القول استحضرهم ليلزم هم الحجة بأجمعهم ويظهر ضلالتهم وانه لا متمسك لهم كمن يقلدهم ولذلك قيد الشهداء بالاضافة إليهم ووصفهم بقوله الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا الذي زعموه محرما فَإِنْ شَهِدُوا بالباطل فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ اى لا تصدّقهم وبيّن لهم فسادها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا

[سورة الأنعام (6) : آية 151]

بِآياتِنا كان الأصل لا تتبع أهواءهم وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على ان مكذب الآيات متبع الهوى لا غير وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ غيره من الأصنام ونحوها ولما سال المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عما حرمه الله تعالى بعد ظهور بطلان قولهم فى التحريم قال الله تعالى قُلْ يا محمد تَعالَوْا امر من التعالي وأصله فيمن كان فى علو يقول لمن كان فى سفل ثم اتسع فيه بالتعميم أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ ما موصولة او مصدرية منصوبة باتل او استفهامية منصوبة بحرم والجملة مفعول اتل يعنى اتل اى شىء حرم ربكم عَلَيْكُمْ متعلق بحرم او اتل اسم فعل للاغراء بمعنى الزموا أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ ان مصدرية على تقدير كون عليكم بمعنى الزموا والا فمفسرة بفعل التلاوة يعنى اتل عليكم لا تشركوا وجاز ان يكون مصدرية فى محل الرفع تقديره المتلو ان لا تشركوا او فى محل النصب تقديره أوصيكم ان لا تشركوا ويؤيد هذا التقدير قوله تعالى ذلكم وصيكم وان يكون ان مصدرية ولا زائدة ومحلها النصب على انه بدل من الموصول او من عائده المحذوف وتقديره حرم عليكم ان تشركوا او محلها الرفع تقديره المحرم ان تشركوا به شَيْئاً من الإشراك جليا ولا خفيا او شيئا من الالهة الباطلة وَأحسنوا بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً معطوف على لا تشركوا وضع الأمر موضع النهى عن الاساءة إليهما للمبالغة والدلالة على ان ترك الاساءة فى شانهما غير كاف وترك الإحسان بهما اساءة وان كان لا فى لا تشركوا زائدة فالتقدير حرم عليكم ان تشركوا وان تسيئوا بالوالدين بل أحسنوا إحسانا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ «1» يعنى لا تئدوا البنات مِنْ خشية إِمْلاقٍ فقر نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ فى حديث معاذ أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال لا تشرك بالله وان قتلت وحرقت ولا تعقن والديك وان امراك ان تخرج من أهلك ومالك الحديث رواه احمد

_ (1) عن على بن ابى طالب قال لما امر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ان يعرض نفسه على قبائل العرب خرج الى منى وانا معه وابو بكر وكان ابو بكر رجلا نسابة فوقف على منازلهم ومضاربهم بمنى فسلم عليهم وردوا السّلام وكان فى القوم مغروق بن عمر وهانى بن قبيصة والمثنى بن حادثة والنعمان ابن شريك وكان اقرب القوم الى ابى بكر مفروق قد غلب عليهم بيانا ولسانا فالتفت الى رسول الله عليه وسلم فقال الى ما تدعونا يا أخا قريش فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام ابو بكر يظله بثوبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدعوكم الى شهادة ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وانى رسول الله ولا توذونى وتضربونى وتمنعونى حتى أؤدي عن الله الذي أمرني به فان قريشا قد تظاهرت على امر الله وكذبت رسوله واعانت الباطل على الحق والله هو الغنى الحميد قال له والى ما تدعونا ايضا يا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ان لا تشركوا به شيئا الى قوله تتقون قال له مفروق والى ما تدعونا ايضا يا أخا قريش فو الله ما هذا من كلام اهل الأرض ولو كان من كلامهم لعرفناه فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يأمر بالعدل والإحسان الاية فقال له مفروق دعوت والله يا قرشى فى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد افك قومك كذبوك وظاهروا عليك وقال هانى بن قبيصة قد سمعتك مقالتك واستحسنت قولك يا أخا قريش وأعجبني ما تكلمت به ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تلبثوا الا يسيرا حتى يمنحكم الله بلادهم وأولادهم يعنى ارض فارس وانهار كسرى ويفرشكم نباتهم تسبحون الله وتقدسونه قال له النعمان بن شريك اللهم وانى ذلك لك يا أخا قريش فتلا له رسول الله صلى الله عليه وسلم انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضا على يد ابى بكر 12 [.....]

وفى حديث ابن مسعود قال قال رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اى الذنب اكبر عند الله قال ان تدعو لله ندا وهو خلقك قال ثم اى قال ان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك الحديث متفق عليه وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ كبائر الذنوب والزنا ما ظَهَرَ مِنْها من افعال الجوارح علانية وَما بَطَنَ يعنى افعال الجوارح سرا وافعال القلوب من النفاق وغيره ورذائل النفس قوله ما ظهر وما بطن بدل من الفواحش وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتله من مومن او معاهد أَلَّا قتلا متلبسا بِالْحَقِّ اى بحق يبيح قتله من ردة او قصاص او زنا بعد إحصان او نقض عهد او بغى او قطع طريق عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ يشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله الا بإحدى ثلث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة رواه البغوي وقال الله تعالى وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا ائمة الكفر الاية وقال الله تعالى فان بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغى وقال الله تعالى انما جزاء الذين يحاربون الله الاية

[سورة الأنعام (6) : آية 152]

ذلِكُمْ من الأوامر والنواهي وَصَّاكُمْ بِهِ أمركم بحفظه لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ترشدون فان كمال العقل هو الرشد وضده السفه وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ فضلا من ان تأكلوه او تضيعوه بفعله إِلَّا بِالَّتِي اى بالفعلة التي هِيَ أَحْسَنُ ما يفعل بماله من حفظه وتثميره وصلاحه قال مجاهد هى التجارة فيه حَتَّى يَبْلُغَ اليتيم أَشُدَّهُ جمع شد كفلس وأفلس يعنى صفات كماله من البلوغ والرشد بعد البلوغ المنافى للسفه وقيل هى مفرد بمعنى كماله هذا القيد خرج مخرج العادة تأكيدا لا مفهوم له عند أحد فانه كان معتاد اهل الجاهلية التصرف فى ماله من ايام صباه حتى يبلغ أشده فاذا بلغ أشده منع غيره من ماله فقال الله تعالى لا تقربوا مال اليتيم فى شىء من زمان صباه واما بعد ذلك فلا يمكن لكم التصرف فيه لاجل ممانعته وقال البغوي تقدير الاية لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هى احسن ابدا حتى يبلغ أشده فادفعوا اليه ماله إن كان رشيدا قلت وجاز ان يكون غاية للمستثنى يعنى افعلوا بما له الفعلة التي هى احسن حتى يبلغ أشده وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ بالعدل والتسوية وضع الأمر موضع النهى يعنى لا تنقصوا المكيال والميزان لكمال الاهتمام فى الإيفاء فان النهى يقتضى الأمر بضده التزاما والاهتمام فى المطابقة والله اعلم لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اى الا ما يسعها ولا يعسر عليها ذكر هذه الجملة بعد الأمر بالإيفاء بالقسط اشارة الى ان الأفضل ان يعطى من عليه الحق اكثر وأفضل مما وجب عليه تجوز او اخرج ابن مردويه بسند ضعيف من مرسل سعيد بن المسيب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اوفى على يده والميزان والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما لم يواخذ وذلك تاويل وسعها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أداء ثمن فرس وجب عليه زن وأرجح رواه احمد وابو داؤد والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن سويد بن قيس وفى الصحيحين عن ابى هريرة ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فاغلظ له فهم به بعض أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فان لصاحب الحق مقالا ثم قال أعطوه سنا مثل سنه قالوا يا رسول الله لا نجد الا أمثل من سنه قال أعطوه فان خيركم أحسنكم قضاء وهو عند مسلم من حديث ابى رافع بمعناه وعن ابى هريرة قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل يتقاضاه قد استسلف منه شطر وسق فاعطاه وسقا فقال نصف وسق

لك ونصف وسق من عندى ثم جاء صاحب الوسق يتقاضاه فاعطاه وسقين فقال وسق لك ووسق من عندى رواه الترمذي وسنده لا بأس به وكذا الأفضل ان يرضى صاحب الحق من حقه سماحة عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى رواه البخاري لكن الله سبحانه لم يوجب إعطاء اكثر مما وجب عليه ولا الرضا باقل مما له تفضلا فان ذلك شاق على النفوس وذلك قوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها وهذه الأحاديث يؤيد مذهب الشافعي حيث قال ان اهدى المستقرض الى المقرض شيئا او حمله على دابة او اسكنه فى داره ولم يكن ذلك عادة بينهما او اعطى اكثر مما أخذ منه او أجود يجوز ذلك ان كان بغير شرط سبق خلافا للائمة الثلاثة فان ذلك يكره عندهم ولا يحل له أخذ ذلك وقد مر المسألة فى سورة البقرة فى تفسير اية المداينة وَإِذا قُلْتُمْ فى الحكم او الشهادة فَاعْدِلُوا فيه وَلَوْ كانَ المقول له او عليه ذا قُرْبى لكم هذا ايضا امر وضع موضع النهى عن الجور والكذب تأكيدا فى العدالة حتى لا يجوز الشهادة على الظن والتخمين بل على كمال العلم كما يدل عليه لفظة الشهادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله ثلث مرات ثم قرأ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به رواه ابو داؤد وابن ماجة عن خريم بن فاتك واحمد والترمذي عن ايمن بن خريم الا ان ابن ماجة لم يذكر القراءة وعن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاة ثلثة واحد فى الجنة واثنان فى النار فاما الذي فى الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار فى الحكم فهو فى النار ورجل قضى للناس على جهل فهو فى النار رواه ابو داؤد وَبِعَهْدِ اللَّهِ يعنى بما عهد إليكم من ملازمة العدل وتادية احكام الشرع من الأوامر والنواهي او بالنذر واليمين أَوْفُوا هذا ايضا امر فى موضع النهى تأكيدا يعنى لا تنقضوا عهد الله بعد ميثاقه ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها ومقتضى التأكيد والمبالغة فى إتيان الأوامر والنواهي ان يجتنب الشبهات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع فى المشتبهات وقع فى الحرام كراع يرحى حول الحمى يوشك ان يوقعه الحديث متفق عليه من حديث النعمان بن بشير وروى الطبراني فى الصغير بسند

[سورة الأنعام (6) : آية 153]

صحيح عن عمر مرفوعا الحلال بين والحرام بين دع ما يريبك الى ما لا يريبك ذلِكُمْ ما ذكر وَصَّاكُمْ أمركم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ قرأ حمزة والكسائي وحفص بتخفيف الذال حيث وقع فى القران إذا كان بالتاء الفوقانية بحذف احدى التاءين من التفعل والباقون بتشديد الذال وأصله تتذكرون وَأَنَّ هذا قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على الاستيناف والباقون بفتح الهمزة لكن قرأ ابن عامر ويعقوب بإسكان النون على انها محففة من المثقلة واسمه ضمير الشان محذوف والباقون بالتشديد قال الفراء تقديره واتل عليكم ان هذا صِراطِي قرأ ابن عامر بفتح الياء والباقون بإسكانها مُسْتَقِيماً حال من الصراط والعامل معنى الاشارة يعنى ان هذا الذي ذكر فى جمع السورة من التوحيد والنبوة والشرائع طريقى ودينى قلت وجاز ان يكون ان فى محل الجر عطفا على الضمير المجرور فى وصيكم به يعنى ووصيكم بان وقال البيضاوي بتقدير اللام على انه علة لقوله تعالى فَاتَّبِعُوهُ وقيل المشار اليه بهذا ما فى هذه الآيات قال البغوي هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شىء وهن محرمات فى جميع الشرائع على بنى آدم كلهم وهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ اى الطرق المختلفة على حسب الأهواء فان مقتضى الشرع اتباع الكتاب والسنة فيما أدركه العقل وفيما لم يدركه ومقتضى اتباع الآراء الفاسدة انه ان وافقها الكتاب والسنة قبلوهما وان خالفها اوّلوا الكتاب واتبعوا الأهواء وهذا منشأ اختلاف الشيع فصارت روافض وخوارج ومجسمة وجبرية وقدرية وغيرهم وقد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا اظلم عليهم قاموا فَتَفَرَّقَ تلك السبل بِكُمْ ويزيلكم عَنْ سَبِيلِهِ الذي هو اتباع الوحى ذلِكُمْ الاتباع وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الضلال والتفرق عن الحق عن عبد الله بن مسعود قال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله وقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه وقرأ ان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه الاية رواه احمد والنسائي والدارمي وعن عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يومن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به رواه البغوي فى شرح السنة وقال النووي فى اربعينه هذا حديث صحيح ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ

[سورة الأنعام (6) : آية 156]

عطف على وصيكم وثم للتراخى فى الاخبار يعنى ثم أخبركم انا اتينا موسى الكتاب او للتفاوت فى الرتبة كانه قيل ذلكم وصّاكم به قديما وحديثا ثم أعظم من ذلك انا اتينا موسى الكتاب او عطف على قل بتقدير قل يعنى ثم قل اتينا موسى الكتاب او يقال ثم مع الجملة يأتي بمعنى الواو كما فى قوله تعالى ثم الله شهيد قلت ويمكن ان يقال ان قوله تعالى وصيكم خطاب للناس أجمعين من لدن آدم عليه السلام الى الان تغليبا للحاضرين على الغائبين وثم للتراخى فى الحكم والمعنى وصيناكم ايها الناس من بدو خلقكم بما ذكرنا من الشرائع فانها لم تزل فى جميع الشرائع ثم اتينا موسى الكتاب وشرعنا فيه احكاما اخر تَماماً للنعمة والكرامة عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ القيام بالشرائع المتقدمة واما من لم يؤمن بالله وحده ولم يأت بالشرائع المذكورة فلا انتفاع له بالتورية ولا بالقران ولم يتم النعمة والمراد بالذي احسن موسى عليه السلام يعنى تماما عليه النعمة وقيل الذي احسن بمعنى من احسن يعم الواحد والجميع يعنى تماما على من احسن من قوم موسى يدل عليه قراءة ابن مسعود على الذين أحسنوا وقال ابو عبيدة معناه على كل من احسن يعنى اتممنا فضل موسى بالكتاب على المحسنين يعنى أظهرنا فضله عليهم والمحسنون الأنبياء وَتَفْصِيلًا بيانا مفصلا لِكُلِّ شَيْءٍ يحتاج اليه فى الدين وهو عطف على تماما ونصبهما مع ما عطف عليهما للعلية او الحالية او المصدرية وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ اى الناس فى زمن موسى يعنى بنى إسرائيل بِلِقاءِ رَبِّهِمْ اى بالبعث والثواب والعقاب يُؤْمِنُونَ وَهذا القران كِتابٌ أَنْزَلْناهُ عليك بعد موسى مُبارَكٌ اكثر خيرا وبركة من التورية لوجازة نظمه وكثرة علومه وكونه بمنزلة المركز من المحيط للدائرة فَاتَّبِعُوهُ فى نسخ احكام التورية وَاتَّقُوا عذاب الله فى مخالفته لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ باتباعه أَنْ تَقُولُوا خطاب لاهل مكة يعنى لئلا تقولوا او كراهة ان تقولوا علة لانزلناه وقال الكسائي معناه واتقوا ان تقولوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا يعنى اليهود والنصارى والاختصاص بانما لان الباقي المشهور من الكتب السماوية حينئذ لم يكن غير التورية والإنجيل وَإِنْ مخففة من الثقيلة ولذا دخلت اللام الفارقة فى خبرها كُنَّا يعنى وانه كنا عَنْ دِراسَتِهِمْ قراءتهم لَغافِلِينَ لم تعرف الشرائع لكوننا امة أميين فبعث الله محمّدا صلى الله عليه وسلم وانزل القران ليكون حجة على الكافرين من اهل مكة

[سورة الأنعام (6) : آية 157]

ويزيل اعتذارهم ويكون رحمة للعالمين أَوْ تَقُولُوا عطف على الاول يعنى او كراهة ان تقولوا لَوْ ثبت أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ كما انزل على من قبلنا لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ قال البغوي وقد قال جماعة من الكفار لو انا انزل علينا كما انزل على اليهود وا النصارى لكنا خيرا منهم قال الله تعالى فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ حجة واضحة بلغة تعرفونها وتعجزون عن إتيان اقصر سورة مثلها وَهُدىً بيانا لمن تأمل فيها وَرَحْمَةٌ نعمة لمن عمل بها جزاء شرط محذوف يعنى ان صدقتم فيما قلتم فقد جاءكم ما تمنيتم مع وضوح كونه حجة ساطعة وبرهانا قاطعا فَمَنْ يعنى لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ بعد وضوح كونها من الله وبعد تمنى مجيئها وَصَدَفَ يعنى اعرض أو صد عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا وضع الظاهر موضع المضمر للمبالغة فى ذمهم سُوءَ الْعَذابِ اى شدته بِما كانُوا يَصْدِفُونَ اى باعراضهم او صدهم هَلْ يَنْظُرُونَ استفهام للانكار اى ما ينتظرون اهل مكة لايمانهم بالقران إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ قرأ حمزة والكسائي بالياء التحتانية هاهنا وفى النحل على التذكير والباقون بالفوقانية لكون الفاعل مؤنثا غير حقيقى الْمَلائِكَةُ يعنى ملئكة الموت او ملئكة العذاب او ملئكة يشهدون عيانا بصدق الرسول وحقية القران والحاصل انهم لما لم يؤمنوا بعد مجئ ما كانوا يتمنون مجيئه وبعد وضوح امره وسطوع برهانه فلعلهم ينتظرون إتيان الملئكة حتى يومنوا حينئذ مع ان الايمان فى تلك الحالة غير مفيد وقال البيضاوي معناه ما ينتظرون الا إتيان الملئكة شبهوا بالمنتظرين لما كان يلحقهم لحوق المنتظر وجاز ان يكون المراد بإتيان الملئكة نزولهم يوم القيامة فى الموقف كما يدل عليه قوله تعالى أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ بلا كيف لفصل القضاء بين خلقه فى موقف القيامة وقد مر نظير هذه الاية فى سورة البقرة هل ينظرون الا ان يأتيهم الله فى ظلل من الغمام والملئكة وقضى الأمر وقد مر تفسيره وما فيه خلاف السلف والخلف وما يليق ويتعلق به من الكلام هناك فليرجع اليه أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعنى اشراط الساعة قال البغوي يعنى طلوع الشمس من مغربها وعليه اكثر المفسرين ورواه ابو سعيد الخدري مرفوعا «1»

_ (1) عن ابن عباس قال خطبنا عمر فقال ايها الناس ستكون قوم من هذه الامة يكذبون بالرجم ويكذبون بالدجال ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ويكذبون بعذاب القبر ويكذبون بالشفاعة ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا 12 منه

(فصل) فى اشراط الساعة عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال اطلع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فى الساعة فقال انها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم ويأجوج وماجوج وثلث خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب واخر ذلك نار يخرج من اليمن يطرد الناس الى محشرهم وفى رواية نار يخرج من قعر عدن يسوق الناس الى المحشر وفى رواية العاشر ريح تلقى الناس فى البحر رواه مسلم وعن عبد الله بن عمر وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما كانت قبل صاحبتها فالاخرى على اثرها قريبا رواه مسلم وعن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فقال ان يخرج وانا فيكم فانا حجيجه دونكم وان يخرج ولست فيكم فامرء حجيج نفسه والله خليفتى على كل مسلم انه شاب قطط عينه طافية كانى أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فانها جواركم من فتنته انه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه فى الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وساير أيامه كايامكم قلنا فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلوة يوم قال لا اقدروا له قدره قلنا يا رسول الله وما اسراعه فى الأرض قال كالغيث استدبرته الريح فياتى على القوم فيدعوهم فيؤمنون به فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرعا واسبغه ضروعا وامده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف منهم فيصبحون محلين ليس بايديهم شىء من أموالهم ويمر بالخرية فيقول بها اخرجى كنوزك فتتبعه كنوزها كيعا سيب النحل ثم يدعو رجلا ممتليا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهروذتين واضعا كفيه على اجنحة ملكين إذا طاطأ راسه قطر وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان «1» كاللؤلؤء فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات ونفسه

_ (1) حب يتخذ من الفضة 12

ينتهى حيث ينتهى طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لدّ فيقتله ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجات فى الجنة فبينما هو كذلك إذ اوحى الله الى عيسى انى قد أخرجت عبادا لى لا يدان لاحد لقتالهم فحرز عبادى الى الطور ويبعث الله يأجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر اوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا الى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من فى الأرض هلم فلنقتل من فى السماء فيرمون بنشابهم الى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما ويحصر نبى الله وأصحابه حتى يكون راس الثور لاحدهم خيرا من مائة دينار لاحدكم اليوم فيرغب نبى الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف فى رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبى الله عيسى وأصحابه الى الأرض فلا يجدون فى الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم «1» ونتنهم فيرغب نبى الله عيسى وأصحابه الى الله فيرسل الله طيرا كاعناق البخت فيحملهم فيطرحهم حيث شاء الله وفى رواية فيطرحهم فى النهبل «2» ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة «3» ثم يقال للارض أنبتي ثمرتك وردى بركتك فيومئذ يأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك فى الرسل حتى ان اللقحة من الإبل لتكفى القيام من الناس واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتاخذهم تحت اباطهم فيقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون يختلطون منها تهارج الحمر فعليهم يقوم الساعة رواه مسلم الا الرواية الثانية وهى قوله يطرحهم بالنهبل الى قوله سبع سنين رواه الترمذي وعن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الدجال يخرج وان معه ماء ونار فاما الذي يراه الناس ماء فنار يحرق واما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب فمن أدرك ذلك منكم فليقع فى الذي يراه نارا فانه ماء عذب طيب متفق عليه وزاد مسلم وان الدجال

_ (1) فرسى قتلى زهم رائحة اللحم 12 (2) قال صاحب القاموس فى الترمذي فى حديث الدجال فيطرحهم بالنهبل وهو تصحيف والصواب بالميم 12 (3) الزلفة جمعها زلف مصانع الماء وقيل الروضة 12

ممسوح العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب وفى الصحيحين من حديث ابى هريرة انه يجئ ومعه مثل الجنة والنار فالتى يقول انها الجنة هى النار وكذا عند مسلم من حديث حذيفة وفى حديث ابى سعيد عند مسلم إذ راه يعنى الدجال المؤمن قال يا ايها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر الدجال فيوشر بالميشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشى الدجال بين القطعتين ثم يقول قم فيستوى قائما ثم يقول أتؤمن بي فيقول ما ازددت منك الا بصيرة الحديث وفى حديث اسماء بنت يزيد رواه احمد ان من أشد فتنة الدجال انه يأتي الاعرابى فيقول ارايت ان أحييت لك إبلك الست تعلم انى ربك فيقول بلى فيتمثل له الشياطين نحو ابله كاحسن ما يكون ضروعا وأعظمه اسمنة ويأتي الرجل قد مات اخوه ومات أبوه فيقول ارايت ان أحييت لك أباك وأخاك الست تعلم انى ربك فيقول بلى فيتمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه الحديث. (فصل) ويكون قبل تلك الآيات ظهور المهدى عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا منى او من اهل بيتي يواطى اسمه اسمى واسم أبيه اسم ابى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وروى الترمذي بلفظ لا يذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي اسمه اسمى وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من اهل المدينة هاربا الى مكة فياتيه ناس من اهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث اليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فاذا راى الناس ذلك أتاه ابدال الشام وعصائب اهل العراق فيبايعونه ثم ينشا رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم ذلك بعث كلب ويعمل فى الناس بسنة نبيهم ويلقى الإسلام بجرانه فى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون رواه ابو داؤد وروى ابو داؤد عن على انه نظر الى ابنه الحسن وقال ان ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه فى الخلق ولا يشبهه فى الخلق يملأ الأرض عدلا وعن ابى سعيد فى قصة المهدى قال فيجئ رجل فيقول يا مهدى أعطني أعطني قال

فيحثى له فى ثوبه ما استطاع ان يحمله رواه الترمذي وعند الحاكم فى المستدرك يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا يدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته مدرارا ولا يدع الأرض من نباتها شيئا الا أخرجته حتى يتمنى الاحياء الأموات يعيش فى ذلك سبع سنين او ثمان او تسع يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها حينئذ كالمحتضر إذا صار الأمر عيانا والايمان واجب بالغيب لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ الجملة صفة لنفس أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً عطف على امنت احتج بهذه الاية من لم يعتبر الايمان المجرد عن العمل لان معنى الاية انه لا ينفع الايمان حينئذ نفسا لم يؤمن قبل ذلك اليوم ولا نفسا لم تكسب قبل ذلك اليوم خيرا فى إيمانها قلنا هذه الاية لا تدل على عدم نفع ايمان من لم يكسب فيه خيرا مطلقا بل على عدم نفع إيمانه فى ذلك اليوم خاصة وايضا أحد الامرين على التنكير إذا جاءت فى حيز النفي يعم الامرين كما فى قوله تعالى لا تطع منهم اثما او كفورا يعنى لا تطع اثما ولا كفورا فمعنى الاية لا ينفع الايمان نفسا لم تومن ولم تكسب فيه خيرا وقال البغوي معنى الاية لا يقبل حينئذ ايمان كافر ولا توبة فاسق فالمراد بالايمان فى إيمانها التوبة بعموم المجاز فانه يشتمل التوبة عن الكفر والتوبة عن المعاصي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل جعل بالمغرب بابا مسيرة عرضه سبعون عاما للتوبة لا يغلق ما لم يطلع الشمس من قبله وذلك قوله تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل رواه الترمذي وابن ماجة من حديث صفوان بن عسال وروى مسلم من حديث ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها وروى مسلم من حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه وروى احمد وابو داؤد والدارمي عن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينقطع الهجرة حتى ينقطع التوبة ولا ينقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها هذه الأحاديث تدل على ان المراد بالايمان فى قوله تعالى لا ينفع نفسا إيمانها التوبة وقد ورد الأحاديث بلفظ الايمان من غير لفظ التوبة منها ما روى البغوي بسنده عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس

[سورة الأنعام (6) : آية 159]

من مغربها فاذا طلعت وراها الناس أمنوا أجمعون وحينئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت فى إيمانها خيرا وروى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت فى إيمانها خير الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها وتاويل هذه الأحاديث لا يكون الا ان يقال معناه لا ينفع نفسا لم تكن امنت من قبل وكسبت فى إيمانها خيرا إيمانها اى تحصيل الايمان فى ذلك اليوم بعد ما لم يكن. (فائدة) ولعل قوله تعالى لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت فى إيمانها خيرا تدل على ان من كان كافرا قبل ذلك لا يقبل إيمانه بعد ذلك واما من ولد بعد ذلك او أدرك العقل والبلوغ بعد ذلك وأمن فالظاهر انه يقبل إيمانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عيسى بن مريم الى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمسا وأربعين سنة ثم يموت فيدفن معى فى قبرى فاقوم انا وعيسى بن مريم فى قبر واحد بين ابى بكر وعمر رواه ابن الجوزي فى كتاب الوفاء عن ابن عمر قُلِ انْتَظِرُوا يا اهل مكة إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وعيد لهم يعنى حينئذ لنا الفوز وعليكم العذاب إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ قرأ حمزة والكسائي فارقوا من المفاعلة يعنى خرجوا من دينهم وتركوه والباقون فرقوا من التفعيل يعنى أمنوا ببعض وكفروا ببعض او المعنى انهم صاروا فرقا مختلفة قال مجاهد وقتادة والسدى هم اليهود والنصارى تهود قوم وتنصر قوم وكان دين واحدا وهذا ليس بسديد لان تهودهم ابتنى على بعثة موسى ومجيئه بشرع جديد وتنصر آخرين على بعثة عيسى وكان اصول دين اليهود والنصارى واحدا هى اصول دين ابراهيم وانما كفر يهود بانكارهم نبوة عيسى ومحمد صلى الله عليهما وكفر نصارى بانكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وذا ليس بمراد من هذه الاية بل المراد هاهنا تخليطهم فى دينهم ما ليس منه باهوائهم وإغواء الشيطان فالذين افترقوا فى دينهم يعم الذين اتبعوا اهوائهم من الأمم السابقة ومن اصحاب البدع والأهواء من هذه الامة عن عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لياتين على أمتي كما اتى على بنى إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى ان من كان منهم

اتى امه علانية لكان من أمتي من يصنع ذلك وان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفرق أمتي على ثلث وسبعين ملة كلهم فى النار إلا ملة واحدة قالوا من هى يا رسول الله قال ما انا عليه وأصحابي رواه الترمذي وفى رواية احمد وابى داؤد عن معاوية ثنتان وسبعون فى النار وواحدة فى الجنة وهى الجماعة وانه سيخرج فى أمتي أقوام يتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه لا يبقى منه زق ولا مفصل إلا دخله وفى رواية من حديث ابى هريرة افترقت اليهود احدى وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة وتفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة كلها فى الهاوية الا واحدة رواه ابو داؤد والترمذي وصححه وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه قال البغوي روى عن عمر بن الخطاب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة يا عائشة ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا هم اصحاب البدع واصحاب الأهواء من هذه الامة أخرجه الطبراني وغيره بسند جيد واخرج الطبراني بسند صحيح عن ابى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم نحوه وعن العرباض بن سارية قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم اقبل بوجهه فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل يا رسول الله كانّ هذا موعظة مودع فاوصنا فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان كان عبدا حبشيا فان من يعشى منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فان كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة رواه احمد وابو داؤد والترمذي وابن ماجة الا انهما لم يذكرا الصلاة وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعوا السواد الأعظم ومن شذ شذ فى النار ذكره صاحب المصابيح ورواه ابن ماجة عن انس وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله لا يجمع أمتي على ضلالة ويد الله على الجماعة ومن شذ شذ فى النار رواه الترمذي وعن معاذ ابن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والشعاب وعليكم بالجماعة وو العامة وعن ابى ذر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه رواه احمد وابو داؤد والجماعة جماعة الصحابة

ومن تبعهم اعلم ان الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأعطاه كتابه ومثله معه من العلم بالوحى الغير المتلو ومن الكتاب نصوص محكمات لا شبهة فى مرادها واخر خفيات مرادها ومشكلات ومجملات ومتشابهات التزم الله سبحانه على نفسه بيانها للنبى صلى الله عليه وسلم حيث قال ثم ان علينا بيانه ثم علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمه الله أصحابه وعلموه حتى انتهى إلينا فسعادة ابن آدم ان يتبع كتاب الله وسنة رسوله واجماع الصحابة والتابعين ويتبع فى تاويل ما خفى مراده من الكتاب والسنة ما اختاره الصحابة من التأويل واما اهل الأهواء اتبعوا عقولهم وأهواءهم فما وافق من الكتاب آرائهم أخذوه وأمنوا به وما لم يصاعده عقولهم أنكروه وكفروا به فانكروا روية الله سبحانه فى الاخرة وعذاب القبر ووزن الأعمال والصراط والحساب وكون كلام الله غير مخلوق وغير ذلك مما نطق به الكتاب والسنة واجمع عليه الصحابة ففارقوا دينهم وفرقوا كتاب الله أمنوا ببعضه وكفروا ببعضه هذا طريق المعتزلة وكثير منهم وقالوا بوجوب الأصلح على الله سبحانه وامتناع المغفرة وأنكروا القدر وقالوا ان العبد خالق لافعاله دون الله تعالى ولذلك سموا بمجوس هذه الامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القدرية مجوس هذه الامة ان مرضوا فلا تعودوهم وان ماتوا فلا تشهدوهم رواه احمد وابو داؤد من حديث ابن عمر وقال عليه السلام صنفان من أمتي ليس لهما فى الإسلام نصيب المرجئة والقدرية رواه الترمذي وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة لعنتهم لعنهم الله وكل نبى يجاب الزائد فى كتاب الله والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت ليعز من اذله الله ويذل من أعزه الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتى ما حرم الله والتارك لسنتى رواه البيهقي فى المدخل ورزين فى كتابه قلت الزائد فى كتاب الله الروافض يزعمون غير ما بين فى المصحف قرانا ويحكمون ان الصحابة أخرجوه من القران ولا يومنون بقوله تعالى انا له لحافظون والمكذب بقدر الله القهرية والمستحل من عترته صلى الله عليه وسلم الخوارج والتارك لسنة سائر المبتدعة ومن اهل الهواء من اتبع متشابهات الكتاب بناء على زيغ فى قلوبهم ولم يقتفوا السلف فى تأويلها والايمان بها وذلك داب المجسمة والمشبهة وأمثالهم

واما الروافض ففارقوا دينهم بالكلية فان الدين مستفاد من الكتاب والسنة والإجماع فهم تركوا كتاب الله وأنكروا الوثوق عليه حيث قالوا ان عثمان حذف من القران قريبا من الربع وزاد فيه ما زاد وتركوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ادعوا كفر جميع الصحابة وارتدادهم ولا سبيل الى معرفة الأحاديث الا بالسمع ولا يتصور السمع الا بتوسط الصحابة وأنكروا اجماع الصحابة وبنوا دينهم على مفتريات مزخرفات نسبوه الى الائمة جعفر الصادق ومحمد الباقر وابائه الكرام ولما ثبت بالتواتر اثار الائمة مطابقا لاثار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ادعوا افتراض التقية وقالوا كان ظاهر كلام الائمة مبنيا على التقية وما وصل إلينا علموا أسلافنا سرّا مختفين قائلين لا تفشوا هذه الاسرار فان للجدران أذان وأنت تعلم ان ما كان مرويا على سبيل الإخفاء والاسرار لا يحتمل الشهرة والتواتر وان اخبار الآحاد وإن كان من الثقات لا يفيد العلم الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا كيف إذا كان روات الاخبار احادا من الكذابين الا بالسنة مثل عبد الله بن سبا يهودى المنافق وهشام بن سالم وهشام بن حكم وزيد بن جهيم الهلالي وشيطان الطاق وديك الجن الشاعر وغيرهم ذكرنا أحوالهم واحوال غيرهم من رجال الروافض فى السيف المسلول فلعل من اعجاز القران الاشارة الى فرق الروافض الذين يسمون أنفسهم شيعة بقوله تعالى وَكانُوا شِيَعاً اى فرقا تشيع كل فرقة منهم اماما على زعمهم عن على عليه السّلام قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك مثل من عيسى أبغضه اليهود حتى بهتوا امه وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليست له ثم قال على يهلك فىّ رجلان محب مفرط يفرطنّنى بما ليس فى ومبغض يحمله شنآنى على ان يبهتنى رواه احمد وعن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون فى أمتي قوم يسمعون الرافضة يرفضون الإسلام رواه البيهقي وعنه عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سياتى بعدي قوم لهم نيز يقال لهم الرافضة فان أدركتهم فاقتلهم فانهم مشركون قال قلت يا رسول الله ما العلامة فيهم قال يفرظونك بما ليس فيك ويطعنون على السلف رواه الدارقطني واخرج الدار قطنى من طريق اخر نحوه وزاد فيه ينتحلون حبنا اهل البيت وليسوا كذلك واية ذلك انهم يسبون أبا بكر وعمرو فى الباب أحاديث اخر ذكرناها فى السيف المسلول لَسْتَ يا محمد مِنْهُمْ

[سورة الأنعام (6) : آية 160]

فِي شَيْءٍ يعنى أنت بريء منهم وهم براء منك يقول العرب ان فعلت كذا فلست منى ولا انا منك إِنَّما أَمْرُهُمْ فى الجزاء والمكافاة إِلَى اللَّهِ يعنى يجزيهم على قدر تباعدهم عن الحق ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ إذا وردوا يوم القيامة يعنى يجزون اولا على تفرقهم فى دينهم وسوء اعتقادهم ثم يجزون على أفعالهم ومعاصيهم مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها اى فله جزاء عشر حسنات أمثال ما فعل من الحسنة حذف المضاف الى عشر وأقيم صفة الجنس المميز مقام الموصوف ولى فى هذا المقام إشكال وذلك ان جزاء الحسنات والسيئات مقدر بتقدير الله تعالى لا مدخل للراى فيه إذ لا مماثلة بين عمل وجزائه يعرف بالحس او العقل او غير ذلك فالجزاء للحسنة ما قدر الله تعالى له جزاء الا ترى الى ان اجرة أجير يستاجر فى الدنيا بعمل انما يتقدر بالعقد إذ لا مماثلة بين العمل والدراهم مثلا فعلى هذا لا يتصوران يقال من عمل حسنة يعطى له جزاء عشر أمثالها الا إذا كانت تلك الحسنة تجزى فى بعض الافراد بعشر هذا الجزاء فانه ان اعطى رجل على عمل درهما واعطى اخر على تلك العمل عشرة دراهم يقال حينئذ اعطى هذا جزاء عشرة أمثال عمله واما إذا كان كل أحد مثلا يعطى على مثل تلك العمل عشرة دراهم فيكون حينئذ جزاء هذا العمل عشرة دراهم ليس الا عشرة فكيف يقال انه اعطى جزاء عشرة أمثال عمله فالظاهر عندى فى تاويل الاية انها ليست على عمومه وان جزاء كل حسنة أدناه مقدر فى علم الله تعالى بتقدير الله تعالى يعطى بعض المكلفين ذلك الأدنى ثم يضاعف الله تعالى ذلك الجزاء على حسب اخلاص العبد ومراتب قربه من الله تعالى او تفضلا منه تعالى لمن يشاء من عباده فيضاعف من يشاء عشر أمثالها الى سبعين او الى سبعمائة ضعف الى ما شاء الله بغير حساب ويدل على ما قلت حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا احسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى الله عز وجل متفق عليه وجه الدلالة انه عليه السّلام علق التضعيف بحسن إسلامه وحسن الإسلام بتصفية القلب وتزكية النفس المستوجبان للاخلاص فى العمل ويمكن ان يقال ثواب رجل من رجال امة محمد صلى الله عليه وسلم عشرة أمثال ثواب رجل من الأمم السالفة

يدل عليه حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انما اجلكم من أجل من خلا من الأمم ما بين العصر الى مغرب الشمس وانما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لى الى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود الى نصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من نصف النهار الى صلوة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار الى صلوة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من صلوة العصر الى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين الا فانتم الذين يعملون من صلوة العصر الى مغرب الشمس الا لكم الاجر مرتين فغضبت اليهود والنصارى فقالوا نحن اكثر عملا واقل إعطاء قال الله تعالى فهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال الله تعالى فانه فضلى أعطيه من شئت رواه البخاري قلت والتأويل الاول أوجه لان الحديث يدل على تضعيف عمل هذه الامة على الذين من قبلهم مرة لا عشر مرار فلعل ادنى رجل من رجال هذه الامة يعطى ضعف اجر من كان فى الأمم السابقة يضاعف الى عشرة أمثاله او الى سبعين او سبعمائة او الى ما شاء الله تعالى على حسب الإخلاص وتفضلا منه تعالى والله اعلم. وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها لا يضاعف السيئة فى حق أحد من الناس كما يدل عليه قوله تعالى وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ عن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها واغفر ومن تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب منى ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشى أتيته هرولة ومن لقينى بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي لقيته بمثلها مغفرة رواه البغوي قلت معنى قوله لقيته بمثلها مغفرة يعنى ان شئت بدليل قوله فجزاء سيئة بمثلها قال البغوي قال ابن عمر الاية فى غير الصدقات من الحسنات فاما الصدقات تضاعف الى سبعمائة ضعف قلت انما قال ابن عمر هذا نظرا منه الى قوله تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء وزعما منه بتخصيص هذا الحكم بالصدقات

[سورة الأنعام (6) : آية 161]

وليس كذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة رواه مسلم وابو داؤد وابن ماجة وغيرهما من حديث ابى ذر بل ذكر الله تعالى اكثر ثوابا من الصدقات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وارفعها فى درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله رواه ابن ماجة والترمذي والحاكم واحمد عن ابى الدرداء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صدقة أفضل من ذكر الله رواه الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس والله اعلم قُلْ يا محمد إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي قرأ ابو عمرو ونافع بفتح الياء والباقون بالإسكان إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بالعصمة فى اصل الخلقة والوحى والإرشاد الى ما نصب من الحجج دِيناً بدل من محل الى صراط فان معناه هدانى صراطا او مفعول فعل محذوف دل عليه الملفوظ يعنى هدانى دينا قِيَماً قرأ الكوفيون وابن عامر بكسر القاف وفتح الياء مخففة على انه مصدر نعت به وكان قياسه قوما كعوض فاعلّ لاعلال فعله كالقيام وقرأ الباقون بفتح القاف وكسر الياء مشددة على انه فيعل من قام كسيد من ساد وهو ابلغ من المستقيم باعتبار النية والمستقيم باعتبار الصيغة وقال البغوي معناهما واحد وهو القويم المستقيم مِلَّةَ إِبْراهِيمَ عطف بيان لدينا حَنِيفاً حال من ابراهيم وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بالله يا اهل مكة فلم تشركون أنتم على خلاف أبيكم مع انكم تدعون اتباعه عطف على حنيفا قُلْ يا محمد إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي قيل المراد بالنسك الذبيحة فى الحج والعمرة وقال مقاتل نسكى حجى وقيل دينى وقيل عبادتى كذا فى القاموس والصحاح وَمَحْيايَ قرأ نافع بخلاف عن ورش بسكون الياء والباقون بفتح الياء تحرزا عن اجتماع الساكنين وَمَماتِي قرأ نافع بفتح الياء والباقون بالإسكان يعنى حيوتى وموتى لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هو يحيى ويميت وقيل ما انا عليه

[سورة الأنعام (6) : آية 163]

فى حيوتى وأموت عليه من الايمان والطاعات او يقال طاعات الحياة من الصلاة والصوم وغيرهما والطاعات المضافة الى الموت من الوصية والتدبير وقيل معناه طاعاتى فى حيوتى لله وجزائى بعد موتى على الله وقيل محياى بالعمل الصالح ومماتى إذا مت على الايمان لله لا شَرِيكَ لَهُ يعنى لا أشرك به أحدا غيره وَبِذلِكَ القول والإخلاص أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ من هذه الامة ولست أدعوكم الا الى ما سبقتكم به فلست الا ناصحا لكم قال البغوي كان كفار قريش يقولون للنبى صلى الله عليه وسلم ارجع الى ديننا فقال الله سبحانه قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا اشركه فى عبادتى انكار على بغية الغير ربا ولذا قدم المفعول وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ حال فى موقع العلة للانكار يعنى كل ما سواه مربوب له مثلى لا يصلح للمعبودية وفى تعقيب هذا الكلام بعد ما سبق ان دينى دين ابراهيم دفع توهم أخذ دينه تقليدا كما أخذ المشركون دين ابائهم قال البغوي قال ابن عباس كان الوليد بن المغيرة يقول اتبعوا سبيلى احمل اوزاركم فقال الله تعالى وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ خطيئة إِلَّا كائنة إثمها عَلَيْها فلا ينفع أحدا كفالة أحد فى ابتغاء رب غيره تعالى وَلا تَزِرُ اى لا تحمل نفس وازِرَةٌ حاملة وِزْرَ ثقل معاصى نفس أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من الأديان المختلفة فيميز المحق من المبطل ويجزى كلا على حسب عمله واعتقاده وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فى الْأَرْضِ يعنى أهلك اهل القرون الماضية وأورثكم الأرض يا امة محمّد وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ منصوب على التميز من النسبة يعنى رفع درجات بعضكم فوق درجات بعض اخر فى الشرف والغناء وغير ذلك- لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ من الجاه والمال وغير ذلك ليظهر منكم هل تشركون اولا إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ لاعدائه اى يسرع العذاب إذا اراده وتأخير العذاب الى ما بعد الموت او ما بعد القيامة لا ينافى ذلك لان ما هو ات قريب وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ للمؤمنين رَحِيمٌ بهم وصف العقاب بالسرعة ولم يضفه الى نفسه ووصف نفسه بالمغفرة وضم اليه الوصف بالرحمة واتى

ببناء المبالغة واللام الموكدة تنبيها على انه تعالى غفور بالذات معاقب بالعرض رعاية للنظام الجملي الذي هو مقتضى صفة الربوبية كثير الرحمة مبالغ فيها قليل العقوبة مصافح فيها عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت علىّ سورة الانعام جملة واحدة يشيعها سبعون الف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد رواه الطبراني فى المعجم الصغير وابو نعيم فى الحلية وابن مردويه فى تفسيره وعن انس قال لما نزلت سورة الانعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سدوا الأفق رواه الحاكم فى المستدرك وهذا الحديث ايضا يدل على انها نزلت جملة واحدة ولعل ما ذكر فى اسباب نزول آيات منها اتفق وجودها فى تلك الأيام متقاربة فلمناسبة بعض الآيات ببعضها وبعض اخر ببعض اخر منها قيل نزلت هذه الاية فى كذا وهذه فى كذا والله اعلم «1» . تمّت سورة الانعام من التفسير المظهرى التاسع عشر من الربيع الثاني سنة الف ومائة وتسع وتسعين ويتلوه سورة الأعراف ان شاء الله تعالى سنه 1199 هـ

_ (1) عن عمر بن الخطاب قال الانعام من نواجب القران رواه الدارمي يعنى عتاقه وفى رواية من نجائب القران او نواجبه اى أفاضل سوره جمع نجيبة واخرج البيهقي فى الشعب بسند فيه من لا يعرف عن على موقوفا سورة الانعام ما قرئت على عليل الا شفاه الله عنه 12 .

سورة الأعراف

سورة الأعراف مكيّة وبعضها مدنيّة مائة وخمس اية نحمدك يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انّك مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شىء قدير أنت ربّنا وربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ ونصلّى ونسلّم على رسولك وحبيبك سيّدنا ومولانا محمّد وعلى جميع النّبيّين والمرسلين وعلى عبادك الصّالحين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ المص سبق الكلام فى مثله فى سورة البقرة. كِتابٌ خبر مبتدأ محذوف اى هذا كتاب او خبر للحروف المقطعة ان كان المراد به السورة او القران أُنْزِلَ إِلَيْكَ صفة للكتاب فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ الحرج فى الأصل الضيق قال مجاهد المراد هاهنا الشك فان ضيق الصدر سبب للشك وشرح الصدر سبب لليقين وقد مر مسئلة شرح الصدر وضيقه فى سورة الانعام فى تفسير قوله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام الاية وقال ابو العالية المراد منه مخافة الناس فى تبليغ القران من ان يكذبوه ويوذوه فان الخائف فى امر لا ينشط له ولا ينشرح صدره فى الإتيان به وقيل المراد المخافة فى القيام بحقه والخطاب للنبى صلى الله عليه واله وسلم وتوجيه النهى الى الحرج للمبالغة كقولهم لا ارينك يعنى لا تشك فى انه منزل من الله تعالى او لا تخف أحدا من الناس ولا تبال بهم فنحن الحافظون لك او لا تخف ترك القيام بحقوقه فنحن نيسر لك ونوفقك والفاء يحتمل العطف والجواب كانه قيل إذا انزل إليك فلا تحرج صدرك لِتُنْذِرَ بِهِ متعلق بانزل او لا يكن لانه إذا أيقن انه من عند الله جسر على الانذار وكذا إذا لم يخفهم او علم

[سورة الأعراف (7) : آية 3]

انه موفق للقيام به وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ اى عظة لهم مرفوع عطفا على كتاب او خبر المحذوف او منصوب بإضمار تذكر اى تذكر ذكرى او مجرور عطفا على محل تنذر. اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ بتوسط الرسول صلى الله عليه واله وسلم مِنْ رَبِّكُمْ وحيا جليا او خفيا فيعم السنة ايضا وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ اى دون الله تعالى حال من قوله أَوْلِياءَ من الجن والانس تطيعونهم فى معصية الله تعالى خرج بقوله تعالى من دونه من كان ولايته من جهة الله تعالى كالانبياء والعلماء قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا وما مزيدة لتاكيد القلة وليست بمصدرية والا لم ينتصب قليلا بتذكرون قرأ ابو عمرو يتذكرون بالياء التحتانية على صيغة الغيبة والخطاب مع النبي صلى الله عليه واله وسلم والباقون بغير ياء على صيغة الخطاب بحذف أحد التاءين على انه خطاب مع الناس قلت نسبة قلة التذكر الى جميع الناس مبنى على كثرة تذكر قليل منهم وهم المؤمنون. وَكَمْ خبرية مبتدأ مِنْ قَرْيَةٍ تميز لها أَهْلَكْناها خبر للمبتدا اى أردنا اهلاكها او خذلناها فَجاءَها اى جاء أهلها بَأْسُنا عذابنا وجاز ان يكون الفاء للبيان والتفسير كما فى قوله أحسنت الىّ فاعطينى فيكون قوله فجاءها بأسنا بدلا من قوله أهلكناها بَياتاً اى بائتين ليلا كقوم لوط مصدر وقع موقع الحال أَوْ هُمْ قائِلُونَ اى نائمون فى الظهيرة كقوم شعيب والقيلولة استراحة نصف النهار وان لم يكن معه نوم والجملة معطوفة على بيانا عطف الجملة على المفرد حال من القرية بمعنى أهلها وانما حذفت واو الحال استثقالا لاجتماع حرفى العطف فانها واو عطف استعيرت للوصل لا اكتفاء بالضمير فانه غير فصيح ومعنى الاية انه جاءهم العذاب وهم غافلون غير متوقعين له ووجه تخصيص الوقتين بالذكر المبالغة فى بيان غفلتهم وامنهم من العذاب. فَما كانَ دَعْواهُمْ اى قولهم ودعائهم وتضرعهم قال سيبويه يقول العرب اللهم أشركنا فى صالح دعوى المسلمين إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ يعنى الا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه والمعنى انهم لم يقدروا على رد العذاب بل اعترفوا بذنبهم حين لا ينفعهم الاعتراف. فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ اخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس انه قال نسأل الناس جميعا عما أجابوا المرسلين

ولنسألن المرسلين عما بلغوا واخرج ابن المبارك عن وهب قال إذا كان يوم القيامة دعى اسرافيل ترعد فرائصه فيقال ما صنعت فيما ادى إليك اللوح فيقول بلغت جبرئيل فيدعى جبرئيل ترعد فرائصه فيقال ما صنعت فيما بلغك اسرافيل فيقول بلغت الرسل فيوتى بالرسل فيقال ما صنعتم فيما ادى جبرئيل فيقولون بلغنا الناس وهو قوله تعالى فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين واخرج مسلم عن جابر ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال فى خطبته فى حجة الوداع أنتم تسألون عنى فهل أنتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فقال اللهم اشهد واخرج احمد عن معوية بن جيدة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ان ربى داعى وانه سائلى هل بلغت عبادى وانى قائل قد بلغتهم فليبلغ منكم الشاهد الغائب ثم انكم تدعون مقدمة أفواهكم بالغداة ان أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه واخرج ابو الشيخ فى العظمة عن ابى سنان قال أول من يحاسب يوم القيامة اللوح يدعى به ترعد فرائصه فيقال له هل بلغت فيقول نعم فيقول ربنا من يشهد لك فيقول اسرافيل فيدعى اسرافيل ترعد فرائصه فيقول هل بلغك اللوح قال نعم قال اللوح الحمد لله الذي نجانى من سوء الحساب واخرج ابن المبارك فى الزهد عن ابى حبلة قال أول من يدعى يوم القيامة اسرافيل فيقول الله هل بلغت عهدى فيقول نعم قد بلغته جبرائيل فيدعى جبرائيل فيقال هل بلغك اسرافيل عهدى فيقول نعم فيخلى عن اسرافيل فيقول لجبرئيل ما صنعت فى عهدى فيقول يا رب بلغت الرسل فيدعى الرسل فيقول للرسل هل بلغكم جبرئيل عهدى فيقولون نعم فيقال لهم ما صنعتم فى عهدى فيقولون بلغناه الأمم فيقال لهم هل بلغكم الرسل فمكذب ومصدق فيقول الرسل لنا عليهم شهداء فيقول من فيقولون امة محمد صلى الله عليه واله وسلم فتدعى امة محمد صلى الله عليه واله وسلم فيقال لهم تشهدون ان الرسل قد بلغت الأمم فيقولون نعم فتقول الأمم يا ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول الله كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم فيقولون يا ربنا أرسلت إلينا رسولا وأنزلت علينا كتابا وقصصت علينا ان قد بلغوا فذلك قوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا الاية وقد ذكرنا حديث ابى سعيد الخدري فى الشهادة فى سورة البقرة فى تفسير تلك الاية وجاز ان يكون المراد ولنسألن المرسلين عما اجابتهم الأمم نظيره قوله تعالى يوم يجمع الله الرسل

[سورة الأعراف (7) : آية 7]

فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا انك أنت علام الغيوب وقد مر تفسير الاية فى سورة المائدة. فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ اى على الرسل والمرسل إليهم حين يقول الرسل لا علم لنا او حين أنكر الأمم التبليغ وشهد عليهم امة محمد صلى الله عليه واله وسلم بِعِلْمٍ اى بمعلومنا منهم او المعنى عالمين بظواهرهم وبواطنهم وَما كُنَّا غائِبِينَ عن الرسل فيما بلغوا او عن الأمم فيما أجابوا وفيما شهد عليهم امة محمد صلى الله عليه واله وسلم وانما كان السؤال لتوبيخ الكفرة وتقريعهم واظهار شرف الأنبياء والمسلمين وتفضيل امة محمد صلى الله عليه وسلم بالشهادة. وَالْوَزْنُ اى وزن الأعمال بالميزان مبتدأ خبره يَوْمَئِذٍ اى كائن يوم إذا تحقق السؤال من المرسلين والمرسل إليهم الْحَقُّ صفة للمبتدأ ومعناه العدل السوىّ او خبر لمحذوف اى هو الحق لا شبهة فيه يجب الايمان به اخرج البيهقي فى البعث عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما فى حديث سوال جبرئيل عن الايمان قال يا محمد ما الايمان قال ان تؤمن بالله وملئكة ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره قال فاذا فعلت هذا فانا مؤمن قال نعم قال صدقت واخرج ابن المبارك فى الزهد والآجري فى الشريعة عن سلمان وابو الشيخ فى تفسيره عن ابن عباس قال الميزان له لسان وكفتان واختلفوا فى كيفية الوزن فقال بعضهم يوزن صحايف أعمالهم لما روى الترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يجاء برجل من أمتي على رؤس الاشهاد يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر فيقول أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتى الحافظون فيقول لا يا رب فيقول بلى ان لك عندنا حسنة وانه لا ظلم عليك اليوم فتخرج له بطاقة فيها اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول انك لا تظلم فتوضع السجلات فى كفة والبطاقة فى كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله تعالى شىء واخرج احمد بسند حسن عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم توضع الموازين يوم القيامة فيوتى بالرجل فيوضع فى كفة ويوضع ما احصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به الى النار فاذا أدبر به إذا صائح يصيح من عند الرحمن لا تعجلوا فانه قد بقي له فيوتى

ببطاقة فيها لا اله الا الله فيوضع مع الرجل حتى يميل به الميزان واخرج ابن ابى الدنيا عن عبد الله بن عمرو قال ان لادم من الله موقفا عليه ثوبان أخضران كانه نخلة «1» سحوق ينظر الى لمن ينطلق به من ولده الى النار فبينما آدم على ذلك إذ نظر الى رجل من امة محمد صلى الله عليه واله وسلم ينطلق به الى النار فينادى آدم يا احمد فاقول لبيك يا أبا البشر فيقول هذا رجل من أمتك ينطلق به الى النار فاشد الميزر اسرع فى اثر الملئكة وأقول يا رسل ربى قفوا فيقولون نحن الغلاظ الشداد الذين لا نعصى الله ما أمرنا ونفعل ما نومر فاذا ايس النبي صلى الله عليه واله وسلم قبض على لحيته بيده اليسرى واستقبل العرش بوجهه فيقول رب قد وعدتني ان لا تخزينى فى أمتي فيأتى النداء من عند العرش أطيعوا محمدا وردوا هذا العبد الى المقام فاخرج من حجرتى بطاقة بيضاء كالانملة فالقيها فى كفة الميزان اليمنى وانا أقول بسم الله فترجح الحسنات على السيئات فينادى سعد وسعد جده وثقلت موازينه انطلقوا به الى الجنة فيقول يا رسل ربى قفوا حتّى اسأل هذا العبد الكريم على ربه فيقول بابى وأمي ما احسن وجهك واحسن خلقك من أنت فقد أفلتني ورحمت عزتى فاقول انا نبيك محمد وهذه صلوتك التي كنت تصليها علىّ وافتك أحوج ما تكون إليها وقال بعضهم يوزن الاشخاص لما روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال انه لياتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ثم قرأ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا واخرج ابو نعيم والا جرى فى قوله تعالى قال القوى الشديد الأكول الشروب يوضع فى الميزان فلا يزن شعيرة يدفع الملك عن أولئك سبعين الفا دفعة واحدة فى النار وقال بعضهم يوزن الأعمال أنفسها يعنى يجسّد الأعمال وتوزن لما روى البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان عند الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وبحمده وروى مسلم عن ابى مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الطهور شطر الايمان والحمد لله يملأ الميزان وروى الاصبهانى فى الترغيب عن ابن عمر رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول سبحان الله نصف الميزان والحمد لله يملأ الميزان وروى ابن عساكر من حديث ابى هريرة مثله و

_ (1) النخلة السحوق اى الطويلة بعد ثمرها على المجتنى 12

روى البزار والحاكم عن ابن عمر ورضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال ان نوحا لما حضرته الوفاة دعا ابنيه فقال امر كما بلا اله الّا الله فان السموات والأرض وما فيها لو وضعت فى كفة الميزان ووضعت لا اله الا الله فى الكفة الاخرى كانت أرجح منها وروى ابو يعلى وابن حبان والحاكم وصححه عن ابى سعيد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال قال الله تعالى يا موسى لو ان السموات وعامرهن غيرى والأرضين السبع فى كفة ولا اله الا الله فى كفة لمالت بهن لا اله الا الله وروى الطبراني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده لوجئ بالسماوات والأرض وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعت فى كفة الميزان ووضعت شهادة ان لا اله الا الله فى الكفة الاخرى لرجحت بهن وروى ابو داؤد والترمذي وصححه وابن حبان عن ابى الدرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما من شىء أثقل فى الميزان من حسن الخلق وروى البزار والطبراني وابو يعلى وابن ابى الدنيا والبيهقي بسند حسن انه قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا أبا ذر الا ادلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل فى الميزان من غيرهما قال بلى يا رسول الله قال عليك بحسن الخلق وطول الصمت فو الذي نفسى بيده ما عمل الخلائق بمثلهما واخرج احمد فى الزهد عن رجل يقال له حازم ان النبي صلى الله عليه واله وسلم نزل عليه جبرئيل وعنده رجل يبكى فقال من هذا قال فلان قال جبرئيل انما يوزن اعمال بنى آدم كلها الا البكاء فان الله يطفئ بالدمعة بحورا من نار واخرج البيهقي عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما إذ «1» رفت عين الا حرم الله سائر الجسد على النار ولا سالت قطرة على خدّها فترهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة ولو ان باكيا بكى من امة من الأمم وما من شىء إلا وله مقدار وميزان الا الدمعة فانها تطفئ بها بحار من نار قلت هذه الأحاديث وانكانت ظاهرة فى انه توزن الأعمال أنفسها لكنها يحتمل فيها وزن سجلات كتبت فيها الأعمال او اشخاص صدرت منهم واخرج فى انها تجسّد وتوزن ما رواه البيهقي فى شعب الايمان من طريق السدى الصغير عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال الميزان له

_ (1) إذ رفت العين يعنى اجرى دمعها نهايه 12

لسان وكفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات فيوتى بالحسنات فى احسن صورة فيوضع فى كفة الميزان فيثقل على السيئات «1» فيوخذ فيوضع فى الجنة عند منازله ثم يقال للمؤمن الحق بعملك فينطلق الى الجنة فيعرف منازله بعمله ويوتى بالسيئات فى أقبح صورة فتوضع فى كفة الميزان فتخفف والباطل خفيف فتطرح فى جهنم الى منازله منها ويقال له الحق بعملك النار فياتى النار فيعرف منازله بعمله وما أعد الله فيها من ألوان العذاب قال ابن عباس فلهم اعرف بمنازلهم فى الجنة والنار بعملهم من القوم ينصرفون يوم الجمعة راجعين الى منازلهم لكن الحديث ضعيف لاجل السدى الصغير وما رواه ابن المبارك عن حماد بن ابى سليمان قال جاء رجل يوم القيامة فيرى عمله مختصرا فبينما هو كذلك إذ جاءه مثل السحاب حتى يقع فى ميزانه فقال هذا ما كنت تعلّم الناس من الخير فورثت بعدك فاجرت فيه واخرج ابن عبد الرزاق عن ابراهيم النخعي نحوه وما روى الطبراني عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول من تبع جنازة يوضع فى ميزانه قيراطان مثل أحد وما روى الاصبهانى عن عايشة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال ان للصلوة المكتوبة عند الله وزنا من انتقص منها شيئا حوسب فيها على ما ينقص وفى حديث ابى هريرة مرفوعا عند ابى داؤد قال ان انتقص من فريضته شىء قال الرب تبارك وتعالى انظروا هل لعبدى من تطوع فيكمل بها من انتقص من الفريضة ومن الأحاديث ما يدل على ان الأجسام التي لها تعلق بالأعمال توضع فى الميزان منها ما روى الطبراني فى الأوسط عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أول ما يوضع فى ميزان العبد يوم القيامة النفقة على اهله وما فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من احتبس فرسا فى سبيل الله ايمانا وتصديقا بوعده كان شبعه وريه وروثه وبوله فى ميزانه يوم القيامة وما روى الطبراني عن على رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم من ارتبط فرسا فى سبيل الله فعلفه واثره فى ميزانه يوم القيامة وما فى حديث علىّ عند الاصفهانى بسند حسن انه قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم

_ (1) لعل المراد بالسيئات العقائد الفاسدة التي يزعمها صاحبها حقة ومن الأعمال ما يزعمها صاحبها عبادة وهى عند الله باطلة غير معتد بها 12 نهايه

[سورة الأعراف (7) : آية 9]

لفاطمة قومى فاشهدى أضحيتك فان لك باول قطرة تقطر من دمها مغفرة لكل ذنب اما انه يجاء بدمها ولحمها فيوضع فى ميزانك سبعين ضعفا قال ابو سعيد يا رسول الله هذا لال محمد خاصة فقال لال محمد وللمسلمين عامة وما اخرج البيهقي عن ابن مسعود موقوفا وابن حبان فى صحيحه عن ابى ذر مرفوعا وابن عساكر بسند ضعيف عن ابى هريرة انه قال عليه الصلاة والسلام من توضأ فمسح بثوب نضيف فلا بأس به ومن لم يفعل فهو أفضل لان الوضوء يوزن يوم القيامة مع سائر الأعمال واخرج ابن ابى شيبة فى المصنف عن سعيد بن المسيب انه كره المنديل بعد الوضوء وقال هو يوزن واخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال أعطيت ناقة فى سبيل الله فاردت ان اشترى من نسبها فسألت النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال دعها لتاتى يوم القيامة هى وأولادها جميعا فى ميزانك واخرج الذهبي عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ جمع موزون يعنى اعماله التي توزن والمراد بها حسناته كذا قال مجاهد فانها هى المقصود بوجودها او هو جمع ميزان وعلى هذا ايضا المراد كفة الحسنات من ميزانه وعلى هذا التأويل تدل الاية على ان لكل أحد ميزان على حدة فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بالنجاة والثواب. وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ اى اعماله الحسنة او كفة حسناته وهذا وان كان يعم الكافر الذي لا حسنة له أصلا والمؤمن الذي ترجحت سياته على حسناته لكن المراد به هاهنا هم الكفار جريا على عادة القران غالبا حيث يذكر الكفار فى مقابلة الأبرار وقيل ذكر الذين خلطوا عملا صالحا واخر سيئا من المؤمنين فالكفارهم المحكوم عليهم بقوله تعالى فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بتضيع الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها وارتكاب موجبات العذاب بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ فيكذبون بالآيات بدل التصديق وقد ذكرنا تفسير الاية وما يتعلق به فى سورة القارعة فى تفسير قوله تعالى فمن ثقلت موازينه فهو فى عيشة راضية واما من خفت موازينه فامه هاويه فليرجع اليه قال ابو بكر الصديق رضى الله عنه حين حضره الموت فى وصيته لعمر بن الخطاب رضى الله عنه انما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق فى الدنيا

[سورة الأعراف (7) : آية 10]

وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا ان يكون ثقيلا وانما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل فى الدنيا وخفته عليهم وحق لميزان ان يوضع فيه الباطل غدا ان يكون خفيفا قلت لعل المعنى وحق لميزان اى كفة الحسنات ان يوضع فيه الباطل يعنى العقائد والأعمال التي يراها العامل حسنات وهى عند الله كفريات وبدعات وقبائح ان يكون خفيفا فانها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده قوفاه حسابه والله اعلم. وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ اى اقدرناكم على سكناها وزرعها والتصرف فيها وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ جمع معيشة اى أسبابا تعيشون بها ايام حياتكم من الزرع والضرع والمآكل والمشارب والتجارات والمكاسب قَلِيلًا ما اى شكرا قليلا او فى زمان قليل تَشْكُرُونَ فيما صنعت لكم. وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ يعنى قدرناكم فى العلم فى المرتبة الأعيان الثابتة ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ يعنى أباكم آدم نزل تصويره منزلة تصويرا لكل وابتدأنا خلقكم ثم تصويركم بان قدرنا آدم وصورناه وذلك ابتداء تقديركم وتصويركم وقال ابن عباس خلقناكم اى أصولكم واباءكم ثم صورناكم فى أرحام أمهاتكم كذا قال قتادة والضحاك والسدى وقال مجاهد خلقنكم يعنى آدم ذكره بلفظ الجمع لانه ابو البشر فخلقه خلق من يخرج من صلبه ثم صورناكم فى ظهر آدم وقيل صورناكم يوم الميثاق حين أخرجكم كالذر وقال عكرمة خلقنكم فى أصلاب الرجال ثم صورناكم فى أرحام النساء وقال يمان خلق الإنسان فى الرحم ثم صوره فشق سمعه وبصره وأصابعه وقيل كلمة ثم بمعنى الواو والمعنى خلقكم وصوركم فان بعض المخلوقات كالارواح لا صورة لها ثُمَّ قُلْنا ان كان المراد بضمير الخطاب آدم وحده فلا كلام فيه وان كان المراد الذرية فقيل كلمة ثم بمعنى الواو وقيل معناه ثم اخبرناكم انا قلنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قد ذكرنا شرح الاية فى سورة البقرة لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قالَ الله تعالى يا إبليس ما مَنَعَكَ يعنى اى شىء منعك أَلَّا تَسْجُدَ اى من ان تسجد ولا زائدة كما فى لئلا يعلم موكدة لمعنى الفعل الذي دخلت عليه ومنبهة على ان الموبخ عليه ترك السجود وقيل الممنوع من الشيء مضطر الى خلافه فكانه قيل ما اضطرك الى ان لا تسجد وجاز ان يكون تقدير الكلام ما منعك من الامتثال وبعثك على ان لا تسجد إِذْ أَمَرْتُكَ بالسجدة فيه دليل على ان مطلق الأمر للوجوب

والسؤال عن المانع من السجود مع العلم به للتوبيخ واظهار معاندته وكفره واستكباره قالَ إبليس أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ جواب من حيث المعنى استأنف به استبعادا لان يكون مثله مامورا بالسجود لمثله كانه قال المانع منه كونى خيرا منه ولا يحسن للفاضل ان يسجد للمفضول فلا يحسن ان يؤمر به ففى الكلام اعتراض على الله سبحانه فى الأمر بالسجود خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ جوهر نورانى مستعل وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ جوهر ظلمانى مستسفل قال ابن عباس أول من قاس إبليس فاخطأ فى القياس فمن قاس الدين بشئ من رايه قرنه الله مع إبليس وقال ابن سيرين ما عبدت الشمس الا بالمقايس قلت وليس فى هذين القولين ابطال القياس بل تخطيته لقياسه فانه قياس فى مورد النص ولذلك قال من قاس الدين بشئ من رايه يعنى على خلاف النصوص الواردة وايضا تعليل الفصل والخيرية بالاضاءة والاستعلاء باطل انما الفضل بيد الله يوتيه من يشاء وقد فضل الله تعالى آدم على جميع خلقه حيث خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وجعله مستعد التعلم أسمائه كلها ومهبطا لتجلياته ومتقربا من الله تعالى بالفرائض والنوافل بامتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه ومتحملا لامانته التي أشفقت عنها السموات والأرض والجبال فان قيل الخطأ فى الاجتهاد معفو قلنا انما ذلك إذا كان القائس طالبا للحق باذلا جهده فى طلبه لا إذا كان متعنتا باغيا استعلاء نفسه والزام الخصم الا ترى ان قول الملئكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ايضا قياس فيه خطأ ولذا رد الله تعالى قولهم بقوله انى اعلم ما لا تعلمون ولم يردهم أنفسهم حيث لم يصدر ذلك القول منهم استكبارا وتعنتا بل لطلب الحق واستعلام الحكمة ولذلك قالوا عند ظهور الحكمة سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم قالت الحكماء للطين فضل على النار من وجوه فان من جوهر الطين الرزانة والوقار والحلم والصبر وهو الداعي لادم بعد السعادة التي سبقت له الى التوبة والتواضع والتضرع فاورثه الاحتباء والتوبة والهداية ومن جوهر النار الخفة والطيش والحدة والارتفاع وهو الداعي لابليس بعد الشقاوة التي سبقت له الى الاستكبار والإصرار فاورثه اللعنة والشقاوة ولان الطين سبب لجمع الأشياء والنار سبب لتفرقها ولان الطين سبب لحيوة النبات والنار سبب لهلاكها واضافة خلق الإنسان الى الطين والشيطان الى النار باعتبار

[سورة الأعراف (7) : آية 13]

الجزء الغالب وتلك الاضافة تدل على ان العمدة فى اجزاء الإنسان انما هو عالم الخلق دون عالم الأمر وعالم الأمر تابع له ويتصف بالخيرية والشرية بتبعيته ويتلون بلونه الا ترى ان الروح تعلق بجسد الإنسان كما تعلق بجسد الشيطان فتلون فى كل على هيئة ومثله كمثل الشمس تجلت فى المرآة فتصورت بصورتها وتلونت بلونها قال المجدد رضى الله عنه كمال الترقي بعالم الأمر الى ظلال الصفات الا الأخفى منها فانها ترتقى الى بعض الصفات وكمال الترقي للنفس المنبعث من لطائف عالم الخلق الى ظاهر الصفات وكمال الترقي للعناصر الثلاثة الى باطن الصفات اى من حيث قيامها بالذات والترقي الى مرتبة الذات مختصة بعنصر الطين كما ان نور الشمس لا يظهر الا على أكثف الأشياء دون ألطفها والله اعلم. قالَ الله تعالى لابليس لما استكبر فَاهْبِطْ مِنْها اى من الجنة وقيل من السماء والفاء جواب لقوله انا خير منه يعنى ان كنت متكبرا فاهبط منها فانه كان للمتواضعين المطيعين فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها اى لا يصح لك التكبر فيها ففيه تنبيه على ان التكبر لا يليق باهل الجنة فانه من خصائص الكبير المتعال وانه تعالى انما طرده واهبط لتكبره عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يدخل الجنة أحد فى قلبه مثقال ذرة من خردل من كبر رواه مسلم وفى رواية لمسلم فقال رجل ان الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال عليه السلام ان الله جميل يحب الجمال الكبر بطر «1» الحق وغمط «2» الناس وعن حارثة بن وهب قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الا أخبركم باهل الجنة كل ضعيف متضعف لو اقسم على الله لا بره الا أخبركم باهل النار كل عتل «3» جواظ «4» مستكبر متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته فى النار رواه مسلم وفى رواية له قذفته فى النار فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ اى اهل الصغار والذل والهوان على الله وعلى أوليائه يذمك كل انسان ويلعنك كل لسان وفى القاموس الصاغر الراضي بالمنزلة الدنية وكذا فى غيره من كتب اللغة ومن هاهنا يعلم ان الصغار والذل لازم للاستكبار قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من تواضع لله رفعه الله فهو

_ (1) بطر الحق هو ان يجعل ما جعله الله حقا من توحيده وعبادته باطلا 12 نهايه (2) الغمط الاستهانة والاستحقار 14 12 نهايه (3) العتل الشديد الجافي 12 نهايه (4) الجواظ الجموح المنوع 12

[سورة الأعراف (7) : آية 14]

فى نفسه صغير وفى أعين الناس عظيم ومن تكبر وضعه الله لهو فى أعين الناس صغير وفى نفسه كبير حتى لهو أهون عليهم من كلب وخنزير رواه البيهقي فى شعب الايمان عن عمر وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بئس العبد تخيل «1» واختال ونسى الكبير المتعال رواه الترمذي من حديث اسماء وقال حديث غريب وليس اسناده بالقوى. قالَ إبليس عند ذلك أَنْظِرْنِي اى أمهلني ولا تمتنى إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ اى الناس من قبورهم يعنى الى النفخة الاخيرة أراد ان لا يذوق الموت. قالَ الله تعالى إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ وبين الله سبحانه مدة هذه النظرة والمهلة فى موضع اخر فقال انك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم وهو النفخة الاولى حين يموت الخلق كلهم او وقت يعلمه الله انتهاء اجله فيه وفيه دليل على ان اجابة الدعاء غير مختص باهل الإسلام والطاعة وانه لا يدل مطلقا على كون الداعي من المقبولين بل قد يكون استدراجا وفى اجابة دعائه ابتلاء العباد وتعريضهم للثواب بمخالفته. قالَ إبليس فَبِما أَغْوَيْتَنِي الفاء للتعقيب والباء للسببية متعلق بفعل قسم مقدر وما مصدرية يعنى بعد ما أمهلتني فبسبب اغوائك إياي بواسطتهم تسمية او حملا على الغنى او تكليفا بما غويت لاجله اقسم بك لاجتهدن فى اغوائهم باى طريق يمكننى وليس الباء متعلقا باقعدن فان اللام يصد عنه وقيل الباء للقسم اى اقسم باغوائك إياي يعنى بقدرتك على نفاذ سلطانك فى لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ جواب للقسم اى اجلس مترصدا بهم كما يقعد القطاع للسابلة صِراطَكَ اى طريق الإسلام ونصبه على الظرف كقوله كما عسل «2» الطريق الثعلب وقيل بنزع الخافض تقديره على صراطك كقولهم ضرب زيد الظهر والبطن والقعود على الطريق كناية عن كمال اجتهاده فى صدهم عن السلوك عليه الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من جميع الجهات مثّل قصده إياهم بالتسويل والإضلال من اى جهة يمكن بإتيان العدو من الجهات الأربع ولذلك لم يقل من فوقهم ومن تحت أرجلهم قال الله تعالى فى الأولين من لابتداء الغاية وفى الأخريين عن لان عن تدل على الانحراف وقيل لم يقل من فوقهم لان الرحمة تنزل منه ولم يقل من تحتهم لان الإتيان منه توحش

_ (1) تخيل واختال اى تكبر الخيلاء الكبر والعجب 12 نهايه [.....] (2) عسل اى مشى سريعا 12

[سورة الأعراف (7) : الآيات 18 إلى 19]

قال البغوي قال على بن طلحة عن ابن عباس من بين أيديهم اى من قبل الاخرة فاشككهم فيها ومن خلفهم اى من قبل دنياهم فارغبهم فيها وعن ايمانهم اى أشبه عليهم امر دينهم وعن شمائلهم اى أشهى لهم المعاصي وروى عطية عنه من بين أيديهم اى من قبل دنياهم اى أزينها فى قلوبهم ومن خلفهم اى من قبل الاخرة فاقول لا بعث ولا جنة ولا نار وعن ايمانهم من حسناتهم وعن شمائلهم من قبل سياتهم وقال قتادة نحوه ثم قال أتاك يا ابن آدم من كل جهة غير انه لم يأتك من فوقك ولم يستطع ان يحول بينك وبين رحمة الله كذا ذكر السيوطي قول ابن عباس وقال مجاهد من بين أيديهم وعن ايمانهم اى من حيث يبصرون ومن خلفهم وعن شمائلهم اى من حيث لا يبصرون قال ابن جريح معنى قوله حيث يبصرون حيث يعلمون انهم يخطئون وحيث لا يبصرون اى لا يعلمون انهم يخطئون. وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ اى مؤمنين قاله ظنا لقوله تعالى ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه الا قليلا. قالَ الله تعالى اخْرُجْ مِنْها اى من الجنة مَذْؤُماً محقرا فى القاموس ذأمه كمنعه حقره وذمه وطرده وخزاه وقال الجوهري ذأمه ذأما يعنى مهموز العين وذمته أذيمه يعنى الأجوف اليائى وذممته اذمه يعنى المضاعف معنى كل واحد قال البغوي الذيم والذام يعنى المهموز والأجوف أشد العيب مَدْحُوراً اى مبعدا مطرودا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ اى من بنى آدم اللام توطية للقسم لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ اى منك وممن تبعك فغلب المخاطب والجملة جواب للقسم وساد مسد جواب الشرط أَجْمَعِينَ وَيا آدَمُ تقديره وقلنا يا آدم. اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ حواء الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا يحتمل الجزم على العطف والنصب على الجواب اى فتصيرا مِنَ الظَّالِمِينَ مر شرح الاية فى سورة البقرة. فَوَسْوَسَ الوسوسة حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه كذا فى القاموس قال البغوي الوسوسة حديث يلقيه الشيطان فى قلبه وأصله صوت الحلي والهمس الخفي يعنى فعل الوسوسة لَهُمَا اى لاجلهما الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما اى ليظهر لهما واللام للعاقبة او للغرض على انه أراد ايضا بوسوسة ان يسوئهما بكشف ما وُورِيَ ما غطى عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما من عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الاخر وفيه دليل على ان كشف العورة فى الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن فى الطباع

[سورة الأعراف (7) : آية 21]

لم يزل مستقبحا شرعا وعقلا ثم بين الوسوسة فقال وَقالَ إبليس لادم وحواء ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا اى الا لئلا تكونا او كراهة ان تكونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الباقين الذين لا يموتون كما قال فى موضع اخر هل ادلك على شجرة الخلد واستدل به على فضل الملئكة على الأنبياء والجواب انه انما كانت رغبتهما فى ان يحصل لهما ما للملئكة من الكمالات والاستغناء عن الاطعمة والاشربة وذلك لا يدل على الفضل الكلى فان الفضل الكلى عبارة عن كثيرة الثواب والاقربية الى الله سبحانه لا غير. وَقاسَمَهُما اى فاقسم لهما بالله إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ جواب للقسم ذكر القسم على زنة المفاعلة للمبالغة وقد ذكرنا القصة فى سورة البقرة قال قتادة حلف لهما بالله حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله وقال انى خلقت قبلكما وانا اعلم منكما فاتبعانى ارشدكما وإبليس أول من حلف بالله كاذبا فلما حلف ظن آدم ان أحد الا يحلف بالله كاذبا فاغتربه. فَدَلَّاهُما الشيطان قال البغوي يعنى خدعهما يقال ما زال فلان يدلى لفلان بغرور يعنى ما زال يخدعه ويكلمه بزخرف القول بِغُرُورٍ اى باطل وقيل معنى دلّهما انزلهما من درجة عالية الى منزلة سافلة اى من مقام الطاعة الى مقام المعصية فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ اى فلما وجدا طعمها آخذين فى الاكل منها يعنى لم يستوفا الاكل حتّى أخذتهما العقوبة وشوم المعصية وتهافت عنهما لباسهما اخرج عبد بن حميد عن وهب بن منبه انه كان لباسهما من النور واخرج ابن ابى حاتم عن السدى عن الفريابي وابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية والبيهقي فى سننه وابن عساكر فى تاريخه عن ابن عباس قال كان لباس آدم وحواء كالظفر فلما أكلا من الشجرة لم يبق عليهما الأمثل الظفر فلما وقع منهما الذنب بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما فاستحيا وَطَفِقا اى أخذا يَخْصِفانِ يلزقان عَلَيْهِما اى على عوراتهما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وهو ورق التين حتّى صار شبيه الثوب كذا اخرج ابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية والبيهقي فى سننه وابن عساكر فى تاريخه عن ابن عباس قال الزجاج يجعلان على ورقة ليسترا سواتهما روى ابى بن كعب رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان آدم رجلا طوالا كانه نخلة سحوق شعر الراس فلما وقع فى الخطيئة بدت له سؤاته وكان لا يراها

[سورة الأعراف (7) : آية 23]

أحد فانطلق هاربا فى الجنة فعرضت له شجرة من شجر الجنة فحبسته شعره فقال أرسلني فقالت لست بمرسلك فناديه ربه تبارك وتعالى يا آدم اتفر منى قال لا يا رب ولكنى استحييتك وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ يعنى عن الاكل منها وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ اى بيّن العداوة حيث أقر على نفسه وقال لاقعدن لهم صراطك المستقيم عتاب على مخالفة النهى وتوبيخ على الاغترار بقول العدو وفيه دليل على ان مطلق النهى للتحريم قال محمد بن قيس ناداه ربه يا آدم لم أكلت منها وقد نهيتك قال يا رب أطعمتني حواء قال لحواء لم أطعمته قالت أمرتني الحية قال لحية لم أمرتها قال أمرني إبليس فقال الله تعالى اما أنت يا حواء فكما أدميت الشجرة تدمين كل شهروا ما أنت يا حية فاقطع قوائمك فتمشين على وجهك وسيشدخ راسك من لقيك واما أنت يا إبليس فملعون مدحور. قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ضررناها بالمعصية والتعريض للاخراج عن الجنة وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ اى الهالكين فيه دليل على ان الصغائر معاقب عليها ان لم تغفر وقالت المعتزلة لا يجوز المعاقبة عليها مع اجتناب الكبائر. قالَ اهْبِطُوا قيل الخطاب لادم وحواء لان إبليس هبط قبلهما ولعل إيراد صيغة الجمع لان هبوطهما سبب لهبوط ذريتهما وقيل الخطاب لهما ولابليس كرر له الأمر تبعا ليعلم انهم قرنا ابدا او خبر عما قال لهم متفرقا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فى موضع الحال اى متعادين وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ اى استقرار او موضع استقرار وَمَتاعٌ اى تمتع إِلى حِينٍ انقضاء اجالكم. قالَ الله تعالى فِيها اى فى الأرض تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ للجزاء قرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان منها تخرجون وفى الزخرف كذلك تخرجون بفتح التاء وضم الراء فيهما على البناء للفاعل والباقون بضم التاء وفتح الراء على البناء للمفعول قال البغوي كانت العرب فى الجاهلية تطوف بالبيت عراة يقولون لا نطوف فى ثياب عصينا الله فيها فكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء بالليل عراة فنزلت. يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً وقال قتادة كانت المرأة تطوف وتضع يدها على فرجها وتقول اليوم يبدو بعضه او كله. وما بدا منه لا أحله. فامر الله تعالى بالستر فقال قد أنزلنا عليكم لباسا يُوارِي سَوْآتِكُمْ يعنى عوراتكم واحدتها سوء سميت بها لانها يسوء صاحبه انكشافها ومعنى أنزلنا خلقناه لكم بتدبيرات سماوية

[سورة الأعراف (7) : آية 27]

واسباب نازلة ونظيره قوله تعالى وأنزلت لكم من الانعام وقوله تعالى وأنزلنا الحديد قلت ويمكن ان يقال معناه انزل عليكم ان تلبسوا لباسا يوارى سوءاتكم ولعله ذكر قصة آدم تمهيدا للنهى عن كشف العورة حتى يعلم ان انكشاف العورة أول سوء أصاب الإنسان من الشيطان وانه أغواهم فى ذلك كما اغوى أبويهم وَرِيشاً اى لباسا فاخرا كذا فى القاموس يعنى أنزلنا لباسا يوارى سوأتكم وأنزلنا لباسا فاخرا تتجملون فيها قال البيضاوي الريش الجمال وقيل مالا ومنه تريّش الرجل إذا تمول كذا قال ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدى وَلِباسُ التَّقْوى قرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب عطفا على ريشا يعنى وأنزلنا لباس التقوى والباقون بالرفع على الابتداء وخبره ذلِكَ خَيْرٌ او ذلك صفة للمبتدأ وخير خبره واختلفوا فى لباس التقوى قال قتادة والسدى لباس التقوى هو الايمان وقال الحسن هو الحياء لانه يبعث على التقوى وقال عطية عن ابن عباس وهو العمل الصالح وعن عثمان ابن عفان هو السمت الحسن وقال عروة بن الزبير لباس التقوى خشية الله وقال الكلبي هو العفاف والمعنى لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به مما خلق له من اللباس والتجمل وقال ابن الأنباري لباس التقوى هو اللباس الاول وانما إعادة اخبارا ان ستر العورة خير من التعري فى الطواف وان اللباس سبب للتقوى عن معصية التعري وقال زيد بن على لباس التقوى اللباس التي يتقى بها فى الحرب من الدرع والمغفر والساعدين والساقين وقيل لباس التقوى هو الصوف والثياب الخشنة التي يلبسها الزهاد ذلِكَ اى إنزال اللباس مِنْ آياتِ اللَّهِ الدالة على فضله ورحمته لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فيعرفون نعمته ويتورعون عن القبائح. يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ اى لا يخدعنكم ولا يضلنكم الشَّيْطانُ بان لا تدخلوا الجنة كَما فتن وأَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ آدم وحواء مِنَ الْجَنَّةِ والنهى فى الظاهر للشيطان وفى المعنى لبنى آدم لا تفتتنوا ولا تختدعوا ولا تضلوا باتباع الشيطان يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما اى ليرى كل واحد منهما سوءة الاخر والجملة حال من فاعل اخرج او من مفعوله اسناد نزع الى الشيطان للتسبب إِنَّهُ يعنى الشيطان يَراكُمْ يا بنى آدم هُوَ وَقَبِيلُهُ جنوده قال ابن عباس ولده وقال قتادة قبيلة الجن مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ والجملة فقيل للنهى وتأكيد للتحذير من فتنة وقبيله فان عدوا يرانا ولا نراه لشديد المئونة الا من عصم الله فحينئذ كيده

[سورة الأعراف (7) : آية 28]

ضعيف قال ذو النون ان كان هو يريك من حيث لا تراه فاستعن بمن يراه من حيث لا يراه وهو الله القهار الستار إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بما أوجدنا بينهم من التناسب فى اتباع الباطل والتنافر من الحق او بإرسالهم عليهم وتمكينهم من خذلانهم وحملهم على ما سولوا لهم. وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً اى امرا بالغا الى النهاية فى القبح وذلك هو الشرك وقال ابن عباس ومجاهد هى طوافهم بالبيت عريانا والظاهر انه يعم كل كبيرة قالُوا إذا نهوا عن فعل الفاحشة وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها يعنى احتجوا بامرين تقليد الآباء والافتراء على الله فاعرض عن الاول لظهور فساده وقد ردّه فى موضع اخر او لو كان ابائهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ورد الثاني فقال قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ فان الأمر بالقبيح قبيح والله تعالى منزه عن القبائح وفيه دليل على ان الحسن والقبح وان كانا بخلق الله تعالى لكنه يدرك بالعقل ايضا والمراد بالقبيح هاهنا ما يتنفر عنه الطبع السليم ويستنقصه العقل المستقيم وقيل هما جوابا سوالين مترتبين كانه قيل لهم لم فعلتم فقالوا وجدنا عليه آباءنا فقيل ومن اين أخذ اباءكم فقالوا الله أمرنا بها وعلى الوجهين يمنع التقليد إذا قام الدليل على خلافه لا مطلقا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ من غير دليل يوجب العلم اليقيني فيه انكار يتضمن النهى عن الافتراء على الله تعالى. قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ قال ابن عباس بلا اله الا الله وقال الضحاك بالتوحيد وقال مجاهد والسدى بالعدل وهو الوسط من كل امر المتجافى عن طرفى الافراط والتفريط وَأَقِيمُوا تقديره وقال اقيموا وهو مقولة للقول المذكور يعنى وقل اقيموا او معطوف على معنى بالقسط يعنى أقسطوا واقيموا او معطوف على مقدر تقديره فاقبلوا واقيموا وُجُوهَكُمْ اى أخلصوا له تعالى سجودكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ اى عند كل وقت صلوة وسجودا وكل مكان سجود وقال مجاهد والسدى وجهوا وجوهكم حيث ما كنتم فى الصلاة الى الكعبة وقال الضحاك إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد فصلوا فيه ولا يقولن أحدكم أصلي فى مسجدى وبه قال ابو حنيفة رحمه الله غير انه قال من كان اماما لمسجد اخر او رجل يختل بفقده جماعة مسجد اخر جاز له الخروج من المسجد بعد الاذان وقيل معناه توجهوا الى عبادة الله مستقيمين غير عادلين الى غيره وَادْعُوهُ اعبدوه تعالى مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اى

الطاعة والعبادة من الشرك براء من الرياء والسمعة فانه خلقكم واليه المصير كَما بَدَأَكُمْ اى خلقكم أول مرة من تراب ثم من نطفة تَعُودُونَ احياء باعادته بعد الموت فيجازيكم على أعمالكم شبه الاعادة بالابداء تقرير الا مكانها والقدرة عليها وقيل كما بدأكم حفاة عراة غرلا تعودون لحديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تحشرون يوم القيامة حفاة عراة فقلت يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم الى بعض قال يا عائشة الأمر يومئذ أشد من ذلك متفق عليه وفى الصحيحين وسنن الترمذي عن ابن عباس قال قام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقال يايها الناس تحشرون الى الله حفاة مشاة عراة غرلا ثم قرأ كما بدانا أول خلق نعيده الاية وأول من يكسى من الخلائق ابراهيم عليه السلام وفى الباب أحاديث كثيرة صحيحة وما رواه ابو داؤد والحاكم وصححه وابن حبان والبيهقي عن ابى سعيد الخدري انه لما احتضر دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ان الميت يبعث فى ثيابه التي يموت فيها واخرج ابن ابى الدنيا بسند حسن عن معاذ بن جبل انه دفن امه فامر بها فكفنت فى ثياب جدد وقال أحسنوا أكفان موتاكم فانهم يحشرون فيها واخرج سعيد بن منصور فى سننه عن عمر بن الخطاب قال أحسنوا أكفان موتاكم فانهم يبعثون فيها يوم القيامة فليس فى القوة مثل ما ورد فى الحشر عراة قال اكثر العلماء هذه الأحاديث محمولة على الشهيد وان أبا سعيد سمع الحديث فى الشهيد فحمله على العموم وقال البيهقي يجمع الأحاديث بان بعضهم يبعث عاريا وبعضهم بثيابه وقال بعضهم يخرجون من قبورهم بثيابه ثم تتناثر عنهم عند ابتداء المحشر فيحشرون عراة وقال بعضهم حديث ان الميت يبعث فى ثيابه محمول على العمل الصالح كقوله تعالى ولباس التقوى ذلك خير وقال جابر معنى الاية يبعثون على ما ماتوا عليه رواه مسلم فى صحيحه وابن ماجة والبغوي عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يبعث كل عبد على ما مات عليه المؤمن على إيمانه والكافر على كفره وقال ابن عباس فى تفسير الاية ان الله تعالى بدأ خلق بنى آدم مؤمنا وكافرا كما قال هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمنا وكافرا وقال ابو العالية عادوا الى علمه فيهم وقال سعيد بن جبير معناه كما كتب عليكم تكونون قال محمد بن كعب من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة صار إليها وان عمل بعمل اهل السعادة

[سورة الأعراف (7) : آية 30]

كما ان إبليس كان يعمل بعمل اهل السعادة ثم صار الى الشقاوة ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إليها وان عمل بعمل اهل الشقاوة كما ان السحرة كانوا يعملون بعمل اهل الشقاوة فصاروا الى السعادة عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان العبد ليعمل عمل اهل النار وانه من اهل الجنة ويعمل عمل اهل الجنة وانه من اهل النار وانما الأعمال بالخواتيم متفق عليه ويناسب هذا التأويل اخر الاية حيث قال. فَرِيقاً منكم هَدى اى أراد بعلمه القديم هدايتهم فوفقهم الايمان والأعمال الصالحة وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ بمقتضى القضاء السابق وانتصابه بفعل يفسره ما بعده اى أضل فريقا حق عليهم الضلالة إِنَّهُمُ اى الفريق الثاني اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ اى الكفار من الجن والانس أَوْلِياءَ أنصارا مِنْ دُونِ اللَّهِ اى غيره وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ فيه دليل على ان الجهل ليس بعذر وان الكافر المخطى والمعاند سواء فى استحقاق الذم والله اعلم روى مسلم عن ابن عباس قال كانت امرأة تطوف بالبيت فى الجاهلية وهى عريانة وعلى فرجها خرقة وهى تقول اليوم يبدوا بعضه او كله. وما بدأ منه فلا أحله. فنزلت. يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ونزلت قل من حرم زينة الله الآيتين والمراد بالزينة ما يوارى العورة من الثياب بإجماع اهل التفسير قال مجاهد ما يوارى عورتك ولو عباءة وكذا قال الكلبي وروى البيهقي فى هذه الاية عن ابن عباس ان المراد بها الثياب والمراد بالمسجد قيل موضع السجود ولذا قيل معناه خذوا ثوبكم عند كل مسجد لطواف او صلوة وعلى هذا قال ابن الهمام الاية نزلت فى الطواف تحريما لطواف العريان والعبرة وان كان لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لكن لا بد ان يثبت الحكم فى السبب اولا وبالذات لانه المقصود به قطعا ثم فى غيره على ذلك الوجه والثابت عندنا فى الستر فى الطواف الوجوب يعنى لا على سبيل الاشتراط لصحة الطواف حتى لو طاف عريانا اثم وحكم بسقوطه وفى الصلاة الافتراض يعنى الاشتراط حتّى لا تصح بدونه فالاوجه الاستدلال بالإجماع على الافتراض فى الصلاة كما نقله غير واحد من ائمة النقل الى ان حدث بعض المالكية فخالف كالقاضى اسمعيل وهو لا يجوز بعد تقرر الإجماع والحديث عن عائشة يرفعه لا تقبل الله صلوة حائض بخمار رواه ابو داؤد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن خزيمة فى صحيحه رواه ابو داؤد

والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن خزيمة فى صحيحه والظاهر عندى ان المسجد مصدر ميمى بمعنى السجدة اطلق على الصلاة تسمية الجزء على الكل كما فى قوله تعالى واركعوا مع الراكعين يعنى صلوا مع المصلين وقوله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القران يعنى صلوا ما تيسر من الصلاة فهذه الاية بعبارته يوجب ستر العورة عند كل صلوة خاصة والبحث فى سبب النزول ان قوله تعالى يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا الى قوله تعالى قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن الآيات كلها نزلت حين كانت العرب فى الجاهلية تطوف بالبيت عراة يقولون لا نطوف فى ثياب عصينا الله فيها وطافت المرأة عريانة واضعة يدها على فرجها بل ذكر قصة آدم ايضا توطية لذلك حتى يعلم ان انكشاف العورة أول سوء أصاب الإنسان من الشيطان والآيات كلها ناطقة ان خلق اللباس للانسان لاجل ستر عورته نعمة من الله تعالى وذلك هو التقوى وكشف العورة وترك الستر فتنة وإضلال من الشيطان قد عمل اولا بأبيكم آدم وثانيا بكم وانه فاحشة تفعله العرب تقليدا بآبائهم وافتراء على الله تعالى والله تعالى لا يأمر بالفحشاء لكن فريقا من الناس هديهم الله وفريقا حق عليهم الضلالة فهذه الآيات تدل على ان كشف العورة فاحشة حرام مطلقا قبيح مستهجن طبعا وعقلا وشرعا فارتكابها فى الطواف وغير ذلك من العبادات أقبح وافحش وأشد حرمة بالطريق الاولى موجب للاثم وما كانت العرب يدعون ان لبس الثياب فى الطواف حرام وأكل اللحم والدسم فى الحج حرام فهو باطل أنكر عليه سبحانه بقوله من حرم زينة الاية وقوله انما حرم ربى الفواحش ومنها كشف العورة لكن شى من هذه الآيات لا تدل على اشتراط ستر العورة فى الطواف ومن ثم قال ابو حنيفة رحمه الله لو طاف عريانا اثم ويحكم بسقوطه وقال اكثر الائمة لا يحكم بسقوطه لحديث ابى هريرة ان أبا بكر الصديق رضى الله عنهما بعثه فى الحجة التي امره عليها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قبل حجة الوداع بعام يوم النحر فى رهط يوذن فى الناس ان لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان متفق عليه قالوا الطواف عريانا منهى عنه فلا يتادى به الواجب كما لا يجوز قضاء الصوم فى يوم النحر وقضاء الصلاة فى وقت الطلوع والاستواء والغروب واما هذه الاية خذوا زينتكم عند كل مسجد يقتضى اشتراط ستر العورة فى الصلاة وعدم جواز الصلاة بدونها لما ذكرنا ان كونه فرضا واجبا مطلقا وكون كشف العورة فاحشة حراما مطلقا

ثبت قبل ذلك من الآيات ولا مساس لهذه الاية بالطواف الا إذا ضم معها قوله صلى الله عليه واله وسلم الطواف بالبيت صلوة الا ان الله أباح فيه الكلام رواه الترمذي والحاكم والدارقطني من حديث ابن عباس وصححه ابن خزيمة وابن حبان ونزول هذه الاية فى ضمن آيات نزلت فى استقباح كشف العورة مطلقا وكون سبب نزولها طواف العرب عريانا لا تقتضى كون هذه الاية ايضا فى الطواف فان ما ورد فى حادثة او بعد سوال يجب ان يفيد حكم تلك الحادثة وجواب ذلك السؤال ولا يجب ان لا يذكر حكما زائدا على ما ورد فيه ولا شك ان حكم الطواف عريانا ظهر بغير تلك الاية من الآيات فما أورده ابن الهمام من الاشكال غير وارد (مسئلة) ذكر فى رحمة الامة ان ستر العورة شرط الصلاة عند ابى حنيفة والشافعي واحمد واختلف اصحاب مالك فمنهم من قال كما قال الجمهور انه من الشرائط مع القدرة على الستر فمن صلى مكشوف العورة مع القدرة على الستر فصلوته باطلة ومنهم من قال انه واجب فى نفسه ليس شرطا للصلوة فمن صلى مكشوف العورة مع القدرة على الستر عامدا كان عاصيا لكن يسقط عنه الفرض والمختار عند متاخرى أصحابه انه لا يصح الصلاة مع كشف العورة بحال وقد ذكر ابن الهمام اجماع الامة على ذلك والخلاف المتأخر لا يرفع الإجماع المقدم. (فصل) أفادت الاية على وجوب ستر العورة فى الصلاة لكنه مجمل فى مقدار العورة التي وجب سترها وجاء بيان ذلك من الأحاديث فنقول. (مسئلة) عورة الرجل بين السرة والركبة عند ابى حنيفة والشافعي وعن مالك واحمد روايتان إحداهما ما قال ابو حنيفة والثانية انها القبل والدبر احتجوا بحديث انس ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم غزا خيبر وذكر الحديث بطوله وفيه ثم حسر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الا زارعن فخذه حتى لانى انظر الى بياض فخذ النبي صلى الله عليه واله وسلم رواه البخاري وروى مسلم بلفظ انحسر الا زاد على البناء للمفعول وكذا عند احمد وحديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مضطجعا فى بيته كاشفا عن فخذيه او ساقيه فاستاذن ابو بكر فاذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استاذن عمر فاذن له وهو كذلك فتحدث ثم استاذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وسوى ثيابه الحديث رواه مسلم وهذا الحديث ليس بحجة لمكان الترديد بقوله فخذيه او ساقيه لكنه عند احمد بلفظ كاشفا عن فخذيه من غير ترديد وكذا عند احمد من حديث

حفصة واخرج الطحاوي والبيهقي عن حفصة بنت عمر قالت كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عندى يوما وقد وضع ثوبه عن فخذيه فدخل ابو بكر فذكر الحديث نحوه وحديث ابى موسى ان النبي صلى الله عليه واله وسلم كان قاعدا فى مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبته او ركبتيه فلما دخل عثمان غطاها رواه البخاري واحتج الجمهور بحديث على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا تبرز فخذك ولا تنظر الى فخذ حى ولا ميت رواه ابو داؤد وابن ماجة والحاكم والبزار وصحح بعض العلماء هذا الحديث وهو من حديث ابن جريج عن حبيب بن ثابت عن عاصم بن ضمرة عنه قال الحافظ فيه انقطاع بين ابن جريج وحبيب وقال ابو حاتم فى العلل ان الواسطة بينهما الحسن بن ذكوان وهو ضعيف وقال لا يثبت لحبيب رواية عن عاصم فهذه علة اخرى وقال ابن معين ان حبيبا لم يسمع من عاصم وان بينهما رجلا ليس بثقة وبيّن البزار ان الواسطة هو عمرو بن خالد الواسطي وحديث ابن عباس قال مر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على رجل فخذه خارجة فقال غط فخذك فان فخذ الرجل من عورته رواه الترمذي واحمد والحاكم وصححه بعض العلماء وفى اسناده ابو يحيى القتات ضعيف وحديث جرهد ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مر على جرهد وفخذ جرهد مكشوفة فى المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا جرهد غط فخذك فان الفخذ عورة رواه احمد وفيه زرعة مجهول وحديث محمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه مر على معمر محتبيا كاشفا عن طرف فخذه فقال له النبي صلى الله عليه واله وسلم خمر فخذك يا معمر فان الفخذ عورة رواه احمد والبخاري فى التاريخ والحاكم فى المستدرك قال الحافظ رجاله رجال الصحيح غير ابى كثير وقد روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحا بتعديل او جرح وحديث ابى أيوب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل السّرّة من العورة رواه الدارقطني وفى اسناده سعيد بن راشد وعباد بن كثير متروكان وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا زوج الرجل منكم عبده الحديث بطوله وفيه فانما تحت السرة الى الركبة من العورة رواه الدار قطنى وفيه سوار بن داؤد لينه العقيلي لكن وثقه ابن معين ولا شك ان هذه الأحاديث لا يصادم شيئا منها ما تقدم من حديث كشف الفخذ لكن لما تعاضد بعضها ببعض وتلقته الامة بالقبول أخذناه احتياطا ومن هاهنا قال

البخاري حديث انس أسند وحديث جرهد أحوط ولاجل قوة حديث انس وما فى معناه قال ابو حنيفة العاري يصلى قاعدا واضعا يديه على قبله يومى للركوع والسجود حيث قال بترك القيام والركوع والسجود مع القدرة عليها الى القعود والإيماء رعاية لستر العورة الذي هو فرض مطلقا فى الصلاة وخارجها والله اعلم- (مسئلة) الركبة عورة عند ابى حنيفة وقال الشافعي واحمد ليست بعورة لما تقدم من حديث ابى أيوب وعمرو بن شعيب واحتج أصحابنا بحديث على رضى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الركبة من العورة وفيه عقبة بن علقمة ضعفه ابو حاتم الرازي والنصر بن منصور قال ابو حاتم الرازي مجهول يروى أحاديث مناكير وقال ابن حبان لا يحتج به قلنا الركبة ملتقى عظم العورة وغيرها فاجتمع الحرام والحلال فقدمنا الحرمة احتياطا. (مسئلة) المرأة الحرة كلها عورة الا وجهها وكفيها عند مالك والشافعي واحمد وفى رواية عنهم الا وجهها فقط وكفاها من العورة واما القدمان فليستامن العورة عندهم وقال ابو حنيفة الا وجهها وكفيها وقدميها قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يقبل صلوة حائض الا بخمار وقد مرّ وقال عليه السلام المرأة عورة رواه الترمذي من حديث ابن مسعود وروى ابو داود مرسلا ان الجارية إذا حاضت لم يصلح يرى منها الا وجهها ويديها الى المفصل وروى الدارقطني عن أم سلمة انها سالت النبي صلى الله عليه واله وسلم اتصلي المرأة فى درع وخمار وليس لها إزار قال إذا كان الدرع سابغا يغطى ظهور قدميها وفيه عبد الرحمن بن عبد الله ضعفه يحيى وقال ابو حاتم لا يحتج به والظاهر انه غلط فى رفع الحديث ورواه مالك وجماعة عن أم سلمة من قولها. (مسئلة) قال فى النوازل نغمة المرأة عورة ولهذا قال عليه السلام التسبيح للرجال والتصفيق للنساء قال ابن الهمام وعلى هذا لو قيل ان المرأة إذا جهرت بالقراءة فى الصلاة فسدت كان متجها. (مسئلة) عورة الامة كعورة الرجل مع بطنها وظهرها عند ابى حنيفة وقال مالك والشافعي هى كعورة الرجل وبه قال احمد وقال بعض اصحاب الشافعي كلها عورة الا مواضع التقليب منها وهو الرأس والساعدات والساق روى

البيهقي عن نافع ان صفية بنت ابى عبيد حدثته قالت خرجت امرأة متخمرة بتحلية فقال عمر من هذا فقيل له جارية لفلان رجل من بنيه فارسل الى حفصة فقال ما حملك ان تخمرى هذه الامة وتجليبها تشبيها بالمحصنات حتى هممت ان أقع بها لا احسبها الا من المحصنات لا تشبهوا الإماء بالمحصنات قال البيهقي الآثار عن عمر بذلك صحيحة. (مسئلة) يجب عند احمد ستر المنكبين فى الفرض وفى النفل عنه روايتان لحديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لا يصلى أحدكم فى الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شىء رواه احمد وفى الصحيحين نحوه لكن لفظ البخاري ليس على عاتقه منه شىء وفى حديث مسلم عاتقيه وحمل الجمهور على التنزيه قال الكرماني ظاهر النهى يقتضى التحريم لكن الإجماع منعقد على جواز تركه قال الحافظ قد غفل الكرماني عما ذكره بعد قليل عن النووي من حكاية مذهب احمد ونقل ابن المنذر عن محمد بن على عدم الجواز وعقد الطحاوي له بابا فى شرح معانى الآثار ونقل عن ابن عمر ثم عن طاؤس والنخعي ونقل غيره عن ابن وهب وابن جرير ونقل الشيخ تقى الدين السبكى وجوب ذلك عن نص الشافعي واختاره لكن المعروف فى كتب الشافعية خلافه. (مسئلة) يستحب ان يصلى الرجل فى ثياب الزينة كما يشير اليه هذه الاية فان الله سبحانه سمى الثوب زينة وامر باتخاذه فى الصلاة فالواجب وان كان ادنى منها وهو ما يستر العورة فما زاد عليه يستحب روى الطحاوي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فان الله أحق ان يزين له الحديث وروى البخاري عن ابى هريرة قال قام رجل الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فسأله عن الصلاة فى الثوب الواحد فقال او كلكم يجد ثوبين ثم سأل رجل عمر فقال له إذا وسع الله فاوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل فى إزار ورداء فى إزار وقميص فى إزار وقباء فى سراويل ورداء فى سراويل وقميص فى سراويل وقباء فى تبان وقميص قال واحسبه فى تبان ورداء والله اعلم قال البغوي قال الكلبي كانت بنو عامر لا يأكلون فى ايام حجهم من الطعام الا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فقال المسلمون نحن أحق ان نفعل ذلك يا رسول الله فانزل الله تعالى وَكُلُوا يعنى اللحم والدسم وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا بتحريم ما أحل الله لكم من اللحم والدسم وزينة اللباس وغير ذلك إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الذين

[سورة الأعراف (7) : آية 32]

يفعلون ذلك اى لا يرتضى فعلهم واخرج ابن المنذر عن عكرمة فى قوله تعالى قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سواتكم قال نزلت فى الخميس من قريش الى ان قال وبنى عامر بن صعصعة وبطون كنانة بن بكرة كانوا لا يأكلون اللحم ولا يأتون البيوت الا من أدبارها قال ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطاتك خصلتان سرف ومخيلة أخرجه ابن ابى شيبة فى المصنف وعبد بن حميد فى تفسيره و «1» عن ابن عمر مرفوعا كلوا واشهبوا وتصدقوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة رواه احمد بسند صحيح وابن ماجة والحاكم روى «2» انه كان للرشيد طبيب نصرانى حاذق فقال لعلى بن الحسن بن واقد ليس فى كتابكم من علم الطب شىء والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان فقال له علىّ قد جمع الله الطب كله فى نصف اية من كتابه وهو قوله تعالى كلوا واشربوا ولا تسرفوا فقال النصراني ولم يرو من رسولكم شىء فى الطب فقال قد جمع رسولنا الطب فى ألفاظ يسيرة وهى قوله عليه السلام المعدة بيت الداء والحمية راس كل دواء واعط كل بدن ما عودته فقال النصراني ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا. قُلْ يا محمد إنكارا عليهم مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ اى الثياب وسائر ما يتجمل به الَّتِي أَخْرَجَ أصولها كالقطن والكتان من الأرض والصوف من ظهر الغنم والقز من الدود لِعِبادِهِ اى لاجل انتفاعهم وتزينهم وتجملهم وَاخرج الطَّيِّباتِ اى المستلذات مِنَ الرِّزْقِ من المآكل والمشارب يعنى لم يحرمها الذي هو خالقها ومالكها ولا يقدر أحد غيره على التحريم والتحليل فما لهولاء الكفار يحرمون الثياب فى الطواف واللحم والدسم فى الحج والسوائب ونحو ذلك وبهذه الاية يثبت ان الأصل فى المطاعم والمشارب والملابس الحل ما لم يثبت تحريمها من الله تعالى قُلْ يا محمد هِيَ اى الزينة والطيبات كائنة مخلوقة لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا حتى يتمتعون بها ويشكرون الله تعالى عليها ويتقوون بها على عبادته وليست للكفار الا تبعا للمؤمنين شاركهم الله تعالى فيها ابتلاء واستدراجا خالِصَةً قرا نافع بالرفع على انه خبر بعد خبر لهى والباقون بالنصب على

_ (1) عن الحسن قال دخل عمر على اخر ابنه عبد الله إذا عندهم لحم فقال ما هذا اللحم فقال أشتهيه وكلما اشتهيت شيئا أكلته كفى بالمرأ إسرافا ان يأكل كل ما اشتهى 12 (2) وعن عمر بن الخطاب قال إياكم والبطنة فى الطعام والشراب فانها مفسدة للجسد مورثة للقسم مكسلة عن الصلاة وعليكم بالقصر فيهما فانه أصلح للحمد وابعد من السرف وان الله ليبغض الجسد السمين وان الرجل لن يهلك حتى يوثر شهوته على دينه 12

[سورة الأعراف (7) : آية 33]

انه حال مقدرة يعنى مقدرين الخلوص من التنغيص والغم يَوْمَ الْقِيامَةِ واما فى الدنيا فهى مشوبة بالغم والتنغيص او المعنى مقدرين الخلوص لهم لا يشاركهم الكفار كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ يعنى ميزنا الحلال من الحرام هاهنا حيث أمرنا بإتيان الحلال وترك الحرام ونهينا عن الإسراف وإتيان الحرام كذلك نفصل سائر الاحكام لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ انه لا شريك لله تعالى أحد. قُلْ يا محمد إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها الْفَواحِشَ اى ما تزايد قبحه ما ظَهَرَ مِنْها كطواف الرجل بالنهار عريانا وَما بَطَنَ كطواف النساء بالليل عريانا وقيل الزنا سرا وعلانية عن ابن مسعود يرفعه قال لا أحدا غير من الله فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب اليه المدحة من الله فلذلك مدح نفسه وَالْإِثْمَ اى ما يوجب الإثم يعنى الذنب والمعصية تعميم بعد تخصيص وقال الضحاك الإثم الذنب الذي لا حدّ فيه وقال الحسن الإثم الخمر قال الشاعر: شربت الإثم حتى ضل عقلى ... كذلك الإثم يذهب بالعقول وَالْبَغْيَ الظلم او الكبر أفرده بالذكر مبالغة او المراد البغي على سلطان عادل بِغَيْرِ الْحَقِّ متعلق بالبغي موكد له معنى وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اى باشراكه سُلْطاناً حجة فيه تهكم بالمشركين وتنبيه على تحريم اتباع ما لم يدل عليه برهان وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ فى تحريم الحرث والانعام والطواف عريانا وغير ذلك وقال مقاتل هو عام فى تحريم القول فى الدين من غير يقين. وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ يعنى لكل امة من الكفار مدة ووقت معين فى علم الله تعالى لنزول العذاب بهم وعيد لاهل مكة فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ اى حان وقت عذابهم لا يَسْتَأْخِرُونَ عنه ساعَةً اى لا يتاخرون اقصر وقت وان طلبوا الامهال وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ولا يتقدمون ذلك وان سألوا العذاب لقولهم اللهمّ ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم «1»

_ (1) وعن ابن المسيب قال لما طعن عمر قال كعب لو دعا الله عمر لاخر فى اجله فقيل له أليس قد قال الله تعالى فاذا جاء أجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون قال كعب وقد قال الله وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا فى كتاب مبين فان الله يوخر ما يشاء وينقص ما يشاء فاذا جاء أجلهم لا يستاخرون ولا يستقدمون وعن ابى مليكة قال لما طعن عمر جاء كعب فجعل يبكى ويقول والله لو ان امير المؤمنين ليقسم على الله ان يوخره لاخره فدخل ابن عباس عليه فقال يا امير المؤمنين هذا كعب يقول كذا وكذا قال إذا والله لا اسأله 5

[سورة الأعراف (7) : آية 35]

يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ ما زايدة زيدت لتاكيد الشرط ولذلك أكد فعلها بالنون ذكر الله سبحانه بحرف الشك للتنبيه على ان إتيان الرسل جائز غير واجب ولا يجب على الله شىء رُسُلٌ مِنْكُمْ اى من بنى آدم يَقُصُّونَ اى يقرءون عَلَيْكُمْ آياتِي من الكتب صفة لرسل وجواب الشرط فَمَنِ اتَّقى منكم يعنى من الشرك وتكذيب الرسل وَأَصْلَحَ عمله اى أخلصه لله تعالى واتى به كما امره فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين يخاف الناس فى القبر ويوم القيامة وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ إذا حزنوا فى النار. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا منكم وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها اى عن الايمان بها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ادخل الفاء فى الجزاء الاول دون الثاني للمبالغة فى الوعد والمسامحة فى الوعيد. فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً اى جعل له شريكا او قال اتخذ الله صاحبة وولدا او قال الله أمرنا بتحريم السوائب والطواف عريانا ونحو ذلك واللفظ يشتمل الروافض الذين يفترون على الله وعلى رسوله ويقولون انزل الله فى القران آيات كثيرة القاها الصحابة من القران أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ المنزلة والترديد لمنع الخلو أُولئِكَ يَنالُهُمْ فى الدنيا نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ اى حقهم مما كتب لهم فى صحف الملئكة الموكل بهم من الأرزاق والتمتعات والأعمال والاكساب والمصائب والآجال وقيل الكتاب اللوح المحفوظ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يعنى ملك الموت وأعوانه يَتَوَفَّوْنَهُمْ يقبضون أرواحهم قالُوا جواب إذا يعنى قالت الرسل للكفار أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما موصولة وصلت باين الاستفهامية فى خط المصحف وكان حقها الفصل والاستفهام للتوبيخ يعنى اين الذين كنتم تعبدونها من دون الله من الأصنام وغيرها قالُوا اى الكفار ضَلُّوا اى غابوا عَنَّا وَشَهِدُوا يعنى الكفار اعترفوا عند معاينة العذاب عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ قالَ الله تعالى يوم القيمة او ملك الموت حين التوفى. ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ اى كائنين فى جملة امم قَدْ خَلَتْ مضت مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنى الكفار الأمم الماضية من الفريقين فِي النَّارِ متعلق بادخلوا كُلَّما دَخَلَتْ النار أُمَّةٌ كافرة من الأمم لَعَنَتْ أُخْتَها فى الدين التي ضلت هذه الامة باقتدائها فيلعن اليهود اليهود والنصارى النصارى ويلعن الاتباع القادة حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا اى تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا فِيها اى فى النار

[سورة الأعراف (7) : آية 39]

جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ دخولا وهم الاتباع لِأُولاهُمْ دخولا وهم القادة فانهم يدخلون النار او لا وقال ابن عباس اخر كل امة لاولها زمانا الذين شرعوا ذلك الدين الباطل رَبَّنا هؤُلاءِ يعنى القادة أَضَلُّونا عن الهدى فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً اى مضاعفا يعنى مثلى ما نحن فيه مِنَ النَّارِ لانهم ضلوا وأضلوا قالَ الله تعالى لِكُلٍّ منكم ومنهم ضِعْفٌ ما يرى الاخر فان للعذاب ظاهرا وباطنا وكل يدرك من الاخر الظاهر دون الباطن فيقدر انه ليس له العذاب الباطن او المعنى لكل ضعف ما يقتضيه ضلاله اما لقادة فبكفرهم وتضليلهم واما لاتباع فبكفرهم وتقليدهم اهل الباطل دون اهل الحق وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ اى لا يعلم أحد منكم ما لغيره من العذاب قرأ ابو بكر عن عاصم بالياء للغيبة على الانفصال والباقون بالتاء على الخطاب. وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ عطفوا كلامهم على جواب الله تعالى لاخريهم ورتبوا عليه فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ يعنى فقد ثبت بقول الله تعالى ان لا فضل لكم علينا وانه كل متساوون فى استحقاق العذاب فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ يحتمل ان يكون من قول القادة او من قول الله تعالى للفريقين. إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها اى عن الايمان بها لا تُفَتَّحُ قرأ ابو عمرو بالتاء لتانيث الفاعل لكونه جمعا بالتخفيف من المجرد وحمزة والكسائي بالياء لان الفاعل مؤنث غير حقيقى ومفعول من المجرد ايضا والباقون بالتاء كابى عمرو والتشديد من التفعيل لكثرة الأبواب لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ لاوعيتهم ولا لاعمالهم ولا لارواحهم وقال ابن عباس لارواحهم لانها خبيثة لا يصعد بها بل يهوى بها الى سجين عن البراء بن عازب فى حديث طويل رواه مالك والنسائي والبيهقي فى البعث والنشور قوله صلى الله عليه واله وسلم فى ذكر العبد الكافران الملئكة سود الوجوه إذا قبضت نفسه جعلوها فى المسوح ويخرج منها كنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملئكة الا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها فى الدنيا حتى ينتهى بها الى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه فى سجين فى الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا ثم قرأ

[سورة الأعراف (7) : الآيات 42 إلى 43]

ومن يشرك بالله فكانما خرمن السماء فتخطفه الطير او تهوى به الريح فى مكان سحيق لحديث وفى حديث ابى هريرة عند ابن ماجة نحوه وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ اى حتّى يدخل ما هو مثل فى عظم الجثة وهو البعير فيما هو مثل فى ضيق المنفذ وهو ثقبة الابرة وذلك لا يكون فكذا ما علق به بدل ذلك على تأكيد المنع يعنى لا يدخلون ابدا وَكَذلِكَ اى مثل ذلك الجزاء القطيع يعنى الياس من رحمة الله تعالى نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ لَهُمْ اى للمجرمين مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ فراش وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ لحف منها والتنوين عوض من الياء المحذوفة عند سيبويه وللصرف عند غيره يعنى النار محيط بهم من كل جانب نظيره قوله تعالى من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ذكر الجرم مع الحرمان من الجنة والظلم مع التعذيب بالنار تنبيها على انه أعظم من الاجرام ثم أورد الله سبحانه وعد المؤمنين بعد وعيد الكفار كما هو عادته فقال. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مبتدأ ولما كان الجمع المحلى باللام من صيغ العموم موهما لاختصاص الوعد بمن عمل جميع الصالحات أورد معترضا بين المبتدأ والخبر لدفع ذلك التوهم قوله لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اى بقدر طاقتها بحيث لا تحرج ولا يشق عليها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خبر للمبتدأ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَنَزَعْنا اى أخرجنا صيغة ماض وضع موضع مستقبل تحقيقا لوقوعه ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ اى حسد وعداوة كانت بينهم فى الدنيا حتى لا يكون بينهم الا التواد لا يحسد بعضهم على بعض على شىء خص الله به بعضهم اخرج سعيد بن منصور وابو نعيم فى الفتن وابن ابى شيبة والطبراني وابن مردوية عن على رضى الله عنه انه قال انى أرجو أن أكون انا وعثمان وطلحة والزبير منهم قلت قال ذلك على رضى الله عنه لما وقع بينهم فساد ظن فى فتنة شهادة عثمان رضى الله عنه اخرج البخاري والإسماعيليّ فى مستخرجه واللفظ له عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه واله وسلم فى قوله تعالى ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين قال يخلص المؤمنون من النار فيحسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم حتى إذا هذبوا وقفوا اذن لهم فى دخول الجنة فو الذي نفس محمد بيده لاحدهم اهدى بمنزله فى الجنة منه بمنزله فى الدنيا قال قتادة راوى الحديث كان يقال ما يشبه بهم الا اهل الجمعة

انصرفوا عن جمعتهم واخرج ابن ابى حاتم عن الحسن البصري قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال يحبس اهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يوخذ لبعضهم من البعض ظلماتهم فى الدنيا ويدخلون الجنة ليس فى قلوب بعضهم على بعض غل قال القرطبي هذا فى حق من لم يدخل النار اما من دخلها ثم اخرج منها فانهم لا يحاسبون بل إذا خرجوا اذهبوا على نهار الجنة قال ابن حجر قوله يخلص المؤمنون من النار اى ينجون من السقوط بمجاورة الصراط واختلف فى القنطرة المذكورة فقيل انها من تتمة الصراط وهى طرفه الذي يلى الجنة وقيل الصراط اخر وبه جزم القرطبي وقال السيوطي والاول هو المختار قلت وذلك لان القصاص انما يكون بالحسنات والسيئات فانه ليس ثمه دينار ولا درهم ان كان له يعنى للظالم عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمة وان لم يكن له حسنة أخذ من سيأت صاحبه فحمل عليه كذا روى البخاري من حديث ابى هريرة مرفوعا وعند مسلم والترمذي عنه مرفوعا فان فنيت حسناته قبل ان يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فتطرح عليه ثم طرح فى النار قلت والطرح فى النار لا يتصور بعد مجاورة الصراط بتمامه والله اعلم قلت وليس نزع الغل من الصدور منحصرا فى صورة القصاص ودفع الحسنات والسيئات من البعض الى البعض بل قد يكون بغير ذلك كما قال البغوي قال السند فى هذه الاية الكريمة ان اهل الجنة إذا سبقوا الى الجنة وجدوا عند بابها شجرة فى اصل ساقها عينان فشربوا من أحدهما فينزع ما فى صدورهم من غل وهو الشراب الطهور ومن الاخرى فجرت عليهم نضرة النعيم ان يشعثوا ولن يشحبوا بعدها ابدا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ من تحت منازلهم بعد ما دخلوا الجنة الْأَنْهارُ حال من هم فى صدورهم فيها بمعنى الاضافة وَقالُوا اى اهل الجنة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا اى الى هذا يعنى الجنة وقال سفيان الثوري معناه هدانا لعمل ثوابه هذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ اللام للجحود لتاكيد النفي كما فى قوله تعالى ما كان الله ليعذبهم بعدها ان المصدرية مقدرة والمصدر بمعنى الفاعل او بتقدير المضاف خبر لكان تقديره ما كنا ذا اهتداء او مهتدين لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ وجواب لولا محذوف دل عليه ما قبله يعنى لولا هداية الله ما كنا مهتدين قرأ ابن عامر ما كنا بغير واو على انها صبية للاولى والباقون بالواو على انه حال من مفعول هدانا لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فاهتدينا بإرشادهم يقولون ذلك تبجحا حين رأوا

[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 إلى 46]

ما وعدهم الرسل عيانا وَنُودُوا اى اهل الجنة قيل هذا النداء إذا راوا الجنة من بعيد وقيل هذا النداء يكون فى الجنة واختاره السيوطي فى البدور السافرة أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ ان فى المواضع الخمسة هى المفسرة لان المناداة والتأذين بمعنى القول وجاز ان يكون مخففة أُورِثْتُمُوها أعطيتموها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى بسبب أعمالكم الجملة حال من الجنة والعامل فيه معنى الاشارة او خبر والجنة صفة تلكم قال صاحب المدارك سماها ميراثا لانها لا تستحق بالعمل بل هى محض فضل الله تعالى وعده على الطاعات كالميراث من الميت ليس بعوض عن شىء بل هو صلة خالصة اخرج مسلم عن ابى سعيد الخدري وابى هريرة رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ينادى مناد ان لكم ان تصحوا فلا تسقموا ابدا ولكم ان تحيوا فلا تموتوا ابدا وان لكم ان تشبوا فلا تهرموا ابدا وان لكم ان تنعّموا فلا تباسوا «1» ابدا فذلك قوله تعالى ونودوا ان تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون واخرج ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما منكم من أحد الا له منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار فاذا مات فدخل النار ورث اهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى أولئك الوارثون. وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا من الثواب حَقًّا متحققا فى الواقع حال فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ من العذاب حَقًّا قالوا ذلك تبجحا بحالهم وشماتة باصحاب النار تقديره وعدكم حذف كم لدلالة وعدنا ربنا عليه او يقال لم يقل وعدكم كما قال وعدنا لان ما ساهم من الموعود لم يكن بامره وعده مخصوصا بهم كالبعث والحساب ونعيم الجنة قالُوا نَعَمْ قرأ الكسائي بكسر العين حيث وقع والباقون بفتحها وهما لغتان فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ اى نادى مناد قيل هو صاحب الصور بَيْنَهُمْ اى بين الفريقين بحيث اسمع الفريقين أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ قرأ البزي عن ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد انّ ونصب اللعنة والباقون بتخفيفها والرفع عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ اى يمتنعون او يمنعون الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى دينه صفة للظلمين مقررة او ذم مرفوع او منصوب وَيَبْغُونَها عِوَجاً زيعا وميلا عما هو عليه مفعول ثان ليبغون اى يطلبون لها الاعوجاج والتناقض قال ابن عباس يصلون لغير الله ويعظمون ما لم يعظمه الله قلت تقديره الذين كانوا يصدون عن

_ (1) بئس يبئس بالضم فيهما بأسا اشتد والمبتئس الكارة والحزين 12 نهايه

سبيل الله لان ذلك كان منهم فى الدنيا لا حين يقال لهم ذلك والعوج بالكسر فى المعاني والأعيان ما لم يكن منتصبة كالّذين والأرض وبالفتح فى الأعيان المنتصبة كالحائط والرمح ونحوهما وَهُمْ بِالْآخِرَةِ بالله او الاخرة كافِرُونَ وَبَيْنَهُما اى بين الجنة والنار وقيل بين اهل الجنة واهل النار حِجابٌ وهو سور الذي ذكره الله تعالى فى سورة الحديد فضرب بينهم بسور له باب وقد ذكر هناك تفسيره وَعَلَى الْأَعْرافِ اى على اعراف الحجاب يعنى على أعالي السور المضروب بينهما جمع عرف مستعار من عرف الفرس اخرج هناد من طريق مجاهد عن ابن عباس قال الأعراف سور كعرف الديك وقيل العرف ما ارتفع من الشيء فانه يكون لظهوره اعرف من غيره رِجالٌ اختلف الأقوال فى هؤلاء الرجال أوجهها انهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم منعت حسناتهم من دخول النار وتقاصرت من دخول الجنة كذا اخرج ابن مردوية عن جابر بن عبد الله عنه صلى الله عليه واله وسلم واخرج ابن جرير والبيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الأعراف سور بين الجنة والنار وأصحابه رجال كانت لهم ذنوب عظام حبسهم امر الله يقومون على الأعراف يعرفون اهل النار لسواد الوجوه واهل الجنة ببياض الوجوه فاذا نظروا الى اهل الجنة طمعوا ان يدخلوها وإذا نظروا الى النار تعوذوا بالله تعالى منها فادخلهم الله الجنة فذلك قوله تعالى هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة يعنى اصحاب الأعراف ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون واخرج هناد وابن ابى حاتم وابو الشيخ فى تفاسيرهم من طريق عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال الأعراف السور الذي بين الجنة والنار واصحاب الأعراف المحبوسون بذلك حتى إذا بدأ الله تعالى ان يعافيهم انطلق بهم الى نهر يقال له الحيوة حافتاه الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك فالقوا فيه حتى يصلح ألوانهم وتبدوا فى نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها حتى إذا صلحت ألوانهم اتى بهم الرحمن تعالى فقال تمنوا ما شئتم فيتمنون حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم لكم الذي تمنيتم ومثله وسبعون ضعفا فيدخلون الجنة فى نحورهم شامة «1» بيضاء يعرفون بها يسمون مساكين اهل الجنة واخرج ابو الشيخ من طريق ابن المنكدر عن رجل من مزينة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم سئل عن الأعراف فقال هم قوم خرجوا عصاة بغير اذن ابائهم فقتلوا فى سبيل الله وهم لابائهم عاصون فمنعوا الجنة بمعصية ابائهم ومنعوا النار

_ (1) الشامة الخال فى الجسد 12

لقتلهم فى سبيل الله واخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابى سعيد الخدري قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اصحاب الأعراف فقال هم رجال قتلوا فى سبيل الله وو هم عصاة لابائهم فمنعتهم الشهادة ان يدخلوا النار ومنعتهم المعصية ان يدخلوا الجنة وهم على سور بين الجنة والنار حتى تذبل «1» لحومهم وشحومهم حتى يفرغ الله من حساب خلقه ولم يبق غيرهم تغمد الله برحمته فادخلهم الجنة برحمته واخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردوية وابو الشيخ فى تفاسيرهم والطبراني والحارث بن اسامة فى مسنده والبيهقي من عبد الرحمن المزني قال سئل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن اصحاب الأعراف فقال هم أناس قتلوا فى سبيل الله قلت لعل المراد بهذا الذين قتلوا فى سبيل الله الذين هم عصاة لابائهم جمعا بين هذا وبين ما سبق وليعلم ان الذين قتلوا فى سبيل الله عصاة لابائهم افراد ممن استوت حسناتهم وسيئاتهم فذكرهم على وجه التمثيل لا على وجه الحصر لما مر من الأحاديث ولما اخرج ابن ابى داؤد وابن جرير عن ابن عمر بن حزم بن جرير قال سئل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال هم اخر من يفصل بينهم من العباد فاذا فرغ رب العلمين من الفصل بين العباد قال أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ولم تدخلوا الجنة وأنتم عتقاء فارعوا من الجنة حيث شئتم قال السيوطي مرسل حسن واخرج ابن مردوية وابو الشيخ من طريقين عن جابر بن عبد الله قال سئل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عمن استوت حسناتهم وسيئاتهم فقال أولئك اصحب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون واخرج البيهقي عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يجمع الله الناس بينهم يوم القيامة فيومر باهل الجنة الجنة وباهل النار النار ثم قال لاصحاب الأعراف ما تنتظرون قالوا ننتظر أمرك فيقال لهم ان حسناتكم تجاوزت بكم النار ان تدخلوها وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم فادخلوا بمغفرتى ورحمتى واخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابو الشيخ والبيهقي وهناد وحذيفة قال اصحاب الأعراف قوم قصرت سيأتهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار جعلوا هناك حتى ينقضى الله تعالى بين الناس فبينما هم كذلك إذا طلع عليهم ربهم فقال لهم قوموا فادخلوا الجنة فانى غفرت لكم واخرج عبد الرزاق عن حذيفة قال اصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيأتهم على سور بين الجنة والنار وهم على طمع من دخول الجنة وهم داخلون وروى البغوي بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن مسعود

_ (1) ذبلت بشرته اى قل ماء جلد ورهبت نضارته 12 نهايه

قال يحاسب الناس يوم القيمة فمن كانت حسناته اكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته اكثر من حسناته بواحدة دخل النار ثم قرأ قال الله عز وجل فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا أنفسهم ثم قال ان الميزان يخف حسناته وسيئاته بمثقال حبة ويرجح قال ومن حسناته وسيئاته كان من اصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم عرفوا اهل الجنة واهل النار فاذا نظروا الى اهل الجنة نادوا سلام عليكم وإذا صرفوا أبصارهم الى اصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين فاما اصحاب الحسنات فانهم يعطون نورا يمشون به أيديهم وبايمانهم ويعلى كل عبد يومئذ نورا فاذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة فلما رأى اهل الجنة ما بقي المنافقون قالوا ربنا أتمم لنا نورنا فاما اصحاب الأعراف فان النور لم ينزع من بين أيديهم ومنعهم سيأتهم ان يمشوا فبقى فى قلوبهم الطمع إذ لم ينزع من بين أيديهم فهناك يقول الله عز وجل لم يدخلوها وهم يطمعون وكان الطمع للنور الذي بين أيديهم ثم ادخلوا الجنة وكانوا اخر اهل الجنة دخولا واماما اخرج هناد عن مجاهد قال اصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء والأعراف سور بين الجنة والنار فلعل المراد من القوم الصالحين المؤمنين الفقهاء العلماء ارتكبوا السيئات بحيث تساوت حسناتهم خلطوا عملا صالحا واخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم واماما اخرج البيهقي عن ابى مجلز انه قال الأعراف مكان مرتفع عليه رجال من الملئكة يعرفون اهل الجنة بسيماهم واهل النار بسيماهم فليس بشئ إذ لا يقال للملئكة رجال وقد سماهم الله تعالى برجال وايضا يرده ما روينا من الأحاديث واماما قال بعضهم انهم رجال من الأنبياء او الأولياء او الشهداء فيطلعون على اهل الجنة واهل النار جميعا ويطلعون احوال الفريقين فيرده ما روينا من الأحاديث وما سيتلى عليك من الآيات واماما قال بعضهم انهم أطفال المشركين يرده قوله تعالى رجال وما ذكرنا من الأحاديث يَعْرِفُونَ اى اصحاب الأعراف كُلًّا اى كل فريق من المؤمنين والكافرين بِسِيماهُمْ اى بعلامتهم يعرفون اهل الجنة ببياض وجوههم واهل النار بسواد وجوههم مشتق من سام ابله إذا أرسلها فى المرعى معلمة او من وسم على القلب كالجاه من الوجه وَنادَوْا اصحاب الأعراف أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ يعنى سلّموا عليهم إذا نظروا إليهم لَمْ يَدْخُلُوها يعنى اصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة وَهُمْ يَطْمَعُونَ دخولها حيث خلصوا من النار قال الحسن لم يطمعهم الا للكرامة

[سورة الأعراف (7) : آية 47]

يريدها بهم والجملة مستانفة لا محل لها من الاعراب كانّ سائلا سأل عن اصحاب الأعراف فقال لم يدخلوها وهم يطمعون وجاز ان يكون حالا من الضمير المرفوع فى نادوا او صفة لرجال ومن قال ان اصحاب الأعراف الأنبياء والملئكة قال هذه الجملة حال من مفعول نادوا يعنى اصحاب الجنة. وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ اى أبصار اصحاب الأعراف فيه اشارة الى ان صارفا يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيدوا تِلْقاءَ ظرف اى الى جانب أَصْحابِ النَّارِ ورأوا ما هم فيه من العذاب تعوذوا بالله وفرعوا الى رحمته قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعنى لا تجعلنا فى النار مع الكافرين سياق الاية تدل على ان اصحاب الأعراف فى خوف ورجاء وذلك مقتضى استواء حسناتهم ولا يتصور ذلك فى الأنبياء والشهداء والصلحاء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا كانوا عظماء فى الدنيا من الكفار يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا اى اصحاب الأعراف بيان لنادى ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ اى كثرتكم واعوانكم وأولادكم وجمعكم المال وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ عن الحق او على الخلق قال الكلبي ينادون على السوريا وليد بن مغيرة يا أبا جهل بن هشام يا فلان ثم ينظرون الى الجنة فيرون فيها الفقراء والضعفاء ممن كانوا يستهزءون بهم مثل سلمان وصهيب وخباب وبلال وأشباههم فيقول اصحاب الأعراف لهؤلاء الكفار. أَهؤُلاءِ يعنى هؤلاء الضعفاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ وحلفتم لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ اى حلفتم انهم لا يدخلون الجنة ثم يقال لاهل الأعراف ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ قلت وجاز ان يكون هذا من تتمة كلام اصحاب الأعراف يعنى هؤلاء الضعفاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة وقد قيل لهم ادخلوا الجنة الاية قال البغوي وفيه قول اخر وهو ان اصحاب الأعراف إذا قالوا لاهل النار قالوا قال لهم اهل النار ان دخل أولئك الجنة فانتم لم تدخلوها فيعيرونهم ويقسمون انهم يدخلون النار فيقول الملئكة الذين حبسوا اصحاب الأعراف على الصراط لاهل النار أهؤلاء يعنى اصحاب الأعراف الذي أقسمتم يا اهل النار انه لا ينالهم رحمة الله ثم قالت الملئكة لاصحاب الأعراف ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون فيدخلون الجنة قال البغوي قال عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما انه لما صار اصحاب الأعراف الى الجنة طمع اهل النار فى الفرج وقالوا يا رب

[سورة الأعراف (7) : آية 50]

ان لنا قرابات من اهل الجنة فاذن لنا حتى نريهم ونكلمهم فنظروا الى قراباتهم فى الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم ولم يعرفوا اهل الجنة اهل النار بسواد وجوههم. وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ بأسمائهم واخبروهم بقراباتهم أَنْ أَفِيضُوا اى صبوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من سائر الاشربة ليلا يم الاضافة او من طعام الجنة فهو من قبيل علفتها تبنا وماء باردا قالُوا يعنى اصحاب الجنة إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما اى الماء والطعام عَلَى الْكافِرِينَ قال البيضاوي معناه منعهما عنهم منع المحرم على المكلف وقال فى المدارك هو تحريم منع كما فى قوله وحرمنا عليه المراضع قلت ومنه قوله تعالى حرام على قرية أهلكناها انهم لا يرجعون واخرج ابن ابى الدنيا والضيا كلاهما فى صفة النار عن زيد بن رفيع ان اهل النار إذا دخلوا النار عكوا الدموع زمانا ثم بكوا الفيح زمانا فيقول لهم الخزنة يا معشر الأشقياء تركتم البكاء فى الدنيا هل تجدون اليوم من تستغيثون به فيعرفون به أصواتهم يا اهل الجنة يا معشر الآباء والأمهات والأولاد خرجنا من القبور عطاشا وكنا طول الموقف عطاشا ونحن اليوم عطاش فافيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله فيدعون أربعين لا يجيبهم ثم يجيبهم أنتم ماكثون فيئسون من كل خير واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس رضى الله عنهما فى هذه الاية قال ينادى الرجل أخاه فيقول يا أخي أغثني فانى قد أحرقت فيقول ان الله حرمهما على الكفرين. الَّذِينَ اتَّخَذُوا مجرور وصفا للكافرين او مرفوع او منصوب على الذم دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً بتحريم البحيرة وأخواتها والمكاء والتصدية حول البيت والطواف عريانا وأكل الميتة والاستسقام بالأزلام وغير ذلك من الأمور التي كانوا يفعلونها فى الجاهلية وقيل معناه اتخذوا عيدهم لهوا ولعبا قال البيضاوي اللهو صرف الهم بما لا يحسن ان يصرف به واللعب طلب الفرح بما لا يحسن ان يطلب به وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ونسوا الاخرة وزعموا ان لا حيوة الا الحيوة الدنيا ولا الخير ولا الشر الا فيها فَالْيَوْمَ يوم القيامة نَنْساهُمْ نتركهم ترك الناسي فى النار كَما نَسُوا اى نسيانا كنسيانهم لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا حتى تركوا العمل بما ينفعهم يومهم هذا وَما كانُوا وكما كانوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ يعنى ككونهم جاحدين باياتنا منكرين انها من عند الله. وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ يعنى القران فَصَّلْناهُ بينا معانيه وميزنا حلاله وحرامه ومواعظه وقصصه وأوضحنا العقائد الحقة من الباطلة عَلى عِلْمٍ

[سورة الأعراف (7) : آية 53]

عالمين بوجه تفصيله حتى جاء حكيما او عالمين بمصالحهم فهو حال من فاعل فصلناه او مشتملا على علم فهو حال من مفعوله هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ حال من مفعول فصلناه. هَلْ يَنْظُرُونَ اى هل ينتظرون فى الايمان بالقران إِلَّا تَأْوِيلَهُ يعنى الا ما يؤل اليه امره من تبين صدقة وظهور ما ينطق به من الوعد والوعيد قال مجاهد جزاءه يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ اى جزاءه وما يؤل اليه أمرهم وذلك يوم موتهم او يوم القيامة يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ اى تركوه ترك الناسي ولم يؤمنوا به قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ قد تبين لهم انهم جاؤا بالحق فاعترفوا حين لا ينفعهم الاعتراف فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ عطف على جملة قبلها داخلة معها فى حكم الاستفهام كانه قيل فهل لنا من شفعاء او هل نرد ورافعه وقوعه موقعا يصلح للاسم كقولك ابتداء هل يضرب زيدا وعطف على تقدير هل يعنى هل يشفع لنا شافع او هل نرد الى الدنيا فَنَعْمَلَ جواب للاستفهام الثاني غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ نوحد الله ونترك الشرك والمعاصي قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بصرف أعمارهم فى الكفر وَضَلَّ وبطل واضمحل عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ان الله تعالى أمرهم به او فى ادعاء الشريك. إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ اى مقدار ستة ايام من ايام الدنيا وقيل ستة ايام كايام الاخرة كل يوم الف سنة قال سعيد بن جبير كان الله عز وجل قادرا على خلق السموات والأرض فى لمحة ولحظة فخلقهن فى ستة ايام تعليما لخلقه التثبت والتأني فى الأمور وقد جاء فى الحديث التأني من الرحمن والعجلة من الشيطان رواه البيهقي فى شعب الايمان مرفوعا عن انس ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قال البغوي اولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء واما اهل السنة يقولون الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف يجب على الرجل الايمان به ويكل العلم فيه الى الله عز وجل سأل رجل مالك بن انس عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى كيف استوى فاطرق راسه مليا ثم قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أظنك الا ضالا ثم امر به فاخرج وروى عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعيد وسفيان بن عيينة وعبد الله وغيرهم من علماء اهل السنة فى هذه الآيات التي جاءت فى الصفات المتشابهة أمروها كما جاءت بلا كيف والعرش فى اللغة سرير الملك وهو جسم عظيم من عظائم المخلوقات كريم على الله

[سورة الأعراف (7) : آية 55]

تعالى لاختصاصه بانواع من التجليات ولذا سمى بعرش الرحمن وأضيف اليه تعالى تشريفا وتكريما كما أضيف اليه الكعبة وسمى بيت الله وقد ذكرنا بعض ما ورد فيه من الاخبار فى اية الكرسي فى سورة البقرة يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ اى يغطيه به ولم يذكر عكسه للعلم به او لان اللفظ يحتملهما وقال البغوي فيه حذف ويغشى النهار الليل ولم يذكر لدلالة الكلام عليه قرأ حمزة والكسائي وابو بكر ويعقوب يغشى بالتشديد هاهنا وفى سورة الرعد للدلالة على التكرير والباقون بالتخفيف يَطْلُبُهُ اى يعقبه فان أحدهما إذا كان يعقب الاخر ويخلفه فكانه يطلبه حَثِيثاً اى سريعا بلا مهلة وهو صفة مصدر محذوف اى طلبه حثيثا او حال من الفاعل بمعنى حاثا او المفعول بمعنى محثوثا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ اى مذللات بِأَمْرِهِ بقضائه وتصريفه قرأ ابن عامر برفع الاربعة على الابتداء والخبرية والباقون بنصب الثلاثة بالعطف على السموات ونصب مسخرات على الحال وكذلك فى سورة النحل أَلا لَهُ الْخَلْقُ جميعا لا خالق غيره وَالْأَمْرُ كله بيده يحكم ما يريد لا يجوز لاحد الاعتراض عليه قالت الصوفية المراد بالخلق والأمر عالم الخلق يعنى الجسمانية العرش وما تحته من السموات والأرض وما بينهما وأصولها العناصر الاربعة النار والهواء والماء والتراب ويتولد منها النفوس الحيوانية والنباتية والمعدنية وهى أجسام لطيفة سارية فى أجسام كثيفة وعالم الأمر يعنى المجردات من القلب والروح والسر والخفي والأخفى التي هى فوق العرش سارية فى النفوس الانسانية والملكية والشيطانية سريان الشمس فى المرآة سميت بعالم الأمر لان الله تعالى خلقها بلا مادة بامره كن قال البغوي قال سفيان بن عيينة فرق بين الخلق والأمر فمن جمع بينهما فقد كفر تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ اى تعالى الله بالوحدانية فى الالوهية وتعظم بالتفرد فى الربوبية مشتق من البركة بمعنى النماء والزيادة ومن لوازمه العظمة قيل معناه ان البركة يكتسب ويناول بذكره وعن ابن عباس رضى الله عنهما معناه قال جاء بكل بركة وقال الحسن البركة من عنده وقيل تبارك اى تقدس والقدس الطهارة وقيل تبارك الله تعالى اى باسمه تبرك فى كل شىء قال المحققون معنى هذه الصفة ثبت ودام بما لم يزل ولا يزال واصل البركة الثبوت ومنه البركة ويقال تبارك الله ولا يقال على الله المبارك والمبارك توفيقا على السمع. ادْعُوا رَبَّكُمْ يعنى اذكروه واعبدوه واسألوا منه حوائجكم تَضَرُّعاً حال من فاعل ادعوا اى ذوى تضرع او متضرعين تفعل من الضرع من ضرع الرجل ضراعة ضعف وذل فهو ضارع وضرع وتضرع

اظهر الضراعة فى القاموس ضرع اليه يثلث ضرعا محركة وضراعة خضع وذل واستكان وَخُفْيَةً قرأ ابو بكر بكسر الخاء والباقون بالضم اى ذوى إخفاء او مخفين فان الإخفاء دليل الإخلاص وابعد من الرياء اعلم ان الذكر مطلقا عبادة سواء كان جهرا إذا لم يخالطه الرياء او سرا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الله تعالى انا عند ظن عبدى بي وانا معه إذا ذكرنى فان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وان ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم متفق عليه فان هذا الحديث يفيد ذكر الجهر والخفي كليهما وزعم بعض الناس ان هذا الحديث يدل على افضلية الجهر من الخفي وليس بشئ إذ لا مزية لذكر الله عبده فى ملأ على ذكره إياه فى نفسه بل الأمر على العكس ويدرك ذوق هذا الكلام من ذاق كاس العشق وقوله تعالى فاذكروا الله كذكركم اباءكم او أشد ذكرا ليس فيه التشبيه فى الجهر بل فى إكثار الذكر ثم اجمع العلماء على ان الذكر سرا هو الأفضل والجهر بالذكر بدعة الا فى مواضع مخصوصة مسّت الحاجة فيها الى الجهر به كالاذان والاقامة وتكبيرات التشريق وتكبيرات الانتقال فى الصلاة للامام والتسبيح للمقتدى إذا ناب نائبة والتلبية فى الحج ونحو ذلك ذكر ابن الهمام فى حواشى الهداية ان أبا حنيفة أخذ فى تكبيرات التشريق بقول ابن مسعود انه كان يكبر من صلوة الفجر يوم عرفة الى صلوة العصر من يوم النحر الحديث رواه ابن ابى شيبة والصاحبان أخذا بقول على رضى الله عنه انه كان يكبر بعد الفجر يوم العرفة الى صلوة العصر من اخر ايام التشريق رواه ابن ابى شيبة وكذا روى محمد بن الحسن عن ابى حنيفة بسنده عنه فقال ابن الهمام من جعل الفتوى على قولهما فقد خالف مقتضى الترجيح فان الخلاف فيه مع رفع الصوت لا فى نفس الذكر والأصل فى الاذكار الإخفاء والجهر به بدعة فاذا وقع التعارض فى الجهر يرجح الأقل ويدل على كون ذاكر السر أفضل ومجمعا عليه من الصحابة من تبعهم قول الحسن ان بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا ولقد كان المسلمون يجتهدون فى الدعاء وما يسمع لهم صوتا ان كان الا همسا بينهم وبين ربهم وذلك ان الله سبحانه وتعالى يقول ادعوا ربكم تضرعا وخفية وان الله ذكر عبدا صالحا ورضى فعله فقال إذ نادى ربه نداء خفيا وايضا يدل على فضل الذكر الخفي حديث سعد بن ابى وقاص قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفى رواه احمد وابن حبان فى صحيحه والبيهقي فى شعب الايمان وحديث ابى موسى قال لما غزا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خيبر اشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير فقال رسول الله صلى الله

عليه واله وسلم اربعوا «1» على أنفسكم انكم لا تدعون أصم ولا غائبا انكم تدعون سميعا قريبا رواه البغوي قلت هذا الحديث وان كان دالا على افضلية الذكر الخفي لكن قوله اربعوا على أنفسكم يدل على ان النهى عن الجهر والأمر بالإخفاء انما هو شفقة لا لعدم جواز الجهر أصلا وكذا حديث خير الذكر الخفي (فصل) اعلم ان الذكر على ثلثة مراتب أحدها الجهر ورفع الصوت بها وذلك مكروه اجماعا الا إذا دعت اليه داعية واقتضته حكمة فحينئذ قد يكون أفضل من الإخفاء كالاذان والتلبية ونحو ذلك ولعل الصوفية الچشتية قدس الله تعالى أسرارهم اختاروا الجهر للمبتدى لاقتضاء حكمة وهى طرد الشيطان ودفع الغفلة والنسيان وحرارة القلب واشتغال نائرة الحب بالرياضة ومع ذلك يشترط لذلك الاحتراز عن الرياء والسمعة ثانيها الذكر باللسان سرّا وهو المراد بقوله صلى الله عليه واله وسلم لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله رواه الترمذي وابن ماجة وروى احمد والترمذي قيل اى الأعمال أفضل قال ان تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان لله ملئكة يطوفون فى الطرق يلتمسون اهل الذكر فاذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا الى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم الى سماء الدنيا قال فيسئلهم ربهم وهو اعلم بهم ما يقولون عبادى قال يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول هل رأونى قال فيقولون لا والله ما رأوك قال فيقول كيف لو رأونى قال فيقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا واكثر لك تسبيحا قال فيقول فما يسئلون قالوا يسئلونك الجنة قال فيقول وهل رأوها قال فيقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها قال يقولون لو انهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون قال يقولون من النار قال فيقول فهل راوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول فاشهدوا انى قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملئكة فيهم فلان ليس بينهم انما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى جليسهم رواه البخاري ومسلم نحوه وثالثها الذكر بالقلب والروح والنفس وغيرها الذي لا مدخل فيه للسان وهو الذكر الخفي الذي لا يسمعه الحفظة اخرج ابو يعلى عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لفضل الذكر الخفي الذي لا يسمعه الحفظة سبعون ضعفا إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق لحسابهم وجاءت

_ (1) اربعوا اى ارفقوا واقتصروا 12 النهاية

[سورة الأعراف (7) : آية 56]

الحفظة بما حفظوا وكتبوا قال لهم انظروا هل بقي له من شىء فيقولون ما تركنا شيئا مما علمناه وحفظناه الا وقد أحصيناه وكتبناه فيقول الله تعالى ان له حسنا لا تعلمه وأخبرك به هو الذكر الخفي قلت وهذا الذكر هو الذي لا انقطاع لها ولا فتور فيها إِنَّهُ تعالى لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ قيل المعتدين فى الدعاء كمن سأل منازل الأنبياء او الصعود الى السماء او دخول الجنة قبل ان يموت ونحو ذلك مما يستحيل عقلا او عادة او يسأل امور الا فائدة فيها معتدا بها روى البغوي بسنده من طريق ابى داود السجستاني عن ابى نعامة ان عبد الله بن مغفل يسمع ابنه يقول اللهم انى أسئلك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال يا بنىّ سل الله الجنة وتعوذ به من النار فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول انه سيكون فى هذه الامة قوم يعتدون فى الطهور والدعاء كذا روى ابن ماجة وابن حبان فى صحيحه وروى ابو يعلى فى مسنده من حديث سعد قوله صلى الله عليه واله وسلم سيكون قوم يعتدون فى الدعاء حسب المرأ ان يقول اللهم انى أسئلك الجنة وما قرب إليها من قول او عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول او عمل قال ابو يعلى لا أدرى قوله وحسب المرأ ان يقول اللهم الى آخره هو من قول سعد او من قول النبي صلى الله عليه واله وسلم وقال عطية هم الذين يدعون على المؤمنين ما لا يحل فيقولون اللهم العنهم اللهم العنهم والبالغ فى هذا الاعتداء الروافض الذين يلعنون الصحابة وبعض اهل البيت وقال ابن جريج الاعتداء رفع الصوت والنداء بالدعاء والصياح لما مر فى حديث ابى موسى قوله صلى الله عليه واله وسلم اربعوا على أنفسكم انكم لا تدعون أصم ولا غائبا قلت الاعتداء التجاوز عن حدود الشرع فيعم جميع اقسام الاعتداء منها ما ذكر ومنها غير ذلك نحو ان يدعو ما فيه ثم او قطيعة رحم او يقول دعوت فلم يستجب لى او يدعوا الله بأسماء لم يرد الشرع بها او يدعو قائلا انه يستجاب له. وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعاصي والبغي والدعاء الى غير طاعة الله بَعْدَ إِصْلاحِها اى إصلاح الله سبحانه إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء الى طاعة الله عز وجل وبالنهى عن الاعتداء فى الدعاء قال البغوي هذا معنى قول الحسن والسدى والضحاك والكلبي وقال عطية لا تعصوا فى الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بمعاصيكم فعلى هذا معنى قوله تعالى بعد إصلاح الله تعالى إياها بالمطر والخصب وَادْعُوهُ خَوْفاً اى خائفين من رد الدعاء لقصور أعمالكم وعدم استحقاقكم وَطَمَعاً اى طامعين فى الاجابة تفضلا وإحسانا لفرط رحمة إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ

[سورة الأعراف (7) : آية 57]

مِنَ الْمُحْسِنِينَ ترجيح للطمع وتنبيه على ما يتوسل به الى الاجابة واشارة الى ان رد الدعاء من الكريم الجواد ليس الا لشوم أعمالكم وترك إحسانكم ذكر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الرجل يطيل السفر اشعث اغبر يمديده الى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فانّى يستجاب لذلك رواه مسلم والترمذي من حديث ابى هريرة وروى مسلم والترمذي عن ابى هريرة عنه صلى الله عليه واله وسلم قال لا يزال يستجاب العبد ما لم يدع بإثم او قطيعة رحم وما لم يستعجل قيل يا رسول الله وما الاستعجال قال يقول فلم أر تستجاب لى فيستحسر عند ذلك ويدع عند ذلك وروى احمد عن عبد الله بن عمرو ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال القلوب اوعية وبعضها اوعى من بعض فاذا سألتم الله عز وجل ايها الناس فاسئلوه وأنتم موقنون بالاجابة فان الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل وعند الترمذي من حديث ابى هريرة نحوه فان قيل قد ذكرت انه لا يجوز لقائل ان يقول يستجاب دعاى البتة وقد ورد فى الحديث فاسئلوه وأنتم موقنون بالاجابة فكيف التوفيق قلت معنى أنتم موقنون فى الاجابة ان الله تعالى جواد كريم لا يتصور منه البخل وليس عدم الاجابة الا لاجل غفلتكم ومعصيتكم فالطمع فى الاجابة واليقين بها نظرا الى رحمته وجوده تعالى وعدم التيقن بالاجابة وخوف الرد لاجل شوم أنفسنا فلا منافاة وتذكير قريب لان الرحمة بمعنى الرحم الثواب فيرجع النعت الى المعنى او لانه صفة محذوف اى امر قريب او للاضافة الى المذكّر او على التشبيه بالفعيل الذي هو المصدر كالنقيض او للفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره قال ابو عمرو بن العلا القريب يكون بمعنى القريب من حيث النسب ومن حيث المسافة فيقول العرب هذه امرأة قريبة منك إذا كانت بمعنى القرابة وقريب منك إذا كان بمعنى المسافة. وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الريح على الوحدة والباقون على الجمع بُشْراً قرأ عاصم بالباء التحتانية الموحدة المضمومة واسكان الشين حيث وقع وهو تخفيف بشر بضم الشين جمع بشير يعنى انها تبشر بالمطر قال الله تعالى الرياح مبشرات وقرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بالنون مضمومة وضم الشين جمع نشور حيث وقع بمعنى ناشر قال الله تعالى والناشرات نشرا............... .. ............... ............... ....... وقرأ حمزة والكسائي بالنون مفتوحة واسكان الشين حيث وقع على انه مصدر فى موضع الحال بمعنى ناشر او مفعول مطلق فان

الإرسال والنشر متقاربان بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ اى قدام نعمته يعنى المطر فان الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الريح من روح الله يأتي بالرحمة والعذاب فاذا رايتموه فلا تسبوها واسئلوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها رواه البخاري فى الأدب وابو داود والحاكم وصححه ورواه البغوي من طريق الشافعي وعبد الرزاق حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ اى حملت الرياح واشتقاقه من القلة فان المقل للشئ يستقله سَحاباً ثِقالًا بالماء جمعه لان السحاب بمعنى السحائب سُقْناهُ اى السحاب أفرد الضمير نظرا الى لفظه لِبَلَدٍ اى لاجله او لاحيائه او لسقيه وقيل معناه الى بلد مَيِّتٍ قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص بالتشديد والباقون بالتخفيف والمراد بالميت ما لا نبات فيه فَأَنْزَلْنا بِهِ اى بالبلد والباء للسببية او بالسحاب او بالسوق او بالريح والباء للالصاق الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ اى بالبلد او بالسحاب او بالسوق او بالريح او بالماء فاذا كان الضمير للبلد فالباء للظرفية والا فللسببية مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ اى كاخراج الثمرات او كاحياء البلد الميت نُخْرِجُ الْمَوْتى من القبور لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فتستدلون بقدرته تعالى على خلق ما خلق فى الدنيا على قدرته على إعادة ما يريد إعادته فى الاخرة قال البغوي قال ابو هريرة وابن عباس إذا مات الناس كلهم بالنفخة الاولى أرسل الله عليهم مطرا كمنى الرجال من ماء تحت العرش يدعى ماء الحيوان فينبتون فى قبورهم نبات الزرع حتى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيهم الروح ثم يلقى عليهم نومة فينامون فى قبورهم ثم يحشرون بالنفخة الثانية وهم يجدون طعم النوم فى رؤسهم وأعينهم فعند ذلك يقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون عاما قال أبيت ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شىء الا يبلى الا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة واخرج ابن ابى داود فى البعث هذا الحديث وفيه بين النفختين أربعون عاما فيمطر الله فى تلك الأربعين واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يسيل واد من اصل العرش من ماء فيما بين الصيحتين ومقدار ما بينهما أربعون عاما فينبت منه كل خلق بلى من الإنسان او طير او دابة ولو مر عليهم مارّ قد عرفهم قبل ذلك لعرفهم على وجه الأرض فينبتون ثم ترسل الأرواح فتزوج

[سورة الأعراف (7) : آية 58]

بالأجساد فذلك قول الله تعالى فاذا النفوس زوجت واخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير نحوه قال الحليمي اتفقت الروايات على ان بين النفختين أربعون سنة كذا اخرج ابن المبارك عن الحسن مرسلا. وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يعنى الأرض الكريمة التربة يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ بمشيته وتيسيره وهو فى موضع الحال عبر به عن كثرة نباته وحسنه وجلالة نفعه كما يدل عليه ما يقابله فكانه قال يخرج نباته حسنا وافيا بإذن ربه وَالبلد الَّذِي خَبُثَ يعنى الأرض الخبيثة السبخة والحرة او نحو ذلك لا يَخْرُجُ نباته فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه فصار مرفوعا مستترا إِلَّا نَكِداً الا قليلا لا منفعة فيه فى القاموس النكد بالضم قلة العطاء وبفتح وعطاء منكود قليل يقال نكد عيشهم كفرح اشتد وعسر والبير قل ماءها ونكد زيد حاجة عمرو منعه إياه وفلانا منعه ما ساله او لم يعطه الا اقله ورجل نكد شوم عسر كَذلِكَ اى تصريفا مثل ذلك التصريف نُصَرِّفُ الْآياتِ نرددها ونكررها لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ نعمة الله وهم المؤمنون لما كانت الآيات السابقة لبيان كمال قدرته تعالى على ما أراد وعموم فيضه ورحمته عقبها بهذه الاية لبيان تفاوت الاستعدادات فى قبول الفيض من المبدأ الفياض ليظهر ان النقصان انما هو من جهة المتأثر كما ان نبات الأرض يتفاوت بتفاوت استعداد الأرض مع اتحاد فيضان المطر كذلك تصريف الآيات ونصب الدلايل وبعث الرسل وان كان رحمة للعالمين عامة لكن الانتفاع بها مختص بالمؤمنين الشاكرين فانهم لحسن استعداداتهم المستفادة من ظلال اسم الله الهادي يهتدون بها ويتفكرون فيها ويعتبرون بها روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها طايفة طيبة قبلت الماء فانبتت الكلاء والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طايفة اخرى انما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك راسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به. لَقَدْ أَرْسَلْنا جواب قسم محذوف اى والله لقد أرسلنا ولا تكاد تطلق هذا اللام الا مع قد لانها مظنة التوقع فان المخاطب إذا سمعها توقع وقوع ما صدر بها نُوحاً إِلى قَوْمِهِ وهو نوح بن لامك وقيل لمك بن متثولخ وامه عونة وقيل قينوس بنت براليك بن قشولخ وعند بعضهم متوشخ بن خنوخ وقيل أخنوخ وهو إدريس عليه السلام

وهو أول نبى خط بالقلم ابن مهليل وقيل مهلائيل بن قينن وقيل قينان وقيل قانن بن انوش وقيل مانيش بن شيث عليه السلام بن آدم عليه السلام وفى المستدرك عن ابن عباس قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كذا روى الطبراني عن ابى ذر مرفوعا ومما ذكرنا من سلسلة النسب يظهر ان نوحا بعد إدريس عليهما السلام كذا ذكر البغوي واسم نوح سكن لان الناس سكنوا اليه بعد آدم وقيل اسمه شاكر وقيل يشكر وذكر السيوطي فى الإتقان نقلا عن المستدرك للحاكم ان اسمه عبد الغفار واكثر الصحابة على انه قيل إدريس وانما سمى نوحا لكثرة نوحه على نفسه وقومه قيل كان نوحه لهول القيامة وقيل انه راى كلباسئ المنظر فقال له زنم إقليما اى كلب السوء فانطقه الله تعالى وقال العيب منى او من خالقى فلما سمعه من الكلب أغمي عليه فلما أفاق كثر النوح على نفسه وذكر البغوي انه مر بكلب مجذوم فقال اخسأ يا قبيح فاوحى الله تعالى اعبتنى أم عبت الكلب وقيل ناح لدعوته على قومه بالهلاك وقيل لمراجعة ربه فى شان ابنه كنعان والله اعلم بعث الله تعالى نوحا وهو ابن أربعين سنة كذا قال ابن عباس فى المستدرك عنه مرفوعا بعث الله نوحا وهو ابن أربعين سنة فلبث فى قومه الف سنة الا خمسين عاما يدعوهم وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا وقيل بعث وهو ابن خمسين سنة وعاش بعد الطوفان اربعمائة وخمسين فجميع عمره الفا واربعمائة وخمسين وقيل بعث وهو ابن اربعمائة وخمسين او ستين كذا فى شرح خلاصة السير وقيل بعث وهو ابن مائتى وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان مائتى وخمسين سنة وكان عمره الفا واربع مائة وخمسين سنة وقال مقاتل بعث وهو ابن مائة سنة وذكر ابن جرير ان تولد نوح كان بعد وفاة آدم بثمانمائة وستة وعشرين سنة قلت فعلى هذا وفاة نوح من بدو خلق آدم بعد الفين وثمانمائة وست وخمسين سنة لما فى الحديث ان آدم عمره الف سنة الا أربعين عاما التي وهبها لابنه داود عليهم السلام كما سيذكر فى حديث فى قصة إخراج ذرية آدم من صلبه وفى تهذيب النووي انه أطول الأنبياء عمرا فَقالَ نوح لقومه يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قرأ ابو جعفر والكسائي بخفض غيره حملا على لفظ الا له إذا كان قبله جارة حيث وقع ووافقها حمزة فى سورة فاطر هل من اله غير الله والباقون بالرفع حملا على المحل كانه قيل ما لكم اله غيره فلا تعبدوا معه غيره إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ عَلَيْكُمْ ان لم تعبدوا الله وحده عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

[سورة الأعراف (7) : آية 60]

اى يوم القيامة او يوم الطوفان. قالَ الْمَلَأُ اى الاشراف فانهم يجتمعون على رأى فيملأون العيون رواء والنفوس جلالة مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ اى زوال عن الحق مُبِينٍ بين. قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ لم يقل ضلال حتى يكون ابلغ فى نفى الضلال عن نفسه اى ليس فى شىء من الضلال وبالغ فى النفي لما بالغوا فى الإثبات وعرض لهم به يعنى بل أنتم فى ضلال عن الحق وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ استدراك لتاكيد نفى الضلال لان كونه رسولا من الله مبلغا لرسالاته فى معنى كونه على أقصى الغايات من الهدى والصراط المستقيم. أُبَلِّغُكُمْ قرأ ابو عمرو بالتخفيف من الإبلاغ والباقون بالتشديد من التبليغ حيث كان رِسالاتِ رَبِّي جمع الرسالات لاختلاف أوقاتها او لتنوع معانيها كالعقائد والمواعظ والاحكام او لان المراد بها ما اوحى اليه والى الأنبياء كصحف شيث وإدريس عليهم السلام قوله أبلغكم كلام مستانف لبيان كونه رسولا من الله وَأَنْصَحُ لَكُمْ النصح تحرى قول او فعل فيه صلاح وخير لصاحبه قال البغوي ان يريد لغيره من الخير ما يريد لنفسه وهو متعدى بنفسه وباللام لكن فى زيادة اللام دلالة على إمحاض النصح لهم وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ اى ذاته وقدرته على الثواب والعذاب وهذه بطشة بحيث لا يطاق من أحد رده او من جهته بالوحى ما لا تَعْلَمُونَ اى أشياء لا علم لكم بها. أَوَعَجِبْتُمْ الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف يعنى أكذبتمونى وعجبتم من أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ قال ابن عباس موعظة وقيل بيان وقيل رسالة عَلى رَجُلٍ اى منزلا على رجل مِنْكُمْ اى من جملتكم او من جنسكم فانهم كانوا يتعجبون من إرسال الله تعالى البشر ويقولون لو شاء الله لانزل ملئكة ما سمعنا بهذا فى ابائنا الأولين لِيُنْذِرَكُمْ اى ليخوفكم عاقبة الكفر والمعاصي وَلِتَتَّقُوا من عذاب الله الموعود على الكفر والمعاصي بسبب الانذار وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بالتقوى أورد حرف الترجي للدلالة على ان التقوى غير موجب للترحم بل الترحم من الله تفضل وان المتقى لا ينبغى ان يعتمد على تقواه ولا يأمن من عذاب الله اخرج ابو نعيم عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان الله تعالى اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا انا صب عند الحساب يوم القيامة أشاء ان أعذبه الا عذبته قل لاهل معصيتى من أمتك لا تلقوا بايديكم فانى اغفر الذنوب العظيمة و

[سورة الأعراف (7) : آية 64]

لا أبالي. فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ يعنى نوحا من الطوفان وَالَّذِينَ مَعَهُ وهم أربعون رجلا وأربعون امرأة وقيل ثمانية وقيل عشرة وقيل اثنان وسبعون وقيل ثلثة بنيه سام وحام ويافث وثلث أزواجهم وقيل ثلثة ابنائه وستة من أمن به فِي الْفُلْكِ متعلق بمعه او بانجينا او حال من الموصول او الضمير فى معه وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا بالطوفان إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ اى كفارا عميت قلوبهم عن معرفة الله وعن ادراك الحق حقا والباطل باطلا أصله عميين فخفف. وَإِلى عادٍ قبيلة وهم عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وهو عاد الاولى أَخاهُمْ فى النسب لا فى الدين عطف على نوحا الى قومه هُوداً عطف بيان لاخاهم وهو هود بن عبد الله بن رياح بن الخلود بن عاد بن عوص المذكور وقال ابن اسحق هو ابن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح قال الشيخ ابو بكر فى شرح خلاصة السير أن هودا عليه السلام اسمه عابر بفتح الباء الموحدة وقيل بكسرها على وزن ناصر وقيل عيبر بالعين المفتوحة والياء التحتانية المثناة الساكنة والباء الموحدة المفتوحة وقيل بالغين المعجمة بدل المهملة ابن شالخ بن قينان بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام كذا فى جميع التواريخ والأنساب الا ما شذ عن بعض ان هودا هو هود بن خالد بن الخلود بن العيص بن العمليق بن عاد بن عوض بن ارم بن سام والله اعلم وأم هود مكعبة بنت عويلم بن سام بن نوح وكان نور النبي صلى الله عليه واله وسلم ساطعا فى جبين هود فلما رأوا ذلك النور فى جبينه قالوا ان هذا رجل تعبد الله تعالى وحده وتكسر الأصنام وعظموه ولم يكن بعده نبى مائة سنة الى زمان صالح عليه السلام وكان ذلك الزمان ملوك وأقوام يعبدون الأصنام وبعضهم يعبدون الشمس وآخرون يعبدون النار الى ان بعث الله صالحا عليه السلام الى ثمود وكان هود على شريعة نوح عليهما السلام وبلغ من العمر اربعمائة سنة وقيل اربعمائة وستين سنة وفى التاريخ الشامي انه قال ابن حبيب انه عاش مائة وأربعا وثلثين سنة وقال ابن الكلبي اربعمائة وثلثا وستين وامه مرجانة وكانت من الطاهرات وقبره بحضرموت وقيل بمكة انتهى كلام الشيخ ابى بكر قال البغوي روى عن على ان قبر هود بحضرموت فى كثيب احمر وقال عبد الرحمن بن سابط بين الركن والمقام وزمزم قبر تسعة وتسعين نبيا وان قبر هود وصالح وشعيب فى تلك البقعة ويروى ان نبيّا من الأنبياء إذا هلك قومه جاء هو والصالحون معه الى مكة يعبدون الله فيها حتى يموتوا والمراد بالأخ على ما ذكر ابن اسحق فى نسب هود وذكر الشيخ ابو بكر واحدا من جنسهم وانما جعل منهم لانهم افهم لقوله واعرف بحاله

[سورة الأعراف (7) : آية 66]

وارغب فى اقتفائه قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ استأنف به ولم يعطف كما فى قصة نوح حيث قال فقال كانه جواب سائل قال فما قال لهم حين أرسل وكذلك جوابهم أَفَلا تَتَّقُونَ عذاب الله وكان قومه اقرب من قوم نوح. قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ وصف الملأ بالذين كفروا للتقييد فان من اشراف قوم هود من أمن به منهم مرتد بن سعد ولم يكن فى اشراف قوم نوح مؤمن إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ اى خفة عقل حيث نهجر دين قومك وتدعى امرا مستحيلا يعنى رسالة الله تعالى جعلت السفاهة ظرفا مجازا يعنى انك متمكن فيها غير منفك عنها وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ فى ادعائك الرسالة. قالَ هود يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ فيما أدعوكم اليه أَمِينٌ على الرسالة ذكر هاهنا صيغة اسم الفاعل لقولهم انا لنظنك من الكاذبين ليقابل الاسمية الاسمية قال الكلبي معناه كنت فيكم قبل اليوم أمينا فلا وجه لكم لسوء الظن فىّ بالكذب وفى اجابة الأنبياء الكفرة عن كلماتهم المسبّة بالحلم وحسن الأدب والاعراض عن مقابلتهم بمثل ما قالوا مع علمهم بان خصومهم أضل الناس وأسفهم كمال النصح والشفقة وهضم النفس وحسن المجادلة وجذب القلوب الى الهداية واخبار الله تعالى ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء أكذبتمونى. وَعَجِبْتُمْ من أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ إهلاك قَوْمِ نُوحٍ فى الأرض وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً اى طولا وقوة قال الكلبي والسدى كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة القصير منهم سبعون ذراعا وقال ابو حمزة اليماني سبعون ذراعا وعن ابن عباس ثمانون ذراعا وقال مقاتل كان طول كل رجل اثنا عشر ذراعا قال وهب كان راس أحدهم مثل القبة العظيمة وكان عين الرجل ليفرخ فيه الضباع وكذلك مناخرهم فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ اى نعمه واحدها الىّ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ اى لكى يفضى بكم ذكر النعمة شكرها المودي الى الفلاح. قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا من الأصنام ومعنى المجيء اما المجيء من مكان اعتزل من قومه او من السماء على التهكم او القصد على المجاز كقولهم ذهب يسبنى فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب المدلول عليه فى قوله أفلا تتقون او يكون مذكورا صريحا فى كلامه عليه السلام إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيه. قالَ هود قَدْ وَقَعَ

[سورة الأعراف (7) : آية 72]

عَلَيْكُمْ اى قد وجب او حق عليكم او نزل عليكم على ان المتوقع المعلوم كالواقع مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ اى عذاب مشتق من الارتجاس وهو الاضطراب وقيل السين مبدلة من الزاء وفى الصحاح رجس ورجز الصوت الشديد وَغَضَبٌ اى ارادة انتقام أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ اى أشياء مسميات سَمَّيْتُمُوها الهة يعنى الأصنام او يقال فى اسماء سميتموها لا حقيقة لها وليس تحتها مسميات كما تقول الفلاسفة بالعقول العشرة واهل الهند ديبى وبهواني ونحو ذلك يزعمون الأصنام حاكية عنها او يزعمونها حالة الأصنام أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ بدل من الضمير المرفوع فى سميتموها ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ من حجة وبرهان تدل على انها الهة او مستحقة للعبادة ومبنى هذا القول انهم كانوا يعتقدون لوجود الله سبحانه وكونه خالقا للسموات والأرض وكانوا يزعمون الأصنام شركاء لله فى الالوهية والخالقية او فى استحقاق العبادة لكونها شفعاء عند الله فقال نبى الله صلى الله عليه واله وسلم هذا الذي تزعمون امر لا دليل عليه انما هو من مخترعاتكم او مخترعات ابائكم الجهال فَانْتَظِرُوا نزول العذاب الذي وعدتكم وتطلبونه إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ كذلك. فَأَنْجَيْناهُ يعنى هودا من العذاب الذي نزل بقومه وَالَّذِينَ مَعَهُ فى الدين يعنى المؤمنين به بِرَحْمَةٍ مِنَّا عليهم وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الدابر الأصل او الكائن خلف الشيء وقطع الدابر عبادة عن الاستيصال وإهلاك كلهم بحيث لا يبقى منهم أحد وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ تعريض بمن أمن منهم وتنبيه على ان الفارق بين من نجا ومن هلك هو الايمان وقصة عاد على ما ذكر محمد ابن اسحق وغيرهم انهم كانوا ينزلون اليمن وكانت مساكنهم بالأحقاف وهى رمال بين عمان وحضرموت وكانوا قد أفسدوا فى الأرض كلها وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي أتاهم الله عز وجل وكانوا اصحاب أوثان يعبدونها يقال لها صدا وسمود والهبا فبعث الله تعالى إليهم هودا عليه السلام نبيا وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا فامرهم ان يوحدوا الله ويكفوا عن ظلم الناس ولم يأمرهم بغير ذلك فكذبوه وقالوا من أشد منا قوة بنوا المصانع وبطشوا بطشة الجبارين فلما فعلوا ذلك امسك الله عنهم المطر ثلث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس فى ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء وطلبوا منه الفرج انابوا الى الله عز وجل عند بيته الحرام بمكة مسلمهم ومشركهم فيجتمع بمكة ناس كثير مختلفة الأديان كلهم معظمين لمكة واهل مكة يومئذ العماليق أبناء عمليق بن لاود بن سام بن نوح وكان

سيدهم معاوية بن بكر وكانت أم معاوية كلهدة بنت الخير رجل من عاد فلما قحط المطر عن عاد وجهدوا قالوا جهزوا وفدا منكم الى مكة فليستقر لكم فبعثوا له قيل بن عنز ويقيم بن هزال بن هزيل وعتيل بن ضد بن عاد الأكبر ومرثد بن سعد بن عفير وكان مسلما يكتم إسلامه وجثيمة بن الجيثر خال معاوية بن بكر ثم بعثوا لقمان بن عاد الأصغر بن هاد الأكبر فانطلق كل رجل من هؤلاء ومعه رهط من قومه حتى بلغ عدة وفدهم سبعين رجلا فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وكانوا أخواله واصهاره فاقاموا عنده شهرا يشربون الخمر ويغنيهم الجرادتان «1» قينتا لمعاوية بن بكر فكان مسيرهم شهرا ومقامهم شهرا فلما راى معاوية بن بكر طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون بهم من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه وقال هلك أخوالي واصهارى وهؤلاء مقيمون عندى وهم ضيفى والله ما أدرى كيف اصنع بهم استحيى ان أمرهم بالخروج الى ما بعثوا اليه فيظنون انى ضيق من مقامهم وقد هلك من ورائهم من قومهم جهدا وعطشا فشكا ذلك من أمرهم الى فينته «2» الجرادتين فقالتا قل شعرا نغنيهم لا يدرون من قاله لعل ذلك يحركهم فقال معاوية بن بكر شعر الا يا قيل ويحك قم فهينم ... لعل الله يسقينا غماما فيسقى ارض عاد ان عادا ... قد امسوا ما يبيتون الكلاما من العطش الشديد فليس نرجوا ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما وقد كانت نسائهم بخير ... فقد امست نسائهم غياما «3» وان الوحش يأتيهم جهارا ... ولا يخشى لعادى سهاما وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما فلما غنتهم الجرادتان بهذا قال بعضهم لبعض يا قوم انما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليهم فادخلوا هذا الحرم فاستسقوا لقومكم فقال مرثد بن مسعود بن عفير وكان قد أمن بهود عليه السلام سرا انكم والله لا تسقون بدعائكم ولكن ان أطعتم نبيكم وتبتم الى ربكم سقيتم فاظهر اسلام عند ذلك فقال شعر

_ (1) فى النهاية الجرادتان هما مغنيتان كانتا بمكة فى الزمن الاول مشهورتان بحسن الصوت والغناء 12 (2) القينة المغنية 12 (3) الغيمة شدة العطش نهاية 12

عصت عاد رسولهم فامسوا ... عطاشا ما يبلهم السماء لهم صنم يقال له صمود ... يقابله صداء والهباء فبصرنا الرسول سبيل رشد ... فابصرنا الهدى وحلى العماء وان اله هود هو الهى ... على الله التوكل والرجاء فقالوا لمعاوية بن بكر احبس عنا مرثد بن سعد فلا يقد من معنا مكة وخرج مرثد بن سعد من منزل معاوية حتى أدركهم قبل ان يدعوا الله فيجابوا بشر مما خرجوا له فلما انتهى إليهم قام يدعوا الله ووفد عاد يدعون فقال اللهم أعطني سوالى وحدي ولا تدخلنى فى شىء مما يدعوك به وفد عاد وكان قيل بن عنز راس وفد عاد فقال وفد عاد اللهم أعط قيلا ما سألك واجعل سوء لنا مع سؤله وقد كان تخلف عن وفد عاد حين دعوا لقمان بن عاد وكان سيد عاد حتى إذا فرغوا من دعوتهم قام فقال اللهم انى جئتك وحدي فى حاجتى فاعطنى سؤلى وسأل الله طول العمر فعمر عمر سبعة أنسر وقال قيل بن عنز حين دعايا الهنا ان كان هود صادقا فاسقنا فانا قد هلكنا فانشأ الله سحائب ثلثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السحاب يا قيل اختر لنفسك وقومك من هذا السحائب فقال قيل اخترت السحابة السوداء فانها اكثر السحاب ماء فناداه مناد اخترت رمادا رمدا لا يبقى من ال عاد أحد وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بما فيها من النقمة الى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا يقول الله عز وجل بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شىء بامر ربها اى كل شىء مرت به وكان من ابصر ما فيها وعرف انها ريح مهلكة امرأة من عاد يقال لها مهدر فلما تبينت ما فيها صاحت ثم ضعفت فلما أفاقت قالوا لها ماذا رأيت قالت رأيت ريحا فيها كشهب النار امامها رجال يقودونها فسخر الله عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما فلم تدع من عاد أحدا الا هلك واعتزل هود ومن معه من المؤمنين فى حظيرة «1» ما يصيبه ومن معه من الريح الا ما يلين عليه الجلود وتلتذ الأنفس وانها لتمر من عاد بالظعن «2» فتحملهم بين السماء والأرض فتدمغهم بالحجارة وخرج وفد عاد من مكة

_ (1) حظيرة الموضع الذي يحاط عليه لتاوى اليه الغنم والإبل يقيها البرد والحرّة نهايه 12 (2) الظعينة الراحلة التي ترحل ويقال للهودج وللمرأة 12

[سورة الأعراف (7) : آية 73]

حتى مروا بمعاوية بن بكر فنزلوا عليه فبينما هم عنده إذا قبل رجل على ناقته فى ليلة مقمرة هى ثالثة من مصاب عاد فاخبرهم الخبر فقالوا له فاين فاين فارقت هود وأصحابه فقال فارقتهم بساحل البحر فكانهم شكّوا فيما حدثهم به فقالت هرملة بنت بكر صدق ورب مكة وذكروا ان مرثد بن سعد ولقمان بن عاد وقيل بن عنز حين دعوا بمكة قيل لهم قد أعطيتم مناكم فاختاروا لانفسكم الا انه لا سبيل الى الخلود ولا بد من الموت فقال مرثد اللهم أعطني صدقا وبرا فاعطى ذلك وقال لقمان أعطني يا رب عمرا فقيل له اختر فاختار عمر سبعة أنسر وكان يأخذ الفرخ حين يخرج من بيضة فياخذ الذكر منها لقوته حتى إذا مات أخذ غيره فلم يزل يفعل ذلك حتى اتى على السابع وكان كل نسر يعيش ثمانين سنة وكان آخرها لبد فلما مات لبد مات لقمان معه واما قيل فانه قال اختار ان لقنى ما أصاب قومى فقيل له انه الهلاك فقال لا أبالي لا حاجة فى البقاء بعدهم فاصابه الذي أصاب عادا من البلاء والعذاب فهلك قال السدى فبعث الله على عاد الريح العقيم فلما دنت منهم نظروا الى الإبل والرجال تطيرهم الريح بين السماء والأرض فلما رأوها تبادروا البيوت فدخلوها وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح فقلعت أبوابهم فدخلت عليهم فاهلكتهم فيها ثم أخرجتهم عن البيوت فلما اهلكهم الله أرسل عليهم طيرا سوداء فحملتهم الى البحر فالقتهم فيه وروى ان الله تعالى امر الريح فامالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية ايام لهم انين تحت الرمل ثم امر الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم ورمت بهم فى البحر ولم يخرج ريح قط الا بمكيال الا يومئذ فانها عتت على الخزنة فغلبتهم فلم يعلموا كم كان مكيالها. وَإِلى ثَمُودَ قبيلة اخرى من العرب أبناء ثمود بن عاثر بن ارم بن سام قال ابو عمرو بن العلا سميت ثمود نقلة مائها وثمد الماء القليل وكان مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام الى واد القرى أَخاهُمْ فى النسب لا فى الدين صالِحاً عليه السلام عطف بيان وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماسح وقيل بن رباح بن عبيد بن حاذر بن ثمود قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ حجة ظاهرة الدلالة على صدقى لكونها معجزة مِنْ رَبِّكُمْ كانه قيل ما تلك البينة فقال استينافا هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ أضافها اليه تعالى لتعظيمها ولانها جاءت فى الوجود من الله تعالى بلا وسائط الأسباب المعهودة ولذلك كانت اية مبتدأ او خبر وجاز ان يكون ناقة الله بدلا او عطف بيان والخبر لَكُمْ آيَةً نصب على الحال والعامل فيها

[سورة الأعراف (7) : الآيات 74 إلى 75]

معنى الاشارة على تقدير كون ناقة الله خبرا وعلى التقدير الثاني لكم عامل فيه فَذَرُوها يعنى الناقة تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ العشب «1» وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ نهى عن المس الذي هو مقدمة الاصابة بالسوء الجامع لانواع الأذى مبالغة فى النهى وازاحة للعذر فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ جواب للنهى. وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ اسكنكم الله تعالى فِي الْأَرْضِ ارض حجر تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها اى تبنون فى سهول الأرض او سهولة الأرض بما تعملون منها كاللبن والاجر قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ اى تثقبون فى الجبال وتجعلونها بُيُوتاً كانوا يسكنون فى الصيف فى بيوت الطين وفى الشتاء فى بيوت الجبال المنقورة فانتصاب بيوتا على المفعولية لتضمين تنحتون معنى تجعلون وجاز ان يكون منصوبا على الحال المقدرة كما فى قوله خطت هذا الثوب قميصا فان الجبل لا يكون بيتا حال التحت ولا الثوب قميصا حال الخياطة فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا العثو أشد الفساد فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ قالَ الْمَلَأُ قرأ ابن عامر وقال الملأ بالواو والباقون بلا واو. الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ يعنى الاشراف والقادة الذين يتعظمون عن الايمان بصالح عليه السلام لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا يعنى الاتباع الذين استضعفوهم لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من الذين استضعفوا بدل الكل ان كان الضمير لقومه وبدل البعض ان كان للذين أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالوه استهزاء قالُوا يعنى المؤمنين المستضعفين إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ عدلوا عن قولهم نعم للاشعار بان كونه مرسلا ليس مما يشك فيه عاقل او يخفى على ذى راى. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ على المقابلة ووضعوا أمنتم به موضع أرسل به ردا لما جعلوا معلوما مسلّما. فَعَقَرُوا النَّاقَةَ اى نحروها قال الأزهري العقر هو قطع عرقوب «2» البعير ثم جعل النحر عقرا لان الناد من البعير يعقر ثم ينحر وفى القاموس العقر الجرح واثر فى قوائم الفرس والإبل وفى الصحاح عقر الدار والحوض أصلها ومنه عقرت النخل قطعته من أصلها وعقرت البعير نحرته أسند العقر الى جميعهم وان كان العاقر قذار بن سالف لانه كان برضاهم وقد كان قذار احمر ازرق قصيرا كما كان

_ (1) العشب كلا الرطب 12 [.....] (2) هو الوتر الذي خلف الكعبين من مفصل القدم والساق من ذوات الأربع وهى من الإنسان موضع العقب 12

[سورة الأعراف (7) : آية 79]

فرعون كذلك قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلى أشقى الأولين عاقر ناقة صالح وأشقى الآخرين قاتلك وَعَتَوْا العتو الغلو فى الباطل يقال عتى يعتوا عتوا إذا استكبر فى القاموس عتوا وعتيا وعتيا استكبر وجاوز الحد والمعنى استكبر عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ اى عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح عليه السلام بقوله فذروها وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ اى زلزلة الأرض وحركتها واهلكوا بالصيحة والرجفة فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ قيل أراد الدنيا وقيل أراد ارضهم وبلدتهم ولذلك وحد الدار جاثِمِينَ خامدين ميتين فى القاموس جثم الطائر والإنسان لزم مكانه فلم يبرح وقيل معناه ميتين قعودا يقال الناس جثم اى قعود لا حراكة بهم ولا يتكلمون قيل سقطوا على وجوههم موتى عن آخرهم. فَتَوَلَّى اى اعرض عَنْهُمْ صالح وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ فان قيل كيف خاطبهم بقوله أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم بعد ما اهلكوا بالرجفة قيل كما خاطب النبي صلى الله عليه واله وسلم قتلى بدر بعد ما القوا فى القليب روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى طلحة انه قال لما كان من يوم بدر الثالث امر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم براحلة فشد عليها رحلها ثم مشى ومعه أصحابه وقالوا ما نرى لينطلق الا لبعض حاجته حتى قام على سفير القليب فجعل يناديهم يا أبا جهل بن هشام ويا امية بن خلف يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة أيسركم انكم أطعتم الله ورسوله هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فانى وجدت ما وعدني ربى حقا بئس عشيرة التي كنتم لنبيكم كذبتمونى وصدقنى الناس وقاتلتمونى ونصرنى الناس فجزاكم الله عنى من إصابة شرا خوفتمونى أمينا وكذبتمونى صادقا فقال عمر يا رسول الله أتناديهم بعد ثلث كيف تكلم أجسادا لا روح فيها فقال ما أنتم باسمع لما أقول منهم انهم الان يسمعون ما أقول لهم غير انهم لا يستطيعون ان يردوا علينا شيئا وقيل خاطبهم ليكون عبرة لمن خلفهم وقيل فى الاية تقديم وتأخير تقديرها فتولى عنهم فقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى الاية فاخذتهم الرجفة وكان قصة ثمود على ما ذكره محمد بن إسحاق ووهب وغيرهما كذا اخرج ابن جرير والحاكم من طريق حجاج عن ابى بكر بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان عادا لما أهلكت عمّرت ثمود

بلادهم وخلفوهم وكثروا وعمّروا حتى جعل أحدهم يبنى المسكن من المدر فينهدم والرجل حىّ فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا وكانوا فى سعة من معاشهم فعتوا وأفسدوا فى الأرض وعبدوا غير الله فبعث الله إليهم صالحا وكانوا قوما عربا وكان صالح من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا وموضعا فبعثه الله إليهم غلاما شابا فدعاهم الى الله عز وجل حتى شمط «1» لا يتبعه منهم الا قليل مستضعفون فلما ألح عليهم صالح بالدعاء والتبليغ واكثر لهم التحذير والتخويف سألوه ان يريهم اية تكون مصداقا لما تقول فقال لهم اى اية تريدون قالوا تخرج معنا غدا الى عيدنا وكان لهم عيد يخرجون فيه بأصنامهم فى يوم معلوم من السنة فتدعو إلهك وندعوا الهتنا فان استجيب لك اتبعناك وان استجيب لنا تتبعنا فقال لهم صالح نعم فخرجوا باوثانهم الى عيدهم وخرج صالح معهم فدعوا أوثانهم وسألوها ان لا يستجاب لصالح فى شىء مما يدعو به ثم قال جندع بن عمرو بن جواس وهو يومئذ سيد ثمود يا صالح اخرج لنا من هذه الصخرة لصخرة منفردة فى ناحية الحجر يقال لها الكاثبة ناقة مخترجة جوفاء وبراء عشراء والمخترجة ما شاكلت البخت من الإبل فان فعلت صدقناك وأمنا بك فاخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت لتصدقنتى ولتؤمنن بي قالوا نعم فصلى صالح ركعتين دعا ربه فتمخضت «2» الصخرة تمخض النتوج بولدها ثم تحركت الهضبة فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وو براء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها الا الله تعالى عظ وهم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها فى العظم فامن به جندع بن عمرو ورهط من قومه وأراد اشراف ثمود ان يؤمنوا ويصدقوه فنهاهم ذواب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم ورباب بن ميمعر وكان كاهنهم وكانوا من اشراف ثمود فلما خرجت الناقة قال لهم صالح هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم فمكثت الناقة مع ولدها فى ارض ثمود ترعى الشجرة وتشرب الماء وكانت ترد الماء غبا فاذا كان يومها وضعت الناقة راسها فى بير فى حجر يقال لها بير الناقة فلا ترفع راسها حتى تشرب كل ماء فيها فلا تدع قطرة ثم تتفجح «3» فيحلبون ما شاؤا من لبن فيشربون ويدخرون حتى تملأ أوانيهم كلها ثم تصدر من غير الفج الذي وردت منه لا تقدر ان تصدر من حيث ترد تضيق عنها حتى إذا كان الغد كان يومهم فيشربون ما شاؤا من الماء ويدخرون ما شاء واليوم الناقة فهم من ذلك

_ (1) الشمط الشيب 12 (2) فتمخضت يعنى أخذها المخاض هو الطلق عند الولادة 12 (3) تتفجح اى تتباعد فخذيها الفجح تباعد ما بين الفخذين 12

وكانت الناقة تصيف إذا كانت الحر بظهر الوادي فتهرب منها المواشي اغنامهم وبقورهم وإبلهم فتهبط الى بطن الوادي فى حرة وجد به وتشتو ببطن الوادي إذا كان الشتاء فتهرب مواشيهم الى ظهر الوادي فى البرد والجدب فاضر ذلك بمواشيهم للبلاء والاختبار فكبر ذلك عليهم فعتوا عن امر ربهم وحملهم ذلك على عقر الناقة فاجمعوا على عقرها وكانت امرأتان من ثمود إحداهما يقال لها عنيزة بنت غنم بن مجلذ تكنى أم غنم وكانت امرأة ذواب بن عمرو وكانت عجوزة مسنة وكانت ذات بنات حسان وذات مال من ابل وبقر وغنم وامرأة اخرى يقال لها صدوف بنت المختار وكانت جميلة ذات مواش كثيرة وكانتا أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام وكانتا تحبان عقر الناقة لما اضرتهما من مواشيهما فحملتا فى عقر الناقة فدعت صدوف رجلا من ثمود يقال له الحباب قال لها اعقر الناقة وعرضت عليه نفسها ان هو فعل فابى عليها فدعت ابن عم لها يقال له مصدع بن مهرج بن المختار وجعلت له نفسها على ان يعقر الناقة وكانت من احسن الناس وأكثرهم مالا فاجابها الى ذلك ودعت عنيزة بنت غنم قذار بن سالف وكان رجلا احمر ازرق قصيرا يزعمون انه كان لزينة وانه لم يكن لسالف لكنه ولد على فراشه فقالت أعطيك اى بناتي شئت على ان تعقر الناقة وكان قذار عزيزا منيعا فى قومه قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى تفسير قوله تعالى إذا انبعث أشقاها انبعث رجل عزيز عازم منيع فى قومه مثل ابى زمعة رواه البخاري من حديث عبد الله بن زمعة فانطلق قذار بن سالف ومصدع ابن مهرج فاستتبعوا بأعوان ثمود فاتبعهم سبعة نفر وكانوا تسعة رهط فانطلق قذار ومصدع وأصحابهما فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قذار فى اصل صخرة على طريقها وكمن لها مصدع فى طريق اخر فمرت على مصدع فرمى بسهم فانتظم به عضلة ساقها وخرجت أم غنم عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من احسن الناس فاسفرت لقذار ثم زمرته فشد على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت واحدة تحذر ولدها ثم طعن فى لبتها فنحرها وخرج اهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه فلما رأى ولدها ذلك انطلق حتى اتى جبلا منيعا يقال له صور وقيل اسمه فازه فاتى صالح وقيل له أدرك الناقة فقد عقرت فاقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون اليه يا نبى الله انما عقرها فلان ولا ذنب لنا فقال صالح انظروا هل تدركون فصيلها فان أدركتموه فعسى ان يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه

فلما رأوا على الجبل ذهبوا لياخذوه فاوحى الله تعالى الجبل فتطاول فى السماء حتى ما يناله الطير وجاء صالح فلما رأه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثم رغى ثلثا وانفجرت الصخرة فدخلتها فقال صالح لكل رغوة أجل يوم تمتعوا فى داركم ثلثة ايام ذلك وعد غير مكذوب قال ابن إسحاق اتبع السقب اربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة وفيهم مصدع بن مهرج واخوه ذاب بن مهرج فرماه مصدع بسهم فانتقم قلبه ثم جره برجله فانزلوه فالقوا لحمه مع لحم امه فقال لهم صالح انتهكتم حرمة الله فابشروا بعذاب الله ونقمته قالوا وهم يستهزءون به ومتى ذلك يا صالح وما اية ذلك وكانوا يسمون الأيام فيهم الأحد الاول والاثنين العون والثلاثا دبار والأربعاء حبار والخميس مونس والجمعة العروبة والسبت شيار وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح حين قالوا ذلك تصبحون غداة يوم المونس ووجوهكم مصفرة ثم تصبحون يوم العروبة ووجوهكم محمرة ثم تصبحون يوم شيار ووجوهكم مسودة ثم يصبحكم العذاب يوم أول فلما قال لهم صالح ذلك قال التسعة الذين عقروا الناقة هلم فلتقتل صالحا فان كان صادقا عجلناه قتلا وان كان كاذبا قد كنا الحقناه بناقته فاتوه ليلا ليبيتوه فى اهله فدفعتهم الملئكة بالحجارة فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل صالح فوجدوهم قد رضخوا بالحجارة فقالوا لصالح أنت قتلتهم ثم هموا به فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاح وقالوا لهم لا تقتلونه ابدا فقد وعدكم ان العذاب نازل بكم بعد ثلث فان كان صادقا لم تزيدوا ربكم عليكم الا غضبا وان كان كاذبا فانتم من وراء ما تريدون فانفرقوا عنهم ليلتهم فاصبحوا يوم الخميس ووجوهم مصفرة كانما طليت بالخلوف صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم وأيقنوا بالعذاب وعرفوا ان قد صدقهم فطلبوا ليقتلوه وخرج صالح هاربا منهم حتى جاء الى بطن من ثمود يقال لهم بنو غنم فنزل على سيدهم رجل منهم يقال له نفيل ويكنى بابى هدب وهو مشرك فغيّبه ولم يقدروا عليه فغدوا على اصحاب صالح يعذبونهم ليدلوهم عليه فقال رجل من اصحاب صالح يقال له ميدع بن هرم يا نبى الله انهم ليعذبوننا لندلهم عليك أفندلهم قال نعم قل عندى صالح وليس لكم عليه سبيل فاعرضوا عنه وتركوه وشغله عنه ما انزل الله بهم من عذابه فجعل بعضهم يخبر بعضا بما يرون فى وجوههم فلما امسوا صاحوا بأجمعهم الا وقد مضى من الاجل يوم فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كانما خضبت بالدماء فصاحوا وبكوا

انه العذاب فلما امسوا صاحوا بأجمعهم الا وقد مضى يومان من الاجل وحضركم العذاب فلما أصبحوا اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كانما طليت بالقار فصاحوا جميعا الا وقد حضركم العذاب فلما كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن اسلم معه الى الشام فنزل رملة فلسطين فلما أصبح القوم تكفنوا وتحنطوا والقوا أنفسهم الى الأرض يقلبون أبصارهم الى السماء مرة والى الأرض مرة لا يدرون من اين يأتيهم العذاب فلما اشتد الضحى من يوم الأحد اخذتهم الرجفة فاصبحوا فى ديارهم جاثمين وأتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شىء فى الأرض فتقطعت قلوبهم فى صدورهم فلم يبق منهم صغير ولا كبيرا لاهلك الا جارية مقعدة يقال لها ذريقة بنت سلف وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح عليه السلام فانطلق الله رجليها بعد ما عاينت العذاب فخرجت كاسرع ما يرى شىء قط حتى أتت فرخ وهو وادي القرى فاخبرتهم بما عاينته من العذاب وما أصابت ثم استسقت من الماء فسقيت فلما أشربت ماتت وذكر السدى فى عقر الناقة قال فاوحى الله تعالى الى صالح ان قومك سيعقرون ناقتك فقال لهم ذلك فقالوا ما كنا لنفعل فقال صالح انه يولد فى شهركم هذا غلام فسيعقرها فيكون هلاككم على يديه فقالوا لا يولد لنا ولد فى هذا الشهر الا قتلناه فولد عشرة قتلوا منها تسعة وبقي واحد ازرق احمر فنبت نباتا سريعا فكان إذا مر بآباء التسعة ورأوه قالوا لو كان أبنائنا احياء لكانوا مثل هذا فغضب التسعة على صالح لانه كان سبب قتل أبنائهم فتقاسموا بالله لنبيتنه واهله قالوا نخرج فيرى الناس انا قد خرجنا الى سفر فناتى الغار فنكون فيه حتى إذا كان الليل وخرج صالح الى مسجده اتيناه فقتلناه ثم رجعنا الى الغار وكنا فيه ثم انصرفنا الى رحالنا فقلنا ما شهدنا مهلك اهله وانا لصادقون فيصدقوننا ويظنون انا قد خرجنا الى سفر وكان صالح لا ينام معهم فى القرية كان يبيت فى مسجد يقال له مسجد صالح فاذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم فاذا امسى خرج الى المسجد فبات فيه فانطلقوا فدخلوا الغار فسقط عليهم فقتلهم قال الله تعالى فمكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانطلق ممن قد اطلع على ذلك منهم فاذا هم رضخ فرجعوا يصيحون فى القرية اى عباد الله اما رضى صالح ان أمرهم بقتل أولادهم حتى قتلهم فاجتمع اهل القرية على قتل الناقة وقال ابن اسحق انما تقاسم التسعة على تبيت صالح بعد عقرهم الناقة كما ذكرنا

[سورة الأعراف (7) : آية 80]

قال السدى وغيره فلما ولد ابن العاشر يعنى قذارشب فى اليوم شباب غيره فى الجمعة وشب فى الشهر شباب غيره فى السنة فلما كبر جلس مع الناس يصيبون من الشراب فارادوا ماء يمزجون به شرابهم وكان ذلك اليوم شرب الناقة فوجدوا الماء قد شربته الناقة فاشتد ذلك عليهم وقالوا ما نفعل باللبن لو كنا ناخذ هذا الماء الذي تشربه الناقة فنسقيه أنعامنا وحروثنا كان خيرا لنا فقال ابن العاشر هل لكم فى ان اعقرها لكم قالوا نعم فعقرها روى البخاري فى الصحيح من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمه ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما نزل الحجر فى غزوة تبوك أمرهم ان لا يشربوا من بيرها ولا يسقوا منها فقالوا قد عجنا واستقينا فامرهم ان يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء قال البغوي وقال نافع عن ابن عمر فامرهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان يهريقوا ما استقوا من بيرها وان يعلفوا الإبل العجين وأمرهم ان يسقوا من البير التي كانت تردها الناقة قال وروى ابو الزبير عن جابر قال لما مر النبي صلى الله عليه واله وسلم بالحجر فى غزوة تبوك قال لاصحابه لا يدخلن أحد منكم هذه القرية ولا تشربوا من مائهم ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين الا ان تكونوا باكين خائفين ان يصيبكم مثل الذي أصابهم ثم قال اما بعد فلا تسألوا رسولكم الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم فبعث الله الناقة فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج وتشرب مائهم يوم وردها فعتوا عن امر ربهم فعقروها فاهلك الله سبحانه من تحت أديم السماء من مشارق الأرض ومغاربها الا رجلا واحدا يقال له ابو رغال وهو ابو ثقيف كان فى حرم الله فمنعه الحرام من عذاب الله فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ودفن معه غصن من ذهب وأراهم قبر ابى رغال فنزل القوم فابتدروا بأسيافهم وحفروا عنه فاستخرجوا ذلك الغصن وكانت الفرقة المؤمنة من قوم صالح اربعة آلاف خرج بهم صالح الى حضرموت فلما دخلها مات صالح فسمى حضرموت ثم بنى الاربعة آلاف مدينة يقال له حاصورا وقال قوم من اهل العلم توفى صالح بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة واقام فى قومه عشرين سنة. وَلُوطاً يعنى وأرسلنا لوطا وهو لوط بن هار من بن تارخ ابن أخي ابراهيم عليه السلام إِذْ قالَ اى وقت قوله لِقَوْمِهِ وهم اهل سدوم وقيل معناه واذكر لوطا وعلى هذا إذ بدل منه أَتَأْتُونَ انكار وتوبيخ وتفريع الْفاحِشَةَ يعنى إتيان الرجال فى ادبارهم ما سَبَقَكُمْ بِها بتلك الفعلة الباء للتعدية مِنْ أَحَدٍ من زائدة

[سورة الأعراف (7) : آية 81]

لتاكيد النفي والاستغراق مِنَ الْعالَمِينَ من للتبعيض والجملة استيناف مقرر للانكار او حال من الفاحشة كانه وبخهم اولا بإتيان الفاحشة ثم ما اختراعها فانه أسوأ قال عمرو بن دينار ما يرى ذكر على ذكر فى الدنيا حتى كان من قوم لوط عليه السلام. اانكم قرأ نافع وحفص بهمزة واحدة مكسورة على الخبر على الاستيناف والباقون بهمزتين على الاستفهام بيان لقوله أتأنون الفاحشة وهو ابلغ فى الإنكار والتوبيخ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ أتجامعونهم فى ادبارهم يقال اتى المرأة إذا غشيها شَهْوَةً منصوب على العلية اى للشهوة لا حامل لكم على ذلك الا لمجرد الشهوة من غير حكمة او مصدر فى موقع الحال يعنى لشهوتهم شهوة ردية غير مفيدة مِنْ دُونِ النِّساءِ اى من غير النساء يعنى لا تأتونهن مع ما فيه من الحكمة من انتفاء الولد وبقاء النوع ولا ذم أعظم منه لانه وصف لهم بالبهيمة الصرفة قلت ومن هذه الاية ثبت حرمة إتيان النساء فى أدبارهن بدلالة النص لانه مثل إتيان الرجال خبيثة غير مفيد أصلا وقد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى الاية وهو قوله تعالى فاتوا حرثكم انى شئتم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ إضراب عن الإنكار الى الاخبار عن حالهم الذي يوجب ارتكاب أمثال ذلك القبائح يعنى أنتم عادتكم الإسراف والتجاوز عن الحدود المعقولة والمشروعة فى الشيء حتى تجاوزتم فى النكاح عن المعتاد المفيد الى غير المعتاد الذي لا خير فيه أصلا او إضراب عن الإنكار فى ما ذكر الى الذم على جميع اوصافهم او عن محذوف تقديره لا عذر لكم بل أنتم قوم عادتكم الإسراف. وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ اى ما جاءوا بما يصلح جوابا عن كلام إِلَّا أَنْ قالُوا استثناء منقطع يعنى لكنهم قابلوا النصيحة بقول بعضهم لبعض أَخْرِجُوهُمْ يعنى لوطا ومن معه من المؤمنين مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ من الفواحش قالوا ذلك استهزاء. فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ يعنى اتباعه من المؤمنين وقيل ابنتاه إِلَّا امْرَأَتَهُ واهله استثناء من الأهل فانها كانت منافقة تستر الكفر كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ اى من الذين بقوا فى ديارهم فهلكوا وقيل معناه كانت من الباقين فى العذاب وقيل معناه كانت من الباقين المعمرين قد اتى عليها دهر طويل قبل ذلك فهلكت مع من هلك من قوم لوط والتذكير لتغليب الذكور. وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ اى على قوم لوط مَطَراً اى نوعا من المطر عجيبا يعنى حجارة من سجيل مسومة قال وهب الكبريت والنار قال ابو عبيدة يقال فى العذاب

[سورة الأعراف (7) : آية 85]

أمطر وفى الرحمة مطر فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ الكفرين روى ان لوطا لما هاجر مع عمه ابراهيم عليهما السلام من أرض بابل الى الشام نزل بالأردن فارسله الله الى اهل سدوم ليدعوهم الى الله وينهاهم عما اخترعوا من الفاحشة فلم ينتهوا عنها فامطر الله عليهم الحجارة فهلكوا أخرجه اسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس نحوه وقيل خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم قال محمد بن اسحق كانت لهم ثمار وقرى لم يكن فى الأرض مثلها فقصدهم الناس فاذوهم فعرض لهم إبليس فى صورة فقال ان فعلتم بهم كذا نجوتم فابوا فلما ألح اى لزم الناس إياهم إلخ الناس عليهم قصدوهم فاصابوا غلمانا صبيانا فاخبثوا فاستحكم ذلك فيهم قال الحسن كانوا لا يناكحون الا العرباء قال الكلبي ان أول من عمل عمل قوم لوط إبليس لان بلادهم أخصبت فانتجعها اهل البلدان فتمثل لهم إبليس فى صورة شاب ثم دعا الى دبره فنكح فى دبره فامر الله السماء ان تحصبهم وامر الأرض تخسف بهم. وَإِلى مَدْيَنَ يعنى وأرسلنا الى أولاد مدين بن ابراهيم خليل الرحمن قال البغوي هم اصحب الايكة أَخاهُمْ فى النسب شُعَيْباً قال عطاء هو شعيب بن توبة بن ابراهيم خليل الرحمن وقال ابن اسحق هو شعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين بن ابراهيم عليه السلام وله ميكيل بنت لوط عليه السلام وقيل هو شعيب ابن يثرون بن نوس بن مدين وكان شعيب عليه السلام أعمى وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكان قومه اهل كفر وبخس للمكيال والميزان اخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا ذكر شعيبا يقول ذلك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى معجزة كانت لشعيب عليه السلام ولم يذكر فى القران ما هى وقيل أراد بالبينة مجئ شعيب عليه السلام بالحكمة والموعظة وفصل الخطاب فَأَوْفُوا يعنى أتموا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ مصدر بمعنى الوزن كالميعاد بمعنى الوعد او المضاف محذوف يعنى وزن الميزان او المراد بالكيل فمعز الدولة الكيل على الإضمار او اطلق الكيل على المكيال كالعيش على المعاش وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ اى لا تنقصوهم حقوقهم البخس يتعدى الى مفعولين وهما الناس وأشياءهم يقال بخست زيدا حقه اى نقصته إياه وانما قال اشيائهم للتعميم تنبيها على انهم كانوا يبخسون الجليل والحقير والقليل والكثير وقيل كانوا مكاسين

[سورة الأعراف (7) : آية 86]

لا يدعون شيئا الا مكسوه وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر والظلم بَعْدَ إِصْلاحِها يعنى بعد ما بعث الله نبيا يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر والاضافة الى مكر الليل والنهار ذلِكُمْ الذي ذكرت لكم وأمرتكم خَيْرٌ لَكُمْ مما كنتم عليه من الظلم والبخس فان ذلك وان كان فيه نوع منفعة فى الدنيا لكنه يجلب مضرة عظيمة فى الدارين وما أمرتكم فيه صلاح الدنيا والاخرة جميعا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مصدقين لى فافعلوا ما أمرتكم وكانوا يعلمون ان شعيبا عليه السلام يكذب قط قبل كانوا يجلسون على الطريق فمن جاء الى شعيب عليه السلام ليومن به منعوه وقالوا ان شعيبا كذاب فلا يفتنك عن دينك كانوا يتوعدون المؤمنين بالقتل ويخوفونهم كذا اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس نحوه فقال الله تعالى. وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ مع ما عطف عليه فى موضع الحال من فاعل تقعدوا وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن الايمان بالله مَنْ آمَنَ بِهِ اى بالله تعالى تنازع فيه الفعلان فى المفعولية توعدون وتصدون فاعمل الثاني ولذا لم يقل وتصدونهم وَتَبْغُونَها اى تطلبون سبيل الله عِوَجاً بإلقاء الشبه او وصفها للناس بانها معوجة وقيل معنى قوله تعالى لا تقعدوا بكل صراط اى بكل طريق من طرق الدين كالشيطان وسبيل الحق وان كان واحدا لكنه تنشعب الى معارف وحدود واحكام وكانوا إذا رأوا واحدا يسعى فى شىء منها وعدوه بالقتل والتعذيب وعلى هذا ففى قوله تعالى ويصدون عن سبيل الله وضع الظاهر موضع الضمير بيانا لكل صراط ودلالة على عظيم ماى صدون عنه وتقبيحا لما كانوا عليه وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا عددكم او عدكم فَكَثَّرَكُمْ الله بالبركة فى النسل والمال وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ من الأمم قبلكم قوم لوط وغيرهم فاعتبروا بهم. وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا به فَاصْبِرُوا اى فتربصوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا بنصر المحقين على المبطلين فهو وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لا معقب لحكمه. قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا اى والله ليكونن أحد الامرين اما إخراجكم من القرية او عودكم فى الكفر وشعيب لم تكن فى ملتهم قط لان الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر لكن غلبوا الجماعة الذين أمنوا معه عليه مخاطبة مع قومه

[سورة الأعراف (7) : الآيات 89 إلى 90]

بخطابهم وعلى ذلك اجرى الجواب وقيل معناه او لتدخلن فى ملتنا وعاد بمعنى صار قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ الهمزة للانكار والواو للحال بل للعطف على محذوف والجملة فى موضع الحال تقديره أتعيدوننا فى ملتكم لو كنا طائعين ولو كنا كارهين فحذف أحد المعطوفين الذي هما حالان من فاعل كنا وعلق الحكم بأبعد النقيضين ليدل على عدم الحكم ثم قال شعيب. قَدِ افْتَرَيْنا اى اختلقنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً بإثبات الشريك له تعالى إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها شرط حذف جوابه بدليل ما سبق وكلمة افترينا ماض بمعنى المستقبل جعل كانه الواقع للمبالغة وادخل عليه قد لتقربه من الحال اى قد افترينا الحال ان أردنا العود بعد ما أنقذنا الله تعالى منها وبيّن لنا ان ما كنا عليه كان باطلا وما صرنا عليه حق وقيل انه جواب قسم بحذف اللام تقديره والله لقد افترينا وَما يَكُونُ لَنا اى ما يثبت لنا ابدا أَنْ نَعُودَ فِيها بيان عزم على الاستقامة على الإسلام والاجتناب عن الكفر ولما كان فى الكلام شائبة تزكية النفس وعدم خوف ما يؤل اليه الأمر قال إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا خذلاننا وارتدادنا ويكون سبق فى مشيته ذلك وفيه دليل على ان الكفر بمشية الله وقيل أراد به حسم طمعهم فى العود بالتعليق بما لا يكون وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً فهو يعلم ما يؤل اليه امر عباده من الايمان الى الكفر او من الكفر الى الايمان قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبيها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها متفق عليه من حديث ابن مسعود عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا فى ان يثبتنا على الايمان ويوفقنا لازدياد اليقين قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك رواه مسلم ثم دعا عليهم شعيب عليه السلام بعد ما ايس من فلاحهم فقال رَبَّنَا افْتَحْ اى احكم من الفتاحة بمعنى الحكم والفتاح القاضي يفتح الأمر المتعلق او المعنى اظهر الأمر حتى ينكشف الحق من المبطل من فتح المشكل إذا بينه بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ للسفلة لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً فى دينه وتركتم دينكم إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ لاستبدال ضلالته بهديكم او لفوات ما يحصل لكم المنفعة بالبخس والتطفيف وهو

[سورة الأعراف (7) : آية 91]

ساد مسد جواب الشرط والقسم الذي وطأته اللام فى لئن اتبعتم. فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قال الكلبي الزلزلة فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ اى مدينتهم جاثِمِينَ ميتين قال ابن عباس وغيره فتح الله عليهم بابا من جهنم فارسل عليهم حرا شديدا فاخذ بانفاسهم فلم ينفعهم ظل ولا ماء وكانوا يدخلون الأسراب ليتبرّدوا فيها فاذا دخلوها وجدوها أشد حرا من الظاهر فخرجوا هرابا الى البرية فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فاظلتهم وهى الظلة فوجدوا لها بردا ونسيما فنادى بعضهم بعضا حتى اجتمعوا تحت السحابة رجالهم ونسائهم وصبيانهم فالهب الله تعالى عليهم نارا وجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلى وقال يزيد الجريري سلط الله عليهم الريح سبعة ايام ثم سلط عليهم الحر ورفع عليهم جبل من بعيد فاتاه رجل فاذا تحته انهار وعيون فاجتمعوا تحته كلهم فوقع ذلك الجبل عليهم فذلك يوم الظلة قال قتادة بعث الله شعيبا الى اصحاب الايكة واهل مدين فاما اصحاب الايكة فاهلكوا بالظلة واما اصحاب مدين فاخذتهم الرجفة صاح بهم جبرئيل صيحة فهلكوا جميعا. الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً مبتدأ خبره كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا اى استوصلوا كان لم يقيموا ولم ينزلوا فيها من قولهم غنيت بالمكان إذا أقمت به والمغانى المنازل واحدها مغنى الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ دنيا ودينا الا الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا فانهم الرابحون فى الدارين وللتنبيه على وجه الاختصاص والمبالغة فيه كرر الموصول ولم يكتف بالعطف واستأنف بالجملتين واتى بهما اسميتين. فَتَوَلَّى اى اعرض عَنْهُمْ شعيب شاخصا بين أظهرهم حين أتاهم العذاب وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ قال ذلك تأسفا بهم بشدة حزنه عليهم ثم أنكر على نفسه فقال فَكَيْفَ آسى احزن عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ فانهم ليسوا أهلا لان يحزن عليهم لاستحقاقهم ما نزل بهم او قاله اعتذارا عن شدة حزنه عليهم يعنى بعد ما بلغت فى الإبلاغ والنصيحة لما لم يتبعونى واثروا لانفسهم العذاب فكيف اسى عليهم. وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ فيه إضمار يعنى فكذبوه إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ اى الفقر وَالضَّرَّاءِ اى المرض كذا قال البغوي عن ابن مسعود وقيل البأساء الحرب والضراء الجدب لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ لكى يتوبوا الى الله يتضرعوا من هاهنا يظهر بطلان قول من قال ان عسى وكاد ولعل من الله واجبة الوقوع.

[سورة الأعراف (7) : آية 95]

ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ اى البأساء والضراء الْحَسَنَةَ السعة والا من والخصب استدراجا وابتلاء لهم بالأمرين حَتَّى عَفَوْا اى كثروا عددا ومالا يقال عفت النبات إذا كثرت ومنه إعفاء اللحية وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ اى هكذا كانت عادة الدهر قديما يعاقب فى الناس بين الضراء والسراء ونسوا خالق الأرض والسماء ومنشئ النعمة والبلاء فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بنزول العذاب. وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى اللام للعهد الخارجي يعنى اهل القرى التي أرسلنا فيها الأنبياء آمَنُوا بالأنبياء وَاتَّقَوْا عذاب الله بالطاعة وترك المعاصي لَفَتَحْنا قرأ ابن عامر بالتشديد للتكثير والباقون بالتخفيف عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ اى لو سعنا عليهم الخير من كل جانب وداومناه لهم وقيل بركات السماء المطر وبركات الأرض النبات والزرع واصل البركة الزيادة والمواظبة على شىء وَلكِنْ كَذَّبُوا الرسل فَأَخَذْناهُمْ بالعقوبة بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من الكفر والمعاصي. أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى عطف على قوله فاخذناهم بغتة وهم لا يشعرون وما بينهما اعتراض والمعنى ابعد ما أخذنا اهل القرى من الكافرين السابقين أمن اهل القرى من الكافرين بنبوة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه واله وسلم يعنى اهل مكة وما حولها أَنْ يَأْتِيَهُمْ بأسنا عذابنا بَياتاً اى تبيتا او وقت بيات يعنى ليلا او مبيتا او مبيتين وهو فى الأصل بمعنى البيتوتة ويجئ بمعنى التبيت كالسلام بمعنى التسليم وَهُمْ نائِمُونَ غافلون عنه حال من ضمير هم البارز او المستتر فى بياتا. أَوَأَمِنَ قرأ نافع وابن عامر او بسكون الواو على الترديد والباقون بفتح الواو على ان الهمزة للاستفهام للتوبيخ والواو للعطف والجمع أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى اى نهارا وقت الضحى وقت انبساط الشمس وَهُمْ يَلْعَبُونَ اى غافلون مشتغلون بما لا ينفعهم. أَفَأَمِنُوا تقريره لقوله أفأمن اهل القرى مَكْرَ اللَّهِ اى استدراجه إياهم بما أنعم عليهم فى الدنيا الى حين ثم أخذهم من حيث لا يحتسبون بالعذاب بغتة كما فعل بأشياعهم من قبل فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ الذين خسروا أنفسهم بالكفر والمعاصي وتركوا النظر والاعتبار. أَوَلَمْ يَهْدِ قرأ قتادة ويعقوب نهد بالنون على التكلم والتعظيم والباقون بالياء على الغيبة والهمزة

[سورة الأعراف (7) : آية 101]

فى المواضع الاربعة للتوبيخ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ بالسكنى مِنْ بَعْدِ هلاك أَهْلِها الذين قبلهم عدى الهداية باللام لانه بمعنى البيان أَنْ مخففة من المثقلة اسمه ضمير الشان فاعل ليهد على تقدير الغيبة ومفعوله على تقدير التكلم يعنى او لم يبين للذين ورثوا السابقين انه لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ اى أخذناهم بالعذاب والعقوبة بِذُنُوبِهِمْ اى بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ عطف على ما دل عليه او لم يهد اى يغفلون عن الهداية ونختم على قلوبهم وقال الزجاج هو منقطع مما قبله يعنى ونحن نطبع ولا يجوز عطفه على أصبناهم على انه بمعنى وطبعناهم لانه لو كان فى سياق جواب لو لزم نفى الطبع عنهم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ الانذار ولا يقبلون الموعظة. تِلْكَ الْقُرى قرى اللامم الماضية قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب الموصوف مع الصفة مبتدأ خبره نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها يعنى نقص عليك بعض اخبار أهلها لكى تعتبروا لا كلها وجاز ان يكون القرى خبرا ونقص خبرا ثانيا او حال من القرى والعامل فيه معنى الاشارة وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ اى بالآيات والمعجزات الشاهدة على رسالتهم فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا منصوب بان مقدرة بعد لام الجحود لتاكيد النفي والمصدر اما بمعنى الفاعل او محمول بتقدير ذى اى ما كانوا مؤمنين او ذا ايمان عند مجيئهم بها بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ اى بما كذبوه من قبل الرسل يعنى التوحيد بل كانوا مستمرين على التكذيب والإشراك او فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به اولا يعنى بالرسالة والشرائع كلها حين جاءتهم الرسل بها ولم يؤثر فيهم قط دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة وقال البغوي قال ابن عباس والسدى يعنى فما كان هؤلاء الكفار الذين أهلكناهم ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا من قبل يوم أخذهم ميثاقهم حين اخرجوا من ظهر آدم فاقرءوا باللسان واضمروا بالتكذيب وقال مجاهد معناه فما كانوا لو احييناهم بعد هلاكهم ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل هلاكهم كقوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وقال يمان بن ذباب هذا على معنى ان كل نبى انذر قومه بالعذاب فكذبوه فاهلكناهم فلما جاء بعدهم من رسول بالبينات ما كانت الأمم اللاحقة ليؤمنوا بما كذب به اوائلهم من الأمم الخالية بل كذبوا بما كذب به اوائلهم نظيره قوله تعالى ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحرا ومجنون كَذلِكَ اى مثل ذلك الطبع الشديد الذي طبعنا على قلوب الذين أهلكناهم من قبل يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ الذين

[سورة الأعراف (7) : آية 102]

كتبنا عليهم من قومك ان لا يؤمنوا فلا يلين قلوبهم بالآيات والنذر. وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ اى لاكثر الناس والاية اعتراض او لاكثر الأمم المذكورين مِنْ عَهْدٍ اى من وفاء بالعهد الذي عاهدناهم يوم الميثاق حين اخرجوا من صلب آدم عليه السلام او ما عهدوا اليه حين كانوا فى ضر ومخافة لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشكرين وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ قال الكوفيون ان نافية واللام بمعنى الا يعنى ما وجدنا أكثرهم الا فاسقين ناقضين للعهد وقال البصريون ان مخففة من المثقلة واللام فارقة وعلى هذا وجدنا بمعنى علمنا لان ان المخففة من المثقلة لا تدخل الا على الافعال الداخلة على المبتدأ والخبر. ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ الضمير للرسل فى قوله ولقد جاءتهم رسلهم والمراد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام او للامم والمراد أقوامهم مُوسى بن عمران عليه السلام بِآياتِنا يعنى المعجزات التي تذكر بعد ذلك إِلى فِرْعَوْنَ وهو لقب لملك مصر ككسرى لملك فارس وكان اسمه قابوس وقيل الوليد بن مصعب بن الريان وَمَلَائِهِ اى شرفاء قومه فَظَلَمُوا بِها اى بالآيات والظلم وضع الشيء فى غير موضعه ولما كانت الآيات لوضوحها من حقها الايمان بها وهم كفروا بها مكان الايمان قال الله تعالى ظلموا بها مكان كفروا بها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ حيث اغرقوا فى اليم. وَقالَ مُوسى لما دخل على فرعون يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ حَقِيقٌ عَلى قرأ نافع علىّ بفتح الياء مشددة يعنى واجب على فهو مستانفة فى جواب تكذيبه إياه فى دعوى الرسالة وانما لم يذكر تكذيبه لدلالة قوله فظلموا بها عليه وقرأ الباقون على مقصورة كانّ أصله حقيق علىّ كما قرأه نافع فقلب لا من اللبس او يقال على هاهنا جارة وضع مكان الباء لافادة التمكن كقولهم رميت على القوس مكان رميت بالقوس يدل عليه قراءة ابى والأعمش حقيق بان لا أقول او يقال عدى حقيق بعلى لتضمين معنى حريص وعلى هذا حقيق اما خبر مبتدأ محذوف يعنى انا حقيق اى جدير والجملة مستانفة او صفة لرسول. أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ شاهد على رسالتى فَأَرْسِلْ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها بَنِي إِسْرائِيلَ اى اطلق عنهم وخلّهم يرجعون الى الأرض المقدسة هى وطن ابائهم وكان فرعون قد استخدمهم فى الأعمال الشاقة من ضرب اللبن ونقل التراب وغيرها. قالَ فرعون مجيبا

[سورة الأعراف (7) : آية 107]

لموسى عليه السلام إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ من عند الله فَأْتِ بِها بتلك الاية إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى دعواك شرط استغنى من الجزاء بما مضى. فَأَلْقى موسى عَصاهُ من يده فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ الثعبان الذكر العظيم من الحيّة وكان يتحرك كانها جان اى حيّة صغيرة ولهذا قال فى موضع اخر كانها جان قال ابن عباس والسدى انه لما القى العصا صارت حيّة عظيمة صفراء شعراء عرفاء فاغرافاه بين لحييها ثمانون ذراعا وارتفعت من الأرض قد رميل واقامت على ذنبها واضعة لحيها الأسفل فى الأرض والأعلى على سور القصر وتوجهت نحو فرعون لياخذ وروى انها أخذت قبة فرعون بين نابيها فوثب فرعون هاربا وأخذت اخذة البطن فى ذلك اليوم اربعمائة مرة وحملت على الناس فانهزموا وصاحوا ومات منهم خمسة وعشرون الفا قتل بعضهم بعضا ودخل فرعون البيت وصاح يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذها وانا أمن بك وأرسل معك بنى إسرائيل فاخذها موسى فعادت عصاكما كانت كذا اخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم من طريق معمر عن قتادة ثم قال فرعون هل معك اخرى قال نعم. وَنَزَعَ يَدَهُ من تحت جيبه بعد ما أدخلها فيه فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ بياضا عجيبا خارجا عن العادة لها شعاع غلب نور الشمس يعجب الناظرين لحسن منظره ثم أدخلها فى جيبه فصارت أدما كما كانت. قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ ماهر فى السحر يأخذا عين الناس حتّى يخيل إليهم العصا حيّة والادم ابيض ويرى الشيء على خلاف ما هو عليه فى الواقع أسند القول المذكور هاهنا الى الملأ وفى سورة الشعراء الى فرعون فالظاهر ان القول صدر منه ومنهم جميعا على سبيل التشاور فحكى قوله ثمه وقولهم هاهنا وقاله فرعون ابتداء فتلقته منه الملأ فقالوه فيما بينهم ولاتباعهم. يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ يا معشر القبط مِنْ أَرْضِكُمْ يعنى مصر فَماذا تَأْمُرُونَ يحتمل ان يكون هذا بقية الكلام السابق الذي قال الملأ لفرعون وخاصته فيكون الأمر على حقيقته او قالوه فيما بينهم او لاتباعهم فيكون تأمرون بمعنى تشيرون والمستشار من حيث انه معلم ومرشد امير على المسترشد ويحتمل ان يكون قوله فماذا تأمرون كلام المخاطبين فى جواب قولهم هذا ساحر عليم يريد ان يخرجكم من أرضكم فعلى هذا اما ان يكون كلام لفرعون او لغيره ثم بعد ما قال فرعون وملائه ما ذكر اجتمع راى الملأ أجمعين على ان. قالُوا

[سورة الأعراف (7) : آية 112]

لفرعون أَرْجِهْ قرأ ابن كثير وهشام هذا وفى الشعراء ارجئه بالهمز وضم الهاء بعدها ووصلها بواو الإشباع وابو عمرو كذلك لكن من غير صلة وابن ذكوان بالهمز وكسر الهاء ولا يصلها بياء وهذه القراءة على خلاف القياس لان الهاء لا يكسر الا إذا كان قبلها كسرة او ياء ساكنة لكن الهمزة كانت تقلب ياء أجريت مجريها وقرأ قالون بغير همز باختلاس الكسرة وورش والكسائي نحوه لكن يشبعان الكسرة ياء وعاصم وحمزة بغير همز واسكان الهاء والهاء فى الوقف ساكنة بلا خلاف الا فى مذهب من ضمها سواء وصلها او لم يصلها فان الروم والإشمام جائز ان فيها التشبيه المنفصل بالمتصل ومعناه اخر امره يعنى لا تعجل فى الايمان به ولا فى قتله وعقوبته حتّى يظهر امره فى القاموس ارجأ الأمر آخره وَأَخاهُ هارون عليه السلام وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ مدائن الصعيد من نواحى مصر كان هناك رؤساء السحرة حاشِرِينَ اى شرطا ورجالا جامعين السحرة. يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ جواب لقوله أرسل يعنى ان ترسل إليهم حاشرين يجمعون إليك من فيها من السحرة فان غلبهم موسى صدقناه وان غلبوا عليه علمنا انه ساحر قرأ حمزة والكسائي هنا وفى سورة يونس بكل سحار بالألف بعد الحاء على المبالغة كما اتفق عليه القراء فى الشعراء والباقون فى هاتين ساحر على وزن فاعل قال البغوي قال ابن عباس والسدى وابن إسحاق لمار أي فرعون سلطان الله فى العصا ما راى قال انا لا نغالب موسى الا بمن هو منه فاتخذ غلمانا من بنى إسرائيل فبعث بها الى قرية يقال لها الغرماء يعلمونهم السحر فعلموهم سحرا كثيرا وواعد موسى موعدا فبعث الى السحرة فجاؤا ومعهم معلمهم فقال لهم ماذا صنعتم قالوا قد علمنا سحرا لا يطيقه سحرة اهل الأرض الا ان يكون امرا من السماء فانه لا طاقة لهم به ثم بعث فرعون فى مملكته فلم يترك فى سلطانه ساحرا الا اتى به قال مقاتل كانوا اثنين وسبعين اثنان منهم من القبط هما راس القوم أحدهما شمعون وسبعون من بنى إسرائيل وقال الكلبي كان الذين يعلمونهم رجلين محبوسين من اهل نينوى وكانوا سبعين غير رئيسهم وقال كعب كانوا اثنى عشر الفا وقال السدى كانوا بضعة وثلثين الفا وقال عكرمة سبعين الفا وقال محمد بن المنكدر كانوا ثمانين الفا. وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ مع الحاشرين بعد ما أرسلهم فى طلبهم قالُوا يعنى السحرة استيناف كانه فى جواب سائل قال ما قالوا إذا جاؤا إِنَّ لَنا

[سورة الأعراف (7) : آية 114]

لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قرأ نافع وابن كثير وحفص ان لنا بهمزة واحدة على الخبر وإيجاب الاجر كانهم قالوا لا بد لنا من اجر والتنكير للتعظيم وقرأ الباقون اان بهمزتين على الاستفهام وهم على مذاهبهم المذكورة فى الهمزتين المفتوحتين ولم يختلفوا فى الشعراء انه بالاستفهام. قالَ فرعون نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عطف على جملة سد مسدها نعم يعنى ان لكم اجرا وانكم لمن المقربين فى المنزلة الرفيعة عندى زاد على الجواب لتحريضهم قال مقاتل قال موسى لكبير السحرة تومن بي ان غلبتك قال لاتين بسحر لا يغلبه ساحر ولئن غلبتنى لا ومنن بك وفرعون ينظر. قالُوا اى السحرة يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ عصاك وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ عصينا وحبالنا خيروا موسى إظهارا للجلادة ولكن كان رغبتهم فى ان يلقوا قبل موسى يدل عليه تغير النظم الى ما هو ابلغ وتعريف الخبر وتوسيط الفصل او تاكيدهم الضمير المتصل بالمنفصل فلذلك. قالَ موسى بل أَلْقُوا ازدراء بهم وثوقا على شانه فَلَمَّا أَلْقَوْا السحرة حبالهم وعصيهم سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ اى صرفوها عن ادراك حقيقة ما القوه وتخيل للناس حبالهم وعصيهم حيات وأفاعي أمثال الجبال قد ملأ الوادي فى ميل يركب بعضها فى بعض وَاسْتَرْهَبُوهُمْ اى خوفوهم ارهابا شديدا كانهم طلبوا رهبتهم وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ فى فنه. وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى حين أوجس فى نفسه خيفة أَنْ أَلْقِ عَصاكَ ولا تخف انك أنت الا على انما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث اتى فالقاها فَإِذا هِيَ حية عظيمة قد سدت الأفق تسعى قال ابن زيد كان اجتماعهم بالاسكندرية ويقال بلغ ذنب الحية من وراء البحيرة ثم فتحت فاها ثمانين ذراعا تَلْقَفُ قرأ حفص هاهنا وفى طه والشعراء بإسكان اللام وتخفيف القاف من المجرد والباقون بفتح اللام وتشديد القاف من التفعل بحذف احدى التاءين أصله تتلقف اى تبتلع ما يَأْفِكُونَ اى ما يزورونه من الافك بمعنى قلب الشيء من وجهه ويجوز ان يكون ما مصدرية والمصدر بمعنى المفعول روى انها تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعها بأسرها ثم أقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت فقالت السحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا فلما نفدت علموا ان ذلك من الله تعالى وذلك قوله تعالى. فَوَقَعَ الْحَقُّ اى

[سورة الأعراف (7) : آية 119]

ثبت وظهر امره وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ السحرة. فَغُلِبُوا يعنى فرعون وقومه هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا اى رجعوا الى المدينة صاغِرِينَ أذلاء مقهورين. وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ألقاهم الله تعالى ساجِدِينَ لله تعالى لم يقل سجدوا لله تنبيها على ان ظهور الحق اضطرهم الى السجود حيث لم يبق لهم تمالك وقيل الهمهم الله ان يسجدوا فسجدوا وقال الأخفش من سرعة ما سجدوا كانهم القوا. قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ابدلوا الثاني بالأول لئلا يتوهم انهم أرادوا به فرعون قال ابن عباس لما امنت السحرة اتبع موسى ستمائة الف من بنى إسرائيل. قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ اى بالله او بموسى قرأ قنبل وأمنتم به فى حال الوصل يبدل من همزة الاستفهام واوا مفتوحة ومد بعدها مدة فى تقدير الفين وقرأ فى طه على الخبر بهمزة واحدة والف وقرأ فى الشعراء على الاستفهام بهمزة ومدة مطولة فى تقدير الفين وحفص فى الثلاثة بهمزة والف على الخبر وابو بكر وحمزة والكسائي فيهن على الاستفهام بهمزتين محققتين بعدهما الف والباقون على الاستفهام بهمزة ومدة مطولة بعدها فى تقدير الفين ولم يدخل أحد منهم ألفا بين الهمزة المخففة والملينة فى هذه المواضع الثلاثة كما أدخلها من أدخلها فى اانذرتهم وبابه لكراهة اجتماع ثلث الفات بعد الهمزة فالاستفهام للانكار والاستبعاد والخبر على التوبيخ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ اى هذا الصنيع لحيلة احتملتموها أنتم وموسى فِي الْمَدِينَةِ اى فى مصر قبل ان تخرجوا للميعاد لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها يعنى القبط ويخلص مصر لكم ولبنى إسرائيل فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة ما فعلتم تهديد مجمل تفصيله. لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ من كل شق طرفا ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ فى جذوع النخل على شاطئ نهر مصر تفضيحا لكم وتنكيلا لامثالكم قيل انه أول من سن ذلك أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس. قالُوا يعنى السحرة لفرعون إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ بالموت لا محالة نرجوا ثوابه فلا نبالى بوعيدك او المعنى مصيرنا ومصيركم الى ربنا فيحكم بيننا. وَما تَنْقِمُ اى ما تنكر مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا وهو خير الأعمال واصل المناقب لا يجوز عليها الإنكار ولا يجوز لنا العدول عنها لابتغاء مرضاتك او خوف وعيدك ثم فزعوا الى الله فقالوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا

[سورة الأعراف (7) : آية 127]

صَبْراً اى اصبب علينا صبرا كما يصب الماء كيلا يمنعنا وعيد فرعون عن الايمان ويطهرنا من الآثام وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ ثابتين على الإسلام ذكر الكلبي ان فرعون قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم وذكر غيره انه لم يقدر عليهم لقوله تعالى لا يصلون اليكما أنتما ومن اتبعكما الغالبون. وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بتغير الناس عليك ودعوتهم الى مخالفتك وَيَذَرَكَ عطف على يفسدوا او جواب للاستفهام بالواو كقولهم هل عندكم ماء واشربه والمعنى أيكون منك ترك موسى ويكون تركه إياك وَآلِهَتَكَ اى معبوداتك فلا يعبدون لك ولا لها قال ابن عباس كان لفرعون بقرة يعبدها وكانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم ان يعبدوها ولذلك اخرج السامري لهم عجلا وقال الحسن كان قد علق على عنقه صليبا يعبده وقال السدى كان فرعون قد اتخذ لقومه أصناما وأمرهم بعبادتها وقال لقومه هذه الهتكم وانا ربكم وربها ولذلك قال انا ربكم الأعلى وقيل كانوا يعبدون الكواكب وقرأ ابن مسعود وابن عباس والشعبي والضحاك ويذرك والهتك بكسر الالف على وزن عبادتك ومعناه وقيل أراد بالهتك الشمس وكانوا يعبدونها قالَ فرعون سَنُقَتِّلُ قرأ نافع وابن كثير بفتح النون وضم التاء مخففا من المجرد والباقون بضم النون وكسر التاء مشددا من التفعيل على التكثير أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ اى نتركهن احياء كما نفعل من قبل وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ غالبون وهم مقهورون تحت أيدينا قال ابن عباس كان فرعون يقتل أبناء بنى إسرائيل فى العام الذي قيل له يولد مولود يذهب به ملكك فقال فرعون أعيد عليهم القتل ليعلموا انا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ولا يتوهم أحد ان موسى هو المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يديه فلما أعاد عليهم القتل شكت ذلك بنو إسرائيل الى موسى فحينئذ. قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ بالتضرع اليه والدعاء والتوكل عليه وَاصْبِرُوا على ما يصيبكم من فرعون وقومه فان ذلك بارادة الله ومشيته وابتلائه إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ كافرا كان او مسلما لا يجوز الاعتراض عليه تعالى وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ يعنى جزاء الحسنات والسعادة الابدية التي لا تنقطع والجنة للمتقين فابتغوا الدار الاخرة الباقية واصبروا على ما أصابكم فى الدنيا الفانية سمى جزاء الفعل العقبى والعاقبة لانه يعقب

[سورة الأعراف (7) : آية 129]

العمل لكنهما مختصان بالثواب وخير الجزاء على الحسنات كذلك العقب مختص بالثواب كما ان العقوبة والمعاقبة والعقاب مختصة بالعذاب وسوء الجزاء قال الله تعالى أولئك لهم عقبى الدار ونعم عقبى الدار وخير عقبا وقال فحق عقاب شديد العقاب وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم وجاز ان يكون قوله ان الأرض لله الى آخره وعد البنى إسرائيل بان يرثوا ارض مصر بعد فرعون ويكون لهم النصر والظفر عاقبة الأمر كالاية الثانية. قالُوا يعنى قوم موسى أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا بالرسالة بقتل الأبناء وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا باعادة القتل علينا وقيل ان المراد منه ان فرعون كان يسخرهم قبل مجئ موسى الى نصف النهار فلما جاء موسى استسخرهم جميع النهار بلا اجر وذكر الكلبي انهم كانوا يضربون اللبن بطين فرعون فلما جاء موسى عليه السلام اجبرهم ان يضربوه من طين من عندهم قالَ لهم موسى عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ فرعون وَيَسْتَخْلِفَكُمْ اى يسكنكم بعد هلاكه فِي الْأَرْضِ ارض مصر فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ من شكر وطاعة او كفران ومعصية وعدهم الله تعالى بالنصر والظفر وأشار الى إيجاب الشكر عند ابتلائه بالخير وإيجاب الصبر على الابتلاء بالشر فانجز الله وعده حتى أغرق فرعون واستخلفهم فى ديارهم وأموالهم فعبدوا العجل وروى ان مصر فتح لهم فى زمن داؤد عليه السلام. وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ اى اتباعه بِالسِّنِينَ بالجدوب والقحوط والسنة غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويورخ به ثم اشتق منه فيقال سنت القوم إذا قحطوا ويقال مستهم السنة اى جدب السنة وقيل أراد بالسنين القحط سنة بعد سنة وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ بكثرة الآفات والعاهات قال قتادة اما سنين فلا هل البوادي واما نقص الثمرات فلا هل الأمصار لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ لكى ينتبهوا على ان ذلك بشوم كفرهم ومعاصيهم فيتعظوا او يرق قلوبهم بالشدائد فيفزعوا الى الله ويرغبوا فيما عنده. فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ يعنى الخصب والسعة والعافية قالُوا اى ال فرعون لَنا هذِهِ اى لاجلنا ونحن مستحقوها على العادة التي جرت لنا فى سعة أرزاقنا ولم يروها تفضلا من الله تبارك وتعالى ليشكروا عليها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ جدب وبلاء يكرهونه يَطَّيَّرُوا اى يتشاءموا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ قالوا لم يصبنا بلاء حتى رايناهم فهذا من شوم موسى وقومه وقال سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر وكان ملك

[سورة الأعراف (7) : آية 132]

فرعون اربعمائة سنة وعاش ستمائة وعشرين سنة لا يرى مكروها ولو كان له فى تلك المدة جوع يوم او حمى يوم او وجع ساعة لما ادعى الربوبية قط ولم يكن هذا القول منهم الا لكمال إغراقهم فى الغباوة والقساوة فانهم بعد مشاهدة الآيات لم ينتبهوا على انه ما كانت الحسنة الا تفضلا من الله تعالى وابتلاء فلما لم يشكروها ودعاهم الرسول المويد بالمعجزات الباهرة الى الشكر والطاعة فلم يطيعوه وتمادوا فى العصيان اخذتهم السنة لشوم أعمالهم عقوبة من عند الله تعالى كما قال أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ اى شومهم عِنْدَ اللَّهِ اى من عنده بكفرهم ومعاصيهم كذا قال ابن عباس وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ لفرط غباوتهم ان الذي أصابهم عقوبة من الله تعالى وقيل معنى الاية ان طائرهم اى انصبائهم من الخير والشر كله من عند الله وفى القاموس الطائر ما تيمنت به او تشاءمت والخط وعمل الإنسان ورزقه او سبب خيرهم وشرهم عنده وهو حكمه ومسببه او سبب شومهم عند الله وهو أعمالهم المكتوبة عنده فانها التي ساقت إليهم ما يسوئهم وقيل معناه الشوم العظيم هو الذي لهم عند الله من عذاب النار قال البيضاوي انما عرف الحسنة وذكرها مع اداة التحقيق يعنى إذا الكثرة وقوعها وتعلق الارادة بها بالذات لسعة رحمة الله تعالى ونكر السيئة واتى بها مع حرف الشك يعنى ان لندرتها وعدم تعلق القصد بها الا بالتبع. وَقالُوا يعنى فرعون واله لموسى عليه السلام مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ اى معجزة وعلامة على صدقك فى دعوى النبوة انما سموها اية على زعم موسى عليه السلام او استهزاء به لا على اعتقادهم ولذلك قالوا لِتَسْحَرَنا بِها أعيننا وتشبه علينا وتلفتنا عما نحن عليه من الذين والضمير فى به وبها لما ذكره قبل التبئين اى كلمة مهما ذكره باعتبار اللفظ وانثه باعتبار المعنى فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ بمصدقين فدعا موسى عليهم. فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ نصب على الحال من الأسماء المذكورة مُفَصَّلاتٍ مبينت لا يخفى على العاقل انها من الله تعالى ونقمته او منفصلات لامتحان أحوالهم وكان بين كل ايتين منها ثلاثون يوما أخرجه ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير وكان امتداد كل منها اسبوعا أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس بلفظ يمكث فيهم سبتا الى سبت ثم يرفع عنهم شهرا وقيل ان موسى لبث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل قال البغوي قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة و

محمد بن اسحق دخل كلام بعضهم فى بعض لما امنت السحرة ورجع فرعون وقومه مغلوبا ابى هو وقومه لا الاقامة على الكفر والتمادي فى الشر فتابع الله عليهم الآيات وأخذهم بالسنين ونقص من الثمرات فلما عالج منهم بالآيات الأربع العصا واليد والسنين ونقص من الثمرات فابوا ان يؤمنوا فدعا عليهم موسى عليه السلام فقال يا رب ان عبدك فرعون علا فى الأرض وطغى وعتى وان قومه قد نقضوا عهدك فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ولقومى عظة ولمن بعدهم اية وعبرة فبعث عليهم الطوفان وهو الماء أرسل الله عليهم المطر وبيوت بنى إسرائيل وبيوتهم مشتبكة مختلطة فامتلأت بيوت القبط حتى قاموا فى الماء وركد الماء على أراضيهم لا يقدرون على ان يحرثوا ولا يزرعوا شيئا ودام ذلك عليهم سبعة ايام من السبت الى السبت وقال مجاهد وعطاء الطوفان الموت كذا اخرج ابن جرير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم وقال وهب الطوفان الطاعون بلغة اليمن وقال ابو قلابة الطوفان الجدري وهم أول من عذبوا به فبقى فى الأرض وقال مقاتل الطوفان الماء طفا فوق حروثهم وروى ابو ظبيان عن ابن عباس قال الطوفان امر من الله عز وجل طاف بهم ثم قرأ فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون قال نحاة الكوفة الطوفان مصدر لا يجمع كالرجحان والنقصان وقال اهل البصرة هو جمع واحدها طوفانة فقالوا لموسى ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن بك ونرسل معك بنى إسرائيل فدعا ربه فكشف الطوفان فانبت الله لهم فى تلك السنة شيئا لم ينبت قبل ذلك من الكلأ والزروع والثمار وأخصبت بلادهم فقالوا ما كان هذا الماء الا نعمة علينا وخصبا فلم يومنوا وقاموا شهرا فى عافية فبعث الله عليهم الجراد وأكل عامة زروعهم وثمارهم وأوراق الشجر حتى كانت تأكل الأبواب وسقف البيت والخشب والنبات والامتعة ومسامير الأبواب من الحديد حتى يقع دونهم وابتلى الجراد بالجوع فكانت لا تشبع ولا يصيب بنى إسرائيل شىء من ذلك فعجوا «1» وضجوا «2» وقالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك واعطوا عهد الله وميثاقه فدعا موسى فكشف الله عنهم الجواد بعد ما اقام عليهم سبعة ايام من السبت الى السبت وفى الخبر مكتوب على صدر كل جراد جند الله الأعظم ويقال ان موسى برز الى الفضاء فاشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت الجراد من حيث

_ (1) العج رفع الصوت 12 (2) الضج الصياح عند المكروه والمشقة والجزع 12

جاءت وكانت قد بقيت من زروعهم وغلاتهم بقية فقالوا قد بقي لنا ما هو كافينا فما نحن بتاركي ديننا فلم يفوا بما عاهدوا وعادوا الى أعمالهم السوء فاقاموا شهرا فى عافيه ثم بعث الله عليهم القمل واختلفوا فى القمل فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال القمل السوس الذي يخرج من الحنطة وقال مجاهد والسدى وقتادة والكلبي الدباء قالوا الجراد الطيارة التي لها اجنحة والدباء صغارها التي لا اجنحة لها وقال عكرمة هى بنات الجراد وقال ابو عبيدة هو الحمنان وهو ضرب من القراد وقال عطاء الخراسانى هو القمل وبه قرأ الحسن والقمل بفتح القاف وسكون الميم قالوا امر الله تعالى موسى ان يمشى الى كثيب «1» اعفر «2» بقرية من قرى مصر تدعى عين الشمس فمشى موسى الى ذلك الكثيب وكان اهيل «3» فضربه بعصاه فانتال عليهم بالقمل فتتبع ما بقي من حروثهم وأشجارهم ونباتهم فاكله وكان يدخل بين ثوب أحدهم وجلدهم فيعضه وكان أحدهم يأكل الطعام فيمتلى قملا قال سعيد بن المسيب القمل السوس الذي يخرج من الحبوب وكان الرجل يخرج عشرة أقفزة الى الرحى فلم يرد منها الا ثلثة أقفزة فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من القمل وانحزت أشعارهم وأبصارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ولزم جلودهم كالجدرى عليهم ومنعهم النوم والقرار فصرخوا وصاحوا الى موسى انا نتوب فادع الله لنا ربك يكشف عنا البلاء فدعى موسى فرفع الله القمل عنهم بعد ما اقام سبعة ايام من السبت الى السبت فنكثوا وعادوا الى أخبث أعمالهم وقالوا ما كنا قطان نستيقن انه ساحر منا اليوم يجعل الوصل دوابا فدعا موسى عليهم بعد ما أقاموا شهرا فى عافية فارسل الله عليهم الضفادع فامتلأت منها بيوتهم وأفنيتهم وأطعمتهم وآنيتهم فلا يكشف أحد اناء ولا طعاما الا وجد فيه الضفادع وكان الرجل يجلس فى الضفادع الى ذقنه ويهم ان يتكلم فيثب الضفدع فى فيه وكانت تثبت فى قدورهم فيفسد عليهم طعامهم ويطفئ نيرانهم وكان أحدهم يضطجع فيركبه الضفادع فتكون عليه ركاما حتى ما يستطيع ان ينصرف الى شقه الاخر ويفتح فاه لاكله فيسبق الضفادع أكلته الى فيه ولا يعجن عجينا الا تشدخت فيه ولا يفتح قدرا الا امتلأت ضفادع فلقوا منها أذى شديدا وروى عكرمة عن ابن عباس قال كانت الضفادع برية فلما أرسلها الله على ال فرعون سمعت واطاعت تقذف نفسها فى القدر وهى تغلى وفى التنانير وهى تفور فاثابها لحسن طاعتها يرد الماء

_ (1) الكثيب الرمل المستطيل المحدوب 12 (2) اعفر ابيض ليس بناصع 12 (3) الا هيل السائل من الرمل 12

فلما رأوا ذلك بكوا وشكوا الى موسى وقالوا هذه المرة نتوب ولا نعود تأخذ عهودهم ومواثيقهم ثم دعا ربه فكشف عنهم الضفادع بعد ما أقاموا سبعا من السبت الى السبت فاقاموا شهرا فى عافية ثم نقضوا العهود وعادوا الى كفرهم فدعا عليهم موسى فارسل الله عليهم الدم فسال النيل عليهم دما وصارت مياهم دما فما يستسقون من الآبار والأنهار الا وجدوا دما عبيطا «1» احمر فشكوا الى فرعون فقال انه قد سحركم فقال القوم من اين سحرنا ونحن لا تجد فى أعيننا من الماء الا دما كان يجمع بين القبطي والاسرائيلى على الإناء الواحد فيكون ما يلى الاسرائيلى ماء وما يلى القبطي دما ويقومان الى جب فيه الماء فيخرج للاسرائيلى ماء والقبطي دم حتّى تكون المرأة من ال فرعون تأتي المرأة من بنى إسرائيل حين جهدهم العطش فتقول اسقيني من مائك فتصب لها من قربتها فيعود فى الإناء دما حتى كانت تقول اجعليه فى فيك ثم مجيه فى فىّ فتاخذ فى فيها فاذا مجته فى فيها صارد ما وان فرعون اعتراه العطش حتى انه كان يضطر الى مضغ الأشجار الرطبة فاذا مضغ يصير مائها فى فيه ملحا أجاجا فمكثوا فى ذلك سبعة ايام لم يشربوا الا الدم قال زيد بن اسلم الدم الذي كان سلط الله عليهم كان رعافا فاتوا موسى وقالوا يموسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنومن بك ونرسل معك بنى إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم فَاسْتَكْبَرُوا عن الايمان بموسى وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ اى نزل بهم جنس العذاب الذي ذكر من الطوفان وغيرها وقال سعيد بن جبير الرجز هو الطاعون وهو العذاب السادس بعد الآيات الخمس مات منهم سبعون الفا فى يوم واحد فامسوا وهم يتدافنون روى الشيخان فى الصحيحين والترمذي والبغوي عن اسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الطاعون رجزا رسل على بنى إسرائيل وعلى من كان قبلكم فاذا سمعتم به من ارض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه وروى احمد والبخاري عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الطاعون كان عذابا يبعثه الله على من يشاء وان الله جعله رحمة للمؤمنين فليس من أحد يقع الطاعون فيمكث فى بلده صابرا محتسبا يعلم انه لا يصيبه الا ما كتب الله له الا كان له مثل اجر شهيد قلت لكن الحديثين المذكورين لا يدلان على ان الطاعون أرسل على القبط بل يدلان على انه أرسل على بنى إسرائيل ولعله

_ (1) العبيط الدم الطري 12

[سورة الأعراف (7) : آية 135]

ذلك بعد فرعون قلت ولو صح قول سعيد بن جبير فحينئذ بعد السنين ونقص من الثمرات اية واحدة ثالثة بعد العصا واليد بعضها على اهل القرى وهو السنين وبعضها على اهل الأمصار هو نقص من الثمرات وبعدها ست آيات من الطوفان الى الرجز فهى الآيات التسع المرادة بقوله تعالى ولقد اتينا موسى تسع آيات. قالُوا يعنى فرعون واتباعه يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ كشف العذاب عنا ان أمنا او بعهده عندك وهو النبوة كذا قال عطاء او بالذي عهده إليك من اجابة دعوتك وهو صلة لادع او حال من الضمير فيه بمعنى ادع الله متوسلا اليه بما عهد عندك او متعلق بفعل محذوف دل عليه التماسهم مثل اسعفنا الى ما نطلب منك بحق ما عهد عندك او قسم جوابه لَئِنْ كَشَفْتَ يعنى اقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ الى ارض الشام وكان استعبدهم. فَلَمَّا كَشَفْنا بدعاء موسى عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ اى حد من الزمان هُمْ بالِغُوهُ يعذبون فيه او يهلكون وهو وقت الغرق او الموت وقيل الى أجل عينوه لايمانهم إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ جواب للما اى فلما كشفنا عنهم الرجز فاجئوا النكث ونقض العهد والإصرار على الكفر من غير توقف وتأمل فيه. فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ يعنى أخذناهم بالنقمة والعذاب بيانه فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ اى البحر الذي لا يدرك قعره وهو لجة البحر المالح ومعظم مائه واشتقاقه من التيمم لان المشفعين به يقصدونه بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها اى عن الآيات غافِلِينَ يعنى انهم لم يتفكروا فيها حتى صاروا كالغافلين عنها وقيل الضمير للنقمة المدلول عليها بقوله فانتقمنا. وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ يعنى بنى إسرائيل بالاستعباد وذبح الأبناء واستخدام النساء مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها بالأنهار والأشجار والثمار والخصب وسعة العيش يعنى ارض مصر والشام ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا فى نواحيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى تأنيث الأحسن صفة للكلمة اى مضت عليهم يقال تم الأمر إذا مضى عليه واتصلت بالانجاز واستمرت عدته إياهم بالنصرة والتمكين وهو قوله ونريد ان نمن الى قوله ما كانوا يحذرون المذكور فى القصص وقوله عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا اى بسبب صبرهم على دينهم والشدائد من فرعون

[سورة الأعراف (7) : آية 138]

وقومه وَدَمَّرْنا خربنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ من القصور والعمارات وَما كانُوا يَعْرِشُونَ من الثمار والأعناب فى الجنات كذا قال الحسن او ما كانوا يرفعون من البناء كصرح هامان وغير ذلك من القصور والبيوت كذا قال مجاهد قرأ ابو بكر وابن عامر يعرشون بضم الراء هنا وفى النحل والباقون بكسرها وهذا اخر قصة فرعون وقومه ويتلوه ما أحدثه بنو إسرائيل من الأمور الشنيعة بعد ما من الله عليهم بالنعم الجسم وأراهم من الآيات العظام تسلية لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيما يرى منهم وايقاظا للمؤمنين حتى لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة أحوالهم وفى قوله تعالى بما صبروا حث على الصبر ودلالة على ان من قابل البلاء بالصبر فرجه الله عنه ودمر عدوه ومن قابله بالجزع وكله الله اليه والله تعالى اعلم. وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ قال الكلبي عبر بهم موسى البحر يوم عاشوراء بعد ما هلك فرعون وقومه فصام شكر الله عز وجل فَأَتَوْا فمروا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ اى يقيمون قرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف والباقون بضمها وهما لغتان عَلى عبادة أَصْنامٍ أوثان لَهُمْ قال ابن جريج كانت تماثيل بقر وذلك أول شان العجل وكذا اخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جبير وزاد من نحاس والقوم قيل كانوا من العمالقة الذين امر موسى بقتالهم واخرج ابن ابى حاتم وابو الشيخ من ابن عمر ان الجونى قال هم لخم وجذام وقال البغوي قال قتادة كان أولئك القوم من لخم وكانوا نزولا بالرقة فقالت بنو إسرائيل لما رأوا ذلك قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً اى مثالا نعبده كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ما كافة للكاف ولذلك وقعت الجملة بعدها قال البغوي ولم يكن ذلك شكا من بنى إسرائيل فى وحدانية الله تعالى وانما معناه اجعل لنا شيئا نعظمه ونتقرب الى الله بتعظيمه وظنوا ان ذلك لا يضر الديانية وكان ذلك لخفة عقلهم وشدة جهلهم ولذلك قالَ لهم موسى تعجبا من قولهم على اثر ما رأوا من الآيات إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ وصفهم بالجهل وأكده بقوله. إِنَّ هؤُلاءِ القوم مُتَبَّرٌ اى مهلك ما هُمْ فِيهِ يعنى الله يهدم دينهم الذي هم عليه ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضا وَباطِلٌ مضمحل ما كانُوا يَعْمَلُونَ من عبادتها يعنى ليس ذلك مقربا الى الله تعالى بالغ فى هذا الكلام بايقاع هؤلاء اسم ان والاخبار عما هم فيه بالتبار وعما فعلوا بالبطلان وتقديم الخبرين فى الجملتين الواقعين خبر الان للتنبيه على ان الذمار لاحق لما هم فيه لا محالة لا يعدوهم وان الإحباط الكلى لازم لما مضى عنهم تنقيرا وتحذيرا عما طلبوا ثم. قالَ

[سورة الأعراف (7) : الآيات 141 إلى 142]

موسى توبيخا وتعجبا أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً اطلب لكم معبودا وَهُوَ اى الله سبحانه فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ اى عالمى زمانكم يعنى والحال انه خصكم بنعم لم يعطها غيركم وفيه تنبيه على سوء مقابلتهم حيث قابلوا تخصيص الله إياهم من بين أمثالهم بما لم يستحقوه تفضلا بما قصدوا ان يشركوا به احسن شىء من مخلوقاته وهو ليس كمثله شىء عن واقد الليثي قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قبل حنين فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة يعكفون حولها فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم الله اكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا الها كما لهم الهة انكم تركبون سنن من قبلكم رواه البغوي بسنده واذكروا صنيعه معكم الان. إِذْ أَنْجَيْناكُمْ قرأ ابن عامر من الافعال على الغيبة وهكذا فى مصاحف اهل الشام والباقون أنجيناكم على التكلم والتعظيم مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ استيناف لبيان ما أنجاهم منه او حال من المخاطبين او من ال فرعون او منها سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ قرأ نافع بفتح الياء واسكان القاف وضم التاء الفوقانية من المجرد والباقون بضم الياء وفتح القاف وكسر التاء مشددا من التفعيل للتكثير أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ جملة يقتلون مع ما عطف عليه بدل من يسومونكم مبين له وَفِي ذلِكُمْ العذاب او الانجاء بَلاءٌ محنة او نعمة مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ وَواعَدْنا مُوسى قرأ ابو عمرو وعدنا من المجرد والباقون من المفاعلة ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ اخرج ابن ابى حاتم عن ابى العالية يعنى ذى القعدة وعشرا من ذى الحجة قال السيوطي وعد الله موسى ان يكلمه عند انتهاء ثلثين ليلة وقال البغوي وعد موسى بنى إسرائيل وهم بمصر ان الله إذا أهلك عدوهم أتاهم بكتاب فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما فعل الله ذلك سال موسى ربه الكتاب فامر الله عز وجل ان يصوم ثلثين يوما فلما تمت ثلثون وجد خلوفا فتسوك بعود خروب وقال ابو العالية أكل من لحاء شجرة فقالت له الملئكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فافسدته بالسواك فامر الله ان يصوم عشرة ايام من ذى الحجة وقال اما علمت ان خلوف فم الصائم أطيب عندى من ريح المسك وكانت فتنتهم فى العشر الذي زاده وكذا اخرج الديلمي عن ابن عباس معناه فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ اى وقت وعده بكلامه وإيتاء الكتاب أَرْبَعِينَ حال لَيْلَةً تميز وَقالَ مُوسى عند انطلاقه الى الجبل للمناجاة لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي اى كن خليفتى فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ما يجب ان يصلح

[سورة الأعراف (7) : آية 143]

من أمورهم او كن مصلحا او أصلحهم بحملك إياهم على طاعة الله وقال ابن عباس يريد الرفق بهم والإحسان إليهم وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ يعنى لا تتبع من عصى الله ولا تطع من دعاك الى المعصية والإفساد. وَلَمَّا جاءَ مُوسى الى طور سيناء لِمِيقاتِنا اللام للاختصاص اى اختص مجيئه لميقاتنا اى وقتنا الذي وقتنا له ان أكلمه فيه قال اهل التفسير ان موسى عليه السّلام تطهر وطهر ثيابه لميعاد ربه وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ فى القصة ان الله انزل ظلمة على سبعة فراسخ وطرد عنه الشياطين وطوّر هو أم الأرض ونحى عنه الملكين وكشط له السماء فراى الملئكة قياما فى الهواء ورأى العرش بارزا فكلمه الله وناجاه حتى أسمعه وكان جبرئيل معه فلم يسمع ما كلمه ربه حتى سمع صرير القلم قال البيضاوي روى ان موسى كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة قلت معناه انه لا يسمع من جهة وكان كلما يتوجه الى جهة من الجهات يسمع ذلك الكلام بلا جهة من غير تفاوت فاستجلى موسى كلام ربه واشتاق الى رويته وقالَ رَبِّ أَرِنِي نفسك أَنْظُرْ إِلَيْكَ قال الحسن هاج به الشوق قال الروية ظنا منه انه يجوز ان يرى فى الدنيا يعنى قياسا على الروية فى الاخرة قالَ الله تعالى لَنْ تَرانِي وليس لبشران يطيق النظر الىّ فى الدنيا من نظر الىّ فى الدنيا مات فقال الهى سمعت كلامك فاشتقت الى النظر إليك ولان انظر إليك ثم أموت أحب الى من ان اعيش ولا أراك قال السيوطي التعبير بلن ترانى دون لا ارى يفيد إمكان الروية فقال الله تعالى وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ الاية وهو أعظم جبل بمدين يقال له زبير قال السدى لما كلم الله تعالى موسى غاص الخبيث إبليس فى الأرض حتى خرج بين قدمى موسى فوسوس اليه وقال ان من كلمك شيطان فعند ذلك سأل الروية وفى هذه الاية دليل على إمكان الروية فى الدنيا لان طلب المستحيل من الأنبياء محال خصوصا ما يقتضى الجهل بالله تعالى وقوله لن ترانى فيه دليل على عدم الوقوع له ما دامت الدنيا لا على عدم الوقوع له ولغيره فضلا من عدم الإمكان والظاهر ان موسى قبل نزول قوله لن ترانى كان لا يعرف عدم الوقوع فى الدنيا وليس هذا جهلا بالله تعالى بل ببعض أحكامه كما ان نوحا عليه السلام سأل ربه نجاة ابنه وابراهيم عليه السلام سأل مغفرة أباه ومحمدا صلى الله عليه واله وسلم سأل مغفرة ابى طالب حتى نزل قوله تعالى وما كان للنبى والذين أمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولى قربى الاية وسأل مغفرة بعض المنافقين حتى نزل استغفر لهم او لا تستغفر لهم

ان تستغفر لهم سبعين مرة وحتى نزل ولا تصل على أحد منهم مات ابدا ولا تقم على قبره كل ذلك لعدم اطلاعهم على عدم وقوع الاستجابة مع كفر المدعو لهم واستدل نفاة الروية بقوله تعالى لن ترانى قالوا لن للتأبيد قلنا ليس كذلك بل هى لتاكيد نفى الروية المسئولة فى الدنيا الا ترى ان قوله تعالى ولن يتمنوه ابدا اخبار عن اليهود وقد اخبر عن الكفرة بتمنيهم الموت فى الاخرة حيث قال ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك وقال يا ليتها كانت القاضية ويقول الكفر يليتنى كنت ترابا والقول بان سوال موسى عليه السلام الروية كان لتبكيت قومه حين قالوا أرنا الله جهرة خطأ فاحش فان ذلك وقعة اخرى وقد عذبهم الله تعالى على ذلك القول فاخذتهم الصاعقة بظلمهم حيث لم يكونوا مستحقين لها ولم يكن أحدا من قوم موسى معه حين كلمه الله تعالى وأعطاه التورية وسأل ربه الروية ولم يعاتب على موسى على ذلك السؤال لاستحقاقه وانما نفى الروية لعدم احتمالها للنية الدنيوية وقال ولكن انظر الى الجبل الاية وايضا لو كانت الروية ممتنعة وكان هذا السؤال لتبكيت قومه لوجب على موسى ان تجهلهم ويزيح شبهتهم كما فعل بهم حين قالوا اجعل لنا الها وكيف يتبع موسى سبيلهم لو كان ممتنعا وقد قال لاخيه ولا تتبع سبيل المفسدين وقوله تعالى ولكن انظر الى الجبل فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي استدراك يريد ان يبين به انه لا يطيقه كما لا يطيق الجبل وفى تعليق الروية بالاستقرار ايضا دليل على الجواز ضرورة ان المعلق على الممكن ممكن قال وهب وابن اسحق لما سأل موسى ربه الروية أرسل الله الضباب «1» والصواعق والظلمة والرعد والبرق وأحاطت بالجبل الذي عليه موسى الى اربعة فراسخ من كل جانب وامر الله تعالى ملئكة السموات ان يعترضوا على موسى فمرت به ملئكة السماء الدنيا كثيران «2» البقر تتبع أفواههم بالتسبيح والتقديس بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد ثم امر الله ملئكة السماء الثانية ان اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه فهبطوا عليه أمثال الأسود لهم لجب «3» بالتسبيح والتقديس ففزع العبد الضعيف ابن عمران مما راى وسمع واقشعرت كل شعرة فى راسه وجسده ثم قال لقد ندمت على مسألتى فهل يجنبنى من مكانى الذي انا فيه شىء فقال خير الملئكة وراسهم يا موسى اصبر لما سألت فقليل من كثير ما رأيت ثم امر الله تعالى ملئكة السماء الثالثة ان اهبطوا على موسى واعترضوا عليه فهبطوا أمثال الأسود لهم قصف «4»

_ (1) الضباب اى السحاب الرقيق 12 (2) كثيران جمع ثور اى الذكر من البقر 12 (3) لجب الصياح واضطراب موج البحر 12 قاموس (4) قصف اى كسر وقصف الرعد اى صار صوته شديدا 12 [.....]

ورجف ولجب شديد وأفواههم تتبع بالتسبيح والتقديس كجلب «1» الجيش العظيم ألوانهم كلهب النار ففزع موسى واشتد نفسه وايس من الحيوة فقال له خير الملئكة يا ابن عمران مكانك حتى ترى ما لا تصبر عليه ثم امر الله تعالى ملئكة السماء الرابعة ان اهبطوا واعترضوا على موسى ابن عمران وكان لا يشبههم شىء من الذين مروا به قبلهم ألوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج الأبيض أصواتهم عالية بالتسبيح والتقديس لا يقاربهم شىء من أصوات الذين مروا به قبلهم فاصطكت «2» ركبتاه وارعد «3» قلبه واشتد بكاؤه فقال له خير الملئكة وراسهم يا ابن عمران اصبر لما سالت فقليل من كثير ما رايت ثم امر الله تعالى ملئكة السماء الخامسة ان اهبطوا واعترضوا على موسى فهبطوا عليه لهم سبعة ألوان فلم يستطع موسى ان يتبعهم بصره لما لم ير مثلهم ولم يسمع مثل أصواتهم فامتلأ جوفه واشتد حزنه وكثر بكاؤه فقال له خير الملئكة يا ابن عمران مكانك حتّى ترى ما لا تصبر عليه ثم امر الله ملئكة السماء السادسة ان اهبطوا على عبدى الذي طلب ليرانى فاعترضوا عليه وفى يد كل ملك مثل النخلة الطويلة نار أشد ضوء من الشمس ولباسهم كلهب النار إذا سبحوا وقدسوا جاءوا بهم من كان قبلهم من ملئكة السموات كلهم يقولون لشدة أصواتهم سبوح قدوس رب الملئكة والروح رب العزة ابدا لا يموت فى راس كل ملك منهم اربعة أوجه فلما راهم موسى رفع صوته ليسبح حين سبحوا وهو يبكى ويقول رب اذكرني ولا تنس عبدك لا أدرى انفلت مما انا فيه أم لا ان خرجت احترقت وان مكثت مت فقال له كبير الملئكة وراسهم قد اوشكت يا ابن عمران ان يشتد خوفك وينخلع قلبك فاصبر للذى سألت ثم امر الله ان يحمل عرشه فى ملئكة السماء السابعة فلما بدأ نور العرش انفرج الجبل من عظمة الرب جل جلاله فرفعت ملئكة السماء أصواتهم جميعا يقولون سبحان الملك القدوس رب العزة ابدا لا يموت فارتج الجبل بشدة أصواتهم واندكت كل شجرة كانت فيه وخر العبد الضعيف موسى صعقا على وجهه ليس معه روحه فارسل الله برحمته الروح فتغشاه وقلب عليه الحجر الذي كان عليه موسى وجعل كهيئة القبة لئلا يحترق موسى فاقامه الروح مثل الام فقام موسى يسبح الله ويقول امنت بك ربى وصدقت انه لا يراك أحد فيحيى من نظر الى ملئكتك انخلع قلبه فما أعظم ملئكتك أنت رب الأرباب واله الالهة وملك الملوك ولا يعدلك شىء ولا يقوم لك شىء رب تبت إليك الحمد لك لا شريك لك ما أعظمك و

_ (1) اى اختلاط الصوت 12 (2) فاصطكت اى اضطربت 12 (3) ارعد اى اضطرب 12

ما أجلك رب العالمين فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ اى ظهر وانكشف بعض أنواره قال السيوطي اظهر من نوره قدر نصف انملة الخنصر كذا فى حديث صححه الحاكم لِلْجَبَلِ قالت الصوفية التجلي ظهور الشيء فى المرتبة الثانية كظهور زيد فى المرآة وليس هو روية الذات فان الله سبحانه لما نفى الروية لموسى بالتاكيد مع كونه أقوى استعدادا من الجبل لا يتصور حصوله للجبل قال الله تعالى انا عرضنا الامانة على السموات والأرض والجبال فابين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان قال ابن عباس ظهر نوره للجبل وقال الضحاك اظهر الله من نوره الحجب مثل منخر ثور وقال عبد الله ابن سلام وكعب الأحبار ما تجلى من عظمة الله للجبل الأمثل سم الخياط حتى صار دكا وقال السدى ما تجلى الا قدر الخنصر يدل عليه ما روى احمد والترمذي والحاكم وصححاه عن ثابت عن انس ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قرأ هذه الاية وقال هكذا ووضع الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر فساخ «1» الجبل وخر موسى صعقا واخرج ابو الشيخ بلفظ وأشار بالخنصر فمن نورها جعله دكا وحكى عن سهل بن سعد الساعدي ان الله اظهر من سبعين الف حجاب من نور قدر الدرهم فجعل الدرهم للجبل دكا جَعَلَهُ دَكًّا قرأ حمزة والكسائي دكاء بالمد والهمز بغير تنوين اى أرضا مستوية ومنه ناقة دكاء التي لاسنام لها وقرأ الباقون دكا بالتنوين بغير همز اى مدكوكا مفتتا والدك والدق اخوان قال فى القاموس الدك والدق والهدم ما استوى من الرمل قال ابن عباس جعله ترابا قال ساخ الجبل فى الأرض حتّى وقع فى البحر فهو يذهب فيه وقال عطية العوفى صار رملا هائلا وقال الكلبي جعله دكا اى كسر اجبالا صغارا قال البغوي وقع فى التفاسير صارت لعظمته ستة اجبل وقعت ثلثة بالمدينة أحد وورقان ورضوى ووقعت ثلثة بمكة ثور وثبير وحراء قال السعاف فى تخريج البيضاوي اخرج ابن مردوية عن على بن ابى طالب رضى الله عنه فى قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال اسمع موسى قال له اننى انا الله قال وذاك عشية عرفة وكان الجبل بالموقف فانقطع على سبع قطع قطعة أسقطت بين يديه وهو الذي يقوم الامام عنده فى الموقف وبالمدينة ثلثة طيبة واحد ورضوى وطور سيناء بالشام وانما سمى الطور لانه طار فى الهواء الى الشام قلت هذه الرواية غريبة جدا فان تكلم الله تعالى بموسى عليه السلام وإعطائه التورية كان بالشام على طور سينا دون مكة والله اعلم وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً قال ابن عباس والحسن مغشيا عليه

_ (1) ساخ سوخا وسواخا وسوخاتا سار رويدا 12 قاموس

[سورة الأعراف (7) : آية 144]

وقال قتادة ميتا قال الكلبي خر موسى صعقا يوم الخميس يوم عرفة فاعطى التورية يوم الجمعة يوم النحر قال الواقدي لما خر موسى صعقا قال ملئكة السموات ما لابن عمران وسوال الروية فَلَمَّا أَفاقَ موسى من صعقته قالَ تعظيما لما راى سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ من الجرأة والاقدام على السؤال بغير اذن وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ لان ايمان كل نبى مقدم على ايمان أمته. قالَ الله تعالى يا مُوسى إِنِّي قرأ ابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بالإسكان اصْطَفَيْتُكَ اى اخترتك عَلَى النَّاسِ الموجودين فى زمانك بِرِسالاتِي قرأ نافع وابن كثير برسالتى على التوحيد والباقون على الجمع وَبِكَلامِي اى بتكليمى إياك فَخُذْ ما آتَيْتُكَ أعطيتك من الرسالة وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وفى القصة ان موسى بعد ما كلمه ربه لا يستطيع أحد ان ينظر اليه لما غشى وجهه من النور ولم يزل على وجهه برقع حتى مات وقالت له امرأته انا ايم منك منذ كلمك ربك فكشف لها عن وجهه فاخذها مثل شعاع الشمس فوضعت يدها على وجهها وخرت لله ساجدة وقالت ادع الله ان يجعلنى زوجتك فى الجنة قال ذلك لك ان لم تتزوجى بعدي فان المرأة لاخر أزواجها وروى البغوي بسنده عن كعب الأحبار ان موسى نظر فى التورية فقال رب انى أجد امة خير الأمم أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله وبالكتاب الاول وبالكتاب الاخر ويقاتلون اهل الضلالة حتّى يقاتلون الأعور الدجال رب اجعلهم أمتي قال يا موسى هى امة محمد صلى الله عليه واله وسلم قال رب انى أجد امة هم الحمادون رعاة الشمس المحكمون إذا أرادوا امرا قالوا نفعل إنشاء الله فاجعلهم أمتي قال هى امة محمد صلى الله عليه واله وسلم قال رب انى أجد امة يأكلون كفاراتهم وصدقاتهم وكان الأولون يحرقون صدقاتهم بالنار وهم المستجيبون والمستجاب لهم الشافعون المشفع لهم فاجعلهم أمتي قال هى امة محمد صلى الله عليه واله وسلم فقال انى أجد امة إذا اشرف أحدهم على شرف كبر الله وإذا هبط واديا حمد الله الصعيد لهم طهور والأرض لهم مسجد حيث ما كانوا يتطهرون من الجنابة طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء غر محجلون من اثار الوضوء فاجعلهم أمتي قال هى امة محمد صلى الله عليه واله وسلم فقال رب انى أجد أمة إذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة مثلها وان عملها ضعف عشر أمثالها الى سبعمائة ضعف وإذا همّ بسيئة ولم يعملها لم يكتب

[سورة الأعراف (7) : آية 145]

عليه وان عمل كتبت له سيئة مثلها فاجعلهم أمتي قال هى امة احمد صلى الله عليه واله وسلم فقال رب انى أجد امة مرحومة ضعفاء يرثون الكتاب من الذين اصطفيتهم فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فلا أجد منهم الا مرحوما فاجعلهم أمتي قال هى امة احمد صلى الله عليه واله وسلم فقال انى أجد امة مصاحفهم فى صدورهم يلبسون ألوان ثياب اهل الجنة يصفون فى صلوتهم صفوف الملئكة أصواتهم فى مساجدهم كدوى النحل لا يدخل النار أحد منهم ابدا الا من برى من الحسنات مثل ما برى الحجر من ورق الشجر فاجعلهم أمتي قال هى امة احمد صلى الله عليه واله وسلم فلما عجب موسى من الخير الذي اعطى الله محمدا صلى الله عليه واله وسلم وأمته قال يا ليتنى من اصحاب محمد صلى الله عليه واله وسلم فاوحى الله عز وجل بثلث يرضيه بهن يا موسى انى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامي الى قوله ساوريكم دار الفاسقين ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون قال فرضى موسى عليه السلام كل الرضاء. وَكَتَبْنا لَهُ اى لموسى فِي الْأَلْواحِ كانت سبعة او عشرة قال ابن عباس يعنى الواح التورية وفى الحديث كانت من سدر الجنة طول اللوح اثنى عشر ذراعا أخرجه ابو الشيخ من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده وجاء فى الحديث خلق الله عز وجل آدم عليه السلام بيده وكتب التورية بيده وغرس شجرة طوبى بيده وقال الحسن كانت الألواح من خشب وقال الكلبي كانت من زبرجدة خضراء وقال سعيد بن جبير كانت من ياقوت احمر وكذا اخرج الطبراني وابو الشيخ عن كعب وقال الربيع بن انس كانت الألواح من زبرجد وقال ابن جريح كانت زمردا امر الله تعالى جبرئيل عليه السلام حتى جاء بها من عدن فكتبها بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور واخرج ابو الشيخ عن ابن جريج انها كانت من زمرد او زبرجد قال وهب امر الله بقلع الألواح من صخرة صماء لينها الله تعالى له فقطعها بيده ثم شققها بيده وسمع موسى عليه السلام صرير القلم بالكلمات العشرة وكان ذلك فى أول يوم من ذى القعدة وكانت الألواح عشرة اذرع على طول موسى عليه السلام وقال مقاتل ووهب وكتبنا فى الألواح كنقش الخاتم وقال الربيع بن انس نزلت التورية وهى سبعون وقر بعير يقرء الجزء منه فى سنة لم يقرأه الا اربعة نفر موسى ويوشع وعزير وعيسى وقال الحسن هذه الاية فى التورية الف اية يعنى قوله تعالى وكتبنا له فى الألواح مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مما يحتاجون اليه من امر الدين مَوْعِظَةً الموعظة التذكير والتحذير مما يخاف عاقبته قال فى القاموس وعظه موعظة ذكره

[سورة الأعراف (7) : آية 146]

ما يلين قلبه من الثواب والعقاب وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ اى تبيانا لكل شىء من الأمر والنهى والحلال والحرام والحدود والاحكام بدل من الجار والمجرور اى كتبنا كل شىء من المواعظ وتفصيل الاحكام فَخُذْها عطف على كتبنا بإضمار القول او بدل من قوله فخذ ما أتيتك والضمير راجع الى الألواح او الى كل شىء فانه بمعنى الأشياء او للرسالات بِقُوَّةٍ اى بجد واجتهاد وقيل بقوة القلب وصحة العزيمة لانه إذا اخذه بضعف النية رده الى الفتور وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها اى بما هو بالغ فى الحسن مطلقا وليس افعل للتفضيل بالاضافة فان كل ما هو فى كتاب الله حسن بالغ فى الحسن لا يحتمل النقيض ولا يجوز ان يكون شىء احسن منه فهو كقولهم الصيف أحر من الشتاء كذا قال قطرب وقال عطاء عن ابن عباس يحلوا حلالها ويحرموا حرامها ويتدبروا ويتعظوا بامثالها ويعملوا بحكمها ويقفوا عند متشابهها وقيل المراد بأحسنها الفرائض والنوافل يعنى ما يستحق عليه الثواب وما دونها المباح لانه لا يستحق عليها الثواب وقيل بالعزيمة دون الرخصة وبأحسن الامرين فى كل شىء كالعفو احسن من القصاص والصبر احسن من الانتصار سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ تحذيرا من ان لا تأخذوا بكتاب الله تعالى فتكونون مثلهم والمراد بدار الفاسقين دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها كذا قال عطية العوفى وقال السدى مصارع الكفار وقال الكلبي وقتادة ما مروا عليه إذا سافروا من منازل عاد وثمود والقرون الذين اهلكوا وقال مجاهد والحسن وعطاء دار الفاسقين مصيرهم فى الاخرة يعنى جهنم. سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ قرأ ابن عامر وحمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها والمعنى ساصرف عن التفكر فى آياتي التي فى الآفاق والأنفس وعن الاعتبار بها وقيل معناه ساصرفهم عن ابطال آياتي المنزلة والمعجزات وان يطفئوا نور الله بأفواههم كما فعل فرعون فعاد عليه باعلائها او باهلاكهم والله متم نوره ولو كره الكافرون او المعنى ساصرف عن قبول آياتي المنزلة فى الكتاب والتصديق بها بالحرمان عن الهداية لعنادهم الحق نظيره قوله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم كذا قال ابن عباس وقال سفيان سامنع عن فهم القران ودرك عجائبه الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ ويتجبرون على عبادى ويحاربون أوليائي بِغَيْرِ الْحَقِّ صلة يتكبرون اى يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل او حال من فاعله فحكم الاية عام بجميع الكفار وقيل حكم الاية خاص وأراد بالآيات الآيات التسع التي أعطاها الله تعالى

[سورة الأعراف (7) : آية 147]

موسى عليه السلام وَإِنْ يَرَوْا هؤلاء المتكبرون كُلَّ آيَةٍ منزلة او معجزة او منصوبة لدرك الحق لا يُؤْمِنُوا بِها لعنادهم او اختلال عقلهم بسبب انهماكهم فى الهوى والتقليد وبما طبع الله على قلوبهم وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ اى الهدى والسداد بإراءة الأنبياء والعلماء لا يَتَّخِذُوهُ لانفسهم سَبِيلًا لاستيلاء الشيطنة عليهم قرأ حمزة والكسائي الرشد بفتح الراء والشين والآخرون بضم الراء وسكون الشين وهما لغتان وثالثهما الرشاد كالسقم والسّقم والسّقام وكان ابو عمر يفرق بينهما فيقول الرشد بالضم الصلاح فى الأمر وبالفتح الاستقامة فى الدين وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ اى طريق الضلالة بإراءة النفس والشيطان يَتَّخِذُوهُ لانفسهم سَبِيلًا ذلِكَ الصرف محله الرفع بالابتداء والظرف المستقر بعده خبره أو محله النصب على المفعولية مفعولا مطلقا من قوله تعالى ساصرف والظرف متعلق به بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم كَذَّبُوا بِآياتِنا المنزلة والمعجزات وعدم تدبرهم فى خلق الأرض والسموات وَكانُوا عَنْها اى عن الآيات غافِلِينَ لاهين ساهين او غافلين غفلة عناد. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ اى لقائهم الدار الاخرة او ما وعد الله فى الاخرة من الثواب والعقاب حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الحسنة من انفاق المال وصلة الرحم وغير ذلك فهم لا ينتفعون بها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء هَلْ يُجْزَوْنَ الاستفهام للانكار اى ما يجزون فى الاخرة إِلَّا جزاء ما كانُوا يَعْمَلُونَ فى الدنيا عملا معتدا به عند الله تعالى وهو ما كان لله تعالى مخلصا له الدين وهم لم يعملوا كذلك او المعنى ما يجزون الاجزاء ما كانوا يعملون من السيئات فان أعمالهم كلها سيات ليس شىء منها حسنة فان العبادة إذا كان لغير الله تعالى فهو أسوأ السيئات والانفاق وصلة الرحم إذا لم يكن لله تعالى كان اعانة للكفار على الكفر ومعاداة الله تعالى او خطأ لنفسه. وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى بنو إسرائيل مِنْ بَعْدِهِ اى بعد ذهابه لميقات ربه بعد ثلثين ليلة إذا زيدت فى الميقات عشرا مِنْ حُلِيِّهِمْ التي استعاروها من قوم فرعون بعلة عرس حين هموا بالخروج من مصر فبقى عندهم واضافتها إليهم لانها كانت فى أيديهم وملكوها بعد هلاكهم قرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء بالاتباع كدلى والباقون غير يعقوب بالضم وهو جمع حلى كثدى وثدى بالفتح والضم وقرأ يعقوب بفتح الحاء وسكون اللام وكسر الياء مخففا على الافراد بارادة الجنس عِجْلًا مفعول أول لاتخذ والمفعول الثاني محذوف

[سورة الأعراف (7) : الآيات 149 إلى 150]

يعنى الها يعبدونه جَسَداً اى بدنا بدل من عجلا قال ابن عباس والحسن وقتادة وجماعة من المفسرين صوغه السامري فالقى فى فمه من تراب اثر فرس جبرئيل عليه السلام فصار ذا لحم ودم كما قال الله تعالى حكاية عن السامري بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من اثر الرسول فنبذتها الاية وسنذكر قصة السامري وسبب معرفته جبرئيل فى سورة طه إنشاء الله تعالى لَهُ خُوارٌ اى صوت البقر قيل ما خار إلا مرة واحدة وقيل كان يخور كثيرا فكلما خار سجدوا له وإذ سكت رفعوا رؤسهم وقال وهب كان يسمع منه الخوار ولا يتحرك وقال السدى كان يخور ويمشى وقيل كان جسدا من الذهب لا روح فيه صاغه بنوع من الحيل فيدخل الريح فى جوفه فيسمع منه صوت كخوار البقر وهذا القول يرده ما تلونا أَلَمْ يَرَوْا هؤلاء الحمقاء حين اتخذوه الها وعبدوه أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا يعنى لا يقدر على ما يقدر عليه احاد البشر فكيف حسبوه خالق السموات والأرض وما فيهما من الأجسام والقوى اتَّخَذُوهُ تكرير للذم اى اتخذوه الها وَكانُوا ظالِمِينَ اى واضعين الأشياء فى غير مواضعها ومن ثم وضعوا العبادة للعجل فى موضع الاستخدام. وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ سقط مسند الى الظرف وهو كناية من ان اشتد ندمهم فان النادم المتحسر يعض يده غما فيصير يده مسقوطا فيه يقول العرب لكل نادم قد سقط فى يده وقال الزجاج معناه سقط الندم فى أيديهم اى فى قلوبهم وأنفسهم كما يقال حصل فى يده مكروه وان استحال ان يكون فى اليد تشبيها لما يحصل فى القلب والنفس بما يحصل فى اليد ويرى بالعين والحاصل انهم ندموا على عبادة العجل حين جائهم وعاتبهم موسى عليه السلام وَرَأَوْا علموا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا باتخاذ العجل تابوا وقالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا بقبول التوبة وَيَغْفِرْ لَنا بالتجاوز عن الخطيئة قرأ حمزة والكسائي ترحمنا وتغفر لنا بالتاء الفوقانية على الخطاب ونصب ربنا على النداء والباقون بالتحتانية على الغيبة والرفع على الفاعلية لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ بعد انقضاء أربعين ليلة الميقات غَضْبانَ من جهتهم أَسِفاً قال ابو الدرداء يعنى شديد الغضب وقال ابن عباس والسدى شديد الحزن وفى القاموس الأسف أشد الحزن وأسف عليه غضب قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي اى فعلتم فعلا مذموما حيث عبدتم العجل والخطاب لعبدة العجل او قمتم مقامى قياما مذموما حيث لم تكفوا العبدة من بنى إسرائيل والخطاب لهرون

[سورة الأعراف (7) : آية 151]

عليه السلام والمؤمنين معه وما نكرة موصوفة تفسير للمستكن فى بئس والمخصوص بالذم محذوف اى بئس خلافة خلفتمونى خلافتكم مِنْ بَعْدِي اى بعد ذهابى لميقات ربى او بعد ما رأيتم منى من التوحيد والتنزيه والحمل عليه والكف عما ينافيه قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ يعنى تركتموه غير تام ولما تضمن عجل معنى سبق عدى تعديته او المعنى أعجلتم وعد ربكم الذي وعدنيه من الأربعين وقدرتم موتى وغيرتم بعدي كما غيرت الأمم بعد الأنبياء واصل العجلة طلب الشيء قبل حينه وَأَلْقَى الْأَلْواحَ التي جاء بها فيها التورية القاها على الأرض من شدة الغضب لربه اخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال اعطى موسى التوراة فى سبعة الواح من زبرجد فيها تبيان كل شىء وموعظة فلما جاء بها ورأى بنى إسرائيل عكوفا على عبادة العجل رمى بالتورية من يده فتخطت يعنى تكسرت فرفع الله تعالى منها ستة اسباع وبقي سبع قال البغوي فرفع ما كان من اخبار الغيب وبقي ما فيه الموعظة والاحكام والحلال والحرام عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليس الخبر كالمعاينة ان الله تعالى اخبر موسى بما صنع قومه فى العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا القى الألواح فانكسرت رواه احمد والطبراني فى الأوسط والحاكم بسند صحيح وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ هارون اى بشعر راسه قال البغوي بذوائبه ولحيته يَجُرُّهُ إِلَيْهِ توهما بانه قصر فى كفهم وهارون كان اكبر من موسى عليهما السلام بثلث سنين وأحب الى بنى إسرائيل من موسى لانه كان لين الغضب قالَ هارون ابْنَ أُمَّ ذكر الام لرفقه وكان من اب وأم قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم بكسر الميم وأصله يا ابن أمي حذف حرف النداء ثم حذف الياء اكتفاء بالكسرة تخفيفا كالمنادى المضاف الى ياء المتكلم والباقون بفتحها زيادة فى التخفيف لطوله وتشبيها بخمسة عشر إِنَّ الْقَوْمَ يعنى عبدة العجل اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا وهموا وقاربوا ان يَقْتُلُونَنِي يعنى بذلت سعى فى كفهم حتى قهرونى واستضعفوني وقاربوا ان يقتلوننى فلا تتوهم التقصير فى كفهم منى فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ اى لا تفعل بي ما يفرحوا به والشماتة الفرح ببلية العدو كذا فى القاموس وَلا تَجْعَلْنِي فى موجدتك علىّ والانتقام مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعنى عبدة العجل. قالَ موسى رَبِّ اغْفِرْ لِي ما صنعت بأخي وَلِأَخِي ان فرط فى كفهم والظاهر ان المقصود الاستغفار لاخيه ضم اليه نفسه ترضية له ودفعا للشماتة

[سورة الأعراف (7) : آية 152]

عنه ولان سنة الاستغفار لغيره ان يبدأ بالاستغفار لنفسه دفعا لتزكية النفس ولان الدعاء بعد الاستغفار قرب الى الاجابة فان الذنوب مانعة من الاجابة ومن ثم ورد فى دعاء الجنازة اللهم اغفر لحينا وميتنا قدم الاستغفار للاحياء لكونه منهم وفى الدعاء لاهل القبور يغفر الله لنا ولكم وقال الله تعالى لنبيه مع كونه معصوما واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات حتى يبقى منه سنة فى أمته وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ اى عصمتك فى الدنيا ورحمتك فى الاخرة وبمزيد الانعام علينا فى الدارين وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فانت ارحم إلينا من أنفسنا علينا. إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ الها سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ اى عذاب وهو ما أمرهم به من قتل أنفسهم وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وهى خروجهم من ديارهم فعلى هذا السين فى قوله سينالهم للاستقبال بالنسبة الى زمان غضب موسى عليه السلام عليهم على سبيل الحكاية وقال عطية العوفى ان الذين اتخذوا العجل أراد به اليهود الذين كانوا فى زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم عيرهم بصنيع ابائهم وقال بالنسبة إليهم سينالهم فى الاخرة غضب من ربهم وينالهم ذلة فى الدنيا يعنى ما أصاب بنى قريظة والنضير وغيرهم من القتل والاجلاء قال ابن عباس هو الجزية وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ قال ابو قلابة هو والله جزاء كل مفتر الى يوم القيامة ان يذله الله تعالى قال سفيان بن عيينة هذا فى كل مبتدع الى يوم القيامة. وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا يعنى الذين عبدوا العجل من قوم موسى ثم تابوا وأمنوا وقتلوا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها اى بعد التوبة لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وان كان الذنوب عظيمة متكثرة ان مع اسمها وخبرها خبر للموصول. وَلَمَّا سَكَتَ اى سكن عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ باعتذار هارون وندامة قومه وتوبتهم وفى هذا الكلام مبالغة من حيث انه جعل الغضب الحامل له على ما فعل كالامر به والمغرى عليه حق عبر عن سكونه بالسكوت أَخَذَ الْأَلْواحَ التي القاها وقد ذهب ستة اسباعها وَفِي نُسْخَتِها قيل أراد بها اللوح لانها نسخت من اللوح المحفوظ وقيل ان موسى لما القى الألواح تكسرت فنسخ منها نسخة اخرى وقيل معناه فيما نسخ فيها اى كتب فهو فعلة بمعنى المفعول كالخطبة وقال عطاء فيما بقي منها قال ابن عباس وعمرو بن دينار ولما القى موسى الألواح فتكسرت صام أربعين يوما فردت اليه

[سورة الأعراف (7) : آية 155]

فى لوحين هُدىً من الضلالة وبيان للحق وَرَحْمَةٌ من العذاب لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ اى يخافون ربهم اللام فى لربهم زيدت للتاكيد كقوله تعالى ردف لكم وقال الكسائي دخلت اللام لضعف الفعل بالتأخير كقوله للرويا تعبرون وقال قطرب اللام بمعنى من يعنى من ربهم يرهبون وقيل أراد راهبون لربهم وقيل اللام للتعليل والتقدير يرهبون من معاصى لربهم. وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ اى من قومه حذف الجار وأوصل الفعل اليه فانتصيب بنزع الخافض سَبْعِينَ رَجُلًا ممن لم يعبدوا العجل لِمِيقاتِنا اى للوقت الذي وعدنا بإتيانهم روى انه تعالى امر موسى ان يأتيه فى سبعين من بنى إسرائيل يعتذرون اليه من عبادة العجل فاختار من كل سبط ستة فزاد اثنان فقال ليتخلف منكم رجلان فتشاحوا فقال ان لمن قعد اجر من خرج فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين فلما دنوا من الجبل غشيهم غمام فدخل موسى بهم الغمام وخروا سجدا فسمعوه يكلم موسى يأمره وينهاه ثم انكشف الغمام فاقبلوا عليه فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتهم الرجفة الصاعقة او رجفة الجبل فصعقوا منها اى ماتوا كذا قال السدى وقال ابن عباس ان السبعين الذين قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتهم الصاعقة كانوا قبل السبعين الذين اخذتهم الرجفة وانما امر الله سبحانه موسى عليه السلام ان يختار من قومه سبعين رجلا فاختارهم وبرزهم ليدعوا ربهم وكان فيما دعوا ان قالوا اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدا قبلنا ولا تعطه أحدا بعدنا فانكر الله ذلك من دعائهم فاخذتهم الرجفة وقال وهب لم تكن تلك الرجفة موتا ولكن القوم لما رأوا تلك الهيئة اخذتهم الرعدة وقلقوا ورجفوا حتى كادت ان تبين منهم مفاصلهم فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قال السيوطي قال ابن عباس اخذتهم الرجفة اى الزلزلة الشديدة لانهم لم يزالوا قومهم حين عبدوا العجل فلما رأى موسى عليه السلام ذلك رحمهم وخاف عليهم الموت واشتد عليه فقدهم وكانوا له وزراء على الخير سامعين مطيعين فعند ذلك دعا وبكى وناشد ربه تبارك وتعالى قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ تمنى هلاكهم وهلاكه قبل ان يرى ما راى بسبب اخر او عنى به انك قد قدرت على إهلاكهم قبل ذلك بحمل فرعون على إهلاكهم او باغراقهم فى البحر وغيرها فترحمت عليهم بالانقاذ منها فان ترحمت عليهم مرة فارحم عليهم مرة اخرى فانه

[سورة الأعراف (7) : آية 156]

لا مبعد من عميم إحسانك قيل معناه لو شئت أهلكتهم قبل خروجهم ليعاين بنوا إسرائيل ذلك ولا يتهمونى أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا من التجاسر على طلب الروية الذي فعله بعضهم او عبادة العجل قال المبرد قوله أتهلكنا بما فعل السفهاء منا استفهام استعطاف اى لا تهلكنا وقد علم موسى ان الله اعدل من ان يأخذ بجريمة أحد غيره إِنْ هِيَ يعنى طلبا لروية او عبادة العجل إِلَّا فِتْنَتُكَ اى ابتلاءك واختيارك حين اسمعتهم كلامك فطمعوا رويتك او إذا أوجدت فى العجل خوارا فزاغوا وخذلت أنفسهم وفيه اشارة الى قوله تعالى انا فتنّا قومك من بعدك فقال موسى تلك الفتنة التي أخبرتني بها أضللت بها قوما فافتتنوا وهديت قوما عصمتهم حتى ثبتوا على دينك تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ إضلاله بخذلانه حتى يتجاوز عن حده وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ هدايته فتقوى بها إيمانه أَنْتَ وَلِيُّنا ناصرنا وحافظنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة. وَاكْتُبْ لَنا اى أوجب لنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً اى توفيق الطاعة والنعمة والعافية وَفِي الْآخِرَةِ المغفرة والرحمة والجنة إِنَّا هُدْنا من هاد يهود إذا رجع يعنى تبنا إِلَيْكَ قال قتادة وابن جريح ومحمد بن كعب انما اخذتهم الرجفة لانهم لم يزابلوا قومهم حين عبدوا العجل ولم يأمروهم بالمعروف ولم ينهوهم عن المنكر والله اعلم قالَ الله تعالى فى جواب دعاء موسى عَذابِي قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ من خلقى تعذيبه وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ عمت كُلَّ شَيْءٍ فى الدنيا المؤمن والكافر بل المكلف وغيره وانما انتفت فى الاخرة عن الكفار لانهم أبوا ان يرحمهم الله تعالى وجعلوا له شركاء قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كل أمتي يدخلون الجنة الا من ابى قيل له ومن ابى قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصانى فقد ابى رواه البخاري قال عطية العوفى وسعت كل شىء ولكن لا يجب الا للذين يتقون وذلك لان الكافرين يرزقون ويدفع عنهم بالمؤمنين لسعة رحمة الله بالمؤمنين فيعيشون فيها فاذا صاروا الى الاخرة وجبت للمؤمنين خاصة كالمستضئ بنا وغيره إذا ذهب صاحب السراج بسراجه فَسَأَكْتُبُها اى ساجعلها واجبا فى الاخرة منكم يا بنى إسرائيل لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ خصها بالذكر لكونها أشق على النفوس وَالَّذِينَ

[سورة الأعراف (7) : آية 157]

هُمْ بِآياتِنا اى بجميع كتبنا يُؤْمِنُونَ لا يكفرون بشئ منها ولما كان شريعة موسى عليه السّلام فى علم الله تعالى منسوخة نبه الله تعالى على ذلك وحثهم على اتباع خاتم النبيين وقال. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ مبتدأ خبره يأمرهم او خبر مبتدأ تقديره هم الذين او بدل من الذين يتقون بدل البعض او الكل سماه رسولا بالاضافة الى الله تعالى ونبيا بالاضافة الى العباد الْأُمِّيَّ يعنى محمدا صلى الله عليه واله وسلم منسوب الى الام يعنى هو على ما ولدته امه لم يكتب ولم يقرأ قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انا امة امية لا نكتب ولا نحسب الحديث متفق عليه عن ابن عمر وصفه الله به تنبيها على ان كمال علمه مع حاله أحد معجزاته وقيل منسوب الى الامة لكثرة أمته عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انا اكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة وانا أول من يقرع باب الجنة رواه مسلم أصله أمتي فسقطت التاء فى النسبة كما فى المكي والمدني وقيل هو منسوب الى أم القرى يعنى مكة وبهذا الكلام خرج من هذا الحكم من بنى إسرائيل الذين أدركوا النبي صلى الله عليه واله وسلم ولم يؤمنوا وبقي فى الحكم من لم يدرك زمن...... النبي صلى الله عليه واله وسلم لانه ما تفرق الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءتهم البينة اخرج ابن حبان عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان لكل نبى يوم القيمة منبرا من نور وانى على أطولها وانورها فيجئى مناد ينادى اين النبي الأمي فيقول الأنبياء كلنا نبى أمي فالى أينا أرسل فيرجع الثانية فيقول اين النبي الأمي العربي فينزل محمد صلى الله عليه واله وسلم حتى يأتي باب الجنة فيقرعه فيقال من فيقول محمد واحمد فيقول أوقد أرسل اليه فيقول نعم فيفتح له فيتجلى له الرب ولا يتجلى بشئ قبله فيخر لله ساجد او يحمده بمحامده لم يحمده بها أحد بعد فيقال ارفع راسك وتكلم واشفع تشفع هذا الحديث يدل على ان الأمي مشتق من الامة حتّى يصح قولهم كلنا نبى أمي اى ذى امة وخص النبي صلى الله عليه واله وسلم بهذا الاسم لكثرة أمته الَّذِي يَجِدُونَهُ اى بنو إسرائيل مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ اسما وصفة عن انس ان غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه واله وسلم فمرض فاتاه النبي صلى الله عليه واله وسلم فوجد أباه عند راسه يقرأ التورية فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا يهودى أنشدك بالله الذي انزل التورية على موسى

هل تجد فى التورية نعتى وصفتى ومخرجى قال لا قال الفتى بلى والله يا رسول الله انا نجد لك فى التورية نعتك وصفتك ومخرجك وانى اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اقيموا هذا من عند راسه وولوا أخاكم وعن على رضى الله عنه ان يهوديا كان له على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دنانير فتقاضى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال له يا يهودى ما عندى ما أعطيك فقال انى لا أفارقك يا محمد حتى تعطينى فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا اجلس معك فجلس معه فصلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء الاخرة والغداة وكان اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يتهددونه ويتواعدونه ففطن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالذي يصنعون به فقالوا يا رسول الله يهودى يحبسك فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم منعنى ربى ان اظلم معاهدا وغيره فلما ترجل «1» النهار قال اليهودي اشهد ان لا اله الا الله واشهد انك رسول الله وشطر مالى فى سبيل الله اما والله ما فعلت بك الذي فعلت بك الا لا نظر الى نعتك فى التورية محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام ليس بفظ «2» ولا غليظ ولا سخاب «3» فى الأسواق ولا متزى بالفحش ولاقوال للخنا اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله وهذا مالى فاحكم فيه بما أراك وكان اليهودي كثير المال روى الحديثين البيهقي فى دلائل النبوة وعن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قال قلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى التورية قال أجل والله انه لموصوف فى التورية ببعض صفته فى القران يا ايها النبي انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا الأميين أنت عبدى ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب فى الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن نقبضه حتى نقيم به الملة العوجاء بان يقولوا لا اله الا الله ونفتح بها أعينا عمياء واذانا صماء وقلوبا غلفاء رواه البخاري وعن عطاء بن يسار عن ابن سلام نحوه رواه الدارمي وعن كعب الأحبار يحكى عن التورية قال نجد مكتوبا محمد رسول الله عبدى المختار لافظ ولا غليظ ولا سخاب فى الأسواق ولا يجزئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام وأمته الحمادون يحمدون الله

_ (1) ترجل النهار اى ارتفع النهار شبيها بارتفاع الرجل من الصبى 12 نهايه (2) فظ سيئى الخلق 12 (3) السخب الصياح 12

فى السراء والضراء يحمدون الله فى كل منزله ويكبرونه على كل شرف رعاة للشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها يتبارزون على اتصافهم ويتوضؤن على أطرافهم مناديهم ينادى فى جو السماء صفهم فى القتال وصفهم فى الصلاة سواء لهم بالليل دوى كدوى النحل رواه البغوي بسنده فى معالم التنزيل وذكره فى المصابيح ورواه الدارمي مع تغيير يسير وعن عبد الله ابن سلام رضى الله عنه قال مكتوب فى التورية صفة محمد وعيسى بن مريم يدفن معه رواه الترمذي قال ابو مودود وقد بقي فى البيت موضع قبر يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ يعنى ما يعرف حسنه شرعا وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ يعنى ما ينكره الشرع والعقل السليم والطبع المستقيم من الشرك وكفر المنعم وعصيانه وقطع الأرحام وَيُحِلُّ لَهُمُ اى لبنى إسرائيل الطَّيِّباتِ التي حرم الله عليهم فى التورية جزاء لبغيهم كالشحوم ولحوم الإبل والتي حرم اهل الجاهلية على أنفسهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ كالدم والخمر والخنزير والميتة والربوا والرشوة وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ قرأ ابن عامر اصارهم على الجمع والباقون على الافراد واصل الإصر الثقل الذي يأصر اى يحبس صاحبه عن الحركة لثقله قال ابن عباس والحسن والضحاك والسدى ومجاهد يعنى العهد الثقيل الذي أخذ على بنى إسرائيل للعمل بما فى التورية قال قتادة يعنى التشديد الذي كان عليهم فى الدين وَالْأَغْلالَ يعنى الأثقال الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فى شريعة موسى عليه السلام مثل قتل النفس فى التوبة وقطع الأعضاء الخاطية وقرض النجاسة عن الثوب بالمقراض وتعيين القصاص فى القتل العمد والخطأ وتحريم أخذ الدية وترك العمل فى السبت وعدم جواز الصلاة فى غير الكنائس وغير ذلك من الشدائد التي تشبه بالاغلال التي تجمع الأيدي الى الأعناق فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ اى بالنبي الأمي محمد صلى الله عليه واله وسلم وَعَزَّرُوهُ اى عظموه بالتقوية وَنَصَرُوهُ لى على الأعداء وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ اى مع نبوته يعنى القران سماه نورا لانه باعجازه ظاهر امره مظهر غيره او لانه كاشف الحقائق مظهر لها ويجوز ان يكون معه متعلقا باتبعوا النور المنزل مع اتباع النبي فيكون اشارة الى اتباع الكتاب والسنة أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بالرحمة الابدية الى هاهنا جواب لدعاء موسى عليه السلام قال البغوي قال نوف البكائى الحميرى اختار موسى قومه سبعين رجلا قال الله تعالى لموسى اجعل لكم الأرض مسجدا وطهورا تصلون حيث ادركتكم الصلاة

[سورة الأعراف (7) : آية 158]

الا عند مرحاض «1» او حمام او قبر واجعل السكينة فى قلوبكم وأجعلكم تقرءون التورية عن ظهور قلوبكم يقرأها الرجل والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير فقال ذلك موسى لقومه فقالوا لا نريد ان نصلى الا فى الكنائس ولا نستطيع ان تقرأ التورية عن ظهور قلوبنا ولا نريد ان نقرأها الا نظرا فقال الله تعالى فساكتبها للذين يتقون الى قوله أولئك هم المفلحون فجعلها الله لهذه الامة فقال موسى عليه السلام يا رب اجعلنى نبيهم فقال نبيهم منهم قال رب اجعلنى منهم فقال انك لن تدركهم فقال موسى يا رب أتيتك بوفد بنى إسرائيل فجعلت وفادتنا لغيرنا فانزل الله تعالى ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون فرضى موسى وقول نوف هذا يابى عنه سياق الاية ومنطوقه فان قوله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم فى التورية والإنجيل صريح فى ان الاية فى حق مومنى اهل الكتاب لا غير وكذا ما ذكر البغوي انه قال ابن عباس وقتادة وابن جريح انه لما نزلت ورحمتى وسعت كل شىء قال إبليس انا من ذلك الشيء فقال الله تعالى فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة والذين هم باياتنا يؤمنون فتمناها اليهود والنصارى وقالوا نحن نتقى ونوتى الزكوة ونومن فجعلها الله لهذه الامة حيث قال الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الاية فان مقتضى هذا القول ان الاية خطاب للنبى صلى الله عليه واله وسلم وسياق الاية يقتضى انها خطاب لموسى عليه السلام فى جواب دعائه وانما نزل على النبي صلى الله عليه واله وسلم حكاية والله اعلم. قُلْ يا محمد يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ الاضافة للعهد الخارجي يعنى الرسول النبي الأمي الذي مر ذكره وأخذ العهد على اتباعه إِلَيْكُمْ خطاب للناس كافة ولذلك اردفه بقوله جَمِيعاً حال من إليكم فان النبي صلى الله عليه واله وسلم كان مبعوثا الى الناس كافة بل الى الجن والانس عامة وسائر الأنبياء الى أقوامهم خاصة قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض مسجد او طهورا وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبوة رواه مسلم والترمذي عن ابى هريرة وروى الطبراني فى الكبير بسند صحيح عن السائب بن يزيد بلفظ فضلت على الأنبياء بخمس بعثت الى الناس كافة وذخرت شفاعتى لامتى ونصرت بالرعب شهرا امامى وشهرا خلفى وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لى الغنائم ولم يحل لاحد قبلى وروى البيهقي بسند صحيح عن ابى امامة

_ (1) مرحاض موضع بنيت للغائط والرحض الغسل وذلك موضع اغتسال 12

[سورة الأعراف (7) : آية 159]

فضلت بأربع ولم يذكر ذخرت شفاعتى قلت الخطاب وإن كان للناس عموما لكن سياق القصة تقتضى ان المقصود بهذا الخطاب العام يهود المدينة وبعض النصارى فانهم داخلون فى عموم الخطاب ومحجوجون عليهم بقوله تعالى مكتوبا عندهم فى التورية والإنجيل وانكارهم ذلك عنادا لا يفيدهم عند الله تعالى الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ صفة الله جعل بينهما ما هو متعلق بالمضاف لانه كالمتقدم عليه او مدح منصوب او مرفوع او مبتدأ خبره لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وهو على الوجوه الاول بدل من الصلة بيان لما قبله فان من ملك العالم كان هو الا له لا غيره وفى يُحيِي وَيُمِيتُ مزيد تقرير لاختصاصه بالالوهية وإعرابه كاعراب ما سبق على تقدير كون الموصول مبتدأ وما بعده خبر الجملة الاسمية بيان لما أرسل به فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الذي أخذ منكم العهد فى الكتب السابقة على اتباعه الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ التي أنزلت عليه وعلى سائر المرسلين من كتب الله ووحيه وقرئ وكلمته على ارادة الجنس وقال مجاهد والسدى يعنى عيسى بن مريم عليه السلام كلمته القاها الى مريم وانما عدل عن التكلم الى الغيبة لاجراء هذه الصفات الداعية الى الايمان به والاتباع له وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ جعل رجاء الاهتداء اثر الامرين تنبيها على ان من صدقه ولم يتابعه بالتزام شرعه فهو بعد فى حيز الضلالة. وَمِنْ قَوْمِ مُوسى يعنى بنى إسرائيل أُمَّةٌ جماعة يَهْدُونَ الناس بِالْحَقِّ اى محقين او بكلمة الحق اى يرشدون ويدعون الى الحق او بسبب الحق الذي هم عليه وَبِهِ اى بالحق يَعْدِلُونَ بينهم فى الحكم قال الضحاك والكلبي والربيع هم قوم خلف الصين بأقصى الشرق على نهر يجرى الرمل يسمى نهر أوراق ليس لاحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويضحون بالنهار ويزرعون لا يصل إليهم منا أحد وهم على دين الحق وذكر ان جبرئيل عليه السلام ذهب بالنبي صلى الله عليه واله وسلم ليلة اسرى به إليهم فكلمهم جبرئيل هل تعرفون من تتكلمون قالوا لا قال هذا محمد النبي الأمي صلى الله عليه واله وسلم فامنوا به فقالوا يا رسول الله ان موسى اوصانا ان من أدرك منكم احمد صلى الله عليه واله وسلم فليقرأ عليه منى السلام فرد النبي صلى الله عليه واله وسلم على موسى عليه السلام ثم اقرأ عشر سور من القران نزلت بمكة وأمرهم بالصلوة والزكوة وأمرهم ان يقيموا مكانهم وكانوا يسبتون فامرهم ان يجمعوا ويتركوا السبت وقيل هم الذين اسلموا من

[سورة الأعراف (7) : الآيات 160 إلى 161]

اليهود فى زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال البغوي والاول أصح قال والظاهر ان الاول قول غريب ولم يكن بمكة ليلة الاسراء الجمعة وليس فى عشر سور مما نزلت بمكة احكام الإسلام كلها والله اعلم والأظهر عندى ان المراد المؤمنين الذين أمنوا بموسى من اهل زمانه والذين أدركوا النبي صلى الله عليه واله وسلم من اليهود فامنوا به كعبد الله بن سلام ونظرائه. وَقَطَّعْناهُمُ اى فرقنا بنى إسرائيل اثْنَتَيْ عَشْرَةَ تميزه محذوف يدل عليه قطعنا يعنى اثنتي عشرة قطعة وهو مفعول ثان لقطع فانه متضمن لمعنى صير او حال أَسْباطاً بدل لا تمييز فان تمييز ما فوق العشرة لا يكون جمعا والسبط ولد الولد وكانوا اثنتي عشرة قبيلة اولا واثنى عشر ابن لاسرائيل يعنى يعقوب عليه السلام أُمَماً صفة لاسباط او بدل بعد بدل قال الزجاج المعنى وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة امما وانما قال أسباطا امما بالجمع وما فوق العشرة لا يفسر بالجمع فلا يقال اثنا عشر رجالا لان الأسباط فى الحقيقة نعت للمفسر المحذوف وهو الفرقة اى قطعناهم اثنتا عشرة فرقة أسباطا امما يعنى كل فرقة أسباط وقيل فيه تقديم وتأخير تقديرها وقطعناهم أسباطا امما اثنتي عشرة وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ فى التيه أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ اى فضرب فانبجست حذفه للايماء على انّ موسى لم يتوقف فى الامتثال وعلى ان ضربه لم يكن مؤثرا يتوقف عليه الانبجاس فى ذاته ومعناه انفجرت وقال ابو عمرو ابن العلا عرقت وهو الانبجاس ثم ثم انفجرت مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً لكل سبط عين قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ اى كل سبط أبناء ابن ليعقوب عليه السلام مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ فى التيه ليقيهم حر الشمس وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا اى وقلنا لهم كلوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ قرأ نافع وابن عامر ويعقوب بضم التاء المثناة الفوقانية وفتح الفاء على التأنيث والبناء للمفعول مسندا الى ما بعده وهو مرفوع والباقون بفتح النون وكسر الفاء على التكلم والبناء للفاعل وما بعده منصوب على المفعولية. خَطِيئاتِكُمْ قرأ ابن عامر على وزن الفعيلة بالهمزة على التوحيد وابو عمر وخطاياكم على وزن قضاياكم على الجمع والباقون خطيئاتكم على الجمع على وزن فعيلاتكم بالهمز سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ

[سورة الأعراف (7) : آية 162]

وعد بالمغفرة والزيادة عليه بالاثابة وانما اخرج الثاني مخرج الاستيناف للدلالة على انها تفضل محض ليس فى مقابلة ما أمروا به. فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ مضى تفسير هذه الآيات فى سورة البقرة غير ان قوله تعالى فكلوا فى البقرة بالفاء أفاد تسبيب سكناهم للاكل منها ولم يتعرض له هاهنا اكتفاء بذكره ثمه او بدلالة الحال عليه كذا قال البيضاوي قلت ذكر فى البقرة ادخلوا هذه القرية فكلوا ولا شك ان الاكل بعد الدخول ولذلك أورد هنا فاء التعقيب وذكر هاهنا اسكنوا هذه القرية والسكنى يجامع الاكل ولا يستعقبه فلذلك أورد الواو للجمع ولا اثر لتقديم قولوا على وادخلوا فى المعنى. وَسْئَلْهُمْ اى سل يا محمد اليهود للتقرير والتوبيخ على تقديم كفرهم وعصيانهم والاعلام بما هو من علومهم التي لم يكن اهل مكة يعلمها حتّى يكون لك معجزة وحجة عليهم عَنِ الْقَرْيَةِ اى عن خبر أهلها وما وقع بهم الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ اى قريبة الْبَحْرِ قال ابن عباس هى قرية يقال لها ايلة بين مدين والطور على شاطى البحر وقال الأزهري طبرية الشام إِذْ يَعْدُونَ الضمير راجع الى المضاف المحذوف يعنى اهل القرية كانوا يتجاوزون حد الإباحة بصيد السمك فِي السَّبْتِ وقد نهوا عنه إذ ظرف متعلق بكانت او حاضرة او للمضاف المحذوف اى خبر اهل القرية وقت عدوانهم او بدل اشتمال من اهل القرية إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ ظرف ليعدون او بدل بعد بدل يَوْمَ سَبْتِهِمْ اى يوم تعظيمهم امر السبت مصدر من سبت اليهود إذا عظمت سبتها بالتجرد للعبادة وقيل اسم لليوم والاضافة لاختصاصهم باحكام فيها ويؤيد الاول قوله تعالى ويوم لا يسبتون شُرَّعاً حال من الحيتان اى ظاهرة على الماء متكثرة جمع شارع علينا إذا اشرف ودنا وقال الضحاك متتابعا وفى القصة انها كانت تأتيهم يوم السبت مثل الكباش السمان البيض وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ اى لا يعظمون السبت متعلق بقوله لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ اى مثل إتيانهم يوم السبت نَبْلُوهُمْ حال من الضمير المنصوب فى لا تأتيهم بِما كانُوا يَفْسُقُونَ متعلق بيعدوا والمعنى مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بسبب فسقهم قيل وسوس إليهم الشيطان ان الله لم ينهيكم عن الاصطياد وانما نهاكم عن الاكل فاصطادوا وقيل وسوس إليهم انكم انما نهيتم عن الاخذ فاتخذوا حياضا على شط البحر يسوقون الحيتان إليها يوم السبت ثم ياخذونها

[سورة الأعراف (7) : آية 164]

يوم الأحد ففعلوا ذلك زمانا ثم جرؤا على السبت وقالوا ما نرى السبت الا قد أحل لنا فاخذوا وأكلوا وباعوا فصار اهل القرية أثلاثا وكانوا نحوا من سبعين الفا ثلث كانوا يعدون فى السبت وثلث كانوا ينهونهم عن الاعتداء وثلث لم يفعلوا ولم ينهوا وهم الذين حكى عنهم الله سبحانه بقوله. وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ اى الفرقة الساكتة للفرقة الواعظة الناهية عن المنكر لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ فى الدنيا أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فى الاخرة قالُوا الناهون فى جوابهم مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ قرأ الجمهور معذرة بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف اى موعظتنا معذرة اى إبداء لعذرنا الى الله تعالى حتى لا نكون مفرطين فى النهى عن المنكر وقرأ حفص بالنصب على المصدرية او العلية اى اعتذرنا معذرة اوعظناهم معذرة وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فان الياس لا يحصل الا بعد الهلاك. فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ اى ترك الفرقة العاصية ما ذكّرهم الصلحاء الواعظون أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ يعنى الفرقة الواعظة الصالحة وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا يعنى الفرقة العاصية بِعَذابٍ بَئِيسٍ اى شديد قرأ الجمهور بفتح الباء وكسر الهمزة بعدها ياء ساكنة على وزن فعيل من بؤس يبئس بأسا إذا اشتد وقرأ ابو جعفر ونافع وابن عامر بئس على وزن فعل وكان فى الأصل بئس مفتوح الفاء مكسور العين وزن حذر فخفف عينه بنقل حركتها الى ما قبلها فصار بئس بسكون الهمزة او هو فعل ذم وصف به فجعل اسما الا ان ابن عامر يهمز ونافع وابو جعفر لا يهمزان بل يقلبان الهمزة ياء ويقران بيس وقرأ ابو بكر عن عاصم بخلاف عنه بفتح الباء وسكون الياء وفتح الهمزة على وزن فيعل مثل صيقل بِما كانُوا يَفْسُقُونَ قال ابن عباس رضى الله عنه اسمع الله يقول أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئس فلا أدرى ما فعل الفرقة الساكتة قال عكرمة قلت له جعلنى الله فداك الا تريهم قد أنكروا وكرهوا ما هم عليه وقالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم وان لم يقل الله انجيتهم لم يقل أهلكتهم فاعجبه قولى فرضى وامر لى ببردين فكسانيها وقال نجت الفرقة الساكتة كذا روى الحاكم وقال يمان بن رباب نجت الطائفتان الذين قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم والذين قالوا معذرة الى ربكم وأهلك الله الذين أخذوا لحيتان وهذا قول الحسن ومجاهد وقال ابن زيد نجت الناهية وهلكت الفرقتان وهذه أشد اية فى ترك النهى عن المنكر. فَلَمَّا عَتَوْا اى تكبر الفرقة الخاطئة عَنْ ما نُهُوا

[سورة الأعراف (7) : آية 167]

اى عن ترك ما نهوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ اى مبعدين امر تكوين وتسخير والظاهر يقتضى ان الله تعالى عذبهم او لا بعذاب شديد فعتوا بعد ذلك فمسخهم ويجوز ان يكون الاية الثانية تقريرا وتفصيلا للاولى وقيل المراد بقوله تعالى وإذ قالت امة منهم لم تعظون ان الفرقة الصالحة الواعظة قالت بعضهم لبعضهم لم تعظون مبالغة فى ان الوعظ لا ينفع فيهم تحسرا فاجابوا فيما بينهم وقالوا معذرة الى ربكم او قال من ارعوى عن الوعظ منهم لمن لم يرعوا منهم وقيل معنى الاية قالت امة منهم يعنى الهالكة للفرقة الصالحة الواعظة لم تعظون قوما الله مهلكهم على زعمكم قالوا ذلك تهكما واستهزاء بهم فقالوا اى الصالحون معذرة الى ربكم لكن هذا المعنى يابى عنه ضمير الغائب فى قولهم لعلهم يتقون بل كان المناسب على هذا ان يقولوا لعلكم تتقون روى ان الناهين لما ايسوا عن اتعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم فقسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب ولعنهم داود عليه السلام وأصبح الناهون ذات يوم ولم يخرج من المعتدين أحد فقالوا ان لهم لشانا فدخلوا عليهم فاذاهم قردة فلم يعرفوا انسبائهم ولكن القرود تعرفهم فجعلت القرود تأتي انسبائهم وتشمهم فتشم ثيابهم وتدور باكية حولهم فيقولون الم ننهيكم فتقول القردة برأسها نعم فمكثوا ثلثة ايام ينظر بعضهم الى بعض وينظر إليهم الناس ثم ماتوا. وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ تفعل من الاذن ومعناه العزم المصمم الذي لا يتخلف لان العازم على الشيء يوذن نفسه بفعله ولذلك اجرى مجرى فعل القسم كعلم الله وشهد الله ولذلك أجيب بجوابه وقال ابن عباس معنى تأذن ربك قال ربك وقال مجاهد امر ربك وقال عطاء حكم ربك وعلى الأقوال غير الاول لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ جواب قسم محذوف اى والله ليسلطن الله تعالى على اليهود إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ بالقتل والضرب والسبي وأخذ الجزية فبعث الله عليهم سليمان وبعده بخت نصر فخرب ديارهم وقتل مقاتلتهم وسبى نسائهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم فكانوا يؤدونها الى المجوس حتّى بعث الله محمدا صلى الله عليه واله وسلم فقتل بنى قريظة وسبى نسائهم وذراريهم وأجلا بنى نضير وبنى قينقاع وأجلا عمر عن خيبر وفدك وامر الله سبحانه بقتالهم الى يوم القيامة حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ لمن عصاه ولذا عاقبهم فى الدنيا وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن تاب وأمن. وَ

[سورة الأعراف (7) : آية 169]

قَطَّعْناهُمْ فرقناهم فِي الْأَرْضِ أُمَماً فرقا فشتت أمرهم حتى لا يكون لهم شوكة قط ولا يجتمع كلمتهم مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ الذين أمنوا بمحمد صلى الله عليه واله وسلم كذا قال ابن عباس ومجاهد قلت والظاهر ان المراد الذين على دين موسى صالحين قبل نسخه بقرينة قوله فخلف من بعدهم خلف وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ تقديره ومنهم ناس دون ذلك اى منحطون عن الصلاح وهم الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه واله وسلم او كانوا فساقا قبل نسخ دين موسى او كفارا لعيسى وداود وسليمان وَبَلَوْناهُمْ اى اختبرناهم بِالْحَسَناتِ اى النعم وَالسَّيِّئاتِ اى النقم لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ اى لكى ينتبهوا فيرجعوا عما كانوا عليه من الكفر والفسق بشكر المنعم عند النعمة وبالتوبة عند حلول النقمة. فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ اى جاء بعد المذكورين الذين وصفناهم خَلْفٌ القرن الذي يجئ بعد قرن كذا فى القاموس وقال ابو حاتم الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع سواء والخلف بفتح اللام البدل سواء كان ولدا وغريبا وقال ابن الاعرابى الخلف بالفتح الصالح وبالسكون الطالح وقال النضر بن شميل الخلف بتحريك اللام وإسكانها فى القرن السوء واما فى القرن الصالح فتحريك اللام لا غير وقال محمد بن جرير اكثر ما جاء فى المدح بفتح اللام وفى الذم بتسكينها وقد يحرك فى الذم ويسكن فى المدح قال البيضاوي هو مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع وقيل جمع والمراد به الذين كانوا فى عصر النبي صلى الله عليه واله وسلم وَرِثُوا الْكِتابَ اى انتقل إليهم الكتاب يعنى التورية من ابائهم يقرؤنها ويطلعون على ما فيها يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى يعنى حطام هذا العالم الأدنى يعنى الدنيا وهو من الدنو او الدناءة والعرض المتاع وكل شىء سوى النقدين او ما كان من مال قل او كثر وهو المراد هاهنا وقيل العرض ما لا يكون له ثبات ومنه استعار المتكلمون العرض لما لم يكن له ثبات الا بالجوهر كاللون والطعم ولذا قيل الدنيا عرض حاضر يعنى لاثبات لها والمراد به ما كان علماء اليهود يأخذون من جهالهم فياكلون ولذلك كتموا نعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وحرّفوا كلام الله تعالى خوفا من زوال ماكلتهم وما كانوا يأخذون من الرشى فى الحكم والجملة حال من الضمير المرفوع فى ورثوا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا يحتمل العطف والحال والفعل مسند الى الجار والمجرور او الى الضمير العائد الى مصدر يأخذون يعنى بتمنون على الله المغفرة بلا توبة مع الإصرار على الذنب وهذا امر شنيع

[سورة الأعراف (7) : آية 170]

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله رواه احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم والبغوي بسند صحيح عن شداد بن أوس وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ حال من الضمير فى يقولون يعنى يرجون المغفرة مصرين على الذنب عامدين الى مثله غير تائبين قال السدى كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضيا الا ارتشى فى الحكم فيقال له مالك ترتشى فيقول سيغفر لى فيطعن فيه الآخرون فاذا مات او نزع وجعل مكانه رجل ممن يطعن عليه يرتشى ايضا فيقول الله تعالى وان يأتهم يعنى الآخرين منهم عرض مثله يأخذوه أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ اى أخذ عليهم العهد فى التورية أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وهذا غير الحق لانه ليس فى التورية ميعاد المغفرة مع الإصرار وَدَرَسُوا ما فِيهِ عطف على الم يوخذ من حيث المعنى فانه تقريرا وعلى ورثوا ودرس الكتاب قراءته وتدبره مرة بعد اخرى يعنى يعلمون ما يعملون وهم ذاكرون انه معصية وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الله تعالى ويؤمنون بالنبي صلى الله عليه واله وسلم مما يأخذون من حطام الدنيا أَفَلا تَعْقِلُونَ عطف على محذوف تقديره أيختارون الشر ويتركون الخير فلا يعقلون يعنى فليس لهم عقل فان مقتضى العقل اختيار الخير على الشر بل اختيار أخير الخيرين وهم يستبدلون الأدنى المؤدى الى العذاب بالنعيم المخلد قرأ نافع وابن عامر وحفص ويعقوب بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة. وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ قرأ ابو بكر مخففا من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل وقرأ ابى بن كعب والذين تمسكوا بِالْكِتابِ على صيغة الماضي لما عطف عليه وَأَقامُوا الصَّلاةَ قال مجاهدهم المؤمنون من اهل الكتب عبد الله بن سلام وأصحابه تمسكوا بالكتاب الذي جاء به موسى عليه السلام فلم يحرفوه ولم يكتموه ولم يتخذوه ماكلة بل عملوا بما فيه حتّى أمنوا بمحمد صلى الله عليه واله وسلم وقال عطاءهم امة محمد صلى الله عليه واله وسلم والذين يمسكون عطف على الذين يتقون وقوله أفلا يعقلون اعتراض او مبتدأ خبره إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ على تقدير منهم او وضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على ان الإصلاح كالمانع من التضييع. وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ متعلق باذكر واصل النتق الجذب والمعنى قلعناه ورفعناه فَوْقَهُمْ اى فوق بنى إسرائيل حين أبوا ان يقبلوا احكام التورية لثقلها فرفع الله عليهم الجبل كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ سقيفة وهى كل ما اظلك وَظَنُّوا اى أيقنوا

[سورة الأعراف (7) : آية 172]

أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ وانما اطلق الظن لانه لم يقع متعلقه وقيل لهم ان قبلتم ما فيها والا ليقعن عليكم خُذُوا بإضمار القول اى وقلنا خذوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ بجد وعزم على تحمل مشاقه حال من فاعل خذوا وَاذْكُرُوا ما فِيهِ بالعمل ولا تتركوه كالمنسى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ قبايح الأعمال ورذايل الأخلاق. وَاذكر إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ فيه اختصار تقديره من آدم وبنى آدم مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بنى آدم بدل البعض والمعنى إذا خرج ربك من ظهور آدم بنيه ذُرِّيَّتَهُمْ قرأ نافع وابو عمرو وابن عامر ويعقوب ذرياتهم على صيغة الجمع والباقون على الافراد وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ اى اشهد بعضهم على بعض وقال لهم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته الى يوم القيامة وجعل بين عينى كل انسان منهم وبيصا «1» من نور ثم عرضهم على آدم فقال اى رب من هؤلاء قال ذريتك فراى منهم رجلا فاعجبه وبيص عينيه فقال اى رب من هذا قال داود قال رب كم جعلت عمره قال ستين سنة قال رب زده من عمرى أربعين سنة قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فلما انقضى عمر آدم الا أربعين جاءه ملك الموت فقال آدم الم يبق من عمرى أربعين سنة قال او لم تعطها ابنك داود فجحد آدم فجحدت ذريته ونسى آدم فاكل من الشجرة ونسيت ذريته وخطأ آدم فخطأت ذريته ورواه الترمذي عن ابى الدرداء عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فاخرج ذريته بيضاء كانهم الذر وضرب كتفه اليسرى فاخرج ذريته سوداء كانهم الحمم قال للذى فى يمينه الى الجنة ولا أبالي وقال للذى فى كتفه اليسرى الى النار ولا أبالي رواه احمد كذا ذكر مقاتل وغيره من اهل التفسير فذكروا نحوه وفى آخره ثم أعادهم جميعا فى صلبه فاهل القبور محبوسون حتى يخرج اهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء قال الله تعالى فيمن نقض العهد الاول وما وجدنا لاكثرهم من عهد وعن مسلم بن يسار قال سئل عمر بن الخطاب عن هذه الاية وإذ أخذ ربك من بنى آدم الاية قال عمر رضى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يسأل منها فقال ان الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره

_ (1) وبيص يعنى البريق 12

فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل اهل النار يعملون فقال رجل ففيم العمل يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتّى يموت على عمل من اعمال اهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخله به النار رواه مالك وابو داود والترمذي واحمد فى مسنده والبخاري فى التاريخ وابن حبان والحاكم والبيهقي وقال الترمذي حديث حسن ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر قال البغوي قد ذكر بعضهم فى هذا الاسناد بين مسلم بن يسار وعمر رجلا وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعنى عرفة فاخرج من صلبه كل ذرية ذراها فنشرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين او تقولوا انما أشرك ابائنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون رواه احمد والنسائي والحاكم وصححه واخرج ابن جرير بسند ضعيف عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى هذه الاية أخذ من ظهره كما يوخذ بالمشط من الرأس فقال لهم الست بربكم قالوا بلى قالت الملائكة شهدنا قال البغوي روى عن ابن عباس ايضا ان الله أخرجهم وأخذ الميثاق بدهناء من ارض الهند وهو الموضع الذي هبط آدم عليه السلام وقال الكلبي بين مكة والطائف وقال السدى خلق الله آدم ولم يهبط من السماء ثم مسح ظهره فاخرج ذريته وعن ابى بن كعب جمعهم فجعلهم أزواجا يعنى أصنافا ثم صورهم فاستنطقهم فتكلموا ثم أخذهم العهد والميثاق واشهدهم على أنفسهم الست بربكم قال الله تعالى فانى اشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع واشهد عليكم أباكم آدم ان تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا اعلموا انه لا اله غيرى ولا رب غيرى ولا تشركوا بي شيئا انى سارسل إليكم رسلى يذكرونكم عهدى وميثاقى وانزل عليكم كتبى قالوا شهدنا بانك ربنا والهنا لا رب لنا غيرك ولا اله لنا غيرك فاقروا بذلك ورفع عليهم آدم عليه السلام ينظر إليهم فرأى الغنى والفقير وحسن الصورة ودون ذلك فقال رب لولا سويت بين عبادك قال انى أحببت ان اشكر ورأى الأنبياء فيهم مثل السرج عليهم النور خصوا بميثاق اخر فى الرسالة والنبوة وهو قوله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم الى قوله وعيسى بن مريم وعيسى بن مريم كان فى تلك الأرواح فارسله الى مريم فحدث عن ابى انه دخل من فيها رواه احمد زاد

فى بعض الروايات بعد قوله لا تشركوا بي شيئا قوله فانى سانتقم عمن أشرك بي ولم يؤمن بي وزاد بعد قوله فاقروا بذلك قوله ثم كتب اجالهم وأرزاقهم ومصائبهم وبعد قوله انى أحببت ان اشكر انه فلما قررهم بتوحيده واشهد بعضهم على بعض أعاد الى صلبه فلا تقوم الساعة حتّى يولد كل من أخذ ميثاقه قال البغوي ما معنى قوله وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم وانما أخرجهم من ظهر آدم قلت وبه نطق الأحاديث قيل فى جوابه ان الله اخرج ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالدون فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لما علم انهم كلهم بنوه فاخرجوا من ظهره ولذلك لم يذكر ظهر آدم فى الاية قلت وإخراج كلهم الى ظهر آدم انما أسند فى الحديث بناء على انه لما كان بعضهم فى ظهر بعض والأصول فى ظهر آدم فكان كلهم فى ظهره فصح اسناد إخراج كلهم الى ظهره او لان المراد بآدم فى الحديث آدم وبنيه اقتصر على ذكر آدم اكتفاء بذكر الأصل عن ذكر الفرع قلت ومعنى قوله صلى الله عليه واله وسلم ضرب كتفه اليمنى فاخرج ذرية بيضاء انه ضرب كتفه او كتف أحد من ابنائه فاخرج منها ذرية بيضاء وكتفه او كتف أحد منهم اليسرى فاخرج منها ذرية سوداء ثم قال خلقت هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار قال البغوي قال اهل التفسير ان اهل السعادة أقروا طوعا واهل الشقاوة قالوا تقية وكرها وذلك معنى قوله تعالى وله اسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها شَهِدْنا قال السدى هو خبر من الله تعالى عن نفسه وملئكته انهم شهدوا على اقرار بنى آدم وقال بعضهم هو خبر من قول بنى آدم حين اشهد الله بعضهم على بعض فقالوا بلى شهدنا وقال الكلبي ذلك من قول الملئكة وفيه حذف تقديره لما قالت الذرية بلى قال الله تعالى للملئكة اشهدوا قالوا شهدنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ منصوب على العلية قرأ ابو عمرو ويقولوا فى الموضعين بالياء التحتانية على الغيبة تقديره اشهدهم كراهية ان يقولوا او لئلا يقولوا والباقون بالفوقانية على الخطاب تقديره اخاطبكم بالست بربكم كراهة ان تقولوا او لئلا تقولوا قلت والاولى «1» ان يقال تقديره على قراءة ابى عمرو ذكرهم يا محمد بالميثاق كراهة ان يقولوا انا كنا عن هذا غافلين وعلى قراءة الجمهور أخبرتكم ايها الناس بالميثاق كراهة ان تقولوا إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا الميثاق او الإقرار غافِلِينَ فان قيل كيف يلزم الحجة واحد لا يذكر الميثاق قيل لما اخبر بذلك المخبر الصادق المؤيد بالمعجزة لزمهم الحجة ولا يسقط الاحتجاج بعدم حفظهم

_ (1) وجه الاولوية ان تذكير الميثاق بلسان صاحب المعجزة يزيل الغفلة لانفس الاشهاد والميثاق والله اعلم 12 .

[سورة الأعراف (7) : آية 173]

أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ اتباعا لهم فاقتدينا بهم أَفَتُهْلِكُنا اى تعذبنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ اى الاسلاف المشركون يعنى كراهة ان تعتذروا بالغفلة او بالتقليد للاباء وليس شىء من ذلك مسقطا للاحتجاج. وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ اى نبينها ليتدبر فيها العباد ويتذكروا ما نسوا وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ معطوف على مقدر تقديره لعلهم يتدبرون ويتذكرون ما نسوا ولعلهم يرجعون من الكفر الى التوحيد كذا قال السلف الصالح وجمهور المفسرين على ما يشهد به الأحاديث وقال البيضاوي ومن تبعه معنى الاية وإذ أخذ ربك اى اخرج من صلب آدم وأصلاب بنيه نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن واشهدهم على أنفسهم اى نصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فى عقولهم ما يدعوهم الى الإقرار بالتوحيد حتى صاروا كانهم قيل لهم الست بربكم قالوا بلى فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم فيه منزلة الاشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل قال البيضاوي ويدل عليه قوله قالوا بلى شهدنا ان تقولوا اى كراهة ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين اى لم تنبه بالدليل او تقولوا انما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فاقتدينا بهم لان التقليد عند قيام الدليل والتمكن من العلم لا يصلح عذرا وقال والمقصود من إيراد هذا الكلام الزام اليهود مقتضى الميثاق العام بعد ما الزمهم الميثاق المخصوص بهم فى التورية والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية والعقلية ومنعهم عن التقليد وحملهم على النظر والاستدلال كما قال الله تعالى وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون عن التقليد واتباع الباطل والقائل بهذا التفسير يأول الأحاديث المذكورة ايضا والله اعلم. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ اى اليهود نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها اى من الآيات بان كفر بها واعرض عنها قال ابن عباس هو بلعم بن باعور وقال مجاهد بلعام بن باعور قال عطية عن ابن عباس كان من بنى إسرائيل وروى ابو طلحة عنه انه كان من الكنعانيين من مدينة الجبارين وقال مقاتل من مدينة بلقاء وكانت قصته على ما ذكره ابن عباس وابن اسحق والسدى وغيرهم ان موسى عليه السلام لما قصد حرب الجبارين ونزل ارض بنى كنعان من ارض الشام اتى قوم الى بلعم وكان عنده اسم الأعظم فقالوا ان موسى عليه السلام رجل حديد ومعه جنود كثيرة وانه قد جاءنا يخرجنا من ديارنا ويقتلنا ويحلها بنى إسرائيل وأنت رجل مجاب الدعوة فاخرج فادع الله ان يردهم عنا قال ويلكم

نبى ومعه الملئكة والمؤمنون كيف ادعو عليهم وانا اعلم من الله ما اعلم وان فعلت هذا ذهبت دنياى وآخرتي فراجعوه وألحوا عليه فقال حتّى او امر ربى تبارك وتعالى وكان لا يدعو حتّى ينظر ما يومر فى المنام فامّر فى الدعاء عليهم فقيل له فى المنام لا تدع عليهم فقال لقومه وأمرت ربى وانى قد نهيت فاهدوا له هدية فقبلها ثم راجعوه فقال حتّى أوامر فامر فلم يجئى له شىء فقال قد وأمرت فلم يجئ الىّ شىء فقالوا لو كره ربك ان تدعو عليهم لنهاك كما نهاك فى المرة الاولى فلم يزالوا يتضرعون اليه حتى فتنوه فافتتن فركب أتانا متوجها الى جبل يطلعه على عسكر بنى إسرائيل يقال له حسان فلما سار عليها غير كثير ربصت «1» به فنزل عنها فضربها حتّى قامت فركبها فلم تسر به كثيرا حتى ربصت فضربها حتّى اذن الله لها الكلام وكلمته حجة عليه فقالت ويحك يا بلعم اين تذهب الا ترى الملئكة امامى تردنى عن وجهى هذا تذهب الى نبى الله والمؤمنين تدعو عليهم فلم ينزع فخلى الله سبيلها فانطلقت حتّى إذا شرفت على جبل حسان جعل لا يدعو عليهم بشئ الا صرف لسانه الى قومه ولا يدعو لقومه بخير الا صرف لسانه الى بنى إسرائيل فقال قومه يا بلعم أتدري ما تصنع انما تدعوهم وعلينا قال هذا ما لا املك هذا شىء قد غلب الله عليه واندلع لسانه فوقع على صدره فقال لهم قد ذهبت الان منى الدنيا والاخرة فلم يبق الا المكر والحيلة فسامكر لكم واحتال جملوا النساء وزينوهن فاعطوهن السلع ثم ارسلوهن الى العسكر يبعنها فيه ومروهن لا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها فانهم ان زنى منهم رجل واحد كفيتموهم ففعلوا فلما دخلت النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كستى بنت صور برجل من عظماء بنى إسرائيل يقال له زهرى بن شلوم راس سبط شمعون بن يعقوب عليه السلام فقام إليها فاخذ بيدها حين أعجبه جمالها ثم اقبل بها حتّى وقف بها على موسى عليه السلام فقال انى أظنك ستقول هذه حرام عليك قال أجل هى حرام عليك لا تقربها قال فو الله لا أطيعك فى هذه ثم دخل بها قبته فوقع عليها فارسل الله الطاعون على بنى إسرائيل فى الوقت وكان الفنحاص بن العيزار بن هارون صاحب امر موسى وكان رجلا قد اعطى بسطة فى الخلق وقوة فى البطش وكان غائبا حين صنع زمرى بن شلوم ما صنع فجاء والطاعون فى بنى إسرائيل فاخبر الخبر فاخذ بحربته وكانت من حديد كلها ثم دخل عليهما القبة وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما رافعا إياهما الى السماء والحربة قد أخذها بذراعه و

_ (1) ربصت اى برلت 12

اعتمد بمرفقه على خاصرته وأسند الحربة الى لحيته وكان بكر العيزار وجعل يقول اللهم هكذا يفعل بمن يعصيك فرفع الطاعون فهلك من بنى إسرائيل فى الطاعون فيما بين ان أصاب زمرى المرأة الى ان قتله فنحاص سبعون الفا فى ساعة من النهار فمن هناك يعطى بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها القبة والذراع واللحى لاعتماده بالحربة على خاصره واخذه إياهما بذراعه واسناده إياهما الى لحيته والبكر من كل أموالهم لانه كان بكر العيزار وفى بلعم انزل الله عز وجل واتل عليهم نبا الذي اتيناه آياتنا الاية وقال مقاتل ان ملك البلقاء قال لبلعام ادع الله على موسى فقال انه من اهل دينى لا ادعو عليه فتخشب خشبة ليصلبه فلما راى ذلك خرج على أتان له وليدعو عليه فلما عاين العسكر قامت به الأتان ووقفت فضربها فقالت لم تضربنى انى مامورة وهذه نار امامى قد منعتنى ان امشى فرجع فاخبر الملك فقال لتدعون عليه اولا صلبنك فدعى على موسى بالاسم الأعظم ان لا يدخل المدينة فاستجيب له ووقع بنو إسرائيل فى التيه بدعائه فقال موسى عليه السلام يا رب باى ذنب وقعنا فى التيه فقال بدعاء بلعام قال فكما سمعت دعائه على فاسمع دعائى عليه فدعا موسى عليه السلام ان ينزع منه الاسم الأعظم والايمان فنزع منه المعرفة وسلخه منها فخرجت منصورة كحمامة بيضاء فذلك قوله تعالى فانسلخ منها وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيب وزيد بن اسلم وليث بن سعد نزلت هذه الاية فى امية بن ابى الصلت الثقفي وكانت قصته انه كان قد قرأ الكتب وعلم ان الله مرسل رسولا فرجى ان يكون ذلك الرسول فلما أرسل محمد صلى الله عليه واله وسلم حسده وكفر به وكان صاحب حكمة وموعظة حسنة وكان قصد بعض الملوك فلما رجع مر على قتلى بدر فسأل عنهم فقيل قتلهم محمد صلى الله عليه واله وسلم فقال لو كان نبيا ما قتل أقربائه فلما مات امية أتت أخته فارعة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فسألها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن وفات أخيها فقالت بينما هورا قد أتاه إتيان وكشفا سقف البيت فنزلا فقعد أحدهما عند رجليه والاخر عند راسه فقال الذي عند رجليه للذى عند راسه اوعى قال وعى قال ازكى قال ابى قالت فسالته عن ذلك فقال خير أريد بي فصرف عنى فغشى عليه فلما أفاق قال كل عيش وان تطاول دهرا ... صائر مرة الى ان يزولا ليتنى كنت قبل ما بدا لى ... فى قلال الجبال أرعى الوعولا ان يوم الحساب يوم عظيم ... شاب فيه الصغير يوما ثقيلا ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انشدينى من شعر أخيك فانشدته بعض قصايده فقال

[سورة الأعراف (7) : آية 176]

رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أمن شعره وكفر قلبه فانزل الله تعالى وتقدس فيه اتل عليهم نبأ الذي اتيناه آياتنا فانسلخ منها الاية وفى رواية عن ابن عباس انها نزلت فى البسولس رجل من بنى إسرائيل وكان اعطى له ثلث دعوات مستجابات وكانت له امرأة له منها ولد فقالت اجعلنى منها دعوة واحدة فقال لك منها واحدة فما تريدين قالت ادع الله ان يجعلنى أجمل امرأة فى بنى إسرائيل فدعالها فجعلت أجمل النساء فى بنى إسرائيل فلما علمت انه ليس فيهم مثلها رغبت عنه فغضب الزوج ودعا عليها فصارت كلبة نباحة فذهبت فيها دعوتان فجاء بنوها وقالوا ليس لنا على هذا قرار قد صارت أمنا كلبة نباحة والناس يعيروننا بها ادع الله ان يردها الى الحال التي كانت عليها فعادت كما كانت فذهبت فيها الدعوات كلها قال البغوي والقولان الأولان اظهر قلت بل القول الثاني يرده قوله تعالى قالوا يا موسى انا لن ندخلها ابدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون قال رب انى لا املك الا نفسى وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال فانها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض الاية فان ذلك الاية تدل على ان وقوعهم فى التيه لذلك القول لا لدعوة بلعام والله اعلم وقال الحسن وابن كيسان نزلت فى منافقى اهل الكتاب الذين كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وقال قتادة هذا مثل ضربه الله عز وجل لمن عرض عليه الهدى فابى ان يقبله فذلك قوله تعالى واتل عليهم نبأ الذي اتيناه آياتنا قال ابن عباس والسدى يعنى الاسم الأعظم قال ابن زيد كان لا يسأل شيئا الا أعطاه وقال ابن عباس فى رواية اخرى اوتى كتابا من كتب الله فانسلخ اى خرج منها كما تنسلخ الحية من جلدها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ يعنى لحقه وقيل استتبعه فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ فصار من الضالين. وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ الى منازل الأبرار من العلماء بِها اى بسبب تلك الآيات وقال مجاهد لرفعنا عنه الكفر وعصمناه بالآيات وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ اى مال الى الدنيا والى السفالة كنى من الدنيا بالأرض لمناسبة الاسفلية او لان ما فيها من البلاد والعقار كلها ارض وسائر متاعها مستخرج من الأرض قال الزجاج خلد واخلد واحد وأصله من الخلود وهو الدوام والمقام يقال اخلد فلان بالمكان إذا اقام به وَاتَّبَعَ هَواهُ فى إيثار الدنيا واسترضاء قومه واعرض عن مقتضيات الآيات أسند الله سبحانه الرفع الى مشيئته والخلود الى الأرض بمعنى الاقامة على الميل الى الدنيا الى العبد اشارة الى ان هذا امر طبعى يقتضيه ذاته لاجل إمكانه وعدمه الذاتي والرفع الى الدرجات العلى امر وهبى انما يستفاد من سبحانه بفضله وقال البيضاوي علق رفعه بمشية الله ثم استدرك عنه بفعل العبد تنبيها على ان المشيئة سبب لفعله الموجب لرفعه وان عدمه دليل على عدمها دلالة انتفاء المسبب على انتفاء سببه وان السبب

[سورة الأعراف (7) : آية 177]

الحقيقي هو المشية وان ما نشاهده من الأسباب وسائط معتبرة فى حصول المسبب من حيث ان المشية تعلقت به كذلك وكان من حقه ان يقول ولكنه اعرض عنها فاوقع موقعه اخلد الى الأرض واتبع هواه مبالغة وتنبيها على ما حمله عليه وعلى ان حب الدنيا راس كل خطيئة وهذا حديث مرفوع رواه البيهقي عن الحسن مرسلا فَمَثَلُهُ اى صفته التي هى مثل فى الخسة كَمَثَلِ كصفة الْكَلْبِ فى اخس أحواله وهو إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ اى يخرج لسانه من العطش او من التعب والاعياء يعنى يلهث دائما سواء حمل عليه بالزجر والطرد او ترك ولم يتعرض له لضعف فواده بخلاف سائر الحيوانات فانه لا يلهث شىء منها الا إذا حرك واعيا او عطش والشرطية فى موضع الحال والمعنى لاهثا فى الحالين ذليلا دائم الذلة قال مجاهد هو مثل الذي يقرأ القران ولا يعمل به والمعنى ان هذا الكافران زجرته ووعظته لم ينزجر وان تركته لم يهتد فهو ضال ابدا ذليل مثل ذلة الكلب لاهتا ابدا نظير هذه الاية فى المعنى قوله تعالى وان تدعوهم الى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامعون ثم عم لهذا التمثيل جميع من كذب بايات الله تعالى فقال ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا من اليهود حيث قرأوا نعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى التورية وبشروا الناس باقتراب مبعثه فلما جاءتهم واظهر المعجزات وقرأ القران المعجز وعرفوه كما يعرفون أبنائهم انسلخوا من آيات التورية وكفروا بمحمد صلى الله عليه واله وسلم وصاروا أذلاء كالكلب لاهثا لم ينفعهم الزواجر والمواعظ التي فى التورية فَاقْصُصِ الْقَصَصَ المذكورة على اليهود فانها نحو قصصهم لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ تفكرا يؤدى بهم الى الاتعاظ فيحذرون مثل عاقبته إذا ساروا نحو سيرته وقيل هذا مثال الكفار مكة وذلك انهم كانوا يتمنون هاديا يهديهم ويدعوهم الى طاعة الله عز وجل فلما جاء بهم نبى لا يشكون فى صدقه كذبوه فلم يهتدوا وادعوا او تركوا. ساءَ فاعله مضمر تميزه مَثَلًا الْقَوْمُ اى مثل القوم حذف المضاف واعراب المضاف اليه إعرابه الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ معطوف على كذبوا داخل فى الصلة يعنى الذين كذبوا وظلموا أنفسهم او منقطع عما سبق والمعنى وما يظلمون الا أنفسهم فان وباله لا يتخطاها ولذلك قدم المفعول. مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي أفرد حملا على لفظة من وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أورد لفظ الجمع حملا على المعنى فيه تصريح بان الهدى والضلال من الله تعالى وان هداية الله تعالى يختص ببعض دون بعض وانها مستلزمة للاهتداء وليس معنى الهدى من الله البيان كما قالت المعتزلة وفى افراد لفظ المهتدى وجمع الخاسرين تنبيه

[سورة الأعراف (7) : آية 179]

على ان المهتدين كواحد لاتحاد طريقهم بخلاف الضالين والاقتصاد فى الأخيار عمن هداه الله بالمهتدي تعظيم لشان الاهتداء وتنبيه على انه فى نفسه كمال جسيم ونفع عظيم لو لم يحصل له غيره لكفاه وانه المستلزم للفوز بالنعم الاجلة والعنوان لها عن عمر بن الخطاب انه خطب بالجابية فحمد الله واثنى عليه ثم قال من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادى له فقال له قس بين يديه كلمة بالفارسية فقال عمر لمترجم له ما يقول قال يزعم ان الله لا يضل أحدا فقال عمر كذبت يا عدو الله بل الله خلقك وهو اضلك وهو يدخلك النار ان شاء الله تعالى ولولا ان بيننا عقد لضربت عنقك فتفرق الناس وما يختلفون فى القدر. وَلَقَدْ ذَرَأْنا اى خلقنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنى المصرين على الكفر فى علمه تعالى عن عائشة عنه صلى الله عليه واله وسلم ان الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم فى أصلاب ابائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وهم فى أصلاب ابائهم رواه مسلم ونحو ذلك فيما مر من حديث إخراج الذرية من صلب آدم وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وفى يديه كتابان فقال أتدرون ما هذان الكتابان قلنا لا يا رسول الله الا ان تخبرنا فقال للذى فى يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه اسماء اهل الجنة واسماء ابائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ابدا ثم قال للذى فى شماله هذا كتاب من رب العالمين فيه اسماء اهل النار واسماء ابائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ابدا فقال أصحابه ففيم العمل يا رسول الله ان كان امر قد فرغ منه قال سددوا وقاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل اهل الجنة وان عمل اىّ عمل وان صاحب النار يختم له بعمل اهل النار وان عمل اىّ عمل ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بيديه فنبذهما ثم قال فرغ ربكم من العباد فريق فى الجنة وفريق فى السعير رواه الترمذي فان قيل كيف التوفيق بين هذه الاية وو بين قوله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون قلنا خلق الجن والانس كلهم للعبادة من حيث نفس الخلق واصل الحكمة فى خلق العالم من غير ملاحظة علم الله فيهم اختيار الكفر وخلق كثيرا من الجن والانس لجهنم نظرا الى انه تعالى علم منهم اختيار الكفر وحق القول منه لا ملئن جهنم من الجنة والناس أجمعين ولا منافاة بين الحيثيتين وما قيل ان قوله تعالى ما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وان كان عاما صيغة لكن أريد به الخصوص يعنى من علم منهم الايمان والطاعة فليس بشئ وقول المعتزلة بان هذا لام العاقبة اى ليكون عاقبتهم جهنم فلما كان عاقبتهم جهنم جعل كانهم خلقوا لها قرارا عن ارادة الله المعاصي عدول عن الظاهر لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ

[سورة الأعراف (7) : آية 180]

بِها اى ليس فيها استعداد معرفة الحق والنظر فى دلائله وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ونظر الاعتبار فى دلائله وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها الآيات والموعظ سماع تأمل وتذكر أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ فى عدم الفقه والابصار للاعتبار والاستماع للتدبر وان مشاعرهم وقواهم مقصورة على الاكل والشرب والجماع واسباب التعيش بَلْ هُمْ أَضَلُّ من الانعام لان للانعام تميزا بين الضار والنافع من وجه فتجتهد فى جذب المنافع ودفع المضار غاية جهدها والكفار منهم من يقدمون على النار المؤبدة معاندة مع العلم بالهلاك قال الله تعالى يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ومنهم من كابر العقول وارتكب الفضول وضيّع ما أودع الله فيه من العقل والشعور فكيف يستوى المكلف المأمور والمخلى المعذور أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ كمال الغفلة لا غيرهم بمثل تلك الغفلة هذه الجملة تدل على ان للانعام والجمادات شعورا ما بخالقهم ليسوا بغافلين كمال الغفلة ويشهد هذا قوله تعالى وان من شىء الا يسبح بحمده وقوله تعالى الم تر ان الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب قال مقاتل ان رجلا دعا الله فى صلوة ودعا الرحمن فقال بعض المشركين من اهل مكة ان محمدا صلى الله عليه واله وسلم وأصحابه يزعمون انهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا يدعو اثنين فانزل الله عز وجل. وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى دالة على معان هى احسن المعاني والمراد بها الألفاظ الدالة على الذات المتصفة بالصفات دون الصفات فحسب وبينهما بون بعيد فَادْعُوهُ بِها اى قسموه بتلك الأسماء فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان لله تعالى تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدة من أحصاها دخل الجنة وفى رواية وهو وتر يحب الوتر ولم يذكر الشيخان تعيين الأسماء التسعة والتسعين المذكورة فى هذا الحديث لعدم ثبوته على شرطها وذكر الترمذي والبيهقي فى الدعوات الكبير تعيينها عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة هو الله الذي لا اله الا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلى الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولي الحميد المحصى المبدى المعيد المحى المميت الحي القيوم الواحد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الاول

الاخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال «1» والإكرام المقسط الجامع الغنى المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور واعلم ان اسماء الله تعالى غير منحصرة فى العدد المذكور ولعل الأسماء المذكورة فى الحديث من خواصها انه من أحصاها دخل الجنة ولذلك ضبطها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى سلك واحد واعلم ان من الأسماء التي وقعت فى رواية الترمذي لم يقع سبعة وعشرون اسما منها فى القران بصيغة الاسم الصريح وهو القابض والباسط والخافض والرافع والمعز والمذل والعدل والجليل والباعث والمحصى والمبدى والمعيد والمميت والواجد والماجد والمقدم والمؤخر والوالي وذو الجلال والإكرام والمقسط والمغني والمانع والضار والنافع والباقي والرشيد والصبور وقد وقع فى القران بصيغة الاسم ما لم يقع فى رواية الترمذي وهو خير وأبقى واله وشاكر ورب العالمين وأحد ومالك يوم الدين والأعلى والأكرم وخفى واعلم بمن ضل عن سبيله واعلم بالمهتدين والقريب والنصير والقدير والمبين والخلاق والمبتلى والموسع والمليك والكافي وفاطر السموات والأرض والقائم بالقسط وغافر الذنب وقابل التوب وشديد العقاب ونعم المولى والغالب على امره وسريع الحساب وفالق الحب والنوى وفالق الإصباح وجاعل الليل سكنا وعلام الغيوب وعالم الغيب والشهادة وذو الطول وذو انتقام ورفيع الدرجات وذو العرش وذو المعارج وذو الفضل العظيم وذو القوة وذو المغفرة وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ومتم نعمته ومتم نوره وعدو الكافرين وولى المؤمنين والقاهر فوق عباده واسرع الحاسبين ومخرج الميت من الحي ومحيى الموتى وارحم الراحمين واحكم الحاكمين وخير الرازقين وخير الماكرين وخير الفاتحين ومخزى الكافرين وموهن كيد الكافرين وفعال لما يريد والمستعان ونور السموات والأرض واهل التقوى واهل المغفرة ونعم الماهدون ورب الناس وملك الناس واله الناس واقرب من حبل الوريد والقائم على كل نفس بما كسبت وأحق ان تخشاه الذي هو اغنى واقنى والذي هو أمات واحيى والذي هو اضحك وابكى والذي خلق الزوجين الذكر والأنثى والذي أهلك عادا الاولى والذي لم يكن له ولد ولم يكن له شريك فى الملك ولم يكن له ولى من الذل والذي انزل على عبده الكتاب والذي بيده ملكوت كل شىء والذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر والذي يبدأ الخلق ثم يعيده والذي بيده الملك والذي بعث فى الأميين رسولا ونحو ذلك وقوله تعالى لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين فى الحديث انه الاسم الأعظم وقد ذكرنا تحقيق الاسم الأعظم

_ (1) هذا وقع فى التنزيل فى سورة الرحمن 12 ابو الخير

[سورة الأعراف (7) : الآيات 180 إلى 181]

فى أوائل سورة ال عمران ومنها ما وقع فى الأحاديث سوى الحديث المذكور وليس فى القران كالحنان والمنان والجواد والأجود والفرد والوتر والصادق والجميل والقديم والبار والوافي والعادل والمعطى والمغيث والطيب والطاهر والمبارك وخالق الشمس والقمر المنير ورازق الطفل الصغير وجابر العظم الكسير وكبير كل كبير والذي نفسى بيده وغير ذلك ثم اعلم ان اسماء الله تعالى غير منحصرة فيما ورد فى القران والأحاديث فقد روى انه تعالى انزل فى التورية الفا من أسمائه وقد كان من دعائه صلى الله عليه واله وسلم اللهم انى أسئلك بكل اسم هو لك سميت به نفسك وأنزلته فى كتابك او علمته أحدا من خلقك او استأثرت به فى علم الغيب عندك فلا بد من الايمان مجملا بجميع اسماء الله تعالى التي سمى الله تعالى بها نفسه. وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ قرأ حمزة هنا وفى فصلت بفتح الياء والحاء والباقون بضم الياء وكسر الحاء ومعنى الإلحاد واللحد الميل عن القصد قال يعقوب بن السكيت الإلحاد هو العدول عن الحق وإدخال ما ليس منه فيه يقال الحد فى الدين ولحد والذين يلحدون فى أسمائه هم المشركون عدلوا بأسماء الله عما هى عليه فسموا بها أوثانهم فزادوا ونقصوا فاشتقوا اللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان هذا قول ابن عباس ومجاهد وقيل هو تسميتهم الأصنام الهة روى عن ابن عباس معنى يلحدون فى أسمائه يكذبون وقال اهل المعاني الإلحاد فى اسماء الله تعالى تسميته تعالى بما لم يتسم ولم ينطق به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه واله وسلم والحاصل ان اسماء الله تعالى توقيفية فانه يسمى جوادا ولا يسمى سخيا ويسمى عالما ولا يسمى عاقلا ويسمى رحيما ولا يسمى رقيقا وقال الله عز وجل يخادعون الله وهو خادعهم وقال عز وجل ومكروا ومكر الله ولا يقال يا خادع يا مكار ويقال يا قائم بالقسط ولا يقال يا قائم ولا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا كبير من زيد وان كان زيد اكبر من ملوك الدنيا بل يدعى بأسمائه التي ورد بها التوقيف على وجه التعظيم ولا يجوز لنا أخذ اسم من اسماء الله تعالى التي ورد فى التورية من اليهود لعدم الاعتماد على قولهم لكفرهم لكن من اسلم من أحبارهم وحسن إسلامه فلا بأس بالأخذ منه فان عمر رضى الله عنه وابن عباس وأبا هريرة وغيرهم من الصحابة كانوا يسألون أبناء التورية من كتب الأحبار وعبد الله بن سلام من غير نكير فمعنى الاية على هذا وذروا تسمية الزائغين فيها الذين يسمونه بما لم يرد به الشرع او المعنى ذروا الملحدين يعنى لا تبالوا بانكارهم فيما سمى به نفسه كقولهم ما نعرف إلا رحمن اليمامة او المعنى ذروهم والحادهم فيها بإطلاقها على الأصنام واشتقاق أسمائها منها كاللات ولا توافقوهم عليه او اعرضوا عنهم فان الله مجازيهم كما قال سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قال البغوي قال عطاء عن ابن عباس يريد امة محمد صلى الله عليه واله وسلم

[سورة الأعراف (7) : آية 182]

وهم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان وقال قتادة بلغنا ان النبي صلى الله عليه واله وسلم كان إذا قرأ هذه الاية قال هذه لكم وقد اعطى القوم بين ايديكم مثلها ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون وقال الكلبي هم من جميع الخلق وعلى كلا التقديرين ذكر الله تعالى فى هذه الاية بعد ما بيّن انه خلق للنار طائفة ظالمين ملحدين عن الحق انه خلق للجنة امة هاذين عادلين فى الأمر والاستدلال بهذه الاية على صحة اجماع كل عصر ضعيف إذ لا دلالة فيها على ان فى كل فرقة طائفة بهذه الصفة فلا مساس لهذه الاية بقوله صلى الله عليه واله وسلم لا يزال من أمتي امة قائمة بامر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتّى يأتي امر الله وهم على ذلك متفق عليه من حديث معاوية بن ابى سفيان والمغيرة بن شعبة. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعنى كفار مكة سَنَسْتَدْرِجُهُمْ يعنى سنقربهم الى الهلاك قليلا قليلا واصل الاستدراج الاستصعاد او الاستنزال درجة بعد درجة مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ قال عطاء سنمكر بهم من حيث لا يعلمون وقال الكلبي تزين لهم أعمالهم فنهلكهم وقال الضحاك كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وقال سفيان الثوري نسبغ عليهم النعمة وننسيهم الشكر. وَأُمْلِي لَهُمْ عطف على سنستدرجهم يعنى امهلهم وأطيل لهم مدة عمرهم وازين أعمالهم السوء وامهلها ليتمادوا فى المعاصي المفضية الى الهلاك إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ اى أخذي شديد وانما سماه كيدا لان ظاهره احسان وباطنه خذلان قال ابن عباس ان مكرى شديد قيل نزلت فى المستهزئين فقتلهم الله فى ليلة واحدة والله اعلم اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن قتادة قال ذكر لنا ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قام على الصفا ليلا فجعل يدعو قريشا فخذا فخذا يا بنى فلان يا بنى فلان يحذرهم بأس الله ووقائعه فقال قائلهم ان صاحبكم هذا لمجنون بات يصوت الى الصباح فانزل الله تعالى. أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا سكته ما بِصاحِبِهِمْ محمد صلى الله عليه واله وسلم مِنْ جِنَّةٍ اى جنون إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ موضح إنذاره بصوره جلى بحيث لا يخفى على أحد. أَوَلَمْ يَنْظُرُوا نظر استدلال فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يعنى ما يقع عليه اسم الشيء من الأجناس التي لا يحصى الدلالة على كمال قدرة صانعها ووحدته ليظهر لهم صحة ما يدعوهم اليه وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ عطف على ملكوت وان مصدرية او خفيفة عن الثقيلة واسمه ضمير الشان وكذا اسم يكون والمعنى او لم ينظروا فى اقتراب اجالهم وتوقع حلولها حتّى يسارعوا الى طلب الحق والتوجه الى ما ينجيهم قبل حلول اجالهم والاستفهام فى او لم يتفكروا واو لم ينظروا للانكار والتعجب والواو للعطف على محذوف تقديره الم يؤمنوا بالقران والنبي ورموه بالجنون ولم يتفكروا ولم ينظروا

[سورة الأعراف (7) : آية 186]

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ اى بعد القران العربي المعجز المشحون من العلم والحكمة على لسان رجل منهم أمي غير متهم قط بالكذب يُؤْمِنُونَ إذا لم يؤمنوا بالقران يعنى لعل اجالهم قريبة فما بالهم لا يتبادرون الايمان بالقران وما يطلبون أوضح دليل منه فاذا لم يؤمنوا به فباى حديث أحق منه يريدون ان يؤمنوا به ثم ذكر علة اعراضهم فقال. مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ قرأ ابو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الله والباقون بالنون على التكلم وقرأ حمزة والكسائي يذرهم بالجزم عطفا على محل فلا هادى له كانه قال فلا يهده أحد غيره ويذرهم والباقون بالرفع على الاستيناف فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يترددون متحيرين يعمهون حال من الضمير المنصوب فى يذرهم اخرج ابن جرير عن قتادة وغيره انه قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان بيننا وبينك قرابة فاشر إلينا متى الساعة واخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس قال قال حمل بن ابى قشير وسمول بن زيد لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم متى الساعة ان كنت نبيا كما تقول فانا نعلم ما هى فانزل الله تعالى. يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ اى القيامة وهى من الأسماء الغالبة وإطلاقها عليها اما لوقوعها بغتة او لسرعة حسابها او لانها على طولها عند الله كساعة أَيَّانَ متى مُرْساها مصدر ميمى يعنى ارسائها اى إثباتها واستقرارها ورسوا لشئ ثباته واستقراره ومنه رسا الجبل وارسى السفينة قال ابن عباس معناه منتهاها وقال قتادة قيامها قُلْ يا محمد إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي استأثر بعلمها لا يعلمها الا هو لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا لا يُجَلِّيها اى لا يظهر أمرها ولا يكشف خفائها لِوَقْتِها اى فى وقتها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى ثقل علمها وخفى أمرها بأعلى اهل السموات والأرض وكل خفى ثقيل او يقال كل من اهل السموات والأرض من الملئكة وغيرهم أهمه شان الساعة ويتمنى ان يتجل له علمها وشق عليه خفائها او ثقلت فيها لانهم يخافون شدائدها وأهوالها وقال الحسن معناه إذا جاءت ثقلت على أهلها من الملئكة والثقلين وعظمت كانه اشارة الى الحكمة فى اخفائها لا تَأْتِيكُمْ الساعة إِلَّا بَغْتَةً فجاءة على غفلة فى الصحيحين عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمها ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته الى فيه فلا يطعمها واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عمر قال لينفخن فى الصور والناس فى طرقهم وأسواقهم

[سورة الأعراف (7) : آية 188]

ومجالسهم حتى ليكون بين الرجلين يتساومان فما يرسله أحدهما من يده حتّى ينفخ فى الصور فيصعق به قال وهى التي قال الله تعالى ما ينظرون الا صيحة واحدة قال تقوم الساعة والناس فى أسواقهم يتبايعون ويذرعون الثياب ويحلبون اللقاح وفى حوائجهم فلا يستطيعون توصية ولا الى أهلهم يرجعون واخرج عبد الله بن احمد فى رواية الزهد عن زيد بن العوام قال ان الساعة تقوم والرجل يذرع الثوب والرجل يحلب الناقة ثم قرأ فلا يستطيعون توصية الاية واخرج الطبراني بسند جيد عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فلا تزال ترتفع فى السماء تنتشر حتى تملأ السماء ثم ينادى مناديا ايها الناس اتى امر الله فلا تستعجلوه قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والذي نفسى بيده ان الرجلان ينشران الثوب فلا يطويانه وان الرجل ليمدد حوضه «1» فلا يسقى منه شيئا والرجل يحلب ناقته فلا يشربه يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها فعيل من حفى الشيء إذا سال عنه وبالغ فى السؤال والمعنى كانك عالم بها فانه من بالغ فى السؤال عن الشيء والبحث عنه استحكم علمه فيه ولذلك عدى بعن وقيل عنها متعلق يسئلونك تقديره يسألونك عنها كانك حفى اى عالم وقيل هو من الحفاوة بمعنى الشفقة فان قريشا قالوا ان بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة والمعنى يسألونك عنها كانك شفيق بقريش تخصهم بالاطلاع عليها لاجل قرابتك بهم قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ كرره لتكرير يسألونك لمانيط به قوله كانك حفى وللمبالغة وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ان علمها مما استاثره الله ولم يوته أحدا من خلقه. قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا اى جلب منفعة ولا دفع مضرة دينية ولا دنيوية وهو اظهار للعبودية والتبري عن دعوى العلم بالغيب إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ من ذلك فيعلمنى به وحيا جليا او خفيا ويعطنى قدرة على جلب النفع او دفع الضرر وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ يعنى لاستكثرت من جلب المنافع ودفع المضار حتّى لا يمسنى سوء ولم أكن مغلوبا فى الحروب تارة وغالبا اخرى وقيل معناه لو كنت اعلم الغيب يعنى متى أموت لاستكثرت من العمل الصالح وما مسنى السوء يعنى اجتنب عما يكون من الشر والفتنة وقيل معناه لو كنت اعلم الغيب اى متى الساعة لاخبرتكم حتّى تؤمنوا وما مسّنى السوء بتكذيبكم وقيل ما مسنى السوء كلام مبتدأ رد لقولهم انك مجنون يعنى ما مسنى جنون إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ للكافرين وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يصدقون وجاز ان يكون لقوم يؤمنون متعلقا

_ (1) امدد الحوض طينه لتستلب منه الماء 12

[سورة الأعراف (7) : آية 189]

لبشير ونذير كليهما على سبيل تنازع الفعلين فان النذارة والبشارة انما ينفعان فيهم. هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعنى آدم عليه السلام وَجَعَلَ مِنْها اى من جسدها من ضلع من أضلاعها زَوْجَها حواء لِيَسْكُنَ إِلَيْها اى ليانس بها ويطمئن إليها ذكر للضمير ذهابا الى المعنى ليناسب قوله فَلَمَّا تَغَشَّاها اى جامعها حَمَلَتْ حواء حَمْلًا خَفِيفاً خف عليها ولم تلق منه ما تلقى الحوامل غالبا من الأذى او محمولا خفيفا وهو النطفة فَمَرَّتْ بِهِ اى فمضت به الى وقت ميلاده من غير إخراج ولا ازلاق او فاستمرت به وقامت وقعدت ولم يثقلها فَلَمَّا أَثْقَلَتْ اى صارت ذات ثقل إذ اكبر الولد فى بطنها دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما اى دعا آدم وحواء لَئِنْ آتَيْتَنا يا ربنا صالِحاً سويّا قد صلح بدنه مثلنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لك على هذه النعمة المجددة قال البغوي قال المفسرون لما حملت حواء أتاها إبليس فى صورة رجل وقال لها ما الذي فى بطنك قالت ما أدرى قال أخاف ان يكون بهيمة او كلبا او خنزيرا وما يدريك من اين يخرج من دبرك فيقتلك او من فيك او ينشق بطنك فخافت حواء من ذلك وذكرت ذلك لادم عليه السلام فلم يزالا فى هم من ذلك ثم عاد إليها فقال انى من الله بمنزلة فان دعوت الله ان يجعله خلقا سويا مثلك ويسهل عليك خروجه أتسميه عبد الحارث وكان اسم إبليس فى الملئكة الحارث فذكرت لادم عليه السلام فقال لعله صاحبنا الذي قد علمت فعاودها إبليس فلم يزل بهما إبليس حتى غرهما فلما ولدت سمياه عبد الحارث قال الكلبي قال لها ان دعوت الله فولدت إنسانا أتسميه بي قالت نعم فلما ولدت قال سميه بي قالت وما اسمك قال الحارث ولو سمى لها نفسه لعرفته فسمته عبد الحارث وروى عن ابن عباس قال كانت حواء تلد وآدم يسميه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت فسمياه عبد الحارث فعاش واخرج احمد والترمذي وحسنه وقال غريب والحاكم وصححه عن سمرة بن جندب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فانه يعيش فسمته فعاش فكان ذلك من وحي الشيطان وامره قال البغوي جاء فى الحديث انه خدمهما إبليس مرتين مرة فى الجنة ومرة فى الأرض وقال ابن زيد ولد لادم فسماه عبد الله فاتها إبليس فقال ما سميتهما ابنكما قالا عبد الله وكان قد ولد لهما قبل ذلك ولد فسمياه عبد الله فمات فقال إبليس أتظنان ان الله تارك عبده عندكما والله ليذهبن به كما ذهب بالاخر ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما فسمياه عبد الشمس قال البغوي والاول أصح. فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً بشرا سويا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ

فِيما آتاهُما قرأ ابو بكر شركاء بكسر الشين والتنوين اى شركة قال ابو عبيدة يعنى حظا ونصيبا وقرأ الآخرون بضم الشين وفتح الراء والمد والهمز جمع شريك قال البغوي اخبر عن الواحد بلفظ الجمع اى جعلا له شريكا إذ سمياه عبد الحارث وقال لم يكن هذا اشراكا فى العبادة ولا فى اعتقاد ان الحارث ربهما فان آدم كان نبيا معصوما من الشرك ولكن قصد ان الحارث كان سبب نجاة الولد وسلامة امه وقد يطلق اسم العبد على من لا يراد به انه مملوك كما يطلق اسم الرب على من لا يراد به انه معبود وهذا كالرجل إذا نزل به ضيف يسمى نفسه عبد الضيف على وجه الخضوع لا على ان الضيف ربه ويقول للغير انا عبدك وقال يوسف لعزيز مصر انه ربى احسن مثواى ولم يرد به انه معبوده كذلك هذا وقال الحسن وعكرمة معنى قوله تعالى جعلا له شركاء انه جعل أولادهما يعنى كفار مكة وغيرهم له تعالى شركاء فيما اتى أولادهما على حذف المضاف فى الموضعين واقامة المضاف اليه مقامه نظيره قوله تعالى ثم اتخذتم العجل وإذ قتلتم نفسا خطابا للذين كانوا فى عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم من اليهود وكان ذلك من فعل ابائهم والمعنى ثم اتخذ آباؤكم العجل وإذ قتل اسلافكم نفسا ويؤيد هذا القول إيراد شركاء بصيغة الجمع وقوله تعالى فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ يعنى الأصنام وكذا ما بعدها من الآيات وقال البغوي قيل هذا ابتداء كلام وأراد به اشراك اهل مكة ولئن أراد ما سبق فمستقيم من حيث انه كان الاولى بهما ان لا يفعلا ما فعلا من الإشراك فى الاسم وقال السيوطي هذا معطوف على خلقكم وما بينهما اعتراض وقال البغوي وقيل هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهودوهم ونصروهم وقال ابن كيسان هم الكفار سموا أولادهم عبد العزى وعبد اللات وعبد المناف وعبد الشمس وقال عكرمة خاطب كل واحد من الخلق بقوله خلقكم من نفس واحدة اى من أبيه وجعل منها اى من جنسها زوجها قال البغوي وهذا قول الحسن والاول قول السلف ابن عباس ومجاهد وسعيد بن المسيب وجماعة من المفسرين انه آدم وحواء قلت ذكر الله سبحانه من آدم قصة أكل الشجرة بعد ما نهى عنه واشنع عليه فى القران فى عدة مواضع حيث قال وعصى آدم ربه فغوى وذكر انه ندم على ذلك كثيرا حيث قال ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين فتاب الله سبحانه عليه وقال ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ومع ذلك ندم آدم على تلك الزلة ابدا حتّى انه ورد فى الصحيحين فى حديث طويل عن انس ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال يحبس المؤمنون يوم القيامة حتّى يهموا بذلك فيقولون لو استشفعنا الى ربنا فيريحنا

[سورة الأعراف (7) : آية 191]

من مكاننا فياتون آدم فيقولون أنت آدم ابو الناس خلقك الله بيده وأسكنك جنته واسجد لك ملئكته وعلمك اسماء كل شىء اشفع لنا عند ربك فيريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب أكله من الشجرة وقد نهى عنها ولم يذكر هذا الخطيئة من آدم عليه السلام ولو كانت تلك الخطيئة من آدم عليه السلام لكانت اغلظ من الاولى فى هذا المقام تاويل النصوص على ما قال الحسن وعكرمة. أَيُشْرِكُونَ به تعالى ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً يعنى إبليس والأصنام وَهُمْ يُخْلَقُونَ هم ضمير للاصنام جئ به بناء على تسميتهم الهة. وَلا يَسْتَطِيعُونَ اى الأصنام لَهُمْ لعبدتهم نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ فيدفعون عن أنفسهم مكروه من أرادهم بكسر او نحو ذلك. وَإِنْ تَدْعُوهُمْ اى المشركين إِلَى الْهُدى اى الإسلام لا يَتَّبِعُوكُمْ قرأ نافع هاهنا وفى الشعراء يتبعهم الغاوون بسكون التاء المثناة من فوق وفتح الموحدة من المجرد والباقون بتشديد المثناة وكسر الموحدة من الافتعال وهما بمعنى يقال تبعه واتبعه اتباعا وقيل الخطاب للمشركين والضمير المنصوب فى تدعوهم للاصنام اى ان تدعوا ايها الكفار الأصنام الى ان يهدوكم لا يتبعوكم اى لا يجيبوكم الى مرادكم كما يجيب الله سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ لم يقل أم صمتم لرعاية رؤس الاى وللمبالغة فى عدم إفادة الدعاء من حيث ان الدعاء مستو بالثبات على الصمات او لانهم ما كانوا يدعونها لحوائجهم فكانه قيل سواء عليكم أحداثكم دعائهم واستمراركم على الصمات عن دعائهم. إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ ايها المشركون مِنْ دُونِ اللَّهِ اى تعبدونهم وتسمونهم الهة عِبادٌ أَمْثالُكُمْ اى مخلوقة مملوكة مذللة مسخرة لما أريد منهم قال مقاتل أراد به الملئكة والخطاب مع قوم يعبدون الملئكة والاول أصح فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ انها الهة ويحتمل انهم لما نحتوا الأصنام بصورا لاناسى قال لهم ان منتهى أمرهم ان يكونوا احياء عقلاء أمثالكم فلا يستحقون عبادتكم كما لا يستحقها بعضكم من بعض ثم بين انها دونكم منزلة فقال. أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها قرأ ابو جعفر هاهنا وفى القصص والدخان بضم الطاء والباقون بكسرها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها كما هى لكم فكيف تعبدون ما هى أدون منكم منزلة قُلِ يا محمد ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ايها المشركون ثُمَّ كِيدُونِ قرأ هشام بخلاف عنه بإثبات الياء فى الحالين وابو عمرو بإثباتها فى الوصل خاصة والباقون بحذفها فى الحالين يعنى بالغوا فيما

[سورة الأعراف (7) : آية 196]

تقدرون أنتم وشركاؤكم فى المكر وإصابة المكروه فَلا تُنْظِرُونِ فلا تمهلونى فانى لا أبالي بكم لوثوقى على ولاية الله تعالى وحفظه. إِنَّ وَلِيِّيَ اى حفيظى اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ القران وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ من عباده فضلا من أنبيائه قال ابن عباس الذي لا يعدلون بالله شيئا فالله يتولاهم بنصره ولا يضرهم عداوة من عاداهم. وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ من تمام التعليل لعدم مبالاته بهم. وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا يعنى الأصنام وَتَراهُمْ ايها المخاطب يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ يعنى انهم يشهون الناظر إليك لانهم صوروا الصورة الإنسان وقال الحسن معنى الاية ان تدعوهم يعنى المشركين على الإسلام لا يسمعوا اى لا يعقلون ذلك بقلوبهم وتراهم ينظرون إليك بأعينهم وهم لا يبصرون بقلوبهم والله اعلم. خُذِ الْعَفْوَ قال عبد الله بن الزبير ومجاهد امر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه واله وسلم ان يأخذ العفو من اخلاق الناس وأعمالهم وما يسهل عليهم وذلك مثل قبول اعتذار والعفو والمساهلة وترك البحث عن الأشياء والتجسس ونحو ذلك ولا تطلب ما يشق عليهم فالعفو هو ضد الجهد وقيل معناه خذ العفو عن المذنبين اخرج البخاري عن ابن عباس قال قدم عيينة بن حصين بن حذيفة فدخل على ابن أخيه الحر بن يقيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء اصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا او شبانا فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا فاستاذن لى عليه قال ساستاذن لك عليه قال ابن عباس فاستاذن الحر للعيينة فاذن له عمر فلما دخل قال يا ابن الخطاب فو الله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتّى هم ان يوقع به فقال الحسن يا امير المؤمنين ان الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه واله وسلم خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين وان هذا من الجاهلين والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل عن انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال إذا وقف العباد للحساب جاء قوم فذكر الحديث وفيه ثم نادى مناد ليقم من اجره على الله فليدخل الجنة قيل ومن ذا الذي اجره على الله قال العافون عن الناس فقام كذا وكذا الفا فدخلوها بغير حساب رواه الطبراني بإسناد حسن وروى انه نزلت هذه الاية قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لجبرئيل ما هذا قال لا أدرى حتّى اسأل ربى ثم رجع فقال ان ربك أمرك ان تصل من قطعك وتعطى من حرمك تعفو عمن ظلمك رواه ابن مردوية عن جابر وابن ابى الدنيا وابن جرير وابن ابى حاتم عن الشعبي مرسلا وعن ابى بن كعب

[سورة الأعراف (7) : آية 200]

ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال من سره ان يشرف له البنيان ويرفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه ويعط من حرمه ويصل من قطعه رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد كذا قال لكنه منقطع وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها رواه البخاري وعن ابى هريرة ان رجلا قال يا رسول الله ان لى قرابة أصلهم ويقطعونى واحسن إليهم ويسيئو الى وأحلم عنهم ويجهلون علىّ فقال لئن كنت كما قلت فكانما تسفّهم المل «1» ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك رواه مسلم وقال ابن عباس والضحاك والكلبي معنى الاية خذ ما عفا لك من الأموال وهو الفضل من العيال وذلك معنى العفو فى قوله تعالى يسألونك ماذا ينفقون قل العفو ثم نسخت هذه بالصدقات المفروضات وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ اى بما هو معروف حسنة من الافعال شرعا وعقلا عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان رواه مسلم وعن حذيفة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال والذي نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر او ليوشكن الله ان يبعث عليكم عذابا من عنده ثم لتد عنه ولا يستجاب لكم رواه الترمذي وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ يعنى إذا سفه عليك الجاهلون فلا تقابلهم بالسفه ولا تكافيهم بمثل أفعالهم نظيره قوله تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما قال جعفر الصادق رضى الله عنه امر الله نبيه صلى الله عليه واله وسلم بمكارم الأخلاق وليس فى القران اية اجمع لمكارم الأخلاق من هذه الاية وعن جابر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان الله عز وجل بعثني لتمام مكارم الأخلاق وتمام محاسن الافعال رواه البغوي وعن عائشة انها قالت لم يكن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا فى الأسواق ولا يجزى السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح رواه الترمذي والبغوي. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ ما زائدة بعد ان الشرطية والنزع النخس وهو الضرب برؤس الأصابع والمراد هاهنا التحريك الى الشر والإغراء والوسوسة والمعنى ان يصيبك ويعتريك مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ قال عبد الرحمن بن زيد لما نزلت قوله تعالى خذ العفو قال النبي صلى الله عليه واله وسلم كيف يا رب والغضب فنزل واما ينزغنك من الشيطان نزغ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ اى استجر به جواب الأمر محذوف اى يدفعه عنك إِنَّهُ سَمِيعٌ لقولك عَلِيمٌ بالتجائك وبما فيه صلاح أمرك فيحملك عليه او سميع لاقوال من اذاك عليم بأفعاله

_ (1) المل الرمال الحار الذي يحمى ليدفن فيه الخبز لينضج أراد انما تجعل المل لهم سقوفا يستفونه حتّى ان عطاءك إياهم حرام عليهم ونار فى بطونهم 12 [.....]

[سورة الأعراف (7) : آية 201]

فيجازيه عليها مغنينا إياك عن الانتقام واتباع الشيطان. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة على وزن فاعل من طاف يطوف والمراد به لمة كانها طافت بهم ودارت حولهم فلم يقدر ان يؤثر فيهم او من طاف به الخيال يطيف طيفا وقرأ ابن كثير وابو عمرو والكسائي ويعقوب طيف بغير همز على انه مصدر على وزن ضرب او مخفف طيّف على وزن ليّن وهيّن مِنَ الشَّيْطانِ المراد به الجنس ولذلك جمع ضميره «1» تَذَكَّرُوا ما امر الله به ونهى عنه وثوابه وعقابه وان هذه لمة من الشيطان فَإِذا هُمْ اى الذين اتقوا مُبْصِرُونَ مواقع الخطاء مكائد الشيطان بسبب التذكر فيتحرّزون عنها ولا يتبعونه فيها قال السدى المتقى إذ ازل تاب وقال مقاتل ان المتقى إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر وعرف انه معصية فابصر ونزع عن مخالفة الله تعالى والاية تأكيد وتقرير لما قبلها وكذا قوله. وَإِخْوانُهُمْ اى اخوان الشياطين يعنى الفساق وجاز ان يكون المراد بالاخوان الشياطين ويعود الضمير الى الجاهلين قال الكلبي لكل كافراخ من الشياطين يَمُدُّونَهُمْ قرأ نافع بضم الياء وكسر الميم من الامداد والباقون بفتح الياء وضم الميم من المجرد يعنى يمدهم الشياطين اى يعينونهم بالتسهيل والإغراء او هم يمدون الشياطين بالاتباع والامتثال فِي الغَيِّ اى الضلال ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ اى لا يكفوا الفساق عن الضلالة ولا يبصرون بخلاف المؤمنين تذكروا فاذا هم مبصرون كذا قال الضحاك ومقاتل او المعنى ثم لا يكفون الشياطين عن اغوائهم حتّى يردونهم قال ابن عباس لا الانس يقصرون عما يعملون من السيئات ولا الشياطين يمسكون عنهم. وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ يا محمد بِآيَةٍ من القران او معجزة مما اقترحوه قالُوا يعنى الكفار لَوْلا اجْتَبَيْتَها اى هلا جمعتها تقولا من نفسك يقول العرب اجتبيت الكلام إذا اختلقته او هلا أخذتها من الله قال الكلبي كان اهل مكة يسألون النبي صلى الله عليه واله وسلم الآيات تعنتا فاذا تأخرت اتهموه وقالوا لولا اجتبيتها اى هلا أنشأتها من عندك قُلْ لهم يا محمد إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي اى لست بمختلق للايات او لست بمقترح لها هذا القران بَصائِرُ للقلوب بها تبصر الحق من الباطل والصواب من الخطاء او حجج وبرهان يظهر بها صدق دعواى مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية والبيهقي فى سننه من طريق ابى عياض عن ابى هريرة قال كانوا يتكلمون فى الصلاة فنزلت هذه الاية وفى رواية عنه انها نزلت فى رفع الأصوات خلف رسول الله صلى الله

_ (1) فى وإخوانهم 12 ابو الخير

عليه واله وسلم واخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن مسعود انه سلم على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يصلى فلم يرد وكان الرجل قبل ذلك يتكلم فى صلوته ويأمر لحاجته فلما فرغ رد عليه وقال ان الله يفعل ما يشاء وانها نزلت وإذا قرأ القران فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون واخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال كنا نسلم بعضنا على بعض فى الصلاة فنزلت فاستمعوا له وانصتوا واخرج ابن مردوية والبيهقي فى سننه عن عبد الله بن مغفل قال كان الناس يتكلمون فى الصلاة فأنزل الله هذه الاية فنهى النبي صلى الله عليه واله وسلم عن الكلام فى الصلاة واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابو الشيخ وابن جرير والبيهقي عن قتادة قال كانوا يتكلمون فى الصلاة أول ما أمروا بها كان الرجل يجئ وهم فى الصلاة فيقول لصاحبه كم صليتم فيقول كذا وكذا فانزل الله هذه الاية فامروا بالاستماع والإنصات واخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال كانوا يتكلمون فى الصلاة فانزل الله هذه الاية فهذه الروايات تدل على ان الاية نزلت للنهى عن الكلام فى الصلاة فقال ابو حنيفة رحمه الله وهو رواية عن احمد ان الكلام فى الصلاة عامدا كان او ناسيا او ساهيا او مكرها او جاهلا بالتحريم قل او كثر ينقض الصلاة غير ان السلام ناسيا غير مبطل للصلوة وعند الائمة الثلاثة إذا تكلم فى صلوته او سلم ناسيا او جاهلا بالتحريم او سبق لها لسانه لا يبطل صلوته وان طال والأصح عند الشافعي ان الكلام ناسيا ونحو ذلك ان طال يبطل وعن مالك ان كلام العامد فيما فيه مصلحة وان لم يكن عائدة الى الصلاة كارشاد الضال وتحذير الضرير لا يبطل الصلاة احتج الائمة الثلاثة بحديث ابن سيرين عن ابى هريرة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم احدى صلوة العشاء فصلى ركعتين ثم سلم فقام الى خشبة معروضة فى المسجد فاتكأ عليها كانه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خده الايمن على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا قصرت الصلاة وفى القوم ابو بكر وعمر فهاباه ان يكلماه وفى القوم رجل فى يديه طول يقال له ذو اليدين فقال يا رسول الله نسيت أم قصرت الصلاة فقال لم انس ولم تقصر فقال أكما يقول ذو اليدين فقالوا نعم فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده او أطول ثم رفع راسه ثم كبر وسجد مثل سجوده او أطول ثم رفع راسه وكبر فربما سألوه ثم سلم فيقول يعنى ابن سيرين نبئت ان عمران بن حصين قال ثم سلم متفق عليه وبحديث عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه واله وسلم سلّم فى ثلث ركعات

من العصر ثم دخل منزله فقام اليه رجل يقال له الخرباق وكان فى يديه طول فقال يا رسول الله فذكر به فخرج كانه غضبان يجر ردائه حتّى انتهى الى الناس فقال اصدق هذا قالوا نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم رواه مسلم وجه الاحتجاج ان النبي صلى الله عليه واله وسلم تكلم معتقدا ان صلوته قد تمت وانه ليس فى الصلاة وكذلك ذو اليدين لامكان النسخ واعترض على هذا الحديث بوجوه أحدها ان أبا هريرة اسلم فى سنة سبع وذو اليدين قتل يوم بدر فكيف يصح قوله صلى بنا وثانيها ان ألفاظه يختلف فتارة يروى فسلم من ركعتين وتارة من ثلث وثالثها ان هذا كان حين كان الكلام مباحا فى الصلاة ولهذا تكلم ابو بكر وعمرو الناس عامدين وأجيب بانه اتفق الائمة على صحة الحديث واسم ذى اليدين الخرباق كما ذكر فى حديث عمران بن حصين وهو عاش بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وانما المقتول يوم بدر ذو الشمالين اسمه عمير وانما وقع اعتراضهم على رواية الزهري لهذا الحديث فانه قال فى رواية فقام ذو الشمالين قال ابو داود السجستاني وهم الزهري فى هذا الحديث فرواه عن ذى الشمالين ظنا منه ان ذا الشمالين وذا اليدين واحد واما اختلاف ألفاظه فجوابه ان حديث ابى هريرة لم يختلف وانما يروى الثلث من عمران وهو من افراد مسلم وحديث ابى هريرة أصح وان الشك فى العدد لا يضر مع حفظ اهل الحديث وثبوت الكلام ناسيا واما تحريم الكلام فقال ابو حاتم بن حبان انما كان الكلام بمكة فلما بلغ المسلمون بالمدينة سكتوا وقال زيد بن أرقم وهو من اهل المدينة كنا نتكلم فى الصلاة حتى نزلت وقوموا لله قانتين فامرنا بالسكوت وقال ابو سليمان الخطابي نسخ الكلام بعد الهجرة بمدة يسيرة وعلى القولين كان تحريم الكلام قبل اسلام ابى هريرة بيقين واما كلام ابى بكر وعمر الناس فاجيب عنه بوجهين أحدهما ان فى رواية حماد بن زيد عن أيوب انهم اومؤا اى نعم فدل ذلك ان رواية من روى انهم قالوا نعم فيه تجوز والمراد انهم اومؤا ثانيهما انه لم ينسخ من الكلام ما كان جوابا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم لحديث ابى سعيد بن المعلى قال كنت أصلي فى المسجد فدعانى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فلم أجبه حتّى أتيته فقلت يا رسول الله انى كنت أصلي فقال الم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم رواه البخاري واحتج ابو حنيفة بحديث معاوية بن الحكم قال بينا نحن نصلى مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت له يرحمك الله فرمانى القوم بأبصارهم فقلت وا ثكلى أمياه ما شانكم تنظرون الىّ فجعلوا يضربون بايديهم على افخاذهم فلما رأيتهم يصمتونى لكنى سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دعانى فبابى هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده احسن تعليما منه والله ما لهزنى «1» ولا شتمنى

_ (1) اللهز الضرب بجمع الكف فى الصدر 12 نهايه

ولا ضربنى ثم قال ان هذه الصلاة لا تصلح فيها شىء من كلام الناس انما هو التسبيح والتكبير وقراءة للقران رواه مسلم وبحديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء رواه الدارقطني وأجيب بان حديث معاوية حجة على ابى حنيفة لا له حيث لم يأمره رسول الله صلى الله عليه واله وسلم باعادة الصلاة وانما علمه احكام الصلاة وقال له لا يصلح لانه مخطور فى الصلاة واما حديث جابر فهو من رواية ابى شيبة عن يزيد بن خالد عن ابى سفيان وابو شيبة اسمه عبد الرحمن بن اسحق ضعيف كذلك قال يحيى بن معين وقال احمد ليس بشئ منكر الحديث ويزيد لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد كذا قال ابن حبان والله اعلم وقال سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد ان الاية فى الخطبة أمروا بالإنصات لخطبة الامام يوم الجمعة واختار السيوطي هذا القول وقد ذكرنا مسئلة الإنصات فى الخطبة فى سورة الجمعة وقال عمر بن عبد العزيز الإنصات لقول كل واعظ وقال الكلبي كانوا يرفعون أصواتهم فى الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار يعنى بالدعاء والتعوذ وقال قوم نزلت الاية فى ترك الجهر بالقراءة خلف الامام قال البغوي روى زيد بن اسلم عن أبيه عن ابى هريرة قال نزلت هذه الاية فى رفع الأصوات خلف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى الصلاة وذكر البغوي عن المقداد انه سمع ناسا يقرءون مع الامام فلما انصرف قال اما ان لكم ان تفقهوا إذا قرأ القران فاستمعوا له وانصتوا كما أمركم الله قال البغوي وهذا قول الحسن والزهري والنخعي ان الاية فى القراءة فى الصلاة خلف الامام قال البغوي وهذا اولى ممن قال انها نزلت للانصات فى الخطبة لان الاية مكية والجمعة وجبت بالمدينة وقال ابن همام اخرج البيهقي عن الامام احمد قال اجمع الناس على ان هذه الاية فى الصلاة واخرج عن مجاهد كان عليه السلام يقرأ فى الصلاة فسمع قراءة فتى من الأنصار فنزل وإذا قرأ القران فاستمعوا له وانصتوا وقد ذكرنا مسئلة القراءة خلف الامام فى سورة المزمل فى تفسير قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القران واخرج ابن جرير عن الزهري قال نزلت هذه الاية فى فتى من الأنصار كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كلما قرأ شيئا قرأه قلت يعنى خارج الصلاة وقال سعيد بن منصور فى سننه حدثنى ابو معشر عن محمد بن كعب قال كانوا يتلقون من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا قرأ شيئا قرأوا معه حتّى نزلت هذه الاية فى الأعراف قال صاحب لباب النقول فى اسباب النزول ظاهر ذلك الرواية ان الاية مدنية. (فصل) اختلف العلماء فى وجوب الاستماع والإنصات على من هو خارج الصلاة يبلغه

صوت من يقرأ القران فى الصلاة او خارجها قال البيضاوي عامة العلماء على استحبابها خارج الصلاة وقال ابن همام وفى كلام أصحابنا ما يدل على وجوب الاستماع فى الجهر بالقراءة مطلقا قال فى الخلاصة رجل يكتب الفقه وبجنبه يقرأ القران فلا يمكنه استماع القران فالاثم على القاري وعلى هذا لو قرأ على السطح فى الليل جهرا والناس نيام يأثم وهذا صريح فى اطلاق الوجوب ولان العبرة لعموم اللفظ دون خصوص السبب قلت وقد ثبت عنه صلى الله عليه واله وسلم انه كان يقرأ القران بالليل جهرا بحيث يسمع من وراء حجرته وربما يسمعه الجيران روى الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أم هانى قال كنت اسمع قراءة النبي صلى الله عليه واله وسلم بالليل وانا على عريشى قال البغوي فى شرح السنة العريش السقف سميت بيوت مكة عروشا لانها عيدان ينصب ويظلل وروى ابو داود والترمذي عن ابن عباس قال كان قراءة النبي صلى الله عليه واله وسلم على قدر ما يسمعه من فى الحجرة وهو فى البيت وروى الطحاوي بلفظ كان يصلى بالليل فيسمع قراءته من وراء الحجرة وهو فى البيت وقد كانت فى بيوت النبي صلى الله عليه واله وسلم نسائه وربما كانت إحداهن نائمة وهو يصلى روى البخاري فى الصحيح عن عائشة قالت كنت أنام بين يدى النبي صلى الله عليه واله وسلم ورجلاى فى قبلته فاذا سجد غمزنى فقبضت رجلى فاذا قام بسطتها قالت والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح وكان اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقرءون القران بالليل والنهار رافعى أصواتهم من غير نكير روى مسلم عن ابى موسى الأشعري ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال له لقد رأيتنى وانا اسمع لقراءتك البارحة وفى الصحيحين عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انى لاعرف أصوات رفقة الأشعريين حين يرحلون واعرف منازلهم من أصواتهم بالقران باليل وان كنت لم ار منازلهم حين نزلوا بالنهار ولا شك ان بعض الناس فى العسكر كانوا يناما وقت قراءة الأشعريين وروى ابن ابى داود عن على بن ابى طالب رضى الله عنه انه سمع ضجة ناس فى المسجد يقرءون القران فقال طوبى لهؤلاء كانوا أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فهذه الأحاديث تدل على فساد ما افتى به صاحب الخلاصة واخرج ابن مردوية فى تفسيره قال ثنا ابو اسامة عن سفيان عن ابى المقدام هشام بن زيد عن معاوية ابن قرة قال سالت بعض مشايخنا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم احسبه قال عبد الله ابن مغفل كل من سمع القران وجب عليه الاستماع والإنصات قال انما نزلت هذه الاية إذا قرأ القران فاستمعوا له وانصتوا فى القراءة خلف الامام قلت واللام فى قوله تعالى إذا قرئ القران

[سورة الأعراف (7) : آية 205]

للعهد دون الجنس والمراد به القران المقر ولاستماعكم كالامام يقرأ حتى يسمع من خلفه والخطيب يقرأ للتخاطب والمقري يقرأ على التلميذ والله اعلم: - (فصل) لا يجوز الدعاء والتعوذ للسامع إذا قرأ القاري فى القران ذكر الجنة والنار لما ذكرنا من قول الكلبي قال ابن همام ان الله وعده بالرحمة إذا استمع حيث قال فاستمعوا وانصتوا لعلكم ترحمون ووعده حتم واجابة دعاء المتشاغل عنه به غير مجزوم به وكذا الامام: - (مسئلة) وكذا المنفرد لا يشتغل بغير القراءة فى الفرض وفى النفل يسأل الجنة ويتعوذ من النار عند ذكرهما ويتفكر فى اية المثل لحديث حذيفة قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صلوة الليل فما مر باية فيها ذكر الجنة الا وقف وسأل الله الجنة وما مر باية فيها ذكر النار الا وقف وتعوذ من النار رواه. وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ قال ابن عباس يعنى بالذكر القراءة فى الصلاة يريد يقرأ سرا فى نفسه فى صلوة السر تَضَرُّعاً وَخِيفَةً اى متضرعا وخائفا منى وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ اى متكلما كلاما فوق السر ودون الجهر أراد فى صلوة الجهر ولا تجهر جهرا شديدا بل فى خفض وسكون يسمع من خلفك كذا قال ابن عباس فى تفسير الاية فقوله ودون الجهر عطف على قوله فى نفسك قلت وجاز ان يكون المراد اقرأ القران فوق السر دون الجهر جهرا متوسطا نظيره قوله تعالى ولا تجهر بصلوتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ويؤيده حديث ابى قتادة قال ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خرج ليلة فاذا هو بابى بكر يصلى يخفض صوته ومر بعمر وهو يصلى رافعا صوته قال فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلى تخفض صوتك قال قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله وقال لعمر مررت بك وأنت تصلى رافعا صوتك قال يا رسول الله اوقظ الوسنان واطرد الشيطان فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا وقال لعمر اخفض من صوتك شيئا رواه ابو داود وروى الترمذي نحوه من حديث عبد الله بن رباح الأنصاري وجاز ان يكون المعنى اقرأ القران سرا وجهرا دون الجهر الشديد يعنى على كلا الوجهين تارة كذا وتارة كذا روى ابو داود عن ابى هريرة قال كانت قراءة النبي صلى الله عليه واله وسلم بالليل يرفع طورا ويخفض طورا وروى الترمذي عن عبد الله بن ابى قيس قال سألت عائشة عن قراءة النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يسر بالقراءة أم يجهر قالت كل ذلك قد كان يفعل ربما اسر وربما جهر قلت الحمد لله الذي جعل فى الأمر سعة قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب. (فصل) اختلف العلماء فى كيفية القراءة فى الصلاة ليلا وخارج الصلاة فقال قوم لا بد من

الجهر وكرهوا المخافة اتباعا لحديث أم هانى وابن عباس المذكورين انه صلى الله عليه واله وسلم كان يسمع قراءة من وراء الحجرة وهو فى البيت وسمعته أم هانى على عريشها والجمهور على ان القاري مخير ان شاء جهر وان شاء اخفت لما ذكرنا من حديث ابى هريرة وعائشة انه صلى الله عليه واله وسلم يرفع طورا ويخفض طورا قال الطحاوي فى حديث أم هانى وابن عباس ذكر رفعه صلى الله عليه واله وسلم صوته وهو لا ينفى الخفض أحيانا وحديث ابى هريرة يبين ان للمصلى ان يخفض ان أحب ويرفع ان أحب فهو اولى وبه يقول ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى ثم القائلون بالتخيير منهم من قال الإخفات أفضل بحديث عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الجاهر بالقران كالجاهر بالصدقة والمسر بالقران كالمسر بالصدقة رواه ابو داود والترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن ولا شك ان صدقة السر أفضل من صدقة العلانية قال الله تعالى ان تبدوا الصدقات فنعما هى وان تخفوها وتوتوها الفقراء فهو خير لكم وبه أخذ جماعة من السلف روى عن الأعمش قد دخلت على ابراهيم رضى الله عنه وهو يقرأ فى المصحف فاستاذن عليه رجل فنظاه «1» وقال لا يرى هذا انى اقرأ كل ساعة وعن ابى العالية رضى الله عنه قال كنت جالسا مع اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال رجل قرأت الليلة كذا وقالوا هذا حظك منه وقال كثير من العلماء الجهر أفضل لما ذكرنا فى ما سبق من الأحاديث فى الجهر ولما فى الصحيحين عن ابى هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول ما اذن الله لشئ كاذنه لنبى حسن الصوت يتغنى بالقران يجهر به ومعنى اذن استمع وهو اشارة عن الرضا والقبول وفيهما عن ابى موسى الأشعري ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال له أوتيت مزمارا «2» من مزامير ال داود وروى ابن ماجة من فضالة بن عبيد قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الله أشد اذنا «3» الى الرجل الحسن الصوت بالقران يجهر بها من صاحب القينة «4» الى قينته وروى ابو داود والنسائي وغيرهما عن البراء ابن عازب قال قال رسول

_ (1) نظّاه اى بغده 12 نهايه (2) المزمار الآلة التي يزمر بها والزمارة التغني يقال زمر إذا غنى شبه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حسن صوت ابى موسى وحلاوة نغمته بصوت المزمار داود النبي عليه السلام اليه المنتهى فى حسن الصوت بالقراءة ولفظ ال مقحمة وقيل معناه هاهنا الشخص 12 (3) أشد اذنا اى أشد استماعا 12 (4) القينة المغنية 12: -

الله صلى الله عليه واله وسلم زينوا القران بأصواتكم قال ابو حامد الغزالي وغيره من العلماء طريق الجمع بين الاخبار ان الاسرار ابعد من الرياء فهو أفضل فى حق من يخاف ذلك فان لم يخف الرياء فالجهر أفضل لان العمل فيه اكثر ولان فائدته متعد الى غيره فهو أفضل ولانه يوقظ قلب القاري ويجمع همته الى الفكر ويصرف سمعه اليه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط ويوقظ غيره من نائم او غافل وينشطه فمهما حضر شىء من هذه النيات فالجهر أفضل وان اجتمعت النيات تضاعف الاجر ولهذا قلنا القراءة فى المصحف أفضل قلت لا شك ان فى الجهر بالقران أحاديث كثيرة والآثار من الصحابة والتابعين اكثر من ان تحصى لكن فيمن لا يخاف رياء ولا إعجابا ولا غيرهما من القبائح ولا يؤذى جماعة يلبس عليهم صلواتهم ويخلطها عليهم فمن خاف شيئا من ذلك فلا يجوز له الجهر وان لم يخف استحب الجهر فان كانت القراءة فى جماعة مجتمعين مستمعين تأكد استحباب الجهر لكن لا يجوز كمال الجهر وان يجهد الرجل نفسه فى الجهر لقوله تعالى ودون الجهر من القول روى محمد ص فى موطاه عن مالك عن عمه ابى سهيل عن أبيه ان عمر بن الخطاب كان يجهر بالقراءة فى الصلاة وانه كان يسمع قراءة عمر بن الخطاب عند دارابى جهيم فقال محمد الجهر بالقران فى الصلاة فيما يجهر بالقراءة حسن ما لم يجهد الرجل نفسه والله اعلم: - فان قيل الجهر بالذكر والدعاء بدعة والسنة فيهما الإخفاء كما مر المسألة فى تفسير قوله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية فما وجه الفرق بين الذكر وقراءة القران مع ان القراءة ايضا ذكر قلنا القران مشتمل على الوعظ والقصص الموجبة للعبرة والاحكام ونظمه معجز جاذب للقلوب السقيمة الى الإسلام ولذا قال الله تعالى وان أحد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله وقراءته باللسان عبادة زائدة على الذكر الذي هو عبادة عن طرد الغفلة عن الجنان وإسماعه غيره عبادة اخرى مرغوبة عند الرحمن بخلاف الذكر والدعاء فان المقصود من الدعاء الاجابة ومن الذكر النسيان عما يشغله من العزيز المنان حتى يسقط عن بصيرته نفس الذكر بل الذاكر ايضا ولا يبقى فى بصيرته الا الواحد القهار: - (فائدة) قال شعبة نهانى أيوب ان أحدث بهذا الحديث زينوا القران بأصواتكم قال ابو عبيدة وانما كره فيما نرى ان يتاول الناس بهذا الحديث الرخصة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى هذه الالحان المبتدعة ثم ذكر ابو عبيدة أحاديث كثيرة فى

تحسين الصوت بالقران ثم قال ومحمل هذه الأحاديث طريق الحزن والتخويف والتشويق لا الالحان المطربة الملهية وقد روى فى ذلك أحاديث مفسرة مرفوعة وغير مرفوعة منها عن طاؤس قال سئل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اى الناس احسن صوتا بالقران او احسن قراءة فقال الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله وعن طاؤوس احسن الناس صوتا بالقران اخشاها الله تعالى رواه الدارمي عن طاؤس مرسلا وعن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اقرؤا القران بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون اهل العشق ولحون اهل الكتابين وسيجئ بعدي قوم يرجعون بالقران ترجيع الغناء والنوح لا يتجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شانهم رواه البيهقي فى شعب الايمان ورزين فى كتابه والله اعلم: - وقال مجاهد معنى الاية انه تعالى امر ان يذكروه فى الصدور بالتضرع اليه فى الدعاء والاستكانة دون رفع الصوت والصياح بالدعاء فان الإخفاء ادخل فى الإخلاص قلت وعلى هذا قوله ودون الجهر عطف تفسيرى لقوله فى نفسك وقد ذكرنا مسئلة الذكر الخفي والجهر فى تفسير قوله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية وما قال البيضاوي او هو امر للماموم بالقراءة سرا بعد فراغ الامام عن قراءته كما هو مذهب الشافعي رحمه الله فليس بشئ فانه خطاب مع النبي صلى الله عليه واله وسلم وقد كان اماما ولم يكن ماموما ولو كان الخطاب للمامومين لكان بصيغة الجمع دون المفرد على نسق قوله تعالى فاستمعوا وانصتوا لعلكم ترحمون وايضا القراءة سراينا فى الاستماع والإنصات كالقراءة جهرا وقوله بعد فراغ الامام عن قراءته غير مستفاد من الاية فيلزم حينئذ التعارض بين الآيتين وايضا القراءة بعد فراغ الامام لا يتصور فان الامام بعد الفراغ من القراءة يركع ولا قراءة للماموم بعد ما ركع الامام اجماعا ولو قام الامام ساكتا حتّى يفرغ المأموم عن قراءته لزم قلب موضوع الامامة والله اعلم بِالْغُدُوِّ اى باوقات الغدو وهو مصدر غدا يغدو غدوا إذا دخل فى وقت البكرة يعنى أول النهار فى القاموس الغدوة بالضم البكرة او ما بين صلوة الفجر وطلوع الشمس وَالْآصالِ جمع اصيل وهو العشى يعنى اخر النهار وقال البغوي هو ما بين العصر والمغرب خص هذين الوقتين بالذكر لفضلهما والمراد امة الذكر كما يدل عليه قوله تعالى وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ يعنى لا تغفل من الله أصلا فى وقت من الأوقات قلت وتذئيل قوله تعالى واذكر ربك فى نفسك بقوله بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين

[سورة الأعراف (7) : آية 206]

يدل على ان المراد بالذكر أعم من القراءة وغيره والمقصود طرد الغفلة باى وجه كان والله اعلم. إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ عندية وقربا غير متكيف بالفضل والكرامة لامتناع العندية الجسمانية فى جنابه تعالى والمراد بالموصول الأنبياء والملئكة وصالحوا المؤمنين لا يَسْتَكْبِرُونَ اى لا يتكبرون بانفسهم عَنْ عِبادَتِهِ قلت بل يستكبرون أنفسهم بعبادته وَيُسَبِّحُونَهُ وينزهونه عما لا يليق به ويذكرونه يقولون سبحان ربى الأعلى وَلَهُ يَسْجُدُونَ ع اى يخصونه بالسجود والعبادة ولا يشركون به غيره عن معدان بن طلحة قال لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقلت أخبرني بعمل أعمله يدخلنى الله به الجنة فسكت ثم سألته الثانية فسكت ثم سألته الثالثة فقال سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال عليك بكثرة السجود لله فانك لا تسجد لله سجدة الا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة قال معد ان ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لى مثل ما قال ثوبان رواه مسلم وفى رواية عن ثوبان بلفظ ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها سيئة رواه احمد والترمذي والنسائي وابن حبان والبغوي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء رواه مسلم وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى يقول يا ويلتى امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فابيت فلى النار رواه مسلم وعن ربيعة بن كعب قال كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاتيه بوضوئه وحاجته فقال لى سل فقلت اسألك مرافقتك فى الجنة قال او غير ذلك قلت هو ذلك قال فاعنى على نفسك بكثرة السجود رواه مسلم وقد ذكرنا مسائل سجود التلاوة فى سورة انشقت والله اعلم: - تمت سورة الأعراف ونتلوها سورة الأنفال إنشاء الله تعالى سادس عشر من المحرم من السنة الاولى من المائة الثانية عشر سنه 12 هجرى فقط تمّت صحّحه المولوى عبد الرحمن مدرس ومفتى مدرسه امينيه دهلى 15 5/ 85 هـ ثم مولوى؟؟؟ عنه هـ سنه 1412 صفر.

الجزء الرابع

الجزء الرابع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فهرست سورة الأنفال من التفسير المظهرى 1 مضمون صفحه ذكر قتال بدر واختلافهم في الغنائم ونزول صدر السورة 6 ما ورد ان الأنفال يوم بدر كانت خالصة لرسول 6 الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخها آية الخمس حديث بل تنصرون الا بضعفائكم 8 مسئلة القول انا مومن خفا او إنشاء الله 9 حديث في الجنة مائة درجة 10 قصه غزوة بدر 11 سبب خروج النبي صلى الله عليه وسلم 11 ذكر منام عاتكة ووصول ضمضم بن عمرو بمكة 12 خروج قريش من مكة وخوفهم من بنى كنانة 13 وظهور إبليس لهم في صورة سراقة بن مالك- رؤيا ضمضم بن عمرو 14 رؤيا جهيم بن صلت 15 خروج رسول الله عليه وسلم من المدينة 15 دعائه صلى الله عليه وسلم للمدينة 15 بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيس بن 16 عمرو وعدى بن ابى الرغباء يتجسسان الاخبار عن ابى سفيان- إتيان خبر مسير قريش ومشاورته صلى الله عليه وسلم 216 مضمون صفحه أصحابه فتكلموا وأحسنوا واستبشر صلى الله عليه وسلم وبشرهم بأن الله وعد إحدى الطائفتين وكأني انظر مصارع القوم وكره جماعة لقاء العدو 17 ركب عليه السلام وابو بكر يتجسسان الاخبار 17 ثم بعث عليا والزبير وغرهما لذلك فاصابوا غلامين 19 لقريش فاستخبرهما- رجع بسيس وعدى بخبر ابى سفيان 20 وصول ابى سفيان ببدر واطلاعه على مسير 20 رسول الله صلى الله عليه وسلم واسراع سيره الى الساحل حتى احرز عيره أرسل ابو سفيان ابى قريش ان ارجعوا 20 الى مكة فابى ابو جهل وكره اهل الرأي منهم راى ابى جهل ورجع بنى زهرة الى مكة بقول الأخنس نزلت قريش عند بدر بالعدوة القصوى- 21 ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون 21 بالعدوة الدنيا وغلب المشركون على الماء فى أول أمرهم فظمى المسلمون ووسوس لهم الشيطان فانزل الله المطر على المشركين وابلا منعهم من التقدم وأفزعهم وعلى المسلمين طلّا طهّرهم واذهب

فهرست التفسير المظهرى سورة الأنفال 1 عنهم رجز الشيطان وثبت أقدامهم واستولوا على الماء وبنوا حوضا وبنو الرسول الله عليه وسلم عريشا على التل وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير هذا مصرع 22 فلان وهذا مصرع فلان فما تعدى أحد موضع إشارته حديث ثواب تلك الليلة لمن شهد- 23 مرأة الفئتين- 23 روية الكفار والمؤمنين قوما مستمنين وقول عتبة 23 وغيره لابى جهل ارجع الى مكة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ابى جهل ان ارجع فأبى- شروع القتال- 24 رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعركة الى العريش 26 يناشد ربه. بشاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول الملئكة 28 وظهور بعض الملئكة على بعض الناس- قتال النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الشريفة 31 قتالا شديد او ابو بكر- النعاس في القتال امنة وفي الصلاة من الشيطان 32 ما ورد في قتال الملئكة- 33 وذكر موت ابى لهب- 35 ما ورد في ان مصيبة المؤمن في الدنيا كفارة لة 35 مسئله الفرار من الزحف كثيرة الا إذا كان 37 المؤمنون اقل من شطر الكفار- ما ورد في رميه صلى الله عليه وسلم بالحصب- 39 2 ما ورد في فضائل اهل بدر 40 استفتاح ابى جهل وذكر قتله- 42 ما ورد في ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر- 47 قصة محاصرة بنى قريظة واستيثارهم 51 أبا لبابة وخيانة ابى لبابته لله ورسوله وذكر توبته- حديث اتقوا فراسة المؤمن- 52 حديث استفت نفسك 54 ما ورد في ان النجاة بفضل الله لا بالأعمال 55 قصة اجتماع قريش ومعهم إبليس في صورة 56 شيخ نجدى في دار الندوة وهجرته صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة- من اسلم من أسارى بدر 25 حديث الإسلام يهدم ما كان قبله والهجرة والحج 25 حديث لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر 22 الا ادخله الله كلمة الإسلام- حديث أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا 22 لا اله الا الله- مسائل الغنائم 62 مسئلة إذا دخل واحد او اثنان دار الحرب 62 بغير اذن الامام هل يخمس ما أخذ- مسئله الخمس واجب في القليل والكثير والمنع عن الفلول- مصرف الخمس

1 فهرست التفسير المظهرى سورة الأنفال مسئله هل يجوز صرف الخمس وصنف او شخص واحد 29 مسئله حكم سهم الرسول صلى الله عليه وسلّم بعد وفاته صلى الله عليه وسلّم 72 مسئله حكم سهم ذوى القربى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم- 72 فصل في الأخماس الاربعة- 72 مسئله سلب المقتول- 72 مسئله التنفيل بان شرط حالة القتال وقول الامام 80 من أصاب شيئا فهو له مسئله هل يجوز للامام ان يعطى بعض الغانمين 81 فوق سهمه بلا شرط سبق ان راى اجتهاده- مسئله الاختلاف في سهم الفارس سهمان او ثلثه- 84 مسئله إذ الحق المدد بدار الحرب بعد الفتح 88 قبل الاحراز بدار الإسلام هل يسهم لهم- مسئله هل يسهم لاهل سوق العسكر ولا لسائسة الدواب 89 مسئله ان أطاق الصبى القتال واجازه الامام هل يكمل 89 له السهم مسئله العقار التي فتحت عنوة- 89 المعجزات التي ظهرت يوم بدر- 93 ما ورد في تصحيح النية في الجهاد وخطبة الجهاد 98 قصة فرار الشيطان من رفاقة الكفار حين 99 راى الملئكة- ذكر كون قريش الى زمن قصى بن كلاب على 102 دين اسمعيل وأول من غير دينه فيهم- ذكر قتل بنى قريظة- 103 2 ذكر اجلاء بنى قينقاع- 105 ما ورد في فضل الرمي- 106 ما ورد في ربط الخيل- 107 ما ورد في فضيلة الانفاق على المجاهدين 108 في سبيل الله- ما ورد في اسلام عم ونزل قوله تعالى 110 حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين قصّة أسارى بدر ومشاورة النبي صلى الله 111 عليه وسلم أصحابه فيهم واشارة ابى بكر بالفداء وعم بالقتل ونزول العتاب الا على رأى عمر- مسئله يجوز قتل الأسارى وذكر من قتل 113 من أسارى بدر- مسئله يجوز استرقاق الأسارى 114 مسئله هل يجوز المن على الأسارى او 114 الفداء بالمال او بالأسير المسلم او تركهم ذمة لنا- وذكر من من عليه رسول الله صلى الله 115 عليه وسلم من أسارى بدر- ذكر فداء بعض الأسارى بأسارى 116 المسلمين- قصّة اسلام ثمامة بن أثال- 116 حديث فضلت على الأنبياء بست او نحو ذلك منها حل الغنائم 118

1 فهرست تفسير المظهرى سورة الأنفال قصه اسر العباس وتكليفه ان يفدى نفسه 119 وعقيل ونوفل وإنكاره المال عنده وقوله صلى الله عليه وسلم اين الذهب الذي وقعت أم الفضل واسلام العباس- قول عباس في نزول ان يعلم الله في قلوبكم 120 خيرا يوتكم خيرا مما أخذ منكم وقد أبدلني الله بعشرين اوقية عشرين عبدا كلهم تاجر بمالى أدناهم يضرب بعشرين الفا مسئلة لا يجوز للمؤمن موالاة الكفار ولا مناصرتهم- 121 ولا يرث المؤمن الكافر وبالعكس- 121 يكره موالاة الفاسق- 122 مسئلة اختلاف الدارين مانع من الإرث 122 2 مسئله لو أغار قوم من الكفار على 123 قوم منهم وفيهم مسلم مستأمن لا يحل له القتال الا إذا خاف على نفسه مسئله لو أغار الكفار على المسلمين و 123 اسروهم وسبوا وزيتهم وأموالهم واحرزوها بدار الحرب وفيها مسلمون مستأمنون وجب عليهم ان يخلصوا المؤمنين وذراريهم من أيدي الكفار ولو بالقتال ولا يجوزهم التعرض للاموال - مسئله ميراث ذوى الأرحام 124 تمام شد فهرست سورة الأنفال بتصحيح: مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى.

سورة الأنفال

سورة الأنفال نحمد يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انّك مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شىء قدير أنت ربّنا وربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ ونصلّى ونسلّم على رسولك وحبيبك سيّدنا ومولانا محمّد وعلى جميع النّبيين والمرسلين وعلى عبادك الصّالحين سورة الأنفال ستة او سبع وسبعون آية مدنية قيل الا سبع آيات من قوله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الى آخر سبع نزلت بمكة والأصح انها نزلت بالمدينة وان كانت الواقعة بمكة ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى ابن ابى شيبة وابو داود والنسائي والحاكم وابن حبان وعبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن عابد وابن مردوية وابن عساكر عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما كان يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله كذا وكذا ومن اسر أسيرا فله كذا وكذا وفي رواية ابن مردوية من طريق فيه الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس وعن عطاء عن ابن عجلان عن عكرمة عنه بلفظ من قتل قتيلا فله سلبه فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات واما الشبان فسارعوا الى القتل والغنائم فقال المشيخة للشبان اشركونا معكم فانا كنا لكم ردا ولو كان منكم شىء لجئتم إلينا فاختصموا الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجاء ابو اليسر باسيرين فقال يا رسول الله قد وعدتنا فقام سعد بن معاذ فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعطيت هؤلاء لم يبق لاصحابك شىء وانه لم يمنعنا من هذا زهادة في الآخرة ولا جبن عن العدو ولا ضعن بالحياة ان نصنع ما صنع إخواننا ولكنا رأينا قد أفردت فكرهنا ان تكون بمضيعة وانما قمنا هذا المقام محافظة عليك ان يأتوك من ورائك فتشاجروا فنزلت. يَسْئَلُونَكَ يا محمد عَنِ الْأَنْفالِ يعنى ان الغنائم لمن هى والنفل الغنم لانها من فضل الله وعطائه قُلِ لهم يا محمد الْأَنْفالُ لِلَّهِ ملكا وَالرَّسُولِ تصرفا يقسمها الرسول على ما يأمره الله تعالى

يعنى أمرها مختص بهما قال ابن عباس فيما رواه الائمة المذكورون فنزعه الله تعالى من أيديهم فجعله الى رسوله صلى الله عليه وسلّم فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين المسلمين على بواء اى سواء فكان ذلك تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلّم وإصلاح ذات البين كما قال الله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ في الاختلاف والمشاجرة وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ يعنى الصفة التي بينكم من المواسات والالفة والمساعدة فيما رزقكم الله تعالى وتسليم امره الى الله تعالى ورسوله قال الزجاج يعنى ذات بينكم حقيقة وصلكم والبين الوصل وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما أمرتم به في الغنائم وغيرها إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) شرط استغنى عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنتم مومنين كاملى الايمان فافعلوا ذلك فان مقتضى كمال الايمان الاطاعة في الأوامر والاتقاء عن المعاصي وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان والإيثار وذكر البيضاوي الحديث بلفظ شرط رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمن كان له غناء ان ينفله فتسارع شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين ثم طلبوا نفلهم وكان المال قليلا فقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات كنا ردا لكم وفئته تتحازون إليها فنزلت فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بينهم على السواء ثم قال البيضاوي ولهذا لا يلزم الامام ان يفي بما وعدهم وهو قول الشافعي رحمه الله وروى ابن ابى شيبة واحمد وعبد بن حميد وابن مردوية عن سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه قال لما كان يوم بدر وقتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت يا رسول الله قد شفانى الله تعالى اليوم من المشركين فنفلنى هذا السيف فانا من قد علمت حاله قال هذا السيف لا لك ولا لى ضعه فوضعته ثم رجعت قلت عسى ان يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلى بلائي فرجعت فقال اذهب فاطرحه في القبض «1» فرجعت وبي مالا يعلمه الا الله تعالى من قتل أخي وأخذ سلبى فرجعت به حتى إذ أردت ان ألقيه لا ميتنى نفسى فرجعت اليه فقلت أعطنيه فشد بي صوته فما جاوزت الا يسيرا حتى نزلت سوره الأنفال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم اذهب فخذ سيفك وفي رواية فجأنى الرسول انك

_ (1) قبض بالتحريك قبض ما أخذ من اموال الناس

سألتنى وليس لى وانه قد صار لى وهو لك وروى البخاري في تاريخه عن سعد بن جبير ان سعدا ورجلا من الأنصار خرجا ينتفلان فوجدا سيفا ملقى فخرا عليه فقال سعد هو لى وقال الأنصاري هو لى لا أسلمه حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاتياه فقص عليه القصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليس لك يا سعد ولا للانصارى فنزلت ويسألونك عن الأنفال الآية ثم نسخت هذه الاية بقوله تعالى واعلموا انما غنمتم من شىء فان لله خمسه وللرسول ولذى القربى وروى ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال الأنفال المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلّم خالصة ليس لاحد منها شىء ما أصاب من سرايا المسلمين من شيء أتوه فمن حبس ابرة او سلكا فهو غلول فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان يعطيهم منها شيئا فانزل الله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لى جعلتها لرسولى ليس لكم منها شيء فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم الى قوله ان كنتم مومنين ثم انزل الله واعلموا انما غنمتم من شىء الآية ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ولذى القربى واليتامى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وجعل اربعة أخماسه للناس فيه سواء للفرس سهمان ولصاحبه سهم وللراجل سهم قال محمد بن يوسف الصالحي في سبيل الرشاد ولما امر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان يقسم الغنائم على السواء قال سعد ابن معاذ يا رسول الله أتعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطى الضعيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثكلتك أمك وهل تنصرون الا بضعفائكم ونادى مناديه صلى الله عليه وسلّم من قتل قتيلا فله سلبه ومن اسر أسيرا فهو له كان يعطى من قتل قتيلا سلبه وروى سعيد بن منصور واحمد وابن المنذر وابن حبان والحاكم والبيهقي في السنن عن عبادة بن الصامت قال التقى الناس فهزم الله العدو وانطلقت طائفة الى آثارهم يأسرون ويقتلون واكبت طايفة على العسكر يجوزونه ويجمعونه وأحدقت طايفة برسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وأفاء الناس بعضهم الى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن جمعناها وحويناها فليس لاحد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم

[سورة الأنفال (8) : آية 2]

وقال الذين احدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلّم لستم بأحق بها منا نحن احدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلّم حفظنا ان يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت يسألونك عن الأنفال الآية. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الكاملون في الايمان الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ خافت وفزعت قُلُوبُهُمْ استعظاما وتهيبا من جلاله وعزة سلطانه وقيل هو الرجل يهم بالمعصية فيقال له اتق فينزع منه خوفا من عقابه فالمعنى إذا ذكر وعيد الله بحذف المضاف وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً لاطمينان النفس بنزول البركات عند تلاوة القرآن ورسوخ اليقين بتظاهر الادلة وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) يفوضون أمورهم اليه تعالى ولا يخشون ولا يرجون أحدا الا إياه. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ (3) اى يأتونها بحقوقها ويقيمونها كما يقام القداح وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ أعطيناهم يُنْفِقُونَ (3) في سبيل الله. أُولئِكَ الموصوفون بمكارم اعمال القلوب من الإخلاص والخشية والتوكل واطمينان الأنفس بذكر الله ومحاسن اعمال الجوارح من الصلاة والصدقة هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا صفة لمصدر محذوف اى ايمانا حقا او مصدر مؤكد يعنى حق إيمانه حقا لا شبهة فيه عن الحسن ان رجلا سأله أمؤمن أنت قال ان كنت تسألنى عن الايمان بالله وملئكته وكتبه ورسوله والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن وان كنت تسألنى عن قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ الاية فلا أدرى امنهم انا أم لا قلت مراد الحسن ان كمال الايمان بالإخلاص وتصفية القلب وتزكية النفس وتحلية الجوارح بالطاعات وترك المعاصي وذلك امر نادر لا أدرى اتصاف نفسى به واما نفس الايمان. فموجود بفضل الله فليس هذا من قبيل انا مومن إنشاء الله وقال علقمة كنا في سفر فلقينا قوما فقلنا من هؤلاء قالوا نحن المؤمنون حقا فلم ندر ما نجيبهم حتى لقينا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه فاخبرناه بما قالوا قال فما رددتم عليهم قلنا لم نرد عليهم قال هلا قلتم أمن اهل الجنة أنتم ان المؤمنين اهل الجنة وقال الثوري من زعم انه مؤمن حقا او عند الله ثم لم يشهد انه في الجنة فقد آمن بنصف الآية دون النصف وبهذا يتشبث من يقول انا مؤمن إنشاء الله يعنى المراد بالاستثناء عدم الجزم بحسن الخاتم الموجب لكونه من اهل الجنة لا الشك في إيمانه الحالي فان الشك ينافى

[سورة الأنفال (8) : آية 5]

الايمان الاعتقاد الجازم وكان ابو حنيفة رحمه الله يكره هذا القول لكونه موهما للشك المنافي للاعتقاد الجازم ويقول انا مومن حقا باعتبار حصول الاعتقاد الجازم في الحال لا بمعنى الجازم بحسن الخاتمة فالنزاع انما هو في اللفظ دون المعنى لكن الأحوط قول أبي حنيفة قال ابو حنيفة لقتادة لم تستشنى في إيمانك قال اتباعا لابراهيم عليه السلام في قوله والذي أطمع ان يغفر لى خطيئتى يوم الدين فقال له هلا اقتديت به في قوله اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى وعن ابراهيم التميمي قال قل انا مومن حقا فان صدقت اثبت عليه وان كذبت فكفرك أشد عليك من ذلك وعن ابن عباس من لم يكن منافقا فهو مؤمن حقا لَهُمْ دَرَجاتٌ كرامة وفضل وعلو منزلة عِنْدَ رَبِّهِمْ نظيره قوله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض وقال عطاء درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة منها تفجر انهار الجنة الاربعة ومن فوقها يكون العرش فاذا سألتم الله فاسئلوا الفردوس رواه الترمذي وقال البغوي قال الربيع بن انس سبعون درجة ما بين كل درجتين حضر «1» الفرس المضمر «2» سبعين سنة وَمَغْفِرَةٌ لما فرط معهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) حسن أعد الله لهم في الجنة ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا يخطر ببال أحد ولا ينقطع ابدا. كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ الذي بالمدينة او المراد بالبيت المدينة نفسها لانها مهاجره ومسكنه فهى مختصة به كاختصاص البيت بصاحبه بِالْحَقِّ متعلق باخرج اى إخراجا متلبسا بالحكمة والصواب لقتال الكفار ببدر وقوله كما اخرجك اما خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا الحال يعنى كون الأنفال لله والرسول وتقسيم رسول الله صلى الله عليه وسلّم الأنفال بين الناس على السواء وكراهة بعض الناس يعنى الشبان المقاتلة ثابت كحال اخراجك الله للحرب وكراهتهم له أو صفة لمصدر الفعل المقدر في قوله لله والرسول اى الأنفال ثبت لله والرسول مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات اخراجك ربك من بيتك كذا قال المبرد وقيل تقديره امض لامر الله تعالى في الأنفال وان كرهوا كما مضيت امر الله في الخروج من البيت-

_ (1) حضر الفرس يعنى عدو 12 (2) تضمير الخيل هو ان يظاهر عليها بالعلفة حتى تسمن ثم لا تعلف الا فوقا ليتخفف نهاية 12

(قصة غزوة بدر) والسبب في خروج النبي صلى الله عليه وسلّم انه سمع أبا سفيان ابن حرب مقبلا من الشام في الف بعير لقريش فيها اموال عظام ولم يبق بمكة قرشى ولا قرشية له مثقال فصاعدا الا بعث به في العير فيقال ان فيها خمسين الف دينار وفيها سبعين رجلا كذا ذكر ابن عقبة وابن عابد قال البغوي قال ابن عباس وابن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدى اقبل ابو سفيان من الشام في أربعين راكبا من كبار قريش فيهم عمرو بن العاص ومخرمة ابن نوفل الزهري فندب رسول الله صلى الله عليه وسلّم للخروج معه وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا لعل الله ان يغتمكوها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وتخلف عنه بشر كثير وكان من تخلف لم يلم وذلك انهم لم يظنوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلقى حربا ولم يحتقل لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم احتقالا بليغا فقال من كان ظهره حاضرا فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهورهم في علو المدينة قال لا الا من كان ظهره حاضرا- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل خروجه من المدينة بعشر ليال طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد الى طريق الشام يتجسسان خبر العير فبلغا ارض خوار فنزلا على كشد بن مالك الجهني فأجارهما وانزلهما وكنتم عليها حتى مرت العير ثم خرجا وخرج معهما كشد ضى أوردهما ذا المروة «1» فقد ما ليخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوجداه قد خرج فلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينبع «2» اقطعها لكشد فقال يا رسول الله انى كبير لكن اقطعها لابن أخي فاقطعه إياها فابتاعها منه عبد الرحمن بن سعد بن زرارة رواه عمر بن شيبة وأدرك أبا سفيان رجل من خدام بالرزقا فاخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينتظر رجوع العير فخرج ابو سفيان ومن معه خايفين للرصد ولما دنا ابو سفيان من الحجاز جعل يتجسس الاخبار ويسأل من نقى من الركبان تخوفا على امر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان ان محمد صلى الله عليه وسلّم قد استنفر لك ولعيرك فحذر عند ذلك واستاجر ضمضم بن عمرو الغفاري بعشرين مثقالا فبعثه الى مكة وامره ان يجدع بعيره ويحول رحله ويشق قميصه من قبله ومن دبره إذا يأتي مكة ويأتى قريشا وليستنفرهم الى أموالهم

_ (1) قرية بينها وبين المدينة ثمانية برد 12 (2) قرية جامعه بين مكة والمدينة 12-

ويخبرهم ان محمدا قد عرض لها في أصحابه فخرج ضمضم سرعا الى مكة وفعل ما امره به ابو سفيان (ذكر منام عاتكة) روى ابن إسحاق والحاكم والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس وموسى بن عقبة وابن إسحاق عن عروة والبيهقي عن ابن شهاب قالوا رات عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم على قريش بثلث ليال رويا فاصبحت عاتكة فاعظمتها فبعثت الى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي لقد رأيت رؤيا أفظعتني «1» ليدخلن على قريش منها شر وبلاء فقال وما هى قالت لن أحدثك حتى تعاهد في انك لا تذكرها فانهم ان يسمعوها آذونا واسمعونا ما لا نحب فعاهدها العباس فقالت رأيت ان رجلا اقبل على بعير فوق الأبطح فصاح بأعلى صوته انفروا يا آل عذر الى مصارعكم في ثلث ثلث صيحات ما رأى الناس اجتمعوا اليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه ثم مثل به بعيره فاذا هو على راس الكعبة فصاح ثلث صيحات فقال انفروا «2» يا ال «3» عذر الى مصارعكم في ثلث ثم ارى بعيره مثل على راس ابى قيس فقال انفروا يا آل عذر الى مصارعكم في ثلث ثم أخذ صخرة عظيمة فنزعها من أصلها فارسلها من اصل الجبل فاقبلت الصخرة تهوى لها حس شديد حتى إذا كانت في أسفل «4» ارفضت فما بقيت دار من دور قومك ولا بيث الا دخل فلقه فقال العباس والله ان هذه لرويا فاكتميها لئن بلغت هذه قريشا ليؤذوننا فخرج العباس من عندها فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد الشمس وكان صديقا له فذكرها له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لابيه عتبة فتحدث بها وفشى الحديث بمكة حتى تحدثت به قريش قال العباس فغدوت أطوف بالبيت وابو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برويا عاتكة فلما رانى قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فاقبل إلينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال لى ابو جهل يا بنى عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قلت وما ذاك قال رؤيا عاتكة قلت وما رأت قال يبنى عبد المطلب ما رضيتم ان تنبأ رجالكم حتى تنبا نساءكم ولفظ ابن عقبة اما رضيتم يا بنى هاشم يكذب الرجال حتى جئتم بكذب النساء انا كنا وآباؤكم كفرسى «5» رهان فاستبقنا المجد منه فلما تحاكت الركب قلتم منا نبى فما بقي الا ان تقولوا منا نبية فما اعلم في قريش اهل بيت أكذب امرأة ولا رجلا منكم وآذاه أشد الاذاء قد زعمت عاتكة

_ (1) أفظعتني على يقال فظع الأمر فظاعة فهو فظع الى شديد شنيع حادر المقدر 12 (2) انفروا سارعو (3) غذر بضم العين معدول عن عافد القدر ترك الوفاء 12 [.....] (4) ارفضت تقطعت 12 (5) اى يتساقان الى غدر-

في روياها انه قال انفروا في ثلث فسنتربص بكم هذه الثلث فان يك حقا ما تقول فسيكون وان تمضى الثلث ولم يكن كتبنا عليكم كتابا انكم أكذب اهل بيت في العرب قال العباس فو الله ما كان منى اليه كثيرا الا انى جحدت ذلك وأنكرت ان تكون رأت شيئا وعند ابى عقبة في هذا الخبر ان العباس قال لابى جهل هل أنت منته فان الكذب فيك وفي اهل بيتك فقال من حضرهما ما كنت جهولا يا أبا الفضل ولا أحمق خرقا وكذلك قال ابن عابد وزاد مهلا يا مصفر استه «1» ولقى العباس عاتكة أذى شديدا حين افشا حديثها لهذا الفاسق قال العباس فلما أمسيت لم تبق امرأة من بنى عبد المطلب الا أتتني قالت أقررتم لهذا الخبيث الفاسق ان يقع في رجالكم ثم قد تناول نساءكم وأنت تسمع ثم لم يكن عندك كبير شيء مما سمعت قلت قد والله قد ما فعلت ما كان منى اليه كبير شيء مما سمعت وايم الله لا تعرض له فان عاد لا كفيكنه قال فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وانا جديد مغضب ارى انى قد فاتنى منه امر أحب ان أدركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته والله انى لأمشي نحوه اتعرضه ليعود لبعض ما قال فاقع به وكان رجلا خفيفا «2» حديد «3» الوجه جديد اللسان حديث النظر إذ خرج نحو باب المسجد يشتد «4» قلت في نفسه ما له لعنه الله أكل هذا فرقا «5» منى ان اشاتمه قال وإذا هو قد سمع ما لم اسمع صوت ضمضم بن عمر يصرخ في بطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحول رجله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش يا ال لوت بن غالب اللطيمة اللطيمة «6» أموالكم مع ابى سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا ارى تدركوها الغوث الغوث والله ما ارى ان تدركوها ففزعت قريش أشد الفرع واشفقوا «7» من رويا عاتكة فشغله ذلك غنى وشلغنى عنه ما جاء من الأمر وقلت عاتكة (شعر) الم تكن رويا بحق وجاءكم بتصديقها قل «8» من القوم هارب فقلت ولم أكذب كذبت وانما يكذبنا بالصدق من هو كاذب فتجهز الناس سراعا وقالوا يظن محمد وأصحابه ان يكون كعير ابن الخضرمي كلا والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين اما خارج واما باعث مكانه رجلا وكان جهازهم في

_ (1) رماه بالأبنة وهى تهمة الفاحشة 12 (2) خفيفا سريعا 12 (3) حديد الوجه قوية 12 (4) يشتد يعدو 12 (5) فرقا خوفا 12 (6) الجمال انى تحل العطر والبز غير المسيرة 12 (7) واشفقوا خافوا 12 (8) القل القوم المنهزمون 12-

ثلثة ايام ويقال يومين وأعان قويهم ضعيفهم ولم يتركوا كارها للخروج يظنون انه في صفو محمد وأصحابه ولا مسلما يعلمون إسلامه ولا أحدا من بنى هاشم الا من لا يتهمونه الا أشخصوه معهم وكان ممن اشخص العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وطالب وعقيل ابني ابى طالب في آخرين ولم يتخلف أحد من قريش الا بعث مكانه بعثا الا أبا لهب مشوا اليه فابى ان يخرج او يبعث أحدا ويقال انه بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة واسلم بعد ذلك وكان قد لاط «1» له باربعة آلاف درهم كانت له عليه فاستاجره بها على ان يجرى عنه بعثه فخرج عنه وتخلف ابو لهب منعه من الخروج رويا عاتكة فانه كان يقول رويا عاتكة تأخذ باليل واستقسم امية بن خلف وعتبة بن شيبة وزمعة بن الأسود وعمير بن وهب وحكيم بن حزام وغيرهم عند هبل بالأمر والناهي من الأزلام فخرج القدح الناهي من الخروج فاجمعوا المقام حتى أزعجهم «2» ابو جهل ولما اجمع امية بن خلف القعود وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا انى عقبة بن ابى معيط وهو جالس في المسجد بين ظهرانى قومه فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال يا بأعلى فانما أنت من النساء فقال قبحك الله وقبح ما جئت به ثم جهز وخرج مع الناس قال ابن إسحاق وغيره ولما فرغوا من جهازهم واجمعوا السير وخرجوا على الصعب «3» والزلول معهم القيان «4» والدفوف ذكروا ما بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الدماء فقالوا انا نحشى ان يأتينا من خلقنا فكاد ذلك ان يثيتهم «5» فسدى لهم عدو الله إبليس في صورة سراقة بن مالك الكناني وكان من اشراف بنى كنانته فقال انا جار لكم من ان يأتيكم كنافة من خلفكم شيء تكرهونه تخرجوا في خمسين وتسعمائة مقاتل وقيل في الف وكان معهم مأتا فرس وستمأة درع ولم يتخلف عنهم أحد من يطون قريش الا بنى عدى فلم يخرج معهم منهم أحد فقال ابن عقبة وابن عابد واقبل للمشركون ومعهم بليس يعدهم ان بنى كنانة ورائهم قد اقبلوا لنصرهم وانه لا غالب لكم من الناس وانى جار لكم قال في الامتناع فلما نزلوا بمر الظهران نحر ابو جهل عشر جزور فما بقي خباء من اخبية العسكر الا أصابه من دمها وراى ضمضم بن عمرو ان وادي مكة يسيل دما من أسفله وأعلاه ونحر لهم

_ (1) اربى واللياط أبا 12 (2) أزالهم عن رايهم 12 (3) عن الإبل الذي لا ينقاد والزلول ضده 12 (4) قيان جمع قينة يقال للامة المعنية 12 [.....] (5) اى يصرفهم عن السفر 12

امية بن خلف بعسيف تسعا ونحر سهيل بن عمرو بقديد عشرا واسلم بعد ذلك ثم ذلك ثم مالوا من قديد الى مياه نحو البحر فظلوا فيها فاقاموا بها فنحر لهم يومئذ عقبة بن ربيعة عشرا ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج عشرا عشرا ثم أكلوا من أزوادهم فلما وصلوا الجحفة عشاء نزلوا هناك روى البيهقي عن ابن شهاب وابن عقبة وعروة بن الزبير قالوا لما نزلت قريش بالحجفة كان فيهم رجل من بنى المطلب بن عبد مناة يقال له جهيم بن الصلت بن مخزمة واسلم بعد ذلك في حنين فوضع جهيم راسه فاغفا فقال لاصحابه هل رايتم الفارس الذي وقف على آنفا قالوا لا انك مجنون قال قد وقف على فارس آنفا فقال قتل ابو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة وزمعة وابو البختري وامية بن خلف وعد رجالا ممن قتل يوم بدر من اشراف قريش ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء ممن اخبية العسكر الا أصابه من دمه فقال أصحابه انما لعب بك الشيطان ورفع الحديث الى ابى جهل فقال قد جئتم بكذب بنى المطلب مع كذب بنى هاشم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المدينة واستخلف ابن أم مكتوم على الصلاة ورد أبا لبابة من الروحاء واستخلفه على المدينة قال ابن سعد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت لاثنتى عشرة ليلة خلت من رمضان وقال ابن هشام لثمان وضرب عسكره ببئر ابى عتبة على ميل من المدينة فعرض أصحابه ورد من استصغر منهم فرد عبد الله بن عمرو اسامة بن زيد ورافع بن خديج والبراء بن عازب وأسيد بن حضير وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت وعمير بن ابى وقاص فبكى عمير فاجازه فقتل يوم بدر وهو ابن ستة عشرة سنة وامر أصحابه ان يستقوا من بير السقيا وشرب من مائها وصلى عند بيوت السقيا وامر قيس بن ابى صعصعة حين فصل من السقيا ان يعد المسلمين فوقف بهم عند بير ابى عتبة فعدّهم ثم اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بانهم ثلاثمائة وثلثة عشر ففرح بذلك وقال عدة اصحاب طالوت ودعا يومئذ للمدينة فقال اللهم ان ابراهيم عبدك وخليلك ونبينك دعا لاهل مكة وانى محمد عبدك ونبيك أدعوك لاهل المدينة ان تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم اللهم حبب إلينا المدينة واجعل ما بها من الوباء بخم «1» اللهم انى حرمت ما بين لابتيها «2» كما حرم ابراهيم خليلك مكة وكان خبيب بن اساف ولم يكن

_ (1) خم موضع على ثلثة أميال من جحفه 12 (2) لابتين تثنية لابة وهى الحرة وهى ارض ذات حجارة سود نخرة كانها أحرقت بالنار.

اسلم خرج منجد «1» القومة من الخزرج طالبا للغنيمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصحبنا الا من كان على ديننا فاسلم وابلى بلاء حسنا راح عشية الأحد من بيوت السقيا وقال صلى الله عليه وسلّم حين فصل منها اللهم انهم حفاة فاحملهم وعراة فاكسهم وجياع فاشبعهم وعالة فاغنهم بفضلك وكانت ابل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبعين بعيرا فاعتقبوها روى احمد وابن سعد عن ابن مسعود قال كنا يوم بدر كل ثلثة على بعير وكان ابو لبابة وعلى زميلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قالا اركب يا رسول الله نحن نمشى عنك فقال ما أنتم باقوى منى على المشي وما انا اغنى عن الاجر منكما قال في البداية والعيون هذا قيل ان يرد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا لبابة من الروحاء ثم كان زميلاه علبا وزيدا وكان معهم فرسان فرس للمقداد بن الأسود وفرس لزبير بن العوام وعند ابن سعد في رواية كان معهم ثلثة افرس فرس لمرثد بن ابى مرثد الغنوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لسعد بن ابى وقاص وهو بتربان «2» انظر الى الظبى فعوق «3» له بسهم وقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوضع ذقنه بين منكب سعد واذنه ثم قال ارم اللهم سدد رميته فما أخطأ سعد عن نحر الظبى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وخرج سعد يعدو فاخذه وبه رمق فزكاه وحمله فامره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم بين أصحابه ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذا سنجسج وهى بين الروحاء ثم ارتحل منها حتى إذا كان بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار وسلك ذات اليمين النازيه يزيد بدرا فسلك في ناحية منها حتى إذا جزع «4» واديا يقال زحفان بين النازية وبين مضيق السفراء ثم على المضيق ثم انصب به حتى إذا كان قريبا من الصفراء بعث بسيس ابن عمرو الجهني حليف بنى ساعدة وعدى بن ابى الرغباء حليف بنى البخار الى بدر يتجسان له الاخبار عن ابى سفيان ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الصفراء بيسار وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران وجزع فيه ثم نزل أتاه الخبر بمسير قريش ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس فتكلم المهاجرون فاحسنوا فاستشارهم فقام ابو بكر فقال فاحسن ثم قام عمر فقال فاحسن ثم قام المقداد بن الأسود فقال يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك والله ما نقول كما قال قوم موسى لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون

_ (1) يعنى ناصرا 12 (2) وادي على ثمانية عشر ميلا في المدينة (3) اى وضع السهم في الوتر ليرمى به 12 (4) اى قطع 12.

ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون عن يمينك وشمالك وبين يديك وخلفك والذي بعثك بالحق لو سرت بنا برك الغماد لجالدنا «1» معك من دونه حتى نبلغه فاشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له خيرا ودعا له ثم استشارهم ثالثا ففهمت الأنصار انه يعينهم وذلك انه عدد الناس فقام سعد بن معاذ جزاه الله خيرا فقال يا رسول الله كانك تعرض بنا قال أجل فقال سعد يا رسول الله قد أمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض لما أردت ولعلك يا رسول الله تخشى ان يكون الأنصار لا ينصروك الا في ديارهم وانى أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شيئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت وما أمرت فيه من امر فامر فاتبع لامرك فو الله لئن سرت حتى تبلغ برك من عمدان وفي رواية برك الغماد من ذى يمن لنسيرن معك وو الله لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره ان نلقى عدونا غدا انا بصير في الحرب لعل الله يريك منا ما تقربه عينك ولعلك خرجت لامر فاحدث الله غيره فسر بنا على بركة الله فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك وخلفك ولا نكونن كالذين قالوا لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكم متبعون فاشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقول سعد رضى الله عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيروا على بركة الله وابشروا فان الله وعد احدى الطائفتين والله لكانى الان انظر الى مصارع القوم وكره جماعة لقاء العدو كما قال الله تعالى وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5) قال البيضاوي وغيره هذه الجملة في محل النصب على الحال من كاف اخرجك اى اخرجك من بيتك في حال كراهتهم خروجك قلت والظاهر انه استيناف ولا يجوز ان يكون في موضع الحال لوجوب اتحاد زمان الحال وصاحبه ولا شك انهم انما كرهوا الخروج إذا اتفق لهم القتال مع النضير واما وقت الخروج فكانوا راغبين في الخروج الى العير طمعا في المال مع عدم القتال

_ (1) الجالد المضاربة بالسيوف 12

[سورة الأنفال (8) : الآيات 6 إلى 7]

روى ابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابى أيوب الأنصاري رضى الله عنه قال لما سرنا يوما او يومين قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما ترون في قتال القوم فانهم قد أخبروا بمخرجكم فقلنا والله ما لنا طاقة بقتال القوم ولكن أردنا العير ثم قال ما ترون في قتال القوم فقلنا مثل ذلك-. يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ في ايثارك الجهاد إظهارا للحق لايثارهم تلقى العير عليه وجدا لهم قولهم ما لنا طاقة لقتال القوم ولكنا أردنا العير بَعْدَ ما تَبَيَّنَ لهم باعلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم انهم ينصرون وذلك انه نزل جبرئيل عليه السلام حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالروحاء وقال ان الله وعدكم احدى الطائفتين اما العير واما قريش كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ متعلق بقوله كارهون ... يعنى يكرهون القتالى كراهة من يساق الى الموت وهو يشاهد أسبابه وذلك بقلة عددهم وعدم تاهبهم وقال ابن زيد هولاء المشركون جادلوه في الحق كانما يساقون الى الموت وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ متعلق بمحذوف يعنى اذكر إذ يعدكم الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ اما العير واما قريش وهذا ثانى مفعولى يعدكم وقد أبدل عنها أَنَّها لَكُمْ بدل الاشتمال وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ اى الشدة والقوة والحدة مستعاد من الشوك يعنى العير تَكُونُ لَكُمْ لكثرة المال وعدم القتال روى ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان الله تعالى وعدهم احدى الطائفتين وكانوا ان يلقوا العير أحب إليهم لكونهم أيسر شوكة فلما سبقت العير وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلّم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم فكره القوم مسيرهم لكثرة القوم وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ اى يظهره ويعليه بِكَلِماتِهِ للوحى بها في هذه الحال يعنى يأمره إياكم بالقتال او باوامره للملئكة بالامداد وقيل بمواعدة التي سبقت من اظهار الدين وإعزازه وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) اى يستاصلهم حتى لا يبقى أحد من كفار العرب الا يقتل او يسلم يعنى انكم تريدون ان تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها والله يريد إعلاء الدين واظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين. لِيُحِقَّ الْحَقَّ متعلق

بيقطع او بمحذوف تقديره فعل ما فعل ليثبت الإسلام وَيُبْطِلَ الْباطِلَ يعنى الكفر وليس في الكلام تكرير فان الاول لبيان المراد وبيان ما بين مراده تعالى ومرادهم من التفاوت والثاني لبيان الداعي الى حمل الرسول الى اختيار ذات الشوكة ونصرة عليها وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) يعنى المشركين ذلك رجعنا الى القصة ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلّم من ذفران فسلك ثنايا يقال له الاصافر «1» ثم الخط منها الى بلد يقال له الدية وترك الجنان عن يمين وهو كثيب عظيم كالجبل العظيم ثم نزل قريبا من بدر فركب هو وابو بكر الصديق رض حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم قال الشيخ بلغني ان محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فانكان الذي أخبرني صدقنى فهم اليوم بمكان كذا للمكان الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبلغني ان قريشا خرجوا يوم كذا فانكان الذي أخبرني صدق فهم اليوم في مكان كذا للمكان الذي فيه قريش ثم قال من أنتما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن «2» من ماء قال ابن إسحاق ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أصحابه فلما امسى بعث على ابن ابى طالب والزبير بن العوام وسعد بن ابى وقاص في نفر من أصحابه الى ماء بدر يلتمسون الخبر له فاصابوا راوية لقريش فيها اسلم غلام بنى الحجاج وابو يسار غلام بنى العاصي بن سعيد فاتوا بهما فسألوهما ورسول الله صلى الله عليه وسلّم قايم يصلى فقالا نحن سقاط قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا ان يكونا لابى سفيان فضربوهما فلما إذ «3» لقوهما قالا نحن لابى سفيان فتركوهما وركع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسجد سجدتين وسلم وقال إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما صدقا والله انهما لقريش اخبر انى عن قريش قالاهم وراء هذا الكثيب الذي يرى بالعدوة «4» القصوى والكثيب العقنقل فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم كم القوم قالا كثير قال ما عدتهم قالا لا ندرى قال كم ينحرون كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما بين التسعمائة والالف ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم

_ (1) جمع اصفر جبال قريب من الجحفه عن يمين الطريق الى مكة 12 (2) قاله توريه أراد من ماء دافق وأوهمه انه من ماء 12 (3) إذا لقوهما يعنى بالغوا في ضربهما 12 (4) العدوة الجانب المرتفع من الوادي 12 عه البعيد 12

من فيهم من الاشراف قالا عتبة وشيبة ابني ربيعة وابو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل ابن خويلد والحارث بن عامر وطعيمة بن عدى والنضر بن الحارث وربيعة الأسود وابو جهل بن هشام وامية بن خلف ونبيه ومنهه ابنا الحجاج وسهل بن عمرو وعمرو بن عبد ود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذه مكة قد القت إليكم أفلاذ «1» كبدها قال ابن عابد وكان مسيرهم وإقامتهم حتى بلغوا الجحفة عشر ليال وكان بسيس بن عمرو وعدى بن ابى الزغباء قد مضيا الى بدر فاناخا الى تل قريب من الماء ثم أخذ اشنانهما «2» يستقيان فيه ومجدى بن عمر الجهني على الماء فسمع عدى وبسبس جاريتين من جوار الحاضر «3» يتلازمان على الماء والملزومة تقول بصاحبتها انما يأتي العير غدا او بعد غد فاعمل لهم ثم أعطيك الذي لك قال مجدى صدقت وسمع ذلك عدى وبسبس فجلسا على بعيرهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاخبراه بما سمعا قال ابن إسحاق وغيره واقبل ابو سفيان بالعير وقد خاف خوفا شديدا حين دنوا المدينة واستبطأ ضمضم بن عمرو النضير حتى ورد بدرا وهو خائف وتقدم ابو سفيان امام العير حذرا حتى ورد الماء فرأى مجدى بن عمرو الجهني فقال له هل أحسست أحدا قال ما رايت أحدا أنكره الا انى رايت راكبين يعنى بسبسا وعديا قد أناخا الى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا فأتى ابو سفيان الى مناخنهما فأخذ من ابعار بعيرهما ففته فاذا فيه النوى فقال هذه والله علائف يثرب فرجع الى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل «4» بها وترك بدرا بيسار وانطلق واسرع فسار ليلا ونهارا فرقا من الطلب فلما رأى ابو سفيان انه قد احرز عيره أرسل الى قريش قيس بن أمراء القيس انما خرجتم لتمتنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها الله تعالى فارجعوا فاتاهم الخبر وهم بالجحفة فقال ابو جهل والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدرا موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق كل عام فنقيم عليه ثلثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف «5» علينا القينات ويسمع بنا العرب وبمسيرنا فلا يزالون يهابوننا ابدا بعدها وكره

_ (1) جمع فلذ وهى القطعة يعنى صميم قريش ولبابها 12 (2) الشن القربة 12 [.....] (3) الحاضر القوم النزول على ماء يقيمون عليه ولا يرحلون 12 (4) فساحل يعنى سلك طريق ساحل البحر 12 (5) تعزف يعنى تلعب بالمعازف اى الملاهي 12

اهل الرأي المسير ومشى بعضهم الى بعض وكان ممن ابطاهم عن ذلك الحارث بن عامر وامية بن خلف وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وحكيم ابن حزام وابو البختري وعلى بن امية بن خلف وابو العاصي حتى بكتهم «1» ابو جهل بالجبن وأعانه عقبة بن ابى معيط والنضر بن الحارث والجارث بن كلدة واجمعوا على المسير قال الأخنس بن شريف وكان حليف بنى زهرة يا بنى زهرة قد نجا الله أموالكم وخلص لكم صاحبكم محزمة بن نوفل وانما نفرتم لتمنعوه وماله فارجعوا الى مكة وكانوا نحو مائة ويقال ثلاثمائة فلم يشهدها زهرى الا رجلين هما عما مسلم بن شهاب الزهري وقتلا كافرين قال ابن سعد ولحق قيس بن امرأ القيس أبا سفيان فاخبره بمجى قريش فقال وا قوماه هذا عمل عمرو بن هشام يعنى أبا جهل واغتبطت بنو زهرة بعد براى الأخنس فلم يزل فيهم مطاعا معظما وأرادت بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم ابو جهل وقال لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل «2» وبطن الوادي ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالعدوة الدنيا وغلب المشركون المسلمين في أول أمرهم على الماء فظمىء المسلمون وأصابهم ضيق شديد والقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس إليهم تزعمون انكم اولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم مصلون مجنبين فانزل الله تعالى تلك الليلة المطر وكان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم وكان على المسلمين طلا طهرهم الله تعالى به واذهب عنهم لو جز الشيطان وطابهم «3» الأرض وصلب الرمل وثبت الاقدام ومهدبه المنزل وربط «4» به على قلوبهم ولم يمنعهم عن المسير وسأل الوادي فشرب المؤمنون وملاؤا الاسقية وسقوا الركاب واغتسلوا من الجنابة وأصاب المسلمين تلك الليلة نعاس القى عليهم فناموا حتى ان أحدهم وقفه بين يديه وما يشعر حتى يقع على جنبه روى ابو يعلى والبيهقي في الدلائل عن على قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رايتنا وما فينا الا نائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلّم

_ (1) بكتهم عيرهم وقبح فعلهم 12 (2) العقنقل الكثيب العظيم المتداخل الرمل 12 (3) طابه الأرض مهدا 12 (4) ربط على القلب قواه 12-

يصلى «1» تحت شجرة حتى أصبح وكانت ليلة الجمعة وبين الفريقين فوز «2» من الرمل وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود فاطافا بالقوم ورجعا فاخبر ان القوم مذعورون وان السماء تسيح عليهم وساد رسول الله صلى الله عليه وسلّم عشاء يبادرهم الماء فسبقهم اليه ومنعهم من السبق اليه المطر حتى جاء ادنى ماء من بدر فنزل به فقال الحباب ابن المنذر بن الجموح فيما رواه ابن إسحاق يا رسول الله ارايت هذا لمنزل أمنزل نزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه ولا نتاخر عنه أم هو الرأي والمكيدة قال بل الرأي والحرب والمكيدة قال يا رسول الله ليس هذا بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي ادنى ماء من القوم فتنزله ثم نغور «3» ما وراه من القليب ثم نبنى عليه حوضا فنملاه ماء فنشرب ولا يشربون فقال صلى الله عليه وسلّم لقد أشرت بالرأى وذكر ابن سعد ان جبرئيل نزل على النبي صلى الله عليه وسلّم فقال الرأي ما أشار به الحباب فنهض صلى الله عليه وسلّم ومن معه من الناس حتى إذا اتى ادنى ماء من القوم نزل عليه نصف الليل ثم امر بالقليب فغورت وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملى ماءا ثم قذفوا فيه الآنية فقال سعد بن معاذ يا رسول الله الا نبنى لك عريشا «4» تكون فيه ونعد عندك ركائيك ثم نلقى عدونا فان أظهرنا الله على عدونا كان ذلك ما أحبنا وانكانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن ورأينا فقد تخلف عنك أقوام يا نبى الله ما نحن أشد لك حيا منهم ولو ظنو انك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله عز وجل بهم يناصحونك ويجاهدون معك فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلّم خيرا ودعا له ثم بنى لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عريشا على تل مشرف على المعركة فكان فيه هو وابو بكر وليس معهما غيرهما وقام سعد ابن معاذ على بابه متوشحا بالسيف ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في موضع المعركة وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان إنشاء الله فما تعدى منهم أحد موضع إشارته رواه احمد ومسلم وغيرهما وروى الطبراني عن رافع بن خديج

_ (1) يصلى تحت شجرة حتى أصبح وكانت ليلة الجمعة وبين الفريقين فوز ما في الرمل وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم 12 (2) الفوز العالي في الرمل كانة جبل 12 (3) نغور من رواية بغين معجمة فمعناة ندهنه وندفنه ومن رواه بالمهملة فمعناه فقد 12 (4) العريش شبهه الخيمة يستظل به 12

ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال يوم بدر والذي نفسى بيده لو ان مولود اولد من اهل الدين يعمل بطاعة الله كلها الى ان يرد الى أرذل العمر لم يبلغ أحدكم هذه الليلة وقال ان الملئكة الذين شهدوا بدرا في السماء لفضلاء على من تخلف منهم رجاله ثقات الا جعفر بن معلاص فانه غير معروف وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم ببدر وارتحلت قريش بحدها وحديدها تحاد «1» الله عز وجل وتحاد رسوله وجاؤا على حرد «2» قادرين وعلى حمية وغضب وحنق على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه لما يريدون من أخذ عيرهم وقتل من فيها وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي والعير التي كانت معه وذلك ما ذكرنا قصته في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه فلما راها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذي جاؤا منه الى الوادي وكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه فاستجال «3» بفرسه يريد ان يتبوأ «4» للقوم منزلا فقال صلى الله عليه وسلم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها «5» وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم أمتهم بالغداة ولما راى صلى الله عليه وسلّم عتبة بن ربيعة على جمل احمر قال ان بك في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر ان يطيعوه يرشدوا فقال هو عتبة ينهى عن القتال ويأمر بالرجوع ويقول يا قوم اعصبوها «6» اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة وابو جهل يأبى وبعث خفاف بن أيما بن رحضة الغفاري او أبوه واسلم الثلاثة بعد ذلك الى قريش بجزائر أهداها لهم مع ابنه وقال ان احببتم ان نمدكم بسلاح ورجال فعلنا فارسلوا اليه ان وصلتك زحم قد قضيت الذي عليك فلعمرى لئن كنا انما نقاتل الناس ما بنا من ضعف عنهم ولئن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد ما لاحد بالله من طاقة فلما نزل الناس اقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلّم منهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم دعوهم

_ (1) تحاد الله قعاديه وتخالف امره 12 (2) استحال اى طاف به غير مستقر 12 (3) الحرد الغضب 12 [.....] (4) ينبؤا منزلا اى يتخذه 12 (5) بالخيلاء التكبر والاعجاب 12 (6) اعصبوها اجعلوا عارها متعلقا بي 12

فما شرب منهم أحد الا قتل الا ما كان من حكيم بن حزام فآنه لم يقتل واسلم بعد ذلك وحسن إسلامه فكان إذا اجتهد في يمينه قال لا والذي نجانى يوم بدر فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي واسلم بعد ذلك فقالوا له احرز لنا اصحاب محمد فجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا او ينقصون لكن أمهلوني حتى انظر للقوم كمين «1» مدد فضرب «2» فى الوادي حتى ابعد فلم يرشيئا فرجع إليهم فقال ما رأيت شيئا ولكن رأيت يا معشر قريش البلا «3» يا تحمل المنايا نواضح «4» يثرب تحمل الناقع «5» قوم ليس لهم منعة ولا ملجاء الا سيوفهم اما ترونهم حرسا يتكلمون يتلمظون «6» تلمظ الأفاعي والله ما ارى ان يقتل رجل منهم حتى يقتل منكم فاذا أصابوا منكم اعدادهم فما في العيش خير بعد ذلك فرأو آرائكم فبعثوا أبا سلمة الحشمى فاطاف بالمسلمين على فرسه ثم رجع فقال والله ما رأيت جلدا ولا عدوا ولا حلقة ولا كراعا ولكن رأيتهم قوما لا يرونهم يولوا الى أهليهم قوما مسلمين مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجاء الا سيوفهم زرق الأعين كانهم الحصا تحت الحجف فرأو آرائكم فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فاتى عتبة بن ربيعة فكلمه يرجع بالناس وقال يا أبا الوليد انك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك من الأمر لا تزال تذكر منه يخبر الى اخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس وتحتمل امر حليفك عمرو الحضرمي قال قد فعلت أنت على بذلك انما هو حليفى فعليّ عقله «7» وما أصيب من ماله فأت ابن حنظلة فابى لا أخشى ان يسحر امر الناس غيره يعنى أبا جهل ثم قال عتبة خطيبا في الناس فقال يا معشر قريش انكم والله ما تضعون فان تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن أصبحتموه لا يزال الرجل في وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه او ابن خاله او رجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وسائر العرب فان أصابوه فذلك الذي أردتم وان كان غير ذلك القاكم «8» ولم تعرضوه منه بما تريدون انى

_ (1) المستخفى في الحرب حيلة 12 (2) ضرب في الوادي سار فيه 12 (3) البلايا جمع بلية وهى الفاقة والداية تخف بيدها حضرة ويشد راسها الى خلفها وتبلى اى تترك على قبر الميت فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت وكان بعض العرب ممن يقر بالبعث يزعم ان صاحبها يحشر عليها راكبا وإذا لم يفعل بها ذلك يحشر ما شيئا 12- (4) الناضح الإبل تسقى عليها الماء 12 (5) الناقع البالع ويقال الثابت 12 (6) التلمظ إدارة اللسان في القم تتبع اثر ما كان (7) عقل الدية 12 (8) القاكم اوحدكم 12-

ارى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة وأنتم تعلمون انى لست بأجبنكم فانطلقت حتى أتيت أبا جهل فوجدته قد نتل «1» درعا له من جرامها فهو يهيئها فقلت له يا أبا الحكم ان عتبة قد أرسلني لكذا وكذا اللذى قال فقال انتفخ «2» والله سجره حين رأى محمد او أصحابه كلا والله لا يرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما بعتبة ما قال ولكنه قد رأى ان محمدا وأصحابه أكلته جزور فيكم ابنه قد تخوفكم عليه ثم بعث الى عامر الخضرمي فقال والله هذا حليفك عتبة يريد ان يرجع بالناس فقم فانشد «3» حفرتك ومقتل أخيك فقام عامر بن الخضرمي فكشف عن استه ثم صرخ وا عمراه فحميت الحرب واحقب «4» امر الناس واستو «5» سقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم اليه عتبة ولما بلغ عتبة قول ابى جهل انتفخ والله سجره قال سيعلم مصفر استه من انتفخ سجره انا أم هو ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في راسه فما وجد في الجيش تسعة من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجر ببرد على راسه وسل ابو جهل سيفه فضرب متن فرسه فقال له أيما بن رحضة بئس الفال هذا وذكر محمد بن عمر الأسلمي والبلاذري وصاحب الامتناع ان قريشا لما نزلت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمر بن الخطاب إليهم يقول لهم ارجعوا فانه ان يلى هذا الأمر منى غيركم أحب الى من ان تلوه بنى فقال حكيم بن حرام قد عرض نصحا فاقبلوه فو الله لا تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف «6» فقال ابو جهل والله لا نرجع بعد ما أمكننا الله منهم روى ابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن جريج ان أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا واربطوهم في الجبال ولا تقتلوا منهم أحدا فنزل انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة الاية في سورة ن يعنى انهم في قدرتهم عليهم كما اقتدر اصحاب الجنة على الجنة ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم صف أصحابه فكانما يقوم بهم القداح «7» ومعه يومئذ قدح يشير الى هذا تقدم والى هذا تأخر

_ (1) نتل اى استخرج 12 (2) كلمة يقال للجبان الشدة والقوة (3) اى اطلب في قريش الوفاء بخفرهم لك اى عندهم وكان حليفا لهم 12 [.....] (4) اى اشتد 12 (5) بسينين مهملتين اى اجتمعوا واستقر رأيهم 12 (6) النصف العدل 12 (7) القداح خرد أسهم بلا فصل وريش 12

حتى استووا ودفع رايته الى مصعب بن عمير فتقدم حيث امره رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان يضعها ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينظر الى الصفوف فاستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه واقبل المشركون فاستقبلوا الشمس ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالعدوة الشامية ونزلوا بالعدوة اليمانية ولما عدل رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصفوف تقدم سواد بن غزية امام الصف فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بطنه وقال استويا سواد قال يا رسول الله أوجعتني والذي بعثك بالحق نبيا أقدني فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن بطنه قال استقد فاعتنقه وقبله فقال ما حملك على ما ضعت قال حضر من امر الله ما قد ترى وخشيت ان اقتل فاردت ان أكون اخر عهدى بك وحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا كثبوكم فارموهم ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم كذا روى ابو داود عن ابى أسيد وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحمد الله واثنى عليه واحث الناس على الصبر في القتال وابتغاء وجه الله وتعتبب قريش للقتال والشيطان لا يفارقهم فثبت المسلمون على صفهم وشد عليهم عامر بن الحضرمي فكان أول من خرج من المسلمين مهيجع بن عايش مولى عمر بن الخطاب فقتله ابن الحضرمي وكان أول قتيل من الأنصار حارثة بن سراقة قتله حيان بن عرفة وخرج عتبة بن ربيعة بن أخيه شيبة وابنه الوليد ودعوا لى المبارزة فخرج ثلثة من الأنصار عوذ ومعوذا بنا الحارث وأمها العفراء وعبد الله بن رواحة فقالوا اكفاء كرام ما لنا بكم حاجة ثم نادوا يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم قم يا عبيدة بن الحارث قم يا حمزة قم يا على فاما حمزة فلم يمهل شيبة ان قتله واما على فلم يمهل الوليد ان قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما اثبت صاحبه فكر حمزة وعلى بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا صاحبه وفي الصحيحين ان فيهم نزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم في سورة الحج قال ابن إسحاق ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى العريش ومعه ابو بكر وليس معه غيره ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يناشدد به عز وجل ما وعده من النصر يقول فيما يقول اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض

[سورة الأنفال (8) : آية 9]

وابو بكر يقول يا رسول الله بعض منا شدتك ربك فان الله منجز لك ما وعدك روى ابن جرير وابن ابى حاتم والطبراني عن ابى أيوب الأنصاري ان عبد الله بن رواحة قال يا رسول الله انى أريد ان أشير عليك ورسول الله صلى الله عليه وسلّم أعظم من ان بشار اليه ان الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من ان ينشده وعده فقال يا ابن رواحة لانشدن الله وعده ان الله لا يخلف الميعاد وروى ابن سعد وابن جرير عن على بن ابى طالب وقال لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال ثم جئت مسرعا الى النبي صلى الله عليه وسلّم لا نظر ما فعل فاذا هو ساجد يقول يا حى يا قيوم لا يزيد عليها ثم رجعت الى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذاك ثم ذهبت الى القتال ثم جئت وهو يقول ذلك ثم ذهبت الى القتال ثم رجعت وهو ساجد يقول ذلك ففتح عليه وروى البيهقي عن ابن مسعود حديث المناشدة قال ثم التفت كان وجهه القمر فقال كانما انظر مصارع القوم العشية وروى سعيد بن منصور عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة قال لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى المشركين وتكاثرهم والى المسلمين واستقلهم ركع ركعتين وقام ابو بكر عن يمينه فقال صلى الله عليه وسلّم وهو في صلوته اللهم لا تخذلنى اللهم أنشدك ما وعدتني روى ابن ابى شيبة واحمد ومسلم وابو داود والترمذي وغيرهم عن عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى المشركين وهم الف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبى الله القبلة ثم مديديه فجعل يهتف بربه عز وجل يقول اللهم أنجز لى ما وعدتني اللهم آتني ما وعدتني اللهم ان تهلك هذه العصابة من الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه عز وجل مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط ردائه عن منكبه فاتاه ابو بكر فاخذ ردائه وألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبى الله كذاك «1» تناشدك لربك فانه سينجز لك ما وعدك فانزل الله تعالى. إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ بدل من إذ يعدكم او متعلق بقوله لِيُحِقَّ او على إضمار اذكر يعنى يستجيرون به من عدوكم وتطلبون الغوث فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي اى بانى فحذف الجار وسلط عليه الفعل مُمِدُّكُمْ مرسل إليكم مددا وردأ لكم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ روى البيهقي عن ابن عباس وحكيم بن حزام وابراهيم

_ (1) يعنى كفاك 12.

التيمي حديث دعائه صلى الله عليه وسلّم وقول ابى بكر نحو ما مر وفيه وخفق «1» رسول الله صلى الله عليه وسلّم خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال ابشر يا أبا بكر هذا جبرئيل متعجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض فلما نزل الى الأرض تغيب عنى ساعة ثم طلع على ثناياه النقع يقول أتاك نصر الله إذ دعوته وروى ابن إسحاق وابن المنذر عن حبان بن واسع عن أشياخ قومه نحوه بلفظ هذا جبرئيل «2» أخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع وروى البخاري والبهيقى عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال يوم بدر هذا جبرئيل أخذ برأس فرسه وعليه اداة الحرب مُرْدِفِينَ (9) قرأ نافع ويعقوب بفتح الدال اى أردفهم الله تعالى المسلمين وجاء بهم لهم مددا والباقون بكسر الدال اى متتابعين بعضهم اثر بعض وروى ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال في تفسيره يعنى وراء كل ملك ملك وروى عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال متتابعين أمدهم الله تعالى بألف ثم بثلاثة آلاف ثم أكملهم خمسة آلاف وروى الطبراني عن رفاعة بن رافع وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال أمد الله نبيه صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين بألف وكان جبرئيل في خمسمائة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة الحديث وروى ابن ابى حاتم عن الشعبي قال بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان كرز المحاربي يريد ان يمد المشركين فشق ذلك عليهم فانزل الله تعالى ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملئكة منزلين بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملئكة مسومين فبلغ كرز الهزيمة فرجع ولم يأتهم فلم يمدهم الله بالخمسة الآلاف وكانوا قد امدوا بألف من الملئكة وروى ابو يعلى والحاكم عن على رضى الله عنه قال بينما انا من قليب بدر جاءت ريح شديدة لم ار مثلها قط ثم جاءت ريح شديدة لم ار مثلها قط الا التي كانت قبلها ثم جاءت ريح شديدة قال وكانت ريح الاولى جبرئيل عليه السلام نزل في الف من الملئكة الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكانت الريح الثانية ميكائيل نزل في الف من الملئكة عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان ابو بكر عن يمينه فكانت

_ (1) حرك راسه وهو تاع 12 (2) ثنايا راسه وقواعه 12-

الثالثة اسرافيل نزل في الف من الملئكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وانا في الميسرة الحديث وروى احمد والبزار والحاكم برجال صحيح عن على قال قال لى ولابى بكر يوم بدر قيل لاحدنا معك جبرئيل وقيل للآخر معك ميكائيل واسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل يكون في الصف وروى ابو يعلى عن جابر قال كنا نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة بدر إذ تبسم في صلوته قلنا يا رسول الله رايناك تبسمت قال مربى جبرئيل وعلى جناحه اثر الغبار وهو راجع عن طلب القوم فضحك الى وتبسمت اليه وروى ابن سعد وابو الشيخ عن عطية بن قيس قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قتال بدر جاء جبرئيل على فرس أنثى احمر عليه درعه ومعه رمحه فقال يا محمد ان الله بعثني إليك وأمرني ان لا أفارقك حتى ترضى هل رضيت قال نعم رضيت فانصرف- (فايده) وقد ظهر بعض الملائكة لبعض الرجال في صورة الرجال روى ابراهيم الحرثى عن ابى سفيان بن الحارث قال لقينا ببدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض وروى البيهقي وابن عساكر عن سهل بن عمرو رضى الله عنه قال لقد رايت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض معلمين يقتلون ويأسرون وروى محمد بن عمرو الأسلمي وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف قال رايت يوم بدر رجلين عن يمين النبي صلى الله عليه وسلّم أحدهما وعن يساره أحدهما يقاتلان أشد القتال ثم ثلثهما ثالث من خلفه ثم ربعهم رابع امامه وروى محمد بن عمرو الأسلمي عن ابراهيم الغفاري عن ابن عم له بينا انا وابن عم لى على ماء ببدر فلما راينا قلة من مع محمد وكثرة قريش قلنا إذا التقت الفئتان عمدنا الى عسكر محمد وأصحابه- فانطلقنا نحو المجنبة اليسرى من أصحابه ونحن نقول هؤلاء ربع قريش فينا نحن نمشى في المسيرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا فرفعنا أبصارنا إليها فسمعنا أصوات الرجال والسلاح وسمعنا لرجل يقول لفرسه اقدم «1» خيزوم فنزلوا على ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم جاءت اخرى مثل ذلك لكانت

_ (1) اقدم بضم الدال والهمزة او فتح الدال وكسر الهمزة او عكسه ورجح النووي الثاني وهو في التقدم على الحرب او الاقدام او الشجاعة وحيزوم فيقول من الحزم والحيزوم يطلق ايضا على الصدر يجوز ان يكون سمى به لانه صدر خيل الملئكة 12

[سورة الأنفال (8) : آية 10]

مع النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه فاذا هم على الضعف من قريش فمات ابن عمى واما انا فما سكت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلّم وأسلمت وكذا روى ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس عن رجل من غفار وروى البيهقي عن السائب بن ابى حبيش انه يقول والله ما أسرني أحد من الناس فيقول لما انهزمت قريش انهزمت معها فادركنى رجل ابيض طويل على فرس بين السماء والأرض فاورثنى رباطا وجاء عبد الرحمن بن عوف فوجدنى مربوطا فنادى في العسكر من ربط هذا فليس يزعم أحد انه أسرني حتى انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال من أسرك قلت لا أعرفه وكرهت ان أخبره بالذي رايت فقال أسرك ملك من الملائكة وروى احمد وابن سعد وابن جرير عن ابن عباس والبهيقى عن على قال كان الذي اسر العباس ابو اليسر وكان رجلا مجموعا وكان العباس رجلا جسيما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يا أبا اليسر كيف أسرت العباس قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده هيئة كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقد اعانك عليه ملك كريم وروى ابن إسحاق وإسحاق بن راهويه عن ابى أسيد الساعدي انه قال بعد ما عمى لو كنت معكم ببدر الان ومعى بصرى لاخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملئكة لا أشك ولا اتمارى وروى البيهقي عن ابن عباس قال كانت سيما الملئكة يوم بدر عمائم بيض قال أرسلوا في ظهورهم ويوم خيبر عمائم حمر وروى ابن إسحاق عن ابن عباس نحوه وزاد الا جبرئيل فانه كانت عليه عمامة صفراء وروى الطبراني بسند صحيح عن عروة قال نزل جبرئيل يوم بدر على سيما الزبير وهو معتجر بعمامة صفراء وكذا روى ابن ابى شيبة وابن جرير وابن مردوية عن عبد الله بن الزبير وروى الطبراني وابن مردوية بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا في قوله تعالى مسومين قال معلمين وكانت سيما الملئكة يوم بدر عمائم سود ويوم أحد عمائم حمر قال ابن سعد كانت سيما الملئكة يوم بدر عمائم قد ارخوا بين أكتافهم خضر وصفر وحمر من نور والصوف في نواصى خيلهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لاصحابه ان الملئكة قد سومت فسوموا فاعلموا بالصوف في مفارقهم وقلانسهم وكانت الملئكة على خيل بلق. وَما جَعَلَهُ اللَّهُ الامداد بالملائكة الذي دل عليه قوله ممدكم إِلَّا بُشْرى اى سببا لاستبشاركم وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ

[سورة الأنفال (8) : آية 11]

فيزول ما بها من وجل نظرا على جرى عادة الله في غلبة الكثير على القليل قلت نظير حال النبي صلى الله عليه وسلّم هاهنا في اضطراب قلبه ومناشدته صلى الله عليه وسلّم ربه بعد ما وعده بالنصر حال ابراهيم عليه السلام حيث قال رب أرني كيف تحيى الموتى قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى وكان حالهما عليهما السلام مبنيا على النزول الأتم كما حققناه في سورة البقرة في تفسير رب أرني كيف تحيى الموتى ولما لم يكن ابن رواحة رضى الله عنه في تلك المرتبة من النزول قال ان الله تبارك وتعالى أجل وأعظم ان ينشد وعده ولما كان ابو بكر اقرب منزلة من النبي صلى الله عليه وسلّم لم يقل كما قال ابن رواحة بل قال كذاك تناشدك لربك وكان اضطراب النبي صلى الله عليه وسلّم لحرصه على اشاعة الإسلام وهدم أساس الكفر ونظره على كمال استغنائه تعالى عن العالمين وعن عبادتهم والله اعلم وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) وامداد الملئكة وكثرة العدد والأهب ونحوها وسايط في جرى العادة لا تأثير لها في نفس الأمر والله اعلم. (فايدة) ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من مناشدته ربه قاتل بنفسه الشريفة قتالا شديدا وكذلك ابو بكر وكانا في العريش يجاهدان بالدعاء والتضرع ثم نزلا فحرضا وحشا الناس على القتال وقاتلا بابدانهما جمعا بين المقامات كذا قال محمد بن يوسف الصالحي في سبيل الرشاد وروى ابن سعد والفريابي عن على قال لما كان يوم بدر وحضر البأس امّنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم واتقينا به وكان أشد الناس بأسا يومئذ وما كان أحد اقرب الى المشركين منه ورواه احمد بلفظ لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلّم والنسائي بلفظ كنا إذا حمى البأس ولقى القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلّم. إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ اى النوم الخفيف قرأ ابن كثير وابو عمرو إذ يغشاكم بفتح الياء والشين والف بعدها ورفع النعاس كما في سورة ال عمران امنة نعاسا يغشى طائفة منكم ونافع بضم الياء وكسر الشين مخففا ونصب النعاس كما في قوله تعالى كانما أغشيت وجوههم والباقون كذلك الا انهم فتحوا الغين وشدد والشين كما في قوله تعالى فغشاها ما غشى و

[سورة الأنفال (8) : آية 12]

الفاعل على القرائتين هو الله والظرف بدل ثان من إذ يعدكم لاظهار نعمة ثالثة او متعلق بالنصر او بما في عند الله من معنى الفعل او بجعل او بإضمار اذكر امنة منه اى أمنا كائنا من الله مصدر امنت أمنا او امنة وأمانا مفعول له باعتبار المعنى فان قوله يغشيكم النعاس يتضمن معنى تنعسون ويغشاكم بمعناه والامنة فعل لفاعله ويجوز ان يراد به الايمان فيكون فعل المغشى وان يجعل على قراءة ابن كثير وابو عمر فعل النعاس على المجاز لانها لاصحابه او لانه كان من حقه ان لا يغشاهم لشدة الخوف فلما غشاهم فكانه حصلت له امنة من الله لولاها لم يغشهم قال عبد الله بن مسعود النعاس في القتال امنة من الله عز وجل وفي الصلاة من الشيطان روى عبد بن جميد عن قتادة قال كان النعاس امنة «1» من الله وكان النعاس نعاسين نعاس يوم بدر ونعاس يوم أحد وقد مر ذكر النعاس في القصة وذكر المطر الذي ذكره الله تعالى في كتابه فقال وَيُنَزِّلُ قرأ ابن كثير وابو عمرو بالتخفيف والباقون بالتشديد عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ من الحدث والجنابة وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ يعنى وسوسته إليهم تزعمون انكم اولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم مصلون مجنبون وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ يقويها بالوثوق على لطف الله بهم وإنزال السكينة عليها يقال فلان رابط الجاش إذا قوى قلبه واصل الربط الشد وذلك يقتضى القوة والاستحكام وَيُثَبِّتَ بِهِ اى بالمطر الْأَقْدامَ (11) حيث صلب الرمل ولم يذهب الاقدام فيها او بالصبر وقوة القلب. إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ الذين أمد بهم المؤمنين بدل ثالث او متعلق بيثبت أَنِّي مَعَكُمْ في اعانة المؤمنين وثبتهم وهو مفعول يوحى فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا بمحاربة أعدائهم وتكثير سوادهم وبشارتهم بالنصر قال مقاتل كان الملك يمشى امام الصف في صورة الرجل ويقول ابشروا فان الله ناصركم سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ هو امتلاء القلب من الخوف يعنى الخوف من المؤمنين قرأ ابن عامر والكسائي بضم العين والباقون بسكونها وهذا بمنزلة التفسير لقوله انى معكم روى ابو نعيم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قلت لابى يا أبت كيف أسرك ابو اليسر ولو شئت لجعلته

_ (1) يعنى الامن الذي هو ضد الخوف فعل لفاعل متنعون اى المخاطبون 12

في كفك فقال يا بنى لا تقل ذلك لقينى وهو في عينى أعظم من الخندقه قلت وهذا الإلقاء الله الرعب في قلوبهم فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ اى أعاليها التي هى المذابح والرؤوس وقال عكرمة يعنى الرؤوس لانها فوق الأعناق وقال الضحاك معناه فاضربوا الأعناق وفوق صلة وقيل معناه فاضربوا على الأعناق وفوق بمعنى على وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) قال عطية يعنى كل مفصل وقال ابن عباس وابن جريح والضحاك يعنى الأطراف والبنان جمع بنانة وهى أطراف أصابع اليدين والرجلين في القاموس الأصابع او أطرافها والخطاب للملئكة يقتضيه سياق الآية وفيه دليل على ان الملائكة قاتلوا قال ابن الأنباري كانت الملائكة لا تعلم كيف يقتل الآدميون فعلمهم الله تعالى روى البخاري والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال وهو في قبة يوم بدر اللهم انى أنشدك عهدك ووعدك اللهم ان تشأ لا تعبد بعد اليوم فاخذ ابو بكر بيده فقال حسبك يا رسول الله لقد ألححت على ربك فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وامر وانزل الله تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم انى ممدكم بألف من الملئكة مردفين اى متتابعين يتبع بعضهم بعضا وانزل الله تعالى ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين فاوحى الله تعالى الى الملئكة انى معكم فثبتوا الذين أمنوا سالقى في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان وروى مسلم وابن مردوية عن ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في اثر رجل من المشركين امامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وسمع صوت الفارس يقول اقدم حيزوم إذ نظر الى المشرك امامه مستاتيا فنظر اليه فاذا هو قد حطم انفه وشق وجهه كضربة السوط فاحضر ذلك الموضع اجمع فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة وروى الحاكم وصححه والبيهقي وابو نعيم عن سهل بن حنيف قال لقد رايتنا يوم بدر ان أحدنا يشير بسيفه الى راس المشرك فيقع راسه قبل ان يصل اليه وروى البيهقي عن الربيع بن انس قال كان الناس يعرفون قتل من قتلوه بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد احترق وروى ابن

سعد عن حويطب بن عبد العزى قال شهدت بدرا مع المشركين فرأيت عيرا رأيت الملئكة تقتل وتاسر بين السماء والأرض وروى محمد بن عمر الأسلمي والبيهقي عن ابى بردة بن يناد رضى الله عنه قال جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة رؤس فقلت يا رسول الله اما راسان فقتلتهما واما الثالث فانى رأيت رجلا ابيض طويلا ضربه فاخذت رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك فلان من الملئكة وروى ابن سعد عن عكرمة قال كان يومئذ يندر رأس الرجل الا يدرى من ضربه وتندر يد رجل لا يدرى من ضربه وروى ابن إسحاق والبيهقي عن ابى واقد الليثي قال انى لا تبع يوم بدر رجلا من المشركين لا ضربه فوقع راسه قبل ان يصل اليه سيفى فعرفت ان غيرى قتله وروى البيهقي عن خارجة بن ابراهيم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرئيل من القائل يوم بدر من الملئكة اقدم حيزوم فقال جبرئيل ما كل اهل السماء اعرف وروى ابن إسحاق عن ابى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب وكان الإسلام قد دخلنا اهل البيت وأسلمت أم الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم وكان يكتم إسلامه وكان ذا مال كثير متفرق فى قومه وكان ابو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحابه بل ركبه «1» الله وأخزاه فوجدنا فى أنفسنا قوة وعزة وكنت رجلا ضعيفا وكنت اعمل القداح وأنحتها فى حجرة زمزم فو الله انى لجالس انحت القداح وعندى أم الفضل جالسة إذ اقبل الفاسق ابو لهب يجر رجليسه حتى جلس على طنب «2» الحجرة وكان ظهره الى ظهرى فبينا هو جالس إذ قال الناس هذا ابو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم فقال ابو لهب الىّ ابن أخي فعندك الخبر فجلس اليه والناس قيام عليه فقال أخبرني ابن أخي كيف كان امر الناس فقال لا شىء والله ان كان الا ان لقيناهم فمحناهم «3» أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاء وايم الله مع ذلك ما ملت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض لا والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء قال ابو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت تلك والله الملئكة قال فرفع

_ (1) اى اذله 12. (2) الطنب حبل الخباء وطرف الحجرة 12 (3) فمحناهم أعطيناهم 12

[سورة الأنفال (8) : آية 13]

ابو لهب يده فضرب وجهى ضربة شديدة فثاورته «1» فاحتملنى فضرب بي الأرض ثم برك علىّ يضربنى وكنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل الى عمود من عمد الحجرة فاخذته فضربته به ضربة فلقت فى راسه شجة منكرة وقالت استضعفته ان غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا فو الله ما عاش الا سبع ليال حتى رماه الله عز وجل بالعدسة فقتله قال ابن جرير والعدسة «2» قرحة كانت العرب يتشاءم بها ويرون انها تعدو أشد العدو فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه بعد موته ثلثا ولا تقرب جثته ولا يحاول دفنه فلما خافوا السبة «3» فى تركه حفروا له ثم وضعوه بعصا فى حفرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه قال ابن إسحاق فى رواية يونس بن بكير انهم لم يحفر واله ولكنه أسندوه الى حائط وقذفوا عليه الحجارة من خلف الحائط حتى واروه. ِكَ اشارة الى الضرب والأمر به والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ خبره أَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعنى بسبب انهم عاندوهما اشتقاقه من الشق لان كلا من المتعاندين فى شق خلاف شق الاخر كالمعاداة من العدوة والمخاصمة من الخصم وهو الجانب مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعاقبه الله عقابا شديداإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13) تقرير للتعليل او وعيد بما أعد لهم فى الاخرة بعد ما حاق بهم فى الدنيا. ذلِكُمْ الخطاب مع الكفار على طريقة الالتفات ومحله الرفع اى الأمر ذلكم او ذلكم العقاب واقع او النصب بفعل دل عليه قوله تعالى فَذُوقُوهُ يعنى ذوقوا ذلكم العذاب فى الدنيا فذوقوه او غير ذلك الفعل مثل باشروا او عليكم ويكون الفاء حينئذ عاطفة وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14) فى الاخرة عطف على ذلكم او الواو بمعنى مع والمعنى ذوقوا ما عجل لكم مع ما أجل لكم ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على ان الكفر سبب موجب للعذاب الاجل والجمع بينهما والمؤمن لو أصابه مصيبة فى الدنيا بما كسبت يداه كانت له كفارة ولا يعذب فى الاخرة إنشاء الله تعالى روى البغوي بسنده فى تفسير قوله تعالى ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم الاية عن على رضى الله عنه قال الا أخبركم بأفضل آية من كتاب الله حدثنا بها رسول الله

_ (1) ثادرته اى نهضت 12 (2) عدسة بثرة شبيه العدس تخرج فى موضع من الجسد تقتل صاحبها غالبا 12 [.....] (3) السبة طعن الناس وقولهم بالسوء 12

[سورة الأنفال (8) : آية 15]

صلى الله عليه وسلم وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن كثير وسافسرها لك يا عليّ ما أصابكم من مرض او عقوبته او بلاء فى الدنيا فبما كسبت ايديكم والله عز وجل أكرم من ان يثنى عليهم العقوبة فى الاخرة وما عفى الله عنه فى الدنيا فالله احكم من ان يعود بعد عفوه والله اعلم روى الترمذي وحسنه والحاكم عن عكرمة عن ابن عباس قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليك بالعير ليس دونها شيء فناداه العباس وهو أسير فى وثاقه لا يصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم قال لان الله وعدك احدى الطائفتين وقد اعطاك ما وعدك قال صدقت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً حال من فاعل لقيتم ومفعوله اى متزاحفين بعضكم الى بعض مختلطين المسلمون بالمشركين والتزاحف التداني فى القتال كذا قال البغوي قلت وانما سمى التداني فى القتال تزاحفا لانه ماخوذ من زحف الصبى إذا دب على استه قليلا او من زحف البعير إذا أعيى فيسير قليلا يجر فرسه فان مزاحمة العدو يمنعهم عن الاسراع فى المشي فكانهم يزحفون كما يزحف الصبى فالزحف مصدر ولذلك لم يجمع كقولهم قوم عدل وقال الليث الزحف جماعة يزحفون الى عدو لهم فهم الزحف بالفتح والإسكان والجمع الزحف بالضمتين وفى القاموس الزحف الجيش يزحفون الى العدو واختار البيضاوي هذا المعنى حيث فسرز حفا بمعنى كثيرا فعلى هذا اما ان يكون حالا من الذين كفروا يعنى إذا لقيتم جماعة كثيرة من الكفار فضلا من ان يكونوا مثلكم او قليلا منكم فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) اى لا تولوا ظهوركم بالانهزام واما من الفاعل والمفعول جميعا والمعنى إذا لقيتم متكثرين بجماعة كثيرة من الكفار وحينئذ يكون جريان الحال جريا على العادة فان الغالب قتال لمتكثرين بالمتكثرين واما من الفاعل وحده ويكون اشعارا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولوا وهم اثنا عشر الفا والأظهر عندى فى تفسير الاية ما قال البغوي فانه يقتضى عموم النهى سواء كان من الفريقين جماعات او فرادى فان مقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد

(مسئله) الفرار من الزحف كبيرة من الكبائر وعلى هذا اكثر اهل العلم وبه قال الائمة الاربعة من الفقهاء لكنهم قالوا ان المسلمين إذا كانوا على شطر من عدوهم لا يجوز لهم ان يفروا وإن كانوا اقل من ذلك جاز لهم ان يولوا ظهورهم ويتجاوزوا عنهم لقوله تعالى الان خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مأته صابرة يغلبوا مائتين الاية قال عطاء ابن رباح هذه الاية يعنى لا تولوهم الأدبار منسوخة بقوله تعالى الان خفف الله عنكم وبحديث ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سرية فحاص الناس حيصة فاتينا المدينة فاختفينا بها وقلنا هلكنا ثم اتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون «1» وانا فئتكم رواه الترمذي وحسنه وفى رواية ابى داود نحوه وقال محمد بن سيرين لما قتل ابو عبيدة جاء الخبر الى عمر رضى الله عنهما فقال لو انحاز الى كنت له فئة وانا فئة كل مسلم ومحمل هذين الحديثين قلة المسلمين من شطر الكفار قال البغوي قال ابن عباس من فرمن ثلثة فلم يفرو من فرمن اثنين فقد فرو قال بعض الناس لا بأس بالفرار مطلقا محتجا بما ذكرنا من حديث ابن عمرو محمد بن سيرين قال ابو سعيد الخدري هذا يعنى النهى عن التولي زحفا فى اهل بدر خاصة ما كان يجوز لهم الانهزام لان النبي صلى الله عليه وسلم كان هناك ولو انحازوا انحازوا الى المشركين فاما بعد ذلك فان المسلمين بعضهم فئة بعض فيكون الفار متحيزا الى فئة فلا يكون فراره كبيرة وهو قول الحسن وقتادة والضحاك وقال يزيد ابن ابى حبيب أوجب الله تعالى النار لمن فريوم بدر فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى الله عنهم ثم كان يوم حنين بعد فقال ثم وليتم مدبرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشآء قلت وهذا القول ردّه اجماع الائمة على ما ذكرنا وما ذكر من الآيات فى يوم أحد ويوم حنين فهى حجة لنا لا علينا حيث قال الله تعالى انما استزلهم الشيطان وقال عفى الله عنهم والعفو يقتضى العصيان وكذا قوله تعالى ثم يتوب الله يدل على وجود المعصية والله اعلم وقد ذكر رسول الله صلى الله

_ (1) الكرارون الى الحرب يقال للرجل يولى عن الحرب لم يكرر اجفا إليها 12

[سورة الأنفال (8) : آية 16]

عليه وسلم التولي يوم الزحف من السبع الموبقات رواه الشيخان فى الصحيحين فى حديث ابى هريرة واصحاب السنن عن صفوان بن عسال وقد ذكرنا الكبائر فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيأتكم فالوعيد عام بقوله تعالى. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يعنى الذين كفروا يَوْمَئِذٍ اى يوم إذا لقيتموهم زحفا دُبُرَهُ اى ظهره فى اى حال كان إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ اى متعطفا يريد ان يرى من نفسه الانهزام وقصده الغرة بالعدو وهو يريد الكر أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ اى منضما صابرا الى جماعة المسلمين إذا أعيى من القتال يريد العود بعد زوال التعب فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) جهنم وفى القصة ما ذكره البغوي انه قال مجاهد فلما انصرف المسلمون عن القتال كان الرجل يقول انا قتلت فلانا ويقول الاخر مثله فنزلت. فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ بقوتكم وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ بنصره إياكم وتسليطكم عليهم وإلقاء الرعب فى قلوبهم وامداد الملئكة لكم والفاء جواب شرط محذوف تقديره ان افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وهذا سبب أقيم مقام المسبب والأصل فى التقدير ان افتخرتم فقد أخطأتم إذ لم تقتلوهم بقوتكم ولكن الله قتلهم من غير تجشم منكم بامداده على خلاف جرى العادة وَما رَمَيْتَ يا محمد بالحصباء رميا يوصلها الى أعينهم أجمعين ولم تكن تقدر على ذلك إِذْ رَمَيْتَ أتيت بصورة الرمي وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى اتى هو غاية الرمي فاوصلها الى أعينهم جميعا حتى انهزموا قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بتخفيف لكن فى الموضعين ورفع ما بعده والباقون بالتشديد ونصب ما بعده روى ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس والأموي عن عبد الله ابن ثعلبه بن صفير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يعنى فى مناشدته ربه ان تهلك هذه العصابة فلن تعبد فى الأرض ابدا فقال له جبرئيل خذ قبضة من تراب فرمى بها فى وجوههم فما بقي من المشركين من أحد الا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه فولوا مدبرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه احملوا فلم يكن الا الهزيمة فقتل الله من قتل من

صناديد قريش واسر من اسر وانزل الله تعالى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم الاية وروى الطبراني وابو الشيخ برجال الصحيح عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلى رضى الله عنه ناولنى قبضة من حصباء فرمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجوه الكفار فما بقي أحد من القوم الا امتلأت عيناه من الحصباء وروى ابو الشيخ وابو نعيم وابن مردويه عن جابر رضى الله عنه قال سمعت صوت حصيات وقعن من السماء يوم بدر كانهن وقعن فى طست فلما اصطف الناس أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى بهن وجوه المشركين فانهزموا وروى ابن ابى حاتم عن ابن زيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بثلث حصيات فرمى بحصاة فى ميمنة القوم وحصاة فى ميسرة القوم وحصاة بين أظهرهم وقال شاهت الوجوه فانهزم القوم وروى محمد بن عمرو الأسلمي امر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذ من الحصباء كفا فرمى به المشركين وقال شاهت الوجوه اللهم ارعب قلوبهم وزلزل أقدامهم فانهزم اعداء الله لا يلوذون على شيء والقواد روعهم والمسلمون يقتلون ويأسرون وما بقي منهم أحد الا امتلأ وجهه وعيينه ما يدرى اين يوجه والملائكة يقتلونهم وروى الطبراني وابن ابى حاتم وابن جرير بسند حسن عن حكيم بن جزام قال لما كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء الى الأرض كانه صوت حصاة وقعت فى طست ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الحصاة وقال شاهت الوجوه فانهزمنا وفى شان نزول الآيات روايات أخو غريبة منها ما روى الحاكم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال اقبل ابى بن خلف يوم أحد الى النبي صلى الله عليه وسلم فخلوا سبيله فاستقبله مصعب بن عمير وراى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة ابي من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة فطعنه بحربته فسقط من فرسه ولم يخرج من طعنه دم فكسر ضلعا من أضلاعه فاتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا ما أعجزك انما هو خدش فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بل انا اقتل أبيا قال والذي نفسى بيده لو كان هذا باهل ذى المجاز لماتوا أجمعين فمات ابى قبل ان يقدم مكة فانزل الله تعالى وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى اسناده صحيح لكنه غريب ومنها ما اخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن جبير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خبير دعى

بقوس فرمى الحصن فاقبل السهم يهوى حتى قتل ابن ابى الحقيق وهو فى فراشه فانزل الله وما رميت إذ رميت وهذا مرسل جيد لكنه غريب والله اعلم وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ اى لينعم الله عليهم مِنْهُ اى ما فعل بَلاءً حَسَناً نعمة عظيمة قوله تعالى ليبلى معطوف على محذوف يعنى فعل ما فعل ليظهر دينه ويقهر أعدائه ويبلى المؤمنين اى يعطيهم نعمة عظيمة النصر والغنيمة وتقويته الايمان بمشاهدة الآيات واجر الجهاد والشهادة ودرجات القرب وغرفات الجنان ومرضاة الله تعالى قلت كانه جواب سوال مقدر وهو ان الله تعالى كان قادرا على ان يهلك الكفار أجمعين من غير مجاهدة المؤمنين وقتالهم حتى قتل بعضهم ومن غير امداد الملئكة وايضا كان ملك من الملئكة كاف فى إهلاكهم كما فعل بأشياعهم من قبل حيث قال وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين انكانت الا صيحة واحدة فاذا هم خامدون فاى فائدة فى امدادهم بثلاثة آلاف من الملئكة وقتال الملئكة وغير ذلك فيقول الله سبحانه فعلنا هذا كله لاظهار دينه وإعطاء المؤمنين من الانس والملئكة نعمة من الله من الاجر والثواب والنصر والغنيمة ولو أهلك كلهم بقدرته او بصيحة ملك واحد ولم يبق من المشركين أحد لم ينل أحد منهم فضل الايمان بالله تعالى وقد أمن كثير من بقي منهم بعد ذلك وما نال المؤمنون اجر الجهاد والشهادة والغنيمة والفضل وما نال الملئكة ذلك الفضل- (فصل) فيما ورد فى فضائل اهل بدر روى البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي قال جاء جبرئيل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون اهل بدر فيكم قال أفضل المسلمين او كلمة نحوها قال جبرئيل وكذلك من شهد بدر أمن الملائكة وروى احمد وابن ماجه عن رافع بن خديج نحوه وروى احمد بسند صحيح على شرط مسلم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية وروى ابو داود وابن ماجة والطبراني بسند جيد عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع الله على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وروى احمد عن حفصة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انى لارجوا ان لا يدخل النار إنشاء الله أحد

شهد بدر او الحديبية قالت قلت أليس الله يقول وان منكم الا واردها قال اما سمعته يقول ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا وروى مسلم والترمذي عن جابر ان عبد الله بن حاطب جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشكوا حاطبا اليه فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار قال كذبت لا يدخلها فانه شهد بدر او الحديبية وفي الصحيحين عن على قصة كتاب حاطب بن بلتعة وقول عمر يا رسول الله اضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم أليس من اهل بدر ولعل الله اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وقال فقد وجبت لكم الجنة وقد ذكرنا الحديث في سورة الفتح وسورة الممتحنة وروى البخاري عن انس قال أصيب حارثة بن زيد يوم بدر فجاءت امه الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة منى فان يك في الجنة اصبر واحتسب وان يك الاخرى فترى ما اصنع قال ويحك او جنة واحدة هى انها جنان كثيرة وانه فى الفردوس وفي رواية عند غير البخاري عن انس ان حارثة كان في النظارة وفيه ان ابنك أصاب الفردوس الأعلى ففيه تنبيه عظيم على فضل اهل بدر فانه لم يكن في بحجة القتال ولا في حومة الغوائل بل كان من النظارة من بعيد وانما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض ومع هذا أصاب جنة الفردوس التي هى أعلى الجنة وأوسطها ومنها تفجر انهار الجنة فاذا كان هذا حاله فما ظنك بمن كان في نحر العدد وهم على ثلثة أضعافهم عددا وعددا واستشكل قوله صلى الله عليه وسلّم اعملوا ما شئتم فان ظاهره للاباحة وهو خلاف عقد الشرع فقيل انه اخبار عن مغفرة الذنوب الماضية يدل عليه قوله قد غفرت لكم بصيغة الماضي ورد هذا القول بانه لو كان للماضى لما صح الاستدلال في قصة حاطب بن بلتعة لانه صلى الله عليه وسلّم خاطب عمر منكرا عليه ما قال في امر حاطب فان هذه القصة كانت بعد بدر بست سنة فدل على ان المراد مغفرة الذنوب المستقبلة وانما أورد بلفظ الماضي مبالغة في تحققه والصحيح ان قوله صلى الله عليه وسلّم اعملوا للتشريف والتكريم والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر عنهم وانهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيم التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة وتأهلوا لان

[سورة الأنفال (8) : آية 18]

يغفر لهم للذنوب اللاحقة ان وقعت. (فايده) اتفقوا على ان البشارة المذكورة فيما يتعلق باحكام الآخرة لا باحكام الدنيا من اقامة الحدود وغيرها والله اعلم إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لاستغاثتهم ودعائهم عَلِيمٌ (17) بنياتهم وأحوالهم. ذلِكُمْ اشارة الى البلاء الحسن أو القتل والرمي ومحله الرفع اى المقصود او الأمر ذلكم او ذلكم الإبلاء حق وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) معطوف على ذلكم يعنى المقصود إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وابطال حيلهم قرأ نافع وابن كثير وابو عمر بفتح الواو وتشديد الهاء والباقون بإسكان الواو وتخفيف الهاء وقرأ حفص موهن بغير تنوين مضافا الى كيد بالجر والباقون بالتنوين ونصب كيد روى ابن إسحاق واحمد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير بالمهملتين العذرى وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعضهم قال ابو جهل اللهم أينا كان اقطع للرحم وآتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة اللهم من كان أحب إليك وارضى عندك فانصره فكان هو المستفتح على نفسه فانزل الله تعالى. إِنْ تَسْتَفْتِحُوا اى تستنصر والأحب الناس وارضهم عند الله فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ الذي طلبتم فقتل ابو جهل يوم بدر وروى احمد والشيخان وغيرهم عن عبد الرحمن بن عوف قال انى لواقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى وعن شمالى فاذا انا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت ان أكون بين اضلع منهما فغمزنى أحدهما سرّا من صاحبه فقال اى عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك اليه يا ابن أخي قال أخبرت انه يسب النبي صلى الله عليه وسلّم والذي نفسى بيده لئن رايته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منهما قال وغمزنى الاخر سرا من صاحبه فقال مثلها فعجبت لذلك فلم انشب ان نظرت الى الى جهل يحول في الناس وهو يرتجز- شعر: ما تنقم الحرب «1» العوان منى بازل «2» عامين حديث سنى لمثل هذا ولدتني أمي فقلت الا تريان هذا صاحبكما كما الذي تسالان عنه فابتدراه

_ (1) الحرب العوان التي قوتل فيها مرة بعد أخرى 12 (2) البازل في الإبل الذي خرج نابه وهو في ذلك السن به قوته 12

بسيفهما فضرباه حتى برد وانصرفا الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاخبراه فقال كلاكما قتله وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان هو ومعاذ بن عفراء وروى البخاري عن انس قال قال النبي صلى الله عليه وسلّم يوم بدر من ينظر ما فعل ابو جهل قال فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فاخذ بلحية وقال أنت ابو جهل قال وهل فوق رجل قتله قومه او قتلتموه وفي مسند احمد عن ابى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه انه وجد أبا جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو ضريع وقد ندب الناس فيه بسيف له فاخذته فقتلته به فنفلنى رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيفه قال الحافظ هو معارض لما في الصحيح انه صلى الله عليه وسلّم اعطى سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ويمكن الجمع بان يكون نفل ابن مسعود سيفه الذي قتله به فقط وروى ابن إسحاق عن معاذ بن عمرو بن الجموح قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من غزوة امر بابى جهل بن هشام ان يلتمس في القتلى وقال اللهم لا يعجزنك قال فلما سمعتها جعلته من سابق فصمدت نحوه فضربته ضربة اطنت قدمه بنصف ساقه قال وضربنى ابنه عكرمة على عاتقى فطرح يدى فتعلقت بجلدة من جنبى واجهضنى القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومى هذا وانى لاصحبها خلفي فلما آذتني وضعت قدمى ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها قال ابن إسحاق وعاش بعد ذلك الى زمن عثمان قال القاضي زاد ابن وهب في روايته فجاء معاذ يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلصقت كذا نقل عن القاضي في العيون وفي الشفاء قطع ابو جهل يوم بدر يد معوذ بن عفراء فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم وألصقها فلصقت رواه ابن وهب قال إسحاق ثم مر بابى جهل وهو عفير معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل ثم مر عبد الله بن مسعود بابى جهل قال ابن مسعود وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلى على عنقه ثم قلت هل أخزاك الله يا عدو الله قال وبماذا أخزاني هل اعمد «1» من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدابرة «2» قلت الله ولرسوله

_ (1) يعنى زاد على رجل قتله توته وهل كان الا هذا يعنى انه ليس لعاد 12 (2) اى الدّالة والظفر والنصر 12

وروى عن ابن مسعود انه قال قال لى ابو جهل لقد ارتقيت يا رويعى الغنم مرتقا صعبا ثم اخررت راسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت يا رسول الله هذا راس عدو الله ابى جهل فقال الله الذي لا اله غيره قلت ونعم والذي لا اله غيره ثم ألقيت بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحمد الله وفي رواية خر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ساجدا وفي روايته صلى ركعتين وروى ابن عابد عن قتادة ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال ان لكل امة فرعون وفرعون هذه الامة ابو جهل قاتله الله قتله ابنا عفراء وقتله الملائكة وتدافه ابن مسعود يعنى اجهز عليه واسرع قتله وقال عكرمة قال المشركون والله ما نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق فانزل الله تعالى ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح اى ان تستقضوا فقد جاءكم القضا وقال السدى والكلبي كان المشركون حين خرجوا الى النبي صلى الله عليه وسلم أخذوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم الضر على الجندين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ففيه نزلت فعلى هذه الروايات الخطاب لكفار مكة وقال ابى بن كعب هذا خطاب لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال الله تعالى للمسلمين ان تستفتحوا اى ان تستنصروا فقد جاءكم الفتح والنصر والظفر روى البغوي بسنده عن قيس بن حباب قال شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا الا تدعوا الله لنا الا تستنصر لنا فجلس محمارا لونه او وجهه فقال لنا لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يجاء بالمنشار فيجعل فوق راسه ثم يجعل بفرقتين ما يصرفه عن دينه ويمشط بامشاط الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب ما يصرفه عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب منكم من صنعا الى حضرموت لا يخشى الا الله ولكنكم تعجلون وَإِنْ تَنْتَهُوا ايها الكفار عن الكفر بالله والقتال مع نبيه صلى الله عليه وسلّم فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فان فيه صلاح الدارين لكم وَإِنْ تَعُودُوا لحربه ومعاداته نَعُدْ بمثل الواقعة التي وقعت بكم يوم بدر وَلَنْ تُغْنِيَ اى لن يدفع عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ اى جماعتكم شيئا من الإغناء او شيئا من المضارّ وَلَوْ كَثُرَتْ فئتكم وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)

[سورة الأنفال (8) : آية 20]

قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح الهمزة وحينئذ عطف على محذوف يعنى لن تغنى عنكم فئتكم شيئا لاجل شوم كفركم ولان الله مع المؤمنين وقيل هو عطف على قوله ذلكم وان الله موهن كيد الكافرين وان الله مع المؤمنين وقرأ الباقون بالكسر على الاستيناف والعطف على لن تغنى وإن كان قوله تعالى ان تستفتحوا خطابا للمسلمين فالمعنى ان تستنصروا فقد جاءكم الفتح النصر وان تنتهو عن التكاسل في القتال والمجادلة في الحق والرغبة عما يستاثره الرسول فهو خير لكم وان تعودوا بعد بالإنكار وتهيج العدو ولن تغنى حينئذ كثرتكم إذا لم يكن الله معكم بالنصر فان الله مع المؤمنين الكاملين ويناسبه قوله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ اى لا تعرضوا عن الرسول يعنى عن اطاعنه افراد الضمير لان المراد من الاية الأمر باطاعة الرسول صلى الله عليه وسلّم والنهى عن الاعراض عنه وذكر الله تعالى للتوطية والتنبيه على ان طاعة الله تعالى في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلّم وقيل الضمير للجهاد او للامر الذي يدل عليه الطاعة وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) القرآن والمواعظ وتصدقونه. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا يعنى المنافقين الذين ادعوا السماع والتصديق وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) سماع اتعاظ وقبول. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ اى شر ما يدب على الأرض او شر البهائم عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ عن الحق لا يسمعه سماع قبول فلا ينطق به الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) الحق عدهم من البهائم وجعلهم شرها لابطالهم ما امتازوا به من البهائم وفضلوا لاجله قال ابن عباس هم نفر من بنى الدار بن قصى كانوا يقولون نحن صم بكم عمى عما جاء به محمد فقتلوا جميعا بأحد وكانوا اصحاب اللواء ولم يسلم منهم الا رجلان مصطب بن عمير وسويط بن حرملة. وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً يعنى استعداد قبول الحق وكانوا من اهل السعادة من مربيات اسم الله الهادي لَأَسْمَعَهُمْ سماع قبول وتفهم وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ سماع انتفاع وقفهم وقد علم ان لا خير فيهم لَتَوَلَّوْا بعد الايمان والتصديق والانتفاع وارتدوا لما سبق عليهم

[سورة الأنفال (8) : آية 24]

الكتاب وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) بعد ظهور الحق عنادا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل اهل النار فيدخلها الحديث متفق عليه عن ابن مسعود قال البغوي وقيل انهم كانوا يقولون للنبى صلى الله عليه وسلّم احى لنا قصيا فانه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن بك فقال الله تعالى ولو أسمعهم كلام قصى لتولوا وهم معرضون. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ يعنى أجيبوا هما بالطاعة إِذا دَعاكُمْ الرسول أفرد الضمير لما ذكرنا ولان دعوة الله يسمع من الرسول لِما يُحْيِيكُمْ قال السدى اى الايمان لان الكافر ميت وقال قتادة هو القرآن فيه الحيوة وبه النجاة والعصمة في الدارين وقال مجاهد الحق وقال ابن إسحاق هو الجهاد حيث أعزكم الله به بعد الذل وقال القتيبي هو الشهادة قال الله تعالى بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين قلت والاولى ان يقال هو كل ما دعى له الرسول صلى الله عليه وسلّم والتقيد ليس للاحتراز بل للمدح والتحريض فان طاعة الرسول في كل امر يحى القلب وعصيانه يميته والمراد بحياة القلب طرد الغفلة عنه بخرق الحجب ودفع الظلمة روى الترمذي والنسائي من حديث ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلّم مر على ابى بن كعب وهو يصلى فدعاه فعجل ابى في صلوته ثم جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما منعك ان تجيبنى إذا دعوتك قال كنت في الصلاة قال أليس الله تعالى يقول يايّها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم فقال لا جرم يا رسول الله لا تدعونى الا أجبتك وان كنت مصليا وهذا الحديث يؤيد ما قلت بوجوب الاجابة لكل ما دعى رسول الله صلى الله عليه وسلّم. (مسئلة) قيل اجابة الرسول لا يقطع الصلاة وقيل دعائه إن كان لامر لا يحتمل التأخير فللمصلى ان يقطع الصلاة لاجله والظاهر هو المعنى الاول والا فقطع الصلاة يجوز لكل امر دينى مهم يفوت بالتأخير كالاعمى يقع في البير وهو يصلى لو لم يقطعها ولم يرشده والله اعلم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ اى يميته

[سورة الأنفال (8) : آية 25]

فيفوته الفرصة التي هو واجدها لطاعة الله تعالى فاغتنموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لله وسارعوا الى الخيرات او المعنى ان الله يحول بين الإنسان وبين ما يتمناه قلبه من طول الحيوة فيفسخ عزائمه فلا تسوقوا في امور الدين وقيل هو تمثيل لغاية قربه من العبد كقوله تعالى نحن اقرب اليه من حبل الوريد وتنبيه على انه مطلع على مكنونات القلب ما عسى ان يغفل عنه صاحبه فعليكم بالإخلاص وقيل هو تصوير وتخيل لتملكه على قلب العبد فيفسخ عزائمه ويغير مقاصده يحول بينه وبين الكفر والعصيان ان أراد سعادته وبينه وبين الايمان والطاعة ان أراد شقاوته فلابد من دوام التضرع والالتجاء اليه وخوف الخاتمة عن انس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكثر ان يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك قالوا يا رسول الله أمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال القلوب بين إصبعين من أصابع الله بقلبها كيف يشاء رواه الترمذي وابن ماجة وعن ابن عمر مرفوعا ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك رواه مسلم وعن عمر بن الخطاب انه سمع غلاما يدعوا اللهم انك تحول بين المرأ وقلبه فحل بينى وبين الخطايا فلا اعمل بسوء منها فقال رحمك الله ودعا له بخير وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) فيجازيكم بأعمالكم. وَاتَّقُوا فِتْنَةً اى معصية لا تُصِيبَنَّ الضمير راجع الى فتنة بتقدير حذف المضاف اى لا يصيبن وبالها الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً لا تصيبن صيغة نهى موكد بالنون صفة لفتنة على ارادة القول يعنى اتقوا فتنة يقال فيها لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل تعم الظالم وغيره او صيغة نفي دخلها النون لتضمنها معنى النهى فمعنى الآية الأمر بالاتقاء عن فتنة موصوفة بعموم وبالها من ارتكبها ومن لم يرتكبها واختلفوا في ذلك الفتنة ما هى فقال قوم هى ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قال ابن عباس امر الله المؤمنين ان لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعهم الله بعذاب يصيب

الظالم وغير الظالم واستدلوا على ذلك بحديث ابى بكر الصديق قال يا ايها الناس انكم تقرءون هذه الآية يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول ان الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه او شك ان يعمهم الله بعقاب من عنده رواه اصحاب السنن الاربعة وقال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان وحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ايها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل ان تدعوا الله فلا يستجيب لكم وقبل ان تستغفروه فلا يغفر لكم ان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يدفع رزقا ولا يقرب أجلا وان الأحبار من اليهود والنصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عموا بالبلاء رواه الاصبهانى وله شاهد من حديث ابن مسعود وحديث عائشه وعن عدى بن عدى الكندي قال حدثنا مولى لنا انه سمع جدى يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول ان الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على ان ينكروه فلم ينكروه فاذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة رواه البغوي في شرح السنة والمعالم وعن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصاروا بعضهم في أسفلها وبعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها فتاذوا به فاخذ فاسا فجعل ينقر أسفل السفينة فاتوه فقالوا مالك قال تاذيتم بي ولا بد لى من الماء فان أخذوا على يديه انجوه وانجوا بانفسهم وان تركوه اهلكوه واهلكوا أنفسهم رواه البخاري قلت والاستدلال بهذه الأحاديث لا يصح فان مقتضى الأحاديث ان معصية أحد لا يعذب بها غيره الا إذا عمل بها بين اظهر الناس وهم قادرون على الإنكار فلم ينكروا فحينئذ يعم عذاب تلك المعصية فاعلها ومن لم يفعلها بل ترك النهى عنها ولا شك ان النهى عن المنكر فريضة تاركها ظالم فشموله عذاب المعصية إصابة عذاب الظالم وليس ذلك العذاب شاملا للظالم

وغيره الم تسمع قصة القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت يعنى طائفة منهم وطائفة كانت ناهية عن المنكر وطائفة لم يأتوا بالمنكر لكنهم تركوا النهى عنه فقال الله تعالى فانجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب فهذا صريح في ان وبال ترك النهى لم ينل غير الظالم وهذه الآية تدل على فتنة ينال وباله الظالم وغيره وقال قوم هى البغي والفساد في الأرض فانه ينال وباله في الدنيا رجال معصومون يعنى يقتل الناس وينهب عن قتادة في الاية قال علم والله ذوو الألباب من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم حين نزلت هذه الآية انه ستكون فتن ومن هاهنا قال ابن زيد أراد بالفتنة افتراق الكلمة ومخالفة بعضهم بعضا وقال الحسن نزلت الآية في على وعمار وطلحة والزبير عن مطرف قال قلنا للزبير يا أبا عبد الله قد ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه قال الزبير لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فاذا نحن المعنيون بها يعنى ما كان منه يوم الجمل من البغي على على رضى الله عنه وكذا قال السدى والضحاك وقتادة قلت وعندى ان المراد بالفتنة المذكورة ترك الجهاد خصوصا عند النفير العام إذا دعاهم الامام اليه والتولي يوم الزحف بقرينة سياق القصة قال الله تعالى وان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق وقال الله تعالى يا ايها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار وقال عز من قائل يا ايها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم والمراد من إصابة الوبال للظالم وغيره وصول المكروه لجميعهم الا ترى ان ترك القتال يوجب غلبة الكفار وقتل المسلمين ونهب أموالهم من الصغار والكبار والنساء والقرار من الزحف يوجب قتل المجاهدين الصابرين الا ترى ان المسلمين إذا استزلهم الشيطان يوم أحد نال وباله سائر المسلمين حتى نال بعض المكروه للنبى المعصوم شج وجهه وكسر رباعيته والله اعلم وجاز ان يكون قوله تعالى لا تصيبن نهيا بعد امر باتقاء الذنب والمعنى اتقوا كل فتنة ولا يرتكبن أحد منكم فتنة ما فان وباله يصيب الظالم خاصة ويعود عليه وفائدته ان الظالم منكم أقبح منه من غيركم

[سورة الأنفال (8) : آية 26]

وهذا معنى ما قال البغوي ليس بجزاء محض ولو كان جزاء لم يدخل فيه النون لكنه نهى وفيه طرف من الجزاء كقوله تعالى يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده تقديره واتقوا فتنة ان لم تتقوها أصابتكم خاصة فلا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ومثله ادخلوا مساكنكم ان لم تدخلوها يحطمنكم سليمان وجنوده والله اعلم وليس قوله تعالى لا تصيبن جوابا للامر لان المعنى حينئذ اتقوا فتنة ان تتقوها لا يصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وليس المعنى ان تتقوها لا يصيبنكم إذ نفي المقيد يرجع الى القيد فالمعنى بل يعمكم وغيركم وفساده ظاهر قال البيضاوي جواب للامر على معنى ان أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة قلت لا بد في جواب الأمر من تقدير شرط ماخوذ من الأمر كما في قول القائل اسلم تدخل الجنة يعنى ان تسلم تدخل الجنة وقوله تعالى ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم يعنى ان تدخلوا لا يحطمنكم فتقدير ان أصابتكم لا يتصور إن كان جوابا للامر بل يكون الشرطية صفة لفتنة ويؤل التأويل الى ما ذكرنا او لا وايضا لا يجوز ان يكون قوله تعالى لا تصيبن الذين ظلموا جواب قسم محذوف ويكون تقدير الكلام اتقوا فتنة والله لا يصيبن الفتنة الذين ظلموا منكم خاصة بل يعمكم لان الفتنة المامورة بالاتقاء عنها على هذا فتنة منكرة والنكرة إذا أضمرت في قوله تعالى لا تصيبن صارت عامة فيلزم عموم وبال كل معصية الظالم وغيره وفساده ظاهر لانه خلاف الإجماع وخلاف منطوق قوله تعالى لا تزر وازرة وزر اخرى اللهم الا ان يقال المراد بالفتنة ما ذكرنا من ترك الجهاد والفرار من الزحف بقرينة السياق والمراد باصابتها إصابة وبالها في الدنيا والله اعلم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) فاحذروا عقابه بالاتقاء من الفتنة. وَاذْكُرُوا ايها المهاجرون إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ في العدد مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ارض مكة تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ يعنى كفار قريش وأخرج ابو الشيخ عن ابن عباس قيل يا رسول الله من الناس قال اهل فارس فَآواكُمْ المدينة وَأَيَّدَكُمْ يوم بدر بِنَصْرِهِ على الكفار وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ

من المغانم أحلها لكم ولم يحلها لاحد قبلكم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) وقيل الخطاب للعرب كافة فانهم كانوا أذلاء في أيدي فارس والروم كانوا جميعا معادين لهم متضادين فجعل لهم الله ماوى يتحصنون به عن أعدائهم يعنى جوار نبيه صلى الله عليه وسلّم وأيدهم بنصره على جميع اهل الملل والله اعلم روى سعيد بن منصور وغيره عن عبد الله بن ابى قتادة وذكره البغوي ان النبي صلى الله عليه وسلّم حاصر بنى قريظة احدى وعشرين ليلة فسالوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بنى النضير على ان يسيروا الى إخوانهم الى أذرعات وأريحا من ارض الشام فابى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان يعطيهم ذلك الا ان ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فابوا وقالوا أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر وكان مناصحا لهم لان ماله وعياله وولده كانت فيهم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاتاهم فقالوا يا أبا لبابة ما ترى انزل على حكم سعد بن معاذ فاشار ابو لبابته الى حلقه انه الذبح فلا تفعلوا وذكر في سبيل الرشاد انه أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا لبابته فلما رأوه قام اليه الرجال وجهش اليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرّق لهم فقال كعب ابن اسد يا أبا لبابته انا قد اخترناك على غيرك ان محمدا ابى الا ان ننزل على حكمه يعنى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم افترى ان ننزل على حكمه قال نعم وأشار بيده الى حلقه انه الذبح قال ابو لبابته والله ما زالت قدماى مكانهما حتى عرفت انى قد خنت الله ورسوله فندمت فاسترجعت وان لحيتى لمبنلة من الدموع والناس ينتظرون رجوعه إليهم حتى أخذت من وراء الحصن طريقا اخرى حتى جئت الى المسجد ولم ات رسول الله صلى الله عليه وسلّم فارتبطت الى اسطوانة المخلفة التي يقال لها اسطوانة التوبة وقلت لا أبرح من مكانى حتى أموت او يتوب الله علىّ قال البغوي قال والله لا انحل ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت او يتوب الله عليّ فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم خبره قال اما لو جاءنى لاستغفرت له فاما إذا فعل ما فعل فانى لا أطلقه حتى يتوب الله عليه فمكث سبعة ايام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله

[سورة الأنفال (8) : آية 27]

عليه كذا قال البغوي وفي سبيل الرشاد قال ابن هشام اقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته كل صلوة فتحله حتى يتوضأ ويصلى ثم يرتبط وقال ابن عقبة زعموا انه ارتبط قريبا من عشرين ليلة وقال في البدايته وهذا أشبه الأقاويل وقال ابن إسحاق خمسا وعشرين ليلة وروى ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن ابى بكر انه ارتبط بسلسلة ربوض بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع وكاد يذهب بصره وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة او أراد ان يذهب لحاجته فاذا فرغ أعادت الرباط والظاهر ان زوجته كانت تباشر حله مرة وابنته مرة وانزل الله تعالى في توبته وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم قال ابن إسحاق حدثنى يزيد بن عبد الله بن قسيط ان توبة ابى لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم من السحر وهو يضحك قالت فقلت يا رسول الله مم تضحك اضحك الله منك قال تيب على ابى لبابته قالت قلت أفلا أبشره يا رسول الله قال بلى ان شئت فقامت على باب حجرتها وذلك قبل ان يضرب عليهن الحجاب فقالت يا أبا لبابة ابشر فقد تاب الله عليك قالت فثار الناس ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقنى بيده فلما مر عليه خارجا الى صلوة الصبح أطلقه قال السهيلي وروى حماد بن سلمة عن على بن زيد بن جدعان عن على بن الحسين رضى الله عنهما ان فاطمة رضى عنها جاءت تحله فقال انى حلفت ان لا يحلنى الا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان فاطمة بضعة منى وعلى بن زيد بن جدعان ضعيف ورواية على بن الحسين مرسلة ثم قال ابو لبابة من تمام توبتى ان اهجر دار قومى التي أصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى كلها فقال النبي صلى الله عليه وسلّم يجزيك الثلث ان تصدقت به فنزل في ابى لبابة قوله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ واصل الخون النقص كما ان اصل الوفاء التمام واستعماله في ضد الامانة لتضمنه إياه وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ فيما بينكم مجزوم بالعطف على الاول او منصوب على الجواب بالواو والظاهر

[سورة الأنفال (8) : آية 28]

هو الاول لان في الثاني يشترط معنى الجمعية وكل واحد من الخيانتين محرمة برأسها لا الجمع بينهما كما في لا تأكل السمك وتشرب اللبن وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) انها أمانته أو أنتم تعلمون ان ما فعلتم من الاشارة الى الحلق خيانته وأنتم علماء تتميزون الحسن من القبح قال السدى إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم قال ابن عباس لا تخونوا لله بترك فرايضة والرسول بترك سنته وأماناتكم هى ما يخفى عن أعين الناس من فرايض الله تعالى والأعمال التي ائتمن الله عليها عبادة وقال قتادة اعلموا ان دين الله امانة فادوا الى الله ما ائتمنكم عليه من فرايضه وحدوده ومن كانت عليه امانة فليود الى من ائتمن عليها قلت حاصل قول ابن عباس وقتادة ان سبب نزول هذه الاية وإن كان ما فعل ابو لبابة لكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد فيحرم الخيانة في دين الله من فرايضه وحدوده كلها ومنها ما فعل ابو لبابة والله اعلم فان قيل المستشار مؤتمن حديث صحيح رواه احمد من حديث ابى هريرة مرفوعا والترمذي عن أم سلمة وابن ماجة عن ابن مسعود وقد استشار اليهود من ابى لبابة فلو لم يفعل ابو لبابة ما فعل لزمه الخيانة في المشورة فكيف كان له التفصى قلت كان له التفصى بالسكوت وبان يقول لست أشير لكم قد بدا بينى وبينكم العداوة والبغضاء ابدا حتى تومنوا بالله ورسوله والله اعلم واخرج ابن جرير عن السدى قال كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلّم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين فنزلت فيه وروى ابن جرير وغيره عن جابر بن عبد الله ان أبا سفيان خرج من مكة فاتى جبرئيل النبي صلى الله عليه وسلّم فقال ان أبا سفيان بمكان كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ان أبا سفيان بمكان كذا وكذا فاخرجوا اليه واكتموا فكتب رجل من المنافقين الى ابى سفيان ان محمدا يريدكم فخذوا حذركم فانزل الله هذه الآية وهذا غريب جدا في سنده وسياقه نظر. وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ اصل الفتن إدخال الذهب النار ليظهر جودته ومنه استعمل في الاختبار والامتحان قال الله تعالى نبلوكم بالشر والخير فتنة ويستعمل ايضا في العذاب قال الله تعالى يومهم على النار يفتنون ويستعمل ايضا في

[سورة الأنفال (8) : آية 29]

الكفر والمعصية والفساد وكل ما يفضى الى العذاب قال الله تعالى واتقوا فتنة وقال الا في الفتنة سقطوا والفتنة أشد من الكفر وتسمية الأموال والأولاد بالفتنة لانها سبب الوقوع في الإثم والعقاب او لانها امتحان من الله تعالى فلا يحملنكم حبهم على الخيانة قيل هذا ايضا نزلت في ابى لبابة لان أمواله وأولاده كانت في بنى قريظة فقال ما قال خوفا عليهم عن عايشة ان النبي صلى الله عليه وسلّم اتى بصبى فقبله فقال اما انهم مبخلة مجبنة «1» وانهم لمن ريحان الله رواه البغوي وروى ابو يعلى عن ابى سعيد الولد ثمر القلب وانه مجبنة مبخلة محزنة وروى الحكيم عن خولة بنت حكيم الولد من ريحان الجنة وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) لمن نصح لله ورسوله وادى أمانته ورعى حدوده وآثر رضاء الله تعالى على حبهم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ بطاعته وترك معصيته يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً اى بصيرة في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل وهو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلّم اتقوا فراسته المؤمن فانه ينظر بنور الله رواه البخاري في التاريخ والترمذي عن ابى سعيد والطبراني وابن عدى عن ابى امامة وابن جرير عن ابن عمرو قوله صلى الله عليه وسلّم استفت نفسك وان أفتاك المفتون رواه البخاري في التاريخ عن وابصة بسند حسن قلت هذا بعد فناء القلب وتزكية النفس عن الرذائل وحينئذ يتحقق حقيقة التقوى ويسمى هذا في اصطلاح الصوفية بالكشف والمراد بالفرقان نصرا يفرق بين المحقق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين وقال مجاهد يجعل له مخرجا في الدنيا والاخرة عما يحذرون وقال مقاتل بن حيان مخرجا في الدين من الشبهات وهذا يناسب الاول وقال عكرمة نجاة يفرق بينكم وبين ما تخافون وقال الضحاك ثباتا وقال ابن إسحاق فصلا بين الحق والباطل يظهر الله به حقكم ويطفى بطلان من خالفكم والفرقان مصدر كالرجحان والنقصان وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ اى يمحو عنكم ويستر لكم ما سلف من ذنوبكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ نعمائه روى

_ (1) اى سبب للجبن والبخل لا يتصدى الرجل لاجل حبهم على الجهاد وعلى انفاق المال والولد محزن سبب للحزن 12

[سورة الأنفال (8) : آية 30]

البزار عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلّم يخرج لابن آدم ثلثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح وديوان فيه ذنوبه وديوان فيه النعم من الله فيقول الله لاصغر نعمه في ديوان النعم خذى منك من عمله الصالح فتستوعب العمل الصالح فيقول وعزتك ما استوفيت وتبقى الذنوب والنعم وقد ذهب العمل الصالح كله فاذا أراد الله ان يرحم عبدا قال يا عبدى قد ضاعفت لك حسناتك وتجاوزت عن سياتك ووهبت لك نعمتى واخرج الطبراني عن واصلة بن الأسقع يبعث الله يوم القيامة عبدا لا ذنب له فيقول الله تبارك وتعالى الى الامرين أحب إليك ان اجزى بعملك او بنعمتي عليك قال يا رب أنت اعلم انى لم اعصك قال خذوا عبدى بنعمة من نعمى فما تبقى له حسنة الا استغرقتها تلك النعمة فيقول بنعمتك ورحمتك ومن هاهنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم انه لا ينجى أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يستغمدنى الله برحمة منه وفضل متفق عليه من حديث ابى هريرة وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال سددوا وقاربوا وابشروا فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى الله برحمته واليه أشار الله سبحانه بقوله وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) يعنى ما وعدتكم على التقوى ليس مما يوجب ذلك علينا تقويكم بل انما هو تفضل واحسان كالسيد إذا وعد انعاما لعبده على عمل واجب عليه وان لم ينعم السيد ذلك وقيل معنى يكفر عنكم سيئاتكم يعنى الصغائر ويغفر لكم يعنى ذنوبكم الكبائر. وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على قوله إذا أنتم قليل يعنى اذكروا إذ يمكر بك الذين كفروا وإذ قالوا اللهم فان هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول كان بمكة روى ابن إسحاق وعبد الرزاق واحمد وابن جرير وابو نعيم وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس وعبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة ان قريشا لما أسلمت الأنصار رأت ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد كانت له شيعة وأصحابا من غير بلدهم ورأوا خروج أصحابه المهاجرين إليهم عرفوا انهم نزلوا دارا وأصابوا جوارا ومنعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلّم

إليهم وعرفوا انه قد اجمع لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة وهى دار قصى بن كلاب التي كانت قريش لا تقضى امرا لا يتشاورن فيها فاجتمعوا لذلك واتعدوا وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل عليه بت له فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا من الشيخ قال شيخ من اهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى ان لا تعدموا منه رايا ولا نصحا قالوا أجل ادخل فدخل معهم واجتمع فيها اشراف قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وطعيمة بن عدى والنضر ابن الحارث بن كلدة وابو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وابو جهل بن هشام ونبيه ومنبه ابنا حجاج وامية بن خلف وابو سفيان بن حرب وجبير بن معطم وحكيم ابن حزام واسلم الثلاثة الاخيرة بعد ذلك وغيرهم من كان منهم ومن غيرهم ممن لا يعد من قريش فقال بعضهم لبعض ان هذا الرجل قد كان من امره ما قد رأيتم وانا والله ما ناء منه على الوثوب علينا بمن اتبعه من غيرنا فاجمعوا فيه رأيا فتشاوروا فقال قائل منهم نقل السهيلي عن عبد السلام انه ابو البختري بن هشام احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهير والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي لعنه الله والله ما هذا لكم برأى والله لئن حبستموه في بيت ليخرجن امره من وراء الباب الذي اغلقتم دونه الى أصحابه فيوشك ان يثبوا عليكم فيقاتلوكم ويأخذوه من ايديكم قالوا صدق الشيخ فقال قائل منهم ذكر السهيلي انه ابو الأسود ربيعه بن عمر أخو بنى عامر بن لوى نخرجه من بين أظهرنا فلا يضرنا ما صنع واين وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه فاصلحنا أمرنا وألفتنا فقال الشيخ النجدي لعنه الله ما هذلكم برأى الم تروا الى حسن حديثه وحلاوة منطقة وغلبة قلوب الرجال بما يأتي به والله لئن فعلتم ذلك فيذهب فيستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم حتى يطاكم به فياخذ أمركم من ايديكم ثم يفعل بكم ما أراد فأروا فيه رايا غير هذا فقال ابو جهل والله ان لى فيه رايا ما أراكم وقفتم عليه بعد قالوا وما هو يا أبا

الحكم قال ارى ان ناخذ من كل قبيلة شابا جلدا حسيبا وسطا ثم نعطى كل فتى منهم سيفا صارما ثم يعمدوا عليه بأجمعهم فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فانهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا به بالعقل فعقلناه لهم فقال الشيخ النجدي القول ما قال هذا الرجل هذا الرأي لا راى غيره وقال شعر الرأي رايان راى ليس يعرفه ... هاد وراى كنصل السيف معروف يكون اوله عزو مكرمة ... يوما وآخره حمد وتشريف فتفرق القوم على ذلك وهم مجتمعون له فانى جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي تبيت عليه وأخبره بمكر القوم واذن الله تعالى في الخروج فلما كانت العتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيبيتون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكانهم قال لعلي رضى الله عنه نم على فراشي وتسبح بردائي الأخضر الحضرمي فنم فيه فانه لن يخلص إليك منهم امر تكرهه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينام في برده ذاك إذا نام فلما اجتمعوا قال ابو جهل ان محمدا يزعم انكم ان تابعتموه على امره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن «1» وان أنتم لم تفعلوا كان له فيكم ذبيح ثم بعثتم بعد موتكم فجعل لكم النار تحرقون فيها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه حفنة «2» من تراب ثم قال نعم انا أقول ذلك وأنت أحدهم وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل يذرى التراب على رؤسهم وهو يتلوا هذه الآيات يس والقرآن الحكيم الى قوله فهم لا يبصرون ولم يبق منهم رجل الا وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلّم على رأسه ترابا وانصرف الى حيث أراد ان يذهب فاتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنظرون هاهنا قالوا محمدا قال خيبكم الله عز وجل قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا الا وقد وضع على راسه ترابا وانطلق لحاجته فما

_ (1) الأردن موضع معروف من ارض الشام قريب بيت المقدس 12 (2) الحفنة الكف 12

ترون ما بكم ووضع كل رجل منهم يده على راسه فاذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا رضى الله عنه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلّم متسبحا برداء رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيقولون والله ان هذا محمدا نائم عليه برده فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا فقام علىّ عن فراشه فقالوا والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى غار ثور وسيجى باقى قصة خروجه صلى الله عليه وسلّم في سورة التوبة إنشاء الله تعالى روى الحاكم عن ابن عباس قال شرى عليّ نفسه ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلّم ثم نام مكانه وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجعلوا يرمون عليا ويرونه النبي صلى الله عليه وسلّم وجعل عليّ يتضور «1» فاذا هو عليّ فقالوا انك لليئم انك لتتضور وكان صاحبك لا يتضور ولقد استنكرناه فيك وروى الحاكم عن على بن الحسين قال ان أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علىّ وقال في ذلك شعر وقيت بنفسي خير من وطى الحصى ... ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر رسول اله أخاف ان يمكروا به ... فنجاه ذو الطول الإله من المكر وبات رسول الله في الغار آمنا ... موقى وفي حفظ الإله وفي ستر وبت أراعيهم وما يتهمونه ... وقد وطنت نفسى على القتل والاسر قال ابن إسحاق وكان مما نزل في ذلك اليوم وما اجتمعوا له قوله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ اى يحبسوك ويوثقوك كما قال به ابو الحقيق أَوْ يَقْتُلُوكَ كما قال به ابو جهل وارتضى به إبليس لعنهما الله سبحانه أَوْ يُخْرِجُوكَ كما قال به أخو بنى عامر وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ط المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة وذلك ضربان مكر محمود وهو ان يتحرى بذلك فعل جميل ومذموم وهو ان يتحرى به فعل قبيح لكن اسناده الى الله تعالى انما يحسن للمزاوجة ولا يجوز إطلاقها ابتدا علما فيه من إيهام الذم والمعنى انهم احتالوا لابطال امر محمد واطفاء نور الله والله تعالى احتال لاتمام امره ونوره وإهلاك أعدائه وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (3) فان فعله تعالى

_ (1) اى ينقلب ظهر البطن 12

[سورة الأنفال (8) : آية 31]

خير كله وحسن جميل وقيل معنى مكر الله انه يرد مكرهم وقيل معناه يجازيهم على المكر وقال بعضهم من مكر الله امهال العبد وتمكينه من اعراض الدنيا ولذلك قال أمير المؤمنين من وسع عليه دنياه ولم يعلم انه مكر فهو مخدوع عن عقله واخرج ابن جرير من طريق عبيد ابن عمير عن المطلب بن وداعة ان أبا طالب قال للنبى صلى الله عليه وسلّم ما يأتمر بك قومك قال يريدون ان يسجنونى او يقتلونى او يخرجونى قال من حدثك بهذا قال ربى قال نعم الرب ربك فاستوص به خيرا قال انا استوصى به بل هو يستوصى بي فنزلت وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية قال ابن كثير ذكر ابى طالب فيه غريب بل منكر لان القصة ليلة الهجرة وذلك بعد موت ابى طالب بثلث سنين اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال قتل النبي صلى الله عليه وسلّم يوم بدر صبرا عقبة بن ابى معيط وطعيمة بن عدى والنضر بن الحارث وكان المقداد اسر النضر فلما امر بقتله قال المقداد يا رسول الله اسيرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم انه كان يقول في كتاب الله ما يقول قال وفيه أنزلت. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا يعنى النضر بن الحارث واسناد الفعل الى جميعهم لكونهم راضيا بقوله كما أسند عقر الناقة الى ثمود في قوله تعالى فعقروها وكان العاقر أشقاها قذار بن هالف قَدْ سَمِعْنا يعنى القرآن لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا وهذا غاية مكابرنهم وفرط عنادهم إذ لو استطاعوا ذلك فما منعهم ان يشاؤا وقد تحديهم وقرعهم بالعجز عشر سنين ثم قارعهم فلم يعارضوه سورة مع ألفتهم وفرط استنكافهم ان يغلبوا خصوصا في باب البيان يعنى إِنْ هذا يعنى القرآن إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) يعنى ما سطره وكتبه الأولون من اخبار الأمم الماضية جمع اسطورة وهى المكتوبة قال البغوي كان النضر بن الحارث تاجرا الى فارس وحيرة فيسمع اخبار رستم وإسفنديار وأحاديث العجم ويمر باليهود والنصارى فيراهم يقرؤن التورية والإنجيل ويركعون ويسجدون فجاء مكة فوجد محمد صلى الله عليه وسلّم يصلى ويقرأ القرآن فقال النضر قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا الآية. وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا يعنى القرآن

[سورة الأنفال (8) : آية 33]

هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ كما فعلت باصحاب الفيل وقوم لوط أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) مولم على إنكاره قالوا ذلك استهزاء وإيهاما بانهم على بصيرة وجزم ببطلانه اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير انها نزلت في النضر بن الحارث وهو القائل بذلك قال البغوي قال ابن عباس لما قص رسول الله صلى الله عليه وسلّم شان القرون الماضية قال النضر لو شئت قلت مثل هذا ان هذا الا أساطير الأولين في كتبهم قال له عثمان بن مظعون اتق الله فان محمدا يقول الحق قال فانا أقول الحق قال عثمان فان محمدا يقول لا اله الا الله قال فانا أقول لا اله الا الله ولكن هذه بنات الله يعنى الأصنام ثم قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك إلخ وفيه نزل سأل سائل بعذاب واقع ومعناه إن كان القرآن حقا منزلا فامطر الحجارة علينا عقوبة على إنكاره او ائتنا بعذاب اليم سواه والمراد منه التهكم واظهار اليقين على كونه باطلا قال عطاء لقد نزل في النضر بضعة عشر اية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر قوله تعالى. وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) اختلفوا في معنى هذه الآية فقال محمد ابن إسحاق هذا حكاية عن المشركين انهم قالوها وهى متصلة بالآية الاولى ذلك انهم كانوا يقولون ان الله لا يعذبنا ونحن نستغفر ولا يعذب أمته نبيها معها فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم يذكر جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم ثم قال ردوا عليهم. وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وان كنت بين أظهرهم وإن كانوا يستغفرون وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وقال الآخرون هذا كلام مستانف روى البخاري عن انس قال قال ابو جهل بن هشام اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم فنزلت وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم اخبارا عن نفسه فاختلفوا في تأويلها فقال الضحاك وجماعة وكذا اخرج ابن جرير عن ابن الزي تأويلها وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم بين أظهرهم بيان لموجب إمهالهم

والتوقف لاجابته دعائهم واللام لتاكيد النفي والدلالة على ان تعذيبهم عذاب استيصال والنبي بين أظهرهم خارج عن عادة الله تعالى غير مستقيم في قضائه خصوصا حال كونك فيهم وقد بعثت رحمة للعلمين وفيه اشعار بانهم يرصدون بالعذاب إذا هاجرت من بينهم قالوا نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلّم وهو مقيم بمكة ثم خرج من بين أظهرهم وبقيت بها بقيته من المسلمين يستغفرون الله فانزل الله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون يعنى فيهم من يستغفرون وهم المسلمون ثم خرج أولئك من بينهم فعذبوا واذن الله في فتح مكة وهو العذاب الأليم الذي وعدهم ويدل على ان كون المؤمنين بينهم واستغفارهم منعهم من العذاب قوله تعالى ولولا رجال مؤمنون ونساء مومنات لم تعلموهم الى قوله لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما قال ابن عباس لم يعذب الله قرية حتى يخرج النبي منها والذين أمنوا ويلحق بحيث يوم فقال وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون يعنى المسلمين فلما خرجوا قال الله تعالى ما لهم ان لا يعذبهم الله اى ما لهم مما يمنع تعذيبهم إذا زال ذلك وكيف لا يعذبون وهم يصدون الناس عن المسجد الحرام وحالهم ذلك ومن صدهم الجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى الهجرة فعذبهم الله يوم بدر قال ابو موسى الأشعري كان فيكم أمانان وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فاما النبي صلى الله عليه وسلّم فقد مضى والاستغفار كائن فيكم الى يوم القيامة واخرج الترمذي وضعفه عن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم انزل الله علىّ امانين لامتى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فاذا مضيت تركت فيهم الاستغفار الى يوم القيامة وقال بعضهم هذا الاستغفار راجع الى المشركين اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون غفرانك غفرانك فانزل الله تعالى وما كان الله ليعذبهم الآية واخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان قالت قريش بعضها لبعض محمد أكرم الله من بيننا اللهم ان كان هذا هو الحق

[سورة الأنفال (8) : آية 35]

من عندك فامطر علينا حجارة من السماء فلما امسوا ندموا على ما قالوا فقالوا غفرانك اللهم فقال الله سبحانه وما كان الله ليعذبهم وهم يستغفرون الى قوله لا يعلمون وقال قتادة والسدى معنى ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ان لو استغفروا لم يعذبهم الله لكنهم لم يستغفروا ولو أقروا بالذنب واستغفروا لكانوا مؤمنين نظيره قوله تعالى ما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون وقيل معنى الاية ان الله تعالى يدعوهم الى الإسلام ومصاحبة الرسول والاستغفار بهذا الكلام كالرجل يقول لغيره لا أعاقبك وأنت تطيعنى اى أطعني حتى لا أعاقبك وقال مجاهد وعكرمة وهم يستغفرون اى يسلمون يقول لو اسلموا ما عذبوا وروى الوالبي عن ابن عباس ان معناه وفيهم من سبق له من الله انه يومن ويستغفر وذلك مثل ابى سفيان بن حرب وصفوان ابن امية وعكرمة بن ابى جهل وسهيل بن عمرو حكيم بن حزام وغيرهم وروى عبد الوهاب عن مجاهد وهم يستغفرون يعنى وفي أصلابهم من يستغفر وقيل أراد بالعذاب في قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم عذاب استيصال وفي قوله تعالى وما لهم ان لا يعذبهم الله العذاب بالسيف وقيل أراد بنفي العذاب عذاب استيصال في الدنيا وبوقوع العذاب عذاب الاخرة وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ قال الحسن كان المشركون يقولون نحن اولياء المسجد الحرام فنصد من نشاء وندخل من نشاء فرد الله عليهم بقوله وما كانوا أولياءه اى اولياء البيت إِنْ أَوْلِياؤُهُ اى البيت إِلَّا الْمُتَّقُونَ من الشرك الذين لا يعبدون فيه غير الله وقيل الضمير لله تعالى وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) ان لا ولاية لهم عليه كانه نبه بالأكثر ان منهم من يعلم ذلك ويعاند او أراد بالأكثر الكل كما يراد بالقلة العدم «1» . وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ اى دعائهم او ما يسمونه صلوة إِلَّا مُكاءً قال ابن عباس والحسن المكاء الصفير

_ (1) عن رفاعة بن رافع ان النبي صلى الله عليه وسلّم قال لعمر رضى الله تعالى عنه اجمع لى قومك فجمعهم فلما حصروا باب النبي صلى الله عليه وسلّم دخل عمر عليه قد جمعت الان قومى فسمع ذلك الأنصار فقالو قد لزل في قريش الوحى فجاء من المتمع والناظر ما يقال لهم خرج النبي صلى الله عليه وسلّم فقام بين أظهرهم فقال هل فيكم من غيركم قالوا نعم حليفنا وابن اختينا وموالينا قال النبي صلى الله عليه وسلّم حليفنا منا وابن أختنا منها وموالينا منا وأنتم تسمعون ان أوليائي الا المتقون فانكنتم أولئك فذاك والا فانظروا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة ويأتون الأثقال فيعرض عنكم 12-

[سورة الأنفال (8) : آية 36]

وهى في اللغة اسم طاير ابيض يكون بالحجاز له صفير كانه قال إلا صوت مكاء وَتَصْدِيَةً وتصفيقا قال البغوي قال ابن عباس كانت قريش تطوف بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون وكذا اخرج الواحدي عن ابن عمر قال البغوي قال مجاهد كان نفر من بنى عبد الدار يعارضون النبي صلى الله عليه وسلّم في الطواف ويستهزؤن ويدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون فالمكاء جعل الأصابع في الشدق والتصدية الصفير ومنه الصداء الذي يسمعه المصوت من الجبل وفي اللغة الصداء صوت يرجع من كل جانب واخرج ابن جرير عن سعيد قال كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلّم في الطواف يستهزؤن به يصفرون ويصفقون فنزلت هذه الاية وقال البغوي قال جعفر بن ابى ربيعة سالت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله تعالى مكاء وتصدية فجمع كفيه ثم نفخ فيهما صفيرا وقال مقاتل كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا صلى في المسجد قام رجلان عن يمينه فيصفران ورجلان عن يساره فيصفقان ليخلطوا على النبي صلى الله عليه وسلّم صلوته وهم من بنى عبد الدار وقال سعيد بن جبير التصدية صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام وعن الدين وعن الصلاة فالتصدية مشتق من الصدد بالدالين قلبت حرف التضعيف بالياء وعلى هذه الوجوه معنى قوله تعالى ما كان صلوتهم ما وضعوه موضع الصلاة فانهم أمروا بالصلوة في المسجد فجعلوا ذلك مكانه فَذُوقُوا الْعَذابَ يعنى القتل يوم بدر وقيل عذاب الآخرة واللام يحتمل للعهد والمعهود العذاب المطلوب بقولهم ائتنا بعذاب اليم بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) اعتقاد او عملا وهذه الآية متصلة بما قبلها لتقرير استحقاقهم العذاب وعدم ولايتهم للمسجد فانها لا يليق بمن هذ صفته. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا اى ليصرفوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعنى عن دين الله قال البغوي قال الكلبي نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثنا عشر رجلا ابو جهل بن هشام وعتبة وشيبه ابنا ربيعة بن عبد الشمس ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وابو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وابى

[سورة الأنفال (8) : آية 37]

ابن خلف وزمعة بن الأسود والحارث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب وكلهم من قريش وكان يطعم كلو أحد منهم كل يوم عشر جزور وقال ابن إسحاق حدثنى الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن قالوا لما أصيبت قريش يوم بدر ورجعوا الى مكة مشى عبد الله بن ابى وعكرمة ابن ابى جهل وصفوان بن امية في رجال من قريش أصيب آبائهم وأبنائهم فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في ذلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش ان محمدا قد وتركم وقتل خياركم فاعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا ان ندرك منه ثارا ففعلوا ففيهم كما ذكر ابن عباس انزل الله ان الذين كفروا ينفقون أموالهم الى قوله يحشرون واخرج ابن ابى حاتم عن الحكم بن عتبة قال نزلت في ابى سفيان أنفق على المشركين أربعين اوقية من ذهب واخرج ابن جرير عن أبزى وسعيد ابن جبير قالا نزلت في ابى سفيان استاجر يوم أحد الفين من الأحابيش «1» ليقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليهم قلت واللفظ عام يشتمل كلهم ومن فعل فعلهم فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ندما وغما في الدنيا لفواتها من من غير حصول مقصود جعل وانها حسرة وهى عاقبة إنفاقها مبالغة ثُمَّ يُغْلَبُونَ 5 آخر الأمر وإن كان الحرب سجاه «2» قبل ذلك وَالَّذِينَ كَفَرُوا اى ثبتوا على الكفر منهم إذا اسلم بعضهم إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) يساقون. لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الكافر من المؤمن او الفساد من الصلاح واللام متعلقه بيحشرون او يغلبون او ما أنفقه المشركون من عداوة الرسول صلى الله عليه وسلّم مما أنفقه المسلمون في نصره واللام متعلقه بقوله ثم تكون عليهم حسرة قرأ حمزة والكسائي ويعقوب ليميز بالتشديد من التفعيل وهو ابلغ من الميز وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ اى يجمعه ويضم بعضه الى بعض ومنه السحاب المركوم جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ كله أُولئِكَ

_ (1) حابيش احياء من القارة انضموا الى نبى الليث في محاربتهم فرفساء التحبش التجمع وقيل حالفوا فريشا تحت جبل يسمى حبشا 12 (2) سبحا لا اى مرة للمؤمنين ومرة للكاذبين مستعار من المستقين بالسجل يعنى الدلو 12

[سورة الأنفال (8) : آية 38]

اشارة الى الخبيث لانه مقدر بالفريق الخبيث او الى المنفقين هُمُ الْخاسِرُونَ (37) الكاملون في الخسران حيث اشتروا باموالهم عذاب الآخرة. قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا عن الكفر ومعاداة الرسول وقتاله يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ من الكفر والفساد والذنوب وقد اسلم جماعة كثيرة منهم ابو سفيان بن حرب وصفوان بن امية وعكرمة بن ابى جهل وعمرو بن العاص وغيرهم خلق كثير واسلم من أسارى بدر عباس بن عبد المطلب وعقيل ابن ابى طالب ونوفل بن حارث وابو العاص بن الربيع وابو عزيز بن عمير العبدري والصائب بن ابى جيش وخالد بن هشام المخزومي وعبد الله بن ابى السائب والمطلب بن حنطب وابو وداعة السهمي وعبد الله بن ابى خلف ووهب بن عمير الجمحي وسهيل بن عمر العامري وعبد الله بن زمعة أخو أم المؤمنين سودة وقيس بن السائب ولسطاس مولى امية بن خلف والسائب بن عبيد اسلم يوم بدر بعد ان فدى نفسه وعدى بن خيار اسلم يوم الفتح والوليد بن الوليد بن المغيرة افتكه هشام وخالد فلما افتدى اسلم فعاتبوه في ذلك فقال كرهت ان يظن بي انى جزعت من الاسر ولما اسلم حبسه أخواله فكان عليه السلام يدعوا له في القنوت ثم أفلت ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلّم عام القضاء روى مسلم عن عمرو بن العاص قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلّم فقلت ابسط يمينك فلا بايعك فبسط يمينه فقبضت يدى فقال مالك يا عمرو قال أردت ان اشترط قال تشترط ماذا قلت ان يغفر لى قال اما علمت يا عمرو ان الإسلام يهدم ما كان قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله وَإِنْ يَعُودُوا الى قتاله فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) الذين تحادوا الأنبياء بالتدمير كما جرى على اهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك. وَقاتِلُوهُمْ يعنى الكفار ايها المؤمنون حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ اى فساد في الأرض يعنى حتى يسلموا او يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ليس المراد بالدين هاهنا ملة الإسلام وما يتعبد الله به والا يلزم التعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى حتى يعطوا الجزية بل المراد منه القهر والغلبة والاستعلاء والسلطان والملك والحكم ذكر تلك المعاني للدين في القاموس عن المقداد بن اسود انه سمع رسول الله

[سورة الأنفال (8) : آية 40]

صلى الله عليه وسلّم يقول لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر الا ادخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز او ذل ذليل اما يعزهم الله فيجعلهم أهلها او يذلهم فيدينون لها فيكون الدين كله لله رواه احمد ومعنى قوله عليه السلام فيدينون لها اى يطيعون لاحكامها ويكونون من اهل الذمة فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر واسلموا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) فيجازيهم على حسب أعمالهم عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكوة فاذا فعلوا ذلك عصم منى دمائهم وأموالهم الا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى متفق عليه الا ان مسلم الم يذكر الا بحق الإسلام ورواه اصحاب الكتب الستة عن ابى هريرة قال السيوطي حديث متواترا والمعنى انتهوا عن القتال اما بالإسلام او بإعطاء الجزية فان الله بما يعملون بصير يعنى لا تقاتلوهم أنتم لكن الله يجازيهم على إسلامهم وكفرهم وأعمالهم الحسنة والسيئة وعن يعقوب انه قرأ تعملون بالتاء على الخطاب للمؤمنين يعنى اعملوا بهم ما تعاملون بالمؤمنين ولا تظلموهم فان الله يجازيكم على حسب أعمالكم عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن آبائهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال الا من ظلم معاهدا او انتقصه او كلفه فوق طاقته او أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فانا حجيجه يوم القيامة رواه ابو داود هذا التأويل لقراءة يعقوب يصح على كلا التقديرين سواء كان المراد بالانتهاء الانتهاء عن الكفر بالإسلام او الانتهاء عن القتال بأحد الامرين اما بالإسلام او بإعطائه الجزية وقال البيضاوي تاويل قراءة يعقوب ان الله بما تعملون ايها المؤمنون من الجهاد والدعوة الى الإسلام والإخراج من ظلمة الكفر الى نور الايمان يصير يجازيكم ويكون تعليقه بالانتهاء دلالة على انه كما يستدعى اثابتهم للمباشرة يستدعى اثابة مقاتليهم بالتسبيب وهذا التأويل يختص بما إذا كان الانتهاء بمعنى الانتهاء من الكفر ومع ذلك بعيد جدا فان قوله بما تعملون يعم الحسنة والسيّئة والله اعلم. وَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإسلام ولم ينتهو عن الكفر او تولوا عن الانقياد ولم ينتهوا عن القتال فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ ناصركم فثقوا به وقاتلوا

[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 إلى 42]

الكفرة ولا تبالوا بمعاداتهم وإن كانوا متكاثرين نِعْمَ الْمَوْلى الله لا يضيع من تولاه وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) هو لا يغلب من نصره. وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ما بمعنى الذي ... وغنمتم صلته والعائد محذوف يعنى الذي غنمتموه ولا يجوز ان يكتب ما موصولا لانه يكون حينئذ كافة والغنيمة مال حربى أخذ قهرا وغلبة ومن هاهنا قال ابو حنيفة إذا دخل واحد او اثنان في دار الحرب بغير اذن الامام مغرين وأخذوا من مال اهل الحرب شيئا لا يجب فيه الخمس وان دخل اربعة يجب الخمس فيما أخذوا وفي المحيط عن ابى يوسف انه قدر الجماعة التي لا منعة لها بسبعة والتي لها منعة بعشرة ومذهب الشافعي ومالك واكثر اهل العلم انه يخمس ما اخذه واحد تلصصا لانه مال حربى أخذ قهرا فكان غنيمة فيخمس بالنص وقال ابو حنيفة واحمد في رواية عنه انه ليس بغنيمة لانه لم يوخذ قهرا بل اختلا ساو سرقة والمتلصص انما يأخذ بحيلة فكان اكتسابا مباحا من المباحات كالاحتطاب والاصطياد ومحل الخمس الغنيمة بخلاف ما لو دخل واحد او اثنان بإذن الامام فانه غنيمة اتفاقا لان على الامام ان ينصره حيث اذن له كما ان على الامام ان ينصر الجماعة الذين لهم منعة كالاربعة او العشرة وان دخلوا بغير اذنه تحاميا عن توهين المسلمين والدين فلم يكونوا مع نصرة الامام متلصصين والله اعلم مِنْ شَيْءٍ بيان لما الغرض منه التعميم يعنى ما يطلق عليه اسم الشيء حتى الخيط والمخيط عن عبادة بن الصامت ان النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقول أدوا الخياط والمخيط وإياكم والغلول فانه عاد على اهله يوم القيامة رواه الدارمي ورواه الشافعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفي رواية لابى داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه وفيه فقام رجل في يده كبة من شعر فقال أخذت هذه لا صلح بها برذعة فقال النبي صلى الله عليه وسلّم اما ما كان لى ولبنى عبد المطلب فلك فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ دخلت الفاء لما في ما من معنى المجازاة وما بعده في محل الرفع مبتدأ محذوف الخبر يعنى فحق ان الله خمسه او خبر مبتدأ محذوف يعنى فالحكم ان الله خمسه أبقى الله سبحانه خمس الغنائم على ملكه ولم يجعلها في ملك الغانمين ولذا قالت الحنفية ان خمس الغنيمة حق قائم بنفسه ليس واجبا في ذمة الغانمين كالزكوة فانها وجبت في ذمة

المكلفين حيث أمروا بإتيانها ولذلك صار الزكوة من أوساخ الناس ولم يحل لرسول الله صلى الله عليه واله وسلّم واله لشرافته وحل له الخمس ثم بين الله سبحانه حيث يصرف خالص حقه تعالى فقال وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى يعنى أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلّم واختلفوا فيهم فقال قوم هم جميع قريش وقال مجاهد وعلى بن الحسين هم بنو هاشم وقال الشافعي هم بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف وليس لبنى عبد الشمس وبنى نوفل منه شيء مع انهم كانوا ابني عبد مناف ايضا روى الشافعي عن الثقة عن ابن ابى شهاب عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم سهم ذوى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلب ولم يعط أحدا من بنى عبد الشمس ولا بنى نوفل شيئا وكذا روى البخاري عنه في صحيحه وفي رواية للشافعى عنه قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم ذوى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلب أتيته انا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بنى هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله فيهم ارايت إخواننا من بنى المطلب اعطيتهم وتركتنا او منعتنا وانما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم انما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه وكذا روى ابو داود والنسائي قال البرقاني وهو على شرط مسلم وفي هذا الحديث اشارة الى شان الصحيفة القاطعة التي كتبها قريش على ان لا تجالسوا بنى هاشم ولا تبايعوهم ولا تناكحوهم وبقوا على ذلك سنة ولم يدخل في بيعتهم بنو المطلب بل خرجوا مع بنى هاشم الى شعب ابى طالب كذا في السنن والمغازي وروى البيهقي في السنن والدلائل قال الخطابي وكان يحيى بن معين يرويه انما بنو هاشم وبنو المطلب سيّ واحد بالسين المهملة والياء المشددة اى مثل وسواء يقال سيان اى مثلان قلت هذا الحديث يدل على ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم الحق بنى المطلب ببني هاشم وعدهم منهم لكمال موافقتهم ومواذرتهم في الجاهلية والإسلام لا لكونهم من بنى عبد مناف والا فبنى عبد الشمس وبنى نوفل كانوا مثلهم في ذلك وما قال صاحب الهداية ان هذا الحديث يدل على ان المراد قرب النصرة لا قرب القرابة فليس بشيء لانه لو كان المراد قرب النصرة لكان عثمان بن عفان اولى به

من العباس فان عثمان اسلم في بداية الإسلام وعباس بعد قتال بدر بل لزم ان يكون غير أقرباء النبي من المهاجرين والأنصار مستحقين لذلك السهم وَالْيَتامى جمع يتيم وهم صغير لا اب له وفي القاموس اليتيم فقدان الأب وانما قيدناه بكونه صغيرا لما رواه ابو داود وعن عليّ في حديث لا يتم بعد الاحتلام وقد أعله العقيلي وعبد الحق وابن القطان والمنذرى وغيرهم وحسنه النووي ورواه الطبراني بسند اخر عن عليّ ورواه ابو داود الطيالسي في مسنده وفي الباب حديث طلحة بن حذيفة عن جده واسناده لا بأس به وهو في الطبراني الكبير وغيره وعن جابر رواه ابن عدى في ترجمة حزام بن عثمان وهو متروك وعن انس وَالْمَساكِينِ جمع مسكين وسنذكر تحقيقه في مصارف الصدقات في سورة التوبة وَابْنِ السَّبِيلِ المسافر البعيد عن منزله نسب الى السبيل لما رسقه إياه اجمع الامة على ان هذه الأصناف الثلاثة يستحقون لفقرهم وحاجتهم فلا يعطى للاغنياء من اليتامى وأبناء السبيل وكذا قال بعض الناس في ذوى القربى انهم يستحقون لفقرهم وحاجتهم وهذا القول مردود لان لفظ ذوى القربى لا يشعر بالفقر أصلا بخلاف لفظ اليتيم وابن السبيل وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يعطى العباس وكان كثير المال واجمع الائمة واتفقت الرواة على ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كان يقسم الغنيمة على خمسة أسهم اربعة أخماسه للغانمين ويجعل الخمس على خمسة أسهم فيجعل سهما لنفسه فينفق منه على نفسه واهله ويعطى منه اهله نفقة سنة وما فضل جعله في السلاح والكراع عدة في سبيل الله وفي مصالح المسلمين وسهما يقسمها في بنى هاشم وبنى مطلب يعطى منها الغنى والفقير والذكر والأنثى منهم وثلثة أسهم يقسمها في اليتامى والمساكين وأبناء السبيل فلينظر هل كان هؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه من الأصناف الخمسة هل كان كل واحد منهم مستحقا لحصته منها لا يجوز منعه عنه ولا صرفه الى غيره او كان الأصناف المذكورة مصرفا لها جاز للامام ان يصرفها الى صنف واحد منها اولى شخص واحد منه ولا يجوز له التجاوز عنها الى غيرها وبالشق الثاني قال ابو حنيفة قال ابن همام انه ذكر في التحفة ان هذه الثلاثة يعنى اليتامى والمساكين وابن السبيل

مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق حتى لو صرف الى صنف واحد منها جاز وقال الشافعي وجماعة من السلف والخلف بالشق الاول قالوا لا يجوز للامام ان يصرفها الى صنف او صنفين بل يجب صرفها الى جميعها فانكان كل صنف منها جماعة محصورين لا يجوز منع واحد منها وسوى بينهم بالقسمة كما يقسم الأسهم الاربعة بين الغانمين لا يجوز منع واحد منهم اجماعا والحق الشافعي سهم ذوى القربى بالميراث الذي يستحق باسم القرابة غير انهم يعطون القريب والبعيد وفقال يفضل الذكر على الأنثى فيعطى للذكر سهمين والأنثى سهما وإن كانوا غير محصورين لا يمكن استيعابهم لا بد عنده ان يعطى من كل صنف ثلثة لان الله تعالى ذكر لام الاختصاص وذلك يقتضى الملك او استحقاق الملك وذكر كل صنف بلفظ الجمع واقله ثلثة وقال ابو حنيفة ومن معه اللام لمطلق الاختصاص ومن الاختصاص ان لا يجوز الصرف الى غير تلك الأصناف واللام ليس للاستغراق بل للجنس ولام الجنس يبطل الجمعية والحجة لهذا القول أن الأصناف المذكورة متداخلة بعضها في بعض فان من ذوى القربى اليتامى والمساكين وابن السبيل ومن اليتامى ذو والقربى والمساكين وابن السبيل ومن المساكين ذوو القربى واليتامى وأبناء السبيل ولو كان كل صنف منها مختص بسهم ولا يجوز صرفها الى صنف اخر لزم ذكر كل صنف منها بحيث لا يصدق عليه عنوان صنف اخر وايضا إذا كان شخص واحد داخلا في الأصناف كلها لزم حينئذ ان يعطى له لاجل كل وصف سهما كما يعطى من الميراث للزوج إذا كان ابن عم لها لاجل الحيثيتين سهمين مختلفين فرضا وعصوبة ومن المنقول ما في الصحيحين عن على رضى الله عنه ان فاطمة رضى الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم تشكو اليه ما تلقى في يدها من الرحى وبلغها ان جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال مكانكما فقعد بينى وبينها حتى وجدت برد قدمه على بطني فقال الا أدلكما على خير ما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما تسبحا ثلثا وثلثين واحمدا ثلثا وثلثين وكبرا أربعا وثلثين فهو خير لكما من خادم وفي رواية لمسلم الا ادلك على ما هو خير من خادم تسبحين الله ثلثا وثلثين وتحمدين ثلثا وثلثين وتكبرين أربعا وثلثين عند كل صلوة وعند

منامك وروى الطحاوي عن علىّ بلفظ انه قال لفاطمة رضى الله عنهما ذات يوم قد جاء الله أباك بسعة ورقيق فاتيه فاستخدميه فاتته فذكرت ذلك فقال والله لا أعطيكها وادع اهل الصفة ليطوون بطونهم ولا أجد ما أنفق عليهم ولكن أبيعها وأنفق عليهم الا أدلكما على خير مما سألتما علمنيه جبرئيل كبر الله دبر كل صلوة عشرا وسبحا عشرا واحمدا عشرا وإذا أتيتما الى فراشكما وروى الطحاوي عن الفضل بن حسن ابن عمر بن الحكم ان امه حدثته انها ذهبت هى وأمها حتى دخلن على فاطمة فخرجن جميعا فاتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وقد اقبل من بعض غزواته ومعه رقيق فسألته ان يخدمهن فقال سبقكن يتامى اهل بدر فان هذه الأحاديث تدل على ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كان قد يعطى بعض الأصناف ولا يعطى بعضا اخر والا لما منع فاطمة عن حقها وقد كان لها حظ من الخمس ولما بعض صرف حق فاطمة الى فقراء اهل الصفة ويتامى اهل بدر فان سهم ذوى القربى لا يجوز صرفها عند الشافعي الى الفقراء واليتامى بل لكل من الصنفين عنده سهم من الخمس غير سهم ذوى القربى ويؤيد ما قلت ما روى ابو يوسف في كتاب الخراج قال حدثنى اشعث بن سوار عن ابى الزبير عن جابر بن عبد الله انه كان يحمل من الخمس في سبيل الله ويعطى منه نائبة القوم فلما كثر المال جعل في اليتامى والمساكين وابن السبيل قلت عندى معنى الاية ان لله خمسه يعنى ملكا حيث أبقاه سبحانه على ملك نفسه ولم يعطه أحدا غيره وامر رسوله صرفه كما امر وللرسول ذلك الخمس استحقاقا وتصرف على نفسه وفي مصارفه كيف يشاء ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل مصرفا ولذلك ذكر الصنفين الأخيرين عطفا على ذى القربى بلا لام وذكر الأصناف الاربعة بلام واحد لكون كلها من جنس واحد مختصا باختصاص المصرفية ولم يعطفها على الرسول كما عطف الأخيرين وأورد اللام على الرسول ولم يعطف على الله لكون كل اختصاص منها نوعا علحدة فالاختصاص بالله اختصاص الملك وليس بالرسول اختصاص الملك لما روى انه صلى الله عليه وآله وسلّم أخذ وبرة من جنب البعير ثم قال لا يحل لى من غنائمكم مثل هذا الا الخمس والخمس مردود فيكم رواه ابو داود ومن حديث عمرو بن

عنبسة وكذا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ ليس لى من هذا الفيء شيء ولا هذا يعنى وبر البعير الا الخمس والخمس مردود فيكم ولم يقل الا خمس الخمس فاللام في الأنواع الثلاثة من الاختصاصات المذكورة كالمشترك او كالحقيقة والمجاز ولا يجوز الجمع بين المشترك ولا بين الحقيقة والمجاز فلذلك أورد اللام ثلث مرات والله اعلم (مسئلة) اختلف العلماء في سهم الرسول صلى الله عليه وسلّم بعد وفاته صلى الله عليه واله وسلّم فقال الشافعي هو اليوم لمصالح المسلمين وما فيه قوة الإسلام لانه صلى الله عليه واله وسلم كان يجعل ما بقي من نفقة في السلاح والكراع قال البغوي روى الأعمش عن ابراهيم قال كان ابو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في الكراع والسلاح وقال قتادة هو لخليفة بعده لانه صلى الله عليه وآله وسلّم كان يستحقه بامامته وقال ابو حنيفة ان سهم الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سقط بموته ولم يكن سهم لامامته بل رسالته فان الحكم إذا علق بمشتق دل على علية ماخذه ولا رسول بعده وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حق الصفي اصطفى ذا الفقار سيف منبه بن حجاج حين اتى به على يوم بدر بعد ان قتل منبها ثم دفعه اليه واصطفي صفية بنت حيى بن اخطب من غنيمة خيبر رواه ابو داود في سننه عن عائشة والحاكم وصححه وقد اجمعوا ان سهم الصفي ليس لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وان حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في ذلك خلاف حكم الامام من بعده فكذا سهمه من الغنيمة لا يكون لاحد بعده (مسئلة) واختلفوا في سهم ذوى القربى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال ابو حنيفة سهم ذوى القربى ايضا سقط بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ذكر الحنفية لسقوطه وجوها قال صاحب الهداية لان النبي صلى الله عليه وسلّم كان يعطيهم النصرة لما مر من حديث جبير بن مطعم انه صلى الله عليه وآله وسلّم اعطى بنى المطلب ولم يعط بنى نوفل وبنى عبد الشمس وقال انهم يعنى بنى المطلب لم يزالوا هكذا في الجاهلية والإسلام وشبك بين أصابعه وبهذا يظهر ان المراد بالنص قرب النصرة لاقرب القرابة ولما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لم يبق النصرة وهذا التوجيه ضعيف وقد ذكرنا

تضعيفه من قبل وقال الطحاوي وجه سقوطه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لما اعطى ذلك السهم بعض القرابة يعنى بنى المطلب وحرم من قرابتهم منه صلى الله عليه وآله وسلّم كقرابتهم يعنى بنى نوفل وبنى عبد شمس ثبت بذلك ان الله عز وجل لم يرد بما جعل لذوى القربى كل قرابة رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم وانما أراد خاصا منهم وجعل الرأى في ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يضعه فيمن شاء منهم فاذا مات وانقطع رأيه انقطع ما جعل لهم من ذلك كما قد جعل الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلّم ان يصطفي من المغنم لنفسه سهما اى سهم الصفي فكان ذلك ما كان حيا يختار لنفسه من المغنم ما شاء فلما مات انقطع ذلك وقال الطحاوي مرة اخرى كان الله عز وجل قد جعل كل قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في قوله ولذى القربى فلم يخص أحدا منهم دون أحد ثم قسم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاعطى منهم بنى هاشم وبنى مطلب خاصة وحرم بنى امية وبنى نوفل وكانوا محصورين معدودين وفيمن اعطى الغنى والفقير وفيمن حرم كذلك فثبت ان ذلك السهم كان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يجعله في اى قرابته شاء فصار حكمه حكم سهمه والذي كان يصطفيه لنفسه فلما كان ذلك مرتفعا بوفاته غير واجب لاحد بعده كان هذا كذلك ايضا مرتفعا بوفاته غير واجب لاحد من بعده قال وهو قول أبي حنيفة وابى يوسف ومحمد قلت وهذين التوجيهين ايضا ضعيفان لما ذكرنا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انما اعطى بنى مطلب لما جعلهم تبعا لبنى هاشم وعدهم منهم لموازرتهم وموانستهم معهم كما حرم الصدقة على موالى بنى هاشم بتعالهم لا لكونهم من بنى عبد مناف قوله حرم من قرابتهم منه صلى الله عليه وآله وسلّم كقرابتهم ممنوع فان بنى هاشم كانوا اقرب من غيرهم ولو نسلم ان الله سبحانه ذكر ذوى القربى وأراد بعضها منهم لا كلهم ولم يدر منهم فحينئذ كان مجملا فاذا لحقه البيان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حيث اعطى بنى هاشم وبنى المطلب دون بنى امية وبنى نوفل زال الإجمال والإجمال لا يقتضى البيان كل مرة ولو نسلم ان الله تعالى جعل الرأى في ذلك الى رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم فقوله إذا مات انقطع رأيه ممنوع إذ بعد موته الرأي لخلفائه كما في سهم المساكين واليتامى وأبناء السبيل في المغانم والصدقات كان تخصيص بعض دون بعض الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم

ثم صار لخلفائه وايضا كون تخصيص بعض دون بعض من ذوى القربى الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم لا يقتضى كون ذلك السهم له صلى الله عليه وآله وسلّم فان تخصيص بعض من المساكين واليتامى وأبناء السبيل ايضا كان اليه صلى الله عليه وسلّم ولم يكن ذلك الأسهم له صلى الله عليه وآله وسلّم اجماعا ولم يسقط شيء منها بموته فكذا هذا والله اعلم ثم استدل كلا الفريقين بعمل الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم قال صاحب الهداية لنا ان الخلفاء الراشدين قسموه على ثلثة أسهم على نحو ما قلنا وكفى بهم قدوة وقال ايضا انه لم ينكر عليهم أحد مع توافر الصحابة مع علمهم فكان اجماعا وقال البغوي الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كانوا يعطون ذوى القربى ولا يفضل فقير على غنى لان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والخلفاء بعده كانوا يعطون العباس بن عبد المطلب مع كثرة ماله فلا بد من الكلام في عمل الخلفاء فنقول قال ابو يوسف في كتاب الخراج ان الكلبي محمد بن السائب حدثنى عن ابى صالح عن ابن عباس ان الخمس كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم على خمسة أسهم لله وللرسول سهم ولذى القربى سهم ولليتامى والمساكين وابن السبيل ثلثة أسهم ثم قسمه ابو بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذى النورين رضى الله عنهم على ثلثة أسهم وسقط سهم الرسول وسهم ذوى القربى وقسمه الثلاثة على الباقين ثم قسمه على بن ابى طالب على ما قسمه عليه ابو بكر وعمر وعثمان وقال ابو يوسف وحدثنى محمد بن إسحاق عن الزهري ان نجدة كتب الى ابن عباس يسئله عن سهم ذوى القربى لمن هو فكتب اليه ابن عباس رضى الله عنه كتبت الى تسالنى عن سهم ذوى القربى لمن هو وهو لنا وان عمر بن الخطاب دعانا الى ان ينكح منه ايمنا ويقضى عنه عن مغرمنا ويخدم منه عائلنا فابينا الا ان يسلم لنا فابى ذلك علينا وقال ابو يوسف وحدثنا قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال اختلف الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم في هذين السهمين سهم الرسول وسهم ذوى القربى فقال قوم سهم الرسول للخليفة من بعده وقال آخرون سهم ذوى القربى بقرابة النبي صلى الله عليه واله وسلّم وقالت طائفة سهم ذى القربى لقرابة الخليفة بعده فاجمعوا على ان يجعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح وروى الطحاوي بسنده عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد

ابن الحنيفة نحوه وزاد كان ذلك في امارة ابى بكر وعمر وروى الطحاوي حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا يوسف بن عدى قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن محمد بن إسحاق قال سألت أبا جعفر قال أرأيت على بن ابى طالب حيث ولى العراق ما ولى من امر الناس كيف صنع في سهم ذوى القربى قال سلك به والله سبيل ابى بكر وعمر قلت كيف وأنتم تقولون ما تقولون قال انه والله ما كان اهله يصدرون الا عن رائه قلت فما منعه قال كره والله ان يدعى عليه خلاف ابى بكر وعمر قلت وهذه الآثار لو ثبتت لثبت ان الخلفاء قسموا الخمس على ثلثة أسهم ولم يعطوا ذوى القربى سهمهم ولما تقدم ما ذكرنا انه يجوز للامام ان يصرف الخمس الى صنف واحد منها وبه قال ابو حنيفة رحمه الله لا يثبت بعدم إعطاء الخلفاء سهم ذوى القربى سقوط سهمهم وعدم جواز اعطائهم كيف وقال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى محمد بن عبد الرحمن بن ابى ليلى عن أبيه قال سمعت عليا رضى الله عنه بقول قلت يا رسول الله ان رأيت ان توليتنى حقنا من الخمس فاقسم في حياتك كيلا ينازعنا أحد بعدك فافعل ففعل قال فولانية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقسمته حياته ثم ولانيه ابو بكر الصديق رضى الله عنه فقسمته حياته ثم ولانيه عمر رضى الله عنه فقسمته حياته حتى إذا كانت اخر سنة من سنى عمر فاتاه مال كثير فعزل حقنا ثم أرسل الىّ فقال خذه فاقسمه فقلت يا امير المؤمنين بنا عنه العام غنى وبالمسلمين اليه حاجة فرده عليهم ذلك تلك السنة ولم يدعنا اليه أحد بعد عمر بن الخطاب رضى الله عنه حتّى قمت مقامى هذا فلقينى العباس بن عبد المطلب بعد خروجى من عند عمر بن الخطاب فقال يا عليّ لقد حرمتنا الغداة شيئا لا يرد علينا ابدا وكذا روى ابو داود عنه فهذا الحديث يدل على ان أبا بكر وعمر كانا يعطيان ذوى القربى كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يعطيهم الا ان عمر منعهم اخر خلافته باشارة علىّ ولعل قول ابن عباس ان عمر دعانا الى ان ينكح منه ايمنا ويقضى عنه مغرمنا ويخدم منه عائلنا فابينا الا ان يسلمه إلينا فابى ذلك علينا حكاية عما بعد قول عليّ لعمر بنا العام عنه غنى وبالمسلمين حاجة وهذا وجه توفيق الآثار وبهذا يثبت ان سهم ذوى القربى لم يسقط ويجوز دفعه إليهم غنيهم وفقيرهم لكن جاز للامام ان يدفع

ذلك السهم الى غيرهم إن كان بهم عنه غنى وبالناس اليه حاجة كما فعل عمر باشارة علىّ وسلك عليّ ذلك السبيل في خلافته وكره في ذلك مخالفتهم لما رأى فيه مصلحة وقال ابو يوسف حدثنى عطاء ابن السائب ان عمر بن عبد العزيز بعث سهم الرسول وسهم ذوى القربى الى بنى هاشم قلت ولعل ذلك لما راى عمر بن عبد العزيز في بنى هاشم حاجة كثيرة بعث إليهم سهمين والله اعلم وروى ابو داود عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لم يقسم لبنى عبد الشمس ولا لبنى نوفل من الخمس شيئا كما قسم لبنى هاشم وبنى المطلب قال وكان ابو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم غير انه لم يكن يعطى قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كما كان يعطيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكان عمر يعطيهم ومن كان بعده منه وهذا الحديث يدل على ان الخلفاء منعوا تارة واعطوا تارة فروى كل على ما علم وهذا يؤيد ما قلنا والله اعلم (فصل) واعلم ان الاية كما تدل بعبارتها على ان ما غنمتم فخمسه خالص لله تعالى يصرف في سبيله في الأصناف المذكورة تدل باشارتها على ان الباقي يعنى الأخماس الاربعة جعلتها لكم ايها الغانمون فكون الأخماس الاربعة للغانمين مسكوت في حكم المنطوق كما ان قوله تعالى وان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث تدل على ان الثلثين للاب وهو مسكوت في حكم المنطوق فهذه الاية بهذا الاعتبار ناسخة لقوله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول حيث لم يجعل الله فيها شيئا لغيره الا ما أراد رسوله كما ذكرنا من رواية البخاري في تاريخه عن سعيد بن جبير قيل هذه الاية نزلت في غزوة بنى قينقاع بعد غزوة بدر بشهر للنصف من شوال على راس عشرين شهرا من الهجرة أخرجه البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق عن أبيه عن سعيد بن كعب ومن طريق سعيد بن المسيب نحوه والصحيح انها نزلت في غزوة بدر بعد ما نزلت يسألونك عن الأنفال والله اعلم (مسئلة) اجمعوا على ان اربعة أخماس الغنيمة للغانمين لا يجوز للامام منع واحد منهم عن نصيبه واختلفوا في سلب المقتول فقال الشافعي واحمد هو للقاتل وحده ولا يجب

فيه الخمس بشرط ان يعرض نفسه على القتل في قتل مشرك وأزال امتناعه فان رمى من بعيد وقتل السهم رجلا من صف المشركين لا يجب للقاتل سلبه ويشترط عند الشافعي كون القاتل من اهل السهم وقال احمد وإن كان من اهل الرضح ايضا وقال ابو حنيفة ومالك وهى رواية عن احمد لا يستحق القاتل السلب الا ان يشترط الامام فحينئذ يحسب عند أبي حنيفة من اربعة الأخماس وعند مالك من الخمس عن ابى قتادة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع فاقبل عليّ فضمنى ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فارسلنى فلحقت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس قال امر الله ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقلت من يشهد لى ثم جلست فقال النبي صلى الله عليه واله وسلّم مثله فقلت من يشهد لى ثم جلست ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مثله فقمت فقال مالك يا با قتادة فاخبرته فقال رجل صدق وسلبه عندى فارضه منى فقال ابو بكر لاها الله إذ لا يعمد الى اسد من اسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم صدق فاعطه فاعطانيه فابتعت منه مخرفا فى بنى سلمة فانه لاول مال تاثلته في الإسلام متفق عليه وفي رواية للطحاوى عن ابى قتادة انه قتل رجلا من المشركين فنفله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سلبه ودرعه فباعه بخمس أواق وعن انس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال يوم حنين من قتل قتيلا فله سلبه فقتل ابو طلحة يومئذ عشرين فاخذ سلبهم رواه الدارمي والطحاوي وابو داود وعن سلمة ابن الأكوع قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هوازن قتلت رجلا ثم جئت بجمله أقوده وعليه رحله وسلاحه فاستقبلنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم والناس معه فقال من قتل الرجل قالوا ابن الأكوع فقال له سلبه اجمع رواه الطحاوي وعنه قال اتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عين من المشركين فجلس يتحدث عند أصحابه ثم انسل فقال نبى الله صلى الله عليه وآله وسلّم اطلبوه فاقتلوه فسبقتهم فقتلته

وأخذت سلبه فنفلنى إياه رواه الطحاوي وروى الحاكم بإسناد فيه الواقدي ضرب محمد بن سلمة ساقى مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه فمر به عليّ فضرب عنقه واعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سلبه محمد بن مسلمة والصحيح ان على بن ابى طالب هو الذي قتله لما ثبت في صحيح مسلم وعن عوف بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم جعل السلب للقاتل رواه الطحاوي وفي رواية له عنه وعن خالد بن الوليد نحوه وكذا روى احمد وابو داود والطبراني وروى احمد عن عوف بن مالك وخالد بن الوليد ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لم يخمس السلب وكذا روى ابو داود وابن حبان والطبراني بلفظ قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس وروى احمد عن سمرة بن جندب مرفوعا من قتل قتيلا فله سلبه وسنده لا بأس به وروى الطحاوي عن ابن عباس قال انتدب «1» رجل من المشركين فامر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الزبير فخرج اليه فقتله فجعل له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم سلبه قال ابن همام لا خلاف فيه فانه صلى الله عليه وآله وسلّم قال ذلك يعنى قوله من قتل قتيلا فله سلبه انما الكلام ان هذا منه نصب الشرع على العموم في الأوقات والأحوال كلها او كان تحريضا بالتنفيل قاله في تلك الواقعة فعند الشافعي نصب الشرع لانه هو الأصل في قوله لانه انما بعث لذالك قلت سياق حديث ابى قتادة صريح في ان قوله صلى الله عليه وآله وسلّم ليس على سبيل التنفيل قبل القتال بل هو بعد ان قتل ابو قتادة مشركا وكذا حديث سلمة بن الأكوع وما ورد في الحديث انه صلى الله عليه وآله وسلّم لم يخمس السلب حجة للشافعى واحمد على مالك حيث قال ان السلب يحسب من الخمس. (فائدة) روى الطحاوي عن انس بن مالك ان البرآء بن مالك أخا انس بن مالك بارز مرزبان الزارة فطعنه طعنة فكسر القربوس وخلصت اليه فقتلته فقوم سلبه ثلثين الفا فلما صلينا الصبح غدا علينا عمر فقال لابى طلحة انا كنا لا نخمس الاسلاب وان سلب البراء قد بلغ مالا ولا أرانا الا خامسيه فقومناه ثلثين الفا فدفعنا الى عمر ستة آلاف وروى الطحاوي من وجه بلفظ ان البراء بن مالك بارز رجلا من عظماء فارس فقتله فاخذ البراء سلبه فكتب فيه الى عمر فكتب عمر الى الأمير ان اقبض إليك خمسة وادفع اليه ما بقي فقبض الأمير

_ (1) اى طلب المبازرة 12 [.....]

خمسه قلت وهذين الأثرين يدلان على ان السلب للقاتل وانه لا يخمس غير انه يجوز للامام ان استكثر المال ان يخمسه واستدل ابو حنيفة على ان السلب ليس للقاتل خاصة الا ان يكون الامام قاله في وقت يحتاج الى تحريضهم بما رواه الطبراني في الأوسط والكبير انه بلغ حبيب بن سلمة ان صاحب قبرص خرج يريد طريق اذربيجان ومعه زمرد وياقوت ولؤلؤ وغيرهما فخرج اليه فقتله فجاء بما معه فاراد ابو عبيدة ان يخمسه فقال له حبيب لا تحرمنى رزقا رزقنيه الله فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم جعل السلب للقاتل فقال معاذ يا حبيب اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول للمرأ ما طابت به نفس امامه وهذا معلول فانه فيه عمرو ابن واقد ورواه إسحاق بن راهويه بسنده عن جنادة بن امية قال فذكر الحديث انه بلغ حبيب بن سلمة الى ان قال فجاء بسلبه على خمسة ابغال من الديباج والياقوت والزبرجد فاراد حبيب ان يأخذ كله وابو عبيدة يقول بعضه فقال حبيب لابى عبيدة قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من قتل قتيلا فله سلبه قال ابو عبيدة انه لم يقل ذلك للابد وسمع معاذ ذلك فاتى وعبيدة وحبيب يخاصمه فقال معاذ الا تتقى الله وتأخذ ما طابت به نفس امامك فان مالك ما طابت نفس امامك وحدث بذلك معاذ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فاجتمع رايهم على ذلك فاعطوه بعد الخمس فباعه حبيب بألف دينار وفيه رجل مجهول وبما في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف في مقتل ابى جهل يوم بدر فان فيه ان قال عليه السلام لمعاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء بعد ما رأى سيفهما كلا كما قتله ثم قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح وحده ولو كان للقاتل لقضى به لهما وبما رواه مسلم وابو داود عن عوف بن مالك الأشجعي قال خرجت مع زيد بن حادثة غزوة مؤتة ورافقنى مددى من اهل اليمن فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس أشقر على سرج مذهب وسلاح مذهب وجعل يغرى بالمسلمين وقعد له المددى خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر فعلا فقتله فحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله على المسلمين بعث اليه خالد بن الوليد فاخذ منه بعض السلب قال عوف فاتيت خالدا فقلت له يا خالد اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قضى بالسلب للقاتل

قال بلى ولكنى استكثرته قلت لتردن او لاعرفتكما عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فابى ان يعطيه قال عوف فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقصصت عليه قصة المددى وما فعل خالد فقال عليه السلام يا خالد رد عليه ما أخذت منه قال عرف قلت دونك يا خالد الم أوف لك فقال صلى الله عليه وآله وسلّم وما ذاك قال فاخبرته قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وقال يا خالد لا ترد عليه هل أنتم تاركو لى أمراء لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره وجه الاستدلال انه منع خالد أمن رده بعد ما امره به ولو كان شرعا لازما لم يمنعه من مستحقه قال الخطابي انما منعه ان يرد على عوف سلبه زجر العوف لئلا يجترئ الناس على الائمة وخالد كان مجتهدا فامضاه عليه الصلاة والسلام والضرر اليسير يتحمل للنفع الكثير قال ابن همام وهذا غلط وذلك لان السلب لم يكن للذى تجرأ وهو عوف وانما كان للمددى ولا تزر وازرة وزر اخرى فالوجه انه صلى الله عليه وآله وسلّم أحب اولا ان يمضى شفاعته للمددى في التنفيل فلما غضب عليه رد شفاعته بمنع السلب لا انه لغضبه وسياسته يزجره بمنع حق من لم يقع منه جناية فهذا يدل على انه ليس شرعا لازما قلت حديث حبيب كما سمعت معلول وضعيف ولو ثبت لثبت للامام حق التخميس من السلب لما أراد ابو عبيدة ان يخمسه ولا يثبت منه انه لا حق للقاتل في السلب بل هو كسائر الغنائم وحديث سلب ابى جهل منسوخ قال البيهقي ان غنيمة بدر كانت للنبى صلى الله عليه وسلم بنص الكتاب يعنى بقوله تعالى قل الأنفال لله والرسول يعطى من يشاء وقد قسم لجماعة لم يحضروا ثم نزلت اية الغنيمة بعد بدر فقضى السلب للقاتل استقر الأمر على ذلك وقول عوف اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قضى بالسلب للقاتل وقول خالد بلى وتسليم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ذلك حتى امر خالدا برد ما أخذ من سلبه دليل على التشريع عموما وجرأة عوف كان لاجل المددى وكان المددى راضيا به فهو يستحق الزجر والمنع وقوله صلى الله عليه وآله وسلّم هل أنتم تاركوا لى أمراء لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره يدل على ان الامام وان ظلم ومنع أحدا حقه فعليه كدره لكن يجب على الناس اطاعته. (مسئلة) التنفيل يعنى إعطاء الامام رجلا فوق سهمه جائز اجماعا ان شرط الامام في

حالة القتال قبل الاصابة لانه نوع تحريض على القتال وهو مامور به قال الله تعالى حرض المؤمنين على القتال فجاز للامام ان يقول من قتل قتيلا فله عشرة دراهم او من دخل هذا الحصن فله كذا وقال لسرية جعلت لكم النصف او الربع بعد الخمس او قال من أصاب جارية فهى له عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لانفسهم خاصة سوى قسمة عامة الجيش متفق عليه لكن لا يجوز للامام ان يقول من أصاب شيئا فهو له لانه يستلزم بطلان الخمس الثابت بكتاب الله تعالى وبطلان الأسهم المنصوصة للراجل والفارس في الأحاديث وبطلان حق من لم يصب من المجاهدين وفي بعض روايات الحنفية لو نقل بجميع المأخوذ جاز إذا رأى الامام المصلحة فيه روى الحاكم من رواية مكحول عن ابى امامة عن عبادة بن الصامت ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حين التقى الناس ببدر نفل كل امرأ ما أصاب وأجيب بان هذا منسوخ واية الخمس نزلت بعد ذلك. (مسئلة) ثم محل التنفيل اربعة الأخماس قبل الاحراز بدار الإسلام وبعد الاحراز لا يصح الا من الخمس عند أبي حنيفة واحمد وعند مالك والشافعي لا يصح مطلقا الا من الخمس لانه المفوض الى راى الامام وما بقي للغانمين روى مالك عن ابى الزياد عن سعيد بن المسيب كان الناس يعطون النفل من الخمس وروى ابن ابى شيبة عن سعيد ابن المسيب ما كانوا ينفلون الا من الخمس وعن ابن عمر قال نفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم نفلا سوى نصيبنا من الخمس فاصابنى شارف والشارف المسن الكبير متفق عليه وابو حنيفة يحمل هذه الآثار على ما بعد الاحراز بدار الإسلام واما قبل ذلك فيعطى النفل من اربعة أخماس الغانمين لان المعطى له من الغانمين لا من المساكين واليتامى وابن السبيل وقال البغوي النفل من خمس سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وهو قول سعيد بن المسيب وبه قال الشافعي رحمه الله وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مالى مما أفاء الله عليكم الا الخمس والخمس مردود فيكم قلت إعطاء النبي صلى الله عليه وآله وسلّم النفل أحدا من خمس خمسه هبة منه صلى الله عليه وآله وسلّم وذلك

لا يستلزم عدم جواز النفل من اربعة الأخماس كيف وقد روى الترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن عبادة بن الصامت انه صلى الله عليه وآله وسلّم نفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث وكذا روى ابو داود وعن حبيب بن سلمة الفهري ومعنى الحديث على ما قال الخطابي ان السرية إذا ابتدأت السفر نفلها الربع فاذا قفلوا ثم رجعوا الى العدو ثانية نفلهم الثلث لان نهوضهم بعد قفولهم أشق عليهم قلت وهذا الحديث يرد قول من قال لا يجوز النفل الا من الخمس او من خمس الخمس لان إعطاء الربع والثلث لا يتصور من الخمس بل لا يكون الا من اصل الغنيمة كما قال بعضهم او من اربعة الأخماس فان قيل جاز ان يكون معنى الحديث نفل في البدأة الربع من الخمس وفي الرجعة الثلث من الخمس كذا قال الطحاوي قلنا الحديث لا يدل على هذا التقييد وليس هو الا تسوية الحديث على مدعاه وايضا قد روى حديث حبيب بن سلمة عند الطحاوي بلفظ الرابع بعد الخمس والثلث بعد الخمس وكذا روى احمد واستدل به ابن الجوزي على جواز إخراج النفل من اربعة الأخماس. (مسئلة) جاز للامام ان يعطى بعض الغانمين فوق سهمه بعد القتال بلا شرط سبق منه ان رأى اجتهادا منه فوق اجتهاد غيره وقال ابو حنيفة رحمه الله لا يجوز ذلك الا من الخمس لان بعد القتال تعلق به حق الغانمين فلا يجوز ابطال حقهم والحجة عليه حديث سلمة بن الأكوع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وانا معه فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد انمار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقمت على اكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلثا يا صاحباه ثم خرجت في اثار القوم ارميهم بالنبل وارتجز أقول انا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فما زلت ارميهم واعقر لهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الا خلفته وراى ظهرى ثم اتبعتهم ارميهم حتى القوا اكثر من ثلثين بردة وثلثين رمحا يستخفون ولا يطرحون شيئا الا جعلت عليه آراما من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه حتى رأيت من فوارس رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلّم ولحق ابو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بعبد الرحمن فقتله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خير فرساننا اليوم ابو قتادة وخير رجالتنا سلمة قال ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سهمين سهم الفارس وسهم الراجل فجمعهما الى جميعا ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ورائه على العضباء راجعين الى المدينة رواه مسلم والجواب لأبي حنيفة ان الحديث رواه ابن حبان وقال كان سلمة بن الأكوع في تلك الغزاة راجلا فاعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من خمسه لا من سهمان المسلمين ورواه القاسم بن سلام وقال قال ابن مهدى فحدثت به سفيان فقال هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم وهذا عندى اولى من حمله على انه أعطاه من سهمه والا لم يسم نفلا بل هبة قلت ولا وجه للحمل على ذلك ولا على القول بالتخصيص وسنذكر حديث اخر لسلمة بن الأكوع انه غزونا فزارة مع ابى بكر في مسئلة جواز فداء أسارى المشركين بأسارى المسلمين وفيه نفل ابو بكر سلمة امرأة واستدل بعض العلماء في هذه المسألة بما ذكرنا من حديث عبادة بن الصامت وحبيب بن سلمة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم نفل في بدأته الربع وفي رجعته الثلث على معنى انه صلى الله عليه وآله وسلّم نفل في رجعته يعنى بعد الرجوع من القتال بالثلث وحمل الطحاوي هذا الحديث بهذا المعنى على انه صلى الله عليه وآله وسلّم نفل في الرجعة الثلث مما يجوز له النفل وهو الخمس ليوافق مذهبه ومذهب ابى حنيفة والله اعلم وكان إعطاء بعض الغانمين شيئا زائدا من الغنيمة على سبيل النفل امرا معروفا في الصحابة لكنهم كانوا مختلفين في محله روى الطحاوي بوجوه عن انس انه كان مع عبيد الله بن ابى بكرة في غزوة غزاها فاصابوا سبيا فاراد عبيد الله ان يعطى أنسا من السبي قبل ان يقسم فقال انس لا ولكن اقسم ثم أعطني من الخمس قال قال عبيد الله لا الا من جميع الغنائم فابى انس ان يقبل منه وابى عبيد الله ان يعطيه من الخمس شيئا وروى الطحاوي عن سليمان بن يسار انهم كانوا مع معاوية ابن خديج في غزوة المغرب فنفل الناس ومعنا اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فلم يرد ذلك غير جبلة بن عمرو وعن خالد بن ابى عمران قال سألت سليمان بن يسار عن النفل في

الغزو فقال لم ار أحدا صنعه غير ابن جريج نفلنا بافريقية النصف بعد الخمس ومعنا اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من المهاجرين الأولين أناس كثير فابى جبلة ان يأخذ منها شيئا. (مسئلة) يقسم الأخماس الاربعة بين الغانمين للراجل سهما وللفارس ثلثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه قال القاضي عبد الوهاب به قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعلى بن ابى طالب ولا مخالف له من الصحابة وبه قال من التابعين عمر بن عبد العزيز وابن سيرين ومن الفقهاء مالك والأوزاعي وليث بن سعد وسفيان الثوري والشافعي واحمد بن حنبل وابو ثور وابو يوسف ومحمد بن الحسن ولم يخالف في هذه المسألة غير أبي حنيفة وحده حيث قال للفارس سهمان وللراجل سهم وقال ابن الجوزي قال خالد الحذاء لا يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ان للفارس ثلثة سهم احتج الجمهور بأحاديث منها حديث المنذرين الزبير بن العوام عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم اعطى الزبير سهما وفرسه سهمين رواه احمد وكذا روى الدار قطنى عن عبد الله بن الزبير عن الزبير والدار قطنى ايضا عن جابر وأخرجه ايضا من حديث ابى هريرة وأيضا من حديث سهل بن حثمة وفي حديث عبد الله ابن ابى بكر بن عمرو بن حزم من طريق ابن إسحاق في غزوة قريظة انه صلى الله عليه وآله وسلّم جعل للفارس وفرسه ثلثة أسهم له سهم ولفرسه سهمان وفي الباب حديث ابن عمر انه صلى الله عليه وآله وسلّم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما رواه البخاري واصحاب السنن الا النسائي وفي مسلم عنه قسم في النفل للفرس سهمين وللراجل سهما وفي رواية بإسقاط لفظ النفل وفي رواية أسهم للرجل ولفرسه ثلثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وحديث ابن عباس نحوه رواه إسحاق بن راهويه وكذا اخرج ابو داود من حديث ابن ابى عمرة عن أبيه وكذا اخرج البزار من حديث المقداد وحديث ابى كبشة الأنماري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عام الفتح انى جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما فمن نقصها نقصه الله عز وجل رواه الدار قطنى والطبراني قال ابن همام فيه محمد ابن عمران العبسي اكثر الناس على تضعيفه وحديث ابى دهم غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انا وأخي ومعنا فرسان فاعطانا ستة أسهم اربعة

أسهم لفرسينا وسهمين لنا رواه الدار قطنى وروى ابو يوسف في كتاب الخراج بسنده عن ابى حازم قال ابو ذر الغفاري شهدت انا وأخي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يوم حنين ومعنا فرسان لنا فضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بستة أسهم اربعة لفرسينا وسهمان لنا فبعنا ستة أسهم بحنين ببكرين واحتج ابو حنيفة بحديث مجمع بن جارية الأنصاري قال قسمت خيبر على اهل الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم على ثمانية عشر سهما وكان الجيش الفا وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس فاعطى الفارس سهمين وللراجل سهما رواه ابو داود وقال ابو داود هذا وهم انما كانوا مائتى فارس فاعطى الفرس سهمين والرجل يعنى صاحبه سهما كذا قال الشافعي قلت وكذا ذكرنا في سورة الفتح في قصة غنائم خيبر وحديث المقداد بن عمر انه كان يوم بدر على فرسه يقال له سنجه فاسهم له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم سهمين لفرسه سهم وله سهم رواه الطبراني وفي سنده الواقدي ضعيف واخرج الواقدي ايضا في المغازي عن جعفر بن خارجة قال قال الزبير ابن العوام شهدت بنى قريظة فارسا فضرب لى بسهم ولفرسى بسهم واخرج ابن مردويه في تفسيره حدثنا محمد بن محمد السرى حدثنا المنذر بن محمد حدثنى ابى حدثنا يحيى بن محمد بن هانى عن محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سبايا بنى المصطلق فاخرج الخمس منها ثم قسمها بين المسلمين فاعطى الفارس سهمين والراجل سهما وروى ابن ابى شيبة في مصنفه ومن طريقة الدارالقطني حدثنا ابو اسامة وابن نمير قال حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم جعل للفارس سهمين وللراجل سهما قال الدار قطنى قال ابو بكر النيشابوري هذا عندى وهم من ابن ابى شيبة لان احمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشير وغيرهما رووه عن ابن نمير خلاف هذا على ما تقدم يعنى ثلثة أسهم للفارس ثم اخرج الدار قطنى عن نعيم حدثنا ابن المبارك عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر كما روى ابن ابى شيبة قال ابن الجوزي لعل الوهم من نعيم لان ابن المبارك من اثبت الناس قال ابن همام ونعيم ثقة واخرج الدار قطنى ايضا عن يونس بن

عبد الأعلى حدثنا ابن وهب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كان يسهم للخيل للفارس سهمين وللراجل سهما وتابعه ابن ابى مريم وخالد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر العمرى ورواه القعنبي عن العمرى بالشك في الفارس او الفرس ثم اخرج عن حجاج بن منهال حدثنا حمار بن سلمة حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قسم للفارس سهمين وللراجل سهما وخالفه النضر بن محمد بن حماد قال ابن همام وممن روى حديث عبيد الله متعارضا الكرخي لكن رواية البيهقي عنه اثبت قال ابن الجوزي عبيد الله بن عمر ضعيف وروى الدار قطنى بسنده عن عبد الرحمن بن أمين عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كان يقسم للفارس سهمين وللراجل سهما وروى ابو يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عيينة عن مقسم عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قسم غنائم بدر للفارس سهمان وللراجل سهم قال ابو يوسف في كتاب الخراج انه كان الفقيه المقدم ابو حنيفة تغمده الله برحمته يقول أللراجل سهم للفارس سهم وقال لا أفضل بهيمة على رجل مسلم ويحتج بما حدثناه عن زكريا بن الحارث عن المنذر بن ابى حمصة الهمداني ان غلاما لعمر بن الخطاب رضى الله عنه قسم في بعض الشام للفرس سهم وللرجل سهم فرفع ذلك الى عمر رضى الله تعالى عنه فاجازه وكان ابو حنيفة يأخذ بهذا الحديث ويجعل للفرس سهما وللرجل سهما وما جاء من الآثار والأحاديث ان للفرس سهمين وللرجل سهما اكثر من ذلك وأوثق والعامة عليه وليس هذا على وجه التفضيل وما كان ينبغى ان يكون للفرس سهم وللرجل سهم لانه قد سوى بهيمة برجل مسلم انما هذا على ان يكون عدة الرجل اكثر من عدة الاخر وليرغب الناس في ارتباط الخيل في سبيل الله الا ترى ان سهم الفرس يرد على صاحب الفرس ولا يكون للفرس دونه والمتطوع وصاحب الديوان في القسمة سواء قال ابن همام إذا تعارض الروايات ترجح النفي بالأصل ويحمل رواية الثلاثة على التنفيل وما ورد في حديث جابر اعطى الفارس منا ثلثة أسهم ونحو ذلك ظاهر في انه ليس الأمر المستمر كذلك والا يقال كان عليه السلام وقضى عليه السلام وحديث ابى كبشة انى جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما فمن نقصهما نقصة الله لا يصح كما مر

مسئله لو كان مع رجل فرسان فقال ابو حنيفة ومالك والشافعي لا يسهم الا الفرس واحد قال مالك في الموطإ لم اسمع بالقسم الا لفرس واحد وقال ابو يوسف واحمد يسهم لفرسين ولا يسهم لاكثر من فرسين اجماعا والحجة لابى يوسف ما رواه الدار قطنى من حديث بشير بن عمر بن محصن قال أسهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم لفرسي اربعة أسهم ولى سهما فأخذت خمسة أسهم وروى عبد الرزاق أخبرنا ابراهيم بن يحيى السلمى عن مكحول ان الزبير حضر خيبر بفرسين فاعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم خمسة أسهم وهذا منقطع وقال الواقدي في المغازي حدثنا عبد الملك بن يحيى عن عيسى بن عمر قال كان مع الزبير يوم خيبر فرسان فأسهم له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم خمسة أسهم وقال ايضا حدثنى يعقوب بن محمد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن ابى صعصعة عن الحارث بن عبد الله بن كعب ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قاد في خيبر ثلثه أفراس لزاز والضرب والسكب وقاد الزبير بن العوام أفراسا وقاد حراس بن الصمت فرسين وقاد البراء بن أوس فرسين وقاد ابو عمرة الأنصاري فرسين فاسهم عليه الصلاة والسلام لكل من كان له فرسان اربعة أسهم وسهما له وما كان اكثر من فرسين لم يسهم له وروى ابن الجوزي بسنده عن سعيد بن منصور عن ابن عياش عن الأوزاعي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كان يسهم للخيل ولا يسهم للرجل فوق فرسين وان كان معه عشرة أفراس وقال قال سعيد بن منصور ثنا فرج بن فضالة ثنا محمد بن الوليد عن الزهري ان عمر بن الخطاب كتب الى ابى عبيدة بن الجراح ان أسهم للفرس سهمين وللفرسين اربعة أسهم ولصاحبهما سهما فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الاثنين فهو جنائب وقال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنا ابن يحيى بن سعيد عن الحسن في الرجل يكون في الغزو معه الافراس قال لا يقسم له من الغنيمة لاكثر من فرسين قال وحدثنى محمد بن إسحاق عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول قال لا يقسم لاكثر من فرسين قال صاحب الهداية ما روى حجة لابى يوسف واحمد محمول على التنفيل كما اعطى سلمة بن الأكوع سهمين وهو راجل قلت ما قال صاحب الهداية ان إعطاء سهمين

لفرس واربعة أسهم لفرسين محمول على التنفيل انما يتصور صحته لو قيل جاز للامام ان يعطى بعض الغانمين فوق سهمه بعد القتال من غير شرط سبق منه والا فلم يروا في شى مما ذكر من الأحاديث انه صلى الله عليه وآله وسلّم شرط ذلك. (مسئلة) إذا لحق المدد في دار الحرب قبل إحراز الغنائم بدار الإسلام بعد انقضاء القتال لا يسهم لهم عند الائمة الثلاثة وعند أبي حنيفة يسهم لهم احتجوا بما رواه ابن ابى شيبة والطحاوي بسند صحيح عن طارق بن شهاب الاخمسى ان اهل بصرة غزوا نهاوند فامدهم اهل الكوفة وعليهم عمار بن ياسر فظهروا فاراد اهل البصرة ان لا يقسموا لاهل الكوفة فقال رجل من بنى تميم وعند الطحاوي من بنى عطارد ايها العبد الأجدع تريد ان تشاركنا في غنائمنا وكانت اذنه جدعت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال عمار خير اذنى سببت ثم كتب الى عمر فكتب عمران الغنيمة لمن شهد الوقعة واخرج الطبراني الغنيمة لمن شهد الوقعة مرفوعا وموقوفا وقال الصحيح الموقوف وأخرجه ابن عدى من طريق بخترى بن مختار عن عبد الرحمن بن مسعود عن عليّ موقوفا وروى الشافعي من طريق زيد بن عبد الله بن قسيط ان أبا بكر بعث عكرمة بن جهل في خمسائة من المسلمين مدد الزياد بن لبيد فذكر القصة وفيها فكتب ابو بكر ان الغنيمة لمن شهد الوقعة لكن في اثر ابى بكر انقطاع وبحديث ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بعث ابان بن سعيد بن العاص في سرية قبل نجد فقدم ابان بعد فتح خيبر فلم يسهم له رواه ابو داود وابو نعيم موصولا والبخاري في صحيحه تعليقا وأجاب الحنفية عن هذا الحديث ان خيبر بعد ما فتحت صارت دار الإسلام فقدومهم بعد الفتح لحوق بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام ولا خلاف في انه من لحق بعد الاحراز لا سهم له في الغنيمة فانهم ملكوها بالاحراز قبل لحوقهم واما اسهامه لابى موسى الأشعري على ما في الصحيحين عنه انه قال وافينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حين افتتح خيبر فاسهم لنا ولم يسهم لاحد غاب عن فتح خيبر الا لاهل سفينتنا فقال ابن حبان انما أعطاهم من خمس الخمس والله اعلم.

(مسئلة) ولا حق لاهل سوق العسكر ولا لسائسة الدواب عند ابى حنيفة رحمه الله الا ان يقاتلوا وقال الشافعي يسهم لهم لما مر من قوله صلى الله عليه وآله وسلّم ان الغنيمة لمن شهد الوقعة وهم قد شهدوا الوقعة وقد مر انه لم يصح رفعه بل هو حديث موقوف ومعناه لمن شهد الوقعة على قصد القتال وذلك انما يعرف بأحد أمرين اما بإظهار خروجه للجهاد والتجهيز له لا لغيره واما بحقيقة قتاله ولو كان من شهد الوقعة على عمومه لزم ان يسهم للنساء والأطفال والعبيد ايضا وقد اجمعوا على انه لا سهم لهولاء روى مسلم وابو داود عن ابن عباس انه سئل عن النساء هل كن يشهدن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وهل كان يضرب لهن سهم فقال كن يشهدن واما ان يضرب لهن سهم فلا وفي رواية لابى داود وقد كان يرضح لهن فان قيل يعارضه حديث حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أسهم لهن كما أسهم للرجال أخرجه ابو داود والنسائي قلنا حشرج مجهول. (مسئلة) ان أطاق الصبى القتال واجازه الامام يكمل له السهم عند مالك وقال الجمهور لا يسهم له بل يرضخ روى ابو داود من طريق مكحول ان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم للنساء والصبيان والخيل وهذا مرسل لو صح فلعل المراد بقوله أسهم اعطى لهم شيئا وهو الرضخ. (مسئلة) اختلفوا في العقار التي استولى عليها المسلمون عنوة فقال الشافعي يجب ان يقسمها الامام بين الغانمين بعد التخميس كالمنقول كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خيبر وهى رواية عن احمد لعموم هذه الآية الا ان يطيب انفس الغانمين ويسقطوا حقوقهم فحينئذ يوقفها على المسلمين كما فعل عمر بسواد العراق وقال مالك ليس للامام ان يقسمها بل يصير بنفس الظهور عليها وقفا وهى رواية ثانية عن احمد وقال احمد وهى رواية عن مالك ان الامام مخير بين ان يقسمها على الغانمين بعد التخميس لله وبين ايقافها على جماعة المسلمين وقال ابو حنيفة الامام مخير بين قسمتها بين الغانمين بعد التخميس لله وبين اقرار أهلها بالخراج وبين ان يصرفها عنهم

الى قوم آخرين يضرب عليهم الخراج وليس له ان يقفها والحجة لاحمد حديث سهل بن حشمة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خيبر نصفين نصف لنوائبه وحاجته ونصف بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما رواه ابن الجوزي وروى الطحاوي عن ابن عباس قال اعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خيبر بالشطر ثم أرسل ابن رواحة فقاسمهم وعن ابن عمر انه صلى الله عليه وآله وسلّم عامل اهل خيبر بشطر ما يخرج من الزرع وعن جابر قال ما أفاء الله خيبر فاقرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كما كانوا وجعل بينه وبينهم فبعث عبد الله بن رواحة عليهم ثم قال الطحاوي فثبت بذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لم يكن قسم خيبر بكمالها لكنه قسم طائفة منها وترك طائفة فلم يقسمها قلت قد ذكرنا في سورة الفتح في قصة فتح خيبر قول ابن إسحاق كانت المقاسم على اموال خيبر على الشق والنطاة والكثيبة كانت الكثيبة في الخمس والشق والنطاة أسهم الغزاة ثمانية عشر سهما النطاة خمسة أسهم والشق ثلثة عشر والوطيح والسلاليم كانت لنوائب المسلمين عامله فيها اليهود بالنصف وكان ابن رواحة يأتيهم كل سنة فيخرصهم فاجلاهم عمر لقوله صلى الله عليه وآله وسلّم نقركم على ذلك ما شئنا قلت قد جرى الخلاف بين الصحابة في خلافة عمر حين افتتح العراق قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى غير واحد من علماء المدينة قال لما قدم على عمر جيش العراق من قبل سعد بن ابى وقاص شاور اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلّم في قسمة الأرضين التي أفاء الله على المسلمين من ارض العراق والشام فتكلم قوم فيها وأرادوا ان يقسم لهم حقوقهم وما فتحوا فقال عمر فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد قسمت وورثت عن الآباء وحيزت ما هذا برأي فقال عبد الرحمن بن عوف فما الرأي بالأرض والعلوج الا مما أفاء الله عليهم فقال عمر ما هو الا كما تقول ولست ارى ذلك والله لا يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل بل عسى ان يكون كلا على المسلمين فاذا قسمت ارض العراق بعلوجها وارض الشام بعلوجها فما يسد به الثغور وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره وان اهل الشام والعراق أكثروا على عمر قالوا تقف ما أفاء الله علينا

بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا ولابناء قوم ولابناء أبنائهم ولم يحضروا فكان لا يزيد على ان يقول هذا رأي قالوا فاستشر قال فاستشار المهاجرين الأولين فاختلفوا فاما عبد الرحمن بن عوف فكان رأيه ان يقسم لهم حقوقهم ورأى عثمان وعليّ وطلحة رأى عمر رضى الله عنهم أجمعين فارسل الى عشرة من الأنصار خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج من كبرائهم واشرافهم فلما اجتمعوا حمد الله واثنى عليه بما هو اهله ومستحقه ثم قال انى لم أزعجكم الا لان تشركوا في أمانتي فيما حملت من أموركم فانى واحد كاحدكم وأنتم اليوم تقرون الحق خالفنى من خالفنى ووافقنى من وافقنى ولست أريد ان تتبعوا الذي هو هواى معكم من الله كتاب ينطق بالحق فو الله لئن كنت نطقت بامر أريده ما أردت به الا الحق قالوا قد نسمع يا امير المؤمنين قال قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الذين زعموا انى اظلّمهم حقوقهم وانى أعوذ بالله ان اركب ظلما لئن كنت ظلمتهم شيئا هو لهم وأعطيته غيرهم لقد شقيت ولكن رايت انه لم يبق شيء يفتح بعد ارض كسرى وقد غنمنا الله أموالهم وأرضيهم وعلوجهم فقسمت ما غنموا أورثه بين اهله وأخرجت الخمس ووجهته على وجهه وانا في توجيهه ورايت ان احبس الأرضين بعلوجها وأضع عليهم فيها الخراج وفي رقابهم الجزية يؤدونها فيكون شيئا للمسلمين للمقاتلة والذرية ولمن يأتي بعدهم ارايتم هذه الثغور بدلها من رجال يلزمونها ارايتم هذه المدن العظام والشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر بد من ان تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم فمن اين يعطى هولاء إذا قسمت الأرضين والعلوج فقالوا جميعا الرأى رأيك فنعم ما قلت وما رايت ان لم يشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال ويجرى عليهم ما يقوون به رجع اهل الكفر الى مدنهم فقال قد بان لى الأمر فمن رجل له جزالة وعقل يضع الأرض مواضعها ويضع على العلوج ما يحتملون فاجتمعوا له على عثمان بن حنيف وقالوا له تبعثه الى أهم ذلك فان له بصرا وعقلا وتجربة فاسرع اليه عمر فولاه مساحة ارض السواد فادت جباية سواد الكوفة قبل ان يموت عمر بعام مائة الف الف والدرهم كانت يومئذ وزن المثقال قال ابو يوسف وحدثنى محمد بن إسحاق عن

الزهري ان عمر بن الخطاب استشار الناس في السواد حين افتتح فراى عامتهم ان يقسم وكان بلال بن رباح من أشدهم في ذلك وكان راى عمران يتركه ولا يقسمه قال اللهم اكفنى بلا لا ومكثوا في ذلك يومين او ثلثا او دون ذلك ثم قال عمر اني قد وجدت حجة قال الله عز وجل في كتابه ما أفاء الله على رسوله منهم الى قوله والذين جاؤا من بعدهم الآيات من سورة الحشر قال فكانت هذه عامة لمن جاء بعدهم فقد صار هذا الفيء على هؤلاء جميعا فكيف تقسم هؤلاء وتدع من يخلف بغير قسم فاجمع على تركه وجمع خراجه قال ابو يوسف وحدثنى الليث بن الليث بن سعد عن حبيب بن ابى ثابت ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجماعة المسلمين أرادوا عمر بن الخطاب ان يقسم الشام كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر وانه كان أشد الناس في ذلك الزبير بن العوام وبلال بن رباح فقال عمر اذن اترك من بعدكم من المسلمين لهم ثم قال اللهم اكفنى بلالا وأصحابه قال ورأى المسلمون ان الطاعون الذي أصابهم لعمواس كان من دعوة عمر قال وتركهم عمر ذمة يؤدون الخراج الى المسلمين قلت فثبت انعقاد الإجماع على جواز ترك الأرض في أيدي أهلها يؤدون الخراج فان قيل كيف يجوز نسخ الاية بالإجماع والإجماع لا يكون ناسخا ولا منسوخا وما استدل به عمر من قوله تعالى ما أفاء الله على رسوله من اهل القرى ليس بحجة لانه فيما قال الله تعالى ما او جفتم عليه من خيل ولا ركاب وكلا منا فيما اوجف عليه المسلمون خيلا وركابا قلنا امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يجتمع على الضلالة فاجماعهم على هذا يدل على ان قوله تعالى ما غنمتم من شيء ليس على عمومه كيف وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصفي وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السلب للقاتل ولم يخمس السلب وجاز ان يعلف العسكر في دار الحرب ويأكلوا ما وجدوه من الطعام عن محمد ابن ابى المجالد عن عبد الله بن ابى اوفى قال قلت هل كنتم تخمسون الطعام في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل يجيئ فياخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف وعن ابن عمران جيشا غنموا في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاما وعسلا فلم يوخذ منهم الخمس وعن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض اصحاب النبي

صلى الله عليه وآله وسلم قال كنا ناكل الجزور في الغزو ولا نقسمه حتى كنا لنرجع الى رجالنا وأخرجتنا منه مملوة روى الأحاديث الثلاثة ابو داود. (فائدة) حمل اصحاب الشافعي ما فعل عمر في سواد العراق والشام على انه وقف الأرض برضاء الغانمين وإسقاطهم حقوق أنفسهم قلنا لو كان كذلك لاخرج منها اولا خمس الله تعالى إذ ليس الخمس للامام ولا للغانمين ولا يسقط باسقاطهم وايضا وضع عمر على جريب الكرم شيئا معلوما وعلى جريب الحنطة شيئا معلوما فلا يجوز ان يكون الأرض مملوكة للمسلمين موقوفة والا يلزم بيع المعدوم وبيع ما ليس عندك بل يظهر بهذا ان الأرض مملوكة للكافرين وضع عليهم خراج الأرض كما وضع عليهم الجزية وهم أحرار ولا يجوز ان يكونوا عبيدا للمسلمين ويكون الجزية ضريبة للمسلمين عليهم بعلة الملك لانه اهل نسائهم ومشايخهم وصبيانهم وان كانوا قادرين على الاكتساب اكثر مما يقدر عليه بعض الرجال البالغين فظهر انه ليس بعلة الملك على وجه الضريبة والله اعلم إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وما عطف على بالله أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الملئكة والنصر والآيات المعجزة منها ان الله تعالى تحقق ما وعدهم احدى الطائفتين وانه أخبرهم بميلهم الى العير دون الجيش وانه جاء المطر بحيث كان للمسلمين نعمة وعلى الكافرين نقمة وان امر الله تعالى بالملائكة حتى سمعوا أصواتهم حين قالوا اقدم حيزوم ورأوا الرؤوس تتساقط من الكواهل من غير قطع واثر سياط في ابى جهل وانه رمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم المشركين بالحصباء حتى عميت أبصار الكفار أجمعين وانه قلل المشركين في أعين المسلمين لتشجيعهم وانه أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى مصارع المشركين هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان فرأى المسلمين ذلك على ما أشار وانه تعالى حقق قوله صلى الله عليه وآله وسلم بعقبة بن ابى معيط ان وجدتك خارج جبال مكة قتلتك صبرا وأنه صلى الله عليه وآله وسلم اخبر عمه العباس بما استودع أم الفضل فزالت شبهة العباس في نبوته وان الله تعالى تحقق وعده للمؤمنين بقوله ان يعلم في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا مما أخذ منكم فاعطى العباس بدل عشرين اوقية عشرين غلاما

يتجرون بماله وان الله سبحانه اطلع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على ايتمار عمير بن وهب وصفوان ابن امية بمكة على قتله فعصم الله وجعله سببا لاسلام عمير بن وهب وعاد داعيا الى الإسلام ومنها انقلاب العرجون سيفا روى ابن سعد عن زيد بن اسلم ويزيد بن رومان وغيرهما والبيهقي وابن عساكر عن عمران عكاشة بن محصن قاتل يوم بدر بسيفه حتى انقطع فاتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعطاه جزلا من حطب وقال قاتل بهذا يا عكاشه فلما اخذه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هزه فكان سيفا في يده طويل القامة مديد المتن ابيض الحديدة فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العيون ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قتل في ايام الورد قتله طلحة بن خويد الأسدي وروى البيهقي عن داود بن الحصين عن رجال من بنى عبد الأشهل عدة قالوا انكسر سيف سلمة بن اسلم بن الحرش يوم بدر فبقى اعزل لا سلاح معه فاعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضيبا كان في يده من عراجين نخل بنى طابة فقال اضرب به فاذا هو سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم خيبر ابى عبيدة ومنها ما روى البيهقي انه ضرب جيب بن عدى يوم بدر فمال شقه فتفل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولامه ورده فانطبق ومنها ما روى البيهقي عن قتادة ابن النعمان انه أصيب عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فارادوا ان يقطعوها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا فدعاه به فغمز حدقته براحته فكان لا يدرى اى عينه أصيب ومنها ما روى البيهقي عن رفاعة بن رافع قال لما كان يوم بدر رميت بسهم فقئت عينى فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعا لى فما آذاني منها شيء ومنها ما روى ابن سعد من طريق إسحاق عن عبد الله بن نوفل عن أبيه قال اسر نوفل يوم بدر فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم افد نفسك برماحك التي بجدة قال والله ما علم أحد ليعلم ان لى بجدة رماحا بعد الله غيرى اشهد انك رسول الله ففدى نفسه بها وكانت الف رمح يَوْمَ الْفُرْقانِ اى يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل حيث أعز الله الإسلام ودفع الكفر واهله يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ حزب الله

وحزب الشيطان وكان يوم الجمعة بسبع عشرة مضت من رمضان بعد ستة عشر شهرا من الهجرة وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (31) إِذْ أَنْتُمْ بدل من يوم الفرقان يعنى إذ كنتم ايها المسلمون نازلين بِالْعُدْوَةِ اى شط الوادي الدُّنْيا تأنيث الأدنى يعنى العدوة الشامية القريبة الى المدينة وَهُمْ يعنى المشركين بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى تأنيث الأقصى وكان قياسه قصببا بقلب الواو ياء كالدنيا والعليا تفرقة بين الاسم والصفة فجاء على الأصل كالقود وهو اكثر استعمالا من القصيا يعنى العدوة اليمانية البعيدة من المدينة قرأ ابن كثير وابو عمرو بكسر العين فيهما والباقون بضمها فيهما وهما لغتان وَالرَّكْبُ يعنى العير يريد أبا سفيان وأصحابه أَسْفَلَ مِنْكُمْ اى في موضع أسفل منكم الى ساحل البحر على ثلثة أميال من بدر منصوب على الظرف مرفوع المحل على انه خبر مبتدأ والجملة حال من الظرف قبله وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وحرصهم على المقاتلة وتوطين نفوسهم على ان لا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى جهدهم وضعف شان المسلمين واستبعاد غلبتهم عادة ولذا ذكر مركز الفريقين فان العدوة الدنيا كانت رخوة تسوح فيها الأرجل ولا يمشى فيها الا بتعب ولم يكن بها ماء بخلاف العدوة القصوى وَلَوْ تَواعَدْتُمْ ايها المؤمنون أنتم مع الكفار الاجتماع للقتال ثم علمتم قلتكم وكثرة عدوكم وقوتهم لَاخْتَلَفْتُمْ أنتم فِي الْمِيعادِ هيبة عنهم ويأسا من الظفر عليهم وَلكِنْ الله تعالى جمعكم من غير ميعاد حيث خرجتم للعير وخرج الكفار ليمنعوا عيرهم فالتقوا على غير ميعاد لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ اى صار مَفْعُولًا 5 من نصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه وقوله لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ بدل من ليقضى الله او متعلق بقوله مفعولا والمعنى ليموت من مات منهم عن بينة راها وعبرة عاينها وحجة قامت عليه ويعيش من عاش منهم عن حجة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة فان وقعة بدر من الآيات الواضحات وقال محمد بن إسحاق معناه ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه ويومن من أمن على مثل ذلك استعارة للهلاك

[سورة الأنفال (8) : آية 43]

والحيوة للكفر والإسلام يعنى من لهذا حاله في علم الله وقضائه قرأ ابن كثير برواية البزي ونافع وابو بكر ويعقوب حيى بفك الإدغام حملا على المستقبل وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (32) بكفر من كفر وعقابه وايمان من أمن وثوابه ولعل الجمع بين الوصفين لاشتمال الامرين على القول والاعتقاد. إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا مقدر با ذكر او بدل ثان من يوم الفرقان او متعلق بعليم اى يعلم المصالح ان يقللهم في عينك في رؤياك حتى تخير به أصحابك فيكون تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوهم وذلك ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لاصحابه يوم بدر في أول الأمر لا تقاتلوا حتى او ذنكم وان كثبوكم فارموهم بالنبل ولا تسلوا السيف حتى يغشوكم فنام في العريش نومة فقال ابو بكر يا رسول الله قد دنا القوم وقد مالوا منا فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أراه الله عز وجل إياهم في منامه قليلا فاخبر بذلك أصحابه وروى ابن إسحاق وابن المنذر عن حبان بن واسع عن أشياخ من قومه انتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ابشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبرئيل أخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع قال الحسن معنى في منامك في عينك لان العين موضع النومة وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ لجبنتم وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ امر القتال وتفرقت آرائكم في الثبات والفرار وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ اى سلمكم عن المخالفة والفشل إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (33) يعلم ما يكون فيها وما يتغيرا حوالها وقال ابن عباس علم ما في صدوركم من الحب لله. وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا قال ابن مسعود لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل الى جنبى أتراهم تسعين قال أراهم مائة فاسرنا رجلا منهم فقلناكم كنتم قال الفا وَيُقَلِّلُكُمْ يا معشر المؤمنين فِي أَعْيُنِهِمْ كيلا يهربوا قال ابو جهل ان محمدا وأصحابه أكلة جزور روى ابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن جريج ان أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا واربطوهم في الجبال ولا تقتلوا منهم أحدا فنزل انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة قال وذلك قبل التحام الحرب فلما التحم أراهم إياهم مثليهم رأى العين كما في ال عمران لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا

[سورة الأنفال (8) : آية 45]

كرره لاختلاف الفعل المعلل به او لان المراد بالأمر ثمه الالتقاء على الوجه المحكي وهاهنا إعزاز الإسلام واهله وإذلال الشرك وحزبه وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (34) يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ للمحاربة فِئَةً يعنى جماعة كافرة ولم يصفها اشعار ابان المؤمنين لا يقاتلون الا الكفار فَاثْبُتُوا لقاتلهم فان الفرار من الزحف كبيرة كما ورد في الصحاح من الأحاديث وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً داعين له بالنصر مستظهرين بذكره مترقبين لنصره لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) تظفرون بمرادكم من النصر والمثوبة وفيه تنبيه على ان العبد ينبغى ان لا يشغله شيء عن ذكر الله وان يلتجى اليه عند الشدائد ويقبل عليه بشر أشره فارغ البال واثقا بان لطفه لا ينفك عن عبده المؤمن في شيء من الأحوال. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ في قتال أعدائه وإعزاز دينه وَلا تَنازَعُوا باختلاف الآراء كما فعلتم يوم بدر في أول الأمر ويوم أحد فَتَفْشَلُوا اى تجبنوا منصوب بإضمار ان جواب للنهى وقيل عطف عليه ولذلك قرئ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ الجزم والريح استعير للدولة ونفاذ الأمر وجريانه على المراد وكذا قال الأخفش كانها في تمشى أمرها ونفاذه مشبهة بالريح في هبوبها ونفوذها وقال السدى جرأتكم وقال مقاتل حدتكم وقال النصر بن شميل قوتكم وقال قتادة وابن زيد المراد به الحقيقة قالا لم يكن النصر قط الا بريح يبعثها الله يصرف وجوه العدو وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن ابى زيد ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم نصرت بالصبا وأهلك عاد بالدبور متفق عليه من حديث ابن عباس وعن النعمان بن مقرن قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر رواه ابن ابى شيبة وَاصْبِرُوا على الموت والجراح إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (36) بالنصر والاثابة روى البخاري في صحيحه عن سالم ابى النصر مولى عمرو بن عبد الله وكان كاتبا له قال كتب عبد الله بن ابى اوفى كتابا فقراته ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أيامه التي لقى فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال يا ايها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فاذا لقيتم فاصبروا واعلموا ان الجنة تحت

[سورة الأنفال (8) : الآيات 47 إلى 48]

ظلال السيوف ثم قال اللهم منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم ولما امر الله سبحانه بالجهاد والصبر عليه امر بإخلاص النية إذ لا عبرة بالأعمال الا بالنيات عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم رواه مسلم وفي الصحيحين في حديث ابن عباس قوله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن جهاد ونية فقال عز وجل. وَلا تَكُونُوا في المجاهدة والقتال كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعنى اهل مكة حين خرجوا منها الحماية العير بَطَراً اى فخرا او أشرا قال الزجّاج البطر الطغيان في النعمة وترك شكرها قيل البطر ان يشغله سكر النعمة عن شكرها وَرِئاءَ النَّاسِ وهو اظهار الجميل ليرى وابطان القبيح يعنى خرجوا متكبرين بكثرة العدد والمال ورياء الناس ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة ويعترفوا لعظمتهم وَيَصُدُّونَ الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن الايمان به وبرسوله وذلك انه لما راى ابو سفيان انه احرز عيره أرسل الى قريش انكم خرجتم لتمنعوا عيركم فقد نجاها الله فارجعوا فقال ابو جهل والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم بها ثلثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القينان ويسمع بها العرب ولا يزالون يهابوننا ابدا فوافوها فسقوا كاس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القينان فنهى الله سبحانه ان يكون المؤمنين مثلهم بطرين مرائين وأمرهم بإخلاص النية والحسبة في نصر دينه وموارزة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (44) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ مقدر باذكر أَعْمالَهُمْ يعنى عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وارادة قتله وقتاله وقد ذكرنا في القصة حضور الشيطان عند قريش في دار الندوة وحين أرادوا المسير فذكرت التي بينهم وبين بنى بكر من الحرب جاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وَقالَ لهم لا غالِبَ لَكُمُ ولكم خبر لا يعنى لا غالب كائن لكم وليس صلته والا انتصب كقولك لا ضاربا زيدا عندك الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ لكثرة عددكم وما لكم وأوهمهم ان ما يفعلون قربات مجيرة لهم حتى قالوا اللهم انصر اهدى الفئتين وأفضل الدينين وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ من كنانة فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ

المسلمون والمشركون وراى إبليس الملئكة نزلوا من السماء وعلم انه لا طاقة له بهم نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ ولى مدبرا هاربا روى الطبراني عن رفاعة بن رافع وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بألف وكان جبرئيل في خمسمائة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة وجاء إبليس في جند من الشياطين معه رايته في صوره رجال من بنى مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال الشيطان للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس وانى جار لكم من الناس واقبل جبرئيل الى إبليس فلما راه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولى مدبر او شيعته فقال الرجل يا سراقة الست تزعم انك جار لنا وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (45) فذلك حين رأى الملئكة فتشبث به الحارث بن هشام واسلم بعد ذلك وهو يزعم انه سراقة لما سمع كلامه فضرب الشيطان في صدر الحارث فسقط الحارث وانطلق إبليس لا يلوى حتى سقط في البحر ورفع يديه وقال يا رب وعدك الذي وعدتني اللهم انى اسألك نظرتك إياي وخاف اى يخلص اليه القتل فقال ابو جهل يا معشر الناس لا يهمنكم خذلان سراقة فانه كان على ميعاد من محمد ولا يهمنكم قتل عتبة وشيبة فانهم قد عجلوا فو اللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه بالجبال ولا الفين رجلا منكم قتل رجلا منهم ولكن خذوهم أخذا نعرفهم سوء صنيعهم ويروى انهم راوا سراقة بمكة بعد ذلك فقالوا له يا سراقة اخرمت الصف وأوقعت فينا الهزيمة فقال والله ما علمت شيئا من أمركم حتى كانت هزيمتكم وما شهدت وعلمت فما صدقوه حتى اسلموا وسمعوا ما انزل الله فيه فعلموا انه كان إبليس تمثل لهم قال البغوي قال قتادة قال إبليس انى ارى ما لا ترون وصدق وقال انى أخاف الله وكذب والله ما به مخافة الله ولكن علم انه لا قوة به ولا منعة فاوردهم وأسلمهم وذلك عادة عدو الله لمن أطاعه إذا التقى الحق والباطل أسلمهم وتبرأ منهم وقال عطاء معناه انى أخاف الله ان يهلكنى فيمن يهلك وقال الكلبي خاف ان يأخذه جبرئيل ويعرفهم حاله فلا يطيعوه وقيل انى أخاف الله اى اعلم صدق وعده لاوليائه لانه كان على ثقة من

[سورة الأنفال (8) : آية 49]

امر الله وقيل معناه أخاف الله عليكم والله شديد العقاب وقيل انقطع الكلام عند قوله انى أخاف الله ثم قال الله شديد العقاب عن طلحة بن عبيد الله بن كربز رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال ما رأى الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا ادحر ولا احقر ولا اغيظ منه يوم عرفة وما ذلك الا لما يرى من تنزل رحمة الله وتجاوز الله عن الذنوب العظام الا ما كان يوم بدر فقيل وما راى من يوم بدر قال اما انه قد راى جبرئيل عليه السلام وهو يزع الملئكة رواه مالك مرسلا والبغوي في شرح السنة والمصابيح والمعالم واذكر. إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ بالمدينة حين خرج المسلمون وهم ثلاثمائة وبضعة عشر وسمعوا خروج ابى جهل وغيره في زهاء الف لقتالهم اغتروا بدينهم حيث خرجوا لمقاتلة من لا يدلهم بهم وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعنى الذين لم يطمئنوا الى الايمان بعد وبقي في قلوبهم شبهة وقيل هم المشركون وقيل المنافقون والعطف لتغائر الوصفين وقال البغوي هؤلاء يعنى الذين في قلوبهم مرض قوم كانوا بمكة مستضعفين قد اسلموا وحبسهم اقربائهم عن الهجرة فلما خرجت قريش الى بدر أخرجوهم كرها فلما نظروا الى قلة المسلمين ارتابوا وارتدوا وقالوا غَرَّ هؤُلاءِ يعنى المؤمنين دِينُهُمْ فقتلوا جميعا منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وابو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان والحرث بن زمعة بن الأسود بن المطلب وعلى بن امية بن خلف الحجمى والعاص بن منبه بن الحجاج وروى الطبراني عن ابى هريرة بسند ضعيف انه قال عتبة بن ربيعة وناس معه من المشركين غر هؤلاء دينهم فقال الله سبحانه جوابا لهم وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب لا يذلّ من استجار به وان قل حَكِيمٌ (49) يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل ويعجز عن إدراكه ففعل بالكفار ما لم يكونوا يحتسبون ولما ذكر الله سبحانه سوء عاقبة الكفار في الدنيا بالقتل والهزيمة اردفه بما صنع بهم بعد الموت فقال. وَلَوْ تَرى يا محمد يعنى ولو رأيت فان لو نقيضه ان تجعل المضارع ماضيا إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ببدر وغير ذلك ظرف لترى والمفعول محذوف يعنى ولو ترى الكفرة او حالهم حين يتوفهم الْمَلائِكَةُ فاعل يتوفى يدل عليه قرأة ابن عامر تتوفى بالتاء وجاز على قرأة الجمهور ان يكون فاعل يتوفى

[سورة الأنفال (8) : آية 51]

ضمير الله تعالى والملئكة مبتدأ خبره يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ والجملة حال من الذين كفروا واستغنى فيه بالضمير عن الواو وهو على الاول حال منهم او من الملئكة او منها لاشتماله على الضميرين وَأَدْبارَهُمْ ظهورهم بسياط النار ومقامع من حديد أراد تعميم الضرب اى يضربون ما اقبل منهم وما أدبر وقال سعيد بن جبير ومجاهد يريد بادبارهم أستاههم ولكن الله حيى يكنى وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50) عطف على يضربون بإضمار القول اى يقولون ذوقوا بشارة لهم بعذاب النار المؤبدة فعلى هذا بيان لعذابهم في عالم البرزخ وقال ابن عباس كان المشركون ببدر إذا اقبلوا بوجوههم الى المسلمين ضربت الملئكة وجوههم بالسيوف وإذا ولوا أدركتهم الملئكة وضربوا ادبارهم فقتلوا من قتل منهم وكانت تقول الملئكة ذوقوا عذاب الحريق قيل كان مع الملئكة مقامع من حديد يضربون بها الكفار فتلتهب النار في جراحاتهم فذلك قوله تعالى ذوقوا عذاب الحريق وقال ابن عباس يقولون لهم ذلك بعد الموت وجواب لو محذوف يعنى لرايت امرا فزيعا مهولا. ذلِكَ الذي وقع لكم في الدنيا والاخرة كائن بِما اى بسبب ما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ اى كسبتم من الكفر والمعاصي عبر باليدين لان عامة الافعال يزاول بهما وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) عطف على ما كسبت للدلالة على ان سببية مقيدة بانضمامه اليه إذ لولاه لامكن ان يعذبهم بغير ذنوبهم لا ان لا يعذبهم بذنوبهم فان ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلا بل هو رحمة ومغفرة فلا ينتهض نفي الظلم سببا للتعذيب وظلام للتكثير لاجل العبيد وهذا بقية كلام الملئكة للكفار. كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ خبر مبتدأ محذوف يعنى دآب هؤلاء الكفار يعنى عملهم وطريقهم الذي دابوا فيه اى داموا عليه كدأب ال فرعون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ تفسير لدابهم فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بالعذاب بِذُنُوبِهِمْ كما أخذ هؤلاء إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52) لا يغلبه شىء ولا يدفع عذابه شيء. ذلِكَ الذي حل بهم بِأَنَّ اى بسبب ان اللَّهَ لَمْ يَكُ أصله يكون حذف الحركة للجزم ثم الواو لالتقاء الساكنين ثم النون لشبهه بالحروف اللينة تخفيفا مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ مبدلا إياها بالنعمة كما بدل

نعمته باهل مكة من الا من والرزق والعزة وكف اصحاب الفيل عنهم بالقتل والاسر يوم بدر حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ اى يبدلوا ما بهم من حال الى حال أسوأ منه كتغير قريش حالهم من اتباع دين إسماعيل وملة ابراهيم وصلة الرحم وسدانة البيت واطعام الضيف وسقاية الحاج بمعاداة الرسول صلى الله عليه واله وسلم من معه وصدهم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا ان يبلغ محله والسعى في اراقة دماء من قال لا اله الا الله والتكذيب بالآيات والاستهزاء بها الى غير ذلك مما أحدثوه بعد البعثة قال اصحاب التاريخ ان كلاب بن مرة ابن كعب بن لوى جد عبد مناف جد جد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن قبل كلاب كانوا على دين اسمعيل عليه السلام كابرا عن كابر وكان كل واحد منه ومن ابائه وصيا لابيه قائما مقامه في الرياسة بالوصية عن أبيه وموسوما بالخير والجود وما ظهرت عبادة الأصنام وتبديل دين ابراهيم عليه السلام في أولاد اسمعيل الا في زمن قصى بن كلاب وكان كعب بن لوى أول من جمع العروبة وكانت تجمع اليه قريش في هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه واله وسلم ويعلمهم بانه ولده ويأمرهم باتباعه والايمان به وينشد أبياتا منها قوله يا ليتنى شاهدا فحواى دعوته إذا قريش يبغى الحق خذلانا وكان قصى يصنع طعاما كثيرا للحاج ايام منى وعرفات وهذه هى الرمادة ويصنع حياضا من آدم فيسقى فيها من المياه التي بمكة ومنى وعرفات ويقال لها السقاية يجرى ذلك بامره في الجاهلية حتى قام الإسلام ثم جرى في الإسلام على ذلك وأحدث قصى وقود النار بالمزدلفة حتى يريها من دفع من عرفة ولا يضل الطريق ولم يزل ذلك الوقود وكانت النار توقد بالمزدلفة على عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وابى بكر وعمر وعثمان وأول من غير دين اسمعيل وعبد الأصنام وسيب السوائب عمرو بن لحى الخزاعي قال السدى نعمة الله محمد صلى الله عليه واله وسلم أنعم الله تعالى على قريش واهل مكة فكذبوه وكفروا به فنقله الله الى الأنصار وقيل لم يكن لاهل مكة وال فرعون حالة مرضية لكنهم تغيروا الحال المسخوطة الى أسخط منها فانهم كانوا قبل البعثة كفرة عبدة الأصنام وبعد البعثة كذبوا الرسول وسعوا في قتله وصدوا عن سبيل الله فغيروا حالهم الى أسوأ مما كانوا عليه فغير الله نعمة الامهال بتعجيل العذاب

[سورة الأنفال (8) : آية 54]

في الدنيا وليس السبب عدم تغيّر الله ما أنعم عليهم حتى يغيروا حالهم بل ما هو المفهوم له وهو جرى عادة الله على تغييره نعمائه بالنقمات إذا غيروا حالهم وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما يقولون عَلِيمٌ (53) بما يفعلون. كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فيه زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ أهلكنا بعضهم بالغرق وبعضهم بالرجفة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالمسخ وبعضهم بالريح وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ كذلك أهلكنا كفار بدر بالسيف لما كذبوا بايات ربهم وكرر الله سبحانه قوله كداب ال فرعون إلخ للتاكيد وقيل الاول بسببية الكفر والاخذ به والثاني بسببية التغير في النعمة بسبب تغيرهم ما بانفسهم او لان الاول الاخذ بالذنوب بلا بيان وهاهنا بين انه الهلاك والاستيصال ووَ كُلٌّ من الأولين والآخرين كانُوا ظالِمِينَ (54) أنفسهم بالكفر والمعاصي. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا أصروا على الكفر ورسخوا فيه فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) احترز به عن الذين كفروا ثم أمنوا وحسن إسلامهم او هو اخبار عن قوم طبعوا على الكفر بانهم لا يؤمنون والفاء للعطف والتنبيه على ان تحقق المعطوف عليه يستدعى تحقق المعطوف يعنى الذين كفروا واستقر في علم الله تعالى كفرهم فهم لا يومنون وهذا عام يشتمل كل من يموت على الكفر واخرج ابو الشيخ عن سعيد بن جبير قال نزلت ان شر الدواب عند الله الذين كفروا الآية في ستة رهط من اليهود فيهم ابن التابوت وقوله تعالى. الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ بدل من الذين كفروا اما بدل البعض للتخصيص بذمهم واما بدل الكل على رواية سعيد بن جبير والمعنى عاهدتهم وكلمة من لتضمن المعاهدة معنى الاخذ يعنى أخذت منهم العهد ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عاهدتهم وهم بنو قريظة كتب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار ووادع فيه يهود وعاهدهم واشترط لهم وعليهم واقرهم على دينهم وأموالهم لما امتنعوا عن الإسلام كذا قال ابن إسحاق وذكر نسخة الكتاب نحو ورقتين ثم هم نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأعانوا المشركين بالسلاح على قتال النبي صلى الله عليه واله وسلم وأصحابه

[سورة الأنفال (8) : آية 57]

ثم قالوا نسينا واخطأنا فعاهدهم ثانيا فنقضوا العهد ومال الكفار على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم الخندق وركب كعب بن الأشرف الى مكة فوافقهم على مخالفة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) الله حيث يكفرون برسوله بعد ما عرفوه كما يعرفون أبناءهم وينقضون العهود منه كل مرة روى عبد بن حميد وابن جرير وابو نعيم انه قال لليهود معاذ بن جبل وبشر بن البرام وداود بن سلمة يا معشر يهود اتقوا الله واسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن اهل الشرك وتخبرون انه مبعوث وتصفون بصفته جعلهم الله تعالى شر الدواب لان شر الناس بل شر الخلائق الكفار وشر الكفار المصرون وشر المصرون الناكثون العهود فهم شر الدواب. فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ تدركنهم فِي الْحَرْبِ ناسرتهم فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ اصل التشريد التفريق على اضطراب قال ابن عباس معناه فنكل بهم من ورائهم يعنى افعل بهؤلاء الذين نقضوا عهدك فعلا من القتل والتنكيل تفرق منك ويخافك من خلفهم من اهل مكة واليمن يقال شردت بفلان اى فعلت به فعلا شرد غيره ان يفعل فعله ومن هاهنا لما أمكن الله تعالى رسوله صلى الله عليه واله وسلم على بنى قريظه قتل رجالهم كل من أنبت وسبى نسائهم وذراريهم وقسم أموالهم روى الطبراني عن اسلم الأنصاري قال جعلنى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على أسارى بنى قريظة فكنت انظر الى فرج الغلام فان رايته أنبت ضربت عنقه لَعَلَّهُمْ اى لعل من خلفهم يَذَّكَّرُونَ (57) يتذكرون ويتعظون فلا ينقضون العهد. وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ معاهدين خِيانَةً اى نقض عهد يظهر لك منهم اثار الغدر فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ اى اطرح إليهم عهدهم عَلى سَواءٍ اى على عدل وطريق قصد او على سواء منك وهم في العلم بنقض العهد يعنى أعلمهم قبل الحرب انك قد فسخت العهد بينك وبينهم حتى لا يكون خيانة منك روى ابو الشيخ عن ابن شهاب قال دخل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال قد وضعت السلاح وما زلنا في طلب القوم فاخرج فان الله قد اذن لك في قريظة وانزل فيهم واما تخافن من قوم خيانة الاية قلت وذلك بعد غزوة الأحزاب وقال الحافظ محمد يوسف الصالحي في سبيل الرشاد كانت قينقاع أول

[سورة الأنفال (8) : آية 59]

يهود نقضوا العهد وأظهروا البغي والحسد وقطعوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من العهد فبينما هم على ما هم من اظهار العداوة ونبذ العهد قدمت امرأة من العرب يجلب لها قناعها بسوق بنى قينقاع وجلست الى صائغ بها لحلى فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فلم تفعل فعمد الصائغ الى طرف ثوبها من ورائها فخله بشوكة وهى لا تشعر فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديا وشدت اليهود على المسلم فقتلوه ونبذوا العهد واستصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود وغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع وانزل الله سبحانه واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ان الله لا يحب الخائنين فقال صلى الله عليه واله وسلم انما أخاف من بنى قينقاع فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بهذه الاية وحمل لواه حمزة بن عبد المطلب واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر فتحصنوا في حصنهم فحاصرهم أشد الحصار خمسة عشر ليلة حتى قذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على ان لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم أموالهم وان لهم النساء والذرية وأمرهم ان يجلوا من المدينة فخرجوا بعد ثلث فاخذ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صفيه والخمس وقسم اربعة أخماسه على أصحابه وكان أول خمس بعد بدر إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (59) روى البغوي بسنده عن رجل من حمير قال كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاء رجل على فرس وهو يقول الله اكبر الله اكبر وفاء لا غدر فاذا عمرو بن عنبسة فارسل اليه معاوية فسأله فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقده ولا يحلها حتى ينقضى أمدها او ينبذ إليهم عهدهم على سواء فرجع معاوية. وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا قرأ حفص وابن عامر وحمزة لا يحسبن بالياء التحتانية على ان الفاعل الموصول والمفعول الاول أنفسهم فحذف للتكرار أو الفاعل ضمير من خلفهم وقرأ الباقون بالتاء الفوقانية على الخطاب ومفعولاه الذين كفروا سبقوا يعنى لا تحسبنهم سابقين فائتين من عذابنا قال البغوي

[سورة الأنفال (8) : آية 60]

نزلت الاية في الذين انهزموا يوم بدر من المشركين إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) قرأ ابن عامر بفتح الالف والمعنى لانهم لا يعجزون وقيل لا زائدة والمعنى لا يحسبن الذين كفروا انهم يعجزون وسبقوا حينئذ حال بمعنى سابقين اى مفلتين وقرأ الجمهور بكسر الالف على الابتداء. وَأَعِدُّوا ايها المؤمنون لَهُمْ اى لنا قضى العهد او للكفار مَا اسْتَطَعْتُمْ إعدادها والاعداد اتخاذ الشيء لوقت الحاجة مِنْ قُوَّةٍ اى أسباب وآلات واعمال يقويكم على حربهم من الخيل والسلاح والمصارعة ونحو ذلك واللهو بالرمي والبندقة وغير ذلك ومنه جمع المال عدة للجهاد وقيل هى الحصون عن عقبة بن عامر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو على المنبر يقول واعدوا لهم ما استطعتم من قوة الا ان القوة الرمي الا ان القوة الرمي الا ان القوة الرمي رواه مسلم وعنه قال ستفتح عليكم الروم ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم ان يلهو باسهمه رواه مسلم وعن ابى نجيح السلمى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة ومن رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرر رواه النسائي وروى ابو داود الفصل الاول وروى الترمذي الفصل الثاني وزاد من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة وروى البيهقي في شعب الايمان الفصول الثلاثة غير انه قال من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة وعن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول من علم الرمي ثم تركها فليس منا او قد عصى رواه مسلم وعن ابى أسيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر حين صففنا لقريش وصفوا لنا إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل رواه البخاري وعن عقبة بن عامر الجهني قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ان الله تعالى يدخل بالسهم الواحد ثلثة نفر في الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله فارموا واركبوا وان ترموا أحب الى من ان تركبوا كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه بفرسه وملاعبته امرأته فانهن من الحق رواه الترمذي وابن ماجة وزاد ابو داود والدارمي ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فانه نعمة تركها او قال كفرها وفي رواية للبغوى ان الله يدخل بالسهم الواحد الجنة ثلثة صانعه

والممد به والرامي به في سبيل الله وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ يعنى ربط الخيل واقتناءها للغزو فهو مصدر سمى به قال البيضاوي هو اسم للخيل الذي يربط في سبيل الله مصدر سمى به يقال ربط ربطا ورباطا ورابط مرابطة ورباطا او فعال بمعنى مفعول او جمع ربيط كفصيل وفصال وعطفها على القوة كعطف جبرئيل وميكائيل على الملئكة عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم البركة في نواصى الخيل متفق عليه وعن جرير بن عبد الله قال رايت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يلوى ناصية فرس بإصبعه وهو يقول الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة الاجر والغنيمة رواه مسلم ورواه البغوي من طريق البخاري من حديث عروة البارقي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من احتبس فرسا في سبيل الله ايمانا بالله وتصديقا بوعده فان شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة رواه البخاري وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال الخيل ثلثة هى لرجل وزر ولرجل ستر ولرجل اجر فأما التي هى له وزر فرجل ربطها رياء وفخر او نواء على اهل الإسلام فهى له وزر وأما التي هى له ستر فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا في رقابها فهى له ستر واما التي هى له اجر فرجل ربطها في سبيل الله لاهل الإسلام في مرج «1» وروضة فما أكلت من ذلك المرج او الروضة من شيء الا كتب له عدد ما أكلت حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات ولا يقطع طولها «2» فاستنت «3» شرفا او شرفين الا كتب له عدد اثارها وأرواثها حسنات ولا مر بها صاحبها على هر فشربت منه ويريد ان يسقيها الا كتب الله له عدد ما شربت حسنات رواه مسلم وفي رواية بلغوى في الصنف الثاني رجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهى لذلك ستر وعن ابى وهب الجشمي قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ارتبطوا الخيل وامسحوا لنواصيها واعجازها او قال اكفالها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار رواه ابو داود والنسائي تُرْهِبُونَ بِهِ اى تخوفون به وعن يعقوب ترهبون

_ (1) المرج الأرض الواسعة ذات نبات كثير تمرج فيه الدواب اى يخلى تسرح مختلطة واصل المرج الاختلاط 12 نهاية (2) الطول الحبل الطويل يشد أحد طرفيه في الوتد او غيره والطرف الاخر في يد الفرس ليدور فيه ويرعى ولا يذهب بوجهه 12 (3) أسنتت شرفا او شرفين اى عدت شوطا او شوطين واشرف العلو وإمكان المرتفع 12

بالتشديد والضمير لما استطعتم او للاعداد عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ الاضافة للعهد يعنى كفار مكة وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ اى من غير اهل مكة من الكفار وقال مجاهد ومقاتل هم بنو قريظة وقال السدى هم اهل فارس وقال ابن زيد والحسن هم المنافقون لا تَعْلَمُونَهُمُ لانهم معكم يقولون لا اله الا الله وقيل هم كفار الجن أخرجه ابو الشيخ من طريق ابى المهدى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم واخرج الطبراني مثله من حديث يزيد بن عبد الله بن غريب عن أبيه عن جده مرفوعا اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ في الجهاد يُوَفَّ إِلَيْكُمْ يوفر لكم جزاؤه وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) لا ينقص أجوركم عن زيد بن خالد ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال من جهز غازيا فقد غزا ومن خلف في اهله فقد غزا متفق عليه وعن ابى مسعود الأنصاري قال جاء رجل بناقة مخطومة فقال هذه في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لك بها يوم القيمة سبعمائة ناقة كلها مخطومة رواه مسلم وعن انس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال جاهدوا المشركين باموالكم وأنفسكم والسنتكم رواه ابو داود والنسائي والدارمي وعن خزيم بن فاتك قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أنفق في سبيل الله كتب له بسبعمائة ضعف رواه الترمذي والنسائي وعن عبد الله بن عمرو ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال للغازى اجره وللجاعل اجره واجر الغازي رواه ابو داود وعن علىّ وابى الدرداء وابى هريرة وابى امامة وعبد الله بن عمرو وجابر ابن عبد الله وعمران بن حصين رضى الله عنهم أجمعين كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال من أرسل نفقة في سبيل الله واقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة دراهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه فله بكل درهم سبعمائة الف درهم ثم تلا هذه الاية وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ رواه ابن ماجة وعن عبد الرحمن ابن حباب قال شهدت النبي صلى الله عليه واله وسلم وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان فقال يا رسول الله علىّ مائة بعير باحلاسها «1» وأقتابها «2» في سبيل الله ثم حضّ على الجيش فقال

_ (1) يعنى الاكسية التي تلى ظهر البعير 12 (2) القتب للجمل كالاكاف لغيره 12-

[سورة الأنفال (8) : آية 61]

عثمان فقال علىّ مأتا بعير باحلاسها وأقتابها في سبيل الله فانا رايت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ينزل عن المنبر وهو يقول ما على عثمان ما عمل بعد هذا ما على عثمان ما عمل بعد هذا رواه الترمذي وعن عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان الى النبي صلى الله عليه واله وسلم بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة نشرها في حجره فرأيت النبي صلى الله عليه واله وسلم يقلبها في حجره ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين رواه احمد. وَإِنْ جَنَحُوا اى مالوا يعنى الكفار ومنه الجناح ويعدى باللام والى لِلسَّلْمِ اى للصلح قرأ ابو بكر بكسر السين والباقون بالفتح فَاجْنَحْ لَها اى مل إليها وعاهد معهم وتأنيث الضمير لحمل السلم على نقيضه وهى الحرب قال الحسن وقتادة هذه الاية منسوخة بقوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال البيضاوي الاية مخصوصة باهل الكتاب لا تصالها بقصتهم قلت لا وجه لتخصيصها باهل الكتاب ولا بالقول بكونها منسوخة بل الأمر للاباحة والصلح جائز مشروع ان رائ الامام فيه مصلحة وقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ليس على عمومه بل خص منه اهل الذمة وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ اى ثق به ولا تخف من ابطانهم خداعا فيه فان الله يعصم من يتوكل عليه من مكر الأعداء ويحيفه بهم إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاقوالهم الْعَلِيمُ (61) بنياتهم. وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ بالصلح ليستعدوا لك او يغدروا او يمكروا بك في الصلح فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ فحسبك الله وكافيك لدفع خداعهم هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) جميعا. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بعد ما كان بين جماعة منهم اعنى الأوس والخزرج من العداوة والضغينة والشر والفساد كما ذكرنا في سورة ال عمران في تفسير قوله تعالى إذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته إخوانا لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ يعنى كانت العداوة بينهم بمرتبة لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض جميعا من الأموال لم يقدر على الالفة والإصلاح وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ بقدرته البالغة

[سورة الأنفال (8) : آية 64]

فان القلوب كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء إِنَّهُ عَزِيزٌ تام القدرة والغلبة لا يمكن تخلف مراده حَكِيمٌ (63) يعلم انه كيف ينبغى ان يفعل ما يريده. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ كافيك وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (63) قال اكثر المفسرين محله الجر عطف على الكاف على مذهب الكوفيين او النصب على انه المفعول معه كقول الشاعر حسبك والضحاك سيف مهند والمعنى حسبك وحسب من اتبعك الله وهذا بعيد لفظا قريب معنى وقال بعض المفسرين محله الرفع عطفا على اسم الله تعالى يعنى حسبك الله ومتبعوك من المؤمنين وهذا قريب لفظا بعيد معنى لكن يؤيده ما رواه ابن ابى حاتم بسند صحيح عن سعيد قال لما اسلم مع النبي صلى الله عليه واله وسلم ثلث وثلثون رجلا وست نسوة ثم اسلم عمر نزلت هذه الاية واخرج ابو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال لما اسلم عمر انزل الله في إسلامه حسبك الله الآية واخرج الطبراني وغيره من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال اسلم مع النبي صلى الله عليه واله وسلم تسع وثلثون رجلا وامرأة ثم ان عمر اسلم فصاروا أربعين فنزل يايها النبي حسبك الله الاية وروى البزار بسند ضعيف من طريق عكرمة عن ابن عباس قال لما اسلم عمر قال المشركون قد انتصف القوم منا اليوم وانزل الله هذه الاية هذه الأحاديث تدل على ان الاية مكية وسياق الكلام يقتضى كونها مدنية فان السورة نزلت بعد غزوة بدر. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ اى بالغ في حثهم عليه واصل الحرض ان ينهكه المرض حتى يشرفه على الهلاك كان المبالغ في الحث على الأمر يجعل المأمور عاجزا مضطرا الى فعله كما يجعل المرض عاجزا مضطرا الى الهلاك إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ رجلا صابِرُونَ على القتال محتسبون يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من عدوهم ويقهروهم وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ قرأ ابو عمرو والكوفيون بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية مِائَةٌ صابرة محتسبة يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) يعنى ان المشركين يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب جاهلين بالله واليوم الاخر فلا يثبتون

[سورة الأنفال (8) : آية 66]

إذا اصبرتم على القتال لطلب الثواب والدرجات العلى فانهم يخافون الموت وهذا خبر بمعنى الأمر بمصابرة الواحد في مقابلة العشرة ووعد بانهم ان صبروا غلبوا بعون الله وتائيده وكان هذا يوم بدر فرض الله تعالى على رجل واحد قتال عشرة من الكفار اخرج إسحاق ابن راهويه في مسنده عن ابن عباس قال لما افترض الله عليهم ان يقاتل الواحد عشرة ثقل ذلك عليهم وشق فوضع الله عنهم وانزل. الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً في البدن وقيل في البصيرة وكانوا متفاوتين فيها قرأ عاصم وحمزة بفتح الضاد والباقون بالضم وهما لغتان وقرأ ابو جعفر ضعفاء بفتح العين والمد والباقون بسكون العين فَإِنْ يَكُنْ قرأ الكوفيون بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من الكفار وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ صابرة يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ اى بإرادته فرد الأمر من العشرة الى اثنين فان كان المسلمون على الشطر من عدوهم لا يجوز لهم الفرار وقال سفيان قال شيرمة وارى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مثل هذا قيل كان فيهم قلة فامروا بقتال واحد مع العشرة ثم لما كثروا خفف الله عنهم وتكريرا لمعنى الواحد بذكر الاعداد المتناسبة للدلالة على ان حكم القليل والكثير واحد وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) بالنصر والمعونة فكيف لا يغلبون ولم لا يصبرون روى احمد عن انس وابن مردويه عن ابى هريرة وابن ابى شيبة واحمد والترمذي وحسنه وابن المنذر والطبراني وغيرهم عن ابن مسعود وابن مردويه عن ابن عباس وابن المنذر وابو الشيخ وابن مردويه وابو نعيم عن ابن عمرانه لما كان يوم بدر جيء بالأسرى وفيهم العباس رضى الله عنه اسره رجل من الأنصار وقد وعدته الأنصار ان يقتلوه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم أنم الليلة من أجل عمى العباس وقد زعمت الأنصار انهم قاتلوه فقال له عمر رضى الله عنه فأتيهم قال نعم فاتى عمر الأنصار فقال لهم أرسلوا العباس فقالوا والله لا نرسله فقال لهم عمر فكان لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم رضا قالوا فانكان لرسول الله

صلى الله عليه واله وسلم رضا فخذوه فاخذه عمر فلما صار عباس في يده قال له يا عباس اسلم فو الله لئن تسلم أحب الىّ من ان يسلم الخطاب وما ذاك الا لما رأيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعجبه إسلامك وروى البخاري والبيهقي عن انس بن مالك ان رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالوا يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه قال لا والله لا تذرن درهما فاستشار رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال ما تقولون في هؤلاء الأسرى ان الله قد مكنكم منهم وانما هم إخوانكم فقال ابو بكر يا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أهلك وقومك قد اعطاك الله الظفر ونصرك عليهم هولاء بنو العم والعشيرة والاخوان استبقهم وانى ارى ان تأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى ان يهديهم بك فيكونوا لك عضداء فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما تقول يا ابن الخطاب قال يا رسول الله قد كذبوك وأخرجوك وقاتلوك ما ارى ما رأى ابو بكر ولكنى ارى ان تمكننى من فلان قريب لعمر فاضرب عنقه حتى يعلم الله انه ليست في قلوبنا مودة للمشركين هؤلاء صناديد قريش وأئمتهم وقادتهم فاضرب أعناقهم وقال عبد الله ابن رواحة يا رسول الله انظروا ديا كثير الحطب فاضرمه عليهم نارا فقال العباس وهو يسمع ما يقول قطعت رحمك فدخل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم البيت فقال ناس يأخذ بقول ابى بكر وقال ناس يأخذ بقول عمرو قال ناس يأخذ بقول عبد الله بن رواحة ثم خرج فقال ان الله تعالى ليلين قلوب أقوام حتى تكون ألين من اللبن وان الله ليشدد قلوب أقوام حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر في الملئكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة ومثلك في الأنبياء مثل ابراهيم قال من اتبعنى فانه منى ومن عصانى فانك غفور رحيم ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى بن مريم إذ قال ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر في الملئكة مثل جبرئيل ينزل بالشدة والبأس والنقمة على اعداء الله ومثلك في الأنبياء مثل نوح إذ قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ومثلك في الأنبياء مثل موسى

[سورة الأنفال (8) : آية 67]

إذ قال ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يرووا العذاب الأليم لو انفقتما ما خالفتكما أنتم عالة فلا يفلتن منهم أحد الا بفداء وبضرب عنق فقال عبد الله بن مسعود يا رسول الله الا سهل بن بيضاء فانه سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال فما رأيتنى في يوم أخاف ان يقع على الحجارة من السماء منى في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الا سهل بن بيضاء فلما كان الغد غدا عمر الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاذا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وابو بكر يبكيان فقال يا رسول الله ما يبكيكما فان وجدت بكاء بكيت والا تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن كان يصبنا في خلاف ابن الخطاب عذاب اليم ولو نزل العذاب ما أفلت منه الا ابن الخطاب لقد عرض علىّ عذابكم ادلى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه فانزل الله تعالى. ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ «1» قرأ ابو جعفر وابو عمرو بالتاء الفوقانية والباقون بالياء التحتانية لَهُ أَسْرى كذا قرأ الجمهور وقرأ ابو جعفر أسارى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ اى يكثر القتل ويوهن الكفار ويذل الكفر من أثخنه المرض أثقله فالمفعول محذوف اى يثخن الأسرى في الأرض قال في القاموس أثخن فلانا اى اى أوهنه وأثخن في العدو اى بالغ بالجراحة فيهم تُرِيدُونَ ايها المؤمنون عَرَضَ الدُّنْيا حطامها بأخذ الفداء وَاللَّهُ يُرِيدُ لكم ثواب الْآخِرَةَ بقتل المشركين ونصركم دين الله وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) قال ابن عباس كان هذا يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم نسخ الله تعالى هذا الحكم بقوله فاما منا بعد واما فدآء فجعل لنبيه صلى الله عليه واله وسلم والمؤمنين في امر الأسارى خيار ان شاؤا قتلوهم وان شاؤا استعبدوهم وان شاؤا أفادوهم وان شاؤا اعتقوهم.

_ (1) قال القاضي ابو الفضل العياض رحمه الله في الشفاء ليس في قوله تعالى ما كان للنبى ان يكون له اسرى الا الزام ذنب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل فيه بيان ما خص به وفضل من سائر الأنبياء فكانه هذا النبي غيرك كما قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أحلت لى الغنائم ولم يحل لنبى قبلى قال القاضي ابو الفضل عياض رحمه الله خطاب لمن أراد ذلك منهم وتجرد غرضه الغرض الحيوة الدنيا ولاستكثار منها وليس المراد بهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عامة أصحابه بل قد روى عن الضحاك انهما نزلت حين انهزم المشركون يوم يدر واشتغل الناس بالسلم وجمع الغنائم عن القتل حتى خشى عمر ان يعطف عليهم العدو. 12

(مسئلة) اجمع العلماء على انه يجوز للامام في الأسارى القتل كما يدل عليه هذه الاية وكما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببني قريظة وقد قتل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صبرا النضر بن الحارث وطعيمة بن عدىّ وعقبة بن ابى معيط قال في سبيل الرشاد قال عقبة بن ابى معيط يا محمد من للصبية قال النار قتله ابن ابى الأفلح في قول ابن إسحاق وقال ابن هشام قتله على بن ابى طالب. (مسئلة) ويجوز استرقاق الأسارى ايضا اجماعا لان فيه دفع شرهم مع وفور المصلحة لاهل الإسلام ومن هاهنا قال ابو حنيفة ليس لواحد من الغزاة ان يقتل أسيرا بنفسه لان الرأي فيه الى الامام ولكن لا يضمن بقتله شيئا. (مسئلة) واختلف العلماء في المنّ على الأسارى يعنى إطلاقهم الى دار الحرب من غير شيء وفي الفداء بالمال وفي الفداء بأسير مسلم وفي تركهم ذمة لنا فقال مالك والشافعي واحمد والثوري وإسحاق وبه قال الحسن وعطاء يجوز المنّ والفداء بالمال وبالأسارى وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد والأوزاعي وبه قال قتادة والضحاك والسدى وابن جريج لا يجوز المنّ أصلا وكذا الفداء بالمال لا يجوز على المشهور من مذهب أبي حنيفة وصاحبيه وفي السير الكبير انه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة وكذا المفادة بالأسارى لا يجوز على رواية من أبي حنيفة وبه قال صاحب القدورى والهداية واظهر الروايتين عنه ما قال صاحبا لا انه يجوز المفاداة بالأسارى واما تركهم أحرارا في دار الإسلام ذمة لنا فاجازه ابو حنيفة ومالك محتجين بما فعل عمر باهل العراق والشام وقال الشافعي واحمد لا يجوز ذلك لانهم ملكوا وجه قول أبي حنيفة في عدم المنّ والفداء ان ردهم الى دار الحرب اعانة للكفار فانهم يعودون حربا علينا فلا يجوز بالمال ولا بالأسير المسلم لان الأسير المسلم إذا بقي في أيديهم كان في حقه ابتلاء من الله تعالى غير مضاف إلينا والاعانة بدفع أسيرهم مضاف إلينا ووجه قوله الجمهور قول تعالى فاما منا بعد واما فداء قال ابو حنيفة هذه الاية منسوخة بقوله تعالى فاما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم وقوله تعالى اقتلوا المشركين

حيث وجدتموهم وعند الجمهور قوله تعالى فاما منا بعد واما فداء غير منسوخ لما ذكرنا من قول ابن عباس انه لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم انزل الله تعالى فاما منا بعد الاية وقوله تعالى اقتلوا المشركين المراد به غير الأسارى للاجماع على جواز استرقاقهم وقد قال ابو حنيفة يجوز تركهم ذمة لنا اخرج مسلم في صحيحه وابو داود والترمذي عن عمران بن حصين ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين واخرج احمد ومسلم واصحاب السنن الاربعة عن سلمة بن الأكوع قال غزونا فزارة مع ابى بكر امرّه علينا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فلما كان بيننا وبين الماء ساعة أمرنا ابو بكر فعرسنا ثم شن الغارة فورد الماء فقتل من قتل عليه فانظر الى عنق من الناس فيهم الذراري فخشيت ان ... يسبقونى الى الجبل فرميت بسهم بينهم وبين الجبل فلما راوا السهم وقفوا فجئت بهم اسوقهم وفيهم امرأة من بنى فزارة عليها قشع من آدم معها ابنة لها من احسن العرب فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر فنفلنى ابنتها فقدمنا المدينة ما كشفت لها ثوبا فلقينى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في السوق فقال يا سلمة هب لى المرأة فقلت يا رسول الله قد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا فسكت حتى إذا كان من الغد لقينى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في السوق فقال يا سلمة هب المرأة لله أبوك فقلت هى لك يا رسول الله والله ما كشفت لها ثوبا فبعث بها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ففدى بها ناسا من المسلمين كانوا أسروا بمكة وروى ابن إسحاق بسنده وابو داود من طريقه الى عائشة قالت لما بعث اهل مكة في فدآء أساراهم بعث زينب بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في فداء ابى العاص بمال وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة رضى الله عنها أدخلتها بها على ابى العاص حين بنى عليها فلما رأى النبي صلى الله عليه واله وسلم ذلك رق لها رقة شديدة وقال لاصحابه ان رأيتم ان تطلقوا لها أسيرها وتردوا الذي لها فافعلوا ففعلوا ورواه الحاكم وصححه وزاد وكان النبي صلى الله عليه واله وسلم قد أخذ عليها ان يخلى زينب اليه ففعل وذكر ابن إسحاق ان ممن منّ عليه رسول الله

صلى الله عليه واله وسلم المطلب بن حنطب اسره ابو أيوب الأنصاري فخلى سبيله وابو عزة الجمحي كان محتاجا ذا بنات فكلم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فمن عليه وأخذ عليه ان لا يظاهر عليه أحدا وامتدح رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بأبيات ثم قدم مع المشركين في أحد فاسر فقال يا رسول الله أقلني فقال عليه السلام لا تمسح عارضيك بمكة بعدها تقول خدعت محمدا مرتين ثم امر بضرب عنقه وذكر في سبيل الرشاد جعل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم بدر فدأ الرجل اربعة آلاف الى ثلثة آلاف الى الفين الى الف ومنهم من منّ عليه لانه لا مال له وفي صحيح البخاري قوله صلى الله عليه واله وسلم في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدى حيا ثم كلمنى في هولاء لتركتهم له وعن ابى هريرة قال بعث النبي صلى الله عليه واله وسلم خيلا قبل يمامة فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه في سارية من سوارى المسجد فخرج اليه النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندى خير يا محمد ان تقتلنى تقتل ذا دم وان تنعم تنعم على شاكر وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت فتركه حتّى كان الغد ثم قال له ما عندك يا ثمامة فقال كما قال بالأمس فتركه حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندى ما قلت لك قال أطلقوا ثمامة فانطلق الى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه ابغض الىّ من وجهك ... فقد أصبح وجهك أحب الوجوه الىّ والله ما كان دين ابغض اليّ من دينك فاصبح دينك أحب الأديان اليّ والله ما كان من بلد ابغض اليّ من بلدك فاصبح بلدك احبّ البلاد اليّ وان خيلك أخذتني وانا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وامره ان يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا ولكنى أسلمت مع محمد صلى الله عليه واله وسلم لا والله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن النبي صلى الله عليه واله وسلم والله اعلم روى احمد عن انس حال ستشار النبي صلى الله عليه واله وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال ان الله

[سورة الأنفال (8) : آية 68]

قد أمكنكم منهم فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اضرب أعناقهم فاعرض عنه فقام ابو بكر فقال ترى ان تعفو عنهم وان تقبل منهم الفداء فعفى عنهم وقبل منهم الفداء فانزل الله تعالى. لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ يعنى انه لا يضل اى لا ينسب الى الضلال ولا يعذبهم قوما بعد إذ هدهم حتى يبين لهم ما يتقون وانه لا يأخذ قوما فعلوا شيئا قبل النهى كذا قال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير في تفسير الاية واخرج الترمذي عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال لم يحل الغنائم لاحد سود الروس من قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتاكلها فلما كان يوم بدر وقعوا في الغنائم قبل ان يحل لهم فانزل الله تعالى لولا كتب من الله يعنى قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ انه يحل لكم الغنائم كذا قال ابن عباس وقيل معناه لولا حكم من الله سبق في اللوح المحفوظ وهو ان لا يعاقب المخطى في اجتهاده وكان هذا اجتهاد أمتهم بان نظروا في استبقائهم ربما كان سببا لاسلامهم كما وجد من كثير منهم وان فدآئهم يتقووا به على الجهاد وخفى عليهم ان قتلهم أعز للاسلام واهيب لمن ورائهم وقيل معناه لولا كتاب في اللوح المحفوظ انه لا يعذب اهل بدر «1» لَمَسَّكُمْ لنا لكم فِيما أَخَذْتُمْ من الفداء بالاجتهاد وقبل ان تؤمروا به او من الغنائم قبل ان يحل «2» لكم عَذابٌ عَظِيمٌ (68) قال ابن إسحاق لم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر الا أحب الغنائم الا عمر بن الخطاب فانه أشار على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بقتل الأسرى وسعيد بن معاذ قال يا نبى الله كان الإثخان في القتل احبّ الىّ من استبقاء الرجال فقال

_ (1) وقيل معنى الآية لولا ايمانكم بالقرآن وهو الكتاب السابق فاستوجبتم به الصفح لعوقبتم ويزاد تفسير او بيانا بان يقال لولا ما كنتم مؤمنين بالقران ولولا كنتم ممن أحلت لهم الغنائم لعوقبتم كما عوقب من بعدي قبل فهذه التأويلات كلها ينفى المعصية لانه من فعل ما أحل له لم يعص الله 12. (2) قال القاضي بكر بن العلا اخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله وسلم في هذه الاية ان تأويله وافق ما كتبه له من إحلال الغنائم والفداء وقد كان قبل هذا فادوا فى سرية عبد الله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضري بالحكم بن كهنان وصاحبه فما عتب الله ذلك عليهم وذلك قبل بدر بأزيد من عام فهذا كله يدل على ان فعل النبي صلى الله عليه واله وسلم في شان الأسرى كان على تاويل وبصيرة على ما تقدم قبل مثله فلم ينكره الله عليهم لكن الله تعالى أراد لعظم امر بدر وكثرة اسراهم والله اعلم اظهار نعمته وتأكيد منة بتقريعهم ما كتبه في اللوح المحفوظ من حل ذلك لهم لا على وجه انكار وعتاب وتذنيب هذا معنى كلامه كذا في الشفاء 12.

[سورة الأنفال (8) : آية 69]

رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ وروى ابن ابى شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن سعد وابن جرير وابن حبان والبيهقي عن على رضى الله عنه قال جاء جبرئيل الى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال يا محمد ان الله تعالى قد كره ما صنع قومك في أخذهم «1» فدآء الأسرى وقد أمرك ان تخيرهم بين أمرين اما ان يقدموا فيضرب أعناقهم وبين ان يأخذوا منهم الفداء على ان يقتل منهم عدتهم فدعا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الناس فذكرهم ذلك فقالوا يا رسول الله عشائرنا وإخواننا نأخذ منهم الفداء فنتقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم فليس ذلك ما نكره قال البغوي روى انه لما نزلت الاية السابقة كف اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزل. فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ الفاء للتسبيب والسّبب محذوف تقديره ابحت لكم الغنائم فكلوا حَلالًا حال من المغنوم او صفة للمصدر اى أكلا حللا وفائدته ازاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب المعاتبة ولذلك وصفه بقوله طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ في مخالفته إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) أباح لكم ما أخذتم من الفداء والمغنم قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فضلت على الأنبياء بست وذكر فيه وأحلت لى الغنائم رواه الترمذي عن ابى هريرة وروى الطبراني بسند صحيح عن السائب بن يزيد فضلت على الأنبياء يخس وفيه وأحلت لى الغنائم ولم تحل لاحد قبلى والبيهقي عن ابى امامة بسند صحيح نحوه غير انه قال فضلت بأربع والطبراني عن ابى الدرداء نحوه وروى البغوي

_ (1) قال القاضي ابو الفضل عياض رحمه الله انهم لم يفعلوا إلا ما اذن لهم لكن بعضهم مال الى أضعف الوجهين مما كان الأصح غيره من الإثخان والقتل فعوتبوا على ذلك يعنى ترك الاولى وبين لهم ضعف احسارهم وتصويب احسار غيرهم وكلهم غير عصاة والى نحو هذا أشار الطبري وقوله عليه السلام في هذه القصة لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه الا عمر اشارة الى هذا من تصويب رايه وراى من مثله يعنى هذه القصة أوجبت عذابا نجا منه عمر ومثله وعنى عمر لانه أول من أشار بقتلهم ولكن لا يقدر عليهم في ذلك عذابا بحله لهم فيما سبق قال الداودي والخبر بهذا لا يثبت ولو ثبت لما جاز ان يظن ان النبي صلى الله عليه واله وسلم حكم مما لا نص فيه ولا جعل الأمر الله وقد نزهه الله عن ذلك هذا الحديث دليل على نافلة 12.

عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم تحل الغنائم لاحد قبلنا وذلك بان الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيّبها لنا وقال البغوي روينا عن جابر ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال أحلت لى الغنائم ولم تحل لاحد قبل والله اعلم ذكر البغوي ان العباس بن عبد المطلب اسر يوم بدر وكان أحد العشرة الذين ضمنوا طعام اهل بدر فكان يوم بدر نوبته وكان خرج بعشرين اوقية من ذهب ليطعم بها الناس فاراد ان يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرين اوقية معه فاخذت معه في الحرب فكلم النبي صلى الله عليه واله وسلم ان يحتسب العشرين اوقية من فدآئه فابى وقال اما شى خرجت به تستعين فلا اتركه لك وكلف فداء ابني أخيه عقيل بن ابى طالب ونوفل بن الحارث فقال العباس يا محمد تركتنى اتكفف قريشا ما بقيت فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاين الذهب الذي دفعته الى أم الفضل وقت حروجك من مكة وقلت لها انى لا أدرى ما يصيبنى في وجهى هذا فان حدث بي حدث فهذا لك ولعبد الله ولعبيد الله والفضل وقثم يعنى بنيه الاربعة فقال له العباس وما يدريك قال أخبرني به ربى فقال العباس اشهد ان لا اله الا الله وانك عبده ورسوله ولم يطلع عليه أحد الا الله وروى ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والبيهقي وابو نعيم وإسحاق بن راهويه والطبراني وابو الشيخ من طرق عن ابن عباس وابن إسحاق وابو نعيم عن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اسر يوم بدر سبعين من قريش منهم العباس وعقيل فجعل عليهم الفداء أربعين اوقية من الذهب وروى البيهقي عن اسمعيل ابن عبد الرحمن قال كان فداء العباس وعقيل ونوفل وأخيه اربعمائة دينار قال ابن إسحاق وكان اكثر الأسارى فداء يوم بدر فداء العباس نفسه بمائة اوقية من ذهب وروى ابو داود عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه واله وسلم جعل فداء اهل الجاهلية يوم بدر اربعمائة وادعى العباس رضى الله عنه انه لا مال عنده فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاين المال الذي دفعته أنت أم الفضل وقلت بها ان أصبت في سفرى هذا فهذا لبني الفضل وعبد الله والقثم فقال

[سورة الأنفال (8) : آية 70]

والله لا علم انك لرسول الله ان هذا شيء ما علمه الا انا او أم الفضل والله اعلم وقال سعيد بن جبير وجعل على العباس مائة اوقية وقالوا أربعين وعلى عقيل ثمانين اوقية فقال العباس لقد تركتنى أفقر قريش ما بقيت فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى الاية وذكر محمد بن يوسف الصّالحى في سبيل الرشاد انه قال جماعة من الأسارى لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم منهم العباس رضى الله عنه انا كنا مسلمين وانما خرجنا كرها فعلام يوخذ منا الفداء فانزل الله تعالى يايها النبي قل لمن في ايديكم من الأسرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ايمانا وإخلاصا يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من الفداء بان يضعّفه لكم في الدنيا ويثيبكم في الاخرة وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال قال العباس والله نزلت حين أخبرت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بإسلامي وسألته ان يحاسبنى بالعشرين الاوقية التي وجدت معى فاعطانى بها عشرين عبد أكلهم تاجر بما لى في يده مع ما أرجو من مغفرة الله وذكر البغوي قول العباس انه أبدلني الله عنها عشرين عبد أكلهم تاجر يضرب بمال كثير وأدناهم يضرب بعشرين الف درهم مكان العشرين أوقية وأعطاني زمزم وما أحب ان لى بها جميع اموال اهل مكة وانا انتظر المغفرة من ربى وذكر في سبيل الرشاد قول العباس حين أنزلت لوددت انك كنت أخذت منى اضعافها فاتانى الله خيرا منها أربعين عبد أكل في يده مال يضرب به وانى أرجو من الله المغفرة والله اعلم روى البخاري وابن سعد ان النبي صلى الله عليه واله وسلم اتى بمال من البحرين فقال انشروه في المسجد إذ جاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني انى فاديت نفسى وو فاديت عقيلا فقال خذ فحثا فى ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه الىّ قال لا ... قال فارفعه أنت قال لا فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق وهو يقول انما أخذ ما وعد الله فقد الجز فما زال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم

[سورة الأنفال (8) : آية 71]

يتبعه بصره حتى خفى علينا عجبا من حرصه فما قام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وثم منها درهم. وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ يعنى نقض ما عهدوك عند انفكاكهم من الاسر بالاقتداء او بغيره فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ هذا بالكفر ونقض ميثاقه المأخوذ بقوله الست بربكم او بالعقل فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يعنى فامكنك منهم يوم بدر جزاء الشرط محذوف أقيم دليله مقامه تقديره ان يريدوا خيانتك يعود عليهم وباله بدليل انهم قد خانوا الله من قبل فامكنك فان عادوا فسنمكنك منهم مرة اخرى كما ذكرنا عن ابن إسحاق انه صلى الله عليه واله وسلم من على ابى غزة الجمحي يوم بدر بلا فداء وأخذ عليه ان لا يظاهر عليه أحدا فقدم مع المشركين يوم أحد فاسر فقتله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صبرا وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما في صدورهم حَكِيمٌ (71) فيما يفعل. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا قومهم وديارهم حبا لله ورسوله يعنى الذين هاجروا من مكة وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ فصرفوها في السلاح والكراع وأنفقوها في المحاويج وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بمباشرة القتال وإتيان كل ما امر الله به من العبادات البدنية وَالَّذِينَ آوَوْا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن معه من المهاجرين في ديارهم بالمدينة وَنَصَرُوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على اعداء الله يعنى الأنصار أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ دون اقربائهم من الكفار فلا يجوز للمؤمنين موالاة الكفار ولو كانوا آبائهم او أبنائهم او إخوانهم او عشيرتهم ولا مناصرتهم وقال ابن عباس هذا في الميراث كانوا يتوارثون بالهجرة وكان المهاجرون يتوارثون دون ذوى الأرحام وكان من أمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر حتى فتحت مكة وانقطعت الهجرة فتوارثوا بالأرحام حيث ما كانوا وصار ذلك منسوخا بقوله عز وجل وأولوا الأرحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله قلت وعندى ان هذه الاية غير منسوخة إن كان المراد به الميراث ايضا فانه متى أمكن الجمع بين الآيتين لا يجوز القول بنسخ أحدهما ومعنى قول ابن عباس كان المهاجرون والأنصار يتوارثون دون ذوى الأرحام ان ذوى الأرحام الكفار

[سورة الأنفال (8) : آية 73]

لا يرثون من المهاجرين لاختلاف الدينين وكان من أمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر لاختلاف الدارين حتى فتحت مكة وصارت دار اسلام انقطعت الهجرة واسلم اهل مكة كلّهم توارثوا بالارحارم وكان وجه أخذ الأنصاري ميراث المهاجر عقد الموالات وذلك سبب للارث عند ابى حنيفة رحمه الله إذا لم يكن للميت وارث من النسب او السبب بلا مانع من الإرث غير منسوخ واما أخذ المهاجر ميراث الأنصاري او الأنصاري ميراث المهاجر مع وجود قريب الميت مؤمنا بالمدينة فلم يثبت ولا دلالة في الاية عليه فلا يجوز القول بكون الاية منسوخة والله اعلم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ قرأ حمزة بكسر الواو تشبيها لها بالعمل والصناعة كالكتابة والرياسة كانه بتولية صاحبه يزاول عملا والباقون بفتح الواو مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا نفى لولايته من لم يهاجر من المؤمنين بمعنى النهى لاجل فسقهم بترك فريضة الهجرة ومنه يظهر انه يكره للمؤمن ولاية المؤمن الفاسق ما لم يتب وان كان المراد بالولاية الميراث فالاية حجة على كون اختلاف الدارين مانعا من الميراث وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ يعنى المؤمنين الذين لم يهاجروا استنصروكم فِي الدِّينِ على أعدائهم من اهل الحرب فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ فواجب عليكم ان تبصروهم عليهم إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فانه لا يجوز نقض العهد ولهذا لم ينصر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أبا جندل وقصته في سورة الفتح وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) تحذير عن تعدى حدود الشرع. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ والمقصود منه انه لا يجوز للمؤمنين موالاة الكفار ولا مناصرتهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم رواه الشيخان في الصحيحين واصحاب السنن الاربعة من حديث اسامة بن زيد وقد ذكرنا المسألة في سورة النساء في تفسير (فائدة) لا يجوز لاحد تولية نفسه وان يزعم لزوم فسق منه ومعهذا لا يجوز ولاية الفاسق فالعدل للولاية أفضل من نفسه وصالحى المؤمنين 12

[سورة الأنفال (8) : آية 74]

اية الميراث (مسئله) ذكر في المبسوط انه لو أغار قوم من اهل الحرب على اهل الدار من الكفار التي فيها المؤمن المستأمن لا يحل له قتال هؤلاء الكفار الا ان خاف على نفسه لان القتال لما كان تعريضا لنفسه على الهلاك لا يحل الا لاعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز دينه او لدفع الضرر عن نفسه وهو إذا لم يخف على نفسه فقتاله لا يكون الا لاهل الدار من الكفار لاعلاء كلمتهم وذا لا يجوز (مسئله) لو أغار اهل الحرب الذين فيهم مسلمون مستامنون على طائفة من المسلمين فاسروا ذراريهم فمروا بهم على أولئك المستأمنين وجب عليهم ان يقاتلوهم ويخلصوا المؤمنين من أيديهم لانهم لا يملكون رقابهم فتقريرهم في أيديهم تقرير على الظلم ولم يضمنوا ذلك بخلاف الأموال لانهم ملكوها بالاحراز عند أبي حنيفة وقد ضمنوا لهم ان لا يتعرضوا أموالهم وكذلك لو كان المأخوذ ذرارى الخوارج لانهم مسلمون إِلَّا تَفْعَلُوهُ يعنى ان لا تفعلوا ما أمرتم به من التواصل بينكم والتناصر وقطع العلائق بينكم وبين الكفار حتى قطع التوارث تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ يحصل فتنة عظيمة وهى ظهور الكفر وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) يعنى ضعف الإسلام بترك الجهاد واختلاط المسلمين الكفار. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الكاملون في الايمان الصادقون في ادعائهم إسلامهم حَقًّا حق ذلك الأمر حقا لانهم حققوا ايمانهم بتحصيل مقتضياته من الهجرة وبذل الأموال والأنفس في سبيل الله ونصرة الحق بخلاف من أمن ولم يهاجر ولم يجاهد فانه وان صح عليه اطلاق المؤمن حيث قال الله تعالى والذين أمنوا ولم يهاجروا لكنهم ليسوا كاملين في الايمان ولم يتحقق صدقهم ويحتمل نفاقهم ولا تكرار لان الاية الاولى للامر بالتواصل وهذه الاية واردة للثناء عليهم والوعد لهم بقوله لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الإسلام يهدم ما كان قبله والهجرة تهدم ما كان قبلها وقد مر من حديث عمرو بن العاص واعلم انه كان بعض

[سورة الأنفال (8) : آية 75]

المهاجرين اهل الهجرة الاولى وهم الذين هاجروا قبل الحديبية ومنهم من كان ذا الهجرتين الهجرة الى الحبشة والهجرة الى المدينة منهم عثمان وجعفر الطيار وغيرهم وكان بعضهم اهل الهجرة الثانية وهم الذين هاجروا بعد صلح الحديبية قبل فتح مكة والمراد بالآية الاولى اهل الهجرة الاولى لفضلهم ثم الحق بهم اهل الهجرة الثانية فقال. وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ اى بعد صلح الحديبية وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ وكذا من ايتسم بسمتهم فَأُولئِكَ مِنْكُمْ ايها المهاجرون الأولون والأنصار يعنى من جملتكم ومن جنسكم يتولى بعضكم بعضا ويرث بعضكم بعضا وَأُولُوا الْأَرْحامِ من المؤمنين بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ من الأجانب في التوارث وصلة الرحم وهذا لا ينافي ما سبق والمعنى ان المؤمن إن كان له ذا رحم فهو اولى به من سائر المؤمنين في التوارث فان كان له ذا رحم الذين ذكر الله تعالى في سورة النساء فهو اولى من غيره يعطى له الميراث على ما أوصله الله تعالى في كتابه وان لم يكن منهم أحد وكان ذو رحم من غيرهم فهو اولى من الأجانب بهذا الاية وبقوله صلى الله عليه واله وسلم الخال وارث من لا وارث له وقد ذكرنا الحديث في سورة النساء فهذه الاية حجة على الشافعي حيث قال يوضع ماله في بيت المال ان لم يكن للميت ذا فرض ولا عصبة ولا يرث غيرهم من ذوى الأرحام وقدم المسألة في سورة النساء والمؤمن ان لم يكن له أحد من اولى الأرحام مؤمنا فاوليائه جماعة المؤمنين بما سبق من الاية الاولى فيوضع ماله في بيت المال لجماعة المسلمين فِي كِتابِ اللَّهِ يعنى في حكم الله وقسمته او في اللوح المحفوظ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) ومنها المواريث والحكمة في اناطتها بالقرابة والإسلام والنكاح والولاء والله اعلم تمت تفسير سورة الأنفال من التفسير المظهرى ويتلوه إنشاء الله تعالى تفسير سورة البراءة.

فهرس للتفسير المظهرى سورة التوبة

فهرس للتفسير المظهرى سورة التّوبة إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ هذا كتاب جليل صنف لتذكرة الشيخ الشهيد سيّدنا ومولانا ميرزا جانجانان مظهر قدس سره الموسوم بالتّفسير المظهرى تأليف الشيخ الأكمل بيهقى الوقت علم الهدى مولانا القاضي محمد ثناء الله العثماني الحنفي المظهرى النقشبندي الفاني فتى رضى الله عنه وعن آبائه ومشائخه ولد رحمه الله في سنة ثلاث وأربعين بعد الف ومائة من الهجرة 1123 او قبله بسنة او سنتين بفانى فت ونشا بها فحفظ القرآن وعمره سبع سنين واشتغل بعده بأخذ العلوم النقلية والعقلية فتجر فيها ثم ارتحل الى دهلى فلزم العلامة البحر الفهامة مولانا الشاه ولىّ الله المحدث الدهلوي فسمع الحديث منه بتمامه وكماله وتفقه فيه وأخذ الطريقة العالية النقشبندية اولا من شيخ الشيوخ مولانا خواجه محمد عابد السنامى ثم انسلك بخدمة الشهيد مولانا الشيخ ميرزا جانجانان مظهر وأخذ منه الطريقة الاحمدية بكماله ثم رجع الى وطنه واقام به وأفنى عمره الشريف في نشر العلوم وفصل الخصومات وإفتاء الاسئلة والف كتبا عدة في التفسير والفقه وغيرهما تجاوز عددها من ثلاثين ولم يزل مقبلا متوجها الى الله وازديادا مجتهدا في الخيرات الى ان أدركته المنية فتوفى في غرة الرجب المرجب سنة الف ومائتين وخمس وعشرين من الهجرة 1225 على صاحبها التحية مكتبه رشيديّه سركى رود- كوئطه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ما ورد في أسمائها ووجه تسميتها- 131 ما ورد في وجه ترك البسملة- 132 تحقيق يوم الحج الأكبر- 134 حرمة الأشهر الحرم منسوخة أم لا- 135 قصة بعث ابى بكر أميرا للحج وعليا ليقرأ 136 على الناس سورة براءة- هل يجوز القتال في حرم مكة مسئله يجوز القتال 139 في الأشهر الحرم وفي الحرم ان بدأ المشركون بالقتال ما ورد في الصلاة والزكوة وجواز القتال على 143 منع الزكوة- فائدة ليكن غرض المسلمين في قتال الكفار إعلاء 144 كلمة الله ومنع الناس عن الشرك والمعاصي دون الملك والمال- حديث لا يزال من أمتي امة قائمة بامره- 146 مسئله مع الكفار عن دخول المسجد الحرام وعن تعميره 146 ما ورد في فضل ادامة العبادة والذكر في المساجد 148 وفي بناء المسجد وتزئينه وتنزيهه- مسئله دوام الذكر أفضل من الجهاد- 159 قصة استقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم 2151 قصة غزوة حنين- 154 ذكر شروع القتال وإعجاب المسلمين بالكثرة وفرارهم 156 ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم- 159 ذكر ارادة بعض المشركين الفتك برسول الله 160 صلى الله عليه وسلم وإسلامهم بعد روية المعجزة- فائدة في بيان كم بقي ثابتا مع رسول الله صلى 162 الله عليه وسلم ذكر رجوع المنهرمين- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من الحصى 164 نزول الملئكة والنصر من السماء- 164 ذكر قتل الكفار حتى الذراري والمنع من قتل 166 الذراري- ذكر فرار المشركين وفرار مالك بن عوف 166 رئيسهم الى الطائف- جمع غنايم وإرساله الى جعرانة- 167 ذكر حصار الطائف وعدم خروج أهلها للبراز 167 وقتالهم من وراء الحصن- ذكر من استشهد رجال من المسلمين- 167 ورجوعه صلى الله عليه وسلم بعد عشرين ليلة 168 او نحو ذلك الى جعرانة

مضمون صفحه ذكر قسمة غنايم حنين- 169 ذكر إتيان أم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيه 169 وأخته من الرضاعة وغيرهم تائبين ورد سباياهم ذكر إعطاء المؤلفة قلوبهم وتقسيم الأموال- 171 ووجد الأنصار واستمالتهم- 173 ذكر إتيان مالك بن عوف راس هوازن حسن إسلامه 175 ذكر نجاسة المشرك- مسئله هل يجوز للمشركين واهل الكتاب دخول 176 المسجد الحرام او الحرم او غير ذلك من المساجد وهل يجوز مقامهم في الحجاز- مسئله اختلاف العلماء في أخذ الجزية من 179 عبدة الأوثان ومن العرب- مسئله اختلاف في قدر الجزية- 184 مسئله لا يجوز أخذ الجزية من فقير غير معتمل- 186 مسئله يسقط الجزية بالإسلام- 187 مسئله الجزية يجب باول الحول وتسقط بالموت- 188 مسئله لا جزية على الصبيان والمجانين ولا 189 على النساء والعبيد- مسئله ما ينقض به عقد الذمة- 190 مسئله ينتقض العهد بذكر الله سبحانه 190 القرآن او الإسلام او النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يليق بهم- مسئلة إذا استعلى ذمى على مسلم على وجه 192 صار مستمرا عليه حل قتله حتى يرجع الى الذل والصغار قصة عزير عليه السلام- 192 قصة إضلال بولس النصارى- 193 مسئله بضم الذهب الى الفضة لاداء الزكوة 196 ما ورد ان النفقات الواجبة اكثر اجر او أفضل- 197 مسئله جواز كنز الأموال إذا ادى ما وجب فيها 198 وما قبل انه لا يجوز ذلك- حديث ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يودى 200 حقها الحديث- مسئله تحريم القتال في الأشهر الحرام- 201 ذكر النبي وأول من نسا- 203 ما ورد في فضل ابى بكر لمصاحبته في الغار- 207 قصة خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا- 208 حديث اللهم اجعل أبا بكر معى في درجتى في 210 الجنة الحديث- قصة أم معبد ومعجزة حلب الحائل العازب- 214 قصة سراقة والمعجزة 217 حديث عجبا «1» لامر المؤمن ان امره كله خير- 223 قصة خروجه صلى «2» الله عليه وسلم الى غزوة تبوك- 226 قصة تخلف جد بن قيس المنافق- 225 مصارف الصدقات- 231

_ (1) هذا مؤخر 12 (2) هذه مقدم والذي بعده 12

مضمون صفحه مسئله لا يجوز دفع الزكوة الى كافر- 231 مسئله الاولى ان يلتمس لدفع الزكوة سببا 240 يترجح المعطى له من غيره من الفقراء كالمسكين الذي لا يسال الناس والغازي والحاج والكاتب ومن اسباب المزية القرابة وما ورد في إعطاء 240 القريب لا يجوز دفع الزكوة الى من بينهما ولادا وزوجية- 240 وعند ابى يوسف يجوز دفع زكوتها الى زوجها- 241 ومن اسباب المزية الجوار وما ورد فيه- 243 ما ورد في وضع الزكوة في اى صنف شاء- مسئله حد الغنى الذي يمتنع أخذ الزكوة والذي 246 يمنع السؤال- مسئله الفقير إذا كان قويا قادرا بالكسب 249 هل يجوز دفع الزكوة اليه- مسئله لم يكن الصدقة حلالا للنبى صلى الله 250 عليه وسلم- مسئله الذين يحرم عليهم الصدقة خمسة بطون 252 مسئله يحرم الزكوة على مواليهم- 253 مسئله يكره نقل الصدقة من بلد الى بلد- 253 ما ورد في جنة عدن- 264 ما ورد في رضوان الله- 266 قصة ثعلبة بن حاطب- 269 قصة تصدق عبد الرحمن بن عوف وعاصم 271 ابن عدى وابو عقيل الأنصاري رضى الله عنهم ولمز النافقين- ما ورد في بكاء اهل النار في النار- 274 ما ورد في كراهة كثرة المضحك في الدنيا 275 واستحباب البكاء من خشية الله- ذكر موت عبد الله بن ابى المنافق 276 ما ورد في قبائل العرب- 279 ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم بالصلوة 281 على من تصدق- ذكر السابقين الأولين من المهاجرين 285 والأنصار ذكر أول من اسلم من المهاجرين واصحاب 285 العقبات الثلث من الأنصار مسئله اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 287 كلهم في الجنة- قصة ابى لبابة وأصحابه- 289 مسئله هل يجب الدعاء على الامام عند 292 أخذ الصدقة- مسئله هل يجوز الصلاة على غير الأنبياء 292 ذكر بناء مسجد الضرار- 295 وهدمه- 297

مضمون صفحه ذكر مسجد أسس على التقوى- 297 ما ورد في مسجد المدينة ومسجد قبا- 297 ما ورد في ثناء اهل قبا في الطهور- 299 قصة بيعة الأنصار في ليالى العقبة وخروج 302 المهاجرين الى المدينة- حديث أول من يدعى الى الجنة الحمادون 304 ما ورد في تفسير الصائمين في فضل الصوم 304 فالجهاد وطلب العلم- ما ورد في فضل الصلاة- 305 ذكر ظاهر الشريعة وباطنها- 305 ذكر موت ابى طالب- 306 مسئله لا يجوز القول بكون أبوي النبي 307 صلى الله عليه وسلم مشركين وما ورد في ذلك ما ورد في عسرة الصحابة وشدتهم في غزوة 311 تبوك ومعجزة الاستسقاء قصة لحوق ابى ذر الغفاري وابى خيثمة 312 بعد ما ابطأ في غزوة تبوك- قصة تخلف كعب بن مالك الشاعر وهلال 313 ابن امية ومرارة بن الربيع عن غزوة تبوك ونزول توبتهم- ما ورد في رضاء الله سبحانه بتوبة العبد- 314 ما ورد في فضل الجهاد 321 مسئلة الجهاد فرض على الكفاية وعند النفير 321 العام فرض عين ما ورد في فضل الانفاق في الجهاد- 321 ما ورد في فضل العلم والعلماء وما هو فرض عين 322 وفرض كفاية منه والعلم اللدني- مسئله يجب الجهاد على اهل كل ثغر بمن 325 يليهم من الكفار فان لم يكن بهم كفاية او تكاسلوا يجب على من يفرب منهم ثم وثم الى الشرق والغرب وكذا جهاز الميت والصلاة عليه ما قيل ان الايمان يزيد وينقص- 326 فصل في بقية قصة غزوه تبوك- 328 لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر تقنع 329 بردائه واسرع السير ونهى الناس عن شرب مائها والوضوء منه وقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا ان تكونوا باكين واهريقوا القدور واعلقوا العجين الذي عجن من مالها الإبل- المعجزات 330 منها الاخبار بهبوب الريح وما ورد فيه- 330 منها قصة ضلال الناقة والاخبار بها وبقول المنافق 330 وقصة اقتداء عليه السلام بعبد الرحمن بن عوف 330 قصة عارض الناس حية عظيمة وكان من الجن 330

منها قصة عين تبوك 330 منها قصة مرور الغلام بينه عليه السلام وبين 331 القبلة وهو في الصلاة فصار مقعدا بدعائه عليه السلام- منها قصة البركة في التمرات 331 منها اخبار النبي صلى الله عليه وسلم لموت 332 منافق بالمدينة- منها قصة نفر من سعد بن هزيم- 332 منها قصة صلوته عليه السلام على معاوية 333 ابن معاوية غائبا وقد مات بالمدينة وفيه ذكر فضل سورة الإخلاص 333 منها قصة نحى السمن قصة بعثه صلى الله عليه وسلم كتابا الى هرقل مع دحية الكلبي- وقصة بعث هرقل كتابه الى رسول الله صلى الله 333 عليه مع التنوخي وما فيه من المعجزات- وكتابه مع دحية الكلبي في الجواب 335 قصه بعثه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى أكيدر 335 بدومة وما فيها طن المعجزات وفتح حصنه- وقسمته غنائمه وقدوم أكيدر مع خالد على رسول 336 الله صلى الله عليه وسلم وما اهدى وقع الصلح على الجزية 336 قصة قدوم ملك ايلة يحنه وكتاب 337 الصلح له والجزية وقدوم اهل جربا واذرح وكتاب 337 الصلح والجزية با اهل مقنا- ذكر مدة إقامته صلى الله عليه وسلم 337 بتبوك ورجوعه الى المدينة- حديث النهى عن الخروج من ارض 337 فيها الطاعون وعن الدخول فيها- من المعجزات قصة البركة في الأزواد 338 بعد نفادها- منها قصة نبع الماء بين أصابعه عليه 339 السلام- ومنها قصة انخراق الماء من وشل 339 كان في وادي الناقة- منها قصة نبع الماء واتساعه وانبساطه 340 في القعب منها قصة جهد الظهور فقويت بدعائه 340 عليه السلام- ذكر قدومه عليه السلام المدينة 340 حديث للمدينة هذه طابة- 340 حديث لا يزال عصابة من أمتي 340 يجاهدون على الحق اللهم صلى على 340 محمد وآله وأصحابه أجمعين- 5- (فهرس تمام شد)

سورة التوبة

نحمدك يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انّك مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شيء قدير أنت ربّنا وربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ ونصلىّ ونسلّم على رسولك وحبيبك سيّدنا ومولانا محمّد وعلى جميع النّبيّين والمرسلين وعلى عبادك الصّالحين 5. سورة التّوبة مدنيّة وهى مائة وتسع وعشرون اية او ماية وثلثون اية عن «1» ابى عطية الهمداني قال كتب عمر بن الخطاب تعلموا سورة براءة وعلموا نساءكم سورة النور قلت لان في البراءة الحث على الجهاد وفي النور الحث على الحجاب وعن «2» عثمان بن عفان قال كانت البراءة والأنفال تدعيان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم القرينتين فلذلك جمعتهما في السبع الطوال 5 منه ولها اسماء سميت براءة لانها براءة عن الكافرين وسورة التوبة لان فيها توبة على المؤمنين والمقشقشة أخرجه ابو الشيخ وابن مردوية عن زيد بن اسلم عن عبد الله بن عمر لانها تقشقش اى بترأ من النفاق والمبعثرة أخرجه ابن المنذر عن محمد بن إسحاق لما كشفت عن سرائر الناس والبحوث أخرجه ابن ابى حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابى رشد الحراني عن المقداد بن الأسود والمثيرة أخرجه ابن المنذر وابو الشيخ وابن ابى حاتم عن قتادة لانها نبعثر النفاق وبتحت عنها وتثيرها وتظهر عوراتهم وتخفر عنها والمنكلة والمدمدمة وسورة العذاب اخرج ابن ابى شيبة والطبراني وابو الشيخ والحاكم وابن مردوية عن حذيفة رضى الله عنه قال التي تسمونها سورة التوبة هى سورة العذاب والله ما تركت

_ (1) عن ابى عطية للهمدانى قال كتب عمر بن الخطاب تعلموا سوره براءة وعلموا نسائكم سورة النور قلت لان في البراءة الحث على الجهاد وفي النور الحث على الحجاب 12 منه (2) وعن عثمان بن عفان قال كانت البراءة والأنفال تدعيان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم القرينتين فلذلك جمعتهما في السبع الطوال 12 منه-

أحد الا نالت فيه واخرج سورة العذاب ايضا ابو عوانة وابن المنذر وابو الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس عن عمرو الفاضحة لكونها فاضحة للمنافقين قال البغوي قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس سورة التوبة قال هى الفاضحة ما زالت تنزل وتنبئهم حتى ظنوا انها لم تبق أحدا منهم الا ذكرها فيها قال قلت سورة الأنفال قال تلك سورة بدر قال قلت سورة الحشر قال قل سورة النضير وفي وجه ترك البسملة عنها روى البغوي بسنده واحمد وابو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قلت لعثمان رضى الله عنه ما حملكم على ان عمدتم الى الأنفال وهى من الثاني وإلى براءة وهى من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال فقال عثمان رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فاذا نزل عليه الشيء يدعوا بعض من كان يكتب عنده فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكانت الأنفال مما نزلت بالمدينة وكانت براءة من اخر ما نزلت وفي لفظ وكانت الأنفال من أوائل ما نزلت بالمدينة وكانت البراءة من اخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لها انها منها فمن ثم فرنت بينهما ولم اكتب سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال وقيل وجه ترك البسملة انها نزلت لرفع الامان وبسم الله الرّحمن الرّحيم أمان كذا اخرج ابو الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس قال سالت على ابن ابى طالب رضى الله عنه لم لم يكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم في براءة قال لان بسم الله الرّحمن الرّحيم أمان وبراة نزلت بالسيف وقيل اختلف اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم الأنفال وبراءة سورة واحدة نزلت في القتال ويعد السابعة من الطوال وهى سبع وقال بعضهم هما سورتان فتركت بينهما فرجة لقول من قال هما سورتان وتركت بسم الله الرحمن الرحيم لقول من قال هما سورة واحدة قال البغوي قال المفسرون لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك كان المنافقون يرجعون الأراجيف يعنى يقولون أقوالا يضطرب بها المسلمون اضطرابا

[سورة التوبة (9) : آية 1]

شديدا وجعل المشركون ينقضون عهودا كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وذلك لزعهم ان المسلمين لا يقاومون قتال قيصر ملك الشام فامر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بنقض عهودهم فقال. بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ «1» قال الزجاج يعنى قد برئ الله ورسوله اعطائهم العهود والوفاء بها إذا نكثوا فقوله براءة خبر مبتدا محذوف اى هذه براءة وهى ضد المعاهدة وهى مصدر كالنشاءة والدناءة ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف تقديره واصلة من الله ورسوله ويجوز ان يكون براة مبتدأ لتخصيصها بصفتها خبره إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ اى عاهدتموهم ايها الرسول والمؤمنون مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) بيان للموصول علقت البراءة بالله ورسوله والمعاهدة بالرسول والمؤمنين للدلالة على انه يجب عليهم نبذ عهودهم. فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ فيه التفات حيث خاطب المشركين بعد ما ذكرهم على الغيبة او المعنى فقل لهم سيحوا اى سيروا في الأرض مقبلين ومدبرين امنين غير خائفين أحدا من المسلمين والسياحة السير على مهل أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ اى غير فائتين ولا سابقين وان أمهلكم وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) اى مذلهم بالقتل والاسر في الدنيا والعذاب في الآخرة قال الزهري الأشهر الاربعة شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان الاية نزلت في شوال وقال اكثر المفسرين ابتدائها يوم الحج الأكبر وانقضائها الى عشر من شهر ربيع الاخر لقوله تعالى. وَأَذانٌ اى اعلام فعال بمعنى الافعال كالامان والعطاء ومنه الاذان للصلوة يقال اذنته فاذن اى أعلمته فعلم وأصله من الاذن اى أوقعت في اذنه ورفعه كرفع براءة على الوجهين

_ (1) وقرئ رسوله بالجر للجوار عن ابن ابى مليكة قال قدم أعرابي في زمان عمر بن الخطاب فقال من يقرأني عما انزل الله على محمد فاقراه براءة فقال ان الله برئ من المشركين ورسوله بالجر فقال الاعرابى لقد برئ الله من رسوله ان يكن الله برئ من رسوله فانا ابرأ منه فتبع عمرو قالة الاعرابى ابترا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا امير المؤمنين انى قدمت المدينة ولا علم لى بالقران فسالت من يقرائنى فاقرانى هذه السورة براة فقال الله برى من المشركين ورسوله وقال الاعرابى وانا والله ابرا مما برا لله منه فامر محمد بن الخطاب ان لا يقرا الناس الا عالم باللغة وامر الأسود فوضع النحو 12. [.....]

مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ «1» الْأَكْبَرِ قال البغوي روى عكرمة عن ابن عباس انه يوم عرفة قال وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عمرو ابن الزبير «2» رضى الله عنهم وهو قول عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن المسيب قلت ومستند هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم الحج عرفة أخرجه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم والدار قطنى والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن معمر واخرج ابن ابى حاتم عن مسور ابن مخرمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم عرفة وهذا يوم الحج الأكبر قال البغوي قال جماعة هو يوم النحر روى عن يحيى بن الخراز قال خرج على رضى الله عنه يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبانة فجاء رجل أخذ بلجام دابته وساله عن يوم الحج الأكبر فقال يومك هذا خل سبيلها اخرج الترمذي عن على قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحج الأكبر قال وبروى ذلك عن عبد الله بن ابى اوفى والمغيرة ابن شعبة وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير والسدى قلت واخرج ابو داود والحاكم وصححه من حديث ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الأكبر قال البغوي وروى ابن جريح عن مجاهد يوم الحج الأكبر حين الحج ايام منى كلها وكان سفيان الثوري يقول يوم الحج الأكبر ايام منى كلها مثل يوم صفين ويوم الجمل ويوم بعاث يراد به الحين والزمان فان هذه الحروب دامت أياما كثيرة ووصف الحج بالأكبر لان العمرة يسمى بالحج الأصغر كذا قال الزهري والشعبي وعطاء والله اعلم قالوا هذه الآية تدل على ان ابتداء الأشهر الاربعة يوم الحج الأكبر قلت ليس في آية الاذان الواقع يوم الحج الأكبر التقييد باربعة أشهر حتى يدل على ان ابتداء الأشهر من ذلك اليوم بل قال الله تعالى وأذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الأكبر أَنَّ اللَّهَ اى بان الله بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 5 وَرَسُولُهُ قرأ يعقوب رسوله بالنصب عطفا على اسم ان او لان الواو بمعنى مع والباقون بالرفع

_ (1) وعن الحسن انه سئل عن يوم الحج الأكبر فقال ذاك عام حج فيه ابو بكر استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج بالناس واجتمع فيه المسلمون والمشركون فلذلك سمى الحج الأكبر ووافق عبد اليهود والنصارى 12 (2) عن الشعبي ان أبا ذر والزبير بن العوام سمع أحدهما من النبي صلى الله عليه وسلم انه قرأها يوم الجمعة على المنبر فقال لصاحبه متى أنزلت هذه الاية فلما قضى صلوته قال له عمر بن الخطاب لا جمعة لك فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك فقال صدق عمر 12

عطفا على المستكن في برئ او على الابتداء والخبر محذوف اى ورسوله برئ وهذا تعميم بعد تخصيص فان الاية الاولى فيها براءة مختصة بالذين عوهدوا والمراد به الناكثين منهم بدليل الاستثناء الآتي وفي هذه الآية براءة عامة الى المشركين أجمعين عاهدوا ثم نكثوا او لم يعاهدوا منهم ولذا قال الى الناس فلا تكرار غير ان الذين عاهدوا ولم ينكثوا خارجون عن هذه البراءة ايضا لقوله تعالى فاتموا إليهم عهدهم وليس في هذه الاية الأمر بالسياحة اربعة أشهر حتى يلزم اعتبار ابتداء المدة من هذا اليوم وعندى ان قوله تعالى براءة من الله ورسوله وان الله برئ وان كانت نازلة في المشركين الموجودين في ذلك الوقت الناكثين عهودهم في غزوة تبوك وغير المعاهدين منهم لكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد فالآية محكمة ناطقة لوجوب قتال الناكثين وغير المعاهدين ابدا فالمراد بقوله تعالى فسيحوا في الأرض اربعة أشهر من كل سنة وهى الأشهر الحرم بدليل قوله تعالى فاذا انسلخ الأشهر الحرم الآية وقوله تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها اربعة حرم فان قيل قال قوم القتال في الأشهر الحرم كان كبيرا ثم نسخ بقوله تعالى قاتلوا المشركين كافة كانه يقول فيهن وفي غيرهن وهو قول قتادة وعطاء الخراسانى والزهري وسفيان الثوري وقالوا لان النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف وحاصر في شوال وبعض ذى القعدة قلنا هذا لقول عندى غير صحيح لان قوله تعالى قاتلوا المشركين كافة من تتمة قوله تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ولا بد في الناسخ من التراخي والقول بالتخصيص هاهنا غير متصور والقول بان معنى قوله تعالى قاتلوا المشركين كافة فيهن وفي غيرهن باطل لانه يدل على تعميم الافراد دون تعميم الزمان وحصاره صلى الله عليه وسلم الطائف في بعض ذى القعدة ثابت بأحاديث الآحاد ولا يجوز نسخ الكتاب بها كيف وسورة التوبة نزلت بعد غزوة الطائف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة

يوم النحر في حجة الوداع قبل وفاته بثمانين يوما ان الزمان استدار كهيئة يوم خلق السّموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها اربعة حرم ثلث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان الحديث رواه الشيخان في الصحيحين من حديث ابى بكرة ويحتمل ان يكون جواز حصار الطائف في ذى القعدة مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم أبيح له القتال فيها كما أبيح له القتال في الحرم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السّموات والأرض فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة وانه لم يحل القتال لاحد قبلى ولم يحل لى الا ساعة من نهار الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس وفي الصحيحين من حديث ابى شريح العدوى فان أحد ترخص بقتال رسول الله فيها فقولوا له ان الله قد اذن لرسوله ولم يأذن لكم وانما اذن لى فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس- (قصّة) لما نزلت هذه في شوال سنة تسع بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ليقرأها على الناس في الموسم روى النسائي عن جابر انه صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر على الحج فاقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب «1» بالصبح فلما استوى للتكبير سمع الرغوة خلف ظهره ووقف عن التكبير فقال هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء لقد بد الرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج فلعله ان يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلى معه فاذا على عليها فقال له ابو بكر امير أم رسول قال لا بل رسول أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة اقرأها على الناس في مواقف الحج «2» فقدمنا مكة فلما كان قبل يوم التروية بيوم قام ابو بكر فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم حتى إذا فرغ قام على فقرأ على

_ (1) تثويب الصلاة خير من النوم گفتن در أذان فجر 12. (2) عن عروة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الناس سنة تسع وكتب سنن الحج وبعث معه على بن ابى طالب بآيات من براءة فامره ان يوذن بمكة وبمنى وبعرفات والمشاعر كلها بانه بريت ذمة الله وذمة رسوله من كل مشرك حج بعد العام او طاف بالبيت عريانا وأجل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد اربعة أشهر رسار على راحلة والناس كلهم يقرأ عليهم القران براءة من الله ورسوله وقرأ عليهم يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد واخرج الترمذي عن انس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة مع ابى ثم دعاه فقال لا ينبغى لاحد ان يبلغ هذا الا رجل من أهلي فدعا عليا فاعطاه إياها وعن سعد بن ابى قاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ببراءة الى اهل مكة ثم بعث عليا على اثره فاخذنا منه وقال ابو بكر وجد في نفسه قال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر لا يودى عنى الا انا او رجل منى 12.

الناس براءة حتى ختمها ثم خرجنا معه حتى إذا كان يوم عرفة قام ابو بكر فخطب الناس فعلمهم مناسكهم حتى إذا فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ثم كان يوم النحر فافضنا فلما رجع ابو بكر خطب الناس فحدثهم عن إفاضتهم وعن نحرهم وعن مناسكهم فلما فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها فلما كان يوم النفر الاول قام ابو بكر فخطب الناس فحدثهم كيف ينفرون وكيف يرمون يعلمهم مناسكهم فلما فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها قال البغوي بعث أبا بكر تلك السنة أميرا على الموسم ثم بعث بعده عليا على ناقته العضباء ليقرأ على الناس صدر سورة براءة وامره ان يوذن بمكة ومنى وعرفات ان قد برئت ذمة الله وذمة رسوله من كل مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فرجع ابو بكر فقال يا رسول الله بابى أنت وأمي اانزل في شانى شىء قال لا ولكن لا ينبغى لاحد ان يبلغ هذا الا رجل من أهلي اما ترضى يا أبا بكر انك كنت معى في الغار وانك صاحبى على حوضى قال بلى يا رسول الله فسار ابو بكر رضى الله عنه أميرا على الحج وعلى رضى الله عنه ليؤذن براءة فلما كان قبل يوم التروية بيوم خطب ابو بكر الناس وورثهم عن مناسكهم واقام للناس الحج والعرب في تلك السنة على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية من الحج حتى إذا كان يوم النحر قام على ابن ابى طالب رضى الله عنه فاذن في الناس بالذي امر وقرأ عليهم سورة براءة «1» وقال زيد ابن تبغ سالنا عليا باى شىء بعثت في الحجة قال بعثت بأربع لا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو الى مدته ومن لم يكن له مدة فاجله اربعة أشهر ولا يدخل الجنة الا نفس مومنة ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا روى الشيخان في الصحيحين عن حميد بن عبد الرحمن عن ابى هريرة قال بعثني ابو بكر رضى الله عنه في تلك الحجة في مؤذنى يوم النحر يؤذن بمنى الا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان قال حميد بن عبد الرحمن ثم اردف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فامره ان يؤذن ببراءة قال ابو هريرة فاذن معنا على في اهل منى يوم النحر لا يحج بعد

_ (1) واخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وامره ان يناوى بهؤلاء الكلمات ثم اتبعه عليا وامره ان يناوى بهؤلاء الكلمات فانطلقا فحجا فقام على في ايام التشريق فنادى ان الله برى من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض اربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريانا ولا يدخل الجنة الا مومن فكان على ينادى فاذا عيى قام ابو بكر فناوى بها 12

[سورة التوبة (9) : آية 4]

العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان- (فائدة) هذه القصة صريح في ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعزل أبا بكر عن امارة الحج وانما بعث عليا ينادى بهذه الآيات وكان السبب في هذا ان العرب تعارفوا فيما بينهم في عقد العقود ونقضها ان لا يتولى ذلك الا سيدهم او رجل من رهط فبعث عليا ازاحة للعلة لئلا يقولوا هذا خلاف ما نعرفه فينا في نقص العهود وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا ينبغى لاحد ان يبلغ هذا الا رجل من أهلي اخرج هذا اللفظ احمد والترمذي وحسنه من حديث انس رضى الله عنه وما ذكرنا من القصة بعضها في سند احمد وبعضها في الدلائل للبيهقى من حديث ابن عباس وبعضها في تفسير ابن مردوية من حديث ابى سعيد الخدري وغيره رضى الله عنهم فَإِنْ تُبْتُمْ رجعتم من الكفر وأسلمتم فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فى الدنيا والآخرة من كل شىء وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن التوبة والإسلام فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ لا تفوتونه طلبا ولا تعجزونه هربا وتقدير الكلام وان توليتم يعذبكم الله في الدنيا والآخرة لانكم غير معجزيه وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) بالقتل والاسر في الدنيا وبالنار في الآخرة. إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً من عهدهم الذين عاهدتموهم عليه وَلَمْ يُظاهِرُوا اى لم يعاونوا عَلَيْكُمْ أَحَداً من أعدائكم قال البغوي هم بنو حمزة من بنى كنانة وكان قد بقي من مدتهم تسعة أشهر وهم لم ينقضوا العهد فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ اى الى تمام مدتهم الذي عاهدتموهم عليه ولا تجروهم مجرى الناكثين ولا مجرى من لا عهد بينكم وبينهم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) تعليل وتنبيه على ان إتمام عهدهم من باب التقوى قوله تعالى الا الذين عاهدتم إلخ استثناء من المشركين بمعنى الاستدراك كانه قيل انما أمرتم بنبذ العهد الى الناكثين او بقتال من لا عهد بينكم وبينهم من المشركين لا بقتال المعاهدين مدة معلومة او مؤيدة غير ناكثين.

[سورة التوبة (9) : آية 5]

فَإِذَا انْسَلَخَ اى انقضى واصل الانسلاخ خروج الشيء مما هو لابسه من سلخ الشاة الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ قال مجاهد وابن إسحاق هى شهور العهد فمن كان له عهد فعهده اربعة أشهر ومن لا عهد له فاجله الى انقضاء المحرم خمسين يوما وقيل لها حرم لان الله حرم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرض لهم فان قيل هذا القدر بعض الأشهر الحرم والله تعالى يقول فاذا انسلخ الأشهر قيل لما كان هذا القدر متصلا بما مضى اطلق عليه اسم الجميع ومعناه مضت المدة المعلومة المضروبة التي يكون مع انسلاخ الأشهر الحرم ولا يخفى ما فيه من التكلف والظاهر ما قلنا ان المعنى إذا انسلخ الأشهر الحرم من كل سنة فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ غير من عوهدوا ولم ينقضوا حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ قال اكثر المفسرين في تفسيره في حل او حرم وهذا يناقض قوله صلى الله عليه وسلم ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة وانه لم يحل القتال لاحد قبلى ولا يحل لى الا ساعة من النهار وقوله صلى الله عليه وسلم فان أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له ان الله قد اذن رسوله ولم يأذن لكم وانما اذن لى فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس والحديثان في الصحيحين وقد ذكرناهما من قبل وقوله عليه السلام الى يوم القيامة يمنع كونه منسوخا فالاولى ان يقال عموم الامكنة المفهوم من هذه الآية مخصوص بما سوى الحرم- (مسئله) القتال في الحرم والأشهر الحرام يحل ان بدأ المشركون بالقتال لقوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم الآية وقد ذكرنا في سورة البقرة وَخُذُوهُمْ اى اسروهم والأخيذ الأسير وَاحْصُرُوهُمْ قال ابن عباس يريد ان تحصنوا فاحصروهم اى امنعوهم من الخروج حتى يضطروا الى القتل او الإسلام او قبول الجزية وقيل امنعوهم دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ على كل طريق والمرصد الموضع الذي يرصد فيه العدو من رصدت الشيء ارصده إذا ترقبته يريد كونوا لهم رصدا لتاخذوهم من كل وجه توجهوا ولا تتركوهم ينبسطوا في البلاد ويدخلوا مكة

[سورة التوبة (9) : آية 6]

فَإِنْ تابُوا من الشرك وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ يعنى قبلوا اقام الصلاة وإيتاء الزكوة فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن تاب رَحِيمٌ (5) قال الحسن ابن فضيل هذه الآية نسخت كل اية في القران فيها ذكر الاعراض والصبر على أذى الأعداء. وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الذين امرتك بقتالهم وقتلهم أحد مرفوع بفعل مضمر يفسره اسْتَجارَكَ استامنك وطلب منك جوارك فَأَجِرْهُ فامنه حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ويتدبره فيظهر له صدقك باعجازه ويعلم ما له وما عليه من الثواب ومن العقاب ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ اى موضع امنه ودار قومه ان لم يسلم فان قاتلك بعد ذلك فقاتله واقتله ان قدرت عليه ذلِكَ الا من او الأمر بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) الحق من الباطل فلا بد لهم من سماع كلام الله تعالى حتى يعلموا قال الحسن هذه الآية محكمة الى يوم القيامة. كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ لا خبر يكون كيف وقدم للاستفهام او للمشركين او عند الله وهو على الأولين صفة للعهد او ظرف له او ليكون وكيف على الآخرين حال من العهد وللمشركين ان لم يكن خبرا فتبين والاستفهام للانكار والاستبعاد على وجه التعجيب استبعاد لان يكون لهم عهد ولا ينكثوه مع كمال عنادهم وفسقهم او لان يفى الله ورسوله عهدهم وهم ينكثون إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ محله النصب على الاستثناء او الجر على البدل وجاز ان يكون الاستثناء منقطعا إن كان المراد بالمشركين الناكثين منهم اى ولكن الذين عدهدتم منهم عند المسجد الحرام فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ على العهد فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ على الوفاء وما يحتمل الشرطية والمصدرية قال ابن عباس المراد بالدين عاهدتم عند المسجد الحرام قريش وقال قتادة هم اهل مكة الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية امر الله رسوله بالتبرص في أمرهم ان استقاموا على العهد يستقام لهم على الوفاء فلم يستقيموا ونقضوا العهد وأعانوا بنى بكر على خزاعة فغزا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح مكة ثم جعل لهم الامان وضرب لهم بعد الفتح اربعة

[سورة التوبة (9) : آية 8]

أشهر يختارون من أمرهم ما شاؤا الا ان يسلموا واما ان يلحقوا باى بلاد شاؤا فاسلموا قبل الاربعة الأشهر وقال السدى والكلبي وابن إسحاق هم من قبايل بكر بنو خزيمة وبنو مدلج وهو ضمرة وبنو الديل وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية فلم يكن نقض الا قريش وبنو الديل من بنى بكر فامر بإتمام العهد لمن لم ينقض وهم بنو ضمرة قال البغوي هذا القول اقرب للصواب لان هذه الآية نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكة فكيف يقول بشئ قد مضى فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم فانما هم الذين قال الله عز وجل الا للذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقضوكم شيئا كما نقضكم قريش ولم يظاهروا عليكم أحدا كما ظاهرت قريش بنو بكر على خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) والاستقامة على إيفاء العهد من التقوى. كَيْفَ تكرار لاستبعاد ثباتهم على العهد او بقاء حكم إيفاء عهدهم مع التنبيه على علة الاستبعاد وحذف الفعل للعلم به يعنى كيف يكون لهم عهد وحالهم انه وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ اى يظفروا بكم لا يَرْقُبُوا اى لا يحفظوا وقال الضحاك لا ينظروا وقال قطرب لا يراعوا فِيكُمْ إِلًّا قال قتادة حلفا وقال ابن عباس والضحاك قرابة وقال يمان رحما وقال السدى هو العهد وكذلك الذمة الا انه كرر لاختلاف اللفظين وقيل ربوبيته قال بيضاوى لعله اشتق للحلف من الال وهو الجوار لانهم كانوا إذا تحالفوا رفعوا أصواتهم وشهروه ثم استعير للقرابة لانها تعقد بين الأقارب ما لا يعقد الحلف ثم لربوبيته ولتربيته وقيل اشتقاقه من ال الشيء إذا حدده أو أل البرق إذا لمع وقال ابو مجيز ومجاهد الال هو الله لفظ عبرى وكان عبيد بن عمير يقرأ جبرال بالتشديد يعنى عبد الله وفي الخبران ناسا قدموا على ابى بكر من قوم مسيلمة الكذاب فاستقرأهم ابو بكر كتاب مسيلمة فقرؤا فقال ابو بكر رضى الله عنه ان هذا الكلام لم يخرج من ال يعنى الله عز وجل والدليل على هذا التأويل قرأة عكرمة لا يرقبون في مؤمن الا يعنى الله عز وجل مثل جبرئيل وميكائيل وفي القاموس الال بالكسر العهد والحلف والجار والقرابة والأصل الجيد والمعدن والحقد والعداوة والربوبية

[سورة التوبة (9) : آية 9]

واسم الله تعالى وكل اسم آخره ال أو إيل فمضاف الى الله تعالى والوحى والامان والجزع عند المصيبة وَلا ذِمَّةً عهدا او حقا يعاب على إغفاله يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ اى يقولون أقوالا موجبة مرضائكم نفاقا وتقية من الوعد بالايمان والطاعة ووفاء العهد وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ ما يتفوهون به ويستبطنون الكفر والمعاداة بحيث ان ظفروا خالفوا ما تفوهوا به جملة يرضونكم مستانفه لبيان أحوالهم المنافية لثباتهم على العهد المقتضية لعدم مراقبتهم عند الظفر ولا يجوز جعله حالا من فاعل لا يرقبوا فانهم بعد ظهورهم لا يرضون المؤمنين وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) المراد بالفسق هاهنا نقض العهد وكان بعض المشركين يوفون العهود ويستنكفون من نقضها ولذلك خصص الفسق بأكثرهم دون كلهم. اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ استبدلوا بالقرآن ثَمَناً قَلِيلًا عوضا يسيرا من اعراض الدنيا قال البغوي ذلك انهم نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم باكلة أطعمهم ابو سفيان قال مجاهد اطعم ابو سفيان حلفاؤه فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ يعنى منعوا الناس من الدخول في دين الله والفاء للدلالة على ان اشترائهم أداهم الى الصد قال ابن عباس وذلك ان اهل الطائف امددهم بالأموال ليقووا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) اى عملهم هذا وما دل عليه قوله. لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً فهو تفسير لقوله ما كانوا يعملون لا تكرير وقيل الاول عام في المنافقين وهذا خاص بالذين اشتروا وهم اليهود والاعراب الذين جمعهم ابو سفيان وأطعمهم وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) المجاوزون عن الحد في الشرارة. فَإِنْ تابُوا عن الشرك وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ اى فهم إخوانكم فِي الدِّينِ لهم ما لكم وعليهم ما عليكم وَنُفَصِّلُ الْآياتِ تنبيها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) اعتراض للحث على تأمل ما فصل من احكام المعاهدين والتائبين قال ابن عباس حرمت هذه الاية دماء اهل القبلة وقال ابن مسعود أمرتم بالصلوة والزكوة فمن لم يزك فلا صلوة له روى البخاري وغيره عن ابى هريرة قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابو بكر وكفر من كفر من العرب

[سورة التوبة (9) : آية 12]

فقال عمر كيف تقاتل الناس وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فمن قالها فقد عصم منى ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على الله فقال ابو بكر والله لا قاتلن من فرق بين الصلاة والزكوة فان الزكوة حق المال والله لو منعونى عناقا كانوا يؤدونها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال عمر فو الله ما هو الا ان قد شرح الله صدر ابى بكر فعرفت انه الحق وعن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صلوتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله رواه البخاري وفي الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويوتوا الزكوة فاذا فعلوا ذلك عصم منى دمائهم وأموالهم الا بحق الإسلام وحسابهم على الله الا ان مسلما لم يذكر وحسابهم على الله. وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ اى نقضوا عهودهم مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ كما نكث كفار قريش وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ بالتكذيب وتقبيح الاحكام قال البغوي هذا دليل على ان الذي إذا طعن في دين الإسلام ظاهرا لا يبقى له عهد قلت وهذا الاستدلال ضعيف فان الشرط مجموع الامرين نقض العهد والطعن في الدين فلا يترتب الحكم على أحدهما فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ قرأ الكوفيون وابن عامر بهمزتين محققتين حيث وقع وفي رواية عن هشام انه ادخل بينهما الفا والباقون بهمزة وياء مختلسة الكسرة من غير مد وضع أئمة الكفر موضع الضمير والمعنى فقاتلوهم للدلالة على انهم صاروا بذلك ذوى الرياسة والتقدم في الكفر احقا بالقتل وقيل المراد بأئمة الكفر رؤس المشركين وقادتهم وهم اهل مكة ووجه تخصيصهم بالذكر اما ان قتلهم أهم وهم أحق به او للمنع عن مراقبتهم قال ابن عباس نزلت في ابى سفيان بن حرب والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو عكرمة بن ابى جهل وسائر روساء قريش يومئذ الذين نقضوا العهد وهم الذين هموا بإخراج أهلها بعد إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ اى لا عهود لهم جمع يمين يعنى لا يجب عليكم وفاء عهودهم بعد ما نكثوا وقال قطرب لا وفاء لهم بالعهد وقرأ لا ايمان لهم بكسرة الهمزة اى

[سورة التوبة (9) : آية 13]

لا تصديق لهم ولا دين لهم وقيل هو من الامان اى لا تؤمنوا هم بل اقتلوهم حيث وجدتموهم لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) متعلق بقاتلوا وجملة انهم لا ايمان لهم معترضة بينهما اى ليكن غرضكم في المقاتلة ان ينتهوا عما هم عليه من الشرك والمعاصي لا إيصال الاذية بهم كما هو طريقة الموذين ولا إحراز المال والملك كما هو داب السلاطين ثم حث المسلمين على القتال فقال. أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ يعنى نقضوا عهودهم وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ قيل المراد به اليهود وغيرهم من المنافقين وكفار المدينة نكثوا عهودهم حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك وهوا بإخراجه صلى الله عليه وسلم من المدينة حيث قالوا لعنهم الله ليخرجن الأعز منها الأذل وَهُمْ بَدَؤُكُمْ بالمعاداة حيث عاونوا المشركين عليه أَوَّلَ مَرَّةٍ قبل ان يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا اظهر لان السورة نزلت بعد غروة تبوك وقد اسلم اهل مكة قبل ذلك وايضا هموا بإخراج الرسول يدل على انهم هموا بذلك ولم ينالوا به بخلاف اهل مكة فانهم هموا قتله واضطروه الى الخروج فاخرجوا كما قال الله تعالى وإخراج اهله منه اكبر عند الله وقال بعض المفسرين المراد بالذين نكثوا ايمانهم الذين نقضوا صلح الحديبية وأعانوا بنى بكر على خزاعة وهموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة حين اجتمعوا في دار الندوة وهم بدأوكم بالقتال أول مرة لانه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعوة والزام الحجة بالكتاب والتحدي به فعدلوا عن معارصته الى المعاداة والمقاتلة حتى اجتمعوا في دار الندوة واجمعوا على قتله او لان أبا جهل قال يوم بدر بعد ما سلم العير لا ننصرف حتى نستاصل محمدا وأصحابه او لانهم بدأوا بقتال خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا التأويل لا يتصور الا إذا كان نزول هذه الآيات قبل فتح مكة وحينئذ يستقيم ما قال ابن عباس ان قوله تعالى وان نكثوا ايمانهم وطعنوا في دينكم نزلت في ابى سفيان وغيره المذكورين من قبل وقوله تعالى الا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا المراد به قريش امر الله رسوله بالتربص في أمرهم ان استقاموا على العهد يستقام لهم لكنهم لم يستقيموا والله اعلم أَتَخْشَوْنَهُمْ أتتركون قتالهم خشية ان ينالكم مكروه منهم استفهام للانكار يعنى

[سورة التوبة (9) : الآيات 14 إلى 15]

لا ينبغى ذلك فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فى ترك امتثال امره فى قتال أعداءه والفاء للسببية فان كون الله تعالى أحق ان يخشى سبب للانكار على الخشية من غيره إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) شرط استغنى عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنتم مؤمنين فلا تخشوا الا الله فان مقتضى الايمان هذا لان من يعتقد ان خالق الأشياء الجواهر والاعراض وافعال العباد ليس الا الله وان أحدا لا يستطيع النفع والضرر الا بمشية الله تعالى وإرادته لا يخشى أحدا غيره تعالى ثم لما وبخهم على ترك القتال جرد لهم الأمر به فقال. قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ قتلا وَيُخْزِهِمْ ويذلهم اسرار وقهرا وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وعد لهم بالنصر والتمكن من قتل أعدائهم وإذلالهم وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ يعنى كربها ووجدها بمعونة قريش بنى بكر عليهم اخرج ابو الشيخ عن قتادة قال ذكر لنا ان هذه الآية نزلت في خزاعة حين جعلوا يقتلون بنى بكر بمكة واخرج عن عكرمة قال نزلت هذه الآية فى خزاعة واخرج عن السدى ويشف صدور قوم مؤمنين قال هم خزاعة خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشف صدورهم من بنى بكر وفي الآية معجزات وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ابتداء اخبار بان بعضهم يتوب عن كفره وكان ذلك ايضا معجزة وقد هدى الى الإسلام كثيرا من قريش مثل ابى سفيان وعكرمة بن ابى جهل وسهيل بن عمر وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما كان وما يكون حَكِيمٌ (15) لا بفعل الا بمقتضى الحكمة قال البغوي روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح ارفعوا لا خزاعة من بنى بكر الى العصر. أَمْ حَسِبْتُمْ خطاب للمومنين حين كره بعضهم القتال وقيل المنافقين وأم منقطعة بمعنى بل والهمزة والاستفهام للتوبيخ على الحسبان أَنْ تُتْرَكُوا فلا تومروا بالجهاد ولا تمتحنوا ليظهر الصادق من الكاذب وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ يعنى لم يتحقق منكم من جاهد في سبيل الله نفى العلم وأراد نفى المعلوم للمبالغة فانه كالبرهان عليه من حيث ان تعلق العلم به مستلزم لوقوعه او على طريق ذكر اللازم وارادة الملزوم فان وقوع شيء لا يمكن ان يتخلف من علم الله تعالى به وَلَمْ يَتَّخِذُوا

[سورة التوبة (9) : آية 17]

عطف على جاهدوا يعنى ولما يعلم الله الذين لم يتخذوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً بطانة يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم وفي لما اشارة الى توقع وجود المجاهدين المخلصين في امة محمد صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال من أمتي امة قائمة بامر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي امر الله وهم على ذلك متفق عليه من حديث معاوية وروى ابن ماجة بسند صحيح عن ابى هريرة نحوها والحاكم وصححه عن عمر بلفظ لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقوم الساعة وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) فيه دفع لما يتوهم من ظاهر قوله تعالى ولما يعلم الله قال البغوي قال ابن عباس لما اسر العباس يوم بدر غيره المسلمون بالكفر وقطيعة الرحم واغلظ علىّ القول فقال العباس ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا فقال ... على الكم محاسن قال نعم انا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقى الحاج فانزل الله تعالى ردا على العباس. ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ الآية أخرجه ابن جرير وابو الشيخ عن الضحاك واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم من طريق على بن ابى طلحة عنه بلفظ قال العباس ان كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ولقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقى الحاج ونفك العاني فانزل الله تعالى هذه الآية يعنى ما صح للمشركين وما ينبغى لهم أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ «1» يعنى شيئا من المساجد فضلا عن المسجد الحرام فانه يجب على المسلمين منهم من ذلك لان مساجد الله انما يعمر لعبادة الله وحده فمن كان كافرا بالله فليس من شانه ان يعمرها فذهب جماعة الى ان المراد منه العمارة المعروفة من بناء المسجد ومرمته عند الخراب فيمنع منه الكافر حتى لو اوصى به لا ينفذ وحمل بعضهم العمارة هاهنا على دخول المسجد والقعود فيه اخرج احمد والترمذي وابن حبان والحاكم عن ابى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رايتم الرجل بعامر المسجد فاشهدوا له بالايمان قال الله تعالى انما يعمر مساجد الله من أمن بالله وقال الحسن ما كان للمشركين ان يتركوا فيكونوا اهل المسجد الحرام قرأ ابن كثير وابو عمر ويعقوب مسجد الله على التوحيد

_ (1) عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنسة 12.

[سورة التوبة (9) : آية 18]

والمراد الجنس وقيل أراد به المسجد الحرام لقوله وعمارة المسجد الحرام ولقوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام وذلك هو المراد بصيغة الجمع قال الحسن انما قال مساجد الله لانه قبلة المساجد كلها فكان عمارته عمارة الجميع وقال القراء ربما ذهبت العرب بالواحد الى الجمع وبالجمع الى الواحد الا ترى ان الرجل يركب البرذون ويقول أخذت في ركوب البراذين ويقال فلان كثير الدرهم والدينار يريد الدراهم والدنانير شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ اى مظهرين الشرك وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حال من ضمير يعمروا والمعنى ما استقام لهم ان يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت الله وعبادة غيره وقال الحسن لم يقولوا نحن كفار ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر وقال الضحاك عن ابن عباس شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم للاصنام وذلك ان كفار قريش نصبوا الأصنام خارج البيت الحرام عند القواعد وكانوا يطوفون بالبيت عراة كلما طاقوا شوطا سجدوا لاصنامهم وقال السدى شهادتهم على أنفسهم بالكفر هو ان النصراني يسال فيقال من أنت فيقول نصرانى واليهودي يقول يهودى ونحو ذلك أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ التي يفتخرون بها ويزعمونها محاسن من سقاية الحاج وعمارة البيت وفك العاني لانها ليست لله تعالى خالصا وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) لاجل الكفر والمعاصي وحبط الحسنات. إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ قف اى لم يخف في الدين غير الله ولم يترك امر الله مخافة غيره والا فالخشية من المخاوف امر جبلى لا يكاد العاقل يتمالك عنها خص الله سبحانه عمارة المسجد بالمؤمنين فانهم هم الجامعون لهذه الكمالات العلمية والعملية وانما لم يذكر الايمان بالرسول لان الايمان بالله كما ينبغى لا يتصور الا أخذا من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ما الايمان بالله وحده قالوا الله رسوله اعلم قال شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله الحديث في الصحيحين عن ابن عباس في قصة وقد عبد القيس والمراد بعمارة المسجد ادامة العبادة والذكر فيه ودرس العلم والقرآن عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم إذا رايتم الرجل يعتاد المسجد وفى لفظ يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالايمان فان الله تعالى قال انما يعمر مساجد الله من أمن بالله واليوم الآخر رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي والبغوي وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من غدا الى مسجد او راح أعد الله له منزلة من الجنة كلما غدا أو راح متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله وذكر فيهم رجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود فيه متفق عليه وعن سلمان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضاء في بيته فاحسن الوضوء ثم اتى المسجد فهو زائير الله حق على المزور ان يكرم زائيره رواه الطبراني وعبد الرزاق وابن جرير في تفسيرهما والبيهقي في شعب الايمان وعن عمرو بن ميمون قال كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ان بيوت الله في الأرض المساجد وان حقا على الله ان يكرم من زاره فيما رواه البيهقي في شعب الايمان وعبد الرزاق وابن جرير في تفسيرهما ومن عمارة المسجد بنائها وتزيينها وتنويرها بالسرج وصيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا والبيع والشراء وغير ذلك عن محمود ابن لبيد ان عثمان بن عفان أراد بناء المسجد فكره الناس ذلك وأحبوا ان يدعه قال عثمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة وفي رواية بنى الله له كهيئته في الجنة وفي لفظ من بنى مسجدا ينبغى به وجه الله نبى الله له مثله في الجنة رواه احمد والشيخان في الصحيحين والترمذي وصححه وابن ماجة والبغوي وكذا روى ابن ماجة عن على وروى احمد عن ابن عباس بسند صحيح من بنى الله مسجدا ولو كقحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة والطبراني عن ابى امامة بسند صحيح من بنى الله مسجدا بنى الله له في الجنة أوسع منه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع رجلا ينشد ضانة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فان المساجد لم تبن لهذا رواه مسلم وعن عايشة قالت امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد في الدور وان ينظف ويتطيب رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الاشعار في المسجد

[سورة التوبة (9) : آية 19]

وعن البيع والاشتراء فيه وان يتحلق الناس قبل الصلاة في المسجد رواه ابو داود والترمذي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رايتم من يبيع او يبتاع في المسجد فقولوا لا اربح الله تجارتك وإذا رايتم من ينشد ضالة فقولوا لا رد الله عليك رواه الترمذي والدارمي والله اعلم فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) المتمسكين بطاعة الله التي يؤدى الى الجنة ذكر بصيغة التوقع قطعا لاطماع المشركين في الاهتداء والانتفاع بأعمالهم وتوبيخا لهم في القطع بانهم مهتدون فان هؤلاء مع كمالهم إذا كان ابتدائهم دائرا بين عسى ولعل فما ظنك باضدادهم ومنعا للمومنين بان يغتروا بأعمالهم ويتكلوا عليها اخرج ابو نعيم عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تبارك وتعالى اوحى الى بنى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا انا أصيب عبد الحساب يوم القيامة أشاء أعذبه الا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك ان لا تلقوا بايديكم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي والله اعلم اخرج مسلم وابن حبان وابو داود عن النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم ما أبالي ان لا اعمل الله عملا بعد الإسلام الا ان أسقي الحاج وقال آخر بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فانزل الله تعالى. أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ الآية واخرج الفريابي عن ابن سيرين قال قدم على بن ابى طالب مكة فقال للعباس اى عم الا تهاجر الا تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اعمر المسجد الحرام واحجب البيت فانزل الله تعالى هذه الآية قال البغوي قال ابن عباس قال العباس حين اسر يوم بدر لئن سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقى الحاج فانزل الله تعالى هذه الآية واخبر ان عمارتهم المسجد الحرام وقيامهم على السقاية لا ينفعهم مع الشرك بالله

والايمان بالله والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم خير مما هم عليه وقال البغوي قال الحسن والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وكذا اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي انها نزلت في على بن ابى طالب والعباس بن عبد المطلب وطلحة بن شيبة افتخروا فقال طلحة انا صاحب البيت بيدي مفاتيحه وقال العباس انا صاحب السقاية والقائم عليها وقال على ما أدرى ما يقولون لقد صليت الى القبلة ستة سنة يعنى قبل الناس وانا صاحب الجهاد فانزل الله أجعلتم سقاية الحاج وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ السقاية والعمارة مصدر ان من أسقي وعمر فلا بد هاهنا من تقدير ما يقال بحذف المضاف في المشبه او في المشبه به فيقال أجعلتم اهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن او يقال أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد كايمان من أمن بالله وجهاد من جاهدوا ما ان يقال المصدر بمعنى الفاعل يعنى ساقى الحاج وعامر المسجد الحرام كقوله تعالى والعاقبة للتقوى يويده قراءة عبد الله بن الزبير أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام ... على جمع الساقي والعامر والاستفهام للانكار فان كان نزول الآية في اختلاف المؤمنين بالمشركين كما يدل عليه قول ابن عباس ومحمد بن كعب وغيرهما فلا خفاء في انكار المشابهة بين المشركين وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة وإن كان نزولها في اختلاف المؤمنين كما روى مسلم عن النعمان بن بشير فالمراد بعمارة المسجد بنائها دون ادامة الذكر والصلاة فيها فان دوام الذكر أفضل من الجهاد لقوله صلى الله عليه وسلم ما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله رواه مالك والترمذي وابن ماجة من حديث معاذ بن جبل ورواه البيهقي في الدعوات الكبير من حديث عبد الله بن عمر وزاد قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله الا ان يضرب بسيفه حتى ينقطع وقوله صلى الله عليه وسلم الا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله رواه احمد والترمذي

[سورة التوبة (9) : آية 20]

وابن ماجه عن ابى الدرداء ورواه مالك موقوفا على ابى الدرداء وعن ابى سعيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل اى العباد أفضل وارفع درجة عند الله يوم القيامة قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات قيل يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله قال لو ضرب بسيفه في الكفار حتى ينكسر او يختضب دما فان الذاكر لله أفضل منه درجة رواه احمد والترمذي وقال حديث غريب والله اعلم لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ تقرير لعدم المشابهة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) هذا يؤيد قول من قال ان المراد عدم الاستواء بين فعل المؤمنين من الايمان والجهاد وفعل المشركين من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام والمعنى والله لا يهدى القوم الظالمين بالشرك فكيف يساوون الذين هديهم الله ووفقهم للحق والصواب وقيل المراد بالظلمين الذين يحكمون بالمساواة بينهم وبين المؤمنين والله اعلم (قصّه استقاء من زمزم) روى البخاري وغيره عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء الى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل اذهب الى أمك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها فقال اسقني فقال يا رسول الله انهم يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب منه ثم اتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال اعملوا فانكم على عمل صالح ثم قال لولا ان تغلبوا لنزلت حتى اصنع الحبل على هذه وأشار الى عاتقه وروى مسلم عن بكر بن عبد الله المزني قال كنت جالسا مع ابن عباس رضى الله عنهما عند الكعبة فاتاه أعرابي فقال مالى ارى بنى عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ امن حاجة بكم أم من بخل فقال ابن عباس رضى الله عنهما الحمد لله ما بنا من حاجة ولا بخل قدم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه اسامة فقال أحسنتم واجملتم كذا فاضعوا فلا نريد نغير ما امر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً أعلى رتبته واكثر كرامة عِنْدَ اللَّهِ من الذين افتخروا بعمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج او من لم يستجمع هذه الصفات من المؤمنين

[سورة التوبة (9) : آية 21]

وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) الناجون من النار الواصلون الى الجنة والدرجات العلى دون المشركين وان كانوا سقاة الحاج وعمار المسجد. يُبَشِّرُهُمْ قرأ حمزة بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعل رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها اى في الجنات نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) دائم تنكير المبشر به للاشعار بانه وراء التعيين والتعريف. خالِدِينَ فِيها أَبَداً أكد الخلود بالتابيد لانه قد يستعمل للمكث الطويل إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يستحقر دونه ما استوجبوا لاجله او نعم الدنيا والله اعلم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ قال البغوي قال مجاهد هذه الآية متصلة بما قبلها نزلت في قصة العباس وطلحة وامتناعهما من الهجرة وقال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس لما امر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالهجرة فمنهم من تعلق به اهله وولده يقولون ننشدك بالله ان يقنعنا فيرق عليهم فيقيم عليهم ويدع الهجرة فانزل الله تعالى هذه الآية وقال مقاتل نزلت في التسعة الذين ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة فنهى الله المؤمنين عن ولايتهم وانزل هذه الآية يعنى لا تتخذوهم اولياء بطانة وأصدقاء فتفشون إليهم اسراركم وتوثرون المقام معهم على الهجرة ان استحبوا اى اختار والكفر على الايمان كذا روى الثعلبي عنه وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فيطلعهم على عورات المسلمين ويؤثرون المقام ... معهم على الهجرة والجهاد فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) لوضعهم الموالاة في غير موضعه فان محل موالاة المسلمين المسلمون قال البغوي لما نزلت الآية المذكورة قال الذين اسلموا ولم يهاجروا ان نحن هاجرنا ضاعت أموالنا وذهبت تجارتنا وخربت دورنا وقطعنا أرحامنا فنزلت. قُلْ يا محمد للمتخلفين عن الهجرة إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ قرأ ابو بكر عن عاصم وعشيراتكم بالألف على الجمع والباقون بلا الف يعنى اقربائكم ماخوذ من العشرة وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها اى اكسبتموها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها اى فوت وقت رواجها ونفاقها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ

مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فقعدتم لاجله عن الهجرة والجهاد فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ جواب ووعيد قال عطاء بقضائه يعنى بالعقوبة العاجلة والاجلة وقال مجاهد ومقاتل بفتح مكة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24) الخارجين عن طاعة الله تعالى اى لا يرشدهم قال البيضاوي المراد الحب الاختياري يعنى إيثار هذه الأشياء وترك امتثال أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم دون الحب الطبيعي فانه لا يدخل تحت التكليف والتحفظ عنه قلت وكمال الايمان ان يكون الطبيعة تابعة للشريعة فلا يقتضى الطبيعة الا ما يأمره الشريعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لله وابغض لله واعطى لله ومنع لله فقد استكمل الايمان وفي رواية فقد استكمل إيمانه رواه ابو داود عن ابى امامة والترمذي عن معاذ بن انس مع تقديم وتأخير وفي الصحيحين عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يومن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده وولده والناس أجمعين والمراد لا يومن ايمانا كاملا وفيهما عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان من كان الله ورسوله أحب اليه مما سواهما ومن أحب عبدا لا يحب الا لله ومن يكره ان يعود في الكفر بعد ان أنقذه الله منه كما يكره ان يلقى في النار قلت وجدان حلاوة الايمان عبارة عن الاستلذاذ به كما يستلذذ الرجل بالشهوات الطبيعية وذلك كمال الايمان ولا يكتسب ذلك الا من مصاحبة ارباب القلوب الصافية والنفوس الزاكية رزقنا الله سبحانه وهذه الآية وما ذكرنا من الأحاديث «1» يوجب افتراض اكتساب التصوف من خدمة المشايخ رضى الله عنهم أجمعين ومعنى قوله تعالى والله لا يهدى القوم الفاسقين يعنى لا يرشدهم الى معرفته قال البيضاوي في الآية تشديد عظيم وقل من يتخلص عنه قلت ذلك القليل هو الصوفية العلية قال صاحب المدارك الآية تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين واضطراب حبل اليقين إذ تجد من

_ (1) عن عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال والله لانت يا رسول الله أحب الىّ من كل شيء الا نفسى فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يومن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه 12.

[سورة التوبة (9) : آية 25]

أورع الناس من يستجب دينه على الآباء والأبناء والأموال وحظوظ الدنيا قلت الا من أعطاه الله معرفته فيقول ما قال الشاعر بالفارسية. آنكس كه ترا شناخت جان را چهـ كند ... فرزند وعيال وخان ومان را چهـ كند ديوانه كنى هر دو جهانش بخشى ... ديوانه تو هر دو جهانرا چهـ كند. لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ يوم بدر وقينقاع والأحزاب والنضير او قريظة والحديبية وخيبر وفتح مكة وغيرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عطف على مواطن اما بتقدير المضاف في المعطوف يعنى مواطن حنين او في المعطوف عليه يعنى في ايام مواطن كثيرة او يفسر المواطن بالأوقات كمقتل الحسين رضى الله عنه إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ كانوا اثنى عشر الفا او اربعة عشر الفا كما سيجئى في القصة والكفار اربعة آلاف كذا جزم غير واحد وجزم الحافظ وغيره بانهم كانوا ضعف عدد المسلمين او اكثر من ذلك فعلى هذا كان المشركون اربعة وعشرين الفا او ثمانية وعشرين الفا وقوله إذا أعجبتكم بدل من يوم حنين ولم يمنع إبداله منه ان يعطف على موضع في مواطن فانه لا يقتضى مشاركتهما فيما أضيف اليه المعطوف حتى يقتضى كثرتهم وإعجابهم كثرتهم في جميع المواطن وحنين واد بين مكة والطائف الى جنب ذى المجاز قريب من الطائف بينه وبين مكة بضع عشر ميلا حارب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن وهو قبيلة كبيرة من العرب فيها عدة بطون وهو هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان بن الياس بن مضر وثقيف بطن منها (قصّة غزوة حنين) قال ائمة المغازي لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في رمضان سنة ثمان من الهجرة مشت اشراف هوازن وثقيف بعضها الى بعض واشفقوا ان يغيروهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد فرغ لنا فلا ناحية «1» له دوننا والرأي ان نغزوه فاجمعوا أمركم فسيروا في الناس وسيروا اليه قبل ان يسير إليكم فاجتمعت هوازن وجمعها مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة النضري واسلم بعد ذلك واجتمع اليه مع هوازن ثقيف كلها

_ (1) اى لا مانع 12.

ونصر وجشم كلها وسعد بن بكر ناس من بنى هلال وهم قليل لا يبلغون مائة ولم يشهدها من قيس بن غيلان ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب مشى فيها ابن ابى براء فنهاها عن الحضور وقال والله لو ناوى اى عادى محمد ما بين المشرق والمغرب لظهر عليهم وكان في جشم دريد بن الصمة ابن ستين ومائة سنة او عشرين ومائة سألوا دريدا الرياسة عليهم لرايه قال ما ابصر ولا استمسك على الدابة ولكن احضر معكم لان أشير عليكم براى على ان لا تخالفوني فان تخالفوني لا اخرج فجاءه مالك بن عوف وكان امر الناس اليه وهو ابن ثلثين سنة فقال لا نخالفك فلما اجمع مالك المسير الى رسول الله صلى الله عليه وسلم امر الناس فخرجوا معهم باموالهم ونسائهم ثم انتهى الى أوطاس فعسكر به وجعلت الامداد تأتيه من كل جهة واقبل دريد بن الصمة فقال مالى اسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهيق الحمير ويعار الشاء وخوار البقر قالوا ساق مالك مع الناس أبنائهم ونسائهم وأموالهم فقال دريد لمالك لم سقت قال أردت ان اجعل خلف كل انسان اهله وماله ... يقاتل عنهم فقال دريد هذا راعى ضان ماله وللحرب وصفق دريد احدى يديه على الاخرى تعجبا هل يرد المنهزم شيء انها انكانت لك لم ينفعك الا رجل بسيفه ورمحه وانكانت عليك فضحت في أهلك ومالك ارفع النساء والذراري والأموال الى عليا قومهم وممتنع بلادهم ثم الق القوم على متون «1» الخيل والرجال فانكانت لك لحق بك من ورائك وإن كان عليك فقد أحرزت أهلك ومالك قال مالك لا افعلي قد كبرت وكبر عقلك فغضب دريد ثم قال دريد يا معشر هوازن ما فعلت كعب وكلاب قالوا ما شهد منهم أحد قال غاب الحد «2» والجد «3» لو كان يوم علاء ورفعة «4» ما تخلفوا عنه يا معشر هوازن ارجعوا وافعلوا ما فعل هؤلاء قابوا عليه قال فمن شهدها منكم قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال ذانك جذغان «5» من بنى عامر لا ينفعان ولا يقران قال لدريد هل من راى غير هذا قد امر القوم قال دريد نعم تجعل كمينا «6» يكونون لك عونا ان حمل القوم عليك جاءهم الكمين

_ (1) متون جمع متن بمعنى الظهر 12. (2) الحد بفتح الحاء المهملة المنع 12. (3) الجد يكسر الجيم الشجاعة 12. (4) عطف تفسير 12. (5) يعنى انهمك ضعيفان في الحرب نزلة الجذع 12. (6) اى الجيش المختفى 12. [.....]

من خلفهم وكررت أنت بمن معك وانكانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد فذلك حين امر مالك ان يكونوا كمنافى الشعاب وبطون الاودية فحملوا الحملة الاولى التي انهزم فيها اكثر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر هوازن وما عزموا عليه أراد التوجه الى قتالهم واستخلف عتاب بن أسيد أميرا على مكة وهو ابن عشرين سنة ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه وروى البخاري عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أراد حنينا منزلنا غدا إنشاء الله بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر واستعار من صفوان بن امية ادرعا وسلاحا فقال أغصبا يا محمد أم عارية قال بل عارية ... مضمونة فاعطى له مائة درع بما يكفيهما من السلاح كذا روى ابن إسحاق عن جابر وابو داود واحمد عن امية بن صفوان قال السهيلي واستعار من نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلثة آلاف رمح فقال كانى انظر الى رماحك هذه في تقصف ظهر المشركين فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثنى عشر الف من المسلمين عشرة آلاف من اهل المدينة والفين من اهل مكة يوم السبت بست خلون من شوال سنة روى ابو الشيخ عن محمد بن عبيد الله الليثى كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من اهل المدينة عشرة آلاف اربعة آلاف من الأنصار ومن كل من جهينة ومزينة واسلم وغفار وأشجع الف ومن المهاجرين وغيرهم الف وقال عروة والزهري قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة باثنى عشر الف وأضيف إليهم الفان من الطلقاء فكانوا اربعة عشر الفا قال ابن عقبة ومحمد بن عمر لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنين خرج معه اهل مكة لم يغادر منهم أحدا ركبانا ومشاة حتى خرجن معه النساء يمشين على غير دين نظارا ينظرون ويرجون الغنائم ولا يكرهون ان يكون الصدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه ابو سفيان بن حرب وصفوان بن امية وكانت امرأته مسلمة وهو مشرك لم يفرق بينهما ومع النبي صلى الله عليه وسلم زوجتيه أم سلمة وميمونة ضربت لهما قبة روى ابن إسحاق والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان عن الحارث بن مالك قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنين

ونحن حديثوا عهد بالجاهلية وكانت لكفار قريش ومن سواهم شجرة عظيمة وعند الحاكم في الإكليل سدرة خضرا يقال لها ذات نواط «1» ياتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ويذبحون عندها ويعكفون عليها يوما قرابنا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضرا عظيمة فتنادينا يا رسول الله اجعل ذات نواط كما لهم ذات نواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله اكبر الله اكبر قلتم والذي نفسى بيده كما قال قوم موسى اجعل لنا الها كما لهم الهة قال انكم قوم تجهلون انها لسنن لتركبن سنن من قبلكم حذوا لقده بالقذة وعن سهيل بن حنظلة رضى الله عنه قال جاء فارس فقال يا رسول الله طلعت جبل كذا وكذا فاذا هوازن جاءت عن بكرة أبيها «2» بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال تلك غنيمة المسلمين إنشاء الله تعالى ثم قال من يحرسنا الليلة قال انس بن مالك ابى مرثد انا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فاركب واستقبل هذا الشعب حتى تكون أعلاه ولا تغرن من قبلك فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فاذا هو قد جاء فقال انى انطلقت حتى كنت في أعلا هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت طلعت الشعبين كلاهما فنظرت فلم ار أحدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجبت فلا عليك ان لا تعمل بعدها رواه ابو داود والنسائي وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حدرد ليكشف خبر هوازن فدخل فيهم فاقام فيهم يوما او يومين فسمع من مالك يقول لاصحابه ان محمدا لم يقاتل قوما قبل هذه المرة انما كان يلقى قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فيظهر عليهم فاذا كان السحر فصفوا مواشيكم ونسائكم وأبنائكم من ورائكم ثم يكون الجملة منكم واكسروا جفون سيوفكم فتلقون بعشرين الف سيف مكسورة الجفون واحملوا حملة رجل واحد واعلموا ان الغلبة لمن حمل اولا كذا روى ابن إسحاق عن جابر بن عبد الله وعمرو بن شعيب وعبد الله بن ابى بكر بن عمرو بن حزم وروى محمد بن عمر عن ابى بردة بن بيار قال كنا باوطاس

_ (1) من ناط ينوط إذا علقة وكلما علق من شيء فهو نوط 12. (2) عن بكرة أبيها بفتح الموحدة وسكون الكاف كلمة للعرب يريدون به الكثرة يعنى انهم جادا جميعا لم يتخلف منهم أحد وليس هذا البكرة على الحقيقة وهى التي يستقى عليها الماء 12.

نزلنا تحت شجرة عظيمة نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعنده رجل جالس فقال ان هذا الرجل جاءنى وانا نائم فسل سيفى ثم قام به على راسى فانتبهت وهو يقول يا محمد من يمنعك منى فقلت الله فسللت سيفى وقلت يا رسول الله دعنى اضرب عنق عدو الله فانه من عيون المشركين فقال لى اسكت يا با بردة فما قال له شيئا ولا عاقبه فقال يا أبا بردة ان الله مانعى وحافظى حتى يظهر دينه على الدين كله وروى ابو نعيم والبيهقي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى حنينا مساء الليلة الثلثاء لعشر خلون من شوال وبعث مالك بن عوف ثلثة من هوازن ينظرون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأمرهم ان يتفرقوا في العسكر فرجعوا إليهم وقد تفرقت أوصالهم فقال ويلكم ما شانكم فقالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق فو الله ما تماسكنا ان أصابنا ما ترى والله ما نقاتل اهل الأرض انما نقاتل اهل السماء وان اطعتنا رجعت بقومك فان الناس ان راوا مثل الذي راينا أصابهم مثل الذي أصابنا فقال أف لكم بل أنتم اجبن اهل العسكر فحبسهم عنده فرقا ان يشيع ذلك الرعب في العسكر وقال دلونى على رجل شجاع فاجمعوا له على رجل فخرج ثم رجع اليه وقد أصابه نحو ما أصاب من قبله منهم فقال مثل الذي قالت الثلاثة قال محمد بن عمر لما كان ثلثا الليل عمد مالك بن عوف الى أصحابه فعبّاهم «1» في وادي حنين وهو واد أخوف خطوطه ذو شعاب ومضائق وفرق الناس فيها وقال لهم ان يحملوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حملة رجل واحد وعبّا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وصفهم صفوفا في السحر ووضع الالوية والرايات في أهلها وليس درعين والمغفر والبيضة واستقبل الصفوف وطاف عليها بعضها خلف بعض يتحدرون فحضهم على القتال وبشرهم بالفتح ان صدقوا وصبروا وقدم خالد بن وليد في بنى سليم واهل مكة وجعل ميمنة وميسرة وقلبا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه روى ابو الشيخ والحاكم وصححه والبزار وابن مردوية عن انس قال لما اجتمع يوم حنين اهل مكة واهل المدينة أعجبتهم كثرتهم فقال القوم اليوم والله نقاتل

_ (1) عبّا تعبية اى رتبهم في مواضعهم وهياهم للحرب 12.

ولفظ البزار قال غلام من الأنصار لن تغلب اليوم من قلة فما هو الا ان لاقينا عدونا فانهزم القوم وولوا مدبرين وفي روايته يونس بن بكر في زيادات المغازي كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا وما أعجبتهم كثرتهم وكذا روى ابن المنذر عن الحسن وذلك قوله تعالى إذ أعجبتكم كثرتكم فَلَمْ تُغْنِ اى الكثرة عَنْكُمْ شَيْئاً من الإغناء او من امر العدو وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ما مصدرية والباء بمعنى مع اى مع رحبها اى سعتها او المعنى ملتبسة برحبها على ان الجار والمجرور في موضع الحال كقولك دخلت عليه بثياب السفر اى ملتبسا بها يعنى ان الأرض مع سعتها لا تجدون فيها مقرا تطمئن اليه نفوسكم من شدة الرعب او لا تبوئون السفر اى ملتبسا بها يعنى ان الأرض مع سعتها لا تجدون فيها كمن لا يسعه مكانه ثُمَّ وَلَّيْتُمْ الكفار ظهوركم خطاب الى الذين انهزموا من المؤمنين مُدْبِرِينَ (25) منهزمين الأدبار الذهاب الى خلف ضد الإقبال روى ابن إسحاق واحمد وابن حبان عن جابر وابو يعلى ومحمد بن عمر عن انس قال جابر لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا من واد أخوف ذو خطوط له مضائق وشعب وقد كان القوم سبقونا الى الوادي فكمنوا في شعابه واخبانه ومضائقه وتهيئوا عدوا فو الله ما راينا ونحن منحطون الا الكثائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد وكانوا رماة وقال انس استقبلنا من هوازن شيء لا والله ما رايت مثله في ذلك الزمان قط من الكثرة وله بسواد وقد ساقوا نسائهم وأبنائهم وأموالهم ثم صفوا صفوفا فجعلوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال تم جاؤا بالإبل والبقر والغنم فجعلوها وراء ذلك لئلا يفروا بزعمهم فلما رائينا ذلك السواد حسبناه رجالا كلهم فلما انحدرنا من الوادي فبينا نحن فيه في غلس الصبح ان شعرنا الا بالكثائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة رجل واحد فانكشف أوائل الخيل بنى سليم مولية وتبعهم اهل مكة وتبعهم الناس منهزمين ما يلوون على شيء وارتفع النقع فما منا أحد يبصر كفه قال جابر واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال ايها الناس هلم الى انا رسول الله انا محمد بن عبد الله

روى البخاري وابن ابى شيبة وابن مردوية والبيهقي عن ابن إسحاق قال رجل للبراء بن عازب يا با عمارة أفررتم يوم حنين قال لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه خرج شبان أصحابه حسرا ليس عليهم كثير سلاح فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا فاقبل الناس على الغنائم فاستقبلونا بالسهام كانها رجل جراد «1» ما يكادون يخطؤن واقبلوا هناك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابو سفيان بن الحارث يقود به فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا واستنصر وقال انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب وفى روايته قال البراء كنا إذا احمر البأس نتقى به وان الشجاع منا الذي يحاذيه يعنى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق لما انهزم الناس تكلم رجال في أنفسهم من الضغن «2» فقال ابو سفيان بن حرب وكان إسلامه بعد مدخولا لا ينتهى هزيمتهم دون البحر وان الأزلام لمعه في كنانة وصرح جبلة ابن الحنبل وقال ابن هشام كلدة بن الحنبل واسلم بعد ذلك وهو مع أخيه لامه صفوان بن امية وصفوان مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بطل السحر اليوم فقال له صفوان ان اسكت فو الله لان يرمينى رجل من قريش أحب الى من يرمينى رجل من هوازن روى ابن سعد وابن عساكر عن عبد المالك بن عبيد والطبراني والبيهقي وابن عساكر وابو نعيم عن عكرمة قالا قال شيبة بن عثمان لما كان عام الفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة وغزا حنينا قلت أسير مع قريش الى هوازن فعسى ان اختلطوا أصيب محمدا غرة وتذكرت ابى وقتله حمزة وعمى وقتله على ابن ابى طالب فقلت اليوم أدرك ثارى من محمد وأكون انا الذي قمت بثار قريش كلها وأقول لو لم يبق من العرب والعجم الا اتبع محمدا ما تبعته ابدا فكنت مرصدا لما خرجت لا يزداد الأمر في نفسى الا قوة فلما انهزم أصحابه جئته من عن يمينه فاذا بالعباس قائم عليه درع بيضاء فقلت عمه لن يخذله فجئته عن يساره فاذا بابى سفيان بن الحارث فقلت ابن عمه لن يخذله فجئته من خلفه فلم

_ (1) بكسر الراء وسكون الجيم الجماعة الكثيرة من الجراد خاصة وهو جمع على غير لفظ الواحد 12. (2) اى الحقد يعنى كينه 12.

يبق الا ان اسوّره سورة بالسيف إذا ارتفع الى فيما بينى وبينه شواظ من نار كانه يرق فخفت ان يتمخشنى «1» فوضعت على بصرى خوفا عليه ومشيت القهقرى وعلمت انه ممنوع فالتفت الى وقال يا شيبة ادن منى فدنوت منه فوضع يده على صدرى وقال اللهم اذهب عنه الشيطان فرفعت اليه راسى وهو أحب الىّ من سمعى وبصرى وقلبى ثم قال يا شيبة قاتل الكفار قال فتقدمت بين يديه أحب والله ان أقيه بنفسي كلشيء فلما انهزمت هوازن ورجع الى منزله دخلت عليه فقال الحمد لله الذي أراد بك خيرا ثم حدثنى بما هممت به صلى الله عليه وسلم وروى محمد بن عمر عن النضر بن الحارث كان يقول الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام ومنّ علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم نمت على ما مات عليه الآباء فذكر حديثا طويلا ثم قال خرجت مع قوم من قريش هم على دينهم بعد وابى سفيان بن حرب وسفيان بن امية وسهيل بن عمر ونحن نريد انكانت دبرة على محمد ان نغير عليه فيمن يغير عليه فلما تراءت الفئتان ونحن في خير المشركين حملت هوازن حملة واحدة ظننا ان المسلمين لا يجترونها ابدا ونحن معهم وانا أريد بمحمد ما أريد وعمدت له فاذا هو في وجوه المشركين واقف على بغلة شهباؤ حوله رجال بيض الوجوه فاقبلت عامدا اليه فصاحوا بي إليك إليك فرعب فوادى وأرعدت جوارحى قلت هذا مثل يوم بدر ان الرجل لعلى حق انه لمعصوم وادخل الله قلبى الإسلام وغيّره عما كنت أهم به الحديث بطوله وروى محمد بن عمر عن ابى قتادة قال مضى سرعان الناس منهزمين حتى دخلوا مكة ساروا يوما وليلة يخبرون اهل مكة بهزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتاب بن أسيد يومئذ امير على مكة ومعه معاذ بن جبل فجاءهم امر غمهم وسرّ بذلك قوم من اهل مكة وأظهروا الشماتة وقال قائل منهم يرجع العرب الى دين آبائها وقد قتل محمد وتفرق أصحابه فتكلم عتاب بن أسيد يومئذ فقال ان قتل محمد صلى الله عليه وسلم فان دين الله قائم والذي يعبده محمد حى لا يموت فما امسوا من ذلك اليوم حتى جاء الخبر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقع هوازن فسر عتاب بن أسيد ومعاذ بن جبل رضى الله عنهما وكبت الله من...... هناك ممن كان يسر بخلاف ذلك فرجع المنهزمون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) أي يتخوفني.

فلحقوه باوطاس وقد راحل منها الى الطائف (فائدة) قال انس رضى الله عنه بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وقال العباس فيما روى عنه مسلم وابن إسحاق وعبد الرزاق كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت انا وابو سفيان بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له شهباء فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلة قبل الكفار وانا أخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم اكفها ان لا يسرع وهو لا يألوا ما اسرع نحو المشركين وابو سفيان بن الحارث أخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أحاديث آخر انه بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة قال محمد بن يوسف الصالحي في الجمع بين الأقوال المراد انه بقي وحده متقدما مقبلا على العدو والذين ثبتوا كانوا وراءه والوحدة بالنسبة لمباشرة القتال وابو سفيان بن الحارث وعباس كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك واختلفوا في عدد الثابتين يوم حنين قال الكلبي كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة من المسلمين وانهزم سائر الناس وروى البيهقي عن حارثة بن النعمان لقد حرزت من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدبر الناس فقلت مائة وروى احمد والطبراني والحاكم وابو نعيم برجال ثقات عن ابن مسعود قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فنكصنا على أعقابنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر وروى البزار عن انس ان أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضى الله عنهم ضرب كل منهم بضعة عشر ضربة وروى ابن مردوية عن ابى عمر لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مأته رجلا ولا منافاة بين نفي المائة واثبات ثمانين قال محمد بن عمر ايقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحارثة بن النعمان حين انكشف عنه الناس يوم حنين يا حارثة كم ترى الناس الذين ثبتوا فنظرت عن يمينى وعن شمالى فقلت هم مأته فما علمت انهم مأته حتى كان يوم مررت على النبي صلى الله

[سورة التوبة (9) : آية 26]

عليه وسلم وهو يناجى جبرئيل عند باب المسجد فقال جبرئيل يا محمد من هذا قال حارثة بن النعمان فقال جبرئيل هو أحد المائة الصابرة يوم حنين لو سلمت لوددت عليه فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حارثة قال ما كنت أظن الا دحية الكلبي واقف معك وذكر النووي ان الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب ان الذين ثبتوا معه كانوا عشرة فقط قوله نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وفر من قد فر عنه فاقشعوا وعاشرنا لاقي الحمام بنفسه ... لما مسه في الله لا يتوجع قال الصالحي قال الحافظ لعل هذا هو الا ثبت ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم وثبت اربع من النساء أم سليم بنت ملحان وأم عمارة نسيت وأم سليط وأم الحارث قال الله تعالى. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ اى رحمته التي استقروا بها وأمنوا عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الذين انهزموا وانما ذكر الرسول لان السكينة انما نزلت على المنهزمين ببركة وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم وبتوسطه نزلت على غيره وإعادة الجار للتنبيه على اختلاف حالهما وقيل المراد بالمؤمنين الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفروا اخرج الطبراني والحاكم وابو نعيم والبيهقي في الدلايل عن ابن مسعود قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار فكنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر وهم الذين نزلت عليهم السكينة قال ابن عقبة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركابين وهو على البغلة فرفع يديه الى الله تعالى يقول اللهم انى أنشدك ما وعدتني اللهم لا ينبغى لهم ان يظهر علينا انتهى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس ناديا معشر الأنصار يا اصحاب السمرة يا اصحاب سورة البقرة قال العباس وكان رجلا ميتا فقلت يا على صوتى اين الأنصار اين اصحاب السمرة اين اصحاب سورة البقرة قال فو الله لكانما عطفتهم حين سمعوا صوتى عطفة البقر على أولادها وفي حديث عثمان بن ابى شيبة

عند ابى القاسم البغوي والبيهقي يا عباس اصرخ بالمهاجرين بايعوا تحت الشجرة وبالأنصار اللذين آووا ونصروا قال فما شبهت عطفة الأنصار على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عطفة الإبل على أولادها حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كانه في خرجة فلرماح الأنصار كانت أخوف عندى على رسول الله صلى الله عليه وسلم من رماح الكفار فقالوا يا لبيك يا لبيك الحديث وروى ابو يعلى والطبراني برجال ثقات عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم حنين كفا من حصى ابيض فرمى به وقال هزموا ورب الكعبة وكان على رضى الله عنه أشد الناس قتالا بين يديه وروى ابن سعد وابن ابى شيبة واحمد وابو داود والبغوي وغيرهم في حديث طويل عن ابى عبد الرحمن يزيد الفهري واسمه كرز ولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا ايها الناس انا عبد الله ورسوله فاقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه وحدثنى من كان اقرب اليه منى انه أخذ حفنة من تراب فخشاه في وجوه القوم وقال شاهت الوجوه قال يعلى بن عطاء أخبرنا أبنائهم عن آبائهم قالوا ما بقي منا أحد الا امتلأت عيناه وفمه من التراب وسمعناه صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست فهزمهم الله تعالى قال الله تعالى- وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها روى ابن ابى حاتم عن السدى الكبير قال هم الملئكة وروى ايضا عن سعيد بن جبير قال في يوم حنين أمد الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة آلاف من الملئكة مسومين وروى ابن إسحاق وابن المنذر وابن مردوية وابو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم قال رايت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود اقبل من السماء حتى سقط بين القوم فنظرت فاذا نمل اسود قد ملا الوادي ثم أشك انها الملئكة ولم يكن الا هزيمة القوم وروى محمد بن عمر عن يحيى بن عبد الله عن شيوخ قومه من الأنصار قالوا رأينا يومئذ كالبجد الأسود هوت من السماء ركاما فنظرنا فاذا نمل مبثوث فان كنا لننفضه عن

ثيابنا فكان نصر الله أيدنا به وروى مسدد في مسنده والبيهقي وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال حدثنى رجل كان من المشركين يوم حنين قال التقينا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة ان كفيناهم فبينا نحن نسوقهم في ادبارهم إذا التقينا صاحب البغلة فاذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية إذ بينا وبينه رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا شاهت الوجوه ارجعوا فرجعنا وركبوا أكتافنا وكانت إياها وروى ابن مردوية والبيهقي وابن عساكر عن شيبة بن عثمان الحجبي قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ما خرجت إسلاما ولكن خرجت آنفا ان يظهر هوازن على قريش فو الله انى لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قلت يا رسول الله انى لارى خيلا بلقا قال يا شيبة انه لا يراها الا كافر فضرب بيده على صدرى وقال اللهم اهد شيبة فعل ذلك ثلث مرات فو الله ما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية حتى ما أجد من خلق أحب الى منه فالتقى المسلمون فقتل من قتل ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ باللجام والعباس أخذ بالثغر فنادى العباس اين المهاجرين اين اصحاب سورة البقرة بصوت عال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقبل المسلمون والنبي صلى الله عليه وسلم يقول انا النبي لا كذب ... انا ابن عبد المطلب فجالدوهم بالسيوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن حمى «1» الوطيس وروى محمد بن عمر عن مالك بن أوس بن الحدثان قال حدثنى عدة من قومى شهدوا ذلك اليوم يقولون لقد رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية من الحصباء فما من أحد الا يشكوا القذى في عينه ولقد كنا نجذ في صدورنا خفقانا كوقع الحصا في الطساس ما يهدى ذلك الخفقان ولقد راينا يومئذ رجالا بيضا على خيل بلق عليها عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم بين السماء والأرض كثائب كثائب اى لا يعقلون ما يليقون ... ... ولا تستطيع ان تتاملهم من الرعب منهم قال الله تعالى وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) روى ابن ابى حاتم عن السدى الكبير قال

_ (1) حمى الوطيس هو شىء كالتنور يخبز فيه شبه شدة الحرب به وقيل حجارة مدورة إذا حميت منعت الوطي عليها فضرب مثلا للام يشتد 12.

يعنى قتلهم بالسيف وروى البزار بسند رجاله ثقات عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين اجزروهم جزرا وأومى بيده الى الحلق وروى البيهقي عن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال قتل من اهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر يعنى سبعين رجلا واستشهد بحنين ايمن ابن أم ايمن وسراقة بن الحارث ويتيم بن ثعلبة ويزيد بن زمعة وابو عامر الأشعري باوطاس كما سياتى وروى محمد بن عمر عن محمد بن عبد الله بن صعصعة ان سعد بن عبادة جعل يصيح يا للخررج ثلثا وأسيد بن حضير يا للاوس ثلثا فثابوا من كل ناحية كانهم النحل يأوي الى يعسوبها قال اهل المغازي فنحق المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى اسرع القتل في ذرارى المشركين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية الا لا تقتل الذرية فقال أسيد بن الخضير يا رسول الله أولاد المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم او ليس خياركم أولاد المشركين كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنهما لسانها فابواه يهودانها وينصرانها قال محمد بن عمر قال شيوخ ثقيف ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبنا في ما نرى حتى ان الرجل منا ليدخل حصين الطائف وانه ليظن انه على اثره من رعب الهزيمة قالوا اهزم الله تعالى أعدائه من كل ناحية واتبعهم المسلمون يقتلونهم وغنمهم الله نسائهم وذراريهم وفر مالك بن عوف حتى بلغ حصين الطائف هو وأناس من اشراف قوم وقال ابن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما لما هزم الله هوازن أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم باوطاس وتوجه بعضهم نحور نخلة ولم يتتبع من سلك الثنايا وقتل ربيعة بن رفيع من بنى سليم دريد بن الصمة قال البغوي فلما هزم الله المشركين وولوا مدبرين انطلقوا حتى أتوا أوطاس وبها عيالهم وأموالهم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأشعريين يقال له ابو عامر وامره على جيش الى أوطاس فسار إليهم فاقتتلوا وقتل الدريد بن الصمة وهزم الله المشركين وسبى المسلمون عيالهم وهرب مالك بن عوف النضري فاتى الطائف وتحصن بها وأخذ ماله

واهله فيمن أخذ وقتل امير المسلمين ابو عامر واسلم عند ذلك ناس كثير من اهل مكة حين راوا فصر الله رسوله وإعزاز دينه ومما جمعت الغنائم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينحدر الى جعرانة فوقف بها الى ان انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف قال ابن سعد وتبعه في العيون كان السبي ستة آلاف راس والأهل اربعة وعشرون الف بعير والغنم اكثر من أربعين الف شاة واربعة آلاف اوقية فضة وروى عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب قال سبى يومئذ ستة آلاف سبى بين امراة وغلام فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وقال البلاذري بديل بن ورقاء الخزاعي وقال ابن إسحاق جعل على المغانم مسعود بن عمر الغفاري قال ابن إسحاق ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من الطائف فضرب عسكره واشرف ثقيف على حصنهم ولا مثل له في حصون العرب وأقاموا وهم مأته رام فرموا بالسهام والمقاطيع من بعد حصنهم ومن دخل تحت الحصين ولوا عليه بسكك الحديد محماة من النار تطير منها الشرر فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا كانه رجل جراد حتى أصيب ناس المسلمين بجراحة وقتل منهم اثنا عشر رجلا فارتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى موضع مسجده اليوم الذي بنته ثقيف بعد إسلامهم وقال عمرو بن امية الثقفي واسلم بعد ذلك لا يخرج الى محمد أحد إذا دعى أحدا من أصحابه الى البراز ودعوه يقيم ما اقام ثم اقبل خالد بن الوليد فنادى من يبارز فلم يطلع عليه أحد ثم دعا فلم ينزل اليه أحد فنادى عبد يا ليل لا ينزل إليك أحد ولكنا نقيم في حصننا خباءنا فيه ما يصلحنا لسنين فاذا أقمت حتى ذهب ذلك الطعام خرجنا إليك بأسيافنا جميعا حتى نموت فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرمي وهم يقاتلونه بالرمي من وراء الحصين ولم يخرج اليه أحد وكثرت الجراحات له من ثقيف بالنبل وقتل جماعة من المسلمين روى ابن إسحاق ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر فخرج من الحصن بضعة عشر رجلا فاعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال محمد بن عمر وشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال سلمان الفارسي

ارى ان تنصب المنجنيق فنصبه على حصين الطائف وهو أول منجنيق رمى به في الإسلام فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقطع أعنابهم وتخيلهم قال عروة امر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل رجل من المسلمين ان يقطع خمس نخلات وخمس حيلات فقطع المسلمون قطعا ذريعا فنادت ثقيف لم تقطع أموالنا اما ان تأخذها ان ظهرت علينا واما ان تدعها لله وللرحم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانى ادعها لله وللرحم قال ابن إسحاق وبلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابى بكر انى رايت ان أهديت قعبة مملوءة زبدا فنظرها ديك فهراق ما فيها فقال ابو بكر ما أظن ان تدرك منهم يومك هذا ما تريد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ارى ذلك وروى محمد بن عمر عن ابى هريرة قال لما مضمت خمسة عشر من حصار الطائف استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الدئلي رضى الله عنه فقال يا نوفل ما ترى في المقام عليهم فقال يا رسول الله ثعلب في جحر ان أقمت عليه أخذته وان تركته لم يضرك وروى الشجال عن ابن عمر وعمر رضى الله عنهما قال لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف ولم ينل منه شيئا قال انا قافلون عذا إنشاء الله فثقل عليهم قالوا تذهب ولا نقبح فقال اغدوا فغدوا فقاتلوا قتالا شديدا فاصابهم جراح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا قافلون غدا إنشاء الله تعالى قال فاعجبهم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الصالحي انه استشهد من المسلمين بالطائف اثنا عشر رجلا روى البيهقي عن عروة امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا يسرحوا ظهرهم فلما أصبحوا ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ودعا حين ركب قافلا اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم وروى الترمذي وحسنه عن جابر قالوا يا رسول الله احرفتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال اللهم اهدهم ثقيفا وايت بهم قال ابن إسحاق في رواية حاصر اهل الطائف ثلثين ليلة او قريبا من ذلك وفي رواية بضعا وعشرين ليلة وقيل عشرين يوما وقيل بضع عشرة ليلة قال ابن حزم هو الصحيح بلا شك وروى احمد ومسلم وعن انس انهم حاصروا الطائف أربعين ليلة واستغربه في الهداية قال البغوي حاصرهم بقية الشهر يعنى شوال

[سورة التوبة (9) : آية 27]

فلما دخل ذو القعدة وهو شهر حرام انصرف عنهم قلت هذا يوافق ما قال ابن حزم وعلى هذا لا دلالة فيه على القتال في الشهر الحرام كما ذكر من ادعى نسخ حرمة القتال فيها فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجعرانة فاحرم منها بعمرة قال الله تعالى. ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ ان يهديه الى الإسلام وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) قال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكر عن ابن عمر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين فلما أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة وهم اربعة عشر رجلا ورأسهم زهير بن صرد وفيهم بويرقان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وقد اسلموا فقال يا رسول الله انا اصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال يا رسول الله ان ما في الحظائر «1» من السبايا عماتك وخالاتك يعنى من الرضاع وحواضنك «2» اللاتي كن يكفلنك ولو انا ملحنا للحارث بن ابى شمر يعنى ملك الشام من العرب او للنعمان بن المنذر يعنى ملك العراق من العرب ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عايدنهما وعطفهما وأنت يا رسول الله خير المكفولين ثم انشد بعض الشعر وروى الصالحي عن زهير بن صرد الجشمي يقول لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ويوم هوازن وذهب يفرق السبي والشاء أتيته فانشاءت أقول امنن علينا رسول الله في كرم فانك المرأ نرجوه وننتظر وقرأ اشعارا قال فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشعر قال ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم وقالت قريش ما كان لنا فهو لله ولرسوله وقالت الأنصار ما كان لنا فهو لله ورسوله قال الصالحي هذا حديث جيد الاسناد عال جدا رواه ايضا المقدسي في صحيحه ورجح الحافظ بن حجر انه حديث حسن وروى البخاري في الصحيح حديث مروان ومسور بن محزمة قالا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسالوه ان يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم معى من ترون وأحب الحديث الىّ أصدقه فاختاروا احدى الطائفتين اما السبي واما المال قالوا فانا نختار

_ (1) جمع حظيرة وهو الذرب الذي يصنع للابل والغنم وكان السبي في خطاء مثلها 12. (2) الحاضنة المرضعة جمع حواضن 12.

سبيا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاثنى على الله بما هو اهله ثم قال اما بعد فان إخوانكم قد جاؤ تائبين وانى رايت ان أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم ان يطيب بذلك فليفعل ومن أحب ان يكون على حظه لغطيه إياه من أول ما يفى الله علينا فليفعل فقال الناس قد طبنا ذلك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا لا أدرى من اذن منكم في ذلك فمن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفائكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفائهم ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه فاخبروه انهم قد طيبوا وأذنوا روى ابو داود والبيهقي وابو يعلى عن ابى الطفيل قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بالجعرانة لحما فجاءت امراة بدوية فلما دنت من النبي صلى الله عليه وسلم بسط لها ردائه فجلست عليه فقلت من هذه فقالوا امه التي ارضعته وروى ابو داود في المراسيل عن عمرو بن السائب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا يوما فجاءه أبوه من الرضاعة فوضع بعض ثوبه فقعد عليه ثم أقبلت امه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر ثم جائه اخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسه بين يديه وقال محمد بن عمر لما هزم المشركون يوم حنين امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلب العدو وقال لخيله ان قدرتم على بجاد رجل من بنى سعد فلا يفلتن منكم وقد كان أحدث حدثا عظيما كان اتى رجلا مسلما فاخذه فقطعه عضوا عضوا ثم حرقه بالنار وكان قد عرف جرمه فهرب فاخذته الخيل فضموه الى الشيما بنت الحارث بن عبد العزى اخت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى من الرضاعة واتبعوها في الساق فجعلت شيما تقول انى والله اخت صاحبكم فلم يصدقوها فاتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا محمد انى أختك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علامة ذلك فارته عضة بابها مها فقالت عضة عضضيتها وانا متوركتك «1» بوادي السرب ونحن نرعى بهم أبيك وابى وأمك وأمي وقد نازعتك الثدي فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فوثب قائما بسط ردائه ثم قال اجلسي عليه وترحب بها ودمعت عيناه وسألها عن امه وأبيه فاخبره بموتهما فقال ان أحببت أقيمي عندنا محيته مكرمة وان أجبت ان ترجعى الى قومك وصلتك ورجعتك الى قومك قالت بل ارجع الى قومى فاسلمت فاعطاها

_ (1) اى جعلتك على وركي 12.

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثة اعبد وجارية وامر لها ببعير او بعيرين وقال لها ارجعي الى الجعرانة تكونين مع قومك فانى امضى الى الطائف فرجعت الى جعرانة ووافاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها نعما وشاء ولمن بقي من اهل بيتها وكلمته في بجاد ان يهيه لها ويعفو عنه ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق في رواية يونس بن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من رد سبايا هوازن ركب بعيره وتبعه الناس يقولون يا رسول الله اقسم علينا فيئا حتى اضطروه الى شجرة فانتزعت ردائه فقال يا ايها الناس ردوا على روائى فو الذي نفسى بيده لو كان عندى شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما القيتمونى بخيلا ولا كذا بالحديث قال ابن إسحاق اعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وكانوا اشرافا من اشراف العرب يأتلف بهم قلوبهم قال محمد بن عمر بالأموال فقسمها واعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس قال الصالحي فمنهم من اعطى مائة بعير ومنهم من اعطى خمسين وجميع ذلك يزيد على خمسين رجلا ثم ذكر الصالحي اسمائهم فذكرهم سبعا وخمسين رجلا روى الشيخان في الصحيحين عن حكيم بن حزام قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين مائة من الإبل فاعطانيها ثم سالته مائة فاعطانيها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حكيم ان هذا المال حلوة فمن أخذ بسخاوة نفس بورك فيه ومن اخذه بإسراف نفس لم يبارك فيه وكان كالذى يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول فقال حكيم والذي بعثك بالحق لا ازرى أحدا بعدك شيئا فكان عمر بن الخطاب يدعوه الى عطائه فيابى ان يأخذ فيقول عمر ايها الناس أشهدكم على حكيم بن حزام ادعوه الى عطائه فيابى ان يأخذ قال ابن ابى الزياد أخذ حكيم المائة الاولى فقط وترك الباقي واعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمر مائة وابو سفيان بن حرب ماية من الإبل وأعطاه أربعين اوقية فضة وابنه معاوية مائة من الإبل وأربعين اوقية فضة ويزيد بن ابى سفيان مائة بعير وأربعين اوقية وهكذا روى البخاري عن صفوان قال ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطينى من غنايم حنين وهو ابغض الخلق الىّ حتى ما خلق الله شيئا أحب الى منه وفي صحيح مسلم انه صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من النعم ثم

ماية ثم مائة قال محمد بن عمر يقال ان صفوان طاف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصفح الغنائم إذ مر بشعب مما أفاء الله على رسوله فيه غنم وابل ورعاء مملوا فاعجب صفوان وجعل ينظر اليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجبك هذا الشعب يا أبا وهب قال نعم قال هو لك بما فيه فقال صفوان اشهد انك رسول الله ما طابت بهذا نفس أحد قط الا نبى روى احمد ومسلم والبيهقي عن رافع بن خديج ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطى المؤلفة قلوبهم من سبى حنين كل رجل منهم مائة من الإبل وذكر الحديث وفيه اعطى العباس بن مرداس دون المائة فانشاء العباس يقول أتجعل نهبى ونهب العبيد بين عيينة والأقرع فما كان حصين ولا جالس يقومان مرداس في الجمع الى اخر الأبيات فاتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم المائة واعطى عثمان بن وهب وعدى بن قيس وعمير بن وهب وعلاء بن جارية ومخرمة بن نوفل وغيرهم كلواحد منهم خمسين بعيرا ثم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم ثم فضها على الناس فكانت سهمانهم لكل رجل منهم اربعة من الإبل او أربعين شاة فانكان فارسا أخذ اثنى عشر من الإبل او عشرين ومأته شاة وإن كان معه اكثر من فرس واحد لم يسهم له قلت عطائه صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم يبلغ اربعة آلاف بعيرا وزايدا عليه وقد مر فيما سبق ان ابل المغنم كانت اربعة وعشرين الف بعيرا الغنم اكثر من أربعين الف شاة وهى تساوى اربعة آلاف بعير فصار المجموع ثمانية وعشرون الف بعير فخمسة يكون اقل من خمسة آلاف بعير فعطا المؤلفة لا يخلوا اما ان يكون من راس الغنيمة او من جميع الخمس ولا يمكن ان يكون من خمس الخمس سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيلزم من هذا اما التنفيل بعد الاحراز بلا شرط سبق والصرف الخمس الى صنف واحد وجعل المؤلفة صنفا من الفقراء والله اعلم ولما كان رجال العسكر اثنى عشر الفا او ستة عشر الفا ومنهم الفرسان وصار سهم الراجل اربعة بعير والفارس اثنى عشر بعيرا فهذا يقتضى ان يبلغ الغنيمة ستين الف بعيرا واكثر او اقل ولعل ذلك بضم قيمة العروض والنقود الى المواشي والله اعلم قال محمد ابن إسحاق حدثنى محمد بن الحارث التيمي ان قائلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه قال

محمد بن عمر هو سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصين والأقرع بن حابس مأته وتركت جعيل بن سراقة الضمري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما والذي نفسى بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة بن حصين والأقرع بن حابس ولكنى اتالفها ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة الى إسلامه وروى البخاري عن عمرو بن ثعلب قال اعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما ومنع آخرين فكانهم عتبوا فقال انى لاعطى أقواما أخاف هلعهم وجوعهم وأكل أقواما الى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن ثعلب قال عمرو فما أحب ان لى بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم وفي هذا المقام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لاعطى الرجل وغيره أحب الى منه خشية ان يكبه الله في النار على وجهه رواه البخاري عن سعد بن ابى وقاص روى ابن إسحاق واحمد عن ابى سعيد الخدري واحمد والشيخان من طرق عن انس ابن مالك والشيخان عن عبد الله بن يزيد بن عاصم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب غنائم حنين وقسم المتألفين من قريش وسائر العرب ما قسم وفي رواية طفق يعطى رجالا المائة من الإبل ولم يكن في الأنصار منها شىء قليل ولا كثير وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم المقالة حتى قال قائلهم يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا لهو العجب يعطى قريشا وبتركنا وسيوفنا يقطر من دمائهم إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا ودوننا ممن كان هذا فان كان من الله صبرنا وإن كان من رسول الله استعتبناه فقال رجل من الأنصار لقد كنت أحدثكم ان لو استقامت الأمور لقد اثر عليكم فردوا عليه ردا عنيفا قال انس فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فقال ابو سعيد فمشى سعد بن عبادة فقال يا رسول الله ان هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم قال فبم قال فيما كان من قسمك هذا الغنائم في قومك وفي ساير العرب ولم يكن فيهم من ذلك شىء فقال اين أنت من ذلك يا سعد قال ما انا الا امرا من قومى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمع لى قومك في هذه الحظيرة فخرج سعد يصرح فيهم حتى جمعهم فجاء رجل من المهاجرين فاذن له فيهم وجاء آخرون فردهم حتى

إذا لم يبق من الأنصار أحد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله واثنى عليه بما هو اهله ثم قال يا معشر الأنصار الم تكن ضلالا فهداكم الله وعالة فاغناكم الله واعداء فالف بين قلوبكم قالوا بلى الله ورسوله أمن وأفضل فما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا الا قالوا الله ورسوله أمن وأفضل ثم قال لا تجيبون يا معشر الأنصار قالوا وما نقول يا رسول الله وبماذا نجيبك أمن لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم قال والله لو شئتم لقلتم وصدقتم وصدقتم جئتنا طريدا فاويناك وعائلا فآسيناك وخائفا فامنك ومخذولا فنصرناك ومكذبا فصدقناك فقالوا المن لله ولرسوله فقال فما حديث بلغني عنكم فسكتوا فقال ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار اما رأسنا فلم يقولوا شيئا واما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا يغفر الله لرسوله يعطى قريشا وتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لاعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم وفي رواية ان قريشا حديثوا عهد لجاهلية ومصيبة وانى أردت ان اجبرهم في رواية من الجبر ضد الكسر وفي رواية براء معجمة من الجائزة وأتألفهم اوجدتم يا معشر الأنصار في نفوسكم في لعاعة من الدنيا «1» تألفت بها قوما اسلموا ووكلتكم الى ما قسم الله لكم من الإسلام أفلا ترضون يا معشر الأنصار ان يذهب الناس الى رحالهم بالشاء والبعير وفي لفظ بالدنيا وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم الى رحالكم تحوزورنه الى بيوتكم فو الذي نفسى بيده لو ان الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار أنتم الشعار والناس الدثار الأنصار كرشى «2» وعيبتى «3» ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم وقالوا رضينا بالله وبرسوله حظا وقسما وذكر محمد بن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد حينئذ ان يكتب بالبحرين يكون خاصة بعده دون الناس وهى يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض فابوا وقالوا لا حاجة لنا بالدنيا بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم ستجدون بعدي اثرة «4» شديدة فاصبروا حتى تلقونى على الحوض قال اهل المغازي قال

_ (1) هى لقلة خضراء ناعمة شبه الدنيا لقلة بقائها 12. (2) الكرش مجمع العلف من الحيوان 12. (3) عينه مستودع الثياب 12. (4) اى استأثر عليكم بما لكم فيه اشتراك في الاستحقاق 12. [.....]

[سورة التوبة (9) : آية 28]

رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ما فعل مالك بن عوف قالوا يا رسول الله هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبروه انه ان يأتي مسلما رددت اليه اهله وماله وأعطيته مأته من الإبل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بحبس اهل مالك بمكة عند عمتهم أم عبد الله بنت ابى امية فلما بلغ مالكا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وان اهله وماله موفور وقد خاف مالك ثقيفا على نفسه وخاف ان يسمعوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال فيحبسونه فامر براحلته فقدمت له بوحناء وامر بفرس له فاتى به ليلا فخرج من الحصن فجلس على فرسه ليلا فركضه حتى اتى وحناء فركب بعيره فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فادركه بالجعرانة او بمكة فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اهله وماله وأعطاه مأته من الإبل واسلم فحسن إسلامه فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من اسلم من قومه من تلك القبائل من هوازن ودوسا وثقيفا وثمالة وكان قد ضوى اليه قوم مسلمون واعتقد لواء فكان يقاتل بهم من كان على الشرك ويميل بهم على ثقيف فيقاتلهم بهم ولا يخرج لثقيف سرح إلا غار عليه وكان لا يقدر على سرح الا اخذه ولا على رجل الا قتله وكان يبعث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخمس مما يغنم مرة مائة بعير ومرة الف شاة ولقد أغار على سرح لاهل الطائف فاستاق لهم الف شاة في غداة واحدة قال ابن إسحاق في رواية يونس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثقيف في رمضان سنة تسع فاسلموا وذلك بعد غزوة تبوك والله اعلم قال الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ مصدر من نجس ينجس على وزن سمع يسمع او كرم يكرم ولذا لا يثنى ولا يجمع ويستوى فيه الذكر والأنثى وحمله اما على المبالغة او بتقدير ذو في القاموس النجس بالفتح وبالكسر وبالتحريك وككتف وعضد ... ضد الطاهر قلت وهو ما يستقذره الطبع السليم ويطلق عليه النجاسة الحقيقية كالقاذورات والدم والحق بها الشارع النجاسات الحكمية من الحدث والجنابة وانقطاع الحيض والنفاس فهو ما يستقذره الشرع فالكافر نجس شرعا لانه خبيث لخبث باطنه ليستقذره الشرع

ويجب الاجتناب عنه كما يجب على المصلى الاجتناب عن النجاسة الحقيقية فلا يجوز موالاتهم قال الضحاك وابو عبيدة نجس يعنى قذر قال البغوي أراد به نجاسته الحكم لا نجاسة العين سموا نجسا على الذم وقال قتادة سماهم نجسا لانهم يجتبون فلا يغتسلون ويحدثون فلا يتوضؤن ولا يجتنبون من النجاسات وعن ابن عباس ان أعيانهم نجسة كالكلاب اخرج ابو الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صافح شركا فليتوضأ او ليغسل كفيه وهذا القول متروك بالإجماع فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ قالت الحنفية المراد به النهى عن الحج والعمرة لا عن الدخول مطلقا بدليل ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا رضى الله عنه ينادى في الموسم لا يحج بعد العام مشرك فظهر ان المراد منعهم عن الحج والعمرة فيجوز عنده دخول الكافر المسجد الحرام ودخول غيره بالطريق الاولى وورد النهى عن الاقتراب للمبالغة وقالت الشافعية هو نهى عن دخولهم الحرم لانهم إذا دخلوا بالحرم فقد اقتربوا من المسجد الحرام وهذا كما قال الله تعالى سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام وأراد به الحرم لانه اسرى به من بيت أم هاني قال البغوي رضى الله عنه جملة بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلثة اقسام أحدها الحرم فلا يجوز للكافران يدخله ذميا كان او مستامنا لظاهر هذه الآية وإذا جاء رسول من دار الكفار الى الامام والامام في الحرم لا يأذن له في دخول الحرم بل يبعث اليه من يسمع رسالته خارج الحرم والقسم الثاني من بلاد الإسلام الحجاز فلا يجوز للكافر الاقامة فيها اكثر من مقام السفر وهو ثلثة ايام لكن جاز له دخولها لما روى عن عمر بن الخطاب انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لئن عشت إنشاء الله لا خرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا ادع الا مسلما فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم واوصى فقال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب فلم يتفرغ لذلك ابو بكر واجلاهم عمر رضى الله عنهما في خلافته وأجل لمن يقدم منهم تاجرا ثلثا وجزيرة العرب من أقصى عدن أبين الى ريف العراق في الطول ومن جدة وما والاها من ساحل البحر الى الشام في العرض والقسم الثالث ساير بلاد الإسلام

يجوز للكافر ان يقيم فيها بذمة او أمان ولكن لا يدخلون المساجد الا بإذن مسلم وقال الحافظ ابن حجر المروي عن الشافعي التفضيل بين المسجد الحرام وغيره من المساجد فلا يجوز له دخول المسجد الحرام ويجوز له دخول غيرها من المساجد وعند المالكية والمزني لا يجوز للكافر دخول شيء من المساجد قياسا على المسجد الحرام وعقد البخاري بابا على دخول المشرك المسجد يعنى على جواز دخوله وذكر فيه حديث ابى هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا بل تجد فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سوارى المسجد وقد ذكرنا حديث قصة ثمامة بن أثال وإسلامه في سورة الأنفال في مسئلة جواز المن على الأسارى وهذا الاستدلال ضعيف لان قصة ثمامة بن أثال كان قبل فتح مكة وقد منع الكفار عن الحج او الدخول في المسجد الحرام في سنة تسع حيث قال الله تعالى بَعْدَ عامِهِمْ هذا ط يعنى العام الذي نزلت فيه سورة التوبة وحج فيه ابو بكر ونادى علىّ ببراءة وهى سنة تسع من الهجرة وقيل يوذن للكتابى خاصة بدخول المسجد قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري في باب دخول المشرك المسجد ان حديث الباب يرد على هذا القول فان ثمامة بن أثال لم يكن من اهل الكتاب والله اعلم قال البيضاوي في هذه الآية دليل على ان الكفار مخاطبون بالفروع نظرا الى انه سبحانه نهاهم عن اقتراب المسجد وهذا ليس بشيء فان الخطاب في الاية للمؤمنين حيث قال الله تعالى يا ايها الذين أمنوا انما المشركون نجس الآية فالمومنون مامورون بمنعهم عن المسجد الحرام وإن كان ظاهر الآية نهيا للكفار كيف ولو كان الكفار مخاطبين بالفروع كانوا مخاطبين مامورين بالحج إذ الحج من الفروع مع ان الآية يمنعهم عن الدخول والحج فيلزم التناقض ولو كانوا مخاطبين بهذه الاية بعدم الدخول وترك الحج لكانوا ممتثلين بتركهم الحج فيلزم ان يكونوا ماجورين مثابين في ذلك وذلك باطل والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس وابن جرير وابو الشيخ عن سعيد بن جبير وعكرمة وعطية العوفى والضحاك وقتادة وغيرهم انه كان المشركون يجيئون الى البيت ويجيئون معهم بالطعام فلما نهوا عن إتيان البيت ونزلت انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم

[سورة التوبة (9) : آية 29]

هذا شق على المسلمين وقالوا من يأتينا بالطعام وبالمتاع فانزل الله تعالى وَإِنْ خِفْتُمْ ايها المسلمون من اهل مكة عَيْلَةً يعنى فقرا وفاقة يقال عال يعيل عيلة فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ قيده بالمشية لينقطع بالآمال اليه ولينبه على انه متفضل في ذلك وان الغنى الموجود يكون لبعض دون بعض وفي عام دون عام إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بأحوال عباده حَكِيمٌ (28) فيما يعطى ويمنع قال عكرمة فاغناهم الله بان انزل عليهم المطر مدرارا فكثر خيرهم وقال مقاتل اسلم اهل جدة وصنعاء وجرش من اليمن وجلبوا الميرة «1» الكثيرة الى مكة فكفاهم الله تعالى ما كانوا يخافون وقال الضحاك وقتادة عوضهم الله منها الجزية فاغناهم بها وذلك قوله تعالى. قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ قال مجاهد نزلت هذه الآية حين امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الروم فغزا بعد نزولها غزوة تبوك فان قيل اهل الكتاب يؤمنون بالله واليوم الاخر أجيب بانهم لا يؤمنون على ما ينبغى فانهم إذا قالوا عزير بن الله والمسيح بن الله لم يكن ايمانهم بالله على حقيقة ولم يعتقدوا كونه أحدا صمدا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وإذا قالوا لا يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى وان النار لا يمسهم الا أياما معدودات واختلفوا في نعيم الجنة اهو من جنس نعيم الدنيا او غيره وفي دوامه وانقطاعه وقال بعضهم لا أكل فيها ولا شرب لم يكن ايمانهم بالآخرة على حقيقة فايمانهم كلا ايمان وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اى ما ثبت تحريمه بالكتاب والسنة وقيل المراد برسوله الذي يزعمون اتباعه والمعنى انهم يخالفون اصل دينهم المنسوخ اعتقادا وعملا فان موسى وعيسى امرا باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ اى لا يدينون الدين الحق أضاف الاسم الى الصفة وقال قتادة الحق هو الله اى لا يدينون دين الله فان الدين عند الله الإسلام وقيل الحق الإسلام والمعنى دين الإسلام وقال ابو عبيدة معناه لا يطيعون الله طاعة اهل الحق مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بيان للذين لا يؤمنون يعنى اليهود والنصارى

_ (1) هى الطعام ونحوه مما يجلب للبيع 12.

حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وهى في اللغة الجزاء وانما بنيت على فعلة للدلالة على الهيئة وهى هيئة الاذلال عند العطاء على ما ستعرف والمراد به الخراج المضروب على رقابهم وقيل هى مشتق من جزى دينه إذا قضاه عَنْ يَدٍ حال من الضمير اى عن يد مواتية غير ممتنعة يعنى منقادين او عن يد من يعطى خراجه يعنى مسلمين بايديهم غير باعثين بايدى غيرهم كذا قال ابن عباس ولذلك يمنع من التوكيل في أداء الجزية او المعنى عن قهر وذل قال ابو عبيدة يقال لكل من اعطى شيئا كرها من غير طيب نفس أعطاه من يد وقيل معنى عن يد نقد الانسية وقيل عن اقرار بانعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم عوضا عن القتل وَهُمْ صاغِرُونَ (29) أذلاء مقهورون قال عكرمة يعطون الجزية قياما والقابض جالس وعن ابن عباس قال يوخذ ويوطا عنقه وقال الكلبي إذا اعطى صفع في قفاه وقيل يوخذ بلحيته فيضرب في لهزمته وقيل يليب ويجر الى موضع الإعطاء بعنف وقيل إعطائه إياه وهو الصغار وقال الشافعي الصغار هو جريان احكام الإسلام عليهم ظاهر هذه الآية يقتضى ان انتهاء القتال بإعطاء الجزية مختص باهل الكتاب ولاجل هذه لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر رواه البخاري في صحيحه من حديث بجالة بن عبدة واختلف كلام الشافعي في بجالة فقال في الحدود مجهول وقال في الجزية حديث ثابت ولاجل هذا الحديث انعقد الإجماع على جواز أخذ الجزية من المجوس- (مسئلة) اختلف العلماء في باب الجزية فقال ابو حنيفة توخذ من اهل الكتاب على العموم عربيا كان او أعجميا ومن مشركى العجم على العموم مجوسيا كان او وثنيا الا المرتدين وقال ابو يوسف يوخذ من اهل العجم دون اهل العرب كتابيا كان او مشركا وقال مالك والأوزاعي يوخذ من كل كافر عربيا كان او أعجميا الا مشركى قريش خاصة والمرتدين وذهب الشافعي الى ان الجزية على الأديان لا على الإنسان فيوخذ من اهل الكتاب عربا وعجما ولا يوخذ من اهل الأوثان بحال واما المجوس فهم عنده اهل كتاب لما روى مالك في الموطإ والشافعي في الام عنه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عمر قال ما أدرى ما اصنع في أمرهم يعنى المجوس

فقال له عبد الرحمن بن عوف اشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة اهل الكتاب وقال الشافعي ثنا سفيان عن سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال قال فروة بن نوفل على ما يوخذ الجزية من المجوس فليسوا باهل كتاب فقام اليه المستورد فاخذ بلبته وقال يا عدو الله أتطعن أبا بكر وعمر وامير المؤمنين يعنى عليا وقد أخذوا منهم الجزية فذهب الى القصر فخرج عليهم على فقال ايته انا اعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وان ملكهم سكر فوقع على ابنته او امه فاطلع عليه بعض اهل مملكته فلما صحا جاؤا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم فدعى اهل مملكته فقال تعلمون دينا خيرا من دين آدم قد كان آدم ينكح بنيه ببناته فانا على دين آدم وما يرغب بكم عن دينه فبايعوه وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم فاصبحوا وقد اسرى علمائهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم وهم اهل كتاب وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر منهم الجزية ذكر الحديث ابن الجوزي في التحقيق وقال سعيد بن مرزبان مجروح قال يحيى بن سعيد لا استحل ان يروى عنه وقال يحيى ليس بشى ولا يكتب حديثه وقال القلاس متروك الحديث وقال ابو اسامة كان ثقة وقال ابو ذرعة صدوق مدلس قلت وذكر ابو يوسف في كتاب الخراج قال حدثنا سفيان بن عيينة عن نضر بن عاصم الليثي عن على بن ابى طالب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر أخذوا الجزية من المجوس وقال انا اعلم الناس بهم كانوا اهل كتاب يقرؤنه وعلم يدرسونه فنزع من صدورهم قال ابو يوسف وحدثنا نصر بن خليفة ان فروة بن نوفل الأشجعي قال ان هذا الأمر عظيم يوخذ من المجوس الخراج وليسوا أبا هل الكتاب قال فقام اليه مستوردين الأحنف قال طعنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتب والا قتلتك وقال قد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجوس اهل هجر الخراج قال فارتفعا الى على رضى الله عنه فقال انا احدثكما بحديث ترضيانه جميعا عن المجوس ان المجوس كانوا امة لهم كتاب يقرونه وان ملكا شرب حتى سكر فاخذ بيد أخته فاخرجها من القرية واتبعه اربعة رهط فوقع عليها وهم ينظرون اليه فلما أفاق من سكره قالت له أخته انك صنعت كذا وفلان وفلان

وفلان وفلان ينظرون إليك فقال ما علمت ذلك قالت فانك مقتول الا ان تطيعنى قال فانى أطيعك قالت فاجعل هذا دينا وقل هذا دين آدم وقل حواء من آدم وادع الناس اليه واعرضهم على السيف فمن بايعك فدعه ومن ابى فاقتله ففعل فلم يتابعه أحد فقتلهم يومئذ حتى الليل فقالت له انى ارى الناس قد احتروا على السيف وهم على النار لكع فاوقد لهم نارا ثم اعرضهم علينا ففعل وهاب الناس من النار فبايعوه قال على رضى الله عنه فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج لاجل كتابهم وحرم مناكحهم وذبائحهم لشركهم وروى ابن الجوزي في التحقيق ان ابن عباس قال ان اهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية والجواب ان قوله صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة اهل الكتاب لا يدل على كونهم من اهل كتاب ولا على ان يفعل بهم كل ما يفعل باهل الكتاب بل يدل على جواز أخذ الجزية منهم للاجماع على انه لا يجوز مناكحه نسائهم ولا أكل ذبائحهم وما ذكر من حديث على حجة لنا لا علينا لانهم وإن كان أسلافهم اهل كتاب يدرسونه لكنهم منذ تركوا ذلك الدين والعمل بالكتاب ورفع العلم منهم وكتب لهم إبليس المجوسية لم يبقوا اهل كتاب ومن هاهنا اتفق العلماء على ان المجوس ليسوا باهل كتاب الا في قول للشافعى وفي قول هو مع الجمهور انهم ليسوا باهل كتاب قلت ولو كفى كون أسلافهم من اهل الكتاب لكان عبدة الأوثان من اهل الهند اولى بهذا الاسم فانهم يقرؤن الكتاب ويدرسونه ويسمونه بيد وهى اربعة اجزاء ويزعمونه من عند الله تعالى ويوافق أصولهم في كثير من الأمور بأصول الشرع وما يخالف الشرع فذلك من اختلاطات الشيطان كما تفرق فرق الإسلام الى ثلث وسبعين فرقة بتخليطه الشيطان ودعوتهم هذا مؤيد من الشرع حيث قال الله تعالى وان من امة الا خلا فيها نذير فهم اولى من المجوس في كونهم اهل كتاب لان ملك المجوس لما سكر وزنا بأخته ترك دينه وكتابه وادعى دين آدم وهؤلاء الكفار لم يفعلوا ذلك الا انهم كفروا بتركهم الايمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر لى ان في الجزء الرابع من بيد بشارة ببعثة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم حتى اسلم بعض من قرأ ذلك الجزأ والله اعلم وقد يحتج للشافعى على ان الوثني

لا يوخذ منهم الجزية بان القتال واجب بقوله تعالى قاتلوهم حتى لا تكون فتنة الا انا عرفنا جواز تركه في حق اهل الكتاب بالكتاب وفي حق المجوس بالخبر يعنى انه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس الهجر فبقى من ورائهم على الأصل قلنا قوله تعالى قاتلوا المشركين خص منه المجوس بالإجماع فجاز تخصيصه بالمعنى وبالحديث اما المعنى فان عبدة الأوثان في معنى المجوس فانهم مشركون كهيئتهم وكون أصولهم من اهل الكتاب لا يفيدهم وايضا يجوز استرقاقهم بالإجماع فيجوز ضرب الجزية عليهم إذ كلواحد منهما يشتمل على سلب النفس منهم فانه يكتسب ويودى الى المسلمين ونفقته في كسبه واما الحديث فحديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا امر أميرا على جيش او سرية أوصاه في خاصة بتقوى الله ... ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تقلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى ثلث خصال او خلال فايتهم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم الى الإسلام فان أجابوك فاقبل منهم وكف ثم ادعهم الى التحول من دارهم الى دار الهجرة فاخبرهم انهم ان فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فان أبوا ان يتحولوا منها فاخبرهم انهم يكونون كاعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله الذي يجرى على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفى شيء الا ان يجاهدوا مع المسلمين فان هم أبوا فسلهم الجزية فان هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فان هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم الحديث رواه مسلم والحجة على جواز أخذ الجزية من الكتابي العربي حديث انس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى أكيدر دومة فاخذوه فاتوا به فحقن دمه وصالحه على الجزية رواه ابو داود وروى ابو داود والبيهقي من حديث يزيد بن رومان وعبد الله بن ابى بكر ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد الى البدر بن عبد الملك رجل من كندة كان ملكا على دومة فذكره مطولا وفيه انه صالحه على الجزية قال الحافظ ان ثبت ان أكيدر كان كنديا ففيه دليل على ان الجزية لا يختص بالعجم من اهل الكتاب لان أكيدر عربى وإذا ثبت ان الجزية لا يختص باهل الكتب ولا باهل

العجم ثبت مذهب ابى حنيفة ومالك غير ان أبا حنيفة يقول لا يجوز أخذ الجزية من عبدة الأوثان من اهل العرب ولا استرقاقهم اخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري انه صلى الله عليه وسلم صالح عبدة الأوثان الا من كان من العرب قال ابو حنيفة ان النبي صلى الله عليه وسلم نشأ بين اظهر العرب والقرآن نزل بلغتهم فالمعجزة في حقهم اظهر فلا يقبل منهم الا الإسلام او السيف وكذا المرتد فانه كفر بربه بعد ما هدى الى الإسلام ووقف على محاسبه فلا يقبل منه الا الاستلام او السيف ذكر محمد بن الحسن عن مقسم عن ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم قال لا يقبل من مشركى العرب الا الإسلام او القتل وإذا ظهر على عبدة الأوثان من العرب او المرتدين يسترق نسائهم وصبيانهم لان النبي صلى الله عليه وسلم استرق ذرارى أوطاس وهوازن وهم من مشركى العرب وكذا ذرارى بنى المصطفى وغيرهم وابو بكر استرق ذرارى بنى حنيفة لما ارتدوا وقسمهم بين الغانمين وكانت منهم أم محمد بن على بن ابى طالب وأم زيد بن عبد الله بن عمر ثم ان ذرارى المرتدين ونسائهم يجبرون على الإسلام بعد الاسترقاق بخلاف ذرارى عبدة الأوثان وقال الشافعي يسترق ذرارى عبدة الأوثان من العرب والجواب لابى يوسف ان أخذ الجزية من كفار العرب كتابيا كان او مشركا وان ثبت بحديث أخذ الجزية من أكيدر لكنه نسخ بالأحاديث الواردة في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وان لا يترك فيها الا مسلما فان أخذ الجزية من كفار العرب فرع تركهم فيها عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اوصى بثلث قال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بما كنت اجيزهم قال ابن عباس وسكت عن الثالثة او قال نسيتها متفق عليه وعن جابر بن عبد الله قال أخبرني عمر بن الخطاب انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لاخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا ادع فيها الا مسلما رواه مسلم وروى مالك في الموطإ عن ابن شهاب مرسلا لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ووصله صالح بن ابى الأخضر ... عن الزهري عن سعيد عن ابى هريرة أخرجه إسحاق في مسنده وروى احمد والبيهقي عن ابى عبيدة بن الجراح آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم ان قال اخرجوا اليهود من

الحجاز واهل نجران من جزيرة العرب- (مسئلة) اختلفوا في قدر الجزية فقال ابو حنيفة ان وضع الجزية بالتراضي والصلح فيقدر بحسب ما يقع عليه الصلح كما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل نجران على الفى حلة روى ابو داود عن ابن عباس قال صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل نجران على الفى حلة النصف في صفر والنصف في رجب وقال ابو يوسف في كتاب الخراج وابو عبيدة في كتاب الأموال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اهل نجران الى ان قال الفى حلة كل حلة اوقية يعنى قيمة اوقية قال ابن همام فقول الولوجى كل حلة خمسون درهما ليس بصحيح لان الاوقية أربعون درهما والحلة ثوبان إزار ورداء ويعتبر هذه الحلل في مقابلة روسهم وأراضيهم قال ابو يوسف الفاحلة على أراضيهم وعلى جزية رؤسهم يقسم على روس الرجل الذين لم يسلموا وعلى كل ارض من أراضي نجران وان كان بعضهم قد باع ارضه او بعضها من مسلم او ذمى او تغلبى والمرأة والصبى في ذلك سواء في أراضيهم واما جزية روسهم فليس على النساء والصبيان وروى ابن ابى شيبة انه صالح عمر نصارى بنى تغلب على ان يؤخذ منهم ضعف ما يوخذ من المسلم المال الواجب وان غلب عليهم الامام واقرهم على املاكهم فيضع على الغنى الظاهر الغنى في كل سنة ثمانية وأربعين درهما يأخذ منهم في شهر اربعة دراهم وعلى وسط الحال اربعة وعشرون درهما في كل شهر درهمان وعلى الفقير المعتل اثنا عشر درهما في كل شهر درهم إذا كان صحيحا في اكثر السنة عند ابى حنيفة رحمه الله وقال مالك في المشهور عنه على الغنى والفقير جميعا اربعة دنانير في السنة او أربعين درهما لا فرق بينهما وقال الشافعي الواجب دينار يستوى فيه الغنى والفقير وعن احمد اربع روايات أحدها كقول ابى حنيفة والثانية انها مفوضة الى راى الامام وليست بمقدرة وبه قال الثوري والثالثة انه يقدر الأقل منها بدينار دون الأكثر والرابعة انها في اهل اليمن خاصة مقدر بدينار دون غيرهم اتباعا لحديث ورد فيهم عن معاذ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وجهه الى اليمن امره ان يأخذ من كل حالم دينارا او عدله المعافر ثياب يكون بايمن رواه ابو داود والترمذي والنسائي والدار قطنى وابن حبان والحاكم وبه أخذ الشافعي على الإطلاق قال

ابو داود وحديث منكر وقال بلغني عن احمد انه كان ينكره وذكر البيهقي الاختلاف فيه فبعضهم رواه عن الأعمش عن ابى وائل عن مسروق عن معاذ وقال بعضهم عن الأعمش عن ابى وائل عن مسروق ان النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ الحديث وأعله ابن حزم بالانقطاع وان مسروقا لم يلق معاذا وقال الحافظ ابن حجر فيه نظر وقال الترمذي حديث حسن وذكر ان بعضهم رواه مرسلا وانه أصح ومذهب ابى حنيفة منقول عن عمر وعثمان وعلى ذكر الاصحاب في كتبهم عن عبد الرحمن بن ابى ليلى عن الحكم ان عمر بن الخطاب وجه حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف الى السواد فمسحا ارضها ووضعا عليها الخراج وجعلا الناس ثلث طبقات على ما قلنا فلما رجعا أخبراه بذلك ثم عمل عثمان كذلك وروى ابن ابى شيبة ثنا على بن مسهر الشيباني عن ابن عون محمد بن عبد الله الثقفي قال وضع عمر بن الخطاب في الجزية على رؤس الرجال على الغنى ثمانية وأربعين درهما وعلى المتوسط اربعة وعشرون وعلى الفقير اثنى عشر درهما وهو مرسل ورواه ابن زنجويته في كتاب الأموال ثنا مندل عن الشيباني عن ابن عون عن المغيرة بن شعبة ان عمر وضع الحديث الى آخره وطريق آخر رواه ابن سعد في الطبقات الى نضرة ان عمر بن الخطاب وضع الجزية على اهل الذمة فيما فتح البلاد فوضع على الغنى الى آخر ما ذكر ومن طريق آخر أسنده عبد القاسم بن سلام الى حارثة بن مضر عن عمر انه بعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم ثمانية وأربعين واربعة وعشرين واثنا عشر وقد كان ذلك بمحضر من الصحابة بلا نكير فحل محل الإجماع وقال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى السرى بن اسمعيل عن عامر الشعبي ان عمر بن الخطاب مسح السواد فبلغ ستة وثلثين الف الف جريب وانه وضع على جريب الزرع درهما وقفيزا على الكرم عشرة دراهم وعلى الرطبة خمسة دراهم وعلى الرجل اثنى عشر درهما واربعة وعشرون وثمانيته وأربعون درهما قال وحدثنى سعيد بن ابى عروية عن قتادة عن ابن مجلز قال بعث عمر بن الخطاب عمار بن ياسر على الصلاة والحرب وبعث عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال وبعث عثمان بن حنيف على مساحة الأرض وجعل بينهم شاة كل يوم شطرها وبطنها لعمار وربعها لعبد الله بن مسعود والربع الاخر لعثمان بن حنيف

وقال انى أنزلت نفسى وإياكم بهذا المال بمنزلة والى اليتيم فان الله قال من كان غينا فليستعفف ومن كان فقيرا فلياكل بالمعروف والله ما ارى أرضا يوخذ منها شاة في كل يوم الا سيسرع ضرابها قال فمسح عثمان الأرضين فجعل على جريب العنب عشرة وعلى جريب النخل ثمانية وعلى جريب القصب ستة وعلى جريب الحنطة اربعة وعلى جريب الشعير درهمين وعلى الراس اثنا عشر درهما واربعة وعشرين وثمانية وأربعين وعطل من ذلك النساء والصبيان قال سعيد وخالفنى بعض أصحابي فقال على جريب النخل عشرة وعلى جريب العنب ثمانية قال وحدثنى محمد بن إسحاق عن حارثة بن مطرف عن عمر انه أراد ان يقسم السواد بين المسلمين فامر بهم ان يحصوا فوجد الرجل نصيبه الاثنين والثلاثة من العلاجين فشاور اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال على رضى الله عنه وعنهم يكونون مادة للمسلمين فبعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم ثمانية وأربعين واربعة وعشرين واثنا عشر وأجاب الحنفية عن حديث معاذ انه محمول على انه كان صلحا فان اليمن لم يفتح عنوة بل صلحا فوقع على ذلك وبان كان اهل اليمن اهل فاقة والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك ففرض عليهم ما على الفقراء يدل على ذلك ما رواه البخاري عن ابي نجيح قلت لمجاهد ما شان اهل الشام عليهم اربعة دنانير واهل اليمن عليهم دينار قال جعل ذلك من قبل اليسار ووجه قول الثوري واحمد انه صلى الله عليه وسلم امر معاذا بأخذ الدينار وصالح نصارى نجران على الفى حلة وجعل عمر الجزية على ثلث طبقات كما قال ابو حنيفة وصالح بنى تغلب على ضعف ما يوخذ من المسلمين فهذا يدل على انه لا تقدير فيه بل هو مفوض الى راى الامام- (مسئلة) لا يوخذ الجزية من فقير غير معتمل عند ابى حنيفة ومالك واحمد وللشافعى فيه اقوال أحدها انه لا يوخذ منه والثاني انه يجب عليه لكن يطالب عند يساره والثالث انه إذا حال عليه الحول ولم يتيسر له الحق بدار الحرب له اطلاق قوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ خذ من كل حالم ولنا ان عثمان بن حنيف لم يوظف الجزية على فقير غير معتل روى ابن رنجوية في كتاب الأموال ثنا الهشيم بن عدى عن عمر بن نافع حدثنى ابو بكر العنبسى صلة بن زفر قال ابصر عمر شيخا كبيرا من اهل الذمة ليال فقال له مالك قال ليس لى

مال وان الجزية يوخذ منى فقال له عمر ما انصفناك أكلنا شبيبتك ثم ناخذ منك الجزية ثم كتب عمر الى عماله ان لا تأخذوا الجزية من شيخ كبير «1» وقد جاء في بعض طرقه وعلى الفقير المكتسب اثنا عشر أخرجه البيهقي قال ابو يوسف حدثنى عمرو بن نافع عن ابى بكر قال مر عمر بن الخطاب بباب قوم وعليه سائل شيخ كبير ضرير البصر فذكر نحوه وقال فوضع عنه الجزية وعن ضربائه قال ابو بكر انا شهدت ذلك من عمر ورايت ذلك الشيخ وقال ابو يوسف حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن الخطاب انه مر بطريق الشام هو راجع في مسيره من الشام على قوم قد اقيموا في الشمس يصب على روسهم الزيت فقال ما بال هؤلاء قالوا عليهم الجزية لم يؤدوا فهم يعذبون حتى يؤدوا قال عمر فما يقولون ما يعتذرون في الجزية قالوا يقولون لا نجد قال فدعوهم لا تكلفوهم مالا يطيقون فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تعذبوا الناس فان الذين يعذبون الناس في الدنيا يعذبهم الله يوم القيامة وامر بهم فخلى سبيلهم وقال ابو يوسف وحدثنى بعض المشيخة المتقدمين يرفع الحديث الى النبي صلى الله عليه وسلم انه ولى عبد الله بن أرقم على جزية اهل الذمة فلما ولى من عنده ناداه فقال الا من ظلم معاهدا وكلفه فوق طاقته او ينقصه او أخذ منه شيئا بغير طيبة نفسه فانا حجيجه يوم القيامة وهذا الحديث يؤيد مذهب احمد ان الجزية مفوض الى راى الامام ينظر طاقة الذمي ولا يكلفه فوق طاقته- (مسئلة) لو وجبت الجزية على كافر بتمام السنة بعد عقد الذمة فلم يؤدها حتى اسلم فعند الشافعي يوخذ منه جزية ما مضى لان الجزية اجرة الدار وقد استوفى سكنى الدار كما هو أحد قوليه او وجبت بدلا عن العصمة الذي يثبت للذمى بعقد الذمة كما هو قوله الآخر وقد وصل اليه المعوض وهو حقن دمه وسكناه فتقرر البدل دينا عليه في ذمته فلا يسقط عنه كساير الديون وعند ابى حنيفة ومالك واحمد يسقط الجزية بإسلامه لان الجزية عقوبة على الكفر ولا عقوبة بعد التوبة وهى غاية للقتال منه ... لهذه الاية

_ (1) وروى عن عمر بن الخطاب انه مر برجل من اهل الكتاب مطروح على باب قال استكدونى وأخذوا منى الجزية حتى كف بصرى فليس أحد يعود على بشيء فقال عمر ما انصفنا إذا ثم قال هذا من الدين قال الله انما الصدقات للفقرا والمساكين ثم امر له برزق يجرى عليه.

وقد انتهى القتال بالإسلام وكون الجزية اجرة الدار ممنوع فانه يسكن دار ملكه لنا حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم جزية رواه احمد والترمذي وابو داود قال ابو داود سئل سفيان الثوري عن هذا فقال يعنى إذا اسلم فلا جزية عليه وباللفظ الذي فسر به سفيان الثوري رواه الطبراني في معجمه الأوسط عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اسلم فلا جزية عليه وضعف ابن القطان من رواة حديث ابن عباس قابوس بن ابى الظبيان وليس قابوس في سند الطبراني قال ابن همام هذا الحديث بعمومه يوجب سقوط ما كان استحق عليه قبل إسلامه بل هو المراد بخصوصه لانه موضع الفائدة إذ عدم الجزية على المسلم ابتداء من ضروريات الدين في الاخبار به من جهة الفائدة ليس كالاخبار بسقوطها في حال البقاء قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى شيخ من علماء الكوفة قال جاء كتاب عمر بن عبد العزيز الى عبد الحميد بن عبد الرحمن كتبت الى تسالنى عن أناس من اهل الحيرة يسلمون من اليهود والنصارى والمجوس وعليهم جزية عظيمة وتستأذن في أخذ الجزية منهم وان الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم داعيا الى الإسلام ولم يبعثه جابيا فمن اسلم من اهل تلك الملل فعليه في ماله الصدقة ولا جزية عليه فان قيل ما الفرق بين الخراج والجزية والاسترقاق مع ان كلواحد منها عقوبة على الكفر فكيف يقولون بسقوط الجزية وعدم سقوط الخراج والرق قلنا في الجزية ذل ظاهر ومبناه على الصغار والخراج فيه معنى المئونة فان صاحب الأرض لا يتمكن من الزراعة من غير حماية السلطان والمقاتلة فكانه يعطى اجر مؤنتهم واما الرقيق فقد تعلق به ملك شخص معين بخلاف الجزية فانه لم يتعلق بها ملك شخص معين بل فيه استحقاق للعامة والحق الخاص فضلا عن العام ليس كالملك الخاص- (مسئلة) الجزية يجب باول الحول عند ابى حنيفة وهى رواية عن مالك فيجوز مطالبة جزية سنة فورا بعد عقد الذمة وقال الشافعي واحمد يجب ما جزه وهو المشهور عن مالك فلا يملك المطالبة حتى يمضى السنة فان مات في أثناء السنة او بعد تمامها ولم يؤد

الجزية سقطت بموته عند ابى حنيفة واحمد وقال مالك والشافعي لا تسقط والوجه لهما ما ذكرنا انه بدل للسكنى او لحقن الدم وقد استوفى المعوض فصار البدل دينا يوخذ من تركته ولنا انه عقوبة دنيوية والعقوبات الدنيوية تسقط بالموت كالحدود- (مسئلة) إذا لم يؤد الذمي الجزية سنتين او اكثر يتداخل ويوخذ منه جزية واحدة عند ابى حنيفة واحمد وقال الشافعي يوخذ لكل سنة جزية له ما ذكرنا انه استوفى المعوض فصار العوض دينا ولنا انها عقوبة محضة وليس الغرض منها المال بل الاذلال ولذالك لا يوخذ من يد نائبه كما ذكرنا من قبل وكفارات الفطر مع انها عبادة فيه معنى العقوبة تتداخل فكيف الجزية فانها عقوبة محضة والاذلال يحصل يأخذها مرة والله اعلم- (مسئلة) ولا جزية على الصبيان والمجانين اتفاقا فانهم ليسوا أهلا لعقوبة ولا على النساء ايضا اجماعا قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنا عبيد الله عن نافع عن اسلم مولى عمر قال كتب عمر ان اقبلوا الجزية ممن جرت عليه المواشي ولا تأخذوا من امرأة ولا صبى ولا تأخذوا الجزية الا اربعة دنانير او أربعين درهما يعنى لا تأخذوا اكثر منه وروى البيهقي من طريق زيد بن اسلم عن أبيه ان عمر كتب الى أمراء الأجناد لا تضربوا الجزية الا على من جرت عليه المواشي وكان لا يضرب على النساء والصبيان وروى من طريق آخر بلفظ لا تضعوا الجزية على النساء والصبيان- (مسئلة) ولا جزية على المملوك قنا كان او مكاتبا او مدبرا او ابنا لام الولد إذ لا مال لهم ولا يتحمل عنهم مواليهم لانهم تحملوا الزيادة لاجلهم يعنى وجب عليهم جزية الاعتباء بسبيهم وما روى ابو عبيدة في كتاب الأموال عن عروة قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اهل اليمن انه من كان على يهودية ونصرانية فانه لا ينتزع عنها وعليه الجزية على كل حالم ذكرا او أنثى عبدا او امة دينارا وقيمته وروى ابن زنجوبة عن الحسن فذكر نحوه مرسلان ضعيفان يقوى أحدهما الآخر لكن الامة ترك العمل بهما اجماعا فلا عبرة بهما وكذا ما روى ابو عبيد عن عمر قال لا تشتر رقيق اهل الذمة فانهم اهل خراج يؤدى بعضهم عن بعض-

(مسئلة) إذا امتنع الذمي من أداء الجزية او امتنع من اجراء حكم من احكام الإسلام او قتل مسلما او اجمع على القتال او زنى بمسلمة وأصابها باسم نكاح او افتن مسلما عن دينه او قطع عليهم الطريق او صار للمشركين جاسوسا او أعان على المسلمين بدلالة او كتب الى المشركين اخبار المسلمين وأطلعهم على عوراتهم ينقض عهده عند احمد في اظهر الروايتين لما روى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرت ان أبا عبيدة بن الجراح وأبا هريرة قتلا كتابيين أرادا امراة على نفسها مسلمة وروى البيهقي من طريق الشعبي عن سويد بن غفلة قال كنا عند عمر وهو امير المؤمنين بالشام إذا نبطى مضروب مسح يستعدى فغضب وقال لصهيب انظر من صاحب هذا فذكر القصة فجاء به وهو عوف بن مالك فقال رايته يسوق بامراة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها فلم يصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار فغشيها ففعلت به ما ترى قال عمر والله ما على هذا عاهدناكم فامر به فصلت ثم قال ايها الناس فوا بذمة محمد صلى الله عليه وسلم فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له وفي رواية عن احمد لا ينتقض الا بالامتناع من بذل الجزية واجراء أحكامنا عليه وقال الشافعي ينتقض بمنع الجزية وامتناع اجراء احكام الإسلام وبالإجماع على قتال المسلمين لا غير الا إذا شرط عند عقد الذمة هذه الأمور المذكورة فح ينتقض عهده بإتيانها وقال مالك لا ينتقض بالزنا بمسلمة ولا باصابتها باسم النكاح ويقطع الطريق وينتقض بما سوى ذلك وقال القاسم من أصحابه بقطع الطريق ايضا وقال ابو حنيفة ينتقض عهده بان يلتحق بدار الحرب او كان له منعة وغلب على موضع وأراد المحاربة لانهم صاروا حربا علينا فيعرى عقد الذمة عن الفائدة وفيما سوى ذلك لا ينتقض عهده لان الغاية التي ينتهى به القتال التزام الجزية لا أدائها والالتزام باق ومن لا منعة له لا عبرة بامتناعه فان الامام يقدر عليه بالحبس والضرب وغير ذلك- (مسئلة) وفي ذكر الله عز وجل بما لا يليق بجلاله او ذكر كتابه المجيد او ذكر دينه القويم او ذكر رسوله الكريم بما لا ينبغى ينتقض عهده عند احمد سواء شرط منه ذلك اولا وكذا قال مالك انه إذا ذكر منهما بغير ما كفروا به ينتقض عهده وقال اكثر اصحاب

الشافعي ان لم يشترط لا ينتقض عهده وان شرط ينتقض وذكر صاحب الهداية مذهب الشافعي انه ينتقض لان المؤمن ينتقض به إيمانه فالذمى ينتقض به امانه إذ عقد الذمة خلف عن الايمان وذكر صاحب الهداية مذهب ابى حنيفة ان بسب النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتقض عهده لان سبه عليه السلام كفر والكفر المقارن لا يمنعه فالطارى لا يرفعه قال ابن همام يويده ما روى عن عايشة ان رهطا من اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك فقال وعليكم قالت ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة فقال صلى الله وسلم مهلا يا عايشة فان الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله قالت فقلت يا رسول الله الم تسمع ما قالوا قال عليه السلام قد قلت وعليكم وفي رواية عليكم بغير واو متفق عليه وفي رواية رددت عليهم فيستجاب لى فيهم ولا يستجاب لهم في قال ابن همام ولا شك ان هذا سب منهم له عليه الصلاة السلام ولو كان نقضا للعهد لقتلهم وفي الفتاوى من مذهب ابى حنيفة ان من سب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل ولا يقبل توبته سواء كان مؤمنا او كافرا وبهذا يظهر انه ينتقض عهده ويؤيده ما روى ابو يوسف عن حفص بن عبد الله بن عمر ان رجلا قال له سمعت راهبا سب النبي صلى الله عليه وسلم فقال له لو سمعته لقتلته انا لم نعطهم العهود على هذا وقال ابن همام والذي عندى ان سبه عليه السلام او نسبته الى ما ينبغى الى الله تعالى ان كان مما لا يعتقدونه كنسبة الولد الى الله تعالى الذي يعتقده النصارى واليهود إذا أظهروا يقتل به وينتقض عهده وان لم يظهروا ولكنه عثر عليه وهو يكتمه فلا لان دفع القتل والقتال عنهم بقبول الجزية الذي هو المراد بالإعطاء مقيد بكونهم صاغرين أذلاء بالنص ولا خلاف ان المراد استمرار ذلك لا عند مجرد القبول واظهار ذلك منه ينافى قبول الجزية الدافع لقتله لانه الغاية في التمرد وعدم الالتفات والاستخفاف بالإسلام والمسلمين فلا يكون جاريا على العقد الذي يدفع عنه القتال وهو ان يكون صاغرا ذليلا واما اليهود المذكورون في حديث عايشة فلم يكونوا اهل ذمة بمعنى.... اعطائهم الجزية بل كانوا اصحاب موادعة بلا مال يوخذ منهم دفعا لشرهم الى ان أمكن الله منهم لانه لم يوضع قط جزية على اليهود المجاورين من قريظة

[سورة التوبة (9) : آية 30]

والنضير قال ابن همام هذا البحث يوجب انه إذا استعلى ذمى على المسلمين على وجه صار مستمرا عليه حل للامام قتله او يرجع الى الذل والصغار والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ونعمان بن اوفى وابو انس ومحمد بن دحية وشاس بن قيس ومالك بن الضيف فقالوا كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وانك لا تزعم ان عزير ابن الله فانزل الله تعالى. وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ قرأ عاصم والكسائي ويعقوب عزير بالتنوين على انه عربى مصغر وقيل انه أعجمي لكنه اسم خفيف يشبه المصغر ولذلك صرف مثل نوح وهود ولوط وعزير مبتدأ ما بعده خبره وليس بصفة له وقرأ الباقون بلا تنوين اما لمنع الصرف للعجمة والتعريف او لالتقاء الساكنين تشبيهما للنون بحرف اللين او لان الابن وصف والخبر محذوف مثل معبودنا او صاحبنا قال البيضاوي هذا القول مزيف لانه يودى الى تسليم النسب وانكار الخبر المقدر قال عبيد بن عمير انما قال هذه المقالة رجل واحد من اليهود اسمه فنحاص بن عازورا وهو الذي قال ان الله فقير ونحن اغنياء وقال البغوي روى عطية العوفى عن ابن عباس انما قالت اليهود عزير بن الله لاجل ان عزيرا كان فيهم وكانت التوراة عندهم والتابوت فيهم فاضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق فرفع الله عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم فدعا الله عزيز وابتهل اليه ان يرد الذي نسخ من صدورهم فبينما هو يصلى مبتهلا الى الله نزل نور من السماء فدخل فعاد اليه التوراة فاذن في قومه وقال يا قوم قد آتاني الله التوراة وردها فعلق الناس به يعلمهم فمكثوا ما شاء الله ثم ان التابوت نزل بعد ذهابه منهم فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان يعلمهم عزير فوجدوه مثله فقالوا وما اوتى عزير هذا الا انه ابن الله وقال الكلبي ان نجت نصر لما ظهر على بنى إسرائيل وقتل من قرأ التوراة وكان عزير إذ ذاك صغيرا فلم يقتله فلما رجع بنو إسرائيل الى بيت المقدس وليس فيهم من يقرأ التوراة بعث الله عزيرا ليجدد لهم التوراة ويكون له آية بعد ما أماته مائة عام وقد ذكرنا القصة في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى او كالذى مر على قرية وهى خاوية

راحلتى هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن لا اركب بعيرا ليس لى قال هو لك ولكن بالثمن الذي ابتعتهما به قال أخذتها بكذا وكذا قال أخذتها بذلك قال هى لك وعند البخاري في غزوة الرجيع انها الجدعاء وأفاد الواقدي ان الثمن ثمانمائة قالت عايشة فجهزناهما أحب الجهاز ووضعنا لهما سفرة في جراب وأفاد الواقدي انه كان في السفرة «1» شاة مطبوخة فقطعت اسماء بنت ابى بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين وفي رواية ذات النطاق «2» قال محمد بن يوسف الصالحي المحفوظ في هذا الحديث ان اسماء شقت نطاقها نصفين فشدت بأحدهما الزاد واقتصرت على الآخر ومن ثم قيل لها ذات النطاق وذات النطاقين فالتثنية والافراد بهذين الاعتبارين وعند ابن سعد انها شقت نطاقها فاوكت بقطعة منه الجراب وشدت في القربة بالباقي فسميت ذات النطاقين واستاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر رجلا من بنى الديل وهو على دين كفار قريش واسلم بعد ذلك وكان هاديا خريتا يعنى ماهرا بالهداية فامناه فدفعا اليه راحليتهما وواعداه غار ثور بعد ثلث براحلتيهما واعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم.... عليا بخروجه وامره ان يتخلف بعده حتى يودى عنه الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه الا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته قالت عائشة ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر في غار في جبل ثور في حديث عمر عند البيهقي انها خرجا ليلا وذكر ابن إسحاق والواقدي انهما خرجا من خوخة «3» في ظهر بيت ابى بكر وروى ابو نعيم عن عايشة بنت قد أمته ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد خرجت من الخوخة متنكرا فكان أول من لقينى ابو جهل فاعمى الله عز وجل بصره عنى وعن ابى بكر حتى مضينا قالت اسماء وخرج ابو بكر بماله كله خمسة آلاف درهم قال البلاذري كان مال ابى بكر يوم اسلم أربعين الف درهم فخرج الى المدينة للهجرة وما ماله الا خمسة آلاف درهم او اربعة

_ (1) سفرة الطعام السفر. (2) النطاق ما يشد به الوسط وكانت المرأة تلبس ثوبا ثم تشد وسطها بحبل ثم ترمل الأعلى على الأسفل فذلك الحبل النطاق 12. (3) باب صغير 12.

فبعثه ابنه عبد الله فحملها الى الغار قالت فدخل علينا جدى ابو قحافة وقد ذهب بصره فقال والله انى لاراه قد ذهب بماله مع نفسه قالت قلت كلا يا أبت انه ترك لنا خيرا كثيرا قالت فاخذت احجارا فوضعتها في كوة البيت كان ابى يضع ماله فيها ثم وضعت عليها ثوبا ثم أخذت بيده فقلت ضع يا أبت يدك على هذا المال قالت فوضع يده عليه فقال لا بأس ان كان ترك لكم هذا فقد احسن وفي هذا بلاغ لكم ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت ان اسكن الشيخ روى البيهقي ان أبا بكر لما خرج هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم الى الغار جعل يمشى مرة امام النبي صلى الله عليه وسلم ومرة خلقه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال يا رسول الله اذكر الرصد فاكون امامك واذكر الطلب فاكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا أمن عليك فلما انتهيا الى فم الغار قال ابو بكر والذي بعثك بالحق نبيا لا تدخله حتى ادخله قبلك ما كان فيه شيء نزل بي قبلك فدخله فجعل يلتمس بيده فكلما رأى حجرا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الحجر حتى فعل ذلك بثوبه اجمع فبقى حجر فوضع عقبه عليه ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت الحيات يلسعن أبا بكر وجعلت دموعه يتحدر وروى ابن ابى شيبة وابن المنذر عن ابى بكر رضى الله عنه انهما لما انتهيا الى الغار إذا جحر فالقمه ابو بكر رجليه فقال يا رسول الله إن كان لدغة او لسعة كان بي وروى ابن مردوية عن جندب بن سفيان قال لما انطلق ابو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الغار قال ابو بكر يا رسول الله لا تدخل الغار حتى استبرئه «1» فدخل ابو بكر الغار فاصاب يده شيء فجعل يمسح الدم عن يده ويقول هل أنت الا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت وفي حديث انس عند ابى نعيم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح قال لابى بكر اين ثوبك فاخبر بالذي صنع فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم اجعل أبا بكر معى في درجتى في الجنة فاوحى الله اليه قد استجاب الله لك وروى زرين عن عمر انه ذكر عنده ابو بكر فبكى وقال وددت ان عملى كله مثل عمله يوما واحدا من أيامه وليلة واحدة من لياليه

_ (1) استبرأت الشيء طلبت آخره لقطع الشبهة عليه عنى 12.

اما ليلته فليلة سار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الغار فلما انتهيا اليه قال والله لا تدخله حتى ادخل قبلك فانكان فيه شيء أصابني دونك فدخل فكسحه ووجد في جانبه ثقبا فشق إزاره وسدها به فبقى فيها اثنان فالقمها رجليه ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع رأسه في حجره ونام فلدغ ابو بكر في رجله من الحجر ولم يتحرك مخافة ان ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده ثم انتقض عليه وكان سبب موته واما يومه فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب وقالوا لا نؤدى زكوة فقال لو منعونى عقالا لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله تالف الناس وارفق بهم فقال لى إجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام انه قد انقطع الوحى وتم الدين أينقص وانا حى روى ابن سعد وابو نعيم والبيهقي وابن عساكر عن ابى مصعب المكي قال أدركت انس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون ان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الغار أنبت الله شجرة الراه فنبت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترته وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بينها فسترت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وامر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا في فم الغار واقبل فتيان «1» قريش من كل بطن بعصيهم وهراوليهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم على أربعين ذراعا جعل بعضهم ينظر في الغار فلم ير الا حمامتين وحشيتين فعرف انه ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فعرف ان الله تعالى قد درأ عنه بهما فبارك عليهما النبي صلى الله عليه وسلم وفرض جزاء بهن والخدرتا في الحرم فافرخ ذلك الزوج كل شيء في الحرم وروى احمد بسند حسن عن ابن عباس ان المشركين قصوا «2» اثره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلث ليال وروى الحافظ احمد ابو بكر بن سعيد القاضي شيخ النسائي في مسند الصديق عن الحسن البصري قال جاءت قريش يطلب النبي

_ (1) جمع كثرة للفتى وهو الشاب الحدث 12. (2) أي طنبوا اثار اقدامه 12.

صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا أرادوا على باب الغار نسج العنكبوت قالوا لم يدخله أحد وكان النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلى وابو بكر يرتقب فقال ابو بكر يا رسول الله هؤلاء قومك يطلبونك اما والله ما على نفسى ابكى ولكن مخافة ان ارى فيك ما اكره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر لا تخف ان الله معنا وفي الصحيحين عن ابى بكر الصديق قال قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو ان أحدهم نظر الى قدمه لابصر ما تحت قدمه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما وروى ابو نعيم في الحلية عن عطاء بن ميسرة قال نسجت العنكبوت مرتين مرة على داؤد حين كان طالوت يطلبه ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم في الغار وذكر البلاذري في تاريخه وابو سعيد ان المشركين استاجروا رجلا يقال له علقمة بن كرز بن هلال الخزاعي واسلم عام الفتح فقفا لهم الأثر حتى انتهى الى غار ثور وهو بأسفل مكة فقال هنا انقطع اثره ولا أدرى أخذ يمينا او شمالا ثم صعد الجبل فلما انتهوا الى فم الغار قال امية بن خلف ما أريكم في الغار ان عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد ثم جاء قبال وروى البيهقي عن عروة ان المشركين لما فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبوا في كل وجه يطلبونه وبعثوا الى اهل المياه يأمرونهم ويجعلون لهم الجعل العظيم وأتوا على الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر أصواتهم فاشفق ابو بكر وبكى واقبل عليه الهم والحزن والخوف فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابى بكر لا تحزن ان الله معنا أقسمت بالقمر المنشق ان له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم وما حوى الغار من خير ومن كرم ... وكل طرف من الكفار عنه عمى فالصدق في الغار والصديق لم يرما «1» ... وهم يقولون ما بالغار من ارم ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت ... على خير البرية لم تنسج ولم تحم وقاية الله اغنت عن مضاعفة ... من الدروع وعن ال من الأطم

_ (1) لم يبرحا 12. .

[سورة التوبة (9) : آية 40]

قال الله تعالى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ اى على النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لا تحزن ان الله معنا كذا ذكر البلاذري وروى ابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس قال فانزل الله سكينته على ابى بكر يعنى بقوله صلى الله عليه وسلم لا تحزن فان النبي صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السكينة من قبل وهذا اولى لان فاء فانزل يدل عليه وايضا إرجاع الضمير الى الأقرب اولى وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وهم الملئكة يضربون وجوه الكفار وأبصارهم عن رئية روى ابو نعيم عن اسماء بنت ابى بكر ان أبا بكر رأى رجلا مواجه الغار فقال يا رسول الله انه يرانا قال كلا ان الملئكة يستره الآن بأجنحتها فلم ينشب ان قعد يبول مستقبلهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا وقيل القوا الرعب في قلوب الكفار حتى رجعوا وقال مجاهد والكلبي أعانه الملئكة يوم بدر اخبر انه صرف عنه كيد الأعداء في الغار ثم اظهر نصره بالملائكة يوم بدر روى ابن عدى وابن عساكر عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان هل قلت في ابى بكر شيئا قال نعم فقال قل وانا اسمع فقال وثانى اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو إذ صاعدوا الجبلا وكان حب رسول الله قد علموا من البرية لم يعدل به رجلا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال يا حسان هو كما قلت قالت عايشة فكمنا «1» في الغار ثلث ليال وكان عبد الله بن ابى بكر يبيت عندهما وهو غلام شاب «2» ثقف لقف فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش كبائت لا يسمع امرا يكاد ان به الا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك اليوم حين يختلط الظلام وعند ابى استحق ان اسماء بنت ابى بكر كانت تأتيهما من الطعام إذا امست بما يصلحهما وكان عامر بن فهيرة يرعى غنما لابى بكر في رعيان اهل مكة فاذا امسى راح عليهما حين يذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل «3» ورضيفهما يفعل ذلك كل ليلة من الليالى فلما مضت الثلث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استاجرا ببعيرهما فركبا وانطلق معهما عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله ابن الطفيل

_ (1) اى يطلب لهما من مكروه من الكيد 12. (2) اى يخرج من السحر 12. (3) رسل شير تازه رضيف شير گرم 12.

ابن سنجره أخو عايشة لامها ليخدمها في الطريق فاخذ بهما الدليل طريق الساحل أسفل من غسفان ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق على أمج روى احمد والشيخان عن البراء بن عازب انه قال لابى بكر كيف صنعتما ليلة سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سرينا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق فلا يرى فيه أحد رفعت لنا صخرة طويلة بها ظل لم يأت عليه شمس بعد فنزلنا عندها فاتيت الصخرة فسويت بيدي مكانا ينام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلها ثم بسطت له فروة كانت معى ثم قلت يا رسول الله نم وانا «1» انفض لك ما حولك فنام وخرجت انفض له ما حوله فاذا انا براع مقبل بغنمه الى الصخرة يريد منه الذي أردنا فلقيته فقلت له لمن أنت يا غلام فقال لرجل من اهل مكة فسماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم قلت فاحتلب لى قال نعم فاخذ شاة فقلت انقض الضرع من التراب والقذى فحلب لى في تعب معه كثبة «2» من لبن وسعى اداوة ارتوى «3» فيها للنبى صلى الله عليه وسلم يشرب منها ويتوضأ وعلى فمها خرقة فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم وكرهت ان أوقظه من نومه فوقفت حتى استيقظه فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفله فقلت يا رسول الله اشرب من هذا اللبن فشرب حتى رضيت ثم قال ألم يأن الرحيل قلت بلى قال فارتحلنا بعد ما زالت الشمس روى الطبراني والحاكم وصححه وابو نعيم وابو بكر الشافعي عن سليط بن عمر والأنصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج مهاجرا الى المدينة هو وابو بكر وعامر بن فهيرة ودليلهم مروا على خيمة أم معبد الخزاعية وهى لا تعرفه وكانت برزة «4» جلدة تجلس بفناء القبة ثم تسقى وتطعم فسالوها لحما وتمرا يشتروا منها فلم يجدوا عندها شيئا من ذلك وإذ القوم مرملو «5» مسنتون فقالت والله لو كانت عندنا شيء ما أعوزناكم فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى شاة في كسر الخيمة

_ (1) اى أتجسس وتعرف ما فيه مما يخاف وفي النهاية اى احرس وأطوف هل ارى طلبا يقال نفضت المكان واستنفضة او أنظرت جميع والنفضة بفتح الفاء وسكونها قوم يبعثون متجسسين بل يرون غددا او خوفا 12. (2) كثبه اى قدر قدح وقيل جلته خفيفة 12. [.....] (3) ارتوى فيها اى آب مى اوردم در ان 12. (4) برزة امراة كهلة لا يحجب كالشواب وهى مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم 12. (5) مرملون هم الذين نفد زادهم وأصله من الرمل كانهم لصقوا بالرمل 12.

فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت شاة خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها لبن قالت هى اجهد من ذلك قال أتأذنين لى ان احلبها قالت بابى أنت وأمي ان رايت بها حلبها فو الله ما ضربها من فحل قط فشانك «1» بها فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وظهرها وسمى الله ودعا لها في شانها فتفاجت عليه ودرت ودعا باناء يربض «2» الرهط فحلب فيه ثجا «3» حتى علاه البهاء سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب صلى الله عليه وسلم وقال ساقى القوم آخرهم شربا ثم حلب فيه ثانيا بعد بداء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها ثم تابعها وارتحلوا عنها وروى ابن سعد وابو نعيم عن أم معبد قالت بقيت الشاة التي لمس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها حتى كان زمان الرمادة وهى سنة ثمان عشرة من الهجرة زمن عمر بن الخطاب وكنا نحلبها صبوحا «4» وغبوقا وما في الأرض قليل ولا كثير وروى البيهقي من وجه آخر قصة أم معبد بزيادة ونقصان وفيه عند الماء جاء ابنها باعنز يسوقها فقالت له انطلق بهذه العنزة والشفرة «5» الى هذين الرجلين فقل لهما يقول لكما ابى اذبحا هذه وكلا وأطعما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انطلق بالشفرة وجئنى بالقدح قال انها عنزة وليس بها لبن قال انطلق فانطلق فجاء بقدح فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضرعها ثم حلب ملأ القدح الحديث وفيه قال ابو بكر فلبثنا ليلتين ثم انطلقنا وكانت تسميه المبارك وكثرت غنمها حتى جلبت جلبا الى المدينة فمر ابو بكر فرأه ابنها فعرفه فقال يا أمته ان هذا الرجل الذي كان مع المبارك فقامت اليه فقالت يا عبد الله من الرجل الذي كان معك قال هو نبى الله قالت فادخلنى عليه فاطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساها وأسلمت قال هشام بن جيش فلما لثبت حتى جاءها زوجها ابو معبد يسوق أعنزا حبالى عجافا «6» فلما راى اللبن عجب وقال من اين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاء عازب ولا حلوب في البيت قال لا والله الا انه مر رجل

_ (1) فشانك منصوب بفعل مقدر اى أصلح او نحو ذلك 12. (2) يربض اى يرويهم ويثقلهم حتى يناموا ويمتدوا على الأرض من ربض بالمكان إذا لصق به 12. (3) اى لنا كثيرا حتى علا الإناء بهاء اللبن وهو وبيص رغوته 12. (4) صبوح ما يشرب أول النهار غبوق ما يشرب اخر النهار 12. (5) جمع حامل وهى التي لم تحمل فيدل على العي 12. (6) اى بعيد المرعى لا تنود الى المرج في الليل 12.

مبارك من حاله كذا وكذا قال صفية يا أم معبد قالت رايت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه نجلة ولم تزرئه صعلة وسيما قسيما في عينيه رعج وفي اشفاره وطف وفي صوبة صحل او قالت صهل وفي عنقه سطح وفي لحيته كثافة أزج اقرن ان صمت فعليه الوقار وان تكلم سما وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب فصل لا نزر ولا هذر كان منطقه خرزات نظمن يتحدون ربعة لا يشناه طول ولا تفتحمه عين من قصر غضبا بين غصنين فهو انظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدر اله رفقاء يحفون به ان قال انصتوا لقوله وان امر ابتدروا الى امره محفود محشود لا عابس ولا معتد فقال ابو معبد هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من امره بمكة ولقد همت ان اصحبه ولافعلن ان وجدت الى ذلك سبيلا قالت اسماء رضى الله عنها لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر أتانا رجال من قريش فيهم ابو جهل فوقفوا على باب ابى بكر فخرجت إليهم فقالوا اين أبوك يا ابنة ابى بكر قلت لا أدرى والله اين ابى فرفع ابو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدى لطمة طرح منها قرطى قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلثة ايام ما ندرى اين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غنا العرب وتبعه الناس يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول جزا الله رب العرش خير جزائه رفيقين قالا «1» خيمتى أم معبدهما نزلاها بالهدى فاهتدى به وقد فاز من امسى رفيق محمد فيا لقصى مازوى «2» الله عنكم به من فقال لا تجارى وسود وليهن بنى كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمومنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وانائها فانكم ان تسالوا الشاة تشهدوا دعاه بشاة حائل فتحلبت اليه بصريح ضرة «3» الشاة مزيد فغادرها رهنا لديه لحالب «4» يردها في مصدر ثم مورد وفي رواية عند البيهقي بسند حسن في فضة أم معبد انه طلبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغوا أم معبد فسالوها عنه فقالوا ارايت محمدا من خلقه كذا فوصفوه لها فقالت ما تقولون قد ضافنا حالب الحائل قالت قريش فذاك الذي أردنا قال البيهقي يحتمل انه صلى الله عليه وسلم راى الشاة التي

_ (1) قال من القيلوة. (2) زوى جمع وقبض صرع اللبن الخالص. (3) ضرة اصل الفرع زيد اى علاه الزبد 12. (4) يعنى يحلبها مرة بعد اخرى 12.

فى كسر الخيمة ثم رجع ابنها باعنز ثم جاء زوجها ووصفته له قلت ولعل ذلك جاءت قريش في طلبه صلى الله عليه وسلم (قصة سراقه) روى احمد والشيخان في الصحيحين عن سراقة بن مالك واحمد ويعقوب بن سفيان عن ابى بكر قال سراقة جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول صلى الله عليه وسلم وابى بكر دية كل واحد منهما مائة ناقة من الإبل لمن قتله او اسره فبينا انا جالس في مجلس من قومى بنى مدلج اقبل رجل منهم حتى قام علينا فقال يا سراقة انى رايت آنفا اسودة «1» بالساحل وفي لفظ ركبة ثلثة ولا أراها الا محمد او أصحابه قال سراقة فعرفت انهم هم فاوميت اليه ان اسكت فسكت حتى قمت فدخلت بيتي وأمرت جاريتى ان تخرج فرسى الى بطن الوادي وأخرجت سلاحى من وراء حجرتى فخططت برمحى وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسى فركبتها فدفعتها تقرب فرأيت اسودتهما فلما دنوت منهم عثرت بي فرسى فخررت منها فقمت فاهويت بيدي كنانتى فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم اولا أضرهم فخرج الذي اكره ان لا أضرهم وكنت ارجوا ان أرده فآخذ المائة ناقة فركبت فرسى وعصيت الأزلام فدفعتها تقرب بي حتى إذا سمعت قرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وابو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسى في الأرض حتى بلغت الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يداها فلما استوت قائمة إذ لا تريد بها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي اكره ان لا أضرهم فعرفت انه قد منع منى وانه ظاهر فناديتهما بالأمان «2» وقلت انظرونى فو الله لا اوذينكم ولا يأتيكم منى شيء تكرهونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابى بكر رضى الله عنه قل له ماذا تبغى قلت ان قومك قد جعلوا فيك الدية واخبرتهما اخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهما الزاد والمتاع فلم يرزانى ولم يسالنى الا ان قال أخف عنا فسالته ان يكتب لى كتاب أمن قال اكتب له يا أبا بكر وفي رواية فامر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من آدم ثم مضى رسول الله صلى الله

_ (1) اسودة جمع سواد وهو الشخص 12. [.....] (2) اى لم ينقصاتى مما معى شيئا 12.

عليه وسلم فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وفرغ من اهل حنين خرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لالقاه ومعى الكتاب الذي كتب لى فبينا انا عامد له دخلت بين ظهرى كثيبة من كثايب الأنصار قال فطففوا يقرعوننى بالرماح ويقول إليك حتى دنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته انظر الى ساقه في غرزه كانها جمادة فرفعت يدى بالكتاب فقلت يا رسول الله هذا كتابك وانا سراقة بن مالك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟؟ رم وفاء وبر أدنه فدنوت منه فاسلمت ثم ذكرت شيئا أسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم اذكره الا ان قلت يا رسول الله الضالة من الإبل تغشى حياضى وقد ملأتها من الإبل هل لى من اجر قال نعم في كل ذات كبد حرا اجر قال فرجعت الى قومى فسقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتى وقال ابو بكر وتبعنا سراقة بن مالك فنحن في جدد الأرض فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت قال وما يبكيك قلت اما والله ما على نفسى ابكى ولكن ابكى عليك قال فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اكفناه بما شئت قال فساخت به فرسه في الأرض الى بطنها فوثب عنها ثم قال يا محمد قد علمت ان هذا علمك فادع الله ان يبحينى مما انا فيه فو الله لا عمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتى فخذ منها سهما فانك ستمر بإبلي وغنمى بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا في إبلك وغنمك ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق راجعا الى أصحابه لا يلقى الا قال قد كفيتم ولا يلقى أحدا إلا رده ووفى لنا وعند ابن سعد ان سراقة لما رجع قال لقريش قد عرفتم بصرى بطريق وقد سرت فلم ار شيئا فرجعوا قال ابن سعد والبلاذري عارضهم السراقة بقديد يوم الثلاثاء وروى عروة والحاكم عنه عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم لقى الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضاء وروى البيهقي عن موسى بن عقبة انه صلى الله عليه وسلم لما دنا المدينة قدم طلحة بن عبيد الله من الشام عامدا الى مكة فلما لقيه أعطاه الثياب فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر روى البيهقي عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم

[سورة التوبة (9) : آية 41]

قال لابى بكر مدخله المدينة الاغنى؟ الناس فانه لا ينبغى لبنى ان يكذب فكان ابو بكر إذا سئل من أنت قال باغي حاجة وإذا قيل من الذي معك قال هاد يهدينى ولما شارف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لقيه ابو بردة الأسلمي في سبعين من قومه بنى سهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنت قال بريدة قال يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ثم قال ممن قال من اسلم قال لابى بكر سلمنا ثم قال ممن قال من سهم قال خرج سهمك فلما أصبح قال بريدة للنبى صلى الله عليه وسلم لا تدخل المدينة الا ومعك لواء فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مضى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحاكم تواترت الاخبار ان خروجه من مكة كان يوم الاثنين ودخول المدينة يوم الاثنين الا ان محمد بن موسى الخوارزمي قال خرج من مكة يوم الخميس قال الحافظ يجمع بينهما بان خروجه من مكة يوم الخميس وخروجه من الغار ليلة الاثنين لانه اقام فيه ثلث ليال ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد وخرج في أثناء ليلة الاثنين قلت ولعل ليلة الخميس هى الليلة التي أراد قريش قتله صلى الله عليه وسلم بعد ما مكروا به في دار الندوة فخرج صلى الله عليه وسلم من بيته الى بيت ابى بكر واستصحبه ثم خرج من خوخة ظهر بيته والله اعلم- وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى كلمة الشرك او دعوتهم الى الكفر السُّفْلى ط وذلك بتخليص الرسول صلى الله عليه وسلم عن إيذاء الكفار الى المدينة او بتأييده إياه بالملائكة في المواطن او بحفظه ونصره حيث حصروا وَكَلِمَةُ اللَّهِ يعنى كلمة التوحيد ودعوة الإسلام قرأ يعقوب بالنصب عطفا على كلمة الذين كفروا والباقون بالرفع على انه مبتداء خبره هِيَ الْعُلْيا ط وفيه اشعار بان كلمة الله عالية في نفسها وان فاق غيرها فلا ثبات لتفوقه ولذلك وسط الفصل وقيل كلمة الذين كفروا ما قدروا بينهم في الكيد به ليقتلوه وكلمة الله وعده انه ناصره وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) فى امره وتدبيره. قال الله تعالى انْفِرُوا خِفافاً يعنى حين يخف ويسهل لكم الخروج الى الجهاد بصحة البدن والشباب والقوة والنشاط ووجود الزاد والراحلة والأعوان والاسلحة وَثِقالًا يعنى حين يثقل عليكم لاجل المرض او الشيب او الضعف او عدم النشاط او شاغل من الأهل

والمال والضيعات وقلة الزاد والسلاح والكراع والمتاع والى ما ذكرنا يرجع ما قال الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة وعكرمة شبابا وشيوخا وما قال ابن عباس نشاط وغير نشاط او اهل اليسر والعسر او مقلين من السلاح ومكثرين منه وما قال عطية العوفى ركبانا ومشاة وابن زيد ان الثقيل الذي له الضيعة يكره ان يدع ضيعته والحكيم بن عتبة مشاغيل وغير مشاغيل والهمداني أصحاء ومرضى ويمان غرابا ومتاهلين او مقلين الاتباع والحواشي ومستكثرين وقال ابو صالح خفافا من المال اى فقراء وثقالا اى اغنياء وقيل خفافا مسرعين خارجين ساعة سماع النفير وثقالا بعد التروي فيه والاستعداد له قال الزهري خرج سعيد بن المسيب الى الغزو وقد ذهبت احدى عينيه فقيل له انك عليل صاحب ضر فقال استنفر الله الخفيف والثقيل وان لم يمكننى الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع قال عطاء الخراسانى عن ابن عباس نسخت هذه الآية قوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة وقال السدى لما نزلت هذه الآية اشتد شانها على الناس فنسخها الله تعالى وانزل ليس على الضعفاء ولا على المرضى الآية قلت لعل المراد بالنسخ في قول ابن عباس والسدى التخصيص لكون نزول الآيتين جميعا بلا فصل في غزوة تبوك فخرج من هذا الحكم من لا يستطيع الخروج من الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون او ما يركبون عليه ولا يستطيعون الشيء وبقي من يستطيع الخروج ولو بنوع مشقة وذلك لاجل النفير العام ويمكن ان يكون نزول قوله تعالى ليس على الضعفاء للآية بفصل يوم او يومين ولو في غزوة تبوك بعد ما اشتد شانها على الناس فيكون نسخا والله اعلم- وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ اى بما أمكن لكم منهما كليهما او أحدهما فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ من الاستمتاعات الدنيوية وترك الجهاد إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) الخير من الشر علمتهم انه خير لكم او ان كنتم تعلمون انه خير واخبار الله به صدق فبادروا اليه قال محمد بن عمر حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة يعنى لتجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك وكان أول من جاء بماله ابو بكر الصديق باربعة آلاف درهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أبقيت لاهلك شيئا قال أبقيت لهم الله ورسوله وجاء عمر بنصف ماله فقال رسول الله صلى الله

[سورة التوبة (9) : آية 42]

عليه وسلم هل أبقيت لاهلك شيئا قال نعم مثل ما جئت به وحمل العباس طلحة بن عبيد الله وسعد بن عبادة وحمل عبد الرحمن بن عوف مائتى اوقية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصدق عاصم بن عدى تسعين وسقا من تمر وجهز عثمان بن عفان ثلث ذلك الجيش حتى كان يقال ما بقيت لهم حاجة حتى كفاهم قال محمد بن يوسف الصالحي كان ذلك الجيش زيادة على ثلثين الفا فيكون رضى الله عنه جهز عشرة آلاف وذكر ابو عمرو في الدرر وتبعه في الاشارة ان عثمان حمل على تسعمائة بعير ومائة فرس بجهازها وقال ابن إسحاق أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها وفقل ابن هشام عمن يثق به ان عثمان أنفق في جيش العسرة عشرة آلاف درهم قال محمد بن يوسف الصالحي يعنى غير الإبل والزاد وما يتعلق بذلك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارض عن عثمان فانى راض عنه وروى احمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم يرددها مرارا قال ابن عقبة وتخلف المنافقون عن غزوة تبوك وحدثوا أنفسهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرجع إليهم ابدا فاعتذروا وقال محمد بن عمر وجاء ناس من المنافقين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاذنوه في القعود من غير علة فاذن لهم وكانوا بضعة وثمانين رجلا فانزل الله تعالى فيهم. لَوْ كانَ اسم كان مضمر اى لو كان ما دعوا اليه عَرَضاً قَرِيباً اى متاعا دنيويا او المعنى غنيمة قريبته المتناول وَسَفَراً قاصِداً اى متوسطا لَاتَّبَعُوكَ لوافقوك في الخروج طلبا للغنيمته وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ يعنى المسافة فانها تقطع بمشقة وقيل الشقة الغاية التي يقصدونها وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ متعلق بسيحلفون او هو من جملة كلامهم والقول مراد في الوجهين يعنى سيحلفون بالله قائلين لو استطعنا لخرجنا او سيحلفون المتخلفون إذا رجعت من تبوك معتذرين يقولون بالله لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ ساد مسد جواب القسم والشرط

[سورة التوبة (9) : آية 43]

ومعنى الاستطاعة استطاعة العدة او استطاعة الأبدان كانهم تمارضوا وهذه معجزة لكونه اخبارا عما وقع قبل وقوعه يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بدل من سيحلفون يعنى انهم يهلكونها بايقاعها في العذاب بترك امتثال امر رسول الله صلى الله عليه وسلم والكذب واليمين الفاجرة وجاز ان يكون حالا من فاعل خرجنا يعنى لخرجنا معكم وان أهلكنا أنفسنا بالمسير في الحر والقياها في التهلكة وجاء به على لفظ الغائب لانه مخبر عنهم الا ترى انه لو قال سيحلفون بالله لو استطاعوا لخرجوا لكان ايضا سديدا يقال حلف بالله ليفعلن ولا فعلن فالغيبة على حكم الاخبار والتكلم على الحكاية وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (46) في ذلك لانهم كانوا مستطيعين للخروج. عَفَا اللَّهُ عَنْكَ «1» قال سفيان بن عيينه بدأ بالعفو قبل ان يعيره بالذنب لطفا به وإكراما له قلت او لانه تعالى ذكر العفو قبل المعاتبة تحرزا من ان يهلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لكمال خوفه وخشيته من الله تعالى وقيل افتتح الكلام بالدعاء كما يقول الرجل لمن خاطبه إذا كان كريما عنده عفا الله عنك ما صنعت في حاجتى ورضى الله عنك الا زرتنى وقيل معناه ادام الله لك العفو لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فى القعود حين استأذنوك وهلا توقفت حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا فى الاعتذار وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) فيها يعنى من لا عذر له قال ابن عباس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف المنافقين يومئذ اخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون قال اثنان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يومر بهما اذنه المنافقين في القعود واخذه الفدية من أسارى يدر فعاتبه الله كما تسمعون. لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فى التخلف كراهة أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ والمعنى لا يستاذنونك في ان يجاهدوا بل يبادرون اليه ولا ينتظرون الاذن فضلا ان يستاذنوا في التخلف

_ (1) قال القاضي عياض في الشفاء ليس عفا هاهنا بمعنى غفر بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق ولم تجب عليهم قطاى لم يلزمكم ذلك ونحو للقشيرى وقال انما يقول العفو لا يكون الا عن ذنب من لم يعرف كلام العرب وقال معنى عفا الله عنك لم يلزمك ذنبا قال القاضي لم يتقدم للنبى صلى الله عليه وسلم فيه من الله نهى فيعد معصية ولاعد الله عليه معصية بل لم يعده اهل العلم معاتبه وغلطوا من ذهب الى ذلك قال نفطويه وقد حاشا الله من ذلك بل كان مخيرا بين أمرين 12.

[سورة التوبة (9) : آية 45]

وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) شهادة لهم بالتقوى ووعدوا بثوابه. إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ في التخلف الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذكر الايمان بالله واليوم الآخر في الموضعين اشارة الى ان الايمان يقتضى محبة الجهاد طمعا في الثواب بحيث لا يستاذن في إتيانه وعدم الايمان يقتضى تركه لعدم رجاء الثواب وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فشكت في الدين ونافقت فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) يتحيرون فتارة يريدون الخروج كيلا يردا من المسلمين أذى لو ظفروا وتارة عدم الخروج لزعمهم ان الرسول لا يرجع إليهم ابدا. وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ معك لَأَعَدُّوا لَهُ ليهيؤا للخروج او للجهاد عُدَّةً ما يعد للسفر والجهاد من المتاع والسلاح والكراع وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ استدراك عن مفهوم قوله ولو أراد والخروج كانه قال ما خرجوا ولكن تثبطوا لانه تعالى كره ولم يرد نهوضهم للخروج فَثَبَّطَهُمْ فحبسهم بالجبن والكسل وَقِيلَ اقْعُدُوا فى بيوتكم مَعَ الْقاعِدِينَ (46) يعنى مع المرضى والزمنا وقيل مع النساء والصبيان تمثيل لا لقاء الله كراهة الخروج في قلوبهم او وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود او حكاية قول بعضهم لبعض او اذن الرسول لهم قصة خروجه صلى الله عليه وسلم وتخلف اكثر المنافقين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب سنة تسع فعسكر بثنية الوداع ومعه زيادة من ثلثين الفا قاله محمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو ابن سعد وكذا روى الحاكم في الإكليل عن معاذ بن جبل ونقل الحاكم في الإكليل عن ابى ذرعة الرازي قال كانوا بتبوك سبعين الفا وجمع بين الكلامين ان سبعين التابع والمتبوع وكانت الخيل عشرة آلاف فرس روى عبد الرزاق وابن سعد انه خرج الى تبوك يوم الخميس وكان يستحب ان يخرج يوم الخميس قال ابن هشام واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري وذكر الدراوردي انه استخلف عام تبوك سباع بن عرفظة زاد محمد بن عمر بعد حكاية ما تقدم ويقال ابن أم مكتوم قال والثابت عندنا محمد بن مسلمة الأنصاري ولم يتخلف عنه في غزوة غيرها وقيل على ابن ابى طالب قال ابو عمر وتبعه ابن دحية وهو الا ثبت روى عبد الرزاق في المصنف بسند صحيح عن سعد

[سورة التوبة (9) : آية 47]

بن ابى وقاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج الى تبوك استخلف على المدينة على بن ابى طالب قال ابن إسحاق وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن ابى طالب على اهله وامره بالإقامة فيهم فاوجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وتحققا منه فلما قالوا ذلك أخذ على سلاحه وخرج حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فاخبره بما قالوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبوا ولكن خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفنى في أهلي وأهلك فلا ترضى يا على ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبى بعدي فرجع على رضى الله عنه وهذا الحديث متفق عليه وعسكر عبد الله بن ابى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حدة عسكرة أسفل منه نحوذ باب «1» فاقام الى ما اقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو تبوك تخلف ابن ابى راجعا الى المدينة فيمن تخلف من المنافقين وقال يغز ومحمد بنى الأصفر مع جهد الحال والحر والبلد البعيد الى ما لا طاقة له به يحسب محمد ان قتال بنى الأصفر معه اللعب والله لكانى انظر الى أصحابه مقرنين في الجبال ارجافا «2» برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه فانزل الله ... تعالى في ابن ابى ومن معه قوله تعالى. لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ بخروجهم شيئا إِلَّا خَبالًا اى شرا وفسادا بايقاع الجبن في المؤمنين بتهويل الأمر او باعانة الكفار في حالة الجهاد والغرة بالمؤمنين ونحو ذلك ولا يستلزم الآية وجود الفساد الآن وزيادة الفساد عند خروجهم لان الزيادة باعتبار أعم العام الذي وقع منه الاستثناء ولاجل هذا التوهم جعل بعضهم الاستثناء منقطعا وليس كذلك لانه لا يكون حينئذ مفرغا وَلَأَوْضَعُوا اى اسرعوا ركائبهم بالنميمة او الهزيمة او التخذيل من وضع البعير وضعا إذا اسرع خِلالَكُمْ اى وسطكم وقيل اوضعوا خلالكم اى اسرعوا فيما يخل بكم يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ اى يريدون ان يفتنوكم بايقاع الخلاف فيما بينكم او الرعب من العدو في قلوبكم والجملة حال من فاعل اوضعوا وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ اى ضعفة يسمعون قولهم ويطيعون

_ (1) ذباب جبل بقرب المدينة 12. (2) رجافا يعنى قالوا ذلك حتى يضطرب المسلمون 12.

[سورة التوبة (9) : آية 48]

كذا قال قتادة او الجواسيس يسمعون حديثكم للنقل إليهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) اى يعلمه ضمايرهم وما يتأتى منهم فيجازيهم عنه. لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ اى طلبوا تشتت أمرك وتفرق أصحابك وتخذيل المؤمنين مِنْ قَبْلُ هذا اليوم يوم أحد حين انصرفوا عنك ابن ابى بأصحابه وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ اى دبروا لك المكايد والحيل ودور والآراء فى ابطال أمرك حَتَّى جاءَ الْحَقُّ اى جاء نصر الله وتائيده للدين الحق وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ أعلا دينه على زعم منهم وَهُمْ كارِهُونَ (48) ظهور الدين وعلوه. وَمِنْهُمْ اى من المنافقين الذين استأذنوا فى التخلف مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي فى التخلف وَلا تَفْتِنِّي وذلك جد بن قيس المنافق روى ابن المنذر والطبراني وابن مردوية وابو نعيم فى المعرفة عن ابن عباس وابن ابى حاتم وابن مردوية عن جابر بن عبد الله ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمر وابن عقبة عن شيوخهم ان جد بن قيس اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد معه نفر فقال يا رسول الله ائذن فى القعود فانى ذو ضيعة وعلة فيها عذر لى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجهز فانك موسر لعلك تحقب من بنات بنى الأصفر قال الجد او تأذن لى ولا تقتنى فو الله لقد عرف قومى ما أحد أشد عجبا بالنساء منى وانى لاخشى ان رايت بنات بنى الأصفر لا اصبر عنهن فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد اذنا لك زاد محمد بن عمر فجاءه ابنه عبد الله بن جد وكان بدر يا وهو أخو معاذ بن جبل لامه فقال لابيه لم ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فو الله ما فى بنى سلمة أحد اكثر مالا منك فلا تخرج ولا تحمل فقال يا بنى مالى وللخروج فى الحر الشديد والريح والعسرة الى بنى الأصفر والله ما أمن خوفا من بنى الأصفر وانا فى منزلى افاذهب إليهم اغزوهم انى والله يا بنى عالم بالدوائر فاغلظ له ابنه فقال لا والله ولكنه النفاق والله لينزلن على رسوله قران يقرأ به فرفع نعلم؟؟ فضرب بها وجه ولده فانصرف ابنه ولم يكلمه فانزل الله هذه الاية للطبرانى وابن مردوية وابو نعيم انه قال عليه السلام لجد بن قيس ما تقول فى مجاهدة بنى الأصفر فقال يا رسول الله انى امرأ صاحب النساء ومتى ارى نساء بنى الأصفر افتتن فأذن لى ولا تفتنى فنزلت وذكر البغوي انه صلى الله عليه وسلم قال يا أبا وهب هل لك فى جلاد بنى الأصفر تتخذ منهم

[سورة التوبة (9) : آية 50]

سرارى ووصيفا فقال جد يا رسول الله لقد عرف قومى انى رجل مغرم بالنساء وانى أخشى ان رايت بنات الأصفر ان لا اصبر عنهن ائذن لى فى القعود ولا تفتنى بهن وأعينكم بمالى واخرج الطبراني بوجه اخر عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اغزوا تغتنموا بنات بنى الأصفر فقال ناس من المنافقين انه ليفتنكم بالنساء فانزل الله تعالى هذه الاية ومعنى قوله لا تفتنى على ما تقتضيه الروايات المذكورة ان لا تفتنى ببنات نبى الأصفر يعنى أقع فى الإثم والفتنة لاجل حبهن وعدم المصابرة عنهن وقيل معناه لا تفتنى بسبب ضياع المال والعيال إذ لا كافل لها بعدي وقيل معناه ائذن لى فى القعود ولا توقعنى فى الفتنة يعنى العصيان لمخالفة أمرك بان لا تأذن لى واقعد وفيه اشعار بانه لا محالة متخلف اذن به او لا يأذن أَلا فِي الْفِتْنَةِ اى الشرك والعصيان سَقَطُوا وقعوا يعنى الفتنة هى التي سقطوا فيها وهى فتنة التخلف وظهور النفاق وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) مطبقة بهم جامعة لهم يوم القيمة او الان لاحاطة أسبابها. إِنْ تُصِبْكَ يا محمد فى بعض غزواتك حَسَنَةٌ ظفر وغنيمة تَسُؤْهُمْ لفرط حدهم وَإِنْ تُصِبْكَ فى بعضها مُصِيبَةٌ كسرة او شدة كما أصاب يوم أحد فرحوا بتخلفهم واستحمدوا آرائهم يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا اى ما كان أصلح لنا يعنى القعود من الغزو مِنْ قَبْلُ وقوع هذه المصيبة وَيَتَوَلَّوْا عن متحدثهم بذلك ومجتمعهم او عن الرسول صلى الله عليه وسلم وَهُمْ فَرِحُونَ (50) مسرورون بمصيبة المؤمنين بعداوتهم. قُلْ يا محمد لهم لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا فى اللوح المحفوظ من النصرة او الشهادة ولم يقل ما كتب الله لنا او علينا للاشعار يكون كلا التقديرين خيرا لنا هُوَ يعنى الله الذي كتب مَوْلانا ناصرنا ومتولى أمرنا فكيف يكون تقديره شرا لنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن ان أصابته سراء شكر فكان خير اله وان أصابته ضراء صبر فكان خير اله رواه احمد ومسلم عن صهيب وروى البيهقي عن سعد نحوه وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) متعلق بمحذوف اى ليتوكل المؤمنون على الله

[سورة التوبة (9) : آية 52]

فليتوكلوا عليه وفيه تأكيد وبالفاء اشعار بانه لا ينبغى لهم ان يتوكلوا على غيره وهو وليهم والقدير على كل شىء. قُلْ لهم يا محمد هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا فيه حذف أحد التاءين أصله تتربصون يعنى ما تنتظرون بنا ايها الكفار او المنافقون إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ اى احدى العاقبتين كل منهما حسنى العواقب وذلك القتل فى سبيل الله وذلك وإن كان قبيحا على زعمكم لكنه احدى العاقبتين الحسنين فى حقنا أحدهما هذه وهى شهادة مورثة للجنة والحيوة المؤبدة وثانيهما النصر والغنيمة عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتدب الله لمن خرج فى سبيله لا يخرجه الا ايمان لى وتصديق برسلى ان ارجعه بما نال من اجر وغنيمة او ادخله الجنة متفق عليه والترديد مانعة الخلو دون الجمع وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ احدى السوئتين ان لا تتوبوا أحد لهما أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ يوم القيامة ان ظفرتم فى الدنيا وثانيهما ما قال أَوْ بِأَيْدِينا اى او بعذاب بايدينا وهو القتل على الكفر المفضى الى عذاب النار وهذا على تقدير كون الخطاب لمطلق الكفار وعلى تقدير كونه للمنافقين خاصة فاحدى السوئتين ان يصيبكم الله بعذاب من عنده اى يهلككم كما أهلك الأمم الخالية فيعذبكم فى النار ان متم على النفاق وثانيهما القتل على الكفر ان أظهرتم ما فى قلوبكم فَتَرَبَّصُوا ما هو عاقبتنا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) ما هو عاقبتكم وقال الحسن تربصوا مواعيد الشيطان انا متربصون مواعيد الرحمن من اظهار دينه. قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً نصب على الحال اى طائعين من غير الزام من الله ورسوله او مكرهين اى ملزمين سمى الإلزام اكراها لانهم كانوا منافقين فكان إلزامهم الانفاق شاقا عليهم كالاكراه وهذا صيغة امر بمعنى الخبر تقديره لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ نفقاتكم سواء أنفقتم طوعا او كرها وفائدته المبالغة فى الحكم بتساوي الانفاقين فى عدم القبول كانهم أمروا ان يمتحنوا فينفقوا مرة طوعا ومرة كرها وينظروا هل يتقبل منهم شىء منها وهو جواب لجد بن قيس حيث قال ائذن لى ولا تفتنى وأعينك بمال ونفى التقبل بوجهين أحدهما انه لا يقبل منهم رسول الله

[سورة التوبة (9) : آية 54]

صلى الله عليه وسلم وكذا الائمة بعده لا يقبلون الصدقة ممن يعلمون انه منافق وثانيهما انه تعالى لا يتقبل منهم ولا يثيب عليه إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (53) اى خارجين من زمرة المسلمين تعليل لعدم التقبل على سبيل الاستيناف وما بعده بيان وتقرير له. وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ قرأ حمزة والكسائي بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية لان الفاعل مونث غير حقيقى اعنى نَفَقاتُهُمْ ان يقبل مفعول لمنع وفاعلا إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا يعنى ما منع من قبول نفقاتهم الا كفرهم بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى يعنى متثاقلين لمراة الناس عطف على كفروا وَلا يُنْفِقُونَ نفقة فى سبيل الله إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ (54) لانهم لا يرجون بها ثوابا ولا يخافون على تركها عفا بايعدون الزكوة مغرما وتركها مغنما فان قيل وصفهم بالطوع فى قوله أنفقوا طوعا او كرها وسلبه هنا بالكلية فكيف التوفيق قلنا المراد بالطوع هناك بذلهم من غير الزام الرسول كما ذكرنا وليس ذلك البزل إلا رياء فليس ذلك الا عن كراهة واضطرار لا عن رغبة واختيار او يقال وصفه بالطوع هناك على سبيل الفرض وسلبه هاهنا على التحقيق. فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ الاعجاب هو السرور بما يستحسن يعنى لا يستحسن ما أنعمنا عليهم من الأموال والأولاد فان ذلك استدراج ووبال لهم كما قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ باعطائهم الأموال والأولاد لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بسبب ما يتكايدون لجمعها وحفظها من المتاعب وما يرون فيها من الشدائد والمصائب وفى إنفاقها من المكاره وفى تخليفها عند من لا يحمده من الحسرات وقال مجاهد وقتادة فى الآية تقديم وتأخير تقديرها فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم فى الحيوة الدنيا انما يريد الله ان يعذبهم بها فى الآخرة على كسبها وجمعها وحفظها وإنفاقها على وجه غير مشروح وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55) واصل الزهوق الخروج بصعوبة يعنى تخرج أنفسهم متحسرا متاسفا على تركها مشتغلون بالتمتعات عن النظر فى المبدأ والمعاد فيكون ذلك استدراجا والآية دلت على بطلان القول بوجوب الأصلح لانه تعالى اخبر انه اعطى الأموال

[سورة التوبة (9) : آية 56]

والأولاد للتعذيب والاماتة على الكفر. وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ اى من المسلمين وَما هُمْ مِنْكُمْ لكفر قلوبهم وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) يخافون منكم ان تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين. لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً اى حصنا يلجئون اليه او قوما يأمنون فيهم أَوْ مَغاراتٍ فى الجبال جمع مغارة وهى الغار يعنى الموضع الذي يغور فيه اى يستتر وقال عطاء سراديب أَوْ مُدَّخَلًا أصله مدتخل مفتعل من الدخول اى موضع يدخلون فيه بصعوبته كنفق اليربوع لَوَلَّوْا إِلَيْهِ لادبروا اليه هربا منكم وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) اى يسرعون فى اباء نفور لا يردهم شىء كالفرس الجموح ومعنى الآية انهم كارهون من مصاحبتكم أشد الكراهة لو يجدون مخلصا منكم لفارقوكم. وَمِنْهُمْ اى من المنافقين مَنْ يَلْمِزُكَ اى يعيبك يقال لمزه وهمزه إذا عابه قرأ يعقوب بضم الميم حيث كان فِي الصَّدَقاتِ اى قسمتها يعنى يقولون لا تعدل فى القسمة روى الشيخان والبيهقي عن ابن مسعود قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم هوازن يوم حنين آثر ناسا من اشراف العرب فقال رجل من الأنصار يعنى من قومهم ان هذه لقسمة ما عدل فيها او ما أريد فيها وجه الله فقلت والله لاخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرته فتغير وجهه حتى صار كالصرف «1» وقال فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر قال محمد بن عمر الرجل المبهم هو معتب بن قشير المنافق وروى ابن إسحاق عن ابن عمر والشيخان واحمد عن جابر والبيهقي عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يقسم غنائم هوازن إذ قام اليه رجل قال ابن عمر وابو سعيد من تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف عليه صلى الله عليه وسلم قال فكيف رايت قال لم أرك عدلت اعدل وفى رواية فقال الرجل يا رسول الله اعدل فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ويلك من يعدل إذا لم اعدل قد خبت وخسرت ان لم أكن اعدل وفى رواية إذا لم يكن العدل عندى فعند من يكون فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله وعنى اقتل هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله

_ (1) الصرف صيغ يصبغ به الأديم 12 منه.

[سورة التوبة (9) : آية 59]

عليه وسلم معاذ الله ان يتحدث الناس اقتل أصحابي دعه فان له أصحابا يحتضر أحدكم صلوته مع صلوتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر الى نصله فلا يوجد فيه شىء ثم ينظر الى ارصافه فلا يوجد فيه شىء ثم ينظر الى نضيه ... «1» فلا يوجد فيه شىء ثم ينظر الى قدده فلا يوجد فيه شىء وقد سبق الفرث والدم آيتهم رجل اسود احدى عضديه مثل ثدي المرأة او مثل البضعة تدرور ويخرجون على خير فرقة من الناس قال ابو سعيد فاشهد انى سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم واشهد ان على ابن ابى طالب قاتلهم وانا معه فامر بذلك الرجل فالتمس فاتى به فنظرت اليه على لعت النبي صلى الله عليه وسلم قال البغوي وصاحب اسباب النزول نزلت الآية فى ذى الخويصرة التميمي يعنى المذكور فى هذا الحديث واسمه خرقوص بن زهير اصل الخوارج فظاهر الآية يابى عن هذا القول لان المذكور فى الآية لمن الصدقات وقصتها ذى الخويصرة التميمي ومعتب بن قشير المذكورين فى الحديثين الصحيحين المذكورين فى قسمة غنائم حنين وهذه الآية نزلت فى غزوة تبوك بعد غزوة حنين وعندى الآية نزلت فى قسمة صدقات جاء بها المسلمون لتجهيز جيش العسرة والله اعلم وقال الكلبي نزلت الاية فى رجل من المنافقين يقال له ابو الحواص قال لم يقسم بالسوية قال الله تعالى فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) إذا للمفاجات نائب مناب الفاء الجزائية قيل معناه وان اعطوا كثيرا رضوا وفرحوا وان اعطوا قليلا سخطوا نظرا الى قوله تعالى. وَلَوْ ثبت أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يعنى بما أعطاهم الرسول من الصدقة والغنيمة وذكر الله تعالى للتعظيم والتنبيه على ان فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان بامره تعالى وعلى انه يجب الرضا والتسليم بما فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما يجب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ كفانا من فضله سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من وجه آخر ما يحتاج اليه وَرَسُولُهُ من صدقة او غنيمة اخرى إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) فى ان يغنينا من فضله والاية بأسرها

_ (1) وهو قدحيه.

[سورة التوبة (9) : آية 60]

فى حيز الشرط والجواب محذوف تقديره لكان خيرا لهم ثم بين مصارف الصدقات قطعا لاطماع رجال كانوا يطمعون فيها ولم يكونوا من أهلها وتصويبا لما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال. إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ قال البيضاوي وهو دليل على ان المراد باللمز لمزهم فى قسمة الزكوة دون الغنائم قلت المراد بالآية والله اعلم ان مصرف الصدقات هم الفقراء فقط دون الأغنياء فالفقير هو المحتاج ضد الغنى سواء كان له قليل من المال او لم يكن وهو أعم من المسكين وغيره من الأصناف وقال اكثر الحنفية الفقير من له مال دون النصاب وما قلت أوفق لمذهب ابى حنيفة رحمه الله حيث يعتبر الفقر فى الغارم والغازي وغيرهما والدليل على ما قلت من عموم الفقر وشموله للاصناف قصة معاذ روى الشيخان واصحاب السنن من حديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا الى اليمن قال انك ستاتى قوما اهل كتاب فادعهم الى شهادة ان لا اله الا الله وانى رسول الله فان هم أطاعوا لذلك فاعلمهم ان الله قد افترض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة فان هم أطاعوا لذلك فاعلمهم ان الله قد افترض عليهم صدقة توخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فان هم أطاعوا لذلك فاياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب وبهذا الحديث اعتبر صفة الايمان فى الزكوة المفروضة فلا يجوز دفع الزكوة الى فقير كافر ذميا كان او حربيا لاجماع وأجاز الزهري وابن شرمة الدفع الى اهل الذمة ويؤيد قول الزهري وابن شبرمة ما روى عن عمر فى قوله تعالى انما الصدقات للفقراء قال هم زمنا اهل الكتاب وقد اضمحل خلافهما بإجماع من بعدهما فان قيل هذا حديث احاد كيف يجوز على اصل ابى حنيفة زيادة الايمان فى الفقراء المنصوصين بنص الكتاب قلنا خص من ذلك الآية الحربي بالإجماع مستندا الى قوله تعالى انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين فجاز تخصيصه بعد ذلك بخبر الآحاد وجاز دفع الصدقة النافلة الى الذمي اجماعا لقوله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين الآية وحديث معاذ فى الزكوة المفروضة خاصة دون النافلة واما الى الحربي فلا يجوز

دفع النافلة ايضا لقوله تعالى انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم واما الصدقات الواجبة كالفطرة والكفارات والنذور فحكمها حكم المفروضة عند الائمة الثلاثة فانهم لا يفرقون بين الفرض والواجب وعند ابى حنيفة يجوز دفعها الى الذمي لانحطاط درجة الواجب عن الفريضة عنده وعدم شمول حديث معاذ إياها فان معاذا كان عاملا لاخذ الزكوة فحسب والله اعلم وإذا كان الفقير أعم من المسكين وغيره من الأصناف فحينئذ عطف قوله تعالى وَالْمَساكِينِ وما بعده على الفقراء من قبيل عطف الخاص على العام كما فى قوله تعالى حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى فهو لزيادة الاهتمام فلنذكر معانى الألفاظ من المساكين وغيرها حتى يظهر منها وجه الاهتمام بذكرها اما المساكين فالمراد به الفقير الذي لا يسال الناس إلحافا مشتق من السكون والسكينة اى لا يتحرك لاجل السؤال والدليل عليه ما رواه الشيخان فى الصحيحين من حديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس المسكين الذي يطوف على الناس يرده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسال الناس فظهر ان المسكين نوع من الفقير وإعطاءه اولى من إعطاء غيره من الفقراء فهو أهم قال الله تعالى للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الأرض يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا والحاف الإلحاح فان قيل قد يطلق المسكين على الفقير السائل ايضا كما فى حديث متفق عليه عن ابى هريرة فى قصة ثلثة من بنى إسرائيل أبرص واقرع وأعمى الحديث بطوله وفيه رجل مسكين قد انقطعت بي الجبال فى سفرى فلا بلاغ لى اليوم الا بالله ثم بك أسألك بالذي اعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا يبلغ وفى سفرى قلنا اما ان يكون فى الحديث السابق بيان المراد من الآية لا بيان الغنى اللغوي واما ان يكون فى الحديث الثاني لفظ المسكين مجاز او ليس المأخوذ فى مفهوم المسكين ان يكون له قليل من المال كما قال به بعض الشافعية ان الفقير من ليس له مال أصلا والمسكين من له قليل من الأعمال لان قوله تعالى فاطعام عشرة مساكين واطعام ستين

مسكينا فى الكفارات المراد به اجماعا الفقير مطلقا سواء كان له قليل من المال او لم يكن له مال أصلا وايضا قوله تعالى او مسكينا ذا متربته يعنى من لصق بالتراث من فقره يرد قول من قال ان المسكين من له قليل من المال وكذا ليس المأخوذ فى مفهوم المسكين ان لا يكون له مال أصلا كما قال به بعض الحنفية لان قوله تعالى اما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر تدل على ان السفينة كانت لهم ملكا ومع ذلك سماهم الله تعالى مساكين والقول بانها كانت لهم بالاجارة او العارية او اطلق عليهم لفظ المساكين ترحما صرف للنص عن الظاهر بلا دليل وقد يستدل على ان المسكين احسن حالا من الفقير بان النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وذلك متفق عليه من حديث عايشة وفى الباب عن ابى هريرة عند ابى داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم وعندهما من حديث ابى بكرة وابى سعيد وانس وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا رواه الترمذي من حديث انس وابن ماجة عن ابى سعيد والجواب ان الفقر المستعاذ منه هو فقر النفس وفى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انما الغنى غنى النفس او المستعاذ منه فتنة الفقر لا حاله وكذا المسئول ليس نفس المسكنة بل بعض صفاته من الصبر والتوكل والرضا او يقال اسناد حديث انس وابى سعيد ضعيفان كذا قال الحافظ ابن حجر وذكره ابن الجوزي فى الموضوعات لما رأه مباينا للحال الذي مات عليه النبي صلى الله عليه وسلم لانه كان مكفيا وقد قال الله تعالى ووجدك عائلا فاغنى والله اعلم- وَالْعامِلِينَ عَلَيْها اى على الصدقات عد الله سبحانه من اصناف الفقراء عاملى الصدقة وأعوانهم مجازا سواء كانوا اغنياء او فقراء لانهم وكلاء للفقراء فى أخذ الصدقات وتقسيمها مشغولون بامورهم فيجب عليهم مؤنتهم فهم فقراء حكما واختلفوا فى قدر ما يعطى للعامل من الزكوة فقال الشافعي يعطى له ولاعوانه الثمن من الصدقات قل عمله او كثر بناء على انه يجب عنده صرف الزكوة الى الأصناف الثمانية على السوية وسنذكر الرد عليه وقال ابو حنيفة واكثر الأئمة يعطى له كفاية بقدر عمله فان عمل

يوما يعطى له كفاية يومه وان عمل سنة يعطى له كفاية سنة لانه ليس للغنى حق فى الزكوة وانما يعطى العامل اجر عمله الذي وجب على الفقراء فيعطى ذلك القدر من مال الزكوة الذي هو حقهم ولا يجوز دفع جميع مال الزكوة الى العامل اجماعا وان استغرقت كفاية جميع مال الصدقة بل حينئذ يعطى له النصف لا يزاد عليه إذ لو يعطى اكثر من النصف وللاكثر حكم الكل يكون هو عاملا لنفسه لا للفقراء فيفوت المقصود ولا يجب عليه مؤنته قال الله تعالى وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قال البغوي وهم قسمان قسم مسلمون وقسم كفار فاما المسلمون فقسمان قسم دخلوا فى الإسلام ونيتهم ضعيفة فيه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم تألفا كما اعطى عيينة بن بدر والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس او اسلموا ونيتهم قوية فى الإسلام وهم شرفاء فى قومهم مثل عدى بن حاتم والزبرقان بن بدر فكان يعطيهم تألفا لقومهم وترغيبا لامثالهم فى الإسلام فهولاء يجوز للامام ان يعطيهم من خمس خمس الغنيمة والفى سهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من ذلك ولا يعطيهم من الزكوة والقسم الثاني من المؤلفة المسلمين ان يكون قوم من المسلمين بإزاء قوم كفار فى موضع لا يبلغه جيوش المسلمين الا بمؤنته كثيرة وهم لا يجاهدون اما لضعف نيّتهم او لضعف حالهم فيجوز للامام ان يعطيهم من سهم الغزاة من مال الصدقة وقيل من سهم المؤلفة من الصدقات روى ان عدى بن حاتم جاء أبا بكر بثلاثمائة من الإبل من صدقات قومه فاعطاه أبا بكر منها ثلثين بعيرا اما الكفار من المؤلفة فهو من يخشى شره منهم او يرجى إسلامه فالامام يعطى هذا حذرا من شره ويعطى ذلك ترغيبا له فى الإسلام فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من خمس الخمس كما اعطى صفوان ابن امية لما راى ميله الى الإسلام واما اليوم فقد أعز الله تعالى الإسلام وله الحمد وأغناه عن ان يتالف عليه رجال فلا يعطى مشرك تألفا بحال وقد قال بهذا كثير من اهل العلم ان المؤلفة منقطعة وسهمهم ساقط روى ذلك عن عكرمة وهو قول الشعبي وبه قال مالك والثوري وإسحاق بن راهويه واصحاب الرأي وقال قوم سهمهم ثابت يروى ذلك عن الحسن وهو

قول الزهري وابى جعفر محمد بن على بن الحسين عليهم السلام وابى ثور وقال احمد يعطون ان احتاج المسلمون الى ذلك انتهى كلامه وفى اكثر الكتب انهم اختلفوا فى حكم المؤلفة قال ابو حنيفة قد سقط منهم المؤلفة قلوبهم لانه تعالى أعز الإسلام واغنى وبه قال مالك وهى رواية عن الشافعي وعن مالك رواية اخرى ان احتيج إليهم فى بلد او ثغر استأنف الامام لوجود العلة وهى رواية عن احمد وقال الشافعي واحمد فى أصح المختار عند اكثر اصحاب الشافعي ما فى المنهاج ان المؤلفة من المصرف قال وهو من اسلم ونيته ضعيفة اوله شرف يتوقع بإعطائه اسلام غيره وقلت وبهذا ظهر ان الشافعي ايضا لا يجوز إعطاء الزكوة للكافر من المؤلفة كما لا يجوز للكافر من الفقراء والمساكين وغيرهم وابو حنيفة ومن معه لا ينكرون إعطاء مسلم فقير من المؤلفة وانما الكلام فى المسلم الغنى من المؤلفة فعند الشافعي يعطى له من الزكوة بناء على زعمه ان الفقر غير معتبر فى سائر الأصناف وعند ابى حنيفة لا يعطى له الزكوة بناء على اعتبار الفقر فى سائر الأصناف فظهر انه لا خلاف بينهم فى ان حكم جواز إعطاء الزكوة للمؤلفة باق غير منسوخ وكيف يحكم بالنسخ مع عدم الناسخ ولو حمل قول ابى حنيفة على إعطاء الكافر من المؤلفة منسوخ لكان له وجه لكن لم يثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى أحدا من الكفار للايلاف شيئا من الزكوة فان قيل روى مسلم والترمذي عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن امية فى قصة فقال أعطاني النبي صلى الله عليه وسلم ولانه ابغض الناس الى فما برح يعطينى انه لاحب الناس الى وهذا صريح فى انه كان يعطيهم فى حالة الكفر وقد جزم ابن اثير فى الصحابة انه أعطاه قبل إسلامه قلت قال النووي إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم صفوان بن امية كان من غنائم حنين وصفوان يومئذ كافر قال الحافظ ابن حجر ودعوى الرافعي انه اعطى صفوان ذلك من الزكوة وهم والصواب انه من الغنائم من خمس خمس التي كان للنبى صلى الله عليه وسلم وبذلك جزم البيهقي وابن سيد الناس وابن كثير وغيرهم وقال ابن الهمام فى بيان النسخ أسند الطبراني قول عمر بن الخطاب حين جائه عيينة بن حصين الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن

شاء فليكفر يعنى ليس اليوم مؤلفة واخرج ابن ابى شيبة عن الشعبي انما كانت المؤلفة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما ولى ابو بكر انقطعت وقال ابن الهمام جاء عيينه والأقرع يطلبان أرضا الى ابى بكر فكتب له الخط فمزقه عمر وقال هذا شىء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ليتألفكم على الإسلام واللآن فقد أعز الله الإسلام واغنى عنكم فان ثبتهم على الإسلام والا فبينا وبينكم السيف فرجعوا الى ابى بكر فقالوا الخليفة أنت أم عمر فقال هو ان شاء ووافقه ولم ينكر عليهما أحد من الصحابة قلت لا يخفى ان قول عمر لا يحتمل ان يكون ناسخا وليس فى قوله تعالى فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر دلالة على نسخ سهم المؤلفة كيف وهو اقدم نزولا من آية سهم المؤلفة فان سورة التوبة آخر القرآن نزولا وسورة الكهف مكية وليست القصة فى الزكوة بل فى أقطاع الأرض فكيف يحكم بنسخ سهم المؤلفة وإذا ثبت ان حكمه باق غير منسوخ لكن الكافر من المؤلفة ليس بمراد بل الحكم مخصوص بالمسلمين منهم ولذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إعطائه من الزكوة كافرا من المؤلفة فنقول إذا خص الكافر من المؤلفة فلا بد ان يخص الغنى ايضا بالأحاديث الواردة فى عدم حل الزكوة للغنى وبما ذكر فى حديث معاذ قوله صلى الله عليه وسلم توخذ من أغنيائهم وترد الى فقرائهم وإذا خص المسلم الغنى من المؤلفة بقي الحكم فى المؤلفة الفقراء فظهر ان المؤلفة ايضا صنف من الفقراء عطف عليه عطف الخاص على العام لزيادة الاهتمام قوله تعالى وَفِي الرِّقابِ عدل عن اللام الى فى للايذان بان الاربعة اللاحقة ارسخ فى استحقاق التصدق عليهم من المساكين والعاملين والمؤلفة لان فى للوعاء فنبه على انهم أحقاء بان يوضع فيهم الصدقات والمراد بهم المكاتبين عند ابى حنيفة والشافعي واحمد وهى رواية ابن وهب عن مالك وهم فقراء البتة وانكانت عندهم نصاب لا يكفى لاداء كتابتهم فيعان فى فك رقابهم قال الله فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي أتاكم وقال مالك الرقاب العبيد الأرقاء فعنده يشترى من الزكوة رقبة كاملة فيعتق وهى رواية عن احمد لكنه رجع احمد عنها واحتج مالك بأثر ابن عباس روى ابو عبيدة فى كتاب الأموال من طريق ابى الأشرس

عن مجاهد عنه انه كان لا يرى بأسا ان يعطى الرجل من زكوة ماله فى الحج وان يعتق منه الرقبة أخرجه عن ابى معوية عن الأعمش عنه واخرج عن ابى بكر بن ابى عياش عن الأعمش عن ابى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال أعتق من زكوة مالك قال وتابع أبا معوية عبدة بن سليمان رويناه فى فوايد يحيى بن معين رواية ابى بكر بن على المروزي عن عبده عن الأعمش عن ابى الأشرس ولفظه كان يخرج زكوة ثم يقول جهزونا منها الى الحج وقال الميموني قلت لابى عبد الله يشترى الرجل من زكوة ماله الرقاب فيعتق ويجعل فى ابن السبيل قال نعم ابن عباس يقول ذلك ولا اعلم شيئا يدفعه قال الجلالي أخبرنا احمد بن هاشم قال قال احمد كنت ارى ان يعتق من الزكوة ثم رجعت عن ذلك فاحتج عليه بحديث ابن عباس فقال هو مضطرب ثم عند مالك الولاء للمسلمين وفى رواية عنه الولاء للمعتق قال الحافظ انما وصف احمد اثر ابن عباس بالاضطراب لاختلاف فى اسناده عن الأعمش قال الحافظ وفى تفسير الرقاب قول ثالث ان سهم الرقاب يجعل نصفين نصف لكل مكاتب يدعى الإسلام ونصف يشترى بها رقاب من صلى وصام أخرجه ابن ابى حاتم وابو عبيدة فى الأموال بإسناد صحيح عن الزهري انه كتب ذلك لعمر بن عبد العزيز والله اعلم قلت قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ تأخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم يابى قول مالك فان فى شراء الرقيق لم يوجد الرد ... على الفقراء وقول ابن عباس مضطرب كما قال احمد ولو صح فهو رأى ليس برواية فليس بحجة وما ذكرنا فى تفسير الرقاب بالمكاتبين يدل عليه ما أخرجه الطبراني فى تفسيره من طريق محمد بن إسحاق عن الحسن البصري ان مكاتبا قال لابى موسى الأشعري وهو يخطب يوم الجمعة فقال له ايها الأمير حث الناس علىّ فحث عليه ابو موسى فالقى الناس عليه هذا يلقى عمامة وهذا يلقى قلادة وهذا يلقى خاتما حتى القى الناس عليه سوادا كثيرا فلما راى ابو موسى ما القى عليه قال اجمعوه ثم امر به فبيع فاعطى المكاتب مكاتبة ثم اعطى الفضل فى الرقاب ولم يرده على الناس وقال ان هذا أعطوه فى الرقاب فان قيل روى احمد وغيره ان رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال دلنى على عمل يقربنى الى ... الجنة ويباعدنى من النار فقال أعتق

النسمة وفك الرقبة فقال اوليسا سواء قال لا عتق الرقبة ان تنفرد بعتقها وفك الرقبة ان تعين فى ثمنها قلت هذا لا يدل على ان فى الرقاب المذكور فى الآية ما قاله مالك والله اعلم وَالْغارِمِينَ وهم المديونون بالاتفاق لكن الشافعي واكثر الائمة جعل المديون على ثلثة اقسام قسم أدانوا أنفسهم من غير معصية فانهم يعطون من الصدقة إذا لم يكن مالهم مال يفى بدينهم فانكان عندهم وفاء فلا يعطون وقسم أدانوا فى المعروف وإصلاح ذات البين فانهم يعطون من الصدقة ويقضى ديونهم وإن كانوا اغنياء وقسم أدانوا فى معصية الله والإسراف فلا يدفع اليه شىء وقال ابو حنيفة رحمه الله يدفع الى كل مديون لم يكن مالكا لنصاب فاضل عن وفاء دينه لعموم اللفظ ولا شك انه فقير فان ماله مشغول بدينه والخلاف فيه كالخلاف فى رخص السفر وكل مديون كان له نصاب فاضل عن وفاء دينه لا يجوز دفع الزكوة اليه عند ابى حنيفة ومالك واحمد خلافا للشافعى فى مديون ادان فى الطاعة قوله تعالى وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ كرر كلمة فى لترجيح الصنفين للاحقين على الرقاب والغارمين قال الشافعي وابو يوسف وجمهور العلماء المراد به منقطع الغزاة وقال احمد ومحمد بن الحسن منقطع الحاج والحجة لاحمد ما رواه احمد وابو داود من حديث أم معقل قالت كان ابو معقل حاجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم قالت أم معقل قد علمت ان علىّ حجة فانطلقا يمشيان حتى دخلا عليه صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله علىّ حجة وان لابى معقل بكرا فقال ابو معقل صدقة جعلته فى سبيل الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطها فلتحج عليه فان الحج فى سبيل الله وفيه ابراهيم بن مهاجر يتكلم فيه وفى بعض الروايات انه كان بعد وفات ابى معقل رواه ابو داود واحمد بسند آخر عن أم معقل قالت لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعل ابو معقل فى سبيل الله وأصابنا مرض وهلك ابو معقل وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من حجته جئته فقال يا أم معقل ما منعك ان تخرجى معنا قالت لقد تهيانا فهلك ابو معقل وكان لنا جمل هو الذي يحج عليه فاوصى به ابو معقل فى سبيل الله قال فهلا خرجت عليه فان الحج فى سبيل الله واحتج الشافعي بحديث

ابى هريرة المتفق عليه وفيه واما خالد فانكم تظلمون خالدا فانه قد احتبس ادراعه واعتده قلت ولما كان الفقر ماخوذا فى جميع الأصناف فالاولى ان لا يخص فى سبيل الله بالحج ولا بالغزو بل يترك أعم منهما ومن ساير أبواب الخير فمن أنفق ماله فى طلبة العلم صدق انه أنفق فى سبيل الله قوله تعالى وَابْنِ السَّبِيلِ وهو المسافر فاعلم ان المسافر اما ان يكون مالكا لنصاب يمنع أخذ الزكاة اولا وعلى الثاني يعطى له الزكوة اتفاقا سواء كان فى أثناء السفر او مريدا للسافر كمن لم يكن مسافرا لكونه فقيرا وعلى التقدير الاول إن كان له مال فى يده بقدر النصاب وبقدر ما يبلغ بلدا يريد دخوله لا يعطى له الزكوة اتفاقا سواء كان فى أثناء السفر اولا وإن كان له مال كثير فى وطنه لا معه وهو فى أثناء السفر فقير يدا ليس عنده ما يبلغ نصابا ولا ما يبلغ به وطنه الذي فيه ماله يعطى له الزكوة اتفاقا وهو المراد بابن السبيل فى هذه الآية عند ابى حنيفة رحمه الله فالفقر المعتبر لاباحة أخذ الزكوة هو الفقر يدا فمالكية المال لا ينافى جواز أخذ الزكوة ان لم يكن المال فى يده فالمقيم فى الوطن الذي له مال فى وطنه بمنزلة ابن السبيل والدائن الذي مديونه مقر مفلس كابن السبيل كذا فى المحيط وإن كان له مال كثير فى وطنه وعنده مال قليل لا يبلغ نصابا لكن يمكن ان يبلغ به مكانه الذي فيه ماله لا يجوز له أخذ الزكوة اتفاقا لانه قادر على الوصول الى ماله فكانه فى يده وإن كان له مال فى يده يبلغ نصابا لكن ليس بقدر ما يقطع به المسافة المقصورة سواء هو فى أثناء السفر او هو مريد للسفر وسواء كان له مال بعيد منه او لا يكون لا يجوز له أخذ الزكوة عند ابى حنيفة وقال الشافعي يجوز لابى حنيفة ان المبيح لاخذ الزكوة انما هو الفقر وهو ليس بفقير وقال الشافعي ارادة السفر ايضا مبيح لاخذ الزكوة ان لم يكن عنده ما يقطع به السفر لان ابن السبيل صنف آخر غير الفقير لا يعتبر فيه الفقر والله اعلم قلت الأصناف السبعة انواع للفقراء والمصرف هم الفقراء ولا يجوز دفع الزكوة الى هؤلاء الأصناف الا بشرط الفقر الا العاملين فانه يجوز اعطائهم وإن كانوا اغنياء فان المعطى لهم حينئذ فى الحقيقة هم الفقراء وهم يأخذون من مال الفقراء ما يجب لهم مؤنتهم عليهم اجرة عملهم لهم ولا تنحصر الفقراء فى هذه الأصناف وانما ذكر الله تعالى هذه

الأصناف اهتماما بها فان لهذا الأصناف مزية على غيرهم من الفقراء فالمراد من الآية والله سبحانه اعلم ان المصرف هم الفقراء لكن الاولى ان يلتمس لاعطاء الزكوة سببا يترجح به المعطى له على غيره من الفقراء فالمسكين الذي لا يسأل الناس اولى من السائلين لكونه أفقر والمسافر الفقير أفقر وأشد حاجة من المقيم والغازي والحاج والكاتب والمؤلف للاسلام أحرى لان يعطوا من غيرهم لان فى اعطائهم اعانة على الحج الذي هو أحد اركان الإسلام والجهاد الذي هو ذروة سنامه وعلى فك الرقبة الذي هو مفرغ لكثير من الخيرات ولا دلالة فى الآية على ان اسباب المزية منحصرة فى هذه الأمور بل للمزية اسباب غيره ايضا وانما ذكرت هذه الأمور تمثيلا فان منها القرابة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول رواه البخاري من حديث ابى هريرة ومسلم من حديث حكيم بن حزام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا نفقته فى سبيل الله ودينار تصدقته به على رقبة ودينار تصدقته به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها اجرا الذي أنفقته على أهلك رواه مسلم من حديث ابى هريرة وعن ميمونة بنت الحارث انها اعتقت وليدة فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لاجرك متفق عليه وعن سليمان بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذى الرحم ثنتان صدقة وصلة رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وعن انس قال قال ابو طلحة ان أحب مالى الى بيرحاء وانه صدقة لله تعالى ارجوا برها ذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارى ان تجعلها فى الأقربين فقسمها ابو طلحة فى أقاربه وبنى عمه متفق عليه غير انه لا يجوز دفع الزكوة الى من بينها ولادا وزوجية عند ابى حنيفة رحمه الله لان منافع املاكهم متصلة شرعا وعرفا فلا يتحقق التمليك على الكمال قال الله تعالى ووجدك عائلا فاغنى يعنى بمال خديجة وقال عليه السلام أنت ومالك لابيك قال ابن همام وسائر القرابات غير الولاد يجوز الدفع معه بل اولى لما فيه من

الصلة مع الصدقة فالاخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ولو كان بعضهم فى عياله ولم يفرض القاضي نفقته عليه فدفعها اليه ينوى الزكوة جاز عن الزكوة وان فرضها فدفعها ينوى الزكوة لا يجوز عن الزكوة لانه أداء واجب فى واجب اخر فلا يجوز الا إذا لم يحتسبها فى النفقة لوجود التمليك على الكمال وقال الشافعي ومالك واحمد لا يجوز دفع الزكوة الى من يجب نفقته عليه وعلة المنع عندهم لزوم المئونة ووجوب النفقة على المعطى وقد ذكرنا مسئلة وجوب نفقة الأقارب فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وعلى الوارث مثل ذلك وقال ابو يوسف ومحمد مثل ما قال ابو حنيفة ان علة المنع اتصال الاملاك وذلك فى الولاد والزوجية غير انه يجوز عندهما للزوجة دفع زكوتها الى زوجها على خلاف القياس اتباعا لحديث زينب امراة ابن مسعود قالت كنت فى المسجد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قال تصدقن ولو من حليكن وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام فى حجرها فقالت لعبد الله سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيجزئ عنى ان أنفق عليك وعلى أيتام فى حجرى من الصدقة قال سلى أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار حاجتها مثل حاجتى فمر علينا بلال فقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلم أيجزئ عنى ان أتصدق على زوجى وأيتام لى فى حجرى وقلنا لا تخبرنا فدخل فساله فقال من هما قال زينب قال اى الزيانب قال امراة عبد الله قال نعم لها أجران اجر القرابة واجر الصدقة رواه البخاري ومسلم والنسائي والطحاوي وغيرهم وفى رواية النسائي على أزواجنا وأيتام فى حجورنا وفى رواية للطيالسى انهم بنو أخيها وبنو أختها وللنساى من طريق علقمة لاحدهما فضل مال وفى حجرها بنو أخ لها أيتام وللاخرى فضل مال ولها زوج خفيف «1» ذات اليد قالا قولها أيجزي عنى يدل على ان الصدقة كانت واجبة لان الاجزاء انما يستعمل فى الواجبة وأجاب الحنفية بان ذلك كان فى الصدقة النافلة لانها هى التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول «2» بالموعظة والحث عليها وقولها يجزى وإن كان فى عرف الفقهاء الحادث

_ (1) اى فقير قليل المال والحظ من الدنيا 12. (2) اى يتعهد من قولهم فلان خائل مال وهو الذي يصلحه ويقوم 12.

لا يستعمل غالبا الا فى الواجب لكن فى ألفاظهم لما هو أعم من الفضل لانه بمعنى الكفاية فالمعنى هل يكفى التصدق عليه فى تحقق مسمى الصدقة وتحقيق مقصودها من التقرب الى الله فسلم القياس من المعارضة واحتج الطحاوي على هذا التأويل يعنى ان الصدقة فى الحديث صدقة التطوع بروايات اخرى روى الطحاوي بسنده عن رابطة بنت عبد الله امرأة عبد الله بن مسعود وكانت امراة صنعاء وليس لعبد الله بن مسعود مال وكانت تنفق عليه وعلى ولده منها فقالت لقد شغلتنى والله أنت وولدك عن الصدقة فما أستطيع معكم بشئ فقال ما أحب ان لم يكن لك فى ذلك اجر ان تفعلى فسالت رسول الله صلى الله عليه وسلم هى وهو فقالت يا رسول الله اننى امراة ذات صنعة أبيع منها وليس لولدى ولا لزوجى شىء فيشغلونى ولا أتصدق فهل فيهم اجر فقال فى ذلك اجر ما أنفقت عليهم فانفقى عليهم قال الطحاوي رابطة هذه هى زينب امراة عبد الله إذ لا يعلم ان عبد الله كانت له امرأة غيرها فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الطحاوي بطريقين عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الصبح يوما فاتى على النساء فى المسجد فقال يا معشر النساء ما رايت من ناقصات عقل ودين اذهب لعقول ذوى الألباب منكن وانى قد رايت انكن اكثر اهل النار يوم القيامة فتقربن الى الله عز وجل بما استطعتن وكانت فى النساء امرأة ابن مسعود فانقليت الى ابن مسعود فاخبرته بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذت جلبابها فقال ابن مسعود اين تذهبين بهذا الحلي فقالت أتقرب به الى الله عز وجل والى رسوله صلى الله عليه وسلم لعل الله لا يجعلنى من اهل النار قال هلمى ويلك تصدقى به علىّ وعلى ولدىّ فقالت لا والله حتى اذهب به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقى به عليه وعلى بنيه فانهم له موضع وروى البخاري من حديث ابى سعيد الخدري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اضحى او فطر الى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال ايها الناس تصدقوا فمر على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فانى اريتكن اكثر اهل النار قلن وبم يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير الحديث الى ان

قالت امراة ابن مسعود عندى حلى فاردت ان أتصدق به فزعم ابن مسعود انه وولده أحق من تصدقت به عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم قال الطحاوي هذه الروايات تدل على كون الصدقة نافلة لان فى الحديث الاول كنت امراة صنعاء اصنع بيدي فابيع من ذلك وذلك صريح انها لم تكن مالكة نصاب يجب فيه الزكوة والحديث الثاني يدل على انها تصدقت بكل الحلي وذلك من التطوع دون الزكوة ولان الأحاديث الثلاثة تدل على جواز دفع صدقتها على ولدها وقد اجمعوا على انه لا يجوز للمرأة ان ينفق على ولدها من زكوتها وأجاب الحافظ ابن حجر عن الاستدلال الطحاوي بان إجماعهم على انه لا يجوز للمرأة ان ينفق على ولدها من زكوتها ممنوع لان المانع من إعطاء الزكوة عند الجمهور وجوب نفقة المعطى له على المعطى والا لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه وعن الاستدلال يتصدق كل الحلي ان كل الحلي يمكن ان يكون قدر الواجب الذي وجب إخراجه عليها قلت حمل أحاديث امراة ابن مسعود على قصة واحدة تكلف والظاهر انها قصتان بل قصص كذا قال الحافظ لان قصة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المصلى فى اضحى او فطر غير قصة وعظه صلى الله عليه وسلم بعد الانصراف من صلوة الصبح فى المسجد وقصة الانفاق على أيتام هم بنو أخيها وأختها غير قصة إنفاقها على أولادها وفى بعض الطرق قال ابن مسعود تصدقى علىّ وعلى أولادي وفى بعضها ما أحب ان لم يكن لك فى ذلك اجر ان تفعلى وإذا فرضناها قصتان فالظاهر ان السؤال فى أحدها عن الصدقة الواجبة إذ بعد العلم بالحكم فى الصدقة التطوع لا يحتمل ان تسأل زينب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصدقة التطوع مرة ثانية وايضا اطلاق قوله صلى الله عليه وسلم نعم لها أجران فى جواب قولها أيجزئ عنى ان أتصدق على زوجى من غير فصل يدل على عموم اجزاء الصدقة والله اعلم- ومن اسباب المزية الجوار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت انه سيورثه رواه احمد والبخاري ومسلم وابو داود والترمذي وكذا روى احمد والشيخان واصحاب السنن عن عايشة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طبخت مرقة فاكثر مائها وتعاهد

جيرانك رواه مسلم عن ابى ذر ومنها شدة الحاجة لاجل العيال او نحوها عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة ان تشيع كبدا جايعا رواه البيهقي فى شغب الايمان ومنها سوال السائل قال الله تعالى واما السائل فلا تنهر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل حق وان جاء على فرس رواه احمد وابو داود وايضا بسند صحيح عن الحسين وابو داود عن على والطبراني عن الهرماس بن زياد وعن أم بجيد قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا السائل ولو بظلف محرق رواه مالك والنسائي ورواه الترمذي وابو داود مرسلا وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أخبركم بشر الناس رجل يسال بالله ولا يعطى به ومنها اليتم والاسر قال الله تعالى يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا وغيرها من اسباب المزية يعرف بالآيات والأحاديث وما رويت ان الأصناف كلها اصناف للفقراء يوافق رأى ابى حنيفة واكثر الائمة حيث شرطوا الفقر فى جميع الأصناف وقال الشافعي الأصناف الثمانية المذكورة كل منها مستحق للزكوة برأسها ولا يعتبر فى جميعها الفقر بل يجوز ان يعطى للمولف والمكاتب والمديون والغازي وابن السبيل مع كونهم اغنياء واحتج على ذلك بحديث عطاء بن يسار مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل الصدقة لغنى الا لخمسة لغازى فى سبيل الله او لعامل عليها او لغارم او لرجل اشتراها بماله او لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فاهدى المسكين للغنى رواه مالك وابو داود قلت فى هذا الحديث اضطراب فى السند والمتن اما السند فاختلف على زيد بن اسلم فقيل عنه عن عطاء مرسلا كما قال مالك فى الموطإ وروى عنه ابو داود وقيل عن زيد قال حدثنى الليث وقيل عن زيد عن عطاء عن ابى سعيد ذكر الروايات ابو داود وأماني المتن ففى الرواية المذكورة كما ذكرنا وفى رواية لابى داود عن عمران البارقي عن عطية عن ابى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل الصدقة لغنى الا فى سبيل الله عز وجل او ابن السبيل او جاز فقير تصدق عليه فهدى لك او يدعوك قال ابن همام هذا الحديث قيل لم يثبت ولو ثبت لم يقوقوة حديث معاذ فانه رواه اصحاب الكتب الستة ولو قوى قوته ترجح حديث معاذ بانه مانع وهذا مبيح مع انه دخله التأويل عندهم حيث قيدوا اباحة الاخذ للغازى بان لا يكون له

شىء فى الديوان ولا أخذ من الفيء وهو أعم من ذلك وذلك يضعّف الدلالة بالنسبة الى ما لا يدخله التأويل وحديث زياد بن الحارث الصدائ قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته فذكر حديثا طويلا وفيه فاتاه رجل فقال أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى لم يرض بحكم نبى ولا غيره فى الصدقات حتى حكم فيها فجزاها ثمانية اجزاء فان كنت من تلك الاجزاء أعطيتك رواه ابو داود قلت الحديث ضعيف لانه من رواية عبد الله بن عمر بن غانم الافريقى قال الذهبي مجهول الحال واتهمه ابن حبان وشيخه عبد الرحمن بن زياد ضعفه ابن معين والنسائي وقال الدار قطنى ليس بالقوى دوهاه احمد بن حنبل وإذا كان المصرف الفقراء والأصناف الباقية انواع منه فعلى هذا لا شبهة فى جواز دفع جميع مال الزكوة الى صنف واحد منها او الى شخص واحد وكذا لو فرضناها أصنافا مغايرة للفقراء وقال الشافعي لا يجوز صرفها الى بعضهم مع وجود ساير الأصناف فعنده يجب استيعاب الأصناف ان قسم الامام وهناك عامل والا فالقسمة على سبعة سوى العامل وذكر البغوي انه يقسم على ستة اصناف لاجل سقوط سهم المؤلفة فان فقد بعضهم فعلى الموجودين ويجب التسوية بين الأصناف فى حصة كل صنف فاذا قسم الامام استوعب من الزكوة الحاصلة عنده احاد كل صنف وكذا يستوعب المالك ان انحصر المستحقون فى البلد ووفى بهم المال والا فيجب إعطاء ثلثة ان وجد منهم ثلثا او اكثر فان لم يجد من بعض الأصناف الا واحد اصرف حصة ذلك الصنف اليه ما لم يخرج عن حد الاستحقاق فاذا انتهت حاجته وفضل شىء رده الى الباقين ويجب التسوية بين الأصناف لا بين احاد الصنف الا ان يقسم الامام فيحرم عليه التفصيل مع تساوى الحاجات قال الشافعي فى الام اللام فى قوله تعالى للفقراء للاستحقاق فقد ذكر الله سبحانه الاستحقاق لثمانية اصناف فوجب إعطاء كل صنف وذكر كل صنف بلفظ الجمع المحلى بلام الاستغراق فيجب استيعاب افراد كل صنف ان أمكن ذلك بان كان افراد كل صنف منحصرة فى البلد وكان المال يفى بهم وان لم يمكن الاستيعاب يصرف الى ثلثة لبقاء الجمعية على حالها قلنا لام التعريف فى الآية ليست للاستغراق للاجماع على انه لا يجب صرف كل صدقة على فقراء العالم وتخصيص الاستغراق بفقراء بلده امر اختراعى وايضا إذا

لم يمكن حصر فقراء البلد ولا يجب صرف الزكوة الى جماعة اكثر من الثلاثة اجماعا ولو كان اللام للاستغراق لوجب استيعاب الكل او استيعاب ما أمكن منهم مثلا لو كان مائة درهم حصة كل صنف ولا يمكن حصر فقراء البلد فلا بد ان يجب الصرف الى مائة فقير مثلا لا الاقتصار على ثلثة فظهر ان اللام للجنش ولام الجنس ينافى الجمعية فالمعنى يستحقها جنس الفقير اى فرد كان ولو سلمنا ان الجمعية باق فمقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد وايضا كون لام الجر للاستحقاق ممنوع بل حقيقة اللام للاختصاص والاختصاص أعم من الملك والاستحقاق وكونهم مصر فادون غيرهم ويدل على ما ذهبنا اليه الأحاديث والآثار منها ما رواه البيهقي والطبراني عن ابن عباس وابن ابى شيبة عن عمر فى اى صنف وضعته أجزأك وروى الطبراني عن عمر انه كان يأخذ الفرض من الصدقة فيجعله فى صنف واحد قال ابو عبيدة فى كتاب الأموال ومما يدل على صحة ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بعد ذلك مال فجعله فى صنف واحد وهم المؤلفة قلوبهم اقرع بن حابس وعيينة بن حصين وعلقمة بن علاثه وزيد بن الجبل قسم فيهم الذهيبة التي بعثها معاذ من اليمن وانما يوخذ من اهل اليمن الصدقة ثم أتاه مال آخر فجعله فى صنف آخروهم الغارمون فقال لقبيصة بن المخارق حين أتاه وقد تحمل حمالة يا قبيصة أقم حتى يأتينا الصدقة فنامر لك بها قال ابن همام ولم يرو عن غيرهم ما يخالفهم قولا ولا فعلا قال البيضاوي وعن عمرو حذيفة وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم جواز صرفها الى صنف واحد وبه قال الائمة الثلاثة واختاره بعض أصحابنا يعنى الشافعية وبه كان يفتى شيخى ووالدي رحمه الله على ان الآية بيان ان الصدقة لا يخرج منهم لا إيجاب قسمتها عليهم- (مسئلة) لا يجوز دفع الزكوة الى غنى ليس من الأصناف المذكورة اجماعا واما الغنى من الأصناف المذكورة فقد مر الخلاف فيه واختلفوا فى حد الغنى الذي لا يجوز له أخذ الزكوة فقال ابو حنيفة هو الذي يملك نصابا من اى مال كان وقال بعض العلماء من وجد ما يغد به ويغشيه لا يحل له الزكوة لقوله صلى الله عليه وسلم من سال وعنده ما يغنيه فانما يستكثر من النار وفى رواية من نار جهنم فقالوا يا رسول الله وما يغنيه وفى رواية وما الغناء الذي

لا ينبغى معه المسألة قال قدر ما يغديه ويعشيه رواه ابو داود من حديث سهيل بن حنظله وصححه ابن حبان وقال بعضهم من ملك أربعين درهما لا يحل له الزكوة لحديث ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سال وله قيمة اوقية فقد الحف فقلت ناقتى الياقوتة هى خير من اوقية فرجعت فلم اساله زاد هشام وكانت الاوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهما رواه ابو داود والنسائي وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سال وله أربعون درهما فهو الملحف وقال بعضهم من ملك خمسين درهما لم يحل له الصدقة وهى رواية عن احمد وبه قال إسحاق وابو ثور لحديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سال وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وخموش «1» او خدوش او كدوح فى وجهه فقيل يا رسول الله ما الغنى قال خمسون درهما او قيمتها من الذهب رواه ابو داود والنسائي وغيرهما والحديث ضعيف والجواب ان ما ذكرتم من الأحاديث يدل على حرمة السؤال لمن يجد ما يغديه ويعشيه او أربعين درهما او خمسين لا عدم جواز أخذ الزكوة بغير سوال ونحن نقول بان من يجد ما يكفيه فى وقته لا يحل له السؤال لكن لو أعطاه أحد صدقة بلا سوال جاز له أخذها لما فى الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطينى العطاء فاقول أعطه من هو أفقر منى فقال خذه إذا جاءك من هذا المال شىء وأنت غير مشرف «2» ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبعه نفسك فان هذا الحديث يدل على ان عمر كان يجد ما يغديه وما يعشيه والا لكان هو أفقر الناس وقد امره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخذ الصدقة من غير سوال وقال مالك والشافعي واحمد الاعتبار فى حرمة الزكوة بالكفاية فله ان يأخذ مع عدمها وإن كان له قنطار وليس له ان يأخذها مع وجودها وان قل ماله فيكون الرجل غنيا بدرهم مع الكسب وقد لا يغنيه الف مع ضعفه وكثرة عياله وذكر البغوي مذهب مالك والشافعي ان يكون عنده ما يكفيه وعياله سنة لحديث فبيصة بن مخارق عن رسول

_ (1) خموش خدوش كدوح بمعنى خراشها با اندك تفاوت 12. (2) يقال أشرفت الشيء وأشرفت عليه اى اطلعت عليه من فوق أراد ما جاءك منه وأنت غير متطلع لا طامع فيه 12.

الله صلى الله عليه وسلم انه قال المسألة لا يحل الا لثلثة رجل تحمل حمالة قوم فسأل فيها حتى يوديها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة «1» اجتاحت ماله فسأل فيها حتى يصيب قواما من عيش ثم يمسك ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلثة من ذى الحجى من قومه لقد أصابت فلان فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا رواه مسلم وحديث حسين بن على بن ابى طالب عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل حق وان جاء على الفرس رواه احمد وابو داود وغيرهما وجه الاحتجاج ان الحديث الاول يدل على ان اباحة السؤال ينتهى بان يصيب قواما من عيش وهو الكفاية فمن كان له نكاية ولو لم يكن له أربعون درهما لا يحل له الصدقة والحديث الثاني يدل على ان السائل وان كان على فرس فله حق ولا شك ان ذلك مع الحاجة فظهر ان من كان له حاجة وكان له ما كان الف درهم مثلا جاز الا عطاء له والجواب ان هذين الحديثين لا مساس لهما بالمدعى لان الحديث الاول فى اباحة السؤال وحرمته وحاصلة ان السؤال بلا حاجة حرام ومع الحاجة جايز فمن أصابته فاقة يسأل حتى يصيب قواما من عيش قلت وذا بكفاية يوم وليلة كما فى حديث سهيل بن حنظلة فاذا أصاب قواما من عيش لا يحل له المسألة ويحل له الصدقة ان اعطى بلا سوال لعموم قوله تعالى الصدقات للفقراء واما الحديث الثاني ففى بيان حق السائل وقوله ولو جاء على الفرس محمول على المبالغة وايضا الفرس قد يكون من حوائجه الاصلية إذا كان الرجل غازيا وقد يكون صاحب الفرس مديونا وقد لا يبلغه فرسه نصابا وبمثل هذه الدلالة مع ما ذكرنا من الاحتمالات لا يمكن ان يقال لجواز الإعطاء من الزكوة الغنى مع النصوص القاطعة على منعه وقال ابو حنيفة الغنى من لا يكون له نصابا فاضلا عن حوائجه الاصلية لحديث معاذ تأخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فانه يدل على ان من يردّ عليه غير من يوخذ منه فثبت انه من يجب عليه الزكوة لا يجوز الدفع اليه غير انه لا فرق فى المال النامي وغير النامي فى المنع عن دفع الزكوة اليه لما ثبت فى حديث ابى سعيد وغيره ان الاوقية وما يكون على قيمته حكمهما سواء وانما الفرق بينهما فى وجوب الزكوة لقوله عليه السلام

_ (1) جائحة آونة التي يهلك الثمار 12.

ليس فى العوامل ولا فى الحوامل ولا فى العلوفة صدقة فظهر ان الله سبحانه جعل القدرة الميسرة شرط الوجوب الزكوة وانما شرطنا فى المنع من إعطاء الزكوة اليه كون النصاب فارغا عن حوائجه الاصلية لان النصاب المشغول بالحاجة كالمعدوم نظيره جواز التيمم مع وجود الماء المعد للعطش فجاز للمديون المالك للنصاب أخذ الزكوة إذا لم يكن نصابه فاضلا عن دينه وكذا الغازي وابن السبيل وفرس يركبه يبلغ نصابا او عالم له كتب يحتاج إليها فى المطالعة والتدريس او رجل له بيت يبلغ نصابا يسكنه وهذا محمل قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل الصدقة لغنى الا لخمسة الغازي فى سبيل الله والغارم وابن السبيل والله اعلم- (مسئلة) الفقير إذا كان قادرا على الكفاية بالكسب يجوز دفع الزكوة اليه لعموم قوله تعالى انما الصدقات للفقراء وقال الشافعي واحمد لا يجوز لحديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة سوى رواه احمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم ورواه ابو داود والترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمر بن العاص بسند حسن ورواه الدار قطنى فى العلل وابو يعلى عن طلحة وحديث جابر قال جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة فركبه الناس فقال ايها الناس لا يصلح لغنى ولا لصحيح سوى ولا نعامل قوى رواه احمد والدار قطنى وحديث عبيد الله بن عدى ان رجلين أخبراه انهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة فقلب فيهما البصر ورأهما جلدين فقال ان شئتما اعطيتكما ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب رواه احمد وابو داود ونسائى وقال صاحب التنقيح حديث صحيح وقال احمد ما أجوده من حديث هو أحسنها اسنادا وفى الباب عن ابن عمر فى كامل ابن عدى وعن حبشى بن جنادة فى سنن الترمذي ورواه احمد من طريق ابى زميل عن رجل من بنى هلال به وعن عبد الرحمن فى الطبراني قلنا قوله صلى الله عليه وسلم ان شئتما اعطيتكما ولا حظ فيها لغنى صريح فى انه يجوز دفع الزكوة الى فقير قوى والا لم يقل ان شيئتما اعطيتكما ولنا ايضا حديث عمر بن الخطاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطينى العطاء فاقول أعطه من هو أفقر اليه منى قال خذه إذا جاءك من هذا المال شىء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبعه

نفسك متفق عليه من حديث سالم عن ابن عمر عنه وفى رواية لمسلم خذه فتموله وتصدق به قال سالم فمن ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه فان قيل ان عطية النبي صلى الله عليه وسلم لعمر كان بسبب العمالة لا لاجل الفقر ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم خذه فتموله وتصدق به لما روى مسلم عن ابى حميد الساعدي انه قال استعملني عمر بن الخطاب على الصدقة فلما فرغت منها وأديتها اليه أمرني بعمالة فقلت انما عملت لله اجرى على الله فقال خذ ما أعطيت فانى عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملنى فقلت مثل قولك فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعطيت شيئا من غير ان تسأل فكل وتصدق قلت العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص الحادثة واللفظ عام إذا جاءك من هذا المال شىء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ومن تتبع الأحاديث ظهر له صراحة او دلالة ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى من سأل الصدقة وهو صحيح سوى روى مسلم من حديث انس قال كنت امشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجرانى غليظ الحاشية فادركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة نظرت الى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لى من مال الله الذي عندك فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم امر له بعطاء قال الحافظ ابن حجر واكثر أحاديث الباب شاهدة لذلك وقلت وما ذكرنا من الأحاديث جملتها تدل على ان دفع الصدقة الى فقير قوى يجوز سواء سأل الفقير او لا يجوز له ان لم يكن بسوال لكن يكره له السؤال والاخذ بالسؤال فنفى حل الصدقة فى قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل الصدقة لذى مرة سوى يرجع الى نفى حل السؤال ونفى حل الصدقة التي تعطى بالسؤال والظاهر ان الأحاديث التي ينفى الحل وردت فى حادثة السؤال والله اعلم- (مسئلة) لم يكن الصدقة حلالا للنبى صلى الله عليه وسلم لا واجبة ولا نافلة عند اكثر الأئمة وحكى عن الشافعي فى التطوع قولان وكذا فى رواية احمد والحجة للجمهور حديث انس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة فى الطريق فقال لولا انى أخاف ان يكون من الصدقة لاكلتها متفق عليه وحديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتى به بطعام

سأل عنه أهدية أم صدقة فان قيل صدقة قال لاصحابه كلوا ولم يأكل وان قيل هدية ضرب بيده فاكله معهم متفق عليه وروى الطحاوي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده نحوه وكذا لآل محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن الصدقة حلال لحديث ابى هريرة قال أخذ الحسن بن على تمرة من تمر الصدقة فجعلها فى فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم كخ كخ ليطرحها ثم قال اما شعرت انا لا ناكل الصدقة متفق عليه- (مسئلة) اختلفوا فى تحريم الصدقة على أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم على اربعة اقوال الاول الجواز مطلقا فريضة كانت او نافلة وهى رواية عن ابى حنيفة ورواية عن مالك وهذا قول لا يصاعده دليل شرعى غير انهم يقولون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل خمس الخمس من الغنيمة لاقاربه عوضا عن الصدقة فلما سقط خمس الخمس بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط حرمة الصدقة الثاني المنع مطلقا فريضة كانت او نافلة وبه قال ابو يوسف ومحمد واختاره الطحاوي وابن همام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم انا آل محمد لا ناكل الصدقة وفى رواية لا يحل لنا الصدقة رواه مسلم والطبراني والطحاوي من حديث عبد الرحمن بن ابى ليلى ومن حديث رشد بن مالك وكذا عند احمد والطحاوي فى قصة الحسن بن على من حديث الحسن نفسه الثالث جواز الفريضة دون النافلة ولم يذهب اليه غير مالك يقول ان الواجب حق لازم لا يلحق بأخذه ذلة بخلاف التطوع وهذا القول مردود بما ذكرنا من الأحاديث الرابع جواز النافلة دون الفريضة وهو المشهور من مذهب ابى حنيفة والمصحح عند الشافعي والحنابلة ورواية عن مالك فعن مالك اربعة اقوال كلها مشهور وجه هذا لقول ان الأحاديث المذكورة محمولة على الصدقة المفروضة وكذا حديث المطلب بن ربيعة بن الحارث قال اجتمع ربيعة والعباس بن عبد المطلب فقالا لو بعثنا هذين الغلامين لى وللفضل بن عباس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهما على هذه الصدقة فاصابا مما يصيب الناس فقال على لا ترسلوهما فانطلقنا حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ عند زينب بنت حجش فقلنا يا رسول الله قد بلغنا النكاح وأنت ابر الناس وأوصل الناس جئناك لتامرنا

على هذه الصدقة فنؤدى إليك كما يؤدى الناس ونصيب كما يصيبون قال فسكت طويلا ثم قال ان الصدقة لا ينبغي لال محمد انما هى أوساخ الناس ادعو الى محمية بن جزء رجلا من بنى اسد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعمله على الأخماس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب فقال لمحمية انكح هذا الغلام ابنتك للفضل «1» ابن العباس فانكحه وقال لنوفل بن الحارث انكح هذا الغلام ابنتك فانكحنى فقال لمحمية اصدق عنهما من الخمس كذا وكذا رواه مسلم وهذا الحديث يدل على انه لا يحل الصدقة للهاشمى وإن كان عاملا على الصدقات على طريق العمالة ايضا فكيف إذا لم يكن عاملا لكن الحديث فى الصدقة المفروضة لانها هى التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الناس لاخذها والدليل على جواز الصدقة ما رواه الطحاوي من حديث ابن عباس قال قدمت عير المدينة فاشترى منه النبي صلى الله عليه وسلم متاعا فباعه بربح أواق فضة فتصدق بها على أرامل بنى عبد المطلب ثم قال لا أعود ان اشترى بعدها شيئا وليس ثمنه عندى وما رواه الشافعي عن ابراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام انه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقال أتشرب من الصدقة قال انما حرم علينا الصدقة المفروضة والقول بان حكم صدقات الأوقاف خلاف حكم سائر الصدقات امر لا دليل عليه وايضا لو كان كذلك لقال الامام حكم صدقات الأوقاف خلاف حكم سائر الصدقات ولم يقل كذلك بل قال انما حرم علينا الصدقة المفروضة وما روى البخاري وغيره قوله صلى الله عليه وسلم لا تورث ما تركناه صدقة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى اهل بيته فى حياته نفقة سنتهم وما بقي يجعله مجعل مال الله وكذلك كان ابو بكر وعمرو على وعباس بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم يعملون بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهر انه ليس كل صدقة على بنى هاشم حراما- (مسئلة) لا يجوز للهاشمى ان يأخذ الزكوة من الهاشمي عند اكثر الائمة وقال ابو يوسف جاز ذلك لان الصدقة انما حرم عليهم لانها من أوساخ الناس والمراد بالناس غيرهم فلا بأس لو أكلوا صدقات أنفسهم قلنا شرفهم يقتضى حرمة أوساخ الناس عليهم كلهم هاشميا كان او غيرهم مسئلة الذين يحرم عليهم الصدقة هم بنو هاشم خمسة بطون ال على وعباس

_ (1) للفضل ابن العباس فانكحه وقال لنوفل بن الحارث انكح هذا الغلام ابنتك 12.

[سورة التوبة (9) : آية 61]

وجعفر وعقيل والحارث بن عبد المطلب عند ابى حنيفة ومالك وقال الشافعي بنو المطلب ايضا معهم حيث اشركهم النبي صلى الله عليه وسلم فى سهم ذوى القربى من الخمس كما ذكرنا من حديث جبير بن مطعم فى مسائل الخمس- (مسئلة) ويحرم الزكوة على مواليهم عند ابى حنيفة ومحمد وهو الأصح من مذهب الشافعي ومالك وقال بعضهم لا يحرم على مواليهم وقال ابو يوسف لا يصرف غير بنى هاشم الى مواليهم لنا حديث ابى رافع ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فقال لابى رافع الا تصحبنى فتصيب منها قال فقلت حتى اذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال انا آل محمد لا يحل لنا الصدقة وان مولى القوم منهم رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم ورواه الطبراني من حديث ابن عباس واسم الى رافع أرقم بن ابى الأرقم والله اعلم- (مسئلة) يكره نقل الصدقة من بلد الى بلد آخر لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ توخذ من أغنيائهم وترد على فقرأهم وحكى عن عمر بن عبد العزيز انه رد صدقة حملت من خراسان الى الشام الى مكانها من خراسان قوله تعالى فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ مصدر مؤكد لما دل عليه الآية اى فرض لهم الصدقات فريضة او حال من الضمير المستكن فى الفقراء وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالمصلحة حَكِيمٌ (60) فى القسمة يضع الأشياء فى مواضعها والله اعلم- اخرج ابن ابى شيبة وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن مجاهد واخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال اجتمع ناس من المنافقين فيهم خلاس بن سويد بن الصامت ومخشى بن حمير ووديعة بن ثابت فارادوا ان يقعوا فى النبي صلى الله عليه وسلم فنهى بعضهم بعضا وقالوا انا نخاف ان يبلغ محمدا فيقع لكم فقال بعضهم انما محمد اذن نحلف فيصدقنا قال الخلاس بل نقول ما شئنا ثم ناتيه وننكو ما قلنا وتحلف فيصدقنا بما نقول فانما محمد اذن فانزل الله تعالى. وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ اى يغتابونه ويتقولون حديثه ويقولون فيه ما لا ينبغى وَيَقُولُونَ إذا نهوا عن ذلك لئلا يبلغه صلى الله عليه وسلم هُوَ يعنى النبي صلى الله عليه وسلم أُذُنٌ اى يسمع كل ما يقال له ويصدقه سمى بالجارحة

للمبالغة كانه من فرط استماعه صار جملته فمعز الدولة للسماع كما يسمى الجاسوس عينا او تقديره ذو اذن سامعة او يقال اذن مشتق فعل من اذن اذنا إذا استمع واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس انه قال كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجلس اليه يسمع وينقل حديثه الى المنافقين فانزل الله هذه الآية وقال محمد بن إسحاق كان نبتل رجلا ادلم ثائر «1» الراس احمر العينين اسفع الخدين مشوه الخلق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من أحب ان ينظر الى الشيطان فينظر الى هذا وكان يتم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المنافقين فقيل له لا تفعل فقال انما محمد اذن فمن حدثه شيئا صدقه فنقول ما شئنا ثم ناتية ونحلف له فيصدقنا فانزل الله تعالى هذه الاية وقال الله تعالى فى جوابهم قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ قرأ العامة بالاضافة وهو كقولك رجل صدق يريد الجودة والصلاح كانه قيل نعم هو اذن ولكن نعم الاذن هو او المعنى انه مستمع خير لكم وصلاح لا مستمع شر وفساد فيسمع عذر من اعتذر ولا يسمع الغيبة والنميمة ونحو ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن عز كريم والفاجر خبث ليئم رواه ابو داود والترمذي والحاكم وصححه عن ابى هريرة ويجوز ان يريد هو اذن فى الخير والحق وفيما يجب سماعه وقبوله وليس بإذن فى غير ذلك وقرأ الأعمش والبرجمي عن ابى بكر اذن خير مرفوعين مئوفين على ان خير صفة اذن او خبر ثان يعنى ان يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من ان يكذب قولكم ثم مدحه بقوله يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ اى يصدق لِلْمُؤْمِنِينَ اى لن يظهر الايمان بناء على حسن الظن او المعنى يصدق المؤمنين المخلصين دون المنافقين لكن يقبل اعذارهم إعراضا عنهم عدى فعل الايمان بالباء الى الله لانه قصد ضد الكفر وباللام الى المؤمنين لانه قصد به التصديق لهم ضد تكذيبهم وَرَحْمَةٌ قرأ حمزة بالجر عطفا على خير يعنى اذن خير ورحمة والباقون بالرفع عطفا على اذن لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ يعنى لمن اظهر الايمان حيث يقبله ولا يكشف سره وفيه تنبيه على انه ليس يقبل قولكم

_ (1) ثائر الراس اى منتشر شعر الراس من ثار الشيء يثور إذا انتشر وارتفع ومشوه الخلق قبيحة ومنه شاهت الوجود اى قيمت السفع نوع السواد وليس بالكثير 12.

[سورة التوبة (9) : آية 62]

جهلا يحالكم بل ترفقا وترحما عليكم او المعنى رحمة للذين أمنوا منكم مخلصين حيث استنقذهم من الكفر الى الايمان ويشفع لهم فى الآخرة ويستنقذ من النار الى الجنة. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (61) لا يفيد لهم تسليم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم واعتذارهم قال مقاتل والكلبي نزلت فى رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوه يعتذرون ويحلفون فانزل الله تعالى. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ على معاذيرهم فيما قالوا وتخلفوا لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ عنهم والخطاب للمومنين وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ بالطاعة والإخلاص والضمير راجع الى الله تعالى لان إرضاء الله تعالى لا يتحقق بالايمان الكاذبة بل بالطاعة والإخلاص فالتقدير والله أحق ان يرضوه والرسول كذلك وقيل الضمير راجع الى كل منهما وانما وحد الضمير لانه لا تفاوت بين رضاء الله ورضاء رسوله فكانهما فى حكم شىء واحد وقيل الضمير راجع الى الرسول صلى الله عليه وسلم لان الكلام فى إيذاء الرسول وارضائه إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (22) صدقا شرط حذف جزائه لما يدل عليه السياق يعنى إن كانوا مومنين صدقا فليرضوا الله ورسوله بالطاعة والإخلاص لكنهم لم يرضوا الله ورسوله ولم يخلصوا ايمانهم. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ الضمير للشان مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اى يخالف الله ورسوله بالمعصية والتخلف عن الغز وبعد الاستنفار مفاعلة من الحد بمعنى الجانب فان المخالف لاحد يكون فى جانب مغاير لجانبه فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها «1» على حذف الخبر اى الحق ان له نار جهنم او على تكرير ان للتاكيد ويحتمل ان يكون معطوفا على انه ويكون الجواب محذوفا تقديره من يحادد الله ورسوله يهلك ذلِكَ اى دخول النار والهلاك الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) هذه الآية فى مقام التعليل لقوله الله ورسوله

_ (1) عن يزيد بن هارون انه خطب ابو بكر الصديق فقال فى خطبته يوتى بعيد قد أنعم الله عليه وبسط له فى رزقه وأصح بدنه وقد كفر نعم ربه فوقف بين يدى الله فيقال له ماذا عملت ليومك هذا ما قدمت لنفسك فلا يجده قدم خيرا فيبكى حتى ينفذ الدموع ثم يعيرو يجزى ما ضيع من طاعة الله فينتجب حتى يسقط صدقاته على وجنتيه وكل واحد منهما فرسخ ثم يعير ويجزى حتى يقول يا رب ابعثني الى النار وارخى من مقامى هذا وذلك قوله تعالى ومن يحادد الله ورسوله فان له نار جهنم الى الاية 12. [.....]

[سورة التوبة (9) : آية 64]

أحق ان يرضوه فان عدم إرضاء الله ومخالفته يفضى الى النار دون عدم إرضاء غيره وما احسن قول الشاعر- ليتك تحلوا والحيوة مريرة ... وليتك ترضى والأنام غضاب ليت الذي بينى وبينك عامر ... وبينى وبين العالمين خراب وذكر البغوي قول قتادة والسدى ان قوله تعالى يحلفون بالله لكم ليرضوكم نزلت فى جماعة من المنافقين فيهم خلاس بن سويد وقعوا فى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا ان كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير وذكر عامر بن قيس رضى الله عنه هذه المقالة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنذكر القصة فيما بعد إنشاء الله. يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ يعنى المؤمنين بِما فِي قُلُوبِهِمْ اى قلوب المنافقين من الحسد والعداوة للمؤمنين ويهتك عليهم استارهم ويجوز ان يكون الضمائر للمنافقين فان النازل فيهم كالنازل عليهم من حيث انه مقرو ومحتج به عليهم قال البغوي كانوا يقولون فيما بينهم ويستترون ويخافون الفضيحة بنزول القران فى شانهم وذلك يدل على انهم كانوا مترددين فى امر الرسول صلى الله عليه وسلم ويحذرون الفضيحة على تقدير صدقه عليه السلام وقيل انه خبر بمعنى الأمر والمعنى ليحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة وقيل كانوا يقولون ذلك فيما بينهم استهزاء لقوله تعالى قُلِ اسْتَهْزِؤُا امر تهديد إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ اى مظهر ما تَحْذَرُونَ (64) اى ما تحذرونه من إنزال السورة فيكم او تحذرون إظهاره من مساويكم قال ابن عباس رضى الله عنهما انزل الله تعالى ذكر سبعين رجلا من المنافقين بأسمائهم واسماء آبائهم ثم نسخ ذكر الأسماء رحمة على المؤمنين لئلا يعير بعضهم بعضا لان أولادهم كانوا مومنين قال البغوي نزلت هذه الآية فى اثنى عشر رجلا من المنافقين وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على العقبة لما رجع من غزوة تبوك ليفتكوا به إذا علاها فاخبر جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وسلم (قصّة) ذلك ما روى احمد عن ابى الطفيل والبيهقي عن حذيفه وابن سعد

عن جبير بن مطعم رضى الله عنهم وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن الضحاك والبيهقي عن عروة وعن ابن إسحاق ومحمد بن عمر عن شيوخه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق مكر به ناس من المنافقين وائتمروا بينهم ان يطرحوه من عقبة فى الطريق وفى رواية اجمعوا ان يقتلوه فجعلوا يلتمسون غرته فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يسلك العقبة أرادوا ان يسلكوها معه قالوا إذا أخذ فى العقبة رفعناه عن راحلته فى الوادي فاخبر الله تعالى رسوله بمكرهم فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك العقبة نادى مناديه للناس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ للعقبة فلا يأخذها واحد واسلكوا بطن الوادي فانه أسهل لكم وأوسع فسلك الناس بطن الوادي الا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا «1» وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة وامر عمار بن ياسر ان يأخذ بزمام الناقة ويقودها وامر حذيفة بن اليمان ان يسوق من خلفه فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير فى العقبة إذ سمع حس القوم فدعسوه «2» فنفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط بعض متاعه وكان حمزة بن عمرو الأسلمي لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة وكانت ليلة مظلمة قال حمزة فتور لى فى أصابعي الخمس وأضاءت حتى كنا نجمع ما سقط السوط والحبل واشباههما وامر حذيفة ان يردهم فرجع حذيفة إليهم وقد رأى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه محجن فجعل يضرب وجوه رواحلهم وقال إليكم إليكم يا اعداء الله فعلم القوم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اطلع على مكرهم فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس واقبل حذيفة حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اضرب الراحلة يا حذيفة وامش أنت يا عمار فاسرعوا حتى استويا بأعلاها وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقبة ينتظر الناس وقال لحذيفة هل عرفت أحدا من أولئك الذين رددتهم قال يا رسول الله قد عرفت رواحلهم كان القوم متلثمين فلم ابصرهم من أجل ظلمة الليل قال هل علمتم ما كان من شانهم وما أرادوا قالوا لا والله يا رسول الله قال فانهم مكروا ليسيروا معى فاذا طلعت العقبة

_ (1) تلثموا اى شد الفم باللثام للغبار 12. (2) الداعسه المطاعنة بالرماح 12.

رهونى فطرحونى منها ان الله تعالى قد أخبرني بأسمائهم واسماء آبائهم ومما خبركم بهم إنشاء الله تعالى قال أفلا تأمرهم يا رسول الله إذا جاءك الناس ان تضرب أعناقهم قال اكره ان يتحدث الناس ويقولوا ان محمدا قد وضع يده فى أصحابه وذكر البغوي بلفظ اكره ان يقول العرب لما ظفر بأصحابه اقبل يقتلهم بل يكفينا الله بالدبيلة «1» فسماهم لهما ثم قال اكتماهم فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أسيد بن الحضير يا رسول الله ما منعك البارحة من سلوك الوادي فقد كان أسهل من العقبة فقال يا أبا يحى أتدري ما أراد بي المنافقون وما هموا به قالوا لتبعه فى العقبة فاذا اظلم الليل عليه قطعوا الشاع راحلتى وتحسوها حتى كادوا يطرحونى عن راحلتى قال أسيد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اجتمع الناس ونزلوا فمر كل بطن ان يقتل الرجل الذي هم بهذا فيكون الرجل فى عشيرته هو الذي يقتله وان أحببت والذي بعثك بالحق فنبئنى فلا أبرح حتى آتيك برؤسهم قال يا أسيد انى اكره ان يقول الناس ان محمدا لما انقطعت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده فى قتل أصحابه فقال يا رسول الله ليسوا باصحاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس يظهرون شهادة ان لا اله الا الله قال بلى ولا شهادة لهم قال فعديت عن قتل أولئك قال ابن إسحاق فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحذيفة ادع عبد الله بن سعد بن ابى السرج وأبا حاضر الاعرابى وعامر أبا عامر والحلاس بن سويد بن الصامت وهو الذي قال لا ننتهى حتى نرمى محمدا من العقبة الليلة ولئن كان محمد وأصحابه خيرا منا انّا إذا الغنم وهو الراعي ولا عقل لنا وهو العاقل وامره ان يدعوا مجمع بن حارثة ومليح التيمي وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الإسلام فانطلق هاربا فى الأرض فلا يدرى اين ذهب وامره ان يدعوا حيصر بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك ما حملك على هذا قال حملنى عليه انى أظن ان الله لا يطلعك عليه فاما إذا اطلعك الله عليه فانى اشهد اليوم انك لرسول الله صلى الله وانى لم او من بك قبل الساعة فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الذي قال وامر

_ (1) هى دمل كبير يظهر فى الجوف تقتل صاحبها غالبا 12.

[سورة التوبة (9) : آية 65]

حذيفة ان يأتيه بطعمة ابن أبيرق وعبد الله بن عيينة وهو الذي قال لاصحابه اسهروا هذه اللية تسلموا الدهر كله فو الله مالكم امر دون ان يقتلوا هذا الرجل فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ويحك ما كان ينفعك من قتلى لوانى قتلت فقال عدو الله يا نبى الله والله ما نزال بخير ما اعطاك الله النصر على عدوك انما نحن بالله وبك فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لحذيفة ادع مرة بن الربيع وهو الذي ضرب بيده على عاتق عبد الله بن ابى ثم قال تمطى او قال تميطى والنعيم لنا من بعده كائن تقتل الواحد المفرد فيكون الناس عامة عامة بقتله مطمئنين فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ويحك ما حملك ان تقول الذي قلت فقال يا رسول الله ان كنت قلت شيئا من ذلك انك العالم به وو ما قلت شيئا من ذلك فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اثنى عشر رجلا الذين حاربو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فاخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم واطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك بعلمه وذلك قوله تعالى وهموا بما لم ينالوا ومات الاثنا عشر منافقين محاربين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال حذيفة فيما رواه البيهقي ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم ارمهم بالدبيلة قال شهاب من نار يقع على نياط «1» قلب أحدهم فيهلك وروى مسلم عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى أصحابي اثنا عشر رجلا منافقا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سلم الخياط ثمانية تكفيهم الدبيلة سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم قال البيهقي وروينا عن حذيفة انهم كانوا اربعة عشر او خمسة عشر وهذه القصة وقعت فى مرجعه صلى الله عليه وسلم من تبوك الى المدينة قال الله تعالى. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لام قسم اى والله لئن سالتهم عن استهزائهم بك وبالقرآن وهم سائرون معك فى غزوة تبوك لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) يعنى قل ذلك توبيخا على استهزائهم بمن لا يصح الاستهزاء به وإلزاما للحجة عليهم ولا تعبا باعتذارهم

_ (1) نياط القلب هو عرق به علق القلب من الوتين إذا قطع مات صاحبه 12.

الكاذب فجعلوا كانهم معترفون باستهزائهم حتى وبخوا بأخطائهم موضع الاستهزاء حيث جعل المستهزأ به يلى حرف التقرير وذلك يكون بعد ثبوت الاستهزاء كذا قالوا قلت قولهم انما كنا نخوض ونلعب اعتراف منهم بالاستهزاء ومعناه كنا نقول ما يفهم منه الاستهزاء لقطع مسافة الطريق على سبيل اللعب لا على قصد الاستهزاء اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عمر قال قال رجل فى غزوة تبوك فى مجلس ما راينا مثل قراينا هؤلاء لا ارغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا اجبن عند اللقاء فقال له رجل كذبت ولكنك منافق لا خبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال ابن عمرو انا رأيته متعلقا بحقب نافة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكيه وهو يقول انما «1» كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ابالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ثم أخرجه من وجه آخر عن ابن عمر نحوه وسمى الرجل عبد الله بن ابى كذا ذكر البغوي عن عمر رضى الله عنه واخرج ابن جرير عن قتادة ان ناسا من المنافقين قالوا فى غزوة تبوك يرجوا هذا الرجل ان يفتح قصور الشام وحصونها هيهات فاطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فاتاهم فقال قلتم كذا وكذا قالوا انما كنا نخوض ونلعب فنزلت قال البغوي سبب نزول هذه الاية على ما قال الكلبي ومقاتل وقتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير فى غزوة تبوك وبين يديه ثلثة نفر من المنافقين اثنان يستهزءان بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم والثالث يضحك قيل كانوا يقولون ان محمدا يزعم انه يغلب الروم ويفتح مداينهم وما أبعده من ذلك وقيل كانوا يقولون ان محمدا يزعم انه نزل فى أصحابنا المقيمين فى المدينة قرآن وانما هو قوله وكلامه فاطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال احبسوا علىّ الركب فدعاهم فقال لهم قلتم كذا وكذا فقالوا انما كنا نخوض ونلعب اى كنا نتحدث ونخوض فى الكلام كما يفعل الركب يقطع

_ (1) عن شريح بن عبيد ان رجلا قال لابى الدرداء يا معشر القراء ما بالكم اجبن منا وأبخل إذا سئلتم وأعظم لقما إذا أكلتم فاعرض عنه ابو الدرداء ولم يرد شيئا فاخبر بذلك عمر بن الخطاب فانطلق عمر الى الرجل الذي قال ذلك فقال بثوبه وخنقه وقاده الى النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل انما كنا نخوض ونلعب فاوحى الله الى نبيه صلى الله عليه وسلم ولين سالتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب 12.

[سورة التوبة (9) : آية 66]

الطريق بالحديث واللعب وهذه القصة وقعت فى رواحه صلى الله عليه وسلم من المدينة الى تبوك وقال محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر كان رهط من المنافقين يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك لم يخرجوا الا رجاء الغنيمة منهم وديعة بن ثابت أخو بنى عمرو بن عوف والجلاس بن الصامت ومخشى بن حمير من أشجع حليف لبنى سلمة زاد محمد بن عمرو ثعلبة بن حاطب فقال بعضهم بعضا مكانى بكم غدا مقرنين فى الجبال ارجافا برسول الله صلى الله عليه وسلم وترصيبا للمومنين وقال الجلاس بن عمرو كان زوج أم عمير وكان ابنها عمير فى حجره والله لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير فقال عمير وأنت شر من الحمير ورسول الله الصادق وأنت الكاذب فقال مخشى بن حمير والله لوددت انى اقاضى على ان يضرب كل رجل منا «1» مائة جلدة واننا ننقلب من ان ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر أدرك القوم فانهم قد احترقوا فاسألهم عما قالوا فان أنكروا فقل بلى قلتم كذا وكذا فانطلق عمار إليهم فقال لهم ذلك فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون اليه فقال وديعة بن ثابت وقد أخذ حقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاه تنسفان الحجارة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته وهو يقول يا رسول الله انما كنا نخوض ونلعب فانزل الله فيهم ولئن سالتهم ليقولون انما كنا نخوض ونلعب قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون. لا تَعْتَذِرُوا اى لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة فانها معلومة الكذب قَدْ كَفَرْتُمْ اى أظهرتم الكفر بايذاء الرسول والطعن فيه بَعْدَ إِيمانِكُمْ اى اظهاركم الايمان إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ لتوبتهم وإخلاصهم قال محمد بن إسحاق الذي عفى عنه رجل واحد وهو مخشى بن حمير الأشجعي فقال هو الذي كان يضحك ولا يخوض وكان يمشى مجانبا لهم وينكر بعض ما يسمع فلما نزلت هذه الآيات تاب من نفاقه قال اللهم لا أزال اسمع آية تقربها عينى وتقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب اللهم اجعل وفاتي قتلا فى سبيلك لا يقول أحد انا غسلت انا دفنت فاصيب يوم اليمامة فما أحد من

_ (1) يعنى جلد كل منا مأته ولا ينزل فينا قرآن يفضحنا 12.

[سورة التوبة (9) : آية 67]

المسلمين الا عرف مصرعه غيره وقال مخشى يا رسول الله فعدلى اسمى واسم ابى فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن او عبد الله نُعَذِّبْ طائِفَةً قرأ عاصم نعف بفتح النون وضم الفاء وتعذب بضم النون وكسر الذال على صيغة المتكلم المبنى للفاعل وطائفة بالنصب والباقون بالياء المضمومة وفتح الفاء فى الاول وبالتاء الفوقانية وفتح الذال فى الثاني على صيغة الغائب المبنى للمفعول وطائفة بالرفع بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66) بالإصرار على النفاق وإيذاء الرسول والاستهزاء. الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ جنس بَعْضٍ فى الشرك والنفاق والبعد عن الايمان وفيه تكذيب لحلفهم بالله انهم لمنكم وتقرير لقوله وما هم منكم وما بعده كالدليل عليه فانه يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين وتشابه حال بعضهم لبعض يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ اى بالشرك والمعصية وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ اى عن الايمان والطاعة يقولون لا تنفروا فى الحر وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ عن الانفاق فى سبيل الله وقبض اليد كناية عن الشح نَسُوا اللَّهَ كانهم لا يعلمون لهم خالقا يسألهم عما يفعلون وغفلوا عن ذكره وتركوا طاعته فَنَسِيَهُمْ فتركهم الله من توفيقه وهداية فى الدنيا ورحمته فى الآخرة وتركهم فى عذابه إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) الخارجون عن دائرة الايمان والطاعة بالكلية. وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها اى مقدرة الخلود هِيَ اى النار حَسْبُهُمْ عقابا وجزاء على كفرهم ونفاقهم ان يعذبوا فى الدنيا فيه دليل على عظم عذابها وانه بحيث لا يزاد عليه وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وابعدهم من رحمة وأهانهم وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) دائم لا يقطع والمراد به ما وعدهم فى الآخرة او ما معهم فى الدنيا وهو ما يقاسونه من تعب النفاق والظاهر المخالف للباطن خوفا من المسلمين وما يحذرونه ابدا من الفضيحة ونزول العذاب ان اطلع على أسرارهم. كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الكاف محلها رفع خير لمبتدأ محذوف اى أنتم ايها المنافقون مثل الذين كانوا من قبلكم من كفار الأمم الماضية او نصب على المصدرية تقديره

[سورة التوبة (9) : آية 70]

نعلتم ايها المنافقون فعلا مثل فعل الذين كانوا من قبلكم من العدول عن امر الله فلعنتم كما لعنوا كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً بطشا ومنعة وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً بيان لتشبههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم فَاسْتَمْتَعُوا يعنى فتمتعوا وانتفعوا بِخَلاقِهِمْ اى بنصيبهم من الدنيا ولذاتها واشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير فان الخلاق ما قدر لصاحبه فَاسْتَمْتَعْتُمْ ايها المنافقون بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ ذم الأولين باستمتاعهم بالحظوظ الدنية الفانية الغير المرضية لله تعالى معرضين عن تحصيل لذائر الباقية القوية المرضية تمهيدا الذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء آثارهم وَخُضْتُمْ اى دخلتم فى الباطل واللهو كَالَّذِي خاضُوا يعنى كالخوض الذي خاضوا او كالفوج الذي خاضوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لم يستحقوا عليها ثوابا فى الدارين وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69) الذين خسروا الدنيا والآخرة يعنى كما حبطت أعمالهم وخسروا كذلك حبطت أعمالكم وخسرتم عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن وفى رواية ابى هريرة فهل الناس الا هم رواه البخاري وروى الحاكم عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر ذراعا بذراع حتى لو ان أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم ولو ان أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه قال البغوي قال ابن مسعود أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتا وهديا تتبعون عملهم حذو القدة بالقدة غير انى لا أدرى أتعبدون العجل أم لا قوله تعالى. أَلَمْ يَأْتِهِمْ يعنى المنافقين التفات من الخطاب الى الغيبة نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ انهم عصوا رسلنا وخالفوا أمرنا فعذبناهم وأهلكناهم ثم ذكرهم فقال قَوْمِ نُوحٍ مع ما عطف عليه بدل من الموصول يعنى اهلكوا بالطوفان لكفرهم وَعادٍ اهلكوا بالريح وَثَمُودَ اهلكوا بالرجفة وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ بسلب النعمة وإهلاك نمرود بنملة وإهلاك أصحابه وَأَصْحابِ مَدْيَنَ

[سورة التوبة (9) : آية 71]

قوم شعيب اهلكوا بالنار يوم الظلة وَالْمُؤْتَفِكاتِ قريات قوم لوط ايتفكت بهم اى انقلبت فصار عاليها سافلها وامطروا حجارة من سجيل أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الظاهرة فكذبوهم فاهلكوا فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ اى لم يكن عادة الله ان يعذبهم بلا جرم منهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) حيث كذبوا الرسل وعصوهم كما فعلتم فاخذناهم بالعذاب فاحذروا ان ينزل بكم مثل ما نزل بهم. وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يؤيد بعضهم بعضا فى طاعة الله وإعلاء دينه يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بالايمان والطاعة وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ عن الشرك والنفاق ومعصية الرسول واتباع الشهوات وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى كل ما أمروا به أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ لا محالة فان السين موكدة للوقوع إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب على كل شىء لا يمتنع عنه امر حَكِيمٌ (71) يضع الأشياء مواضعها. وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً يطيب فيها العيش او يستطيبها النفس فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ قيل معناه اقامة وخلود يقال عدن بالمكان إذا قام به قال صاحب المدارك عدن علم بدليل قوله تعالى جنات عدن التي وعد الرحمن وقد عرفت ان كلمة الذي والتي وضعتا لوصفت المعارف بالجمل فهى مدينة فى الجنة قلت يؤيد كونه علما ما اخرج ابن المبارك والطبراني وابو الشيخ عن عمران بن حصين وابى هريرة رضى الله عنهما قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ومساكن طيبة فى جنات عدن قال قصر من لؤلؤ فى ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء فى كل دار سبعون بيتا من زمرد خضراء فى كل بيت سرير على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش زوجة من الحور العين فى كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لونا من الطعام فى كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة ويعطى المؤمن كل غداة من القوة ما يأتي على ذلك كله اجمع واخرج ابو الشيخ فى كتاب العظمة عن ابن عمر قال خلق الله تبارك وتعالى أربعا بيده العرش وعدن والقلم وآدم ثم قال لكل شىء كن

فكان واخرج البراز وابن جرير والدار قطنى فى الموتلف والمختلف وابن مردوية من حديث ابى الدرداء قوله صلى الله عليه وسلم عدن دار الله التي لم ترها عين ولم يخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلثة النبيين والصديقين والشهداء يقول الله طوبى لمن دخلك وفى الصحيحين عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن واخرج احمد والطيالسي والبيهقي هذا الحديث بلفظ جنات الفردوس اربع جنتان من ذهب الحديث قال البيهقي فى قوله رداء الكبرياء استتاره بصفة الكبرياء والعظمة لانه لكبريائه وعظمته لا يراه أحد من خلقه الا باذنه قال البغوي قال ابن مسعود هى يعنى جنات عدن بطنان الجنة اى وسطها وقال عبد الله بن عمرو بن عمرو بن العاص ان فى الجنة قصرا يقال له عدن حوله البروج والمروج «1» له خمسة آلاف باب لا يدخله الا نبى او صديق او شهيد وقال الحسن قصر من ذهب لا يدخله الا نبى او صديق او شهيد او حكم عدل وقال عطاء ابن السائب عدن نهر فى الجنة جنانه على حافيته وقال مقاتل والكلبي عدن أعلى درجة فى الجنة وفيها عين التسنيم والجنان حولها محدقة بها وهى مغطاه من حين خلقها الله تعالى حتى ينزلها أهلها الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن شاء الله تعالى وفيها قصور الدر والياقوت والذهب فتهب ريح طيبة من تحت العرش فيدخل عليهم كثائب «2» المسك الأبيض قال القرطبي قيل الجنان سبع دار الخلد ودار الجلال ودار السلام وجنة عدن وجنة المأوى وجنة نعيم والفردوس وقيل اربع فقط لحديث ابى موسى فانه لم يذكر فيه سوى اربع كلها يوصف بالمأوى وخلد وعدن والسلام وهذا ما اختاره الحكيم فقال ان الجنتين للمقربين والجنتين الأخريين لاصحاب اليمين وفى كل جنة درجات ومنازل وأبواب ومرجع العطف فى الاية يحتمل ان يكون الى تعدد الموعود لكل واحد او للجميع على سبيل التوزيع او الى تغائر وصفه كانه وصفه اولا بانه من جنس ما هو ابهى الأماكن يعرفونها ليميل

_ (1) المرج الأرض الواسعة إنبات كثير تمرج فيها الدواب اى تخلى ويشرح مختلطه كيف شاءت واصل ... المرج الخلطة 12. (2) كثائب جمع كثيب وهو الرمل المستطيل المحدودب 12.

[سورة التوبة (9) : آية 73]

اليه طباعهم أول ما يقرع أسماعهم ثم وصفه بانه محفوف بطيب العيش معرى عن شوائب الكدورات التي لا يخلوا عن شىء منها أماكن الدنيا وفيها ما تشتهى الا نفس وتلذ الأعين ثم وصفه بانه دار اقامة وثبات فى جوار العليين لا يعتريهم فيها فناء ولا تغير ثم وعدهم بما هو اكبر من ذلك فقال وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ اى شىء من رضوان الله أَكْبَرُ نعمة من سائر النعم فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى يقول لاهل الجنة يا اهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا ترضى وقد أعطيتنا ما لم ... تعط أحدا من خلقك «1» فقال انا أعطيتكم أفضل من ذلك قالوا وما أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم ابدا واخرج الطبراني فى الأوسط ... وصححه عن جابر يرفعه إذا دخل اهل الجنة الجنة قال الله تعالى هل تسألون شيئا فازيدكم قالوا يا ربنا فما خير مما أعطيتنا قال رضوان من الله اكبر ذلِكَ الرضوان او جميع ما تقدم هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) الذي يستحقر دونه ما سواه. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ بالسيف وَالْمُنافِقِينَ قال ابن عباس والضحاك يعنى باللسان وترك الرفق وتغليظ الكلام وقال الحسن وقتادة بإقامته الحدود وقال ابن مسعود يجاهدهم بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وقال لا يلقى المنافق الا بوجه مكفهر وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ فى الآخرة جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) هى قال عطاء نسخت هذه الآية كل شىء من العفو والصفح والله تعالى اعلم- اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فى ظل شجرة فقال انه سياتيكم انسان ينظر بعينين شيطان فطلع رجل ازرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علام تشتمنى أنت وأصحابك فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم فانزل الله تعالى. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا واخرج ابن ابى حاتم عن ابن

_ (1) الظاهر ان المراد من الخلق فى قوله أعطيتنا ما لم يعط أحدا من خلقك الملائكة إذ لا يجوز ان ير أحد التفصيل على اهل النار من الانس والجن ولا على ما لا يعقل والله اعلم منه.

عباس قال كان الجلاس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك وقال لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير فرفع عمير بن سعد ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف بالله ما قلت فانزل هذه الاية فزعموا انه تاب وحسنت توبته ثم اخرج عن كعب بن مالك نحوه وكذا اخرج ابن إسحاق عنه واخرج ابن سعد فى الطبقات نحوه عن عروة وكذا ذكر البغوي قول الكلبي قال نزلت فى جلاس بن سويد وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم بتبوك فذكر المنافقين فسماهم رجسا وعابهم فقال جلاس لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير فسمعه عامر بن قيس فقال أجل ان محمدا صلى الله عليه وسلم لصادق وأنتم شر من الحمير فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة أتاه عامر بن قيس فاخبره بما قال الجلاس فقال الجلاس كذب يا رسول الله علىّ فامرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحلفا عند المنبر فقام الجلاس عند المنبر بعد العصر فحلف بالله الذي لا اله الا هو ما قاله ولقد كذب علىّ عامر ثم قام عامر فحلف بالله الذي لا اله الا هو لقد قاله وما كذبت عليه ثم رفع عامر يديه الى السماء وقال اللهم انزل على نبيك الصادق منا الصدق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون أمين فنزل جبرئيل عليه السلام قبل ان يتفرقا بهذه الآية حتى بلغ فان يتوبوا يك خيرا لهم فقام الجلاس فقال يا رسول الله اسمع الله قد عرض علىّ التوبة صدق عامر بن قيس فيما قاله لقد قلته وانا استغفر الله وأتوب اليه فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منه ثم تاب وحسنت توبته واخرج ابن ابى حاتم عن انس بن مالك قال سمع زيد بن أرقم رجلا من المنافقين يقول والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ان كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير فرفع ذلك الى النبي صلى الله عليه وسلم فجحد القائل فانزل الله هذه الاية واخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا ان رجلين أحدهما من جهينة والآخر من غفار وكانت جهينة حلفاء الأنصار وظهر الغفاري على الجهني فقال عبد الله بن ابى الأوس انصروا أخاكم فو الله ما مثلنا ومثل محمد الا كما قال القائل سمن كلبك يا ذلك لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فسعى رجل من المسلمين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فارسل اليه فسأله فجعل

يحلف بالله ما قال فانزل الله تعالى يحلفون بالله ما قالوا الآية وهذه قصة غزوة بنى المصطلق وقد ذكرنا القصة فى سورة المنافقين وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ قيل هى سب النبي صلى الله عليه وسلم وقيل هى قول الجلاس لان كان محمد صادقا لنحن شر الحمير وقيل قولهم لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ اى أظهروا الكفر بعد ما أظهروا الإسلام وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا قيل هم اثنا عشر رجلا من المنافقين وقفوا على العقبة فى طريق تبوك ليفتكوا «1» برسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء جبرئيل وامره ان يرسل إليهم من يضرب رواحلهم فارسل حذيفة لذلك وقد مر القصة واخرج الطبراني عن ابن عباس قال همّ رجل يقال له الأسود بقتل النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية وقال مجاهد همّ المنافقون بقتل المسلم الذي سمع قولهم لنحن شر من الحمير كيلا يفشيه وقيل هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من المدينة فى قصة غزوة بنى المصطلق وقال السدى قالوا إذا قدمنا المدينة عقدنا على راس عبد الله بن ابى تاجا فلم يصلوا اليه وَما نَقَمُوا اى ما كرهوا وما وجدوا ما يورث نقمتهم ويقتضى انتقامهم شيئا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ يعنى الا الإحسان بهم وذلك شىء محبوب عند القلوب يوجب المحبة والانقياد دون العداوة والانتقام والجملة حال من فاعل هموا بيان لكمال شرهم وخبثهم حيث أساءوا فى مقابلة الإحسان اخرج ابن جرير وابو الشيخ عن عكرمة ان مولى بن عدى بن كعب قتل رجلا من الأنصار فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية اثنى عشر الفا قال البغوي مولى الجلاس قتل فامر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية اثنى عشر الفا فاستغنى وفيه نزلت هذه الآية وقال الكلبي كان اهل المدينة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فى ضنك من العيش فلما قدم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم استغنوا بالغنائم فَإِنْ يَتُوبُوا من نفاقهم وكفرهم يَكُ ذلك التوب خَيْراً لَهُمْ قد مر ان هذه الاية حمل الجلاس على التوبة وَإِنْ يَتَوَلَّوْا اى يعرضوا عن التوبة والإخلاص يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً

_ (1) الفتك ان يأتي الرجل حاجته وهو غافل فيقتله 12.

أَلِيماً فِي الدُّنْيا بالخزي والفضيحة او القتل وَالْآخِرَةِ بالنار وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) حتى ينجيهم من القتل والخزي روى البغوي بسنده وكذا ابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردوية والطبراني والبيهقي فى شعب الايمان عن ابى امامة الباهلي قال جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله ان يرزقنى مالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما لك فى رسول الله أسوة حسنة والذي نفسى بيده لو أردت ان تسير الجبال معى ذهبا لساوت ثم أتاه بعد ذلك فقال يا رسول الله ادع الله ان يرزقنى مالا والذي بعثك بالحق نبيا لان رزقنى الله مالا لاعطين كل ذى حق حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارزق ثعلبة مالا قال فاتخذ غنما فنمت كما ينموا الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزلت واديا من أوديتها وهى تنموا كما ينموا الدود وكان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر ويصلى فى غنمه سائر الصلوات ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة فصار لا يشهد الا الجمعة ثم كثرت ونمت فتباعد ايضا حتى كان لا يشهد جمعة ولا جماعة فكان إذا كان يوم الجمعة يخرج يتلقى الناس يسألهم عن الاخبار فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال ما فعل ثعلبة قالوا يا رسول الله اتخذ ثعلبة غنما يسعها واد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ويح «1» ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة فانزل الله تعالى آية الصدقات فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بنى سليم رجلا من جهينة وكتب لهما أسنان الصدقة وكيف يأخذان وقال لهما مرا بثعلبة بن حاطب وبرجل من بنى سليم فخذا صدقاتهما فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسالاه الصدقة وأقرأه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذه الا جزية ما هذه الا اخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم عودا الى فانطلقا وسمع بهما السلمى فنظر الى خيار أسنان ابله فعزها للصدقة ثم استقبلهما بها فلما راؤها قالوا ما هذا عليك قال خذاه فان نفسى بذاك طيبة فمرا على الناس وأخذا الصدقات ثم رجعا الى ثعلبة فقال أروني كتابكما فقرأه فقال ما هذه الا جزية ما هذه الا اخت الجزية اذهبا حتى ارى رأيى قال فاقبلا فلما راهما رسول الله

_ (1) هى كلمة ترحم وترجع يقال لمن وقع فى هلكته لا يستحقها 12.

[سورة التوبة (9) : آية 75]

صلى الله عليه وسلم قبل ان يكلماه قال يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ثم دعا للسلمى بخير فاخبراه بالذي صنع ثعلبة فانزل الله فيه. وَمِنْهُمْ اى من المنافقين مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ فيه ادغام التاء فى الصاد وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) واخرج ابن جرير وابن مردوية من طريق العوفى عن ابن عباس نحوه يعنى يعمل عمل اهل الصلاح من صلة الرحم وأداء الزكوة والنفقات الواجبة والمستحبة فى سبيل الله. فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ اى بالمال ومنعوا حق الله وَتَوَلَّوْا عن طاعة الله ورسوله وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) اى هم قوم عادتهم الاعراض عنها. فَأَعْقَبَهُمْ الله او البخل اى جعل عاقبة أمرهم نِفاقاً اى سوء اعتقاد فِي قُلُوبِهِمْ حيث لم يروا امتثال امر الله تعالى فى أداء الزكوة واجبا وأنكروا وجوب الزكوة وزعموها اخت الجزية إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ اى يلقون الله بالموت او يلقون عملهم اى جزائه وهو يوم القيامة او فى القبر يعنى حرمهم الله التوبة الى ان ماتوا على النفاق بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ اى بسبب اخلافهم ما وَعَدُوهُ من التصدق والصلاح وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) اى بكونهم كاذبين فان خلف الوعد متضمن لكذب مستقبح من الوجهين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آية المنافق ثلث إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان متفق عليه من حديث ابى هريرة زاد مسلم بعد قوله ثلث وان صام وصلى وزعم انه مسلم ثم اتفقا وروى البغوي وابن جرير وغيره فى حديث ابى امامة المذكور فيما قبل انه نزلت الآية وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك فخرج حتى أتاه فقال ويحك يا ثعلبة لقد انزل الله عز وجل فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى اتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله ان يقبل صدقته فقال ان الله منعنى ان اقبل منك صدقتك فجعل يحثوا على راسه التراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عملك قد امرتك لم تطعنى فلما ابى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقبض صدقته رجع الى منزله وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اتى أبا بكر رضى الله عنه فقال اقبل صدقتى فقال ابو بكر لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم انا اقبلها فقبض ابو بكر

[سورة التوبة (9) : آية 78]

ولم يقبلها فلما ولى عمر أتاه فقال اقبل صدقتى فقال لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ابو بكر انا اقبلها منك فلم يقبلها ثم ولى عثمان فاتاه فلم يقبلها وهلك ثعلبة فى خلافة عثمان وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة ... اتى ثعلبة مجلسا من الأنصار فاشهدهم لان أتاني الله من فضله أتيت منه كل ذى حق حقه وتصدقت منه وصلت منه القرابة فمات ابن عمر له فورثه مالا فلم يف بما قال فانزل الله تعالى هذه الآية وقال الحسن ومجاهد نزلت فى ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وهما من بنى عمرو بن عوف خرجا على ملاء قعود وقالا والله لان رزقنا الله من فضله لنصدقن فلما رزقهما الله بخلا به. أَلَمْ يَعْلَمُوا اى المنافقون او من عاهد الله حين أظهروا خلاف ما اضمروا والاستفهام للتوبيخ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ يعنى ما يسرون من النفاق او العزم على الأخلاف وَنَجْواهُمْ اى يتناجون فيما بينهم من المطاعن او تسمية الزكوة جزية وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) فلا يخفى عليه شىء روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن مسعود قال لما نزلت اية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا فجاء رجل فتصدق بشئ كثير فقالوا يعنى المنافقين مراء وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا ان الله لغنى عن صدقة هذا فنزل. الَّذِينَ يَلْمِزُونَ اى يعيبون الموصول مرفوع على الذم او منصوب او بدل من الضمير فى سرهم او مبتدأ خبره سخر الله منهم الْمُطَّوِّعِينَ أصله المتطوعين اى الراغبين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي إكثار الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يتصدقون به إِلَّا جُهْدَهُمْ اى طاقتهم اى ما يطيقون ويقدرون عليه من المال القليل وقال البغوي قال اهل التفسير حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف باربعة آلاف درهم وقال يا رسول الله مالى ثمانية آلاف جئتك باربعة آلاف فاجعلها فى سبيل الله وأمسكت اربعة آلاف لعيالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت فبارك الله ما فى ماله حتى انه خلف امرأتين يوم مات فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين الف درهما وفى رواية صولحت احدى امرأتيه عن نصف الثمن على ثمانين الف درهم وكان حقها اكثر مما صولحت عليه وتصدق يومئذ

[سورة التوبة (9) : آية 80]

عاصم بن عدى العجلاني بمائة وسق من تمر وجاء ابو عقيل الأنصاري واسمه الحجاب بصاع من تمر فقال يا رسول الله بت ليلتى اجر بجرير «1» الماء حتى نلت صاعين من تمر فامسكت أحدهما لاهلى وأتيتك بالاخر فامره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينثره فى الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا ما اعطى عبد الرحمن وعاصم الا رياء وان كان الله ورسوله لغنيين عن صاع ابى عقيل ولكنه أحب ان يذكر بنفسه ليعطى من الصدقة فانزل الله هذه الآية وعنى بالمطوعين عبد الرحمن وعاصم وبالذين لا يجدون الا جهدهم أبا عقيل قلت روى القصة احمد وابن جرير وابن مردوية عن ابن عباس وقصة مصالحة احدى امرأتيه الطبراني واسمه تماضر من حديث ابى عقيل وورد نحو هذه القصة من حديث ابى هريرة وابى سعيد الخدري وابى عقيل نفسه وعميرة بنت سهل بن رافع أخرجها كلها ابن مردويه قال الله تعالى عز شانه فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ يستهزؤن بهم سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ اى جازا هم على السخرية واخرج البيهقي عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم باب من الجنة فيقال لاحدهم فيجئى بكر به وغمه فاذا جاء غلق دونه فما زال كذلك حتى ان أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال لهم هلم فما يأتيه من الإياس وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) بكفرهم واستهزائهم قال البيضاوي روى عن عبد الله بن عبد الله بن ابى المنافق كان من المخلصين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرض موت أبيه المنافق ان يستغفر له ففعل فنزلت. اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ امر بمعنى الاخبار بالتسوية بين استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم للمنافقين وعدمه فى عدم الافادة كما نص عليه بقوله إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لازيدن على السبعين فنزلت سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم كذا اخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر معناه واخرج ابن المنذر عن عروة ومجاهد وقتادة واخرج ابن المنذر من طريق العوفى عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الاية قال النبي صلى الله عليه وسلم

_ (1) الجرير الحبلى والمعنى استقى للناس على اجرة صاعين 12.

[سورة التوبة (9) : آية 81]

اسمع ربى وقد رخص لى فيهم فو الله لاستغفرن اكثر من سبعين مرة لعل الله ان يغفر لهم فنزلت استغفرت لهم أم تستغفر لهم قال البيضاوي فهم النبي صلى الله عليه وسلم من السبعين العدد المخصوص لانه الأصل فجوز ان يكون ذلك حدا يخالفه حكم ما ورائه فبين له ان المراد به التكثير دون التحديد وقد شاع استعمال السبعة والسبعين وسبعمأة ونحوها فى التكثير لاشتمال السبعة على جملة اقسام العدد فان العدد قليل وكثير فالقليل ما دون الثلث والكثير الثلث فما فوقه وادنى الكثير ثلثه ولا غاية لا قصاه وايضا العدد نوعان شفع ووتر وأول الاشفاع اثنان وأول الأوتار ثلثة وواحد ليس بعدد والسبعة أول الجمع الكثير من النوعين لان فيها أوتارا ثلثة واشفاعا ثلثة والعشرة كمال الحساب لان ما جاوز العشرة فهو اضافة الآحاد الى العشرة كقولك اثنا عشر ثلثة عشر الى عشرين والعشرون تكرير العشرة مرتين والثلاثون تكريرها ثلث مراة وهكذا الى ماءة فالسبعون يجمع الكثرة والنوع والكثرة منه وكمال الحساب والكثرة منه فصار السبعون ادنى الكثير من العدد من كل وجه ولا غاية لاقصاه فجاز تخصيص السبعين بهذا المعنى فكانه العدد باسره ذلِكَ الياس عن المغفرة بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يعنى ليس ذلك لبخل منا ولا لقصور فيك بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) المتمردين فى كفرهم وهو كالدليل على الحكم السابق فان مغفرة الكافر انما هو بالإقلاع عن الكفر والإرشاد الى الحق والمنهمك فى كفره المطبوع عليه لا ينقطع ولا يهتدى. فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ عن غزوة تبوك والمخلف المتروك بِمَقْعَدِهِمْ اى بعقودهم عن الغزو خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ قال ابو عبيدة اى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل خلاف بمعنى المخالفة فيكون انتصابه على العلة او الحال يعنى فرحوا لاجل مخالفة الرسول وحال كونهم مخالفين له وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فيه تعريض بالمؤمنين الذين حصلوا رضائه تعالى ببذل الأموال والأنفس واثروا رضاه على الأموال والأنفس وَقالُوا اى قال بعضهم لبعض وللمؤمنين تثبيطا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان

[سورة التوبة (9) : آية 82]

ينبعثوا معه وذلك فى الصيف فقال رجل يا رسول الله الحر الشديد ولا تستطيع الخروج فلا تنفر فى الحر فانزل الله تعالى قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا وقد اثرتموها بهذه المخالفة فيه استجهال لهم لانه من يصون نفسه من مشقة ساعة ووقع بسبب ذلك فى مشقة أشد واغلظ الموبد كان أجهل من كل جاهل لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) اى يعلمون قال البغوي كذلك هو فى مصحف ابن مسعود يعنى لو كانوا يعلمون ان ما بهم إليها او انها كيف هى ما اختاروها بايثار الدعة على الطاعة قال محمد بن يوسف الصالحي جعل جد بن قيس وغيره من المنافقين يثبطون المسلمين عن الخروج وقال الجد لجبار بن منحر ومن معه من بنى سلمة لا تنفروا فى الحر رهادة فى الجهاد وشكافى الحق وارجافا برسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى قل نار جهنم أشد حرا واخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حر شديد الى تبوك فقال رجل من بنى سلمة لا تنفروا فى الحر فانزل الله قل نار جهنم أشد حرا الآية واخرج البيهقي فى الدلايل من طريق ابن إسحاق عن عاصم بن عمر ابو قتادة وعبد الله بن ابى بكر بن حزم قال رجل من المنافقين لا تنفروا فى الحر فنزلت هذه الآية والله اعلم- قال الله تعالى. فَلْيَضْحَكُوا اى المنافقون حين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله قَلِيلًا يعنى ضحكا قليلا او فى زمان قليل يعنى فى الدنيا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً فى الآخرة اخبار عما يؤل اليه حالهم فى الدنيا والآخرة أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على انه حتم واجب والضحك والبكاء اما محمولان على الحقيقة او هما كنايتين عن السرور والغم وجاز ان يكون المراد بيان حالهم فى الآخرة والمراد من القلة العدم جَزاءً مصدر فعل محذوف اى يجزون جزاء بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فى الدنيا اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس فى قوله تعالى فليضحكوا قليلا قال الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤا فاذا انقطعت الدنيا وصاروا الى الله فليستانفوا البكاء بكاء لا ينقطع ابدا واخرج ابن ماجة وابو يعلى والبيهقي وهناد عن انس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يرسل البكاء على اهل النار فيكون حتى ينقطع الدموع ثم يكون الدم ثم توتى فى وجوههم كهيئة الأخدود ولو أرسلت فيها السفن لجرت واخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن قيس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان اهل النار ليبكون

حتى لو أجريت السفن فى دموعهم لجرت وانهم يسكبون الدم واخرج ابن ابى الدنيا والضياء كلاهما فى صفة النار عن زيد بن رفيع رفعه ان اهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ثم يكون القيح زمانا فيقول لهم الخزنة يا معشر الأشقياء تركتم البكاء فى الدنيا هل تجدون اليوم من تستغيثون به فيرفعون أصواتهم يا اهل يا معشر الآباء والأمهات والأولاد خرجنا من القبور عطاشا وكنا طول الموقف عطاشا ونحن اليوم عطاش فافيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله فيدعون أربعين لا يجيبهم ثم يجيبهم انكم ماكثون فيئسوا من كل خير قلت وجاز ان يكون معنى الآية فليضحكوا اى الناس أجمعين فى دنياهم قليلا امر اباحة يشعر كراهة كثرة الضحك فان كثرة الضحك يميت القلب وليبكوا فى الدنيا كثيرا من خشية الله حتى يكون البكاء جزاء وعوضا بما كانوا يكسبون يتهافت به سياتهم عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا رواه احمد والشيخان فى الصحيحين والترمذي والنسائي وابن ماجة ورواه البخاري ايضا عن ابى هريرة ورواه الحاكم وصححه عن ابى ذر وزاد ولما ساغ لكم الطعام ولا الشراب وروى الطبراني والحاكم والبيهقي عن ابى الدرداء مرفوعا بلفظ لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ولخرجتم الى الصعدات تجارون «1» الى الله تعالى لا تدرون تنجون او لا تنجون وروى الحاكم عن ابى هريرة وصححه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا يظهر النفاق ويرتفع الأمانة ويقبض الرحمة ويتهم الامين ويؤتمن غير الامين أناخ بكم الشرف الجون الفتن كامثال الليل المظلم وروى البغوي بسنده عن انس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا ايها الناس ابكوا فان لم تستطيعوا فتباكوا فان اهل النار يبكون فى النار حتى يسيل دموعهم فى وجوههم كانها جداول حتى ينقطع الدموع فيسيل الدماء ويفرج العيون فلو ان سفنا أجريت فيها لجرت وروى احمد والترمذي وابن ماجة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم الى الصعدات تجارون الى الله وروى ابن ماجة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد مومن يخرج من

_ (1) جار الى الله اى تضرع 12.

[سورة التوبة (9) : آية 83]

عينيه دموع وان كان مثل راس الذباب من خشية الله ثم يصيب من خروجه الا حرمه الله على النار. فَإِنْ رَجَعَكَ اى ردك اللَّهُ إِلى المدينة وفيها طائِفَةٍ مِنْهُمْ اى من المخلفين يعنى منافقيهم فان كلهم لم يكونوا منافقين او من بقي منهم بعد ما تاب بعضهم وهلك بعضهم فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك الى غزوة اخرى بعد تبوك فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ قرأ ابو بكر وحمزة والكسائي بسكون الياء والباقون بفتحها أَبَداً فى سفر وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بسكونها عَدُوًّا اخبار فى معى النهى للمبالغة إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعنى فى غزوه تبوك والجملة تعليل للنهي وكان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83) مع النساء والصبيان والمرضى والزمنى لعدم لياقتهم للجهاد وقال ابن عباس مع الذين تخلفوا بغير عذر وقيل مع المخالفين قال القراء يقال صاحت خالف إذا كان مخالفا روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر قال لما توفى عبد الله بن ابى جاء ابنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ان يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فاعطاه ثم سأله فقام ليصلى عليه فقام عمر فاخذ بثوبه فقال يا رسول الله اتصلي عليه وقد نهاك ربك ان تصلى على المنافقين فقال انما خيرنى الله فقال استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة وسازيده على السبعين فقال انه منافق فصلى عليه فانزل الله تعالى. وَلا تُصَلِّ المراد بالصلوة الدعاء والاستغفار للميت فيشتمل صلوة الجنازة ايضا لانها مشتملة على الدعاء والاستغفار عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ظرف لتصل وقيل ظرف لمات يعنى مات موتا موبدا على الكفر فان احياء الكافر للتعذيب دون التمتع فكانه لم يحيى وبهذا المعنى قال الله لا يموت فيها ولا يحيى وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ للدفن او للزيارة قيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له ولذا ورد النهى عن القيام على قبره إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84) تعليل للنهى او لتائيد الموت وروى البخاري عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب انه قال لما مات عبد الله بن ابى ابن سلول دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى على ابن ابى وقد قال يوم كذا كذا ويوم كذا كذا اعدد عليه قال انى خيرت

[سورة التوبة (9) : آية 85]

فاخترت لو اعلم انى لو زدت على السبعين غفر له لزدت عليها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث الا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة وروى البخاري عن جابر بن عبد الله قال اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن ابى بعد ما ادخل حفرته فامر به فاخرج فوضعه على ركبته ونفث فيه ريقه والبسه قميصه وفى الصحيحين عن ابن عمر ان عبد الله بن عبد الله بن ابى كان من المصلحين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرض أبيه ان يستغفر له ففعل فنزلت وروى الحاكم وصححه والبيهقي فى الدلائل عن اسامة بن زيد ان ابن ابى دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه فسأله ان يستغفر له ويكفنه فى شعاره الذي يلى جسده ويصلى عليه فلما مات أرسل قميصه ليكفن فيه وذهب ليصلى فنزلت هذه هذه الآية واخرج البخاري من حديث جابر انه قال لما كان يوم بدر واتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد الله بن ابى يقدر عليه فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي البسه يعنى كان ذلك مكافاة له قال البغوي روى ان النبي صلى الله عليه وسلم كلم فيما فعل بعبد الله بن ابى فقال صلى الله عليه وسلم وما يغنى عنه قميصى وصلاتى من الله والله انى كنت ارجوا ان يسلم به الف من قومه قال وروى انه اسلم الف من قومه لما راؤه يتبرك بقميص النبي صلى الله عليه وسلم قال البغوي فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية على منافق ولا قام على قبره حتى قبض. وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85) تكرير للتاكيد والأمر حقيق به فان الابصار طامحة الى الأموال والأولاد والنفوس مغطبتة عليها ويجوز ان يكون هذا فى فريق غير الاول. وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ من القرآن ويجوز ان يراد بها بعضها أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ اى بان أمنوا ويجوز ان يكون ان مفسرة والظاهر ان المراد بالايمان هاهنا امتثال امره صلى الله عليه وسلم فى الجهاد وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ فى القعود أُولُوا الطَّوْلِ اى ذووا الغنا والسعة مِنْهُمْ اى من المنافقين وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) فى رحالهم بعذر. رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ اى النساء اللاتي يخلفن فى البيوت جمع خالفة وقد يقال

[سورة التوبة (9) : الآيات 88 إلى 89]

الخالفة الذي لا خير فيه فلان خالفة قومه إذا كان دونهم يعنى مع ارزال الناس الذين لا خير فيهم وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ طبع الله عليها فلا يدركون حسن الخيرات وسؤالسيات فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) ما فى الجهاد وموافقة الرسول من السعادة وما فى المخالفة عنه من الشقاوة. لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مخلصين جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ يعنى ان تخلف الخوالف ولم يجاهدوا فلا منقصة فى الدين فقد جاهد من هو خير منهم وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ ز اى منافع الدارين وقيل الخيرات الحور العين قال الله تعالى فيهن خيرات حسان جمع خيرة وحكى عن ابن عباس ان الخير لا يعلم معناه الا الله عز وجل كما قال جل ذكره فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين قلت مراد ابن عباس انه يعم جميع المنافع وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) بيان لما لهم فى الاخرة من الخيرات. وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ اى المعتذرون بالجهد وكثرة العيال ادغم التاء فى الذال ونقل حركتها الى العين كذا قال الفراء او المعنى المقصرون فيه الموهمون ان لهم عذر ولا عذر لهم عذر من التفعيل اى قصر وقرأ يعقوب ومجاهد المعذرون بالتخفيف من اعذر إذا اجتهد وبالغ فى العذر مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ فى القعود قال محمد بن عمر جاء ناس من المنافقين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنونه فى القعود من غير علة فاذن لهم وروى ابن مردوية عن جابر بن عبد الله استاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من المنافقين حين اذن لجد بن قيس يستاذنونه يقولون يا رسول الله ايذن لنا فانا لا نستطيع ان ننفر فى الحر فاذن لهم واعرض عنهم ونزل هذه الآية فلم يعذرهم الله تعالى قال ابن إسحاق هم نفر من بنى غفار وقال محمد بن عمر كانوا اثنين وثمانين رجلا منهم خفاف بن أيما انزل الله فيهم وإذا أنزلت سورة ان أمنوا الى قوله وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون قال الضحاك المعذرون هم رهط عامر بن الطفيل جاؤا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعا عن أنفسهم وقالوا يا نبى الله ان نحن غزونا معك تغير اعراب طى على حلائلنا وأولادنا ومواشينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نبأني الله من اخباركم وسيغنى

[سورة التوبة (9) : آية 91]

الله عنكم وقال ابن عباس هم الذين تخلفوا العذر بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى ارعاء الايمان يعنى المنافقين فعلى هذا التأويل الفريق الاول غير مسيئين والظاهر ان المراد بهؤلاء هم الأولون كذب الله المنافقين المعذرين بالباطل او يقال المعذرون أعم من هؤلاء فان منهم من اعتذر بكسله لا لكفره قال ابو عمرو بن العلاء كلا الفريقين مسيئين قوم تكلفوا عذرا بالباطل وهم الذين عناهم الله عز وجل بقوله وجاء المعذرون وقوم تخلفوا من غير تكلف عذر فقعدوا جرأة على الله وهم المنافقون فاوعدهم الله تعالى بقوله سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ اى من الاعراب او من المعذرين فان منهم من اعتذر بكسله لا لكفره عَذابٌ أَلِيمٌ (90) اخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن ثابت رضى الله عنه قال كنت اكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت اكتب براءة وانى لواضع القلم على اذنى إذ امر بالقتال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه إذ جاء أعمى فقال كيف بي يا رسول الله وانا أعمى فنزلت. لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ قال ابن عباس يعنى الزمنى والمشايخ والعجزة وقيل الصبيان وقيل النسوان وَلا عَلَى الْمَرْضى العميان وغيرهم وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ لفقرهم حَرَجٌ اى ضيق فى القعود عن الغزو وما ثم إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بالايمان والطاعة فى السر والعلانية كما يفعل الموالي والناصح او بما يقدروا عليه فعلا وقولا يعود على الإسلام والمسلمين بالصلاح ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ وضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على انهم منخرطون فى سلك المحسنين غير معاتبين مِنْ سَبِيلٍ الى معاتبتهم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) لهم او للمسى فكيف للمحسن قال البغوي قال قتادة نزلت فى عابد بن عمر وأصحابه وقال الضحاك نزلت فى عبد الله بن أم مكتون وكان ضرير البصر روى البخاري وابن سعد عن انس وابن سعد عن جابر رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك فدنا المدينة قال ان بالمدينة أقواما ما سرتم سيرا ولا قطعتم واديا الا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال وهم بالمدينة حبسهم العذر. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ عطف على الضعفاء او على المحسنين قال ابن عباس سالوه ان يحملهم على الدواب

وقيل سالوه ان يحملهم على الخفاف المرقوعة والنعال المحضوفة ليفروا معه قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ حال من الكاف فى أتوك بإضمار قد تَوَلَّوْا جواب إذا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ اى تسيل مِنَ الدَّمْعِ اى دمعها ومن للبيان وهى مع مجرورها فى محل النصب على التميز وهو ابلغ من تفيض دمعها لانه يدل على ان العين صارت دمعا فياضا حَزَناً نصب على العلة او الحال او المصدر لفعل دل عليه ما قبله أَلَّا يَجِدُوا اى لئلا يجدوا متعلق بحزنا او يتقيض ما يُنْفِقُونَ (92) فى غزوتهم روى ابن جرير وابن مردوية عن ابن عباس وابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وابن إسحاق وابن المنذر وابو الشيخ عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن بكر وعاصم بن محمد بن عمر وقتادة وغيرهم رحمهم الله ان عصابة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاؤه يستحملونه وكلهم معسر ذو حاجة لا يحب التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ان لا يجدوا ما ينفقون قال محمد بن يوسف الصالحي اختلفوا فى اسمائهم فالذى اتفقوا عليه سالم بن عمير من بنى عمرو بن عوف الأوسي وعلية بن زيد وابو ليلى بن عبد الرحمن بن كعب وهرمى بن عبد الله والذي اتفق عليه القرضى وابن إسحاق والواقدي وتبعهم ابن سعد وابن حزم وابو عمرو السهيلي ولم يذكر الأخير عرباض بن سارية جزم بذلك ابن حزم وابو عمرو ورواه ابو نعيم عن ابن عباس والدي اتفق عليه القرظي وابن إسحاق عمرو بن حمام بن الجموح والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة وابن إسحاق عبد الله بن مغفل روى ابن سعد ويعقوب بن سفيان وابن ابى حاتم عن ابن مغفل قال انى لاجد الرهط الذين ذكر الله تعالى ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم وفى حديث ابن عباس أخرجه ابن ابى حاتم من طريق العوفى قال امر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ان ينبعثوا غازين معه فجاءت عصابة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عبد الله بن مغفل المزني قالوا يا رسول الله احملنا فقال والله ما أجد ما أحملكم عليه فتولوا وهم بكاء وعزّ عليهم ان يحبسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملا فانزل الله تعالى عذرهم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم الآية والذي اتفق عليه القرظي وابن عمر سلمة بن صخر ولفظ القرظي سلمان والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة عمرو بن عنمة بن عدى وعبد الله بن عمرو المزني حكاه ابن إسحاق قولا بدلا

عن ابن مغفل وانفرد القرظي يذكر عبد الرحمن بن زيد ابو علية من بنى حارثة وبذكر حرمى بن عمرو من بنى مازن وقال محمد بن عمرو يقال ان عمرو بن عوف منهم قال ابن سعد وفى بعض الروايات من يقول فيهم معقل بن يسار وذكر فيهم الحاكم حرمى بن مبارك بن النجار وذكر ابن عابد فيهم مهدى بن عبد الرحمن وذكر فيهم محمد بن كعب سالم بن عمرو الواقفي قال ابن سعد وبعضهم يقول البكاءون بنو مقرن السبعة وهم من مزينة انتهى وهم النعمان وسويد ومغفل وعقبل وسنان ذكر ابن إسحاق فى رواية يونس وابن عمران علية بن زيد لما فقد ما يحمله ولم يجد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحمله خرج من الليل فصلى من ليلة ما شاء الله تعالى ثم بكى وقال اللهم انك أمرت بالجهاد ورغبت فيه وانى أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال او جسدا وعرض ثم أصبح مع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اين المتصدق هذه الليلة فلم يقم اليه أحد فقام اليه ناخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابشر فو الذي نفسى بيده لقد كتبت فى الزكوة المتقبلة قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر لما خرج البكاءون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أعلمهم انه لا يجد ما يحملهم عليه بقي يامين بن عمرو النضري أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان فقال ما يبكيكما قالا جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نقوى به على الخروج ونحن نكره ان يفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعطاهما ناضحا له وزود كلواحد منهما صاعين من تمر زاد محمد بن عمرو حمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين وحمل عثمان بن عفان منهم ثلثة نفر بعد الذي كان جهز من الجيش قلت لعله لما سقط السبعة من الستة العشر المذكورين وسقط اثنان منهم لاجل شك الراوي فبقى من لم يخرج الى الغزو لفقد ما يحمله سبعة وهم الذين قال الله تعالى فيهم انه لا سبيل عليهم بالمعاتبة والله اعلم روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى موسى الأشعري قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفر من الأشعريين ليحملنا وفى رواية أرسلني أصحابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اساله لهم الحملان فقلت يا رسول الله ان أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم فقال والله لا أحملكم على شىء وما عندى ما أحملكم عليه ووافقته وهو غضبان

[سورة التوبة (9) : آية 93]

ولا أشعر فرجعت حزينا من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن محافة ان يكرن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد فى نفسه علىّ فرجعت الى أصحابي فاخبرتهم بالذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب ابل فلم البث الا سويعة إذ سمعت بلالا ينادى اين عبد الله بن قيس فاجبته فقال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فلما أتيته قال هذين القرينين «1» وهذين القرينين لستة ابعرة اتباعهن حينئذ من سعد فانطلق بهن الى أصحابك فقل ان الله او قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هؤلاء فاركبوهن قال ابو موسى فانطلقت الى أصحابي فقلت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هولاء ولكن والله لا أودعكم حتى ينطلق معى بعضكم الى من سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سالته لكم ومنعه فى أول مرة ثم إعطائه إياي بعد ذلك لا تظنوا انى حدثتكم شيئا لم يقله فقالوا لى والله انك عندنا لمصدق ولنفعلن ما أحببت قال فانطلق ابو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم منعه إياهم ثم إعطائه بعد ذلك فحدثوهم بمثل ما حدثهم ابو موسى ثم قلنا والله لا يبارك لنا فرجعنا فقلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انا ما حملتكم ولكن الله حملكم ثم قال والله انى إنشاء الله لا احلف على يمين فارى غيرها خيرا منهما الا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يمينى. إِنَّمَا السَّبِيلُ بالعقاب والمعاتبة عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ واجدون الاهبة رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ استيناف ببيان ما هو السبب لاستيذانهم من غير عذرهم وهو رضاهم بالدناة والانتظام فى جملة الخوالف وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ حتى غفلوا عن وخامة العاقبة فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) سوى ما اختاروه من القعود على الجهاد وموافقة الرسول. يَعْتَذِرُونَ يعنى المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وقد ذكرنا انهم كانوا بضعة وثمانين نفرا إِلَيْكُمْ ايها الرسول والمؤمنون إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ من غزوة تبوك الى المدينة وفى الاية معجزة فانهم جاؤا بعد ذلك يعتذرون بالباطل قال الله تعالى قُلْ لا تَعْتَذِرُوا بالمعاذير الكاذبة لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ لن نصدقكم

_ (1) القرينين الجملان المشدود ان أحدهما الى الآخر 12. [.....]

[سورة التوبة (9) : آية 96]

علة للنهى لان غرض المعتذر ان يصدق فيما يعتذر به ثم بين علة عدم التصديق وقال قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ أعلمنا بالوحى الى نبيه صلى الله عليه وسلم بعض اخباركم وهو ما فى ضمايركم من الشر والفساد وما زورتم من الاعتذارات الكاذبة وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ فى المستقبل من الزمان هل تتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه فيه استتابة وامهال للتوبة ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ بعد الموت وضع الوصف موضع الضمير للدلالة على انه مطلع على سرهم وعلتهم لا يفوت شىء من ضمائرهم وأعمالهم من علمه فَيُنَبِّئُكُمْ بالتعذيب بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ولا تعاتبوهم. فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ولا تعاتبوهم ولا تصاحبوهم إِنَّهُمْ رِجْسٌ اى لانهم أرجاس لخبث باطنهم فلا يجوز معهم المؤانسة والمصاحبة ولا ينفعهم المعاتبة لعدم صلاحيتهم للتطهر والمقصود عن المعاتبة انما هو التطهير بالحمل على الانابة وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ من تمام التعليل كانه قال انهم أرجاس من اهل النار فلا تصاحبوهم ولا تعاتبوهم جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95) يجوز ان يكون مصدر الفعل محذوف اى يجزون جزاء او يكون علة لكون ماواهم جهنم قال البغوي قال ابن عباس نزلت فى جد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما كانوا ثمانين رجلا من المنافقين فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة لا تجالسوهم ولا تكلموهم وقال مقاتل نزلت فى عبد الله بن ابى حلف للنبى صلى الله عليه وسلم بالله الذي لا اله الا هو ان لا يتحلف عنه بعدها وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم ان يرضى عنه فانزل الله هذه الاية. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ يحلفهم فتستديموا على ما كنتم تفعلون بهم فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96) اى عنهم وضع المظهر موضع المضمر ليدل على موجب عدم الرضا يعنى ان لبسوا عليكم ورضيتم بهم لا يمكنهم ان يلبسوا على الله ويرضوه مع كفرهم ولا ينفعهم رضائكم مع سخط الله تعالى فانه ينزل بهم الهوان فى الدنيا والعذاب فى الآخرة والمقصود من الآية النهى عن الرضاء عنهم والاغترار بمعاذيرهم. الْأَعْرابُ يعنى اهل البادية

[سورة التوبة (9) : آية 98]

أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً من اهل البلد لتوحشهم وقساوتهم وعدم اختلاطهم باهل العلم وقلة استماعهم الكتاب والسنة وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا اى أحق بان لا يعلموا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ من الشرائع فرائضها وسنتها ومباحاتها ومحرماتها ومكروهاتها لا يميزون بعضها من بعض لجهلهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ يعلم حال جميع خلقه حَكِيمٌ (97) فيما يفعل بهم فى الدنيا والآخرة. وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ اى يزعم ما يُنْفِقُ فى سبيل الله مَغْرَماً اى غرامة وخسرانا قال عطاء لا يرجون لاعطائه ثوابا ولا على إمساكه عقابا انما ينفقون خوفا ورياء وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ اى ينتظرون بكم تقلب الزمان بان يموت الرسول ويظهر المشركون حتى يتخلصوا عن الانفاق الذي ينفقونها رياء وخوفا عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصون بالمؤمنين او اخبار بما يقع بهم نحو ما يتربصون بالمؤمنين والدائرة فى الأصل مصدر او اسم فاعل من داريد ورسمى عقبة الزمان التي يأتي بالخير مرة وبالشر اخرى قرأ ابن كثير وابو عمرو السوء هنا وفى سورة الفتح بالضم السين ومعناه الضر والمكروه والباقون بفتح السين وهو مصدر أضيف اليه للمبالغة كقولك رجل صدق وَاللَّهُ سَمِيعٌ لما يقولون عند النفاق فيما بين شياطينهم عَلِيمٌ (98) بما يضمرون قال البغوي نزلت الآية المذكورة فى اعراب اسد وغطفان وبنى تميم وكذا اخرج ابو الشيخ عن الكلبي الا انه لم يذكر فيه بنى تميم ثم استثنى الله سبحانه من الاعراب المذكورين حال بعضهم فقال. وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وقال البغوي اخرج ابن جرير عن مجاهد انها نزلت فى بنى مقرن من مزينته الذين نزلت فيهم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم واخرج عن عبد الرحمن بن معقل قال كنا عشرة ولد مقرن وقال الكلبي اسلم وغفار وجهينة من تميم واسد بن خزيمة وهوازن وغطفان وفى الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غفار غفر الله لها واسلم سالمها الله وعصية عصمت الله ورسوله وفيهما عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش والأنصار وجهينة ومزينته واسلم وغفار أشجع موالى ليس لهم مولى دون

الله ورسوله وفيهما عن ابى بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسلم وغفار ومزينة وجهينة خير من تميم ومن بنى عامر والحليفين اسد وغطفان وروى البغوي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسلم وغفار وشىء من جهينه ومزينة خير عند الله يوم القيامة من تميم واسد بن خزيمة وهوازن وغطفان وَيَتَّخِذُ اى يزعم ما يُنْفِقُ فى سبيل الله سبب قُرُباتٍ وهى ثانى مفعولى يتخذ عِنْدَ اللَّهِ صفة لقربات او ظرف ليتخذ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ اى سبب دعائه صلى الله عليه وسلم واستغفاره اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن عباس قال صلوات الرسول استغفاره صلى الله عليه وسلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم صل على ال ابى اوفى حين جاء عبد الله بن ابى اوفى بصدقته كذا اخرج الجماعة الا الترمذي من حديث عبد الله بن ابى اوفى أَلا إِنَّها اى النفقة قُرْبَةٌ لَهُمْ ط عند الله تعالى قرأ نافع برواية ورش قربة بضم الراء والباقون بسكونها وهذه شهادة من الله تعالى بصحة معتقدهم وتصديق لرجائهم على الاستيناف مع حر فى التنبيه والتأكيد سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ السين لتحقيق الوعد فِي رَحْمَتِهِ اى جنته. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ الذين هجروا قومهم وعشائرهم وفارقوا أوطانهم وأموالهم يعنى من قريش مكة وَالْأَنْصارِ الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأووه وأصحابه حين أخرجه قومه يعنى من اهل المدينة واختلفوا فى السابقين من الفريقين قال سعيد بن المسيب وقتادة وابن سيرين وجماعة هم الذين صلوا الى القبلتين وقال عطاء بن ابى رباح هم اهل بدر وقال الشعبي هم الذين شهدوا بيعة الرضوان بالحديبية وقيل هم من المهاجرين ثمانية ففر الذين سبقوا الى الإسلام ثم تتابع الناس فى الدخول فى الإسلام بعدهم وهم أبو بكر وعلى وزبير بن الحارثة وعثمان بن عفان وزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابى وقاص وطلحة بن عبيد الله قال البغوي واختلفوا فى أول من أمن برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد امرأته خديجة مع اتفاقهم على انها أول من أمن برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم على ابن ابى طالب وهو قول جابر بن عبد الله ويؤيده قول على

رضى الله عنه (شعر) سبقتكم الى الإسلام طرا ... غلاما ما بلغت او ان حلم قال مجاهد وابن إسحاق اسلم على وهو ابن عشر سنين وقال بعضهم أول من أمن به بعد خديجة ابو بكر الصديق وهو قول ابن عباس وابراهيم النخعي والشعبي ويشهده قول حسان بن ثابت فى اشعاره فى مدح ابى بكر وتسليم النبي صلى الله عليه وسلم إياه وقال بعضهم أول من أمن به زيد بن حارثة وهو قول الزهري وعروة ابن الزبير وكان إسحاق بن ابراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الأقوال فيقول أول من اسلم من الرجال ابو بكر ومن النساء خديجة ومن الصبيان على ومن العبيد زيد بن الحارثة رضى الله عنهم أجمعين قال ابن إسحاق فلما اسلم ابو بكر اظهر إسلامه ودعا الى الله والى رسوله وكان رجلا محببا سهلا وكان انسب قريش وأعلمها بما كان فيها وكان تاجر إذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وحسن مجالسته فجعل يدعوا الى الإسلام من وثق به من قومه فاسلم على يديه فيما بلغني عثمان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابى وقاص وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اسلموا وصلوا ثم اسلم غيرهم حتى بلغ المسلمون من الرجال والنساء الى تسع وثلثين فى سبع سنين ثم اسلم عمر بن الخطاب فهو منهم أربعين فاذا اسلم عمر قال المشركون اليوم انتصف منا ثم شاع الإسلام وتقوى بإسلام عمر بعد سبع سنين ومن هاهنا قال على رضى الله عنه صليت قبل الناس بسبع سنين والسابقون من الأنصار هم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وكانوا ستة فى العقبة الاولى وقيل سبعة واثنى عشر فى العقبة الثانية والسبعون فى العقبة الثالثة كما سنذكر والذين أمنوا حين قدم عليهم ابو زرارة ومصعب بن عمير يعلمهم القرآن فاسلم خلق كثير وجماعة من النساء والصبيان قرأ يعقوب والأنصار بالرفع عطفا على قوله والسابقون وهى قرأة ابى أخرجها ابن جرير وابو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي والحاكم وابو الشيخ عن اسامة ومحمد بن ابراهيم التيمي

وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ قيل هم بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين وقيل هم الذين سلكوا سبيلهم فى الايمان والهجرة والنصرة الى يوم القيامة قلت ويمكن ان يكون المراد من السابقين المقربين الذين قال الله تعالى فيهم والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين يعنى من الصحابة والتابعين واتباعهم فانهم الأولون من هذه الامة وقليل من الآخرين اى آخري هذه الامة يعنى بعد الالف وهم ارباب كمالات النبوة فانهم كثيرون فى الصدر الاول قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه الصحابة كلهم كانوا من ارباب كمالات النبوة واكثر التابعين وبعض من اتباع التابعين وقيل بعد الالف من الهجرة قلت فعلى هذا قوله تعالى من المهاجرين والأنصار بيان للسابقين الأولين وليست كلمة من للتبعيض والذين اتبعوهم بإحسان يشتمل السابقين الآخرين واصحاب اليمين الذين هم ثلة من الأولين من الصدر الاول ومن بعدهم وثلة من الآخرين الى ما بعد الالف الى يوم القيامة وقال عطاء الذين اتبعوهم بإحسان هم الذين يذكرون الصحابة بالترحم والدعاء قال ابو صخر حميد بن زياد أتيت محمد بن كعب القرظي فقلت له ما قولك فى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جميع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجنة محسنهم وسيئهم فقلت له من اين تقول هذا قال أقرأ قوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار «1» الى ان قال رضى الله عنهم ورضوا عنه قال والذين اتبعوهم بإحسان شرط فى التابعين شريطة وهو ان يتبعوهم فى أفعالهم الحسنة دون السيئة قال ابو صخر فكانى لم يقرأ هذه الاية قط وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علىّ محمد بن كعب قلت واولى بالاحتجاج على كون جميع الصحابة فى الجنة قوله تعالى لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد

_ (1) وعن حبيب الشهيد عن عمر بن عامر الأنصاري ان عمر بن الخطاب قرأ او السابقون الأولون من المهاجرين والأنصاري الذين اتبعوهم بإحسان فرفع الأنصار ولم يلحق الواو فى الذين فقال له زيد بن ثابت والذين فقال الذين فقال زيد امير المؤمنين اعلم فقال ايتوني بالى بن كعب فاتاه فسأله عن ذلك فقال والذين فقال فنعم إذا فتابع أبيا 12.

وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى فانه صريح فى ان جميع الصحابة أولهم وآخرهم وعدهم الله تعالى الحسنى يعنى الجنة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسى بيده لو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمس النار مسلما رأنى او راى من رأنى رواه الترمذي عن جابر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد من أصحابي يموت بأرض الا بعث قائدا ونور الهم يوم القيامة رواه الترمذي من حديث بريدة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم فبايهم اقتديتم اهتديتم رواه رزين من حديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بقبول طاعتهم وارتضاء أعمالهم وَرَضُوا عَنْهُ ربا وعن الإسلام دينا ومحمد رسولا ونبيا بما القى الله حبه فى قلوبهم وبما نالوا من نعم الدنيوية والدينية وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ قرأ ابن كثير من تحتها كما هو فى ساير المواضع وكذلك فى مصاحف اهل مكة والباقون بحذف من خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وهم من مزينة وجهينة وأشجع واسلم وغفار أخرجه ابن المنذر عن عكرمة كان منازلهم حول المدينة وكون بعضهم منافقين كما يدل عليه من التبعيضية لا ينافى ما مر من الأحاديث فى مناقب غفار واسلم وأشجع وغيرها. وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يعنى من الأوس والخزرج عطف على ممن حولكم وقوله تعالى مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ صفة للمنافقين فصل بينها وبينه بالمعطوف على الخبر او كلام مبتدأ بيان لتمرنهم فى النفاق وجاز ان يكون الظرف خبر المحذوف وجملة مردوا صفة لمبتدأ محذوف تقديره ومن اهل المدينة قوم مردوا على النفاق اى مرنوا وثبتوا عليه يقال تمرد فلان على ربه اى عتى ومرد على معصية اى مرن وثبت عليها واعتادها ومنه المريد والمارد قال ابن إسحاق اى لجوا فيه وأبوا غيره وقال ابن زيدا قاموا عليه ولم يتوبوا فى القاموس مرد كنصر وكرم مرودا ومرادة فهو مريد ومارد ومتمرد اقدم وعتا او هو يبلغ الغاية التي يخرج إليها من جملة ما عليها ذلك الصنف

[سورة التوبة (9) : آية 112]

أجنحتها رضى لطالب العلم وان العالم يستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض والحيتان فى جوف الماء وان فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وان العلماء ورثة الأنبياء وان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن اخذه أخذ بخظ وافر رواه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجة. الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ هم المصلون ذكرهم باللفظين كانه كرر ذكره للدلالة على فضل الصلاة على سائر العبادات عن ابن مسعود قال سالت النبي صلى الله عليه وسلم ايّ الأعمال أحب الى الله قال الصلاة لوقتها قلت ثم اى قال بر الوالدين قلت ثم اى قال الجهاد فى سبيل الله متفق عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عماد الدين رواه ابو نعيم عن الفضل بن دكين وقال الصلاة نور المؤمن رواه ابن عساكر عن انس وقال الصلاة قربان كل تقى رواه القضاعي عن على وقال عليه السلام اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء رواه مسلم وابو داود والنسائي عن ابى هريرة الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بالايمان والطاعة وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ عن الشرك والمعصية وقيل المعروف السنة والمنكر البدعة ذكر العاطف بينهما للدلالة على ان مجموعهما خصلة واحدة وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ اى فيما بينه وبين الله تعالى من الحقائق والشرائع قيل أورد العاطف هاهنا للتنبيه على ان ما قبله تفصيل الفضائل وهذا اجمالها قلت لعل الله سبحانه أورد العاطف هاهنا لان الله سبحانه ذكر اولا إتيان الحسنات المذكورات ثم ذكر محافظة حد كل منها بلا زيادة من قبل نفسه رهبانيته ابتدعوها وبلا نقصان صورة ولا معنى فكان الأشياء المذكورة قبلها مجموعها شىء واحد يعبر عنها بإتيان الشرائع وهذا شىء اخر كناية عن الإخلاص والحضور التام المستفاد من صحبة ارباب القلوب فان محافظة الحدود لا يتصور الا بحضور تام دائم والله اعلم وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) يعنى الموصوفين بتلك الفضائل وضع المؤمنين موضع ضميرهم للدلالة على ان ايمانهم دعاهم الى ذلك وان المؤمن الكامل من كان كذلك وحذف المبشر به للتعظيم كانه قيل بشرهم بما لا يدركه الافهام ولا يحيط الكلام ولم يسمعه الاذان والله اعلم روى الشيخان فى الصحيحين عن سعيد

[سورة التوبة (9) : آية 113]

بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن ابى امية بن المغيرة فقال اى عم قل لا اله الا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله فقال ابو جهل وعبد الله بن ابى امية أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد انه بتلك المقالة حتى قال ابو طالب اخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب وزاد فى رواية وابى ان يقول لا اله الا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لاستغفرن لك ما لم انه عنك فنزلت. ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) بان ماتوا على الكفر فيه دليل على جواز الاستغفار لاحيائهم فانه طلب لتوفيقهم للايمان وروى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه قل لا اله الا الله اشهد لك يوم القيامة قال لولا ان يعير قريش يقولون انما حمله على ذلك الجزع لاقررت بها عينك فانزل الله تعالى انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وروى البخاري عن ابى سعيد الخدري انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه فقال لعله ينفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح «1» من نار يبلغ كعبيه يغلى منه دماغه هذا الحديث المذكور يدل على ان الاية نزلت بمكة فى ابى طالب واخرج الترمذي وحسنه والحاكم عن على قال سمعت رجلا يستغفر لابويه وهما مشركان فقلت له اتستغفر لك لابويك وهما مشركان فقال استغفر ابراهيم لابيه وهو مشرك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية ولعل هذه القصة قارنت قصة موت ابى طالب فنزلت الاية فيهما وما يدل على ان الاية نزلت فى امنة أم النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله أبيه فلا يصلح منها شيء وليس شيء منها ما يصلح ان يعارض ما ذكرنا فى القوة فيجب ردها منها ما رواه الحاكم والبيهقي فى الدلائل من طريق أيوب بن هانى عن مسروق عن ابن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الى المقابر وخرجنا معه فامرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى الى قبر منها فناجاه طويلا

_ (1) الضحضاح ما رق من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار 12.

ثم ارتفع باكيا فبكينا لبكائه ثم اقبل علينا فتلقاه عمر فقال يا رسول الله ما الذي أبكاك فقد ابكاناها وأفزعنا فجاء فجلس إلينا فقال افزعكم بكائي قلنا نعم قال ان القبر الذي رايتمونى اناجى فيه قبر امنة بنت وهب وانى استأذنت ربى فى زيارتها فاذن لى فاستاذنته فى الاستغفار لها فلم يأذن لى ونزل علىّ ما كان للنبى والذين أمنوا معه ان يستغفر وللمشركين الآيتين فاخذنى ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي أبكاني قال الحاكم هذا حديث صحيح ونعقبه الذهبي فى شرح المستدرك وقال أيوب بن هانى ضعفه ابن معين ومنها ما اخرج الطبراني وابن مردوية من حديث ابن عباس قال لما اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك واعتمر هبط من ثنية عسفان فنزل على قبر امه فذكر نحو حديث ابن مسعود وفيه ذكر نزول الاية قال السيوطي اسناده ضعيف لا تعويل عليه وقال البغوي قال ابو هريرة وبريدة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة اتى قبر امه امنة فوقف عليه حتى حميت الشمس رجاء ان يؤذن له فيستغفر لها فنزلت ما كان للنبى الاية هذه وكذا اخرج ابن سعد وابن شاهين من حديث بريدة بلفظ لما فتح رسول الله مكة اتى قبر امه فجلس فذكر نحوه وفى لفظ عند ابن جرير عن بريدة كما ذكر البغوي قال ابن سعد فى الطبقات بعد تخريجه هذا غلط وليس قبرها بمكة وقبرها بالأبواء واخرج احمد وابن مردوية واللفظ له من حديث بريدة قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ وقفت على عسفان فابصر قبر امه فتوضأ وصلى وبكى ثم قال انى استأذنت ربى ان اشفعه لها فنهيت فانزل الله تعالى ما كان للنبى الاية هذه قال السيوطي طرق الحديث كلها معلولة وقال الحافظ ابن حجر فى شرح البخاري من حكم بصحة حديث ابن مسعود ليس لكونه صحيحا لذاته بل لوروده من هذه الطرق وقد تاملت فوجدتها كلها معلولة وفى الحديث علة اخرى انها مخالف لما فى الصحيحين ان هذه الاية نزلت بمكة عقب موت ابى طالب وكذا ما ذكر البغوي قول قتادة انه صلى الله عليه وسلم قال لاستغفرن لابى كما استغفر ابراهيم لابيه فانزل الله ما كان للنبى الاية هذه مرسل ليس بصحيح بل ضعيف ومخالف لما فى الصحيحين كما ذكرنا فلا يجوز القول بكون أبوي النبي صلى الله عليه وسلم مشركين مسندى بهذه الاية وقد صنف الشيخ الاجل جلال الدين السيوطي رضى الله عنه رسائل فى اثبات ايمان أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم

[سورة التوبة (9) : آية 114]

وجميع ابائه وأمهاته الى آدم عليه السلام وخلصت منها رسالة سميتها بتقديس اباء النبي صلى الله عليه وسلم فمن شاء فليرجع اليه وهذا المقام لا يسع زيادة التطويل فى الكلام فان قيل ما ورد من حديث الصحيحين فى قصة موت ابى طالب قال ابو جهل أترغب عن ملة عبد المطلب وقول ابى طالب انا على ملة عبد المطلب يدل على كون عبد المطلب مشركا قلنا لا نسلم ذلك بل كان مؤمنا موحد او قد ذكر ابن سعد فى الطبقات بأسانيده ان عبد المطلب قال لام ايمن وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بركة لا تغفلى عن ابني فانى وجدته مع غلمان قريبا من السدرة وان اهل الكتاب يقولون ان ابني هذا نبى هذه الامة لكن لما كان هو فى زمن الجاهلية جاهلا بالشرائع وبما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان التوحيد كافيا له فى زمن الفترة زعم ابو جهل وابو طالب ان محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بشيء منكر وحكما يكون ملة عبد المطلب مخالفا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى. وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ يعنى آزر وكان عما لابراهيم عليه السلام وكان ابراهيم ابن تارخ وقد ذكرنا الكلام فيه فى سورة الانعام وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه رواه البخاري فلا يمكن ان يكون كافر فى سلسلة ابائه صلى الله عليه وسلم إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ قال بعض المفسرين الضمير المرفوع عايد الى أبيه والمنصوب الى ابراهيم يعنى ان أباه وعده ان يسلم فقال له ابراهيم ساستغفر لك يعنى إذا أسلمت والأكثر على ان المرفوع راجع الى ابراهيم والمنصوب الى أبيه وذلك ان ابراهيم وعد إياه ان يستغفر له رجاء إسلامه وهو قوله ساستغفر لك ربى يدل على ذلك قراءة من قرأ وعدها أباه بالباء الموحدة والدليل على ان الوعد كان من ابراهيم وكان الاستغفار فى حال كون أبيه مشركا قوله تعالى قد كانت لكم أسوة حسنة فى ابراهيم الى ان قال الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك فانه صريح فى ان ابراهيم عليه السلام ليس بقدوة فى هذا الاستغفار فهو انما استغفر له وهو مشرك لمكان الوعد رجاء ان يسلم فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ اى لابراهيم بموت أبيه على الكفر او بما اوحى اليه بانه لن يؤمن أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ فقطع عن استغفاره وقيل فلما تبين له فى الاخرة انه

عدو الله تبرأ منه روى البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يلقى ابراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له ابراهيم الم اقل لك لا تعصنى فيقول له أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول ابراهيم يا رب انك وعدتني ان لا تخزنى يوم يبعثون ناى خزى اخزى من ابى الا بعد فيقول الله تعالى انى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا ابراهيم انظر ما تحت رجليك فينظر فاذا هو بذيخ متلطخ فيوخذ بقوائمه فيلقى فى النار وفى رواية فتبرأ منه يومئذ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ الذي يكثر التأوه لكمال خشيته من الله تعالى كذا قال كعب الأحبار وكان ابراهيم عليه السلام يكثر ان يقول آه من النار قبل ان لا ينفع آه وقيل هو الذي يتاوه من الذنوب ومالهما واحد وكذا ما قال البغوي انه جاء فى الحديث الأواه الخاشع المتضرع فان الخشوع يستلزم التأوه من الذنوب والنار وكذا ما قال عطاء الراجع عن كل ما يكره الله الخائف من النار وقال ابن مسعود الأواه الدعّاء وعن ابن عباس قال المؤمن التواب وقال الحسن وقتادة الأواه الرحيم بعباد الله وقال مجاهد الأواه الموقن وقال عكرمة هو المستيقن بلغة الحبشة وقال عقبة بن عامر الأواه كثير الذكر لله تعالى وعن سعيد بن جبير قال الأواه المسيح وروى عنه الأواه المعلم للخير وقال النخعي هو الفقيه وفى القاموس ذكر المعاني المذكورة فقال الأواه الموقن او الداعي او الرحيم او الفقيه او المؤمن بالحبشية وقال ابو عبيدة هو المتاوه شفقا المتضرع يقينا ولزوما للطاعة قال الزجاج انتظم قول ابى عبيدة جميع ما قيل فى الأواه حَلِيمٌ (113) اى صفوح عمن ناله بمكروه ومن ثم قال لابيه عند وعيده بقوله لان لم تنته لارجمنك قال سلام عليك ساستغفر لك ربى وقال ابن عباس الحليم السيد وفى القاموس الحلم بالكسر الاناءة والعقل فهو حليم والجملة لبيان ما حمل ابراهيم على الاستغفار والله اعلم- قال مقاتل والكلبي ان قوما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم واسلموا ولم يكن الخمر حراما ولا القبلة مصروفة الى الكعبة فرجعوا الى قومهم وهم على ذلك ثم حرمت الخمر وصرفت القبلة ولا علم لهم بذلك ثم قدموا المدينة فوجدوا الخمر قد حرمت والقبلة قد صرفت فقالوا يا رسول الله قد كنت على دين ونحن على غيره فنحن ضلال فانزل الله

[سورة التوبة (9) : آية 115]

تعالى. وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً اى يحكم عليهم بالضلال ويسميهم الضالة ويواخذهم على فعل بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ للاسلام حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ اى ما يجب اتقائه من الأعمال فلم يتقوه ويستحقون الإضلال وقيل فيه بيان عذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله لعمه لاستغفرن لك ما لم انه عنه او لمن استغفر لاسلافه المشركين قبل النهى قال مجاهد بيان الله للمؤمنين فى الاستغفار للمشركين خاصة وبيان لهم فى مغصية وطاعة عامة يعنى ان الاية نزلت فى الاستغفار للمشركين لكن حكمها عام لعموم الصيغة إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (114) يعنى يعلم حال من فعل جهلا ومن فعل تمرد او من يستحق الإضلال ومن لا يستحقه. إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ ايها الناس مِنْ دُونِ اللَّهِ من غيره مِنْ وَلِيٍّ يحفظكم منه وَلا نَصِيرٍ (115) يمنع عنكم ضررا يريد بكم فلا ينبغى لكم ان توالوا بالمشركين وتستغفروا لهم وإن كانوا اولى قربى حسبكم ولاية الله ونصرته. لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ من اذن المنافقين فى التخلف او المعنى برأهم عن تعلق الذنوب لقوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقيل المراد بعث على التوبة والمعنى ما من أحد الا وهو محتاج الى التوبة حتى النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة أصحابه لقوله تعالى توبوا الى الله جميعا إذ ما من أحد الا له مقام يستنقص دونه ما هو فيه والترقي اليه توبة من تلك النقيصة وفيه اظهار تفضل التوبة بانها مقام الأنبياء والصالحين من عباده وقيل افتتح الكلام بالنبي لانه كان سبب توبتهم فذكره معهم كما ذكر كلمة لله فى قوله تعالى لله خمسه وللرسول ولذى القربى الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ حين استغفرهم لغزوة تبوك فِي ساعَةِ اى وقت الْعُسْرَةِ قال البغوي كانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة والجيش جيش العسرة اى الشدة لما كانت عليهم عسرة من الظهر والزاد والماء قال الحسن كان العشرة منهم يخرجون على بعير واحد منهم يعنقبونه يركب الرجل ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك وكان زادهم التمر المسوس والشعير المتغير وكان النفر منهم يخرجون ما معهم الا التمرات بينهم فاذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها ثم يشرب

عليها جرعة من ماء كذلك حتى يأتي على آخرهم ولا يبقى من التمرة الا النواة فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم على صدقهم ويقينهم روى احمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن عمر بن الخطاب قال خرجنا الى تبوك فى يوم قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا ان رقابنا سينقطع حتى إذا كان الرجل ليذهب فيلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن ان رقبته سينقطع وحتى ان كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه «1» فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال ابو بكر يا رسول الله ان الله عز وجل قد عود لك فى الدعاء خيرا فادع الله لنا قال أتحب ذلك قال نعم فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعها حتى جالت «2» السماء فاظلت ثم سكبت فملاؤا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر وروى ابن ابى حاتم عن ابى حرزة الأنصاري قال نزلوا الحجر فامرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا يحملوا من مائها شيئا ثم ارتحل ثم نزل منزلا آخر وليس معهم ماء فشكوا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين ثم دعا فارسل الله سحابة فامطرت عليهم حتى استقوا منها فقال رجل من الأنصار لآخر من قومه متهم بالنفاق ويحك قد ترى ما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فامطر الله علينا السماء قال انما مطرنا بنوء كذا وكذا فانزل الله تعالى وتجعلون رزقكم انكم تكذبون مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قرأ حفص وحمزة بالياء التحتية والباقون بالتاء الفوقية لان الفاعل مونث غير حقيقى قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ اى قلوب بعضهم ولم يرد الميل عن الدين بل أراد الميل الى التخلف والانصراف لاجل الشدة التي كانت عليهم قال الكلبي همّ ناس بالتخلف ثم لحقوه وقال ابن إسحاق ومحمد عمر كان نقر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تخلفوا عنه من غير شك ولا ارتياب منهم كعب بن مالك وهلال بن امية ومرارة ابن الربيع وابو حيثمة وابو ذر الغفاري وكانوا نفر صدق لا يتهمون فى إسلامهم روى ابن إسحاق عن ابن مسعود قال لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك جعل يتخلف عنه الرجل فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد ارى حكم الله فيه حتى قيل يا رسول الله تخلف ابو ذر و

_ (1) الفرث الرجين فى الكرش 12. (2) اى دارت السحاب يعنى برخاست ابر پس سايه كرد پس ريخت آب 12.

ابطأ بعيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ذلك وتلوّم ابو ذر بعيره فلما ابطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا قال محمد بن عمر كان ابو ذر يقول ابطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك من أجل بعيري وكان نضوا «1» أعجف فقلت اعلفه أياما ثم الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فعلفته أياما ثم خرجت فلما كنت بذي المودة إذ مر بي فتلومت عليه يوما فلم ار به حركة فاخذت متاعى فحملته وتطلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله ان هذا الرجل يمشى على الطريق وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله هو والله ابو ذر فقال رحم الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده قال محمد بن يوسف الصالحي فكان كذلك فلما قدم ابو ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره خبره فقال لقد غفر الله تعالى لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنبا الى ان بلغتني وروى الطبراني عن ابى خيثمة وابن إسحاق ومحمد بن عمر عن شيوخهما قال لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما دخل ابو خيثمة على اهله فى يوم حار فوجد امرأتين له فى عريشين لهما فى حائط وقد رشت كلواحدة منهما عريشها وبرّدت له فيه ماء وهيات له فيه طعاما فلما دخل قام على باب العريش فنظر الى امرأتيه وما صنعتا له فقال سبحان الله رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حرفى انصح والريح والحر يحمل سلاحه على عنقه وابو خيثمة فى ظل بارد وطعام مهيا وامرأة حسناء فى ماله مقيم ما هذا بالنصف ثم قال والله لا ادخل عريش واحدة منكما حتى الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم تهيا لى زادا ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج فى طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حتى نزل تبوك وقد أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي فى الطريق لطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال ابو خيثمة لعمير بن وهب ان لى ذنبا فلا عليك ان تخلف عنى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الناس هذا راكب مقبل فقال رسول الله

_ (1) نضوا الدابة التي هزلته الاسفار وأذهبت لحمها 12.

[سورة التوبة (9) : آية 118]

صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فقالوا والله هو ابو خيثمة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اولى «1» لك يا أبا خيثمة ثم اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ تكرير للتاكيد او أراد بالتوبة فى صدر الاية التوبة من اذن المنافقين فى التخلف وهاهنا من كيدودتهم زيغ القلوب او المراد فى صدر الاية التوفيق للتوبة والانابة وهاهنا قبول التوبة او للتبيه على انه تاب عليهم لاجل ما كابدوا من العسرة إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (116) قال البغوي قال ابن عباس من تاب الله عليه لم يعذبه ابدا يعنى على ذلك الذنب. وَعَلَى الثَّلاثَةِ عطف على عليهم الَّذِينَ خُلِّفُوا اى تخلفوا عن غزوة تبوك وقيل خلفوا اى أرجى أمرهم عن توبة ابى لبابة وأصحابه وهؤلاء الثلاثة هم كعب بن مالك الشاعر ومرارة ابن الربيع وهلال ابن امية كلهم من الأنصار روى الشيخان فى الصحيحين واحمد وابن ابى شيبة وابن إسحاق وعبد الرزاق عن كعب بن مالك قال لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة غزاها الا فى غزوة تبوك غير انى كنت تخلفت فى غزوة بدر ولم يعاقب الله أحدا تخلف عنها انما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة قلت يعنى ليلة العقبة الثالثة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب ان لى بها مشهد بدر وانكانت البدر اكثر ذكرا فى الناس منها كان من خبرى انى لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه فى تلك الغزوة والله ما اجتمعت عندى قبله راحلتان قط حتى جمعتها فى تلك الغزوة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها وكان يقول الحرب خدعة حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حر شديد واستقبل سفرا بعيدا وصفاوز وعدوّا كثيرا فجلّا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا اهبة غزوهم فاخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير وعند مسلم يزيدون على عشرة آلاف وروى الحاكم فى اكليل عن معاذ قال

_ (1) اولى لك كلمة تهديه من دنا الى الهلاك 12.

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى غزوة تبوك زيادة عن ثلثين الفا وقال ابو ذرعة لا يجمعهم كتاب حافظ قال الزهري يريد الديوان فما رجل يريد ان يتغيب الا ظن انه سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله تعالى وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الظلال والثمار وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجهز المسلمون معه فخرج يوم الخميس وكان يحب إذا كان سفر جهاد او غيره ان يخرج يوم الخميس فطفقت اعدوا لكى أتجهز معهم فارجع ولم اقض شيئا فاقول فى نفسى انا قادر عليه فلم يزل يتمادى بي الحال حتى اشتد بالناس الحر فاصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا والمسلمون معه ولم اقض من جهازى شيئا فقلت أتجهز بعده بيوم او يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد ان فصلوا لاتجهز فرجعت ولم اقض شيئا ثم غدوت ولم اقض شيئا فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أمعن القوم واسرعوا وتفارط الغزو وهممت ان ارتحل فادركهم وليتنى فعلت ولم يقدر لى ذلك فكنت إذا خرجت فى الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني ان لا ارى الا رجلا مغموصا «1» عليه بالنفاق او رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكر لى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس فى القوم بتبوك ما فعل كعب بن مالك فقال رجل من بنى سلمة وفى رواية من قومى قال محمد بن عمر هو عبد الله بن أنيس السلمى يا رسول الله حبسه برداه «2» ونظره فى عطفيه فقال معاذ بن جبل ويقال ابو قتادة بئسما قلت والله يا رسول الله ما علمت عليه الا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كعب فلما بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه قافلا حضرنى همى وطفقت أعد عذرا لرسول الله صلى الله عليه واهيّئ الكلام وأقول بماذا اخرج من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذى رأى من أهلي فلما قيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عنى الباطل وعرفت ان لن اخرج منه ابدا بشيء فيه كذب فاجمعت صدقه وعرفت انه لن ينجينى الا الصدق وأصبح رسول الله عليه وسلم قادما قال ابن سعد فى رمضان قال كعب وكان إذا قدم من سفر

_ (1) اى مطعونا فى دينه 12. (2) اى جانبيه كناية من كونه معجبا متكبرا 12.

لا يقدم الا فى الضحى فيبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين فيقعد فيه ثم يدخل على فاطمة ثم على أزواجه فبدأ بالمسجد فركعهما ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جأه المخلفون فطفقوا يعتذرون اليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم الى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب فقال تعال فجئت امشى حتى جلست بين يديه وعند ابن عابد فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لم تعرض عنى فو الله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت فقال لى ما خلفك الم تكن قد اتبعت ظهرا فقلت بلى انى والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من اهل الدنيا لرأيت انى ساخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكنى والله لقد علمت لان حدثتك حديث كذب ترضى به عنى ليوشكن الله تعالى ان يسخطك ولان حدثتك حديث صدق تجد على فيه انى لارجوا فيه عفو الله لا والله ما كان لى من عذر والله ما كنت أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما هذا فقد صدق فقم حتى يفضى الله فيك بما يشاء فمضيت وثار رجال من بنى سلمة فاتبعونى فقالوا لى ما علمناك كنت إذ نبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت ان لا تكون اعتذرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر اليه المخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم فو الله ما زالوا يؤنّبوننى حتى أردت ان ارجع فاكذب نفسى فقلت ما كنت اجمع أمرين أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وكذبه ثم قلت لهم هل بقي هذا معى أحد قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العمرى وهلال بن امية الواقفي وعند ابن ابى حاتم من مرسل الحسن ان سبب تخلف الاول انه كان حائط حين زهى فقال فى نفسه قد غزوت قبلها فلو أقمت عامى هذا فلما تذكر ذنبه قال اللهم انى أشهدك انى قد تصدقت به فى سبيلك وان الثاني كان له اهل تفرقوا ثم رجعوا فقالوا قمت هذا العام عندهم فلما تذكر قال اللهم لك على ان لا ارجع الى أهلي ولا مالى قال كعب فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين

ذكرهما ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن كلامنا «1» ايها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجبنا الناس وتغيروا لنا وعند ابن ابى شيبة فطفقنا تغدوا فى الناس لا يكلمنا أحد ولا يسلم علينا أحد ولا يرد علينا أحد سلاما وعند عبد الرزاق وتنكر لنا الناس حتى ما هم بالذي نعرف وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هى بالتي نعرف انتهى ومن شى أهم الى من ان أموت فلا يصلى علىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم او يموت فاكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمنى أحد ولا يصلى علىّ حتى تنكرت فى نفسى الأرض حتى ما هى بالتي اعرف فلبثنا ذلك خمسين ليلة فاما صاحباى فاستكانا وقعدا فى بيوتهما يبكيان واما انا فكنت أشب القوم واجلدهم فكنت اخرج فاشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف الأسواق فلا يكلمنى أحد ولا يرد على سلاما وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم عليه وهو فى مجلسه بعد الصلاة فاقول فى نفسى هل حرك شفتيه برد السلام علىّ أم لا ثم أصلي قريبا منه فاسارقه النظر فاذا أقبلت على صلوتى اقبل على ذلك فاذا التفت نحوه اعرض عنى حتى إذا طال على ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط ابى قتادة وهو ابن عمى يعنى انه من بنى سلمة وليس هو ابن أخو أبيه الأقرب قال كعب وهو أحب الناس الىّ فسلمت عليه فوالله ما رد علىّ السلام فقلت يا أبا قتادة هل تعلمنى أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فسكت فلم يكلمنى حتى إذا كان فى الثالثة او الرابعة قال الله ورسوله اعلم ففاضت عيناى وتوليت حتى تسورت من الجدار قال فبينا انا امشى بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى جاءنى ودفع الى كتابا من ملك غسان وعند ابن ابى شيبة من بعض قومى بالشام كتب الى كتابا فى سرقة «2» من حرير فاذا فيه اما بعد فانه قد بلغني ان صاحبك قد جفاك وأقصاك ولم يجعلك الله بدار الهوان ولا مضيعة «3» فان كنت متجولا فالحق بنا نواسيك «4» فقلت لما قراتها وهذا ايضا من البلاء قد طمع فى اهل الكفر فتيممت

_ (1) بالرفع ومحله النصب على الاختصاص اى خصوصا الثلاثة الذين كقولهم اللهم اغفر لنا أيتها العصابة وقال ابو سعيد السيرافي انه مفعول فعل محذوف اى أريد الثلاثة وخالفوا الجمهور وقالوا انه مناوى والثلاثة صفة له وانما أوجبوا ذلك لانه فى الأصل كان كذلك قبل الاختصاص وكل ما نقل من باب الى باب فاعرابه بحسب أصله كافعل التعجب عنه. (2) الأبيض من الحرير او الحرير عامه 12. (3) حيث يضيع حقك 12. (4) مواساة غمخوارى كردن 12.

بها التنور فسجرته بها وعند ابن عابد انه شكى حاله الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال ما زال اعراضك عنى حتى رغب فىّ اهل الشرك قال كعب حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأتينى قال محمد بن عمر هو خزيمة بن ثابت وهو الرسول الى مرارة وهلال بذلك فقال كعب فقال ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك ان تعزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا افعل قال لابل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صاحبى بمثل ذلك فقلت لامراتى الحقي باهلك فتكونى عندهم حتى يقضى الله فى هذا الأمر قال كعب بن مالك فجاءت امراة هلال بن امية اى خولة بنت عاصم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت يا رسول الله ان هلال بن امية شيخ ضايع ليس له خادم وعند ابن ابى شيبة انه شيخ قد ضعف بصره انتهى فهل تكره ان اخدمه قال لا ولكن لا يقر بك قالت انه والله ما به حركة الى شىء والله ما زال يبكى منذ كان من امره ما كان الى يومه هذا قال كعب فقال لى بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى امرأتك كما اذن لامراة هلال بن امية ان يخدمه فقلت والله لا استاذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وما يدرينى ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استاذنه فيها وانا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن كلامنا وعند عبد الرزاق وكانت توبتنا نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلم ثلث الليل فقالت أم سلمة يا نبى الله الا نبشر كعب بن مالك قال إذا يحطمنكم الناس ويمنعونكم النوم سائر الليل فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وافا على ظهر بيت من بيننا فبينا انا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى قد ضاقت على نفسى وضاقت على الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ او فى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك البشر وعند محمد بن عمر وكان الذي اوفى على جبل سلع أبا بكر الصديق فصاح قد تاب الله على كعب يا كعب البشر وعند عقبة ان رجلين سعيا كعبا يبشرانه فسبق أحدهما فارتقى المسبوق على سلع فصاح يا كعب البشر بتوبة الله وقد انزل الله عز وجل فيكم القرآن وزعموا ان الذين سبقا ابو بكر وعمر قال كعب نخررت ساجدا ابكى فرحا بالتوبة وعرفت انه قد جاء فرج وآذن «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلم

_ (1) بالمد اعلم 12.

بتوبة الله علينا حين صلى صلوة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبى مبشرون وركض الىّ رجل على فرس وعند محمد بن عمر هو زبير بن العوام وسعى ساع من اسلم قال وكان الصوت اسرع من الفرس فلما جاءنى الذي سمعت صوته وهو حمزة الأسلمي يبشرنى نزعت له ثوبىّ فكسوته إياه يبشراه وو الله ما املك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين من ابى قتادة كما عند محمد بن عمر فلبسته مما قال وكان الذي بشر هلال بن امية بتوبة سعيد بن زيد فما ظننت انه يرفع راسه حتى تخرج نفسه اى الجهد فقد كان امتنع من الطعام حتى كان يواصل الأيام صياما لا يفتر من البكاء وكان الذي بشر مرارة ابن الربيع بتوبة سلكان بن سلامة ابو سلامة بن وقش قال كعب وانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقانى الناس فوجا فوجا يهنؤنى بالتوبة يقولون لتهنئك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام الىّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحنى وهنأنى والله ما قام الىّ رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور ابشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم امن عندك أم من عند الله قال لا بل من عند الله انكم صدقتم الله فصدقكم الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كانه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله ان من توبتى ان انخلع من مالى كله صدقة الى الله تعالى والى رسوله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم امسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت نصفه قال لا قلت فثلثه قال نعم قال فانى امسك سهمى الذي بخيبر وقلت يا رسول الله انما نجانى الله بالصدق وان من توبتى ان لا أحدث الا صدقا ما بقيت فو الله ما اعلم أحدا من المسلمين أبلاه «1» الله فى صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم احسن مما ابتلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومى هذا كذبا وانى لارجو ان يحفظنى الله تعالى فيما بقيت وانزل الله تعالى لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الى قوله

_ (1) اى أنعم الله عليه 12. [.....]

وكونوا مع الصادقين فو الله ما أنعم الله تعالى علىّ من نعمة بعد ان هدانى للاسلام أعظم من نفسى من صدقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان لا أكون كذبة فأهلك كما هلك الذين كذبوا حين انزل الوحى شر «1» ما قال لاحد فقال تبارك وتعالى سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم الى قوله فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين قال كعب وكنا تخلفنا ايها الثلاثة عن امر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وارجا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله سبحانه فيه بذلك قال الله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذي ذكر الله تعالى ممن خلفنا عن الغزو وانما هو تخليفه إيانا وارجاؤه أمرنا عمن خلف واعتذر اليه فقبل منه قال فى النور لعل الحكمة فى هجران كعب وصاحبيه خمسين ليلة انها كانت هذه مدة غيبته صلى الله عليه وسلم فى سفر تلك الغزوة قال الله تعالى حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ لاعراض الناس عنهم بِما رَحُبَتْ اى مع رحبها وسعتها وهذا مثل لشدة الحيرة فى أمرهم كانهم لا يجدون فيها مكانا ليقرون فيه قلقا واضطرابا وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ اى قلوبهم من فرط الوحشة والغم بحيث لا يسعتها انس ولا سرور وَظَنُّوا اى علموا أَنْ لا مَلْجَأَ اى لا مفزع مِنَ اللَّهِ من سخطه إِلَّا إِلَيْهِ اى الا الى استغفاره ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ اى قبل توبتهم لِيَتُوبُوا اى ليستقيموا على التوبة فان توبتهم قد سبقت او المعنى ليعدوا من جملة التوابين عن ابى بكر الوراق انه قال التوبة النصوح ان يضيق على التائب إذا أذنب الأرض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة هؤلاء الثلاثة إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ عن ابى موسى قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها رواه مسلم وعن انس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الله أشد فرحا يتوب عبده حين يتوب اليه من أحدكم كان راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فايس منها فاتى شجرة فاضطجع فى ظلها قد ايس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده

_ (1) شر ما قال لاحد بالاضافة به اى قال قولا شر القول الكائن لاحد من الناس 12.

[سورة التوبة (9) : آية 119]

فاخذ بخطامها ثم قال لشدة الفرح اللهم أنت عبدى وانا ربك اخطأ من شدة الفرح رواه مسلم وفى الباب أحاديث كثيرة الرَّحِيمُ (117) المتفضل عليهم بالنعم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (118) فى ايمانهم وعهودهم او فى دين الله نية وقولا وعملا يعنى الزموا الصدق فى كل شىء قال ابن عباس وكذا روى عن ابن عمر اى كونوا مع محمد صلّى الله عليه وسلم وأصحابه الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى تبوك بإخلاص نية دون المنافقين المتخلفين عنه وقال سعيد بن جبير مع ابى بكر وعمر وقال الضحاك أمروا ان يكونوا مع ابى بكر وعمر وأصحابهما وروى انه قال ابن عباس مع على ابن ابى طالب عن سفيان قال تفسير اختلاف انما هو كلام جامع يراد به هذا وهذا وقال ابن جريج مع المهاجرين لقوله تعالى للفقراء المهاجرين الى قوله أولئك هم الصادقون وقيل من الذين صدقوا فى الاعتراف بالذنب ولم يعتذروا بالاعذار الكاذبة قال ابن مسعود ان الكذب لا يصلح فى جد ولا هزل ولا ان يعد أحدكم صبية شيئا ثم لا ينجز له اقرأ ان شنم وقرأ هذه الاية. ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ظاهره خبر ومعناه نهى كقوله تعالى وما لكم ان توذوا رسول الله وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ سكان البوادي مزينة وجهينة وأشجع واسلم وغفار أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه الشريفة وَلا يَرْغَبُوا ولا ان يرغبوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ اى لا يضنوا أنفسهم عمالا يضن نفسه عنه ذلِكَ اشارة الى ما دل عليه قوله ما كان من النهى عن التخلف يعنى ذلك النهى بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ اى شىء من العطش وَلا نَصَبٌ تعب وَلا مَخْمَصَةٌ مجاعة فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى معاونة رسوله والجهاد لاعلاء دينه وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً مصدر او ظرف اى يدوسون دوسا او يذهبون أرضا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وطئهم إياها وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا قتلا او اسرا او نهبا او غنيمة إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ اى استوجبوا به الثواب وذلك مما يوجب المشايعة والانتهاء عن التخلف إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (119)

[سورة التوبة (9) : آية 121]

على إحسانهم وهو تعليل لكتب وتنبيه على ان الجهاد احسان اما فى حق الكفار فلانه سعى فى تكميلهم وإنقاذهم من النار بأقصى ما يمكن كالضرب للمجنون وتأديب الصبى واما فى حق المؤمنين فلانه صيانة لهم عن سطوة الكفار واستيلائهم عن ابى عبس قال سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول من اغبرت قدماه فى سبيل الله حرمه الله تعالى على النار رواه البخاري فى الصحيح واحمد والترمذي والنسائي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المجاهد فى سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بايات الله لا يفتر من صيام ولا صلوة حتى يرجع المجاهد فى سبيل الله متفق عليه قال البغوي اختلفوا فى حكم هذه الاية قال قتادة هذه خاصة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يكن لاحد ان يتخلف عنه الا بعذر فاما غيره من الائمة والولاة فيجوز لمن شاء من المؤمنين يتخلف عنه إذا لم يكن بالمسلمين اليه ضرورة وقال الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي وابن المبارك وابن جابر وسعد بن عبد العزيز يقولون هذه الاية لاول هذه الامة وآخرها وقال ابن زيد هذا حين كان اهل الإسلام قليلا فلما كثروا نسخها الله تعالى وأباح التخلف لمن شاء وقال وما كان المؤمنون لينفروا كافة قلت اتفق الائمة على ان الجهاد فرض كفاية إذا قام به جماعة من المسلمين وحصل بهم الكفاية سقط عن الباقين وعن سعيد بن المسيب انه فرض عين للعمومات الواردة فى الجهاد وما ورد التغليظ فى المتخلفين عن غزوة تبوك قلنا عند النفير العام يكون فرضا على الأعيان بالإجماع كما فى غزوة تبوك والا فهو فرض كفاية لقوله تعالى لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير اولى الضرر والمجاهدون فى سبيل الله الى قوله وكلا وعد الله الحسنى وقوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة قوله تعالى. وَلا يُنْفِقُونَ فى سبيل الله نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كما فعل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما فى جيش العسرة (وَلا يَقْطَعُونَ) فى مسيرهم مقبلين ومدبرين وادِياً وهو كل منفرج ينفذ فيه السيل اسم فاعل من ودى إذا سال فشاع بمعنى الأرض (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) ذلك لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ بذلك الكتابة

[سورة التوبة (9) : آية 122]

أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (120) يعنى جزاء احسن أعمالهم يعنى الجهاد فى سبيل الله او احسن جزاء أعمالهم عن ابى مسعود الأنصاري قال جاء رجل بناقة مخطومة فقال هذه فى سبيل الله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة رواه مسلم وعن زيد بن خالد ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال من جهز غازيا فى سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا فى اهله فقد غزا متفق عليه والله اعلم قال الكلبي ان احياء بنى اسد بن خزيمة أصابتهم سنة شديدة فاقبلوا بالذراري حتى نزلوا بالمدينة فافسدوا طرقها بالعذرات واغلوا أسعارها فانزل الله تعالى. وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً نفى بمعنى النهى واللام لتأكيد النفي والمعنى لا ينفروا كافة عن أوطانهم لطلب العلم فانه مخل بالمعاش ومفضى الى المفسدة فَلَوْلا فهلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ اى من كل جماعة كثيرة كقبيلة واهل بلدة او قرية طائِفَةٌ جماعة قليلة لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ اى ليتكلفوا الطلب الفقاهة فى الدين ويتجشموا المشاق فى تحصيلها قال صاحب النهاية الفقه فى الأصل الفهم واشتقاقه من الشق والفتح وفى القاموس الفقه بالكسر المعلم بالشيء والفهم له والفطنة وغلب على علم الدين لشرفه وقال بعض المحققين الفقه هو التوصل الى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم يعنى العلم الاستدلالي قال الله تعالى فما لهولاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ولا يستنبطون مضمونه قال ابو حنيفة رحمه الله هو معرفة النفس مالها وما عليها والتخصيص بالعلم بفروع الدين اصطلاح جديد والظاهر انه يشتمل علم المقلد ايضا فالمقلد إذا أخذ العلم من المجتهد ومن كتابه فقد ادى ما وجب عليه بهذه الاية والله اعلم وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ الذين لم ينفروا إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ فى أوطانهم بعد تحصيل العلم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (121) بانذارهم ما يجب عليهم اجتنابها وقال مجاهد نزلت فى ناس خرجوا فى البوادي فأصابوا منهم معروفا ودعوا من وجدوا من الناس الى الهدى فقال الناس لهم ما نريك الا وقد تركتم صاحبكم وجئتمونا فوجدوا فى أنفسهم من ذلك حرجا فاقبلوا كلهم من البادية حتى دخلوا على النبي صلّى الله عليه وسلم

فانزل الله تعالى هذه الاية قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم تجدون الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فخيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا رواه الشافعي وكذا روى الشيخان فى الصحيحين واحمد عن ابى هريرة وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الناس رجلان عالم ومتعلم ولا خير فيما سواهما رواه الطبراني عن ابن مسعود والله اعلم وهذه الاية دليل على ان اخبار الآحاد حجة لان عموم كل فرقة يقتضى ان ينفر من كل ثلثة تفردوا بقرية طائفة الى التفقه لينذر فرقتها كى يتذكروا فيحذروا فلو لم يعتبر الاخبار ما لم يتواتر لم يفد ذلك اعلم ان الفقه فى الدين ينقسم الى فرض عين وفرض كفاية فالفرض العين هو العلم بالعقائد الصحيحة ومن الفروع ما يحتاج اليه كل أحد كالطهارة والصلاة والصوم وكذلك كل عبادة أوجبها الشرع على الآدمي يجب عليه معرفة أحكامها مثل علم الزكوة إن كان له مال وعلم الحج ان وجب عليه وكذلك من المعاملات يجب معرفة احكام ما يتعاطى بها ويمارسها فيجب معرفة احكام البيع من الصحيح والفاسد والربوا للتجار والإجارات لمن يتاتى بها ونحو ذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم رواه ابن عدى والبيهقي بسند صحيح عن انس والطبراني فى الصغير والخطيب عن الحسن بن على والطبراني فى الأوسط عن ابن عباس وفى الكبير عن ابن مسعود وعند الخطيب عن على وفى الطبراني فى الأوسط والبيهقي عن ابى سعيد وزاد ابن عبد البر عن انس وان طالب العلم يستغفر له كل شىء حتى الحيتان فى البحر وفى رواية والله يحب إغاثة اللهفان والفرض الكفاية وهو ان يتعلم الرجل كل باب من العلم حتى يبلغ درجة الفتوى فاذا قعد أهل بلد عن تعلمه عصوا جميعا وإذا قام من كل بلد واحد بتعلمه سقط عن الباقين وعليهم تقليده فيما يقع لهم من الحوادث وهو أفضل من كل عبادة نافلة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم طلب العلم أفضل عند الله من الصلاة والصيام والحج والجهاد فى سبيل الله عز وجل رواه صاحب سند الفردوس عن ابن عباس وروى ايضا عنه طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة وطلب العلم يوما خير من صيام ثلثة ايام وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلى على

أدناكم ان الله وملئكة واهل السموات والأرضين حتى النملة فى جحرها وحتى الحوت فى الماء ليصلون على معلم الناس الخير رواه الترمذي بسند صحيح عن ابى امامة وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقيه واحد أشد على الشيطان من الف عابد رواه الترمذي وابن ماجة عن ابن عباس وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلثة الا من صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعوا له واما لعلم اللدني فى الذي يسمون أهلها بالصوفية الكرام فهو فرض عين لان ثمراتها تصفيه القلب عن الاشتغال بغير الله تعالى واتصافه بدوام الحضور وتزكية النفس عن رذائل الأخلاق من العجب والكبر والحسد وحب الدنيا والكسل فى الطاعات وإيثار الشهوات والرياء والسمعة وغير ذلك وتجليتها بكرام الأخلاق من التوبة والرضا بالقضاء والشكر على النعماء والصبر على البلاء وغير ذلك ولا شك ان هذه الأمور محرمات وفرايض على كل بشر أشد تحريما من معاصى الجوارح وأهم افتراضا من فرائضها فالصلوة والصوم وشىء من العبادات لا يعبأ بشئ منها ما لم تقترن بالإخلاص والنية قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان الله لا يقبل من العمل الا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه رواه النسائي عن ابى امامة وقال عليه السلام ان الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم- رواه مسلم عن ابى هريرة وكل ما يترتب عليه من الفروض الأعيان فهو فرض عين والله اعلم وفى سبب نزول الاية وجه آخر وذلك ما قال البغوي انه قال ابن عباس فى رواية الكلبي وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة ونحوه عن عبد الله بن عمير انه لما انزل الله تعالى عيوب المنافقين فى غزوة تبوك ونزلت ان لا تنفروا يعذبكم عذابا أليما كان النبي صلّى الله عليه وسلم يبعث السرايا فكان المسلمون ينفرون جميعا الى الغزو ويتركون النبي صلّى الله عليه وسلم وخده وفى رواية عكرمة تخلف عن الغزو أناس من اهل البوادي فقالت المنافقون هلك أصحاب البوادي فانزل الله تعالى هذه الاية يعنى ما كان المؤمنون لينفروا الى الغزو كافة فهلا نفر من كل فرقة عظيمة

[سورة التوبة (9) : آية 123]

طايفة الى الغزو وبقي طائفة مع النبي صلّى الله عليه وسلم ليتفقه القاعدون فى الدين ويتعلمون القرآن والسنن والفرائض والاحكام فاذا رجعت السرايا اخبروهم بما نزل بعدهم فتمكث السرايا يتعلمون ما نزل بعدهم وينفر سرايا اخر حتى لا ينقطع التفقه الذي هو الجهاد الأكبر لان الجدال بالحجة هو الأصل والمقصود من البعثة ولذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء فيكون الضمير فى ليتفقهوا ولينذروا لبواقى الفرق بعد الطائفة النافرة للغزوة وفى رجعوا للطائفة النافرة قال السيوطي قال ابن عباس فهذه مخصوصة بالسرايا والتي من قبلها بالنهى عن تخلف أحد فيما إذا خرج النبي صلّى الله عليه وسلم وقال الحسن هذه التفقه والانذار راجع الى الفرقة النافرة معناه هلا نفر فرقة ليتفقهوا اى ليبصروا بما يريهم من الظهور على المشركين ونصرة الدين ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا من الجهاد فيخبروهم بنصر الله رسوله والمؤمنين لعلهم يحذرون قتال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنزل بهم ما نزل باصحابهم من الكفار وهذا يدل على ان الجهاد فرض كفاية إذا قام به جماعة سقطه عن الباقين الا عند النفير العام حتى يصير فرضا على الأعيان قوله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ امر بقتال الأقرب منهم فالاقرب إليهم فى الدور والنسب فان الأقرب أحق بالشفقة والاستصلاح ولذلك امر رسول الله صلّى الله عليه وسلم اولا بانذار عشيرته الأقربين ولما هاجر الى المدينة امر بقتال قريظة والنضير وخيبر ونحوها وإذا فرغ من قتال العرب امر بقتال الروم وهم المراد بهذه الآية لانهم كانوا سكان الشام وكان الشام اقرب الى المدينة من العراق فاذا نزلت هذه الآية عزم رسول الله صلّى الله عليه وسلم على قتال الروم عام تبوك كما ذكرنا فيما سبق فى رواية ابن مردوية عن ابن عباس وابن ابى شيبة وابن المنذر عن مجاهد وابن جرير عن سعيد بن جبير وعلى مقتضى هذه الاية قالت الفقهاء يجب على من يكون فى الثغر الجهاد بمن يليهم من الكفار فان لم يكن بهم كفاية او تكاسلوا وعصوا يجب على من يقرب منهم وكذا من يقرب ممن

[سورة التوبة (9) : آية 124]

يقرب ان لم يكن بهم كفاية او تكاسلوا وهكذا الى ان يجب على جميع اهل الإسلام شرقا وغربا كذا جهاز الميت والصلاة عليه وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً شدة وحمية قال الحسن صبرا على الجهاد وظاهر الاية امر للكفار والمراد منه الأمر للمؤمنين بالتغليظ يعنى اغلطوا عليهم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (122) دون الكفار بالعون والنصر فلا تبالوا بقتالهم قوله تعالى. وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ما صلة مؤكدة فَمِنْهُمْ يعنى من المنافقين مَنْ يَقُولُ لاخوانه استهزاء أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ السورة إِيماناً يقينا وتعديقا قال الله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً بزيادة العلم الحاصل من تدبير السورة بما فيها من الاعجاز وبانضمام الايمان بها وبما فيها الى ايمانهم وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (123) بنزولها لانه سبب لزيادة علمهم وكما لهم وارتفاع ورجاتهم. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شك ونفاق فَزادَتْهُمْ السورة رِجْساً كفرا بها مضموما إِلَى رِجْسِهِمْ كفرهم بغيرها وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (124) فان الايمان امر وهبى لا يفيد النذر والآيات مالم يشاء الله قال مجاهد فى هذه الاية دلالة على ان الايمان يزيد وينقص وكان عمر رضى الله عنه يأخذ بيد الرجل والرجلين من أصحابه فيقول تعالوا حتى نزداد ايمانا وقال على رضى الله عنه ان الايمان يبدوا لمظة «1» بيضاء فى القلب كلما ازاد الايمان عظما ازداد ذلك البياض من حتى يبيض القلب كله وان النفاق يبدو لمظة سوداء فى القلب فكلما ازداد النفاق ازداد ذلك السواد حتى يسود القلب وايم الله لو شققتم عن قلب مومن لوجدتموه ابيض لو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسودا. أَوَلا يَرَوْنَ قراءة حمزة ويعقوب بالتاء الفوقانية على خطاب المؤمنين والباقون بالياء التحتانية حكاية عن المنافقين المذكورين أَنَّهُمْ اى المنافقون يُفْتَنُونَ اى يبتلون بأصناف البليات من الأمراض والشدائد وقال مجاهد بالقحط والشدة وقال قتادة بالغزو والجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيعاينون ما يظهر من الآيات وقال مقاتل بن حبان يفضحون بإظهار نفاقهم وقال عكرمة

_ (1) المظة النكتة من البياض 12.

[سورة التوبة (9) : آية 127]

ينافقون ثم يومنون ثم ينافقون وقال يمان ينقضون عهودهم فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ من نقض العهد ومن المعاصي والنفاق الجالب إليهم تلك البليات والفضائح وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (125) أصله يتذكرون اى لا يتعظون بما يرون من تصديق وعد الله بالنصر والظفر للمسلمين. وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فيها ذكرهم وقرأها النبي صلّى الله عليه وسلم نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ اى تغامزوا بالعيون إنكارا لها وسخرية او غيظا لما فيها من عيوبهم وتفضيحهم ويريدون الهرب قائلا بعضهم لبعض اشارة هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ من زائدة يعنى هل يراكم أحد من المؤمنين ان قمتم من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فان لم يرهم أحد خرجوا من المسجد وان علموا ان أحدهم يريهم أقاموا وثبتوا ثُمَّ انْصَرَفُوا عن الايمان بها وقيل انصرفوا عن مواضعهم التي يسمعون فيها يعنى حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم مخافة الفضيحة صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عن الايمان قال ابو إسحاق أضلهم الله مجازاة على فعلهم ذلك ويحتمل الدعا بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (126) اى لا يفقهون الحق سوء فهمهم وعدم تدبرهم. لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ اى من جنسكم عربى مثلكم من بنى اسمعيل عليه السلام تعرفون نسبه وحسبه قال ابن عباس ليس من العرب قبيلة الا وقد ولدت النبي صلّى الله عليه وسلم وله فيهم نسب قال جعفر بن محمد الصادق لم يصبه شىء من ولاد الجاهلية من زمان آدم عليه السلام روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما ولدني من سفاح الجاهلية شىء ما ولدني الانكاح كنكاح الإسلام وقرأ ابن عباس والزهري وابن محيصن من أنفسكم بفتح الفاء اى اى من أشرفكم وأفضلكم عَزِيزٌ شديد شاق عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ قيل ما زايدة معناه عنتكم اى دخول المشقة والمضرة عليكم وقال القتيبي ما اعنتكم وضركم وقال ابن عباس ما ضللتم وقال الضحاك والكلبي أثمتم فما موصولة حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ اى على ايمانكم وصلاح شانكم بِالْمُؤْمِنِينَ منكم و

[سورة التوبة (9) : آية 129]

من غيركم رَؤُفٌ رَحِيمٌ (127) الرأفة شدة الرحمة قدم الأبلغ منها لرعاية الفواصل قبل رؤف بالمطيعين رحيم بالمذنبين. فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الايمان بك وناصبوك للحرب فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ فانه يكفيك مؤنتهم ويعينك عليهم لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كالدليل عليه عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فلا ارجوا ولا أخاف الا منه وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (128) خصه بالذكر لانه أعظم المخلوقات اخرج عبد الله بن احمد عن ابى بن كعب قال اخر ما نزل من القرآن هاتان الآيتان لقد جاءكم رسول من أنفسكم الى اخر السورة وقال «1» هما أحدث الآيات بالله عهدا والله اعلم. (فصل) ولما كان نزول اكثر هذه السورة فى غزوة تبوك وقد ذكرنا بعض قصصها فى ضمن تفسير السورة فلنذكر بقية قصص تلك الغزوة والمعجزات التي ظهرت فيها تتميما للمقال روى الطبراني عن عبد الله بن سلام ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما مر بالخليجة فى سفره الى تبوك قال له أصحابه المبرك يا رسول الله الظل والماء وإن كان فيها دوم «2» وماء فقال انها ارض زرع دعوها فانها مامورة يعنى ناقته فاقبلت حتى بركت عند الدومة التي كانت فى مسجد ذى المروة قال محمد بن عمر ولما نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وادي القرى اهدى له بنى عريض اليهودي هريسا فاكلها وأطعمهم أربعين وسقا فهى جارية عليهم الى يوم القيامة وفى رواية فهى جارية عليهم الى الساعة روى مالك واحمد والشيخان فى

_ (1) عن يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب انه قال أراد عمر بن الخطاب ان يجمع القران فقام فى الناس فقال من كان تلقى فى زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فلياتنا به وكانوا كتبوا ذلك فى الصحف والألواح والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد به شاهدان فقتل وهو يجمع ذلك اليه فقام عثمان بن عفان فقال من كان عنده شىء من كتاب الله فلياتنا به وكان لا يقبل من ذلك حتى يشهد به شاهدان فجاء خزيمة بن ثابت فقال انى رايتكم تركتم به ايتين لم تكتبوهما فقال اما هما قال تلقيت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم الآيتين فقال عثمان وانا اشهد انهما من الله فاين نرى ان تجعلهما قال اختم بهما آخر ما نزل من القرآن فتحتمت بها براة الحمد لله رب العلمين صلى الله على رسوله روف الرحيم. (2) الودم جمع ودمة وهى ضخام الشجري شجر المقل 12.

الصحيحين عن ابن عمرو احمد عن جابر وابى كبشة الأنماري وابى حميد الساعدي ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما مر بالحجر تقنع بردائه وهو على الرحل فاوضع راحلته حتى خلف أبيات ثمود ولما نزل هناك تسارع الناس الى اهل الحجر يدخلون عليهم واستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود وعجنوا ونصبوا القدور باللحم فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنودى فى الناس الصلاة جامعة فلما اجتمعوا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم ما أصابهم ولا تشربوا من مائها ولا تتوضاوا منه للصلاة واهريقوا القدور واعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل على البير التي كانت تشرب منها الناقة وقال لا تسألوا الآيات فقد سالها قوم صالح سألوا نبيهم ان يبعث لهم آية فبعث الله تبارك وتعالى لهم الناقة فكانت ترد هذا الفج وتصدر «1» من هذا الفج «2» فعتوا عن امر ربهم فعقروها وكانت تشرب مياههم يوما ويشربون لبنها يوما فعقروها فاخذتهم صيحة اخمد الله تعالى من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان فى حرم الله قيل من هو يا رسول الله قال ابو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم فناداه رجل منهم تعجب منهم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الا أنبئكم بأعجب من ذلك رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وبما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددوا فان الله لا يعبأ بعذابكم شيئا وسيأتى الله بقوم لا يدفعون عن أنفسهم بشئ تهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد ومن كان له بعير فليوثق عقاله ولا يخرجن أحد منكم الا ومعه صاحب له ففعل الناس ما أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا رجلين من بنى ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر فى طلب بعير له فاما الذي خرج لحاجته فانه خنق على مذهبه واما الذي ذهب فى طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته على جبل طى فاخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك فقال الم أنهكم ان يخرج أحد الا ومعه صاحب له ثم دعا للذى أصيب على مذهبه فشفى واما لاخر فان طيا أهدته الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم

_ (1) تصدر اى ترجع بعد ورود 12. (2) اى الموضع الذي ينغوط فيه 12.

حين رجع الى المدينة وقد مر قصة استسقائه صلّى الله عليه وسلم وروى محمد بن عمر ومحمد بن إسحاق انه ضلت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وخرج الناس فى طلبها فقال زيد بن اللّصيب أحد بنى قينقاع كان يهوديا فاسلم ونافق وكان فى رجل عمارة بن حزم محمد يزعم انه نبى وهو يخيركم خبر السماء وهو لا يدرى اين ناقته فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان عمارة بن حزم عنده ان منافقا قال كذا والله انى لا اعلم الا ما علمنى الله وقد اطلعنى الله عليها وهى فى الوادي فى شعب كذا فذهبوا فجاؤا بها فاقبل عمارة على زيد يجافى عنقه ويقول اخرج يا عدو الله من رحلى فلا تصاحبنى قال ابن إسحاق فزعم بعض الناس ان زيدا تاب وقال بعض الناس لم يزل منافقا حتى هلك وفى تلك الغزوة ما روى مسلم عن المغيرة بن شعبة ذهاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل الفجر لحاجته فاسفر الناس حتى خافوا الشمس فقدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم وتوضأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وضاق كم جبته فاخرج يديه من تحت الجبة ومسح على خفيه وأدرك ركعة فصلى ركعة اخرى وسلم وقال أحسنتم صلوا الصلاة لوقتها وانه لم يتوف نبى حتى يؤمه رجل صالح من أمته وروى احمد والطبراني انه صلّى الله عليه وسلم اردف سهيل بن بيضاء على رحله ورفع صوته يا سهيل ثلث مرات كل ذلك يقول سهيل لبيك حتى عرف الناس انه يريدهم فلما اجتمع الناس قال من شهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له حرمه الله على النار روى محمد بن عمرو ابو نعيم فى الدلائل انه عارض الناس حية عظيمة ذكر من عظمها وخلقها فاقبلت حتى واقفت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو على راحلته طويلا والناس ينظرون اليه فقامت قائمة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفد والىّ يسمعون القرآن وهاهو ذا يقرأكم السلام فقال الناس جميعا وعليه السلام ورحمة الله وبركاته روى احمد برجال الصحيح عن حذيفة عن معاذ قال عليه السلام لكم ستاتون غدا إنشاء الله عين تبوك وانكم لن تأتوها حتى يضحى النهار فمن جاء فلا يمس من ماءها شيئا حتى اتى فجئناها وسبق اليه رجلان والعين مثل الشراك بتض «1» بشئ من ماء فسالهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم هل مسستما من مائها شيئا

_ (1) اى تسيل 12.

قالا نعم فسبهما وقال لهما ما شاء الله ان يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع فى شن ثم غسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه وتمضمض ثم إعادة فجرت العين بماء كثير ولفظ ابن إسحاق فانخرق الماء حتى كان يقول من سمعه ان له حساكحس الصواعق وذلك الماء فوارة بتبوك ثم قال يا معاذ يوشك ان طالت بك حيوة ان ترى ما هاهنا يلى جنانا وفيما روى البيهقي وابو نعيم عن عروة ففارت عينها حتى امتلأت فهى كذلك حتى الساعة روى احمد والنسائي عن ابى سعيد الخدري خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك وهو مسند ظهره الى نخلة فنادى الا أخبركم بخير الناس وشر الناس ان من خير الناس رجل محمل فى سبيل الله على ظهر فرسه او على ظهر بعيره او على قدميه حتى يأتيه الموت وان من شر الناس رجلا يقرأ كتاب الله لا يرعوى «1» الى شىء منه وروى ابو داود عن ابن عمر قال اتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بجنبة فى تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع روى احمد وابو داود انه مر غلام بينه صلّى الله عليه وسلم وبين القبلة على حمار وهو يصلى فقال اللهم اقطع اثره فصار مقعدا ورمى محمد بن عمر عن رجل من بنى سعد قال جئت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو جالس بتبوك فى نفر فقال يا بلال أطعمنا فاخرج بلال خرجات بيده من تمر معجون بسمن وإقط فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كلوا فاكلنا حتى شبعنا فقلت يا رسول الله ان كنت لا كل هذه وحدي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الكافر يأكل فى سبعة أمعاء والمؤمن يأكل فى معاء واحد ثم جئته من الغد فاذا عشرة نفر حوله فقال هات أطعمنا يا بلال فجعل يخرج من جراب تمرا بكفه قبضة قبضة فقال اخرج ولا تخش من ذى العرش إقتارا فجاء بجراب فنشره فخرزته مدين فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده على التمر وقال كلوا بسم الله فاكلوا وأكلت معهم حتى ما أجد له مسلكا قال وبقي على النطع مثل الذي جاء به بلال كانّا لم ناكل منه تمرة واحدة ثم قال غدوت من الغد وعاد نفر فكانوا عشرة او يزيد رجلا او رجلين فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا بلال أطعمنا فجاء بلال بذلك الجراب بعينه أعرفه فنشره ووضع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده عليه وقال كلوا بسم الله فاكلنا حتى نهلنا

_ (1) لا يرعوى اى لا ينكف ولا ينزجر من رعى يرعوا إذا انكف عن الأمر وقد ارعوى عن القبيح ارعواء وقيل الارعواء الندم على الشيء والانصراف عنه 12.

ثم رجع مثل الذي صب ففعل ذلك ثلثة ايام وفى قصة اخرى روى محمد بن عمر وابو نعيم وابن عساكر عن عرباض بن سارية فذكر قصة انه قال كنا ثلثة انا وجعال بن سراقة وعبد الله بن مغفل المزني كلنا جياع انما نعيش بباب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبة ومعه زوجته أم سلمة فطلب شيئا فلم يجد فخرج فنادى بلا لاهل من عشاء لهولاء النفر فاخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا فتقع التمرة والثمرتان حتى رايت فى يده سبع تمرات ثم دعا بصفحة فوضع التمر فيها ثم وضع يده على التمرات وسمى الله تعالى فقال كلوا بسم الله فاكلنا فأحصيت أربعا وخمسين تمرة اكلتها أعدها عدا ونواها فى يدى الاخرى وصاحباى يصنعان مثل ما اصنع وشبعنا وأكل كل واحد منا خمسين تمرة ورفعنا أيدينا فاذا التمرات السبع كما هى فقال يا بلال ارفعها فانه لا يأكل منها أحد الا نسهل شبعا فلما أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصلّى صلوة الصبح انصرف الى فناء قبته فجلس وجلسنا حوله وفقراء من المسلمين عشرة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هل لكم من الغداء فدعا بلالا بالتمرات فوضع يده عليهن فى الصفحة ثم قال كلوا بسم الله فاكلنا فوالذى بعثه بالحق حتى أشبعنا وانا لعشرة ثم رفعوا منها أيديهم شبعا وإذا التمرات كما هى فقال لولا انى استحيى من ربى لاكلنا من هذه التمر حتى نرد المدينة من آخرنا وطلع غليم من اهل البلد فاخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم التمرات بيده فدفعها اليه فولّى الغلام يلوكهن روى محمد بن عمر انه هاجت ريح شديد بتبوك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لموت منافق عظيم النفاق فقدموا المدينة فوجدوا منافقا عظيم النفاق قد مات روى محمد بن عمر انه قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم نفر من سعد هزيم فقالوا يا رسول الله انا قدمنا إليك وتركنا أهلنا على بير قليل مائها وهذا القيظ ونحن نخاف ان تفرقنا ان نقتطع لان الإسلام لم يغش حولنا بعد فادع الله لنا فى مائنا فانا ان روينا به فلا قوم اغرمنا لا يقربنا أحد مخالف لديننا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابغوني حصيات فتناول بعضهم ثلث حصيات فدفعهن الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فعركهن بيده ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات الى بيركم فاطرحوا واحدة واحدة وسموا الله تعالى فانصرف القوم من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم ففعلوا ذلك فجاشت بيرهم بالرواء ونفوا من حاربهم من اهل الشرك ووطئوهم فما انصرف

رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة حتى اوطئوا «1» من حولهم عليه ودانوا عليه بالإسلام روى الطبراني عن ابن عمرو معاوية بن ابى سفيان والبيهقي وابن سعد عن انس قال طلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم أدرها طلعت فيما مضى فاتى جبرئيل فسأل عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال ذاك معاوية بن معاوية المزني مات بالمدينة اليوم فبعث الله سبعين الف ملك يصلون عليه فهل لك فى الصلاة عليه قال نعم فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصف الملئكة خلفه صفين فلما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لجبرئيل بم بلغ هذه المنزلة قال يحبه قل هو الله أحد يقرأها قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وعلى كل حال قال الحافظ هذا لحديث له طرق يقوى بعضها بعضا روى الطبراني وابو نعيم عن محمد بن حمزة عن عمرو الأسلمي عن أبيه عن جده قال خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى غزوة تبوك وكنت على خدمته ذلك السفر فنظرت الى نحى السمن قد قل ما فيه وهيات للنبى صلّى الله عليه وسلم طعاما فوضعت النحى فى الشمس ونمت فانتبهت بخذير «2» النحى فقمت فاخذت راسه بيدي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورآني لو تركته لسال الوادي سمنا روى الحارث بن اسامة عن بكر بن عبد الله المزني قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من يذهب بهذا الكتاب الى قيصر وله الجنة فقال رجل وان لم يقبل فانطلق الرجل فاتاه بالكتاب فقرأ فقال اذهب الى نبيكم فاخبره انى متبعه ولكن لا أريد ان ادع ملكى وبعث معه بدنانير الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرجع فاخبره فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذب وقسم الدنانير روى احمد وابو يعلى بسند حسن عن سعيد بن ابى راشد عن التنوخي رسول هرقل قال قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم تبوك فبعث دحية الكلبي الى هرقل فلما ان جاء كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا قسيسى اى علماء النصارى الروم وبطارقتهما ثم اغلق عليه وعليهم الدار فقال قد نزل هذا الرجل حيث رايتم وقد أرسل يدعونى الى ثلث خصال ان اتبعه على دينه او ان أعطيه مالنا على ارضنا والأرض ارضنا او نلقى اليه الحرب والله لقد عرفتم فيما تقرءون من الكتاب فهلم فلنتبعه على دينه او نعطيه مالنا على ارضنا فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا وقالوا تدعونا الى ان نذر النصرانية او تكون عبيد الاعرابى من الحجاز فلما ظن انهم ان يخرجوا من عنده فسدوا عليه

_ (1) اى كلموا مع الغصب 12. (2) هو صوت الماء فاستعير للسمن 12.

الروم رناهم «1» ولم يكد وقال انما قلت ذلك لاعلم صلابتكم على دينكم وأمركم ثم دعا رجلا من عرب تجيّب كان على نصارى العرب قال ادع لى رجلا حافظا للحديث عربى اللسان ابعثه الى هذا الرجل بجواب كتابه فجاءنى فدفع الىّ هرقل كتابا فقال اذهب بكتابي هذا الى هذا الرجل فما سمعته من حديثه فاحفظ لى منه ثلث خصال هل يذكر صحيفته التي كتب بشئ وانظر إذا قرأ كتابى فهل يذكر الليل وانظر الى ظهره هل فيه شيء يريبك قال فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوكا فاذا هو جالس بين ظهرانى أصحابه محتبيا على الماء فقلت اين صاحبكم قيل هوذا فاقبلت امشى حتى جلست بين يديه فناولته كتابى فوضعه فى حجره ثم قال ممن أنت قلت انا من تنوخ قال هل لك فى الإسلام الحنيفة ملة أبيك ابراهيم قلت انى رسول قوم وعلى دين قوم حتى ارجع إليهم فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو اعلم بالمهتدين يا أخا تنوخ انى كتبت كتابا الى كسرى فمزقه وممزق ملكه وكتبت الى النجاشي بصحيفة فمزقها والله ممزقه وممزق ملكه وكتبت الى صاحبك بصحيفة فامسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام فى العيش خير قلت هذه احدى الثلث التي أوصاني صاحبى بها فاخذت سهما من جعبتى فكتبتها فى جفن سيفى ثم ناول الصحيفة رجلا عن يساره قلت من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم قالوا معاوية فاذا فى كتاب صاحبى تدعونى الى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فاين النار فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم سبحان الله اين النهار إذا جاء الليل فاخذت سهما من جعبتى فكتبته فى جنب سيفى فلما فرغ من قراءة كتابى قال ان لك حقا وانك رسول الله فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها انا سفر «2» مرملون قال فناداه رجل من طائفة الناس انا أجوزه ففتح رحله فاذا هو بحلة صفراء فوضعها فى حجرى قلت من صاحب الجائزة قيل لى عثمان ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أيكم ينزل هذا الرجل فقال فتى من الأنصار انا فقام الأنصاري وقمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس نادانى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال تعال يا أخا تنوخ فاقبلت أهوى حتى كنت فى مجلسى الذي كنت بين يديه فحل حبوته عن ظهره وقال هنا

_ (1) من الرنى بضم الراء بمعنى الصعود 12. (2) سفر جمع سافر كركب وراكب 12.

امض لما أمرت له فجلست فى ظهره فاذا انا بخاتم النبوة فى موضع مصرف الكتف مثل المحجمة الضخمة قال محمد بن عمر فانصرف الرجل الى هرقل فذكر ذلك له فدعا قومه الى التصديق بالنبي صلّى الله عليه وسلم فابوا حتى خافهم على ملكه وهو فى موضعه بحمص لم يتحرك ولم يزحف «1» وكان الذي خير النبي صلّى الله عليه وسلم من تعبية أصحابه ودنوه الى وادي الشام باطلا لم يرد ذلك ولا همّ به وذكر السهيلي ان هرقل اهدى هديا فقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفرقها على المسلمين وان هرقل امر مناد يا ينادى الا ان هرقل آمن بمحمد واتبعه فدخلت الأجناد فى سلاحها وطافت بقصره تريد قتله فارسل إليهم انى أردت ان اختبر صلابتكم فى دينكم فقد رضيت عنكم فرضوا عنه ثم كتب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم كتابا مع دحية رضى الله عنه يقول فيه انى مسلم ولكن مغلوب على امرى فلما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كتابه قال كذب عدو الله والله ليس بمسلم بل هو على نصرانية وروى البيهقي عن ابن إسحاق قال حدثنى يزيد بن رومان وعبد الله بن بكر والبيهقي عن عروة بن الزبير قال لما توجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم قافلا الى المدينة من تبوك بعث خالد بن الوليد بأربعمائة وعشرين فارسا فى رجب سنة تسع الى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل وكان أكيدر من كندة وكان نصرانيا فقال خالد كيف لى به وسط بلاد كلب وانما انا فى أناس يسيرون فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ستجده يصيد البقر فتاخذه فيفتح الله لك دومة فان ظفرت به فلا تقتله وايت به الىّ فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين فى ليلة مقمرة صافية وهو على سطح له مع امرأته الرباب بنت انيف بن عامر الكندية فصعد أكيدر على ظهر الحصن من الحر وقينة تغينه ثم دعى بشراب فشرب فاقبلت البقرة الوحشية تحك بقرونها باب الحصن الحديث فنزل أكيدر وركب فرسه وركب معه نفر من اهل بيته معه اخوه حسان ومملوكان له فخرجوا من حصنهم بمطاردهم «2» فلما فصلوا من الحصن أخذته خيل خالد فاستاسر أكيدر وامتنع حسان وقاتل حتى قتل وهرب المملوكان ومن كان معه فدخلوا الحصن وكان على حسان قباء ديباج مخوص «3» بالذهب

_ (1) الزحفان يتحرك حركة ضعيفة كالصبى على استه 12. (2) مطروا مح قصير يطعن به 12. [.....] (3) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وفتح الواو المشددة والضاد المهملة المنسوج بالذهب 12.

فاستلبه وقال خالد لاكيدر هل لك ان اجبرك من القتل حتى اتى بك رسول الله صلّى الله على ان تفتح لى دومة فقال أكيدر نعم فانطلق به خالد حتى أدناه من الحصن فنادى أكيدر اهله ان افتحوا باب الحصن فارادوا ذلك فابى عليهم فصاد أخو أكيدر فقال أكيدر لخالد تعلم والله انهم لا يفتحون لى رأونى فى وثاقك فخل عنى فلك الله والامانة ان افتح لك الحصن ان أنت صالحتنى على أهلي قال خالد فانى أصالحك فقال أكيدر ان شئت حكمتك وان شئت حكمتنى قال خالد بل نقبل منك ما أعطيت فصالحه على الفى بعير وثمانمأة راس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح على ان ينطلق به وبأخيه الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيحكم فيهما حكمه فلما قضاه خالد على ذلك خلى سبيله ففتح باب الحصن فدخل خالد وأوثق مصادا أخا كيدر وأخذ ما صالح عليه من الإبل والرقيق والسلاح ولما ظفر خالد بأكيدر وبأخيه حسان أرسل خالد عمر بن امية الضميري الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشيرا وأرسل معه قباء حسان قال انس وجابر رأينا قباء حسان أخي أكيدر حين قدم به على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجعل المسلمون يلمسون بايديهم ويتعجبون من هذا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اتعجبون من هذا والذي نفسى بيده لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة احسن من هذا ثم لما قبض خالد ما صالحه عزل للنبى صلّى الله عليه وسلم الصفي ثم خمس الغنائم ثم قسم الغنائم بين أصحابه قال ابو سعيد الخدري أصابني درع وبيضة وعشر من الإبل وقال واثلة أصابني ست فرايض «1» وقال عبد الله بن عمرو بن عوف كنا أربعين رجلا من بنى مزينة أصاب كل رجل خمس فرائض مع سلاخ ودرع ورماح قلت وتفاوت السهم بتفاوت القيمة ثم ان خالدا توجه الى المدينة ومعه أكيدر ومصاد روى محمد بن عمر عن جابر قال رايت أكيدر حين قدم به خالد عليه صليب ذهب وعليه الديباج فلما رأى النبي صلّى الله عليه وسلم سجد له فاومى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيده لا لامرتين واهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم هدية فيها كسوة قال ابن الأثير وبغلته وصالحه

_ (1) فرائض جمع فريضة سمى به لانه يوخذ فى فريضة الزكوة ثم اتسع حتى قيل فى غير الزكوة.

على الجزية وبلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما وكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلم كتابا فيه أمانهم ولما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى أكيدر بن عبد الملك بدومة اشفق ملك ايلة بجنّة بن رؤبة ان يبعث اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما بعث الى أكيدر فقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقدم معه اهل جربا واذرح قال ابو حميد الساعدي قدم ملك ايلة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاهدى الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بردا وكتب له كتابا رواه ابن ابى شيبة والبخاري وروى محمد بن عمر عن جابر قال رايت يحنة بن روبة يوم اتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعليه صليب من ذهب وهو معقود الناصية فاومى برأسه فاومى اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان ارفع راسك وصالحه يومئذ وكساه بردا يمنية فاشتراه بعد ذلك ابو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار وامر له بمنزله عند بلال انتهى قالوا وقطع الجزية جزية معلومة ثلاثمائة دينار كل سنة وكانوا ثلاثمائة رجل وكتب لهم بذلك كتابا وكتب صلّى الله عليه وسلم لاهل اذرح كتابا وصالح رسول الله صلّى الله عليه اهل مقنا على ربع ثمارهم وربع عربهم وروى ابن ابى شيبة واحمد ومسلم عن ابى حميد الساعدي قال جاء ابن العلماء صاحب ايله رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكتاب واهدى له بغلة بيضاء فكتب اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم واهدى له بردا روى احمد عن جابر بن عبد الله وابن سعد عن يحيى بن كثير انه صلّى الله عليه وسلم اقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة وعلى ذلك جرى محمد بن عمرو ابن سعد وابن حزم وغيرهم وقال ابن عقبة وابن إسحاق بضع عشرة ليلة قال محمد بن عمر شاور رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصحابه فى التقدم يعنى من تبوك الى الشام فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ان كنت مامورا فسر والا فللزوم جمعا كثيرا وليس بها أحد من اهل الإسلام وقد دنونا منهم وقد أفزعهم دنوك فلو رجعنا هذه السنة حتى نرى او يحدث الله تعالى لك امرا روى احمد والطبراني والطحاوي من طريق ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال فى غزوة تبوك إذا دفع الطاعون بأرض

وأنتم بها فلا تخرجوا منها وإذا كنتم بغيرها فلا تقدموا عليها قال الحافظ فى بذل الماعون لعله بلغه صلّى الله عليه وسلم ان الطاعون فى الجهة التي كان يقصدها وكان ذلك من اسباب رجوعه من غير قتال واخرج ابن ابى حاتم والبيهقي فى الدلايل بسند ضعيف من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم ان اليهود آتوا النبي صلّى الله عليه وسلم فقالوا ان كنت نبينا فالحق بالشام فان الشام ارض المحشر وارض الأنبياء فصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلم قولهم فغزا غزوة تبوك فلما بلغ تبوك انزل الله تعالى آيات من بنى إسرائيل وان كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها فامره بالرجوع الى المدينة روى إسحاق بن راهويه عن ابى هريرة وابو يعلى وابو نعيم وابن عساكر عن عمر بن الخطاب ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا يا رسول الله لو أذنت فننحر من نواضحنا «1» فاكلنا فلقيهم عمر بن الخطاب فامرهم ان يمسكوا عن نحرها فقال يا رسول الله أذنت الناس فى نحر حمولتهم يأكلونها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم شكوا الىّ ما بلغ من الجوع فاذنت لهم بنحر الرفقة البعير والبعيرين ويتعاقبون فيما فضل فهم قافلون الى أهلهم فقال عمر يا رسول الله انك ان فعلت قل الظهر ولكن ادع بفضل أزوادهم جميعا وادع الله لهم فيها بالبركة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم نعم فدعا بنطع فبسط ونادى منادى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من كان عنده فضل من زاد فليأت به فجعل الرجل يأتي بكف ذرة ويجئى الاخر بكسرة وجعل الرجل بالمد الدقيق او السويق او التمر وكان جميع ما جاؤا به سبعا وعشرين صاعا ثم قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتوضأ وصلّى ركعتين ثم دعا الله ان يبارك فيه قال ابو هريرة فما تركوا فى العسكر وعاء الا ملؤه وأكلوا حتى شبعوا وفضل فضلة وقال عمر فاخذوا حتى صدروا وانه نحو ما كانوا يحرزون فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله لا يأتي بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة وفى حديث ابى قتادة عند ابى نعيم ومحمد بن عمر ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم عرش ليلة

_ (1) نواضح جمع ناضح وهو البعير الذي يستقى عليها الماء ثم استعمل فى كل بعير 12.

قافلا من تبوك فتمنا فما انتبهنا الا بحر الشمس فقلنا انا لله فاتنا الصبح فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لنغيظن الشيطان كما غاظنا فتوضأ من ماء اداوة معى ففضل فضلة فقال يا أبا قتادة احفظ بماء فى الاداوة فصلى بنا الفجر بعد طلوع الشمس فقرأ بالمائدة فلما انصرف من الصلاة قال اما انهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا وذلك ان أبا بكر وعمر أرادا ان ينزلا بالجيش على الماء فابوا ذلك عليهما فنزلوا على غير ماء بفلاة من الأرض فركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلحق الجيش عند زوال الشمس ونحن معه وقد كادت أعناق الخيل والرجال والركاب تقطع عطاشا فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالركوة فافرغ ماء من الاداوة فيها ووضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه واقبل الناس فاستقوا وفاض الماء حتى روّوا وروّوا خيلهم وركابهم وكان فى العسكر اثنا عشر الف بعير والناس ثلثون الفا والخيل اثنى عشر الف وروى ابن إسحاق ومحمد بن عمر قالوا اقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قافلا حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له وادي الناقة كان فيه وشل يخرج منه فى أسفله قدر ما يروى الراكبين او ثلثة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من سبقنا الى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه فسبق اليه اربعة من المنافقين معتب بن قثير والحارث بن يزيد ووديعة بن ثابت وزيد بن اللصيب فلما أتاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقف عليه فلم يرقيه شيئا فقال من سبقنا الى هذا الماء فقيل فلان وفلان فقال الم أنهكم لا فلعنهم ودعا عليهم ثم نزل فوضع يده تحت الوشل ثم مسحه بإصبعيه ثم اجتمع منه فى كفه ماء قليل ثم نضحه به ثم مسحه بيده ثم دعا بما شاء الله ان يدعوا فانخرق من الماء قال معاذ بن جبل والذي نفسى بيده لقد سمعت له من شدة انخراقه سيل الصواعق فشرب الناس ما شاؤا واستقوا ما شاؤا ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم للناس لئن بقيتم لتسمعن بهذا الوادي وهو اخضب مما بين يديه ومما خلفه وروى محمد بن عمر وابو نعيم عن جماعة من اهل المغازي قال بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسير منحدرا للشنة وهو فى قيظ شديد عطش العسكر حتى لا يوجد للشنته ماء قليل ولا كثير فشكوا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فارسل أسيد بن حضير وقال عسى

ان تجد لنا ماء فادرك أسيد راوية من ماء مع امرأة فجاء أسيد بالماء ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالبركة وقال هلم أسقيتكم فلم يبق معه سقاء الا ملاؤه ثم دعا بركابهم وخيولهم فسقوها ويقال انه صلّى الله عليه وسلم امر بما جاء به فصبه فى تعب عظيم فادخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيه يده وغسل وجهه ويديه ورجليه ثم صلّى ركعتين ثم رفع يديه مدا ثم انصرف وان القعب ليفور فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم للناس رووا واتسع الماء وانبسط الناس حتى يصف عليه المائة والمائتان فارتوا وان القعب ليجيش بالرواء وروى الطبراني بسند صحيح عن فضالة عن عبيد ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم غزا غزوة تبوك فجهد الظهر جهدا شديدا فشكوا ذلك اليه ورآهم يزحون «1» ظهورهم فوقف فى مضيق والناس يمرون فيه فنفخ فيها وقال اللهم احمل عليها فى سبيلك فانك تحمل على القوى والضعيف والرطب واليابس والبر والبحر فاستمرت فما دخلنا المدينة الا وهى تنازعنا أزمتها ولما اشرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة قال هذه طابت رواه الشيخان فى الصحيحين وغيرهما عن جابر وابى حميد الساعد وغيرهم فلما راى أحد قال هذا أحد جبل يحبنا ونحبه روى البيهقي عن عايشة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان يقلن- شعر طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ... وجب الشكر علينا ما دعا الله داع قال ابن سعد وجعل الناس يبيعون اسلحتهم يقولون قد انقطع الجهاد فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنهاهم وقال لا يزال عصابة من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجال وكان قدومه صلّى الله عليه وسلم بالمدينة فى رمضان وقد خرج من المدينة الى تبوك فى رجب سنة تسع وكان بين المدينة وتبوك نحو اربعة عشر مرحلة قال فى النور كذا قالوا وقد سرناها مع الحجيح فى اثنى عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق احدى عشر مرحلة والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد وقع الفراغ من هذا التفسير المظهرى وقت العصر يوم الشنبة فى التاريخ الهفتم الشهر لذى الحجة السنة 1243 بعد الهجرة النبي صلّى الله عليه وسلم واله وأصحابه أجمعين

_ (1) يرجون اى يسوقون 12. .

الجزء الخامس انّ فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السّمع وهو شهيد هذا كتاب جليل صنف لتذكرة الشيخ الشهيد سيّدنا ومولانا ميرزا جانجانان مظهر قدس سره الموسوم بالتفسير المظهرى منه سورة هود عليه السّلام تأليف الشيخ الأكمل بيهقى الوقت علم الهدى مولانا القاضي محمّد ثناء الله العثماني الحنفي بالمظهري النقشبندي الفاني فتى رضى الله عنه وعن ابائه ومشائخه ولد رحمه الله فى سنة ثلاث وأربعين بعد الف ومائة من الهجرة او قبله بسنة او سنتين بفانى فت ونشأ بها فحفظ القران وعمره سبع سنين واشتغل بعده بأخذ العلوم النقلية والعقلية فتبحر فيها ثم ارتحل الى الدهلى فلزم العلامة البحر الفهامة مولانا أنشأه ولىّ الله المحدث الدهلوي فسمع الحديث منه بتمامه وكماله وتفقه فيه وأخذ الطريقة العالية النقشبندية اولا من شيخ الشيوخ مولانا خواجه محمّد عابد السنامى ثم انسلك بخدمت الشهيد مولانا الشيخ ميرزا جانجانان مظهر وأخذ منه الطريقة الاحمدية بكماله ثم رجع الى وطنه واقام به وأفنى عمره الشريف فى نشر العلوم وفصل الخصومات وإفتاء الاسئلة والف كتبا عديدة فى التفسير والفقه وغيرها تجاوز عددها من ثلاثين ولم يزل مقبلا متوجها الى الله وازديادا مجتهدا فى الخيرات الى ان أدركته المنبه فتوفى فى غرة الرجب سنة الف ومائتين وخمس وعشرين من الهجرة على صاحب التحية مكتبة رشيديّة سركى رود- كوئته

الجزء الخامس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فهرس سورة يونس عليه السّلام من التفسير المظهرى مضمون صفحه مسئلة الاستواء على العرش 7 ما ورد فى تسليم اهل الجنة بعضهم على بعض وتسليم الملائكة وتسليم الرب الرحيم عليهم- 11 حديث ان الدنيا حلوة خضرة- 14 فائدة ما ورد فى قدر عمره صلى الله عليه وسلم وإقامته بمكة وبالمدينة- 15 حديث دعائه صلى الله عليه وسلم على اهل مكة فقحطوا ثم دعا لهم بالكشف فكشف الله عنهم- 18 ما ورد فى البغي وقطيعة الرحم والمكر والنكث- 19 حديث جاءت الملائكة الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقالوا مثله كمثل رجل بنى دارا الحديث- 21 حديث الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه 21 ما ورد فى تفسير قوله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ الزيادة النظر الى الله تعالى- 221 حديث انما مثلى ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل اتى قوما فقال يا قوم انى رايت الجيش وانا النذير العريان الحديث- 29 ما ورد فى اختلاف استعدادات الناس- 30 رد مذهب الجبرية- 30 تحقيق معنى الولي لغة وفى اصطلاح القران والصوفية وما ورد فى فضل اولياء الله- 38 فصل فى اسباب حصول الولاية- 39 ذكر المرادين- 40 فصل فى علامة اولياء الله- 40 فائدة ليست الخوارق والعلم بالمغيبات من لوازم الولاية- 41 بيان البشارات لاولياء الله فى الدنيا- 42 بشارات الصحابة بالوحى وغيرهم بالرؤيا يعنى الكشف- 43 حديث يا رسول الله الرجل يعمل لنفسه ويحبّه الناس قال تلك وعاجل بشرى المؤمن 43

حديث من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه- 44 حديث ليس على اهل لا اله الا الله وحشة الحديث 44 قصة نوح عليه السلام 46 قصة موسى عليه السلام 47 قيل كانت الكعبة قبلة موسى عليه السلام 50 مسئلة من خالجه شبهة فى الدين ينبغى ان يتسارع الى حلها بالرجوع الى العلماء- 54 حديث قال الله خلقت هؤلاء للجنة ولهؤلاء للنار- 55 ما ورد فى قبول التوبة ما لم يغرغر 56 قصة يونس عليه السلام 56 رد مذهب القدرية حيث قالوا ان الله يشاء ايمان الكافر- 59 حديث اوحى الى نبي قل لاهل طاعتى ان لا يتكلوا ولاهل معصيتى ان لا يئسوا- 61 تمت.

سورة يونس

نحمدك يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك ونشكرك- ونسئلك الخير فى الدّنيا والآخرة- الحقنا بعبادك الصّالحين الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون- ونشهد أنّك أنت ربّنا وربّ السّماوات والأرضين ومن فيهنّ ومن عليهنّ- انّك على كلّ شىء قدير ونصلّى ونسلّم على رسولك وحبيبك سيّد الخلائق سيّدنا ومولانا محمّد وعلى اله وأصحابه أجمعين وعلى من تبعهم الى يوم الدّين برحمتك يا ارحم الرّاحمين. سورة يونس مائة وتسع آية مكّيّة الّا ثلث آيات فان كنت فى شكّ ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر مر الكلام عليه فى أوائل سورة البقرة- قرا ابن كثير وقالون «1» وحفص الر والمر بالفتح وورش بين اللفظين والباقون بالامالة تِلْكَ اشارة الى ما تضمنته «2» السورة او القران من الآيات- وقيل المراد بها الآيات التي نزلت قبل هذه السورة آياتُ الْكِتابِ اى القران والاضافة بمعنى من الْحَكِيمِ (1) وصفه به لاشتماله على الحكم او لانه كلام حكيم- او المعنى انه محكم آياته لم ينسخ منها شيء ان كان المراد آيات هذه السورة- او محكم عن الكذب والاختلاف- قال الحسن حكم فيها بالعدل والإحسان وايتائ ذى القربى والانتهاء عن الفحشاء والمنكر والبغي وو حكم فيها بالجنة لمن أطاعه والنار لمن عصاه- اخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عبّاس قال لمّا بعث الله محمّدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك او من أنكر ذلك منهم فقالوا الله أعظم من ان يكون رسوله بشرا فانزل الله تعالى. أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً استفهام انكار للتعجب- وعجبا خبر كان واسمه أَنْ أَوْحَيْنا واللام فى للناس متعلق بمحذوف حال من قوله عجبا- وفى اللام دلالة على انهم جعلوه عجوبة لهم يوجهون نحوه انكارهم واستهزاءهم- والعجب حالة يعترى للانسان من رؤية شيء على

_ (1) الخطة من العاشر (2) فى الأصل ما تضمنه-

خلاف العادة ووجه الإنكار على استعجابهم ان عادة الله تعالى جارية من بدء خلق آدم عليه السلام على بعث الرسل من البشر ومن ثمّ انزل الله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا- وايضا عادة الملوك جارية بان الكتاب والخطاب يكون بلسان المخاطبين والرسول من جنس من أرسل إليهم فانه لا بد للافادة والاستفادة من المناسبة بينهما- قال الله تعالى قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا ... إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ يعنى من احاد رجالهم دون عظيم من عظمائهم- قالوا وان كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة لَوْلا «1» نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أحد اشرف من محمد صلى الله عليه وسلم يعنون الوليد بن مغيرة من مكة ومسعود بن عمرو الثقفي من الطائف فانزل الله تعالى ردا عليهم أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ الاية- وكان هذا من فرط حماقتهم وجهلهم بحقيقة الوحى- وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم وأتم وأكمل فى كرائم الأوصاف وفى كل شيء الا فى المال وخفة الحال أعون شيء فى هذا الباب ولذلك كان اكثر الأنبياء قبله كذلك أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ان هى المفسرة او المخففة من الثقيلة فى موضع مفعول أَوْحَيْنا وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا عم الانذار إذ قلّ من أحد ليس فيه ما ينبغى منه الانذار- وخص البشارة بالمؤمنين لعدم استحقاق الكفار به أَنْ اى بانّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال عطاء اى مقام صدق لا زوال له ولا بؤس فيه- يعنى منزلة رفيعة يسبقون إليها ويقيمون فيها- سمّيت قدما لان السبق والقيام يكون بالقدم كما سميت النعمة يدا لانها تعطى باليد- واضافتها الى الصدق لتحققها وللتنبيه على انهم انما ينالونها بصدق القول والنية- واصدق القول شهادة ان لا اله الا الله- ويعود الى ما قلنا ما قال ابن عباس فى تفسير القدم اى اجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم- وما قال الضحاك واى ثواب صدق فان المنزلة عند الله يعبر بالأجر والثواب- وقال الحسن يعنى به عملا صالحا اسلفوه يقدمون عليه- فهو بشارة بانهم يجدون عند ربهم ما قدموا من الأعمال فالقدم بمعنى التقدم- وقال ابو عبيدة كل سابق فى خير او شر فهو عند العرب قدم يقال لفلان قدم فى الإسلام- وله عندى قدم صدق او قدم سوء- وروى على بن ابى طلحة

_ (1) فى الأصل لولا انزل

[سورة يونس (10) : آية 3]

عن ابن عباس هو السعادة فى الذكر الاول- وقال زيد بن اسلم هو شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم- قال البخاري قال زيد بن اسلم انّ لهم قدم صدق محمد صلى الله عليه وسلم قالَ الْكافِرُونَ تعنتا وعنادا لما راوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أمورا خارقة للعادة وسمعوا كلاما معجزا عن المعارضة إِنَّ هذا يعنى الرسول صلى الله عليه وسلم لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) على وزن فاعل كذا قرا ابن كثير والكوفيون وقرا الباقون لسحر بغير الف- والاشارة حينئذ الى القران- يعنى ان هذا الكلام لكونه سحرا يمنعنا عن المعارضة وجاز ان يكون الاشارة الى كل معجزة رأوها-. إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الّتى هى اصول الممكنات فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ من ايام الدنيا اى فى قدرها ولو شاء لخلقهن فى لمحة وانما فعل ذلك لتعليم خلقه التثبت ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ اجمع اهل السنة من الخلف والسلف على «1» ان الله تعالى منزه عن صفات الأجسام وصفات الحدوث- فلهم فى هذه الاية وأمثالها سبيلان- أحدهما تأويلها بما يليق به تعالى بناء على عطف قوله تعالى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ على اسم الله فى قوله تعالى وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ- وقد مر البحث عليه فى سورة ال عمران- فقالوا معنى استوى استولى على العرش الذي هو أعظم المخلوقات ومحدد الجهات- وذا يستلزم استيلاءه تعالى على جميع الخلائق- وأسند البغوي تأويل الاستواء بالاستيلاء الى المعتزلة وكلام السلف الصالح يأبى عن سبيل التأويل بل المختار عندهم الايمان بتلك الآيات وتفويض علمه الى الله تعالى والتحاشى عن البحث عنه- قال محمد بن الحسن اتفق الفقهاء كلهم من المشرق الى المغرب على الايمان بالقران والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا شبه- فمن فسر شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة وقال مالك بن انس الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والسؤال عنه بدعة- فبناء على هذا السبيل نقل عن السلف القول باستوائه تعالى على العرش مع قولهم بالتنزيه الصرف قال ابو حنيفة ان الله فى السماء دون الأرض رواه البيهقي- وروى عنه من قال لا اعرف

_ (1) فى الأصل ان الله-

ربّى فى اسماء او فى الأرض فقد كفر- لان الله يقول الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى - وعرشه فوق سمواته- وروى عنه انه قال من أنكر الله فى السماء فقد كفر- وقال الشافعي ان الله على عرشه فى سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وينزل كيف شاء- ومثل ذلك قال احمد بن حنبل- وقال إسحاق بن راهويه انه اجمع اهل العلم انه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء وهو قول المزني والذهبي والبخاري وابو داؤد والترمذي وابن ماجة وابن ابى شيبة وابو يعلى والبيهقي وغيرهم من ائمة الحديث- وقال ابو زرعة الرازي ما ينبئ عن اجماع اهل السنة على ذلك- وقال عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ اتفقت الكلمة بين المسلمين ان الله فوق عرشه فوق سمواته- وقال سهل بن عبد الله التستري لا يجوز لمؤمن ان يقول كيف الاستواء لمن خلق الاستواء ولنا عليه الرضاء والتسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم انه تعالى على العرش- وقال محمد بن جرير حسب امرئ ان يعلم ان ربه الذي على العرش استوى فمن يجاوز ذلك فقد خاب وخسر وقال ابن خزيمة من لم يقر ان الله على عرشه استوى فوق سبع سمواته بائن من خلقه فقد كفر فيستتاب- فان تاب والا ضربت عنقه- وقال الطحاوي العرش والكرسي كما بيّن فى كتابه- وهو مستغن عن العرش وما دونه- محيط بكل شيء وفوقه- وقال الشيخ ابو الحسن الأشعري البصري المتكلم فى كتاب اختلاف المضلين ومقالات الاسلاميين مقالة اهل السنة واصحاب الحديث جملته قولهم الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء عن الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- لا يردون من ذلك شيئا- وان الله على عرشه كما قال الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى - وله يدان بلا كيف كما قال خَلَقْتُ بِيَدَيَّ- وقال ابو نعيم فى الحلية طريقتنا طريقة السلف المتبعين الكتاب والسنة واجماع الامة ومما اعتقدوه ان الله لم يزل كاملا بجميع صفاته الى ان قال وان الأحاديث التي ثبتت فى العرش والاستواء عليه يقولون بها ويثبتونها من غير تكيف ولا تمثيل- وانه بائن من خلقه- وقال ابن عبد البر ان الله فى السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة- وقال الخطيب مذهب السلف إثباتها واجراؤها على ظواهرها ونفى الكيفية والتشبيه عنها- وقال امام الحرمين والذي ترضيه دينا- وتدين الله به عقيدة اتباع سلف الائمة وذهب ائمة السلف الى الانكفاف عن التأويل واجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها

[سورة يونس (10) : آية 4]

الى الله- وقال البغوي اما اهل السنة فيقولون الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب الايمان به- قال البيضاوي معناه ان له استواء على الوجه الذي عناه منزعا عن الاستقرار والتمكن- وقال ابو بكر على بن عيسى الشبلي اعلم الصوفية فى زمانه الرب فى السماء يقضى ويمضى- وقال شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري فى اخبار شتى ان الله فى السماء السابعة على العرش- وللشيخ عبد القادر الجيلاني فى الباب كلام كثير فى الغنية هذه الأقوال كلها ذكرها الذهبي فى كتاب العلو- وذكر هذا المذهب عن جماعة كثيرة من اهل العلم من الصحابة والتابعين ومن دونهم من الفقهاء والمحدثين والصوفية يطول الكلام بذكرهم وقد ذكرت هذه المسألة مختصرا فى سورة الأعراف فى تفسير قوله تعالى ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ وقد ذكرنا فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ ما قال اصحاب القلوب من تجليات الله تعالى فى بعض مخلوقاته برقيات ودائميات غير مستدعيات حدوث امر فى ذاته تعالى وكونه محلا للحوادث- ولا تنزلا له سبحانه عن مرتبة التنزيه الصرف بل مبنيات على حدوث امر فى الممكن حتى يصير صالحا لذلك التجلّى- وايضا ذكرنا مسئلة التجلّى على قلب المؤمن والكعبة الحسناء والعرش العظيم فى تلك السورة فى تفسير قوله تعالى ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فليرجع إليهما من غفل عنهما يُدَبِّرُ الْأَمْرَ التدبير النظر فى ادبار الأمور حتى يأتى محمودة العاقبة- يعنى يقدر امر الكائنات على ما يقتضيه الحكمة ما مِنْ شَفِيعٍ يشفع لاحد إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ تقرير لعظمته وعز جلاله- ورد على النضر بن الحارث حيث قال إذا كان يوم القيامة يشفعنى اللات والعزى- وفيه اشارة الى ثبوت الشفاعة لمن اذن له ذلِكُمُ اى الموصوف بتلك الصفات المقتضية للالوهية اللَّهُ مبتدأ وخبر رَبَّكُمُ خبر ثان او خبر مبتدا محذوف والجملة بدل مما سبق يعنى هو ربكم لا غير- او لا يشركه أحد فى شيء من ذلك فَاعْبُدُوهُ دون غيره من انسان او ملك فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) تتفكرون ادنى تفكر فيظهر لكم انه المستحق للعبادة دون غيره مما تعبدون-. إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ مصدر او ظرف جَمِيعاً بالموت او النشور لا الى غيره فاستعدوا للقائه-

[سورة يونس (10) : آية 5]

وَعْدَ اللَّهِ مصدر مؤكد لنفسه فان قوله تعالى إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ وعد من الله تعالى حَقًّا مصدر مؤكد لغيره وهو ما يدل عليه وَعْدَ اللَّهِ ... إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ بالحياة الدنيا- قرا العامة إِنَّهُ بالكسر على الاستيناف- وقرا ابو جعفر بالفتح على معنى لانه وهو تعليل لقوله إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً- فانه لما كان المقصود من الإبداء والاعادة مجازاة المكلفين على أعمالهم كان مرجع الجميع اليه لا محالة- ويجوز ان يكون منصوبا بما نصب وعد الله او مرفوعا بما نصب حقّا ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد إهلاكه بالحياة الاخرى لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ اى بعدله- او بعدالتهم وقيامهم على العدل فى أمورهم- او بايمانهم لان الايمان عدل قويم كما ان الشرك ظلم عظيم- وهو أوجه لمقابلة قوله وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ ماء بالغ نهاية الحرارة وَعَذابٌ أَلِيمٌ اى مؤلم بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (3) معناه وليجزى الذين كفروا بشراب من حميم وعذاب اليم بسبب كفرهم- لكنه غير النظم للمبالغة فى استحقاقهم العذاب والتنبيه على ان المقصود بالذات من الإبداء والاعادة انما هو الاثابة وانه تعالى يتولى اثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه- واما تعذيب الكفار فهو واقع بالعرض كانه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشوم أفعالهم-. هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً قرا قنبل ضئاء وبضئآء هاهنا وفى الأنبياء والقصص على القلب- بتقديم اللام على العين- والباقون بياء منقلبة عن واو لانكسار ما قبلها وهمزة متطرفة- وهو مصدر كقيام- او جمع ضوء كسياط جمع سوط والمضاف محذوف اى ذات ضياء وَالْقَمَرَ نُوراً اى ذات نور- والنور أعم من الضوء فانه أقوى افراد النور- وقيل ما بالذات ضوء وما بالعرض نور وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ والضمير لكل واحد اى قدر مسير كل واحد منهما منازل- او قدر كل واحد منهما ذا منازل- او للقمر وتخصيصه بالذكر لمعائنة منازله واناطة احكام الشرع من الصوم والزكوة والحج به- ولذلك علله بقوله لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ يعدّ الأشهر المنوطة بسير القمر وَالْحِسابَ اى حساب الأوقات من الأشهر والأيام فى معاملاتكم وتصرفاتكم ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ

[سورة يونس (10) : آية 6]

الخلق إِلَّا متلبسا «1» بِالْحَقِّ اى لاظهار صنعته ودلالة قدرته مراعيا فيه مقتضى الحكمة البالغة يُفَصِّلُ قرا ابن كثير وابو عمرو وحفص بالياء على الغيبة لقوله تعالى ما خَلَقَ اللَّهُ والباقون بالنون على التكلم والتعظيم الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) اى يتدبرون. إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ اى فى مجيء كل منهما خلف الاخر او فى اختلاف لونهما وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى من انواع الكائنات لَآياتٍ على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته وتنزهه عن المناقص لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) العواقب فانه يحملهم على التفكر والتدبر. إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا اى ثوابنا فان أعظم المثوبات لقاء الله سبحانه ورؤيته وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا اختاروها على الاخرة وَاطْمَأَنُّوا بِها اى سكنوا إليها واقتصروا على لذائذها وزخارفها وتركوا ما يفيدهم للاخرة وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا اى عن الادلة الدالة على وجود الصانع غافِلُونَ (7) فعلى هذا المراد بالأولين اهل الكتاب من الكفار الذين يعتقدون الصانع ويعلمون البعث والنشور ومع ذلك اختاروا الدنيا على الاخرة ويئسوا من ثواب الاخرة واقتصروا على لذائذ الدنيا- وبالآخرين الذين لم يوحدوا الله تعالى ولا يعرفون البعث والجزاء- وقال البيضاوي المراد بالأولين من أنكر البعث ولا يرجون اى لا يتوقعون الجزاء ولم يروا الا الحيوة الدنيا- وبالآخرين من الهاهم حب العاجل عن التأمل فى الاجل والاعداد له- وقيل العطف لتغائر الوصفين والتنبيه على ان الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأسا والانهماك فى الشهوات بحيث لا يخطر ببالهم أصلا- وقال البغوي الرجاء يكون بمعنى الخوف والطمع فمعنى لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا- وقال ابن عباس عَنْ آياتِنا غافِلُونَ يعنى عن محمد صلى الله عليه وسلم والقران غافلون معرضون. أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا أولئك مبتدا مأويهم مبتدا ثان والنار خبره والجملة خبر أولئك وجملة أولئك خبر انّ يَكْسِبُونَ (8) من الكفر والمعاصي اى بما واظبوا عليه وتمرّنوا بالمعاصي- الباء فى بما كانوا متعلق بمحذوف دل عليه الكلام اى جوزوا. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ يرشدهم رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ

_ (1) في الأصل ملتبسا.

[سورة يونس (10) : آية 10]

اى يرشدهم بسبب ايمانهم الى سلوك سبيل يؤدى الى الجنة- قال مجاهد يهديهم على الصراط الى الجنة- يجعل لهم نورا يمشون به- وقيل معنى يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ يهديهم ربهم لدينه يعنى لادراك حقائق الدين- عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم رواه ابو نعيم فى الحلية- وقيل معناه يثيبهم ويجزيهم- او يهديهم لما يريدونه فى الجنة- قال البيضاوي مفهوم الترتيب وان دل على ان سبب الهداية الايمان والعمل الصالح- لكن دل منطوق قوله بايمانهم على استقلال الايمان بالسببية فان العمل الصالح كالتتمة والرديف له تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ اى بين أيديهم كقوله تعالى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا لم يرد به انه تحتها وهى قاعدة عليه وجملة تجرى مستأنفة او خبر ثان او حال من الضمير المنصوب على معنى يهديهم لادراك الحقائق او لما يريدونه فى الجنة حال كونهم كذلك وقال البغوي فيه إضمار تقديره يهديهم اى يرشد ربهم بايمانهم الى جنات تجرى من تحتهم الأنهار فعلى هذا جملة تجرى صفة لجنات لكن يجب حينئذ تقدير ضمير فى تلك الجملة الا ان يقال فى قوله تعالى فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) وضع المظهر موضع الضمير مغن عنه يعنى فيها وقال البيضاوي هذا خبرا وحال اخر منه او من الأنهار او متعلق بتجرى او بيهديهم. دَعْواهُمْ اى دعاؤهم فِيها اى فى الجنات سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ اى اللهم نسبحك تسبيحا اى ننزهك من كل سوء قال البغوي قال اهل التفسير هذه الكلمة علامة بين اهل الجنة والخدم فى الطعام فاذا أرادوا الطعام قالوا سبحانك اللهم فاتوهم فى الوقت بما يشتهون على الموائد كل مائدة ميل فى ميل على كل مائدة سبعون الف صحفة فى كل صحفة لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضا وإذا فرغوا من الطعام حمدوا الله عز وجل فذلك قوله تعالى وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وقيل دعواهم اى قولهم وكلامهم فيها تلذذا سبحانك اللهم روى مسلم واحمد وابو داود عن جابر فى حديث مرفوع ان اهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها اى فى الجنّة سلام اى يحيى بعضهم بعضا بالسلام وتدخل «1» عليهم الملائكة من كل باب يقولون سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ وتأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام ويقرأ الله تعالى

_ (1) في الأصل ويدخلون.

[سورة يونس (10) : آية 11]

عليهم السلام روى ابن ماجة وابن ابى الدنيا والدار قطنى والآجري عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم بينا اهل الجنة فى نعيمهم إذ سطع عليهم نور فرفعوا رءوسهم فاذ الرب تبارك وتعالى اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا اهل الجنة وذلك قول الله تعالى سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ الحديث- وروى احمد والبزار وابن حيان عن ابن عمر انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء المهاجرين الذين تسير بهم الثعور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته ايتوهم فحيوهم فتقول الملائكة ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك فتأمرنا ان نأتى هؤلاء ونسلم عليهم قال انهم كانوا عبادى يعبدوننى ولا يشركون بي شيئا وتسير بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء قال فتأتيهم الملائكة عند ذلك يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ... وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) لعل المعنى انهم إذا دخلوا الجنة وماينوا عظمة الله تعالى مجّدوه ونعتوه بنعوت الجلال ثم حياهم الملائكة والله سبحانه بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات فحمدوا الله تعالى واثنوا عليه بصفات الإكرام وان هى المخففة من الثقيلة قلت وجاز ان يكون مفسرة لانّ فى الدعاء معنى القول قال البغوي يفتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد ويتكلمون بينهما بما أرادوا-. وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اى يسرعه إليهم اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ قال ابن عباس هذا فى قول الرجل عند الغضب لاهله وولده لعنكم الله ولا بارك فيكم كذا قال قتادة ومعنى الاية لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ الذي دعوه واستعجلوه تعجيلا كتعجيله لهم الخير حين دعوه واستعجلوه فحذف منه ما حذف لدلالة الباقي عليه ووضع استعجالهم موضع تعجيله لهم للاشعار بسرعة اجابة لهم فى الخير حتى كانّ استعجالهم به تعجيل لهم وبان المراد بالشر الشر الذي استعجلوه- قيل نزلت الاية فى النضر بن الحارث حين قال اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ... لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ اى لأميتوا وأهلكوا قرا ابن عامر ويعقوب لقضى بفتح القاف والضاد على البناء

[سورة يونس (10) : آية 12]

للفاعل وأجلهم بالنصب على المفعولية والباقون بضم القاف وكسر الضاد على البناء للمفعول ورفع أجلهم فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا اى لا يخافون البعث والعذاب فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) جملة فنذر معطوف على فعل محذوف دل عليه الشرطية تقديره ولكن لا تعجل ولا نقضى فنذرهم امهالا واستدراجا-. وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ الشدة والبلاء دَعانا لازالته مخلصا فيه لِجَنْبِهِ ملقيا بجنبه اى مضطجعا أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فائدة الترديد تعميم الدعاء لجميع الأحوال يعنى يدعو لازالته كائنا على اى حال كان سواء كان قائما او قاعدا او راقدا يعنى يدعو فورا ويستمر عليه فى جميع الأحوال فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ اى مضى على طريقه واستمر على كفره ولم يشكر كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا أصله كانّه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن يعنى كان لم يكن فى ضر وبلاء ولم يدعنا قط إِلى كشف ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ اى مثل ذلك التزيين زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12) من الانهماك فى الشهوات والاعراض عن الذكر والعبادات. وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ يا اهل مكة لَمَّا ظَلَمُوا أنفسهم بالكفر واستعمال القوى والجوارح فيما لا ينبغى لمّا ظرف لاهلكنا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالحجج الواضحة عطف على ظلموا او حال من فاعله بتقدير قد فالاهلاك ترتب على الكفر بعد تمام الحجة بمجيء الرسل كما يدل عليه قوله تعالى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ... وَما كانُوا اى القرون الظالمة عطف على وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ... لِيُؤْمِنُوا اللام لتأكيد النفي اى ما استقام لهم ان يؤمنوا لفساد استعدادهم حيث كان مبادى تعيناتهم ظلال اسم المضل فخذ لهم الله تعالى او ما كانوا مؤمنين فى علم الله الأزلي بل كان الله يعلم انهم يموتون على الكفر وقيل ما كانوا معطوف على ظلموا كَذلِكَ اى مثل ذلك الجزاء وهو الإهلاك بسبب تكذيبهم الرسل وإصرارهم على الكفر بعد ما تحقق انه لا فائدة فى إمهالهم نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) اى نجزى كل مجرم او نجزيكم فوضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على كمال جرمهم وانهم هم المستحقون لهذا الاسم. ثُمَّ جَعَلْناكُمْ يا كفار مكة خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد

[سورة يونس (10) : آية 15]

القرون التي أهلكناهم لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) خيرا او شرّا فيعاملكم على مقتضى أعمالكم وهل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا- وكيف منصوب بتعملون لا بننظر لان معنى الاستفهام يقتضى صدر الكلام وفيه دلالة على ان المعتبر فى الجزاء جهات الافعال وكيفياتها لا هى من حيث ذواتها ولذلك يحسن الافعال تارة ويقبح اخرى عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الدنيا حلوة خضرة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون-. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قال قتادة يعنى على مشركى مكة وقال مقاتل وهم خمسة عبد الله بن أبيّ المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن ابى قبيس العامري والعاص بن عامر بن هشام بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على كونها من عند الله تعالى قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا اى لا يخافون البعث وينكرون القيامة ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا اى بكتاب اخر نقرؤه ليس فيه ما نستبعده من الثواب والعقاب بعد الموت وما نكرهه من معائب الهتنا أَوْ بَدِّلْهُ بان تجعل مكان اية آية اخرى قال مقاتل قال النفر الخمسة المذكورة للنبى صلى الله عليه وسلم ان تريد ان نؤمن بك فأت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وليس فيه عيبها وان لم ينزلها الله فقل أنت من عند «1» نفسك او بدله فاجعل مكان اية عذاب اية رحمة او مكان حرام حلالا وحلال حراما قُلْ لهم يا محمد ما يَكُونُ لِي قرا الحرميان وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها اى ما يصلح لى أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها اى من قبل نفسى تلقاء مصدر استعمل ظرفا اكتفى بالجواب عن التبديل لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن اخر او لان التبديل مقدور للانسان بان يقرا اية الرحمة مكان اية العذاب بخلاف إتيان قران اخر معجز مثله او لان المراد بالتبديل هاهنا أعم من تبديل القران بقرآن اخر او اية مكان اية إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ تعليل لقوله ما يَكُونُ لِي فان المتبع لغيره فى امر لا يستبد بالتصرف فيه بوجه- وجواب للنقض بنسخ بعض الآيات ببعض ورد لما عرّضوا له بهذا السؤال من ان القران كلامه واختراعه ولذلك

_ (1) فى الأصل من عندك نفسك

[سورة يونس (10) : آية 16]

قيد التبديل فى الجواب بقوله مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي وسماه عصيانا حيث قال إِنِّي قرا الحرميان وابو محمد وابو جعفر ابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بالتبديل عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) اى يوم القيامة وفيه ايماء بانهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح-. قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ غير ذلك او عدم تلاوتى عليكم لم ينزل القرآن علىّ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ اى لا أعلمكم الله على لسانى بِهِ قرا البزي عن ابن كثير لادريكم بالقصر على الإيجاب ولام التأكيد يعنى لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ ولعلمكم به من غير قراءتى على لسان غيرى وفيه اشارة الى انه الحق الذي لا محيص عليه لو لم أرسل به لارسل به غيرى فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً اى زمانا وهو أربعون سنة مِنْ قَبْلِهِ اى قبل نزول القران ولم اتكم بشيء ما لم يوح الىّ وفيه اشارة الى كون القران معجزا خارقا للعادة فان من عاش بين أظهرهم أربعين سنة لم يمارس فيها علما ولم يشاهد عالما ولم ينشأ شعرا ولا خطبة ثم قرأ عليهم كتابا بدت فصاحته فصاحة كل منطيق وعلا كل منظوم ومنثور واحتوى على قواعد الأصول والفروع واغرب عن قصص الأولين وأحاديث الآخرين على ما هى عليه علم انه معلم به من الله تعالى أَفَلا تَعْقِلُونَ (16) اى أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر فيه لتعلموا انه ليس من قبل نفسى بل من عند الله- (فائدة) لبث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم قبل الوحى أربعين سنة ثم اوحى اليه فاقام بمكة بعد الوحى ثلاث عشرة سنة ثم هاجر فاقام بالمدينة عشر سنين وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة كذا روى مسلم عن ابن عباس قال محمد بن يوسف الصالحي اتفق العلماء على انه صلى الله عليه وسلم اقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة وانما الخلاف فى قدر إقامته بمكة بعد النبوة قبل الهجرة والصحيح انه ثلاث عشرة سنة وذكر البغوي برواية انس انه صلى الله عليه وسلم اقام بمكة بعد الوحى عشر سنين وتوفى وهو ابن ستين سنة وكذا روى ابن اسعد وعمرو بن شيبة والحاكم فى الإكليل عن ابن عباس قال البغوي والاول أشهر واظهر وقد روى مسلم عن انس انه قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة وكذا ابو بكر وعمر وروى ابو داؤد الطيالسي ومسلم عن معاوية بن ابى سفيان

[سورة يونس (10) : آية 17]

قال قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة وكذا أبو بكر وعمر وروى الشيخان عن عائشة قالت توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة قال النووي وهو الصواب المشهور الذي أطبق عليه العلماء- وروى احمد ومسلم عن عمار بن ابى عمار قال قلت لابن عباس كم اتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات قال أتحسب قلت «1» نعم قال امسك أربعين بعث بها وخمس عشرة اقام بمكة يأمن ويخاف وعشرة مهاجرة بالمدينة وروى الحاكم فى الإكليل عن على بن ابى زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة قال الحاكم فى الإكليل والنووي اتفق العلماء على ان أصح الروايات ثلاث وستين سنة وتأولوا الباقي على ذلك فرواية الستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسور ورواية الخمس والستين متأوّلة عليها او حصل فيها شك وقد أنكر عروة على ابن عباس قوله خمس وستون سنة ونسبه الى الغلط وانه لم يدرك أول النبوة بخلاف الباقين- قال محمد بن يوسف الصالحي اكثر الرواة عن ابن عباس حكوا عنه رواية ثلاث وستين فالظاهر انه كان قال ذلك ثم رجع الى ما عليه الأكثر والله اعلم وحكى القاضي عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رواية شاذة انه بعث على رأس ثلث وأربعين والصواب أربعون-. فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فزعم ان له شريكا او ولدا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ فكفر بها إِنَّهُ اى الشأن لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) اى لا ينجوا المشركون. وَيَعْبُدُونَ اى كفار مكة مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ ان تركوا عبادته وَلا يَنْفَعُهُمْ ان عبدوه يعنى الأصنام فانها جمادات لا تقدر على نفع ولا ضر والمعبود ينبغى ان يكون مثيبا ومعاقبا حتى يعود عبادته بجلب نفع او دفع ضر وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ الأصنام شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ يشفع لنا فيما يهمنا من امور الدنيا وفى الاخرة ان يكن بعث قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ أتخبرونه بِما لا يَعْلَمُ وهو ان له شريكا وفيه تقريع وتهكم بهم إذ هؤلاء شفعاء وما لا يعلم الله لا تحقق له أصلا فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ حال من العائد المحذوف مؤكد لنفيه وفيه اشارة الى ان ما يزعمونه الها فهو اما سماوى كالملائكة او ارضى كالاصنام

_ (1) فى الأصل قال-

[سورة يونس (10) : آية 19]

وليس شيء من الموجودات فيهما الا وهو حادث مقهور مثلهم لا يليق ان يشرك به سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) اى عن اشراكهم او عن الشركاء الذين يشركون به قرا حمزة والكسائي تشركون بالتاء على الخطاب للكفار هاهنا وفى سورة النحل فى موضعين وفى سورة الروم والباقون بالياء على الغيبة. وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً موحدين على الفطرة او متفقين على الإسلام وذلك فى عهد آدم عليه السلام الى قبيل بعثة نوح او بعد الطوفان او من عهد ابراهيم الى عمر بن لحى او على الضلال فى زمن فترة الرسل فَاخْتَلَفُوا باتباع الهوى والأباطيل او ببعثة الرسل حين تبعهم طائفة وأصرت على الكفر اخرى وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ بان جعل لكل امة أجلا وقال الكلبي هى امهال هذه الامة وان لا يهلكهم بالعذاب فى الدنيا لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بنزول العذاب فى الدنيا وتعجيل العقوبة للمكذبين وكان ذلك فضلا بينهم فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) قال الحسن لولا كلمة سبقت من ربك مضت فى حكمه انه لا يقضى بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة لقضى فى الدنيا فادخل المؤمن الجنة والكافر النار ولكنه سبق من الله الاجل فجعل موعدهم يوم القيامة. وَيَقُولُونَ يعنى كفار مكة لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ اى على محمد آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ من الآيات التي اقترحوها فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ هو المختص بعلمه فهو العالم بالصارف عن إنزال الآيات المقترحة لا غير او المعنى الغيب يعنى ما غاب عن الناس اى امره تعالى عنده فَانْتَظِرُوا نزول الآيات المقترحة او فانتظروا بقضاء الله بيننا وبينكم بإظهار المحق على المبطل إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) لما يفعل الله بكم بجحودكم على ما نزل علىّ من الآيات العظام واقتراحكم غيرها-. وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ اهل مكة رَحْمَةً خصبا وسعة وصحة مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ قحط وشدة ومرض مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قال مجاهد تكذيب واستهزاء قلت المكر عبارة عن ارادة الشر بغيره على وجه الإخفاء وانما سمى تكذيب الآيات والاستهزاء بها مكرا لان الظاهر فيه تكذيب الرسول وارادة الشرّ به

[سورة يونس (10) : آية 22]

عليه السلام دون تكذيب الله سبحانه لكن الشر والتكذيب يعود الى الله فانها فى الحقيقة كلامه تعالى- وقال مقاتل بن حيان مكرهم انهم لا يقولون هذا رزقنا الله بل يقولون سقينا بنوء كذا وقيل مكرهم احتيالهم فى دفعها والطعن فيها قيل قحط اهل مكة فلما كشف الله عنهم ورحمهم اسرعوا الى الكفر والاستهزاء بايات الله تعالى قبل ان يؤدوا شكر النعمة روى البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم لما راى من الناس إدبارا قال اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف فاخذتهم سنة حصب كل شيء حتى أكلوا الجلود والميّت والجيف فاتى ابو سفيان فقال يا محمد انك تأمر بطاعة الله وصلة الرحم وان قومك قد هلكوا فادع الله لهم ان يكشف عنهم فدعا- وفى رواية قالوا رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ فقيل له ان كشفت عنهم عادوا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه فكشف الله عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر ولمّا كان كلمة إذا للمفاجاة دالة على سرعة مكرهم قال الله تعالى قُلِ يا محمد اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً منكم والمكر من الله تعالى اما الاستدراج كما يدل عليه قول على رضى الله عنه من وسع الله عليه دنياه ولم يعلم انه مكر به فهو مخدوع عن عقله قلت يعنى من وسع الله عليه الدنيا وهو غير شاكر- واما الجزاء على المكر وكونه تعالى اسرع مكرا من الناس انه دبر عقابهم او استدراجهم قيل ان يدبروا كيدهم وقيل معناه ان عذابه فى إهلاككم اسرع إليكم مما يأتى منكم فى دفع الحق فان ما أراد الله بكم ات لا محالة وهو قادر على ما يريد وأنتم لا تقدرون على دفع الحق إِنَّ رُسُلَنا اى حفظتنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (21) قرأ يعقوب يمكرون بالياء على الغيبة موافقا لما سبق والباقون بالتاء الفوقية على الخطاب تحقيق للانتقام وتنبيه على ان ما دبروا فى اخفائه لم يخف عن الحفظة فضلا من ان يخفى على خالق الأشياء كلها من الاعراض والجواهر-. هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ اى يحملكم على السير ويمكنكم منه كذا قرا الجمهور وقرا ابن عامر وابو جعفر ينشركم بالنون والشين من النشر فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ اى السفن الفلك لفظ مشترك بين الواحد والجمع والمراد هاهنا الجمع بدليل قوله تعالى وَجَرَيْنَ بِهِمْ اى بمن فيها عدل عن الخطاب الى الغيبة للمبالغة

[سورة يونس (10) : آية 23]

فانه تذكرة لغيرهم ليتعجب من حالهم وينكر عليهم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ اى لينة الهبوب الموصلة الى المقصود وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها جواب إذا والضمير للفلك او للريح الطيبة بمعنى تلقاها رِيحٌ عاصِفٌ ذات عصف اى شدة الهبوب وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ وهو ما علا من الماء لشدة الريح مِنْ كُلِّ مَكانٍ يجيء منه وَظَنُّوا لم يقل أيقنوا لان اليقين لا يتصور فيما يكون فى المستقبل بمجرد القرائن أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يعنى أحاط بهم الموج والمهلكات بحيث لا سبيل الى الخلاص كمن أحاط به العدو دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ 5 اى أخلصوا فى الدعاء لله ولم يدعوا أحدا سوى الله وكانت العرب لا يدعون فى الشدائد الا الله تعالى وقوله دَعَوُا اللَّهَ بدل اشتمال من ظنوا لان دعاءهم من لوازم ظنهم لَئِنْ أَنْجَيْتَنا يا ربنا مِنْ هذِهِ الريح العاصف لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) هذه الجملة الشرطية اما على ارادة القول او مفعول دعوا لانه من جملة القول وليس الكون فى الفلك غاية للتسيير بل مضمون الجملة الشرطية بعد حتى بما فى حيزها كانّه قيل حتى إذا كان كيت وكيت مجيء الريح وتراكم الأمواج والظن بالهلاك والدعاء بالانجاء. فَلَمَّا أَنْجاهُمْ اجابة لدعائهم إِذا هُمْ يَبْغُونَ يعنى فاجئوا وسارعوا الى ما كانوا عليه من البغي اى الظلم على الناس والتجاوز عن حدود الإباحة الى الفساد فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ اى مبطلين فيه تأكيد لقوله يبغون فان البغي لا يكون متلبسا «1» بالحق وفيه دفع لتوهم تخريب المسلمين ديار الكفار وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم فانها بإذن الله تعالى ليجزى الفاسقين ويهديهم الى الصلاح يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ فان وباله راجع عليكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم واسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم رواه الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن عائشة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه فهى راجعة على صاحبها البغي والمكر والنكث رواه ابو الشيخ وابن مردوية فى التفسير والخطيب عن انس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما رواه ابن لال عن ابى هريرة مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا

_ (1) في الأصل ملتبسا.

[سورة يونس (10) : آية 24]

اى منفعة غير باقية قرا حفص بالنصب مصدر مؤكد اى تمتعون متاع الحيوة الدنيا او مفعول للبغى لانه بمعنى الطلب فيكون الجار والمجرور من صلته والخبر محذوف تقديره بغيكم متاع الحيوة الدّنيا محذور او ضلال- او مفعول فعل دل عليه البغي وعلى أنفسكم خبر وقرا الباقون بالرفع على انه خبر بغيكم بعد خبر او هو خبر وعلى أنفسكم صلة او خبر محذوف تقديره ذاك متاع الحيوة الدّنيا وعلى أنفسكم خبر بغيكم ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ بالموت او يوم القيامة فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) بالجزاء عليه-. إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا اى حالها العجيبة فى سرعة زوالها واغترار الناس بها كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ اى اشتبك وخالط بعضه بعضا بِهِ اى بسبب الماء نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ من الحبوب والثمار والبقول وَالْأَنْعامُ من الحشيش حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها حسنها وبهجتها بألوان النبات والازهار وَازَّيَّنَتْ أصله تزينت كذا قرا ابن مسعود وَظَنَّ أَهْلُها اى اهل الأرض أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها اى على الأرض بمعنى انهم متمكنون من تحصيل ثمرتها بالجزاز والقطاف والحصاد ورفع غلتها والانتفاع بها أَتاها أَمْرُنا اى قضاؤنا بضرب زرعها ببعض العاهات بعد استيقانهم انه قد سلم لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها اى زرعها حَصِيداً اى شبيها بالمحصود من أصله كَأَنْ لَمْ تَغْنَ اى كان لم تلبث زرعها فحذف المضاف فى الموضعين مبالغة وأقيم المضاف اليه مقامه مشتق من غنى بالمكان إذا اقام به بِالْأَمْسِ اى قبيل ذلك الزمان وهو مثل فى الوقت القريب الماضي والممثل به مضمون الحكاية وهو زوال خضرة النبات وبهجتها فجاءة وذهابها حطاما بعد ما كان غصنا وزين الأرض حين طمع فيه اهله وظنوا انه قد سلم من الجوائح لا الماء وان كان متصلا بحرف التشبيه لانه من التشبيه المركب قال قتادة معناة المتشبث بالدنيا يأتيه امر الله وعذابه اغفل ما يكون كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) فانهم هم المنتفعون به. وَاللَّهُ يَدْعُوا جميع الناس إِلى دارِ السَّلامِ اى دار السلامة

[سورة يونس (10) : آية 26]

عن الهلاك والآفات وهى الجنة وقال قتادة السلام هو الله تعالى وداره الجنة وتخصيص هذا الاسم للتنبيه على ذلك عن جابر قال جاءت ملائكة الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقالوا ان لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا قال بعضهم انه نائم وقال بعضهم ان العين نائمة والقلب يقظان فقالوا مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة- فقالوا اوّلوها له يفقهها قال بعضهم انه نائم وقال بعضهم ان العين نائمة والقلب يقظان فقالوا الدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله محمد فرق بين الناس رواه البخاري ورواه الدارمي عن ربيعة الجرشى نحوه بلفظ قيل لى سيد بنى دارا وصنع مأدبة وأرسل داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد قال فالله السيد ومحمد الداعي والدار السلام والمأدبة الجنة- وقيل المراد بالسلام التحية سميت الجنة دار السلام لان أهلها يحيّى بعضهم بعضا بالسلام والملئكة يدخلون عليهم من كلّ باب يقولون سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار ويَهْدِي من الناس مَنْ يَشاءُ هدايته إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) وهو دين الإسلام وطريق السنة وطريق الوصول اليه تعالى وفى تعميم الدعوة وتخصيص الهداية بالمشية دليل على ان الأمر غير الارادة وان الكافر لم يرد الله هدايته-. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا العمل فى الدنيا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فى الصحيحين من حديث عمر فى قصة سوال جبرئيل الْحُسْنى يعنى المثوبة الحسنى اى الجنة اخرج ابن مردوية عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا شهادة ان لا اله الا الله الحسنى الجنة والزيادة النظر الى الله وَزِيادَةٌ وهو النظر الى وجه الله الكريم كذا روى ابن جرير وابن مردوية عن ابى موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يبعث الله تعالى يوم القيامة مناديا ينادى بصوت يسمعه أولهم وآخرهم يا اهل الجنة ان الله وعدكم الحسنى

وزيادة الحسنى الجنة وزيادة النظر الى وجه الرحمن وكذا روى ابن جرير وابن مردوية واللالكاني وابن ابى حاتم من طرق عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه روى ابن مردوية وابو الشيخ واللالكاني من طريقين عن انس مرفوعا وابو الشيخ عن ابى هريرة مرفوعا نحوه وابن جرير وابن مردوية وابن المنذر وابو الشيخ فى تفاسيرهم واللالكاني والآجري فى كتاب الرؤية عن ابى بكر الصديق وابن جرير وابن المنذر وابو الشيخ واللالكاني والآجري عن حذيفة ابن اليمان فى الاية نحوه واخرج هناد وابن ابى حاتم وابو الشيخ واللالكاني عن ابى موسى الأشعري نحوه وابن مردوية من طريق عكرمة عن ابن عباس نحوه واخرج ابن ابى حاتم واللالكاني من طريق عن عكرمة عن ابن عباس نحوه واخرج ابن ابى حاتم واللالكاني من طريق السدىّ عن ابى مالك وعن ابى صالح عن ابن عباس وعن عروة عن ابن مسعود نحوه واخرج اللالكاني هذا التفسير بأسانيده عن سعيد بن المسيب وحسن البصري وعبد الرحمن بن ابى ليلى وعامر بن سعيد البجلي وابن ابى إسحاق السبيعي وعبد الرحمن بن سابط وعكرمة ومجاهد وقتادة قال القرطبي فى كتاب الرؤية هذا تفسير قد استفاض واشتهر فيما بين الصحابة والتابعين ومثله لا يقال الا بتوقيف روى مسلم وابن ماجة عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل اهل الجنة الجنة يقول الله تريدون شيئا أزيدكم فيقولون الم تبيض وجوهنا الم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما اعطوا شيئا أحب إليهم من النظر الى ربهم ثم تلا هذه الاية وروى البغوي بسنده هذا الحديث بلفظ قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وقال إذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار نادى مناديا اهل الجنة انّ لكم عند الله موعدا يريد ان ينجزكموه فقالوا ما هذا الموعد الم تثقل موازيننا وتبيض وجوهنا وتدخلنا الجنة وتجرنا من النار قال فيرفع الحجاب فينظرون الى الله عز وجل قال فما اعطوا شيئا أحب إليهم من النظر اليه قال القرطبي قوله فيكشف الحجاب معناه يرفع الموانع عن الرؤية عن أبصارهم حتى يروه على ما هو عليه من نور العظمة والجلال فذكر الحجاب انما هو فى حق الخلق لا الخالق تعالى وتقدس وَلا يَرْهَقُ اى لا يغشى وُجُوهَهُمْ

[سورة يونس (10) : آية 27]

قَتَرٌ اى غبرة فيها سواد كذا روى ابن ابى حاتم وغيره عن ابن عباس وابن مسعود وَلا ذِلَّةٌ اى هو ان كما يرهق اهل النار أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26) دائمون فيها لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها-. وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها عطف على قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى على مذهب من يجوز فى الدار زيد والحجرة عمرو او هو مبتدا خبره جزاء سيّئة تقديره جزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها اى نجازى سيئة بسيئة مثلها لا يزاد عليها وجاز ان يكون خبره كَأَنَّما أُغْشِيَتْ او أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ وما بينهما اعتراض وقوله جزاء سيئة مبتدا خبره محذوف اى جزاء سيئة واقع او مقدر بمثلها او الخبر بمثلها على زيادة الباء وَتَرْهَقُهُمْ تغشاهم ذِلَّةٌ هو ان ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ من زائدة يعنى مالهم أحد يعصمهم من سخط الله او مالهم أحد من جهة الله او من عنده من يعصمهم من عذاب الله كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً جمع قطعة مفعول ثان لاغشيت مِنَ اللَّيْلِ صفة لقطعا مُظْلِماً حال من الليل والعامل فيه أغشيت لان العامل فى موصوفه عامل فيه او معنى الفعل فى من الليل وقرا ابن كثير والكسائي ويعقوب قطعا ساكن الطاء اى بعضا كقوله تعالى بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وعلى هذا يصح ان يكون مظلما صفة لقطعا او حال منه أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (27) احتجت المعتزلة بهذه الاية على خلود اصحاب الكبائر فى النار وردّ قولهم بان السيئات يعم الصغائر والكبائر والكفر فلو كانت الاية على عمومها لزم خلود اصحاب الصغائر ايضا ولم يقل به أحد وايضا يأبى عنه قوله تعالى جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها فانه يقتضى ان يكون جزاء الكبائر دون الكفر فوق الصغائر فلا يتصور الحكم بالخلود على العموم فمرجع الاشارة ليس الذين كسبوا السيئات على العموم بل بعضهم وهم الكفار كما فى قوله تعالى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ بعد قوله وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ وجاز ان يقال المراد بالذين كسبوا السيئات الكفار لان الذين أحسنوا يتناول

[سورة يونس (10) : آية 28]

اصحاب الكبائر من اهل القبلة فان الايمان رأس الحسنات فلا يتناولهم قسيمه ويمكن ان يقال المراد بالذين كسبوا السيئات الموجودون «1» فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون الموجودون فى ذلك الزمان كانوا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدول كلهم بالإجماع ما كسب أحد منهم سيّئة إلا تاب وغفر والتائب من الذنب كمن لا ذنب له فالمسئ فى ذلك الزمان لم يكن الا كافرا والله اعلم-. وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يعنى الفريقين ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ اى الزموا مكانكم حتّى تنظروا ما نفعل بكم أَنْتُمْ تأكيد للضمير المنتقل الى قوله مكانكم من عامله المحذوف اعنى الزموا وَشُرَكاؤُكُمْ عطف على الضمير المذكور يعنى الأوثان فَزَيَّلْنا اى فرقنا بَيْنَهُمْ يعنى قطّعنا الوصل الّتي كانت بينهم فى الدنيا حتّى تبرّا كل معبود من دون الله ممن عبده وقيل معناه ميّزنا بينهم وبين المؤمنين كما فى قوله تعالى وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ... وَقالَ لهم شُرَكاؤُهُمْ يعنى الأصنام ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) بطلبنا منكم العبادة ينطق الله بذلك الأصنام فيشافههم بالتبرّى مكان الشفاعة الّتي كانوا يرجون منها وقيل المراد بالشركاء الملائكة والمسيح فانهم ما أمروا بها ولا رضوا بها فاذا قالت المعبودون بالباطل ذلك- قالت الكفار بلى كنا نعبدكم فيقول الأوثان. فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ فانه هو العالم بكنه الأشياء إِنْ كُنَّا مخففة من الثقيلة يعنى انّا كنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ إيانا لَغافِلِينَ (29) اللام هى الفارقة وجاز ان يكون ان نافية واللام بمعنى الا يعنى ما كنا الا غافلين عن عبادتكم لا نسمع ولا نبصر ولا نعقل. هُنالِكَ اى فى ذلك المقام تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ اى تختبر وتعلم ما قدمت من عمل فيعائن نفعها «2» وضررها قرا حمزة والكسائي تتلوا بالتائين الفوقانيتين من التلاوة اى تقرأ صحيفتها او من العلو اى تتبع عملها فتقودها الى الجنة او الى النار وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ اى الى حكمه او الى جزائه إياهم بما اسلفوا مَوْلاهُمُ الْحَقِّ اى ربهم ومتولى أمورهم على الحقيقة لا ما اتخذوه اولياء فان

_ (1) فى الأصل الموجود [.....] (2) فى الأصل نفعه وضرره-

[سورة يونس (10) : آية 31]

قيل أليس الله قد قال وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ قلنا المولى هنالك بمعنى الناصر وهاهنا بمعنى الرب والمالك وَضَلَّ عَنْهُمْ اى زال وبطل عنهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30) من ان الهتهم يشفع لهم- او ما كانوا يدعون انها الهة-. قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ بانزال المطر والبركة وَالْأَرْضِ بالانبات وقيل من لبيان من الموصولة على حذف المضاف اى من اهل السماء والأرض أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ فيسمعكم ويبصركم ما شاء إسماعه وابصاره وجرى به عادته او من اعطاكم السمع والابصار ومن يستطيع خلقهما وتسويتهما او من يحملهما عن الآفات مع كثرتها فى المدد الطوال وسرعة انفعالهما عن ادنى شيء وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ الحيوان مِنَ الْمَيِّتِ من النطفة والبيضة وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ اى النطفة والبيضة مِنَ الْحَيِّ من الحيوان وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ اى يقضى الأمور ويعلم عواقبها فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ خبر مبتدا محذوف اى هو الله يعنى لا يقدرون على اسناد هذه الأمور الى ما يدعونه الهة لظهور بطلانه فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) أنفسكم عقابه باشراككم إياه ما لا يقدر على شيء مما ذكر. فَذلِكُمُ اى من يفعل هذه الأشياء اللَّهُ المستحق للعبادة رَبُّكُمُ الثابت ربوبيته بالوجدان والبرهان حيث خلقكم ورزقكم ودبر أموركم الْحَقُّ الثابت المتحقق الّذي لا شبهة فى وجوده ولا فى ألوهيته فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ استفهام انكار اى ليس شيء غير الحق الا الضّلال فمن يخطى الحق الّذي هو عبادة الله تعالى وقع فى الضلالة فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) عن الحق الى الضلال مع قيام البرهان. كَذلِكَ يعنى كما تحققت الربوبية لله تعالى وان ليس بعد الحق الا الضلال او كما صرف هؤلاء عن الايمان حَقَّتْ ثبتت ووجبت كَلِمَةُ رَبِّكَ اى حكمه السابق لاملانّ جهنّم من الجنّة والنّاس قرا ابو جعفر ونافع وابن عامر كلمات ربّك على الجمع والباقون بالإفراد عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا خرجوا عن حد الاستصلاح وتمردوا فى كفرهم أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (33)

[سورة يونس (10) : آية 34]

بدل من الكلمة او تعليل لحقيقتها والمراد بها العدة بالعذاب-. قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ جعل الاعادة كالابداء فى الإلزام بها لظهور برهانها وان كانوا منكرين لها ولذلك امر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ان ينوب عنهم فى الجواب فقال قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد اعدامه كما كان فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) تصرفون عن عبادته الى عبادة غيره مع قيام البرهان. قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ بنصب الدلائل وإرسال الرسل والتوفيق الى النظر الصحيح وخلق الهداية- والهدى كما يعدى بالى لتضمنه معنى الانتهاء يعدى باللام ايضا للدلالة على ان المنتهى هو المقصود بالهداية فقال قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ لا يستطيع ذلك غيره أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ يعنى الله سبحانه تعالى أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ممّن لا يهدى أَمَّنْ لا يَهِدِّي قرا ابن كثير وورش وابن عامر بفتح الياء والهاء وتشديد الدال وقالون وابو عمرو كذلك الا انهما يخفيان حركة الهاء والنص عن قالون الإسكان وقرا اليزيدي عن ابى عمرو كانّ يشم الهاء شيئا من الفتح وأبو بكر بكسر الياء والهاء وحفص ويعقوب بفتح الياء وكسر الهاء والأصل فى هذه القراءات يهتدى فادغمت التاء فى الدال وفتحت الهاء بحركة التاء او كسرت لالتقاء الساكنين وكسرت الياء على قراءة ابى بكر باتباع الهاء ولم يبال «1» ابو عمرو بالتقاء الساكنين لان المدغم فى حكم المتحرك وقرا حمزة والكسائي بفتح الياء واسكان الهاء وتخفيف الدال من المجرد من قولهم هدى بنفسه إذا اهتدى او بمعنى لا يهدى غيره والمعنى امن لا يهدى غيره او لا يهتدى بنفسه فضلا من ان يهدى غيره أحق بالاتباع ممن يهدى غيره إِلَّا أَنْ يُهْدى استثناء مفرغ منصوب على الظرفية يعنى لا يهدى فى شيء من الأوقات الا ان يهديه الله اى الا وقت هداية الله إياه فحينئذ يهتدى بنفسه ويهدى غيره وهذا حال اشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير وقيل معنى الهداية الانتقال من مكان الى مكان اخر فيشتمل الأصنام ايضا يعنى الا ان

_ (1) هذا التوضيح متفرع على قراءة الإسكان لا على قراءة الاختلاس ابو محمّد.

[سورة يونس (10) : آية 36]

تحمل وتنقل يبين به عجز الأصنام فَما لَكُمْ ايها الكفار كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) بما هو باطل بالبداهة. وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ فيما يعتقدونه إِلَّا ظَنًّا غير مستند الى برهان عقلى او نقلى بل الى خيالات فارغة وأقيسة فاسدة كقياس الغائب على الشاهد والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة والمراد بالأكثر المجموع او من ينتمى منهم الى تميز ونظر ولا يرضى بالتقليد الصرف إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي اى لا يفيد مِنَ الْحَقِّ من العلم والاعتقاد الحق شَيْئاً من الإغناء او لا يفيد شيئا كائنا من الحق وفيه دليل على انه لا يجوز فى الاعتقاديات الاكتفاء بالظن والتقليد بل لا بد فيه من تحصيل العلم بالبرهان النقلى او العقلي إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (36) وعيد على الاعراض عن الحجج العقلية والنقلية اتباعا للظن والتقليد-. وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ المعجز أَنْ يُفْتَرى مصدر بمعنى المفعول خبر كان مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ اى مصدق منصوب على انه خبر لكان مقدرا او علة لفعل محذوف تقديره ولكن أنزله الله لتصديق الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يعنى محمّدا صلى الله عليه وسلم او الكتب المنزلة المتقدمة او القيامة او البعث الّذي اخبر بها الكتب المتقدمة فلا يكون كذبا وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ اى تبيين لما فى اللوح المحفوظ من الحلال والحرام والفرائض والاحكام لا رَيْبَ فِيهِ منتفيا عنه صلاحية الريب لكونه معجزا مطابقا للكتب المتقدمة خبر ثالث داخل فى حكم الاستدراك او استيناف مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) خبر اخر تقديره كائنا من ربّ العالمين او متعلق بتصديق او بتفصيل ولا ريب فيه اعتراض او بالفعل المعلل بهما او حال من الكتاب او من ضمير فيه وفى الاية تنبيه على ما يجب اتباعه بعد المنع عن اتباع الظن. أَمْ يَقُولُونَ بل أيقولون ومعنى الهمزة فيه للانكار افْتَراهُ اختلقه محمّد صلى الله عليه وسلم قُلْ يا محمّد ردّا لقولهم فَأْتُوا بِسُورَةٍ

[سورة يونس (10) : آية 39]

الفاء جزاء لمقدر يعنى ان افتريته فأتوا أنتم ايضا بسورة مِثْلِهِ اى شبيها للقران فى البلاغة وحسن النظم وقوة المعنى على وجه الافتراء فانكم مثلى فى العربية والفصاحة وأشد تمرّنا فى النظم والعبارة وَادْعُوا مع ذلك مَنِ اسْتَطَعْتُمْ دعوته ممّن يعينكم عليه مِنْ دُونِ اللَّهِ اى غيره تعالى فان غيره تعالى لا يقدر على إتيان مثله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) فى ان محمّدا افتراه شرط مستغن عن الجزاء بما مضى يعنى فأتوا فلم يقدروا على ذلك- ولمّا كان فى هذه الاية دعوتهم الى المناظرة وطلب الحق بالتفكر فى نظم القران ومعانيه قال الله تعالى. بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ يعنى ان كلامهم وانكارهم للقران ليس مبتنيا على التحقيق والتفكر بل كذبوا به أول ما سمعوه قبل ان يتفكروا فيه ويحيطوا بالعلم بشأنه وادراك انه ليس من جنس ان يمكن إتيانه من البشر وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ اى لم يأتهم بعد العلم بعاقبة ما فى القران من الوعد والوعيد والاخبار بالغيوب من المبدأ والمعاد وكان يمكنهم تحصيل ذلك العلم من علماء الكتب المنزلة المتقدمة حتّى يتبين لهم صدق هذا الحديث- والمعنى ان القران معجز من جهة النظم والمعنى ظاهر صدقه على من يتامل فيه ادنى تأمل ويتفكر ويبحث عن علومه لكنهم لم يفعلوا ذلك بل سارعوا فى تكذيبه قبل ان يتدبروا فى نظمه ويتفحصوا عن معناه ومعنى التوقع فى لمّا انه قد ظهر لهم بالاخر اعجازه لما كرد عليهم التحدي وجرّبوا أقواهم فى معارضته فتضالت دونها وشاهدوا وقوع بعض ما اخبر به مطابقا لما أخبره مرارا كما فى قوله فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا وقوله غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ وقوله تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ وغير ذلك فمنهم من أمن بعد ذلك ومنهم من لم يؤمن تمردا وعنادا قال الله تعالى يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وقال وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ... كَذلِكَ اى كما فعل هؤلاء بالقران كذلك كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعنى كذب

[سورة يونس (10) : آية 40]

كفار الأمم الخالية كتبهم وأنبياءهم فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) فيه وعيد لهم ان لم يؤمنوا بمثل ما عوقب به من قبلهم. وَمِنْهُمْ اى من المكذبين مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ اى يصدق به فى نفسه ويستيقن بعد التفكر فى القران او المعنى ومنهم من يؤمن به فى الاستقبال بعد ما يتضح عليه حقيّة القران فيتوب عن كفره هذا ما دلت عليه كلمة لمّا من التوقع وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ لفرط غباوته وسبق قضاء الله تعالى بموته على الكفر وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) بالمعاندين او المصرين-. وَإِنْ كَذَّبُوكَ يعنى ان أصروا على تكذيبك بعد الزام الحجة يا محمّد فَقُلْ يعنى فتبرّأ عنهم وقل لِي عَمَلِي اى جزاؤه وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ اى جزاؤه أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ يعنى لا تؤاخذون على عملى ولا يضركم فعلى فلا تؤذوني ولا تهتموا بما فعلت وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) لا أؤاخذ بأعمالكم انما أقول لكم ما أقول نصحا لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما مثلى ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل اتى قوما فقال يا قوم انى رايت الجيش بعيني وانى انا النذير العريان فالنجا النجا فاطاعه طائفة من قومه فادلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذّبت طائفة منهم فاصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فاهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثل من عصانى وكذب ما جئت به من الحق متفق عليه من حديث ابى موسى الأشعري قال الكلبي ومقاتل هذه الاية منسوخة باية الجهاد كقوله تعالى لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ.... وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ اى يلقون إليك أسماعهم الظاهرة إذا قرات القران وتكلمت بالحكم والشرائع لكن لا يسمعون بقلوبهم فلا يدركون حقائقها ولطائفها لفساد استعدادهم كالاصم الّذي يريد ان يسمع فلا يسمع لعدم القوة السامعة فى صماخه أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ اى تقدر على اسماع الصم وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (42) اى ولو انضم الى صممهم عدم تعقلهم فان الأصم العاقل ربما تفرس بالقرائن فكما لا تقدر أنت

[سورة يونس (10) : آية 43]

على اسماع الصم المسلوب عنه العقل لا تقدر على استماع من سلب عن قلبه صلاحبة سماع التفكر والتدبر. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ بأبصارهم ويعائنون ادلة الصدق واعلام النبوة لكنهم لا يصدقون لعدم بصيرة فى قلوبهم أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) اى ولو انضم الى عدم البصر عدم البصيرة فانه لا يهتدى بالطريق الاولى- فيه تسلّية من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول انك لا تقدر ان تسمع من سلبت عنه السمع ولا تهدى من سلبت عنه البصر ولا ان توفق للايمان من حكمت عليه انه لا يؤمن- وتعليل للامر بالتبرّى والاعراض عنهم. إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) فانهم لسوء استعدادهم وفساد اختيارهم لا يقبلون هداية الله ورسوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت طائفة منها طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة اخرى انما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلاء فذلك من فقه فى دين ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الّذي أرسلت به متفق عليه من حديث ابى موسى وقيل معناه انّ الله لا يظلم النّاس شيئا بسلب آلات الاستدلال من العقول والحواس ولكنّ النّاس أنفسهم يظلمون بافسادها وتفويت منافعها وترك الاستدلال فالاية دليل على ان العبد له كسب وانه ليس مسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت الجبرية ويجوز ان يكون وعيدا لهم بمعنى ان ما يحيق بهم يوم القيامة من العذاب عدل من الله تعالى لا يظلمهم الله به ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف أسبابها قرا حمزة والكسائي بتخفيف لكن ورفع الناس والباقون بتشديدها والنصب-. وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ قرا حفص باليا على الغيبة والضمير عائد الى الله

[سورة يونس (10) : آية 46]

والباقون بالنون على التكلم والتعظيم كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا قال ابن عباس فى قبورهم وقال الضحاك فى الدنيا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يستقصرون مدة لبثهم فى الدنيا والقبور لهول ما يرون والجملة التشبيهية فى موقع الحال من الضمير المنصوب فى يحشرهم اى يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث الا ساعة او صفة ليوم والعائد محذوف تقديره كان لم يلبثوا قبله او صفة لمصدر محذوف اى حشرا كان لم يلبثوا قبله يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ اى يعرف بعضهم بعضا كما يتعارفون فى الدنيا كان لم يتفارقوا الا قليلا وهذا حال اخر مقدرة او بيان لقوله كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا او متعلق الظرف والتقدير يتعارفون بينهم يوم يحشرهم قال البغوي هذه المعرفة حين بعثوا من القبور ثم ينقطع المعرفة إذا عاينوا اهوال القيامة- وفى بعض الآثار ان الإنسان يعرف من بجنبه ولا يكلمه هيبة وخشية قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ بالبعث على ارادة القول اى يتعارفون بينهم قائلين ذلك او هى شهادة من الله تعالى على خسرانهم حيث استبدلوا الكفر بالايمان والنار بالجنة وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45) بطرق استعمال ما اعطوا من اسباب تحصيل المعارف وكسب السعادة استيناف فيه معنى التعجب كانه قيل ما اخسرهم. وَإِمَّا مركبة من ان شرطية وما زائدة يعنى وان نُرِيَنَّكَ اى نبصرنك بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من العذاب فى الدنيا كما أراه «1» يوم بدر أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل ان نريك عذابهم فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ اى فنريكه فى الاخرة فهو جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف نحو فذاك ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (46) ذكر الشهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها مجازا ولذلك رتبها على الرجوع بثم والمعنى ثم الله يفعل بهم على مقتضى ما شهد منهم من أفعالهم وقيل ثم هاهنا بمعنى الواو قال مجاهد كان البعض الّذي أراه قتلهم يوم بدر وسائر انواع العذاب بعد الموت. وَلِكُلِّ أُمَّةٍ خلت رَسُولٌ أرسل إليهم

_ (1) فى الأصل راه.

[سورة يونس (10) : آية 48]

ليدعوهم الى الإسلام فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ بالبينات فكذبوه قُضِيَ بَيْنَهُمْ وبين الرسول بِالْقِسْطِ بالعدل فاهلك المكذبون وبحي الرسول والمؤمنون بالعدل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47) يعنى ما ظلمناهم فى تعذيبهم بل استحقوا ذلك وقال مجاهد ومقاتل معناه لكل امة من الأمم رسول أرسل إليهم فاذا كان يوم القيامة وجاء رسولهم ليشهد عليهم بالكفر او الايمان قضى بينهم بانجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين كما قال الله تعالى وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وقال فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً-. وَيَقُولُونَ اى كفار مكة مَتى هذَا الْوَعْدُ الّذي تعدنا يا محمّد من العذاب إِنْ كُنْتُمْ ايها الرسول واتباعه صادِقِينَ (48) فيما وعدتم به شرط حذف جزاؤه يعنى فأتوا به قالوا ذلك تكذيبا واستهزاء. قُلْ يا محمّد لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً اى دفع ضر او جلب نفع فكيف املك فى جلب العذاب إليكم إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ان يقدرنى فاملكه او المعنى لكن ما شاء الله كائن لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ مدة مضروبة فى علم الله تعالى لهلاكهم إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ اى الوقت المقدر لتعذيبهم فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً اى لا يتاخرون منه ادنى زمان وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49) معطوف على جملة إذا جاء أجلهم يعنى لا تستعجلوا عذابكم فسيجيء وقته وينجز وعدكم. قُلْ أَرَأَيْتُمْ يعنى أخبروني إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ تعالى الّذي تستعجلونه بَياتاً وقت اشتغالكم بالنوم أَوْ نَهاراً وقت اشتغالكم بامور معاشكم- وجواب الشرط محذوف يعنى ندمتم على استعجالكم وعرفتم ما اخطأتم ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) استفهام تعجب من استعجالهم شيئا من المكروه- إذ لا شيء من المكروه ما يلائم الاستعجال- وهو متعلق بارايتم وما بينهما اعتراض- والمجرمون مظهر موضع الضمير- وضع للدلالة على ان جرمهم يقتضى ان يفزعوا- لا ان يستعجلوا جزاءه قال البغوي انهم كانوا يستعجلون العذاب ويقول

[سورة يونس (10) : آية 51]

أحدهم ان كان هذا هو الحقّ من عندك فامطر علينا حجارة من السّماء او ائتنا بعذاب اليم فيقول الله ماذا يستعجلون اى اىّ شيء من العذاب يستعجلونه وكله مكروه- قلت وجاز ان يكون قوله ماذا يَسْتَعْجِلُ إلخ جزاء للشرط كقولك ان أتيتك ماذا تعطينى- والمعنى ان أتاكم عذاب الله اىّ شيء تستعجلون حينئذ هل تستعجلون مثل ذلك العذاب وتختارون بقاءكم فيه او تستعجلون التفصى عنه يعنى لا يستعجلون العذاب حينئذ البته. أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ العذاب الّذي يستعجلونه الظرف متعلق بقوله آمَنْتُمْ بِهِ وهذا معطوف على جزاء الشرط محذوفا كان او مذكورا- تقديره ان أتاكم عذابه ندمتم ثم أمنتم به اى بالعذاب او بمن اخبر به إذا ما وقع يعنى بعد وقوعه والهمزة لانكار تأخير الايمان الى وقت لا يفيد الايمان حينئذ- او تقديره ان أتاكم عذابه اىّ شيء تستعجلون حينئذ يعنى لا تستعجلون حينئذ بالعذاب ثم تؤمنون بالعذاب او بمن اخبر به حين لا ينفعهم وجاز ان يكون هذا جملة شرطية معطوفة على شرطية سابقة وقوله ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ معترضة او جزاء شرطية سابقة والمراد بالعذاب هاهنا عذاب الاخرة وبالعذاب السابق عذاب الدنيا والمعنى ارايتم ان أتاكم عذاب الله فى الدنيا ليلا او نهارا تندموا او اىّ شيء تستعجلوا حينئذ ثم إذا وقع بكم عذاب الاخرة هل تؤمنوا به حين لا ينفعكم الايمان هلا تؤمنوا حين ينفعكم وذلك فى الدنيا قبل الغرغرة آلْآنَ على إضمار القول يعنى يقال لكم حين تؤمنوا بعد رؤية العذاب فى الاخرة او عند غرغرة الموت على وجه الإنكار الان أمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم- قرأ نافع بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام- والباقون بإسكان اللام وهمزة بعدها- وكلهم سهل همزة الوصل الّتي بعد همزة الاستفهام- او قلّبها مدّة فى ذلك وشبهه- نحو قوله تعالى آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ وَالذَّاكِرِينَ- وَاللَّهُ خَيْرُ- ولم يحققها أحد منهم- ولم يجعل أحد فصلا بينها وبين الّتي قبلها بألف لضعفها وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) تكذيبا واستهزاء حال من فاعل أمنتم المقدر. ثُمَّ قِيلَ عطف على قيل المقدر لِلَّذِينَ ظَلَمُوا اى أشركوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ اى ما تجزون إِلَّا بِما «1» كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) من الكفر والمعاصي. وَيَسْتَنْبِئُونَكَ اى يستخبرونك يا محمّد أَحَقٌّ هُوَ يعنى ما تدعيه من التوحيد والنبوة والقران وقيام الساعة والعذاب والثواب- أم باطل تهزل به- قوله

_ (1) فى الأصل الا ما.

[سورة يونس (10) : آية 54]

حق مبتدا من القسم الثاني والضمير مرتفع به على الفاعلية ساد مسد الخبر او الضمير مبتدا وحق خبر مقدم عليه والجملة فى موضع النصب بيستنبئونك قُلْ يا محمّد إِي اى نعم وَرَبِّي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها إِنَّهُ لَحَقٌّ لا شك فيه وَما أَنْتُمْ يا كفار مكة بِمُعْجِزِينَ (53) بفائتين من الذاب لان من عجز عن شيء فقد فاته-. وَلَوْ ثبت أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ على الله سبحانه بالشرك او على غيره بالتعدي ما فِي الْأَرْضِ من خزائنها وما يحبّه مما هو عليها لَافْتَدَتْ بِهِ اى لجعلته فدية من العذاب من قولهم افتداه بمعنى فداه وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ قال ابو عبيدة معناه أظهروا الندامة لانه ليس ذلك اليوم يوم تصبّر وتصنّع وقيل معناه اخفوا الندامة اى أخفى الرؤساء الندامة من الضعفاء وهم الاتباع خوفا من ملامتهم وتعييرهم- وقيل انهم لمّا بهتوا من رؤية عذاب لم يكونوا يحتسبوه لم يقدروا ان ينطقوا- وقيل أسروا الندامة يعنى أخلصوها لان اخفاؤها إخلاصها او لانه يقال سر الشيء لخلاصته من حيث انها تخفى ويضين بها وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين الظالمين والمظلومين دل عليهم ذكر الظلم يعنى حكم للمظلومين على الظالمين بالعذاب بِالْقِسْطِ اى بالعدل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54) بالتعذيب بلا ذنب وليس هذا تكريرا لان الاول قضاء بين الأنبياء ومكذبيهم وهذا مجازات المشركين على شركهم والحكومة بين الظالمين والمظلومين. أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تقرير لقدرته تعالى على الاثابة والتعذيب أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ اى ما وعده من الثواب والعذاب كائن لا خلف فيه وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (55) به لانهم لقصور عقلهم لا يعلمون الا ظاهرا من الحيوة الدنيا. هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فى الدنيا فهو يقدر عليهما فى العقبى لان القادر لذاته لا يزول قدرته والمادة القابلة بالذات للحيوة والموت قابلة لهما ابدا وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56) بالموت والبعث. يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى القران على لسان محمّد صلى الله عليه وسلم- فانها موعظة يعنى تنبيه وتذكير يدعو الى كل مرغوب ويزجر عن كل مرهوب- وذلك بالأوامر والنواهي فان الأمر من الحكيم العليم الجواد يقتضى حسن المأمور به

[سورة يونس (10) : آية 58]

فيكون مرغوبا ويترتب عليه اجر مرغوب والنهى يقتضى قبحه فهو مرهوب يترتب عليه اجر مرهوب وَشِفاءٌ اى دواء موجب للشفاء لِما فِي الصُّدُورِ اى فى صدوركم من الأمراض القلبية يعنى العقائد الفاسدة وتعلقات القلوب بما سوى الله تعالى- اخرج ابن مردوية عن ابى سعيد الخدري قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم قال انى اشتكى صدرى قال اقرأ القران يقول الله تعالى وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وله شاهد من حديث واثلة بن الأسقع أخرجه البيهقي فى شعب الايمان وَهُدىً اى اراءه طريق الى العقائد «1» الحقة وسبيل الجنة ومراتب القرب من الله سبحانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتّل كما كنت ترتل فى الدنيا فان منزلتك عند اخر اية تقراها رواه احمد والترمذي وابو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو وَرَحْمَةٌ من الله تعالى لِلْمُؤْمِنِينَ (57) اى لمن أمن به منكم فانهم هم المنتفعون به كاسبون رحمة الله بتلاوته واتباعه- قال البغوي الرحمة النعمة على المحتاج فانه لو اهدى ملك الى ملك شيئا لا يقال قد رحمه وان كان ذلك نعمة لانه لم يضعها فى محتاج-. قُلْ يا محمّد شكرا له تعالى فى جواب ما قال منة عليكم بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ يعنى جاءنا الموعظة والشفاء والهداية والرحمة بفضل الله تعالى ورحمة منه دون استحقاق منا فَبِذلِكَ الفضل من الله والرحمة او بمجيء القران فَلْيَفْرَحُوا تقديره فبذلك ليفرحوا فليفرحوا- والتكرير للتأكيد والتقرير وإيجاب اختصاص مجيء الكتاب او الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا فحذف أجد الفعلين لدلالة المذكور عليه- والفاء فى قوله فبذلك داخلة لمعنى الشرط كانه قيل ان فرحوا بشيء فليفرحوا بذلك- او للربط بما قبلها والدلالة على ان مجيء الكتاب الموصوف بما ذكر موجب للفرح- وقيل المراد بفضل الله ورحمته إنزال القران- وقال مجاهد وقتادة فضل الله الايمان ورحمته القران- وقال ابو سعيد الخدري فضل الله القران ورحمته ان جعلنا من اهله- اخرج ابو الشيخ وغيره عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل الله اى القران وبرحمته ان جعلكم من اهله- وقال ابن عمر فضل الله الإسلام ورحمته تزيينه فى القلوب- وقال خالد بن معدان فضل الله الإسلام

_ (1) في الأصل إلى عقائد.

[سورة يونس (10) : آية 59]

ورحمته السنن- وقيل فضل الله الايمان ورحمته الجنة- والباء على هذه الأقوال متعلقة بفعل يفسره ما بعده تقديره بفضل الله وبرحمته فليعتنوا او ليفرحوا- وفائدة ذلك التكرير التأكيد والبيان بعد الإجمال- وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح- قرا يعقوب باختلاف عنه فلتفرحوا بالتاء الفوقانية على الأصل المرفوض لصيغة الخطاب فى الأمر- اخرج ابو داود عن أبيّ بن كعب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرا قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا بالتاء الفوقانية هُوَ الضمير راجع الى ذلك- اى مجيء القران او فضل الله ورحمته خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) من حطام الدنيا قرا ابو جعفر وابن عامر ويعقوب بالتاء الفوقانية على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة-. قُلْ يا محمّد لكفار مكة أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ اى خلق لكم عبر عن الخلق بالانزال لما نيط خلقها بسبب منزل من السماء يعنى المطر- او لانه لما قدّر وكتب اولا فى اللوح المحفوظ ثم خلق على وفقه فكانّه انزل من اللوح- وما منصوب بانزل او ارايتم فانه بمعنى أخبروني مِنْ رِزْقٍ بيان لما يعنى من زرع او ضرع- وكلمة لكم دلت على ان المراد منه ما حلّ ولذلك وبّخ على تشقيصه فقال فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ اى بعضه حَراماً وَبعضه حَلالًا ... قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ ... وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا- وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ فى هذا التحليل والتحريم فتقولون ذلك بحكمه أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) فى نسبة ذلك الأمور- والجملة متعلق بارايتم وقل تكرير للتؤكيد- وجاز ان يكون الاستفهام للانكار وأم منقطعة ومعنى الهمزة فيها تقرير افترائهم على الله- والمعنى ان الله لم يأذن لكم بل على الله تفترون حيث تقولون وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها.... وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ اىّ شيء ظنهم يَوْمَ الْقِيامَةِ منصوب بالظن- يعنى ايحسبون انهم لا يجازون عليه- لا بل كائن لا محالة وفى إبهام الوعيد تهديد عظيم إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ حيث أنعم عليهم بالعقل- وهداهم بانزال الكتب وإرسال الرسل وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) هذه النعمة- ولو شكروها

[سورة يونس (10) : آية 61]

اتبعوا العقل والنقل ولم يفتروا على الله- وجاز ان يكون معنى الاية ان الله لذو فضل على الناس حيث لم يستعجل بعقوبتهم فى الدنيا-. وَما تَكُونُ يا محمّد فِي شَأْنٍ اى امر وحال قال بعض المحققين لا يقال الشأن الا فيما يعظم من الأحوال والأمور قال البيضاوي أصله من شأنت شأنه اى قصدت قصده وَما تَتْلُوا مِنْهُ اى من الشأن لان تلاوة القران كان معظم شأن الرسول صلى الله عليه وسلم- ولان القراءة يكون لشأن عظيم فيكون التقدير من اجله او من القران وإضماره قبل الذكر- ثم قوله مِنْ قُرْآنٍ بيانا له تفخيم له او المعنى ما تتلوا من الله- ومن فى من قرءان تبعيضية- او مزيدة لتأكيد النفي وَلا تَعْمَلُونَ ايها الناس مِنْ عَمَلٍ تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رأسهم- ولذلك ذكر من اعماله اولا ما فيه فخامة ثم عمم ما يتناول الجليل والحقير إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً اى رقباء مطلعين عليه إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ اى تدخلون وتندفعون فيه اى فى العمل وقيل معناه تكثرون فيه والافاضة الدفع بكثرة وَما يَعْزُبُ قرا الكسائي بكسر الزاء والآخرون بضمها وهما لغتان معناه لا يغيب عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ مصدر ميمى بمعنى الثقل يعنى الوزن ومن زائدة ذَرَّةٍ اى نملة صغيرة او هباء فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ اى فى الوجود والإمكان واقتصر على ذكر الأرض والسماء لان أبصار العوام قاصرة عليهما وقدم الأرض لان الكلام فى حال أهلها والمقصود بيان احاطة علمه تعالى بالأشياء كلها وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61) كلام برأسه مقرر لما قبله- ولا لنفى الجنس- وأصغر واكبر اسمها- وفى كتاب خبرها- قرا حمزة ويعقوب برفع أصغر واكبر على الابتداء والخبر بابطال عمل لا لاجل التكرير والباقون بالنصب على اعمال لا- وقيل لا ولا زائدتان وأصغر واكبر معطوفان على مثقال ذرة- او على ذرة والفتح بدل الكسر لامتناع الصرف- او للحمل على مثقال ذرة مع الجار- والرفع للعطف على مثقال ذرة حملا على محله البعيد قبل دخول من والاستثناء «1» حينئذ منقطع-

_ (1) هذا التوجيه ضعيف لان الاستثناء المنقطع والاستدراك بعد النفي اثبات فيكون المعنى ولكن يعزب فى كتاب مبين وهذا فاسد وسيجيء فى سورة سبا مثله 12 منه رحمه الله.

[سورة يونس (10) : آية 62]

والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ- او صحائف الأعمال للحفظة-. أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين يخاف الناس يوم القيامة من لحوق مكروه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) حينئذ بفوات مأمول- اعلم ان الولاء والتوالي فى اللغة ان يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما- ويستعار للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد- وفى القاموس الولي القرب والدّنو والولىّ اسم «1» منه بمعنى القريب والمحبّ والصديق والنصير فاعلم ان لله سبحانه بعباده بل بجميع خلقه قربا «2» غير متكيف كما يدل عليه قوله تعالى نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وذلك القرب هو الموجب لوجود الممكنات فما لم يحصل للممكن ذلك القرب بالواجب تعالى لم يشم رائحة الوجود فان له فى نفسه ليس- وله سبحانه بخواص عباده قرب اخر غير متكيف ايضا وذلك قرب المحبة ويتمثل هذا القرب فى عالم المثال بنظر الكشف بصورة القرب الجسماني- وهذان القربان لا اشتراك بينهما الا من حيث الاسم- وهذا القرب الثاني له درجات ومراتب غير متناهية كما يدل عليه الحديث القدسىّ- لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتّى أحببته فاذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به الحديث رواه البخاري عن ابى هريرة- وادنى درجات هذا القرب يحصل بمجرد الايمان قال الله تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا- وأعلى درجاته نصيب الأنبياء ونصيب سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم- وله صلى الله عليه وسلم ترقيات لا تتناهى الى ابد الآبدين- وادنى ما يعتد به ويطلق عليه اسم الولي فى اصطلاح الصوفية والمراد بهذه الاية ان شاء الله تعالى من كان قلبه مستغرقا فى ذكر الله يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ممتليا بحب الله تعالى لا يسع فيه غيره وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ- فلا يحبّ أحدا الا لله- ولا يبغض الا لله- ولا يعطى الا لله- ولا يمنع الا لله- فهم المتحابون فى الله والصوفية العلية «3» يسمون هذه الصفة بفناء القلب- فكان ظاهره وباطنه متحليا بتقوى يقى نفسه عما يكرهه الله تعالى من الأعمال والأخلاق- فكان نفسه منزها عن الرذائل من الشرك الجلى

_ (1) فى الأصل الاسم (2) فى الأصل قرب (3) وصّفنا الصوفية بالعلية لعلوهم درجة لاستنادهم الى على رضى الله عنه فانه قطب هذا المقام 12 منه رحمه الله

[سورة يونس (10) : آية 63]

والخفي والأخفى من دبيب النمل ومن الحسد والحقد والكبر والهوى والهلع وغير ذلك متصفا بمحاسن الأعمال والأخلاق- والصوفية العلية يسمون هذه الصفة بفناء النفس ويقولون حينئذ اسلم شيطانه أشار الله سبحانه الى الوصف الاول بقوله. الَّذِينَ آمَنُوا اى حقيقة الايمان فان الايمان محله القلب وكمال الايمان ان يطمئن قلبه بذكر الله لا يغفل عنه ساعة ولا يلتفت الى غيره- «1» والى الوصف الثاني بقوله وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) الله تعالى بإتيان أوامره وانتهاء نواهيه «2» الظاهرة والباطنة- روى ابو داود عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من عباد الله لا ناسا ما هم بانبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله- قالوا يا رسول الله تخبرنا من هم- قال هم قوم تحابون بروح الله على غير أرحام بينهم- ولا اموال يتعاطونها- فو الله ان وجوههم لنور وانهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرا أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ- وروى البغوي بسنده عن ابى مالك الأشعري نحو ذلك وكذا روى البيهقي فى شعب الايمان- اخرج ابن مردوية عن ابى هريرة قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قال الذين يتحابون فى الله وورد مثله من حديث جابر بن عبد الله أخرجه ابن مردوية- (فصل) فى اسباب حصول الولاية- وهذه المرتبة اعنى ولاية الله تعالى انما يستفاد بالانعكاس من رسول الله صلى الله عليه وسلم اما بلا واسطة او بواسطة او بوسائط ولا بد فيه من كثرة المجالسة مع المحبة والانقياد بالنبي صلى الله عليه وسلم- او بمن ينوبه- فانهما يثمران محبة الله تعالى وانصباغ قلبه وقالبه ونفسه بصبغ قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالبه ونفسه الّذي هو صبغة الله ومن احسن من الله صبغة وكثرة الذكر على وجه مسنون يؤيد ذلك الانعكاس لكونه موجبا لصقالة القلب المستوجب للانعكاس- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل شيء صقالة وصقالة القلب ذكر الله- رواه البيهقي

_ (1) هر كس كه ترا شناخت جان را چهـ كند ... فرزند وعيال وخان ومان را چهـ كند ديوانه كنى هر دو جهانش بخشى ... ديوانه تو هر دو جهان را چهـ كند - منه برد الله مضجعه (2) قال ابن عمر التقوى ان لا ترى نفسك خيرا من أحد- وقال المجدد للالف الثاني معرفة الله تعالى حرام على من يرى نفسه خيرا عن كافر الفرنج 12 منه برد الله مضجعه

عن عبد الله بن عمرو الله اعلم عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى وجبت محبتى للمتحابين فىّ والمتجالسين فىّ والمتزاودين فىّ والمتباذلين فىّ- رواه مالك واحمد والطبراني والحاكم والبيهقي وروى احمد والطبراني والحاكم نحوه عن عبادة بن الصامت- وعن ابن مسعود قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف تقول فى رجل أحب قوما ولم يلحق بهم قال المرء مع من احبّ متفق عليه- ومعنى قوله لم يلحق بهم اى لم يعمل مثل عملهم- وفى الصحيحين عن انس نحوه وعن ابى رزين انه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ادلك على ملاك هذا الأمر الّذي تصيب منه خير الدنيا والاخرة- عليك بمجالس اهل الذكر وإذا خلوت فحرك لسانك ما استطعت بذكر الله وأحب فى الله وابغض فى الله- الحديث رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الأعمال الى الله الحب فى الله والبغض فى الله رواه احمد وابو داود ذكر المرادين ثم اعلم ان ما ذكرنا حال المريدين من اولياء الله تعالى- ومن أوليائه تعالى جماعة مرادون يدل عليه ما رواه مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله إذا أحب عبدا دعا جبرئيل فقال انى أحب فلانا فاحبه قال فيحبّه جبرئيل ثم ينادى فى السماء فيقول ان الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء ثم يوضع له القبول فى الأرض وإذا ابغض عبدا دعا جبرئيل فيقول انى ابغض فلانا فابغضه قال فيبغضه جبرئيل ثم ينادى فى اهل السماء ان الله يبغض فلانا فابغضوه قال فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء فى الأرض (فصل) فى علامة اولياء الله- ذكر البغوي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل من اولياء الله قال الذين إذا رأوا ذكر الله عز وجل- وقال البغوي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال قال الله تعالى ان أوليائي من عبادى الذين يذكرون بذكرى واذكر بذكرهم- وروى ابن ماجة عن اسماء بنت يزيد انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الا أنبئكم بخياركم قالوا بلى يا رسول الله قال الذين إذا راوا ذكر الله فائدة والسر فى ذلك ان اولياء الله تعالى لهم قرب ومعية بالله تعالى غير متكيفة- يقتضى ذلك ان يكون

[سورة يونس (10) : آية 64]

مجالستهم كالمجالسة بالله تعالى- ورؤيتهم مذكرا لله تعالى- وذكرهم جالبا الى ذكره تعالى- كالمرءاة إذا قوبلت بالشمس وامتلأت بنورها حصلت لها حالة إذا قوبل شيء بذلك المرآة يستضيء بها كما يستضيء بمقابلة الشمس- بل يحترق القطنة بمقابلة المرآة دون مقابلة الشمس لقرب القطنة بالمرءاة دون الشمس- وايضا ان الله سبحانه أودع فى ذوات أوليائه استعداد تأثر من الله تعالى لقرب ومناسبة خفية غير متكيفة به تعالى- واستعداد تأثير فى الناس لاجل مناسبة جنسية ونوعية وشخصية- فذلك التأثر والتأثير يقتضى حصول حضور بالله تعالى- وذكره تعالى فيمن راهم وجالسهم بشرط عدم الإنكار نعوذ بالله منه وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ اى الخارجين عن الايمان والانقياد- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى من عادى لى وليّا فقد اذنته بالحرب رواه البخاري عن ابى هريرة- وفى الباب حديث حنظلة يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كانا رأى عين فاذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والّذي نفسى بيده لو تدومون كما تكونون عندى وفى الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفى طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات رواه مسلم (فائدة) وليست علامة الأولياء ما زعمت العوام من خرق العادات ولا العلم بالمغيبات- فانها لا توجد فى كثير من اولياء الله- وقد يوجد فى غيرهم على سبيل الاستدراج وكونه فى بعضهم نادرا لا يستلزم كون ذلك علامة للولاية كيف وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ- وقال قل لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ- وقال قل إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ ونحو ذلك- وقد قالت الصوفية العلية الكرامة حيض الرجال لا بد استتارها- ولا مزية لاحد على أحد بها- ومن ثم ندم بعض الرجال عن كثرة ظهور خرق العادات بايديهم والله اعلم- ومحل الّذين أمنوا النصب على المدح او على كونه وصفا للاولياء- او الرفع على انه خبر مبتدا محذوف يعنى هم والجملة مادحة او على انه مبتدا خبره. ُمُ الْبُشْرى

فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وذلك ما بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالوحى عموما وخصوصا- فقال ابو بكر فى الجنة وعمر فى الجنة وعثمان فى الجنة وعلى فى الجنة وطلحة فى الجنة والزبير فى الجنة وعبد الرّحمن بن عوف فى الجنة وسعد بن ابى وقاص فى الجنة وسعيد بن زيد فى الجنة وابو عبيدة «1» بن الجراح فى الجنة رواه الترمذي عن عبد الرّحمن بن عوف وابن ماجة عن سعيد بن زيد- وقال اما انك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي رواه ابو داؤد عن ابى هريرة- وقال انا أول من ينشق عنه الأرض ثم ابو بكر ثم عمر رواه الترمذي عن ابى هريرة وقال لكل نبى رفيق ورفيقى فى الجنة عثمان رواه الترمذي عن طلحة بن عبيد الله- وقال لعلى أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبى بعدي متفق عليه عن سعد بن ابى وقاص- وقال من كنت مولاه فعلىّ مولاه رواه احمد والترمذي عن زيد بن أرقم- وقال فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبني متفق عليه عن مسور بن مخرمة- وقال الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة رواه الترمذي عن ابى سعيد وقال خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد وقال فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام وقال ان عبد الله يعنى ابن عمر رجل صالح متفق عليه عن ابن عمر- وقال لعبد الله بن سلام انه من اهل الجنة متفق عليه عن سعد بن ابى وقاص- وقال الأنصار لا يحبهم الا مؤمن ولا يبغضهم الا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن ابغضهم أبغضه الله- وقال نعم الرجل أسيد بن حضير نعم الرجل ثابت بن قيس نعم الرجل معاذ بن جبل نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح- وقال ان الجنة تشتاق الى ثلاثة على وعمار وسلمان هكذا بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا من الصحابة مفصلا- وبشر الله سبحانه كلهم أجمعين بقوله كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وبقوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ الاية- وبقوله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه متفق عليه عن ابى سعيد الخدري- وقال أصحابي كالنجوم فبايهم اقتديتم اهتديتم رواه رزين عن عمر- وقال خير أمتي قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم الحديث متفق عليه عن عمران بن حصين- ثم إذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فالبشرى فى الدنيا ما بشر الله سبحانه

_ (1) فى الأصل عبيدة

أولياءه بالكشف يعنى أراه فى عالم المثال فى المنام او اليقظة وهو المراد بالرؤيا الصالحة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق من النبوة الا المبشرات قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة رواه البخاري عن ابى هريرة- وقال البغوي روى عن عبادة بن الصامت قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قال هى الرؤيا الصالحة يراها المرء او ترى له- اخرج احمد وسعيد بن منصور والترمذي وغيرهم عن ابى الدرداء انه سئل عن هذه الايةهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قال ما سالنى عنها أحد منذ سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما سالنى عنها غيرك منذ أنزلت هذه الاية الرؤيا الصالحة يراها المؤمن او ترى له فهى بشراه فى الحيوة الدنيا وبشراه فى الاخرة الجنة له طرق كثيرة- والمراد بالرؤيا رؤيا الأولياء والصلحاء لا رؤيا العوام- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا ثلاث فبشرى من الله وحديث النفس وتخويف الشيطان رواه الترمذي وصححه وابن ماجة عن ابى هريرة- فان قيل الرؤيا وان كان من الأولياء والصلحاء لا يفيد القطع قلنا وان كان لا يفيد القطع لكنه يفيد غلبة الظن وذلك كاف للبشارة- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة رواه البخاري عن ابى سعيد ومسلم عن ابن عمرو عن ابى هرير واحمد وابن ماجة عن ابى رزين والطبراني عن ابن مسعود ونحوه ابن ماجة عن عوف بن مالك- وروى احمد عن ابن عمرو ابن عباس وابن ماجة عن ابن عمر الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزء من النبوة- وروى ابن النجار عن ابن عمر جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة- وليس المراد بالبشرى هاهنا ما بشر الله تعالى المؤمنين به عموما فى كتابه من جنته وكريم ثوابه كقوله تعالى وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا لان البشارة بمثل هذه الآيات لا يتصور الا بعد القطع بالتوفى على الايمان وذلك غير متصور- وقيل البشرى فى الدنيا هى الثناء الحسن لما روى البغوي بسنده عن عبد الله بن الصامت قال قال ابو ذر يا رسول الله الرجل يعمل لنفسه ويحبّه الناس قال تلك عاجل بشرى المؤمن- واخرج مسلم نحوه بلفظ ويحمده الناس- وقال الزهري وقتادة هى نزول الملائكة بالبشارة من الله عند الموت قال الله تعالى تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ وكذا قال عطاء عن ابن عباس فِي الْآخِرَةِ يعنى عند خروج نفس المؤمن

[سورة يونس (10) : آية 65]

يعرج بها الى الله ويبشر برضوان الله وعند الخروج من القبر يوم القيامة عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقالت عائشة او بعض أزواجه انّا لنكره الموت قال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله ورحمته فاحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وان الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء اكره اليه مما امامه فكره لقاء الله وكره الله لقاءه متفق عليه- وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على اهل لا اله الا الله وحشة فى الموت ولا فى القبور ولا فى النشور كانّى انظر إليهم عند الصيحة ينفضون رءوسهم من التراب يقولون الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ رواه الطبراني- وكذا اخرج الختلي فى الديباج عن ابن عباس مرفوعا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ يعنى لا خلف لمواعيده ومن هاهنا يمكن استنباط قول الصوفية الفاني لا يردلِكَ اشارة الى كونهم مبشرين فى الدارين وَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) هذه الجملة والّتي قبلها اعتراض لتحقيق المبشر به وتعظيم شأنه وليس من شرط الاعتراض ان يقع بعده كلام متصل بما قبله-. وَلا يَحْزُنْكَ قرا نافع بضم الياء وكسر الزاء من الافعال والباقون بفتح الياء وضم الزاء من المجرد وكلاهما بمعنى قَوْلُهُمْ اى اشراكهم وتكذيبهم وتهديدهم إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً استيناف بمعنى التعليل وبدل عليه ما قرئ بالفتح كانه قيل لا تحزن ولا تبال بهم لان الغلبة لله جميعا لا يملك غيره شيئا منها فهو يقهرهم وينصرك عليهم هُوَ السَّمِيعُ لاقوالهم الْعَلِيمُ (65) بنياتهم فيجازيهم عليها. أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من الملائكة والثقلين وإذا كان هؤلاء الذين هم اشراف الممكنات عبيدا لا يصلح أحد للربوبية فما لا يعقل منها أحق ان لا يكون له ند ولا شريك فهو كالدليل على قوله وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ اى شركاء على الحقيقة وان كانوا يسمونها شركاء فان الشركة فى الربوبية محال ويجوز ان يكون شركاء مفعول يدعون ومفعول يتبع محذوف دل عليه قوله إِنْ يَتَّبِعُونَ

[سورة يونس (10) : آية 67]

إِلَّا الظَّنَ اى ما يتبعون يقينا انما يتبعون ظنهم اى خيالهم انها شركاء- ويجوز ان يكون ما موصولة معطوفة على من اى لله ما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ او استفهامية منصوبة بيتبع والمعنى اى شيء يتّبع الّذين يدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين يعنى انهم لا يتبعون الا الله ولا يعبدون غيره فما لكم لا تتبعونهم فيه كقوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ فيكون إلزاما بعد برهان وما بعده مصروف عن خطابهم لبيان سندهم ومنشا رأيهم وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) اى يكذبون فيما ينسبون او يحزرون ويعتدون انها شركاء تقديرا باطلا. هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وتستريحوا من تعب التردد وَالنَّهارَ مُبْصِراً اى مضيئا سببا لابصار الأشياء إِنَّ فِي ذلِكَ اى فى خلق هذه الأشياء العظام على وفق الحكمة لَآياتٍ دالة على كمال قدرة الله وعظيم نعمته وحكمته المتوحد بها المستحق للعبادة المختصة به لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) كلام الله تعالى وكلام المذكّرين سماع تدبر واعتبار. قالُوا يعنى المشركين اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً وهو قولهم الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ تنزيه له عن التبني وتعجب من كلام الحمقاء حيث حكموا بامر مستحيل لا يمكن ولا يتصور هُوَ الْغَنِيُّ عما سواه لا يحتاج فى شيء من الأمور الى شيء من الأشياء وما سواه ممكن محتاج فى وجوده وبقائه وفى كل صفة من صفاته اليه- فاى مناسبة بينه وبين ما يزعمونه ولدا فان الولد يكون من جنس الوالد او يقال انما يطلب الولد ضعيف يتقوى به او فقير ليستعين به او ذليل ليتشرف به او من يموت لبقاء جنسه والكل امارة الحاجة والله غنى قديم لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا وملكا فكيف يتصور كون شيء ممّا فيهما ولدا له إِنْ عِنْدَكُمْ ما عندكم مِنْ سُلْطانٍ اى برهان بِهذا متعلق بسلطان او نعت له او بعندكم كانه قيل ليس عندكم فى هذا سلطان نفى لدليل معارض لما اقام من البرهان على نفى الولد أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (68) توبيخ على جهلهم وتنبيه على انه لا يجوز ان يقول أحد قولا لا دليل عليه وان العقائد لا بد لها من دليل قاطع يوجب العلم ولا يجوز التقليد فيها.

[سورة يونس (10) : آية 69]

قُلْ يا محمّد إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بنسبة الولد والشريك اليه لا يُفْلِحُونَ (69) لا يبحون من النار ولا يفوزون بالجنة. مَتاعٌ فِي الدُّنْيا خبر مبتدا محذوف يعنى افتراءهم سبب تمتعهم فى الدنيا يقيمون به رياستهم فى الكفر او حياتهم او تقلبهم مناع- او مبتدا خبره محذوف اى لهم تمنع فى الدنيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ بالموت ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) اى بسبب كفرهم-. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ اى اقرأ يا محمّد على اهل مكة نَبَأَ نُوحٍ اى خبره مع قومه إِذْ قالَ متعلق با ذكر لِقَوْمِهِ قال البغوي هم ولد قابيل وهذا لا يتصور لان نوحا عليه السلام كان من ولد شيث عليه السلام لا من ولد قابيل- فاضافة القوم اليه يدل على كونهم من أولاد شيث عليه السلام يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ اى شق عَلَيْكُمْ مَقامِي اى قيامى بينكم مدة مديدة- او قيامى على الدعوة وَتَذْكِيرِي ايّاكم بِآياتِ اللَّهِ اى بحججه وبيناته او آياته المنزلة فَعَلَى اللَّهِ لا على غيره تَوَكَّلْتُ اى وثقت به فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ من اجمع الأمر إذا نواه او عزم عليه وَشُرَكاءَكُمْ قرا يعقوب بالرفع عطفا على الضمير المرفوع المستتر فى اجمعوا وجاز للفصل يعنى اعزموا أنتم وشركاؤكم على قتلى او إصابة مكروه بي- والباقون بالنصب اما على انه مفعول معه والواو بمعنى مع والمعنى ما مر كذا قال الزجاج- واما على انه معطوف على أمركم بحذف المضاف اى اقصدوا أمركم وامر شركائكم- واما انه منصوب بفعل مقدر اى وادعوا شركاءكم ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ اى لا يكن شيء مما تقصدون بي عَلَيْكُمْ غُمَّةً مستورا بل اجعلوه ظاهرا مكشوفا من غمه إذا ستره- او المعنى لا يكن حالكم عليكم غمّا إذا اهلكتمونى وتخلصتم عن ثقل مقامى وتذكيرى ثُمَّ اقْضُوا اى أدوا إِلَيَّ ما أردتم وَلا تُنْظِرُونِ (71) ولا تمهلونى هذا امر على سبيل التعجيز اخبر الله تعالى عن نوح انه كان واثقا بنصر الله غير خائف من كيد قومه علما منه بانهم والهتهم لا يملكون نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله. فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما

[سورة يونس (10) : آية 73]

سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ حذف جزاء الشرط وأقيم علته مقامه- تقديره فان توليتم عن تذكيرى وأعرضتم عن قولى وقبول نصحى بعد ظهور صدقه هلكتم- او يعذبكم الله لكون ذلك التولي عن الحق بلا مانع عن قبوله- إذ ما سالتكم من اجر يوجب توليكم ويمنع عن قبول الحق لثقه عليكم- او اتهامكم إياي لاجله- او المعنى ان توليتم ظلمتم أنفسكم وما اضررتمونى بشيء- إذ ما سالتكم من اجر يفوتنى بتوليتكم بل انما يفوت عليكم الهداية إِنْ أَجْرِيَ قرا نافع وابو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء وكذلك حيث وقع والباقون بإسكانها اى ليس ثوابى على الدعوة والتذكير إِلَّا عَلَى اللَّهِ لا تعلق له بكم فهو يثيبنى أمنتم او توليتم- فيه اشارة الى ان أخذ الاجر على تعليم القران ونحو ذلك لا يصلح وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) المنقادين لحكم الله تعالى فى الايمان والأعمال ودعوة الناس اليه وقد فعلت. فَكَذَّبُوهُ اى أصروا على تكذيبه بعد وضوح الحق عنادا وتمردا فَنَجَّيْناهُ يعنى نوحا من الغرق وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وكانوا ثمانين وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ من الهالكين وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا بالطوفان فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) اى اخر امر من انذرهم الرسل فلم يؤمنوا- فيه تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن كذّب الرسل وتسلية للنبى صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ بَعَثْنا أرسلنا مِنْ بَعْدِهِ اى بعد نوح رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ اى كل رسول الى قومه فَجاؤُهُمْ اى الرسل بِالْبَيِّناتِ اى بالدلائل الواضحة فَما كانُوا اى أقوام الرسل لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ اى بما كذب به قوم نوح قبل مجيئهم كَذلِكَ اى كما طبعنا على قلوب قوم نوح وأقوام الرسل بعده نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) من أمتك بخذلانهم لانهماكهم فى الضلال واتباع المألوف. ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد تلك الرسل مُوسى بن عمران وَأخاه هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ اى اشراف قومه خص الملأ بالذكر تمهيدا لبيان استكبارهم بِآياتِنا «1» فَاسْتَكْبَرُوا عن اتباع موسى وهارون وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (75)

_ (1) ليست فى الأصل بايتنا

[سورة يونس (10) : آية 76]

اى معتادين بالاجرام ولذلك تهاونوا برسالة الله سبحانه واجترءوا على ردها. فَلَمَّا جاءَهُمُ اى فرعون وقومه الْحَقُّ اى الدين الحق مِنْ عِنْدِنا وعرفوا حقيقته بتظاهر المعجزات الباهرة المزيلة للشك قالُوا اى فرعون وملاؤه من فرط تمردهم إِنَّ هذا ما جاء به موسى من المعجزات لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) ظاهر انه سحر او فائق فى قنه واضح فيما بين أشباهه. قالَ مُوسى على سبيل التعجب والإنكار أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ للامر الثابت المتحقق من عند الله لَمَّا جاءَكُمْ انه سحر والسحر ثمويه لا حقيقة له- فحذف محكى القول لدلالة ما قبله عليه- ولا يجوز ان يكون المحكي أَسِحْرٌ هذا لانهم بتّوا القول بل هو استيناف بانكار ما قالوه الا ان يكون الاستفهام فيه للتقرير ويجوز ان يكون معنى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ أتعنونه- من قولهم فلان يخاف القالة فيستغنى عن المفعول كقوله تعالى سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ... وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) اى لا يظفر- من تمام كلام موسى للدلالة على انه ليس بسحر- فانه لو كان سحرا لاضمحل ولم يبطل سحر السحرة- ولان العالم به لا يسحر او تمام قولهم ان جعل اسحر هذا محكيا- كانهم قالوا اجئتنا بالسحر تطلب به الفلاح ولا يفلح الساحرون. قالُوا يعنى فرعون وقومه لموسى أَجِئْتَنا يا موسى لِتَلْفِتَنا اى لتصرفنا وقال قتادة لتلوينا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا من عبادة الأصنام او عبادة فرعون وَتَكُونَ قرا أبو بكر بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية لَكُمَا الْكِبْرِياءُ الملك والسلطان سمى بها لا تصاف الملوك بالتكبر على الناس باستتباعهم فِي الْأَرْضِ ارض مصر وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78) مصدقين فيما تدّعونه. وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ قرا حمزة والكسائي سَحَّارٍ عَلِيمٍ (79) حاذق فيه فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ قرا ابو عمرو وابو جعفر السّحر بالمد على ان ما استفهامية مرفوعة بالابتداء وجئتم به خبرها والسّحر خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره محذوف والجملة بدل من قوله ما جئتم به تقديره اهو السحر او السحر هو- وقرا الجمهور بلا مد على الخبر يعنى الّذي جئتم به السحر- لا ما سماه فرعون وقومه سحرا من آيات الله- ويؤيده قراءة ابن مسعود

[سورة يونس (10) : آية 82]

ما جئتم به سحر إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ اى سيمحقه او سيظهر بطلانه إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ اى لا يثبت ولا يقوى عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) فيه دليل على ان السحر إفساد وتمويه لا حقيقة. له وَيُحِقُّ اللَّهُ اى يثبت ويقوى الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ باياته وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) . فَما آمَنَ لِمُوسى اى لم يصدق موسى مع ما جاء به من الآيات وأبطل سحر السحرة إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ قيل ضمير قومه راجع الى موسى يعنى مومنى بنى إسرائيل الذين كانوا بمصر وخرجوا معه- قال مجاهد كانوا أولاد الذين أرسل إليهم موسى من بنى إسرائيل هلك الآباء وبقي الأبناء ولذا سموا ذرية- وقيل هم قوم نجوا من قتل فرعون لمّا امر بقتل أبناء بنى إسرائيل كانت المرأة من بنى إسرائيل إذا ولدت ولدا وهبته للقبطية خوفا من القتل فنشئوا عند القبط واسلموا فى اليوم الّذي غلب موسى السحرة- وقال آخرون الضمير راجع الى فرعون روى عطية عن ابن عباس قال هم أناس يسيرون من قوم فرعون أمنوا منهم امراة فرعون ومؤمن ال فرعون وخازن فرعون وامراة خازنه وما شطته- كذا اخرج ابن جرير عنه وعن ابن عباس رواية اخرى انهم سبعون اهل بيت من القبط من ال فرعون أمهاتهم من بنى إسرائيل فجعل الرجل يتبع امه وأخواله- قال الفراء سموا ذرية لان آباءهم كانوا من القبط وأمهاتهم من بنى إسرائيل كما يقال لاولاد اهل الفرس الذين سقطوا الى اليمن الأبناء لان أمهاتهم من غير جنس ابائهم عَلى خَوْفٍ اى مع خوف مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ الضمير لفرعون وجمعه على ما هو المعتاد من ضمير العظماء- او على ان المراد بفرعون اله كما يقال ربيعة ومضر والمعنى مع خوف من ال فرعون واشراف قومهم او للذرية او للقوم أَنْ يَفْتِنَهُمْ اى يعذبهم فرعون وهو بدل من فرعون او مفعول خوف وافراده بالضمير للدلالة على ان الخوف من الملأ كان بسببه وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ غالب متكبر فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) المجاوزين الحد حتّى ادعى الربوبية مع كونه عبدا مخلوقا محتاجا- واسترقّ أبناء الأنبياء. وَقالَ مُوسى لما راى خوف المؤمنين من فرعون يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا اى ثقوا به واعتمدوا عليه ولا تخافوا من فرعون وملائه إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) جزاؤه محذوف

[سورة يونس (10) : آية 85]

دل عليه السياق يعنى ان كنتم مستسلمين لقضاء الله مخلصين له توكلتم عليه- وليس هذا من تعليق الحكم بشرطين بل المعلق بالايمان وجوب التوكل فانه المقتضى له- والمشروط بالإسلام حصوله فان التوكل على الله لا يحصل ما لم يسلموا نفوسهم لله اى يجعلوها له سالمة خالصة بحيث لا يكون حظ للهوى ولا للشيطان فيها- لان التوكل لا يحصل مع التخليط وهو من مقامات الصوفية. فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا فانهم كانوا مخلصين أصحابا لرسول رب العالمين على نبينا وعليه الصلاة والسلام- ثم دعوا ربهم وقالوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً اى موضع فتنة وعذاب لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) اى لا تسلطهم علينا فيفتنوننا ويعذبوننا- او المعنى لا تجعلنا سببا لزيادة طغيانهم وكفرهم بان تعذبنا بعذاب من عندك او بايدى قوم فرعون فيقول قوم فرعون لو كان هؤلاء على الحق ما عذبوا وظنوا انهم خير منا. وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) من كيدهم وشوم مشاهدتهم وفى تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على ان الداعي ينبغى ان يتوكل اولا ليجاب دعوته قلت بل على ان التوكل من صفات اللازمة للصوفى والدعاء من عوارضه-. وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ هارون أَنْ تَبُوءَ اى تتخذا مباة ومرجعا من غيرها من الأماكن إليها للسكنى والعبادة لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً قال البغوي قال اكثر المفسرين كانت بنوا إسرائيل لا يصلون الا فى كنائسهم وبيعهم وكانت ظاهرة فلما أرسل موسى امر فرعون بتخريبها ومنعهم من الصلاة فيها فامرهم الله ان يتخذوا مساجد فى بيوتهم ويصلّوا فيها خوفا من ال فرعون هذا قول ابراهيم النخعي وعكرمة عن ابن عباس- وقال مجاهد خاف موسى ومن معه من فرعون فى الكنائس الجامعة فامروا ان يجعلوا فى بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة يصلون فيها سرّا وَاجْعَلُوا أنتما وقومكما بُيُوتَكُمْ الّتي تبوأتما لهم قِبْلَةً يعنى مصلّى متوجهة نحو القبلة يعنى الكعبة- روى ابن جريج عن ابن عباس قال كانت الكعبة قبلة موسى ومن معه وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فيها أمروا بذلك أول أمرهم لئلا يظهر عليهم الكفرة فيوذوهم وَبَشِّرِ يا موسى الْمُؤْمِنِينَ (87) ان يهلك الله عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فى الدنيا- ويورثكم الجنة فى العقبى- شنّى الضمير اولا لان التبوء

[سورة يونس (10) : آية 88]

القوم واتخاذ المعابد مما يتعاطاه رءوس القوم بتشاورهم- ثم جمع لان جعل البيوت مساجد واقامة الصلاة يجب على كل أحد- ثم وحّد لان البشارة وظيفة صاحب الشريعة وقال البغوي بشّر المؤمنين خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم. وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً اى ما يتزين به الناس من اللباس والحلي والفرش والأثاث والمراكب والخدم والحشم وغيرها وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ اللام فى ليضلوا للعاقبة متعلقة باتيت يعنى حتّى صار عاقبة أمرهم الضلال والطغيان كقوله تعالى فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً- وقيل هى لام كى اى أتيتهم استدراجا ليثبتوا على الضلال- او لانهم لما جعلوها سببا للضلال فكانما اوتوها «1» ليضلوا- فيكون كلمة ربنا تكريرا للاول تأكيدا للالحاح فى التضرع- قال الشيخ ابو منصورا لما تريدى إذا علم منهم انهم يضلون الناس عن سبيله أتاهم ما أتاهم ما أتاهم ليضلوا عن سبيله- وهو كقوله تعالى إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً فيكون الاية حجة على المعتزلة فى القول بوجوب الأصلح واللطف على الله تعالى- وقال البيضاوي قوله رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ دعاء عليهم بلفظ الأمر رَبَّنَا اطْمِسْ اى امحق عَلى أَمْوالِهِمْ باهلاكها كذا قال مجاهد- وقال اكثر اهل التفسير امسخها وغيّرها عن هيئتها- قال قتادة صارت أموالهم وحروثهم وزروعهم وجواهرهم حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأنصافا وأثلاثا- ودعا عمر بن عبد العزيز بخريطة فيها أشياء من بقايا ال فرعون فاخرج منها البيضة مشقوقة والجوزة مشقوقة وانها لحجر- وقال السدى مسخ الله تعالى أموالهم حجارة والنخيل والثمار والدقيق والاطعمة وكانت احدى الآيات التسع وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ يعنى اقسها واطبع عليها حتّى لا تلين ولا تنشرح للايمان- انما دعا عليهم لمّا ايئس من ايمانهم وعلم بالوحى انهم لا يؤمنون- فاما قبل ان يعلم بانهم لا يؤمنون فلا يجوز له ان يدعو بهذا الدعاء لانه أرسل إليهم ليدعوهم بالايمان فان قيل بعد ما علم انهم لا يؤمنون اىّ فائدة فى الدعاء عليهم قلنا لعل ذلك للبغض بأعداء الله فى الله وذلك مقتضى طبيعة الايمان- او يكون ذلك امتثالا لامر الله تعالى ونظير ذلك قولك لعن الله إبليس مع ان ذلك معلوم انه ملعون امتثالا لقوله تعالى إِنَّ الشَّيْطانَ

_ (1) فى الأصل أتوها [.....]

[سورة يونس (10) : آية 89]

لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ... فَلا يُؤْمِنُوا منصوب على انه جواب للدعاء- او على انه معطوف على ليضلوا وما بينهما دعاء معترض وقال الفراء مجزوم على انه دعاء بلفظ النهى كانه قال اللهم فلا يؤمنوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) بعد الموت كذا قال السدى. قالَ الله تعالى لموسى وهارون قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما نسبت الدعوة إليهما لانه روى ان موسى كان يدعو وهارون يؤمّن والتأمين دعاء- قال البغوي وفى بعض القصص كان بين دعاء موسى والاجابة أربعين سنة فَاسْتَقِيما على الرسالة والدعوة وامضيا لامرى الى ان يأتيهم العذاب وَلا تَتَّبِعانِّ نهى بالنون الثقيلة ومحله جزم- وقرا ابن ذكوان بالنون الخفيفة- وكسر النون لالتقاء الساكنين سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89) اى طريق الجهلة فى الاستعجال او عدم الوثوق وعدم الاطمينان بما وعد الله سبحانه-. وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ اى جوّزناهم وعبرناهم حتّى بلغوا الشطّ وفاعل هاهنا بمعنى فعل نحو عاقب امير اللص- وكان البحر قد انفلق لموسى وقومه فَأَتْبَعَهُمْ اى لحقهم وأدركهم فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ يقال اتبعه وتبعه إذا أدركه ولحقه واتّبعه بالتشديد إذا سار خلفه واقتدى به وقيل هما واحد بَغْياً وَعَدْواً اى باغين وعادين او للبغى والعدو- وقيل بغيا فى القول وعدوا فى الفعل فلمّا وصل فرعون بجنوده الى البحر هابوا دخوله فتقدمهم جبرئيل عليه السلام على فرس أنثى وخاض البحر فاقتحمت الخيول خلفه حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ وانطبق عليهم الماء لمّا دخل آخرهم وهمّ أولهم ان يخرج قالَ فرعون آمَنْتُ أَنَّهُ اى بانه وقرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على إضمار القول او الاستيناف بدلا وتفسيرا لآمنت لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) فدسّ جبرئيل عليه السلام فى فيه من حماة البحر فمات قبل ان تقبل توبته- نكب الشقي عن الايمان او ان القبول وبالغ فيه حين لا يقبل فقال الله تعالى على سبيل الإنكار. آلْآنَ يعنى اتؤمن الان حين أيست من الحيوة ولم يبق لك اختيار وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ذلك مدة عمرك وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) الضالين المضلين عن الايمان- قال البغوي روى عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لمّا أغرق الله تعالى

[سورة يونس (10) : آية 92]

فرعون قال امنت انّه لا اله الّا الّذي امنت به بنوا اسراءيل فقال جبرئيل يا محمّد فلو رايتنى وانا أخذ من حال البحر فادسّه فى فيه مخافة ان تدركه الرحمة فائدة زعم جلال الدين الدواني ان فرعون مات مسلما حيث اتى بكلمة التوحيد حال حياته- وقد اتبع هو فى هذا القول الشيخ الاجل محى الدين ابن «1» العربي قدس الله سره حيث قال مات فرعون طاهرا- والحق ان قول الشيخ هذا مصروف عن الظاهر وكثير من كلماته السكرية لا تطابق الشرع وهذا القول خارق للاجماع- ومخالف للصحاح من الأحاديث قال الدواني كل ما فى القران من الوعيد بالنار انما جاء فى حق ال فرعون دون نفسه- قال الله تعالى أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ- وقال الله تعالى فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ- وقال وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ- واما فرعون فلا يعذب على كفره فانه قد أمن من بل على عصيانه وظلمه فى حق العباد فان حقوق العباد لا يغفرها الله- قلت وهذا ليس بشيء فان الله سبحانه قال فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى فانه صريح فى كونه معذبا فى الاخرة لاجل كفره وما قال الله تعالى حكاية عن موسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا الى قوله اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا- وقوله قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما صريح فى ان موسى دعا على فرعون ان يموت على الكفر وقد أجيبت دعوته- فانكار موته على الكفر انكار لهذه الاية نعوذ بالله منه. فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ اى نلقيك بنجوة من الأرض وهى المكان المرتفع- او المعنى نبعدك مما وقع قومك من قعر البحر ونجعلك طافيا- وقرا يعقوب ننجيك بالتخفيف من الافعال بِبَدَنِكَ اى ببدنك عاريا من الروح او كاملا سويّا او عريانا عن اللباس او بدرعك- وكانت له درع مشهور من ذهب مرصع بالجواهر- قال البغوي لما اخبر موسى قومه بهلاك فرعون قال بنوا إسرائيل مامان فرعون- فامر الله البحر فالقى فرعون على الساحل احمر قصيرا كانه ثور فراه بنوا إسرائيل وعرفوه بدرعه فصدقوا لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ اى من ورائك آيَةً أي عبرة وعظة- او اية دالة على طريقة التوحيد مظهرا لعجز البشر وان كان ملكا فانه كان فى نفوس بنى إسرائيل متخيّلا متمكنا انه لا يهلك حتّى شكّوا فى موته حين أخبرهم موسى عليه السلام الى ان عاينوه مطروحا على ممرهم من الساحل او لمن يأتى بعدك من القرون إذا سمعوا مال أمرك ممن شاهدك ونكالا عن الطغيان وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يعنى الكفار عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (54) لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها-

_ (1) فى الأصل محى الدين العربي- .

[سورة يونس (10) : آية 93]

وَلَقَدْ بَوَّأْنا اى أنزلنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ اى منزلا صالحا يعنى مصر وقيل الأردن وفلسطين وهى الأرض المقدسة الّتي كتب الله ميراثا لابراهيم وذريته وقال الضحاك هى مصر والشام وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ اى اللذائذ فَمَا اخْتَلَفُوا اى بنوا إسرائيل الذين كانوا فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم فى امر محمّد صلى الله عليه وسلم قبل مجيئه بل كان كلهم متفقين على انه رسول الله منعوت بصفات مكتوبة فى التورية مبشرين الناس بقرب ظهوره مستفتحين به على الذين كفروا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ اى معلومهم وهو محمّد صلى الله عليه وسلم كالخلق بمعنى المخلوق فى قوله تعالى هذا خَلْقُ اللَّهِ او المعنى حتّى جاءهم العلم بانه هو بمطابقة صفاته بما ذكرت فى التورية وظهور معجزاته فحينئذ اختلفوا فامنت طائفة منهم وكفرت طائفة عنادا وحسدا إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فيميّز المحق من المبطل بالانجاء والإهلاك. فَإِنْ كُنْتَ ايها الإنسان فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ من القران والهدى على لسان رسولنا محمّد صلى الله عليه وسلم فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ قال ابن عباس ومجاهد والضحاك يعنى من أمن من اهل الكتب كعبد الله بن سلام وأصحابه يشهدون لك انه موعود فى التورية والإنجيل مطابق فى قصصه واصول أحكامه بالكتب المتقدمة- فهذا خطاب مع اهل الشك من الناس- وكان الناس فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مصدق ومكذب وشاك- وفيه تنبيه على انه من خالجه شبهة فى الدين ينبغى ان يتسارع الى حلها بالرجوع الى الصالحين من اهل العلم- وقيل هذا خطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الفرض والتقدير او لزيادة تثبيته يدل عليه ما اخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال بلغنا انه صلى الله عليه وسلم قال لا أشك ولا اسئل- وقيل خطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره على عادة العرب فانهم قد يخاطبون الرجل ويريدون به غيره كقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به المؤمنون بدليل قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً حيث لم يقل بما تعمل- وقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ- وقال الفراء علم الله سبحانه ان رسوله صلى الله عليه وسلم غير شاكّ لكنه ذكره على عادة العرب يقول أحدهم لعبده ان كنت عبدى فاطعنى ويقول لولده ان كنت ولدي فافعل كذا ولا يكون ذلك على وجه الشك لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ يعنى ما أنزلنا إليك امر ثابت متحقق مِنْ رَبِّكَ ثبت ذلك عندك بالآيات الواضحة والبراهين القاطعة

[سورة يونس (10) : آية 95]

بحيث لا مدخل للمرية فيه فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94) بالتزلزل عما أنت عليه من الجزم واليقين. وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) الخطاب فى هذا كالخطاب فى ما سبق اما للشاكين من الناس او للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره او للرسول على سبيل الفرض- او الفرض منه التثبيت وقطع الاطماع عنه كقوله فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ-. إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ اى وجبت عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ يعنى قوله حين أخذ الميثاق ان هؤلاء للنار- روى مالك والترمذي وابو داؤد عن مسلم بن يسار قال سئل عمر بن الخطاب عن هذه الاية وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الاية قال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل عنها فقال ان الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل اهل النار يعملون الحديث- وروى احمد عن ابى نصرة عن رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له ابو عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله عز وجل قبض بيمينه قبضة واخرى باليد الاخرى وقال هذه لهذه يعنى للجنة وهذه لهذه يعنى للنار ولا أبالي. لا يُؤْمِنُونَ (97) إذ لا نقض لقضاء الله تعالى. وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ دالة على الصدق موجبة للايمان فان السبب الأصلي لايمانهم انما هو تعلق ارادة الله تعالى به ولم يوجد- وجملة لو جاءتهم مع معطوفة عليها مقدرة فى محل الحال من فاعل لا يؤمنون- تقديره لا يؤمنون لو لم يجئهم ولو جاءتهم كل اية يعنى لا يؤمنون فى حال من الأحوال حذف ما حذف لدلالة المذكور عليه حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (97) فى القبر او فى النار او حالة الغرغرة وحينئذ لا ينفعهم الايمان كما لم ينفع ايمان فرعون حالة الغرغرة. فَلَوْلا اى فهلا كانَتْ قَرْيَةٌ اى اهل قرية من القرى الّتي أهلكناها آمَنَتْ قبل معاينة العذاب ولم يؤخر الى حالة الغرغرة كما اخر فرعون فَنَفَعَها إِيمانُها اى قبلها الله منها- عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي- وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ليغفر لعبده ما لم يقع الحجاب قالوا يا رسول الله وما الحجاب قال ان تموت النفس وهى مشركة رواه احمد والبيهقي فى كتاب البعث والنشور إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ استثناء منقطع يعنى لكن قوم يونس أمنوا فنفعهم ايمانهم وجاز ان تكون الجملة فى معنى النفي لتضمن حرف التحضيض معناه

فيكون الاستثناء متصلا- والمعنى ما أمن «1» أحد من اهل قرية عاصية قبل معائنة العذاب الأخروي حالة الغرغرة الا قوم يونس فانهم أمنوا قبل حالة الغرغرة وقبل رؤية العذاب الأخروي لَمَّا آمَنُوا فى حالة الاختيار قبلنا منهم الايمان اخرج ابن مردوية عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم فى هذه الاية قال لما أمنوا دعوا وكَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ فى الدنيا إِلى حِينٍ (98) اى وقت معين معلوم عند الله تعالى وهو وقت اجالهم- وقال البغوي تأويل هذه الاية انه لم يكن قرية امنت عند معائنة العذاب فنفعها إيمانها فى حالة البأس الا قوم يونس- فانهم نفعهم ايمانهم فى ذلك الوقت- ثم قال واختلفوا فى انهم هل رأوا العذاب عيانا اولا- فقال بعضهم راوا دليل العذاب والأكثرون على انهم راوا العذاب عيانا- بدليل قوله تعالى كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ- والكشف يكون بعد الوقوع- وكلام البغوي هذا يفيد ان الايمان فى حالة العذاب الدنيوي لا يقبل ولم يقبل الا من قوم يونس وتسمى تلك الحالة حالة البأس- والصحيح ان المراد برؤية العذاب الأليم المانع من قبول الايمان رؤية العذاب الأخروي عند حضور الموت حين يرى ملائكة الموت- الا ترى ان الكفار عذبوا يوم بدر بالعذاب الدنيوي من القتل والاسر وغير ذلك ثم أمن بعض من بقي منهم حيّا- وكذا كان حال قوم يونس انهم أمنوا قبل رؤية العذاب الأخروي فقبل الله تعالى ايمانهم بعد ما رأوا العذاب فى الدنيا- ثم لما أمنوا كشف الله عنهم عذاب الخزي فى الحيوة الدنيا واما ايمان فرعون فلم يقبل اما لكونه عند الغرغرة واما لعدم خلوصه الى قلبه بسبب دعاء موسى اشدد على قلوبهم- وقد كان من عادة فرعون وقومه انهم كلّما وقع عليهم الرجز قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ وكان كلّما كشف الله عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ فلعله أمن فرعون حينئذ ايضا بلسانه دون قلبه فلم يقبل منه- وقد ذكرنا مسئلة قبول التوبة قبل خالة الغرغرة فى سورة النساء فى قوله تعالى إِنَّمَا «2» التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ الاية وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ الاية (قصة يونس عليه السلام) على ما ذكره البغوي عن ابن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم ان قوم يونس كانوا بنينوى من ارض الموصل- فارسل الله تعالى إليهم

_ (1) فى الأصل ما امنت- (2) وفى الأصل انّما التوبة على الذين إلخ-

يونس عليه السلام يدعوهم الى الايمان- فدعاهم فابوا فقيل له أخبرهم ان العذاب مصبّحهم الى ثلاث فاخبرهم بذلك- فقالوا انا لم نجرّب عليه كذبا- فانظروا فان بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء- وان لم يبت فاعلموا ان العذاب مصبّحكم- فلما كان جوف تلك الليلة خرج يونس من بين أظهرهم- فلما أصبحوا تغشّاهم العذاب فكان فوق رءوسهم قدر ميل- وقال وهب غامت السماء غيما اسود هائلا- يدخن دخانا شديدا- فهبط حتّى غشّى مدينتهم واسودت سطوحهم- فلما راوا ذلك أيقنوا بالهلاك- فطلبوا يونس بينهم فلم يجدوه- فقذف الله فى قلوبهم التوبة- فخرجوا الى الصعيد بانفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم- ولبسوا المسوح وأظهروا الايمان والتوبة- وأخلصوا النية وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والانعام- فحنّ بعضها الى بعض وعلت أصواتها واختلطت أصواتها بأصواتهم وعجّوا وتضرّعوا الى الله عز وجل وقالوا أمنا بما جاء به يونس- فرحمهم ربهم واستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعد ما أظلهم وذلك يوم عاشوراء- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن المنذر وابو الشيخ عن قتادة قال ذكر لنا ان قوم يونس كانوا بنينوى من ارض الموصل فذكر نحوه- وفيه فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى كشف الله عنهم العذاب بعد ما تدلّى عليهم ولم يكن بينهم وبين العذاب إلا ميل- واخرج ابن ابى حاتم عن على رضى الله عنه قال تيب على قوم يونس يوم عاشوراء وكان يونس قد خرج ينتظر العذاب وهلاك قومه فلم ير شيئا- وكان من كذب ولم يكن له بينة قتل فقال يونس كيف ارجع الى قومى وقد كذبتهم- فانطلق عاتبا على ربه مغاضبا لقومه- فاق البحر فاذا قوم يركبون سفينة فعرفوه فحملوه بغير اجر- فلما دخلها وتوسطت بهم ولججت وقفت السفينة لا ترجع ولا تتقدم فقال اهل السفينة ان لسفينتنا لشأنا قال يونس قد عرفت شأنها ركبها رجل ذو خطيئة عظيمة- قالوا «1» ومن هو- قال انا اقذفونى فى البحر- قالوا ما كنا لنطرحك من بيننا حتّى نعذر فى شأنك- فاستهموا فاقرعوا ثلاث مرات فادحض سهمه- والحوت عند رجل السفينة فاغرقاه ينتظر امر ربه فيه- فقال يونس انكم والله لتهلكن جميعا او لتطرحونى فيه- فقذفوه فيه فانطلقوا وأخذت الحوت- وروى ان الله تعالى اوحى الى حوت عظيم

_ (1) فى الأصل قال-

حتّى قصد السفينة فلما راه اهل السفينة مثل الجبل العظيم وقد فغرفاه ينظر الى من فى السفينة كانّه يطلب شيئا خافوا فلما راه يونس عليه السلام زخ نفسه فى الماء- وعن ابن عباس رضى الله عنه انه خرج مغاضبا لقومه- فاتى بحر الروم فاذا سفينة مشحونة فركبها- فلما لججت السفينة تكافت حتّى كادوا ان يغرقوا- فقال الملاحون هاهنا رجل عاص او عبد ابق وهذا رسم السفينة إذا كان فيها ابق لا تجرى- ومن رسمنا ان نقترع فى مثل هذا فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه فى البحر- ولان يغرق واحد خير من ان تغرق السفينة بما فيها- فاقترعوا ثلاث مرات فوقعت القرعة فى كلها على يونس- فقام يونس فقال انا الرجل العاصي والعبد الآبق فالقى نفسه فى الماء- فابتلعه حوت ثم جاء حوت اخر اكبر منه وابتلع هذا الحوت- واوحى الله الى الحوت لا تؤذى منه شعرة فانى جعلت بطنك سبحنه ولم نجعله طعاما لك- وروى عن ابن عباس قال نودى الحوت انا لم نجعل يونس لك قوتا وانما جعلنا بطنك له حرزا ومسجدا- وروى انه قام قبل القرعة قال انا العبد العاصي الآبق- قالوا من أنت- قال يونس بن متّى- فعرفوا فقالوا لا نلقينك يا رسول الله ولكن نساهم- فخرجت القرعة عليه فالقى نفسه فى الماء- قال ابن مسعود ابتلعه الحوت فاهوى به الى قرار الأرض السابعة وكان فى بطنه أربعين ليلة- فسمع تسبيح الحصى فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ- فاجاب الله له فامر الحوت فنبذه على ساحل البحر كالفرخ الممعط- فانبت الله عليه شجرة من يقطين وهو الدباء فجعل يستظل تحتها ووكّل الله به وعلة يشرب من لبنها- فيبست الشجرة فبكى عليها- فاوحى الله تعالى اليه تبكى على شجرة يبست ولا تبكى على مائة الف او يزيدون وأردت ان اهلكهم- فخرج يونس فاذا هو بغلام يرعى فقال من أنت يا غلام- قال من قوم يونس- قال إذا رجعت إليهم فاخبرهم انى لقيت يونس- فقال الغلام قد تعلم انه ان لم يكن بينة قتلت قال يونس تشهد لك هذه البقعة وهذه الشجرة- فقال له الغلام فمرهما- قال يونس إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا «1» له قالتا نعم- فرجع الغلام فقال للملك انى لقيت يونس فامر الملك بقتله- فقال ان لى بينة فارسلوا معى فاتى البقعة والشجرة فقال أنشدكما بالله هل اشهد كما يونس قالتا نعم فرجع القوم مذعورين وقالوا للملك شهد له الشجرة

_ (1) فى الأصل فاشهدوا-

[سورة يونس (10) : آية 99]

والأرض فاخذ الملك بيد الغلام فاجلسه فى مجلسه وقال أنت أحق بهذا المكان منى فاقام لهم أمرهم ذلك أربعين سنة-. وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ يا محمّد ان يؤمن من فى الأرض كلهم لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ بحيث لا يشذ عنهم أحد جَمِيعاً مجتمعين على الايمان غير مختلفين فيه- وفيه رد لمذهب القدرية الذين قالوا ان الله سبحانه يشاء ايمان جميع الناس لكنهم لا يؤمنون باختيارهم- فانها تدل انه لم يشأ ايمانهم وانّ من شاء إيمانه يؤمن لا محالة لاستحالة تخلف مشية الله عما شاء والتقييد بمشية الإلجاء خلاف الظاهر أَفَأَنْتَ يا محمّد تُكْرِهُ النَّاسَ يعنى الكفار حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) ولم يشا الله ذلك منهم ترتب الإكراه على عدم المشية بالفاء وإدخال حرف الاستفهام للانكار وتقديم الضمير على الفعل للدلالة على ان ما لم يشأ الله مستحيل وجوده لا يمكن تحصيله بالإكراه فضلا عن الحث والتحريض عليه- وذلك انه صلى الله عليه وسلم كان حريصا على ان يؤمن جميع الناس فاخبره الله تعالى بانه لا يؤمن منهم الا من سبق علم الله فيه بالسعادة دون من سبق عليه بالشقاوة فلا تهتم فى ذلك فالاية تسلّية للنبى صلى الله عليه وسلم وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ بالله تعالى إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعنى الا بإرادته وتوفيقه وَيَجْعَلُ قرأ ابو بكر بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة اى يجعل الله الرِّجْسَ اى العذاب او الخذلان فانه سببه عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) الحق من الباطل يعنى الكفار لما على قلوبهم من الطبع ولعدم تعلق مشية الله تعالى بتعقّلهم قُلِ يا محمّد انْظُرُوا ايها الناس وتفكروا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من عجائب الممكنات كالشمس والقمر والنجوم وحركاتها المنتسقة والجبال والبحار والأنهار والأشجار والمواليد الدالات على وجود صانع قديم قادر عليم متوحد بجلال ذاته وكمال صفاته- وكلمة ماذا ان جعلت استفهامية علقت انظروا عن العمد وَما تُغْنِي ما نافية او استفهامية للانكار فى موضع النصب يعنى لا تفيد الْآياتُ الموجبة للعلم واليقين وَالنُّذُرُ جمع نذير يعنى الرسل وغيرهم

[سورة يونس (10) : آية 102]

كالشيب وموت الاقران عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) فى علم الله وحكمه فان الايمان امر وهبى فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ اى مشركوا مكة إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ اى مثل وقائع الَّذِينَ خَلَوْا مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ من كفار الأمم السّابقة- قال قتادة يعنى وقائع الله تعالى فى قوم نوح وعاد وثمود- والعرب يسمى العذاب أياما- والنعم ايضا أياما قال الله تعالى وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ فكلّما مضى عليك من خير او شر فهو ايام قُلْ يا محمّد فَانْتَظِرُوا يا اهل مكة هلاكى إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) هلاككم ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا عطف على محذوف دل عليه قوله إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا كانه قيل نهلك الأمم ثم ننجّى رسلنا ومن أمن معهم على حكاية الحال الماضية كَذلِكَ يعنى كما ننجى رسلنا من الأمم السابقة كذلك حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) اى إنجاء مثل ذلك الانجاء ننجى محمّدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين يهلك المشركون- وحقّا علينا اعتراض يعنى وجب علينا وجوبا قرأ حفص والكسائي ننج مخففا من الافعال والباقون مشددا من التفعيل- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب لاهل مكة إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي من صحته فانهم كانوا فى استبعاد من امر النبوة- وكانوا إذا رأوا الآيات اضطروا الى الايمان فكانوا فى شك وتزدد لشقاوتهم الجبلية فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الحجارة المنحوتة بايديكم وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ يعنى الّذي يحييكم ويميتكم ويخلق ما يشاء ويختار- وانما خص التوفى بالذكر للتهديد- جملة فلا اعبد الى آخره وضع موضع الجزاء اقامة للسبب مقام المسبب- تقديره ان كنتم فى شك من دينى فازيلوا ذلك الشك بالتأمل والتفكر فى دينى وهو هذا لا اعبد الحجارة المخلوقة الّتي لا تضر ولا تنفع واعبد الله الخالق القادر النافع الضار وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ اى بان أكون مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) بما دل عليه العقل وثبت بالنقل من الكتب السماوية وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ عطف على ان أكون ذكر الصلة فى المعطوف عليه بصيغة المضارع وفى المعطوف بصيغة الأمر لعدم

[سورة يونس (10) : آية 106]

الفرق بينهما إذ المقصود وصلها بما يتضمنه من المعنى المصدري وصيغ الافعال كلها لذلك سواء- والمعنى أمرت بكونى على الايمان والاستقامة فى الدين والاستبداد فيه بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح- او فى الصلاة باستقبال القبلة لِلدِّينِ حَنِيفاً حال من الدين او الوجه وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) عطف على أقم يعنى أمرت بان لا تكونن من المشركين ومعناه نهيت عن كونى على الشرك وَلا تَدْعُ عطف تفسيرى على قوله لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يعنى لا تعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ ان دعوته وَلا يَضُرُّكَ ان خذلته ولا شك ان من تفكر ونظر بعين الانصاف فى هذا الدين المؤيد بالعقل والنقل حصل له اليقين بصحة الدين وزال عنه الشك ان شاء الله تعالى فَإِنْ فَعَلْتَ عبادة ما لا ينفعك ولا يضرك فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106) حيث وضعت العبادة فى غير موضعه جزاء للشرط وجواب لسوال مقدر عن تبعة عبادة غير الله- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ اى يصيبك بِضُرٍّ اى بمرض او شدة او بلاء فَلا كاشِفَ لَهُ اى لا دافع له أحد إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ الله بِخَيْرٍ من خيرات الدنيا والاخرة فَلا رَادَّ اى لا دافع لِفَضْلِهِ أحد لعله ذكر الارادة مع الخير- والمس مع الضر مع تلازم الامرين للتنبيه على ان الخير مراد بالذات والضر انما مسّهم لا بالقصد الاول- ووضع الفضل موضع الضمير للدلالة على انه متفضل بما يريدهم من الخير لا لاستحقاق لهم عليه- ولم يستثن لان مراد الله لا يمكن رده يُصِيبُ بِهِ اى بكل واحد من الخير والشر مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فتتعرضوا الرحمة بالطاعة ولا تتكلوا عليها ولا تيئسوا من غفرانه بالمعصية ولكن خافوا عذابه- روى ابو نعيم عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم انى لا اناصب عبدا لحساب يوم القيامة أشاء ان أعذّبه الا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك لا تلقوا بايديكم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي- قطع الله سبحانه بهذه الاية طريق الرغبة والرهبة الا اليه وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)

[سورة يونس (10) : آية 108]

سبقت رحمته على غضبه. قُلْ يا محمّد يا أَيُّهَا النَّاسُ اهل مكة قَدْ جاءَكُمُ العلم الْحَقُّ الثابت المطابق للواقع يعنى العلم بالتوحيد والصفات واحوال المبدأ والمعاد فى القران وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مِنْ رَبِّكُمْ ولم يبق لكم عذر بالجهل- او المراد بالحق ما ظهر تحققه وصدقه بالاعجاز يعنى القران او الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يبق لكم عذر فَمَنِ اهْتَدى بإذعان ذلك العلم والسلوك على مقتضاه وبقبول القران ومتابعة الرسول فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ فان نفعه عائد إليها وَمَنْ ضَلَّ عن طريق الحق بالإنكار والعناد فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لان وباله عائد عليها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) بحفيظ موكول الىّ أمركم حتّى اؤاخذ بضلالكم وَاتَّبِعْ يا محمّد ما يُوحى إِلَيْكَ بامتثال الأوامر وترك المناهي وَاصْبِرْ على الطاعة وتحمل اذيتهم حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بقتال الكفار وضرب الجزية عليهم وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109) لا يمكن الخطاء فى حكمه لاطلاعه على السرائر كاطلاعه على الظواهر- والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين تمت تفسير سورة يونس من التفسير المظهرى التاسع والعشرين من رمضان السنة الاولى من المائة الثالثة عشر بعد الهجرة شوال «1» سنة 1201 هجرى

_ (1) هكذا فى الأصل لعل المصنف رحمة الله عليه فرغ من تسويده فى رمضان وكتب هذه التاريخ بالحمرة فى شوال- ابو محمّد عفى عنه .

فهرس سورة هود عليه السلام من التفسير المظهرى

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فهرس سورة هود عليه السلام من التفسير المظهرى مضمون صفحة ما ورد فى كتابة مقادير الخلائق والاجل والعمل والرزق ونحو ذلك- 7 ما ورد فى العرش على الماء- 7 مسئلة السموات والأرض وما بينهما خلقت لمحمّد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين 7 حديث عجبا لامر المؤمن ان امره كله له خير 9 حديث تواضعوا لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى- 9 ما ورد فى ان الكفار يعطون ثواب حسناتهم فى الدنيا- 12 حديث من أشرك فى عمله يعنى يرائى 12 حديث من كانت نيته طلب الاخرة ومن كانت نيته طلب الدنيا- 12 ما ورد فى كون علىّ رضى الله عنه باب العلم وذكر قطبيته- 14 حديث والّذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد ولم يؤمن الا كان من اهل النار- 15 حديث ان الله يدنى المؤمن فيضع كتفه عليه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا الحديث 15 ما ورد فى شهادة الأعضاء والازمنة والامكنة وغير ذلك- 16 قصة نوح عليه السلام 18 صفة السفينة- فى التنور 22 قصة هود عليه السلام 31 حديث الإسلام يهدم ما كان قبله 31 قصة صالح عليه السلام 34 قصة مجيء الملائكة لاهلاك قوم لوط اولا عند ابراهيم بالبشارة بإسحاق ويعقوب عليهم السلام 36 قصة مجيئهم لوطا عليه السلام 40 حديث رحم الله أخي لوطا كان يأوى الى ركن شديد 42 قصة شعيب عليه السلام 46 مسئلة من اشترى مكيلا او موزونا لا يجوز للمشترى ان يبيعه او يأكله حتّى يعيد الكيل والوزن- 47 حديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى يجرى فيه الصاعان- 47

مضمون صفحه مضمون صفحه حديث زن وأرجح 47 ذكر موسى عليه السلام وفرعون- 52 حديث ان الله ليملى الظالم حتّى إذا اخذه لم يفلته- 53 حديث ما من نفس منفوسة الا قد كتب مكانها من الجنة او النار 54 قول ابن مسعود ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وتأويله والإجماع على ان الكفار مخلدون فى النار وما ورد فى الباب من الأحاديث- اقوال المفسرين فى تأويل قوله تعالى فى اهل النار والجنة خلدين فيها الّا ما شاء ربّك- 55 حديث اشتكت النار الى ربها فاذن لها بنفسين- 56 ما ورد فى دخول الفساق فى النار وخروجهم منها- 56 اهل الجنة ينعمون فى بعض احيانهم بما هو أعلى من الجنة وهو الاستغراق فى رؤية الله تعالى- 58 حديث قل امنت بالله ثم استقم 60 الاستقامة فوق الكرامة- 60 حديث ان الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد الا غلبه 61 فائدة الميل الى الظالمين ادنى ميل يوجب العذاب فكيف بالميل كله ثم بالظلم نفسه والانهماك فيه وما ورد فى مصاحبة الظالم وتقويته- 61 ما ورد فى الجمع بين الظهرين والعشاءين وتأويلها وقول الفقهاء فيها- 62 ما ورد فى ان الحسنات والصلوات الخمس ورمضان مكفرات للخطايا- 65 الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم- 66 مسئلة الأمر غير الارادة وان ما أراد الله يجب وقوعه- 66 حديث خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوطا- 67 حديث شيبتنى سورة هود وأخواتها- 68 تمّت

سورة هود عليه السلام

سورة هود عليه السّلام مائة وثلاث وعشرون اية مكية الا قوله أقم الصّلوة طرفى النّهار الاية ربّ يسّر وتمّم بالخير «1» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر كِتابٌ مبتدا وخبر- او كتاب خبر مبتدا محذوف أُحْكِمَتْ آياتُهُ اى نظمت آياته نظما محكما لا يقع فيه نقص من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى- او منعت من النسخ ان كان المراد آيات السورة فانه ليس شيء منها منسوخا- او أحكمت بالحجج والدلائل- او جعلت حكيمة منقول من حكم بالضم إذا صار حكيما لاشتمالها على أمهات الحكم العلمية والعملية ثُمَّ فُصِّلَتْ اى بينت بالفوائد من العقائد والاحكام والمواعظ والاخبار كما يفصل القلائد بالفرائد- او فصلت بجعلها سورا- او بانزالها نجما نجما- او فصل اى بين فيها ولخص ما يحتاج اليه مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة للكتاب او خبر بعد خبر او صلة لاحكمت او لفصلت يعنى فصلت من عنده أحكامها وهو تقرير لاحكامها وتفصيلها على أكمل ما ينبغى باعتبار ما ظهر من امره وما خفى أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ اى لان لا تعبدوا- او بان لا تعبدوا- او فى ذلك الكتاب ان لا تعبدوا- وقيل ان مفسرة لانّ فى تفصيل الآيات معنى القول- ويجوز ان يكون كلاما مبتدا للاغراء كانه قيل الزموا ان لا تعبدوا الا الله إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ اى من الله تعالى نَذِيرٌ بالعقاب على الشرك وَبَشِيرٌ (2) بالثواب على التوحيد وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا

_ (1) الخطبة من الناشر

[سورة هود (11) : آية 4]

عطف على ان لا تعبدوا يعنى استغفروا رَبَّكُمْ على ما سلف منكم من المعاصي ثُمَّ تُوبُوا ثم ارجعوا بالطاعة إِلَيْهِ وقال الفراء ثم هاهنا بمعنى الواو والاستغفار هو التوبة يعنى يلزم أحدهما الاخر يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً اى يعيشكم عيشا حسنا فى أمن وسعة فان المعاصي جالبة للمصائب والبليات قال الله تعالى ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وقيل العيش الحسن الرضاء بالمقسوم والصبر على المقدور إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى حين موت كل واحد منكم فانها مدة معلومة عند الله تعالى بحيث لا يتغير وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فى دينه وعمله فَضْلَهُ اى جزاء فضله فى الدنيا بكثرة التوفيق وطمانية القلب والالتذاذ والراحة بذكر الله والبشرى وفى الاخرة بكثرة الثواب ومدارج القرب وَإِنْ تَوَلَّوْا حذفت احدى التاءين اى تتولوا وتعرضوا عن عبادة الله والتوحيد فَإِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) يعنى يوم القيامة فان مقداره خمسين الف سنة بل ما لا نهاية لها إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ اى رجوع أموركم كلها فى الدنيا والاخرة وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الاثابة والتعذيب فى الدارين قَدِيرٌ (4) فهو تقرير لما مر من الآيات- أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ اى من الله تعالى روى البخاري عن ابن عباس قال كان ناس يعنى من المسلمين يستحيون ان يتخلوا فيفضوا بفروجهم الى السماء وان يجامعوا نساءهم فيفضوا الى السماء فنزل ذلك فيهم- وكذا اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية من طريق محمّد بن عباد بن جعفر عن ابن عباس- واخرج ابن ابى شيبة وابن جرير وابن المنذر من طريق ابن ابى مليكة قال سمعت ابن عباس يقرا أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط الا وقد تغشوا ثيابهم كراهة ان يفضوا بفروجهم الى السماء- وقال البغوي قال عبد الله بن شداد نزلت هذه الاية فى بعض المنافقين كان إذا مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كيلا يراه النبي صلى الله عليه وسلم- وكذا اخرج ابن جرير وغيره عن عبد الله ابن شداد بن الهاد- وفى لفظ المنافقين نظر فان الاية مكية والنفاق حدث بالمدينة وضمير منه

[سورة هود (11) : آية 6]

على هذا راجع الى النبي صلى الله عليه وسلم- وقال البغوي قال ابن عباس نزلت فى الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب وينطوى بقلبه على ما يكره ومعنى قوله يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يغطون صدورهم على الكفر والشحناء وعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقال قتادة كانوا يحنون صدورهم لكى لا يسمعوا كتاب الله ولا ذكره- وقال السدى معنى يثنون يعرضون بقلوبهم من قولهم ثنّيت عنانى- وقرا ابن عباس فيما روى عنه البخاري تثنونى صدورهم بالتاء والياء بالإسناد الى الصدور من اثنونى يثنونى- وهو بناء للمبالغة- وقيل كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخى ستره ويحنى ظهره ويتغشى بثوبه وهو يقول هل يعلم الله ما فى قلبى فنزلت هذه الاية أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ اى يغطون رءوسهم بثيابهم يَعْلَمُ الله ما يُسِرُّونَ فى قلوبهم وفيما عداها وَما يُعْلِنُونَ بأفواههم إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5) اى باسرار ذات الصدور او بالقلوب وأحوالها وإذا لم يخف شيء من الله تعالى فسيظهر ما يشاء على رسوله وعلى المؤمنين- وَما مِنْ دَابَّةٍ وهى كل حيوان يدب على الأرض فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها لتكفله إياها تفضلا ورحمة- وانما اتى بلفظ الوجوب تحقيقا لوصوله وحملا على التوكل فيه- ومن هاهنا قيل انّ على بمعنى من والاضافة فى رزقها للعهد يعنى ان الرزق المعهود المعلوم عند الله تعالى للعبد فالله تعالى متكفله إياه يأتى منه دون من غيره- قال مجاهد هو ما جاء من رزق فمن الله وربما لم يرزقها حتّى يموت جوعا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها قال البغوي قال ابن مقسم وروى ذلك عن ابن عباس مستقرها المكان الّذي تأوى اليه وتستقر فيه ليلا ونهارا- ومستودعها الموضع الّذي تدفن فيه إذا مات- وقال ابن مسعود المستقر أرحام الأمهات والمستودع أصلاب الآباء- ورواه سعيد بن جبير وعلى بن طلحة وعكرمة عن ابن عباس- وقيل المستقر الجنة او النار والمستودع القبر لقوله تعالى فى صفة الجنة والنار حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا- وساءَتْ مُسْتَقَرًّا كُلٌّ اى كل واحد من الدواب وأحوالها وأرزاقها فِي كِتابٍ مُبِينٍ (6) اى مثبت فى اللوح المحفوظ او فى كتب الحفظة- عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض

[سورة هود (11) : آية 7]

بخمسين الف سنة قال وعرشه على الماء رواه مسلم وعن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة- ثم تكون علقة مثل ذلك- ثم تكون مضغة مثل ذلك- ثم يبعث الله اليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله واجله ورزقه وشقى او سعيد الحديث متفق عليه- وعن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل فرغ الى كل عبد من خلقه من خمس من اجله وعمله ومضجعه واثره ورزقه رواه احمد- كانّه أريد بالآية كونه عالما بالمعلومات كلها وبما بعدها ببيان كونه قادرا على الممكنات بأسرها تقريرا للتوحيد ولما سبق من الوعد والوعيد وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ اى خلقهما وما فيهما- او المراد بالسماوات ما هو فى جهة العلو- وبالأرض ما هو فى جهة السفل- وجمع السموات دون الأرض لاختلاف العلويات بالأصل والذات دون السفليات وَكانَ عَرْشُهُ قبل خلق السموات والأرض عَلَى الْماءِ قال البغوي وكان ذلك الماء على متن الريح- وقال كعب الأحبار خلق الله عز وجل ياقوتة خضراء- ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد- ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها- ثم وضع العرش على الماء- وقال ضمرة ان الله عز وجل كان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وخلق القلم فكتب به ما هو كائن من خلقه وما هو خالق من خلقه ثم ان ذلك سبح الله ومجّده الف عام قبل ان يخلق شيئا من خلقه وروى البخاري عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء- ثم خلق السموات والأرض وكتب فى الذكر كل شيء الحديث- وقد ذكرنا بعض ما ورد من الاخبار فى العرش فى تفسير اية الكرسي فى سورة البقرة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا اى ليعاملكم معاملة المبتلى المختبر لاحوالكم وهو اعلم بكم حتّى يظهر فيكم استحقاق الثواب والعقاب فان السموات والأرض وما فيها اسباب ومواد لوجودكم ومعاشكم وما يحتاج اليه أعمالكم يستدعى ان تشكروا ربكم- ودلائل وامارات تستدلون بها على صانعكم وتستنبطون منها معرفة ربكم- فقوله ليبلوكم متعلق بخلق وفيه اشارة الى ان السموات والأرض وما بينهما لم تخلق لانفسها بل توطية وتمهيدا لخلق المكلفين بل لخلق المؤمنين بل لخلق أحسنهم عملا

[سورة هود (11) : آية 8]

وهو محمّد صلى الله عليه وسلم ومن يشبهه والمراد بالعمل ما يعم عمل الجوارح والقلب- اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية والحاكم فى التاريخ بسند رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يعنى فى تفسير هذه الاية أيكم احسن عقلا وأورع من محارم الله واسرع فى طاعته فان احسن الأعمال اعمال القلوب وأحسنها حب الله والاشتغال بذكره والاستغراق فيه- فالمقصود من خلق السموات والأرض وجود اهل الله وفيه تحضيض على الترقي دائما فى مراتب العلم والعمل كما يدل عليه صيغة التفضيل وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا اى البعث او القول به او القران المتضمن لذكره إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) اى كالسحر فى الخديعة والبطلان وقرا حمزة والكسائي الّا ساحر على ان الاشارة الى القائل والساحر كاذب مبطل- اخرج ابن ابى حاتم عن قتادة قال لما نزلت اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ قال أناس ان الساعة قد اقتربت فتناهى القوم قليلا ثم عادوا الى أعمالهم السوء فانزل الله أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فقال أناس هذا امر الله قد اتى فتناهى القوم ثم عادوا الى مكرهم السوء فانزل الله وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ الاية- واخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله يعنى لان أخرنا عنهم العذاب الموعود إِلى أُمَّةٍ اى الى حين مَعْدُودَةٍ ساعاته- ذكر فى القاموس فى معانى امة الحين- وقال البغوي اى الى أجل معدود- واصل الامة الجماعة فكانّه قال الى انقراض امة ومجيء اخرى- وقال البيضاوي الى جماعة من الأوقات معدودة اى قليلة لَيَقُولُنَّ اى الكفار استهزاء ما يَحْبِسُهُ اى ما يمنعه من الوقوع أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ العذاب فى علم الله كيوم بدر لَيْسَ ذلك العذاب مَصْرُوفاً عَنْهُمْ اى مدفوعا عنهم ويوم منصوب بمصروفا يعنى ليس العذاب مصروفا عنهم يوم يأتيهم وَحاقَ بِهِمْ اى أحاط بهم وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقا ومبالغة فى التهديد ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8) اى العذاب الّذي كانوا يستعجلونه ويقولون استهزاء ما يحبسه فوضع يستهزءون موضع يستعجلون- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ يعنى الجنس مِنَّا رَحْمَةً اى من نعمة صحة وأمن وجدة واللام فى لئن لتوطية القسم ثُمَّ نَزَعْناها اى سلبنا تلك النعمة مِنْهُ وجواب

[سورة هود (11) : آية 10]

القسم وجزاء الشرط إِنَّهُ لَيَؤُسٌ اى شديد اليأس من ان يعود اليه مثل تلك النعمة المسلوبة قاطع رجاءه من سعة فضل الله لقلة صبره وعدم ثقته به وعدم تسليم لقضائه كَفُورٌ (9) عظيم الكفر ان لما سلف له من نعمة الله نسّاء له ولما معه من نعمائه لان الإنسان لا يخلو من نعماء الله تعالى من الوجود وتوابعه وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ كصحة بعد سقم وغنى بعد عدم مَسَّتْهُ صفة لضراء لَيَقُولَنَّ جواب قسم وجزاء شرط ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي «1» اى المصائب الّتي ساءتنى يعنى لا ينسب ذهاب السيئات الى الله تعالى ولا يشكره بل ينسبه الى عادة الدهر إِنَّهُ لَفَرِحٌ اشر بطر بالنعمة مغتربها والفرح لذة فى القلب بنيل المشتهى فَخُورٌ (10) على الناس يزعم نفسه مستحقّا لذلك النعمة متعاليا على الناس يشغله الفرح والفخر عن الشكر إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ استثناء من الإنسان يعنى الا المؤمنين فانهم ليسوا بيؤس ولا كفور عند سلب النعمة بل يرجون فضل الله ويشكرون نعماءه السابقة والباقية ولا فرحين بطرا وأشرا غير مفتخرين على الناس عند انعامه بل يشكرون الله تعالى- وضع الله سبحانه الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ موضع المؤمنين اشعارا بانهم يصبرون فى الضراء ويعملون شكرا فى السراء- عن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لامر المؤمن ان امره كله له خير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له رواه مسلم- وقال الفراء هذه استثناء منقطع معناه لكن الذين صبروا وعملوا الصالحات فانهم ان نالهم شدة صبروا وان نالوا نعمة شكروا- وعلى قول الفراء اللام فى الإنسان للعهد يعنى إذا أذقنا الإنسان الكافر الّذي مر ذكره منا رحمة إلخ حتّى ينقطع الاستثناء أُولئِكَ اى الصابرون الشاكرون لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) يعنى رضوان الله وجنته- عن عياض بن حمار المجاشعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله اوحى الىّ ان تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد رواه مسلم- فَلَعَلَّكَ يا محمّد تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ يعنى ما فيه سبّ الهتهم وذلك حين قالوا ايت بقرآن غير هذا ليس فيه سبّ الهتنا كذا قال البغوي- قال البيضاوي

_ (1) لبس فى الأصل عنّى

[سورة هود (11) : آية 13]

ولا يلزم من توقع الشيء لوجود ما يدعو اليه وقوعه- لجواز ان يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرسول عن الخيانة فى الوحى والتقية فى التبليغ هاهنا- قلت وبهذا يندفع ما قيل ان لعل من الله واجبة الوقوع وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ الضمير فى به مبهم تفسيره أَنْ يَقُولُوا لَوْلا هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ «1» على محمّد كَنْزٌ ينفقه فى الاستتباع كالملوك أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يصدقه قاله عبد الله بن امية المخزومي- يعنى يضيق صدرك وتغتم بقولهم هذا- وجاز ان يكون المعنى لعلّك تارك بعض ما يوحى إليك اى تترك تبليغه إياهم لتهاونهم به وضائق به اى يضيق بذلك الترك صدرك فان ترك ما امر الله به يوجب ضيق الصدر كما ان إتيان ما امر الله به يوجب انشراح الصدر- ان يقولوا اى تترك التبليغ مخافة ردهم واستهزائهم بان يقولوا وضائق صدرك لاجل أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ان كان رسولا فقال الله تعالى إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ يعنى ليس عليك الا الانذار بما يوحى إليك ولا عليك شيء ان ردوا او اقترحوا او قالوا ايت بقرآن غير هذا- فما بالك تترك بقولهم او بمخافة ردهم او يضيق صدرك بقولهم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) يحفظ ما يقولون فيجازيهم عليه- أَمْ يَقُولُونَ أم منقطعة والاستفهام فيه للانكار يعنى بل أيقولون افْتَراهُ اى اختلقه من عند نفسه الضمير المنصوب عائد الى ما يوحى قُلْ يا محمّد فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فان قيل قد قال فى سورة يونس فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وقد عجزوا عنه فكيف قال فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ فهو كرجل يقول لاخر أعطني درهما فيعجز فيقول أعطني عشرة- أجيب بان سورة هود نزلت اولا فلما عجزوا عن إتيان العشرة انزل بعد ذلك فاتوا بسورة- وأنكر المبرد هذا الجواب وقال بل نزلت سورة يونس اولا وأجاب بان معنى قوله فى سورة يونس فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ فى الاخبار عن الغيب والاحكام والوعد والوعيد على طبق الكتب المنزلة المتقدمة فعجزوا عن ذلك فقال لهم فى سورة هود فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فى مجرد البلاغة وحسن النظم- قلت ثم قال فى سورة البقرة فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ- وتوحيد المثل باعتبار كل واحد مُفْتَرَياتٍ مختلقات من عند أنفسكم ان صح انى اختلقته فانكم عرب فصحاء مثلى تقدرون على ما اقدر عليه بل

_ (1) فى الأصل الى محمّد-

[سورة هود (11) : آية 14]

أنتم اقدر لتعلمكم وكثرة مما رستكم وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ليعينكم على إتيان سور مثله إِنْ كُنْتُمْ ايها الكافرون صادِقِينَ (13) فى قولكم انه مفترى وهذا شرط مستغن عن الجزاء بما مضى فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ بإتيان ما دعوتم اليه وجمع الضمير فى لكم اما لتعظيم الرسول- او لان المؤمنين ايضا كانوا يتحدّونهم- وكان امر الرسول متناولا لهم من حيث انه يجب اتباعه عليهم فى كل امر الا ما خصه الدليل- او للتنبيه على ان التحدي مما يوجب قوة يقينهم ورسوخ ايمانهم فلا يغفلون عنه ولذلك رتب عليه قوله فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ اى متلبسا «1» بما لا يعلمه الا الله ولا يقدر عليه سواه وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لانه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره ولظهور عجز الهتهم ولتنصيص هذا الكلام الثابت صدقه باعجازه عليه- وفيه تهديد واقناط من ان يجيرهم من بأس الله الهتهم فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) ثابتون على الإسلام راسخون مخلصون فيه إذا تحقق عندكم اعجازه مطلقا ويجوز ان يكون الكل خطابا للمشركين والضمير المرفوع فى لم يستجيبوا لمن استطعتم والمعنى فان لم يستجب لكم ايها الكفار من استطعتم دعوتهم الى المعاونة على المعارضة لعجزهم وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعارضة فاعلموا انه نظم لا يعلمه الا الله وانه منزل من عنده وان ما دعاكم اليه من التوحيد حق فهل أنتم داخلون فى الإسلام بعد قيام الحجة القاطعة وفى هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر- مَنْ كانَ يُرِيدُ بعمله وإحسانه الْحَياةَ الدُّنْيا اى طول البقاء فى الدار الدنيا والصحة وَزِينَتَها من الأموال والأولاد والأزواج والخدم والحشم نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ اى نوصل إليهم جزاء أعمالهم الحسنة وافيا فِيها اى فى الدنيا وَهُمْ فِيها فى الدنيا لا يُبْخَسُونَ (15) اى لا ينقصون شيئا من أجورهم أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ شيء من الجزاء إِلَّا النَّارُ لانهم استوفوا جزاء أعمالهم الحسنة فى الدنيا وبقيت لهم أوزار الأعمال السيئة وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها من الحسنات يعنى لم يبق لهم ثواب فى الاخرة- اولم يكن لانهم لم يريدوا بها وجه الله تعالى حتّى يكون اجره على الله- والظرف اما متعلق بحبط والضمير يعود الى الاخرة- واما بصنعوا والضمير يعود الى الدنيا وَباطِلٌ فى نفسه

_ (1) فى الأصل ملبسا-

[سورة هود (11) : آية 17]

ما كانُوا يَعْمَلُونَ (16) من الحسنات فى الدنيا لانه لم يعمل على ما ينبغى وكانّ كلّ واحدة من الجملتين علة لما قبلها- والظاهر ان هذه الاية فى حق الكفار- روى البخاري عن عمر بن الخطاب فى حديث طويل انه قال رفعت بصرى فى بيته صلى الله عليه وسلم فو الله ما رايت فيه شيئا يرد البصر غير اهبة ثلاثة فقلت يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فان فارس والروم قد وسع عليهم واعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون الله فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكيا فقال او فى هذا أنت يا ابن الخطاب ان أولئك قوم عجلوا طيباتهم فى الحيوة الدنيا واما المؤمن فيريد الدنيا والاخرة- وإرادته الاخرة غالبة فيجازى بحسناته فى الدنيا ويثاب عليها فى الاخرة- عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى عليها فى الدنيا ويثاب عليها فى الاخرة واما الكافر فيطعم بحسناته فى الدنيا حتّى إذا افضى الى الاخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا رواه مسلم واحمد- قلت وقوله تعالى لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ قرينة دلت على ان الاية فى حق الكفار للاجماع على ان مال المؤمن الى الجنة البتة- وقيل هذه الاية فى حق اهل الرياء عن ابى سعيد بن فضالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك فى عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله فان الله اغنى الشركاء عن الشرك رواه احمد وعن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من كانت نيته طلب الاخرة جعل الله غناه فى قلبه وجمع الله شمله وأتته الدنيا وهى راغمة ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه امره ولا يأتيه منها الا ما كتب له رواه الترمذي ورواه احمد والدارمي عن ابان عن زيد بن ثابت- وقوله تعالى نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ «1» فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ لا ينافى قوله عليه السلام لا يأتيه منها الا ما كتب له لان إيفاء أعمالهم فى الدنيا بحيث لا يبخسون مكتوب لهم ويأتيهم البتة ولا يأتيه ما يزيد عليه وان كان طالب الدنيا يطلب ما لا نهاية له فانه لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثا- قلت وان كانت هذه الاية فى اهل الرياء فمعنى قوله تعالى لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ انه ليس لهم جزاء ما يراءون فيه الا النار- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ برهان مِنْ رَبِّهِ يدله على الحق والصواب فيختار عبادة الله على عبادة الأوثان والدار الاخرة الباقية ونعيمها على الدار الدنيا الفانية ولذاتها- الموصول

_ (1) فى الأصل أعمالهم وهم فيها-

مبتدا حذف خبره والفاء للتعقيب والهمزة لانكار الحكم بمشابهة من هذا شأنه بهؤلاء المقصرين هممهم وافكارهم على الدنيا بعد العلم بان المقصرين ليس لهم فى الاخرة الّا النّار وهو الّذي اغنى عن ذكر الخبر- والتقدير أفمن كان على بيّنة من ربّه كمن كان يريد الحيوة الدنيا- والمراد بالموصول المؤمنون المخلصون ومن قال المراد به النبي صلى الله عليه وسلم عنى به الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه للعموم وجمعية اسم الاشارة اليه فى قوله أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ- اخرج ابو الشيخ عن ابى العالية وابراهيم النخعي فى قوله أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ قال ذلك محمّد صلى الله عليه وسلم وكذا اخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية وابو نعيم فى المعرفة عن على بن ابى طالب- والمراد بالبينة القران وَيَتْلُوهُ اى يقرأ ذلك البرهان شاهِدٌ مِنْهُ اى من الله تعالى وَمِنْ قَبْلِهِ اى من قبل نزوله كِتابُ مُوسى يعنى التورية شاهد من الله يصدق القران إِماماً كتابا مؤتما به فى الدين وَرَحْمَةً على المنزل عليهم وهما حالان من كتاب موسى- والمراد بالشاهد جبرئيل عليه السلام أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية من طرق عن ابن عباس أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهد منه قال جبرئيل- فهو شاهد من الله يتلو من كتاب الله الّذي انزل على محمّد صلى الله عليه وسلم- ومن قبله تلا التورية على موسى كما تلا القران على محمّد صلى الله عليه وسلم- وكذا ذكر البغوي قول ابن عباس وعلقمة وابراهيم ومجاهد وعكرمة والضحاك واكثر اهل التفسير انه جبرئيل عليه السلام- وقال الحسن وقتادة هو لسان محمّد صلى الله عليه وسلم- يعنى يقرا ذلك البرهان الّذي عليه المؤمنون شاهد من الله وهو محمّد صلى الله عليه وسلم- ومن قبله كتاب موسى شاهد له- اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والطبراني فى الأوسط وابو الشيخ عن محمّد بن على بن ابى طالب قال قلت لابى ان الناس يزعمون فى قول الله تعالى وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ انك أنت الشاهد- فقال وددت انى انا هو ولكنه لسان محمّد صلى الله عليه وسلم- وأخرجه ابو الشيخ من طريق ابى نجيح عن مجاهد- وقيل يتلو من التلو بمعنى التبعية والشاهد ملك يحفظه والضمير فى يتلوه اما لمن او للبينة باعتبار المعنى- ومن قبله كتاب موسى جملة مبتدئة- اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن مجاهد أفمن كان على بيّنة من ربّه قال هو محمّد

صلى الله عليه وسلم والشاهد منه قال ملك يحفظه- وقيل الشاهد هو على بن ابى طالب قال البغوي قال على رضى الله عنه ما من رجل من قريش الا وقد نزلت فيه اية من القران فقال له رجل وأنت اىّ شيء نزل فيك- قال وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ- فان قيل فما وجه تسمية على بالشاهد- قلت لعل وجه ذلك انه أول من اسلم من الناس فهو أول من شهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم- والاوجه عندى ان يقال ان عليّا رضى الله عنه كان قطب كمالات الولاية وسائر الأولياء حتّى الصحابة رضوان الله عليهم اتباع له فى مقام الولاية- وافضلية الخلفاء الثلاثة بوجه اخر كذا حقق المجدد رضى الله عنه فى مكتوب من اواخر مكتوباته فكانّ معنى الاية أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ يعنى على حجة واضحة وبرهان قاطع وهو محمّد صلى الله عليه وسلم- فانه كان على حجة واضحة من ربه وبرهان قاطع يفيد العلم بالقطع انه رسول الله- وذلك معجزاته وأفضلها القران وعلومه المستندة الى الوحى- ويتلوه اى يتبعه شاهد من الله على صدقه وهو علىّ ومن شاكله من الأولياء- فان كرامات الأولياء معجزات للنبى صلى الله عليه وسلم وعلومهم المستندة الى الإلهام والكشف ظلال لعلوم النبي صلى الله عليه وسلم- المستندة الى الوحى فتلك الكرامات والعلوم شاهدة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم- فقوله صلى الله عليه وسلم انا دار الحكمة وعلىّ بابها رواه الترمذي بسند صحيح عن على- وانا مدينة العلم وعلىّ بابها فمن أراد العلم فليأت الباب رواه ابن عدى فى الكامل والعقيلي فى الضعفاء والطبراني والحاكم عن ابن عباس وابن عدى والحاكم عن جابر- اشارة الى علوم الأولياء دون علوم الفقهاء فان أخذ علوم الفقهاء لم ينحصر على علىّ رضى الله عنه بل قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم- وقيل شاهد منه هو الإنجيل- وقبله كتاب موسى التورية شاهد له- وقيل البينة البرهان العقلي والشاهد القران- قال الحسين بن الفضل الشاهد هو القران ونظمه واعجازه- والمعنى أفمن كان قائما على وفق البرهان العقلي ويتبع ذلك البرهان شاهد من الله يعنى القران يشهد بصحة البرهان ومن قبل القران كتاب موسى يعنى التورية ايضا يشهد للبرهان والمراد بالموصول المسلم المخلص أُولئِكَ اشارة الى من كان على بينة بناء على ان المراد به جماعة المسلمين وجاز ان يكون اشارة الى شاهد من حيث المعنى ان كان المراد به علىّ رضى الله عنه ومن

[سورة هود (11) : آية 18]

شاكله من الأولياء يُؤْمِنُونَ بِهِ حقيقة الايمان وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ اى محمّد صلى الله عليه وسلم او بالقران مِنَ الْأَحْزابِ من اهل الملل كلها فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والّذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الامة ولا يهودى ولا نصرانى ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به الا كان من اصحاب النار رواه مسلم فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ فى شك مِنْهُ اى من الموعد او من القران إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17) لقلة نظرهم واختلال فكرهم- وَمَنْ أَظْلَمُ يعنى لا أحد «1» اظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بان زعم ان له ولدا او شريكا- او أسند اليه ما لم ينزله ونفى عنه ما أنزله- وأسند اليه تحريم ما لم يحرّم وتحليل ما حرم أُولئِكَ المفترون يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ يوم القيامة فيسئلهم عن أعمالهم وَيَقُولُ الْأَشْهادُ يعنى الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم كذا اخرج ابو الشيخ عن مجاهد وعن ابن عباس انهم الأنبياء والرسل وهو قول الضحاك ويؤيده قوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً- واخرج ابن المبارك عن سعيد بن المسيب قال ليس من يوم الا وتعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم- وقال قتادة الخلائق كلهم- روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يدنى المؤمن فيضع عليه كتفه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا فيقول نعم اى رب حتّى قرره بذنوبه وراى فى نفسه انه قد هلك قال سترتها عليك فى الدنيا وانا اغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته واما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) فيه تهويل عظيم مما يحيق بهم حينئذ بظلمهم على الله بكذبهم عليه- قلت وليست الاشهاد منحصرة فى من ذكر بل من الاشهاد أعضاء المكلف قال الله تعالى الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ- وقال الله تعالى قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا الاية- وقال الله تعالى يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ الاية وسنذكر- وفى حديث انس عند مسلم يقول الله كفى بنفسك اليوم عليك

_ (1) فى الأصل لا اظلم-

[سورة هود (11) : آية 19]

شهيدا- وبالكرام الكاتبين شهيدا فتحتم على فيه ويقال لاركانه انطقى الحديث- وسنذكر أحاديث الباب فى تفسير الآيات المذكورة ان شاء الله تعالى- ومن الاشهاد الامكنة والازمنة وغير ذلك وقد ذكرنا بعض ما ورد فيها فى سورة العاديات فى تفسير قوله تعالى يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها- قوله عليه السلام اخبارها ان تشهد يعنى الأرض على كل عبد وامة بما عمل على ظهرها- وروى البخاري عن ابى سعيد الخدري انه قال لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا انس الا شهد له يوم القيامة ورواه ابن خزيمة بلفظ لا يسمع صوته حجر ولا مدر ولا شجر ولا جن ولا انس الا شهد له- وفى حديث ابى هريرة مرفوعا عند ابى داود وابن خزيمة للمؤذن يغفر له مدى صوته وشهد له كل رطب ويابس- واخرج ابن المبارك عن عمر من سجد عند موضع عند شجر او حجر شهد له يوم القيامة- وعن عطاء الخراسانى نحوه- واخرج ابو نعيم عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس من يوم يأتى على ابن آدم الا ينادى فيه يا ابن آدم انا خلق جديد وانا فيما تعمل عليك غدا شهيد- فاعمل فىّ خيرا شهد لك به غدا- فانى لو قد مضيت لم ترنى ابدا- ويقول الليل مثل ذلك- واخرج مسلم عن ابى سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان هذا المال خضر حلو ونعم صاحب لمسلم وهو لمن اعطى منه الأسير واليتيم وابن السبيل شهيد- وانه من يأخذ بغير حق كالذى يأكل ولا يشبع فيكون عليه شهيدا يوم القيامة واخرج ابو نعيم عن طاءوس قال يجاء يوم القيامة بالمال وصاحبه فيتحاجان الحديث- الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى يمنعون الناس عن دينه وَيَبْغُونَها عِوَجاً اى يصفونها بالانصراف عن الحق والصواب- او يبغون أهلها ان يعوجوا بالردة وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) يعنى والحال انهم كافرون بالاخرة وتكرير كلمة هم لتأكيد كفرهم واختصاصهم أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ قال ابن عباس سابقين- وقال قتادة هاربين- وقال مقاتل فائتين- والمعنى واحد يعنى ما كانوا يعجزون الله فى الدنيا ان يعاقبهم وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يعنى أنصارا يحفظهم من عذاب الله ولكن الله اخر عذابهم الى يوم القيامة ليكون أشد ودوم يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ استيناف قرا ابن كثير وابن عامر وابو جعفر- ابو محمّد ويعقوب يضعّف بالتشديد من التفعيل

[سورة هود (11) : آية 21]

والباقون من المفاعلة- قيل تضعيف العذاب لاضلالهم الغير واقتداء الاتباع بهم ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ يعنى استماع الحق فان الله تعالى لم يخلق «1» فيهم استعداد سماع للحق فهم صم لا يسمعونه وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) الهدى لتعاميهم عن آيات الله لعدم خلق الله تعالى البصيرة فى قلوبهم أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ حيث اشتروا عبادة الحجارة بعبادة الله تعالى واشتروا النار بالجنة وَضَلَ اى فات عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (21) ان الأصنام يشفع لهم عند الله لا جَرَمَ فيه اقوال أحدها انّ لا- ردّ لكلام سابق يعنى ليس الأمر كما زعموا افتراء- وجرم كلام مبتدا معناه كسب وفاعله مضمر وقوله تعالى أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) فى محل النصب على المفعولية يعنى كسب الحكم بخسرانهم- وقيل معنى جرم وجب وحق فعلى هذا انهم فى الاخرة فى محل الرفع على الفاعلية- ثانيها ان لا جرم كلمتان ركبتا فصار معناهما حقا وانهم فى الاخرة فى محل الرفع على انه فاعل يعنى حق حقا انهم خاسرون- ثالثها ان معناه لا محالة- وفى القاموس لا جرم ولا ذا جرم ولا ان جرم ولا ان ذا جرم ولا جرم ككرم بالضم اى لا بد او حقا او لا محالة- وهذا أصله ثم تحول الى معنى القسم فلذلك يجاب عنه باللام يقال لا جرم لاتينّك- وكونهم من الأخسرين لان خسران غيرهم بالكفر او المعاصي وخسرانهم بالكفر وصد غيرهم عن الايمان إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ قال ابن عباس خافوا- وقال قتادة انابوا وقال مجاهد اطمأنوا- وفى القاموس اخبت خشع وتواضع والخبيت الشيء الحقير أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) دائمون مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ المؤمنين والكافرين كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ فانه مثل الكافر فان الكفار لا يستطيعون السمع يعنى سماع الحق سماع قبول وما كانوا يبصرون الهدى وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ وذلك مثل المؤمن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ويبصرون بنور الله فى قلوبهم- فالكافر مشبه بالجامع بين العمى والصمم والمؤمن بالجامع بين ضديهما- والعاطف لعطف الصفة على الصفة ولذلك قال هَلْ يَسْتَوِيانِ ولم يقل هل يستوون كذا قال الفراء مَثَلًا اى تمثيلا او صفة او حالا

_ (1) فى الأصل لم يخلق استعداد سماع-

[سورة هود (11) : آية 25]

أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) اى تتعظون بضرب الأمثال والتأمل فيها- فيه أدغمت التاء فى الذال- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي قرا ابن كثير وابو عمرو والكسائي بفتح الهمزة اى بانّى والمعنى أرسلناه متلبسا «1» بهذا الكلام وهو قوله إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ بالكسر فلما اتصل به الجار فتح كما فتح كانّى والمعنى على الكسر- والباقون بالكسر اى فقال انّى لان فى الإرسال معنى القول مُبِينٌ (25) ابيّن لكم موجبات العذاب والثواب أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ بدل من انّى لكم او مفعول مبين ويجوز ان يكون مفسرة متعلقة بأرسلنا او بنذير إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) ان تشركوا به شيئا- واليم بمعنى مؤلم فى الحقيقة صفة للمعذب يوصف به العذاب وزمانه على طريقة جدّ جدّه ونهارك صائم للمبالغة فَقالَ الْمَلَأُ يعنى الاشراف والرؤساء لانهم يملؤن القلوب هيبة والمجالس ابهة الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ يا نوح إِلَّا بَشَراً آدميّا مِثْلَنا لا مزية لك علينا حتّى تكون نبيّا واجب الطاعة- كانهم أرادوا ان يكون ملكا او ملكا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا اى سفلتنا والرذل الدون من كل شيء وجمعه أرذل ثم جمع على اراذل مثل كلب وأكلب وأكالب لانه بالغلبة صار مثل الاسم قال عكرمة يعنى الحاكة والاساكفة بادِيَ الرَّأْيِ الرأى النظر بالعين والقلب. وايضا الرأى الاعتقاد كذا فى القاموس- وبادى الرأى معناه ظاهر النظر من غير تعمق من البدو- او أول الرأى من البدء- والياء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها- وقرا ابو عمرو بهمزة مفتوحة بعد الدال والباقون بالياء- وانتصابه بالظرف على حذف المضاف اى وقت حدوث بادى الرأى- والعامل فيه اتّبعك وانما استرذلوه لذلك او لفقرهم فانهم لمّا لم يعلموا الا ظاهرا من الحيوة الدنيا كان ذا حظ بها اشرف عندهم والمحروم فيها أرذل وَما نَرى لَكُمْ يا نوح مع من تبعك عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فى مال او غير ذلك يوهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) أنت فى دعوى النبوة واتباعك فى دعوى العلم بصدقك فغلّب المخاطبين على الغائبين قالَ نوح يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ أخبروني إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي حجة واضحة شاهدة بصحة دعوى وَآتانِي رَحْمَةً اى بينة او هدى ونبوة مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ

_ (1) فى الأصل ملتبسا-[.....]

[سورة هود (11) : آية 29]

قرا حمزة والكسائي وحفص بضم العين وتشديد الميم من التفعيل بمعنى أخفيت والباقون بفتح العين وتخفيف الميم من المجرد بمعنى خفيت عليكم فلم تهتدوا إليها «1» بالحجة- يقال بصيرة ومبصرة إذا يهتدى بها- ويقال عمياء إذا لا يهتدى بها- وتوحيد الضمير لان البينة فى نفسها هى الرحمة- او لان خفاءها يوجب خفاء النبوة او على تقدير فعميت به النبوة وحذفها للاختصار او لانه لكل واحد منهما أَنُلْزِمُكُمُوها اى نلزمكم على الاهتداء بها اى بالبينة او الرحمة ونجبركم على قبولها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) لا تريدونها قال قتادة لو قدر الأنبياء ان يلزموا قومهم الايمان لالزموا ولكن لم يقدروا- وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على التبليغ فهو وان لم يذكر لكنه معلوم مما ذكر مالًا اى جعلا يثقل عليكم ان أديتم او علىّ ان لم تؤدوا إِنْ أَجرِيَ قرا نافع وابن عامر وابو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها- يعنى ليس ثوابى إِلَّا عَلَى اللَّهِ بناء على وعده تفضلا وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا جواب لهم حين سالوا طردهم ليؤمنوا به انفة من المجالسة معهم إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فيخاصمون طاردهم عنده- او انهم يلاقونه ويفوزون بقربه- فكيف اطرد اولياء الله ومقربيه وَلكِنِّي قرا نافع والبزي وابو عمر بفتح الياء والباقون بإسكانها أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29) بلقائهم ربهم او بمراتب قربهم من الله او فى التماس طردهم او تتسفهون عليهم بان تدعوهم اراذل او تجهلون عاقبة أمركم وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ يدفع انتقامه منى إِنْ طَرَدْتُهُمْ وهم بتلك الصفة والمثابة أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) بإدغام التاء فى الذال يعنى أفلا تتعظون وتعقلون لتعرفوا ان التماس طردهم ليس بصواب وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ اى خزائن رزقه وأمواله يعنى لست مدعيا فضلى عليكم بالمال حتّى تنكرونه وتقولون ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ ولا أَعْلَمُ الْغَيْبَ عطف على عندى خزائن الله ولا أقول انا اعلم الغيب حتّى تكذبونى استبعادا- او حتّى اعلم ان هؤلاء الذين اتبعونى بادى الرأى من غير بصيرة وعقد قلب- وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول وَلا أَقُولُ لَكُمْ «2» إِنِّي مَلَكٌ حتّى تنكرونه وتقولون ما أنت الا بشر مثلنا وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ

_ (1) فى الأصل اليه الحجة- (2) فى الأصل كلمة لكم داخا

[سورة هود (11) : آية 32]

اى تحتقره وتستصغره أعينكم يعنى الذين قلتم فيهم أراذلنا لاجل فقرهم- افتعال من زرا عليه إذا عابه- قلبت تاؤه دالّا لتجانس الراء فى الجهر- واسناده الى العين للمبالغة والتنبيه على انهم استرذلوهم بادى الرأي من غير رؤية وبما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة مالهم دون تأمل فى معانيهم وكمالاتهم وخصالهم لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً بل ما أعطاهم فى الدنيا من الايمان والهداية- وفى الاخرة من الجنة والدرجات خير مما اعطاكم الله فى الدنيا من المال اللَّهُ أَعْلَمُ منى ومنكم بِما فِي أَنْفُسِهِمْ من محبة الله ومحاسن الأخلاق والعقائد إِنِّي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها إِذاً اى إذا طردتهم وقلت فيهم لن يؤتيهم الله خيرا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) . قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا خاصمتنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فاطلته إذ أتيت بانواعه فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) فى دعوى النبوة والوعيد على ترك الايمان فان مناظرتك لا تؤثر فينا. قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ ليس ذلك فى وسعى لا إتيانه ولا تعجيله إِنْ شاءَ عاجلا او أجلا وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) الله بدفع العذاب او الهرب منه إذا جاء عذابه. وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي قرا نافع بفتح الياء وكذا ابو عمرو والباقون بإسكانها إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ شرط ودليل جواب والجملة دليل جواب لقوله إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ وتقدير الكلام ان كان الله يريد ان يغويكم فاردت ان انصح لكم لا ينفعكم نصحى فيه دليل على ان ارادة الله يصح تعلقها بالإغواء وان خلاف مراده تعالى محال وقيل معنى ان يغويكم ان يهلككم من غوى الفصيل إذا هلك هُوَ رَبُّكُمْ خالقكم والمتصرف فيكم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) فيجازيكم بأعمالكم. أَمْ يَقُولُونَ يعنى بل أيقولون افْتَراهُ قال ابن عباس يعنى يقولون افترى نوح وقال مقاتل معناه تقولون افترى محمّد صلى الله عليه وسلم قُلْ يا نوح او يا محمّد إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي اى وبال اجرامى والاجرام كسب الذنب وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) من اجرامكم فى اسناد الافتراء الىّ- قال البغوي روى الضحاك عن ابن عباس ان قوم نوح كانوا يضربون نوحا عليه السلام

[سورة هود (11) : آية 36]

حتّى يسقط فيلقونه فى لبدو يبقونه فى بيت يزعمون انه قد مات فيخرج فى اليوم الثاني ويدعوهم الى الله سبحانه وتعالى- وروى ان شيخا منهم كان يتوكا على عصا ومعه ابنه فقال يا بنى لا يغرنك هذا الشيخ المجنون فقال يا أبت أمكنني من العصا فاخذ العصا من أبيه حتّى شج شجة منكرة فاوحى الله تعالى اليه ما ذكر فى كتابه. وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ افتعال من البؤس وهو الحزن ومعناه لا تحزن بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) من التكذيب والإيذاء- اقنطه الله من ايمانهم حتّى لا يتعب نفسه فى دعوتهم ونهاه ان يغتم حيث وعده بانى مهلكهم ومنقذك منهم- فحينئذ دعا نوح عليهم بقوله رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً- وحكى محمّد بن إسحاق عن عبيد ابن عمير الليثي انه بلغه انهم كانوا يبطشون بنوح فيخنقونه حتّى يغشى عليه وإذا أفاق قال رب اغفر لقومى فانهم لا يعلمون- حتّى إذا عادوا فى المعصية واشتد عليه منهم البلاء انتظر النجل بعد النجل- فلا يأتى قرن الا أخبث من الّذي قبله- حتّى كان الاخر منهم ليقولون قد كان هذا مع ابائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا- فشكى الى الله عز وجل وقال رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً حتّى قال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً فاوحى الله اليه. وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا حال اى متلبسا بأعيننا- قال ابن عباس بمراء منا- وقال مقاتل بعلمنا- وقيل بحفظنا- عبر عن المبالغة فى الحفظ بالأعين لكونها اكثر آلات الحفظ والمراعات عن الاختلال من سائر الحواس وَوَحْيِنا إليك كيف تصنع او بامرنا بصنعه وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا يعنى لا تدعنى باستدفاع العذاب عنهم إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) بالطوفان حكمت عليهم فى الأزل بالاغراق فلا سبيل الى كفّه- قال البغوي فى القصة ان جبرئيل عليه السلام اتى نوحا- فقال ان ربك يأمرك ان تصنع الفلك- قال كيف اصنع ولست بنجار- فقال ان ربك يقول اصنع فانك بعيني فاخذ القدوم وجعل يصنع ولا يخطئ- وقيل اوحى اليه ان يصنعها مثل جوء جوء الطائر. وَيَصْنَعُ نوح الْفُلْكَ حكاية حال ماضية- قال البغوي اقبل نوح على عمل الفلك ولهى عن قومه- واعقم الله أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد- وجعل نوح يقطع الخشب ويضرب الحديد

[سورة هود (11) : آية 39]

ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره- وجعل قومه يمرون عليه وهو فى عمله وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ استهزءوا به بعمله السفينة- فانه كان يعملها فى برية لم يكن بقربها ماء او ان عزّته- وكانوا يضحكون منه ويقولون يا نوح قد صرت نجارا بعد ما كنت نبيّا- وروى انهم كانوا يقولون له يا نوح ماذا تصنع فيقول اصنع بيتا يمشى على الماء فيضحكون منه قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ إذا عاينتم عذاب الله فى الدنيا بالغرق وفى الاخرة بالحرق- قيل هذا على سبيل المشاكلة- والمعنى ان تستجهلونى فانى استجهلكم إذا نزل العذاب- وقيل معناه ان تسخروا منا فسترون عاقبة سخريتكم كَما تَسْخَرُونَ (38) يعنى سخرية مثل سخريتكم منا عند رؤية الفلك. فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ الموصول فى محل النصب بتعلمون اى فسوف تعلمون الّذي يأتيه عَذابٌ يُخْزِيهِ يهينه وَيَحِلُّ عَلَيْهِ اى ينزل عليه او يحل حلول الدين الّذي لا انفكاك عنه عَذابٌ مُقِيمٌ (39) دائم فحل بهم عذاب الغرق حتّى ماتوا وصاروا معذّبين فى البرزخ الى يوم القيامة ثم مردّهم الى عذاب النار وبئس المصير- قال البغوي زعم اهل التورية ان الله امره ان يصنع الفلك من خشب الساج وان يصنعه اعوج ازور وان يطليه القار من داخله وخارجه- وان يجعل طوله ثمانين ذراعا وعرضه خمسين ذراعا وطوله فى السماء ثلاثين ذراعا- والذراع الى المنكب- وان يجعله ثلاث أطباق سفلا ووسطا وعلوا ويجعل فيه كوى- ففعله نوح كما امره الله تعالى- واخرج إسحاق ابن بشر وابن عساكر عن ابن عباس بلفظ ان نوحا لمّا امر ان يصنع الفلك- قال يا رب واين الخشب قال اغرس الشجر فغرس الساج عشرين سنة- وكف عن الدعاء وكفوا عن الاستهزاء- فلما أدرك الشجر امره ربه فقطعها وجفّها- وقال يا رب كيف اجعل هذا البيت- قال اجعله على ثلاث صور راسه كرأس الديك وجؤجؤه كجؤجؤ الطير وذنبه كذنب الديك- واجعلها مطبقة- واجعل لها أبوابا فى جنبها وشدها بدسر يعنى مسامير الحديد وبعث الله جبرئيل فعلمه صنعة السفينة وكذا اخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص وكعب- وقال البغوي قال ابن عباس اتخذ نوح السفينة فى سنتين وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها

[سورة هود (11) : آية 40]

خمسين ذراعا وطولها فى السماء ثلاثين ذراعا وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاث بطون- فحمل فى البطن الأسفل الوحوش والسباع والبهائم- وفى البطن الأوسط الدواب والانعام وركب هو ومن معه البطن الا على مع ما يحتاج اليه من الزاد- واخرج ابن مردوية عن سمرة بن جندب قال طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعا وسمكها ثلاثين ذراعا- وأخرجه ابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن عباس من غير ذكر العرض- واخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابو الشيخ عن قتادة قال ذكر لنا ان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعا وطولها فى السماء ثلاثون ذراعا- وزاد انّ بابها فى عرضها- واخرج ابن جرير عن ابن عباس بلفظ كانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحش وطبقة فيها الطير وفى شرح خلاصة السير ان الطبقة السفلى للطيور والبهائم والوحوش وغيرهم من الحيوانات والوسطى للطعام والشراب والثياب والعليا للناس- وقال الشامي كان طول السفينة ثمانين ذراعا وعرضها خمسين وسمكها الى السماء ثلاثين ذراعا والذراع الى المنكب- وعن ابن عباس ان طولها ستمائة ذراع- قال البغوي وروى عن الحسن قال كان طولها الفا ومائتى ذراع وعرضها ستمائة ذراع والمعروف هو الاول ان طولها ثلاثمائة ذراع- وعن زيد بن اسلم قال مكث نوح مائة سنة يغرس الأشجار ويقطعها ومائة سنة يعمل الفلك- وقيل غرس الشجر أربعين سنة وجففه أربعين سنة وعن كعب الأحبار ان نوحا عمل السفينة ثلاثين سنة وروى انها كانت ثلاث طبقات الطبقة السفلى للدواب والوحوش والطبقة الوسطى فيها الانس. الطبقة العليا فيها الطير فلما كثرت أرواث الدواب اوحى الى نوح ان اغمر ذنب الفيل- فوقع منه خنزير وخنزيرة فاقبلا على الروث- فلما وقع الفار تخرب السفينة تقرضها وحبالها فاوحى الله اليه ان اضرب بين عينى الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة فاقبلا على الفار-. حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا بالعذاب غاية لقوله ويصنع وما بينهما حال من الضمير فيه- او حتّى هى الّتي يبتدا بعدها الكلام وَفارَ التَّنُّورُ واختلفوا فى التنور- اخرج ابو الشيخ عن عكرمة والزهري هو وجه الأرض كذا ذكر البغوي عنه- وكذا اخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن ابن عباس- وذلك انه قيل لنوح عليه السلام إذا رايت الماء-

فار على وجه الأرض فاركب السفينة- واخرج عبد بن حميد وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن قتادة فى قوله تعالى وَفارَ التَّنُّورُ قال أعلى الأرض وأشرفها- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس فى قوله تعالى وفار التّنّور قال العين الّتي بالجزيرة عين الوردة- وروى عن علىّ قال فار التّنّور يعنى طلع الفجر ونور الصبح- وقال الحسن ومجاهد والشعبي انه التنور الّذي تخبز فيه- وهو قول اكثر المفسرين ورواية عطية عن ابن عباس اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس بلفظ إذا رايت تنور أهلك تخرج منه الماء فانه هلاك قومك- قال الحسن كان تنورا من حجارة كانت حواء تخبز فيه فصارت الى نوح فقيل لنوح إذا رايت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك واختلفوا فى موضعه قال مجاهد والشعبي كان فى ناحية الكوفة وكان الشعبي يحلف بالله ما فار التنور الا من ناحية الكوفة- وقال اتخذ نوح السفينة فى جوف مسجد الكوفة وكان التنور على يمين الداخل مما يلى باب كندة- وكان فوران الماء منه علما لنوح- اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن علىّ بن ابى طالب قال فار التنور من مسجد الكوفة من قبل باب كندة- وأخرجه عنه ايضا ابو الشيخ من طريق الشعبي بلفظ والّذي فلق الحبة وبرئ النسمة ان مسجدكم هذا الرابع من اربعة مساجد المسلمين والركعتان فيه أحب الىّ من عشرهما سواها الا المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وان من جانبه الايمن مستقبل القبلة فار التنور- وقال مقاتل كان ذلك تنور آدم وكان بالشام بموضع يقال له عين وردة- وروى عن ابن عباس انه كان بالهند- اخرج عنه ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ والحاكم وصححه- والفور ان الغليان قُلْنَا احْمِلْ فِيها اى فى السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ الزوجان كل اثنين لا يستغنى أحدهما عن الاخر فيقال لواحد من خف او نعل زوج خف وزوج نعل والمراد بالزوجين هاهنا الذكر والأنثى- يعنى من كل ذكر وأنثى اثْنَيْنِ منصوب على المفعولية لاحمل يعنى احمل اثنين من كل ذكر وأنثى اى من مجموعهما من كل واحد منهما واحدا- هذا على قراءة الجمهور باضافة كل الى زوجين- وقرأ حفص هاهنا وفى سورة المؤمنين من كلّ بالتنوين يعنى من كل نوع من الحيوان زوجين يعنى ذكرا وأنثى- فهو منصوب على المفعولية واثنين على هذا تأكيد- قال البغوي وفى القصة ان نوحا

عليه السلام قال يا رب كيف احمل من كل زوجين اثنين فحشر الله اليه السباع والطير فجعل يضرب بيديه فى كل جنس فيقع الذكر فى يده اليمنى والأنثى فى يده اليسرى فيحملهما فى السفينة وَأَهْلَكَ عطف على المفعول به اعنى اثنين او زوجين والمراد امرأته وبنوه ونساؤهم إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ من الله تعالى فى الأزل بالهلاك يعنى امرأته واعلة وابنه منها كنعان فانهما كانا كافرين وَمَنْ آمَنَ من الناس غيرهم وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) واختلفوا فى عددهم فقال قتادة وابن جريج ومحمّد بن كعب القرظي لم يكن فى السفينة إلا ثمانية نفر- نوح وامرأته وثلاثة بنين له سام وحام ويافث ونساؤهم- اخرج ابن جرير وابو الشيخ عن ابن جريج قال حدثت ان نوحا حمل معه بنيه الثلاثة وثلاث نسوة لبنيه- وأصاب حام زوجته فى السفينة فدعا ان يغير نطفته- فجاءت بالسّودان وقال الأعمش كانوا سبعة نوح وثلاث بنين له وثلاث كنائن- وهذان القولان يأباهما القران فان عطف قوله ومن أمن على أهلك يدل على المغائرة والسبعة المذكورون كانوا من اهله وقال ابن إسحاق كانوا عشرة نوح وبنوه سام وحام ويافث وستة أناس ممن كان أمن به سواهم وأزواجهم جميعا يعنى كانوا عشرة من الرجال وعشرا من النساء- وقال مقاتل كانوا اثنين وسبعين نفرا رجلا وامراة- وبنيه الثلاثة ونساءهم- فجميعهم ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء- وعن ابن عباس قال كان فى سفينة نوح ثمانين رجلا أحدهم جرهم- اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن ابن عباس قال حمل نوح معه فى السفينة ثمانين إنسانا وكان لسانه عربيّا- قال ابن عباس أول ما حمل نوح الدرة واخر ما حمل الحمار- فلما دخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس بذنبه فلم يستقل رجلاه فجعل نوح عليه السلام يقول ويحك ادخل فنهض فلا يستطيع حتّى قال ويحك ادخل وان كان الشيطان معك- كلمة زلت عن لسانه فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان فقال نوح ما أدخلك علىّ يا عدو الله- قال الم تقل ادخل وان كان الشيطان معك- قال اخرج عنى يا عدو الله- قال مالك بد من ان تحملني معك وكان فيما يزعمون فى ظهر الفلك- وروى عن بعضهم ان الحيّة والعقرب أتيا نوحا فقالتا احملنا- فقال انكما سبب الضر والبلاء فلا احملكما

[سورة هود (11) : آية 41]

قالتا احملنا فنحن نضمن لك ان نضر أحد أذكرك- فمن قال حين خاف مضرتهما سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ ما ضرتاه- قال الحسن لم يحمل نوح فى السفينة الا ما يلد ويبيض فاما ما يتولد من الطين من حشرات الأرض كالبق والبعوض فلم يحمل منها شيئا-. وَقالَ ارْكَبُوا فِيها اى صيروا فيها وجعل ذلك ركوبا لانها فى الماء كالمركوب فى الأرض بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها حال من الضمير المرفوع فى اركبوا يعنى اركبوا فيها مسمين الله او قائلين بسم الله وقت إجرائها وارسائها- او مكانهما على ان المجرى والمرسى للوقت او للمكان او للمصدر والمضاف محذوف كقولهم اتيك خفوق النجم وانتصابهما بما قدرنا حالا ويجوز رفعهما ببسم الله على ان المراد بهما المصدر او جملة من مبتدا وخبر اى اجراؤها بسم الله فبسم الله خبره او صلته والخبر محذوف وهى اما جملة لا تعلق لها بما قبلها كانّ نوحا أمرهم بالركوب ثم أخبرهم بان مجرها ومرسها بذكر اسم الله اى باسم الله اجراؤها وارساؤها ولفظ الاسم مقحم- واما حال مقدرة من الضمير المرفوع فى اركبوا او من الضمير المجرور فى فيها قرا حمزة والكسائي وحفص مجرها بفتح الميم من جرى- وقرا محمّد بن محيصن مجرها ومرسها بفتح الميمين من جرت ورست وكلّا يحتمل الثلاثة الزمان والمكان والمصدر- والباقون بضم الميمين من أجريت وأرسيت وامال حفص مجرها خاصة فى القران لا غير إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) اى لولا مغفرته لسيئاتكم ورحمته إياكم لما نجيتم- قال البغوي قال الضحاك كان نوح إذا أراد ان تجرى السفينة فقال بسم الله جرت- وإذا أراد ان ترسو قال بسم الله رست-. وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ متصل بمحذوف دل عليه اركبوا يعنى فركبوا مسمين وهى تجرى بهم وهم فيها فِي مَوْجٍ جمع موجة كتمر وتمرة وهى ما ارتفع من الماء عند اضطرابه إذا اشتدت الريح كَالْجِبالِ يعنى كل موجة منها كجبل فى ترالمها وارتفاعها وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ كنعان وقال عبيد بن عمير يام وكان كافرا وَكانَ فِي مَعْزِلٍ عزل فيه نفسه عن أبيه او عن دينه مفعل للمكان من عزله عنه إذا بعده يا بُنَيَّ قرا عاصم بفتح الياء اقتصارا عليه بالألف المبدلة من ياء الاضافة من قولك يا بنيا والباقون بكسرها اقتصارا عليه من ياء الاضافة ارْكَبْ مَعَنا فى السفينة-

[سورة هود (11) : آية 43]

قرأ «1» ابن عامر وحمزة ويعقوب وابو بكر عن عاصم بإظهار الباء والآخرون يدغمونها فى الميم وفى التيسير اظهر ورش وابن عامر وحمزة واختلف عن قالون وعن اليزيدي وعن خلاد- والتقدير يا بنى اسلم واركب معنا- فان الركوب يدل على الإسلام لتوقفه عليه وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42) فى الدين والانعزال فتهلك. قالَ له ابنه كنعان لا اسلم ولا اركب معك ولكن سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ يمنعنى من الغرق قالَ له نوح لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ اى من عذابه المأمور به إِلَّا مَنْ رَحِمَ قيل من فى محل الرفع يعنى لا مانع من عذاب الله الا الله الراحم- او الإمكان من رحمهم الله وهم المؤمنون- رد بذلك ان يكون اليوم معتصم من جبل ونحوه يعصم اللائذ به الا معتصم المؤمنين وهو السفينة- وقيل من فى محل النصب معناه لا معصوم الا من رحمه الله كقوله تعالى عِيشَةٍ راضِيَةٍ وقيل الاستثناء منقطع يعنى ولكن من رحمه الله يعصمه وَحالَ بَيْنَهُمَا اى بين نوح وابنه او بينه وبين الجبل الْمَوْجُ فَكانَ اى فصار او كان فى علم الله مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) يروى ان الماء علا على رءوس الجبال أربعين ذراعا وقيل خمسة عشر ذراعا- قال البغوي ويروى انه لما كثر الماء فى السكك وخشيت أم صبى عليه كانت تحبه حبّا شديدا- فخرجت الى الجبل حتّى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء ارتفعت حتّى بلغت ثلثيه فلمّا بلغها ذهبت حتّى استوت على رأس الجبل- فلمّا بلغ الماء رقبتها رفعت الصبى بيديها حتّى ذهب بها الماء فلو رحم الله منهم أحد الرحم أم الصبى- قلت لكن هذه القصة ينافى ما روى ان الله سبحانه اعقم أرحام نساء قوم نوح قبل غرقهم سنين حتّى لم يكن فيهم صبى حين اغرقوا-. وَقِيلَ يعنى قال الله تعالى بعد ما تناهى امر الطوفان يا أَرْضُ ابْلَعِي اشربى ماءَكِ اى الماء الّذي نبع منك فشربته دون ما نزل من السماء فصار أنهارا وبحارا

_ (1) والصحيح من طرق النشر قرا ورش وابن عامر وخلف عن حمزة فى اختياره وابو جعفر بإظهار الباء واختلف ابن كثير وعاصم وقالون وخلاد والوجهان صحيحان عن كل منهم والباقون اى ابو عمرو والكسائي ويعقوب بالإدغام فعداد يعقوب فى المظهرين وعداد أبو بكر وخلاد بوجه واحد منهم وإخراج ابن كثير وقالون منهم تسامح ومن طرق التيسير والشاطبية اظهر قالون والبزي وخلاد بخلاف عنهم وورش وابن عامر وخلف وادغم الباقون- روى ابن مجاهد عن قنبل ويحيى عن ابى بكر وعبيد عن حفص الإدغام- وابو جعفر وخلف مع ورش ومن معه ويعقوب مع ابو عمرو- والله اعلم- ابو محمّد عفا الله عنه-

وَيا سَماءُ أَقْلِعِي أمسكي عن المطر يعنى لا تمطرى فامسكت وَغِيضَ الْماءُ يعنى غاضه الله اى انقصه الله وهو لازم ومتعد وَقُضِيَ الْأَمْرُ اى أنجز ما وعد الله من إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين وَاسْتَوَتْ اى استقرت السفينة عَلَى الْجُودِيِّ وهو جبل بالجزيرة بقرب الموصل وقيل بالشام وَقِيلَ يعنى قال الله تعالى بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) اى بعد القوم الظالمون بعدا من رحمة الله وهلكوا هلاكا ثم حذف الفعل وجعل للقوم الظّالمين وصفا للمصدر- قال البغوي روى ان نوحا عليه السلام بعث الغراب «1» ليأتيه بخبر الأرض فوقع على جيفة فلم يرجع- فبعث الحمامة فجاءت بورق زيتون فى منقارها ولطخت رجلها بالطين فعلم نوح ان الماء قد نضب- فقيل انه دعا على الغراب بالخوف فلذلك لا يألف البيوت- وطوق الحمامة الخضرة الّتي فى عنقها ودعا لها بالأمان فمن ثم يألف بالبيوت- واخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابو الشيخ عن قتادة قال وذكر لنا انها استقلت بهم فى عشر خلون من رجب وكانت فى الماء خمسين ومائة يوما ثم استقرت بهم على الجودي واهبطوا الى الأرض فى عشر ليال خلون من المحرم- واخرج ابن عساكر عن خالد الزيات بزيادة قال فى آخره فارست السفينة يوم عاشوراء فقال نوح لمن معه من الجن والانس صوموا هذا اليوم- وكذا قال البغوي انه روى ان نوحا ركب السفينة لعشر مضت من رجب وجرت بهم السفينة ستة أشهر ومرت بالبيت فطافت به سبعا وقد رفعه الله من الغرق وبقي موضعه- وهبطوا يوم عاشوراء فصام نوح وامر من معه بالصوم شكرا لله عز وجل- وقيل ما نجى من الكفار من الغرق غير عوج بن عنق كان فى الماء الى حجرته- وكان سبب نجاته ان نوحا احتاج الى خشب الساج للسفينة فلم يمكنه نقلها فحملها عوج اليه من الشام- فنجاه الله من الغرق لذلك قلت وقصة عوج ذلك يخالف ظاهر النصوص حيث قال الله تعالى قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً- وقال قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- وقال لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ

_ (1) وعن عمر بن الخطاب انه قال لما استقرت السفينة على الجودي لبث ما شاء الله ثم انه اذن له فهبط على الجبل فدعا الغراب فقال ايتني بخبر الأرض فانحدر الغراب على الأرض وفيه الغرقى من قوم نوح فابطأ عليه فلعنه- فدعا الحمامة فوقف على كف نوح فقال اهبطى فتأتى الخبر فلم يلبث الا قليلا حتّى جاءت بنقص ريشة فى منقارها فقالت اهبط فقد أثبتت الماء الأرض قال نوح بارك الله فيك وفى بيت يؤويك وحبّبك الى الناس لولا ان يغلبك الناس على نفسك لدعوت الله ان يجعل رأسك من ذهب 12 ازالة الخفا- منه رحمه الله تعالى

[سورة هود (11) : آية 45]

فتخصيص عوج من العمومات القاطعة لا يجوز الا بقاطع ولم يوجد والقصة يأبى عنه العقل والنقل-. وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ الفاء لتفسير النداء رَبِّ إِنَّ ابْنِي يعنى كنعان مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ لا خلف فيه وعدت ان تنجى أهلي فماله لم ينج- ويجوز ان يكون هذا النداء قبل الغرق وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) لانك أعلمهم واعدلهم ولا يجوز خلف فى حكمك وقد حكمت بهلاك قوم ونجاة أهلي- او المعنى انك اكثر حكمة من ذوى الحكم والحكمة. قالَ الله تعالى يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ لقطع الولاية بين المؤمنين والكفار إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لنفى كونه من اهله- قرا الكسائي ويعقوب عمل بكسر الميم على الفعل الماضي وغير بالنصب على المفعولية اى عمل الشرك والتكذيب- والباقون بفتح الميم والتنوين على انه مصدر مرفوع وهو خبران على حذف المضاف ونقل إعرابه الى المضاف اليه- تقديره انه ذو عمل غير صالح وفيه مبالغة حيث جعل ذاته ذات العمل- او المعنى ان سوالك إياي بانجائه عمل غير صالح فَلا تَسْئَلْنِ يا نوح- قرا نافع وابن عامر بفتح اللام وكسر النون المشددة على ان أصله تسئلنّنى بالنون المشددة ونون الوقاية فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت المشددة الياء ثم حذفت الياء اكتفاء بالكسرة- وقرا ابن كثير كذلك الا انه يفتح النون المشددة وليس فى هذه القراءة نون الوقاية ولا ياء المتكلم الضمير المنصوب- وقرا الباقون بإسكان اللام وكسر نون الوقاية وتخفيفها وحذف الياء واثبت ابو جعفر وابو عمرو وورش ويعقوب الياء فى الوصل فقط ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ اصواب هو أم خطاء سمى نداءه سوالا لتضمنه ذكر الموعد بنجاة اهله المشعر باستنجازه فى شأن ابنه او استفسارا لمانع للانجاز فى حقه وسماه جهلا وزجر عنه بقوله إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو جعفر- ابو محمّد ابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) لان استثناء من سبق عليه القول من اهله قد دل على الحال وأغناه عن السؤال- قال البغوي اختلفوا فى هذا الابن- قال مجاهد والحسن كان ولد خبث من غير نوح ولم يعلم بذلك نوح ولذلك قال ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ- وقرا الحسن فخانتاهما- وقال ابو جعفر الباقر عليه السلام كان ابن امرأته ولذلك قال من أهلي ولم يقل منى- وقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والأكثرون

[سورة هود (11) : آية 47]

انه كان ابن نوح من صلبه- قال ابن عباس ما بغت امراة نبى قط وقوله إِنَّهُ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ اى من اهل دينك لانه كان كافرا- وقوله فَخانَتاهُما اى فى الدين والعمل لا فى الفراش- وقوله إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ يعنى ان تدعو بهلاك الكفار ثم تسئل نجاة كافر- وقال الشيخ ابو منصور كان ابن نوح منافقا لا يعلم نوح بكفره والا لا يحتمل ان يقول نوح إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ويسئل نجاته وقد سبق من الله النهى عن سوال مثله- بقوله. وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ- فاعلمه الله تعالى إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ- وفى قول ابى منصور هذا نظر فان قوله تعالى يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ صريح فى كونه مجاهرا بالكفر والله اعلم. قالَ نوح رَبِّ إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ فيما يستقبل ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ اى ما لا علم لى بصحته وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي سوالى بنجاة الكافر بعد النهى عنه بخطاء فى الاجتهاد وَتَرْحَمْنِي بالتوبة والعصمة والتفضل علىّ أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) أعمالا-. قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ اى انزل من السفينة بِسَلامٍ مِنَّا اى مسلّما من المكاره من جهتنا- او مسلّما عليك وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ البركة الخير النامي- والمراد بالبركات مراتب قرب الله تعالى ورحمته وفضله وكثرة ذريته وبقاؤهم الى يوم القيامة وكون الأنبياء منهم والصالحين وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ من للبيان والمراد بالأمم الذين كانوا معه فى السفينة لانهم كانوا جماعات او لتشعّب الأمم منهم- او لابتداء الغاية اى على امم ناشية من معك قال محمّد بن كعب دخل فيه كل مؤمن الى قيام الساعة- فان قيل قوله تعالى وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ يدل على حصر البقاء فى ذرية نوح دون من معه فى الفلك- قلنا كان معه فى الفلك بنوه «1» الثلاثة فالمعنى على امم تنشا ممّن معك من ابنائك وَأُمَمٌ مبتدا حذف خبره يعنى وممّن معك امم لا بركة عليهم بل سَنُمَتِّعُهُمْ فى الدنيا بما كتبنا لهم ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (48) فى الاخرة لاجل كفرهم وقيل المراد بهم قوم هود وصالح ولوط وشعيب والعذاب عذاب الدنيا. تِلْكَ يعنى قصة نوح مرفوع على الابتداء خبره مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ اى ما غاب عنك يعنى بعضها

_ (1) فى الأصل بنيه-

[سورة هود (11) : آية 50]

نُوحِيها الضمير للانباء خبر ثان أو حال من الانباء او هو الخبر ومن انباء متعلق به او حال من الضمير المنصوب فيه إِلَيْكَ يا محمّد ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا هذا خبر اخر اى مجهولة عندك وعند قومك من قبل ايحائنا إليك او حال من الضمير المنصوب فى نوحيها- او من الضمير المجرور فى إليك اى جاهلا أنت وقومك بها- تنبيه على كونه معجزة فانه لم يتعلمه الا من الله تعالى- فانه لم يخالط غير قومه وقومه مع كثرتهم لما لم يسمعوه فكيف بواحد منهم فمطابقة هذا النبا بالكتب المنزلة المتقدمة دليل واضح على نبوته صلى الله عليه وسلم فَاصْبِرْ بعد ظهور أمرك على تبليغ الرسالة وما يلقاك أذى من الكفار كما صبر نوح إِنَّ الْعاقِبَةَ فى الدنيا بالظفر وفى الاخرة بالفوز لِلْمُتَّقِينَ (49) عن الشرك والمعاصي الجملة تعليل للصبر وعدم الجزع والاستعجال-. وَإِلى عادٍ عطف على قوله الى نوح يعنى وأرسلنا الى عاد أَخاهُمْ فى النسب هُوداً عطف بيان قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) على الله باتخاذ الأوثان شركاء له فى العبادة وجعلها شفعاء. يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على تبليغ الرسالة أَجْراً يمنعكم ثقل ادائه عن قبول الرسالة- او يبعثنى طمعه على الكذب إِنْ أَجْرِيَ قرا نافع وابن عامر وابو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها- يعنى ما ثوابى إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي اى خلقنى قرا نافع والبزىّ بفتح الياء والباقون بإسكانها أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) اى أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا ان من هذا شأنه يجب تصديقه. وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ يعنى اطلبوا منه تعالى مغفرة ما سلف منكم من الشرك والمعاصي. وذلك بالإسلام فان الإسلام يهدم ما كان قبله- رواه مسلم عن عمرو بن العاص فى حديث مرفوع ثُمَّ تُوبُوا اى ارجعوا إِلَيْهِ اى الى ربكم بطاعته وترك عبادة غيره يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً كثير الدر أي السيلان وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ اى يضاعف قوتكم وذلك ان الله حبس عنهم المطر ثلاث سنين- واعقم أرحام نسائهم كما ذكرنا القصة فى سورة الأعراف- فقال لهم هو دان تستغفروا ربكم وتوبوا اليه يرسل «1» الله

_ (1) فى الأصل أرسل-

[سورة هود (11) : آية 53]

عليكم المطر فتزدادون مالا- ويعيد أرحام النساء فيلدن أولادا فتزدادون قوة بالأموال والأولاد- وقيل تزدادون قوة الى قوة بدنكم وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) عطف على استغفروا- يعنى لا تعرضوا عما دعوتكم اليه مصرين على جرائمكم-. قالُوا يعنى قومه يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ اى بحجة تدل على صحة دعواك- وذلك لفرط عنادهم بعد ما جاءهم به من المعجزات وَما نَحْنُ بِتارِكِي عبادة آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ اى بقولك فهو صلة- او صادرين عن قولك فهو حال من الضمير فى تاركي وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) اى بمصدقين اقناط من الاجابة والتصديق. إِنْ نَقُولُ اى ما نقول قولا إِلَّا قولنا هذا اعْتَراكَ من عراه يعروه إذا أصابه يعنى أصابك بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ اى بجنون وخبل حتّى تتكلم بالخرافات- وذلك انك تسبّ الهتنا وتمنع عن عبادتهم فانتقم بعضهم منك بالتخبيل- وجاز ان يكون معناه ما نقول فى حقك قولا الا قولنا اعتراك يعنى سيعتريك بعض الهتنا لاجل سبك إياهم بسوء اى باضرار وإهلاك- عبر عن المستقبل بالماضي مبالغة فى التحقيق والتهديد يعنى انه واقع لا محالة كانه وقع- وهذا التأويل يناسب قول هود فى الجواب حيث قالَ إِنِّي قرا نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها أُشْهِدُ اللَّهَ على وَاشْهَدُوا أنتم يا قوم أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) به. مِنْ دُونِهِ يعنى من الأوثان لا أعبدهم ولا أخاف منهم أصلا فَكِيدُونِي فاحتالوا فى اضرارى وإهلاكي أنتم وشركاؤكم جَمِيعاً مجتمعين يعين بعضكم بعضا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) اى لا تمهلونى- فيه استهانة لهم وثقة بالله تعالى واظهار لعجز الهتهم- فانها حجارة لا تضرو لا تنفع وفيه معجزة فانهم بعد هذه المقالة عجزوا عن آخرهم وهم الأقوياء الأشداء الجبابرة العطّاش الى اراقة دمه من ان يضروه. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ اى اعتمدت عليه ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ يعنى الله سبحانه آخِذٌ بِناصِيَتِها الاخذ بالناصية تمثيل لقهر القاهر على المقهور وذل المقهور بين يديه يتصرف فيه كيف يشاء- قال البغوي خص الناصية بالذكر لان العرب يستعمل ذلك إذا وصف

[سورة هود (11) : آية 57]

إنسانا بالذلة فيقول ناصية فلان بيد فلان- قال الضحاك يعنى يميتها ويحييها- وقال الفراء مالكها والقادر عليها وقال القتيبي يقهرها لان من أخذت بناصية فقد قهّرته إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) يعنى انه على الحق والعدل فيجازى المحسن على إحسانه والمسيء على عصيانه ولا يضيع عنده معتصم به ولا يفوته. فَإِنْ تَوَلَّوْا حذفت احدى التاءين يعنى ان تعرضوا عمّا دعوتكم اليه فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ يعنى ان أعرضتم يهلككم الله- ويستبدل بكم قوما غيركم أطوع منكم يوحدونه ويعبدونه- حيث لم يبق لكم عذر بعد ما أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ولا بأس به علىّ فانى قد ادّيت ما علىّ من البلاغ وَلا تَضُرُّونَهُ تعالى باعراضكم شَيْئاً من الضرر انما تضرون أنفسكم- وقيل معناه لا تنقصونه شيئا إذا أهلككم لان وجودكم وعدمكم عنده سواء إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) رقيب لا يخفى عليه ما تصنعون ولا يغفل عن مجازاتكم او حافظ مستول على كل شيء فلا يمكن ان يضره شيء-. وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا بالعذاب او عذابنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وكانوا اربعة آلاف بِرَحْمَةٍ بنعمة مِنَّا اى بفضل منا لا بعملهم او بالايمان الّذي أنعمنا عليهم وَنَجَّيْناهُمْ كرر نجينا للتأكيد والتعظيم والتهويل مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (58) وهو الريح الّتي أهلك بها عادا- وقد مر قصتها فى سورة الأعراف. وَتِلْكَ عادٌ انث اسم الاشارة باعتبار القبيلة- وقيل اشارة الى اثار عاد يعنى فسيحوا فى الأرض وانظروا إليها ثم وصف إليها أحوالهم فقال جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ كفروا بها وَعَصَوْا رُسُلَهُ يعنى هودا وغيره من المرسلين فان كلهم يدعون الى التوحيد ويصدق بعضهم بعضا فعصيان واحد منهم عصيان بجميعهم وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ متكبر عَنِيدٍ (59) لا يقبل الحق يقال عند الرجل يعنه عنودا إذا ابى ان يقبل الشيء وان عرفه- وقال ابو عبيد العنيد والعنود والمعاند المعارض لك بالخلاف- يعنى اتبعوا كبراءهم الطاغين يعنى عصوا من دعاهم الى الايمان وتركوا ما

[سورة هود (11) : آية 60]

ينجيهم وأطاعوا من دعاهم الى الكفر وأتوا بما يهلكهم. وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً اى دعاء باللعنة من الناس والملائكة وَيَوْمَ الْقِيامَةِ ايضا يتبعون باللعن من الله تعالى اى جعلت اللعنة تابعة لهم فى الدارين واللعنة هى الابعاد والطرد عن الرحمة أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ اى جحدوه او كفروا نعمه فحذف الجار أَلا بُعْداً لِعادٍ قيل بعدا من رحمة الله وقيل هلاكا- قال البغوي للبعد معنيان أحدهما ضد القرب والاخر بمعنى الهلاك- وكذا فى القاموس والجملة دعاء عليهم باللعن والهلاك والمراد به الدلالة على انهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكى عنهم- وانما كرر الا وأعاد ذكرهم تفظيعا لامرهم وحثّا على الاعتبار بحالهم قَوْمِ هُودٍ (60) عطف بيان وفائدته الإيماء الى ان استحقاقهم البعد بما جرى بينهم وبين هود عليه السلام-. وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ اى بدا خلقكم مِنَ الْأَرْضِ يعنى خلقكم من آدم وآدم من التراب وَاسْتَعْمَرَكُمْ يعنى عمّركم واستبقاكم من العمر- وقال الضحاك أطال عمركم حتّى كان الواحد منهم يعيش ثلاثمائة سنة الى الف سنة- وكذلك قوم عاد فِيها اى فى الأرض- وقيل معناه قدركم على عمارتها وجعلكم عمّارها وسكانها وقال مجاهد استعمركم من العمرى اى جعلها لكم ما عشتم ويرثها منكم بعد انصرام اعماركم- او جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ من عباده قربا لا كيف له حتّى أفاض عليهم الوجود- او قريب بالذات بلا كيف او بالرحمة لاوليائه مُجِيبٌ (61) لدعائهم. قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا اى كنا نرجوا ان تكون سيدا فينا- وقيل اى كنا نرجوا ان توافقنا فى الدين وتعود الى ديننا قَبْلَ هذا القول يعنى دعائك ايّانا الى ترك عبادة الأوثان- فلمّا سمعنا منك هذا القول انقطع رجاءنا عنك أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا على حكاية الحال الماضية وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من التوحيد والتبرّى عن الأوثان مُرِيبٍ (62) اى ذى ريبة على الاسناد المجازى

[سورة هود (11) : آية 63]

من اراب فى الأمور- او موقع فى الريبة من ارابه إذا أوقعه فى الريبة وهى قلق النفس وانتفاء الطمأنينة. قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ اى بيان وبصيرة مِنْ رَبِّي ادخل حرف الشك باعتبار المخاطبين- وجاز ان يكون ان مخففة من المثقلة اسمه ضمير الشان او ضمير المتكلم محذوفا يعنى انّى كنت او انّه اى الشأن كنت على بيّنة من ربّى وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً اى نبوة وحكمة فَمَنْ يَنْصُرُنِي يمنعنى مِنْ عذاب اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فى تبليغ رسالته والمنع عن الإشراك به فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) اى غير ان تخسرونى بابطال ما منحنى الله به والتعريض لعذابه- وقال الحسين بن الفضل لم يكن صالح فى خسارة حتّى قال فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ- وانما المعنى ما تزيدوننى بما تقولون الا نسبتى ايّاكم الى الخسارة فان التفسيق والتفجير فى اللغة النسبة الى الفسق والفجور فكذلك التخسير النسبة الى الخسران- وقال ابن عباس معناه ما تزيدوننى غير بصارة فى خسارتكم-. وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً انتصبت اية على الحال وعاملها معنى الاشارة ولكم حال منها تقدمت عليها لتنكيرها- وذلك ان قومه طلبوا منه ان يخرج من صخرة معينة ناقة عشراء اية لنبوته- فدعا صالح فخرجت منها ناقة وولدت فى الحال مثلها وقد مرت القصة فى سورة الأعراف فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ترع نباتها وتشرب ماءها ليس عليكم مؤنتها وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ ان مسّستموها بسوء عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فى ثلاثة ايام. فَعَقَرُوها يعنى عقر بامرهم قذار بن سالف فَقالَ لهم صالح تَمَتَّعُوا عيشوا فِي دارِكُمْ اى فى الدنيا او فى بلدكم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ الأربعاء والخميس والجمعة تصبحون اليوم الاول ووجوهكم مصفرة وفى اليوم الثاني محمرة وفى الثالث مسودة ثم تهلكون ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) اى غير مكذوب فيه- اجرى الظرف مجرى المفعول به مجازا- او وعد غير كذب على انه مصدر كالمجلود والمعقول- او غير مكذوب على المجاز على ان الواعد كانّه قال له أفي بك فان وفى به صدقه والا كذبه- فكان كما وعد- وأتاهم العذاب فى اليوم الرابع. فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا

[سورة هود (11) : آية 67]

مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ يعنى ونجيناهم من خزى يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة بغضب الله- قرا ابو جعفر ونافع والكسائي هاهنا وفى المعارج من عذاب يومئذ بفتح يوم على اكتساب المضاف البناء من المضاف اليه والباقون بالكسر جرّا إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) القادر على كل شيء والقاهر عليه. وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا اى كفروا الصَّيْحَةُ وذلك ان جبرئيل صاح صيحة واحدة- وقيل أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء فى الأرض- فتقطعت قلوبهم فى صدورهم فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) صرعى هلكى. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا اى لم يقيموا فِيها اى فى ديارهم أَلا إِنَّ ثَمُودَ قرا حفص ويعقوب وحمزة هنا والفرقان والنجم بفتح الدال من غير تنوين ووقفوا بغير الف والباقون بالتنوين ووقفوا بالألف عوضا عنه كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) قرا الكسائي ثمود بكسر الدال مع التنوين والباقون بفتح الدال من غير تنوين-. وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا من الملائكة قال ابن عباس وعطاء كانوا ثلاثة جبرئيل وميكائيل واسرافيل- وقال محمّد بن كعب كان جبرئيل ومعه سبعة- وقال الضحاك كانوا تسعة وقال مقاتل كانوا اثنى عشر ملكا- وقال السدى كانوا أحد عشر ملكا على صورة الغلمان الوضاء وجوههم إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى اى بالبشارة بإسحاق ويعقوب وقيل باهلاك قوم لوط قالُوا سَلاماً اى نسلم عليك سلاما- ويجوز نصبه بقالوا على معنى ذكروا سلاما قالَ سَلامٌ اى «1» أمركم او جوابى سلام- او عليكم سلام رفعه اجابة بأحسن من تحيتهم- فانه جملة اسمية يدل على الدوام والاستمرار بخلاف الفعلية- قرا حمزة والكسائي هاهنا وفى الذاريات سلم بكسر السين بلا الف وهما لغتان نحو حلّ وحلال وحرم وحرام- وقيل المراد به الصلح اى نحن صلح لكم غير حرب فَما لَبِثَ اى فما ابطا ابراهيم أَنْ جاءَ اى فى ان- او ما تأخر عن المجيء والجار مقدر او محذوف- وجاز ان يكون ان جاء فى محل الرفع على الفاعلية يعنى فما ابطا مجيء ابراهيم بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) اى مشوى على الحجارة- فى القاموس الشاة يحنذها حنذا او تحناذا شواها وجعل فوقها حجارة محماة لتنضجها فهى حنيذ- وقيل الحنيذ ما تقطر ودكا من حنذت الفرس إذ عرقته بالجلال- وفى القاموس الفرس إذا ركضه وأعداه شوطا او

_ (1) فى الأصل أمرك-

[سورة هود (11) : آية 70]

شوطين ثم ظاهر عليه الجلال فى الشمس ليعرق فهو حنيذ- فعلى هذا معناه السمين مجازا فيوافق قوله تعالى فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ قال قتادة كان عامة مال ابراهيم البقر. فَلَمَّا رَأى ابراهيم أَيْدِيَهُمْ اى الرسل لا تَصِلُ إِلَيْهِ يعنى لا يمدون اليه أيديهم ولا يأكلون نَكِرَهُمْ يعنى انكرهم قال البيضاوي نكر وأنكر واستنكر بمعنى- وفى القاموس التّنكّر التّغيّر عن حال تسرك الى حال تكرهها وَأَوْجَسَ يعنى أحس وأضمر كذا فى القاموس- وقال مقاتل وقع فى قلبه وقال البغوي اصل الوجوس الدخول كانّ الخوف دخل قلبه مِنْهُمْ اى من الأضياف حين لم يأكلوا خِيفَةً خوفا قال قتادة وذلك انهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا انه لم يأت بخير وانما جاء بشر- قيل وذلك لانه كان عادتهم انه إذا مس من يطرقهم طعامهم امنوه والا خافوه- فخاف ان يريدوا به مكروها وظنهم لصوصا- والظاهر انه أحس بانهم ملائكة وخاف ان يكون نزولهم لامر أنكره الله عليه- او لتعذيب قومه قالُوا يا ابراهيم لا تَخَفْ إِنَّا ملائكة الله أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) بالعذاب. وَامْرَأَتُهُ سارة بنت هاران بن ناخور وهى ابنة عم ابراهيم عليه السلام قائِمَةٌ من وراء الستر تسمع كلامهم وقيل كانت قائمة تخدم الأضياف وابراهيم جالس معهم فَضَحِكَتْ قال مجاهد وعكرمة اى حاضت فى الوقت- تقول العرب ضحكت الأرنب اى حاضت وكذا فى القاموس ويقال ضحكت السمرة إذا سال صمغها- والأكثرون على ان المراد منه الضحك المعروف واختلفوا فى سبب ضحكها- قيل ضحكت سرورا بزوال الخوف عنها وعن ابراهيم حين قالوا لا تخف- وقال السدى لمّا قرب ابراهيم الطعام إليهم فلم يأكلوا فخاف ابراهيم وظنهم لصوصا- فقال أَلا تَأْكُلُونَ- قالوا انا لا نأكل الطعام الا بثمن- قال ابراهيم فان له ثمنا- قالوا وما ثمنه- قال تذكرون اسم الله على اوله وتحمدونه على آخره- فنظر جبرئيل الى ميكائيل عليهما السلام وقال حق لهذا ان يتخذه ربه خليلا- فلما راى ابراهيم وسارة أيديهم لا تصل اليه ضحكت سارة- وقالت يا عجبا لاضيافنا انا نخدمهم بانفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا- وقال قتادة ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم- وقيل ضحكت لاصابة رأيها فانها كانت تقول لابراهيم اضمم إليك لوطا فانى اعلم

[سورة هود (11) : آية 72]

ان العذاب ينزل بهذا القوم- وقال مقاتل والكلبي ضحكت من خوف ابراهيم من ثلاثة وهو فيما بين خدمه وحشمه- وقيل ضحكت سرورا بالبشارة بالولد وولد الولد او بهلاك اهل الفساد وقال ابن عباس ووهب ضحكت تعجبا من ان يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها- وعلى هذا القول يكون فى الاية تقديم وتأخير تقديره وامرأته قائمة فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) فضحكت- قرا ابن عامر وحمزة وحفص يعقوب «1» بالنصب بفعل مضمر يفسره ما دل عليه الكلام- وتقديره ووهبناها من وراء اسحق يعقوب- وقيل انه معطوف على موضع بإسحاق او على لفظ إسحاق وفتحته للجر فانه غير منصرف- ورد للفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظرف- والباقون بالرفع على انه مبتدا خبره الظرف اى ويعقوب مولود من بعد إسحاق- وقيل تقديره ومن بعد إسحاق يولد يعقوب- وقيل الوراء ولد المولد ولعله سمى به لانه بعد الولد- وعلى هذا إضافته الى إسحاق ليس من حيث ان يعقوب وراءه بل وراء ابراهيم من جهته- قال البيضاوي فيه نظر والاسمان يحتمل وقوعهما فى البشارة كيحيى- ويحتمل وقوعهما فى الحكاية بعد ان ولدا فسميا به- وتوجيه البشارة إليها وتخصيصها بها للدلالة على ان الولد المبشر به يكون منها- ولان النساء تكون أعظم سرورا بالولد من الرجال- ولانها كانت عقيمة حريصة على الولد فبشرت بالولد وولد الولد «2» وعلى انها يعيش ولدها حتّى يولد له وتعيش هى حتّى ترى ولد ولدها- فلما بشرت بالولد صكت وجهها اى ضربت تعجبا و. قالَتْ يا وَيْلَتى يا عجبا أصله كلمة ندبة يقال فى الشر- فاطلق فى امر فظيع وعند رؤية ما يتعجب منه والالف مبدلة من ياء الاضافة يدل عليه قراءة الحسن يويلتى بالياء على الأصل- وقيل الالف الف الندبة أصله يا ويلتاه أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ كانت ابنة تسعين سنة فى قول ابن إسحاق وتسع وتسعين سنة فى قول مجاهد وَهذا بَعْلِي زوجى وأصله القائم بالأمر شَيْخاً ابن مائة وعشرين سنة فى قول ابن إسحاق ومائة سنة فى قول مجاهد- وكان بين البشارة والولادة سنة- ونصبه على الحال والعامل فيها معنى الاشارة إِنَّ هذا يعنى الولد من الهرمين لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) يعنى خلاف العادة. قالُوا يعنى الملائكة منكرين عليها فى الاستعجاب

_ (1) فى الأصل ويعقوب (2) فى الأصل على لغير واو

[سورة هود (11) : آية 74]

أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ اى من قضائه وقدرته- فان الله إذا أراد شيئا كان- فان قيل العجب حالة يعترى للانسان عند رؤية امر بديع مخالف للعادة والأمر كذلك- وكونه مقدورا الله تعالى لا ينافى الاستعجاب- إذ كل شيء مقدور لله تعالى وان كان بديعا مخالفا للعادة فما وجه انكارهم عليها فى الاستعجاب- قلنا خوارق العادات باعتبار اهل بيت النبوة ومهبط المعجزات وتخصيصهم لمزيد النعم والكرامات ليس ببديع- ولا حقيق بان يستغربه عاقل فضلا عن من نشأت وشابّت فى ملاحظة الآيات رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ قيل هذا على معنى الدعاء من الملائكة- وقيل على معنى الخبر- والرحمة النعمة او المحبة من الله عز وجل- والبركة النماء والزيادة فى كل خير- وقيل الرحمة النبوة- والبركات الأسباط من بنى إسرائيل لان أنبياء بنى إسرائيل منهم وكلهم من أولاد سارة- وجملة رحمة الله وبركاته مستأنفة فى مقام التعليل للانكار على التعجب- كانه قيل إياك والتعجب فان أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله تعالى عليكم- هذا على تقدير كونه خبرا أَهْلَ الْبَيْتِ منصوب على المدح او النداء لقصد التخصيص كقوله اللهم اغفر لنا أيتها العصابة- وفى الاية رد على الروافض حيث لا يزعمون ازواج النبي صلى الله عليه وسلم من اهل البيت مع ان اهل البيت من حيث اللغة هى الأزواج وغيرهن اتباع لهن إِنَّهُ حَمِيدٌ فاعل ما يستوجب به الحمد مَجِيدٌ (73) فى الصحاح المجد السعة فى الكرم والجلالة- والكرم يوصف به الله تعالى لاحسانه وانعامه المتظاهرة- ويوصف به الإنسان للاخلاق والافعال المحمودة الّتي تظهر منه- ولا يقال هو كريم حتّى يظهر ذلك منه- قال البغوي واصل المجد الرفعة- وقال البيضاوي كثير الخير والإحسان وفى القاموس المجيد الرفيع العالي والكريم والشريف الفعّال-. فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ اى الخوف والفزع وَجاءَتْهُ الْبُشْرى بإسحاق ويعقوب بدل الروع يُجادِلُنا جواب للماجئ به مضارعا على حكاية الحال- او لانه فى سياق الجواب بمعنى الماضي كجواب لو- او دليل جوابه المحذوف مثل اجترى على خطابنا او شرع فى جدالنا- او متعلق بجواب محذوف أقيم مقامه مثل أخذ او ظل او اقبل

[سورة هود (11) : آية 75]

يجادلنا- قيل معناه يكلمنا لان ابراهيم لا يجادل ربه وانما يسئله ويطلب- وقال عامة اهل التفسير معناه يجادل رسلنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) وكان مجادلته انه قال للملائكة ارايتم لو كان فى مدائن لوط خمسون من المؤمنين أتهلكونهم قالوا لا قال او أربعون قالوا لا قال او ثلاثون قالوا لا حتّى بلغ خمسة قالوا لا قال ارايتم لو كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها قالوا لا قال ابراهيم عليه السلام عند ذلك ان فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجّينّه وأهله الّا امرأته كانت من الغابرين. إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ غير عجول على الانتقام من المسيء أَوَّاهٌ كثير التأوه من الذنوب والتأسف على الناس- وفى القاموس الموقن او الدّعاء او الرّحيم الرقيق او الفقيه او المؤمن بالحبشية مُنِيبٌ (75) راجع الى الله والمقصود من بيان صفاته ذلك بيان الحامل على المجادلة وهو رقة قلبه وفرط ترحمه وعدم ارادة الانتقام من المسيء فقالت الرسل عند ذلك المجادلة. يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا الجدال. إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ اى حكمه بمقتضى قضائه الأزلي بعذابهم وهو اعلم بحالهم وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) غير مصروف بجدال ولا بدعاء ولا غير ذلك. وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا يعنى تلك الملائكة لُوطاً على صورة غلمان مرد حسان الوجوه سِيءَ بِهِمْ اى ساء مجيئهم لوطا- وحزن لوط بظنه ايّاهم أناسا- فخاف عليهم ان يقصدهم قومه فيعجز عن مدافعتهم- قرا نافع وابن عامر والكسائي سيء بهم وسيئت وجوه بإشمام السين الضم هنا وفى العنكبوت والملك- والباقون بإخلاص كسرة السين وَضاقَ لوط بِهِمْ اى بسببهم ذَرْعاً تميز من النسبة يعنى ضاق ذرعه قال البغوي قلبه- وقال البيضاوي ضاق بمكانهم صدره- قلت والذرع فى الأصل اليد الى المرفق او الساعد- ويطلق على القوة كاليد- والمعنى هاهنا ضاقت اى ضعفت بهم طاقته ولم يجد من المكروه مخلصا كذا فى القاموس- قال البيضاوي هو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) شديد قال قتادة والسدى خرجت الملائكة من عند ابراهيم نحو قرية لوط- فاتوا لوطا نصف النهار وهو فى ارض

[سورة هود (11) : آية 78]

له يعمل فيها- وقيل انه يحتطب- وقد قال الله عز وجل لهم لا تهلكوهم حتّى يشهد عليهم لوط اربع شهادات- فاستضافوه فانطلق بهم- فلما مشى ساعة قال لهم ما بلغكم امر هذه القرية قالوا وما أمرهم- قال اشهد بالله انها لشر قرية فى الأرض عملا- يقول ذلك اربع مرات فدخلوا معه منزله- وروى انه حمل الحطب وتبعته الملائكة فمر على جماعة من قومه فغمزوا فيما بينهم- فقال لوط ان قومى شر خلق الله- ثم مر على قوم آخرين فغمزوا فقال مثله- ثم مر بقوم آخرين ففعل مثله- فكان كلما قال لوط هذا القول قال جبرئيل عليه السلام للملائكة اشهدوا حتّى اتى قومه- وروى ان الملائكة جاءوا الى بيت لوط عليه السلام ولقوه فى داره ولم يعلم بذلك أحد الا اهل بيت لوط- فخرجت امرأته فاخبرت قومها وقالت ان فى بيت لوط رجالا ما رايت مثل وجوههم قط-. وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ قال ابن عباس وقتادة يسرعون- وقال مجاهد يهرولون وقال الحسن مشيء بين مشيئين- وقال شمر بن عطية بين الهرولة والجفر- وفى القاموس مشيء فى اضطراب وسرعة- وبناء الفعل للمفعول للدلالة على كمال الاسراع والاضطراب- فالمعنى يسرعون اليه كمال اسراع كانهم يدفعون الى الاسراع وذلك لكمال طلبهم للفاحشة وَمِنْ قَبْلُ ذلك الوقت كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ كانوا يأتون الرجال فى ادبارهم ويعملون الفواحش فتمرّنوا بها ولم يستحيوا منها حتّى جاءوا يهرعون لها مجاهرين قالَ لهم لوط حين قصدوا أضيافه وظنوا انهم غلمان يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي يعنى فتزوجوهن وكانوا يطلبونهن قبل فلا يجيبهم لخبثهم وعدم كفائتهم- لا لحرمة المسلمات على الكفار فانه شرع طار- وكان فى ذلك الوقت تزويج المسلمة من الكافر جائزا- كما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه من عتبه بن ابى لهب وابى العاص بن الربيع قبل الوحى وكانا كافرين- وقال الحسين بن الفضل عرض بناته عليهم بشرط الإسلام- وقال مجاهد وسعيد بن جبير قوله هؤلاء بناتي أراد به «1» نساءهم وأضاف الى نفسه لان كل نبى ابو أمته- وفى قراءة أبيّ بن كعب النّبىّ اولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امّهاتهم وهو اب لّهم- وهذا القول يرجح من حيث المعنى بان ابنتيه لا تصلحان

_ (1) وفى الأصل أراد نساءهم

[سورة هود (11) : آية 79]

لنكاح جماعة من الرجال- وقيل فى جواب هذا الترجيح انه كان لقوم لوط سيدان مطاعان- فاراد لوط ان يزوجهما ابنتيه- وقيل انما قال لوط هؤلاء بناتي على سبيل الدفع مبالغة فى تناهى خبث ما يقصدونه- يعنى ان ذلك أهون عليه منه لا على التحقيق هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ يعنى أنظف لكم فعلا او اقل فاحشة كقولك الميتة أطيب من المغصوب وأحل منه- وقوله هؤلاء مبتدا وبناتي عطف بيان وهن فصل واطهر خبر المبتدا او بناتي خبر هؤلاء وهنّ اطهر مبتدا وخبر فَاتَّقُوا اللَّهَ بترك الفواحش وَلا تُخْزُونِ قرا ابو عمرو بإثبات الياء وصلا فقط اى لا تفضحونى من الخزي او لا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء فِي ضَيْفِي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بالإسكان يعنى لا تخزونى فى شأن أضيافي فان إخزاء ضيف الرجل اخزاؤه أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) يهتدى الى الحق ويجتنب عن القبيح وقال ابن إسحاق رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ يا لوط ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ يعنى لسن أزواجا لنا فنستحقهن بالنكاح- وقيل معناه مالنا فيهن من حاجة وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) وهو إتيان الذكران. قالَ لهم لوط حينئذ لَوْ ثبت أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً فى البدن على دفعكم لوقيت بنفسي أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) اى انضم الى عشيرة مانعة قوية امتنع به عنكم لامتنعت به عنكم حذف جواب لو- شبه العشيرة بركن الجبل فى شدته اى جانبه القوى قال فى القاموس الرّكن بالضم الجانب الأقوى وما تقوى به من ملك او جند وغيره والعز والمنعة- روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال رحم الله أخي لوطا كان يأوى الى ركن شديد- وفى لفظ يغفر الله للوط ان كان ليأوى الى ركن شديد- اخرج إسحاق وابن عساكر من طريق جرير ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس وكذا ذكر البغوي عنه انه قال اغلق لوط بابه وأضيافه يعنى الملائكة فى الدار وهو يناظرهم ويناشدهم من وراء الباب وهم يعالجون تسوّر الجدار فلما رات الملائكة ما يلقى لوط منهم. قالُوا يا لُوطُ ان ركنك لشديد إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ

فافتح الباب ودعنا وإياهم- ففتح الباب ودخلوا فاستأذن جبرئيل عليه السلام ربه فى عقوبتهم فاذن له- فقام فى الصورة الّتي يكون فيها فنشر جناحه- وعليه وشاح «1» من در منظوم وهو براق الثنايا اجلى الجبين ورأسه حبك «2» حبك مثل المرجان كانه الثلج بياضا وقدماه الى الخضرة- فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم- فصاروا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون الى بيوتهم- فانصرفوا وهم يقولون النجا» النجا- فان فى بيت لوط اسحر قوم فى الأرض سحرونا- وجعلوا يقولون يا لوط كما أنت حتّى تصبح ونصبح وسترى ما تلقى منا غدا- يوعّدونه فقال لهم لوط متى موعد هلاكهم- قالوا الصبح- قال أريد اسرع من ذلك فلو اهلكتموهم الان فقالوا اليس الصبح بقريب ثم قالوا فَأَسْرِ يا لوط بِأَهْلِكَ قرا الحرميان فاسر وان اسر بوصل الالف حيث وقع من المجرد والباء حينئذ للتعدية- والباقون بقطعها من الافعال والباء زائدة ومعناه السّير فى الليل بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ قال ابن عباس بطائفة من الليل- وقال الضحاك ببقيته- وقال قتادة بعد ما مضى اوله- وقيل انه السحر الاول وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ اى لا ينصرف منكم أحد من السير فيتخلف عنك- فى القاموس لفته يلفته لواه وصرفه عن «4» رأيه ومنه الالتفات والتلفّت- قلت فالمجرد منه متعد- والالتفات لازم بمعنى الانصراف- وقيل معنى لا يلتفت لا ينظر من ورائه- فالامر بالاسراء متوجه الى لوط والنهى عن الانصراف او النظر الى الوراء متوجه الى من تبعه إِلَّا امْرَأَتَكَ قرا ابن كثير وابو عمرو بالرفع على انه يدل من أحد- فهى مستثناة من النهى عن الانصراف والتخلف او من النظر الى الوراء- قال البغوي معنى الاية على هذه القراءة لا يلتفت أحد الا امرأتك فانها تلتفت فتهلك- وكان لوط قد أخرجها معه ونهى من تبعه ممن اسرى بهم ان يلتفت سوى زوجته- فانها لما سمعت هدّة العذاب التفتت وقالت يا قوماه فادركها حجر وقتلها- وقرا اكثر القراء بالنصب على الاستثناء فاختلفوا فقال البغوي وغيره استثناء من الاسراء

_ (1) الوشاح شيء ينسج عريضا من أديم وربما يرصع بالجواهر والخرز وشدته المرأة على عاتقها وكشحيها 12 نهايه منه رح (2) ورأسه حبك اى شعر رأسه منكسر من الجعودة مثل الماء الساكن والرمل إذا هبّت عليهما الريح فتجعدان ويطيران طرائق واصل حبك جمع حباك ومعناه الطريق ومنه قوله تعالى وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ اى طريق النجوم 17 منه رحمه الله (3) النجا شدة النظر يقال للرجل الشديد الاصابة بالعين انه لنجو ونجى 12 نهايه منه رح (4) ليس فى الأصل عن رأيه-[.....]

اى فاسر باهلك الا امرأتك فلا تسربها وخلفها مع قومها- فان هواها إليهم وتصدقه «1» قراءة ابن مسعود فاسر باهلك بقطع من اللّيل الّا امرأتك ولا يلتفت منكم أحد- ومقتضى هذا الكلام ان فى إخراجها مع اهله روايتان- إحداهما انه أخرجها معهم- وأمروا ان لا يلتفت منهم أحد الا هى فالتفتت وقالت يا قوماه- وثانيهما انه امر باسراء غيرها من اهله- فان هواها إليهم فلم يسربها- واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين كذا قال صاحب المدارك وهذا القول غير سديد فان الروايتين متناقضتان لا يمكن جمعهما فان خروجها وعدم خروجها نقيضان- فاحداهما باطل بيقين والقراءتان قطعيتان ولا يصح حمل القواطع على المعاني المتناقضة- ولهذا قال البيضاوي الاولى جعل الاستثناء فى القراءتين عن قوله لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ- ومثله قوله تعالى ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ والّا قليلا على القرائتين- ويرد عليه ان مختار النحويين فى كلام غير موجب البدل وان كان الجائز النصب ايضا- فحمل قراءة اكثر القراء على غير الأفصح غير ملائم- وأجاب عنه البيضاوي بانه لا بعد ان يكون اكثر القراء على غير الأفصح لكونه فصيحا ايضا- ولا يلزم من ذلك يعنى من الاستثناء من النهى عن الالتفات أمرها بالالتفات بل عدم نهيها عنه استصلاحا- ولذلك علله على طريقة الاستيناف بقوله إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ قلت وعلى ما ذكر البيضاوي محمل قراءة ابن مسعود انه من كلام ابن مسعود قاله تفسيرا للقران على رأيه- يعنى جعل الاستثناء من الأهل كما هو راى اكثر المفسرين والله اعلم- قلت وجاز ان يكون الاستثناء على قراءة النصب منقطعا- فان امراة لوط لم تكن من اهله لانها كانت كافرة على غير عمل صالح- وقد قال الله تعالى لنوح فى ابنه الكافر إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ- فلم تكن من اهله فى المخاطبين بقوله لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ- واما على قراءة الرفع فاعتبرت من اهله من زمرة المخاطبين نظرا على وصلة النكاح- ولا منافاة بين الاعتبارين- قلت ويمكن ان يقال قراءة النصب على الاستثناء من الأهل وقراءة الرفع على الاستثناء من أحد ولا منافاة بينهما- وليس بناء القراءتين على روايتى خروج امراة لوط وعدم خروجها بل يصح معنى القراءتين على كل من الروايتين فانه على تقدير الاستثناء من الأهل معنى الاية اسر باهلك الا بامراتك ومقتضاه كون لوط مأمورا

_ (1) فى الأصل وتصديقه-

[سورة هود (11) : آية 82]

بحملهم جميعا على السير غير امرأته وذالا يستلزم خروجهم ولا عدم خروجهم- فكيف يقتضى خروجها وهى لم تكن مؤتمرة بلوط- ولم يكن لوط مأمورا بإخراجها- ولا يقتضى ايضا عدم خروجها وان كان لوط لم يأمرها بالخروج- وعلى تقدير الاستثناء من الالتفات النهى من الالتفات متوجه الى لوط ومن معه غير امرأته وذا ايضا لا يستدعى خروجها ولا عدم خروجها- فان المستثنى فى حكم المسكوت عنه فلعلها «1» خرجت والتفتت كما روى ولعلها «2» لم تخرج أصلا- وان كان لوط أمرها بالخروج فانها لم تكن مؤتمرة له ولعل البيضاوي نظر الى ما قلت حتّى قال والاولى جعل الاستثناء فى القراءتين عن قوله لا يلتفت ولم يقل فالواجب ذلك والله اعلم إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ كانه علة للامر بالاسراء اى موعد هلاكهم وقت الصبح فقال لوط أريد اسرع من ذلك فقال أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) . فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا اى عذابنا او أمرنا به ويؤيده جعل التعذيب مسببا عنه بقوله جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها كان حقه جعلوا عاليها اى الملائكة المأمورون به- فاسند الى نفسه من حيث انه المسبب تعظيما للامر- قال البغوي وذلك ان جبرئيل عليه السلام ادخل جناحه تحت قرى قوم لوط المؤتفكات وهى خمس مدن- وفيها اربعة مائة الف وقيل اربعة آلاف الف- فرفع المدائن كلها حتّى سمع اهل السماء صياح الديكة ونياح الكلاب ولم يكفأ لهم اناء ولم ينتبه لهم نائم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها- وكذا اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير وَأَمْطَرْنا عَلَيْها اى على المدن يعنى على شواذها ومسافريها وقيل بعد قلبها أمطر عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (5) قال ابن عباس وسعيد بن جبير معربة- سنگ گل- وقال قتادة وعكرمة السجيل الطين دليله قوله عز وجل لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ- وقال مجاهد أولها حجارة وآخرها طين- وقال الحسن كان اصل الحجارة طينا فشددت- وقال الضحاك يعنى الاجر- وقيل انه من اسجله إذا أرسله وإذا أعطيته- والمعنى من مثل شيء المرسل او من مثل العطية فى الادراد- او من السجلّ اى مما كتب الله ان

_ (1) فى الأصل فلعله- (2) ولعله

[سورة هود (11) : آية 83]

يعذبهم به- وقيل أصله من سجين اى من جهنم فابدلت نونه لاما- وقيل السجيل اسم للسماء الدنيا- وقيل هو جبال فى السماء- قال الله تعالى وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ ... مَنْضُودٍ (82) قال ابن عباس متتابع مفعول من نضد وهو وضع الشيء بعضه فوق بعض. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ منصوب على الحال من حجارة ومعناه معلمة- قال ابن جريج عليها سيما لا يشاكل حجارة الأرض- وقال قتادة وعكرمة عليها خطوط حمر على هيئة الجرع- وقال الحسن والسدى كانت مختومة عليها أمثال الخواتيم ومكتوب على كل حجر اسم من رمى به وَما هِيَ اى الحجارة مِنَ الظَّالِمِينَ اى من مشركى مكة- وقال البغوي قال قتادة وعكرمة يعنى من ظالمى هذه الامة- وكذا اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن قتادة بِبَعِيدٍ (83) فانهم بظلمهم حقيق بان يمطروا حجارة- قال قتادة وعكرمة والله ما أجار الله منها ظالما بعد- قال البغوي وفى بعض الآثار ما من ظالم الا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة الى ساعة- وفى البيضاوي انه صلى الله عليه وسلم سال جبرئيل فقال يعنى ظالمى أمتك ما من ظالم الا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة الى ساعة- قال السيوطي ذكره الثعلبي بغير اسناد ولم اقف له على اسناد- وفى الدر المنثور اخرج ابن ابى حاتم وابو الشيخ عن الربيع فى الاية قال كل ظالم فيما سمعنا قد جعل بحذائه حجر ينتظر متى يؤمر ان يقع به- وقيل الضمير للقرى اى هى قريبة من ظالمى مكة يمرون عليها فى أسفارهم الى الشام فليعتبروا بها- وتذكير البعيد على تأويل الحجر او المكان-. وَإِلى مَدْيَنَ أراد أولاد مدين بن ابراهيم عليه السلام او اهل مدين وهو بلد بناه فسمى باسمه أَخاهُمْ فى النسب شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ أمرهم اولا بالتوحيد فانه ملاك الأمر- ثم نهاهم عما اعتادوه من البخس المنافى للعدل المخل بحكمة المعاوضة إِنِّي قرا نافع والبزي وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَراكُمْ بِخَيْرٍ قال ابن عباس يعنى مؤسرين فى نعمة وسعة ليست بكم حاجة فى ان تبخسوا حقوق الناس- او المعنى أنتم فى نعمة حقها ان تشكروا الله وتتفضّلوا على الناس لا ان تنقصوا حقوقهم- وقال

[سورة هود (11) : آية 85]

مجاهد حذرهم زوال النعمة وغلاء السعر وحلول النقمة ان لم يتوبوا وَإِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بالإسكان أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) يحيط بكم ويهلككم جميعا لا يشذ منه أحد منكم- وقيل عذاب مهلك من قوله واحيط بثمره- والمراد عذاب يوم القيامة او عذاب الاستيصال وصف اليوم بالاحاطة وهى صفة العذاب لاشتماله عليه. وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ صرح الأمر بالإيفاء بعد النهى عن ضده مبالغة وتنبيها على انه لا يكفيهم الكف عن تعمد التطفيف بل يلزمهم السعى بالإيفاء ولو بزيادة لا يتاتى دونها- ولذلك قال ابو حنيفة من اشترى مكيلا مكائلة او موزونا موازنة لم يجز للمشترى منه ان يبيعه ولا ان يأكله حتّى يعيد الكيل والوزن- لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتّى يجرى فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشترى رواه ابن ماجة وإسحاق بن ابى شيبة من حديث جابر- وأعل بعبد الرّحمن بن ابى ليلى- ورواه البزار من حديث ابى هريرة نحوه ومن حديث انس وابن عباس من طريقين ضعيفين- قال ابن همام هذا الحديث حجة لكثرة تعدد طرقه وقبول الائمة إياه- فانه قد قال بقولنا هذا مالك والشافعي واحمد- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم زن وأرجح فانا معاشر الأنبياء هكذا نزن رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه وابن حبان من حديث سويد بن قيس بِالْقِسْطِ اى بالعدل وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ تعميم بعد تخصيص- فانه أعم من ان يكون فى المقدار او فى غيره وكذا قوله وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ فان العثو يعم تنقيص الحقوق وغيره من انواع الفساد- وقيل المراد بالبخس المكس كاخذ العشور من المعاملات ومن العثو السرقة وقطع الطريق والغارة مُفْسِدِينَ (85) قيل فائدته إخراج ما يقصد به الصلاح كما فعله الخضر عليه السلام وقيل معناه لا تعثوا فى الأرض مفسدين امر دينكم ومصالح آخرتكم- والظاهر انه حال مؤكدة لمعنى عاملها لان عثى بمعنى أفسد. بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ قال ابن عباس يعنى ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن خير مما تأخذونه بالتطفيف وقال مجاهد بقية الله طاعة الله خير لكم- نظيره قوله تعالى وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ ...

[سورة هود (11) : آية 87]

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (5) يعنى خيريتها مشروطة بالايمان- إذ لا اجر على الخيرات الا للمؤمنين ويحبط الله اعمال الكافرين- وقيل معناه ان كنتم مصدقين لى فى قولى لكم فافعلوا ما أمرتكم من إيفاء الكيل والوزن وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) احفظكم عن القبائح او احفظ عليكم أعمالكم فاجازيكم عليها انما انا ناصح مبلّغ وقد أعذرت حين أنذرت- او لست بحافظ عليكم نعمة الله لو لم تتركوا سوء صنيعكم-. قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ قرا حمزة والكسائي وحفص على الافراد والباقون صلوتك على الجمع- قال ابن عباس كان شعيب عليه السلام كثير الصلاة لذلك قالوا هذا القول وقال الأعمش يعنى اقراءتك تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ عبادة ما يَعْبُدُ آباؤُنا من الأوثان والمعنى أصلاتك تأمرك تكليفك إيانا ان نترك فحذف المضاف- ووجه هذا التقدير ان الرجل لا يؤمر بفعل غيره أجابوا أمرهم بالتوحيد بالاستهزاء والتهكم بصلاته والاشعار بان مثله لا يدعوا اليه داع عقلى وانما دعاك اليه خطرات ووساوس من جنس ما تواظب عليه- وكان كثير الصلاة كذا قال ابن عباس ولذلك جمعوا لفظ الصلاة وخصوها بالذكر أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا عطف على الموصول يعنى او نترك ان نفعل ما نشآء وهو جواب النهى عن التطفيف والأمر بالإيفاء إِنَّكَ يا شعيب لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قال ابن عباس أرادوا السفيه الغاوي كما ان العرب يصف الشيء بضده فيقول للديغ سليم وللفلاة مفازة- وقيل قالوه على وجه الاستهزاء وقصدوا وصفه بضده والفرق بين التأويلين ان اللفظ على التأويل الاول مجاز وعلى الثاني حقيقة كناية عن الذم- وقيل معناه أنت الحليم الرّشيد بزعمك- وقيل هو على الحقيقة من غير كناية والمعنى انك أنت الحليم الرشيد فى زعمنا ما كنا نزعم بك ان تقول مثل ما قلت كما قال قوم صالح قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قبل هذا-. قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ بصيرة وبيان واضح مِنْ رَبِّي بالوحى والنبوة وَرَزَقَنِي مِنْهُ اى من الله بلا كد منى فى تحصيله حال من رزقا قدم عليه لكونه نكرة رِزْقاً حَسَناً حلالا قيل كان شعيب عليه السلام كثير المال-

[سورة هود (11) : آية 89]

وجواب الشرط محذوف تقديره فهل يجوز لى ان أخون فى وحيه وأخالفه فى امره ونهيه- وهو اعتذار عما أنكروا عليه من مخالفة دين القوم وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ يعنى ما أريد ان ارتكب ما أنهاكم عنه فلو كان ثوابا ما تركته ولكنى أحب لكم ما أحب لنفسى واكره لكم ما كرهت لنفسى- يقال خالفت زيدا الى كذا إذا قصدت شيئا وهو تاركه- وخالفته عنه إذا تركت ما هو فاعله إِنْ أُرِيدُ بالنهى عن الإشراك والتطفيف والأمر بالتوحيد والإيفاء إِلَّا الْإِصْلاحَ يعنى إصلاحكم واخلاء العالم من الفساد مَا اسْتَطَعْتُ ما مصدرية واقعة موضع الظرف اى مدة استطاعتي للاصلاح وما دمت متمكنا منه لا آلو جهدا- او موصولة بدل من الإصلاح اى المقدار الّذي استطعته او إصلاح ما استطعته فحذف المضاف وَما تَوْفِيقِي قرا نافع وابو عمرو وابن عامر بفتح الياء والباقون بإسكانها والتوفيق جعل الأسباب موافقا للمطلوب الخير- يعنى ما يتيسر لى إصابة الحق والصواب إِلَّا بِاللَّهِ اى بهدايته ومعونته عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فانه القادر المتمكن على كل شيء وما عداه عاجز فى حد ذاته بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار- وفيه اشارة الى محض التوحيد الّذي هو أقصى مراتب العلم بالمبدأ- والتوكل من مقامات الصوفية العلية رحمهم الله وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) اى ارجع فيما ينزل بي من النوائب- وقيل فى المعاد وهو ايضا يفيد الحصر بتقديم الصلة على الفعل- والانابة طلب التوفيق لاصابة الحق فيما يأتى ويذر من الله والاستعانة فى مجامع الأمور والإقبال عليه بشر أشره- وفيه قطع لاطماع الكفار واظهار لعدم المبالاة بهم وتهديد لهم بالرجوع الى الله للجزاء. وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ اى يكسبنكم شِقاقِي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها يعنى خلافى وعداوتى أَنْ يُصِيبَكُمْ من العذاب مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ من الغرق أَوْ قَوْمَ هُودٍ من الريح أَوْ قَوْمَ صالِحٍ من الرجفة والصيحة- وان يصيبكم ثانى مفعولى يجرم فانه يتعدى الى واحد والى اثنين ككسب وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) بالزمان فانهم اقرب الهالكين منكم زمانا حتّى تعلمون ما حاق بهم- او المعنى ما ديار قوم لوط منكم ببعيد بالمكان فانهم كانوا جيرانهم- او المعنى ما قوم لوط منكم ببعيد فيما تستحقون به العذاب من الكفر والمعاصي- وافراد البعيد

[سورة هود (11) : آية 90]

لان المراد وما إهلاكهم او ما هم بشيء بعيد او ما مكانهم ببعيد- وقيل القريب والبعيد والقليل والكثير يستوى فيها المذكر والمؤنث لورودها على زنة المصادر الّتي هى الصّهيل والنهيق ونحوهما. وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ لما صدر منكم فى الماضي بالايمان والندامة على المعاصي وطلب المغفرة ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ اى ارجعوا اليه والى امتثال أوامره الانتهاء عن مناهيه فى المستقبل إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ عظيم الرحمة للمؤمنين التائبين وَدُودٌ (90) فعول من الود يجيء بمعنى الفاعل والمفعول يعنى محب للمؤمنين ومحبوبهم وعد على التوبة بعد الوعيد على الإصرار-. قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ اى لانفهم كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ كوجوب التوحيد وحرمة البخس وما ذكرت دليلا عليهما- وذلك لقصور عقلهم وعدم تفكرهم- وقيل قالوا ذلك استهانة لكلامه او لانهم لم يلقوا اليه أذهانهم لشدة نفرتهم- قلت بل لما طبع الله على قلوبهم فان القلوب بين إصبعين من أصابع الرّحمن يطلعها على ما يشاء ويصرفها عما يشاء وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً لا قوة لك فتمنع منا ان أردنا بك سوءا او مهينا لاعز لك فينا- قال البغوي وذلك انه كان ضرير البصر فارادوا ضعف البصر- وقيل الضعيف بلغة حمير هو الأعمى والتقييد بالظرف يابى عن هذا المعنى فائدة منع بعض المعتزلة كون الأعمى نبيّا قياسا على القضاء والشهادة- والفرق بين- وذهاب بصر يعقوب عليه السلام ثابت بالنص قال الله تعالى وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ وقال فَارْتَدَّ بَصِيراً ... وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ يعنى لولا قومك لقتلناك برمى الحجارة- قال البغوي كان شعيب فى منعة من قومه- وقال البيضاوي معناه لولا عزة قومك عندنا لكونهم على ملتنا لا لخوف من شوكتهم فان الرهط من الثلاثة الى العشرة- وقيل الى السبغة قلت ويؤيد الاول قوله تعالى تِسْعَةُ رَهْطٍ- وفى الصحاح الرهط العصابة دون العشرة وقيل بل الى الأربعين وقال الجزري فى النهاية الرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل الى الأربعين ولا تكون فيهم امرأة- وفى القاموس الرهط قوم الرجل وقبيلته ومن ثلاثة الى سبعة او الى عشرة او ما دون العشرة وما فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه- قلت وكلام البغوي يشعر انه قوم الرجل مطلقا كما فسره صاحب القاموس اولا والله اعلم وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91)

[سورة هود (11) : آية 92]

فيمنعنا عزتك عن الرجم وهذا دأب السفيه المحجوج يقابل الحجج والبينات بالسبّ والتهديد وفى إيلاء ضميره حرف النفي تنبيه على ان الكلام فيه لا فى ثبوت العزة- وان المانع لهم عن إيذائه عزة قومه ولذلك. قالَ شعيب يا قَوْمِ أَرَهْطِي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو وابن ذكوان بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا يعنى تركتم قتلى لاجل رهطى وما باليتم بنسبتى من الله بالرسالة وجعلتم الله كالمنسى المنبوذ وراء الظهر باشراككم به واهانة رسوله- والاستفهام يحتمل الإنكار والتوبيخ والرد والتكذيب والظّهرىّ المنسوب الى الظهر والكسر من تغيرات النسب إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) لا يخفى عليه شيء منها فيجازى عليها-. وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ على تمكنكم من عداوتى مطيعين لها إِنِّي عامِلٌ على تمكنى سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ من استفهامية معلقة لفعل العلم عن عمله فيها كانّه قيل سوف تعلمون ايّنا يأتيه عذاب يخزيه انا او إياكم اى يفضحه وايّنا هو كاذب- او موصولة قد عمل فيها كانّه قيل سوف تعلمون الشقي الّذي يأتيه العذاب- وقد سبق مثل هذه الاية فى الانعام- لكن أورد الفاء هناك للتصريح بان الإصرار والتمكن فيما هم عليه سبب لذلك- وحذفها هاهنا فقال سوف تعلمون لانه جواب سائل كانه قال فماذا يكون بعد ذلك وهذا ابلغ فى التهويل وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ عطف على من يأتيه لا لانه قسيم له بل لانهم اوعدوه وكذبوه فقال سوف تعلمون من المعذب والكاذب انا او أنتم- وقيل كان قياسه ومن هو صادق لينصرف الاول إليهم والثاني اليه- لكنهم لما كانوا يدعونه كاذبا قال ومن هو كاذب على زعمهم- وقيل محل من الرفع تقديره ومن هو كاذب يعلم سوء عاقبته وَارْتَقِبُوا وانتظروا العاقبة وما أقول لكم إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) منتظر فعيل بمعنى الراقب كالصريم- او المراقب كالعشير او المرتقب كالرفيع. وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا ذكر هاهنا بالواو كما فى قصة عاد- إذ لم يسبقه ذكر وعد يجرى مجرى السبب له- بخلاف قصتى صالح ولوط فانه ذكر بعد الوعد وذلك قوله وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ وقوله إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ولذلك جاء بفاء السببية نَجَّيْنا

[سورة هود (11) : آية 95]

شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ قيل ان جبرئيل عليه السلام صاح صيحة فخرجت أرواحهم- وقيل أتاهم صيحة من السماء فاهلكتهم فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94) ميتين واصل الجثوم اللزوم فى المكان. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها كان لم يقيموا فيها احياء متصرفين مترددين أَلا بُعْداً هلاكا ولعنا لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) شبّههم بهم لان عذابهم كان ايضا بالصيحة غير ان صيحة ثمود كانت من تحتهم وصيحة مدين كانت من فوقهم- أصله بعدت بضم العين والكسر لتخصيص معنى البعد بما يكون بسبب الهلاك- والبعد بضم الباء مصدر لهما وبفتح الباء والعين مصدر المكسور-. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا اى بالمعجزات وليس المراد بها آيات التورية لنزولها بعد هلاك فرعون وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (96) اى غلبة ظاهرة غلب بها مع كونه رجلا واحدا على فرعون وجنوده- ولم يقدر فرعون على إهلاكه مع حرصه على ذلك- قيل المراد به العصا وأفردها بالذكر لكونه ابهرها- ويجوز ان يراد بهما واحد- يعنى ولقد أرسلناه بالجامع بين كونه آياتنا وسلطانا له على نبوته واضحا فى نفسه او موضحا إياه- فان ابان جاء لازما ومتعديا- والفرق بين الاية والسلطان ان الاية يعم الامارة والدليل القاطع- والسلطان يخص القاطع والمبين يخص بما فيه جلاء. إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ فى الكفر والطغيان والانهماك فى الضلال وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) اى ذى رشد وانما هو غىّ وضلال والرشد يستعمل فى كل ما يحمد ويرتضى- ضد الغىّ فانه يستعمل فى كل ما يذم- وفيه تجهيل لمتبعيه حيث اتبعوه على امره مع كونه بديهي البطلان- حيث ادعى الالوهية مع كونه بشرا مثلهم- وجاهر بالظلم والكفر والشرك- وترك متابعة موسى الهادي الى الحق المؤيد بالعقل والنقل والمعجزات الظاهرة. يَقْدُمُ قَوْمَهُ اى يتقدمهم يقال قدم بمعنى تقدم يَوْمَ الْقِيامَةِ الى النار كما كان يقدمهم فى الدنيا الى الضلال فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ذكره بلفظ الماضي مبالغة فى تحقيقه ونزل النار لهم منزلة الماء حتّى سمى إتيانها ورودا وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) اى بئس الورد الّذي وردوه فانه يراد لتبريد الكبد وتسكين العطش- والنار بالضد والاية

[سورة هود (11) : آية 99]

كالدليل على قوله وما امر فرعون برشيد فان من هذا عاقبته لا يكون فى امره رشد او تفسير له على ان المراد بالرشيد ما يكون مأمون العاقبة حميدها. وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدنيا لَعْنَةً يعنى لعنوا على السنة الأنبياء والمؤمنين فى الدنيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يلعنون ايضا بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) اللعنة اى بئس العون المعان او العطاء المعطى- واصل الرفد ما يضاف الى غيره ليعمده وفى القاموس الإرفاد الاعانة والإعطاء- ذلِكَ مبتدا وما بعده خبره يعنى هذا النبا الّذي انبأناك مِنْ أَنْباءِ الْقُرى اى بعض اخبار القرى المهلكة نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مقصوص نباه عليك خبر بعد خبر مِنْها اى بعض ذلك قائِمٌ اى باق اثارها وَحَصِيدٌ (100) ومنها عافى الآثار كالزرع المحصود- قال مقاتل قائم يرى له اثر- وحصيد لا يرى له اثر- وقيل منها قائم يعنى عامر وحصيد يعنى خراب- والجملة مستأنفة وليس بحال من ضمير نقصّه لعدم الواو والضمير وَما ظَلَمْناهُمْ الضمير عائد الى القرى والمراد بها أهلها يعنى ما ظلمناهم باهلاكنا إياهم وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بان عرّضوها له بارتكاب ما يوجبه من الكفر والمعاصي فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ يعنى ما نفعتهم ولا قدرت على ان يدفع عنهم العذاب آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ من الإغناء لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ اى عذابه وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) غير تدمير وتخسير وَكَذلِكَ اى مثل هذا الاخذ الّذي ذكرنا فى القصص المذكورة أَخْذُ رَبِّكَ مبتدا كذلك خبره مقدم عليه إِذا أَخَذَ الْقُرى اى أهلها وَهِيَ ظالِمَةٌ حال من القرى وهى فى الحقيقة لاهلها لكنها لما أقيمت مقامهم أجريت عليها- وفائدتها الاشعار بانهم انما أخذوا بظلمهم إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) وجيع لا يرجى الخلاص منه- عن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ليملى الظالم حتّى إذا اخذه لم يفلته- قال ثم قرا وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ الاية رواه الشيخان فى الصحيحين والترمذي وابن ماجة- إِنَّ فِي ذلِكَ اى فيما نزل بالقرى الهالكة وما قصه الله عليك لَآيَةً لعبرة لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ فانه يعتبر به عظمته ويعلم «1» بان ما حاق بهم أنموذج مما أعد الله للمجرمين او المعنى ينزجر به عن المعاصي لعلمه بانها من اله مختار يعذّب من يشاء ويرحم من يشاء

_ (1) فى الأصل يعلم بغير واو

[سورة هود (11) : آية 104]

واما من أنكر الاخرة فهو كالانعام لا بصر له ولا بصيرة فلا يعتبر بل يحيلها الى الاتفاق ذلِكَ اشارة الى يوم القيامة دل عليه عذاب الاخرة يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ اى يجمع له الناس اى لما فيه من المحاسبة والمجازة والتغير للدلالة على ثبات معنى الجمع لليوم- وانه من شأنه لا محالة وأن الناس لا ينفكون عنه وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) اى مشهود فيه يشهد فيه الشهداء على الناس- او مشهود فيه الخلائق الموقف لا يغيب منهم أحد- واتسع فيه بإجراء الظرف مجرى المفعول وَما نُؤَخِّرُهُ اى ذلك اليوم قرا يعقوب بالياء «1» على الغيبة اى ما يؤخر الله إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) اى الا لانتهاء مدة معدودة معلومة عند الله على حذف المضاف وأراد مدة التأجيل كلها بالأجل لا منتهاها فانه لا «2» تعدد فيه يَوْمَ يَأْتِ اى الجزاء او اليوم على ان اليوم بمعنى حين او الله عز وجل كقوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ- وجاء ربّك قرا ابن عامر وعاصم وحمزة يأت بحذف الياء اجتزاء عنها بالكسرة ونافع وابو عمرو والكسائي بالياء أصلا فقط وابن كثير فى الحالين- والظرف متعلق باذكر او بانتهاء المحذوف او بقوله لا تَكَلَّمُ بحذف احدى التاءين اى لا تتكلم نَفْسٌ ما ينفع وينجى من جواب او شفاعة إِلَّا بِإِذْنِهِ اى الا اذن الله نظيره لا يتكلّمون الّا من اذن له الرّحمن فَمِنْهُمْ الضمير لاهل الموقف دل عليهم قوله لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ او للناس فى قوله تعالى يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ ... شَقِيٌّ كتب عليه الشقاوة وَسَعِيدٌ (105) كتب له السعادة عن على بن ابى طالب رضى الله عنه قال خرجنا على جنازة- فبينا نحن بالبقيع إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده مخصرة- فجاء ثم جلس فنكت بها الأرض ساعة ثم قال ما من نفس منفوسة الا قد كتب مكانها من الجنة او النار والا قد كتب شقى وسعيد- قال فقال رجل ألا نتكل على كتابنا يا رسول الله وندع العمل- قال لا ولكن اعملوا فكل ميسر فاما اهل الشقاء فيسروا لعمل اهل الشقاوة واما اهل السعادة فيسروا لعمل اهل السعادة قال ثم تلا فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى الاية رواه البغوي وفى الصحيحين نحوه- فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) قال ابن عباس الزفير الصوت الشديد والشهيق الصوت الضعيف- وقال الضحاك ومقاتل الزفير

_ (1) والصحيح ان يعقوب مع الجمهور فى نون العظمة- ابو محمّد عفا الله عنه (2) فى الأصل ان لا تعدد فيه-

[سورة هود (11) : آية 107]

أول نهيق الحمار والشهيق آخره إذا ردّده فى جوفه- وكذا فى القاموس- وقال ابو العالية الزفير فى الحلق والشهيق فى الصدر- وقال البيضاوي الزفير إخراج النفس والشهيق رده واستعمالهما فى أول النهيق وآخره- وفى القاموس ايضا زفر يزفر زفرا وزفيرا اخرج نفسه بعد مده إياه والجملة فى موضع الحال والعامل فيها الظرف المستقر خالِدِينَ «1» فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ قال الضحاك اى ما دامت سموات الجنة والنار وارضهما- وكلما علاك سماء وكلما استقر عليه قدمك ارض- ولا شك ان اجتماع الناس المذكور فيما سبق يدل على ان لهم مظل ومقل- وقال اهل المعاني هذه عبارة عن التأبيد على عادة العرب يقولون لا يأتيك ما دامت السموات والأرض يعنون ابدا إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ظاهر هذه الاية يقتضى انقطاع استقرارهم فى النار- ويؤيده ما روى عن ابن مسعود قال ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا- وعن ابى هريرة مثله وبه قال من الصوفية الشيخ محى الدين «2» ابن العربي- لكن هذا القول مردود بالإجماع والنصوص قال الله تعالى فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ- اخرج الطبراني وابو نعيم وابن مردوية عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قيل لاهل النار انكم ماكثون عدد كل حصاة لفرحوا بها- ولو قيل لاهل الجنة انكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا ولكن جعل لهم الابد- واخرج الطبراني فى الكبير والحاكم وصححه عن معاذ ابن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الى اليمن فلما قدم عليهم قال يا ايها الناس انى رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يخبركم ان المردّ الى الله الى جنة او نار خلود بلا موت واقامة بلا ظعن فى أجساد لا تموت- واخرج الشيخان عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا اهل النار لا موت ويا اهل الجنة لا موت كل خالد فيما هو فيه- واخرج البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال يا اهل الجنة خلود ولا موت ويا اهل النار خلود ولا موت- وحديث ذبح الموت والنداء بقوله يا اهل الجنة لا موت ويا اهل النار لا موت- أخرجه الشيخان عن ابن عمرو ابى سعيد والحاكم وصححه عن ابى هريرة- قال البغوي معنى قول ابن مسعود وابى هريرة ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد عند اهل السنة ان ثبت ان لا يبقى فيها أحد من اهل الايمان- واما مواضع الكفار فممتلية

_ (1) ليس فى الأصل خالدين فيها- (2) فى الأصل محى الدين العربي-

ابدا وقد ذكرت فى تفسير قوله تعالى لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً انها فى حق اهل الأهواء من اهل القبلة وعند اكثر المفسّرين المراد بالاحقاب احقاب «1» غير متناهية- ولما كان الإجماع على خلود الكفار فى النار اختلفوا فى تفسير هذه الاية وتأويل هذين الاستثنائين- والمختار عندى ان الاستثناء فى هذه الاية محمول على انهم يخرجون من الجحيم الى الحميم ف يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ وهكذا ابدا- قال البغوي فى تفسير قوله تعالى يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ انهم يسعون بين الحميم وبين الجحيم- فاذا استغاثوا من النار جعل عذابهم الحميم الانى الّذي صار كالمهل قال الله تعالى وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ او من النار الى الزمهرير روى الشيخان عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اشتكت النار الى ربها فقالت يا رب أكل بعضى بعضا فاذن لها بنفسين نفس فى الشتاء ونفس فى الصيف- فاشد ما يجدون من الحر من حرها وأشد ما يجدون من الزمهرير من زمهريرها وكذا اخرج البزار عن ابى سعيد واخرج ابو سعيد مثله من حديث انس- وقال بعض المحققين الاستثناء فى اهل الشقاء يرجع الى قوم مؤمنين يدخلهم الله النار بذنوب اقترفوها ثم يخرجهم منها- عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليصيبن أقواما سفع «2» من النار بذنوب أصابوها عقوبة- ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته فيقال لهم الجهنميون رواه البخاري- وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يخرج قوم من النار بشفاعة محمّد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميون رواه البخاري ونحوه عن المغيرة بن شعبة عند الطبراني وزاد فيدعون الله ان يمحو عنهم الاسم فيمحو الله عنهم- وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ناسا من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون فى النار ما شاء الله ان يكونوا- ثم يعيرهم اهل الشرك ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم- فلا يبقى موحد الا أخرجه الله- ثم قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ - وقد روى معناه فى حديث طويل عن ابى موسى الطبراني والبيهقي وابن ابى حاتم- وعن ابى سعيد الطبراني- وفى دخول المؤمنين المذنبين النار وخروجهم منها أحاديث بلغت حد التواتر- قال البيضاوي فساق المؤمنين يخرجون من النار وذلك كاف

_ (1) فى الأصل أحقابا- (2) سفع من النار اى علامة تغير ألوانهم يعنى اثرا من النار 12 نهاية منه رح

[سورة هود (11) : آية 108]

فى صحة الاستثناء لان زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض وهم المراد بالاستثناء الثاني فانهم يفارقون عن الجنة ايام عذابهم فان التأبيد من مبدا معين ينتقض باعتبار الابتداء كما ينتقض باعتبار الانتهاء وهؤلاء وان شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بايمانهم- ولا يقال فعلى هذا لم يكن قوله تعالى فمنهم شقى وسعيد تقسيما صحيحا لان من شرطه ان يكون صفة كل قسم منتفية عن قسيمه- لان ذلك الشرط انما يكون فى الانفصال الحقيقي او مانع الجمع والمراد هاهنا منع الخلوّ- والمعنى ان اهل الموقف لا يخرجون عن القسمين ولا يخرج حالهم عن الشقاوة والسعادة وذلك لا يمنع اجتماع الامرين فى شخص باعتبارين انتهى- وقيل ما شاء هاهنا بمعنى من شاء والمراد بهم ايضا عصاة المؤمنين فى الاستثنائين- ومرجع هذا القول الى القول الثاني وقيل المستثنى فى الفريقين زمان توقفهم فى الموقف للحساب لان الظاهر يقتضى ان يكونوا فى النار او فى الجنة حين يأتى اليوم- او مدة لبثهم فى الدنيا والبرزخ ان كان الحكم مطلقا غير مقيد باليوم- وعلى هذا التأويل يحتمل ان يكون الاستثناء من الخلود على ما عرفت فى كلام البيضاوي المذكور سابقا- وقيل هو استثناء من قوله تعالى لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ- وقال السيوطي فى البدور السافرة أشبه الأقوال بالصواب انه ليس باستثناء وانما الا بمعنى سوى كما تقول لك علىّ الف درهم الا الألفان القديمان اى سوى الألفين- والمعنى خالدين فيها مدة دوام السموات والأرض فى الدنيا سوى ما شاء ربك من الزيادة عليها مما لا منتهى له- وذلك عبارة عن الخلود- والنكتة فى تقديم ذكر مدة السموات والأرض التقريب الى الأذهان بذكر المعهود اولا- ثم اردافه بما لا احاطة للذهن به- وقيل الا بمعنى الواو يعنى ما دامت السموات والأرض فى الدنيا وما شاء ربك من الخلود كقوله تعالى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا يعنى ولا للذين ظلموا- وقال الفراء هذا استثناء استثناه ولا يفعله كقولك والله اضربنك الا ان ارى غير ذلك وعزيمتك ان تضربه- فالمعنى الا ما شاء ربك يعنى لو شاء ربك لاخرجهم منها ولكنه لم يشأ- وقال قتادة الله اعلم بثنياه إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا قرأ حفص وحمزة وخلف- ابو محمّد والكسائي بضم السين على البناء

للمفعول من سعد الله بمعنى أسعده- والباقون بالفتح على البناء للفاعل فهو لازم ومتعد فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ قد ذكرت الأقوال فى هذا الاستثناء فيما سبق- والمختار عندى ان اهل الجنة ينعمون فى بعض احيانهم بما هو أعلى من الجنة- وذلك هو الاستغراق فى رؤية الله تعالى- وكمال الاتصال بجنابه بلا كيف قال المفسرون فى تفسير قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ان تقديم الجار والمجرور يقتضى الحصر ويفيد انهم إذا راوا ربهم يستغرقون فى رؤيته تعالى لا ينظرون حينئذ الى غيره- وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل الجنة فى نعيمهم إذ سطع عليهم نور فرفعوا رؤسهم فاذا الرب تبارك وتعالى قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا اهل الجنة- وذلك قوله تعالى سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ- قال فينظر إليهم وينظرون اليه- فلا يلتفتون الى شيء من النعيم ما داموا ينظرون اليه حتّى يحجب عنهم ويبقى نوره وبركته فى ديارهم- رواه ابن ماجة وابن ابى الدنيا والدار قطنى- وقال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه فى المكتوب المائة من المجلد الثالث فى تحقيق سر اشتغال قلب يعقوب بمحبة يوسف عليهما السلام ان جنة كل رجل عبارة عن ظهور اسم من اسماء الله تعالى الّذي هو مبدا لتعيّن ذلك الرجل- وان ذلك الاسم يتجلى بصورة الأشجار والأنهار والقصور والحور والغلمان- واستحكم هذا المكشوف بقوله صلى الله عليه وسلم ان الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها قيعان وان غراسها هذه يعنى سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر- ثم قال المجدد رضى الله عنه ان تلك الأشجار والأنهار قد تصير فى حين من الأحيان على هيئة الاجرام الزجاجية- فتصير وسيلة الى رؤية الله سبحانه غير متكيفة ثم تعود الى حالها الّذي كانت عليه- فيشغل المؤمن بنفسها وهكذا الى ابد الآبدين- وقد ذكرنا زيادة الكلام فى المقام فى تفسير سورة القيامة فى شرح اية الرؤية عَطاءً منصوب على انه مصدر مؤكّد يعنى اعطوا عطاء- او على الحال من الجنة- قلت ويمكن ان يكون منصوبا على انه مفعول به لقوله تعالى إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ- يعنى هم فى الجنة الا وقت مشية ربك عطاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) اى غير مقطوع يعنى الوصال والرؤية بلا حجاب- ووجه تعبير ذلك بعطاء غير مجذوذ مع ان كل نعيم فى الجنة عطاء غير مجذوذ- ان ذاته تعالى موجود متاصل بنفسه وغيره

[سورة هود (11) : آية 109]

موجود بوجود ظل وجوده- فالموجود بنفسه هو الله وحده وكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ- كالمستعير ثوب غيره عار بالنسبة الى المالك- فعطاؤه تعالى اتصالا بذاته كانّه هو المتأصل الغير المنقطع وما عداه من النعيم مجذوذ وجوده فى نفسه بالنسبة اليه والله اعلم- قال ابن زيد أخبرنا الله بالذي يشاء لاهل الجنة فقال عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ولم يخبرنا بالذي يشأ لاهل النار بل قال هناك إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ- فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ شك بعد ما أخبرناك من مال الناس مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ من عبادة هؤلاء المشركين فى انها ضلال مؤد الى مثل ما حل بمن قبلهم ممن قصصته عليك سوء عبادتهم- او من حال ما يعبدونه فى انه لا يضر ولا ينفع ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما كان يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ حذف كان لدلالة قبل عليه- والجملة مستأنفة معناه تعليل النهى عن المرية فى انهم واباؤهم سواء فى الشرك اى ما يعبدون عبادة الا كعبادة ابائهم- او ما يعبدون شيئا الا مثل ما عبدوه من الأوثان- وقد بلغك ما لحق آباءهم فسيلحقهم مثله- لان التماثل فى الأسباب يقتضى التماثل فى المسببات وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ من العذاب كابائهم او من الرزق فيكون عذر التأخير العذاب عنهم مع قيام موجبه غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) من النصيب تأكيد للتوفية- فانك قد تقول وفيته حقه وتريد به وفاء بعضه ولو مجازا- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التورية فَاخْتُلِفَ فِيهِ فامن به قوم وكفر به قوم كما اختلف هؤلاء فى القران تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم وَلَوْلا كَلِمَةٌ الانظار الى يوم القيامة سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين المحق والمبطل بانزال العذاب على المبطل ليميز به عن المحق وَإِنَّهُمْ يعنى كفار مكة لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى من القران او من العذاب مُرِيبٍ (110) موقع فى الريب وَإِنَّ قرا نافع وابن كثير وابو بكر مخففة من الثقيلة عاملة اعتبارا للاصل والباقون مشددة كُلًّا التنوين بدل من المضاف اليه يعنى ان كل واحد من المختلفين المؤمنين منهم والكافرين لَمَّا قرا عاصم وابن عامر وحمزة هاهنا وفى يس لّمّا جميع لّدينا- وفى الطارق لّمّا عليها حافظ بتشديد الميم- والباقون بتخفيفها- فمن قراها بالتخفيف فلام الاولى موطية للقسم والثانية للتأكيد او بالعكس- وما مزيدة

[سورة هود (11) : الآيات 112 إلى 113]

بينهما للفصل- وقيل ما بمعنى من كما فى قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ اى من طاب لكم- والمعنى والله لَيُوَفِّيَنَّهُمْ او والله لمن ليوفينهم رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ اى جزاء أعمالهم- ومن قراها بالتشديد فاصله لمن ما- فقلبت النون ميما للادغام فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت اولا عن- والمعنى لمن ليوفيهم وما مزيدة- وقيل انه من لممت لمّا اى جمعته- ثم وقف على الالف عوض التنوين فصار لمّا- ثم اجرى الوصل مجرى الوقف- وجاز ان يكون مثل الدعوى والبشرى وغيرها من المصادر الّتي فيها الف التأنيث- وقرا الزهري وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا بالتنوين وهو يؤيد هذا القول- والمعنى وان كلا جميعا- وقال صاحب الإيجاز لما فيه معنى الظرف وفى الكلام اختصار تقديره وان كلا لما بعثوا ليوفينهم إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ من خير او شر خَبِيرٌ (111) فلا يفوت منه شيء وان خفى- فَاسْتَقِمْ استقامة كَما أُمِرْتَ اى مثل استقامة أمرت بها وَمَنْ تابَ مَعَكَ من الشرك وأمن عطف على المستكن فى استقم وان لم يؤكد بمنفصل لقيام الفاصل مقامه- لمّا بين الله سبحانه امر المختلفين فى التوحيد والنبوة- واطنب فى شرح الوعد والوعيد- امر رسوله ومن تبعه بالاستقامة مثل ما امر بها- وهى شاملة للاستقامة فى العقائد كالتوسط بين التشبيه والتعطيل- والجبر والاختيار وغير ذلك- والأعمال من تبليغ الوحى وبيان الشرائع كما انزل- والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط وافراط مفوت للحقوق ونحوها- عن سفيان ابن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله قل لى فى الإسلام قولا لا اسئل عنه أحدا بعدك وفى رواية غيرك قال قل امنت بالله ثم استقم رواه مسلم- فالاستقامة لفظ جامع قال عمر بن الخطاب الاستقامة ان تستقيم على الأمر والنهى ولا تروغ روغان الثعلب يعنى لا تميل عن الطريق المستقيم ميلا أصلا- وهى فى غاية العسر ولذلك قالت الصوفية الاستقامة فوق الكرامة قال البغوي قال ابن عباس رضى الله عنهما ما نزلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اية هى أشد عليه من هذه الاية ولذلك قال شيّبتنى سورة هود- قلت قول ابن عباس يدل على ان اشتداد هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى شيّبته- انما كان لاجل هذه الاية الآمرة بالاستقامة- فانه صلى الله عليه وسلم وان كان نفسه الشريفة مجبولة على الاستقامة مخلوقة على خلق عظيم- لكنها شاقة على من تبعه فلذلك شيّبته شفقة على أمته- والظاهر عندى

ان قوله صلى الله عليه وسلم شيّبتنى سورة هود مبنى على اشتمالها على قصص هلاك الأمم المشعر بالوعيد بالهلاك للظالمين من أمته- وذكر يوم القيامة كما سنذكر فى اخر السورة ان شاء الله تعالى وَلا تَطْغَوْا يعنى لا تجاوزوا عن حدود الشرع- وقيل معناه لا تغلوا فتزيدوا على ما أمرت ونهيته عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الدين يسرو لن يشاد الدين أحد الا غلبه فسددوا وقاربوا وبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة رواه البخاري والنسائي قلت وهذا الحديث ايضا يدل على ان تشييب السورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان لثقل الاستقامة والله اعلم- إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا قال ابن عباس اى لا تميلوا والركون المحبة والميل بالقلب- وقال ابو العالية لا ترضوا بأعمالهم- وقال السدى لا تداهنوا الظلمة- وقال عكرمة لا تطيعوهم- وقيل لا تسكنوا الى الذين ظلموا قال البيضاوي لا تميلوا إليهم ادنى ميل فان الركون هو الميل اليسير كالتزين بزيّهم وتعظيم ذكرهم فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ بركونكم إليهم- قال البيضاوي وإذا كان الركون الى الظالمين كذلك فما ظنك بالميل كل الميل إليهم- ثم بالظلم نفسه والانهماك فيه- ولعل الاية ابلغ ما يتصور فى النهى عن الظلم- روى ان رجلا صلى خلف الامام فلما قرا هذه الاية غشى عليه فلما أفاق قيل له فقال هذا فيمن ركن الى الظلم فكيف بالظالم- وعن الحسن جعل الله الدين بين لائين لا تطغوا ولا تركنوا- وعن الأوزاعي ما من شيء ابغض الى الله من عالم يزور ظالما- وعن أوس انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مشى مع ظالم ليقويه وهو يعلم انه ظالم فقد خرج من الإسلام- وعن ابى هريرة انه سمع رجلا يقول ان الظالم لا يضر الا نفسه- فقال ابو هريرة بلى والله حتّى الحبارى لتموت فى وكرها هزلا بظلم الظالم- روى الحديثين فى شعب الايمان قال البيضاوي خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بهذه الاية للتثبيت على الاستقامة الّتي هى العدل فان الزوال عنها بالميل الى أحد طرفى افراط او تفريط ظلم على نفسه او غيره بل ظلم فى نفسه وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ اى من أنصار يمنعون عنكم العذاب والواو للحال من مفعول فتمسكم النّار ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) اى ثم لا ينصركم الله إذ سبق فى حكمه ان يعذبكم فيه وثم لاستبعاد النصر من الله تعالى- او لاستبعاد النصر مطلقا فانه لما ذكر

[سورة هود (11) : آية 114]

انهم يعذبهم الله وكل من يعذبه الله لا يقدر على نصره أحد غيره انتج انهم لا ينصرون أصلا والله اعلم - اخرج الترمذي والنسائي عن ابى اليسر قال البغوي هو عمرو بن غزية الأنصاري- قال أتتني امراة تبتاع تمرا فقلت ان فى البيت تمرا أطيب منه فدخلت معى البيت فاهويت إليها فقبلتها ثم ندمت فاتيت أبا بكر رضى الله عنه فذكرت ذلك فقال استر على نفسك وتب- قال فاتيت عمر فقال استر على نفسك وتب- فلم اصبر فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له- فقال أخلفت غازيا فى سبيل الله فى اهله بمثل هذا- حتّى ظن انه من اهل النار فاطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى اوحى اليه وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ الاية فقال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهذا خاصة أم للناس عامة- قال بل للناس عامة- قال صاحب لباب النقول- وورد نحو حديث ابى اليسر من حديث ابى امامة وابن عباس وبريدة وغيرهم- وانتصاب طرفى على الظرف لانه مضاف اليه ومعناه غدوة وعشية وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ اى طائفة من الليل او ساعات منه قريبة من النهار- فانه من ازلفه إذا قربه وهو جمع زلفة- قرا ابو جعفر بضم اللام- قال ابن عباس طرفا النهار يعنى صلوة الصبح والمغرب- وزلفا من الليل حينئذ العشاء- وقال الحسن طرفا النهار الصبح والعصر وزلفا من الليل المغرب والعشاء- وقال مجاهد طرفا النهار الصبح والظهر والعصر وزلفا من الليل المغرب والعشاء- وهذا القول يشعر ان وقت الظهر والعصر واحد ولو عند الضرورة وكذا وقت المغرب والعشاء- ومن هاهنا قال مالك واحمد والشافعي إذا اسلم الكافر او طهرت الحائض او بلغ الصبى اخر وقت العصر وجبت عليه الظهر والعصر- وإذا اسلم او طهرت او بلغ اخر وقت العشاء وجبت عليه المغرب والعشاء- خلافا لابى حنيفة رحمه الله فانه لا يجب عنده الا العصر والعشاء- لنا الأحاديث الواردة فى اوقات الصلوات الّتي ذكرتها فى سوره النساء فى تفسير قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً- فانها تدل على ان وقت كل صلوة مبائن للاخرى- ولاجل ذلك لا يجوز عند ابى حنيفة رحمه الله جمع صلوة الظهر والعصر ولا المغرب والعشاء بعلة سفر او مرض او مطر كما لا يجوز جمعهما بغير علة اجماعا- وقال الشافعي ومالك واحمد يجوز الجمع فى السفر- وعند مالك واحمد يجوز الجمع لاجل المطر فى العشاءين خاصة وعند الشافعي بين الظهرين ايضا- وجاز عند احمد الجمع

لاجل المرض- احتجوا بان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر لحمنة بنت جحش حين استحاضت بالجمع وقال تؤخرين الظهر وتعجلين العصر ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين رواه احمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح- وانه صلى الله عليه وسلم جمع فى السفر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فى الصحيحين عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصلاتين فى السفر المغرب والعشاء والظهر والعصر- وفيهما عن انس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل ان تزيغ الشمس اخر الظهر الى وقت العصر ثم ينزل فيجمع بينهما- وإذا زاغت الشمس قبل ان يرتحل صلى الظهر ثم ركب- وروى مسلم من حديث معاذ بن جبل قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء- قال فقلت له ما حمله على ذلك قال أراد ان لا يحرج أمته- وأجاب ابو حنيفة عن هذه الأحاديث ان المراد من هذه الأحاديث الجمع الصوري- يعنى كان يصلى الظهر فى اخر وقتها والعصر فى أول وقتها وكذا العشاءين- فيجمع بينهما صورة وكان يصلى كل صلوة فى وقتها كما هو مصرح فى حديث حمنة- ويدل عليه ما فى الصحيحين عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر- وفى بعض ألفاظ مسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر- قيل لابن عباس ما أراد الى ذلك قال أراد ان لا يحرج أمته- وفى رواية للطبرانى جمع بالمدينة من غير علة- قيل ما أراد بذلك قال التوسع على أمته- فان هذا الحديث محمول على الجمع الصوري البتة للاجماع على عدم جواز الجمع من غير علة- وقد جاء صريحا فى الصحيح عن عمرو بن دينار قال قلت يا أبا الشعثا أظنه اخّر الظهر وعجّل العصر واخّر المغرب وعجّل العشاء- قال وانا أظن ذلك- فان قيل يمكن حمل ما يدل على جمع التأخير على الجمع الصوري ولكن من الروايات ما يدل على جميع التقديم ولا يمكن حملها على الجمع الصوري اما حديث ابن عباس فرواه احمد والبيهقي والدار قطنى من طريق حسين بن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن عكرمة وكريب عن ابن عباس قال كان إذا زاغت الشمس فى منزله جمع بين الظهر والعصر قبل ان يركب- وإذا لم تزغ له فى منزله سار حتّى إذا جاء العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر- وإذا جاءت فى منزله جمع بينها وبين العشاء- و

إذا لم يجيء فى منزله ركب حتّى إذا جاءت العشاء نزل فجمع بينهما- واما حديث انس فرواه الإسماعيلي والبيهقي من حديث إسحاق بن راهويه بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان فى السفر وزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل قال النووي اسناده صحيح- واما حديث معاذ فرواه احمد وابو داود والترمذي وابن حبان والحاكم والدار قطنى والبيهقي من حديث قتيبة عن الليث عن يزيد بن ابى حبيب عن ابى الطفيل عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل ان يرتحل جمع بين الظهر والعصر فان ارتحل قبل ان تزيغ اخر الظهر حتّى ينزل للعصر- وفى المغرب مثل ذلك الحديث- قلنا اما ما ذكرتم من حديث ابن عباس فحسين ضعيف كذا قال ابن معين وقال النسائي متروك واما ما ذكرتم من حديث انس فانه وان قال النووي اسناده صحيح لكن قال الذهبي ان أبا داود أنكر على إسحاق لكن له متابع رواه الحاكم فى الأربعين وفيه إذا زاغت الشمس قبل ان يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب وهذه زيادة غريبة صحيحة الاسناد رواه الطبراني فى الأوسط ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان فى سفر فزاغت الشمس قبل ان يرتحل صلى الظهر والعصر جميعا- وان ارتحل قبل ان تزيغ الشمس جمع بينهما فى أول العصر- وكان يفعل ذلك فى المغرب والعشاء- وقال تفرد به يعقوب بن محمّد الزهري واما حديث معاذ قال الترمذي تفرد به قتيبة والمعروف ما رواه مسلم- وقال ابو داود هذا حديث منكر وليس فى جمع التقديم حديث قائم- وقال ابو سعيد بن يونس لم يحدث بهذا الحديث الا قتيبة- ويقال انه غلط وعلله ابو حاتم واطنب الحاكم فى بيان علته وأعله البخاري وابن حزم- وفى الجمع فى السفر حديث علىّ رواه الدار قطنى بسند له من حديث اهل البيت وفى اسناده من لا يعرف- وفيه ايضا المنذر القابوسي وهو ضعيف- واحتج ابو حنيفة بحديث ابن مسعود فى الصحيحين قال ما رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلوة لغير وقتها الا بجمع فانه جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى صلوة الصبح من الغد قبل وقتها يعنى غلس بها فكانّه أراد قبل وقتها المعتاد- وكانّه ترك ذكر جمع عرفة لشهرته- وبما روى مسلم فى حديث ليلة التعريس قوله صلى الله عليه وسلم ليس فى النوم تفريط انما التفريط فى اليقظة ان يؤخر الصلاة حتّى يدخل

[سورة هود (11) : آية 115]

وقت صلوة اخرى والله اعلم- إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ اى يكفرنها اخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لم أر شيئا احسن طلبا ولا اسرع إدراكا من حسنة حديثة لسيئة قديمة- انّ الحسنات يذهبن السّيّئات- واخرج احمد عن ابى ذر قال قلت يا رسول الله أوصيني- قال إذا عملت سيئة فاتبعها حسنة تمحها- قال قلت يا رسول الله من الحسنات لا اله الا الله- قال هى أفضل الحسنات- عن ابن مسعود ان رجلا أصاب من امراة قبلة- فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فانزل الله تعالى وأقم الصلاة طرفى النهار الاية- فقال الرجل الى هذا قال لجميع أمتي كلهم- وفى آدابه لمن عمل بها من أمتي متفق عليه- وفى رواية لمسلم نحوه وفيه قال له عمر لقد سترك الله لو سترت على نفسك الحديث- واخرج الحاكم والبيهقي من حديث معاذ بن جبل نحوه- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنب الكبائر- رواه مسلم- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ان نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا هل يبقى من دونه شيء- قالوا لا يبقى من درنه شيء- قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا- متفق عليه ذلِكَ اشارة الى قوله فاستقم فما بعده وقيل الى القران ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) اى عظة للمتعظين وَاصْبِرْ يا محمّد على الطاعات وعن المعاصي وعلى ما أصابك من الأذى- وقيل على الصلاة نظيره وامر أهلك بالصّلوة واصطبر عليها فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) عدل من المضمر ليكون كالبرهان على المقصود وفيه دليل على ان الصلاة والصبر اختان- وايماء بانه لا يعتدّ بهما بدون الإخلاص- فَلَوْلا فهلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ الّتي كانت مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ اى أولوا رأى وعقل وفضل- وانما سمى بقية لان الرجل يستبقى أفضل ما عنده- يقال فلان ذو بقية إذا كان فيه خير- ومنه ما يقال فلان من بقية القوم اى من خيارهم- ومنه قولهم فى الزوايا خبايا وفى الرجال بقايا- وقيل معناه أولوا طاعة كما ذكرنا فى

[سورة هود (11) : آية 117]

بقيّت الله خير لّكم- والبقيت الصّلحت خير- وقيل معناه أولوا بقية من الخير إذا كان على خصلة محمودة- ويجوز ان يكون مصدرا كالتقية- فى القاموس بقي يبقى بقاء وبقأ وبقيا يعنى ذو ابقاء على أنفسهم وصيانة لها من العذاب يَنْهَوْنَ الناس عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ ويأمرون بالمعروف إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ لكن قليلا منهم أنجيناهم- وهم اتباع الأنبياء كانوا ينهون عن الفساد- ويجوز ان يكون الاستثناء متصلا إذا جعل من النفي اللازم للتحضيض- ومن فى ممّن أنجينا للبيان لا للتبعيض وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا اى التاركون للنهى عن المنكر ما أُتْرِفُوا فِيهِ ما انعموا فيه من الشهوات- فاهتموا بتحصيل أسبابها واعرضوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر- وقال مقاتل بن حبان ما حولوا- وقال الفراء ما عودوا وجملة واتبع معطوف على فعل مقدر اى الا قليلا- ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا شهواتهم وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116) كافرين وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ اللام لتأكيد النفي وان المصدرية مقدرة يعنى ما كان صفة ربك إهلاك الْقُرى او ما كان ربك مهلكها بِظُلْمٍ حال من ضمير الفاعل فى يهلك اى ما كان الله مهلكهم ظالما لهم وَأَهْلُها قوم مُصْلِحُونَ (117) مسلمون تنزيه لذاته تعالى عن الظلم- وقيل الظلم الشرك والمعنى وما كان الله مهلك القرى بسبب شركهم فى حال يكون أهلها مصلحون فيما بينهم يتعاطون الانصاف ولا يظلم بعضهم بعضا- اخرج الطبراني وابو الشيخ عن جرير بن عبد الله قال لما نزلت هذه الاية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلها ينصف بعضهم بعضا- وذلك لفرط رحمة ومسامحة فى حقوقه ولذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد- ومن هاهنا قيل الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ كلهم أُمَّةً واحِدَةً مسلمين صالحين وهو دليل ظاهر على ان الأمر غير الارادة- وانه تعالى لم يرد الايمان من كل واحد وان ما أراد يجب وقوعه وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) عن الحق تاركيه «1» الى الباطل على أنحاء شتى- فمنهم يهودى ونصرانى ومجوسى ووثنى- ومنهم جبرى

_ (1) فى الأصل تاركوه-

[سورة هود (11) : آية 119]

وقدرى وروافض وخوارج وغير ذلك إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ هداهم الله من فضله الى صراط مستقيم- فهم متفقون على اصول العقائد الصحيحة وامتثال أوامر الله والانتهاء عن المناهي- عن ابن مسعود قال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مستقيما- ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه عن شماله وقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه- وقرا وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ رواه احمد والنسائي والدارمي وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك يعنى للرحمة خلقهم- فالضمير راجع الى من رحمهم والاشارة الى الرحمة- وقال الحسن وعطاء وللاختلاف خلقهم- قال اشهب سالت مالكا عن هذه الاية- فقال خلقهم ليكون فريق فى الجنة وفريق فى السعير- وقال ابو عبيدة الّذي اختاره قول من قال خلق فريقا لرحمته وفريقا لعذابه وقال الفراء خلق اهل الرحمة للرحمة واهل الاختلاف للاختلاف- فالضمير راجع الى الناس والاشارة الى الاختلاف والرحمة جميعا- واللام للمعاقبة ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ اى حكم ربك القديم او قوله للملائكة لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ اى عصاتهما أَجْمَعِينَ (119) او المعنى منهما جميعا لا من أحدهما- وَكُلًّا اى كل نبا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ اى من اخبارهم ومن اخبار أممهم ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ بيان لكلّا او بدل منه- وفائدته التنبيه على المقصود من الاقتصاص- وهو زيادة يقينه وتقوية قلبه على أداء الرسالة واحتمال أذى الكفار- او مفعول وكلّا منصوب على المصدر او الظرف- اى كل نوع من انواع الاقتصاص او كل وقت من الأوقات نقص عليك ما نثبت به فؤادك من انباء الرسل والأمم وَجاءَكَ فِي هذِهِ قال الحسن وقتادة فى هذه الدنيا- وقال غيرهما فى هذه السورة والظاهر ان الاشارة الى الانباء- يعنى جاءك فى هذه الانباء المقتصة عليك الْحَقُّ اى ما هو حق وَمَوْعِظَةٌ

[سورة هود (11) : آية 121]

وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) اشارة الى سائر فوائده التامة العامة وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ اى حالكم وجهتكم الّتي أنتم عليها وعلى قدرتكم فيه تهديد ووعيد إِنَّا عامِلُونَ (121) على حالنا وقوتنا وَانْتَظِرُوا بنا الدوائر إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) ان ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم ان لم تؤمنوا وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى له تعالى خاصة علم ما غاب عن العباد فيهما- لا يخفى عليه خافية مما بينهما فلا يخفى عليه أعمالكم وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ قرا نافع وحفص بضم الياء وفتح الجيم على البناء للمفعول- والباقون بفتح الياء وكسر الجيم على البناء للفاعل الْأَمْرُ كُلُّهُ فى العباد يعنى يرجع اليه تعالى لا محالة أمرك وأمرهم فينتقم لك منهم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وفى تقديم الأمر بالعبادة على التوكل تنبيه على انه انما ينفع التوكل مع العبادة وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) قرا نافع وابن عامر وحفص ويعقوب هنا وفى اخر النمل بالتاء الفوقانية على الخطاب والباقون بالياء التحتانية على الغيبة فيهما- قال البغوي قال كعب خاتمة التورية خاتمة سورة هود- عن ابن عباس قال قال ابو بكر يا رسول الله قد شبت- قال صلى الله عليه وسلم شيّبتنى هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت- رواه الترمذي والحاكم وصححه والبغوي- ورواه الحاكم عن ابى بكر وابن مردوية عن سعد ورواه ابن مردوية عن ابى بكر بلفظ شيّبتنى هود وأخواتها قبل المشيب «1» - ورواه ابو يعلى بسند ضعيف عن انس وابن مردوية عن عمران بلفظ شيّبتنى هود وأخواتها من المفصل- ورواه ابن مردوية عن انس بلفظ شيّبتنى سورة هود وأخواتها الواقعة والقارعة والحاقة وإذا الشمس كورت وسال سائل- وروى الطبراني

_ (1) وعن ابى سعيد الخدري قال عمر بن الخطاب يا رسول الله اسرع إليك الشيب قال شيّبتنى هود وأخواتها الواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت فقط ازالة الخفا 12 منه رحمه الله

فى الكبير عن عقبة بن عامر وابى جحيفة بلفظ شيّبتنى سورة هود وأخواتها وفى الطبراني عن سهل بن سعد بسند ضعيف بزيادة الواقعة والحاقة وإذا الشمس كورت وروى ابن عساكر عن محمّد بن على مرسلا بلفظ شيّبتنى هود وأخواتها وما فعل بالأمم قبلى- وروى عبد الله بن احمد فى زوائد الزهد وابو الشيخ فى تفسيره عن ابى عمران الجوني مرسلا شيّبتنى هود وأخواتها وذكر يوم القيامة وقصص الأمم- وألفاظ الأحاديث المذكورة صريحة فى ان التشييب مبنى على ذكر يوم القيامة وهلاك الأمم السابقة لا على الأمر بالاستقامة له ولمن تاب معه والا لاقتصر على سورة هود ولم يذكر معها أخواتها- والله اعلم تمت تفسير سورة هود من التفسير المظهرى (ويتلوه تفسير سورة يوسف عليه السلام ان شاء الله تعالى) سادس عشر ذى القعدة من السنة الاولى بعد المائتين والف سنة 1201 هـ

فهرس تفسير سورة يوسف عليه السلام من التفسير المظهرى

فهرس تفسير سورة يوسف عليه السّلام من التّفسير المظهرى مضمون صفحه حديث الكريم بن الكريم 4 بحث تحقيق الرؤيا وأقسامها وما ورد فيه من الأحاديث- 5 تأويل همّت به وهمّ بها- 21 الهمّ قسمان- 21 مسئلة جاز للعالم ان يصف نفسه حتّى يعرف الناس قدره إذ جهلت منزلته من العلم فاراد ان ينشر علمه وليس هذا من تزكية النفس فويل الذين يطعنون على اولياء الله فى اظهار فضائلهم 31 حديث رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك ما لبث فى السجن طول ما لبث 33 مسئلة ينبغى للرجل ان يجتهد فى نفى التهمة عن نفسه لا سيما من كان ممن يقتدى به 37 ما ورد فى مدح يوسف عليه السلام على صبره- 37 وما دل على كمال نزول نبينا صلى الله عليه وسلم 37 مسئلة جاز طلب الولاية والقضاء واظهاراته اهل لها ان كان أمنا على نفسه فان كان أحد لا يقوم مقامه فقد يستحب وقد يجب ان تعين لامضاء احكام الله تعالى- 42 وجاز ان يتولى الإنسان عملا من يد سلطان جائر او كافر إذا علم انه لا سبيل الى اقامة الحق الا به- 42 حديث العين حق 47 حديث لا يغنى حذر عن قدر- 47 ما أشكل من تعلق قلب يعقوب بيوسف عليهما السلام وحله- 57 حديث الدنيا ملعونة- 57 حديث سيد بنى دارا ووضع مأدبة 57 وأرسل داعيا- حديث الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها تيعان وان غراسها سبحان الله إلخ- 58 بيان حسن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم وحسن يوسف عليه السلام- 60 حديث لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحب اليه من والده وولده- 60 حديث ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان 60 مسئلة جواز التأسف والبكاء عند المصيبة- 61 حديث بكائه صلى الله عليه وسلم على ابنه ابراهيم وابن بنته- 61 حديث ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا- 68 قوله صلى الله عليه وسلم عند الوفاة مع الذين أنعم الله عليهم الاية- 71 حديث لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا فلا يتبايعانه ولا يطويانه- 74 تمت.

سورة يوسف عليه السلام

سورة يوسف عليه السّلام مكيّة مائة واحدى عشرة اية ربّ يسّر وتمّم بالخير «1» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (1) اشارة الى آيات القران والاضافة بمعنى من وهو المراد بالكتاب- اى تلك آيات من القران الظاهر فى الاعجاز- او الواضح معانيه بين حلاله وحرامه وحدوده وأحكامه- قال قتادة مبين والله بركته وهداه ورشده وقال الزجاج مبين الحق من الباطل والحرام من الحلال وقيل اشارة الى آيات السورة- وهى المراد بالكتاب- اى تلك الآيات آيات السورة الظاهر أمرها لمن تدبّر انها من عند الله- او مبين لليهود- قال البيضاوي روى ان علماءهم قالوا للمشركين سلوا محمّدا لم انتقل ال يعقوب من الشام الى مصر- وعن قصة يوسف- فنزلت السورة- ولم يذكر هذا صاحب لباب النقول فى اسباب النزول. إِنَّا أَنْزَلْناهُ اى الكتاب قُرْآناً القران اسم جنس يقع على الكل والبعض وصار علما للكل بالغلبة- فيمكن حمله على الكتاب وان أريد به السورة- ونصبه على الحال وهو فى نفسه اما توطية للحال الّتي هى عَرَبِيًّا او هو حال لكونه مصدرا بمعنى المفعول وعربيا صفة له- او حال من الضمير فيه او حال بعد حال والغرض من إيراد قوله

_ (1) الخط من الناشر-

[سورة يوسف (12) : آية 3]

عربيا انا أنزلناه بلغتكم لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ «1» (2) لكى تعلموا معانيه وتستعملوا فيه عقولكم فتدركوا لطائفه واعجازه لفظا ومعنى روى الحاكم وغيره عن سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه قال انزل على النبي صلى الله عليه وسلم القران فتلا عليهم زمانا فقالوا يا رسول الله لو حدثتنا فنزل اللَّهُ نَزَّلَ «2» أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الاية- زاد ابن ابى حاتم فقالوا يا رسول الله لو ذكرتنا فانزل الله تعالى أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ الاية- واخرج ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما وابن مردوية عن ابن مسعود رضى الله عنه مثله قال قالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فنزل. نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ وذكر البغوي عن سعد بن ابى وقاص الفصول الثلاثة لكنه قدم الفصل الثالث على الثاني أَحْسَنَ الْقَصَصِ منصوب على المصدر يعنى احسن الاقتصاص لانه اقتص على أبدع الاساليب ومعناه نبين لك اخبار الأمم السالفة والقرون الماضية احسن البيان او على المفعولية يعنى احسن ما نقص والمراد قصة يوسف عليه السلام سماها احسن القصص لاشتماله على العجائب والعبر والحكم والنكت والفوائد الّتي تصلح امر الدين والدنيا من سير الملوك والمماليك والعلماء ومكر النساء والصبر على أذى الأعداء وحسن التجاوز عنهم بعد التمكن من الانتقام وغير ذلك من الفوائد- والقصص على هذا فعل بمعنى مقعول كالنقض والسلب مشتق من قص اثره إذا اتبعه والقاص يتبع الآثار ويأتى بالأخبار على وجهها- قال خالد بن معدان سورة يوسف وسورة مريم يتفكه بهما اهل الجنة فى الجنة وقال ابن عطاء لا يسمع سوره يوسف محزون الاستراح «3» إليها بِما أَوْحَيْنا اى بايحائنا

_ (1) عن خالد بن عرفظة قال كنت جالسا عند عمر إذ اتى برجل من عبد القيس قال عمر أنت فلان العبدى قال نعم فضربه بقناة معه فقال الرجل ما لى يا امير المؤمنين قال اجلس فجلس فقرا عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر الى قوله لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ فقراها ثلاثا وضربه ثلاثا فقال الرجل ما لى يا امير المؤمنين قال أنت الّذي تستحبّ كتاب دانيال قال مرنى بامرك اتبعه قال انطلق فامحه بالحميم والصوف ثم لا تقراه ولا تقرئه أحدا من الناس- فقال انطلقت انا فنسخت كتابا من اهل الكتاب ثم جئت به فى أديم فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا فى يدك يا عمر قلت يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد علما انى علمنا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى احمرت وجنتاه ثم نودى بالصلوة جامعة فقالت الأنصار اغضب نبيكم السلاح السلاح حتّى احدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يايها الناس انى قد أوتيت جوامعا لكم وخواتيمه واختصرنى اختصارا ولقد اتيتكم بها بيضاء فقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهكون قال عمر فقمت فقلت رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم- وروى عن ابراهيم النخعي عن عمر نحوه- 12 ازالة الخفا- منه نور الله مرقده [.....] (2) فى الأصل الله الّذي نزّل إلخ- (3) فى الأصل استروح-

[سورة يوسف (12) : آية 4]

إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ يعنى السورة ويجوز ان يجعل هذا مفعول نقصّ على ان يكون احسن منصوبا على المصدر وَإِنْ كُنْتَ مخففة اى انه كنت مِنْ قَبْلِهِ اى قبل ايحاءنا إليك لَمِنَ الْغافِلِينَ (3) عن هذه القصة او عن كلّما اوحى إليك من القصص والشرائع والاحكام-. إِذْ قالَ يُوسُفُ بدل اشتمال من احسن القصص ان جعل مفعولا به وأريد قصة يوسف عليه السلام- لان الوقت مشتمل عليها- او منصوب بتقدير اذكر ويوسف اسم عبرى ولذا لم ينصرف وهو ابن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم الصلاة والسلام روى احمد والبخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم لِأَبِيهِ يعقوب عليه السلام يا أَبَتِ قرا ابن عامر وابو جعفر بفتح التاء فى جميع القران والباقون بكسر التاء- وابن كثير وابن عامر يقفان يابه بالهاء والباقون بالتاء إِنِّي رَأَيْتُ فى المنام من الرؤيا لا من الرؤية بدليل قوله تعالى. لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ وهذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ ... أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ روى سعيد بن منصور فى سننه والبزار وابو يعلى فى مسنديهما وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية فى تفاسيرهم- والعقيلي وابن حبان فى الضعفاء- والحاكم فى المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم- وابو نعيم والبيهقي كلامهما فى دلائل النبوة عن جابر رضى الله عنه واسم «1» اليهودي عند البيهقي بستان وقال يا محمّد أخبرني عن النجوم الّتي راهن يوسف- فسكت فنزل جبرئيل عليه السلام فاخبره بذلك- فقال عليه السلام ان أخبرك هل تسلم- قال نعم قال جرثان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين- راها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له- فقال اليهودي اى والله انها لاسماؤها رَأَيْتُهُمْ تأكيد لِي ساجِدِينَ (4) او استيناف ببيان حالها الّتي راها عليها- وأورد صيغة جمع العقلاء وضميرهم لوصفها بصفاتهم- وكان النجوم فى التأويل اخوته وكانوا أحد عشر رجلا يستضاء بهم كما استضاء بالنجوم- والشمس أبوه والقمر امه- وقال السدىّ القمر خالته لان امه راحيل كانت قد ماتت- وقال ابن جريج القمر أبوه والشمس امه لكونها مؤنثة والقمر مذكر-

_ (1) فى الأصل سمى اليهود عند البيهقي بستان-

[سورة يوسف (12) : آية 5]

قلت تأنيث الشمس لفظى مختص بلغة العرب فلا وجه لجعلها كناية عن امه مع كونها أضوء من القمر- قيل راها ليلة الجمعة ليلة القدر- فلما قصّها على أبيه. قالَ يا بُنَيَّ تصغير ابن صغّره للشفقة او لصغر السن قال البغوي كان يوسف ابن اثنى عشر سنة- قرا حفص هاهنا وفى الصافات بفتح الياء والباقون بكسرها لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ الرؤيا مختص بما يكون فى النوم او نحو ذلك من الاستغراق فرق بينها وبين الرؤية بحر فى التأنيث كالقرية والقرى- قال البيضاوي الرؤيا انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة الى الحس المشترك- والصادقة منها انما يكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب- عند فراغها من تدبير البدن ادنى فراغ فيتصور بما فيها مما لا يليق من المعاني الحاصلة هناك- ثم ان المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها الى الحس المشترك فتصير مشاهدة- ثم ان كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت الا بالكلية والجزئية- استغنت الرؤيا عن التعبير والا احتاجت اليه- قلت الرؤيا هى مطالعة النفس فى الصور المنطبعة فى الحس المشترك من أفق المتخيلة عند غفلتها وفراغها عن مطالعة المحسوسات فى النوم او الإغماء او نحو ذلك- وهى على ثلاثة اقسام قسمان منها باطلان والقسم الثالث منها صحيحة صالحة من حيث الأصل- لكنها قد تفسد بالعوارض ويقع فيها الخطاء بها وقد يقع الخطاء فى تأويلها- اما القسمان الباطلان فالاول منهما ما تراه النفس من صور الأشياء الّتي راتها فى اليقظة- او تفكر واخترعها المتخيلة من غير اصل لها فى الواقع- وتسمى تلك الرؤيا حديث النفس والثاني منهما ما ألقاه الشيطان فى خياله وتمثل له تخويفا او ملاعبة- فان الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم- وتسمى تلك الرؤيا الرؤيا السوء وتخويف الشيطان والحلم- واما الّتي هى صحيحة فهى الهام واعلام من الله تعالى لعبده على شيء مما فى خزائن الغيب- او على شيء من مكنونات صفاته وأحواله ودرجات القرب له من الله تعالى حتّى تكون له بشارة- عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا المؤمن كلام يكلم العبد ربه فى المنام رواه الطبراني بسند صحيح والضياء- وحقيقة تلك الرؤيا

الصالحة عند الصوفية ان العالم الكبير شخص له نفس وروح وقوى على هيئة الإنسان ولذلك يسمى إنسانا كبيرا- ولمشابهته يسمى الإنسان عالما صغيرا- فكما ان فى العالم الصغير اعنى الإنسان قوة متخيلة فكذلك فى العالم الكبير متخيلة- يتخيل بها المحسوسات والمعقولات والاعراض والجواهر والمجردات والمعاني- فصور الأشياء كلها حتّى الواجب تعالى وصفاته- والممكنات بأسرها المجردات منها والماديات- وما لا صورة لها فى الخارج كالموت والحياة والأيام والسنين والأمراض موجودة فى تلك المتخيلة- بايجاد الله تعالى- ومن أجل ذلك راى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمى على صورة امراة سوداء- وعبر يوسف عليه السلام البقرات والسنابل بالسنين- ومن هاهنا يظهر انه لا يشترط فى الصورة كونها من حبس المحكي عنه او مشتملا على جميع خصائصه- بل يكفى فى ذلك نوع من المناسبة- فلاجل تلك المناسبة الظاهرة او الخفية يتمثل فى متخيلة العالم الكبير ذلك الشيء بتلك الصورة ولاجل لك المناسبة الخفية راى يوسف عليه السلام أبويه واخوته فى صورة الشمس والقمر والكواكب- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا ستة المرأة خير والبعير حرب واللبن فطرة والخضرة جنة والسفينة نجاة والتمر رزق- رواه ابو يعلى فى معجمه عن رجل من الصحابة بسند ضعيف- وتلك المتخيلة من العالم الكبير تسمى فى اصطلاح الصوفية بعالم المثال ثم تلك الصورة تنطبع لاجل المناسبة والمحاذات من متخيلة العالم الكبير فى متخيلة العالم الصغير اى الإنسان- وتراه النفس حين فراغها «1» عن مطالعة المحسوسات- فالانبياء عليهم الصلوات والتسليمات (لاجل عصمتهم عن الشيطان وعن معارضة الأوهام- ولاجل كون مناماتهم مقتصرة على العيون تنام عيونهم وقلوبهم يقظان- فيميزون مخترعات الخيال عن حقائق الإلهام) انحصرت رؤياهم فى القسم الثالث- ثم عدم العوارض المفسدة للمنامات الموجبة لوقوع الخطاء فيها متيقن فيهم عليهم السلام فرؤيا الأنبياء يكون وحيا قطعيا حتّى تصدى خليل الله عليه السلام لذبح ابنه وقال إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى - قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ- ورؤيا الصلحاء اعنى الأولياء الذين زكوا أنفسهم بالرياضات- وأزالوا عنها الكدورات الجبلية-

_ (1) فى الأصل فراعه-

وتنزهوا عن ظلمات الذنوب والآثام- وتجلى بواطنهم باقتباس أنوار النبوة صالحة صادقة الا نادرا- وذلك عند عروض كدورة بأكل شيء من المشتبهات- او زائدا على الحاجة بحيث تولدت منه كدورة ما- او لاجل لمم من المعصية فانهم غير معصومين- او لانعكاس من صحبة العوام- فرؤيا الأولياء شبيهة بالوحى- ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة- متفق عليه من حديث انس وابى هريرة وعبادة بن الصامت ورواه احمد عنهم وابو داؤد والترمذي عن عبادة وروى البخاري عن ابى سعيد ومسلم عن ابن عمرو ابى هريرة واحمد وابن ماجة عن ابى رزين والطبراني عن ابن مسعود بلفظ الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة- وروى ابن ماجة بسند صحيح عن ابى سعيد رؤيا المسلم الصالح جزء من سبعين جزءا من النبوة- وابن ماجة واحمد بسند صحيح عن ابن عمرو احمد عن ابن عباس الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة- وفى حديث ابى رزين عند الترمذي رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة- وفى حديث العباس بن عبد المطلب عند الطبراني رؤيا المؤمن الصالح بشرى من الله وهى جزء من خمسين جزءا من النبوة- وفى حديث ابن عمر عند ابن النجار جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة- فان قيل ما معنى كونها جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة- وما وجه التطبيق بين الأحاديث فى عدد الاجزاء- قلنا كان مدة الوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وعشرين سنة- وكان نصف سنة منها الوحى بالرؤيا الصالحة لا يرى شيئا فى المنام الا وجده مثل فلق الصبح- فلذلك قال جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة- واما روايتا الأربعين والخمسين فمبنيتان على جبر الكسر او طرح الكسر وأخذ العقد تقريبا- واما رواية السبعين فالمراد منها الكثرة فانه يطلق السبعين ويراد به الكثرة قال الله تعالى إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ- فالمعنى انها جزء من اجزاء كثيرة من الوحى واما رواية خمسة وعشرين فشاذ- واما رؤيا العوام- فمنا ماتهم وان كانت مستفادة من عالم المثال- لكنها تفسد وتكذب غالبا- لاجل انكدار خيالاتهم بالكدورات الجبلية النفسانية- والكدورات

المكتسبة بالذنوب والآثام- ثم قد يقع الخطاء فى تعبير الرؤيا إذا كانت بين الصورة والمحكي عنها من عالم المثال مناسبة خفية- وصحة التعبير اما بالإلهام من الله تعالى وهو المراد فى الاية وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ اى يلهمك تعبير المنامات وذا لا يتصور غالبا الا إذا كان المعبر رجلا صالحا أهلا للالهام- واما بالعقل السليم- روى الترمذي بسند صحيح عن ابى رزين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة- وهى على رجل طائر ما لم يحدث بها- فاذا حدث بها سقطت ولا تحدث بها الا لبيبا او حبيبا- وفى بعض الروايات الا من تحب- ورواه ابو داؤد وابن ماجة بسند صحيح عنه بلفظ الرؤيا على رجل طائر ما لم يعبر- فاذا عبرت وقعت ولا تقصّها الا على وادّا وذى رأى- والمراد بالطائر عندى ما قضى الله وقدر له نظيره قوله تعالى وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ اى عمله وما قدر له- فمعنى هذا الحديث عندى والله تعالى اعلم- ان رؤيا المؤمن مبنى على قضاء الله تعالى- وقدر قدّر له لا يعلم هو ما قدر له ما لم يحدث بها ويعبر عنها معبر فاذا حدث بها وعبر عنها معبر بالهام من الله تعالى او بقوة الرأى والاستنباط الموهوبة منه تعالى- وقعت اى ظهرت واتضح ما هو مقضى له- ولا تحدث بها الا لبيبا ذا رأى او حبيبا وادّ اى رجلا صالحا يحب الله والمؤمنين ويحبه الله والمؤمنون- وهو المعنى بقوله الا من تحب فان المؤمن لا يحب الا مؤمنا صالحا- فاللبيب يعبر بالرأى السليم- والحبيب لله تعالى يعبر بالإلهام- فلا يقع الخطاء فى تأويلهما- وما ذكرت من اقسام الرؤيا مستفاد من الأحاديث- روى ابن ماجة بسند صحيح عن عوف بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا ثلاثة منها تهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم- ومنها ما يهم به الرجل فى يقظته فيراه فى منامه- ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة- وروى الترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا ثلاث فبشرى من الله وحديث النفس وتخويف الشيطان- فاذا راى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصّها ان شاء- وان راى شيئا يكرهه فلا يقصّها على أحد وليقم يصلى- واكره الغل واحبّ القيد القيد ثبات فى الدين-

وروى مسلم عن ابى قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان- فمن راى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان فانها لا تضره ولا يخبر بها أحدا- وان راى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر بها الا من يحب- وعنه فى الصحيحين وعند ابى داؤد والترمذي بلفظ الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فاذا راى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث حين يستيقظ عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله منها فانها لا تضره- فان قيل ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم من راى رؤيا فكره فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله منها- قلنا معناه والله اعلم ان الرؤيا ان كانت من تخويفات الشيطان وتسويلاته فيذهب وسوسته بالتعوذ- وان كان من عالم المثال فقد يكون حكاية عن قضاء معلق فالتعوذ بالله منها اى من الرؤيا يردّ القضاء المعلق ان شاء الله تعالى فلا تضرّه- ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم فلا يقصّها على أحد وليقم يصلى انه ان قصّها على أحد يحزنه تعبيرها- فالاولى ان يرجع الى الله تعالى بالصلوة والدعاء حتّى يدفع القضاء المعلق المحكي عنه بالرؤيا- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردّ القضاء الا الدعاء الحديث- رواه الشيخان فى الصحيحين عن سلمان وابن حبان والحاكم عن ثوبان- وليس النهى عن التحديث على التحريم او التنزيه الا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه يوم أحد انى رايت فى المنام سيفى ذا الفقار انكسر وهى مصيبة- ورايت بقرا تذبح وهى مصيبة- وقد مر الحديث فى تفسير قوله تعالى وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ فى سورة ال عمران- وانه صلى الله عليه وسلم ارى بنى امية على منبره فساءه ذلك- وقد حدث به وذكرنا الحديث فى تفسير سورة القدر- وراى ابن عباس قتل الحسين عليه السلام فى رؤياه يوم قتل فحدث به- وفى الباب أحاديث كثيرة- قلت وجاز ان يكون النهى عن تحديث الرؤيا المكروهة كيلا يظهر الأعداء الشماتة والفرح- وعن تحديث المبشرات الا عند اللبيب او الحبيب كيلا يحسدوه ولذلك امر يعقوب يوسف عليهما السلام بكتمان رؤياه على اخوته فقال لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً اى فيحتالوا لاهلاكك حيلة حسدا- عدى الكيد

[سورة يوسف (12) : آية 6]

باللام وهو متعد بنفسه لتضمينه معنى فعل يعدى به تأكيدا ولذلك أكد بالمصدر وعلل بقوله إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) ظاهر العداوة فيزيّن له الكيد ويحمله عليه. وَكَذلِكَ اى كما اجتباك لمثل هذه الرؤيا الدالة على الفضل والكمال يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ للنبوة والملك والأمور العظام- والاجتباء من جببت الشيء إذا حصّته وأخلصته لنفسك- وجبت الماء فى الحوض إذا جمعته وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ اى تعبير الرؤيا لان الرؤيا حديث الملك ان كانت صادقة- وحديث الشيطان ان كانت كاذبة- عبر التعبير بالتأويل لانه ما يؤل اليه عاقبة الأمر ويؤل امره الى ما يرى فى منامه- او من تأويل غوامض كتب الله وسنن الأنبياء- قيل هذا كلام مبتدا خارج عن التشبيه كانه قيل وهو يعلمك- والظاهر انه معطوف على ما سبق فان تعليم التأويلات وإتمام النعمة من انواع الاجتباء فهو من قبيل عطف الخاص على العام وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بالنبوة وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ قيل المراد بهم ابناؤه وكان ابناؤه كلهم أنبياء- علم ذلك استدلالا بضوء الكواكب وقيل المراد بهم أنبياء بنى إسرائيل كَما أَتَمَّها اى النعمة عَلى أَبَوَيْكَ يعنى الجد وأبا الجد مِنْ قَبْلُ إتمامها عليك إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ عطف بيان لابويك إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ بمن يستحق الاجتباء حَكِيمٌ (6) يفعل الأشياء على ما ينبغى-. لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ اى قصة يوسف واخوته العلات- وكانوا عشرة ستة من بطن ليا بنت ليان وهى ابنة خال يعقوب عليه السلام- روبيل وهو أكبرهم وشمعون ولادى ويهودا وريان ويشحر وكانت من بطنها بنتا اسمها دينة- واربعة من بطن سريتين له عليه السلام- إحداهما زلفة واخرى يلهمة دان وتفتالى وجاد واشر كذا قال البغوي- وقال لما توفيت ليّا تزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين- فكان أبناء يعقوب عليه السلام اثنا عشر رجلا- قال البيضاوي قيل جمع «1» يعقوب بين الأختين- ولم يكن الجمع محرما حينئذ آياتٌ قرا ابن كثير اية على التوحيد والباقون على الجمع يعنى عبر ودلائل على قدرة الله تعالى وحكمته او علامات لنبوتك لِلسَّائِلِينَ (7) عن خبرهم

_ (1) وكذا فى التورية- ابو محمّد عفا الله عنه

[سورة يوسف (12) : آية 8]

قال البغوي وذلك ان اليهود سالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف- وقيل سالوا عن سبب انتقال ولد يعقوب من كنعان الى مصر- فذكر لهم قصة يوسف فوجدوها موافقة لما فى التورية- وقيل آيات لمن سال ولمن لم يسئل كقوله تعالى سَواءً لِلسَّائِلِينَ- وقيل عبرا للمعتبرين فانها تشتمل على حسد اخوة يوسف وما ال اليه أمرهم من الذل- وعلى رؤياه وما حقق الله منها- وعلى صبر يوسف عليه السلام عن قضاء الشهوة- وعلى الرق وفى السجن وما ال اليه امره من الملك ورضوان الله- وعلى حزن يعقوب وما ال اليه امره من الوصول الى المراد وغير ذلك من الآيات- اذكر. إِذْ قالُوا يعنى قال بعضهم لبعض لَيُوسُفُ اللام فيه جواب للقسم تقديره والله ليوسف وَأَخُوهُ من أبيه وامه ولذا خصّوه بالاضافة أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وحّده لانه افعل من يستوى فيه الواحد وما فوقه والمذكر والمؤنث- بخلاف أخويه فان الفرق بين المحلى باللام واجب- وفى المضاف جائز وَنَحْنُ عُصْبَةٌ اى والحال انّا جماعة عشرة- قال الفراء العصبة هى العشرة فما زاد- وقيل العصبة ما بين الواحد الى العشرة- وقيل ما بين الثلاثة الى العشرة- وقال مجاهد ما بين العشرة الى خمسة عشر- وقيل ما بين العشرة الى الأربعين- كذا فى القاموس حيث قال العصبة من الرجال والخيل والطير ما بين العشرة الى الأربعين كالعصابة بالكسر- وكذا قال الجزري فى النهاية ان العصابة الجماعة من الناس من العشرة الى الأربعين- والعصب جمع عصبة كالعصابة- ولا واحد لها من لفظه كالنفر والرهط- وقيل العصبة جماعة متعصبة اى متعاضدة- ومعنى نحن عصبة اى جماعة مجتمعة الكلام متعاضدة إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) ليس المراد من الضلال الضلال عن الدين ولو أرادوا ذلك لكفروا به- بل المراد منه الخطاء فى التدبير يعنون به انا انفع له فى امر الدنيا وإصلاح معاشه ورعى مواشيه- فنحن اولى بالمحبة منهما فهو مخطئ خطاء بيّنا فى إيثاره يوسف وأخاه علينا فى صرف محبته إليهما. اقْتُلُوا يُوسُفَ قال وهب قاله شمعون وقال كعب دان وقال مقاتل روبيل- هذه الجملة المحكي بعد قوله إذ قالوا- وانما أسند هذا القول الى جميعهم مع ان القائل به كان واحدا منهم- لان الباقون رضوا به الا من قال لا تقتلوا فاسند الفعل الى الكل مجاز الصحة اسناده الى أكثرهم لاجل

[سورة يوسف (12) : آية 10]

رضائهم به أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً اى بأرض منكورة بعيدة من العمران- بحيث يبعد عن أبيه- وهو معنى تنكيرها وابهامها- ولذلك نصب كالظروف المبهمة يَخْلُ لَكُمْ جواب الأمر والمعنى يصف لكم وَجْهُ أَبِيكُمْ اى توجهه إليكم عن شغله بيوسف حتّى لا يلتفت عنكم الى غيركم- ولا ينازعكم فى محبته أحد وَتَكُونُوا جزم بالعطف على يخل مِنْ بَعْدِهِ اى بعد يوسف او بعد الفراغ من امره بالقتل او الطرح- او قتله او طرحه قَوْماً صالِحِينَ (9) تائبين الى الله عمّا جنيتم فيعف الله عنكم- او صالحين مع أبيكم يصلح ما بينكم وبينه بعذر تمهدونه كذا قال مقاتل- او صالحين امر دنياكم فانه ينتظم لكم بعده لخلو وجه أبيكم-. قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ وهو يهودا وقال قتادة روبيل- قال البغوي والاول أصح لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ فان القتل كبيرة عظيمة وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ اى فى قعره والغيابة كل موضع ستر عنك الشيء وغيّبه- سمى القعر بها لستره ما فيه عن عين الناظر- كذا قرا الجمهور- وقرا ابو جعفر ونافع فى غيبت الجبّ على الجمع كانه كان لذلك الجب غيابات- قال البغوي والجب البئر الغير المطوية لانه جب اى قطع ولم يطو- وفى القاموس الجب بالضم البئر او الكثيرة الماء البعيدة القعر او الجيّدة الموضع من الكلاء او الّتي لم تطوا ومما وجد لا مما حفره الناس يَلْتَقِطْهُ اى يأخذه والالتقاط أخذ الشيء من حيث لا يحس به بَعْضُ السَّيَّارَةِ الذين يسيرون فى الأرض إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (10) بمشورتى فافعلوا هذا- او ان كنتم على ان تفعلوا ما يفرق بينه وبين أبيه فاكتفوا به- قال محمّد بن إسحاق اشتمل فعلهم على جرائم من قطيعة الرحم وعقوق الوالد وقلة الرأفة بالصغير الّذي لا ذنب له والغدر بالامانة وترك العهد والكذب مع أبيهم- وعفا الله عنهم ذلك كله حتّى لا ييئس من رحمة الله أحد- قلت لعل وجه مغفرة الله إياهم تلك الجرائم كلها لشدة حبهم بأبيهم يعقوب عليه السلام- فانه انما أوقعهم فى تلك الجرائم ذلك الحب- حيث أرادوا ان يخلوا لهم وجه أبيهم ويندفع ما يخلّ بهم فى محبتهم- وقال بعض اهل العلم انهم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة لهم ولو فعلوا لهلكوا أجمعون-

[سورة يوسف (12) : آية 11]

وكان ذلك قبل ان صاروا أنبياء كذا قال ابو عمرو بن العلاء- فمن قال بكونهم أنبياء جوز صدور المعصية من النبي قبل النبوة- وقال أكثرهم انهم ما كانوا أنبياء والمراد بالأسباط الوارد فى القران فى عد الأنبياء أنبياء بنى إسرائيل من نسلهم والله اعلم- فلما اجمعوا على التفريق بينه وبين والده عليهما السلام بضرب من الحيل. قالُوا ليعقوب عليه السلام يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا قرأ ابو جعفر بترك الإشمام والروم والباقون اما بالاشمام اعنى بالاشارة بالشفتين الى الضمة نحو قبلة المحبوب- او بالروم اى بحركة النون الاول بعض الحركة- اى لا تسكن رأسا بل تضعف الصوت بها فيفصل فيه بين المدغم والمدغم فيه- يعنون لم تخافنا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (11) أرادوا به استنزاله عن رأيه فى حفظه منهم لما أحس منهم الحسد- قال مقاتل فى الكلام تقديم وتأخير وذلك انهم قالوا. أَرْسِلْهُ مَعَنا الاية- فقال أبوهم إِنِّي لَيَحْزُنُنِي الاية فحينئذ قالوا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا- والنصح القيام بالمصلحة وارادة الخير- وقيل البرّ والعطف يعنى نحن قائمون بمصلحته نريد له الخير نحفظه حتّى نرده إليك. أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً الى الصحراء يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ قرا ابو عمرو وابن عامر بالنون فيهما على التكلم وجزم العين فى نرتع من رتع يرتع رتعا- وهو الخصب يعنون نتسع فى أكل الفواكه ونلعب بالسباق والصيد والرمي مما يباح إتيانه- وقرا ابن كثير بالنون فيهما وكسر العين أصله نرتعى وهو نفتعل من الرعي- فروى ابو ربيعة وابن الصباح عن قنبل بإثبات الباء وصلا ووقفا- وروى غيرهما عنه حذفها فى الحالين- والبزي بحذفها فى الحالين- والمعنى نتحارس ونحفظ أنفسنا يعنى يحفظ بعضنا بعضا- وقرا نافع وعاصم وحمزة والكسائي وابو جعفر بالياء فيهما على الغيبة على اسناد الفعلين الى يوسف- «1» غير ان نافعا وأبا جعفر يكسران العين من يرتع ويحذفان الياء لام الكلمة من ارتعى يرتعى يعنون يرعى يوسف الماشية كما نرعى نحن- والباقون يجزمون العين من يرتع ومعناه يأكل ويلهو وقرا يعقوب «2» نرتع بالنون وجزم العين مثل ابى عمرو ويلعب بالياء مثل الكوفيين وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (12) ان يناله مكروه. قالَ لهم يعقوب إِنِّي لَيَحْزُنُنِي فتح الياء نافع وابن كثير وأسكنها الباقون أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ

_ (1) هذا ليس بشيء لان يعقوب فى كلتا الكلمتين مع الكوفين- ابو محمّد (2) فى الأصل غير ان نافع وابو جعفر

[سورة يوسف (12) : آية 14]

اى ذهابكم به- والحزن هاهنا الم القلب بفراق المحبوب وعدم الصبر عنه- واللام لام الابتداء وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ لان الأرض كانت مذابة- وقال البغوي وذلك ان يعقوب راى فى المنام ان ذئبا شد على يوسف فكان يخاف من ذلك- وهذا عندى ليس بشيء فان رؤيا الأنبياء وحي قطعى الوجود- ولو كان قد راى ذاك لتحقق البتة ولا ينفعه الحذر لكنه لم يتحقق- قرا ورش والكسائي وابو عمرو الذيب بغير همز بالياء إذا وقف «1» والباقون بالهمزة فى الحالين وحمزة على أصله إذا وقف فان الهمزة المتوسطة عنده تبدل حرفا خالصا فى الوقف وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (13) يعنى لا أخاف كيدكم ولكن أخاف ان يناله مكروه عند غفلتكم لاشتغالكم بالرتع واللعب او لقلة اهتمامكم بحفظه. قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ المراد به الجنس وَنَحْنُ عُصْبَةٌ اى عشرة متعاضدة لا يتصور الغفلة من جميعنا واللام موطئة للقسم وجوابه إِنَّا إِذاً اى إذا أكله الذئب ونحن عصبة لَخاسِرُونَ (14) هو مجزى عن جزاء الشرط- يعنون ان لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشينا وكنا ضعفاء مغبونون- او مستحقون ان تدعى علينا بالخسارة- والواو فى ونحن للحال- اعتذر يعقوب فى عدم الإرسال بامرين الحزن بفراقه والخوف عليه بأكل الذئب- وأجابوا عن عذره الثاني دون الاول- لعدم قدرتهم على دفع الحزن ولان ذلك كان يغيظهم-. فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا اى عزموا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وجواب لما محذوف يعنى فعلوا به ما أرادوا- وقال البغوي جوابه وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ الاية على ان الواو زائدة كما فى قوله تعالى فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ- اى لمّا أسلما ناديناه قال البغوي قال وهب وغيره أخذوا يوسف بغاية الإكرام- وجعلوا يحملونه فلما برزوا الى البرية القوه- وجعلوا يضربونه فاذا ضربه أحد استغاث باخر فضربه الاخر- فجعل لا يرى منهم أحدا رحيما- فضربوه حتّى كادوا يقتلونه- وهو يصيح يا أبتاه لو تعلم ما يصنع بابنك بنوا الإماء- فلما كادوا ان يقتلوه قال لهم يهودا أليس قد أعطيتموني موثقا ان لا تقتلوه فانطلقوا به الى الجب ليطرحوه فيه وكان ابن اثنى عشر سنة وقيل ثمان عشر سنة- فجاءوا به على غير طريق الى بئر واسع الأسفل ضيّق الرأس- قال مقاتل على ثلاث فراسخ من منزل

_ (1) هكذا فى الأصل لكن لا فائدة لهذا القيد لورش ولمن معه لان مذهبهم فى الوصل والوقف سواء- ابو محمّد

يعقوب- وقال كعب بين مدين ومصر- وقال وهب بأرض الأردن- وقال قتادة هى بئر بيت المقدس- فجعلوا يدلونه فى البئر فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه- فقال يا إخوتاه ردوا علىّ القميص اتوارى به فى الجب- فقالوا ادع الشمس والقمر والكواكب تؤنسك فقال انى لم أر شيئا فالقوه فيها- وقيل جعلوه فى دلو وأرسلوه فيها حتّى إذا بلغ نصفها القوه ارادة ان يموت فكان فى البئر ماء فسقط فيه- ثم أوى الى صخرة فيها فقام عليها- وقيل انهم لما القوه فيها جعل يبكى فنادوه فظن انها رحمة أدركتهم فاجابهم- فارادوا ان يرضحوا بصخرة فيقتلوه فمنعهم يهودا- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن السدى مطولا ان ال يعقوب كانوا نازلين بالشام- وكان ليس له هم الا يوسف واخوه بنيامين- فحسده اخوته الى ان قال فلما برزوا الى البرية فذكر نحوه- قيل جعلوه فى دلو وأرسلوه فيها حتّى إذا بلغ نصفها القوه ارادة ان يموت- فكان فى البئر ماء فسقط فيه ثم أوى الى صخرة فيها فقام عليها يبكى- فجاءه جبرئيل بالوحى كما قال وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لاطمينان قلبه والظاهر ان هذا الوحى ليس للاستنباء والإرسال والتبليغ بل هو كما اوحى إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ الاية وما هو للتبليغ فهو بعد ذلك حيث قال الله تعالى وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً- واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن مجاهد فى قوله تعالى وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ قال اوحى الى يوسف يعنى وحي الاستنباء وهو فى الجب لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا يعنى لتخبرن إخوتك بما صنعوا بك وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15) بذلك الوحى والإيناس واعلام الله إياه ذلك- وقيل معناه وهم لا يشعرون يوم تخبرهم انك يوسف لعلو شأنك وبعده عن اوهامهم وطول العهد المغير للحلى والهيئات- وذلك حين دخلوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ- قال البغوي كان يهودا يأتيه بالطعام وبقي فيها ثلاث ليال واوحى اليه هذه الاية- وبعث اليه جبرئيل ليؤنسه ويبشره بالخروج- ويخبره انه ينبئهم بما فعلوا ويجازيهم عليه وهم لا يشعرون- اخرج ابن ابى شيبة واحمد فى الزهد وابن عبد الحكم فى فتوح مصر وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ والحاكم وابن مردوية عن الحسن ان يوسف عليه السلام كان حينئذ ابن سبع عشره سنة- وقيل كان مراهقا اوحى اليه فى صغره كما اوحى الى يحيى وعيسى عليهما السلام- وفى القصص ان ابراهيم

[سورة يوسف (12) : آية 16]

حين القى فى النار جرد عن ثيابه- فاتاه جبرئيل بقميص من حرير الجنة فالبسه إياه فدفعه ابراهيم الى إسحاق وإسحاق الى يعقوب فجعله فى تميمة علقها بيوسف فاخرجه جبرئيل والبسه إياه- قال البغوي قال ابن عباس رضى الله عنهما ثم انهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف. وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16) قال اهل المعاني جاءوا فى ظلمة العشاء لتكون اجرا على الاعتذار بالكذب- فروى ان يعقوب عليه السلام سمع صياحهم- فخرج فقال ما لكم يا بنى هل أصابكم فى غنمكم شيء- قالوا لا قال فما أصابكم واين يوسف. قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ اى نتسابق فى العدو كذا قال السدى او نترامى وننتصل ويشترك الافتعال والتفاعل كالانتصال والتناصل وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا ثيابنا فمضينا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ اى بمصدق لَنا لسوء ظنك بنا وفرط محبتك بيوسف وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) عندك لاتّهمتنا فى هذه القصة لمحبة يوسف فكيف وأنت سىء الظن بنا- وقيل معناه لست بمصدق لسوء ظنك بنا- او لانه لا دليل لنا على صدقنا وان كنا صادقين عند الله. وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ اى ذى كذب او مكذوب فيه- ويجوز ان يكون وصفا بالمصدر للمبالغة- وعلى قميصه فى موضع النصب على الظرف اى فوق قميصه- او على الحال من الدم ان جوز تقديمها على المجرور- اخرج ابن جرير وابن المنذر وابو الشيخ عن الحسن انه لما سمع يعقوب بخبر يوسف صاح وسال قميصه- فلما جيء بقميص يوسف جعل يقلّبه فراى اثر الدم ولا يرى فيه شقا ولا خرقا- فقال يا بنى والله ما اعهد الذئب حليما إذا كل ابني وأبقى قميصه فلمّا علم كذبهم بذلك قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً اى سهّلت لكم وهوّنت فى أعينكم أنفسكم امرا عظيما- ماخوذ من السول وهو الاسترخاء- فى القاموس الاسول من فى أسفله استرخاء والسولة استرخاء البطن وغيره- وقيل معناه زيّنت كذا فى القاموس وسوّل له الشيطان اغواه وقيل السول الحاجة الّتي تحرص عليها النفس- والتسويل تزيين النفس لما تحرص عليه وتصوير القبيح بصورة الحسن فَصَبْرٌ جَمِيلٌ اى فامرى صبر جميل- وقيل فصبر جميل

[سورة يوسف (12) : آية 19]

اختاره- قال البغوي الصبر الجميل الّذي لا شكوى فيه اى الى الخلق ولا جزع- اخرج ابن جرير عن حبان ابن حمية مرسلا الصبر الجميل الّذي لا شكوى فيه وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) اى على احتمال ما تصفونه من هلاك يوسف والصبر على تلك المصيبة- قال البغوي وفى القصة انهم جاءوا بذئب وقالوا هذا الّذي أكله- فقال له يعقوب يا ذئب ءانت أكلت ولدي وثمرة فوادى- فانطقه الله عز وجل فقال تالله ما رايت وجه ابنك قط- قال كيف وقعت بأرض كنعان- قال جئت لصلة قرابة فصادنى هؤلاء- فمكث يوسف فى البئر ثلاثة ايام-. وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ رفقة يسيرون من مدين الى مصر أخطئوا الطريق فنزلوا قريبا من الجب- وكان الجب فى قفر بعيد من العمران للرعاة والمارة- وكان ماؤه ملحا فعذب حين القى يوسف فيه فَأَرْسَلُوا حين نزلوا هناك وارِدَهُمْ رجلا من اهل مدين يقال له مالك بن وعر لطلب الماء- والوارد الّذي يتقدم الرفقة الى الماء ليستقى لهم فَأَدْلى دَلْوَهُ يقال أدليت الدلو إذا أرسلتها فيه- ودلوتها أخرجتها- فتعلق يوسف عليه السلام بالحبل- فلما خرج إذا هو بغلام احسن ما يكون- قال النبي صلى الله عليه وسلم اعطى يوسف شطر الحسن رواه ابن ابى شيبة واحمد وابو يعلى والحاكم عن انس- قال البغوي يقال انه ورث ذلك الجمال من جدته سارة- وكانت قد أعطيت سدس الحسن- قال ابن إسحاق ذهب يوسف وامه بثلثي الحسن- فلما راه مالك بن وعر قالَ يا بُشْرى قرا الكوفيون بالألف المقصورة على وزن فعلى وامال حمزة والكسائي- نادى البشرى بشارة لنفسه او لقومه كانه قال يا بشرى تعالى فهذا او انك- وقيل هو اسم لصاحبه ناداه باسمه ليعينه على إخراجه- وقرا الباقون يبشرى بالألف بعد الراء وبعدها ياء المتكلم مفتوحة بالاضافة- قرا ورش الراء بين بين والباقون بإخلاص فتحها هذا غُلامٌ روى مجاهد عن أبيه ان البئر كانت تبكى على يوسف حين اخرج منها وَأَسَرُّوهُ يعنى أخفاه الوارد وأصحابه من سائر الرفقة مخافة ان يطلبوا منهم فيه المشاركة- وقيل اخفوا امره وقالوا دفعه إلينا اهل الماء لنبيعه لهم بمصر- وقيل الضمير لاخوة يوسف- وذلك ان يهودا كان يأتيه كل يوم بالطعام وأتاه يومئذ فلم يجده فيها- فاخبر اخوته فطلبوه فاذاهم

[سورة يوسف (12) : آية 20]

بمالك وأصحابه نزول- فاتوهم فاذاهم بيوسف- فاسروا شأن يوسف وقالوا هو عبد لنا ابق ويقال انهم هددوا يوسف حتّى لم يعرّف حاله فسكت يوسف مخافة ان يقتلوه بِضاعَةً نصب على الحال اى اخفوه متاعا للتجارة- اشتقاقه من البضع فانه «1» هو ما يضع من المال للتجارة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (19) لم يخف عليه أسرارهم- او صنيع اخوة يوسف بأبيهم وأخيهم. وَشَرَوْهُ يعنى باع «2» اخوة يوسف إياه بعد ما قالوا انه عبد لنا ابق- وقيل شروه بمعنى اشتروه يعنى اشترى الوارد وأصحابه يوسف من اخوته بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال الضحاك ومقاتل والسدى اى حرام- لان ثمن الحر حرام- وسمى الحرام بخسا لانه مبخوس من البركة اى منقوص- وعن ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهما اى زيوف وقال عكرمة والشعبي قليل دَراهِمَ بدل من الثمن مَعْدُودَةٍ قليلة فانهم كانوا يزنون ما بلغ الاوقية ويعدون ما دونها- قال ابن عباس وابن مسعود وقتادة رضى الله عنهم كان عشرين درهما فاقتسموا درهمين درهمين- وقال مجاهد اثنين وعشرين درهما وقال عكرمة كان أربعين درهما وَكانُوا اى اخوة يوسف او الذين اشتروه فِيهِ اى فى يوسف مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) الراغبين عنه لانهم لم يعلموا منزلته عند الله عز وجل- وقيل كانوا فى الثمن من الزاهدين لانه لم يكن قصدهم تحصيل الثمن انما كان قصدهم تبعيد يوسف عن أبيه- قال البيضاوي ان كان ضمير كانوا للرفقة وكانوا بائعين فزهدهم لانهم التقطوه- والملتقط للشيء متهاون به خائف عن انتزاعه مستعجل فى بيعه- وان كانوا مبتاعين فلانهم اعتقدوا انه ابق- وفيه متعلق بالزاهدين إذا جعل اللام للتعريف- وان جعل بمعنى الّذي فهو متعلق بمحذوف يبينه الزاهدين- لان متعلق الصلة لا يتقدم على الموصول- ثم انطلق مالك بن وعر وأصحابه بيوسف وتبعهم اخوته يقولون استوثقوا منه لا يأبق- فذهبوا به حتّى قدموا مصر- وعرضه مالك على البيع فاشتراه قطفير قاله ابن عباس- وقيل اطفير صاحب امر الملك- وكان على خزائن مصر يسمى العزيز- وكان الملك يومئذ بمصر ونواحيها ديان بن الوليد بن ثروان من العمالقة- وقيل ان هذا الملك لم يمت حتّى أمن واتبع يوسف على دينه ثم مات ويوسف حى- قال ابن عباس رضى الله

_ (1) فى الأصل فانه ما يضع (2) فى الأصل باعوا-

[سورة يوسف (12) : آية 21]

عنهما لما دخل مصر تلقى قطفير مالك بن وعر- فابتاع منه يوسف بعشرين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين- وقال وهب بن منبه قدمت «1» السيارة بيوسف مصر فدخلوا به السوق يعرضونه للبيع- فترافع الناس فى ثمنه حتّى بلغ ثمنه وزنه ذهبا ووزنه فضة ووزنه مسكا وحريرا- وكان وزنه اربعمائة رطل وهو ابن ثلاث عشر سنة فابتاعه قطفير من مالك بهذا الثمن-. وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ يعنى قطفير لِامْرَأَتِهِ اسمها راعيل وقيل زليخا أَكْرِمِي مَثْواهُ المثوى موضع الاقامة- والمراد به منزلته كذا قال قتادة وابن جريج- وقيل معناه أكرميه فى المطعم والملبس والمقام عَسى أَنْ يَنْفَعَنا اى نبيعه بالربح ان أردنا البيع او يكفينا فى ضياعنا وأموالنا ونستظهر به فى مصالحنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ان تبنّيناه لما تفرس به من الرشد وكان عقيما وَكَذلِكَ اى كما انجيناه من القتل وأخرجناه من الجب وعطفنا عليه العزيز مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ اى فى ارض مصر فجعلناه على خزائنها وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ عطف على مضمر تقديره ليحكم بالعدل ولنعلمه- اى كان القصد من انجائه وتمكينه الى ان يقيم العدل ويدبر امور الناس- ويعلّم معانى كتب الله وأحكامه فينفذها- او تعبير المنامات المنبهة عن الحوادث الكائنة ليستعد لها- ويشتغل بتدبيرها قبل ان يحل- وقيل الواو زائدة وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ الضمير راجع الى الله تعالى اى يفعل ما يشاء لا يرد امره شيء- ولا ينازعه فيما يشاء أحد- وقيل الضمير راجع الى يوسف اى أراد به اخوة يوسف شيئا- وأراد الله غيره فلم يكن الا ما أراد الله وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) لطائف صنعه وخفايا لطفه- او لا يعلمون ما الله يريد ويصنع. وَلَمَّا بَلَغَ يوسف أَشُدَّهُ اى منتهى شبابه وقوته قال مجاهد ثلاثا وثلاثين سنة- وقال السدى ثلاثين سنة وهو سن الوقوف- وقال الضحاك عشرين سنة- وقال الكلبي الأشد ما بين ثمانية عشر الى ثلاثين سنة- وسئل مالك عن الأشد قال هو الحلم آتَيْناهُ حُكْماً اى نبوة وقيل إصابة القول وَعِلْماً اى فقها فى الدين او علما بتأويل الرؤيا قيل الفرق بين الحكيم والعالم ان العالم هو الّذي يعلم الأشياء والحكيم هو الّذي يعمل

_ (1) فى الأصل قدمت السيار

[سورة يوسف (12) : آية 23]

بما يوجب العلم وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) قال ابن عباس رضى الله عنهما اى المؤمنين وعنه ايضا المهتدين- وقال الضحاك الصابرين على النوائب- قال البيضاوي فيه تنبيه على انه تعالى انما أتاه ذلك جزاء على إحسانه فى عمله واتقائه فى عنفوان امره-. وَراوَدَتْهُ المراودة من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيء ومنه الرائد- وقيل طلب الشيء برفق ومنه رويد بمعنى أمهل لمعنى الرفق والمهلة فيه- والمراد هاهنا طلبته منه بالحيل الَّتِي هُوَ يعنى يوسف فِي بَيْتِها يعنى زليخا امراة العزيز عَنْ نَفْسِهِ اى احتالت ليواقعها وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ اى اطقتها وكانت سبعة والتشديد للتكثير او للمبالغة فى الاستيناف وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قرا نافع وابن «1» ذكوان بكسر الهاء من غير همز وفتح التاء- وهشام كذلك الا انه يهمز- وقد روى عنه ضم التاء- وابن كثير بفتح الهاء وضم التاء والباقون بفتحهما- وقرا قتادة والسلمى بكسر الهاء وضم التاء كما روى عن هشام- ومعناه تهيّئت لك نفسى واللام حينئذ للصلة- وأنكره ابو عمرو والكسائي قالا لم يحك هذا عن العرب والاول هو المعروف عند العرب- قال ابن مسعود رضى الله عنه أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم هيت لك بفتح الهاء والتاء- قال ابو عبيدة كان الكسائي يقول هى لغة لاهل حوران وقعت الى الحجاز ومعناه تعال- وقال عكرمة ايضا هى بالحورانية هلم- قال مجاهد وغيره هى لغة عربية وهى كلمة حث واقبال على الشيء- فهو اسم فعل مبنى على الفتح كاين- واللام للتبئين كالتى فى سقيا لك- ومن قراءه بضم التاء قراءه تشبيها له بحيث- وهى لا تثنّى ولا تجمع ولا تؤنث كذا قال ابو عبيدة- قال فى القاموس هيت مثلثة الاخر وقد يكسر اوله بمعنى هلم قالَ لها يوسف عند ذلك مَعاذَ اللَّهِ اى أعوذ بالله معاذا واعتصم به ممّا دعوتنى اليه إِنَّهُ رَبِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بسكونها أَحْسَنَ مَثْوايَ الضمير للشأن يعنى ان الشان ان سيدى قطفير احسن منزلى وتعهّدى- حيث قال لك أكرمي مثواه فما جزاؤه ان اخونه فى اهله- وجاز ان يكون الضمير راجعا الى قطفير يعنى ان زوجك قطفير سيدى احسن مثواى- وقيل الضمير لله تعالى يعنى انه تعالى خالقى واحسن منزلتى حيث عطف علىّ قلب فطفير فلا أعصيه إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) المحازون الحسن بالسيئ- وقيل يعنى الزناة فان الزنى ظلم على نفسه وعلى المزني باهله-

_ (1) وفى الأصل نافع وابن كثير وهو سياق قلم او تحريف من الناسخ كما يدل عليه سياق البيان- ابو محمّد

[سورة يوسف (12) : آية 24]

قال السدى وابن إسحاق لما أرادت امراة العزيز مراودة يوسف عن نفسه جعلت تذكر له محاسن نفسه وشوّقته «1» الى نفسها- فقالت يا يوسف ما احسن شعرك قال هى أول ما ينتثر من جسدى- قالت ما احسن عينك قال هما أول ما يسيل على وجهى- قالت ما احسن وجهك قال هو للتراب تأكله- وقيل انها قالت ان فراش الحرير مبسوط فقم فاقض حاجتى- قال إذا يذهب نصيبى من الجنة- فلم تزل تطمعه وتدعوه الى اللذة وهو شابّ يجد شبق الشباب ما يجد الرجل عند مراودة امراة حسناء جميلة فذلك قوله تعالى. وَلَقَدْ هَمَّتْ زليخا بِهِ اى بيوسف يعنى قصدت ان يواقعها وَهَمَّ يوسف بِها اى مال طبعه إليها واشتهاها مع كفه نفسه عنها كما يدل عليه قوله مَعاذَ اللَّهِ إلخ وليس المراد القصد الاختياري وذلك الميلان الطبعي وشهوة النفس مما لا يدخل تحت التكليف- بل الحقيق بالمدح والاجر الجزيل فان السبب لا فضلية البشر على الملائكة كف النفس عن الفعل عند قيام هذا الهمّ- قال الشيخ ابو منصور الماتريدى همّ يوسف بها همّ خطرة ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب ولا مؤاخذة عليه- ولو كان همّه كهمنا لما مدحه الله تعالى بانّه مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ- وقال بعض اهل الحقائق الهمّ همان همّ ثابت وهو ما إذا كان معه عزم وعقد ورضى مثل همّ امراة العزيز فالعبد مأخوذ به- وهمّ عارض مثل الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم مثل همّ يوسف عليه السلام والعبد غير ماخوذ به ما لم يتكلم او يعمل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى إذا تحدث عبدى بان يعمل حسنة فانا اكتبها له حسنة ما لم يعملها- فاذا عملها فانا اكتبها له بعشرة أمثالها- وإذا تحدث بان يعمل سيئة فانا اغفرها ما لم يعملها فاذا عملها فانا اكتبها له بمثلها- رواه البغوي من حديث ابى هريرة وفى الصحيحين وجامع الترمذي عنه بلفظ إذا همّ عبدى بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة- فان عملها كتبتها عشر حسنات الى سبعمائة ضعف- وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم اكتبها عليه فان عملها كتبتها سيئة واحدة- وجاز ان يكون معنى هم بها شارف على الهم- وما قيل فى تفسير قوله تعالى همّ بها انه حل الهميان وجلس منها مقعد الرجل من المرأة وما قيل انه حل سراويله وجعل يعالج ثيابه- وأسند هذا القول الى سعيد بن جبير وغيره

_ (1) فى الأصل شوّقه

من المتقدمين يأبى عنه سياق كلام الله تعالى فانه تعالى قال لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ- لان السوء هو الصغيرة وما ذكر فهو من الصغائر البتة- ولو كان كذلك لذكرت توبته واستغفاره (كما ذكر لام ونوح وذى النون وداود عليهم السلام مع كون كل ما صدر منهم عليهم السلام من غير قصد منهم بالمعصية- كما ذكر كل ذلك فى موضعه) ولم يذكر بل ذكر تبرية نفسه حيث قال هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي- وقال ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وقال إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ- وقال الله تعالى إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ- لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ جواب لولا محذوف تقديره لجامعها- وقيل جواب لولا مقدم عليه تقديره لولا ان رّاى برهان ربّه لهمّ بها- لكنه راى البرهان فلم يهم وأنكره النحاة لان لولا فى حكم أدوات الشرط فلا يتقدم عليها جوابها- وجاز ان يكون همّ بها المذكور قبلها دليلا على جوابها يعنى لهمّ بها- ومعنى الهم المذكور على هذا شارف الهم- فهو كقوله قتلته لو لم أخف الله- تقديره شارفت على قتله لو لم أخف الله لقتلته- واختلفوا فى ذلك البرهان فقال جعفر بن محمّد الصادق رضى الله عنهما البرهان النبوة الّتي أودع الله فى صدره حالت بينه «1» وبين ما يسخط الله عز وجل- وهذا أصوب الأقوال عندى- وقال قتادة واكثر المفسرين انه راى صورة يعقوب وهو يقول له يا يوسف تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب فى الأنبياء- وقال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك انفرج له سقف البيت فراى يعقوب عليه السلام عاضّا على إصبعه- وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس مثل يعقوب فضرب بيده فى صدره فخرجت شهوته من أنامله- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن محمّد بن سيرين قال مثل له يعقوب عاضّا على إصبعه يقول يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم خليل الرّحمن اسمك فى الأنبياء وتعمل عمل السفهاء- وقال السدى نودى يا يوسف تواقعها انما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير فى جو السماء لا يطاق- ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع فى الأرض لا يستطيع ان يدفع عن نفسه شيئا- ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الّذي لا يطاق- ومثلك ان واقعتها مثل الثور يموت فيدخل النمل فى اصل قرنية لا يستطيع ان يدفع عن نفسه- واخرج ابن جرير عن القاسم بن ابى نزة قال نودى

_ (1) فى الأصل بينه وما يسخط [.....]

[سورة يوسف (12) : آية 25]

يا ابن يعقوب لا تكونن كالطير له ريش فاذا زنى فغدا ليس له ريش فلم يعرض للنداء- فرفع رأسه فراى وجه يعقوب عاضّا على إصبعه- فقام مرعوبا استحياء من أبيه- وفى رواية عن مجاهد عن ابن عباس انه انحط جبرئيل عاضّا على إصبعه يقول يا يوسف تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله فى الأنبياء- وروى انه مسحه بجناحه فخرجت شهوته من أنامله- وقال محمّد بن كعب القرظي رفع يوسف عليه السلام راسه الى سقف البيت حين همّ فراى كتابا فى حائط البيت لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا- وروى عطية عن ابن عباس رضى الله عنهما فى البرهان انه راى مثال الملك- وعن على بن الحسين رضى الله عنهما قال كان فى البيت صنم فقامت المرأة وسترته بثوب- فقال لها يوسف لم فعلت هذا قالت استحييت منه ان يرانى على المعصية فقال أتستحيين ممّن لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه فانا أحق ان استحيى من ربى وهرب كَذلِكَ اى الأمر مثل ذلك او فعلنا كذلك لِنَصْرِفَ عَنْهُ اى عن يوسف السُّوءَ اى المعصية الصغيرة وَالْفَحْشاءَ اى الكبيرة يعنى الزنى إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) قرا نافع والكوفيون بفتح اللام حيث وقع معرفا باللام يعنى مختارين للنبوة أخلصهم الله تعالى لنفسه والباقون بكسر اللام اى مخلصين لله الطاعة والعبادة-. وَاسْتَبَقَا الْبابَ اى الى الباب على حذف الجار وإيصال الفعل- او على تضمين استبقا معنى ابتدرا يعنى تسابق يوسف وزليخا الى الباب- لما فرّ يوسف منها ليخرج من عندها أسرعت وراءه لتمنعه عن الخروج- فتعلقت بقميصه من خلفه فجذبته إليها حتّى لا يخرج- ووحّد الباب وان كان جمعه فى قوله وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ لانه أراد الباب الّذي هو المخرج من الدار- ولما هرب يوسف جعل فراش القفل تتناثر وتسقط وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ اى شقّته من ورائه- والقد الشق طولا والقط الشنق عرضا وَلمّا خرجا أَلْفَيا صادفا سَيِّدَها اى زوجها قطفير لَدَى الْبابِ قال البغوي وجداه جالسا مع ابن عم لزليخا- وقيل صادفاه مقبلا يريد الدخول فلما راته هابته قالَتْ سابقة بالقول لزوجها تبرية لنفسها عند زوجها- وتعييرا على يوسف وإغراء به انتقاما

[سورة يوسف (12) : آية 26]

منه ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً تعنى الزنى وما نافية او استفهامية بمعنى اىّ شيء جزاؤه ليس جزاؤه إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ اى يحبس أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) اى ضرب بالسياط- فلما سمع يوسف مقالتها. قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي اى طلبت منى الفاحشة انما قال ذلك دفعا لما عرض له من السجن والعذاب ولو لم تكذب عليه لما قاله وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها قيل ابن عم وقيل ابن خال لها- فقال سعيد بن جبير والضحاك كان صبيّا فى المهد أنطقه الله- قال البغوي وهو رواية العوفى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال تكلم اربعة وهم صغار- ابن ماشطة ابنة فرعون- وشاهد يوسف- وصاحب جريح- وعيسى بن مريم- قال محمّد بن محمّد السعاف فى تخريج البيضاوي اخرج ذلك الحديث احمد فى مسنده وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى المستدرك وصححه- ورواه الحاكم ايضا من حديث ابى هريرة وقال صحيح على شرط الشيخين- ولم يطلع عليه الطيبي فقال يردّه ما فى حديث الصحيحين عن ابى هريرة حيث قال لم يتكلم فى المهد الا ثلاثة عيسى بن مريم وصاحب جريح- وصبى كان ترضعه امه فمر راكب حسن الهيئة فقالت امه اللهم اجعل ابني مثل فلان فقال الصبى اللهم لا تجعلنى مثله- فصاروا باضافة الصبى المذكور إليهم خمسة- قال السيوطي وهم اكثر من ذلك ففى صحيح مسلم تكلم الطفل فى قصة اصحاب الأخدود- قال وقد جمعت من تكلم فى المهد فبلغوا أحد عشر تضمينا فقلت قطعة تكلم فى المهد النبي محمّد ويحيى وعيسى والخليل ومريم ومبرى جريح ثم شاهد يوسف وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم وطفل عليه مبرّيا لامه الّتي يقال لها تزنى ولا تتكلم وماشطة فى عهد فرعون طفلها وفى زمن الهادي المبارك يختم فقال الشاهد إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ من قدام فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) لانه يدل على انها قدت من قدامه لما أرادها بالدفع عن نفسها- او انه اسرع عن خلفها فتعثر بذيله فانقد جيبه. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) لانه يدل على انها تبعته فاجتذبت ثوبه فقدته من خلفه- والشرطية

[سورة يوسف (12) : الآيات 28 إلى 29]

محكية على ارادة القول او على ان فعل الشهادة من القول وتسميتها شهادة لانها أدت موداها- وانما جمع بين ان الّذي هو للاستقبال وبين كان لان المعنى ان تعلم انه كان قميصه كذا- نظيره قولك ان أحسنت الىّ فقد أحسنت إليك من قبل فان معناه ان تمنّ علىّ بإحسانك امنّ عليك بإحساني السابق. فَلَمَّا رَأى قطفير قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ عرف خيانة امرأته وبراءة يوسف عليه السلام قالَ لها إِنَّهُ اى ان السوء او ان هذا الأمر او ان قولك ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً ... مِنْ كَيْدِكُنَّ من حيلتكن والخطاب لها ولامثالها او لسائر النساء إِنَّ كَيْدَكُنَّ اى النساء عَظِيمٌ (28) فان ظاهرهن ضعيف يشهد لهن بالصدق وباطنهن خبيث اعوج- فانها خلقت من ضلع آدم وعقولهن قاصرة وديانتهن ناقصة لا تمنعهن عما يمنع العقول السليمة والدين القويم- ومعهن شيطان يواجهن الرجال بالكيد والشيطان يوسوس به مسارقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء حبالة الشيطان وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رايت من ناقصات عقل ودين اذهب للب الرجل الحازم من أحد أكن رواه «1» عن بعض العلماء انه قال انا أخاف من النساء اكثر مما أخاف من الشيطان لان الله تعالى قال إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً وقال لهن إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ اى يا يوسف أَعْرِضْ عَنْ هذا الحديث فلا تذكره لاحد حتّى لا يشيع وَاسْتَغْفِرِي يا زليخا لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29) اى من القوم المذنبين من خطئ إذا أذنب متعمدا- لم يقل من الخاطئات لانه لم يقصد به الخبر عن النساء- بل قصد الخبر عن من فعل ذلك رجلا كان او امراة- فذكر بصيغة المذكرين تغليبا ونظيره قوله تعالى وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ وانّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ- وكان العزيز رجلا حليما قليل الغيرة فاقتصر على هذا القول-. وَقالَ نِسْوَةٌ اسم لجمع امراة وتأنيثه بهذا الاعتبار غير حقيقى ولذلك جرد فعله فِي الْمَدِينَةِ ظرف لقال او صفة لنسوة- اى لما شاع حديث يوسف ومراودة زليخا عن نفسه فى المصر قلن- وقال مقاتل كن خمسا زوجة الحاجب والساقي والخباز والسبحان وصاحب الدواب امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها اى عبدها الكنعانى عَنْ نَفْسِهِ اى تطلب منه الفاحشة قَدْ شَغَفَها حُبًّا يعنى شق يوسف شغاف قلبها فدخل فيه حبّا- وهو

_ (1) هكذا بياض فى الأصل-

[سورة يوسف (12) : آية 31]

تميز عن النسبة اى دخل حبه قلبها- قال السدى الشغاف جلدة رقيقة على القلب- وقال الكلبي حجب حبه قلبها حتّى لا تعقل سواه إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ عن الرشد وبعد من الصواب مُبِينٍ (30) ظاهر الضلال حيث تركت ما يكون على أمثالها من العفاف والستر. فَلَمَّا سَمِعَتْ زليخا بِمَكْرِهِنَّ اى باغتيابهن وانما سمى مكرا لانهن اخفين هذا القول كما يخفى الماكر مكره- وقال ابن إسحاق انما قلن لها ذلك مكرا بها لتريهن يوسف وكانت «1» توصف لهن حسنه وجماله وقيل انها أفشت إليهن سرها واستكتمهن فافشين ذلك فلذلك سماه مكرا أَرْسَلَتْ رسولا إِلَيْهِنَّ تدعوهن قال وهب اتخذت مأدبة ودعت أربعين امراة منهن هؤلاء اللاتي عيرنها وَأَعْتَدَتْ اى أعدت لَهُنَّ مُتَّكَأً قال ابن عباس رضى الله عنهما وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد متكأ اى طعاما- سماه متكأ لان اهل الطعام إذا جلسوا يتكؤن على الوسائد- فسمى الطعام معا على الاستعارة- يقال اتكأنا عند فلان اى طعمنا- ولما كان ذلك عادة المترفين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يأكل الرجل بشماله وان يأكل متكأ- رواه ابن ابى شيبة فى مصنفه عن جابر- وقيل المتكأ الطعام الّذي يجزّ جزّا كانّ القاطع يتكى عليه بالسكين- قال ابن عباس هو الأترج وقد روى عن مجاهد مثله- وقيل هو الأترج بالحبشية- وقال عكرمة وابو زيد الأنصاري كل ما يجزّ بالسكين فهو عند العرب متك- والمتك والبتك القطع بالميم والباء- قال البغوي زينت امراة العزيز بيتا بألوان الفواكه والاطعمة ووضعت الوسائد ودعت النسوة وَآتَتْ اى اعطت كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وهن يأكلن اللحم جزّا بالسكين وَقالَتِ قرا ابو عمرو وعاصم وحمزة بكسر التاء وصلا وغيرهم بضمها وصلا اخْرُجْ يا يوسف عَلَيْهِنَّ وكانت أجلست يوسف فى مجلس اخر فخرج عليهن يوسف- قال عكرمة وكان فضل يوسف على الناس فى الحسن كفضل ليلة البدر على سائر الكواكب- واخرج ابن جرير والحاكم وابن مردوية من حديث ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رايت ليلة اسرى بي الى السماء يوسف كالقمر ليلة البدر- واخرج ابو الشيخ فى تفسيره عن إسحاق بن عبد الله ابى فروة قال كان إذا سار فى ازقة المصر يرى تلألأ وجهه على الجدران كما يرى تلألأ الماء والشمس على

_ (1) فى الأصل كان-

[سورة يوسف (12) : آية 32]

الجدران فَلَمَّا رَأَيْنَهُ نسوة مصر أَكْبَرْنَهُ عظّمته قال ابو العالية هالهن امره وبهتن- وقيل أكبرنه اى حضن من أكبرت المرأة إذا حاضت- لانها تدخل فى الكبر بالحيض والهاء ضمير المصدر او ليوسف على حذف المضاف اى حضن لاجله من شدة الشبق وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ بالسكاكين الّتي كانت معهن وهن يحسبن انهن تقطعن الأترج ولم يجدن الألم لشغل قلوبهن بيوسف- قال مجاهد فما احسسن الا بالدم- قال قتادة أبنّ أيديهن حتّى القينها- والأصح انه كان قطعا بلا ابانة وقال وهب» ماتت جماعة منهن وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ تنزيها له تعالى من صفات العجز وتعجبا على كمال قدرته على الخلق- أصله حاشا لله كذا قرا ابو عمرو فى الموضعين وصلا- وإذا وقف حذف الالف اتباعا للخط- روى ذلك عن اليزيدي منصوصا والباقون يحذفون الالف فى الحالين تخفيفا وهو حرف يفيد معنى التنزيه فى باب الاستثناء فوضع موضع التنزيه واللام للبيان كما فى قولك سقيا لك ما هذا بَشَراً وهو على لغة اهل الحجاز فى اعمال ما عمل ليس لمشاركتهما فى نفى الحال- وقال البغوي منصوب بنزع حرف الصفة اى ليس هذا ببشر إِنْ هذا اى ما هذا إِلَّا مَلَكٌ من الملائكة كَرِيمٌ (31) على الله تعالى لان هذا الجمال لم يعهد فى لبشر وليس فوق البشر الا الملك- او لان الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواص الملائكة-. قالَتْ زليخا فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ تعنى هو ذلك العبد الكنعانى الّذي صورتنّ فى انفسكن ثم لمتننى فيه- تعنى انكن لم تتصورنّه حق تصوره والا لعذرتنّنى فى الافتتان به- او فهذا اهو الّذي لمتننى فيه فوضع ذلك موضع هذا رفعا لمنزلة المشار اليه وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ فامتنع طالبا للعصمة- أقرّت لهن حين عرفت انهن يعذرنها كى يعاونّها على إلانة عريكته فقلن له أطع مولاتك وَقالت زليخا لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ به أو أمري إياه تعنى موجب امرى والضمير ليوسف او المعنى ما امر به فحذف الجار والضمير للموصول لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً بنون التأكيد الخفيفة تنقلب الفا وقفا لشبهها بالتنوين نظيره لنسفعا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) اى من الأذلاء من صغر يصغر من باب سمع يسمع صغر او صغارا. قالَ يوسف رَبِّ اى يا رب السِّجْنُ قرا يعقوب بفتح

_ (1) فى الأصل مات-

[سورة يوسف (12) : آية 34]

السين والباقون بكسرها أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ من الزنى اختار السجن على المعصية حين توعّدته المرأة- أسند الدعاء إليهن وكان الدعاء من زليخا خاصة الى نفسها خروجا من التصريح الى التعريض- او لانهن خوفنه عن مخالفتها وزيّنّ له مطاوعتها- وقيل انهن جميعا دعونه الى انفسهن- قيل لو لم يسئل يوسف السجن ولم يقل السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ لم يبتل بالسجن- والاولى ان يسئل المرء العافية ولذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من كان يسئل الصبر- روى الترمذي عن معاذ قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا وهو يقول اللهم انى أسئلك الصبر- قال سالت البلاء فاسئله العافية وروى الطبراني عن العباس بن عبد المطلب قال قلت يا رسول الله علمنى شيئا ادع الله به فقال عليه السلام سل ربك العافية- فمكثت أياما ثم جئت فقلت يا رسول الله علمنى شيئا اسئله ربى عز وجل فقال يا عم سل الله العافية فى الدنيا والاخرة وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ فى تحسين الفاحشة الىّ بالتثبيت على العصمة أَصْبُ إِلَيْهِنَّ امل الى اجابتهن او الى انفسهن بطبعي ومقتضى شهوتى- والصبوة الميل الى الهوى وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (33) من السفهاء بارتكاب الفاحشة فان الحكيم لا يفعل القبيح- او من الذين لا يعلمون بما يعلمون فانهم من الجهال حكما- قال البغوي فيه دليل على ان المؤمن إذا ارتكب ذنبا يرتكب عن جهالة. فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فاجابه الله دعاءه الّذي تضمنه قوله وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي الاية فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ فثبته بالعصمة حتّى اثر مشقة السجن على اللذة المتضمنة للمعصية إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لدعاء الملتجئين اليه الْعَلِيمُ (34) بأحوالهم وما يصلحهم. ثُمَّ بَدا لَهُمْ اى ظهر للعزيز وأصحابه فى الرأى مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ الدالة على براءة يوسف من كلام الطفل وفد القميص من دبر وقطع النساء أيديهن واستعصامه عنهن- وفاعل بدا ضمير مبهم يفسره قوله لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) اى مدة يرون فيها رأيهم وذلك باستهزال المرأة لزوجها وكان زوجها مطواعا لها ذلولا ذمامه فى يدها- وقد طمعت ان يذلل السجن يوسف ويسخره لها- او خافت عليه العيون وظنت منه الظنون فالجاها له الخجل من الناس والوجل من اليأس الى ان رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب- لتشتفى بخبره إذا منعت من نظره وقضاء حاجتها

[سورة يوسف (12) : آية 36]

منه- وقالت لزوجها ان هذا العبد العبراني قد فضحنى فى الناس يخبرهم انى راودته عن نفسه فاما ان تأذن لى فى الخروج فاخرج فاعتذر الى الناس- واما ان تحبسه الى ان تنقطع مقالة الناس ويحسب الناس انه المجرم- قال البغوي قال ابن عباس رضى الله عنهما عثر يوسف ثلاث عثرات حين همّ بها فسجن- وحين قال اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ... فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ- وحين قال للاخوة إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ فقالوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.... وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ وهما غلامان كانا للوليد بن ثروان العمليقى ملك المصر الأكبر أحدهما خبازه صاحب طعامه- والاخر ساقيه صاحب شرابه- غضب الملك عليهما فحبسهما- واتفق دخولهما فى السجن وقت دخول يوسف عليه السلام فيه كما يدل عليه كلمة مع- قال البغوي وكان السبب فى حبس الفتيين ان جماعة أرادوا المكر بالملك واغتياله- فضمنوا لهذين مالا ليسما الملك فى طعامه وشرابه- فاجاباهم ثم ان الساقي نكل عنه وقبل الخباز الرشوة فسم الطعام- فلما حضروا الطعام قال الساقي لا تأكل ايها الملك فان الطعام مسموم- وقال الخباز لا تشرب فان الشراب مسموم- فقال الملك للساقى اشرب فشربه فلم يضره- وقال للخباز كل من طعامك فابى- فجرب ذلك الطعام على دابّة فاكلته فهلكت- فامر الملك بحبسهما- وكان يوسف حين دخل السجن جعل ينشر علمه ويقول انى أعبّر الأحلام- فقال أحد الفتيين لصاحبه هلم فلنجرب هذا العبد العبراني نترايا له- فسالاه من غير ان يكونا رايا شيئا- قال ابن مسعود رضى الله عنه ما رايا شيئا انما تحالما ليجربا يوسف- وقال قوم بل كانا رايا حقيقة- فراهما يوسف وهما مهمومان فسالهما عن شأنهما قذكرا انهما صاحبا الملك وقد رأيا رؤيا غمهما ذلك- فقال يوسف قصّا علىّ ما رايتما فقصّا عليه قالَ أَحَدُهُما وهو صاحب الشراب إِنِّي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَرانِي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعْصِرُ خَمْراً يعنى ارى نفسى فى المنام اعصر خمرا اى عنبا سماه خمرا باعتبار ما يؤل اليه- يقال فلان يطبخ الاجر اى يطبخ اللبن للاجر- وقيل الخمر العنب بلغة عمان- وهى حكاية حال ماضية وذلك انه قال- انى رايت كانى فى بستان فاذا انا بأصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجئتها- وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه وسقت الملك فشربه

[سورة يوسف (12) : آية 37]

وَقالَ الْآخَرُ اى الخباز إِنِّي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَرانِي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ وذلك انه قال انى رايت كان فوق رأسى ثلاث سلال فيها الخبز وألوان الاطعمة وسباع الطير تنهش منه نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ اى أخبرنا بتفسيره وتعبيره وما يؤل اليه امر هذا الرؤيا إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) اى من الذين يحسنون تأويل الرؤيا- او من العالمين والإحسان بمعنى العلم- وانما قالا ذلك لانهما راياه فى السجن يذكّر الناس ويعبر رؤياهم- او من المحسنين الى اهل السجن فاحسن إلينا بتأويل ما راينا ان كنت تعرفه- روى ان الضحاك بن مزاحم سئل عن قوله إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ما كان إحسانه- قال كان إذا مرض انسان فى السجن عاده وقام عليه- وإذا ضاق عليه المجلس وسّع له- وإذا احتاج جمع له شيئا- وكان مع هذا يجتهد فى العبادة ويقوم الليل كله للصلوة- وقيل انه لما دخل السجن وجد فيه قوما اشتد بلاؤهم وانقطع رجاؤهم وطال حزنهم- فجعل يسلّيهم ويقول ابشروا واصبروا تؤجروا- فيقولون بارك الله فيك يا فتى ما احسن وجهك وخلقك وحديثك لقد بورك لنا فى جوارك فمن أنت يا فتى- قال انا يوسف بن صفى الله يعقوب بن ذبيح الله إسحاق بن ابراهيم خليل الله- فقال له عامل السجن بافتى والله لو استطعت لخليت سبيلك ولكن ساحسن جوارك تمكّن فى اى بيوت السجن شئت- وروى ان الفتيين «1» لما رايا يوسف قالا له لقد احببناك حين رايناك- فقال لهما يوسف أنشدكما بالله ان لا تحبانى- فو الله ما أحبني أحد قط الا دخل علىّ من حبه بلاء- فقد احبّتنى عمتى فدخل علىّ بلاء- ثم احبّنى ابى فالقيت فى الجب- واحبّتنى امراة العزيز فحبست- فلما قصّا عليه الرؤيا كره يوسف ان يعبر لهما ما سالاه لما علم فى ذلك من المكروه على أحدهما- فاعرض عن سوالهما وأخذ فى غيره من اظهار المعجزة والدعاء الى التوحيد. قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ «2» قيل أراد به ترزقانه فى النوم يقول لا يأتيكما طعام ترزقانه فى نومكما إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ فى اليقظة قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما تأويله- وقيل أراد انه لا يأتيكما طعام من منازلكما ترزقانه فى اليقظة اى تطعمانه

_ (1) فى الأصل ان الفتيان (2) فى الأصل فقال يكن الفاء ليست من القران بل هى من التفسير 12 ابو محمّد

[سورة يوسف (12) : آية 38]

وتأكلانه- الا نبأتكما بتأويله بقدره ولونه والوقت الّذي يصل اليكما قبل ان يصل اليكما- واىّ طعام أكلتم ومتى أكلتم- وهذا معجزة مثل معجزة عيسى عليه السلام حيث قال وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ- فقالا هذا فعل العرافين والكهنة فمن اين لك هذا العلم فقال ما انا بكاهن وانما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها- يعنى علّمنى ربى بالوحى القطعي المنزل من السماء- وقيل معنى الاية لا يأتيكما طعام يعنى من منازلكما الا نبأتكما بتأويل ما قصصتما علىّ من الرؤيا ذلكما اى التأويل مما علمنى ربى بالإلهام والوحى- وليس من قبيل التكهن والتنجم قال البيضاوي أراد يوسف عليه السلام ان يدعوهما الى التوحيد ويرشدهما الطريق القويم قبل ان يجيب ما سالا عنه- كما هو طريقة الأنبياء والنازلين منازلهم من العلماء فى الهداية والإرشاد- فقدّم ما يكون معجزة له من الاخبار بالغيب ليدلهما على صدقه فى الدعوة والتعبير إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) تعليل لما قبله اى علّمنى ذلك لانى تركت ملة المبطلين وتكرار كلمة هم للدلالة على اختصاصهم وتأكيد كفرهم بالاخرة. وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وجاز ان يكون قوله إِنِّي تَرَكْتُ الى آخره كلاما مبتدا- لتمهيد الدعوة واظهار انه من بيت النبوة ليقوى رغبتهما فى الاستماع اليه والوثوق عليه- ومن هاهنا يظهران العالم إذا جهلت منزلته فى العلم فاراد ان ينشر علمه جاز له ان بصف نفسه حتّى يعرف الناس قدره فيقتبسون منه- وليس هذا من باب تزكية النفس انما الأعمال بالنيات والأنبياء كانوا مأمورين بذلك- قال الله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ- فويل للذين يطعنون على اولياء الله تعالى (مثل المجدد للالف الثاني رضى الله عنه حيث ذكروا ترقياتهم ومدارج قربهم من الله تعالى وما أفضل الله تعالى عليهم) حسدا وجهلا ما كانَ لَنا معشر الأنبياء اى ما صح ولا أمكن لنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ اىّ شيء كان فان الله تعالى قد خلقنا على جبلة التوحيد وعصمنا من الشرك ذلِكَ التوحيد والعلم مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا بالوحى وَعَلَى سائر النَّاسِ ببعثتنا لارشادهم وتثبيتهم عليه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المبعوث إليهم لا يَشْكُرُونَ (38) على هذه النعمة

[سورة يوسف (12) : آية 39]

ويعرضون عنه ولا ينتبهون- او من فضل الله علينا وعليهم بنصب الدلائل وإنزال الآيات ولكن أكثرهم لا ينظرون إليها ولا يستدلون بها- فيلغونها كمن يكفر النعمة ولا يشكرها- ثم دعاهم الى الإسلام فقال. يا صاحِبَيِ السِّجْنِ اى ساكنى السجن او صاحبىّ فيه فاضافتهما اليه مجاز مثل يا سارق الليلة أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ شتى متعددة متساوية الاقدام فى الإمكان والعجز سواء كانت أصناما من ذهب او فضة او حديد او حجر- او غيرها من الملائكة والبشر خَيْرٌ من الله أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ المتوحد فى جلال ذاته وكمال صفاته لا يماثله شيء فى الذات ولا فى الصفات ولا فى الافعال الْقَهَّارُ (39) الغالب الّذي لا يعاد له ولا يقاومه غيره خير من غيره ثم بين بطلان الأصنام وغيرها فقال. ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ اى من دون الله خاطب الاثنين بلفظ الجمع لانه أراد كل من كان مثلهما فى الشرك إِلَّا أَسْماءً اى مسميات خالية عن معنى الالوهية سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ الهة وأربابا- او المعنى ما تعبدون شيئا الا اسماء سميتوها لا تحقق لها فى الواقع تزعمونها حالّة فى الأصنام او مجردة ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ اى لم يجعل الله سبحانه دليلا على وجودها- او حجة وبرهانا على استحقاقها للعبادة- كما نصب الله تعالى دلائل على وجود نفسه وبراهين على استحقاقه للعبادة وآيات انزل على رسله وأنبيائه إِنِ الْحُكْمُ فى العبادة إِلَّا لِلَّهِ لانه المستحق لها بالذات من حيث انه الواجب لذاته الموجد لغيره المنعم على الإطلاق المالك القاهر الضار النافع فلو جاز عبادة غيره لجاز بامره وقد أَمَرَ على لسان أنبيائه أَلَّا تَعْبُدُوا شيئا إِلَّا إِيَّاهُ حيث دلت عليه الحجج والبينات ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ اى الثابت الّذي دلت عليه البراهين وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) لا يميّزون الحق من الباطل فيخبطون فى جهالتهم- قال البيضاوي هذا من التدرج فى الدعوة والزام الحجة- بيّن لهم اولا رجحان التوحيد على اتخاذ الالهة على طريق الخطاب- ثم برهن على ان ما يسمونها الهة ويعبدونها لا تستحق العبادة فان استحقاق العبادة اما بالذات واما بالغير وكلا القسمين منتف عنها- ثم نص على ما هو الحق القويم والدين المستقيم الّذي لا يقتضى العقل غيره

[سورة يوسف (12) : آية 41]

ولا يرتضى العلم دونه- ثم فسر رؤياهما بقوله. يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما وهو صاحب الشراب فَيَسْقِي رَبَّهُ يعنى الملك خَمْراً والعناقيد الثلاثة ثلاثة ايام يبقى فى السجن ثم يدعوه الملك بعد ثلاثة ايام ويرده الى منزلته الّتي كان عليها وَأَمَّا الْآخَرُ يعنى الخباز فَيُصْلَبُ بعد ثلاثة ايام والسلال الثلاث ثلاثة ايام يبقى فى السجن ثم يخرجه فيصلبه فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قلت ولعل ذلك لاجل ما راى وجرب ان الخبّاز جعل الطعام مسموما دون الساقي كما مر فى القصة- قال ابن مسعود رضى الله عنه لما سمعا قول يوسف عليه السلام قالا ما راينا شيئا انما كنا نلعب- فقال يوسف عليه السلام قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (41) يعنى جرى قضاء الله سبحانه فى الأمر الّذي تستفتيان فيه- يعنى فى ما يؤل اليه امر كما- كما قلت وأخبرتكما به رايتما او لم تريا- وحد الضمير لانهما وان استفتيا فى أمرين لكنهما أرادا ظهور عاقبة ما ينزل بهما-. وَقالَ يوسف عند ذلك لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا المراد بالظن اليقين ان كان الضمير راجعا الى يوسف عليه السلام- لكونه على اليقين يدل عليه قوله قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ- وجاز ان يكون الضمير راجعا الى الموصول وهو الساقي اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ يعنى عند الملك وقل له ان فى السجن غلاما محبوسا ظلما وصفه كذا كى يخلصنى فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ اى انسى الشيطان الساقىّ ان يذكر حال يوسف لربه اى للملك- أضاف اليه المصدر للملابسة له- او على تقدير ذكر اخبار ربه- وقال ابن عباس واكثر المفسرين معنى الاية انسى الشيطان يوسف ذكر ربه- حتّى ابتغى الفرج من غيره واستعان بمخلوق- وتلك غفلة عرضت ليوسف من الشيطان- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ما لبث فى السجن طول ما لبث- رواه ابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية فَلَبِثَ مكث يوسف فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) قال قتادة هو ما بين الثلاث الى التسع من البضع وهو القطع- وقال مجاهد ما بين الثلاث الى السبع- واكثر المفسرين على انه لبث فى السجن سبع سنين- قال وهب أصاب أيوب البلاء سبع سنين وترك يوسف فى السجن سبع سنين- قال الكلبي لبث

[سورة يوسف (12) : آية 43]

خمس سنين قبل ذلك وسبعا بعد قوله اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فكل ذلك اثنتا عشرة سنة- قلت قوله تعالى دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ تدل على معية دخولهما دخوله لما ذكرنا- وإذا كان لبث الفتيين فى السجن ثلاثة ايام فلا يتصور لبث يوسف خمس سنة قبل ذلك القول والله اعلم- قال مالك بن دينار لما قال يوسف للساقى اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ- قيل له يا يوسف اتخذت من دونى وكيلا لاطيلن حبسك- فبكى يوسف وقال يا رب انسى قلبى كثرة البلوى فقلت كلمة ولا أعود- وقال الحسن دخل جبرئيل على يوسف فى السجن فلما راه يوسف عرفه فقال له يا أخا المنذرين ما لى أراك بين الخاطئين- فقال له جبرئيل يا طاهر بن الطاهرين يقرا عليك السلام رب العالمين ويقول لك اما استحييت منى ان استشفعت بالآدميين فوعزتى لالبثنّك فى السجن بضع سنين- قال يوسف وهو فى ذلك عنى راض قال نعم قال إذا لا أبالي- وقال كعب قال جبرئيل ليوسف ان الله يقول من خلقك قال الله- قال فمن حببك الى أبيك قال الله- قال فمن انجاك من كرب البئر قال الله- قال فمن علمك تأويل الرؤيا قال الله- قال فمن صرف عنك السوء والفحشاء قال الله- قال فكيف استشفعت بادمى مثلك انتهى- وسيأتى فى حديث ابن عباس عند الطبراني قوله صلى الله عليه وسلم ولولا كلمة يعنى من يوسف لما لبث فى السجن حيث يبتغى الفرج من عند غير الله عز وجل- فلما انقضت سبع سنين ودنا فرج يوسف راى ملك مصر الأكبر وهو ديان بن وليد عجيبة هالته وذلك انه راى سبع بقرات خرجن من البحر ثم خرج عقبهن سبع بقرات عجاف فى غاية الهزال فابتعلت العجاف السّمان- فدخلن فى بطونهن ولم ير منهن شيئا ولم يتبين على العجاف منها شيء- ثم راى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبعا اخر يابسات قد استحصدت فالتوت اليابسات على الخضر حتّى غلبن عليها ولم يبق من خضرتها شيء- فجمع السحرة والكهنة والحازة والمعبرين وقصّ عليهم رؤياه كما قال الله تعالى. وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ استغنى عن بيان حالها بما ذكر من حال البقرات واجرى السمان على التميز دون

[سورة يوسف (12) : آية 44]

المميز لان التميز بها- ووصف السبع الثاني بالعجاف لتعذر التميز بها مجردا عن الموصوف- فانه لبيان الجنس وقياسه عجف لانه جمع عجفاء لكنه حمل على سمان لانه نقيضه يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (43) اى ان كنتم عالمين بعبارة الرؤيا وهى الانتقال من الصور المثالية الى المعاني النفسانية الّتي هى صورها فى عالم المثال- من العبور وهو المجاوزة- وعبرت الرؤيا عبارة اثبت من عبرتها تعبيرا- واللام للبيان او لتقوية العامل فان الفعل لما اخر عن مفعوله ضعف عمله- فقوى باللام كاسم الفاعل او لتضمين تعبرون معنى فعل تعدى باللام كانه قيل ان كنتم تبذلون لعبارة الرؤيا- او يكون للرؤيا خبر كنتم كقولك فلان لهذا الأمر إذا كان مستقلا به متمكنا منه وتعبرون خبر اخر او حال- ومفعول تعبرون محذوف لدلالة ما قبله عليه. قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ اى هذه أضغاث أحلام- وهى تخاليطها جمع ضغث وهو فى الأصل الخرمة من انواع حشيش فاستعير للرؤيا الكاذبة- وانما جمعوا للمبالغة فى وصف الحلم بالبطلان كقولهم فلان يركب الخيل- او لتضمنه أشياء مختلفة- والحلم الرؤيا والفعل منه بفتح العين فى الماضي وضمها فى الغابر من باب نصر وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (44) أراد بالأحلام المنامات الباطلة خاصة اى ليس لها تأويل عندنا وانما التأويل للمنامات الصادقة كانه مقدمة ثانية للعذر فى جهلهم بتأويله-. وَقالَ الَّذِي نَجا من السجن والقتل مِنْهُما من صاحبى السجن وهو الساقي وَادَّكَرَ أصله ادتكر أبدلت التاء دالا ثم أدغمت- يعنى تذكر الساقي يوسف وقوله اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ بعد امّة اى بعد جماعة من الزمان اى مدة طويلة وهى سبع سنين والجملة معترضة ومفعول القول أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ قال البغوي ان الساقي جثى بين يدى الملك وقال ان فى السجن رجلا يعبر الرؤيا فَأَرْسِلُونِ (45) اليه فى السجن فارسله الملك الى يوسف- فاتى السجن قال ابن عباس ولم يكن السجن فى المدينة فلما اتى الساقي عند يوسف قال. يُوسُفُ اى يا يوسف أَيُّهَا الصِّدِّيقُ اى المبالغ فى الصدق وصفه به لما جرّب وعرف صدقه فى تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه أَفْتِنا

[سورة يوسف (12) : آية 47]

فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ اى فى ذلك الرؤيا فان الملك راى هذه الرؤيا وأرسلني إليك لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ اى أعود الى الملك ومن عنده بتأويل رؤيا الملك- وانما أورد كلمة لعل ولم يبتّ الكلام فيها لان الناس لما عجزوا عن تأويل الرؤيا (وكان الملك هائلا من تلك الرؤيا) استعظم شأن تأويله عنده ولم يقطع بحصول مقصوده لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) فضلك ومنزلتك فى العلم- أورد كلمة لعلّ لان الناس قد لا يتنبّهون بفضل اهل الفضل لكمال غفلتهم- كما لم يتنبه العزيز بفضل يوسف بعد ما راى من الآيات-. قالَ له يوسف اما البقرات السمان والسنبلات الخضر فسبع سنين مخاصيب والبقرات العجاف والسنبلات اليابسات فالسنون المجدبة تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً والداب العادة ونصبه على الحال بمعنى دائبين اى على عادتكم- او على المصدرية بإضمار فعله اى تدأبون دأبا- وتكون الجملة حالا وقيل معناه بجد واجتهاد قرا حفص دابا بفتح الهمزة والباقون بإسكانها وهما لغتان- وقيل تزرعون امر أخرجه فى صورة الخبر مبالغة فى النصح لقوله تعالى فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ لئلا تأكله السوس وهذه الجملة على الاول نصيحة خارجة عن العبارة إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) فى تلك السنين. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ سمى السنين المجدبة شدادا لشدتها على الناس يَأْكُلْنَ اى يأكل أهلهن أسند الاكل إليهن على المجاز تطبيقا للتعبير بالرؤيا ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ اى ما ادخرتم لاجلهن إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) اى تحرزون لبذور الزراعة. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ اى يمطرون من الغيث وهو المطر- او يغاثون من القحط من الغوث وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) قرا حمزة والكسائي بالتاء الفوقانية على الخطاب لان الكلام كله على الخطاب والباقون بالياء التحتانية على ان الضمير راجع الى الناس ومعناه يعصرون العنب والزيتون والسمسم ونحو ذلك أراد به خصب السنة وكثرة نعيمها- قال ابو عبيدة تعصرون اى تنجون من الكرب والجدب- والعصر المنجأ والملجا-

[سورة يوسف (12) : آية 50]

وهذه بشارة بشّرهم بها بعد ان اوّل البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة والعجاف واليابسات بسنين مجدبة- وابتلاع العجاف السمان بأكل ما جمع فى السنين المخصبة وانما علم ذلك بعدد السبع العجاف- فانه لولا يأتى بعد ذلك سنة مخصبة لزاد عدد السنين المجدبة على السبع- وقال البيضاوي لعله علم ذلك بالوحى- او بان السّنّة الالهية على ان يوسع على عباده بعد ما يضيق عليهم والله اعلم-. وَقالَ الْمَلِكُ لما رجع اليه الساقي بتأويل رؤياه وأخبره بما أفتاه يوسف- وعلم الملك فضل يوسف وان الّذي قاله كائن ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ يعنى يوسف الرَّسُولُ للملك وقال له أجب الملك ابى يوسف ان يخرج معه حتّى يظهر براءته من تهمة الفسق وقالَ للرسول ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ يعنى الى الملك فَسْئَلْهُ ان يسئل ما بالُ يعنى اىّ حال النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ فيه دليل على انه ينبغى ان يجتهد الرجل فى نفى التهمة عن نفسه- لا سيما من كان ممن يقتدى به- ولم يصرح بذكر امراة العزيز أدبا واحتراما لها- اخرج إسحاق بن راهويه فى مسنده والطبراني فى معجمه وابن مردوية من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم عجبت لصبر أخي يوسف وكرمه والله يغفر له حيث أرسل اليه ليستفتى فى الرؤيا- ولو كنت انا لم افعل حتّى اخرج وعجبت لصبره وكرمه والله يغفر له اتى ليخرج فلم يخرج حتّى أخبرهم بعذره- ولو كنت انا لبادرت الباب- ولولا الكلمة لما لبث فى السجن حيث يبتغى الفرج من عند غير الله عز وجل- ورواه عبد الرزاق وابن جرير فى تفسيرهما من حديث عكرمة مرسلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره الله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان- ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتّى اشترطت ان يخرجونّى- ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ- ولو كنت مكانه ولبثت فى السجن ما لبث لا سرعت الاجابة وبادرتهم الباب- ولما ابتغيت العذر إن كان لحليما ذا اناءة- واصل الحديث فى الصحيحين مختصرا فائدة تعجبه صلى الله عليه وسلم من حال يوسف وقوله صلى الله عليه وسلم لا سرعت الاجابة- مبنى على كمال نزوله صلى الله عليه وسلم الّذي هو مدار

[سورة يوسف (12) : آية 51]

شيوع دينه وقوة تأثيره فى الناس وتكميله- وقد حقق ذلك المجدد للالف الثاني رضى الله عنه فى مكاتيبه- وهذا امر لا يدركه فهم اكثر اهل الكمال فضلا عن غيرهم إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) حين قلن لى أطع مولاتك او أردن مراودتى عن نفسى لانفسهن- فيه تعظيم لكيدهن واستشهاد بعلم الله تعالى عليه- وعلى انه برئ مما اتهمنه ووعيد لهن فى كيدهن- فرجع الرسول الى الملك من عند يوسف برسالته فدعا الملك النسوة وامراة العزيز. قالَ لهن ما خَطْبُكُنَّ ما شأنكن والخطب امر يحق ان يخاطب به صاحبه- اما خاطبهن جميعا لانهن راودنه جميعا عن نفسه لهن- او لانهن قلن أطع مولاتك- واما خاطبهن والمراد امراة العزيز فحسب إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ هل وجدتن منه ميلا الى إحداكن قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مر اختلاف القراء فيه فيما سبق- اى تنزيه له تعالى وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله ما عَلِمْنا عَلَيْهِ اى على يوسف مِنْ سُوءٍ من ذنب وخيانة- قيل ان النسوة اقبلن على امراة العزيز فعزرنها- وقيل خافت امراة العزيز ان يشهدن عليها فاقرت على نفسها وقالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ اى ظهر وتبين من حصحص شعره إذا استأصله بحيث يظهر بشرة رأسه- او ثبت واستقر من حصحص البعير إذا القى مباركه ليناخ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) فى قوله هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي- فلما سمع يوسف ذلك قال. ذلِكَ الّذي فعلت من رد الرسول الى الملك كان لِيَعْلَمَ العزيز أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ فى زوجته بِالْغَيْبِ اى بظهر الغيب وهو حال من الفاعل او المفعول- اى لم اخنه وانا غائب عنه او هو غائب عنى- او ظرف اى بمكان الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52) اى لا ينفذه ولا يسدده بل يظهر الحق ولو بعد حين- او لا يهدى الخائنين بكيدهم- فاوقع الفعل على الكيد مبالغة- وفى هذا القول تعريض بزليخا فى خيانتها زوجها وتأكيد لامانته- ولذلك عقبه بقوله-. وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي فتح الياء نافع وابو عمرو وابو جعفر- ابو محمّد وأسكنها الباقون- تنبيها على انه لم يرد

بذلك تزكية النفس والعجب بحاله- بل اظهار ما أنعم الله عليه من العصمة والتوفيق وترغيب الناس الى الاقتداء به والاقتفاء بآثاره- احرج ابن مردوية من حديث انس مرفوعا انه لما قال يوسف لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قال له جبرئيل ولا حين هممت- فقال ذلك وذكره البيضاوي عن ابن عباس موقوفا إِنَّ النَّفْسَ يعنى ان النفس الحيواني المنبعث من العناصر الاربعة- الّتي هى مركب للقلب والروح وغيرهما من لطائف عالم الأمر- الّتي مقرها فوق العرش لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ من حيث انها بالطبع مائلة الى الشهوات والرذائل الّتي هى من خصائص العناصر الاربعة- كالغضب والكبر الذين هما مقتضى عنصر النار- والدناءة والخسة مقتضى الأرض- والتلون وقلة الصبر مقتضى الماء- والهزل واللهو مقتضى الهواء إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي فتح الياء نافع وابو عمرو وأسكنها الباقون يعنى الّا من رحم ربّى فما بمعنى من كما فى قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ فعصمه فلا يطيع نفسه ويجاهدها ولاجل ذلك المجاهدة يدرك افضلية على الملائكة- او المعنى الا وقت رحمة ربى- وما مصدرية يعنى إذا أدرك الإنسان رحمة الرّحمن بالاجتباء او بالانابة الى الأنبياء- فحينئذ يتزكى نفسه بتزكية من الله تعالى قال الله تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ... بَلِ «1» اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ- وتطمئن بمرضات الله ويخاطب بقوله تعالى ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي الصالحين- وحينئذ يبدل الله سيئاتها حسنات ويجعلها اماما لسائر اللطائف فى الخيرات وتستعد لتجليات الصفات ما لا يستعد لها لطائف عالم الأمر- وقيل الاستثناء منقطع اى لكن رحمة ربى هى الّتي تصرف الاساءة ويبدلها بالاصابة- وقيل الآيتان «2» حكاية عن قول زليخا والمستثنى نفس يوسف وأمثاله والمعنى ان ذلك الّذي قلت من براءة يوسف ليعلم يوسف أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ اى لم أكذب عليه فى حال الغيبة- وجئت بالصدق فيما سئلت عنه- وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي من الخيانة فانى قد خنسته حين قذفته وقلت ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ وأودعته السجن- تريد الاعتذار مما كان منها بان كل نفس لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ الّا من رحم ربّى

_ (1) وفى القرآن فى النساء أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وفى النجم فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى -. (2) فى الأصل ايتين-

[سورة يوسف (12) : آية 54]

كنفس يوسف وأمثاله- رحمه الله بالعصمة- قرا قالون والبزي بالسّوّ على قلب الهمزة واوا ثم الإدغام فى حال الوصل وتحقيق همزة الّا- وورش وقنبل على أصلهما فى الهمزتين المكسورتين وابو عمرو ايضا على أصله- والباقون على أصولهم إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) يغفر همّ النفس وخطراتها ويرحم من يشاء بالعصمة- او يغفر المستغفر لذنبه المعترف على نفسه ويرحمه ما استغفره واسترحمه-. وَقالَ الْمَلِكُ لما تبين له عذر يوسف وعرف منزلته من الامانة والعلم ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي اى اجعله خالصا لنفسى- فجاء الرسول يوسف فقال له أجب الملك الان- اخرج عبد الحكم فى فتوح مصر من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس فاتاه الرسول فقال له الق عنك ثياب السجن والبس ثيابا جددا وقم الى الملك- واخرج ابن ابى شيبة وابن المنذر عن فريد العمى قال لما راى يوسف عزيز مصر قال اللهم انى أسئلك بخيرك من خيره وأعود بعزتك من شره- قال البغوي روى انه قام ودعا لاهل السجن وقال اعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الاخبار- فهم اعلم الناس بالأخبار فى كل بلد- فلما خرج من السجن كتب على باب السجن هذا قبور الاحياء وبيت الأحزان وتجربة الأصدقاء وشماتة الأعداء- وتنظّف من درن السجن ولبس ثيابا حسانا وقصد الملك- قال وهب فلما وقف بباب الملك قال حسبى ربى من دنياى وحسبى ربى من خلقه عز جاره وجل ثناؤه ولا اله غيره- ثم دخل الدار فلما دخل على الملك قال اللهم أسئلك بخيرك من خيره وأعوذ بك من شره وشر غيره- فلما نظر اليه الملك سلم عليه يوسف بالعربية فقال الملك ما هذا اللسان قال لسان عمى إسماعيل عليه السلام- ثم دعا له بالعبرانية فقال ما هذا اللسان قال لسان ابائى ولم يعرف الملك هذين اللسانين قال وهب وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا- فكلّما كلم بلسان اجابه يوسف بذلك اللسان وزاد لسان العبرانية والعربية- فاعجب الملك ما راى منه مع حداثة سنه وكان يوسف حينئذ ابن ثلاثين سنة فاجلسه فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ اى ذو مكانة فى ألحاه والمنزلة أَمِينٌ (54) مؤتمن على كل شيء- قال البغوي روى ان الملك قال له انى أحب ان اسمع رؤياى منك شفاها- فقال يوسف نعم ايها الملك- رايت سبع بقرات شهب غر حسان

[سورة يوسف (12) : آية 55]

كشف لك عنهن النيل- فطلعن عليك من شاطئته لشخب اخلافهن لبنا- فخرج من حماته سبع بقرات عجاف شعث غير مقلّصات البطون ليس لهن ضروع ولا اخلاف- ولهن أنياب واضراس واكف كاكف الكلاب وخراطيم كخراطيم السباع- فافترسن السمان افتراس السباع فاكلن لحومهن ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن وتمششن مخهن- فبينا أنت تنظر وتتعجب إذا سبع سنابل خضر وسبع اخر سود فى منبت واحد وعروقهن فى الثرى والماء- فبينا أنت تقول فى نفسك انّى هذا هؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد وأصولهن فى الماء- إذ هبّت ريح فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات- فاشتعلت فيهن النار فاحرقتهن فصرن سودا- فهذا ما رايت فانتبهت من نومك مذعورا- فقال الملك والله ما شأن هذه الرؤيا (وان كانت عجيبا) بأعجب مما سمعت منك- فما ترى فى رؤياى ايها الصديق فقال يوسف ارى ان تجمع الطعام وتزرع زرعا كثيرا فى هذه السنين المخصبة- وتجعل الطعام فى الخزائن بقصبه وسنبله- ليكون القصب والسنبل علفا للدواب- وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمس- فيكفيك من الطعام الّذي جعلته لاهل مصر ومن حولها- ويأتيك الخلق من النواحي للميزة- ويجتمع عندك من الكنوز ما لم «1» يجتمع لاحد قبلك- فقال الملك ومن لى بهذا ومن يجمعه ويبيعه ويكفينى الشغل فيه-. قالَ يوسف اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ اى خزائن طعام ارض مصر وأموالها إِنِّي حَفِيظٌ للخزائن بما لا يستحقها عَلِيمٌ (55) بوجوه مصالحها- وصف يوسف عليه السلام نفسه بالامانة والكفاية وطلب الولاية- ليتوصل بها الى إمضاء احكام الله واقامة الحق وبسط العدل مما يبعث لاجله الأنبياء الى العباد- لعلمه ان أحدا غيره لا يقوم مقامه فى ذلك- فما كان طلبه الولاية الا لابتغاء وجه الله لا لحب الجاه والدنيا- ومن هذا القبيل اشتغال «2» الخلفاء الراشدين بامر الخلافة- ومعارضة علىّ رضى الله عنه معاوية فى هذا الأمر- لكونه أحق وأقوى واقدر على نفسه وأقوم على إنفاذ الشرائع- وقال البيضاوي لعل يوسف عليه السلام لمّا راى ان يستعمله الملك فى امر لا محالة اثر ما يعم فوائده ويجل عوائده- وفيه دليل على جواز طلب الولاية والقضاء- واظهار انه مستعد لها

_ (1) فى الأصل لا يجتمع- (2) فى الأصل خلفاء الراشدين

[سورة يوسف (12) : آية 56]

ان كان أمنا على نفسه- وعلى جواز ان يتولى الإنسان عملا من يد سلطان جائر او كافر- إذا علم انه لا سبيل الى اقامة الحق وسياسية الخلق الا بتمكين ذلك الكافر او الجائر- وقد كان السلف من هذه الامة يتولون القضاء من جهة الظلمة- وقيل كان الملك يصدر عن رايه ولا يعترض فى كل ما راى فكان فى حكم التابع له- روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ لاستعمله من ساعته- ولكنه اخر ذلك السنة فاقام فى بيته سنة مع الملك- وبإسناده عن ابن عباس قال لما انصرمت السنة من يوم سال الامارة- دعاه الملك فتوجّه وردّاه بسيفه- ووضع له السرير من ذهب مكلّلا بالدر والياقوت- وضرب عليه كلة من إستبرق- وطول السرير ثلاثون ذراعا وعرضه عشرة اذرع- عليه ثلاثون فراشا وستون مقرمة- ثم امره ان يخرج فخرج متوّجا لونه كالثلج ووجهه كالقمر يرى الناظر وجهه فى صفاء لون وجهه- فانطلق حتّى جلس على السير ودانت له الملوك- ودخل الملك بيته وفوض اليه امر مصر- وعزل قطفير عما كان عليه وجعل يوسف مكانه قاله ابن إسحاق- وقال ابن زيد وكان لملك مصر ريان خزائن كثيرة فسلم سلطانه كله اليه- وجعل امره وقضاءه نافذا- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن إسحاق قال ذكروا ان قطفير هلك فى تلك الليالى- فزوج الملك يوسف زليخا امراة قطفير- فلما دخل عليها قال أليس هذا خيرا مما كنت تريدين- فقالت ايها الصديق لا تلمنى فانى كنت امراة كما ترى حسنا وجمالا- ناعمة كما ترى فى ملك ودنيا- وكان صاحبى لا يأتى النساء- وكنت كما جعلك الله فى حسنك وهيئتك- فغلبتنى نفسى على ما رايت- فزعموا انه وجدها يوسف عذراء- فاصابها فولدت له رجلين افرائيم- وميثا- واستوثق ليوسف ملك مصر واقام فيهم وأحبه الرجال والنساء فذلك قوله عز وجل. وَكَذلِكَ اى مثل ذلك التمكين فى مجلس الملك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ارض مصر يَتَبَوَّأُ مِنْها اى ينزل من بلادها حَيْثُ يَشاءُ قرا ابن كثير بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة ردّا الى يوسف نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا اى بنعمتنا مَنْ نَشاءُ فى الدنيا

[سورة يوسف (12) : آية 57]

والاخرة وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) بل نوفى أجورهم عاجلا وأجلا- قال ابن عباس رضى الله عنهما ووهب يعنى الصابرين- قال مجاهد وغيره فلم يزل يدعو الملك الى الإسلام ويتلطف له حتّى اسلم الملك وكثير من الناس فهذا فى الدنيا. وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ اى ثوابها خَيْرٌ من نعماء الدنيا لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (57) ولما اطمان يوسف فى ملكه دبّر فى جمع الطعام واحسن التدبير- وبنى الحصون والبيوت الكثيرة وجمع فيها الطعام للسنين المجدبة- وأنفق بالمعروف حتّى خلت السنون المخصبة ودخلت السنون المجدبة بهول لم يعهد مثله- وروى انه كان قد دبر فى طعام الملك وحاشيته كل يوم مرة واحدة نصف النهار- فلما دخلت سنة القحط كان أول من اخذه الجوع هو الملك فى نصف الليل- فنادى يا يوسف الجوع الجوع- قال يوسف هذا أوان القحط- ففى السنة الاولى من سنى الجدب هلك كل شيء أعدوه فى السنين المخصبة- فجعل اهل مصر يبتاعون من يوسف الطعام- فباعهم أول سنة بالنقود حتّى لم يبق بمصر دينار ولا درهم الا قبضه- وباعهم فى السنة الثانية بالحلى والجواهر حتّى لم يبق فى أيد الناس منها شيء- وباعهم فى السنة الثالثة بالمواشي والدواب حتّى احتوى عليها اجمع- وباعهم فى السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتّى لم يبق بيد أحد عبد ولا امة- وباعهم فى السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتّى احتوى عليها- وباعهم فى السنة السادسة باولادهم حتّى استرقهم- وباعهم فى السنة السابعة برقابهم حتّى لم يبق بمصر حر ولا حرة إلا صار عبدا له- (قلت ان صح هذه الرواية لدلت على ان بيع الرجل نفسه وأولاده كان جائزا فى شريعة يوسف عليه السلام- كما كان استرقاق السارق جائزا- وقد افتى بعض العلماء فى القحط ببيع الحر نفسه وولده- ولا اصل لهذا القول فى شريعتنا والله اعلم) فقال الناس ما راينا كاليوم ملكا أجل وأعظم من هذا- ثم قال يوسف للملك كيف رايت صنع ربى فيما خولنى فما ترى- قال الملك الرأى رأيك ونحن لك تبع- قال فانى اشهد الله وأشهدك انى قد اعتقت اهل مصر عن آخرهم- ورددت عليهم املاكهم- وروى ان يوسف عليه السلام كان لا يشبع من الطعام فى تلك الأيام- فقيل له تجوع وبيدك خزائن الأرض- قال أخاف ان

[سورة يوسف (12) : آية 58]

شبعت ان انسى الجائع- وامر يوسف طباخى الملك ان يجعلوا غداه نصف النهار- وأراد بذلك ان يذوق الملك طعم الجوع ولا ينسى الجائعين- فمن ثم جعل الملوك غداهم نصف النهار- قال وقصد الناس مصر من كل أوب يمتارون- فجعل يوسف لا يمكّن أحدا منهم وان كان عظيما اكثر من حمل بعير- تقسيطا بين الناس وتزاحم الناس عليه- وأصاب ارض كنعان وبلاد الشام ما أصاب سائر البلاد من القحط والشدة- ونزل بيعقوب عليه السلام ما نزل بالناس- وكان منزله بالغرمات من ارض فلسطين ثغور الشام وكانوا اهل بادية وابل وشياه فارسل بنيه الى مصر للميرة وقال بلغني ان بمصر ملكا صالحا يبيع الطعام فتجهزوا واذهبوا لتشتروا منه الطعام وامسك عنده بنيامين أخا يوسف شقيقه. وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ العشرة فَدَخَلُوا عَلَيْهِ اى على يوسف عليه السلام فَعَرَفَهُمْ يوسف قال ابن عباس ومجاهد عرفهم باول ما نظر إليهم- وقال الحسن لم يعرفهم حتّى تعرفوا اليه وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) اى لم يعرفوه قال ابن عباس وكان بين ان قذفوه فى البئر وبين ان دخلوا عليه أربعون سنة فلذلك أنكروه- وقال عطاء انما لم يعرفوه لانه كان على سرير الملك وعلى رأسه تاج الملك- وقيل لانه كان بزىّ الملوك عليه ثياب حرير وفى عنقه طوق ذهب- قلت وهذا انما يتصور لو كان لبس الحرير والذهب جائزا فى دين يوسف عليه السلام فلما نظر إليهم يوسف وكلموه بالعبرانية قال أخبروني من أنتم وما أمركم فانى أنكرت شأنكم- قالوا قوم من ارض الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار الطعام- فقال لعلكم جئتم تنظرون عورة بلادي- قالوا لا والله ما نحن بجواسيس- انما نحن اخوة بنوا اب واحد وهو شيخ صديق يقال له نبى من أنبياء الله عز وجل- قال وكم أنتم قالوا كنا اثنى عشر فذهب أخ لنا- هو أصغرنا الى البرية فهلك فيها- وكان أحبنا الى أبينا- قال فكم أنتم هاهنا قالوا عشرة- قال فاين الاخر- قالوا عند أبينا لانه أخ الّذي هلك من امه فابونا يتسلّى به- قال فمن يعلم ان الّذي تقولون حق وصدق- قالوا ايها الملك اننا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد- فحمد يوسف لكل رجل منهم بعيرا بعدتهم وجهز بجهازهم- اى أصلحهم بعدتهم والجهاز ما يعد من الامتعة للنقلة. وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ان كنتم صادقين فانا ارضى

[سورة يوسف (12) : آية 60]

بذلك وأزيدكم حمل بعير لاجل أخيكم وأكرّم منزلتكم أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ اى اتمّه ولا ابخس الناس شيئا وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) قال مجاهد اى خير المضيفين وكان قد احسن ضيافتهم. فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي اى ليس لكم عندى طعام أكيله لكم وَلا تَقْرَبُونِ (60) اى لا تقربونى ولا تدخلوا ديارى- وهو اما نهى واما نفى معطوف على الجزاء. قالُوا ان أبانا يحزن على فراقه سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ اى سنجهد فى طلبه من أبيه ونخادعه عنه وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (61) ما امرتنا به قال فدعوا بعضكم عندى رهينة حتّى تأتونى بأخيكم فاقترعوا بينهم فاصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأيا فى يوسف فخلوه عنده. وَقالَ يوسف لِفِتْيانِهِ كذا قرا حفص وحمزة والكسائي بالألف والنون على جمع الكثرة والباقون فتيته بالتاء من غير الف على وزن جمع القلة وهما لغتان مثل الصبيان والصبية- اى قال لغلمانه الكيّالين اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ يعنى ثمن طعامهم وكانت دراهم- وقال الضحاك عن ابن عباس كانت النعال والادم وقيل كانت ثمانية جرب من سويق المقل- قال البغوي والاول أصح فِي رِحالِهِمْ اى فى أوعيتهم لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها اى يعرفون حق ردها وحق التكرم برد البدلين إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) الى مصر قيل رد بضاعتهم كرامة وتقدما فى البر والإحسان ليكون ادعى لهم الى العود اى لعلهم يعرفونها اى كرامتهم علينا- وقيل لما راى من اللوم فى أخذ الثمن من أبيه واخوته مع حاجتهم اليه رد عليهم من حيث لا يعلمون تكرما- وقال الكلبي بخوف ان لا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة اخرى- وقيل جعل ذلك لانه علم ان ديانتهم تحملهم على رد البضاعة نفيا للغلط ولا يستحلون إمساكها-. فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا قدمنا خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامه لو كان رجلا من ال يعقوب ما أكرمنا كرامته- فقال لهم يعقوب عليه السلام إذا أتيتم ملك مصر فاقرءوا منى السلام- وقولوا ان أبانا يصلى عليك ويدعو لك بما أوليتنا- ثم قال اين شمعون قالوا ارتهنه ملك مصر واخبروه بالقصة- فقال لهم ولم اخبرتموه- قالوا انه أخذنا وقال أنتم جواسيس حيث كلمنا بلسان العبرانية- وقصوا عليه القصة وقالوا يا أَبانا مُنِعَ

[سورة يوسف (12) : آية 64]

مِنَّا الْكَيْلُ اى حكم بمنعه بعد هذا ان لم نذهب ببنيامين كذا قال الحسن- وقيل معناه اعطى باسم كل واحد حملا ومنع منا الكيل لبنيامين- والمراد بالكيل الطعام فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا بنيامين نَكْتَلْ قرا حمزة والكسائي بالياء على الغيبة اى يكتل بنيامين معنا- وقرا الآخرون بالنون على التكلم اى نكتل نحن وهو الطعام ويذهب المانع- وقيل معناه نكتل له وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (63) على ان يناله مكروه. قالَ أبوهم هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ يوسف مِنْ قَبْلُ هذا اى كيف امنكم عليه وقد قلتم فى يوسف إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وفعلتم به ما فعلتم فَاللَّهُ خَيْرٌ منكم ومن كل أحد حافِظاً فاتوكل عليه وأفوض امرى اليه وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) فارجو ان يرحمنى بحفظه ولا يجمع علىّ مصيبتين- وانتصاب حفظا على التميز كذا قرا الأكثرون بلفظ المصدر وقرا حفص وحمزة والكسائي حافظا على وزن الفاعل وهو يحتمل الحال والتميز كقولهم لله دره فارسا. وَلَمَّا فَتَحُوا اى اخوة يوسف مَتاعَهُمْ الّذي حملوه من مصر وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ اى ثمن طعامهم رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي اى هل من مزيد على ذلك أكرمنا واحسن مثوانا وباع منا ورد علينا متاعنا- او لا نطلب وراء ذلك إحسانا- او اى شيء نطلب بالكلام فى إحسانه او لا نبغى فى القول ولا نزيد فيما حكينا لك فان من الدليل على صدقنا ما ترى فى العيان او ما نطلب منك بضاعة هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا استيناف موضح لقوله ما نبغى وَنَمِيرُ أَهْلَنا معطوف على محذوف ان كانت ما استفهامية- اى ردت إلينا فنستظهر بها ونرجع الى الملك ونمير أهلنا- اى نشترى لهم الطعام فنحمله إليهم- يقال ما راهله يمير ميرا إذا حمل إليهم الطعام من بلد اخر ومثله امتار يمتار امتيارا- ويحتمل ان يكون هذه الجملة مع ما عطف عليه معطوفة على ما نبغى- ان كانت ما نافية اى لا نطلب فيما نقول وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا عن المخاوف فى الذهاب والمجيء وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ اى نزيد حمل بعير على احمالنا يكال لنا من اجله فانه كان يعطى بعدة كل رجل حمل بعير ذلِكَ اى ما حملناه كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قليل لا يكفينا وأهلنا او سهل على الملك لسخائه-. قالَ لهم يعقوب لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ إذ رايت منكم ما رايت حَتَّى تُؤْتُونِ قرا ابن كثير تؤتونى بإثبات الياء وصلا ووقفا- وابو عمرو أثبتها وصلا فقط

[سورة يوسف (12) : آية 67]

والباقون يحذفونها فى الحالين- اى تعطونى مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ اى عهدا مؤكدا باليمين بالله او باشهاد الله على نفسه اتوثق به لَتَأْتُنَّنِي بِهِ جواب القسم إذ المعنى حتّى تحلفوا بالله لتأتنّنى به إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ قال مجاهد يعنى الا ان تهلكوا جميعا- وقال قتادة الا ان تغلبوا حتّى لا تطيقوا ذلك- وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال اى لتأتنّنى به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم- او من أعم العلل على قوله لتأتنّنى به فى تأويل النفي اى لا تمنعون من الإتيان به لشيء الا للاحاطة بكم- كقوله أقسمت بالله الا فعلت اى ما اطلب الا فعلك فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ اى عهدهم قيل حلفوا بالله رب محمّد وجهدوا أشد الجهد حتّى لم يجد يعقوب بدا من إرسال بنيامين معهم قالَ يعقوب اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ من طلب المواثيق وإتيانه وَكِيلٌ (66) شاهد وقيل حافظ- قال كعب لما قال يعقوب فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً قال الله عز وجل وعزتى لاردن عليك كليهما «1» بعد ما توكلت علىّ. وَقالَ يعقوب لما أراد بنوه الخروج من عنده يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ لانهم كانوا ذوى جمال وابهة وقوة وامتداد قامة مشتهرين فى المصر بالقربة والكرامة عند الملك- فخاف عليهم العين وقد ورد فى الحديث العين حق وقد ذكرنا ما ورد فى ذلك فى سورة نون فى تفسير قوله تعالى وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ الاية- ولعله لم يوصهم بذلك فى الكرة الاولى لانهم كانوا مجهولين حينئذ وكان الداعي اليه خوفه على بنيامين- وعن ابراهيم النخعي انه قال ذلك لانه كان يرجو ان يروا يوسف فى التفرق والاول أصح وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ مما قضى عليكم فان المقدر كائن عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغنى حذر عن قدر- رواه الحاكم ورواه احمد من حديث معاذ بن جبل ورواه البزار من حديث ابى هريرة إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يصيبكم لا محالة ان قضى عليكم سوءا ولا ينفعكم شيء فوض يعقوب امره الى الله تعالى وقال عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ اعتمدت وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) جمع بين حرفى العطف فى عطف الجملة على الجملة- لتقدم الصلة للاختصاص- كانّ الواو للعطف والفاء لافادة السببية فان فعل الأنبياء سبب

_ (1) فى الأصل كلاهما.

[سورة يوسف (12) : آية 68]

لان يقتدى بهم غيرهم-. وَلَمَّا دَخَلُوا مصر مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ اى من أبواب متفرقة قيل كانت أبواب المدينة اربعة فدخلوا من ابوابها ما كانَ يُغْنِي اى يدفع عَنْهُمْ رأى يعقوب واتّباعهم له مِنَ اللَّهِ اى من قضائه مِنْ شَيْءٍ اى شيئا مما قضى الله عليهم او شيئا من الإغناء حتّى أخذ بنيامين وتضاعفت المصيبة على يعقوب صدّق الله يعقوب فيما قال إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ استثناء منقطع اى ولكن حاجة فى نفسه يعنى شفقته عليهم من ان يعاينوا قَضاها اى أظهرها فوصى بها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ بالوحى او نصب الحجج ولذلك قال وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ- او لتعليمنا إياه- وقيل معناه انه لعامل بما علم- قال سفيان من لا يعمل بما يعلم لا يكون عالما- قيل انه لذو حفظ لما علمناه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68) ما يعلم يعقوب اولا يعلمون القدر وانه لا يغنى عن الحذر او لا يعلمون الهام الله لاوليائه-. وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ قالوا أخونا الّذي امرتنا ان نأتيك به قد جئناك به فقال أحسنتم وأصبتم وستجدون جزاء ذلك عندى- ثم أنزلهم فاكرم منزلهم- ثم أضافهم فاجلس كل اثنين منهم على مائدة- فبقى بنيامين وحيدا- فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيّا لاجلسنى معه- فقال يوسف لقد بقي أخوكم هذا وحيدا فاجلسه مع نفسه على مائدته فجعل يواكله- فلما كان الليل امر لهم بمثل وقال ليم كل أخوين منكم على مثال فبقى بنيامين وحده فقال يوسف عليه السلام هذا ينام معى على فراشى- فبات معه فجعل يوسف يضمه اليه ويشم ريحه حتّى أصبح- وجعل روبيل يقول ما راينا مثل هذا- فلما أصبح قال لهم انى ارى هذا الرجل ليس معه ثان فما ضمّه الىّ فيكون منزله معى- ثم أنزلهم منزلا واجرى عليهم الطعام وآوى إِلَيْهِ اى ضم الى نفسه أَخاهُ لامه بنيامين وأنزله معه- فلما خلا به قال ما اسمك قال بنيامين قال ما بنيامين قال ابن المثكل (وذلك انه لما ولد هلكت امه) قال وما اسم أمك قال راحيل بنت لاوى- قال فهل لك من ولد قال نعم عشرة- قال أتحب ان أكون أخاك بدل أخيك الهالك- قال بنيامين ومن يجد أخا

[سورة يوسف (12) : آية 70]

مثلك ايها الملك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل- قال فبكى يوسف وقام اليه وعانقه وقالَ له إِنِّي فتح الياء نافع وابن كثير وابو عمرو وأسكنها الباقون أَنَا أَخُوكَ يوسف فَلا تَبْتَئِسْ اى لا تحزن بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (69) اى بشيء فعلوه بنا فيما مضى فان الله قد احسن إلينا- ولا تعلّمهم شيئا مما أعلمتك- ثم اوفى يوسف لاخوته الكيل وحمل لهم بعيرا بعيرا- ولبنيامين بعيرا باسمه. فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ اى المشربة الّتي كان الملك يشرب منها- يعنى امر غلمانه بجعلها- قال ابن عباس كانت من زبرجد- وقال ابن إسحاق كانت من فضة- وقيل من ذهب- وقال عكرمة من فضة مرصعة بالجواهر- جعلها يوسف مكيا لا لعزة الطعام لئلا يكال بغيرها- وكان يشرب فيها والسقاية والصواع واحد- جعلت فى وعاء طعام بنيامين قال السدى جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ والأخ لا يشعر- وقال كعب لما قال له يوسف إِنِّي أَنَا أَخُوكَ قال انا لا أفارقك- فقال يوسف قد علمت اغتمام والدي بي- وإذا حبستك ازداد غمه ولا يمكننى هذا الا بعد ان أشهرك بامر فظيع وانسبك الى ما لا يحمد- قال لا أبالي فافعل ما بدا لك فانى لا أفارقك- قال فانى أدس صاعى فى رحلك ثم أنادي عليك بالسرقة ليتهيا لى ردك بعد تسريحك- قال فافعل ففعل ما ذكر ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ اى نادى مناد- وكلمة ثم تدل على التراخي وذلك انهم ارتحلوا وامهلهم يوسف حتّى انطلقوا وذهبوا منزلا- وقيل حتّى خرجوا من العمارة- ثم بعث خلفهم فادركهم ثم مال أَيَّتُهَا الْعِيرُ وهى الإبل الّتي عليها الأحمال لانها تعير اى تردد تذهب وتجيء- فقيل لاصحاب العير مجازا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خيل الله اركبي- كذا روى ابو داود من حديث سمرة بن جندب- وقيل هى جمع عيرو أصلها فعل بضم الفاء كسقف ثم فعل به ما فعل ببيض- ثم تجوز به لقافلة الحمير- ثم استعير لكل قافلة قال مجاهد كانت العير حميرا- وقال الفراء كانوا اصحاب ابل إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (70) قيل قالوه من غير امر يوسف- وقيل قالوه بامره هفوة منه- وقيل قالوه على تأويل انهم سرقوا يوسف من أبيه- والصحيح عندى انه قال ذلك بامر الله تعالى والله تعالى لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ

[سورة يوسف (12) : آية 71]

يُسْئَلُونَ - والحكمة فى ذلك ابتلاء يعقوب عليه السلام كما سنذكر فيما بعد-. قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ (71) اى اىّ شيء ضاع عنكم والفقد غيبة الشيء عن الحسّ بحيث لا يعرف مكانه. قالُوا اى قال رسول الملك ومن معه نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ ولم نتهم عليها غيركم وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ من الطعام جعلا له وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) كفيل أوميه الى من رده- وفيه دليل على جواز الجعالة وجواز الكفالة- وكفالة الجعل قبل تمام العمل. قالُوا تَاللَّهِ قسم فيه معنى التعجب لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ اى لنسرق فى ارض مصر وَما كُنَّا سارِقِينَ (73) استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا فى كرتى مجيئهم ما يدل على فرط أمانتهم- كردّ البضاعة الّتي جعلت فى رحالهم- وكعم أفواه دوابهم لئلا يتناول حروث الناس. قالُوا اى المنادى ومن معه فَما جَزاؤُهُ اى السارق او السرق او الصواع على حذف المضاف إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (74) فى ادعاء البراءة. قالُوا اى اخوة يوسف جَزاؤُهُ اى جزاء سرقته مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ اى اخذه واسترقاقه هكذا كان فى شريعة يعقوب فَهُوَ جَزاؤُهُ تقرير للحكم السابق او خبر من والفاء لتضمنها معنى الشرط- او جواب لها على انها شرطية- والجملة خبر جزاؤه على اقامة الظاهر مقام الضمير كانه قيل جزاؤه من وجد فى رحله فهو هو كذلك نجزى الظالمين بالسرقة فى تلك الشريعة- كان فى شرع يعقوب ان يسلّم السارق لسرقته المسروق منه فيسارقه فقال الرسول عند ذلك لا بد من تفتيش أمتعتكم فاخذ فى تفتيضها- وروى انه ردهم الى يوسف قامر بتفتيش أوعيتهم بين يديه-. فَبَدَأَ المنادى او يوسف بِأَوْعِيَتِهِمْ لازالة التهمة واحدا واحدا قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ بنيامين- قال قتادة وذكر لنا انه كان لا يفتح متاعا ولا ينظر فى وعاء الا استغفر الله تأثّما فيما قذفهم به- حتّى إذا لم يبق إلا رحل بنيامين قال ما أظن ان هذا اخذه فقالت اخوته والله لا نترك حتّى تنظر فى رحله فانه أطيب لنفسك ولا نفسنا

ثُمَّ لما فتح رحل بنيامين اسْتَخْرَجَها اى السقاية او الصواع لانه يذكر ويؤنث مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ بنيامين- فلما استخرج الصواع من رحله نكس اخوته رءوسهم من الحياء واقبلوا على بنيامين- وقالوا ايش الّذي صنعت فضحتنا وسوّدتّ وجوهنا- يا بنى راحيل ما يزال لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصواع- قال بنيامين بل بنوا راحيل لا يزال لهم منكم بلاء- ذهبتم بأخي فاهلكتموه فى البرية- ووضع هذا الصواع فى رحلى الّذي وضع البضاعة فى رحالكم- قال وأخذ بنيامين رقيقا وقيل ان ذلك الرجل اخذه برقبته ورده الى يوسف كما يردّ السراق كَذلِكَ محله النصب اى مثل ذلك الكيد كِدْنا لِيُوسُفَ بان علّمناه إياه وأوحينا به اليه- ومن هاهنا يعلم ان قول المنادى إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ وما تبعه كان بامر يوسف- وكان بايحاء الله اليه- فلا معصية فى ذلك- قال البغوي الكيد هاهنا جزاء الكيد- يعنى كما فعلوا فى الابتداء بيوسف من الكيد فعلنا بهم- وقد قال يعقوب ليوسف عليهما السلام فيكيدوا لك كيدا- فكدنا ليوسف فى أمرهم- وقال الكيد من الخلق الحيلة ومن الله التدبير بالحق- يعنى صنعنا ذلك ليوسف حتّى أخذ أخاه وضم الى نفسه وحال بينه وبين اخوته ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ ويضمه الى نفسه فِي دِينِ الْمَلِكِ قال ابن عباس فى سلطانه وقال قتادة فى حكمه حيث كان حكم الملك ودينه ان يضرب السارق ويغرم ضعفى قيمة المسروق إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ان يجعل ذلك الحكم حكم الملك فالاستثناء من أعم الأحوال- ويجوز ان تكون منقطعا اى لكن أخذ بمشية الله واذنه ولطفه حيث وجد السبيل الى ذلك بان رد يوسف الحكم الى اخوته واجرى الله على ألسنتهم ان جزاء السارق الاسترقاق فحصل مراد يوسف بمشية الله تعالى نَرْفَعُ دَرَجاتٍ قرا الكوفيون بالتنوين على التميز من النسبة والباقون بالاضافة مَنْ نَشاءُ بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على اخوته- قرا يعقوب يرفع ويشاء بالياء فيهما على الغيبة وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ من الخلق عَلِيمٌ (76) وهو الله تعالى إذ معنى العليم لغة الّذي له العلم البالغ- او المعنى فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ من الخلق عليم منهم وان كان التفوّق من وجه دون وجه- كما قال خضر لموسى عليهما السلام يا موسى

[سورة يوسف (12) : آية 77]

انى على علم من علم الله علّمنيه الله لا تعلمه- وأنت على علم من علم الله لا اعلمه- رواه البخاري وغيره فى حديث طويل فى قصة موسى وخضر عن النبي صلى الله عليه وسلم- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اعلم بامور دنياكم- ولا يجوز كون معنى الاية وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ من الخلق عليم منهم تفوقا من كل وجه والا يلزم التسلسل- وقال ابن عباس فوق كل عالم عالم الى ان ينتهى العلم الى الله تعالى فالله فوق كل عالم-. قالُوا اى اخوة يوسف إِنْ يَسْرِقْ بنيامين فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ من امه يعنون يوسف عليه السلام مِنْ قَبْلُ هذا- قال سعيد بن جبير وقتادة كان لجده ابى امه صنم يعبده- فاخذه سرّا وكسره وألقاه فى الطريق لئلا يعبده- كذا اخرج ابن مردوية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم- واخرج ايضا ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن سعيد بن جبير نحوه- وقال البغوي قال مجاهد ان يوسف جاءه سائل يوما فاخذ بيضة من البيت فناولها السائل- وقال سفيان بن عيينة أخذ دجاجة من الطير الّتي كانت فى بيت يعقوب فاعطاها السائل- وقال وهب كان يخبا الطعام من المائدة للفقراء- قلت ولما كان يوسف من اهل بيت الكرم وكان يعقوب عليه السلام راضيا بإعطاء السائلين فلا بأس فى هذا الاخذ والإعطاء وانما سماه الاخوة سرقة حسدا عليه واخرج محمّد بن إسحاق عن مجاهد ان يوسف كان عند عمته ابنة إسحاق بعد موت امه راحيل- فحضنته عمته وأحبته حبّا شديدا- فلما ترعرع وقعت محبة يعقوب عليه السلام عليه- فاتاها وقال يا أختاه سلّمى الىّ يوسف فو الله ما اقدر على ان يغيب عنى ساعة واحدة- قالت لا قال فو الله ما انا بتاركه- فقالت دعه عندى أياما انظر اليه لعل يسلّينى عنه- ففعل ذلك فعمدت الى منطقة إسحاق كانوا يتوارثونها بالكبر فكانت عندها لانها كانت اكبر ولد إسحاق- فشدت المنطقة على يوسف تحت ثيابه وهو صغير ثم قالت لقد فقدتّ منطقة إسحاق اكشفوا اهل البيت فكشفوا فوجدوها مع يوسف- فقالت والله انه لسلم لى فقال يعقوب ان كان فعل ذلك فهو سلم لك- فامسكته حتّى ماتت فذلك الّذي قال اخوة يوسف إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها اى مقالتهم انه سرق كانه لم يسمعها او نسبتهم

[سورة يوسف (12) : آية 78]

السرقة اليه يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ اى لم يظهرها انه سمع ذلك وقيل انها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً فانه بدل من فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ- والمعنى قال فى نفسه أنتم شر مكانا اى منزلة من يوسف لسرقتكم أخاكم- او فى سوء الصنيع مما نسبتم اليه وتأنيثها باعتبار الكلمة او الجملة قال البيضاوي وفيه نظر إذ المفسر بالجملة لا يكون الا ضمير الشأن وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) يعنى هو اعلم ان الأمر ليس كما تصفونه- فلما أخذ يوسف أخاه غضبوا غضبا شديدا- وكان بنوا يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا- وكان روبيل إذا غضب لم يقم لغضبه شيء وإذا صاح القت كل امراة حامل سمعت صوته ولدا- وكان مع هذا إذا مسّه أحد من ولد يعقوب سكن غضبه- وقيل كان هذه صفة شمعون من ولد يعقوب- وروى انه قال لاخوته كم عدد الأسواق بمصر- قالوا عشرة فقال اكفوني أنتم الأسواق وانا أكفيكم الملك او اكفوني أنتم الملك وانا أكفيكم الأسواق- فدخلوا على يوسف فقال روبيل لتردّنّ علينا أخانا اولا صيحنّ صيحة لا تبقى بمصر امراة حامل الا القت ولدها- وقامت كل شعرة فى جسد روبيل فخرجت من ثيابه- فقال يوسف لابن له صغير قم الى جنب روبيل فمسه- ويروى خذ بيده فأتنى به- فذهب الغلام فمسه فسكن غضبه فقال روبيل ان هاهنا لبذرا من بذر يعقوب فقال يوسف من يعقوب- وروى انه غضب ثانيا فقام اليه يوسف فركضه برجله وأخذ بتلابيبه فوقع على الأرض- وقال أنتم معشر العبرانيين تظنون ان لا أشد منكم ولما صار أمرهم الى هذا وراوا ان لا سبيل لهم الى تخليصه خضعوا وذلّوا و. قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فى السن او القدر يحبّه كثيرا- وهو ثكلان على أخيه الهالك يستأنس به- ذكروا له حال أبيهم استعطافا له عليه فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ بدله إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) فى افعالك فلا تغير فى عادتك- او من المحسنين إلينا فى توفية الكيل وحسن الضيافة ورد البضاعة فاتمم إحسانك. قالَ يوسف مَعاذَ اللَّهِ اى أعوذ بالله معاذا أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ فانّ أخذ غيره ظلم على فتواكم-

[سورة يوسف (12) : آية 80]

ولم يقل الا من سرق تحرزا من الكذب إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79) يعنى لو اخذتكم مكانه إذا كنا من الظالمين فى مذهبكم- ومراده ان الله اذن فى أخذ من وجد الصواع فى رحله لمصلحة ولرضائه عليه فلو أخذت غيره لكنت ظالما-. فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ قرا البزي فلمّا استيأسوا- ولا تيأسوا من روح الله- انّه لا يايس- وحتّى إذا استيأس الرّسل وفى الرعد أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا بالألف موضع الفاء وفتح الياء موضع العين من غيرهم فى الخمسة- والباقون بالهمزة واسكان الياء من غير الف فى اللفظ- وإذا وقف حمزة القى حركة الهمزة على الياء على أصله- يعنى لما يئسوا من يوسف ان يجيبهم الى ما سالوا- وزيادة السين والتاء للمبالغة- وقال ابو عبيدة استيئسوا استيقنوا ان الأخ لا يرد إليهم خَلَصُوا اى انفردوا واعتزلوا نَجِيًّا اى متناجين وانما وحده لانه مصدر او برتبته كما يقال هم صديق وجمعه انجية كندى واندية قالَ كَبِيرُهُمْ فى الفضل والعلم لا فى السن وهو يهودا كذا قال ابن عباس والكلبي- وقيل كبيرهم فى السن وهو روبيل وهو الّذي نهى الاخوة عن قتل يوسف- كذا قال قتادة والسّدىّ والضحاك- وقال مجاهد وهو شمعون وكانت له رياسة على الاخوة أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً عهدا وثيقا مِنَ اللَّهِ جعلوا حلفهم بالله موثقا منه لانه بإذن منه وتأكيد من جهته وَمِنْ قَبْلُ هذا ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ اى قصرتم فى شأنه- وما مزيدة ويجوز ان تكون مصدرية فى محل النصب بالعطف على مفعول تعلموا- ولا بأس بالفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف- او على اسم انّ وخبره فِي يُوسُفَ او مِنْ قَبْلُ- او الرفع بالابتداء والخبر من قبل- قال البيضاوي فيه نظر لان قبل إذا كان خبرا او صلة لا تقطع عن الاضافة حتّى لا ينقض وان تكون موصولة اى ما فرطتموه بمعنى ما قدمتموه فى حقه من الخيانة- ومحله الرفع او النصب كما تقدم فى المصدرية فَلَنْ أَبْرَحَ اى لن أفارق الْأَرْضَ اى ارض مصر حَتَّى يَأْذَنَ لِي فتح الياء نافع وابو عمرو وأسكنها الباقون أَبِي فتح الياء نافع وابن كثير وابو عمرو وأسكنها الباقون- يعنى يأذن لى أبيّ فى الرجوع

[سورة يوسف (12) : آية 81]

أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي على لسان يعقوب عليه السلام بالخروج منها وترك أخي او بالموت او بخلاص أخي منهم او بالمقاتلة معهم لتخليصه وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) لا يكون حكمه الا بالحق ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ على ما شاهدنا من ظاهر الأمر- وقرا ابن عباس والضحاك سرّق على البناء للمفعول من التفعيل يعنى نسب الى السرقة كما يقال خوّنته اى نسبته الى الخيانة. وَما شَهِدْنا عليه بالسرقة إِلَّا بِما عَلِمْنا اى بسبب ما تيقنّا وراينا ان الصواع استخرج من وعائه- وقيل معناه ما شهدنا قطّ على شيء الا بما علمنا وليست هذه شهادة منا انما هو خبر عن صنيع ابنك بزعمهم- وقيل قال لهم يعقوب ما يدرى هذا الرجل ان السارق يسترقّ بسرقته الا بقولكم فقالوا ما شهدنا عند يوسف ان السارق يسترقّ الا بما علمنا وكان الحكم ذلك عند الأنبياء يعقوب وبنيه وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ اى لباطن الحال حافِظِينَ (81) عن ابن عباس يعنى ما كنا لليله ونهاره ومجيئه وذهابه حافظين فلعلّها دسّت بالليل فى رحله- وقال مجاهد وقتادة ما كنا نعلم حين أعطيناك الموثق ان ابنك سيسترق- ويصير أمرنا الى هذا وانك تصاب كما أصبت بيوسف وانما قلنا ونحفظ أخانا مما لنا الى حفظه منه سبيل. وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها يعنون مصر وقال ابن عباس هى قرية من قرى مصر لحقهم المنادى فيها وارتحلوا منها الى مصر وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها اى القافلة الّتي كنا فيها- وكان صحبهم قوم من كنعان من جيران يعقوب عليه السلام- قال ابن إسحاق عرف الأخ المحتبس بمصران اخوته كانوا متهمين عند أبيهم لما صنعوا فى امر يوسف فامرهم ان يقولوا هذا لابيهم وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82) فان قيل قال البغوي كيف استجاز يوسف ان يعمل مثل هذا بابيه- ولم يخبره بمكانه- وحبس أخاه مع علمه بشدة وجد أبيه- ففيه معنى العقوق وقطيعة الرحم وقلة الشفقة قلنا اكثر الناس فيه والصحيح انه عمل ذلك بامر الله تعالى امره ليزيد فى بلاء يعقوب فيضاعف له الاجر- ويلحقه فى درجة ابائه الكرام- وقيل انه لم يظهر نفسه له ولاخوته لانه لم يأمن من ان يتدبروا فى امره تدبيرا فيكتموه عن أبيه والاول أصح قلت بل هو الصحيح لا غير-

[سورة يوسف (12) : آية 83]

فرجع اخوة يوسف غير كبيرهم الى أبيهم وذكروا لابيهم ما قال كبيرهم. قالَ يعقوب ليس الأمر كما قلتم بَلْ سَوَّلَتْ اى زيّنت وسهلت لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً أردتموه فقدرتموه فما أدرى الملك ان السارق يؤخذ بسرقته انما أردتم فى حمل أخيكم الى مصر طلب نفع عاجل فَصَبْرٌ جَمِيلٌ فامرى صبر جميل او فصبرى صبر جميل لا شكوى فيه الى الناس عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً يعنى يوسف وبنيامين وأخاهم المقيم بمصر إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بحالي وحالهم الْحَكِيمُ (83) فى تدبير خلقه الّذي لم يبتلينى الا لحكمته- ولما بلغه خبر بنيامين تتام حزنه وبلغ جهده وهيج حزنه على يوسف اعرض. وَتَوَلَّى عَنْهُمْ كراهة لما صادف منهم ذلك وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ اى يا أسفي تعال فهذا او انك- والأسف أشد الحزن والحسرة- والالف بدل من ياء المتكلم- روى عبد الرزاق وابن جرير موقوفا عن سعيد بن جبير انه قال لم يعط امة من الأمم إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ عند المصيبة الا امة محمّد صلى الله عليه وسلم- الا ترى الى يعقوب حين أصابه ما أصاب لم يسترجع وقال يا أسفى- وكذا روى البيهقي فى شعب الايمان وقال وقد رفع الضعفاء هذا الحديث الى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم- وأخرجه الثعلبي من طريق سعيد بن جبير مرفوعا الا قوله الا ترى الى يعقوب وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ لكثرة بكائه مِنَ الْحُزْنِ محق سوادهما بكثرة البكاء فعمى بصره- قال مقاتل لم يبصر بهما ست سنين وقيل ضعف بصره فَهُوَ كَظِيمٌ (84) الكظم مخرج النفس يقال أخذ بكظمه والكظوم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت فالكظيم محتبس النفس يعنى الساكت فهو بمعنى الفاعل والمعنى كاظم غيظه وحزنه فمسك عليه لا يبث حزنه فى الناس ومنه كظم البعير إذا ترك الاجترار وحبس ما أكل فى بطنه وكظم السقاء شده بعد ملئه وقد يطلق الكظيم على المملو نظرا الى ان المملو يشد فمه ويحبس ما فيه- فهو على هذا جاز ان يكون بمعنى المفعول اى المكظوم المملو من الغيظ- قال قتادة معناه تردد حزنه فى جوفه ولم يقل الا خيرا- قال الحسن كان بين خروج يوسف من حجر أبيه الى يوم التلقي معه ثمانون عاما لا تجف عينا يعقوب وما على وجه الأرض يومئذ أكرم على الله منه- وهاهنا إشكال قوى على قاعدة التصوف- حيث قالوا ان الصوفي بعد فناء قلبه لا يشتغل

قلبه بغير الله سبحانه ولا يسع فيه محبة أحد من الخلائق- فما بال يعقوب عليه السلام وهو من الأنبياء الكبار والمصطفين الأخيار اولى الأيدي والابصار- قد شغفه حب يوسف عليه السلام الكريم حتّى ابيضت عيناه من البكاء عليه وهو كظيم- وما قيل ان العالم بأسرها مجال ومرايا لله سبحانه- فاشتغال قلبه بيوسف اشتغال به تعالى على الحقيقة- فذلك قول فى غلبة التوحيد لاهل الابتداء او التوسط ويستنكف عنه اهل الانتهاء فكيف الأنبياء عليهم السلام- ولو كان كذلك فلا وجه حينئذ لتخصيص تعلق الحب بيوسف عليه السلام دون غيره- والجواب عن الاشكال ان هذا مختص بالنشأة الدنيوية يعنى لا يمكن اشتغال قلب الصوفي بعد الفناء بشيء من الأشياء الدنيوية واما الأشياء الاخروية فليس هذا شأنها- فان النبي صلى الله عليه وسلم قال الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما- رواه ابن ماجة عن ابى هريرة والطبراني عن ابن مسعود بسند صحيح والبزار عن ابن مسعود نحوه والطبراني بسند صحيح عن ابى الدرداء- بخلاف الاخرة فانها مرضية لله تعالى وتعلق القلب بها مرضى لله تعالى قال الله تعالى وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ- يعنى اولى القوة فى طاعة الله والبصارة فى معرفة الله تعالى وأحكامه- إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ- اى جعلناهم خالصين بخصلة خالصة لا شوب فيها هى ذكر الدار الاخرة- قال مالك بن دينار نزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصناهم بحب الاخرة وذكرها- وجعلنا الاخرة مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون- واطلاق الدار على الاخرة للاشعار بانها الدار على الحقيقة والدنيا معبر- هذه الاية صريح فى ان الاخرة مرضية لله تعالى وحبها وما فيها موجب للمدح- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لى يعنى فى المنام سيد بنى دارا وصنع مأدبة وأرسل داعيا- فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد- ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد- قال فالله السيد ومحمّد داعى والدار الإسلام والمأدبة الجنة- رواه الدارمي عن ربيعة الجرشى- وهذا غاية معرفة الأكملين لم يطلع عليها المتوسطون «1» فضلا عن اهل الابتداء والعوام- ولو كانت رابعة البصرية مطلعة على ذلك لما قالت أريد ان احرق الجنة كيلا يعبد الناس الله تعالى لاجلها- الم تسمع قوله تعالى مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ

_ (1) فى الأصل المتوسطين-

يعنى وقت لقائه الاخرة ومحل لقائه الجنة- وقوله صلى الله عليه وسلم الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها قيعان وان غراسها هذه يعنى سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر- رواه الترمذي عن ابن مسعود وروى الشيخان فى الصحيحين والحاكم والطبراني بلفظ يغرس لك بكل واحد شجرة فى الجنة- قال سيدى وامامى المجدد للالف الثاني رضى الله عنه المعنى التنزيهي لبس «1» فى دار الدنيا كسوة الحروف والكلمات- وسيلبس فى الجنة كسوة الأشجار والثمرات- فتعلق الحب بها كانه تعلق بالتنزيهات وقس على هذا- وقال رضى الله عنه عندى ان جنة كل واحد عبارة عن ظهور اسم من اسماء الله تعالى الّذي هو مبدأ لتعيّنه- وان ذلك الاسم سيظهر لذلك الشخص بصورة الأشجار والأنهار والحور والقصور والولدان- فتفاوت الجنات للاشخاص على حسب تفاوت الأسماء والصفات من حيث الجامعية وعدمها- وباعتبار قربه من الذات وغير ذلك- وتلك الأشجار ونحوها قد تكون على هيئة الاجرام الزجاجية- فتصير وسيلة لرؤية الذات الغير المتكيفة- ثم تعود كما كانت وهكذا الى ابد الآبدين- فان قيل ان الممكن فى نفسه ليس وعدم ومقتض للشر والنقص- وما فيه من الحسن والجمال والخير والكمال مستعار من الواجب- والمحبة واشتغال القلب انما يتعلق بالحسن والجمال وذلك مستعار فى كل ممكن من الواجب تعالى- فما وجه الفرق بين الأشياء الدنيوية والاخروية وجواز تعلق الحب بإحداهما دون الاخرى- قلنا العالم بأسرها مجال ومظاهر لاسمائه وصفاته وصفاته تعالى ممكنة فى حد ذواتها واجبة بغيرها اى بذات الله تعالى لاحتياجها الى الذات- لكن لا يطلق لفظ الإمكان والوجوب بالغير لئلا يوهم حدوثها وانفكاكها عن الذات- ولما كانت الصفات ممكنة فى حد ذاتها وان كان انعدامها مستحيلا بغيرها- ففيها رائحة الإمكان والعدم- ولاجل ذلك تنكشف الصفات عند الصوفي ذو وجهتين وجهة جانب الوجود المستفاد من مرتبة الذات ووجهة جانب احتمال العدم نظرا الى إمكانها فى ذاتها- فوجهة وجودها حسن وجميل لا محالة- ووجهة عدمها ايضا لا يخلو عن حسن وجمال بمجاورة وجهة الوجود وان كان ذلك الحسن فى مرتبة الوهم فليعلم انه يظهر فى نظر الكشفى ان صفاته تعالى تجلت فى الأشياء الدنيوية بوجهتها الّتي الى الاعدام- فهى من هذه الحيثية مربيات للاشياء الدنيوية- وتجلت فى الأشياء الاخروية

_ (1) فى الأصل لبست

بوجهتها الّتي الى الوجود- وبهذه الحيثية مربيات للاشياء الاخروية- ولذلك صارت الاخرى مرضية لله تعالى مقبولة- وصار تعلق القلب بتلك الأشياء كتعلقه بصاحبها- فالكاملون فى محبة الله تعالى هم الكاملون فى محبة الدار الاخرة- وهذا وجه الفرق بين الأشياء الدنيوية والاخروية وجواز تعلق الحب بإحداهما دون الاخرى- إذا تمهد هذا فنقول ظهر بالنظر الصريح والكشف الصحيح للمجدد للالف الثاني رضى الله عنه ان وجود يوسف عليه السلام وجماله وان كان مخلوقا فى الدار الدنيا لكنه كان على خلاف سائر الأشياء الموجودة فيها- من جنس الموجودات الاخروية وربّتها صفات الله تعالى بوجهتها الّتي الى الوجود كما ربّت الجنة وما فيها من الحور والغلمان- فلا جرم جاز تعلق قلب اهل الكمال وحبهم به عليه السلام كما جاز تعلقها بالجنة وما فيها- كذا ذكر المجدد رضى الله عنه فى المكتوب المائة من المجلد الثالث- بقي هاهنا إشكالان أحدهما ان المجدد رضى الله عنه قال فى مقام اخر ان الممكنات سوى الأنبياء والملائكة مجال ومظاهر لظلال الأسماء والصفات الّتي هى مباد لتعيناتها- دون الأسماء والصفات أنفسها- واما الملائكة والأنبياء فاصول الأسماء والصفات مباد لتعيناتهم- وهم مجال ومظاهر لها- فكيف قال هاهنا ان الممكنات بأسرها مجال لاسمائه وصفاته تعالى- وكيف يتصور حينئذ ان تتجلى الصفات بانفسها فى الأشياء الدنيوية بوجهتها الّتي الى الاعدام- وفى الأشياء الاخروية بوجهتها الّتي الى الوجود- وحله ان كونها مجال لظلال الأسماء لا ينافى كونها ظلالا لاصولها فان ظل ظل الشيء ظل له- فالاسماء والصفات تتجلى فى الأنبياء بلا توسط الظلال وفى غيرهم بتوسطها- ثم هى تتجلى فى الأشياء الدنيوية بتوسط الظلال بوجهتها الى العدم وفى الأشياء الاخروية بوجهتها الّتي الى الذات والوجود الصرف فلا منافاة ثانيهما «1» انه يلزم حينئذ فضل يوسف عليه السلام على سائر الأنبياء بل على أفضلهم عليه وعليهم الصلوات والتسليمات- فان الكلام السابق يشعر ان غير يوسف عليه السلام من الأنبياء فى الدنيا مجال للصفات بوجهتها الّتي الى العدم- وحله ان هذا الاشعار انما هو بمفهوم اللقب ولا عبرة لمفهوم اللقب بل الحق ان الأنبياء كلهم عليهم الصلوات والتسليمات مجال للصفات باعتبار وجهتها الى الوجود الصرف وليس عدم ظهور حسن الاخرة منهم عليهم الصلوات والتسليمات

_ (1) فى الأصل ثانيها

فى الدنيا لكونهم مجال الصفات بوجهتها الّتي الى العدم بل لامر خفى لا يعلمه الا الله تعالى- وقد ذكر المجدد رضى الله عنه فى حسن «1» خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام انه قال ربّ محمّد صلى الله عليه وسلم ومبدا تعيّنه صفة العلم الإجمالي وهو اقرب الصفات الى الذات الا ترى ان العلم الحضوري يتحد مع العالم ومع المعلوم- واما غيره من الصفات من القدرة والارادة والكلام والسمع والبصر ليست بهذه المثابة- والإجمال أعلى درجة واقرب من الذات من تفاصيلها- فللعلم حسن ذاتى ما ليس لغيرها من الصفات- فالعلم أحب الى الله تعالى من غيره- وللعلم حسن وجمال لا كيفية له فلاجل كمال لطافته وعلو درجته تجلى فى محمّد صلى الله عليه وسلم من الحسن والجمال ما لا تدركه الابصار فى هذه النشئة لضعف قوة المبصرة الدنيوية كما لا تدرك الابصار للذات فى هذه النشئة- وسيظهر حسنه وجماله فى الاخرة فيوسف عليه السلام وان سلم له فى الدنيا ثلثى الحسن- لكن فى الاخرة الحسن حسن محمّد صلى الله عليه وسلم والجمال جماله- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي يوسف أصبح وانا أملح والفرق بين الصباحة والملاحة عند المحققين كالفرق بين الشمس والقمر وبين الذهب والفضة شتان ما بينهما- كان حسن يوسف عليه السلام بحيث أحبه يعقوب والخلائق- وكان حسن محمّد صلى الله عليه وسلم بحيث أحبه «2» رب يعقوب والخلائق جل جلاله ما للتراب ورب الأرباب وإذا ثبت هذا علم ان الصوفي بعد فناء قلبه لا يشتغل قلبه بغير الله سبحانه- ولا يسع فى قلبه محبة أحد من الخلائق- لكن لا ينافى ذلك اشتغال قلبه بمحبة الأنبياء فان محبتهم عين محبة الله- عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحب اليه من والده وولده والناس أجمعين- متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان من كان الله ورسوله أحب اليه مما سواهما- متفق عليه فما قالت رابعة البصرية ان قلبى ممتلية من حب الله لا يسع فيه محبة محمّد صلى الله عليه وسلم خطأ ناش من غلبة السكر- واما ما قال المجدد رضى الله عنه فى بدو حاله أحب الله سبحانه لانه خلق محمّدا صلى الله عليه وسلم

_ (1) يوسف از شمه جمال او ... خوشه چين شد قسم بحال او منه رح [.....] (2) دل از عشق محمّد ص ريش دارم ... رقابت با خدائى خويش دارم منه رح

[سورة يوسف (12) : آية 85]

فهو ايضا ناش من السكر لكنه لا يخلو عن نوع من الاصالة والله اعلم- (مسئلة) فى هذه الاية دليل على جواز التأسف والبكاء عند المصيبة ما لم يكن معه نوحة وأمثال ذلك من ضرب الخدود وشق الجيوب وغيرها- فان التأسف والحزن لا يدخلان تحت التكليف فانه قل من يملك نفسه عند الشدائد- فى الصحيحين من حديث انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه ابراهيم- وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذر فان- فقال له عبد الرّحمن بن عوف وأنت يا رسول الله فقال يا ابن عوف انها رحمة ثم اتبعها اخرى- فقال ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضى ربّنا- وانا لفراقك يا ابراهيم لمحزونون- وفيهما من حديث اسامة بن زيد اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن بنت له ونفسه يتقعقع ففاضت عيناه فقال سعد يا رسول الله ما هذا- فقال هذه رحمة جعلها الله فى قلوب عباده فانما يرحم الله من عباده الرحماء- وفيهما من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار الى لسانه او يرحم- وان الميت ليعذب ببكاء اهله عليه- وفيهما من حديث ابن مسعود ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية- وفيهما عن ابى بردة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا بريء ممن حلق وصلق وخرق. قالُوا يعنى اخوة يوسف تَاللَّهِ تَفْتَؤُا اى لا تفتأ ولا تزال حذف لا لعدم الالتباس إذ لو كان اثباتا لم يكن بد من اللام والنون تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً اى مشرفا على الهلاك بسبب المرض او الهرم- والحرض فى الأصل محركة الفساد فى البدن وفى المذهب وفى العقل من الحزن او العشق او الهرم- والرجل الفاسد المريض والمشرف على الهلاك كذا فى القاموس- فهو مصدر ولذلك لا يؤنث ولا يجمع- وضع هاهنا موضع الصفة أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85) اى الميّتين. لَ يعقوب نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي البث أشد الحزن سمى بذلك لان صاحبه لا يصبر عليه غالبا حتّى يبثه اى ينشره وقال الحسن بثي يعنى حالى لَى اللَّهِ لا الى أحد منكم ومن غيركم فخلونى وشكايتى- قال البغوي روى انه دخل على يعقوب جار له فقال يا يعقوب مالى أراك قد انهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن

ما بلغ أبوك- فقال هشمنى وأفناني ما ابتلاني الله به من هم يوسف- فاوحى الله اليه يا يعقوب أتشكوني الى خلقى- فقال يا رب خطيئة اخطأتها فاغفرها لى فقال قد غفرتها لك- وكان بعد ذلك إذا سئل الَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ - وروى انه قيل له يا يعقوب ما الّذي اذهب بصرك وقوّس ظهرك- قال اذهب بصرى بكائي على يوسف وقوّس ظهرى حزنى على أخيه- فاوحى الله اليه أتشكوني وعزتى لا اكشف ما بك حتّى تدعونى- فعند ذلك الَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ - فاوحى الله تعالى اليه وعزتى لو كانا ميّتين لاخرجتهما لك- وانما وجدت عليك انكم ذبحتم شاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه منها شيئا- وان أحب خلقى الىّ الأنبياء ثم المساكين- فاصنع طعاما فادع عليه المساكين- فصنع طعاما ثم قال من كان صائما فليفطر الليلة عند ال يعقوب- وروى انه كان بعد ذلك إذا تغدى امر من ينادى من أراد الغداء فليأت يعقوب- وإذا أفطر امر من ينادى من أراد ان يفطر فليأت يعقوب- فكان يتغدى ويتعشى مع المساكين- وعن وهب بن منبه قال اوحى الله تعالى الى يعقوب تدرى لم عاقبتك وحبست عنك يوسف ثمانين سنة- قال لا يا الهى قال لانك شوّيت عناقا وقترت على جارك وأكلت ولم تطعمه- وروى ان سبب ابتلاء يعقوب انه ذبح عجلا بين يدى امه وهى تخور- وقال وهب والسدى وغيرهما اتى جبرئيل يوسف عليهما السلام فى السجن فقال هل تعرفنى ايها الصديق- قال ارى صورة طاهرة ورائحة طيبة- قال انى رسول رب العالمين وانا الروح الامين قال ما أدخلك مدخل المذنبين وأنت أطيب الطيبين ورأس المقربين وأمين رب العالمين- قال الم تعلم يا يوسف ان الله يطهر البيوت بطهر النبيين وان الأرض الّتي يدخلونها اطهر الأرضين- وان الله قد طهر بك السجن وما حوله يا اطهر الطاهرين وابن الصالحين المخلصين- قال كيف لى باسم الصديقين وتعدنى من المخلصين الطاهرين وقد ادخلت مدخل المذنبين وسميت باسم الفاسقين قال جبرئيل لانه لم تفتتن قلبك ولم تطع سيدتك فى معصية ربك- لذلك سماك الله فى الصديقين وعدّك من المخلصين وألحقك بآبائك الصالحين- فقال هل لك علم بيعقوب ايها الروح الامين قال نعم وهب الله له من الصبر الجميل وابتلاه بالحزن عليك فهو كظيم- قال فما قدر حزنه- قال حزن سبعين ثكلى- قال فماذا له من الاجر يا جبرئيل- قال اجر مائة شهيد- قال أفتراني ملاقيه قال

[سورة يوسف (12) : آية 87]

نعم- فطابت نفسه وقال ما أبالي ما لقيت ان رايته أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ من صنعه ومن رحمته فانه لا يخيّب داعيه ولا يدع الملتجئ اليه او من الله بنوع من الهام الا تَعْلَمُونَ (86) من حيوة يوسف- روى ان ملك الموت زار يعقوب فقال له ايها الملك الطيب ريحه الحسن صورته هل قبضت روح ولدي فى الأرواح- قال لافسكن يعقوب وطمع فى رؤيته- قيل يعنى اعلم انّ رؤيا يوسف صادقة وانى وأنتم سنسجد له- وقال السدىّ لما أخبره ولده بسير الملك احست نفس يعقوب وطمع وقال لعله يوسف- واخرج ابن ابى حاتم عن النصر بن عربى قال بلغني ان يعقوب عليه السلام مكث اربعة وعشرين عاما لا يدرى أحيّ يوسف أم ميّت- حتّى تمثل له ملك الموت فقال له من أنت قال انا ملك الموت- قال فانشدك باله يعقوب هل قبضت روح يوسف قال لا وعند ذلك قال. يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ التحسس تطلّب الاحساس يعنى تفحصوا فتعرفوا- وقال ابن عباس معناه التمسوا وَلا تَيْأَسُوا اى لا تقنطوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ اى من رحمة الله وقيل من فرح الله وتنفيسه إِنَّهُ اى الشأن لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87) بالله وصفاته فان العارف لا يقنط من رحمته فى شيء من الأحوال- فخرجوا راجعين الى مصر حتّى وصلوا إليها فدخلوا على يوسف. فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ شدة الجوع وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ قال ابن عباس كانت دراهم زيوفا ردية لا ينفق- روى عنه ابو عبيد وابن ابى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ- وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة- واخرج عن عكرمة سعيد بن منصور وابن المنذر وابو الشيخ اى دراهم قليلة- واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن عبد الله بن الحارث قال كان متاع الاعراب الصوف والسمن- وقيل من الصوف والأقط- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن ابى صالح قال كان حبة الخضراء والصنوبر- واخرج ابن النجار عن ابن عباس قال كان «1» سويق المقل- وقيل كانت الادم والنعال- واصل الإزجاء الدفع والسّوق منه قوله تعالى أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً اى يسوق- فيقال للدراهم الردية مزجاة لانها تدفع ولا تؤخذ-

_ (1) فى الأصل قال سويق المقل

[سورة يوسف (12) : آية 89]

وكذا للدراهم القليلة لانها تدفع ولا تؤخذ فى مقابلة المتاع العزيز- وكذا الغير الدراهم من الأشياء الردية لدفعها وعدم قبولها فى الثمن الا بتجوز من البائع فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ اى أعطنا كيلا كاملا كما كنت تعطينا قبل هذا بالثمن الجياد الوافي وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا بما بين الثمنين الجيد والردى ولا تنقصنا- كذا قال اكثر المفسرين- وقال ابن جريج والضحاك تصدّق علينا برد أخينا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) احسن الجزاء فى الدنيا والاخرة- والاجزاء والتصدق التفضل مطلقا- ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فى قصر الصلاة فى السفر هذه صدقة تصدق الله عليكم فاقبلوا صدقته- رواه البخاري لكنه اختص عرفا بما يبتغى به وجه الله والثواب- ومبنىّ على هذا العرف ما روى ان الحسن سمع رجلا يقول اللهم تصدّق علىّ- فقال ان الله لا يتصدّق انما يتصدق من يبتغى الثواب قل اللهم أعطني وتفضّل علىّ- قال الضحاك لم يقولوا ان الله يجزيك لانهم لم يعلموا انه مؤمن- قلت بل لانهم لم يعلموا انه يتصدق أم لا (فائدة) سئل سفيان بن عيينة هل حرمت الصدقة على نبى من الأنبياء سوى نبينا محمّد صلى الله عليه وسلم قال سفيان الم تسمع قوله تعالى وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ- كذا اخرج ابن جرير قلت استدل سفيان بهذه الاية على حل الصدقة على الأنبياء- ولا يتم الاستدلال الا إذا ثبت نبوة اخوة يوسف عليه السلام- فلما كلم اخوة يوسف بهذا الكلام أدركته الرّقة فارفض دمعه واظهر ما الّذي كان كتم و. قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ من الظلم وَأَخِيهِ من افراده من يوسف واذلاله حتّى كان لا يستطيع ان يتكلم بعجز وذلة- اى هل علمتم قبح ما فعلتم فتتوبوا عنه إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89) بقبحه فلذلك اقدمتم عليه- او هل علمتم عاقبة ما فعلتم- وانما قال ذلك تحريضا لهم على التوبة وشفقة عليهم لا معاتبة وتثريبا- يدل عليه قوله لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ كذا قال ابن إسحاق فى السبب الّذي حمل يوسف على هذا القول- وقال الكلبي انما قال ذلك حين حكى لاخوته ان مالك بن وعر قال انى وجدت غلاما فى بئر من حاله كيت وكيت فابتعته بكذا درهما- فقالوا ايها الملك نحن بعنا ذلك الغلام منه- فغاظ يوسف ذلك وامر بقتلهم فذهبوا بهم ليقتلوهم- فولى يهودا وهو يقول كان يعقوب يحزن ويبكى

[سورة يوسف (12) : آية 90]

لفقد واحد منا حتّى كف بصره فكيف إذا أتاه قتل بنيه كلهم- ثم قالوا له ان فعلت ذلك فابعث بامتعتنا الى أبينا فانه بمكان كذا وكذا- فذلك حين رحمهم وبكى وقال ذلك القول- وروى عن عبد الله بن يزيد ابن ابى فروة ان يعقوب لما سمع حبس بنيامين كتب كتابا الى يوسف على يد اخوته حين أرسلهم ثالثا- من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله الى ملك مصر- اما بعد فانا اهل بيت وكّل بنا البلاء- اما جدى ابراهيم فشدّت يداه ورجلاه والقى فى النار- فجعلها الله عليه بردا وسلاما- واما ابى فشدّت يداه ورجلاه ووضع السكين على قفاه ففداه الله- واما انا فكان لى ابن وكان أحب أولادي الىّ فذهب به اخوته الى البرية- ثم أتوني بقميصه ملطّخا بالدم وقالوا قد أكله الذئب فذهبت عيناى من البكاء عليه- ثم كان لى ابن وكان أخاه من امه وكنت اتسلّى به- وانك حبسته وزعمت انه سرق- وانّا اهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا- فان رددتّه علىّ والا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك- فلمّا قرا يوسف الكتاب لم يتمالك البكاء- فاظهر نفسه وقال هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ بما يؤل اليه امر يوسف- وقيل مذنبون عاصون وقال الحسن إذ أنتم شبان ومعكم جهل الشباب. قالُوا اى اخوة يوسف أَإِنَّكَ كذا قرا الجمهور على الاستفهام استفهام تقرير ولذلك حقق بانّ واللام وهم على أصولهم فى الهمزتين المفتوحة والمكسورة وقرا ابن كثير على الخبر انّك لَأَنْتَ يُوسُفُ قال ابن إسحاق كان يوسف يتكلم من وراء الحجاب- فلمّا قال هل علمتم ما فعلتم كشف عنه الغطاء ثم رفع الحجاب فعرفوه- قلت وهذا مستبعد يأتى عنه القصة المذكورة- وقال الضحاك عن ابن عباس لما قال هذا القول تبسم فراوا ثناياه كالدر المنظوم فشبهوه بيوسف- وقال عطاء عن ابن عباس ان اخوة يوسف لم يعرفوه حتّى وضع التاج عن رأسه وكان له فى قرنه علامة- وكان ليعقوب عليه السلام مثلها- ولاسحاق عليه السلام مثلها- ولسارة مثلها شبه الشامة- فعرفوه وقالوا انك لانت يوسف- وقيل قالوه على التوهم حتّى قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي من ابى وأمي بنيامين- انما ذكر أخاه وهم قد سالوه عن نفسه تعريفا لنفسه به وتفخيما لشأنه وادخالا له فى قوله قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بان جمعنا بالسلامة والكرامة إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ قرأ قنبل يتّقى بإثبات الياء وصلا ووقفا- والباقون بحذفها فى الحالين- يعنى من يتقى الله بأداء

[سورة يوسف (12) : آية 91]

الفرائض واجتناب المعاصي وَيَصْبِرْ على البليات والطاعات وعن المعاصي فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) فى الدنيا ولا فى الاخرة- وضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على ان المحسن من جمع بين التقوى والصبر-. قالُوا معتذرين تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ اختارك الله عَلَيْنا بحسن الصورة وكمال السيرة وسائر الفضائل الدنيوية والاخروية وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (91) والحال ان شأننا انا كنا مذنبين بها فعلنا بك- يقال خطا خطأ إذا تعمد بالذنب وأخطأ إذا كان غير متعمد. قالَ يوسف بغاية الحلم لا تَثْرِيبَ تفعيل من الثرب وهو الشحم الّذي يغشى الكرش بمعنى ازالة الثرب فاستعير للتقريع الّذي يمزق العرض ويذهب ماء الوجه عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ متعلق بالتثريب او بالمقدر للجار الواقع خبرا للاتثريب- والمعنى لا اثرب اليوم الّذي هو مظنته فما ظنكم بسائر الأيام بعد ذلك- او المعنى غفرت لكم بعد ما اعترفتم يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ذنوبكم وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) يعنى إذا غفرتكم وانا الفقير القتور- فما ظنكم بالغنى الغفور- فانه يغفر الصغائر والكبائر ويتفضل على التائب- قال البيضاوي ومن كرم يوسف انهم لما عرفوه- أرسلوا اليه وقالوا انك تدعونا بالبكرة والعشى الى الطعام ونحن نستحيى منك لما فرّط منافيك- فقال ان اهل مصر كانوا ينظرون الىّ بالعين الاولى ويقولون سبحان من بلّغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلّغ ولقد شرّفت بكم وعظّمت فى عيونهم- حيث علموا انكم إخوتي من حفدة ابراهيم عليه السلام- قال البغوي فلما عرّفهم يوسف نفسه سالهم عن أبيه فقال ما فعل ابى بعدي قالوا ذهبت عيناه فاعطاهم قميصه ودعا أباه وقال. اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً اى يرجع الىّ بصيرا- او المعنى يصير بصيرا- قال الحسن لم يعلم انه يعود بصيرا الا بعد ان اعلمه الله- قال الضحاك كان ذلك القميص من نسيج الجنة وعن مجاهد امره جبرئيل ان يرسل اليه قميصه- وكان ذلك القميص قميص ابراهيم عليه السلام- وذلك انه جرد ثيابه والقى فى النار عريانا- فاتاه جبرئيل بقميص من حرير الجنة فالبسه إياه فكان ذلك عند ابراهيم عليه السلام- فلما مات ورثه إسحاق فلما مات

[سورة يوسف (12) : آية 94]

ورثه يعقوب فلما شبّ يوسف جعل يعقوب ذلك القميص فى قصبة وشد رأسها وعلقها فى عنقه- لما كان يخاف عليه من العين وكان لا يفارقه- فلما القى فى البئر عريانا جاءه جبرئيل عليه السلام وعلى يوسف عليه السلام ذلك التعويذ- فاخرج القميص منه والبسه إياه- ففى هذا الوقت جاء جبرئيل عليه السلام وقال أرسل ذلك القميص- فان فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلىّ ولا سقيم إلا عوفي- فدفع يوسف ذلك القميص الى اخوته وقال فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً- قلت وإذا ثبت بكشف المجدد رضى الله عنه ان حسن يوسف ووجوده كان من جنس الأشياء الموجودة فى الجنة- فحينئذ لا حاجة الى ثبوت كون قميصه من نسيج الجنة ولاجل ذلك كان يعافى به المبتلى بل يكفى فى ذلك كون القميص ملبوسا ليوسف فان وجود يوسف كان من جنس أشياء الجنة والله اعلم- وَأْتُونِي أنتم وابى بِأَهْلِكُمْ بنسائكم وذراريكم ومواليكم أَجْمَعِينَ (93) . وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ الّتي فيها قميص يوسف من مصر وخرجت من عمرانها الى كنعان قالَ أَبُوهُمْ يعقوب عليه السلام لمن حضره إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ فيه دليل على ان ريح الجنة كان من يوسف نفسه لا من قميصه- والا لقال ريح قميص يوسف- قال البغوي روى ان ريح الصبا استأذنت ربها فى ان يأتى يعقوب بريح يوسف قبل ان يأتيه البشير- قال مجاهد أصاب يعقوب ريح يوسف من مسيرة ثلاثة ايام- وحكى عن ابن عباس من مسيرة ثمان ليال- وقال الحسن كان بينهما ثمانون فرسخا- وقيل هبت ريح فاحتملت ريح القميص الى يعقوب- فوجد ريح الجنة فعلم ان ليس فى الأرض من ريح الجنة الا ما كان من ذلك القميص- فلذلك قال إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) اى لولا تنسبونى الى الفند وهو نقصان عقل يحدث من هرم- ولذلك لا يقال عجوز مفنّدة لان نقصان عقلها ذاتى- وجواب لولا محذوف تقديره لصدقتمونى او لقلت انه قريب. قالُوا يعنى من حضره تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) اى فى ذهابك عن الصواب قديما بالإفراط فى محبة يوسف وإكثار ذكره وتوقع لقائه-. فَلَمَّا ان زائدة جاءَ الْبَشِيرُ من عند يوسف قال ابن مسعود جاء البشير

[سورة يوسف (12) : آية 97]

بين يدى العير- وقال ابن عباس هو يهودا- قال السدىّ قال يهودا انا ذهبت بالقميص ملطّخا بالدم الى يعقوب فاخبرته ان يوسف أكله الذئب- فانا اذهب اليوم بالقميص فاخبره انه حىّ- فافرّحه كما احزنته- قال ابن عباس حمله يهودا وخرج حافيا حاسرا يعدو ومعه سبعة ارغفة لم يستوف أكلها حتّى اتى أباه وكانت المسافة ثمانين فرسخا- وقيل البشير مالك بن وعر أَلْقاهُ القى البشير قميص يوسف عَلى وَجْهِهِ اى وجه يعقوب فَارْتَدَّ بَصِيراً فعاد بصيرا بعد ما كان أعمى وعادت قوته بعد الضعف وشبابه بعد الهرم قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي فتح الياء نافع وابن كثير وابو عمرو وأسكنها الباقون أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ «1» ما لا تَعْلَمُونَ (96) من حيوة يوسف وان الله يجمع بيننا- وقيل إِنِّي أَعْلَمُ كلام مبتدا والقول لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ- وإِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ- قال البغوي روى انه قال للبشير كيف يوسف قال انه ملك مصر فقال يعقوب ما اصنع بالملك على اى دين تركته قال على الإسلام قال الان تمت النعمة. قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (97) اى سل الله مغفرة ما ارتكبنا فى حقك وحق ابنك انا تبنا واعترفنا بخطائنا. قالَ يعقوب سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي فتح الياء نافع وابو عمرو وأسكنها الباقون- قال اكثر المفسرين اخّر الدعاء الى السحر- فانه ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر- يقول من يدعونى فاستجيب له من يسئلنى فاعطيه من يستغفرنى فاغفر له متفق عليه من حديث ابى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم- فلما انتهى يعقوب الى الموعد قام الى الصلاة بالسحر فلما فرغ منها رفع يديه الى الله عزّ وجلّ ثم قال اللهم اغفر لى جزعى على يوسف وقلة صبرى عنه واغفر لولدى ما أتوا الى أخيهم يوسف فاوحى الله اليه انى قد غفرت لك ولهم أجمعين- وعن عكرمة عن ابن عباس سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ يعنى ليلة الجمعة- وقال وهب كان يستغفر لهم فى كل ليلة جمعة فى نيف وعشرين سنة- وقال طاءوس اخر الدعاء الى السحر من ليلة الجمعة فوافق ليلة عاشوراء- وقال الشعبي قال سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي يعنى اسئل يوسف ان عفا عنكم استغفرت لكم ربى- فانّ عفو المظلوم شرط لمغفرة الله تعالى- وقيل اخر الدعاء الى ان يتعرف حالهم فى صدق التوبة إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)

_ (1) ليس فى الأصل من الله

[سورة يوسف (12) : آية 99]

قال النووي روى ان يوسف بعث مع البشير الى يعقوب مائتى راحلة وجهازا كثيرا ليأتوا بيعقوب واهله وولده- فتهيّا للخروج الى مصر فخرجوا وهم اثنان وسبعون بين رجل وامراة- وقال مسروق كانوا ثلاثة وتسعين- فلما دنا من مصر كلم يوسف الملك الّذي فوقه- فخرج يوسف والملك فى اربعة آلاف من الجند وركب اهل مصر معهما يلقون «1» يعقوب وكان يعقوب يمشى وهو يتوكا على يهودا فنظر الى الخيل والناس فقال يا يهودا هذا فرعون مصر قال لا هذا ابنك. فَلَمَّا دَخَلُوا اى يعقوب واهله عَلى يُوسُفَ قلت لعل يوسف حين خرج من مصر لاستقبال يعقوب عليه السلام نزل فى مضرب او قصر كان له ثمه فدخلوا عليه هناك- وقال البغوي فلما دنا كل واحد منهما صاحبه ذهب يوسف يبدؤه بالسلام فقال جبرئيل لا حتّى يبدا يعقوب بالسلام- قلت لعل هذا لاجل محبوبية الله الّتي ظهرت فى يوسف- فقال يعقوب عليه السلام السلام عليك يا مذهب الأحزان آوى إِلَيْهِ اى ضم اليه أَبَوَيْهِ قال اكثر المفسرين هو أبوه وخالته ليّا- نزّلها منزلة الام تنزيل العم منزلة الأب فى قوله تعالى آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ- او لان يعقوب تزوجها بعد امه والرابّة تدعى امّا- وكانت أم يوسف قد ماتت فى نفاس بنيامين- وقال الحسن هو أبوه وامه وكانت حية- وفى بعض التفاسير ان الله أحيا امه حتّى جاءت مع يعقوب الى مصر- قال البغوي روى ان يوسف ويعقوب نزلا وتعانقا وقال الثوري عانق كل واحد منهما صاحبه وبكيا- فقال يوسف يا أبت بكيت علىّ حتّى ذهب بصرك الم تعلم ان القيامة يجمعنا- قال بلى يا بنى ولكن خشيت ان تسلب دينك فيحال بينى وبينك وَقالَ يوسف بعد ما لقيهم خارج مصر ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) من الجواز لانهم كانوا لا يدخلون مصر قبله الا بجواز من ملوكهم- ومن القحط واصناف المكاره- والمشية متعلقة بالدخول المكيف بالأمن كما فى قوله تعالى لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ- وقيل ان هاهنا بمعنى إذ اى إذ شاء الله كما فى قوله تعالى وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ اى إذ كنتم- وقيل فى الاية تقديم وتأخير والاستثناء يرجع الى الاستغفار وهو قول يعقوب لبنيه سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ان شاء الله-. وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ اى أجلسهما على السرير- والرفع هو النقل

_ (1) فى الأصل ملقون-

من السفل الى العلو وَخَرُّوا يعنى أبوي يوسف واخوته لَهُ سُجَّداً لم يرد بالسجود وضع الجباه على الأرض انما هو الانحناء والتواضع يعنى تواضعوا ليوسف- وقيل وضعوا الجباه على الأرض وكان ذلك على طريق التحيّة والتعظيم لا على طريق العبادة- وكانت تحيّة الناس يومئذ السجود- وكان ذلك جائزا فى الأمم السابقة فنسخت فى هذه الشريعة- وروى عن ابن عباس انه قال معناه خروا لله سجدا شكرا بين يدى يوسف والضمير فى له يرجع الى الله- قلت كانّ يوسف جعل قبلة بإذن الله تعالى كالكعبة لنا- وكما جعل آدم قبلة للملائكة حين أمروا بالسجود له- وقيل معناه خَرُّوا لَهُ اى لاجل يوسف ولقائه سجد الله تعالى شكرا والاول أصح والرفع مؤخر عن الخرور وان قدم لفظا للاهتمام بتعظيمه لهما وَقالَ يوسف عند ذلك يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ الّتي رايتها فى ايام الصبا إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ ... قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا صدقا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي فتح الياء نافع وابو عمرو وأسكنها الباقون يعنى قد أنعم علىّ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ولم يذكر الجب مع كونه أشد من السجن استعمالا للكرم كيلا يخجل اخوته بعد ما قال لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ- ولان نعمة الله فى إخراجه من السجن أعظم لان بعد خروجه من الجب صار الى العبودية والرق وابتلى بمكر النساء- وبعد خروجه من السجن صار ملكا وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ البدو بسيط من الأرض يسكنه اهل المواشي بما شيتهم وكانوا اهل بادية والمواشي مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي فتح الياء ورش وأسكنها الباقون- اى أفسد بيننا بالحسد وجرش من نزغ الرابض الدابة إذا نحنها وحملها على الجري إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ تدبيره لِما يَشاءُ إذ ما من صعب الا وينفذ مشيته به ويتسهل دونها- وقال البغوي ذو لطف- وحقيقة اللطيف الّذي يوصل الإحسان الى غيره بالرفق إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بوجوه المصالح والتدابير الْحَكِيمُ (100) الّذي يفعل كل شيء فى وقت وعلى وجه يقتضيهما الحكمة- قال البيضاوي روى ان يوسف طاف بابيه عليهما السلام فى خزائنه- فلما دخل خزينة القرطاس قال يا بنى ما اغفاك عندك هذه القراطيس وما كتبت الىّ على ثمان مراحل

[سورة يوسف (12) : آية 101]

قال أمرني جبرئيل عليه السلام قال او ما تسئله قال أنت ابسط منى اليه فساله- فقال جبرئيل عليه السلام الله أمرني بذلك «1» لقولك وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ قال الله فهلا خفتنى- قال البغوي قال اهل التاريخ اقام يعقوب بمصر عند يوسف أربعا وعشرين سنة فى أغبط حال واهنا عيش ثم مات بمصر- فلما حضرته الوفاة اوصى الى يوسف ان يحمل جسده حتّى يدفنه عند أبيه إسحاق- ففعل يوسف ومضى به حتّى دفنه بالشام ثم انصرف الى مصر- اخرج احمد فى الزهد عن مالك ان يعقوب لما ثقل قال لابنه يوسف ادخل يدك تحت صلبى واحلف لى برب يعقوب لتدفننى مع ابائى قد اشتركتهم فى العمل فاشركنى معهم فى قبورهم- فلمّا توفى يعقوب فعل ذلك يوسف حتّى اتى به ارض كنعان فدفنه معهم- قال سعيد بن جبير نقل يعقوب فى تابوت من ساج الى بيت المقدس فوافق ذلك يوم مات عيص فدفنا فى قبر واحد وكانا ولدا فى بطن واحد وكان عمرهما مائة وسبعة وأربعين سنة- فلما جمع الله ليوسف شمله علم ان نعيم الدنيا لا يدوم سال الله حسن العاقبة فقال. رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ اى بعض الملك وهو ملك مصر والملك اتساع المقدور لمن له السياسة والتدبير وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ اى والرؤيا ومن هذا ايضا للتبعيض لانه لم يؤت كل التأويل وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ... فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى خالقهما ومبدعهما وانتصابه على انه صفة المنادى او منادى برأسه أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ يعنى ناصرى ومتولى أموري فيهما- او الّذي يتولانى بالنعمة فيهما ويوصل الملك الفاني بالملك الباقي تَوَفَّنِي اى اقبضنى إليك مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) اى بالنبيين فان كمال الصلاح بالعصمة وهى مختصة بالأنبياء- قال قتادة لم يسئل نبى من الأنبياء الموت الا يوسف- وفيه نظر فان النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم الرفيق الأعلى- وعن عائشة قالت كنت اسمع انه لا يموت نبى حتّى يخيّر بين الدنيا والاخرة- قالت أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحّة شديدة فى مرضه فسمعته يقول مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فظننت انه خيّر- رواه الشيخان فى الصحيحين وابن سعد- وفى القصة

_ (1) فى الأصل الله أمرني بذلك الله-

انه لما جمع الله تعالى ليوسف شمله وأوصل اليه أبويه واهله اشتاق الى ربه فقال هذه المقالة- قال الحسن عاش بعد هذا سنين كثيرة- وقال غيره لما قال هذا لم يمض عليه أسبوع حتّى توفى قال البغوي اختلفوا فى مدة غيبة يوسف عن أبيه قال الكلبي اثنان وعشرون سنة- وقيل أربعون سنة- وقال الحسن القى يوسف فى الجب وهو ابن سبع عشرة- وغاب عن أبيه ثمانين سنة- وعاش بعد لقاء يعقوب ثلاثا وعشرين سنة- ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة- وفى التورية مائة وعشر سنين- وولد ليوسف من امراة العزيز ثلاثة أولاد افرائيم وميشار وكان من أولاد افرائيم يوشع بن نون صاحب موسى عليه السلام) ورحمت بنت يوسف امراة أيوب المبتلىّ عليهم السلام- وقيل عاش يوسف بعد أبيه ستين سنة وقيل اكثر- واختلفت الأقاويل فيه وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة- فدفنوه فى النيل فى صندوق من رخام- وذلك انه لما مات تشاح الناس فيه فطلب اهل كل محلة ان يدفن فى محلتهم رجاء بركته- حتّى هموا بالقتال فراوا ان يدفنوه فى النيل حيث يتفرق الماء بمصر ليجرى الماء عليه ويصل بركته الى جميعهم- وقال عكرمة دفن فى الجانب الايمن من النيل فاخصب ذلك الجانب واجدب الجانب الاخر- فنقل الى الجانب الأيسر فاخصب ذلك الجانب واجدب الجانب الاخر فدفنوه فى وسطه- وقدّروا ذلك سلسلة فاخصب الجانبان الى ان أخرجه موسى فدفنوه بقرب ابائه بالشام- اخرج ابن إسحاق وابن ابى حاتم عن عروة بن الزبير قال ان الله حين امر موسى بالسير ببني إسرائيل امره ان يحتمل معه عظام يوسف- وان لا يخلفها بأرض مصر وان يسير بها معه حتّى يضعها بالأرض المقدسة- فسال موسى عمن يعرف قبره فما وجد الا عجوزا من بنى إسرائيل- فقالت يا نبى الله انى اعرف مكانه ان أنت أخرجتني معك ولم تخلفنى بأرض مصر دللتك عليه- قال افعل وقد كان موسى وعد بنى إسرائيل ان يسير بهم إذا طلع القمر- فدعا ربه ان يؤخر طلوعه حتّى يفرغ من امر يوسف- ففعل فخرجت به العجوز حتّى ارته «1» إياه فى ناحية من النيل فى الماء- فاستخرجه موسى صندوقا من مرمر فاحتمله ولقد توارث الفراعنة من العماليق بعد يوسف مصر ولم يزل بنوا إسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف حتّى بعث الله موسى عليه السلام وأهلك على يده فرعون-

_ (1) فى الأصل حتّى آراه-

[سورة يوسف (12) : آية 102]

ذلِكَ الّذي ذكرت من قصة يوسف مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ يا محمّد وَما كُنْتَ يا محمّد لَدَيْهِمْ عند بنى يعقوب إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ اى عزموا ان يلقوا يوسف فى غيابت الجب وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) بيوسف- هذا كالدليل على كونه يوحى اليه يعنى لا يخفى على مكذبيك انك ما كنت عند أولاد يعقوب وما لقيت أحدا يعلم ذلك حتّى سمعت القصة منه- انما حذف هذا الشق استغناء بذكره فى غير هذه القصة- كقوله تعالى ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا- قال البغوي روى ان يهود وقريشا سالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف فلما أخبرهم على موافقة التورية لم يسلموا فحزن النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فانزل الله تعالى. وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ يا محمّد على ايمانهم وبالغت فى اظهار الآيات عليهم بِمُؤْمِنِينَ (103) لما قضى الله تعالى عليهم بالكفر والنار. وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ اى على الانباء او القران مِنْ أَجْرٍ جعل إِنْ هُوَ اى القران إِلَّا ذِكْرٌ عظة من الله لِلْعالَمِينَ (104) عامة حجة على من لم يؤمن وبصيرة ورحمة لمن أمن به-. وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ وكثير من اية أصله كاىّ عدد شئت من الدلائل الدالة على وجود الصانع وحكمته وكمال قدرته وتوحيده فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ اى الكفار عَلَيْها اى على تلك الآيات ويشاهدونها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (105) اى والحال انهم يعرضون عنها- يعنى انهم يرون اثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر ولا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها. وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ اى يقرّون بوجوده وخالقيته إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) يعنى فى حال من الأحوال الا فى حال اشراكهم فى العبادة غيره تعالى به- فانهم كانوا إذا سئلوا من خلق السموات والأرض قالوا الله- وإذا سئلوا من ينزل من السماء ماء قالوا الله- ومع ذلك كانوا يعبدون الحجارة و «1» يقولون مطرنا بنوء كذا- وعن ابن عباس انه قال انها نزلت فى تلبية المشركين من العرب كانوا يقولون فى تلبيتهم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك- وقال عطاء هذا فى الدعاء حيث نسوا ربهم فى الرخاء- فاذا أصابهم البلاء أخلصوا الدعاء فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ

_ (1) فى الأصل ويقول-

[سورة يوسف (12) : آية 107]

مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ- وفى نحو ذلك من الأحوال- وقيل معناه إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ باتخاذ الأحبار أربابا مطاعا فى خلاف ما امر الله به- او مشركون بنسبة التبني اليه تعالى- او القول بالنور والظلمة- ومن جملة الشرك ما يقوله القدرية من اثبات قدرة الخلق للعبد- وانما التوحيد ما يقوله اهل السنة لا خالق الا الله- بل النظر الى الأسباب مع الغفلة عن المسبب ينافى التوحيد- فالموحدون هم الصوفية. أَفَأَمِنُوا يعنى انسوا ربهم فامنوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ اى عقوبة تغشاهم وتشملهم كائنة مِنْ عَذابِ اللَّهِ قال قتادة وقيعة وقال الضحاك يعنى الصواعق والقوارع أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ المشتملة على عذاب جهنم بَغْتَةً فجاءة من غير سابقة علم وعلامة على تعين وقته وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107) بإتيانها غير مستعدين لها استفهام انكار يعنى لا ينبغى لهم ذلك النسيان والا من- قال ابن عباس يهيج الصيحة بالناس وهم فى أسواقهم وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا فلا يتبايعانه ولا يطويانه الحديث- وقد مر الحديث وما فى الباب فى سورة الأعراف فى تفسير قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها الى قوله لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً-. قُلْ يا محمّد هذِهِ الدعوة الى التوحيد والاعداد للمعاد سَبِيلِي سنتى ومنهاجى- والسبيل يذكر ويؤنث كالطريق ثم فسّر السبيل بقوله أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ اى الى الايمان بوجوده ووحدانيته وتنزيهه عما لا يليق به وابتغاء درجات قربه عَلى بَصِيرَةٍ اى على يقين ومعرفة- اى لست من الخراصين الذين يقولون بأشياء من غير علم- او المعنى على بصيرة اى بيان وحجة واضحة غير عمياء أَنَا تأكيد للمستتر فى ادعوا- او فى على بصيرة لانه حال منه- او مبتدا خبره على بصيرة وَمَنِ اتَّبَعَنِي عطف عليه اى من أمن بي وصدّقنى فهو ايضا يدعوا الى الله- قال الكلبي وابن زيد حق على من تبعه ان يدعو الى ما دعا اليه ويذكر القران- او المعنى انا وكل من تبعني فهو على بصيرة- قال ابن عباس يعنى به اصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم كانوا على احسن طريقة واقصه

[سورة يوسف (12) : آية 109]

هداية معدن العلم وكنز الايمان وجند الرّحمن- وقال ابن مسعود من كان مستنّا فليستنّ بمن قد مات أولئك اصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الامة أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم كانوا على الهدى المستقيم وَسُبْحانَ اللَّهِ عطف على ادعوا يعنى ادعوا الى الله وانزّهه تنزيها من الشركاء وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) . وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ يا محمّد إِلَّا رِجالًا لا ملائكة رد لقولهم لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ... نُوحِي إِلَيْهِمْ كما نوحى إليك وبذلك امتازوا عن غيرهم- قرأ حفص هنا وفى النحل والاول من الأنبياء بالنون وكسر الحاء على التكلم والبناء للفاعل والباقون بالياء وفتح الحاء على الغيبة والبناء للمفعول مِنْ أَهْلِ الْقُرى يعنى من اهل الأمصار لكونهم اعقل واعلم واحلم دون اهل البوادي لغلظهم وجفائهم- قال الحسن نظرا الى هذه الاية لم يبعث الله نبيا من بدو ولا من الجن ولا من النساء- قلت لا دليل فى الاية على نفى النبوة من الجن- فانه تعالى قال كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ وايضا الكلام فى بعث الرسل الى الانس- وذلك لا يقتضى عدم إرسال الجن الى الجن- وقد قال الله تعالى قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا ... أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يعنى هؤلاء المشركون المكذّبون فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ امر الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من المكذّبين بالرسل والآيات فيعتبروا ويحذروا تكذيبك- او من المستغرقين بالدنيا المتهالكين عليها فينقلعوا عن حبها وَلَدارُ الْآخِرَةِ اى دار الحالة الاخرة او الساعة الاخرة او الحيوة الاخرة خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك والمعاصي يقول الله تعالى- هذا ما فعلنا باهل ولايتنا وطاعتنا ان ننجيهم عند نزول العذاب فى الدنيا- وما فى الدار الاخرة لهم خير- فترك ما ذكر اكتفاء بدلالة الكلام عليه أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) اى «1» تستعملون عقولكم لتعرفوا انها خير- قرا نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة-

_ (1) فى الأصل اى يستعملون عقولهم ليعرفوا-

[سورة يوسف (12) : آية 110]

حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ عامة لما دل عليه وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا اى فتراخى نصرهم حتّى إذا استيئسوا- وقال البيضاوي غاية لمحذوف دل عليه الكلام تقديره لا يغررهم تمادى ايّامهم- فان من قبلهم أمهلوا حتّى إذا استيئس الرسل من ايمان قومهم لانهماكهم فى الكفر مترفين متمادين فيه من غير سوء وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قرا الكوفيون وابو جعفر بتخفيف الذال- وكانت عائشة تنكر هذه القراءة نظرا الى ظاهر معناه انهم ظنوا أخلفوا ما وعدهم الله لكن القراءة متواترة وان لم تسمعها عائشة من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغها متواترا- والمعنى ظنوا اى الرسل انهم قد كذبوا اى كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم انهم ينصرون- او كذبهم القوم بوعد الايمان- او المعنى وظنوا اى المرسل إليهم انهم اى الرسل قد كذبوهم بالدعوة والوعيد- او المعنى ظن المرسل إليهم ان الرسل قد كذبوا وأخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم- وقال البغوي وروى عن ابن عباس ان معناه ضعف قلوب الرسل يعنى وظنت الرسل انهم قد كذبوا فيما وعدوا من النصر وكانوا بشرا وظنوا انهم أخلفوا ثم تلا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ- وهذا المعنى هو الّذي أنكرته عائشة- قال البيضاوي ان صح هذه الرواية يعنى عن ابن عباس فالمراد بالظن ما يهجس فى القلب طريق الوسوسة قال الطيبي الرواية صحيحة فقد رواه البخاري والظاهر ان المراد بالآية المبالغة فى التراخي والامهال على سبيل التمثيل- وقرا غير الكوفيين بالتشديد- والمعنى وظنت يعنى أتقنت الرسل ان القوم قد كذبوهم فيما اوعدوهم تكذيبا لا يرجى ايمانهم بعده- كذا قال قتادة وقال بعضهم معناه حتّى إذا استيئس الرّسل ممن كذبهم من قومهم ان يصدقوهم وظنوا ان من أمن بهم منهم قد كذبوا وارتدوا عن ايمانهم لشدة المحنة والبلاء واستبطاء النصر جاءَهُمْ اى الرسل نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ قرا ابن عامر وعاصم ويعقوب بنون واحدة وتشديد الجيم وفتح الياء على لفظ الماضي المبنى للمفعول من التفعيل- فيكون محل من مرفوعا- والباقون بنونين وتخفيف الجيم وسكون «1» الياء على لفظ المضارع المتكلم من الافعال ومن حينئذ فى محل النصب والمراد من نشاء النبي والمؤمنون- وانما لم يعينهم ليدل على انهم هم الذين يستأهلون ان نشآء نجاتهم لا يشاركهم فيه غيرهم ولا يذهب الوهم الى غيرهم وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عذابنا

_ (1) فى الأصل وسكونها-

[سورة يوسف (12) : آية 111]

عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) إذا نزل بهم وفيه بيان المشيتين- قلت ويمكن ان يكون المراد بمن نشاء بعض المؤمنين فان بعضهم قد يهلكون بمجاورة الكافرين قال الله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً-. لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ اى فى قصص الأنبياء وأممهم اوفى قصة يوسف واخوته عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ اى لذوى العقول السليمة المبراة عن شوائب الانف والركون الى الحسّ- حيث نقل من غيابة الجب الى غيابة الحب- ومن الحصير الى السرير فصارت عاقبة الصبر السلامة والكرامة- ونهاية المكر الخزي والندامة ما كانَ القران حَدِيثاً يُفْتَرى اى يختلق وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من التورية والإنجيل والزبور وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ مما يحتاج اليه العباد فى الدين- إذ ما من امر دينى الا وله سند من القران بوسط او بغير وسط- فان ما كان ثابتا بالسنة فقد قال الله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ- وقال أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ- وقال ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا - ونحو ذلك وما كان ثابتا بالإجماع فقد قال الله تعالى وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى الاية- وما كان ثابتا بالقياس فقد قال الله تعالى فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ وَهُدىً من الضلال وَرَحْمَةً ينال بها خير الدارين لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) اى يصدقونه خصوا بالذكر لانتفاعهم به دون غيرهم- وما نصب بعد لكن معطوف على خبر كان- قال الشيخ ابو منصور فى ذكر قصة يوسف واخوته تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أذى قريش كانه يقول ان اخوة يوسف مع كونهم موافقا له فى الدين وكانوا أبناء رجل واحد- عملوا بيوسف ما عملوا من الكيد والمكر وهم يعلمون قبح صنيعهم فصبر يوسف على ذلك وعفا عنهم- فانت أحق ان تصبر على أذى قومك فانهم كفار جهال لا يعلمون قبح صنيعهم- وقال وهب ان الله تعالى لم ينزل كتابا الا وفيه سورة يوسف تامة كما هى فى القران والله اعلم تمت سورة يوسف مستهل صفر من السنة 1202 الثانية بعد الف ومائتين ويتلوه سورة الرعد ان شاء الله تعالى.

فهرس تفسير سورة الرعد من التفسير المظهرى

فهرس تفسير سورة الرعد من التفسير المظهرى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ صفحه مضمون 4 حديث عم الرجل صنوابيه- 8 مسئلة اقل مدة الحمل وأكثرها- 9 مسئلة أعلى عدد الولد فى بطن- حديث يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل 10 وملائكة بالنهار الحديث- 13 حديث الرعد ملك مؤكل بالسحاب 13 ما يقال عند سماع الرعد- حديث قال ربكم لو ان عبادى أطاعوني لاسقيتهم المطر بالليل واطلعت عليهم 14 الشّمس بالنهار ولما اسمعتهم صوت الرعد- 35 21 ما ورد فى صلة الرحم- 36 حديث إذا عملت سيئة فاتبعها حسنة 22 تمحها ونحو ذلك- 22 حديث إذا عملت سيئة فاحدث عندها توبة- 37 حديث يا رسول الله ان لى قرابة أصلهم 22 ويقطعونى الحديث- ما ورد فى دخول الملائكة على المؤمنين 24 فى الجنة بالتحف والسلام- 25 ما ورد فى البغي وقطع الرحم- حديث لا يجتمعان يعنى الخوف والرجاء فى قلب عبد الا أعطاه الله ما يرجو 27 وامنه مما يخاف- 27 ما ورد فى طوبى شجرة فى الجنة- بحث القضاء المبرم والمعلق وما يمحى وما يثبت منه وما ورد فى الباب 35 من الأحاديث- 36 قصة ملا طاهر اللاهورى المجددى- حديث يؤتى الرجل فيقال اعرضوا عليه صغائر ذنوبه ويخبى عنه كبائرها ثم 37 يعطى بكل سيئة حسنة- ما ورد فى اللوح المحفوظ ولوح المحو 38 والإثبات.

سورة الرعد

سورة الرّعد مكيّة وآياتها ثلاث وأربعون ربّ يسّر وتمّم بالخير «1» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الاضافة بمعنى من وأراد بالكتاب السورة او القران وتلك اشارة الى آياتها- اى تلك الآيات آيات السورة الكاملة او القران وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعنى القران كله ومحله الجر عطفا على الكتاب عطف العام على الخاص ان كان المراد بالكتاب السورة- او عطف احدى الصفتين على الاخرى ان كان المراد به القرآن وقوله الْحَقُّ خبر مبتدا محذوف اى هو الحق لا ريب فيه- او محل الموصول الرفع بالابتداء والحق خبره- والجملة كالحجة على الجملة الاولى- فان قيل تعريف الخبر يدل على اختصاص المنزل بكونه حقّا- مع ان السنة والإجماع والقياس كل منها حق يفيد الحق- قلنا المراد بما انزل أعم من المنزل صريحا او ضمنا مما نطق المنزل بحسن اتباعه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) لاخلالهم النظر والتأمل فيه- قال مقاتل نزلت فى مشركى مكة حين قالوا ان محمّدا صلى الله عليه وسلم تقوّله من تلقاء نفسه- فرد قولهم وبين دلائل توحيده-. اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ مبتدا وخبر- او الموصول صفة والخبر يدبر بِغَيْرِ عَمَدٍ جمع عماد كاهاب وأهب او عمود كاديم وآدم- يعنى أساطين حال من

_ (1) الخطبة من الناشر-

[سورة الرعد (13) : آية 3]

السموات تَرَوْنَها صفة لعمد او استيناف للاستشهاد برؤيتهم السموات- كذلك وهو دليل على وجود الصانع الحكيم- فان ارتفاعها على سائر الأجسام المتساوية لها فى الحقيقة الجسمية- واختصاصها بما يقتضى ذلك- لا بد ان يكون من مخصّص ليس بجسم ولا جسمانى- رجح بعض الممكنات على بعض بإرادته- وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وقد مر البحث عنه فى سورة يونس وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ اى ذلّلهما لما أراد منهما كالحركة المستمرة على حد من السرعة ينفع للحوادث اليومية كُلٌّ منهما يَجْرِي فى السماء الدنيا لِأَجَلٍ مُسَمًّى لمدة معينة يتم فيها أدواره- او لغاية معلومة وهو وقت فناء الدنيا يُدَبِّرُ الْأَمْرَ اى يقضى امر ملكوته من الإيجاد والاعدام والاحياء والاماتة وغير ذلك يُفَصِّلُ الْآياتِ ينزلها او يبينها مفصلة- او يحدث الدلائل واحدا بعد واحد لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) لكى تفكروا فيها وتعلموا كمال قدرته- فتعلموا ان من قدر على خلق هذه الأشياء وتدبيرها قادر على الاعادة والجزاء. وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ بسطها ليثبت عليها الاقدام وينقلب عليها الحيوان وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ جمع راسية اى جبالا ثابتة من رسى الشيء إذا ثبت- والتاء للتأنيث على انها صفة اجبل او للمبالغة- قال ابن عباس كان ابو قبيس أول جبل وضع على الأرض وَأَنْهاراً ضمها الى الجبال وعلق بهما فعلا واحدا من حيث ان الجبال اسباب لتولّدها وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ متعلق بقوله جَعَلَ فِيها اى جعل فى الأرض جميع انواع الثمرات زَوْجَيْنِ صنفين اثْنَيْنِ الجيد والردى قلت يمكن ان يكون المراد بها تنوعها على اقسام شتّى أدناها اثنان يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ اى يلبسه مكانه فيصير الجو مظلما بعد ما كان مضيئا ويصير مضيئا بعد ما كان مظلما- قرا حمزة والكسائي وابو بكر يغشّى بالتشديد إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) فيها فان تكوّنها وتخصيصها بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبر أمرها وهيّأ أسبابها-. وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ متقاربات بعضها طيبة وبعضها سبخة

وبعضها رخوة وبعضها صلبة- وبعضها يصلح للزرع دون الشجر وبعضها بالعكس- وبعضها قليلة الريع وبعضها كثيرة- ولولا تخصيص قادر يفعل ما يشاء على ما أراد لم يختلف لاشتراك تلك القطع فى طبيعة الأرض وما يلزمها ويعرض لها بتوسط الأسباب السماوية من حيث انها متضامة متشاركة فى النسب والأوضاع وَجَنَّاتٌ بساتين مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وحّدها لكونها مصدرا فى الأصل وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ اى نخلات أصولها واحد جمع صنو كقنوان جمع قنو- ولا فرق بين تثنيتهما وجمعهما الا بان النون فى التثنية مكسورة بلا تنوين وفى الجمع منونة- ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فى العباس ان عم الرجل صنو أبيه وَغَيْرُ صِنْوانٍ متفرقات مختلفة الأصول- قرا ابن كثير وابو عمرو وحفص زَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ برفع الاربعة عطفا على جنّت والباقون بجرها عطفا على أعناب يُسْقى قرا عاصم وابن عامر ويعقوب بالتاء «1» للتانيث لان الضمير راجعة الى الجمع والباقون بالياء على التذكير على تأويل ما ذكر بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ قرا حمزة والكسائي بالياء على الغيبة مطابقا بقوله يدبّر والباقون بالنون على التكلم بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ فى الثمر قدرا وطعما ورائحة ولونا- اخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدقل والفارسي والحلو والحامض- وذلك ايضا مما يدل على الصانع الحكيم- فان اختلافها مع اتحاد الأصول والأسباب لا يكون الّا بتخصيص قادر مختار- قال مجاهد كمثل بنى آدم صالحهم وخبيثهم وأبوهم واحد- وقال الحسن هذا مثل ضرب الله لقلوب بنى آدم- كانت الأرض طينة واحدة فى يد الرّحمن فسطحها فصارت قطعا متجاورات- فانزل عليها الماء من السماء فاخرج من هذه زهرتها وشجرها وثمرها ومن هذه سبخها وملحها وخبثها- وكل تسقى بماء واحد- كذلك الناس خلقهم من آدم فانزل من السماء ذكره فرق قلوب وخشعت وقسى قلوب ولهت- قال الحسن والله ما جالس القران أحد إلا قام من عنده بزيادة او نقصان قال الله تعالى وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ

_ (1) هذا من سباق قلم لانه قرا عاصم وابن عامر ويعقوب بالياء على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث- ابو محمّد

[سورة الرعد (13) : آية 5]

لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) اى يستعملون عقولهم بالتفكر-. وَإِنْ تَعْجَبْ يا محمّد من تكذيب المشركين إياك فى دعوى الرسالة بعد ما راوا الآيات الباهرة والمعجزات القاهرة مع انهم يعبدون ما لا يضر ولا ينفع من الحجارة بلا دليل فَعَجَبٌ اى حقيق بان يتعجب منه قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً بعد الموت أَإِنَّا اختلف القراء فى الاستفهامين إذا اجتمعا نحو هذه الاية وقوله تعالى أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً «1» ... أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ... - أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ ... أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ وشبهه وجملته أحد «2» عشر موضعا فى القران- فقرا نافع والكسائي ويعقوب الاول استفهاما بهمزتين والثاني خبرا بهمزة واحدة- وابو جعفر وابن عامر بالعكس- والباقون استفهاما فيهما- الا ان نافعا قرا فى النمل والعنكبوت الاول منهما خبرا والثاني استفهاما- وكذا ابن كثير وحفص فى العنكبوت وابو جعفر يوافق نافعا فى أول الصّفات دون الثاني- وابن عامر فى النمل والنّزعت بعكس هذا وفى الواقعة بالاستفهام فيهما- ثم القراء عند اجتماع الهمزتين على أصولهم- فنافع وابن كثير- وابو عمرو يقرءون الاستفهام بهمزة وياء بعدها- فابن كثير لا يمد بعد الهمزة وابو عمرو يمد ويدخل قالون بينهما الفا وهشام يدخل بين الهمزتين المحققتين الفا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (5) والجملة الاستفهامية بدل من قولهم- او مفعول به له يعنى قولهم هذا المشعر بانكار البعث حقيق بالتعجب- فانهم ينكرون البعث مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله عزّ وجلّ- وقد تقرر فى القلوب ان الاعادة أهون من الابتداء- والعامل فى إذا محذوف دل عليه أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ تقديره إن عدنا فى خلق جديد كما كنا قبل الموت إذا متنا وكنّا ترابا- او المعنى وان تعجب يا محمّد على انكارهم البعث بعد إقرارهم ببدء الخلق من الله تعالى فقولهم هذا حقيق بان يتعجب منه- فان من قدر على إنشاء ما قصّ عليك كانت الاعادة أيسر شيء عليه- والآيات المعدودة كما هى دالة على وجود المبدا دالة على إمكان الاعادة من حيث انها تدل على كمال قدرته وقبول المواد لانواع تصرفاته أُولئِكَ يعنى الذين ينكرون البعث هم الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ لانهم كفروا بقدرته تعالى على البعث- والعاجز لا يصلح لكونه ربا وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ

_ (1) وفى القران تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا- ابو محمّد (2) رعد- بنى اسراءيل- مؤمنون- الم سجده- نمل- صّفّت- الواقعة- النّزعت- عنكبوت- منه رح

[سورة الرعد (13) : آية 6]

فِي أَعْناقِهِمْ يعنى هم مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم- او هم يغلون يوم القيامة وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ يوم القيامة دل تكرار أولئك على تعظيم الأمر هُمْ فِيها خالِدُونَ (5) لا ينفكون عنها وتوسيط الفصل لتخصيص الخلود بالكفار كما هو مذهب اهل الحق خلافا للمعتزلة-. وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ الاستعجال طلب الشيء عاجلا قبل وقته والمراد بالسيّئة هاهنا العقوبة وبالحسنة النعمة والعافية وذلك ان مشركى مكة كانوا يطلبون العقوبة بدلا من العافية استهزاء منهم يقولون اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ... وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لا يعتبرون بها- ولم يجوزوا حلول مثلها عليهم- والمثلة بفتح الثاء وضمها كالصّدقة والصّدقة العقوبة- لانها مثل المعاقب عليه ومنه المثال للقصاص وامثلت الرجل من صاحبه إذا اقتصصته وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ اى مع ظلمهم على أنفسهم ومحله النصب على الحال والعامل فيه المغفرة- قلت الظاهر ان الاية فى منكرى البعث والمراد بالمغفرة الامهال يعنى ان الله حليم يمهل الكفار مع ظلمهم ولذلك لم يعذبهم وهم يستعجلون العقوبة وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) يعنى إذا يحل بهم العقوبة من الله تعالى لا يستطيع أحد دفعه- وقال السدىّ قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ فى حق المؤمنين خاصة- وهى أرجى اية فى كتاب الله حيث وعد المغفرة مع الظلم- ففيه دليل على جواز العفو بلا توبة- إذ التائب ليس على الظلم بل التائب من الذنب كمن لا ذنب له رواه ابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعا وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ على الكفار- وقيل هما جميعا فى المؤمنين لكنه معلّق بالمشية فيهما اى يغفر لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ- اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي والواحدي عن سعيد بن المسيب مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لولا عفو الله وتجاوزه ما «1» هاهنا أحد يعيش- ولولا وعيده وعذابه لا تكل كل أحد-

_ (1) فى الأصل ما هنا أحدا العيش-[.....] .

[سورة الرعد (13) : آية 7]

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ اى على محمّد صلى الله عليه وسلم آيَةٌ اى علامة وحجة على نبوته مِنْ رَبِّهِ لم يعتدوا بالآيات المنزلة على النبي صلى الله عليه وسلم- واقترحوا آيات اخر تعنتا وعنادا فقال الله تعالى إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ يعنى ليس عليك الا الانذار والتبليغ- وما عليك إتيان الآيات المقترحة ولا حملهم على الهداية كرها وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) قرا ابن كثير هاد ووال وواق وما عند الله باق بالتنوين فى الوصل فاذا وقف وقف بالياء فى هذه الاحرف الاربعة حيث وقعت لا غير- والباقون يصلون بالتنوين ويقفون بغير ياء- والمعنى ان لكل قوم هاد اى قادر على هدايتهم وهو الله عز وجل يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ كذا قال سعيد بن جبير- وقال عكرمة الهادي محمّد صلى الله عليه وسلم والمعنى أنت منذر وهاد اى داع الى سبيل الحق لكل قوم والهداية حينئذ بمعنى اراءة الطريق- وقيل معناه ولكل قوم نبى يهديهم اى يدعوهم الى الله بما يعطيهم من الآيات لا بما اقترحوا- قبح الله الرافضة يقولون كان فى التنزيل ولكل قوم هاد علىّ حذف عثمان رضى الله عنه حسدا لفظ علىّ- لعنهم الله انّى يؤفكون ينكرون قوله تعالى إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ- وعلى هذا يلزم فضل علىّ رضى الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فان معنى الاية على هذا انما أنت منذر ولست بهاد ولكن علىّ هاد لكل قوم ولا يخفى ما فيه- ثم اردف الله تعالى ذلك بما يدل على كمال علمه وقدرته وشمول قضائه وقدره تنبيها على انه تعالى قادر على إنزال ما اقترحوه- وانما لم ينزل لعلمه ان اقتراحهم للعناد دون الاسترشاد- وانه قادر على هدايتهم وانما لم يهدهم لسبق قضائه عليهم بالكفر فقال. اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى اى حملها او ما تحملها من ذكر او أنثى سوىّ الخلق او ناقصه وواحدا او اكثر- وانه على اىّ حال هو من الأحوال الحاضرة والمترقبة وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ غاض وازداد جاء كل منهما لازما ومتعديا- فى القاموس غاض الماء غيضا ومغاضا قل ونقص كالغاض غاض الماء وثمن السلعة نقص- وغاض الماء وثمن السلعة نقضهما كاغاض- وازداد القوم على عشرة- ونزداد كيل بعير- فان جعلتهما لازمين فما حينئذ مصدرية والمعنى الله يعلم انتغاض الأرحام وازديادها- والاسناد الى الأرحام

مجازى فانهما لما فيهما يعنى ينتقص ما فى الأرحام فى الجثة والمدة والعدد ويزداد- وان جعلتهما متعديين فما يحتمل ان يكون موصولة وان يكون مصدرية والمعنى الله يعلم ما تنقصه الأرحام وما تزداده فى الجثة والمدة والعدد (مسئلة) اقل مدة الحمل ستة أشهر اتفاقا روى ان رجلا تزوج امراة فولدت لستة أشهر- فهمّ عثمان ان يرجمها- فقال ابن عباس لو خاصمتكم بكتاب الله تعالى لخصمتكم- قال الله تعالى وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً- وقال وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ فلم يبق للحمل الا ستة أشهر- فدرا عثمان عنها الحد- قال ابن همام التمسك بدرء عثمان مع عدم مخالفة أحد فكان اجماعا- وانه قد يولد بستة أشهر ويعيش- واكثر مدة الحمل سنتان عند ابى حنيفة رحمه الله- لما روى الدار قطنى والبيهقي فى سننهما من طريق ابن المبارك ثنا داود بن عبد الرّحمن عن ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت ما تزيد المرأة فى الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عمود المغزل- وفى لفظ قالت لا يكون الحمل اكثر من سنتين ولو بظل مغزل- وعند الشافعي ومالك اكثر مدة الحمل اربع سنين- وقيل عند مالك خمس سنين- قال حماد بن سلمة انما سمى هرم بن حبان هرما لانه بقي فى بطن امه اربع سنين- وروى البيهقي عن الوليد بن مسلم قال قلت لمالك بن انس انّى حدّثت عن عائشة انها قالت لا تزيد المرأة فى حملها على سنتين قدر ظل مغزل- فقال سبحان الله من يقول هذا- هذه جارتنا امراة محمّد بن عجلان امراة صدوق وزوجها رجل صدوق حملت ثلاثة بطون فى اثنتي عشرة سنة كل بطن فى اربع سنين- قال ابن همام ولا يخفى ان قول عائشة مما لا يعرف الا سماعا فى حكم المرفوع- وهو مقدم على المحكي عن امراة ابن عجلان- لانه بعد صحة النسبة الى الشارع لا يتطرق اليه الخطأ بخلاف الحكاية- فانها بعد صحة نسبتها الى مالك والمرأة يحتمل الخطأ بها- فان يمامة الأمر أن يكون انقطع دمها اربع سنين ثم جاءت بولد وهذا ليس بقاطع فى ان الاربعة سنين بتمامها كانت حاملا فيها- لجواز انها امتدت «1» طهرها سنتين او اكثر ثم حبلت- ووجود الحركة مثلا فى البطن لو وجد ليس قاطعا للحمل لجواز كونه من غير الولد- ولقد أخبرنا عن امراة انها وجدت ذلك مدة تسعة أشهر من الحركة وانقطاع الدم وكبر البطن وادراك الطلق- وحين جلست القابلة تحتها أخذت فى الطلق وكلما طلقت اعتصرت ماء- وهكذا شيئا فشيئا الى ان انضم

_ (1) فى الأصل امتد

[سورة الرعد (13) : آية 9]

بطنها وقامت عن قابلتها من غير ولادة- وفى الجملة مثل هذه الحكايات لا تعارض الروايات وما روى ان عمر اثبت نسب ولد امراة غاب عنها زوجها سنين ثم قدم فوجدها حاملا فهمّ برجمها- فقال له معاذ ان كان لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما فى بطنها فتركها- حتّى ولدت ولدا قد نبتت ثنياه يشبه أباه- فلما راه الرجل قال ولدي ورب الكعبة انما هو لقيام الفراش ودعوى الرجل نسبه والله اعلم- (مسئلة) أعلى عدد الولد فى بطن لاحد له- وقيل نهاية ما عرف اربعة واليه ذهب ابو حنيفة رحمه الله- وقال الشافعي رحمه الله أخبرني شيخ باليمن ان امرأته ولدت بطونا فى كل بطن خمسة- قلت واشتهر فى ديار الهند ان امراة القاضي قدوه فى بلاد الشرق ولدت مائة فى مشيمة واحدة وعاشوا جميعا والله اعلم- قال البغوي قال اهل التفسير غيض الأرحام الحيض على الحمل- فاذا حاضت الحامل كان نقصانا فى الولد لان دم الحيض غذاء للولد فى الرحم- فاذا اهراقت الدم ينتقص الغذاء فينتقص الولد- وإذا لم تحض يزداد الولد فيتم- فالنقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم والزيادة تمام خلقته باستمساك الدم- وقيل إذا حاضت تنقص الغذاء وتزداد مدة الحمل حتّى تستكمل تسعة أشهر طاهرا- فان رات خمسة ايام دما وضعت لتسعة أشهر وخمسة ايام فالنقصان فى الغذاء والزيادة فى المدة- وقال الحسن غيضها نقصانها من تسعة أشهر والزيادة زيادتها على تسعة أشهر- وقيل النقصان السقط والزيادة تمام الخلق وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) بتقدير الى حد معين فى علم الله تعالى لا يجاوز ولا ينقص عنه. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ قد شرحنا الغيب والشهادة فى سورة الجن الْكَبِيرُ الّذي كل شيء دونه الْمُتَعالِ (9) المستعلى على كل شيء بقدرته او الّذي كبر عن نعت المخلوقين وتعالى عنه- قرا ابن كثير بإثبات الياء وصلا ووقفا والباقون يحذفونها فى الحالين. سَواءٌ مِنْكُمْ فى علم الله مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ فى نفسه وَمَنْ جَهَرَ بِهِ لغيره وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ اى طالب لاخفاء نفسه بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بارز بِالنَّهارِ (10) يراه كل أحد من سرب سروبا إذا برز- وقيل معناه ذاهب فى سربه ظاهرا والسرب الطريق- وقال القتيبي سارِبٌ بِالنَّهارِ

[سورة الرعد (13) : آية 11]

متصرف فى حوائجه- عطف على من او على مستخف على ان من فى معنى الاثنين كانه قال سَواءٌ مِنْكُمْ اثنان مستخف وسارب- وقال ابن عباس فى هذه الاية هو صاحب زنيّة مستخف بالليل وإذا خرج بالنهار ارى الناس انه بريء من الإثم- فعلى هذا عطف على مستخف والمراد بمن واحد متصف بصفتين-. لَهُ اى لمن اسر ومن جهر ومن هو مستخف وسارب او لله تعالى ملائكة مُعَقِّباتٌ جمع معقبة من عقّب مبالغة عقبه إذا جاء على عقبه- او من اعتقب فادغمت التاء فى القاف والتاء للمبالغة- وقال البغوي واحده معقّب وجمعه معقّبة ثم جمع المعقبة على المعقّبات كما قيل انثاوات سعد ورجالات بكر- يعنى يتعاقبون فيكم بالليل والنهار إذا صعدت ملائكة الليل جاءت فى عقبها ملائكة النهار وإذا صعدت ملائكة النهار جاءت فى عقبها ملائكة الليل فيكتبون اعمال العباد ويحفظونهم عن الآفات «1» - روى البغوي بسند صحيح عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون فى صلوة الفجر وصلوة العصر- ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسئلهم ربهم وهو اعلم بهم كيف «2» تركتم عبادى فيقولون تركناهم وهم يصلّون واتيناهم وهم يصلّون مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ صفة معقّبات اى كائنة من قدام المستخفى والسارب وَمِنْ خَلْفِهِ يعنى من جوانبه كلها يَحْفَظُونَهُ الضمير راجع الى من- اى يحفظون العبد من الآفات ما لم يأت القدر- فاذا جاء القدر خلوا عنه- قال مجاهد ما من عبد الا وله ملك مؤكل به يحفظه فى نومه ويقظته من

_ (1) عن كنانة العدوى قال دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك- قال ملك على يمينك على حسناتك وهو امير على الّذي على الشمال- إذا عملت حسنة كتب عشرا فاذا عملت سيئة قال الّذي على الشمال للذى على اليمين اكتب قال لعله يستغفر الله ويتوب فاذا قال ثلاثا قال نعم اكتبه أراحنا الله منه فبئس القرين- ما اقل مراقبته لله واقل استحياؤه منه- يقول الله ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ- وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ- وملك قابض على ناصيتك فاذا تواضعت لله رفعك وإذا تحبرت قصمك- وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك الا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم- وملك قائم على فيك لا تدع ان تدخل الحيّة فى فيك- وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة املاك على كل بنى آدم- ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار لان ملائكة الليل سوى ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكا على كل بنى آدم وإبليس بالنهار وولده بالليل 12 ازالة الخفا- منه رحمه الله تعالى (2) فى الأصل كيف تركتم عبدى-

الجن والانس والهوامّ- فما من شيء يأتيه يريده الا قال وراءك الا شيء يأذن الله فيه فيصيبه وقال كعب الأحبار لولا ان الله تعالى وكل بكم الملائكة يدنون عنكم فى مطعمكم ومشربكم وو عوراتكم لتخطفنّكم الجن- او المعنى يحفظون اعماله ان كان الاية فى الملكين القاعدين عن اليمين والشمال يكتبان الحسنات والسيّئات- كما قال الله تعالى إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ- قال ابن جريج اى يحفظون عليه اعماله مِنْ أَمْرِ اللَّهِ قيل هو صفة ثانية لمعقبات يعنى معقبات كائنة من امر الله- او ظرف لغو متعلق بقوله يحفظونه اى يحفظونه من أجل امر الله تعالى أتاهم بالحفظ- او المعنى يحفظونه من امر الله اى من بأسه متى أذنب بالاستمهال او الاستغفار له- وقيل من هاهنا بمعنى الباء اى يحفظونه بإذن الله- وقيل المعقبات الحرس حول السلطان يحفظونه فى توهمه من قضاء الله تعالى- قال البغوي وقيل الضمير فى قوله لَهُ مُعَقِّباتٌ راجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى لمحمّد صلى الله عليه وسلم معقبات اى حرّاس من الرّحمن مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ من شر الشياطين الجن والانس وطوارق الليل والنهار- وقال عبد الرّحمن بن زيد نزلت هذه الاية فى عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة- وقصتهما على ما روى الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس- انها اقبل عامر بن الطفيل واربد ابن ربيعة وهما عامريّان يريد ان النبي صلى الله عليه وسلم- وهو جالس فى المسجد فى نفر من أصحابه فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان اعور وكان من أجمل الناس- فقال رجل يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد اقبل نحوك- فقال دعه فان يرد الله به خيرا يهده- فاقبل حتّى قام عليه- فقال يا محمّد مالى ان أسلمت- فقال لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين- قال تجعل لى الأمر بعدك- قال ليس ذلك الىّ انما ذلك الى الله عزّ وجلّ يجعله حيث يشاء- قال فتجعلنى على الوبر وأنت على المدر قال لا قال فماذا تجعل لى قال اجعل لك أعنّة الخيل تغزو عليها- قال او ليس ذلك لى الى اليوم- قم معى أكلمك فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكان اوصى الى اربد ابن ربيعة إذا رايتنى أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف- فجعل يخاصم رسول الله

صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار اربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه- فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله عنه ولم يقدر على سلّه- وجعل عامر يومى اليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فراى اربد وما صنع بسيفه فقال اللهم اكفنيهما بما شئت فارسل الله تعالى على اربد صاعقة فى يوم صحو قائظ فاحرقته وولى عامر هاربا وقال يا محمّد دعوت ربك حتّى قتل اربد- والله لاملانها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنعك الله من ذلك- وابنا قيلة يريد الأوس والخزرج فنزل عامر بيت امراة سلوليّة- فلما أصبح ضم عليه سلاحه وقد تغير لونه فجعل يركض فى الصحراء- ويقول ابرز يا ملك الموت- ويقول الشعر- ويقول واللات والعزى لان اضحى الى محمّد وصاحبه يعنى ملك الموت لانفذتهما برمحى- فارسل الله تعالى ملكا فلطمه بجناحه فاداره فى التراب- وخرجت على ركبته فى الوقت غدة عظيمة فعاد الى بيت السلوليّة- وهو يقول غدة كغدة البعير وموت فى بيت السلوليّة- ثم دعا بفرسه فركبه ثم أجراه حتّى مات على ظهره فاجاب الله تعالى دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم- فقتل بالطعن واربد بالصاعقة- وانزل الله تعالى فى هذه القصة قوله عز وجلّ سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ لَهُ يعنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقّبت من بين «1» يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله يعنى تلك المعقبات من امر الله وكذا اخرج الثعلبي- واخرج الطبراني عن ابن عباس ان اربد بن قيس وعامر بن الطفيل قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال عامر يا محمّد ما تجعل لى ان أسلمت- قال لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم- قال أتجعل لى «2» الأمر من بعدك- قال ليس ذلك لك ولا لقومك- فقال عامر لاربد انى اشغل عنك وجه محمّد بالحديث فاضربه بالسيف- فرجعا فقال عامر يا محمّد قم معى فقام معه ووقف يكلمه وسلّ اربد السيف فلما وضع يده قائم السيف يبست- والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فراه فانصرف عنهما- فخرجا حتّى إذا كانا بالرقم أرسل الله على اربد صاعقة فقتله- فانزل الله تعالى اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى الى قوله شَدِيدُ الْمِحالِ-

_ (1) فى الأصل معقبت يحفظونه من بين يديه ومن ... خلفه من امر الله (2) فى الأصل اتجعل الأمر إلخ-

[سورة الرعد (13) : آية 12]

إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ من العافية والنعمة حَتَّى يُغَيِّرُوا اى القوم ما بِأَنْفُسِهِمْ من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ بعد ما يغيروا ما بانفسهم سُوْءاً عذابا وهلاكا فَلا مَرَدَّ لَهُ مصدر بمعنى الفاعل يعنى لا رادّ له- والعامل فى إذا ما دل عليه الجواب وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) يلى أمرهم فيدفع عنهم السوء وفيه دليل على ان خلاف مراد الله محال. هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً من الصاعقة ومن ضرر المطر فى السفر وللزرع فى بعض الأحيان وبعض الامكنة وَطَمَعاً من الغيث حين ينفع للزرع او لدفع الحر- وانتصابهما على العلة بتقدير المضاف اى ارادة خوف او طمع- او بتأويل الاخافة والاطماع- او على الحال من البرق- او من المخاطبين بتقدير ذو- او اطلاق المصدر بمعنى المفعول او الفاعل مبالغة وَيُنْشِئُ السَّحابَ جمع سحابة وهو الغيم فانه ينسحب اى ينجر بالهواء فى الجو- وهو جمع سحابة كذا فى القاموس- وقال البيضاوي اسم فيه معنى الجمع ولذا وصف بقوله الثِّقالَ (12) جمع ثقيلة يعنى مملوّة بالمطر قال البغوي قال على رضى الله عنه السحاب غربال الماء-. وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ متلبسا بِحَمْدِهِ يعنى يقول سبحان الله والحمد لله- روى الترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرعد- فقال ملك مؤكل بالسحاب معه مجاريق من نار يسوق بها السحاب وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ اى من خيفة الله وخشيته- قيل أراد بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد جعل الله له «1» أعوانا- فهم خائفون خاضعون طائعون- فالضمير حينئذ جاز ان يعود الى الرعد يعنى يسبح الملائكة من خيفة الرعد- قال ابن عباس من سمع صوت الرعد فقال سبحان الّذي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ... وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فان أصابته صاعقة فعلى دينه- وعن عبد الله بن الزبير انه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث- وقال سبحان من يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ- ويقول ان هذا الوعيد لاهل الأرض لشديد- وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس الرعد موكل بالسحاب يصرّفه الى حيث يؤمر- وانّ بحور الماء

_ (1) فى الأصل جعل الله أعوانا

فى نقرة إبهامه- وانه يسبح الله فاذا سبح لا يبقى ملك فى السماء الا رفع صوته بالتسبيح- فعندها ينزل القطر- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ربكم لو ان عبادى أطاعوني لاسقيتهم المطر بالليل ولاطلعت عليهم الشمس بالنهار ولما اسمعتهم صوت الرعد- رواه احمد بسند صحيح والحاكم وقال البيضاوي فى تفسير الاية وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ اى يسبح سامعوه» متلبسين به فيصيحون سبحان الله والحمد لله- او يدل الرعد على وحدانيته تعالى وكمال قدرته متلبسا بالدلالة على فضله ونزول رحمته- قلت هذا على تقدير عدم ثبوت كون الرعد ملكا يسبح وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ جمع صاعقة وهى العذاب المهلك والمراد هاهنا نار ينزل من السماء ينزل من البرق فيحرق من يصيبه فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ فيهلكه وَهُمْ يُجادِلُونَ اى يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم فِي اللَّهِ اى توحيده والإقرار بكمال علمه وقدرته وإعادة الناس ومجازاتهم- والجدال التشدد فى الخصومة من الجدل وهو القتل- والواو اما لعطف الجملة- على الجملة او للحال يعنى اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ويفعل كذا وكذا ويرسل الصّواعق- وهم ينكرون صفات كماله ولا يستدلون بما ذكر على وجوده تعالى وكمال قدرته ويخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وعلى تقدير نزول الاية فى قصة اربد بن ربيعة كما ذكرنا- فالظاهر ان الواو للحال والجملة حال من مفعول يشاء يعنى يصيب بها من يشاء أصابته وهو اربد بن ربيعة وأمثاله فى حال هم يجادلون فى الله فى تلك الحال- قال البغوي قال محمّد بن على الباقر الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب المسلم الذاكر- واخرج النسائي والبزار عن انس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه الى رجل من عظماء الجاهلية يدعوه الى الله تعالى- فقال ايش ربك الّذي تدعونى اليه أمن حديد هو او من نحاس او من فضة او ذهب- فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فاعاده الثانية والثالثة فارسل الله عليه صاعقة فاحرقته- ونزلت هذه الاية وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ الى آخرها- وقال البغوي نزلت فى شأن اربد بن ربيعة حيث قال للنبى صلى الله عليه وسلم مم ربك أمن درام من ياقوت أم من ذهب فنزلت صاعقة من السماء

_ (1) فى الأصل ملتبسين-

[سورة الرعد (13) : آية 14]

فاحرقته- وقال سئل الحسن عن قوله تعالى وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ الاية فقال كان رجل من طواغيت العرب بعث اليه النبي صلى الله عليه وسلم نفرا يدعونه الى الله والى رسوله فقال لهم أخبروني عن رب محمّد هذا الّذي تدعوننى اليه ممّ هو من ذهب او فضة او حديد او نحاس- فاستعظم القوم مقالته فانصرفوا الى النبي صلى الله عليه وسلم- فقالوا يا رسول ما راينا رجلا اكفر قلبا ولا أعتى على الله منه فقال ارجعوا اليه- فرجعوا اليه فجعل يزيدهم على مثل مقالته الاولى وقال أجيب محمّدا الى رب لا أراه ولا أعرفه- فانصرفوا وقالوا يا رسول الله ما زادنا الا على مقالته وأخبث فقال ارجعوا- فرجعوا اليه فبينماهم عنده ينازعونه وهو يقول هذه المقالة إذا ارتفعت سحابة فكانت فوق رءوسهم- فرعدت «1» وبرقت ورمت بصاعقة فاحترق الكافر وهم جلوس فجاءوا يسعون ليخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلهم قوم من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- وقالوا لهم احترق صاحبكم فقالوا من اين علمتم فقالوا اوحى الله الى النبي صلى الله عليه وسلم ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون فى الله وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) قال البغوي قال الحسن شديد الحقد وقال مجاهد شديد القوة- وقال ابو عبيدة شديد العقوبة- وقيل شديد المكر والمغالبة- قال فى القاموس المحال ككتاب الكيد وروم الأمر بالحيل والتدبير والمكر والقدرة والجدال والعذاب والعقاب والعداوة والقوة والشدة والهلاك والإهلاك وهذه المعاني أكثرها يصح هاهنا فهو فعال من المحل- وقيل هو مفعل من الحول او الحيلة او الحيلولة اعل على غير قياس- فعلى هذا ما قال ابن عباس معناه شديد الحول وقال علىّ شديد الاخذ-. لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ اى الدعوة المجابة مختصة به تعالى دون غيره كما يدل عليه ما بعده- او المعنى له الدعاء الحق فانه الّذي يحق ان يعبد ويدعى الى عبادته ويسئل منه الحوائج دون غيره- او معناه له الدعاء بالإخلاص- والحق على هذه التأويلات ضد الباطل- والاضافة فى الظاهر اضافة والموصوف الى صفته- فيئوّل على طريقة مسجد الجامع- وجانب

_ (1) اخرج الترمذي وصحه واحمد والنسائي عن ابن عباس فقال أقبلت اليهود الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أخبرنا من الرعد ما هو قال ملك من ملائكة السحاب يسوقه حيث امره الله فقالوا فما هذا الصوت نسمع قال صوته واخرج ابن مردوية عن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان ملكا مؤكل بالسحاب يلم العاصية ويلم الدامية فى يده محراق فاذا رفع برقت وإذا زحرر عدت وإذا ضرب صعقت منه رحمه الله

الغربي ويقال دعوة المدعو الحق فان المدعو بدعوة الله سبحانه بالإخلاص يتحقق- او يقال اضافة الدعوة الى الحق لما بينهما من الملابسة كما يقال رجل صدق- وقيل الحق هو الله سبحانه وكل دعاء الله دعوة الحق- فان قيل هذا الحمل غير مفيد فان دعاء الله تعالى مختص به تعالى لا محالة كما ان دعاء غيره مختص بغيره قلنا فى ذكر الله تعالى بلفظ الحق اشعار بان دعاؤه حق لان دعاء الحق لا يكون الا حقا ودعاء الباطل لا يكون الا باطلا- فالمعنى على هذا التأويل يؤل الى ما سبق فهو بمنزلة الدعوى مع البرهان- قال البغوي قال على رضى الله عنه دعوة الحقّ التوحيد- وقال ابن عباس رضى الله عنهما شهادة ان لا اله الا الله- قلت التوحيد والشهادة ان كانا تفسيرين للحق فالاضافة حقيقية والمعنى لله الدعوة الى التوحيد والشهادة- والمراد بالجملتين ان كانت الاية فى عامر واربد ان هلاكهما من حيث لم يشعر انه محال من الله- واجابة لدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم ودالة على انه على الحق- وان كانت عامة فالمراد وعيد الكفرة على مجادلة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلول محالة وتهديدهم بإجابة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم او بيان ضلالهم وفساد رأيهم وَالَّذِينَ يَدْعُونَ أشياء كائنة مِنْ دُونِهِ يعنى يعبدون الأصنام ويذكرونهم ويسئلون منها حوائجهم فحذف المفعول لدلالة قوله مِنْ دُونِهِ عليه- او المعنى والذين يدعونهم المشركون كائنة من دون الله فحذف الراجع- والمراد بالموصول حينئذ الأصنام لا يَسْتَجِيبُونَ الضمير راجع الى الموصول على التقدير الثاني او الى محذوف موصوف عن دونه على التقدير الاول والمعنى لا يجيبون لَهُمْ اى للكفار بِشَيْءٍ يريدونه من نفع او دفع ضر إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ يعنى الا استجابة كاستجابة من بسط كفيه إِلَى الْماءِ وهو عطشان جالس على شفير البئر يمد يده الى البئر فلا يبلغ قعر البئر ويدعو الماء لِيَبْلُغَ فاهُ متعلق بباسط اى يطلب من الماء ان يبلغ فاه وَما هُوَ بِبالِغِهِ لانه جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر على اجابته والإتيان بغير ما جبل عليه- كذلك الهتهم لا يشعرون بدعائهم ولا يقدرون على اجابتهم فاضافة الاستجابة الى الباسط اضافة المصدر الى المفعول- هذا معنى قول مجاهد ومثله عن على رضى الله عنه وعطاء- وقيل شبهوا فى قلة جدوى دعائهم لها

[سورة الرعد (13) : آية 15]

بمن أراد ان يغرف الماء ليشربه فبسط كفيه ليقبض على الماء- والقابض على الماء لا يكون فى يده شيء ولا يبلغ الى فيه منه شيء- كذلك الّذي يدعو الأصنام وهى لا تضر ولا تنفع لا يكون بيده شيء وهذا التأويل مروى عن ابن عباس قال كالعطشان إذا بسط كفيه فى الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما الماء ولا يبلغ فاه ما دام باسط كفيه- فهذا مثل ضربه لخيبة الكفار وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ أصنامهم اى عبادتهم لها وطلب حاجتهم منها إِلَّا فِي ضَلالٍ (14) فى ضياع وخسار وبطلان- وقال الضحاك عن ابن عباس وما دعاء الكفرين ربهم جلّ وعلى الا فى ضلال لان أصواتهم محجوبة عن الله تعالى بحجب الكفر والمعاصي والله اعلم-. وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً يعنى الملائكة والمؤمنين وَكَرْهاً يعنى المنافقين والكافرين الّذين اكرهوا على السجود بالسيف- او انهم يسجدون حالة الشدة والضرورة مع كراهيتهم ذلك- وانتصاب طوعا وكرها بالحال او العلة وَظِلالُهُمْ يسجد معهم بالعرض- ويحتمل ان يراد بالسجود انقيادهم «1» لما اراده منهم شاءوا او كرهوا- وانقياد ظلالهم لتصريفه إياها بالمد والتقليص- ويمكن ان يقال المراد بمن فى السّموت والأرض حقائق من فيها وأرواح الملائكة والمؤمنين وبظلالهم أشخاصهم وقوالبهم- كما عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دعائه الظاهر بالسواد والباطن بالخيال- حيث قال فى سجوده سجد لك سوادى وخيالى- وهذا التأويل اولى مما سبق لان الظلال الّتي يرى فى ضح الشمس عبارة عن سواد موضع لم يصل اليه ضوء الشمس لحجاب جثة الشيء- وذلك امر عدمى لا وجود لها فكيف يسند إليها السجود بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) ظرف ليسجد والمراد بهما الدوم- والآصال جمع اصيل وهو ما بين العصر الى المغرب-. قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خالقهما ومدبرهما ومتولى أمرهما استفهام تقرير- فانهم كانوا يقولون بان الله خالقهم وخالق السموات والأرض قُلِ اللَّهُ يعنى ان لم يقولوه فاجب أنت عنهم- إذ لا جواب لهم سواه وهم يقولون بذلك- ولانه هو البين الّذي لا يحتمل الاختلاف او لقنهم الجواب به- قال البغوي روى انه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشركين من ربّ السّموت والأرض- قالوا أجب أنت فقال الله تعالى قُلِ اللَّهُ- ثم

_ (1) فى الأصل ما اراده

قال فالزمهم بذلك وقُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ عطف على محذوف والاستفهام للانكار تقديرهء أقررتم بربوبيته تعالى للعالمين فاتخذتم أشياء كائنة مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ واتخذتموه ظهريا وهذا امر منكر بعيد عن مقتضى العقل- ثم اجرى على الأولياء وصفا بقوله لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا يعنى لا يقدرون على ان يجلبوا الى أنفسهم نفعا او يدفعوا عنها ضرّا فكيف يتولون أموركم وكيف يستطيعون إيصال الخير إليكم او دفع الضرّ عنكم- وهو دليل ثان على ضلالهم وفساد رأيهم فى اتخاذهم اولياء رجاء ان يشفعوا لهم قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى يعنى الّذي لا عقل له ولا بصيرة او لا يستعملها وَالْبَصِيرُ (5) اى ذو بصيرة يدرك بها حقيقة العبادة والموجب لها- ويميّز من يستحق العبادة والولاية ممن لا يستحق ذلك- وقيل المراد بالأعمى المعبود الغافل منكم- وبالبصير المعبود المطلع على أحوالكم أَمْ هَلْ تَسْتَوِي قرا حمزة والكسائي وابو بكر بالياء التحتانية- والباقون بالتاء الفوقانية لتأنيث الفاعل لكنه غير حقيقى الظُّلُماتُ وَالنُّورُ (5) يعنى الكفر والايمان لا أَمْ يعنى بل اجعلوا لله شركاء والاستفهام للانكار «1» وقوله خَلَقُوا كَخَلْقِهِ صفة لشركاء داخلة فى حكم الإنكار فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ خلق الله وخلق الشركاء- والمعنى ما اتخذوا شركاء خالقين مثله حتّى يتشابه عليهم الخلق فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها- ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ يعنى كل ما يشاء من الأجسام والاعراض والأرواح المجردة لا خالق غير الله- ولا يتصور ممن لا يقتضى ذاته وجوده ان يوجد غيره فلا يجوز العبادة لغيره- ومن قال ان الله تعالى لم يخلق افعال العباد بل هم خلقوها فهو ممن تشابه الخلق عليهم وَهُوَ الْواحِدُ المتوحد بالربوبية واستحقاق العبادة- بل المتوحد بالوجود المتأصل لا موجود غيره الا بوجود هو ظل وجوده الْقَهَّارُ (16) الغالب

_ (1) عن ابن جريج فى قوله تعالى أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قال ابن جريج عن ليث عن ابى محمّد عن حذيفة عن ابى بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الشرك فيكما خفى من دبيب النمل الا أخبرك بقول يذهب صغاره وكباره قال بلى قال يقول كل يوم ثلاث مرات اللهم انى أعوذ بك من ان أشرك بك وانا اعلم واستغفرك لما لا اعلم والشرك ان يقول أعطاني الله وفلان وان يقول لولا فلان لقتلنى فلان- وعن معقل بن يسار نحوه- منه رحمه الله تعالى-

[سورة الرعد (13) : آية 17]

على كل شيء لا يقاومه شيء- إذ لا يتصور من المعدوم فى نفسه الموجود بغيره مقاومة ذلك الغير الّذي هو الموجود المتأصل بوجوده-. أَنْزَلَ الله الواحد القهار مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ جمع واد وهو الموضع الّذي يسيل فيه الماء بكثرة- فاتسع فيه واستعمل للماء الجاري فيه كقولك سال الميزاب- وتنكيرها لان المطر انما يأتى على طريق المتادبة بين البقاع فيسيل بعض اودية الماء دون بعض بِقَدَرِها اى بقدر الاودية فى الصغر والكبر فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ اى الماء السائل فى الاودية زَبَداً اى خبثا يظهر على وجه الماء رابِياً عاليا مرتفعا فوق الماء الصافي وَمِمَّا يُوقِدُونَ قرا حمزة والكسائي وحفص بالياء على ان الضمير للناس وإضماره للعلم به والباقون بالتاء على الخطاب- والإيقاد جعل النار تحت شيء ليذوب- ومن لابتداء الغاية اى منه ينشأ زبد مثل زبد الماء- او للتبعيض اى وبعض ما توقدون عَلَيْهِ فِي النَّارِ يعم الفلذات كالذهب والفضة والحديد والنحاس والصفر- والظرف حال من الضمير فى عليه ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ منصوب على الحال من فاعل يوقدون او على العلة- يعنى يوقدون مبتغين حلية او لابتغاء حلية اى زينة مثل الذهب- والفضة أَوْ مَتاعٍ اى ما يتمتع وينتفع به كالاوانى من النحاس والصفر وغيرها وآلات الحرب والحرث من الحديد- والمقصود من ذلك بيان منافعها زَبَدٌ مِثْلُهُ اى مثل زبد الماء وذلك خبثه الّذي ينفيه الكير- وزبد فاعل لقوله مِمَّا يُوقِدُونَ- او مبتدا وهو خبره المقدم عليه كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ مثل الْحَقَّ وَالْباطِلَ (5) فان الحق يعنى العلم المنزل من السماء مثله فى افادته وانتفاع الناس به انواع المنافع الدنيوية والاخروية- واتساع القلوب إياه بقدرها وسعتها- وثباته الى يوم القيامة بل الى ابد الآبدين كمثل الماء الّذي ينزل من السماء فتسيل به الاودية على قدر الحاجة والمصلحة وعلى قدر صغر الوادي وكبرها- وينتفع به الناس انواع المنافع ويمكث فى الأرض بان يثبت بعضه فى منافعه ويسلك بعضه فى عروق الأرض الى العيون والقنى والآبار- وكمثل الفلذ الّذي ينتفع به الناس فى صوغ الحلي واتخاذ الامتعة المختلفة ويدوم ذلك مدة متطاولة- والباطل يعنى خرافات الكفار وهواجس النفس وخطرات الشيطان مثلها فى انتشارها وشهرتها وعدم الانتفاع

[سورة الرعد (13) : آية 18]

بها وعدم استقرارها كمثل الزبد المستعلى على الماء والفلز فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً يجفى به اى ما يرمى به السيل او الفلز المذاب- يقال جفا الوادي واجفأ إذا القى غثاءه- وقيل جفاء اى متفرقا يقال جفات الريح القسم اى فرقته وانتصابه على الحال فالباطل يرميه الحق ويفرقه وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ من الماء والفلز وكذلك العلم النافع فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ اى يبقى ولا يذهب وينتفع به الناس كَذلِكَ اى كما ضرب الله المثل للحق والباطل يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (17) لايضاح المشتبهات قيل هذه تسلّية للمؤمنين بزوال ظلمة الكفر وان كان فى الصورة عاليا مستعليا وبقاء نور الإسلام واستقراره الى يوم القيامة-. لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا اى أجابوا لِرَبِّهِمُ دعوته الى الإسلام وأطاعوه فيما أمرهم به الْحُسْنى صفة لمصدر يعنى الاستجابة الحسنى او مفعول به يعنى استجابوا لربهم الدعوة الحسنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ يعنى الكفار واللام متعلقة بيضرب على انه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما- وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى وهى المثوبة الحسنى او الجنة والذين لم يستجيبوا مبتدا خبره لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ يوم القيامة لفكاك أنفسهم من النّار وعلى التأويل الثاني هذا كلام مبتدا لمال غير المستجيبين أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وهو ان يناقش فيه ولا يغفر من ذنبه شيء كذا قال ابراهيم النخعي وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (18) مهادهم وهو جهنم قال الله تعالى لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ-. أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هو الْحَقُّ فيؤمن به ويعمل بمقتضاه كَمَنْ هُوَ أَعْمى القلب لا يستبصر ولا يدرك الحق من الباطل- والهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أيشتبه امر الفريقين بعد ما ضرب من المثل فمن يعلم يكون عند المخاطب كمن هو أعمى لا- قيل نزلت الاية فى حمزة او عمار وابى جهل فالاول حمزة او عمار والثاني ابو جهل إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) اى ذووا العقول السليمة المنزهة عن شائبة الانف ومعارضة الوهم. الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ اى ما عوهدوا على أنفسهم يوم الميثاق من الاعتراف بربوبيته حين قالوا بلى وما عاهد الله عليهم فى

[سورة الرعد (13) : آية 21]

كتبه من امتثال الأوامر والانتهاء عن المناهي وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) ما وثقوه من المواثيق بينهم وبين الله تعالى وبينهم وبين العباد فهو تعميم بعد تخصيص. وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ هذا لفظ عام مندرج فيه الايمان بجميع الكتب والرسل بحيث لا يفرق بين أحد منهم- وموالاة المؤمنين وصلة الرحم- وقال البغوي الأكثرون على ان المراد به صلة الرحم- عن عبد الرّحمن بن عوف قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عزّ وجلّ انا الله وانا الرّحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتّته- رواه ابو داود وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله الخلق- فلما فرغ منه قامت الرحم فاخذت بحقوى الرّحمن فقال مه- قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة- قال الا ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك- قالت بلى يا رب قال فذاك لك- متفق عليه وعن عبد الرّحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة تحت العرش يوم القيامة القران يحاج العباد (له ظهر وبطن) والامانة والرحم تنادى الا من وصلني وصله الله ومن قطعنى قطعه الله- رواه البغوي والحكيم ومحمّد بن نصر وعن انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحب ان يبسط الله فى رزقه وينسأله فى اثره فليصل رحمه- متفق عليه وعن ابى أيوب الأنصاري قال عرض أعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى منزله فقال أخبرني ما يقرّ بنى من الجنة ويباعدنى من النار- فقال عليه السلام تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكوة وتصل الرحم- رواه البغوي وعن عبد الله بن عمرو قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس الواصل المكافي ولكن الواصل إذا انقطعت رحمه وصلها- رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رجل يا رسول الله من احقّ بحسن صحابتى- قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك وفى رواية أمك ثم أمك ثم أمك ثم «1» أبوك ثم أدناك وأدناك- متفق عليه وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من ابرّ البرّ صلة الرجل اهل ودّ أبيه بعد ان يولّى- رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا من انسابكم ما تصلون به أرحامكم فى صلة الرحم محبة فى الأهل مثراة فى المال منساة فى الأثر- رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب

_ (1) فى الأصل ثم أباك

[سورة الرعد (13) : آية 22]

وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ اى وعيده عموما وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل ان يحاسبوا-. وَالَّذِينَ صَبَرُوا قال ابن عباس على ما أمروا به- وقال عطاء على المصائب والنوائب- وقيل عن الشهوات- وقيل عن المعاصي- والاولى ان يقدر على مخالفة الهوى فيعم جميع الأقوال ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ اى طلبا لمرضاته لا لغرض من اغراض الدنيا او رياء او سمعة وَأَقامُوا الصَّلاةَ المفروضة وما شاءوا من السنن والنوافل وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ اى بعضه فى الزكوة المفروضة والنفقات الواجبة والصدقات النافلة سِرًّا وَعَلانِيَةً السر أفضل فى النافلة والعلانية فى المفروضة نفيا للتهمة- وقدم السر على العلانية لان الغالب من حال المسلم الصدقة النافلة- وقلّ ما يجب على المسلم الزكوة وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ قال ابن عباس اى يدفعون بالصالح من العمل السيّء نظيره قوله تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ- عن ابى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال إذا عملت سيئة فاتبعها حسنة تمحها- رواه احمد بسند صحيح وروى ابن عساكر عن عمر ابن الأسود مرسلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا عملت عشر سيّئات فاعمل حسنة تحدرهن بها- وعن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مثل الّذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته- ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم عمل حسنة فانفكت اخرى حتّى طرح الى الأرض- رواه الطبراني وقال ابن كيسان معنى الاية يدفعون الذنب بالتوبة- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عملت سيئة فاحدث عندها توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية- رواه احمد فى الزهد عن عطاء مرسلا وقيل معناه لا يكافؤن الشر بالشر ولكن يدفعون الشر بالخير- وقال السدىّ معناه إذا سفه عليهم حلموا- فالسفه السيئة والحلم الحسنة- وقال قتادة ردوا عليه معروفا- نظيره قوله تعالى وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً- قال الحسن إذا حرموا اعطوا وإذا ظلموا عفوا وإذا قطعوا وصلوا- عن ابى هريرة ان رجلا قال يا رسول الله ان لى قرابة أصلهم ويقطعونى واحسن إليهم ويسيئون الىّ واحلم عنهم ويجهلون علىّ- قال لئن كنت كما قلت فكانما تسفهم المل ولا يزال

[سورة الرعد (13) : الآيات 23 إلى 25]

منك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك- رواه مسلم قال عبد الله بن المبارك هذه ثمان خلال مشيرة الى ثمانية أبواب الجنة أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) العقبى جزاء الأمر وأعقبه جازاه كذا فى القاموس- سمى جزاء الفعل عقبى لانه يعقبه لكن العقبة والعقبى والعاقبة مختصة بالثواب وخير الجزاء على الحسنة- كما ان العقوبة والمعاقبة والعقاب مختصة بالعذاب وسوء الجزاء على السيئة- قال الله تعالى فى الثواب خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً وقال أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ- وفَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ وقال وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ- وقال فى العذاب فَحَقَّ عِقابِ ... شَدِيدُ الْعِقابِ وقال وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وقال وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ- لكن بالاضافة يستعمل العاقبة فى العقوبة ايضا قال الله تعالى ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى وفَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ- فهو اما مستعمل بالاشتراك او يكون استعارة من ضده كقوله تعالى فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ والمراد بالدار النشئة الاخرة فانها المستقر بخلاف الدنيا فانها معبر- واضافة العقبى الى الدار بمعنى فى كمصارع مصر- والمعنى أولئك لهم جزاء حسن فى الدار الاخرة- والجملة خبر للموصولات ان رفعت بالابتداء وان جعلت صفات لاولى الألباب فاستيناف بذكر ما استوجبوا بتلك الصفات. جَنَّاتُ «1» عَدْنٍ اى اقامة عطف بيان لعقبى الدار او مبتدا خبره يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ عطف على الضمير المرفوع فى يدخلون وساغ عند البصريين للفصل بالضمير المنصوب وقال الزجاج هو مفعول معه- والمراد بالصلاح نفس الايمان فحسب لاكمال الصلاح المراد بقوله أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ بدليل العطف- فان العطف يقتضى المغائرة ولو كان المراد بالصلاح كما له لدخل المعطوف فى المعطوف عليه- فهذه الاية تدل على ان الله تعالى يعطى درجات الكاملين من لم يبلغ درجتهم ولم يعمل مثل أعمالهم من ابائهم وأزواجهم وذرياتهم تطييبا لقلوبهم وتعظيما لشأنهم بشرط ايمانهم- فان التقييد بالصلاح يفيد ان مجرد الأنساب لا تنفع بدون الايمان والأمهات تدخل فى حكم الآباء بدلالة النص- ويشكل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببى ونسبى- رواه

_ (1) عن مجاهد قال قرا عمر على المنبر جنّت عدن فقال ايها الناس هل تدرون ما جنت عدن قصر فى الجنة له عشرة آلاف باب على كل باب خمسة وعشرون الفا من الحور العين لا يدخله الا نبى او صديق او شهيد- منه رحمه الله-

الطبراني والحاكم والبيهقي عن عمر بسند صحيح والطبراني عن ابن عباس وعن المسور بن مخرمة وروى ابن عساكر عن ابن عمر بسند صحيح بلفظ كل نسب وصهر ينقطع الا نسبى وصهرى- فان هذا الحديث يدل على ان قرابة غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يفيد يوم القيامة- وحل هذه الاشكال عندى ان المؤمنين كلهم أبناء لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ- وزاد أبيّ فى قراءته وهو اب لّهم- وقال الله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ- وقد ذكرنا فى تفسير سورة الكوثر ان العاص بن وائل حين قال فى النبي صلى الله عليه وسلم دعوه فانه رجل ابتر لا عقب له- فانزل الله تعالى فيه إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ مع انه كان لعاص بن وائل عقب وهو عمرو هشام- وان تأويله ان عمرو هشاما أسلما فقد انقطعت بينه وبينهما حتّى لا يرثانه فهما من أبناء النبي صلى الله عليه وسلم- فعلى هذا معنى الحديث كل نسب وسبب منقطع الا سببى ونسبى ولو بواسطة يعنى نسبى ونسب ابنائى وان سقلوا وسببى ومن له منى سبب- فكانّ المراد ان قرابات الكفار وموالاتهم تنقطع دون قرابات المؤمنين وموالاتهم نظيره قوله تعالى- الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ... وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) من أبواب الجنة او من أبواب قصورهم او من أبواب الفتوح والتحف- قال مقاتل يدخلون عليهم فى مقدار يوم وليلة من ايام الدنيا ثلاث مرات معهم الهدايا والتحف قائلين. سَلامٌ عَلَيْكُمْ فى موضع الحال بتقدير القول كما ذكرنا يعنى سلمكم الله من الآفات الّتي كنتم تخافونها ولا زوال لما أنعم الله عليكم بِما صَبَرْتُمْ متعلق بعليكم او بمحذوف اى هذا الثواب بما صبرتم عن المعاصي على الطاعات على خلاف الأهواء وعلى المصائب- وليس متعلقا بسلام فان الخبر فاصل والباء للسببية فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) عقباهم عن ابى امامة قال ان المؤمن ليكون على أريكته إذا دخل الجنة وعنده سلطان من خدم- وعند طرف السماطين باب مبوّب- فيقبل الملك من ملائكة الله تعالى يستأذن فيقوم ادنى الخدم الى الباب فاذا هو بالملك يستأذن فيقول للذى يليه ملك يستأذن ويقول للذى يليه ايذنوا له كذلك حتّى يبلغ أقصاهم الّذي عند الباب- فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف- رواه البغوي وعن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء

[سورة الرعد (13) : آية 26]

المهاجرين الذين تسربهم الثغور وتتقى بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله لمن يشاء من ملائكته ايتوهم فحيوهم فيقول الملائكة ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك فتأمرنا ان نأتى هؤلاء وسلم عليهم قال الله تعالى انهم كانوا عبادا يعبدوننى ولا يشركون بي شيئا وتسربهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء قال فتأتيهم الملائكة عند ذلك ف يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ يعنى مقابلى الأولين مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ اى بعد ما أوثقوه به من الإقرار والقبول وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ويفرقون بين الله ورسوله ويقطعون الأرحام وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ يعملون بالمعاصي ويهلكون الحرث والنسل ويقطعون السبيل ويبغون بغير الحق- عن ابى بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من ذنب أحرى ان يعجل الله لصاحبه العقوبة فى الدنيا مع ما يدخر له فى الاخرة من البغي وقطيعة الرحم- رواه احمد والبخاري فى الأدب وابو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وابن حبان- وعن جبير بن مطعم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل الجنة قاطع رحم- متفق عليه وعن عبد الله بن ابى اوفى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا ينزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم- رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مد من خمر- رواه النسائي والدارمي- أولئك لهم اللّعنة البعد من رحمة الله عزّ وجلّ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) يعنى الجزاء السوء فى الدار الاخرة وهو نار جهنم-. اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ اى يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء وَفَرِحُوا يعنى اهل مكة أشروا وبطروا بِالْحَياةِ الدُّنْيا اى بما بسط لهم من الرزق وغيره فى الدار الدنيا ولم يشكروا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي جنب الحيوة الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ (26) اى متعة لا تدوم كعجالة الراكب وزاد الراعي-

[سورة الرعد (13) : آية 27]

لا يصلح نعيمها لان يقنع عليها ويهمل السعى للاخرة- ويفرح بها ويبطر بل ينبغى ان تصرف فيما يستوجبون به نعيم الاخرة-. وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا بعد ما راوا المعجزات الباهرة والآيات القاطعة لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ اى على محمّد صلى الله عليه وسلم آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يشهد له يعنى اقترحوا الآيات عنادا وتعنتا قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ يعنى لا قصور فى نزول الآيات وقيام الشواهد لكن الآيات لا توجب الهداية- انما الهداية والضلالة بيد الله تعالى يضل من يشاء ممن كان على صفتكم فلا سبيل الى اهتدائهم وان أنزلت كل اية وَيَهْدِي إِلَيْهِ اى الى الايمان به وطاعته والترقي الى مدارج قربه والى جنته مَنْ أَنابَ (27) يعنى من يشاء الله انابته فاناب يعنى اقبل اليه بقلبه ورجع عن العناد- فالله يهديه بما جئت به بل بأدنى منه من الآيات. الَّذِينَ آمَنُوا بدل من قوله من أناب او خبر مبتدا محذوف وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ يعنى يستقر فيها الايمان واليقين ويزول عنه الريب والشك بذكر الله تعالى يعنى القران- فان الايمان طمانية والنفاق شك وريبة- او المعنى يزول وساوس الشيطان عن قلوب المؤمنين بذكر الله- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من آدميّ الا ولقلبه بيتان- فى أحدهما الملك وفى الاخر الشيطان فاذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر الله وضع الشيطان منقاره فى قلبه فوسوس له- رواه ابن ابى شيبة فى المصنف عن عبد الله بن شقيق ورواه البخاري تعليقا عن ابن عباس مرفوعا بلفظ الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فاذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس- او المعنى ان القلوب الصافية للمؤمنين انما قوتهم ذكر الله تعالى فاذا ذكروا الله تطمئن قلوبهم أنسا به تعالى كاطمينان السمك فى الماء- وحيوان البر فى الهواء- والوحش فى الصحراء- وإذا غشيهم غاشية توجب الغفلة او ابتلوا بصحبة اهل الغفلة لحق قلوبهم اضطراب وقلق- كما يلحق الاضطراب للسمك خارج الماء ولحيوان البر فى الماء وللوحش فى القفص- وهذه الحالة بديهية من الوجدانيات لخدام الصوفية العلية- فالمراد بقوله الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ هم الصوفية أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) اى القلوب المزكّية قال البغوي فان قيل أليس قد قال الله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ

[سورة الرعد (13) : آية 29]

وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فكيف يكون الطمأنينة والوجل فى حالة واحدة- قيل الوجل عند ذكر الوعيد والعقاب والطمأنينة عند ذكر الوعد والثواب- فالقلب توجل إذا ذكرت عدل الله وشدة حسابه- وتطمئن إذا ذكرت فضل الله وكرمه- وهذا الكلام يقتضى المنافاة بين الطمأنينة والوجل- وعندى لا منافاة بينهما فان الطمأنينة المبنية على الانس يجتمع مع الوجل- وايضا الخوف والرجاء يجتمعان فى حالة واحدة- عن انس قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على شابّ وهو فى الموت- فقال كيف تجدك قال أرجو الله يا رسول الله وانى أخاف ذنوبى- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان فى قلب عبد فى مثل هذا الموطن الا أعطاه الله ما يرجو وامنه مما يخاف- رواه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي حديث غريب-. الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ فعلى من الطيب مصدر طاب يطيب كبشرى وزلفى قلبت ياؤه واو الضمة ما قبلها- ومحله الرفع او النصب كقولك طيبا لك وطيب لك وسلاما عليك وسلام عليك- واللام فى لهم للبيان نحو سقيا لك- ومعناه على قول ابن عباس فرح لهم وقرة عين- وقال عكرمة نعم مالهم- وقال قتادة حسنى لهم- وقال معمر عن قتادة يقول الرجل طوبى لك إذا أصبت خيرا- وقال ابراهيم خير لهم وكرامة- وقال سعيد بن جبير طوبى اسم الجنة بالحبشية- وقال البغوي روى عن ابى امامة- وابى هريرة وابى الدرداء رضى الله عنهم قالوا طوبى شجرة «1» فى الجنة يظلّ الجنان كلها- وقال عبيد بن عمير هى شجرة فى جنة عدن أصلها فى دار النبي صلى الله عليه وسلم وفى كل دار وغرفة غصن منها- لم يخلق الله لونا ولا زهرة الا وفيها منها الا السواد- ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة الا وفيها منها- ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل وقال مقاتل كل ورقة منها يظل امة- عليها ملك يسبح الله بانواع التسبيح- اخرج احمد وابن حبان والطبراني وابن مردوية والبيهقي عن عتبة ابن عبد الله السلمى قال قال أعرابي يا رسول الله فى الجنة فاكهة- قال نعم فيها شجرة طوبى يطابق الفردوس- قال اىّ شجرة ارضنا يشبه- قال ليس يشبه شيئا من شجر أرضك ولكن

_ (1) عن ابن عمر قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم طوبى فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر هل بلغك ما طوبى قال الله ورسوله اعلم قال شجرة فى الجنة لا يعلم طولها الا الله فيسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا ورقها الحلل يقع عليها كامثال البخت قال ابو بكر ذلك الظّئر باعم قال أنعم منه من أكله وأنت منهم يا أبا بكر إنشاء الله- ازالة الخفا- منه رحمه الله

[سورة الرعد (13) : آية 30]

أتيت الشام قال لا- قال فانها تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد ثم ينشر أعلاها- قال ما عظم أصلها قال لو ارتحلت برمة من ابل أهلك ما أحطت بأصلها حتّى تنكسر ترقوتا هرما- قال فهل فيها عنب- قال نعم قال ما عظم العنقود منها- قال مسيرة شهر للغراب الا يقع قال ما عظم الجثة منها قال هل ذبح أبوك تيسا من غنمه عظيما قط- قال نعم قال فاسلخ إهابه فاعطى أمك فقال ادبغى هذا ثم افرى لنا منه دلوا نروى فيه ما شينا ... قال فان تلك الحبة يشبعنى واهل بيتي قال نعم وعامة عشيرتك- وروى عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه قال ان رجلا سال النبي صلى الله عليه وسلم ما طوبى قال شجرة فى الجنة مسيرة مائة سنة- ثياب اهل الجنة تخرج من أكمامها- رواه ابن حبان وعن معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه طوبى شجرة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وان أغصانها ليرى من وراء سور الجنة- وروى البغوي بسنه عن ابى هريرة قال ان فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة سنة لا يقطعها اقرءوا ان شئتم وظلّ مّمدود- متفق عليه وأخرجه احمد وزاد فى آخره وان ورقها ليخمر الجنة- واخرج البغوي وهناد بن سرى فى الزهد وزاد فى آخره فبلغ ذلك كعبا فقال صدق والّذي انزل التورية على موسى والقران على محمّد صلى الله عليه وسلم- لو ان رجلا ركب حقة او جذعة ثم أدار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتّى يسقط هرما- ان الله غرسها بيده ونفخ فيها من روحه وان أفنانها لمن وراء سور الجنة- ما فى الجنة نهر الا وهو يخرج من اصل تلك الشجرة- وعن ابى هريرة قال فى الجنة شجرة يقال لها طوبى يقول لها الله تعالى تفتقى لعبدى عما يشاء فتفتق له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما يشاء- وتفتق له عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما يشاء- وعن الثياب- رواه ابن ابى الدنيا والبغوي واخرج ابن المبارك وابن جرير عن شهر بن حوشب قال طوبى شجرة فى الجنة كل شجرة الجنة من أغصانها من وراء سرر الجنة وَحُسْنُ مَآبٍ (29) اى حسن المنقلب-. كَذلِكَ يعنى مثل ارسالنا الرسل قبلك أَرْسَلْناكَ يا محمّد فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مضت مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ أرسلوا إليهم فليس ارسالك امرا مبدعا لِتَتْلُوَا لتقرا عَلَيْهِمُ القران الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ

[سورة الرعد (13) : آية 31]

بِالرَّحْمنِ وحالهم انهم يكفرون بالبليغ الرحمة الّذي أحاطت بهم نعمته ووسع كل شيء رحمته- فلم يشكروا نعمته خصوصا لم يشكروا ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم وإنزال القران الّذي هو مناطا لمنافع الدينية والدنياوية عليهم- قال البغوي قال قتادة ومقاتل وابن جريح نزلت الاية فى صلح الحديبية- وكذا اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن قتادة وذلك ان سهل بن عمرو لما جاء واتفقوا على ان يكتبوا كتاب الصلح كما ذكرنا القصة فى سورة الفتح- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلىّ اكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم- قالوا لا نعرف الرّحمن الا صاحب اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب اكتب كما كنت تكتب باسمك اللهم- فهذا معنى قوله وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ- قال البغوي والمعروف ان الاية مكية وسبب نزولها ان أبا جهل سمع محمّدا صلى الله عليه وسلم وهو فى الحجر يدعو يا الله يا رحمان فرجع الى المشركين فقال ان محمّدا يدعو الهين يدعو الله ويدعو الرّحمن ولا نعرف الرّحمن الا رحمان اليمامة- فنزلت هذه الاية ونزلت قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى - وروى الضحاك عن ابن عباس انها نزلت فى كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ ... قُلْ يا محمّد هُوَ رَبِّي اى الرّحمن الّذي انكرتم معرفته هو خالقى ومتولى امرى لا إِلهَ لا يستحق العبادة إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ اعتمدت فى نصرتى عليكم وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) توبتى او اليه مرجعى فيثيبنى- قرا يعقوب متابى وعقابى ومابى بالياء فى الحالين والباقون يحذفونها- اخرج الطبراني وغيره عن ابن عباس قال قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم ان كان كما تقول فارنا أشياخنا الاول نكلمهم من الموتى وافسح لنا هذه الجبال جبال مكة فنزلت. وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الاية واخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية عن عطية العوفى قال قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم لو سيّرت جبال مكة حتّى يتسع فنحرث فيها او قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح وأحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيى الموتى لقومه فانزل الله تعالى هذه الاية- وذكر البغوي مبسوطا ان الاية نزلت فى نفر من مشركى مكة منهم ابو جهل بن هشام وعبد الله بن امية جلسوا خلف الكعبة فارسلوا

الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عبد الله بن امية ان سرّك ان نتبعك فسيّر جبال مكة بالقران حتّى ينفسح فانها ارض ضيّقة لمزارعنا- واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا لنغرس فيها الأشجار ونزرع ونتخذ البساتين- فلست كما زعمت باهون على ربك من داود سخرت له الجبال تسبح معه- او سخّر لنا الريح فنركبها الى الشام لميرتنا وحوائجنا ونرجع فى يومنا- فقد سخرت الريح لسليمان كما زعمت ولست باهون على ربك من سليمان- واحيى لنا جدك قصيّا او من شئت من موتانا لنسئله عن أمرك أحق ما تقول أم باطل- فان عيسى كان يحى الموتى ولست باهون على الله منه- فانزل الله تعالى هذه الاية- واخرج ابو يعلى فى مسنده من حديث الزبير بن العوام بمعناه يعنى لو ثبت ان قرانا يعنى كتابا من الكتب السماوية سيرت به الْجِبالُ اى أزيلت عن مقارها أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ فى السير بان يسخر الله الريح فيركبونها ويقطعون الأرض او شققت الأرض فجعلت أنهارا وعيونا أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى اى أحيا به الموتى حتّى تكلموا- تذكير كلّم خاصة لاشتمال الموتى على المذكر الحقيقي- بل المراد به قصىّ «1» وأمثاله- وجواب الشرط محذوف يعنى لكان هذا القران لانه الغاية فى الاعجاز لكن الله سبحانه لم يقدّر كذلك- او لما أمنوا نظيره قوله تعالى وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ «2» الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا- وقيل الجواب مقدم وهو قوله وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ وما بينهما اعتراض- كانّه قال لو سيرت به الجبال لكفروا بالرحمن ولم يؤمنوا- لما كتبناه عليهم من الشقاء ولان مبادى تعيناتهم ظلال الاسم المضلّ فانى لهم الهداية بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً إضراب عن كلام مقدر يدل عليه معنى لو من نفى تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى- تقديره ليس ذلك النفي لكون الأمور المذكورة غير مقدورة لله تعالى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً فهو قادر على ما اقترحوا من الآيات وكل شيء سواه الا ان إرادته لم يتعلق بذلك لعلمه بانهم لا يؤمنون ولو يروا كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ- او لان الله تعالى لم يرد هدايتهم «3» - قال البغوي ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا هذا من المشركين طمعوا فى ان يفعل الله ما سالوا حتّى يؤمنوا فانزل الله تعالى أَفَلَمْ يَيْأَسِ قرا البزي بفتح الياء من غير همز الَّذِينَ آمَنُوا

_ (1) فى الأصل قصيّا-[.....] (2) فى الأصل عليهم- (3) فى الأصل سخر له

[سورة الرعد (13) : آية 32]

عن ايمانهم حتّى طمعوا ذلك مع ما راوا من أحوالهم انهم راوا من الآيات ما هو أعظم من ذلك فلم يؤمنوا الا ترى ان انشقاق القمر باشارة النبي صلى الله عليه وسلم أشد اعجازا من تسيير الجبال وتقطيع الأرض- وتكليم الحصى أشد إعجازا من تكليم الموتى وغير ذلك ما لا يحصى أَنَّ مخففة من الثقيلة اى انه لَوْ يَشاءُ اللَّهُ متعلق بمحذوف تقديره أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا من ايمانهم علما منهم أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً او متعلق بامنوا وان مصدرية يعنى الذين آمنوا بان لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً- وقال اكثر المفسرين معنى افلم يايئس أفلم يعلم- قال الكلبي هى لغة النخع وقيل لغة هو اذن وأنكر الفراء ان يكون بمعنى العلم وزعم انه لم يسمع أحدا من العرب يقول يئست بمعنى علمت ويمكن ان يقال انه استعمل الإياس بمعنى العلم مجازا لانه مسبب عن العلم فان المأيوس عنه لا يكون الا معلوما ولذلك علقه بقوله أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ اى انه لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً والسبب لهذا القول ما اخرج ابن جرير عن علىّ وابو عبيدة وسعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس انهما قرا افلم يتبيّن الّذين آمنوا ان لّو يشاء الله لهدى النّاس جميعا فكانه تفسير لقوله (افلم «1» يياسوا) والله اعلم- وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا من الكفر والأعمال الخبيثة قارِعَةٌ اى داهية تقرعهم من انواع البلاء أحيانا بالجدب وأحيانا بالسلب وأحيانا بالقتل والاسر- قال ابن عباس أراد بالقارعة السرايا الّتي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعتهم إليهم أَوْ تَحُلُّ يعنى القارعة من السرايا وغير ذلك قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ فيقرعون منها ويتطاء إليهم شررها- وقيل معناه او تحل أنت يا محمّد بنفسك الكريمة قريبا من دارهم وقد حلّ بالحديبية والاية على هذا وعلى ما قال ابن عباس فى كفار مكة حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ اى الموت او القيامة ان كانت الاية عامة او فتح مكة ان كانت فى كفار مكة إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (31) لامتناع الكذب والخلف فى كلامه ولمّا كان الكفار يسئلون هذه الأشياء على سبيل الاستهزاء انزل الله تعالى تسلّية للنبى صلى الله عليه وسلم. وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ كما يستهزءون بك فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الملوة المدة الطويلة من الدهر ومنه الملوان الليل والنهار

_ (1) فى الأصل هكذا وفى الاية أَفَلَمْ يَيْأَسِ-

[سورة الرعد (13) : آية 33]

باعتبار امتدادهما- وليست الملوان حقيقة الليل والنهار بدليل قول الشاعر نهار وليل دائم ملوهما «1» على كل حال المرء يختلفان- فلو كانا الليل والنهار لما أضيف الى ضميرهما فمعنى فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا تركتهم فى مدة من الدهر من غير تعذيب وأمهلتهم ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بالعقوبة فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (32) عقابى إياهم اى هو واقع موقعه فكذلك افعل بمن استهزا بك. أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ رقيب عليه بِما كَسَبَتْ من خير وشر لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ولا يفوت عنده شيء من جزائهم والخبر محذوف تقديره كمن ليس كذلك- والاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أتشركون بالله أصناما فتجعلون من هو قائم على كلّ نفس لمن ليس كذلك وهو جماد عاجز عن نفسه يعنى ليس كذلك فلا تشركوا به وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ استيناف او لطف على كسبت ان جعل ما مصدرية- او على مقدر تقديره لم يوحدوه وجعلوا لله شركاء- ويكون الظاهر فيه موضع الضمير للتنبيه على انه المستحق للعبادة قُلْ سَمُّوهُمْ يعنى صفوهم فانظروا هل هم يستحقون العبادة ويستأهلون الشركة أَمْ تُنَبِّئُونَهُ اى بل أتخبرون الله بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ اى بشركاء يستحقون العبادة لا يعلمهم الله- او بصفات للاصنام يستحقون العبادة لاجلها لا يعلمها الله- وهو العالم بكل ما هو كائن أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أم تسمونها شركاء بظاهر من القول مسموع ليس لها مصداق أصلا- كتسمية الزنجي كافورا- وقيل معناه بباطل من القول قال الشاعر وعيرنى الواشون الى أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عاريها - اى باطل بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعنى زين لهم الشيطان مَكْرُهُمْ اى كيدهم وتمويهم فتخيلوا أباطيل او كيدهم للاسلام بشركهم وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ قرا الكوفيون بضم الصاد هاهنا وفى حم المؤمن اى صرفوا عن الدين صرفهم الله تعالى وأضلهم الشيطان- وقرا الباقون بالفتح اى صدوا الناس عن الايمان وطريق الهدى وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ بخذ لانه إياه فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) يوفقه للهدى. لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بالقتل والاسر وضرب الجزية وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ أشد وأدوم منه

_ (1) فى الأصل ملوها-

[سورة الرعد (13) : آية 35]

وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ اى من عذابه- او من رحمته مِنْ واقٍ (34) حافظ-. مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ اى صفتها الّتي هى مثل فى الحسن والغرابة- مبتدا خبره محذوف عند سيبويه- اى فيما يقص عليكم وما بعده حال من العائد المحذوف من الصلة- وقيل خبره تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ على طريقة قولك صفة زيد اسمه- او على حذف الموصوف اى مَثَلُ الْجَنَّةِ جنة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ- او يقال لفظ المثل زائد والمعنى (الجنّة الّتي وعد المتّقون تجرى من تحتها الانهر أكلها) اى ثمرها دائِمٌ لا ينقطع- اخرج البزار والطبراني عن ثوبان انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا ينزع رجل من اهل الجنة ثمرها الا أعيد فى مكانها مثلها- وفى هذه الاية والحديث رد على الجهمية حيث قالوا ان نعيم الجنة يفنى وَظِلُّها اى وظلها كذلك لا ينسخ كما ينسخ فى الدنيا بالشمس- اخرج البيهقي عن شعيب بن الجيحان قال خرجت انا وابو العالية الرياحي قبل طلوع الشمس فقال نبّئت ان الجنة هكذا ثم تلا وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ... تِلْكَ اى الجنة الموصوفة بما ذكرنا عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا اى جزاؤهم او مالهم ومنتهى أمرهم وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) ان كان العقبى بمعنى الجزاء فاستعماله هاهنا على سبيل الاستعارة- كما فى قوله تعالى. هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ «1» - وفَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى اصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم- او مؤمنوا اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه ومن أمن من النصارى من اهل الحبشة وغيرهم يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القران لموافقته ما عندهم وَمِنَ الْأَحْزابِ يعنى الكفار الذين تحزّبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم- او الذين كفروا من اليهود والنصارى ككعب بن الأشرف وأصحابه- والسيد والعاقب وأمثالهما مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ وهو ما يخالف أهواءهم- او ما يخالف شرائعهم من شريعتنا ونبوة محمّد صلى الله عليه وسلم- قال البغوي قال جماعة كان ذكر الرّحمن قليلا فى القران فى الابتداء- فلمّا اسلم عبد الله بن سلام وأصحابه ساءهم قلة ذكره فى القران مع كثرة ذكره فى التورية

_ (1) فى الأصل يعملون-

[سورة الرعد (13) : آية 37]

فلما كرر الله ذكره فى القران فرحوا به- فانزل الله تعالى هذه الاية- وقيل المراد بقوله ومن الأحزاب من ينكر بعضه يعنى مشركى مكة حين كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتاب الصلح بسم الله الرّحمن الرّحيم- قالوا لا نعرف الرّحمن الا رحمان اليمامة يعنى مسيلمة الكذّاب فانزل الله وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ ... - وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ- وانما قال بَعْضَهُ لانهم كانوا لا ينكرون ذكر الله وينكرون ذكر الرّحمن قُلْ يا محمّد إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ اى بان أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ الاية ان كان فى جواب منكرى اهل الكتاب فالمعنى قل لهم انى أمرت فيما انزل الىّ ان اعبد الله واوحّده- وهو العمدة فى الدين ولا سبيل لكم الى إنكاره- واما ما تنكرونه مما يخالف شرائعكم من الاحكام فليس ببدع- فان الشرائع والكتب السماوية ينسخ بعضها بعضا فى جزئيات الاحكام- وان كان فى عامة الكفار فالمعنى انى أمرت ان اعبد الله وحده- وذكره بأسماء كثيرة من الله والرّحمن والرّحيم لا ينافى التوحيد فانكاركم على اسم الرّحمن لا معنى له- ولعل انكارهم ذكر الرّحمن مبنى على ان استعدادهم يأبى عن رحمة الله تعالى إِلَيْهِ أَدْعُوا الناس لا الى غيره وَإِلَيْهِ لا الى غيره مَآبِ (36) مرجعى ولا سبيل الى انكار ذلك. وَكَذلِكَ اى مثل انزالنا الكتب السابقة بلغات من أرسل إليهم أَنْزَلْناهُ اى القران عليك حُكْماً فى القضايا والوقائع والحلّ والحرمة وغيرها على ما يقتضيه الحكمة عَرَبِيًّا مترجما بلسان قومك العرب ليسهل لك ولقومك فهمه وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ فيما أنكروا عليك فرضا بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) يعنى ناصر وحافظ يقيك ويمنع العقاب عنك روى ان اليهود قالوا ان هذا الرجل ليس له همة الا فى النساء فانزل الله تعالى. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ بشرا مثلك لا ملائكة وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً اى نساء وأولادا كما هى لك وَما كانَ لِرَسُولٍ اى ما صح له ولم يكن فى وسع أحد منهم أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ يقترح عليه وحكم يلتمس منه إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لانهم عبيد مربوبون لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38) اى لكل أمد- ولوقت كل شيء كتاب كتب الله

[سورة الرعد (13) : آية 39]

فى الأزل بدايته ونهايته- يعنى كتب الله فى الأزل انّ زيدا يولد فى وقت كذا ويبقى منذ كذا كافرا ويسلم فى وقت كذا ونحو ذلك- وكذا لنزول اية من القران او معجزة قضى وجوده وقت مكتوب عند الله لا يتقدمه ولا يتاخر وان استعجل الناس- وجاز ان يكون هذا متعلقا بقوله تعالى وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ على ان يكون تلك الاية فى انكار اهل الكتاب على احكام يخالف احكام التورية يقول الله لكل أمد ووقت حكم يكتب على العباد على ما يقتضى استصلاحهم-. يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قرا ابن كثير وابو عمرو ويعقوب وعاصم يثبت بالتخفيف من الافعال- والباقون بالتشديد من التفعيل- واختلفوا فى معنى الاية قال سعيد بن جبير وقتادة يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ من الفرائض والشرائع فينسخه ويبدّله ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه- وهذا يناسب التأويل الثاني للاية المتقدمة عليها- وقال ابن عباس يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ يعنى مما كان فى اللوح- فما كان مكتوبا قابلا للمحو يسمى بالقضاء المعلق- يمحوه الله تعالى بايجاد ما علق محوه به- سواء كان ذلك التعليق مكتوبا فى اللوح او مضمرا فى علم الله تعالى- وما ليس قابلا للمحو يسمى بالقضاء المبرم- وذلك القضاء لا يرد قال ابن عباس يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ الا الرزق والاجل والسعادة والشقاوة يعنى انها «1» لا تمحى- قال البغوي روينا عن حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يدخل الملك على النطفة بعد ما يستقر فى الرحم بأربعين او خمسة وأربعين ليلة- فيقول يا رب أشقى أم سعيد فيكتبان- فيقول اى رب اذكر أم أنثى فيكتبان- ويكتب عمله واثره واجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص- وفى الصحيحين عن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة- ثم تكون علقة مثل ذلك- لم تكون مضغة مثل ذلك- ثم يبعث الله اليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله وأحله ورزقه وشقى او سعيد- ثم

_ (1) واخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ الا الشقاوة والسعادة والحياة والموت- واخرج ابن مردوية عن جابر بن عبد الله عن رباب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يمحوا من الرزق ويزيد فيه ويمحوا من الاجل ويزيد فيه- واخرج ابن مردوية عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قال ذلك كل ليلة القدر يرفع ويجير ويرزق غير الحيوة والموت والشقاوة والسعادة فان ذلك لا يبدل- منه رحمه الله

ينفخ فيه الروح الحديث- وقال البغوي وعن عمرو ابن مسعود انهما قالا يمحو السعادة والشقاوة ايضا ويمحو الرزق والاجل ويثبت ما يشاء- وروى عن عمر انه كان يطوف بالبيت وهو يبكى ويقول اللهم ان كنت كتبتنى فى اهل السعادة فاثبتنى فيها- وان كنت كتبت علىّ الشقاوة فامحنى وأثبتني فى اهل السعادة والمغفرة فانك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب- ومثله عن ابن مسعود وفى بعض الآثار ان الرجل قد يكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فيرد الى ثلاثة ايام- والرجل قد يكون قد بقي له من عمره ثلاثة ايام فيصل رحمه فيمد الى ثلاثين سنة- ثم روى البغوي بسنده الى ابى الدرداء رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل الله فى اخر ثلاث ساعات يبقين من الليل- فينظر فى الساعة الاولى منهن فى الكتاب الّذي لا ينظر فيه أحد غيره- فيمحو ما يشاء ويثبت- اخرج ابن مردوية عن علىّ انه سال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاية فقال لا قرن عينك بتفسيرها ولا قرن عين أمتي من بعدي بتفسيرها- الصدقة على وجهها وبر الوالدين واصناع المعروف يحوّل الشقاء سعادة ويزيد فى العمر- قلت ويوافق مذهب عمر وابن مسعود رضى الله عنهما ما ذكر فى المقامات المجددية ان المجدد رضى الله عنه نظر ببصيرة الكشف مكتوبا فى ناصية ملا طاهر اللاهورى شقى- وكان ملا طاهر معلما لابنيه الكريمين محمّد سعيد ومحمّد معصوم رضى الله عنهما- فذكر المجدد رضى الله عنه ما ابصر لولديه الشريفين- فالتمسا منه رضى الله عنهم ان يدعو الله سبحانه ان يمحو عنه الشقاوة ويثبت مكانه السعادة- فقال المجدد رضى الله عنه نظرت فى اللوح المحفوظ فاذا فيه انه قضاء مبرم لا يمكن رده- فالجا ولداه الكريمان فى الدعاء لما التمسا منه- فقال المجدد رضى الله عنه تذكرت ما قال غوث الثقلين السيد السند محى الدين عبد القادر الجيلي رضى الله عنه ان القضاء المبرم ايضا يرد يدعونى- فدعوت الله سبحانه وقلت اللهم رحمتك واسعة وفضلك غير مقتصر على أحد- ارجوك وأسئلك من فضلك العميم ان تجيب دعوتى فى محو كتاب الشقاء من ناصية ملا طاهر- واثبات السعادة مكانه- كما أجبت دعوة سيد السند رضى الله عنه- قال فكانى انظر الى ناصية ملا طاهر انه محيى منها كلمة شقى وكتب مكانه سعيد

وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ- ثم أشكل علىّ هذا الأمر وقلت ما معنى رد القضاء المبرم بدعاء أحد فانه لا مرد لقضائه تعالى المبرم بوجه من الوجوه- والا لا يكون المبرم مبرما- وهذا خلف او يلزم المحال- فالهمنى الله تعالى حل ذلك الاشكال ان القضاء المعلق نوعان- أحدهما ما كتب فى اللوح المحفوظ تعليقه وكتب ان رد هذا القضاء معلق بامر كذا- وثانيهما ما لم يكتب تعليقه فى اللوح- فهو فى اللوح على صورة المبرم ومعلق محوه وإثباته فى علم الله تعالى- فما قال السيد السند رضى الله عنه ان القضاء المبرم يرد بدعوتي- فذلك القضاء هو الّذي فى اللوح فى صورة المبرم وليس مبرما فى علم الله تعالى- وكان شقاوة ملا طاهر من هذا القبيل مبرما فى اللوح معلقا محوه بدعاء المجدد رضى الله عنه فى علم الله تعالى والله اعلم وقال الضحاك والكلبي معنى الاية ان الحفظة يكتبون جميع اعمال ابن آدم وأقواله فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب- مثل قوله أكلت وشربت دخلت وخرجت ونحوها من كلام هو صادق فيه- ويثبت ما فيه ثواب او عقاب- قال الكلبي يكتب القول كله حتّى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيها ثواب ولا عقاب- وقال عطية عن ابن عباس رضى الله عنهما هو الرجل يعمل بطاعة الله ثم يعود يعصيه فيموت على ضلاله فهو الّذي يمحو- ورجل يعمل بطاعة الله فيموت وهو فى طاعته فهو الّذي يثبت- روى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرّحمن كقلب واحد يصرّفه كيف يشاء- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك- وقال الحسن يمحو ما يشاء اى من جاء اجله يذهب به ويثبت من لم يجئ اجله الى اجله- وعن سعيد بن جبير قال يمحو ما يشاء من ذنوب العباد فيغفرها ويثبت ما يشاء فلا يغفرها- وقال عكرمة يمحو ما يشاء من الذنوب بالتوبة ويثبت بدل الذنوب حسنات- كما قال فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ- روى مسلم عن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغائر ذنوبه فيعرض عليه صغائرها وتخبأ عنه كبائرها- فيقال عملت يوم كذا كذا وكذا وهو يقرّ وليس ينكر وهو مشفق من الكبائر ان تخيى- فقال أعطوه مكان كل سيئة حسنة فيقول ان لى ذنوبا

[سورة الرعد (13) : آية 40]

لا أراها هاهنا- فلقد رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتّى بدت نواجذه- قلت ولعل هذا فى من انغمس فى بحار المحبوبية الصرفة من الصوفية العلية- وقال السدى يمحو الله ما يشاء يعنى القمر ويثبت يعنى الشمس بيانه قوله تعالى فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً- وقال الربيع هذا فى الأرواح يقبضها الله تعالى عند النوم- فمن أراد موته محاه فامسكه ومن أراد بقاءه أثبته ورده الى صاحبه- بيانه قوله تعالى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها الاية- وقيل معناه يمحو من كتاب الحفظة من اعمال العباد ما عمل رياء وسمعة ويثبت ما عمل لوجه الله خالصا- وقيل يحو قوما ويثبت قوما وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (39) اى اصل الكتاب وهو علم الله- كذا قال كعب حين ساله ابن عباس عن أم الكتاب- وقال عكرمة عن ابن عباس هنا كتابان كتاب سوى أم الكتاب يمحو منه ما يشاء ويثبت وأم الكتاب الّذي لا يغير منه شيء- قال البغوي اللوح المحفوظ الّذي لا يبدل ولا يغير- وعن عطاء عن ابن عباس قال ان لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت- لله فيه كل يوم ثلاثمائة وثلاثون لحظة يمحو ما يشاء ويثبت-. وَإِنْ ما فيه ادغام نون ان الشرطية فى ما الزائدة نُرِيَنَّكَ قبل موتك بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من تعذيبهم ومغلوبيّتهم فى الدنيا واستيلاء اهل الإسلام كما أراه «1» صلى الله عليه وسلم هزيمتهم وقتلهم واسرهم يوم بدر- الموعود بقوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ- وجواب الشرط محذوف اى فذك أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل حلول ما نعدهم ثم نعذبهم فلا تغتم باعراضهم ولا تستعجل بعذابهم فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ لا غير وقد أتيت به وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (40) والجزاء يوم القيامة فنجازيهم إذا صاروا إلينا ليس ذلك عليك. أَوَلَمْ يَرَوْا يعنى كفار مكة أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها قال البغوي اكثر المفسرين على ان المراد منه فتح ديار الشرك- فان ما زاد فى ديار الإسلام فقد نقص من ديار الشرك- وتقدير الكلام على هذا ينكرون ما نعدهم بانهم سينفقون أموالهم ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ- ... أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ اى نقصد ارض الكفرة نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها بما نفتحه على المسلمين منها أرضا بعد ارض حوالى ارضهم فلا يعتبرون- هذا قول ابن عباس وقتادة وجماعة وفيه تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم حتّى لا يهتم ويعلم ان الله يتم ما وعده من الظفر- وقال قوم هو خراب الأرض ومعناه الا يخافون ان نهلكهم ونخرب ديارهم وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ فنخريها ونهلك أهلها ومثل

_ (1) فى الأصل راه-

[سورة الرعد (13) : آية 42]

ذلك قال مجاهد والشعبي وَاللَّهُ يَحْكُمُ فى خلقه ما يشاء لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ يعنى لا راد لقضائه ولا ناقض لحكمه- والمعقّب الّذي يعقّب الشيء ويكر عليه بالابطال- والمعنى انه تعالى حكم للاسلام بالإقبال وعلى الكفر بالادبار وذلك كائن لا مرد له- ومحل لا مع المنفي «1» النصب على الحال اى يحكم نافذا حكمه وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) فيحاسبهم فى الاخرة بعد ما يعذبهم بالقتل والاسر والاجلاء فى الدنيا. وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى قبل مشركى مكة مكر كفار الأمم السابقة بانبيائهم والمؤمنين منهم كما مكر هؤلاء لك- والمكر إيصال المكروه الى أحد من حيث لا يشعر فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً اى عند الله جزاء مكرهم وقيل معناه ان الله خالق مكرهم جميعا بيده الخير والشر ومن عنده النفع والضرّ فلا يضر مكر أحد أحدا الا باذنه فمكرهم كلا مكر يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ فيجازيه على حسب عمله فهذا هو المكر كله لانه يأتيهم من حيث لا يشعرون وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ قرا ابن عامر والكوفيون بصيغة الجمع واهل الحجاز وابو عمرو الكفر على التوحيد بارادة الجنس لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) اى لمن جزاء الحسنات فى الدار الاخرة من الفئتين- حين يأتيهم العذاب المعهود وهم فى غفلة منه والمؤمنون يدخلون الجنة- وهذا كالتفسير لمكر الله بهم. وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى كفار مكة وقيل رءوساء اليهود لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ يا محمّد كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً الباء زائدة دخلت على الفاعل وشهيدا تميز من النسبة والمعنى كفى شهادة الله تعالى بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على صدقى فانه اظهر من الادلة على رسالتى ما يغنى عن شاهد يشهد عليها- وانه تعالى هو الحاكم يوم الجزاء فلا يكون لهم عند الله عذر يومئذ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43) عطف على الله والمراد مؤمنوا اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأمثاله- يعنى ويشهد ايضا المؤمنون من أحبار اليهود ولا يضر انكار الكافرين منهم- لان اقرار من أقر منهم لا تهمة فيه أصلا- واما انكار الكفار منهم فمبنى على الحسد والعناد لاجل المال والجاه- ولاجل هذا التأويل قيل هذه الاية من هذه السورة مدنية وان كانت سائرها مكية وأنكر الشعبي وابو بشر هذا التأويل- قالا السورة مكية وعبد الله بن سلام اسلم بالمدينة- قلت لو سلمنا كون الاية مكية فلا مانع ان يكون المراد بالموصول اهل الكتاب- كانّه ارشاد لكفار مكة بانه ان لم يستيقنوا برسالة محمّد صلى الله عليه وسلم فاسئلوا اهل الكتاب سيشهد لكم ثقات منهم- وقال الحسن ومجاهد وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ هو الله تعالى والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ والمعنى كفى شهيدا الّذي يستحق العبادة- ومن لا يعلم ما فى اللوح الا هو فتجزى الكاذب منّا- ويؤيده قراءة الحسن وسعيد بن جبير من عنده بكسر الميم والدال على ان من جارة وعلم الكتب على صيغة الفعل الماضي المجهول والله اعلم تمت تفسير سورة الرعد عاشر ربيع الثاني سنة الف ومائتين واثنين سنة 1202 وسيتلوها سورة ابراهيم عليه السلام ان شاء الله تعالى-

_ (1) فى الأصل مع النفي-

فهرس سورة ابراهيم عليه السلام من التفسير المظهرى

فهرس سورة ابراهيم عليه السلام من التفسير المظهرى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحة حديث الناس تبع لقريش فى الخير والشر 3 حديث من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة 4 حديث الناس تبع لكم يا اهل المدينة فى العلم 4 حديث الشيخ فى اهله كالنبى فى أمته 4 حديث العلماء ورثة الأنبياء 4 حديث ان الناس لكم تبع 4 صبار شكور عنوان المؤمن 5 ما ورد من الأحاديث فى الصبر والشكر 5 ما ورد فى فضل التسبيح والتحميد والتهليل 17 فى تفسير الكلمة الطيبة 17 حديث الشجرة الطيبة النخلة 17 حديث ان من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وانها مثل المسلم 17 حديث من قال سبحان الله العظيم غرست له نخلة فى الجنة 17 ما ورد فى سوال المنكر والنكير والثواب والعذاب فى القبر- 18 ما ورد فى الايمان بالقدر 20 ما ورد فى مذمة بنى مغيرة وبنى امية وكفر يزيد- 21 حديث ان هذا البلد يعنى مكة حرمه الله يوم خلق السموات والأرض- 25 قصة هاجر أم إسماعيل عليه السلام 25 وإسكانهما بمكة وصيرورتها بلدا 25 حديث الدعاء هو العبادة الدعاء مخ العبادة- 29 قصة نمرود وطيرانه الى السماء فى تابوت على النسور- 32 ما ورد فى تبدل الأرض والسموات 34 حديث ما بين بيتي ومنبرى روضة من رياض الجنة- 37 يحاسب جميع الخلائق فى قدر نصف النهار- 38 تمّت

سورة ابراهيم عليه السلام

سورة ابراهيم عليه السّلام مكيّة وآياتها اثنان وخمسون ربّ يسّر وتمّم بالخير «1» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر هذا كِتابٌ اى هذه السورة او القران كتاب أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ صفة لكتاب لِتُخْرِجَ النَّاسَ متعلق بانزلنا يعنى أنزلناه لتخرجهم بدعائك إياهم الى ما تضمنه وتعليمك إياهم ما لهم وما عليهم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (5) اى من انواع الضلال الى الهدى بِإِذْنِ رَبِّهِمْ اى بتوفيقه وتسهيله- مستعار من الاذن الّذي هو تسهيل الحجاب- هو صلة لتخرج او حال من فاعله او مفعوله إِلى صِراطِ بدل من قوله الى النور بتكرير العامل- او استيناف على انه جواب لمن يسئل عنه الْعَزِيزِ الغالب الْحَمِيدِ (1) المحمود الّذي لا يستحق الحمد الا هو- واضافة الصراط الى الله اما لانه مقصده او لانه مظهر له- وتخصيص الوصفين للتنبيه على انه لا يزلّ سالكه ولا يخيب سابله. اللَّهِ قرا اكثر القراء بالجر على انه عطف بيان للعزيز وقال ابو عمرو فيه تقديم وتأخير مجازه الى (صراط الله العزيز الحميد) - وقرا ابو جعفر ونافع وابن عامر بالرفع على انه مبتدا خبره ما بعده- او خبر مبتدا محذوف وما بعده صفته الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ملكا وحلقا وَوَيْلٌ اى حلول شرّ وقال البيضاوي هو نقيض الواو وهو النجاة وأصله النصب لانه مصدر كالهلاك الا انه لم يشتق منه لكنه رفع لافادة الثبات

_ (1) الخطبة من الناشر-

[سورة إبراهيم (14) : آية 4]

فهو وعيد لِلْكافِرِينَ بالكتاب الّذين لم يخرجوا من الظلمات الى النور مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ صفة للكافرين او منصوب على الذم او مرفوع عليه- تقديره اعنى الّذين او هم الذين او مرفوع على انه مبتدا خبره ما بعد الصلة يَسْتَحِبُّونَ اى يختارون فان المختار للشيء يطلب من نفسه ان يكون أحب إليها من غيره الْحَياةَ الدُّنْيا اى لذّاتها عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ اى يمنعون الناس عَنْ سلوك سَبِيلِ اللَّهِ باتباع رسوله وَيَبْغُونَها اى يطلبون سبيل الله عِوَجاً اى يطلبون لها اعوجاجا عن الحق ليقدحوا فيه- فحذف الجار وأوصل الفعل اليه- او المعنى يطلبون سبيل الله مائلين عن الحق مع كون ذلك محالا- وقيل الضمير المنصوب فى يبغونها راجعة الى الدنيا يعنى يطلبون الدنيا على طريق الميل عن الحق اى بجهة الحرص الحرام أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) عن الحق والبعد فى الحقيقة للصّالّ فوصف به الضلال للمبالغة- او للامر الّذي به الضلال فوصف به للملابسة-. وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ اى بلغة قَوْمِهِ الّذي هو منهم وبعث فيهم- اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال بلسان قومه اى بلغتهم ان كان عربيا فعربيا- وان كان أعجميا فاعجميا- وان كان سريانيا فسريانيا لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ما أمروا به فيفقهوه عنه بيسر وسرعة- ويتخذ الرسول بذلك حجة عليهم وقد كان الرسل من قبل النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثين كل واحد منهم الى قومه فبينوا لهم- وبعث النبي صلى الله عليه وسلم الى الناس كافة- لكنه امر اولا بدعوة قومه حيث قال الله تعالى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ- قال الله تعالى لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها- وقال لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ- فارسل بلسان عربى مبين لاهل الحجاز والناس كافة تبع لهم حيث تعلّموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقلوه وترجموه ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس تبع لقريش فى الخير والشر- رواه احمد ومسلم فى الصحيح عن جابر يعنى سائر الكفار تبع لكفار قريش فى الكفر حيث كفروا اولا ثم كفر غيرهم فعليهم اثمهم أجمعين والمؤمنون كلهم تبع لمؤمنى قريش حيث أمنوا اولا فلهم اجر كلهم- عن جرير قال قال

[سورة إبراهيم (14) : آية 5]

رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنّ فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها- من غير ان ينقص من أجورهم شيء- ومن سنّ فى الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها- من غير ان ينقص من أوزارهم شيء- رواه مسلم وروى ابن عساكر عن ابى سعيد بسند ضعيف الناس تبع لكم يا اهل المدينة فى العلم- والمراد باهل المدينة المهاجرون والأنصار فان غيرهم تبع لهم لكن الأنصار تبع للمهاجرين فلا منافاة بين الحديثين- وعن ابى رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشيخ فى اهله كالنبى فى أمته- رواه الجليلى فى مشيخته وابن النجار وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم الشيخ فى بيته كالنبى فى قومه- رواه ابن حبان فى الضعفاء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء الحديث رواه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجة والدارمي عن كثير بن قيس وسماه الترمذي قيس بن كثير- وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الناس لكم تبع- وان رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون فى الدين فاذا أتوكم فاستوب ثوابهم خيرا- رواه الترمذي وقيل الضمير فى قومه لمحمّد صلى الله عليه وسلم يعنى انزل الكتب كلها بالعربية ثم ترجمها جبرئيل- أخرجه ابن مردوية من طريق الكلبي عن ابن عباس قال كان جبرئيل يوحى اليه بالعربية وينزل هو الى كل نبى بلسان قومه واخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم عن سفيان الثوري قال لم ينزل وحي الا بالعربية ثم ترجمه كل نبى لقومه بلسانهم- وقال لسان يوم القيامة سريانية ومن دخل الجنة تكلم بالعربية- قلت وإرجاع ضمير قومه الى محمّد صلى الله عليه وسلم بعيد ويأبى عنه قوله تعالى لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ فيخزله عن الايمان وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ بالتوفيق وخلق إذعان الحق فيه وَهُوَ الْعَزِيزُ الّذي لا يغلب على مشيته أحد من يهد الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادى له الْحَكِيمُ (4) الّذي لا يضلّ ولا يهدى الا لحكمة-. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا التسع أَنْ أَخْرِجْ ان مفسرة لان فى الإرسال معنى القول- او مصدرية بتقدير حرف الجر فان صيغ الافعال فى الدلالة على المصدر سواء فيجوز إدخال ان المصدرية على كلها اى بان اخرج قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (5) وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قال ابن عباس وأبيّ بن كعب ومجاهد

[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 إلى 7]

وقتادة بنعم الله- وقال مقاتل بوقائع الله فى الأمم السابقة قوم نوح وعاد وثمود- يقال فلان عالم بايام العرب اى بوقائعهم- والتقدير فذكرهم بما كان فى ايام الله الماضية من النعمة او البلاء إِنَّ فِي ذلِكَ الوقائع لَآياتٍ على وجود الصانع وعلمه وقدرته وحكمته ووحدته لِكُلِّ صَبَّارٍ يصبر كثيرا على البلاء والطاعة عن المعصية شَكُورٍ (5) يشكر كثيرا على نعمائه والمراد به لكل مؤمن- جعل الله سبحانه الصبار والشكور عنوان المؤمنين تنبيها على انه لا بد لكل مؤمن ان يتصف بهذين الوصفين- اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي فى شعب الايمان من طريق ابى ظبيان عن علقمة عن ابن مسعود قال الصبر نصف الايمان واليقين الايمان كله- فذكر هذا الحديث للعلاء بن بدر فقال او ليس فى القران إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ- انّ فى ذلك لآيات لّلمؤمنين- وروى البيهقي عن انس عنه صلى الله عليه وسلم الايمان نصفان نصف فى الصبر ونصف فى الشكر- وروى ابو يعلى والطبراني فى مكارم الأخلاق الايمان صبر وسماحة- وروى مسلم واحمد عن صهيب مرفوعا عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن ان أصابته سراء شكر وكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر وكان خيرا له وروى البيهقي عن سعد بن ابى وقاص بلفظ عجب للمسلم إذا أصابته مصيبة احتسب وصبر وإذا أصابته خير حمد الله وشكر- ان المسلم يؤجر فى كل شيء حتّى اللقمة يرفعها الى فيه- وعن ابى الدرداء وقال سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول ان الله تبارك وتعالى قال يا عيسى انى باعث بعدك امة إذا أصابهم ما يحبون حمدوا الله وان أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا- ولا حلم ولا عقل فقال يا رب وكيف هذا لهم ولا حلم ولا عقل قال أعطيهم من حلمى وعلمى- رواه البيهقي فى شعب الايمان-. وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ الظرف اعنى قوله إِذْ أَنْجاكُمْ متعلق بنعمة الله اى بنعمة الله وقت انجائه إياكم- او بعليكم ان جعلت مستقرة صفة للنعمة غير صلة له واريدت بالنعمة العطية دون الانعام- ويجوز ان يكون بدل اشتمال من نعمة الله يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ احوال من ال فرعون او من

[سورة إبراهيم (14) : آية 8]

ضمير المخاطبين او منهما جميعا- والمراد بالعذاب هاهنا غير التذبيح وما عطف عليه من استعبادهم واستعمالهم بالأعمال الشاقة- بدليل العطف عليه- بخلاف سورة البقرة والأعراف فان هناك التذبيح مع ما عطف عليه تفسير للعذاب وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ هذا ايضا من كلام موسى عليه السلام ومعنى تأذّن اعلم مثل اذن لكنه ابلغ لما فى التفعّل معنى التكلف والمبالغة لَئِنْ شَكَرْتُمْ يا بنى إسرائيل نعمتى فامنتم وأطعتم نبيكم لَأَزِيدَنَّكُمْ فى النعمة فان الشكر قيد للموجود وصيد للمفقود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اعطى الشكر لم يحرم الزيادة رواه ابن مردوية عن ابن عباس- وقيل معناه لان شكرتم بالطاعة لازيدنكم فى الثواب وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ نعمتى إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) تقديره أعذبكم عذابا شديدا بسلب النعمة فى الدنيا والعذاب فى الاخرة لان عذابى لشديد- فحذف الجزاء وأقيم العلة مقامه تعريضا للوعيد فان التصريح فى الوعد والتعريض فى الوعيد من عادات الأكرمين وتنبيها على ان المزيد لازم للشكر لا يتخلف عنه- والعذاب بعد الكفر ان فى مشية الله تعالى ان شاء عذب وان شاء عفا عنه- والجملة الشرطية مفعول قول مقدر- او مفعول تاذّن على انه جار مجرى قال لانه نوع منه. وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ يا بنى إسرائيل وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً من الثقلين ولا تشكروا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عن شكركم حَمِيدٌ (8) مستحق للحمد فى ذاته- محمود بحمد صدر من ذاته لذاته ازلا وابدا- وبحمد صادر عن الملائكة ومن كل ذرة من ذرات المخلوقات- والتقدير ولان كفرتم أضررتم أنفسكم بتعريضها للعذاب الشديد وتحريمها عن مزيد الانعام دون الله تعالى فانه غنى حميد-. أَلَمْ يَأْتِكُمْ استفهام تقرير من كلام موسى لبنى إسرائيل- او كلام مبتدا من الله تعالى خطا بالامة محمّد صلى الله عليه وسلم نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ (5) ... وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مثل قوم ابراهيم نمرود وغيره وقوم لوط واصحاب الرس واصحاب مدين واصحاب الايكة وقوم

[سورة إبراهيم (14) : آية 10]

تبع لا يَعْلَمُهُمْ اى لا يعلم عددهم لكثرتهم إِلَّا اللَّهُ جملة معترضة روى عن ابن مسعود انه قرا هذه الاية ثم قال كذب النسابون- وعن ابن عباس قال بين ابراهيم وبين عدنان ثلاثون قرنا لا يعلمهم الا الله- وكان مالك بن انس يكره ان ينسب الإنسان نفسه أبا أبا الى آدم عليه السلام وكذلك فى حق النبي صلى الله عليه وسلم جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ من الله تعالى بِالْبَيِّناتِ اى المعجزات الواضحة الدلالة فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ اى أفواه أنفسهم- قال ابن مسعود عضوا على أيديهم غيظا كما قال الله تعالى عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ- وقال ابن عباس لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بايديهم الى أفواههم يعنى وضعوا عليها تعجبا واستهزاء عليه كمن غلبه الضحك- وقال الكلبي ردوا أيديهم فى أفواههم اى وضعوا الأيدي على الأفواه اشارة للرسل ان اسكتوا وأمروا لهم باطباق الأفواه- او المعنى ردوا أيديهم فى أفواه الرسل فقال مقاتل ردوا أيديهم فى أفواه الرسل يسكتونهم بذلك وقيل الأيدي بمعنى الأيادي اى النعم يعنى ردوا أيادي الأنبياء الّتي هى موعظتهم وما اوحى إليهم من الحكم والشرائع فى أفواههم- لانهم إذا كذّبوها ولم يقبلوها فكانهم ردوها الى حيث جاءت منه- وهو معنى قول مجاهد وقتادة قالا يعنى كذبوا الرسل وردّوا ما جاءوا به- يقال رددت قول فلان فى فيه اى كذّبته- وقيل معنى فى أفواههم بأفواههم يعنى ردوا أيادي الأنبياء ونعمهم من الحكم والمواعظ بأفواه أنفسهم اى بألسنتهم وَقالُوا اى الأمم للرسل إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ فى زعمكم وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ من الايمان بالله وتوحيده مُرِيبٍ (9) اى موقع للريبة أوذي ريبة-. قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ الاستفهام للانكار- وشكّ مرفوع بالظرف وادخلت الهمزة على الظرف لان الكلام فى المشكوك فيه دون الشك- يعنى انما ندعوكم الى الله وحده وهو امر لا يحتمل الشك لدلالة كل شيء من المحسوسات والمعقولات على وجوده ووحدته واشاروا الى ذلك بقولهم فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ صفة او بدل يَدْعُوكُمْ الى نفسه والى الايمان به ببعثة إيانا إليكم لِيَغْفِرَ لَكُمْ او المعنى يدعوكم الى المغفرة كقولك دعوته لينصرنى مِنْ ذُنُوبِكُمْ قيل من زائدة لقوله صلى الله عليه وسلم

[سورة إبراهيم (14) : آية 11]

الإسلام يهدم ما كان قبله- رواه مسلم فى حديث عمرو بن العاص وقيل من للتبعيض فان الإسلام يهدم من الذنوب ما كان بينه وبين الله دون المظالم- قال بعض العلماء جيء بمن فى خطاب الكفرة دون المؤمنين حيث وقع فى القران تفرقة بين الخطابين- ولعل وجه ذلك ان المغفرة حيث جاءت فى خطاب الكفار جاءت مرتبة على الايمان- وحيث جاءت فى خطاب المؤمنين جاءت مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فيتناول الخروج عن المظالم وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى الى وقت سماه الله وجعله اخر اعماركم فلا يعاجلكم بالعذاب- وهذا يدل على ان الإصرار على الكفر فى حق المعذبين من الأمم كان معلّقا به لاهلاكهم- وكان فى القضاء المعلق انهم لو أمنوا لطال أعمارهم قالُوا للرسل إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فى الماهية والصورة لا فضل لكم علينا فلم تخصون من دوننا ولو شاء الله ان يبعث الى البشر رسولا لبعث من جنس أفضل كقولهم لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ... تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا بهذه الدعوة فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) اى حجة واضحة على فضلكم او استحقاقكم هذه الكرامة او على صحة دعواكم النبوة- ما قنعوا بالمعجزات البينات الّتي جاءت بهم رسلهم- واقترحوا عليهم بايات اخر تعنتا وعنادا-. قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ بالنبوة وغير ذلك- بينوا وجه اختصاصهم بالنبوة انه فضل الله تعالى وإحسانه بعد تسليمهم مشاركتهم فى الجنس وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ اى لا يمكن لنا إتيان الآيات باختيارنا واستطاعتنا حتّى نأتى بما اقترحتموه- انما هو امر متعلق بمشية الله تعالى- فيعطى كل نبى نوعا من المعجزات ما فيه كفاية للاستدلال على صحة دعوى النبوة وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) كانّه ارشاد لمن أمنوا بهم واتّبعوهم بالصبر والتوكل على الله فى معاندة الكفار- وقصدوا به أنفسهم قصدا اوليّا كانهم قالوا من حقنا التوكل على الله- وفيه

[سورة إبراهيم (14) : آية 12]

اشعار بان الايمان بالله يقتضى التوكل عليه- لان المرء إذا اعتقد ان الخالق للخير والشر والمعطى والمانع انما هو الله الواحد القهار لا غير لزمه ان يفوض امره اليه لا غير- ثم بيّنوا ما أشعروا به بقولهم. وَما لَنا اى للمؤمنين أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ يعنى اىّ عذر لنا فى عدم التوكل وَقَدْ هَدانا الله سُبُلَنا الّتي بها نعرف ونعلم ان الأمور كلها بيد الله لا غير فامنا به وَلَنَصْبِرَنَّ نحن وجميع اتباعنا عَلى ما آذَيْتُمُونا ايها الكفار جواب قسم محذوف اى والله لنصبرن- أكدوا بالقسم توكلهم وعدم مبالاتهم بما يفعل بهم الكفار وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) يعنى فليثبت على توكلهم الّذي اقتضاه ايمانهم-. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا جمع الكفار بانكارهم دعوى الرسالة وعيدهم بالإخراج- وحلفوا ان يكون أحد الامرين اما إخراجهم الرسل أو عودهم- يعنى صيرورة الرسل الى ملتهم- فان الرسل ما كانوا على ملة الكفار قط- ويجوز ان يكون الخطاب لكل رسول ولمن أمن معه فغلبوا الجماعة على الواحد او كان الترديد للتوزيغ يعنى لنخرجن من لم يعد ولنبقين من عاد منكم الى ملتنا- وجاز ان يكون او بمعنى الّا ان- او الى ان يعنون والله لنخرجنكم الا ان ترجعوا او الى ان ترجعوا الى ملتنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ اى الى الرسل رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) على إضمار القول او اجراء الإيحاء مجراه لكونه نوعا منه. وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ ايها الرسل ومن أمن معكم الْأَرْضَ اى ارض الكفار وديارهم مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد إهلاكهم ذلِكَ اشارة الى الموحى وهو إهلاك الأعداء وتسليطهم على الأرض لِمَنْ خافَ مَقامِي اى قيامه بين يدىّ يوم القيامة- نظيره قوله تعالى لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ- فاضاف قيام العبد الى نفسه- او المعنى لمن خاف موقفى وهو الموقف الّذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة- او قيامى عليه وحفظى اعماله- وقيل المقام مقحم والمعنى لمن خافنى وَخافَ وَعِيدِ (14) اثبت الياء ورش فى الوصل فقط والباقون يحذفونها فى الحالين اى خاف وعيدي بالعذاب او عذابى الموعود للكفار-.

[سورة إبراهيم (14) : آية 15]

وَاسْتَفْتَحُوا سالوا من الله الفتح على أعدائهم او القضاء بينهم وبين أعدائهم من الفتاحة- كقوله رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ- وهو معطوف على فاوحى والضمير للانبياء كذا قال مجاهد- اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن مجاهد وكذا قال قتادة يعنى لما يئسوا من ايمان قومهم دعوا الله بالفتح والعذاب على قومهم- كما قال نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً- وقال موسى رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ او للكفرة كذا قال ابن عباس ومقاتل كما قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ- وقيل للفريقين فان كلهم سالوا ان ينصر المحق ويهلك المبطل- كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) معطوف على محذوف تقديره ففتح لهم فافلح المؤمنون- وخاب يعنى خسرو هلك كلّ جبّار يعنى عات متكبر على الله فى القاموس تجبّر تكبّر يقال الجبار لله تعالى لتكبره بالحق- ولكل عات لتكبره بالباطل- او صاحب قلب لا تدخله الرحمة وقتّال فى غير حق- او متكبر لا يرى لاحه عليه حقّا- قال البغوي الجبار الّذي لا يرى فوقه أحدا «1» - والجبرية طلب العلو بما لا غاية وراءه وهذا الوصف لا يستحقه الا الله تعالى- فمن ادعى غيره يستحق اللعن والطرد والخيبة- وقيل الجبار الّذي يجبر الخلق على مراده- والعنيد المعاند للحق ومجانبه- فى القاموس عند خالف الحق عارفا به فهو عنيد وعاند- وقال ابن عباس هو المعرض عن الحق- وقال مقاتل المتكبر- وقال قتادة العنيد الّذي ابى ان يقول لا اله الا الله. مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ اى امامه بين يديه كانه مرصد بها واقف على شفيرها فى الدنيا- مبعوث إليها فى الاخرة وقيل مِنْ وَرائِهِ اى وراء حيوته يعنى بعده- قال مقاتل مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ اى بعده- قال ابو عبيدة هو من الاضداد اى يكون بمعنى الامام والخلف وحقيقته ما يوارى عنك وَيُسْقى عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنّم يلقى فيها ويسقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) وهو ما يسيل من جلود اهل النار وأجوافهم مختلطا بالقيح والدم عطف بيان لماء- قال محمّد بن كعب ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر- واخرج البيهقي عن مجاهد فى قوله تعالى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال القيح والدم- روى احمد والترمذي والنسائي

_ (1) فى الأصل أحد-

[سورة إبراهيم (14) : آية 17]

والحاكم وصححه وابن جرير وابن ابى حاتم وابن المنذر وابن ابى الدنيا فى صفة النار والبيهقي والبغوي عن ابى امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم فى هذه الاية قال يقرّب اليه فيستكرهه فاذا ادنى منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه فاذا شربه قطّع امعاءه حتّى يخرج من دبره- فيقول الله تعالى وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ- ... وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ.... يَتَجَرَّعُهُ اى يتكلف فى شربه يشربه جرعة جرعة وهو صفة لماء او حال من ضمير فى يسقى وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ اى لا يقارب ان يسيغه فكيف يسيغه بل يغصّ به فيطول عذابه- والسوغ جواز الشرب عن الحلق بسهولة وقبول النفس- فى القاموس ساغ الشراب سوغا اى سهل مدخله وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ اى أسبابه من الشدائد وانواع العذاب مِنْ كُلِّ مَكانٍ اى من جميع جوانبه فيحيط به او يأتيه شدائد الموت والامه من كل موضع من جسده- اخرج ابن الى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابراهيم التيمي حتّى يأتيه من موضع كل شعرة من جسده وَما هُوَ بِمَيِّتٍ فيستريح- قال ابن جريج تعلق نفسه أعلى حنجرته فلا يخرج من فيه ولا يرجع الى مكانها من جسده- واخرج ابن المنذر عن فضيل بن عياض رضى الله عنه انه حبس الأنفاس وَمِنْ وَرائِهِ اى بعد ذلك العذاب وبين يديه عَذابٌ غَلِيظٌ (17) أشدّ مما سبق وقيل هو الخلود فى النار- قيل الاية منقطعة عن قصة الرسل نازلة فى اهل مكة- طلبوا الفتح الّذي هو المطر فى سنينهم الّتي أرسل الله عليهم بدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم- فخيب رجاؤهم ووعد لهم انهم يسقون فى جهنم صديد اهل النار بدل سقياهم-. مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ اى صفتهم الّتي هى فى الغرابة مثل مبتدا خبره محذوف اى فيما يتلى عليكم وقوله أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ جملة مستأنفة لبيان مثلهم او هذه الجملة خبر لمثل- وقيل أعمالهم بدل من المثل والخبر كرماد اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ اى حملته وأسرعت الذهاب به قرأ نافع الرّياح على الجمع والباقون على الافراد فِي يَوْمٍ عاصِفٍ العصوف اشتداد الرياح وصف به زمانه

[سورة إبراهيم (14) : آية 19]

للمبالغة- كقولهم نهاره صائم وليله قائم- والمراد بأعمالهم ما يزعمونها حسنات ويرجون حسن جزائها كالصدقة وصلة الرحم واعانة الملهوف وعتق الرقاب ونحو ذلك شبه الله سبحانه أعمالهم فى حبوطها يرماد طيرته الرياح العاصفة لبنائها على غير أساس من معرفة الله وابتغاء وجه الله- او لكونها للاصنام الّتي لا يشعرن «1» بعبادتهن ولا يستطعن على شيء لا يَقْدِرُونَ اى الكفار يوم القيامة مِمَّا كَسَبُوا فى الدنيا من الأعمال عَلى شَيْءٍ اى لا يجدون لها ثوابا أصلا- ولا يرون لها اثرا لحبوطها- وهذا ملخص التمثيل ذلِكَ اشارة الى ضلالهم مع حسبانهم انهم محسنون هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) غاية البعد عن طريق الحق حتّى كان حسناتهم ضلالا لكونها شركا بالله مقصودا فيه غيره فكيف السيئات. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ قرا حمزة والكسائي خالق السّموت وفى سورة النور خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ على وزن فاعل مضافا- والباقون خلق على الماضي وَالْأَرْضَ قرأ حمزة والكسائي بالجر والباقون بالنصب بِالْحَقِّ اى بالحكمة البالغة والوجه الّذي يحق ان يخلق له- وذلك ان يكون دليلا على وجود الصانع مرشدا للناس الى الحق والايمان إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ اى يعدمكم وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) اى يخلق خلقا اخر أطوع منكم- رتب ذلك على كونه خالقا للسموات والأرض مستدلّا به عليه- فان من خلق ذلك يقدر على «2» ان يبدّلهم بخلق اخر- ولم يمتنع ذلك كما قال. وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) متعذر ومتعسر فانه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور- ومن هذا شأنه كان حقيقا لان يعبد ويطاع ولا يعصى رجاء لثوابه وخوفا من عقابه-. وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً اى يبرزون من قبورهم يوم القيامة لامر الله ومحاسبته- وانما ذكر لفظ الماضي لتحقق وقوعه فَقالَ الضُّعَفاءُ اى الاتباع- جمع ضعيف يريد به ضعاف الحال فى الدنيا لقلة متاع الدنيا- او ضعاف الرأى لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا اى تكبروا على الناس وهم القادة والرؤساء الذين منعوهم عن اتباع الرسل إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً جمع تابع كحارس وحرس يعنى اتبعناكم فى تكذيب

_ (1) فى الأصل يشعرون (2) فى الأصل يقدر ان يبدلهم

الرسل والاعراض عن نصائحهم فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ دافعون عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ من للبيان واقعة موقع الحال مِنْ شَيْءٍ من للتبعيض واقعة موقع المفعول به- يعنى هل أنتم دافعون بعض شيء كائن من عذاب الله- ويحتمل ان تكون من فى الموضعين للتبعيض ويكون الاولى مفعولا والثانية مصدرا- يعنى فهل أنتم مغنون عنا بعض العذاب بعض الإغناء قالُوا اى المستكبرون جوابا عن معاتبة الاتباع واعتذارا عمّا فعلوا بهم لَوْ هَدانَا اللَّهُ للايمان لَهَدَيْناكُمْ لدعوناكم الى الهدى- ولكن ضللنا فاضللناكم اى اخترنا لكم ما اخترنا لانفسنا- او المعنى لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم واغنيناه عنكم كما عرضناكم له ولكن سدد بنا طريق الخلاص سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا الجملة فى موضع الحال اى مستويا علينا الجزع والصبر ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) اى من منجا ومهرب- من الحيص وهو العدول على جهة الفرار- وهو اما مصدر كغيب او ظرف مكان كمبيت- والجملة اما من كلام القادة او من كلام الفريقين- قال مقاتل يقولون فى النار تعالوا نجزع فيجزعون خمس مائة عام فلا ينفعهم الجزع- فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون خمس مائة عام فلا ينفعهم الصبر- فحينئذ يقولون سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ- اخرج ابن ابى حاتم والطبراني وابن مردوية عن كعب بن مالك رفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم فيما احسب فى هذه الاية قال يقول اهل النار هلموا فلنصبر فيصبرون خمس مائة عام- فلما راوا ذلك قالوا سوآء الاية- قال محمّد بن كعب القرظي بلغني ان اهل النار استغاثوا بالخزنة قالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ- فردت الخزنة الم يأتكم رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى - فردت الخزنة عليهم فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ- فلمّا يئسوا مما عند الخزنة نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ سألوا الموت فلا يجيبهم ثمانين سنة- والسنة ستون وثلاثمائة يوما- واليوم كالف سنة ثم يحطّ إليهم بعد الثمانين إِنَّكُمْ ماكِثُونَ- فلما يئسوا مما قبله قال بعضهم

[سورة إبراهيم (14) : آية 22]

لبعض انه نزل بكم من البلاء ما نزل- فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا- كما صبر اهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم- فاجمعوا على الصبر فطال صبرهم- ثم جزعوا فطال جزعهم- فنادوا سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ اى من منجا- قال فقام إبليس عند ذلك فخطبهم فقال. إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ فلمّا سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم- فنودوا لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ- فنادوا الثانية رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ- فرد عليهم وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها الآيات- فنادوا الثالثة رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ- فرد عليهم أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ الآيات- ثم نادوا الرابعة رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ- فرد عليهم أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ- فمكث عنهم ما شاء الله ثم ناداهم أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ- فلما سمعوا ذلك قالوا الا يرحمنا ربنا ثم نادوا عند ذلك رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ- فقال عند ذلك اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ- فانقطع الرجاء والدعاء منهم فاقبل بعضهم على بعض ينيح «1» بعضهم فى وجوه بعض وأطبقت عليهم النار قوله عزّ وجلّ- وَقالَ الشَّيْطانُ إبليس لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ اى احكم وفرغ عنه ودخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار- قال مقاتل يوضع له منبر فى النار فيجتمع الكفار بالائمة فيقول خطيبا فى الأشقياء من الثقلين- اخرج الطبراني فى الكبير وابن المبارك وابن جرير وابن مردوية وابن ابى حاتم والبغوي الثلاثة فى تفاسيرهم عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله بين الأولين والآخرين وقضى بينهم وفرغ من القضاء- يقول المؤمنون قد قضى بيننا ربنا وفرغ فمن يشفع لنا الى ربنا- فيقولون آدم خلقه بيده وكلّمه- فيأتونه فيقولون قضى بيننا ربنا وفرغ من القضاء

_ (1) هكذا فى النسخة الهندية من البغوي وفى النسخة المصرية منه ينفخ بدل ينيح- عبد الرّحمن غفر له خادم دار الافتا امينيه دهلى

قم أنت فاشفع لنا- فيقول ايتوا نوحا فياتون نوحا فيدلهم على ابراهيم- فيأتون ابراهيم فيدلهم على موسى- فيأتون موسى فيدلهم على عيسى- فيقول أدلكم على النبي الأمي العربي الأفخر فيأتوننى فيأذن الله لى ان أقوم اليه- فيثوّر مجلسى من أطيب ريح ما شمها أحد قط حتّى اتى ربى عز وجل فيشفّعنى ويجعل لى نورا من شعر رأسى الى ظفر قدمى- ثم يقول الكفار قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا فيقولون ما هو غير إبليس الّذي أضلنا- فيأتونه فيقولون قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا فانك أنت اضللتنا فيقوم فيثوّر مجلسه من أنتن ريح ما شمها أحد قط ثم يعظم لجهنم ويقول عند ذلك إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ اى وعدا انجزه او كان من حقه ان ينجز وهو الوعد بالبعث والجزاء وَوَعَدْتُكُمْ وعد الباطل ان لا بعث ولا حساب- وان كان فالاصنام تشفع لكم فَأَخْلَفْتُكُمْ جعل تبيين خلف وعده كالاخلاف منه وَما كانَ لِي فتح الياء حفص والباقون اسكنوها عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ من تسلط فالجيكم الى الكفر والمعاصي وقيل معناه لم اتكم بحجة فيما دعوتكم اليه إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ اى الا دعائى إياكم إليها بتسويل وهو ليس من جنس السلطان ولكنه على طريقة قولهم تحية بينهم ضرب وجيع- ويجوز ان يكون الاستثناء منقطعا فَاسْتَجَبْتُمْ لِي اى أسرعتم الى إجابتي وأبيتم من اجابة صاحب الحجة البالغة فَلا تَلُومُونِي بوسوستي فان من طرح العداوة لايلام بمثل ذلك وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ حيث أطعتموني من غير سلطان ولا برهان ولم تطيعوا ربكم- احتجت المعتزلة بامثال ذلك على استقلال العبد بأفعاله وليس فيها ما يدل عليه إذ يكفى لصحتها ان يكون لقدرة العبد مدخل ما فى فعله وهو الكسب الّذي يقوله أصحابنا ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ بمغيثكم من العذاب وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ بمغيثىّ قرأ حمزة بكسر الياء على الأصل فى التقاء الساكنين- والباقون بفتح الياء لان الأصل مرفوض فى مثله لما فيه من اجتماع ثلاث كسرات- معه ان حركة ياء الاضافة الفتح فاذا لم تكسر وقبلها الف فبالحرى ان لا تكسر وقبلها ياء- وجاز ان يكون قراءة حمزة

[سورة إبراهيم (14) : آية 23]

مبنية على لغة بنى يربوع يزيدون ياء على ياء الاضافة اجراء لها مجرى الهاء والكاف فى ضربتموه وأعطينكاه- وحذفت الياء اكتفاء بالكسرة إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ قرأ ابو عمرو بإثبات الياء وصلا والباقون يحذفونها فى الحالين مِنْ قَبْلُ ما اما مصدرية ومن متعلقة باشركتمون يعنى كفرت اليوم اى تبرأت واستنكرت باشراككم ايّاى فى عبادة الله وطاعته من قبل هذا اليوم- اى فى الدنيا نظيره قوله تعالى وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ- او موصولة بمعنى من نحو ما فى قوله سبحان ما يسخركن لنا- وقوله تعالى وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها- ومن متعلقة بكفرت اى كفرت بمن أشركتمونيه فى الطاعة وهو الله تعالى- حيث أطعتموني فيما دعوتكم اليه من عبادة الأصنام وغيرها كفرت من قبل اشراككم حين ردت امره بالسجود لادم عليه السلام- وأشرك فيقول من شركت زيدا للتعدية الى مفعول ثان وإِنَّ الظَّالِمِينَ الكافرين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22) تتمة كلامه او ابتداء كلام من الله تعالى- وفى حكاية أمثال ذلك لطف للسامعين وإيقاظ لهم حتّى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم-. وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ والمدخلون هم الملائكة تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) يسلّم بعضهم على بعض ويسلّم الملائكة عليهم- وقيل المحىّ بالسلام هو الله عزّ وجلّ-. أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كيف وضع الله مثلا والمثل قول سائر لتشبيه شيء بشيء كَلِمَةً طَيِّبَةً هى قول لا اله الا الله بالإخلاص كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ اى جعل كلمة طيبة كشجرة قوية مرتفعة فى السماء باقية طيبة الثمر وهو تفسير لقوله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا- ويجوز ان «1» يكون كلمة بدلا من مثلا- وكشجرة صفتها او خبر مبتدا محذوف- اى هى كشجرة طيّبة وان يكون كلمة اولى مفعولى ضرب اجراء له مجرى جعل أَصْلُها ثابِتٌ فى الأرض مستحكم ضارب بعروقه فيها وَفَرْعُها أعلاها فِي السَّماءِ (24) ويجوز ان يريد فروعها اى اقناؤها على الاكتفاء بلفظ

_ (1) فى الأصل حذف الياء [.....]

[سورة إبراهيم (14) : آية 25]

الجنس لاكتساب الاستغراق من الاضافة. تُؤْتِي أُكُلَها تعطى ثمرها كُلَّ حِينٍ وقّته الله لاثمارها بِإِذْنِ رَبِّها اى بارادة خالقها وتكوينه- كذلك اصل هذه الكلمة راسخ فى قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق فاذا تكلمت بها عرجت فلا تحجب حتّى تنتهى الى الله عزّ وجلّ- قال الله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ- عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملؤه ولا اله الا الله ليس لها حجاب دون الله- رواه الترمذي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال عبد لا اله الا الله مخلصا قط الا فتحت له أبواب السماء حتّى يفضى الى العرش ما اجتنب الكبائر- رواه الترمذي بسند حسن واخرج الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه من حديث انس انه صلى الله عليه وسلم قال الشجرة الطيبة النخلة والشجرة الخبيثة الحنظلة- والحين فى اللغة الوقت فقال مجاهد وعكرمة الحين هاهنا سنة كاملة لان النخلة يثمر كل سنة- وقال سعيد بن جبير وقتادة والحسن ستة الشهر من وقت اطلاعها الى صرامها- وروى ذلك عن ابن عباس وقيل اربعة أشهر من حين ظهورها الى إدراكها- وقال سعيد بن المسيب شهر ان من حين يؤكل الى الصرام وقال الربيع بن انس كل حين اى كل غدوة وعشية- لان ثمر النخل يؤكل ابدا ليلا ونهارا صيفا وشتاء اما تمرا او رطبا او بسرا- كذلك عمل المؤمن يصعد أول النهار وأوسطه وآخره وكذلك أول الليل وأوسطه وآخره- وبركة الايمان لا ينقطع ابدا بل يصل اليه فى كل وقت- عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وانها مثل المسلم فحدثونى ما هى- قال عبد الله فوقع الناس فى شجر البوادي ووقع فى نفسى انها النخلة فاستحييت- ثم قالوا حدثنا ما هى يا رسول الله قال هى النخلة- قال البغوي لا يكون شجرة الا بثلاثة أشياء عرق راسخ واصل قائم وفرع عال- كذلك الايمان لايتم الا بثلاثة أشياء تصديق وقول باللسان وعمل بالأركان- وقال ابو ظبيان عن ابن عباس انه قال الشجرة الطيبة هى شجرة فى الجنة وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال سبحان الله العظيم وبحمده

[سورة إبراهيم (14) : آية 26]

غرست له نخلة فى الجنة- رواه الترمذي وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) فان فى ضربها زيادة إفهام وتذكير فانه تصوير للمعانى وادناء لها من الحس-. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ قلت الظاهر ان المراد بها ما قيل بالنفاق ولم يرد به وجه الله بدليل قوله تعالى كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ يعنى غير نافعة ولا مستقرة فى الأرض اجْتُثَّتْ اى انتزعت واقتلعت مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ لان عروقها قريبة منه ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) استقرار كذلك الكلمة الّتي لم يرد بها وجه الله ليس لها منفعة ابدا- اخرج ابن مردوية من طريق حبان بن شعبة عن انس بن مالك فى هذه الاية قال هى الشربانة- قيل لانس ما الشربانة قال الحنظلة- قلت الظاهر ان الشجرة الطيبة تعم النخلة وغيرها وكذا الخبيثة تعم الحنظلة وغيرها وما ورد فى الحديث انما هو ذكر بعض افراده على سبيل التمثيل-. يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ يعنى بكلمة التوحيد المقرونة بالإخلاص فان لها ثبات وتمكن فى القلوب ولثوابها ثبات عند الله فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فلا يزالون عن دينهم إذا فتنوا فى دينهم كزكريا ويحيى وجرجيس وشمعون واصحاب الأخدود وخبيب وأصحابه واصحاب بئر معونة وَفِي الْآخِرَةِ يعنى إذا سئلوا فى القبور وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ اى المنافقين والكافرين فلا يثبتهم على القول الثابت فى مواقف الفتن- وتزل أقدامهم أول كل شيء وهم فى الاخرة أضل وازل- اخرج الائمة الستة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلم إذا سئل فى القبر يشهد ان لا اله الا الله وان محمّدا رسول الله- فذلك قوله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ- وفى رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ نزلت فى عذاب القبر- يقال له من ربك فيقول ربى الله ونبىّ محمّد صلى الله عليه وسلم- متفق عليه ورواه احمد وابو داود وغيرهما بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربى الله- فيقولان له ما دينك فيقول دينى

الإسلام- فيقولان ما هذا الرجل الّذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله- فيقولان له وما يدريك فيقول قرأت كتاب الله فامنت به وصدقت- فذلك قوله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ الاية- قال فينادى مناد من السماء ان صدق عبدى فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا الى الجنة- قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له فيها مد بصره- واما الكافر فذكر موته قال ويعاد روحه فى جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان من ربك فيقول هاه هاه لا أدرى- فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدرى- فيقولان ما هذا الرجل الّذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدرى- فينادى مناد من السماء ان كذب فافرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا الى النار- قال فيأتيه من حرها وسمومها قال ويضيق عليه قبره حتّى يختلف فيه أضلاعه- ثم يقيض له أعمى أصم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها على جبل لصار ترابا- فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب الا الثقلين- فيصير ترابا ثم يعاد فيه الروح- وعن عثمان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لاخيكم ثم سلوا له التثبت فانه الان يسئل- رواه ابو داود وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه انه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فيقعد انه فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل لمحمّد فاما المؤمن فيقول اشهد انه عبد الله ورسوله- فيقال له انظر الى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا- واما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس فيقال لادريت ولا تليت- ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين- متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبر «1» الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لاحدهما المنكر وللاخر النكير فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول هو عبد الله ورسوله اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمّدا عبده ورسوله- فيقولان قد كنا نعلم انك تقول هذا ثم يفسح

_ (1) فى الأصل إذا قبر-

[سورة إبراهيم (14) : آية 28]

فى قبره سبعون ذراعا فى سبعين ثم ينوّر له فيه ثم يقال له نم فيقول ارجع الى أهلي فاخبرهم- فيقولان نم كنومة العروس الّذي لا يوقظه الا أحب اهله اليه حتّى يبعثه الله من مضجعه ذلك- وان كان منافقا قال سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله لا أدرى فيقولان قد كنا نعلم انك تقول ذلك- فيقال للارض التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتّى يبعثه الله من مضجعه ذلك- رواه الترمذي وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) من التوفيق والخذلان والتثبيت وتركه من غير اعتراض عليه- عن ابى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فاخرج ذرية بيضاء كانهم الذر- وضرب كتفه اليسرى فاخرج ذرية سوداء كانهم الحمم- فقال للذى فى يمينه الى الجنة ولا أبالي- وقال للذى فى كتفه اليسرى الى النار ولا أبالي- وعن أبيّ بن كعب قال لو ان الله عذب اهل سمواته واهل ارضه عذبهم وهو غير ظالم لهم- ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم- ولو أنفقت مثل أحد ذهبا فى سبيل الله ما قبله الله منك حتّى تؤمن بالقدر وتعلم ان ما أصابك لم يكن ليخطيك وما أخطأك لم يكن ليصيبك- ولو متّ على غير هذا لدخلت النار- وقال ابن مسعود مثل ذلك وحذيفة بن اليمان مثل ذلك وزيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك رواه احمد وابو داود وابن ماجة-. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً اى شكر نعمته كفرا بان وضعوا مكانه او بدلوا نفس النعمة كفرا- فانهم لما كفروا سلبت النعمة منهم فصاروا تاركين لها مختارين الكفر بدلها- روى البخاري فى الصحيح عن ابن عباس انه قال هم والله كفار قريش قال عمرو هم قريش ومحمّد صلى الله عليه وسلم نعمة الله- واخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال نزلت هذه الاية فى الذين قتلوا يوم بدر يعنى اهل مكة خلقهم الله وأسكنهم حرما يجبى اليه ثمرات كل شيء- ودفع عنهم اصحاب الفيل وجعلهم قوام بيته ووسع عليهم أبواب رزقه بالفهم رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ- وبعث محمّدا صلى الله عليه وسلم رسولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ

[سورة إبراهيم (14) : آية 29]

آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ- وجعل سائر الناس تبعا لهم فكفروا تلك النعمة وعادوا محمّدا صلى الله عليه وسلم واستحبوا العمى على الهدى- فقحطوا سبع سنين وأسروا وقتلوا يوم بدر وصاروا اذلّاء فبقوا مسلوبى النعمة موصوفين بالكفر حتّى ماتوا او قتلوا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ الذين تبعوهم فى الكفر دارَ الْبَوارِ (28) اى دار الهلاك بحملهم على الكفر. جَهَنَّمَ عطف بيان لها يَصْلَوْنَها حال منها او من القوم اى داخلين فيها مقاسين لحرها وجاز ان يكون جهنم منصوبا بفعل مضمر يفسرها ما بعدها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) اى بئس المقر جهنم- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس انه قال لعمر يا أمير المؤمنين هذه الاية الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قال هم الا فجران من قريش بنوا المغيرة وبنوا امية- اما بنوا مغيرة فكفيتموه يوم بدر واما بنوا امية فمتعوا حتّى حين- وكذا ذكر البغوي قول عمر رضى الله عنه- واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والطبراني فى الأوسط والحاكم وصححه وابن مردوية من طرق عن على بن ابى طالب رضى الله عنه فذكر مثله- قلت اما بنوا امية فمتعوا بالكفر حتّى اسلم ابو سفيان ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم- ثم كفر يزيد ومن معه بما أنعم الله عليهم وانتصبوا العداوة ال النبي صلى الله عليه وسلم وقتلوا حسينا رضى الله عنه ظلما وكفر يزيد بدين محمّد صلى الله عليه وسلم حتّى انشد أبياتا حين قتل حسينا رضى الله عنه- مضمونها اين أشياخي ينظرون انتقامي بال محمّد وبنى هاشم واخر الأبيات ولست من جندب ان لم انتقم ... من بنى احمد ما كان فعل وايضا أحل الخمر وقال مدام كنز فى اناء كفضة ... وساق كبد مع مدام كانجم وشمسه كرم برجها قعرها ... ومشرقها الساقي ومغربها فهى فان حرمت يوما على دين احمد ... فخذها على دين المسيح بن مريم وسبّوا ال محمّد صلى الله عليه وسلم على المنابر- فمتعوا بهذه الضلالة الف شهر فانتقم الله منهم حتّى لم يبق منهم أحد. وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً اى أمثالا فى العبادة او التسمية مع انه ليس له ند لِيُضِلُّوا اللام لام العاقبة إذ ليس غرضهم من اتخاذ الانداد

[سورة إبراهيم (14) : آية 31]

الضلال او الإضلال لكن لمّا كان نتيجته جعل كالغرض- قرأ ابن كثير وابو عمرو بفتح الياء وكذلك فى الحج ولقمان وزمر من المجرد والباقون بضم الياء من التفعيل اى ليضلوا الناس عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا بشهواتكم او بعبادة الأوثان وضلالاتكم فى الدين الّتي هى ايضا من قبيل الشهوات الّتي يتمتع بها ما قدر لكم- قال ذو النون التمتع ان يقضى العبد ما استطاع من شهوته- وفى التهديد بصيغة امر إيذان بان المهدد عليه كالمطلوب لافضائه الى المهددية- وان الامرين كائنان لا محالة ولذلك علله بقوله فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) وان المخاطب لانهماكه فيه كالمأمور به من امر مطاع. قُلْ يا محمّد لِعِبادِيَ قرا ابن عامر وحمزة والكسائي بإسكان الياء والباقون بفتحها الَّذِينَ آمَنُوا خصهم للامر بالخطاب ووصفهم بالعبودية وأضافهم الى نفسه تشريفا- وتنبيها على انهم هم المقيمون لحقوق العبودية أهلا للخطاب الممتثلون بما يقال لهم- ومفعول قل محذوف يدل عليه جوابه تقديره قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا اقيموا الصلاة وأنفقوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ مجزوم على جواب الأمر يعنى قل- جزاء الشرط مقدر يعنى ان تقل لهم اقيموا يقيموا- وفيه إيذان بانهم لفرط مطاوعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينفك فعلهم عن امره وانه كالسبب الموجب له- ويجوز ان يقدر بلام الأمر فيكون مفعولا للقول سِرًّا وَعَلانِيَةً منصوبان على المصدر اى انفاق سر وعلانية مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره او يفدى به نفسه وَلا خِلالٌ (31) اى مجالة وصداقة ليشفع له خليله- فان قيل الخلة يوم القيامة ثابتة للمتقين بقوله تعالى الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ وشفاعة بعض المؤمنين لبعض ايضا ثابتة فما وجه نفى الجنس- قلت الأمر باقامة الصلاة وإيتاء الزكوة امر بالتقوى فالمراد بالآية نفى جنس الخلة عند عدم التقوى والمعنى ان لم يتقوا باقامة الصلاة وإيتاء الزكوة لا يكون لهم يومئذ خليل- قرأ ابن كثير وابو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على اعمال لا الّتي لنفى الجنس- والباقون

[سورة إبراهيم (14) : آية 32]

بالرفع على ابطال عمل لا لاجل التكرار-. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مبتدا وخبر وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ تعيشون به وهو يشتمل المطعوم والملبوس رزقا مفعول لأخرج ومن الثّمرات بيان له حال منه- ويحتمل عكس ذلك- ويجوز ان يكون رزقا منصوبا على المصدرية لانّ اخرج بمعنى رزق- او على العلية وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بالركوب والحمل بِأَمْرِهِ اى بمشيته تعالى الى حيث توجهتم وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32) ذللها لكم تخرجونها حيث شئتم وتنتفعون بمياهها وتتخذون عليها جسرا وقناطير. وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ جاريين فيما يعود الى مصالح العباد لا يفتران دائِبَيْنِ فى القاموس داب فى عمله كمنع دأبا ويحرك ودءوبا بالضم جدّ وتعب- والدائبان الجديد ان- والسّوق الشديد يعنى مسرعين فى السير قال ابن عباس دونهما فى طاعة الله وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (33) يتعاقبان فجعل لكم الليل لتسكنوا فيه من تعب العمل والنهار مبصرا للاشياء فتكسبوا فيه معاشكم-. وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ اى بعض جميع ما سالتموه يعنى أتاكم شيئا كائنا من كل شيء سالتموه- فحذف شيئا اكتفاء بدلالة الكلام على التبعيض- قال البيضاوي ولعل المراد بما سالتموه ما كان حقيقا لان يسئل لاحتياج الناس اليه سال اولم يسئل- وما يحتمل ان يكون موصولة او موصوفة او مصدرية ويكون المصدر بمعنى المفعول- وجاز ان يكون للبيان او زائدة- ولفظة كل للتكثير نحو قولك فلان يعلم كل شيء وأتاه كل انسان وقوله تعالى فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ- وقرا الحسن من كلّ بالتنوين والمعنى من كل شيء ما احتجتم له وسالتموه بلسان الحال- ويجوز ان يكون ما نافية فى موضع الحال يعنى أتاكم من كل شيء والحال انكم ما سالتموه يعنى اعطاكم أشياء ما طلبتموها ولا سالتموها وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ اى نعم الله تعالى فيه دليل على ان المفرد يفيد الاستغراق بالاضافة لا تُحْصُوها اى لا تحصروا ولا تطيقوا عد أنواعها فضلا من افرادها فانها غير متناهية فكيف تطيقون إذا شكرها- لكن الله تعالى بفضله جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر

[سورة إبراهيم (14) : آية 35]

شكرا- وسمى المؤمنين شكورا لاجل اعترافهم بذلك ومن لم يعترف بذلك قال فى حقه إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ يشكو ربه فى الشدة والبلاء ويجزع- ولا يصبر ولا يعلم ان ما أصابه أصابه من جواد كريم رحيم حكيم لا يكون الّا «1» لحكمة وان لم تدرك حكمته كَفَّارٌ (34) شديد الكفر ان فى النعمة والرخاء فهذا نقيض ما قال فى المؤمنين صبّار شكور فان الكفّار ضد الشّكور صراحة- والظلوم ضد للصبار دلالة- فان الظلم وضع الشيء فى غير موضعه- والبلاء موضع للصبر وضع الشكاية والجزع مقامه ظلم- وقيل ظلوم على نفسه بالمعصية فيعرضها للعذاب فى الاخرة والدنيا- او يظلم نفسه بترك الشكر فيعرضها للحرمان- او يظلم النعمة باغفال شكرها- او يظلم يعنى يضع الشكر فى غير موضعه فيشكر غير من أنعم عليه- قال الله تعالى انى والجن والانس فى نبا عظيم اخلق ويعبد غيرى وارزق ويشكر غيرى- رواه الحاكم والبيهقي عن ابى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ يعنى مكة آمِناً اى ذا أمن لمن فيها فالمسئول من هذا القول ازالة الخوف وجعل مكة أمنا- واما فى قوله تعالى اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً جعل تلك الوادي بلدا من البلاد الامنة وَاجْنُبْنِي بعّدنى وَبَنِيَّ من أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) اى اجعلنا منها فى جانب- وفيه دليل على ان عصمة الأنبياء بتوفيق الله تعالى وحفظه إياهم ولفظ بنىّ لا يشتمل الأحفاد وإطلاقها على ما يعم الأحفاد فى قوله تعالى يا بَنِي آدَمَ ... - يا بَنِي إِسْرائِيلَ من قبيل عموم المجاز فلا يشكل بانه قد عبد كثير من أولاد إسماعيل عليه السلام الأصنام- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عيينة ان أولاد إسماعيل لم يعبدوا الصنم محتجا بهذه الاية- وقال انما كانت لهم حجارة يدورون بها ويسمون الدوار- ويقولون البيت حجر فحيثما نصبنا حجرا فهو بمنزلته- وزاد فى الدر المنثور قيل وكيف لم يدخل ولد إسحاق وسائر ولد ابراهيم عليه السلام- قال لانه دعا لاهل هذه البلدان لا يعبدوا إذ أسكنهم وقال اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً- ولم يدع لجميع البلدان بذلك- قال وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ فيه وقد خص اهله- وقال رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي- وقول ابن عيينة هذا مردود بالكتاب

_ (1) فى الأصل حكمة

[سورة إبراهيم (14) : آية 36]

والسنة والإجماع والخبر المتواتر عن حال اهل مكة- فان المشركين فى كتاب الله تعالى عبارة عن اهل مكة غالبا وقد قال الله تعالى سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا من دونه مِنْ شَيْءٍ وغير ذلك والله اعلم. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ نسب الإضلال إليهن بالمجاز باعتبار السببية يعنى ضل بهن كثير من الناس عن طريق الهدى حين عبدوهن فَمَنْ تَبِعَنِي فى الدين فَإِنَّهُ مِنِّي اى بعضى لا ينفك عنى فى الدنيا والاخرة حتّى يدخل معى الجنة وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) تقديره فاغفر له ذا رحمه فانك غفور رحيم- قال السدّى معناه من عصانى ثم تاب- وقال مقاتل بن حبان من عصانى فيما دون الشرك- والظاهر انه قال ذلك قبل ان يعلمه الله انه تعالى لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ- فلما علم ذلك قال وارزقهم مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ- زعما منه ان الله تعالى ينتقم من المشرك فى الدنيا ايضا- فقال الله تعالى وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وبِئْسَ الْمَصِيرُ.... رَبَّنا إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي تقديره أسكنت ولدا من ذريتى فحذف المفعول- او المعنى أسكنت بعض ذريتى وهم إسماعيل ومن ولد منه- فان إسكانه متضمن لاسكانهم بِوادٍ هو فى الأصل موضع يسيل فيه الماء فسمى بالوادي مفرج بين جبال او تلال او اكام- وكان الموضع الّذي هناك مكة واديا بين الجبال غَيْرِ ذِي زَرْعٍ لانها حجرية لا تنبت عِنْدَ بَيْتِكَ الّذي كان قبل الطوفان الْمُحَرَّمِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض- فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة- وانه لن يحل القتال فيه لاحد- ولا يحل لى الا ساعة من نهار- فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة- لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته الا من عرفها ولا يختلى خلاها- قال العباس يا رسول الله الا الاذخر فانه لقينهم ولبيوتهم- فقال الا الأفخر- متفق عليه من حديث ابن عباس اخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامرين سعيد عن أبيه بلفظ كانت

سارة تحت ابراهيم عليه السلام فمكثت معه دهرا لا ترزق ولدا- فلمّا رات ذلك وهبت له هاجر امة قبطية- فولدت له إسماعيل فغارت من ذلك سارة- ووجدت فى نفسها وعقّبت على هاجر فحلفت ان تقطع منها ثلاثة اشراف- فقال لها ابراهيم هل لك ان تبرئ يمينك قالت كيف اصنع- قال اثقبي اذنها واخفضيها- والخفض هو الختان- ففعلت ذلك فوضعت هاجر فى اذنها قرطين- فازدادت بهما حسنا- فقالت أراني انما ازددتها جمالا- فلم ترض على كونه معها- ووجد بها ابراهيم وجدا شديدا فنقلها الى مكة- فكان يزورها فى كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها- وروى البخاري فى الصحيح والبغوي بسنده حديث ابن عباس قال أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل عليه السلام اتخذت منطقا لتعفى اثرها على سارة- ثم جاء بها ابراهيم وبابنها إسماعيل عليهما السلام وهى ترضعه- حتّى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم فى أعلى المسجد- وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنا لك- ووضع عند هما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء- ثم قفل ابراهيم فتبعته أم إسماعيل فقالت يا ابراهيم اين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيها انس ولا شيء- فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها- فقالت له ءالله أمرك بهذا قال نعم قالت «1» إذا لا يضيعنا ثم رجعت- فانطلق ابراهيم حيث لا يرونه فاستقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال رب إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ حتّى بلغ يشكرون- وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء- حتّى إذا نفد ما فى السقاء عطشت وعطش ابنها- وجعلت تنظر اليه يتلوّى او قال يتلمظ- فانطلقت كراهية ان تنظر اليه- فوجدت الصفا اقرب جبل من الأرض يليها فقامت عليه- ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا- فهبطت من الصفا حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعى الإنسان المجهود- حتّى جاوزت الوادي- ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا- ففعلت ذلك سبع مرات- قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما- فلما أشرفت على مروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمّعت

_ (1) فى الأصل قال-

فسمعت ايضا- فقالت قد استمعت ان كان عندك غواث فاذا هى بالملك- عند موضع زمزم فبحث بعقبه او بجناحه حتّى ظهر الماء- فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا- وجعلت تغرف من الماء فى سقائها وهو تفور بعد ما تغرف- قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم او قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا- قال فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة فان هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ان الله لا يضيع اهله- وكانت البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتاخذ عن يمينه وشماله- فكانت كذلك حتّى مرت بهم رفقة من جرهم مقبلين من طريق كذا- فنزلوا فى أسفل مكة فراوا طائرا عائفا على الماء- فقالوا ان هذا الطائر تدور على ماء- ولقد عهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء- فارسلوا جربا او جربين فاذاهم بالماء- فرجعوا فاخبروهم بالماء- فاقبلوا وأم إسماعيل عند الماء- فقالوا أتأذنين لنا ان ننزل عتدك قالت نعم ولا حق لكم فى الماء قالوا نعم- قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فالفى ذلك أم إسماعيل وهى تحب الانس- فنزلوا وأرسلوا الى أهليهم فنزلوا معهم- حتّى إذا كان بها اهل أبيات وشبّ الغلام وتعلم العربية منهم وكان أنفسهم حين شبّ- فلما أدرك زوجوه امراة منهم وماتت أم إسماعيل- فجاء ابراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع بركته- وقد ذكرنا بقية تلك القصة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى- قوله تعالى رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ اللام لام كى متعلقة باسكنت- اى ما اسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كل مرتفق ومرتزق الا لاقامة الصلاة عند بيتك المحرم- وتكرير النداء وتوسيطه للاشعار بانها المقصودة بالذات من إسكانهم ثمه- والمقصود من الدعاء توفيقهم لها- وقيل لام الأمر والمراد هو الدعاء لهم باقامة الصلاة كانّه طلب منهم الاقامة وسال من الله ان يوفقهم لها فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً روى عن طرق من جميع هشام افئيدة بياء بعد الهمزة والجمهور بغير ياء جمع فواد وهو القلب مِنَ النَّاسِ اى افئدة من افئد الناس ومن للتبعيض- قال مجاهد لو قال افئدة الناس لزاحمتكم

[سورة إبراهيم (14) : آية 38]

فارس والروم والترك والهند- وقال سعيد بن جبير لحجت اليهود والنصارى والمجوس ولكنه قال أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ فهم المسلمون- او للابتداء كقولك القلب منى سقيم اى افئدة ناس تَهْوِي اى تسرع شوقا وودادا قال السدّى معناه تميل إِلَيْهِمْ تعديته بالى لتضمين معنى النزوع وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ مع سكناهم واديا غير ذى زرع مثل ما رزقت سكان القرى ذوات الماء لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) تلك النعمة فاجاب الله دعوته فجعله حرما أمنا يّجبى اليه ثمرت كلّ شيء حتّى يوجد هناك الفواكه الربيعية والخريفية والصيفية والشتائية فى يوم واحد. رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ من أمورنا وأحوالنا ومصالحنا- وارحم بنا منا لانفسنا فلا حاجة لنا الى الطلب لكنا ندعوك إظهارا لعبوديتك وافتقارا الى رحمتك واستعجالا لنيل ما عندك- قال ابن عباس ومقاتل ما نخفى وما نعلن من الوجد بإسماعيل وامه حيث اسكنتهما بواد غير ذى زرع- وقيل ما نخفى من وجد الفرقة وما نعلن من التضرع وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) لانه عالم بعلم ذاتى يستوى نسبته الى كل معلوم ومن للاستغراق- قيل هذا من قول ابراهيم عليه السلام والأكثرون على انه من الله عز وجل-. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ اى وهب لى وانا كبير ايس عن الولد قيد الهبة بحال الكبر استعظاما للنعمة وإظهارا لما فيها من الاية إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ قال ابن عباس رضى الله عنهما ولد إسماعيل لابراهيم عليهما السلام وهو ابن تسع وتسعين سنة- وولد إسحاق عليه السلام وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة- وقال سعيد بن جبير بشر ابراهيم بإسحاق عليهما السلام وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة كذا اخرج ابن جرير إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) يعنى مجيب الدعاء من قولك سمع الملك الكلام إذا اعتد به- قال سيبويه هو من ابنية المبالغة العاملة عمل الفعل أضيف الى مفعوله او الى فاعله على اسناد السماع الى دعاء الله على المجاز- وفيه اشعار بانه دعا ربه تعالى وسال منه الولد فاجابه ووهب له سواله حين الإياس منه

[سورة إبراهيم (14) : آية 40]

ليكون من أجل النعم وأجلاها. رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ معدّلا لها بأركانها وآدابها محافظا ومواظبا عليها وَمِنْ ذُرِّيَّتِي عطف على المنصوب فى اجعلنى يعنى واجعل بعض ذريتى من يقيمون الصلاة أورد من التبعيضية لعلمه باعلام الله تعالى انه يكون فى ذريته كفار حيث قال الله تعالى لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ... رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) قرا البزي دعائى بإثبات الياء فى الحالين وورش وابو عمرو اثبتاها «1» فى الوصل فقط- والباقون يحذفونها فى الحالين- والمعنى استجب دعائى او تقبل عبادتى- روى الترمذي عن انس واحمد والبخاري فى الأدب واصحاب السنن الاربعة وابن حبان والحاكم عن النعمان بن بشير وابو يعلى عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء هو العبادة- وروى الترمذي عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء مخ العبادة. رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ هذه الاية تدل على ان والديه عليه السلام كانا مسلمين- وانما كان آزر عمّا له وكان اسم ابى ابراهيم تارخ كما ذكرنا فى سورة البقرة- ولاجل دفع توهم آذر قال والدي يعنى من ولداني حقيقة ولم يقل أبوي- فان الأب يطلق على العم مجازا وعلى تقدير كون آذر أبا له كما قيل- فقد ذكر الله عذره فى سورة التوبة وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ- يعنى قبل ان يتبين له امره فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ... وَاغفر لِلْمُؤْمِنِينَ كلهم أجمعين يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) اى يثبت او يبدوا ويظهر مستعار من القيام على الرحل- كقولهم قامت الحرب على ساق- او المعنى يوم يقوم اهل الحساب فحذف المضاف وأسند الفعل الى المضاف اليه مجازا- كما فى قوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ- وقيل أراد يوم يقوم الناس للحساب فاكتفى بذكر الحساب لكونه مفهوما-. وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ (5) الغفلة عدم الاطلاع على حقيقة الأمور والاية خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد به تثبيته على ما هو عليه من انه مطلع على أحوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه خافية معاقب على الكثير والقليل لا محالة- او لكل من يتوهم غفلته جهلا بصفاته واغترارا

_ (1) فى الأصل أثبتها-

[سورة إبراهيم (14) : آية 43]

بامهاله- وقيل انه تسلّية للمظلوم وتهديد للظالم إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ اى يؤخر عذابهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) اى تشخص أبصارهم لا يغمض من هول ما يرى فى ذلك اليوم وقيل يرتفع ويزول عن أماكنها. مُهْطِعِينَ اى مسرعين لا يلتفتون يمينا وشمالا ولا يعرفون مواطن أقدامهم- قال قتادة مسرعين الى الداعي- وقال مجاهد مديمى النظر وفى القاموس هطع هطوعا اسرع مقبلا خائفا او اقبل ببصره على الشيء لا يقلع عنه ومهطع كمحسن من ينظر فى ذل وخضوع لا يقلع بصره او الساكت المنطلق الى مرهتف به مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ قال القتيبي المقنع الّذي يرفع راسه ويقبل ببصره ما بين يديه وقال الحسن وجوه الناس يوم القيامة الى السماء لا ينظر أحد الى أحد لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ اى لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا الى أنفسهم بل يبقى عيونهم شاخصة لا تطرف وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) خلاء اى خالية عن العقل والفهم لفرط الحيزة والدهشة ومنه يقال للاحمق قلبه هواء لا رأى فيه ولا قوة- قال قتادة خرجت قلوبهم من صدورهم فصارت فى حناجرهم لا تخرج من أفواههم ولا تعود الى أماكنها- فالافئدة هواء اى لا شيء فيها ومنه سمى ما بين السماء والأرض هواء لخلوه- وقال سعيد بن جبير اى قلوبهم مترددة تمور فى أجوافهم ليس لها مكان يستقر فيه- قال البغوي حقيقة المعنى ان القلوب زائلة عن أماكنها والابصار شاخصة من هول ذلك اليوم-. وَأَنْذِرِ اى خوف يا محمّد عليه السلام النَّاسَ يَوْمَ بيوم يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ يعنى يوم القيامة او يوم الموت فانه أول ايام عذابهم او يوم يأتيهم العذاب العاجل للاستيصال فى الدنيا فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا بالشرك والتكذيب رَبَّنا أَخِّرْنا اى أمهلنا فى الدنيا او المعنى اخر العذاب عنا وردّنا الى الدنيا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ اى الى حد من الزمان قريب وابقنا مقدار ما نؤمن بك ونجب دعوتك نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ جواب للامر نظيره لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ- فيجابون أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ حلفتم مِنْ قَبْلُ فى دار الدنيا ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) جواب للقسم جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية- والمعنى

[سورة إبراهيم (14) : آية 45]

انكم باقون فى الدنيا لا تزالون بالموت ولعلهم قسموا بطرا وغرورا- او حكاية عن دلالة حالهم حيث بنوا شديدا وأملوا بعيدا- وقيل معناه اقسموا انهم لا ينقلون الى دار اخرى- او انهم إذا ماتوا لا يزالون عن تلك الحالة يعنى لا يبعثون بعد الموت نظيره قوله تعالى وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ.... وَسَكَنْتُمْ فى الدنيا فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالكفر والمعاصي ممن كان قبلكم قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم وَتَبَيَّنَ لَكُمْ من مشاهدة اثار منازلهم وسماع اخبار ما نزل بهم- وفاعل تبيّن مضمر دل عليه الكلام اى تبين لكم حالهم- وكيف فى قوله كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ منصوب بقوله فعلنا فلم ينزجروا وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) من أحوالهم اى بيّنّا لكم على السنة المرسلين المؤيدين بالمعجزات انكم فى الكفر واستحقاق العذاب او المعنى بيّنّا صفات ما فعلوا وما فعل بهم الّتي هى فى الغرابة كالامثال المضروبة- او بيّنّا لكم الأمثال فى القران-. وَقَدْ مَكَرُوا يعنى كفار مكة بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث أرادوا حبسه او إخراجه او قتله مَكْرَهُمْ قال المفسرون الضمير المجرور فى مكرهم راجع الى ما يرجع اليه الضمير المرفوع فى مكروا- والمعنى انهم مكروا مكرهم البليغ المستفرغ فيه جهدهم لابطال الحق وتقرير الباطل- وحينئذ لا تعلق لهذا الكلام بما سبق- وعندى ان الجملة معطوفة على قوله وسكنتم- والضمير المجرور راجع الى الموصول- والمراد الكفار السابقون «1» - والمرفوع الى الناس اى كفار هذه الامة- وفى الكلام التفات من الخطاب الى الغيبة- والمعنى سكنتم فى مساكن من قبلكم وتبين لكم ما فعلنا بهم وقد مكرتم مثل مكر السابقين وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ اى مكتوب عنده فعلهم فهو مجازيهم عليه- او عنده ما يمكرهم به جزاء لمكرهم وابطالا له وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ قرا علىّ وابن مسعود رضى الله عنهما وان كاد مكرهم بالدال وقراءة العامة بالنون لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) قرا الكسائي وابن جريج بفتح اللام للتأكيد فى لتزول والرفع- على انّ ان مخففة من الثقيلة واللام هى الفاصلة والمعنى انه كان مكرهم يعنى شركهم عظيما شديدا بحيث تزول منه الجبال بمعنى قوله تعالى تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً- قال البغوي حكى عن علىّ بن ابى طالب رضى الله عنه

_ (1) فى الأصل سابقين-

[سورة إبراهيم (14) : آية 47]

فى معنى الاية انها نزلت فى نمرود الجبار الّذي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ- وذلك انه قال ان كان ما يقوله ابراهيم حقّا فلا انتهى حتّى اصعد السماء فاعلم ما فيها- فعمد الى اربعة افرخ من النسور ربّاها حتّى شب- واتخذنا بوتا وجعل له بابا من أعلى وبابا من أسفل- وقعد نمرود مع رجل فى التابوت ونصب خشبات فى أطراف التابوت- وجعل على رأسها اللحم وربط التابوت بأرجل النسور وخلّاها- فطرن وصعدن طمعا فى اللحم حتّى مضى يوم وابعدن فى الهواء فقال نمرود لصاحبه افتح الباب الأعلى وانظر الى السماء هل قريبا منها- ففتح ونظر فقال ان السماء كهيئتها- ثم قال افتح الباب الأسفل وانظر الى الأرض كيف تراها- ففعل فقال ارى الأرض مثل اللجة والجبال مثل الدخان- فطارت النسور يوما اخر وارتفعت- حتّى حالت الريح بينها وبين الطيران- فقال لصاحبه افتح البابين ففتح الأعلى فاذا السماء كهيئتها وفتح الأسفل فاذا الأرض سوداء مظلمة- ونودى ايها الطاغية اين تريد- قال عكرمة كان معه فى التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب- فرمى بسهم فعاد اليه السهم متلطّخا بدم سمكة تذفت نفسها من بحر فى الهواء- وقيل طائر أصابه السهم فقال كفيت بشغل اله السماء- قال ثم امر نمرود صاحبه ان يصرف الخشبات وينكس اللحم ففعل- فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال خفيف التابوت والنسور- ففزعت وظنّت ان قد حدث حدث من السماء وان الساعة قد قامت وكادت تزول عن أماكنها- فذلك قوله تعالى وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ- وهذه القصة يأبى عنه العقل ولم يثبت بنقل يعتمد عليه- وقرا الجمهور بلام مكسورة والنصب فان حينئذ اما نافية واللام لام جحود لتأكيد النفي كقوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ- او مخففة من الثقيلة واللام لام كى وكان تامة- والجبال مثل لامر النبي صلى الله عليه وسلم وآيات الله والشرائع- والمعنى على الاول وما كان مكرهم مزيلا للجبال وعلى الثاني انهم مكروا وثبت مكرهم ليزيلوا ما هو كالجبال الراسيات ثباتا وتمكنا من امر النبي صلى الله عليه وسلم وآيات الله وشرائعه وذلك محال- وقال الحسن ان كان مكرهم لا ضعف من ان تزول الجبال-. فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ بالنصر لاوليائه وهلاك

[سورة إبراهيم (14) : آية 48]

أعدائه كقوله تعالى إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وقوله كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وقوله لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ- ومخلف مفعول ثان لتحسبن وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني إيذانا بانه لا يخلف الوعد أصلا كقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ وإذا لم يخلف وعده أحدا كيف يخلف رسله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب لا يماكر قادر لا يدافع ذُو انتِقامٍ (47) لاوليائه من أعدائه-. يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ بدل من يوم يأتيهم او ظرف للانتقام او مقدر با ذكر او بقوله لا يخلف وعده- ولا يجوز ان ينتصب بمخلف لان ما قبل انّ لا يعمل فيما بعده وَالسَّماواتُ عطف على الأرض وتقديره والسموات غير السموات فحذف لدلالة ما قبله عليه- والتبديل يكون فى الذات كقولك بدلت الدراهم بالدنانير وعليه قوله تعالى بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها- وفى الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا اذبتها وغيرت شكلها- وفى تبديل الأرض والسموات أحاديث بعضها تدل على التبديل فى الذات وبعضها على التبديل فى الصفات- اخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن ابى حاتم فى تفاسيرهم والبيهقي بسند صحيح عن ابن مسعود فى هذه الاية انه قال تبدل الأرض أرضا كانها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم تعمل عليها خطيئة واخرج البيهقي عن ابن مسعود مرفوعا وقال الموقوف أصح- قلت والموقوف فى الباب له حكم المرفوع- واخرج ابن جرير والحاكم من وجه اخر عنه قال أرضا بيضا كانها سبيكة فضة- واخرج احمد وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابى أيوب وابن جرير عن انس بن مالك فى هذه الاية قال يبدلها الله تعالى يوم القيامة بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطاء- واخرج من طريق ابى حمزة عن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم فى الاية قال انها تكون بيضاء مثل الفضة- واخرج ابن ابى الدنيا فى صفة الجنة عن على بن ابى طالب فى هذه الاية قال الأرض من فضة والسماء من ذهب- واخرج ابن جرير عن مجاهد قال الأرض كانها فضة والسماء كذلك- واخرج عبد ابن حميد عن عكرمة قال بلغنا ان الأرض تطوى والى جنبها اخرى يحشر الناس منها إليها- وفى الصحيحين عن سهل بن سعد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الناس

يوم القيامة على ارض بيضاء غفراء كقرصة نقى ليس فيها معلم لاحد- واخرج البيهقي من طريق السدى الصغير عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس فى هذه الاية قال يزاد فيها وينقص ويذهب اكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وما فيها وتمدّ مدّ الأديم العكاظي ارض بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم ولم تعمل عليها خطيئة- والسموات تذهب شمسها وقمرها ونجومها- واخرج الحاكم عن ابن عمرو قال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر الخلائق واخرج الحاكم بسند جيد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم منها الا موضع قدميه ثم ادعى أول الناس فاخرّ ساجدا- ثم يؤذن لى فاقوم فاقول يا رب أخبرني هذا جبرئيل (وهو عن يمين الرحمان والله ماراه جبرئيل قبلها قط) انك أرسلته الىّ قال وجبرئيل ساكت لا يتكلم حتّى يقول الله صدق ثم يأذن لى فى الشفاعة فاقول يا رب عبادك أطراف الأرض فذلك المقام المحمود- وفى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفاها الجبار بيده كما يتكفا أحدكم خبزته فى السفر نزلا لاهل الجنة- قال الدراوردي النزل ما يعجل للضيف قبل الطعام والمراد به يأكل منها فى الموقف من سيصير الى الجنة- وكذا قال ابن مرجان فى الإرشاد تبدل الأرض خبزة فيأكل المؤمن من بين رجليه ويشرب من الحوض- قال ابن حجر يستفاد منه ان المؤمنين لا يعاقبون بالجوع فى طول زمان الموقف بل يقلب الله بقدرته طبع الأرض حتّى يأكلون منها من تحت أقدامهم ما شاء الله من غير علاج ولا كلفة- ويؤيده ما اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال وتكون الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه- واخرج نحوه عن محمّد بن كعب- واخرج البيهقي عن عكرمة قال تبدل الأرض بيضاء مثل الخبزة يأكل منها اهل الإسلام حتّى يفرغوا من الحساب- وعن ابى جعفر محمّد الباقر نحوه- واخرج الخطيب عن ابن مسعود قال يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط واظمأ ما كانوا قط واعرى ما كانوا قط وانصب ما كانوا قط فمن اطعم لله أطعمه ومن سقى لله سقاه ومن كسى لله كساه ومن عمل كفاه- واخرج ابن جرير عن ابن كعب فى الاية قال تصير السموات جنانا وتصير مكان

البحر نارا وتبدل الأرض غيرها- واخرج عن ابن مسعود قال الأرض كلها نار يوم القيامة- واخرج عن كعب الأحبار قال يصير مكان البحر نارا- واخرج مسلم عن ثوبان قال جاء حبر من اليهود الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اين يكون الناس يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ قال هم فى ظلمة دون الجسر- واخرج مسلم عن عائشة قالت قلت يا رسول الله ارايت قوله تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ اين الناس يومئذ قال على الصراط- قال البيهقي قوله على الصراط مجاز لكونهم يجاوزونه فوافق قوله فى حديث ثوبان دون الجسر لانها زيادة يتعين المصير إليها لثبوتها ولان ذلك عند الزجرة الّتي تقع بها نقلتهم من ارض الدنيا الى ارض الموقف- واخرج البيهقي عن أبيّ بن كعب فى قوله تعالى وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً قال يصير ان غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين وذلك قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ- قال السيوطي رحمه الله قد وقع الخلاف قديما للسلف فى ان التبديل تغير ذاتها او صفاتها فقط- فرجح الاول ابن ابى حمزة وأشار الى ان ارض الدنيا تضمحل وتعدم وتجدد ارض الموقف- وقال الشيخ ابن حجر رحمه الله لا تنافى بين تبديل الأرض وأحاديث مدها والزيادة فيها والنقص منها- لان كل ذلك يقع لارض الدنيا لكن ارض الموقف غيرها- فانهم يزجرون من ارض الدنيا بعد تغيرها بما ذكرنا الى ارض الموقف- قال ولا تنافى ايضا بين أحاديث مصيرها خبزة وغبرة ونارا بل تجمع بان بعضها تصير خبزة وبعضها غبرة وبعضها نارا وهو ارض البحر خاصة بدليل اثر أبيّ بن كعب- قلت لعل موضع أقدام المؤمنين يصير خبزة وموضع أقدام الكفار غبرة ونارا- وقال القرطبي جمع صاحب الإفصاح بين هذه الاخبار بان تبديل الأرض والسموات يقع مرتين أحدهما تبديل صفاتها فقط وذلك قبل نفخة الصعق فتنتشر الكواكب وتخسف الشمس والقمر وتصير السماء كالمهل وتكشط عن الرءوس وتسير الجبال وتصير البحار نارا وعوّج الأرض وتنشق الى ان تصير الهيئة غير الهيئة- ثم بين النفختين تطوى السماء والأرض وتبدل السماء سماء اخرى وهو قوله تعالى وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وتبدل الأرض فتمدّ مدّ الأديم وتعاد كما كانت فيها القبور والبشر على ظهرها وفى بطنها- وتبدل ايضا تبديلا ثانيا وذلك إذا وقفوا فى المحشر فتبدل لهم الأرض الّتي يقال لها الساهرة

[سورة إبراهيم (14) : آية 49]

ويحاسبون عليها وهى ارض غفراء بيضاء من فضة لم يسفك فيها دم ولم تعمل عليها معصية وحينئذ يقوم الناس على الصراط وهو يسع جميع الخلق فيقوم من فضّل على جسر جهنم وهى كاهالة جامدة وهى الّتي قال عبد الله انها ارض من نار فاذا جاوزوا الصراط وجعل اهل النار واهل الجنان من وراء الصراط قاموا على حياض الأنبياء يشربون بدّلت الأرض كقرصة النقي فاكلوا من تحت أرجلهم وعند دخولهم الجنة كانت خبزة واحدة اى قرصا واحدا يأكل منه جميع الخلائق ممن دخل الجنة- وادامهم زيادة كبد ثور الجنة وزيادة كبد النون انتهى كلامه- واخرج الطبراني فى الأوسط وابن عدى بسند ضعيف الأرض تذهب كلها يوم القيامة الا المساجد فانها ينضم بعضها الى بعض- قلت لو صح هذه الرواية فلعل ارض المساجد تصيرا رضا للجنة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين بيتي ومنبرى روضة من رياض الجنة- رواه الشيخان فى الصحيحين واحمد والنسائي عن عبد الله ابن زيد المازنى وعن ابى هريرة فى الصحيحين وعند الترمذي وَبَرَزُوا اى ظهروا وخرجوا من قبورهم لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) اى لمحاسبته ومجازاته- وتوصيفه بالوصفين للدلالة على ان الأمر فى غاية الصعوبة فان الأمر إذا كان لواحد غالب لا يغالب عليه فلا مستغاث ولا مستجار غيره-. وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ اى الكافرين يَوْمَئِذٍ اى يوم إذ برزوا مُقَرَّنِينَ مشددين قرينا بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم فى العقائد والأعمال- اخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال يقرّن الرجل الصالح مع الصالح فى الجنة ويقرّن بين الرجل السوء مع السوء فى النار- او قرينا مع شياطينهم- او مع ما اكتسبوا من العقائد الزائغة والملكات الباطلة- او قرينا أيديهم وأرجلهم الى رقابهم بالاغلال فِي الْأَصْفادِ (49) اى فى القيود والاغلال واحدها صفد- وكل من شدتّه شدا وثيقا فقد صفدتّه. سَرابِيلُهُمْ جمع سربال وهو القميص مِنْ قَطِرانٍ وهو عصارة الأبهل تطبخ فتهنا به الإبل الجربى فيحرق الجرب لحدته وهو اسود منتن يشتعل فيه النار بسرعة يطلى به جلود اهل النار حتّى يكون طلاوة لهم كالقميص ليجتمع عليهم لدغ القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع اسراع النار

[سورة إبراهيم (14) : آية 51]

فى جلودهم- وقرا عكرمة ويعقوب من قطران على كلمتين منونتين والقطر النحاس والصفر المذاب والان الّذي انتهى حره والجملة حال ثان او حال من الضمير فى مقرنين وَتَغْشى اى تعلو وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) وخص الوجه فى الذكر لانه أعزّ موضع فى ظاهر البدن كالقلب فى باطنه ولذا قال تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ- او لانهم لم يتوجهوا بها الى الحق ولم يستعملوا فى تدبره مشاعرهم وحواسّهم الّتي خلقت فيها لاجله كما تطّلع على الافئدة لانها فارغة عن المعرفة مملوّة بالجهالات. لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مجرمة ما كَسَبَتْ اللام اما متعلق بقوله مُقَرَّنِينَ- او بالظرف المستقر اعنى من قطران او بقوله تغشى- او بفعل مقدر يعم ذلك تقديره يفعل ذلك ليجزى- وجاز ان يكون المعنى ليجزى كل نفس مطيعة وعاصية بما كسبت- لانه إذا بين ان المجرمين يعاقبون باجرامهم علم ان المطيعين يثابون بطاعتهم واللام حينئذ متعلق ببرزوا إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) لا يشغله حساب عن حساب- قال السيوطي فى الجلالين يحاسب جميع الخلائق فى قدر نصف نهار من ايام الدنيا لحديث بذلك- واخرج ابن المبارك وابو نعيم عن النخعي قال كانوا يرون انه ليفرغ من حساب الناس يوم القيامة فى مقدار نصف يوم يقيل هؤلاء فى الجنة وهؤلاء فى النار- واخرج ابن المبارك وابن ابى حاتم عن ابن مسعود قال لا ينتصف النهار من ذلك اليوم حتّى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرا أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ... - ثمّ انّ مقيلهم «1» لالى الجحيم- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال انما هى ضخوة فيقيل اولياء الله على الاسرة مع الحور العين ويقيل اعداء الله مع الشياطين مقرنين- قلت لكن هذه الآثار تدل على ان المراد نصف نهار الاخرة والله اعلم-. هذا القران او السورة او ما فيها من الوعظ والتذكير من قوله وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ ... بَلاغٌ لِلنَّاسِ كفاية لهم فى الموعظة وَلِيُنْذَرُوا بِهِ اى ليخوفوا عطف على محذوف اى لينصحوا ولينذروا بهذا البلاغ واللام متعلق بالبلاغ- ويجوز ان يتعلق بمحذوف تقديره ولينذروا به انزل او تلى- وقيل معنى الاية هذا القران انزل لتبليغ الناس احكام الله تعالى ولينذروا به وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ لانهم

_ (1) وفى القران ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ-

فهرس تفسير سورة الحجر من التفسير المظهرى

إذا خافوا ما اندروا به دعتهم المخافة الى النظر والتأمل فيتوصلوا الى التوحيد بالنظر والتأمل فيما فيه من الآيات الدالة عليه او المنبّهة على ما يدل عليه وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (51) فيرتدعوا عما يرد بهم- ذكر الله تعالى لهذا البلاغ ثلاث فوائد وهى الغاية والحكمة فى إنزال الكتب أحدها تكميل الرسل للناس بقوله لينذروا ثانيها استكمالهم القوة النظرية الّتي منتهى كما لها التوحيد بقوله ليعلموا انّما هو اله وّاحد ثالثها استصلاح القوة العملية الّتي هو التدرّع بلباس التقوى جعلنا الله من الفائزين بها والله اعلم- تمت تفسير سورة ابراهيم عليه السلام من التفسير المظهرى تاسع عشر ربيع الثاني من السنة الثانية بعد الف ومائتين ويتلوه تفسير سورة الحجر ان شاء الله تعالى وصلى الله تعالى على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين سنه 1202 هجرى. فهرس تفسير سورة الحجر من التفسير المظهرى مضمون صفحه مضمون صفحه ما ورد فى ان الكفار يعيّرون العصاة من المؤمنين عند دخولهم النار معهم فيغضب الله تعالى ويخرج من النار من قال لا اله الا الله- 3 ما ورد فى استراق الشياطين السمع والقائها على الكهنة- 7 ماخذ القول بالأعيان الثابتة وعالم المثال 8 حديث ما هبت ريح قط إلا جثى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اجعلها رحمة الحديث- 9 حديث من مات على شيء بعثه عليه- 10 تحقيق الروح العلوي وهى خمسة والروح السفلى وكيفية سريانها ونفخها- 12 ما ورد فى أبواب جهنم 16 باب لمن سلّ السيف على المسلمين- 16 باب لا يدخله اى جهنم الا من شفى غيظه بسخط الله وأشدها غما للزناة- 16 حديث كان لا ينام حتّى يقرا تبارك وحم السجدة 17 أحاديث الخوف والرجاء 18 حديث ان الله خلق مائة- رحمة الحديث 19 ما ورد فى السبع المثاني قيل هى الفاتحة وقيل سبع سور- 24 حديث ان الله أعطاني السبع الطوال مكان التورية والرّاءات الى الطواسين مكان الإنجيل وما بينهما الى الحواميم مكان الزبور وفضلنى بالحواميم والمفصل 25 حديث ليس منا من لم يتغنّ بالقران- 26 حديث لا تغبطن فاجرا بنعمة- 26 حديث انظروا الى من هو أسفل منكم لا الى من هو فوقكم- 26 الأحاديث الواردة فيما يسئل عنه يوم القيامة 28 حديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خزبه امر فزع الى الصلاة- 33 حديث ما اوحى الىّ ان اجمع المال وأكون من التاجرين ولكن اوحى الىّ ان سبح بحمد ربّك وكن من الساجدين- 33 حديث فى منقبة مصعب بن عمير- 33 تمّت.

سورة الحجر

سورة الحجر «1» مكّيّة وآياتها تسع وتسعون ربّ يسّر وتمّم بالخير «2» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ اشارة الى آيات السورة آياتُ الْكِتابِ الاضافة بمعنى من وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) الكتاب هو السورة او القران وتنكيره للتفخيم اى آيات ما هو جامع لكونه كتابا كاملا وقرانا يبين الرشد من الغى والحلال من الحرام بيانا عربيّا-. رُبَما قرا نافع وعاصم وابو جعفر بتخفيف الباء والباقون بتشديدها- وربّ حرف جر للتقليل واستعمل هاهنا للتكثير مجازا لمناسبة المقابلة وإيذانا بانهم لو كانوا يودون الإسلام قليلا ولو مرة واحدة فبالحرىّ ان يسارعوا اليه فكيف وهم يودون كثيرا بل كل ساعة- او إيذانا بان ودادهم بلغت من الكثرة بحد لا يمكن التعبير عنه فاكتفى بما يدل على التقليل- وقيل استعمل هاهنا على الحقيقة للتقليل ووجه التقليل انه يدهشهم اهوال القيامة فان حانت منهم افاقة فى بعض الأوقات تمنوا ذلك- وما كافة تكف ربّ عن العمل فجاز دخولها على الفعل وحقها ان تدخل على الماضي لكن لمّا كان المترقب فى اخبار الله تعالى كالماضى فى تحققه دخلت على المضارع حيث قال الله تعالى يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2) الغيبة فى حكاية ودادهم كالغيبة فى قولك حلف بالله ليفعلن مكان قولك لافعلن- اخرج ابن المبارك وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس وانس رضى الله عنهم انهما تذاكرا فى هذه الاية فقالا

_ (1) ليس عنوان السودة فى الأصل (2) الخطبة من الناشر-

هذا حيث يجمع الله تعالى بين اهل الخطايا من المسلمين وبين المشركين فى النار فيقول المشركون ما اغنى عنكم ما كنتم تعملون فيغضب الله فيخرجهم بفضل رحمته- واخرج هناد وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس رضى الله عنهما قال ما يزال الله تعالى يشفّع ويدخل الجنة ويشفّع ويرحم حتّى يقول من كان مسلما فليدخل الجنة وذلك قوله تعالى رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ- واخرج الطبراني فى الأوسط بسند صحيح عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ناسا من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون فى النار ما شاء الله ان يكونوا ثم يعيّرهم اهل الشرك فيقولون ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم فلا يبقى موحد الا أخرجه الله ثم قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ- واخرج الطبراني وابن عاصم والبيهقي عن ابى موسى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمع اهل النار فى النار ومعهم من شاء الله تعالى من اهل القبلة قال الكفار للمسلمين الم تكونوا مسلمين قالوا بلى قالوا فما اغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معنا فى النار قالوا كانت لنا ذنوب فاخذنا بها فيسمع الله ما قالوا فامر من كان فى النار من اهل القبلة فاخرجوا فلما راى ذلك من بقي من الكفار فى النار قالوا يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا ثم قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ- وذكر البغوي هذا الحديث نحو ما ذكر وفى آخره فيأمر لكل من كان من اهل القبلة فيخرجون منها فحينئذ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ- واخرج الطبراني عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه انه سئل هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول شيئا فى هذه الاية رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال نعم سمعته يقول يخرج الله من شاء من المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم- فلما أدخلهم الله النار مع المشركين قال المشركون تدّعون انكم اولياء الله فى الدنيا فما بالكم معنا فى النار فاذا سمع الله تعالى ذلك منهم اذن فى الشفاعة فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون حتّى يخرجون بإذن الله فاذا راى المشركون ذلك قالوا يا ليتنا كنا مثلكم فتدركنا الشفاعة فيسمّون الجهنميون من أجل سواد وجوههم فيقولون يا ربنا اذهب عنا الاسم

[سورة الحجر (15) : آية 3]

فيامرهم فيغسلون فى نهر الحيوة فيذهب الاسم عنهم- واخرج ابن جرير عن ابن مسعود فى هذه الاية قال هذا إذا راوهم يخرجون من النار- واخرج هناد عن مجاهد فى هذه الاية قال إذا خرج من النار من قال لا اله الا الله-. ذَرْهُمْ يعنى دعهم يا محمّد يعنى الذين كفروا يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا بدنياهم وَيُلْهِهِمُ اى يشغلهم عن الاستعداد للمعاد الْأَمَلُ اى توقعهم طول الأعمار فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) سوء صنيعهم إذا عاينوا العذاب والغرض من هذا الكلام اقناط الرسول صلى الله عليه وسلم عن انقيادهم واعلامه بانهم اهل الشقاوة فى علم الله تعالى وان نصحهم بعد ذلك مما لا فائدة فيه- وفيه الزام للحجة وتحذير عن إيثار التنعم وما يؤدى اليه طول الأمل. وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ اى اهل قرية ومن زائدة إِلَّا وَلَها كِتابٌ اى وقت لهلاكها مقدر مكتوب فى اللوح المحفوظ مَعْلُومٌ (4) عند الله تعالى والجملة صفة لقرية مستثناة من عموم الصفات والأصل ان لا تدخله الواو كما فى قوله تعالى إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ لكن لمّا شابهت صورتها صورة الحال ادخلت عليها تأكيدا للصوقها بالموصوف وجاز ان يقال الجملة حال من القرية لكونها فى حكم الموصوفة كانه قيل وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ من القرى. إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ من زائدة أَجَلَها اى لا تسبق امة الى الهلاك أجلها يعنى لا يهلك قبل ذلك وَما يَسْتَأْخِرُونَ (5) اى لا يستأخرون الهلاك عند بلوغ الاجل وتذكير ضمير امة حملا على المعنى. وَقالُوا اى الكفار للنبى صلى الله عليه وسلم تهكما واستهزاء يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) يعنون انك لتقول قول المجانين حيث تقول انزل علىّ الذكر اى. القران لَوْ ما هل لا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ ليشهدوا لك بالصدق على ما تقول ويعضدون على الدعوة كقوله تعالى لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً- او للعقاب على تكذيبنا كما أتت الأمم السابقة إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) فى دعوى النبوة. ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ قرا حفص وحمزة والكسائي ننزّل بنونين على صيغة المضارع المتكلم المعروف من التفعيل مسندا الى الله تعالى والملئكة بالنصب على المفعولية وابو بكر بالتاء الفوقانية

[سورة الحجر (15) : آية 9]

والنون على صيغة الواحد المؤنث المجهول من التفعيل والملائكة بالرفع مسندا اليه والباقون كذلك لكن على صيغة الواحد المؤنث المعروف من التفعل بحذف احدى التاءين والملئكة مرفوع على الفاعلية إِلَّا بِالْحَقِّ اى بالعذاب المتحقق عند الله لقوم وَما كانُوا يعنى الكفار إِذاً يعنى إذا نزّلت الملائكة بالعذاب مُنْظَرِينَ (8) اى مؤخرين يعنى لو نزلت الملائكة بالعذاب زال عن الكفار الامهال وعذبوا فى الحال. إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ رد لانكارهم واستهزائهم ولذلك أكده بوجوه وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) من التحريف والزيادة والنقصان ولا يتطرق اليه الخلل ابدا- وهذا دليل على كونه منزّلا من الله دون غيره إذ لو كان من عند غير الله لتطرق اليه الزيادة والنقصان وقدر الأعداء على الطعن فيه- ويل للرافضة حيث قالوا قد تطرق الخلل الى القران وقالوا ان عثمان وغيره حرّقوه والقوا منه عشرة اجزاء- وقيل الضمير فى له للنبى صلى الله عليه وسلم يعنى انا لمحمّد حافظون ممن اراده بسوء نظيره قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ-. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رسلا فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) شيع جمع شيعة وهو القوم المجتمعة المتفقة كلمتهم من شاعه إذا تبعه وأصله الشياع وهو الحطب الصغار توقد به الكبار. وَما يَأْتِيهِمْ يعنى الشيع حكاية حال ماضية يعنى ما أتاهم مِنْ رَسُولٍ من زائدة لتعميم النفي إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11) كما يفعل هؤلاء بك تسلّية للنبى صلى الله عليه وسلم. كَذلِكَ اى كما سلكنا الاستهزاء والكفر فى قلوب الشيع الأولين نَسْلُكُهُ اى ندخل الاستهزاء فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) يعنى مشركى مكة- والسلك إدخال الشيء فى الشيء كالخيط فى المخيط والرمح فى المطعون- وفيه رد للقدرية ودليل على انه تعالى يوجد الباطل فى قلوب الكفار. لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حال من المجرمين وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) اى سنة الله فيهم بان خذلهم وسلك الكفر فى قلوبهم او باهلاك من كذب الرسل منهم. وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ اى على هؤلاء المقترحين القائلين لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ بابا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) اى فظلت الملائكة يصعدون الى السماء وهم يرونها عيانا وقال الحسن فظل هؤلاء الكفار يعرجون الى السماء ويرون عجائبها طول نهارهم مستوضحين لما يرون. لَقالُوا إِنَّما

[سورة الحجر (15) : الآيات 16 إلى 17]

سُكِّرَتْ أَبْصارُنا اى سددت منا الابصار بالسحر اى حبست ومنعت النظر من السكر وهو سد النهر كذا فى القاموس- يدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف كذا قال ابن عباس وقال الحسن معنى سكّرت بالتشديد سحرت وقال قتادة أخرت وقال الكلبي عميت قال فى القاموس سكرت أبصارنا اى حبست عن النظر وحيرت او غطيت وغشيت بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) قد سحرنا محمّد صلى الله عليه وسلم بذلك كما قالوه عند روية غير ذلك من المعجزات- وفى كلمة انّما وبل دلالة من الكفار على القطع بان ما يرونهم لا حقيقة له بل هو باطل خيّل إليهم بنوع من السحر-. وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً البرج هو النجم الكبير ماخوذ من التبرج اى الظهور يقال تبرجت المرأة إذا ظهرت- وقال عطية هى قصور فى السماء- وليس المراد بالآية مصطلح اهل الهيئة والنجوم فانها مبنية على كون السموات منطبقة بعضها على بعض بحيث يتحركن كلهن قسرا بحركة الفلك التاسع فلك الافلاك وكون حركة فلك الافلاك على منطقة وقطبين وحركة الفلك الثامن فلك الثوابت على منطقة وقطبين أخريين ولزوم الشمس منطقة الفلك الثامن وحصول التقاطع بين المنطقين ورسم خط يحصل به التقاطع بين الاقطاب الاربعة فيحصل اربعة أقواس كل قوس مشتملة على ثلاثة بروج- وذلك مما يأبى عنه الشرع فانه يثبت بالشرع حركة الكواكب دون السموات وبعد ما بين كل سمائين خمسمائة عام وعدد السموات لا يزيد على سبع وَزَيَّنَّاها اى البروج بالضياء او السماء بالشمس والقمر والكواكب لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْناها يعنى السماء مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (17) فلا يقدر ان يصعد إليها ويوسوس أهلها او يتصرف فى أمرها او يطلع على أحوالها- قال البغوي قال ابن عباس كانت الشياطين لا يحجبون عن السموات وكانوا يدخلونها ويأتون باخبارها فيلقون على الكهنة فلمّا ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات فلمّا ولد محمّد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها فما منهم يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب- فلمّا منعوا تلك المقاعد ذكروا ذلك لابليس فقال لقد حدث فى الأرض حدث- قال فبعثهم فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم

[سورة الحجر (15) : آية 18]

يتلو القران فقالوا هذا والله الّذي حدث. إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ اى لكن من استرق السمع فَأَتْبَعَهُ اى تبعه ولحقه شِهابٌ مُبِينٌ (18) ظاهر للمبصرين والشهاب شعلة نار تخرج من الكواكب قال البغوي وذلك ان الشياطين يركب بعضهم بعضا الى السماء الدنيا فيسترقون السمع من الملائكة فيرمون بالشهب فلا يخطى ابدا فمنهم من يقتله ومنهم من يحرق وجهه او جنبه او يده او حيث يشاء الله ومنهم من يخبله فيصير غولا يضل الناس فى البوادي عن ابى هريرة قال ان نبى الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كانّه سلسلة على صفوان فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا للذى قال الحقّ وهو العلىّ الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الاخر الى من تحته حتّى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن وربما أدركه الشهاب قبل ان يلقيها وربما القاها قبل ان يدركه فيكذب معه مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة الّتي سمعت من السماء رواه البخاري ومن طريقه البغوي- وعن عائشة انها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ان الملائكة تنزل فى العنان وهى السحاب فيذكر الأمر قضى فى السماء فيسترق الشياطين السمع فيسمعه فيوحيه الى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري ومن طريقه البغوي-. وَالْأَرْضَ مَدَدْناها اى بسطناها على الماء وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ جبالا ثوابت وقد كانت الأرض تميد الى ان أرساها بالجبال وَأَنْبَتْنا فِيها اى فى الأرض او فى الجبال بل فى كليهما مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) اى مقدر بمقدار معين يقتضيه الحكمة- او مستحسن متناسب من قولهم كلام موزون- اوله وزن فى أبواب النعم او ما يوزن من الفلزات كالذهب والفضة والحديد والنحاس وغيرها حتّى الزرنيخ والكحل- وفى الجبال كالياقوت والزبرجد والفيروزج وغيرها. وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها اى فى الأرض والجبال مَعايِشَ جمع معيشة يعنى ما تعيشون بها فى الدنيا من المطاعم والمشارب والملابس والادوية وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (20) عطف على معايش اى جعلنا لكم من لستم

[سورة الحجر (15) : آية 21]

له برازقين من الدواب والانعام فمن هاهنا بمعنى ما كما فى قوله تعالى فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ- وقيل يريد الله تعالى به العيال والخدم والمماليك والانعام والدواب الّتي يظنون انهم يرزقونها ظنا باطلا والله يرزقكم وإياهم وأورد كلمة من تغليبا للعقلاء على غيرهم- وقيل من فى محل الجر عطفا على الضمير المجرور فى لكم وفذلكة الاية الاستدلال بتلك الأشياء على وجود الصانع وكمال قدرته وتناهى حكمته وتفرده بالالوهية ووجوب الوجود والامتنان على العباد بما أنعم عليهم فى ذلك ليوحدوه ويعبدوه ويشكروه ولا يكفروه. وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ اى ما من شيء خلقناه الا نحن قادرون على إيجاد أضعاف ما وجد منه من جنسه وتكوينها فضرب الخزائن مثلا لاقتداره- او شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة الّتي لا يحتاج فى إخراجها الى كلفة واجتهاد- وشبّه إيجاده فى الخارج بانزاله من الخزائن وإخراجه منه فقال وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) مقدر فى الأزل إيجاده معلوم عند الله مقداره- قلت ولعل المراد بالخزائن الأعيان الثابتة فى علم الله تعالى وبانزاله إيجاده فى الخارج الظلي بوجود ظلى- قال البغوي وعن الامام جعفر بن محمّد الصادق رضى الله عنهما وعن ابائهما انه قال فى العرش تمثال جميع ما خلق الله فى البر والبحر وهو تأويل قوله تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ- قلت لعل مراد الامام عليه السلام عالم المثال فانها بمنزلة الخيال للعالم الكبير ومحل الخيال للانسان الدماغ ومحل الخيال للعالم الكبير العرش- وقيل أراد بالخزائن المطر وهو خزينة لكل شيء حيث قال الله تعالى وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ- ويقال لا ينزل من السماء قطرة الا ومعها ملك يسوقها حيث يريد الله كذا قال البغوي-. وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ اى حوامل تحمل السحاب الماطرة جمع لاقحة يقال ناقة لاقحة إذا حملت الولد ومنه ما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الملاقح يعنى بيع ما فى بطن الناقة من الولد- جمع ملقوح وجاز ان يكون لواقح جمع لقوح وهى ناقة ذات لبن- قال البيضاوي شبه الريح الّتي جاءت يخبر من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم- وقال ابن مسعود يرسل الله الريح فيحمل

[سورة الحجر (15) : آية 23]

الماء فيجرى به السحاب فتدرّ كما تدرّ اللقحة ثم تمطر- وقال ابو عبيد أراد باللواقح ملاقح جمع ملقحة لانها تلقح الأشجار اى تجعلها حاملة للثمار- وقال عبيد بن عمير يبعث الريح المبشرة فيقمّ الأرض قمّا ثم المثيرة فتثير سحابا ثم يبعث المؤلفة فتؤلف السحاب بعضه الى بعض فيجعله ركاما ثم يبعث اللواقح فيلقح الشجر- وقال ابو بكر بن عياش لا يقطر قطرة من السماء الا بعد ان تعمل الرياح الأربع فيه فالصبا تهجه والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه وفى الخبر ان اللقح الرياح الجنوب- وفى بعض الآثار ماهبت ريح الجنوب الا وانبعث عنبا عذقة- واما الريح العقيم فانها تأتى بالعذاب ولا تلقح- وروى البغوي من طريق الشافعي والطبراني عن ابن عباس قال ماهبت ريح قط إلا جثى النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا- قال ابن عباس فى كتاب الله أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً ... أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ وقال أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ ويُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ ... فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ اى جعلنا المطر لكم سقيا يقال أسقي فلان فلانا إذا جعل له سقيا وسقاه اى أعطاه ماء يشرب ويقول العرب سقيت الرجل ماء او لبنا إذا كان يسقيه فاذا جعلوا له ماء لشرب ارضه او ماشيته يقول أسقيته وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (22) يعنى ليس المطر فى خزائنكم بل هو فى خزائننا نفى عنهم ما اثبت لنفسه- او المعنى ما أنتم له بحافظين فى العيون والآبار ونحو ذلك- وذلك ايضا يدل على تدبير الحكيم كما يدل عليه حركة الريح فى بعض الأوقات من بعض الجهات وفى بعضها من بعض اخر من الجهات على وجه ينتفع به الناس فان طبيعة الماء يقتضى الغور فوقوفه دون حدّ لا بد له من سبب مقتضى لذلك-. وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي القلوب بالمعرفة والأجسام بتعليق النفوس الحيوانية او النباتية او نحو ذلك وَنُمِيتُ بإزالتها وتكرير الضمير فى انّا لنحن للدلالة على الحصر وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (23) لا يبقى حىّ سوانا- استعير الوارث للباقى بعد فناء غيره استعارة من وارث الميت لانه يبقى بعد فنائه. وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ

[سورة الحجر (15) : آية 25]

مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) اى لا يخفى علينا شيء من أحوالكم بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته فان ما يدل على قدرته دليل على علمه- قال البغوي قال ابن عباس أراد بالمستقدمين الأموات وبالمستأخرين الاحياء- وقال الشعبي الأولين والآخرين وقال عكرمة المستقدمون من خلقه الله وحرج من أصلاب الآباء والمستأخرون من لم يخلق ولم يخرج بعد- وقال مجاهد المستقدمون الأمم السابقة والمستأخرون امة محمّد صلى الله عليه وسلم- وقال الحسن المستقدمون فى الطاعة والخير والمستأخرون المبطئون عنها- وقيل المستقدمون فى الصفوف فى الصلاة والمستأخرون فيها- اخرج ابن مردوية عن داود بن صالح انه سال سهل بن حنيف الأنصاري عن هذه الاية أنزلت فى سبيل الله قال لا ولكنها فى صفوف الصلاة- واخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه عن ابن عباس ان امراة حسناء كانت تصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم بعض القوم لئلا ينظروا إليها وتأخر بعض حتّى يكون فى الصف المؤخر فاذا ركع نظر من تحت ابطيه فنزلت هذه الاية- وقال الأوزاعي أراد المصلين فى أول الوقت والمؤخرين الى آخره- وقال مقاتل أراد المستقدمين فى صف القتال والمستأخرين فيه- وقال ابن عيينة أراد من اسلم ومن لم يسلم. وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ لا محالة للجزاء على ما عملوا من عمل عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات على شيء بعثه الله تعالى عليه رواه احمد والحاكم والبغوي- وتوسيط الضمير للدلالة على انه هو القادر والمتولى لحشرهم لا غير وتصدير الجملة بان لتحقيق الوعد وو التنبيه على ان ما سبق من الدلالة على كمال قدرته وعلمه بتفاصيل الأشياء يدل على صحة الحكمة كما صرح به قوله إِنَّهُ حَكِيمٌ ظاهر الحكمة متقن فى أفعاله عَلِيمٌ (25) وسع علمه كل شيء-. وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعنى جنس البشر بان خلق أباهم آدم عليه السلام وسمى إنسانا لظهوره- وادراك البصر إياه- ولموانسة بعضهم ببعض- وقيل من النسيان لانه عهد اليه فنسى مِنْ صَلْصالٍ اى طين يابس غير مطبوخ يصلصل اى يصوت إذا نقر- قال ابن عباس رضى الله عنهما هو الطين الحر الطيب الّذي إذا نضب

[سورة الحجر (15) : آية 27]

عنه الماء تشقق فاذا حرك تقعقع- وقال مجاهد هو الطين المنتن وقال هو من صلّ اللّحم وأصلّ إذا أنتن مِنْ حَمَإٍ طين تغير واسود من طول مجاورة الماء وهو صفة لصلصال اى كائن من حما مَسْنُونٍ (26) مصور من سنة الوجه كان فى الاول ترابا فعجن بالماء فصار طينا فمكث فصار حما فخلص فصار سلالة فصور فصار مسنونا فيبس فصار صلصالا- وقال مجاهد وقتادة المنتن المتغير من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فان ما يسيل بينهما كان منتنا ويسمى سنينا- وقال ابو عبيدة هو المصبوب فهو كالجواهر المذابة نصب فى القوالب من السن وهو الصب يقول العرب سننت الماء اى صببته كانه افرغ من الحمأ فصوّر منها تمثال انسان أجوف فيبس حتّى إذا نقر صلصل ثم غير ذلك طورا بعد طور حتّى سواه ونفخ فيه من روحه. وَالْجَانَّ أريد به الجنس كما فى الإنسان لان تشعب الجنس إذا كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس باسره مخلوقا منها- وقال ابن عباس الجانّ ابو الجن كما ان آدم ابو البشر- وقال قتادة هو إبليس ويقال الجان ابو الجن وإبليس ابو الشياطين وفى الجن مسلمون وقاسطون ويحيون ويموتون وليس من الشياطين مسلم ويموتون إذا مات إبليس- وذكر وهب من الجن من يولد لهم ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين ومن الجن من هم بمنزلة الريح لا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون منصوب بفعل مضمر يفسره خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ اى قبل خلق آدم عليه السلام مِنْ نارِ السَّمُومِ (27) اى من نار الحر الشديد النافذ فى المسام- قال البغوي السموم ريح حارة تدخل مسام الإنسان وتقتله- ويقال السموم بالنهار والحرور بالليل وعن الكلبي عن ابى صالح السموم نار لا دخان لها والصواعق تكون منها وهى نار بين السماء وبين الحجاب فاذا أحدث الله امرا خرّقت الحجاب فهوت الى ما أمرت فالهدة الّتي يسمعون خرق ذلك الحجاب- وقيل نار السموم لهب النار- وقيل من نار السموم اى من نار جهنم- وعن الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان إبليس من حى من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم وخلقت الجن الذين ذكروا فى القران من مارج من نار فاما الملائكة خلقوا من النور.

[سورة الحجر (15) : الآيات 28 إلى 29]

وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ فى المستقبل من الزمان بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذا سَوَّيْتُهُ عدلت صورته وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي اصل النفخ اجراء الريح فى تجويف جسم اخر- والروح نوعان نوع منها علوى وهو خلق من خلق الله تعالى مجرد من المادّة يرى بنظر الكشف مقامه فوق العرش لكونه الطف منه وذلك هو الروح العلوي وذلك يرى بنظر الكشف خمسة بعضها فوق بعض القلب والروح والسر والخفي والأخفى وهى كلها من لطائف عالم الأمر- ونوع منها سفلى وهو بخار لطيف ينبعث من العناصر الاربعة الّتي يتركب منها الجسم الإنساني ويسمى ذلك بالنفس وقد جعل الله تعالى الروح السفلى المسمى بالنفس مرءة للارواح العلوية فكما ان الشمس مع كونها على السماء تمتلى فى المرأة عند المحاذات اى يحصل فى المرأة نورها وحرارتها حتّى يظهر اثارها فى المرأة من الاضاءة والإحراق كذلك الأرواح العلوية مع كونها على اوج تجردها تمتلى فى النفس حتّى يظهر فيها اثارها وذلك البرزات الحاصلة فى النفوس هى الأرواح الجزئية لكل فرد من الافراد- ثم الروح السفلى مع ما تحملها من العلويات تتعلق اولا بالمضغة القلبية وتفيض عليه القوة الحيوانية والمعارف الانسانية المكتسبة من الأرواح العلوية ثم تسرى حاملا لها فى تجاويف الشرائين الى اعماق البدن وسميت ذلك بالنفخ لمشابهته بنفخ الريح فى الشيء المجوف- وأضاف الله تعالى الروح الى نفسه تشريفا لكونه مخلوقا بامره من غير مادة- او لاستعداده قبول التجليات الرحمانية ما لا يستعد له روح غير الإنسان والإنسان وان كان الغالب منه عنصر الطين ولاجل ذلك أضيف خلقته الى الطين لكنه جامع للاسطقسّات العشر خمسة من عالم الخلق العناصر الاربعة والبخار المنبعث منها المسمى بالنفس والروح السفلى وخمسة من عالم الأمر المذكورة فهو لاجل ذلك الجامعية صار مستحقّا للخلافة أهلا لنور المعرفة ونار العشق والمحبة المقتضية للمعيّة الغير المتكيفة المحكية بقوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب ومهبطا للتجليات الذاتية والصفاتية والظلالية ولاجل ذلك المعيّة وقبول التجليات اقتضت الحكمة الالهية لقوله تعالى

[سورة الحجر (15) : آية 30]

فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (29) امر من وقع يقع واللام هاهنا بمعنى الى يعنى قعوا الى آدم ساجدين لله تعالى جعل الله تعالى آدم قبلة للملائكة كما جعل الكعبة قبلة للناس فكما ان الكعبة انما صارت مسجودة إليها لاجل تجل لله تعالى فيها مختصة بها كذلك آدم عليه السلام-. فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ اما تحقيقا بإدراك المعيّة المذكورة او تقليدا او امتثالا لامر العليم الحكيم كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) أكد الله سبحانه بتأكيدين للمبالغة فى التعميم ومنع التخصيص- وذكر عن المبرد انه قال أكد بالكل للاحاطة وبأجمعين للدلالة على انهم سجدوا مجتمعين دفعة واحدة وهذا ليس بشيء فانه لو كان كذلك لكان الثاني حالا منصوبا لا تأكيدا مرفوعا. إِلَّا إِبْلِيسَ فانه لاجل عدم البصيرة لم يدرك المعيّة المذكورة ولم يستدل بان قول الحكيم لا يخلو من الحكمة- قيل الاستثناء منقطع لان إبليس لم يكن من الملائكة كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فعلى هذا يتصل به قوله تعالى أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) اى ولكن إبليس ابى- وقيل الاستثناء متصل وهو كان من الملائكة من صنف منها يسمون بالجن فعلى هذا ابى كلام مستأنف كانه جواب سائل قال هلا سجد. قالَ الله سبحانه يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) يعنى اى شيء عرض لك فى ان لا تكون مع الساجدين الى آدم مع وجوبه عليك بحكم الحاكم على الإطلاق وظهور فضل آدم واستحقاقه بأخبار العليم الصادق الخلاق. قالَ إبليس لكمال غباوته لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ اللام لتأكيد النفي اى لا يصلح لى وينافي حال ان اسجد لِبَشَرٍ جسمانى كثيف خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) وهى اخس العناصر وخلقتنى من نار وهى ألطفها وأشرفها- وقد ذكرنا ما يناسب هذا المقام فى تفسير سورة الأعراف-. قالَ الله تعالى فَاخْرُجْ يعنى ان عصيتنى فاخرج مِنْها اى من السماء او الجنة او من زمرة الملائكة فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) مردود طريد من الخير والكرامة فان من يطرد يرجم بالحجارة- او انّك ترجم بالشهب ان تقربت السماء وهو وعيد متضمن للجواب عن شبهته وتعريضه على الله تعالى بانه لا ينبغى ان يؤمر الفاضل

[سورة الحجر (15) : آية 35]

بالسجود للمفضول- والجواب ان الفضل والخير كله بيد الله وفى امتثال امره فاذا عصى حرم من الخير واستحق الطرد. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (35) فانه منتهى أمد الطرد واللعنة وبعد ذلك وقت الجزاء المترتب على تلك اللعنة والابعاد- او لانه بعد ذلك يعذب بما ينسى اللعن معه فيصير كالزائد- وقيل انما حد اللعنة به لانه ابعد غاية يضربها الناس- قال البغوي قيل ان اهل السماء يلعنون إبليس كما يلعنه اهل الأرض فهو ملعون فى السماء والأرض- قلت بل يلعنه خالق السموات والأرض حيث قال وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ إبليس. رَبِّ فَأَنْظِرْنِي اى ان أخرجتني ولعنتنى فانظرنى اى أمهلني ولا تمتنى إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) أراد ان يجد فرصة الإغواء والنجات عن الموت إذ لا موت بعد البعث فاجابه الله فى الاول زيادة فى بلائه وشقائه لا إكراما له ولم يجبه فى الثاني و. قالَ فَإِنَّكَ «1» مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) عند الله تعالى اى الوقت الّذي يموت فيه الخلائق وهو النفخة الاولى- يقال ان مدة موت إبليس أربعين سنة وهو ما بين النفختين-. قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي الباء للقسم وما مصدرية اى باغوائك واضلالك ايّاى قسمى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ اى فى الدنيا الّتي هى دار الغرور ازيّن لهم المعاصي- وقيل الباء للسببية اى لازيّننّ لهم بسبب اغوائك ايّاى وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) اى لاحملنهم على الغواية. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قرا ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بكسر اللام على صيغة الفاعل فى جميع القران يعنى أخلصوا دينهم بالتوحيد والطاعة لك ونفوسهم لاتباع مرضاتك والباقون بفتح اللام يعنى الذين أخلصتهم لنفسك عن طاعة غيرك وطهرتهم من الشوائب فهديتهم واصطفيتهم فلا يعمل فيهم كيدى-. قالَ الله تعالى هذا اى الإخلاص صِراطٌ عَلَيَّ اى طريق للوصول الىّ من غير ضلال مُسْتَقِيمٌ (41) لا اعوجاج فيه أصلا قال الحسن صراط الحق مستقيم وقال مجاهد الحق يرجع على الله وعليه طريقه ولا يعرج على شيء- وقال الأخفش يعنى علىّ

_ (1) وفى الأصل انّك

[سورة الحجر (15) : آية 42]

الدلالة على الصراط المستقيم- وجاز ان يكون هذا اشارة الى ما تضمنه الاستثناء وهو تخليص المخلص من اغوائه- والمعنى ان تخليص المخلصين طريق علىّ اى حق علىّ ان اراعيه مستقيم فلا انحراف عنه- وقال الكسائي هذا الكلام على التهديد والوعيد كما يقول الرجل لمن يخاصمه طريقك علىّ اى لا تفلت منى كما قال الله تعالى إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ فعلى هذا هذا اشارة الى ما اتخذ إبليس طريقا لنفسه اى طريق الإغواء- وقرا ابن سيرين ويعقوب وقتادة علىّ بالرفع والتنوين من العلوّ والمعنى ان هذا يعنى الإخلاص طريق رفيع من ان ينال مستقيم لايمال. إِنَّ عِبادِي الظاهر ان الاضافة للاستغراق بدليل الاستثناء فيشتمل المؤمن والكافر لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) يعنى سلطانك بتسليط الله تعالى ليس الا على الغاوين واما المؤمنون فلا سلطان لك عليهم فهو تصديق لابليس فيما استثناه فهذه الاية نظير قوله تعالى إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ والمقصود بيان عصمة المخلصين وانقطاع مخالب الشيطان عنهم ومن هاهنا يندفع قول من شرط ان يكون المستثنى اقل من الباقي لافضائه الى تناقض الاستثناءين- وجاز ان يكون الاستثناء منقطعا بمعنى لكن من اتبعك من الغاوين ليدخلنهم جهنم حذف الخبر لدلالة ما بعده عليه ويكون الكلام لتكذيب الشيطان فيما او هم ان له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده فان منتهى ما يقدر عليه الشيطان التحريض كما قال وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي- وجاز ان يكون الاضافة فى عبادى للعهد والمعنى انّ عبادى المخلصين لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ والاستثناء حينئذ منقطع البتة-. وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ اى موعد الغاوين او المتبعين أَجْمَعِينَ (43) تأكيد للضمير او حال والعامل فيها الموعد ان جعلته مصدرا على تقدير المضاف ومعنى الاضافة ان جعلته اسم مكان فانه لا يعمل لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ اخرج هناد وابن المبارك واحمد الثلاثة فى الزهد وابن جرير وابن ابى الدنيا فى صفة

[سورة الحجر (15) : آية 44]

النار والبيهقي عن على بن ابى طالب رضى الله عنه قال أبواب جهنم هكذا ووضع احدى يديه على الاخرى وفرج بين أصابعه يعنى باب فوق باب سبعة أبواب فيملا الاول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس ثم السادس ثم السابع- وذكر البغوي اثر على رضى الله عنه نحوه وقال فيه ان الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها فوق بعض- واخرج ابن جرير وابن ابى الدنيا فى صفة النار عن ابن جريج فى هذه الاية قال أولها يعنى الأبواب جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم السقر ثم الجحيم ثم الهاوية. لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ اى من الغاوين جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) اى لكل دركة قوم يسكنونها- ومنهم حال من جزء او من المستكن فى لكل باب لا فى مقسوم لان الصفة لا تعمل فيما تقدم على موصوفه- قرا ابو بكر جزّ «1» بالتشديد بلا همز- قال البغوي قال الضحاك فى الدركة الاولى اهل التوحيد الذين ادخلوا النار يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون وفى الثانية النصارى وفى الثالثة اليهود وفى الرابعة الصابئون وفى الخامسة المجوس وفى السادسة اهل الشرك وفى السابعة المنافقون قال الله تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ- وقال البغوي روى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل السيف على أمتي او قال على امة محمّد صلى الله عليه وسلم- قال القرطبي الباب الاول جهنم» وهو أهون عذابا من غيره وهو مختص بعصاة هذه الامة وسمى بذلك الاسم لانه يتجهّم فى وجوه الرجال والنساء فيأكل لحومهم والهاوية وهى أبعدها قعرا- واخرج البزار عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنار باب لا يدخله الا من شفى غيظه بسخط الله- واخرج الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجهنم سبعة أبواب أشدها غمّا وكربا وحزنا وانتنها للزناة الذين ركبوا الزنى بعد العلم- واخرج البيهقي عن الخليل بن مرة مرسلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) الصحيح قرا ابو بكر جزؤ بضم الزاء وبهمزة وابو جعفر جزّ بتشديد الزاء بلا همز والباقون بالإسكان وهمز- ابو محمّد (2) اخرج ابن مردوية عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء أشركوا وجزء شكوا فى الله وجزء غفلوا- منه رحمه الله

[سورة الحجر (15) : آية 45]

كان لا ينام حتّى يقرا تبارك وحم السجدة وقال الحواميم سبع وأبواب جهنم سبع- جهنم وحطمة ولظى وسقر والسعير والهاوية والجحيم قال يجيء حم السجدة منها يوم القيامة يقف على باب من هذه الأبواب فيقول اللهم لا يدخل هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرءونى واخرج الثعلبي ان سلمان الفارسي لما سمع قوله تعالى وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ فى ثلاثة ايام هاربا من الخوف لا يعقل فجيء به الى النبي صلى الله عليه وسلم فساله فقال يا رسول الله نزلت لهذه الاية وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ الاية فو الّذي بعثك بالحق لقد قطعت قلبى فانزل الله تعالى. إِنَّ الْمُتَّقِينَ الذين لم يتبعوا الشيطان فى الشرك فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) لكل واحد منهم جنة وعين او لكل واحد عدة منها- قرا نافع وابو عمرو وهشام وحفص عيون بضم العين حيث وقع والباقون بكسرها. ادْخُلُوها على ارادة القول يعنى يقال لهم ادخلوا الجنات والعيون بِسَلامٍ اى سالمين او مسلّما عليكم آمِنِينَ (47) من الموت والآفات والخروج. وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ اى حقد كان فى الدنيا والماضي هاهنا بمعنى المستقبل عبر به تنبيها على تحقق وقوعها- اخرج سعيد بن منصور وابو نعيم فى الفتن وابن ابى شيبة والطبراني وابن مردوية عن على رضى الله عنه قال أرجو ان أكون انا وعثمان وطلحة والزبير منهم- قلت وذلك حين وقع الشر والفتنة بينهم حتّى قتل عثمان فى حرب الدار وطلحة والزبير يوم الجمل- واخرج عبد الله بن احمد فى زوائد الزهد عن عبد الكريم بن رشيد قال ينتهى اهل الجنة الى باب الجنة وهم يتلاحظون تلاحظ النيران فاذا دخلوها نزع الله تعالى ما فى صدورهم من غل فصاروا إخوانا- او المراد بالآية نزع التحاسد من صدور اهل الجنة على درجات الجنة ومراتب القرب إِخْواناً حال من ضمير فى جنت او من فاعل ادخلوها او من الضمير فى امنين او من الضمير المضاف اليه والعامل هاهنا معنى الاضافة وكذا قوله عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) ويجوز ان يكونا صفتين لاخوان او حالين من ضميره لانه بمعنى متصافين وان يكون متقابلين حالا من المستقر فى على سرر اخرج هناد عن مجاهد فى هذه الاية قال لا يرى بعضهم قفا بعض- قال البغوي وفى بعض الاخبار ان المؤمن

[سورة الحجر (15) : آية 48]

فى الجنة إذا ودّ ان يلقى أخاه المؤمن سار سرير كل واحد منهما الى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان- واخرج ابن ابى حاتم عن على بن الحسين نزلت فى ابى بكر وعمر وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ قيل واىّ غلّ قال غلّ الجاهلية ان بنى تميم وبنى عدى وبنى هاشم كان بينهم فى الجاهلية فلما اسلم هؤلاء القوم تحابوا فاخذت أبا بكر الخاصرة فجعل على يسخن يده فيكمد بها خاصرة ابى بكر فنزلت هذه الاية قلت على هذه الرواية قوله ونزعنا حال من الضمير المستكن فى جنات بتقدير قد تقديره إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وقد نزعنا فى الدنيا بالإسلام ما كان فى صدورهم فى الجاهلية من غلّ. لا يَمَسُّهُمْ فِيها اى فى الجنة نَصَبٌ اى تعب استيناف او حال بعد حال من الضمير فى متقابلين وَما هُمْ مِنْها «1» اى من الجنة بِمُخْرَجِينَ (48) فان تمام النعمة بالخلود- اخرج الطبراني عن عبد الله بن الزبير قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه يضحكون قال أتضحكون وبين ايديكم النار فنزل جبرئيل وقال يا محمّد يقول لك ربك لم تقنط عبادى من رحمتى. نَبِّئْ عِبادِي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) واخرج ابن مردوية من وجه اخر عن رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال اطلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الّذي يدخل منه بنوا شيبة قال الا أراكم تضحكون ثم أدبر ثم رجع القهقرى فقال انى خرجت حتّى إذا كنت عند الحجر جاء جبرئيل فقال يا محمّد ان الله يقول لم تقنط عبادى نبّئ عبادى الاية وفى نسق الكلام من هذه الاية فذلكة لما سبق من الوعد والوعيد وتقرير له وفى ذكر المغفرة دليل على ان المراد بالمتقين من يتقى الشرك لا من يتقى الذنوب كلها صغيرها وكبيرها- قال البغوي قال قتادة بلغنا ان نبى الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعلم العبد قدر عفو الله لما نورع عن حرام ولو يعلم قدر عذابه لتخرج نفسه- وروى الترمذي بسند حسن عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة

_ (1) فى الأصل عنها اى عن الجنة

[سورة الحجر (15) : آية 51]

ما طمع فى الجنة أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من الجنة- وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة وامسك عنده تسعة وتسعين رحمة وأرسل فى خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الّذي عند الله من الرحمة لم ييئس من الجنة ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار- وفى توصيف ذاته بالمغفرة والرحمة دون التعذيب ترجيح بجانب الوعد على الوعيد وتأكيد له- روى احمد ومسلم عن سلمان واحمد وابن ماجة عن ابى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ ان الله تعالى خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها فى الأرض رحمة منها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض واخّر تسعا وتسعين فاذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة-. وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) فى عطف هذه الجملة على نبّئ عبادى الاية تحقيق للوعد والوعيد فى الدنيا ايضا كما حققهما فى الاخرة فيما سبق- والضيف اسم يطلق على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث والمراد هاهنا الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى لبشارة ابراهيم بالولد وإهلاك قوم لوط. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً اى نسلم او سلمنا سلاما قالَ ابراهيم إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) خائفون لانهم دخلوا بغير اذن او بغير وقت او لانهم لم يأكلوا طعامه- والوجل اضطراب النفس بتوقع المكروه. قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا رسل ربك نُبَشِّرُكَ استيناف فى مقام التعليل للنهى عن الوجل فان المبشر لا يخاف منه قرأ حمزة بالتخفيف وفتح النون من المجرد والباقون من التفعيل بِغُلامٍ يعنى إسحاق عليه السلام لقوله تعالى فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ ... عَلِيمٍ (53) ذى علم بالغ إذا كبر فتعجب ابراهيم لاجل كبره وكبر امرأته و. قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ اى مع مس الكبر إياي والاستفهام للانكار ان يبشر فى مثل هذه الحالة وكذلك قوله فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) اى فباىّ اعجوبة تبشروني فان البشارة بما لا يتصور وقوعه عادة

[سورة الحجر (15) : آية 55]

بشارة بغير شيء قرا ابن كثير بكسر النون مشددة فى كل القران على ادغام نون الجمع فى نون الوقاية ونافع بكسرها مخففة على حذف نون «1» الجمع استثقالا لاجتماع المثلين ودلالة لابقاء نون الوقاية المكسورة على الياء والباقون بفتح النون وتخفيفها. قالُوا اى الملائكة بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ اى بالصدق او باليقين او بطريقة هى حق وهو قول الله عزّ وجلّ وامره الّذي لا راد لقضائه فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) اى من الآيسين وذلك لانه تعالى قادر على ان يخلق بشرا من غير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر- وكان استعجاب ابراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة ولذلك. قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ قرا ابو عمرو والكسائي ويعقوب هاهنا وفى الروم يقنطون وفى الزمر لا تقنطوا بكسر النون فى الثلاثة والباقون بفتحها مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) اى المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة الله وكمال علمه وقدرته فان القنوط من رحمة الله كبيرة كالامن من مكره-. قالَ ابراهيم فَما خَطْبُكُمْ اى شأنكم الّذي أرسلتم لاجله سوى البشارة أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) لعله علم ان كمال المقصود ليس البشارة لانهم كانوا عددا والبشارة لا يحتاج الى العدد ولذلك اكتفى بالواحد فى بشارة زكريا ومريم عليهما السلام- او لانهم بشروه فى تضاعف الحال لازالة الوجل ولو كان تمام المقصود لابتدؤا بها. قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) اى مشركين يعنى قوم لوط. إِلَّا آلَ لُوطٍ اى اتباعه واهل دينه ان كان استثناء من قوم كان منقطعا إذ القوم مقيد بالاجرام وان كان استثناء من الضمير فى مجرمين كان متصلا والقوم والإرسال شاملين للمجرمين- والمعنى انا أرسلنا الى قوم أجرموا كلهم الا ال لوط منهم لنهلك المجرمين وننجى ال لوط ويدل عليه قوله. إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ مما يعذب به غيرهم من القوم خفف حمزة والكسائي وشدده الباقون أَجْمَعِينَ (59) حملة مستأنفة على تقدير اتصال الاستثناء وجار مجرى خبر لكن على تقدير الانفصال وعلى هذا جاز ان يكون قوله. إِلَّا امْرَأَتَهُ استثناء من ال لوط او من الضمير المنصوب فى

_ (1) هذا عند سيبويه واما عند جمهور القراء فالمحذوفة نون الوقاية- ابو محمّد عفا الله عنه

[سورة الحجر (15) : الآيات 61 إلى 62]

منجوهم وعلى تقدير اتصال الاستثناء لا يكون الاستثناء الا من الضمير لاختلاف الحكمين قَدَّرْنا اى قضينا قرا ابو بكر هنا وفى سورة النمل بتخفيف الدال والباقون بتشديدها إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (60) الباقين فى العذاب مع الكفار- علق قدّر مع ان التعليق من خواص افعال القلوب لتضمنه معنى العلم ويجوز ان يكون قدّر جار مجرى قلنا لان التقدير بمعنى القضاء قول وهو فى الأصل جعل الشيء على مقدار غيره واسناد الملائكة التقدير الى أنفسهم مع انه فعل الله تعالى لما لهم من القرب والاختصاص به تعالى او لانهم كانوا رسلا فكلامهم على وجه السفارة مستند اليه تعالى-. فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ لهم لوط إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) اى ينكركم نفسى إذ ليس عليكم زى السفر ولستم من اهل القرية فاخاف ان يصل الىّ منكم مكروه. قالُوا اى الملائكة بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) يعنى ما جئنا بما تنكرنا لاجله بل جئناك بما يسرّك ويشفى لك فى أعدائك وهو العذاب الّذي تعد بها قومك فيمترون بها. وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ باليقين من عذابهم او بالعذاب المحقق فى علم الله تعالى وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64) فيما أخبرناك. فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ اذهب بهم فى الليل قرا نافع وابن كثير فاسر بهمزة الوصل من السرى ومعناهما واحد بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ اى طائفة منها وقيل فى آخرها وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ يعنى كن على اثرهم حتّى تسرع بهم وتطلع على أحوالهم وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ اى لا ينظر وراءه فيرى من الهول ما لا يطيقه- او لئلا يروا ما نزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم فيصيبهم ما أصابهم- او لا ينصرف أحدكم ولا يتخلف لغرض فيصيبه العذاب- وقيل نهوا عن الالتفات ليوطّنوا نفوسهم على المهاجرة او جعل النهى عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف لان من يلتفت لا بد له فى ذلك من ادنى وقفة وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) يعنى الى حيث امر الله تعالى قال ابن عباس رضى الله عنهما يعنى الشام وقال مقاتل يعنى زغر. وقيل أردن وَقَضَيْنا إِلَيْهِ اى أوحينا الى لوط مقضيّا ولذلك عدى بالى ذلِكَ

[سورة الحجر (15) : آية 67]

الْأَمْرَ مبهم يفسره أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ يعنى أصلهم مَقْطُوعٌ ومحل انّ النصب على البدل منه وفيه تفخيم لذلك الأمر- والمعنى انهم يستأصلون عن آخرهم لا يبقى منهم أحد مُصْبِحِينَ (66) اى داخلين فى الصبح وهو حال من هؤلاء او من الضمير فى مقطوع- وجمعه حملا على المعنى فان دابر هؤلاء فى معنى مدبرى هؤلاء-. وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ سدوم يَسْتَبْشِرُونَ (67) باضياف لوط يبشر بعضهم بعضا طمعا فى الفاحشة بهم فانهم كانوا فى صورة غلمان حسان الوجوه. قالَ لهم لوط إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) فان تفضيح الضيف تفضيح للمضيف. وَاتَّقُوا اللَّهَ فى ارتكاب الفاحشة وَلا تُخْزُونِ (69) قرا يعقوب لا تفضحونى ولا تخزونى بالياء والباقون بحذفها اى لا تذلّونى بسببهم من الخزي وهو الهوان او لا تخجلوني فيهم من الخزاية وهى الحياء. قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ معطوف على محذوف تقديره أنترك هؤلاء ولم ننهك والاستفهام للانكار وهو من الإثبات نفى وبالعكس يعنى لا نتركهم وقد نهيناك عَنِ الْعالَمِينَ (70) اى عن ان تجير منهم أحدا وتحول بيننا وبينهم فانهم كانوا يقطعون السبيل ويتعرضون كل واحد وكان لوط عليه السلام يمنعهم عنه بقدر وسعه- او عن ضيافة الناس وإنزالهم عندك فانا نركب منهم الفاحشة. قالَ لهم لوط عليه السلام هؤُلاءِ بَناتِي قرا نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها وقد مر وجوه تأويله فى سورة هود عليه السلام إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (71) قضاء الشهوة او فاعلين ما أقول لكم فانكحوهن- قال الله تعالى. لَعَمْرُكَ يا محمّد وحياتك قسمى وهو لغة فى العمر يختص به القسم لا يثار الأخف فيه لانه كثير الدور على الالسنة- قال البغوي روى عن ابى الجوزاء عن ابن عباس قال ما خلق الله نفسا أكرم عليه من محمّد صلى الله عليه وسلم وما اقسم بحياة أحد الا بحياته إِنَّهُمْ يعنى كفار قريش لَفِي سَكْرَتِهِمْ اى غوايتهم وشدة انهماكهم فى قضاء الشهوات وعدم تميزهم بين الخطاء والصواب الّذي يشاربه إليهم يَعْمَهُونَ (72) يتحبرون فكيف يسمعون نصحك والجملة معترضة فى قصة لوط- وقيل هذا من كلام الملائكة أضياف

[سورة الحجر (15) : آية 73]

لوط خاطبوا لوطا بقولهم لعمرك يا لوط انّهم يعنى قومك لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ-. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ يعنى الصيحة الهائلة المهلكة قيل صيحة جبرئيل مُشْرِقِينَ (73) اى داخلين فى وقت شرق الشمس وإضائتها فكان ابتداء العذاب حين أصبحوا وتمامه حين اشرقوا. فَجَعَلْنا عالِيَها اى عالى المرتبة او عالى قرارهم سافِلَها رفعها جبرئيل الى السماء ثم قلبها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) اى من طين متحجرا وطين عليه كتاب من السجل وقد سبق مزيد بيان هذه القصة فى سورة هود- والفاء فى قوله فجعلنا تدل على تقدم الصيحة على قلب الأرض وامطار الحجارة والله اعلم. إِنَّ فِي ذلِكَ الحديث لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) قال ابن عباس للناظرين وقال مجاهد للمتفرسين وقال قتادة للمعتبرين وقال مقاتل للمتفكرين قلت الوسم التأثير والسمة الأثر يعنى الناظرين فى ظواهر الأشياء وسماتها حتّى يتفرسوا بواطنها بسمات ظواهرها. وَإِنَّها اى مدينة لوط لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) اى بطريق ثابت واضح يسلكه الناس ويرون اثارها فالمقيم ما لم يندرس اثارها. إِنَّ فِي ذلِكَ البيان لآية لّلمؤمنين (77) بالله ورسوله المعتقدين بان هذا البيان من الله تعالى. وَإِنْ اى انه كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ اى الأشجار المتكاثفة وهم قوم شعيب كانوا يسكنون غيظة وكانت عامة شجرهم الدوم وهو المقل لَظالِمِينَ (78) اللام للتأكيد ظلموا أنفسهم وعرضوها للنار حيث كفروا بالله وكذبوا شعيبا. فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وذلك ان الله سلط عليهم الحر سبعة ايام ثم بعث الله سحابة فالتجئوا إليها يلتمسون الروح فامطر الله عليهم منها نارا فاحرقتهم وذلك عذاب يوم الظلة وَإِنَّهُما يعنى سدوم قرية قوم لوط والايكة- وقيل الايكة ومدين فانه كان مبعوثا إليهما وكان ذكر إحداهما منبها على الاخرى لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (79) اى بطريق واضح أفلا يعتبر «1» بهما اهل مكة والامام اسم لما يؤتم به فسمى به اللوح ومطمر البناء والطريق لانها مما يؤتم بها-. وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ يعنى ثمود- والحجر واد بين المدينة والشام

_ (1) فى الأصل افلا يعتدون [.....]

[سورة الحجر (15) : الآيات 81 إلى 82]

الْمُرْسَلِينَ (80) يعنى صالحا عليه السلام وجميع المرسلين الذين شهد برسالتهم صالح. وَآتَيْناهُمْ آياتِنا يعنى آيات الكتاب المنزل على نبيهم او معجزاته كالناقة وولدها وسقياها ودرها فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (81) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (82) من الانهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها- او امنين من عذاب الله لفرط غفلتهم وحسبانهم ان الجبال يحميهم منه. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ صيحة العذاب مُصْبِحِينَ (83) اى حال كونهم داخلين فى الصباح. فَما أَغْنى عَنْهُمْ اى لم يدفع عنهم العذاب ما كانُوا يَكْسِبُونَ (84) من بناء البيوت الوثيقة واستكثار الأموال والعدد- وقد ذكرنا فى تفسير سورة التوبة فى قصة غزوة تبوك انه صلى الله عليه وسلم مر بالحجر فقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم مثل ما أصابهم وتقنّع بردائه وهو على الرحل واسرع حتّى أجاز الوادي-. وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ اى خلقا متلبسا بالحق كى يكون دليلا على وجود الصانع وصفاته وحجة على المنكرين مزيلا لعذرهم- او المعنى «1» متلبسا بالحق لا يلايم استمرار الفساد ودوام الشر فاقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وازالة فسادهم من الأرض وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فينتقم الله ممن أشرك بالله وكذّب رسله فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) اى اعرض عنهم ولا تعجل للانتقام منهم. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الّذي خلقك وخلق أعداءك وبيده الأمر كله الْعَلِيمُ (86) بالمحسن والمسيء فيجازى كلا منهما على حسب عمله- او هو العليم بحالك وحالهم فهو حقيق بان تكل اليه أمرك- او هو الّذي خلقكم وعلم ما هو الأصلح لكم والأصلح اليوم الصفح-. وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي جمع مثناة اسم الظرف او مثنية اسم الفاعل صفة للايات او السور- قال البغوي قال عمر وعلىّ وابن مسعود رضى الله عنهم هى فاتحة الكتاب سبع آيات وهو قول قتادة وعطاء والحسن وسعيد بن جبير

_ (1) فى الأصل ملتبسا

وروى البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أم القران هى السبع المثاني والقران العظيم- وفى وجه التسمية بالمثاني اقوال قال ابن عباس رضى الله عنهما والحسن وقتادة لانها تثنّى فى الصلاة فيقرا فى كل ركعة- وقيل لانها مقسومة بين الله وبين العبد بنصفين نصفها ثناء ونصفها دعاء- عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عزّ وجلّ قسّمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين الحديث وقد مر فى تفسير سورة الفاتحة- وقال الحسين بن الفضل سميت مثانى لانها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة كل مرة معها سبعون الفا من الملائكة- وقال مجاهد سميت مثانى لان الله تعالى استثناها وادّخرها لهذه الامة فما أعطاها غيرهم- وقال ابو زيد البلخي سميت مثانى لانها تثنى اى تصرف اهل الشر عن الفسق من قولهم ثنيت عنانى- وقيل لانها تثنى على الله عزّ وجلّ بصفاته العظام «1» - وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سبعا يعنى سبع سور من المثاني للبيان فالمثانى اما من التثنية باعتبار تكرر قراءته او ألفاظه او قصصه ومواعظه قال وهى السبع «2» الطوال أولها البقرة وآخرها الأنفال مع التوبة فانهما فى حكم سورة واحدة ولذلك لم يكتب بينهما سطر بسم الله- وقيل سابعها التوبة وحدها وقيل يونس- قال ابن عباس انما سميت السبع الطوال مثانى لان الفرائض والحدود والأمثال والخير والشر والعبر ثنيت فيها يعنى تكررت- وقيل انها من الثناء باعتبار انه مثنّى عليه بالبلاغة والاعجاز ومثنّى على الله بما هو اهله من أسمائه وصفاته- روى محمّد بن نصر عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله أعطاني السبع الطوال مكان التورية وأعطاني الراءات الى الطواسين مكان الإنجيل وأعطاني ما بين الطواسين الى الحواميم مكان الزبور وفضلنى بالحواميم والمفصل ما قزاهن نبى قبلى- وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال اوتى النبي صلى الله عليه وسلم السبع الطوال واعطى موسى عليه السلام ستّا فلما القى الألواح رفغت ثنتان وبقيت اربع- وقيل المراد بالسبع الحواميم السبع روى البغوي بسنده

_ (1) وعن عمر بن الخطاب قال فى قوله تعالى لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي قال السبع الطوال- وروى ذلك ايضا عن ابن عمر وابن عباس ومجاهد وسفيان وغيرهم- قلت والمثاني القران يذكر الله القصة الواحدة مرارا 12 منه رحمه الله (2) فى الأصل بصفاته العظيم

[سورة الحجر (15) : آية 88]

عن ثوبان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله أعطاني السبع الطوال مكان التورية وأعطاني المائين مكان الإنجيل وأعطاني مكان الزبور المثاني وفضلنى ربى بالمفصل- وقال طاءوس المراد بالمثاني القران كله بدليل قوله تعالى اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ سمى القران مثانى لان الانباء والقصص ثنيت فيه فعلى هذا من للتبعيض والمراد بالسبع السور السبع- وقيل المراد بالسبع سبعة اسباع القران ومن المثاني القران كله فعلى هذا قوله تعالى وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) من قبيل عطف أحد الوصفين على الاخر وعلى التأويلات السابقة من قبيل عطف الكل على البعض او العام على الخاص-. لا تَمُدَّنَّ يا محمّد عَيْنَيْكَ اى لا ترفع بصرك طمعا إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ من امتعة الدنيا أَزْواجاً أصنافا مِنْهُمْ اى من الكفار فانها مستحقرة بالاضافة الى ما أوتيته من القران روى إسحاق بن راهويه فى مسنده من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص انه قال من اوتى القران فراى أحدا اوتى من الدنيا أفضل مما اوتى فقد صغّر عظيما وعظّم صغيرا- وقال البغوي روى ان سفيان بن عيينة تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغنّ بالقران اى لم يستغن به روى الحديث البخاري عن ابى هريرة واحمد وابو داود وابن حبان والحاكم عن سعد وابو داود عن ابى لبابة عن عبد المنذر والحاكم عن ابن عباس وعائشة وروى البيهقي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغبطن فاجرا بنعمة ان له عند الله قاتلا لا يموت ورواه البغوي بلفظ لا تغبطن فاجرا بنعمة فانك لا تدرى ما هو لاق بعد موته ان له عند الله قاتلا لا يموت- فبلغ ذلك وهب بن منبه فارسل اليه أبا داود الأعور فقال يا أبا فلان ما قاتلا لا يموت قال عبد الله بن مريم النار- وروى احمد ومسلم والترمذي وابن ماجة والبغوي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا الى من هو أسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم فهو أجدر ان لا تزدروا نعمة الله عليكم وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ اى على الكفار بانهم

[سورة الحجر (15) : آية 89]

لم يؤمنوا او المعنى لا تغتم على ما فانك من مشاركتهم فى الدنيا وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) اى ليّن جانبك لهم وارفق بهم وارحمهم. وَقُلْ إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) أنذركم ببيان وبرهان ان عذاب الله نازل بكم ان لم تؤمنوا-. كَما أَنْزَلْنا اى مثل الّذي أنزلنا من العذاب فهو وصف لمفعول النذير أقيم مقامه عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) قال البغوي حكى عن ابن عباس انه قال هم اليهود والنصارى. الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس قال سال رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ارايت قول الله تعالى كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ قال اليهود والنصارى قال ما عضين قال أمنوا ببعض وكفروا ببعض جمع عضة كعدة الفرقة والقطعة كذا فى القاموس أصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء فاليهود والنصارى اقتسموا القران الى حق وباطل وجعلوه اجزاء صدقوا بعضه وقالوا هذا حق موافق للتورية والإنجيل وكذبوا بعضه وقالوا هذا باطل مخالف لهما- وقيل كانوا يستهزءون به فيقول بعضهم سورة البقرة لى ويقول الاخر سورة ال عمران لى- وقال مجاهدهم اليهود والنصارى وأريد بالقران ما يقرءون من كتبهم قسمت اليهود والنصارى كتابهم فعرفوه وتركوه- وقيل المقتسمون قوم اقتسموا القران فقال بعضهم سحر وقال بعضهم شعر وقال بعضهم كهانة وقال بعضهم أساطير الأولين- وقيل الاقتسام هو انهم فرقوا القول فى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا شاعر ساحر كاهن- وقال مقاتل كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة ايام الموسم فاقتسموا عقاب مكة وطرقها وقعدوا على أنقابها يقولون لمن جاء من الحاجّ لا تغتروا بهذا الخارج (الّذي يدعى النبوة) منّا يقول طائفة منهم انه مجنون وطائفة انه كاهن وطائفة انه شاعر والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فاذا سئل عنه قال صدق أولئك يعنى المقتسمين- والعذاب النازل بالمقتسمين ان كان المراد بهم اليهود فقتل بنى قريظة واجلاء بنى النضير وغيرهم وان كان

[سورة الحجر (15) : الآيات 92 إلى 93]

المراد بهم قريش فما نزل بهم يوم بدر حيث قتلوا أجمعون- وقيل المراد بالمقتسمين الذين تقاسموا على ان يبيتوا صالحا عليه السلام- وقيل عضين جمع عضة أصلها عضهة ذهبت هاؤها كما نقصوا من الشفة وأصلها شفهة بدليل التصغير على شفيهة والمراد بالعضهة الكذب والبهتان فى القاموس العضة الكذب ومنه فى حديث البيعة ولا يعضه بعضنا بعضا اى لا يرميه بالعضهة وهى البهتان والكذب- وفى حديث اخر إياكم والعضة قال الزمخشري أصلها فعلة من العضهة وهو البهت فحذفت لامه كما حذفت من السنة والشفة كذا فى النهاية للجزرى- وقيل العضة السحر فى القاموس العضون السحر جمع عضهة بالهاء وانما جمع جمع السلامة جبرا لما حذف منه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله العاضهة والمستعضهة اى الساحرة والمستسحرة كذا فى النهاية- وجاز ان يكون كما أنزلنا متعلقا بقوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ فانه بمعنى أنزلنا إليك والمعنى أنزلنا إليك سبعا من المثاني انزالا كما أنزلنا التورية والإنجيل على المقتسمين يعنى اليهود والنصارى فهو صفة لمصدر محذوف وعلى هذا يكون قوله تعالى لا تَمُدَّنَّ الى آخره اعتراضا وعلى ما ذكرنا الموصول اعنى قوله الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ صفة للمقتسمين- وان كان المراد بالمقتسمين المقتسمين على تبييت صالح عليه السلام فالموصول مبتدا خبره-. فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (93) من الكفر والمعاصي والتقسيم ونسبة القران الى الكذب او السحر ومجازيهم عليه- قال البغوي قال محمّد بن إسماعيل البخاري قال عدة من اهل العلم يعنى عن قول لا اله الا الله اخرج الترمذي وابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردوية عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم فى هذه الاية قال عن قول لا اله الا الله- واخرج مسلم عن ابى برزة الأسلمي رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال قد ما عبد عن الصراط حتّى يسئل عن اربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وعن ماله من اين اكتسبه وفيم أنفقه- واخرج الترمذي وابن مردوية مثله عن ابن مسعود واخرج

الطبراني والاصبهانى فى الترغيب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تناصحوا فى العلم ولا يكتم بعضكم بعضا فان خيانة الرجل فى علمه أشد من خيانته فى ماله وان الله سائلكم عنه- واخرج ابو نعيم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يخطو خطوة الا يسئل الله عنها ما أراد بها- واخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من امّ قوما فليتق الله وليعلم انه ضامن مسئول لما ضمن فان احسن كان له من الاجر مثل اجر من خلفه وما كان من نقص فهو عليه- واخرج ابن ابى حاتم وابو نعيم فى الحلية عن معاذ بن جبل قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يا معاذ ان المؤمن سئل يوم القيامة عن جميع سعيه حتّى كحل عينيه- واخرج البيهقي وابن ابى الدنيا عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يخطب الا الله سائله منها ماذا أراد بها مرسل جيد الاسناد- واخرج ابن ابى حاتم عن الانفع بن عبد الله الكلاعى قال ان لجهنم سبع قناطير والصراط عليهن فيحبس الخلائق على القنطرة الاولى فيقول قفوهم انهم مسئولون فيحاسبون على الصلاة ويسئلون منها فيهلك فيها من هلك وينجو من نجا فاذا بلغوا الثانية حوسبوا على الامانة كيف أدوها وكيف خانوها فيهلك من هلك وينجو من نجا فاذا بلغوا القنطرة الثالثة سئلوا عن الرحم كيف وصلوها وكيف قطعوها فيهلك من هلك وينجو من نجا قال والرحم يومئذ متدلية الى الهوى تقول اللهم من وصلني فصله ومن قطعنى فاقطعه- واخرج ابن ماجة عن ابى سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله تبارك وتعالى ليسئل العبد يوم القيامة حتّى يقول ما منعك إذا رايت المنكر ان تنكره فاذا لقن الله حجته قال يا رب رجوتك وفرقت من الناس وفى الصحيحين عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته قال الامام الّذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على اهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على اهل بيت زوجها وولده وهى مسئولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته- وفى الباب عن انس عند ابن حبان وابى نعيم وعنه عند الطبراني واخرج

[سورة الحجر (15) : آية 94]

الطبراني فى الكبير عن المقدام سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يكون رجل على قوم الا جاء يقدمهم يوم القيامة بين يديه رأية يحملها وهم يتبعونه فيسئل عنهم ويسئلون عنه- واخرج ايضا عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من امير يأمر على عشرة الا سئل عنهم يوم القيامة وفى باب السؤال أحاديث كثيرة جدّا- فان قيل كيف الجمع بين هذه الاية وما فى معناها من الأحاديث وبين قوله تعالى فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ قال ابن عباس وجه الجمع انه لا يسئل هل عملتم به لانه اعلم به منهم ولكن يقول لم عملتم كذا «1» وكذا اخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عنه واعتمد عليه قطرب وقال السؤال ضربان سوال استعلام وسوال توبيخ فقوله تعالى لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ يعنى استعلاما وقوله لَنَسْئَلَنَّهُمْ أجمعين يعنى توبيخا وتقريعا وقال عكرمة عن ابن عباس فى جمع الآيتين ان يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف فيسئلون فى بعض المواقف ولا يسئلون فى بعضها نظيره قوله تعالى هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وفى موضع اخر ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ كذا اخرج الحاكم. فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ قال ابن عباس اى اظهر امر للنبى صلى الله عليه وسلم بإظهار الدعوة- روى عن عبد الله بن عبيدة قال كان مستخفيا حتّى نزلت هذه الاية فخرج هو وأصحابه- ويروى عن ابن عباس امضه قال الضحاك اعلم وقال الأخفش افرق بالقران بين الحق والباطل وقال سيبويه اقض بما تؤمر واصل الصدع الإبانة والفصل والتميز وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) لا تلتفت إليهم قيل نسخه اية القتال-. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) بقمعهم وإهلاكهم قال البغوي يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فاصدع بامر الله ولا تخف أحدا غير الله فان الله تعالى كافيك ممن عاداك كما كفاك المستهزئين وهم خمسة نفر من رؤساء قريش الوليد بن المغيرة المخزومي وكان رأسهم والعاص بن وائل السهمي والأسود ابن المطلب بن الحارث بن اسد بن عبد العزى ابو زمعة (وكان رسول الله صلى الله

_ (1) فى الأصل كذا كذا

عليه وسلم قد دعا عليه فقال اللهم أعمه بصره واثكله بولده) والأسود بن عبد يغوث ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة والحارث بن قيس بن الطلالة- فاتى جبرئيل محمّدا صلى الله عليه وسلم والمستهزءون يطوفون بالبيت فقام جبرئيل وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جنبه فمر به الوليد بن المغيرة فقال جبرئيل يا محمّد كيف تجد هذا قال بئس عبد الله قال قد كفيت وأومأ الى ساق الوليد فمر برجل من خزاعة ينال بريش نباله وعليه برديمان وهو يجر إزاره فتعلقت شظية من نبل بإزاره فمنعه الكبر ان يبطامن فينزعها وجعلت تضرب ساقه فخدشته فمرض فمات- ومر به العاص بن وائل فقال جبرئيل كيف تجد هذا يا محمّد قال بئس عبد الله فاشار جبرئيل الى اخمص رجليه وقال قد كفيت فخرج على راحلته ومعه ابنان له يتنزه فنزل شعبا من تلك الشعاب فوطى على شبرقة فدخلت منها شوكة فى اخمص رجله فقال لدغت لدغت فطلبوا فلم يجدوا شيئا وانتفخت رجله حتّى صارت مثل عنق بعير فمات مكانه- ومر به الأسود بن المطلب فقال جبرئيل عليه السلام كيف تجد هذا قال عبد سوء فاشار بيده الى عينيه وقال قد كفيت فعمى قال ابن عباس رضى الله عنهما رماه جبرئيل بورقة خضراء فذهب بصره ووجعت عيناه فضرب برأسه الجدار حتّى هلك- وفى رواية الكلبي أتاه جبرئيل وهو فى اصل شجرة ومعه غلام له فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك فاستغاث بغلامه فقال غلامه لا ارى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك حتّى مات وهو يقول قتلنى رب محمّد- ومر به الأسود بن عبد يغوث فقال جبرئيل كيف تجد هذا قال بئس عبد الله على انه ابن خالى فقال قد كفيت وأشار الى بطنه فاستسقى بطنه فمات جنبا وفى رواية الكلبي انه خرج من اهله فاصابه السموم فاسود حتّى صار حبشيا فاتى اهله فلم يعرفوه وأغلقوا دونه الباب حتّى مات وهو يقول قتلنى رب محمّد- ومر به الحارث ابن قيس فقال جبرئيل كيف تجد هذا قال عبد سوء فاوما الى رأسه وقال قد كفيت فامتخط قبحا فقتله وقال ابن عباس انه أكل حوتا مالحا فاصابه العطش

[سورة الحجر (15) : آية 97]

فلم يزل يشرب عليه من الماء حتّى انفذ بطنه فمات فذلك قوله عز وجل إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بك وبالقرآن- واخرج الطبراني وابو نعيم والبيهقي فى الدلائل من حديث ابن عباس رضى الله عنهما انهم كانوا خمسة من اشراف قريش الوليد ابن المغيرة والعاص بن الوائل وعدى بن قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود ابن المطلب يبالغون فى إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به فقال جبرئيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت ان أكفيكهم فاوما الى ساق الوليد فمر بنبّال فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظما لاخذه فاصاب عرقا فقطعه فمات وأومأ الى اخمص العاص فدخلت فيه شوكة فانتفخت رجله حتّى صارت كالرحى ومات وأشار الى انف عدى بن قيس فامتخط قيحا فمات والى رأس الأسود بن عبه يغوث وهو قاعد فى اصل شجرة فجعل ينطح برأسه الشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتّى مات والى عينى الأسود بن عبد المطلب فعمى- واخرج البزار والطبراني عن انس ابن مالك قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على أناس فجعلوا يغمزون فى قفاه هذا الّذي يزعم انه نبى ومعه جبرئيل فغمر جبرئيل فوقع مثل الطفر فى أجسادهم فصارت قروحا حتّى نتنوا فلم يستطع أحد ان يدنو منهم فانزل الله تعالى إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) عاقبة أمرهم-. وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ اى يمتلى صدرك من الغيظ ولا تستطيع إنفاذه بِما يَقُولُونَ (97) من الشرك والطعن فى القران والاستهزاء. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ فافرغ الى الله بالتسبيح والتحميد يشغلك التسبيح والتحميد عن الغيظ ويكفيك الله ويكشف عنك الغم ويذهب عنك الغيظ ويشف صدرك- او فنزهه عما يقولون حامدا لله على ما هداك الى الحق قال ابن عباس فصل بامر ربك وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) من المتواضعين وقال الضحاك يعنى قل سبحان الله وبحمده وكن من المصلين- اخرج احمد وابو داود وابن جرير

[سورة الحجر (15) : آية 99]

من حديث عبد العزيز أخي حذيفة بن اليمان رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرّبه امر فزع الى الصلاة. وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) اى الموت الموقن به فانه متيقن لحوقه كل مخلوق حىّ- والمعنى ما دمت حيّا ولا تخل بالعبادة كما فى قول عيسى أوصني بالصّلوة «1» ما دمت حيّا- روى البغوي بسنده وغيره عن جبير بن نفير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اوحى الىّ ان اجمع المال وأكون من التاجرين ولكن اوحى الىّ ان سبح بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ- وعن عمر رضى الله عنه قال نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مصعب بن عمير مقيلا عليه إهاب كبش قد تنطق به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا الى هذا الّذي قد نور الله قلبه لقد رايته بين أبويه يغذو انه بأطيب الطعام والشراب ولقد رايت عليه حلة شراها وشريت بمائتي درهم فدعاه حب الله وحب رسوله الى ما ترونه تمت تفسير سورة الحجر فى السادس والعشرين من الربيع الثاني من السنة الثانية بعد المائتين والف ويتلوه تفسير سورة النحل ان شاء الله تعالى- تمت سنة 1202 هـ. فهرس تفسير سورة النّحل من التّفسير المظهرى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحه حديث إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح- 8 حديث ان الله خلق خلقه فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى إلخ 11 حديث لا يدخل الجنة مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار مثقال ذرة من ايمان- 12 وجه المقابلة بين الكبر والايمان- 12 وذكر الفناء المصطلح الصوفية- 12 حديث من دعا الى هدى كان له من الاجر مثل أجور من تبعه الحديث 13 حديث قال الله كذبنى عبدى ولم يكن له ذلك وشتمنى الحديث- 19 حديث انى ارى ما لا ترون واسمع ما لا تسمعون أطت السماء أطا الحديث- 23 حديث لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق- 24

_ (1) وفى القران بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا-

مضمون صفحه مضمون صفحه ما ورد فى نزول العذاب عند ترك الأمر بالمعروف 37 ما ورد فى العسل وكونه شفاء- 32 قال الله تعالى انى والجن والانس فى نبا عظيم اخلق ويعبد غيرى الحديث- 35 حديث من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه- 45 حيوة المؤمن فى الدنيا حيوة طيبة وبيان كونها طيبة- 46 حديث ان الله يقول لاهل الجنة هل رضيتم الحديث وفيه ان رضوان الله أفضل نعيم الجنة- 47 حديث ان أعلمكم وأتقاكم بالله انا- 47 حديث عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير- 47 مسائل الاستعاذة قبل القراءة وقيل بعد 48 واختلاف العلماء فى التعوذ فى الصلاة 48 وكيفية التعوذ وحقيقته- 49 فيما ورد ان المؤمن لا يكون كاذبا- 53 قصة بلاء عمار وأبيه وامه حين اكرهوا على الكفر- 54 مسائل الإكراه وتعريفه واقسامه وأحكامه وما ورد فيه- 55 قصة قتل خبيب حين اكره على الكفر فلم يكفر 56 قصة رجلين مسلمين سالهما مسيلمة الكذاب عن نبوته فاعطاه أحدهما ما أراد تقية وقتل الثاني شهيدا- 56 اختلاف العلماء فى تصرفات المكره- 57 اعطى ابراهيم عليه السلام فى الدنيا حسنة وهى الخلة وطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجيب دعاؤه بعد الف سنة- 65 ما ورد فى ان الله تعالى امر بالجمعة لليهود والنصارى فابوا واختاروا السبت والأحد واعطى الجمعة لهذه الامة فقبلوا- 67 قصة قتل حمزة رضى الله عنه وما مثل به وما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وأراد الانتقام ومثلة الكفار فامر بالصبر- 68 وما ورد من النهى عن المثلة- 79 تمّت.

سورة النحل

سورة النحل مائة «1» وثمانية وعشرون اية مكية الّا ثلاث آيات من آخرها روى ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال نزلت النحل كلها بمكة الا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد حين قتل حمزة ومثل به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط فانزل الله وَإِنْ عاقَبْتُمْ الى اخر السورة- ربّ يسّر وتمّم بالخير «2» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَتى أَمْرُ اللَّهِ اى دنا وقرب قال ابن عرفة يقول العرب أتاك الأمر وهو متوقع بعد- فالاتيان مجاز من الدنو او من وجوب الوقوع فان الأمر الواجب الوقوع فى المستقبل بمنزلة الماضي فى كونه متيقنا وجوده- والمعنى ان امر الله الموعود وهو قيام الساعة على ما قاله الكلبي وغيره واجب وقوعه استيقنوا به ولا ترتابوا فيه واعدّوا له كانه قد اتى فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ اى لا تستعجلوا وقوعه إذ لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم عنه- قال البغوي قال ابن عباس رضى الله عنهما لما نزل قوله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ قال الكفار بعضهم لبعض ان هذا الرجل يزعم ان القيامة قد قربت فامسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتّى ننظر ما هو كائن فلما لم ينزل شيء قالوا ما نرى شيئا مما تخوّفنا به فنزل قوله تعالى اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ فاشفقوا فلما امتددن الأيام قالوا يا محمّد ما نرى شيئا مما تخوّفنا به فانزل الله تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رءوسهم وظنوا انها قد أتت حقيقة فنزل فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فاطمانوا- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال

_ (1) وفى الأصل مائة وعشرون (2) الخطبة من الناشر-

[سورة النحل (16) : آية 2]

لما نزلت أَتى أَمْرُ اللَّهِ ذعر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى نزلت فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ- والاستعجال طلب الشيء قبل أوانه- قال البغوي ولمّا نزلت هذه الاية قال النبي صلى الله عليه وسلم بعثت انا والساعة كهاتين فاشار بإصبعيه كادت لتسبقنى- قلت وفى الصحيحين عن انس بعثت انا والساعة كهاتين- وروى الترمذي عن المستور بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعثت فى نفس الساعة فسبقتها كما سبقت هذه هذه وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى- وقال البغوي قال ابن عباس كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم من اشراط الساعة ولما مر جبرئيل عليه السلام باهل السموات مبعوثا الى محمّد صلى الله عليه وسلم قالوا الله اكبر قامت الساعة- وقال قوم المراد بالأمر هاهنا عقوبة المكذبين والعذاب بالسيف وذلك ان النضر بن الحارث قال اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ فاستعجلوا العذاب فنزلت هذه الاية وقتل النضر يوم بدر صبرا سُبْحانَهُ اى اسبح الله سبحانا وانزهه تنزيها وَتَعالى يعنى تعاظم وترافع بالأوصاف الجليلة عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) عن ان يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم او عما يصفه به المشركون- قرا حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب فى الموضعين مطابقا لقوله تعالى فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ والباقون بالياء على الالتفات او على ان الخطاب للمؤمنين او لهم ولغيرهم لما مر فى الحديث انه وثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رءوسهم فنزلت فلا تستعجلوه-. يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ قرا العامة بضم الياء وكسر الزاء من الافعال ونصب الملائكة على المفعولية ويعقوب بالتاء الفوقانية وفتح الزاء على صيغة المضارع من التفعيل بحذف احدى التاءين ورفع الملائكة على الفاعلية بِالرُّوحِ اى بالوحى او القران فانه يحيى به القلوب الميتة بالجهل مِنْ أَمْرِهِ اى بامره ومن اجله عَلى مَنْ يَشاءُ ان يتخذه رسولا مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا اى اعلموا من نذرت هكذا إذا علمته وان مفسرة لان الروح بمعنى الوحى الدال على القول او مصدرية فى موضع الجر على البدل من الروح او النصب بنزع الخافض- او مخففة من الثقيلة أَنَّهُ اى الشأن لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)

[سورة النحل (16) : آية 3]

رجوع الى مخاطبتهم بما هو المقصود او يقال انذروا بمعنى خوّفوا اهل الشرك والمعاصي بالعذاب واعلموا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ اى خافون- وفى الاية تنبيه على ان الوحى حاصله التنبيه على التوحيد وهو منتهى كمال القوة العلمية والأمر بالتقوى الّذي هو أقصى كمالات العملية والآيات الآتية دالة «1» على الواحدية من حيث انها تدل على انه تعالى هو الموجد لاصول العالم وفروعه على وفق الحكمة والمصلحة ولو كان له شريك لقدر على ذلك وأمكن التمانع- وفى تعقيب هذه الاية لقوله تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ اشارة الى الطريق الّذي علم الرسول بذلك إتيان الساعة وازاحة لاستبعادهم باختصاصه بالعلم-. خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ متلبسا بِالْحَقِّ أوجدهما على مقدار وشكل وأوضاع وصفات مختلفة بحيث يدل على صانع قديم واحد قدير حكيم تَعالى تعاظم وارتفع عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) منهما او يفتقر فى وجوده او بقائه عليهما وهما لا يقدران على خلقها وفيه دليل على انه تعالى ليس من قبيل الاجرام. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ جماد لا حس لها ولا حركة سيالة لا يحفظ الوضع والشكل حتّى صار قويّا شديدا فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ منطيق مجادل مُبِينٌ (4) للحجة على نفى البعث بقوله مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ- او ظاهر الجدال بخالقه قال البغوي نزلت فى أبيّ بن خلف الجمحي وكان ينكر البعث فجاء بعظم رميم فقال أتقولون ان الله يحيى هذا بعد مارم ونزلت فيه ايضا وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ- واخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ هذه القصة فى قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ الاية- والمعنى ان هذا المنكر لم يتفرس بان الله تعالى خلقه وقد كان نطفة فاىّ استبعاد فى خلقه مرة اخرى بعد مارم ولفظ الاية عام وان كان المورد خاصّا والله اعلم-. وَالْأَنْعامَ يعنى الإبل والبقر والغنم منصوب بمضمر يفسره قوله خَلَقَها لَكُمْ او بالعطف على الإنسان وجملة خَلَقَها لَكُمْ بيان لما خلق لاجله وما بعده تفصيله فِيها دِفْءٌ فى القاموس انه نقيض حدة البرد يعنى تستدفئون من اوبارها واشعارها وأصوافها ويجعل منها ملابس ولحفا وَمَنافِعُ من النسل والدر والركوب والحمل

_ (1) فى الأصل ادلة-

[سورة النحل (16) : آية 6]

وسقى الزرع والبيع وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) ما يؤكل منها كاللحوم والشحوم والألبان- وتقديم الظرف للمحافظة على رؤس الاى او لان الاكل منها هو المعتاد المعتمد عليه فى المعاش بخلاف الاكل من سائر الحيوانات المأكولة فانها اما على سبيل التفكه او التداوى. وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ زينة حِينَ تُرِيحُونَ تردونها من مراعيها الى مراحيها بالعشي وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) اى تخرجونها بالغداة الى المراعى فان الافنية تتزين بها فى الوقتين ويجلّ أهلها فى أعين الناظرين إليها وتقديم الاراحة لان الحال فيها اظهر فانها تروح ملا البطون حاقلة الضروع. وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ فضلا من ان تحملوها على ظهوركم اليه إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ بالمشقة والجهد- قرا ابو جعفر بفتح الشين والجمهور بكسرها- وهما لغتان نحو رطل ورطل إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) حيث خلقها لانتفاعكم بها. وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ عطف على الانعام لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً اى لتركبوها ولتتزيّنوا بها زينة- وقيل هى معطوفة على محل لتركبوها وتغير النظم لان الزينة بفعل الخالق والركوب فعل اختياري للمخلوق ولان المقصود من خلقها الركوب كما ان المقصود من خلق البقر الحرث وانما يحصل التزيين بالدواب بالعرض- احتج بهذه الاية ابو حنيفة على حرمة لحوم الخيل او كراهتها قال صاحب الهداية هذه الاية خرج مخرج الامتنان والاكل من أعلى منافعها والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها- قلت أكل لحوم الشاة والدجاجة ونحوها أطيب جدّا من لحوم الخيل ويتيسر ذلك بأدنى مؤنة بخلاف لحوم الخيل فلذلك لم يعتبر أكل لحوم الخيل من منافعها فالقول بان الاكل أعلى منافعها ممنوع بل أعلى منافعها ما لا يحصل الا به كالركوب والزينة ولاجل ذلك ذكر الله سبحانه المنفعتين المذكورتين فى الامتنان والله اعلم- وكيف يدل الاية على حرمة الخيل والحمر والبغال مع ان الاية مكية وكلها كانت حلالا حينئذ وانما حرمت لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر سنة ست من الهجرة وقد مر المسألة فى تفسير سورة المائدة فى قوله تعالى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ... وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) يعنى ما أعد للمؤمنين فى الجنة وللكافرين فى النار مما لم يره

[سورة النحل (16) : آية 9]

عين ولم يسمعه اذن ولم يخطر على قلب بشر. وَعَلَى اللَّهِ بيان قَصْدُ السَّبِيلِ اى الطريق المستقيم الموصل الى الحق رحمة وتفضلا- او عليه قصد السبيل يعنى يصل الى الله تعالى من يسلكه لا محالة يفال سبيل قصد وقاصد اى مستقيم كانه يقصد الوجه الّذي يقصده السالك لا يميل عنه والمراد بالسبيل الجنس ولذلك أضاف إليها والاضافة بمعنى من وَمِنْها اى من السبيل جائِرٌ مائل عن القصد او عن الله وتغير الأسلوب لان المقصود بيان سبيله وتقسيم السبيل الى القصد والجائر انما جاء بالعرض فالقصد من السبيل السنة والجائر منها الأهواء والبدع وملل الكفر كلها وَلَوْ شاءَ الله هدايتكم أجمعين لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9) الى قصد السبيل والمراد بالهداية هاهنا الإيصال الى المطلوب ومن قوله عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ اراءة الطريق-. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ اى ماء تشربونه ولكم صلة انزل او خبر شراب ومن تبعيضية متعلقة به وتقديمها يوهم الحصر ووجه الحصر ان مياه الآبار والعيون منه لقوله تعالى فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ وقوله فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ... وَمِنْهُ اى من ذلك الماء شَجَرٌ اى شرب أشجاركم وحيات نباتكم فِيهِ اى فى الشجر تُسِيمُونَ (10) اى ترعون مواشيكم من سامت الماشية وأسامها صاحبها وأصلها السومة وهى العلامة لانها تؤثر بالرعي علامة. يُنْبِتُ قرا ابو بكر عن عاصم بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة اى ينبت الله لَكُمْ بِهِ اى بالماء الّذي انزل الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ اى بعض كل ما يمكن من الثمار وانما ذكر لفظ التبعيض لان كل الثمرات لا يكون الا فى الجنة وخلق فى الدنيا بعضها ليكون تذكرة لها ولعل تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه لانه سيصير غذاء حيوانيا وهو اشرف الاغذية ومن هذا القبيل تقديم الزرع والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً اى دلالة واضحة على وجود الصانع وعلمه وحكمته لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) فان من تأمل ان الحبة تقع فى الأرض ويتصل إليها ندوة ينفذ فيها فينشق أعلاها ويخرج منه ساق الشجر وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها ثم ينمو

[سورة النحل (16) : آية 12]

ويخرج منه الأوراق والازهار والاكمام والثمار فى بعض الازمنة دون بعض ويشتمل كل منها الأجسام المختلفة الاشكال والطبائع مع اتحاد المواد واتحاد نسبة الطبائع السفلية والعلوية الى الكل علم ان ذلك ليس الا بفعل فاعل مختار تقدس عن منازعة الاضداد والانداد. وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ اى هيّا هما لمنافعكم وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ قرا ابن عامر الاربعة بالرفع على انها مبتدا وخبر وقرا اهل الحجاز والشام «1» والكوفة غير حفص بنصب الاربعة الثلاثة عطفا على النهار ومسخّرت على انه حال من الجميع اى جعلها بحيث ينفعكم حال كونها مسخرات لله تعالى خلقها ودبّرها كيف شاء او مسخرات لما خلقن وقرا حفص الشّمس والقمر بالنصب على العطف وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بالرفع على الابتداء بِأَمْرِهِ اى بايجاده وتقديره او بحكمه وفى الاية إيذان بالجواب لمن يقول ان المؤثر فى تكوين النبات حركات الكواكب وأوضاعها فان ذلك ان سلم فلا شك انها حادثة ممكنة الذات والصفات واقعة على بعض الوجوه المحتملة فلا بد لها من مخصص مختار واجب الوجود دفعا للدور والتسلسل والتحقيق ان تأثيرات الأشياء الفلكية او العنصرية كلها امور عادية جرى عادة الله تعالى على خلق بعض الأشياء عقيب بعض منها ولا يتصور نسبة الإيجاد على الحقيقة الى ما هو معدوم فى حد ذاته لا يقتضى ذاته وجوده فانه كيف يقتضى وجود غيره إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) جمع الاية وذكر العقل لانها تدل أنواعا من الدلالات الظاهرة لذوى العقول السليمة غير محوجة الى استيفاء فكر كاحوال النبات. وَما ذَرَأَ اى خلق لَكُمْ عطف على الليل اى سخر لاجلكم ما خلق فِي الْأَرْضِ من الحيوانات والنباتات والمعادن مُخْتَلِفاً نصب على الحال أَلْوانُهُ اى اصنافه فان الأصناف يتخالف باللون غالبا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) يعتبرون ان اختلافها فى الطباع والهيئات والمناظر ليس الا بصنع صانع حكيم-. وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ اى جعله بحيث يتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا اى غضّا جديدا يعنى السمك وصفه بالطراوة لانه أرطب اللحوم فيسرع اليه الفساد فيسارع الى أكله ووجه كثرة

_ (1) الصحيح وقرا اهل الحجاز والبصرة والكوفة غير حفص إلخ- ابو محمّد

العطش بعد أكل السمك انها بالطبع ملتزق بالأمعاء فالطبيعة لدفعه من الأمعاء تطلب الماء لا لكونها حارا او يابسا- وفى وصفه بالطراوة اظهار لقدرته تعالى فى خلقه عذبا طريا فى ماء زعاق مرّ مالح- وتمسك مالك والثوري بهذه الاية على انه من حلف لا يأكل لحما حنث بأكل السمك وأجيب عنه بان مبنى الايمان على العرف وهو لا يفهم منه عند الإطلاق الا ترى ان الله تعالى قال شَرَّ الدَّوَابِّ فى الكفار ولا يحنث الحالف بان لا يركب دابة بركوبه على الكافر وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها كاللؤلؤ والمرجان اى تلبس نساؤكم فاسند إليهم لانهن من جملتهم ولانهن تتزين بها لاجلهم وَتَرَى الْفُلْكَ اى السفن عطف على قوله لتأكلوا لانه فى قوة لتركبوا الفلك وجاز ان يكون استينافا مَواخِرَ فِيهِ اى جوارى وقال قتادة مقبلة ومدبرة احداها تقبل واخرى تدبر تجريان بريح واحدة وقال الحسن اى مملوة وقال الفراء والأخفش شقاق تشق الماء بجناحيها والمخر شق الماء وقيل المخر صوت جرى الفلك وقال ابو عبيدة المخر صوت هبوب الريح عند شدتها وقال مجاهد تمخر السفن الرياح اى تستقبل وفى القاموس مخزت السفينة كمنع مخرا ومخورا جرت واستقبلت الريح فى جريها ومخر السّابح شق الماء بيديه والفلك المواخر الّتي يسمع صوت جريها او تشق الماء بجآجئها «1» او المقبلة والمدبرة بريح واحدة- وفى الحديث إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح وفى لفظ استمخروا الريح اى اجعلوا ظهوركم الى الريح كانه إذا ولّاها شقها بظهره وأخذت عن يمينه ويساره وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ اى من سعة رزقه بركوبها للتجارة ان كان قوله تعالى وَتَرَى الْفُلْكَ معطوفا على لتأكلوا فهذا معطوف عليه وان كان مستأنفا فهذا معطوف على محذوف تقديره لتعتبروا ولتبتغوا وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) الله إذا رايتم صنعه فيما سخر لكم ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لانه أقوى فى باب الانعام من حيث انه جعل المهالك سببا لتحصيل المعاش قلت وجعل الأشياء المذكورة بحيث يفضى الى الشكر من أعظم الإنعامات حيث يفيد مزيد النعمة فى الدنيا والثواب الجزيل فى دار القرار فهو من تتمة الإحسانات-

_ (1) جؤجؤ كهدهد بمعنى الصدر وجمعه جاجئى.... كذا فى القاموس- منه رح

[سورة النحل (16) : آية 15]

وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ اى جبالا ثوابت أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ اى لئلا تميد بكم او كراهة ان تميد بكم والميد الاضطراب وذلك لان الأرض قبل ان يخلق فيها الجبال كانت كروية تتحرك بأدنى سبب للتحريك فلما خلقت الجبال على وجهها توجهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالاوتاد الّتي تمنعها عن الحركة- قال البغوي قال وهب لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ان هذه غير مقرة أحدا على ظهرها فاصبحت وقد أرسيت بالجبال فلم تدر الملائكة مما خلقت الجبال- واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم من طريق قتادة عن الحسين عن قيس ابن عباد قال ان الله تعالى لمّا خلق الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ما هذه مقرة على ظهرها أحدا فاصبحت صبحا وفيها رواسى فلم يدروا من اين خلقت فقالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من هذا قال نعم الحديد فقالوا هل من خلقك شيء هو أشد من الحديد قال نعم النار قالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من النار قال نعم الماء قالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من الماء قال نعم الريح قالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من الريح قال نعم الرجل قالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من الرجل قال نعم المرأة انتهى- فان قيل هل ينتهى هذا السؤال الى حد قلت لا وذلك لان الله هو القوى المتين ذو مرة والممكنات بأسرها عاجزة بل عديمة فى حد ذواتها فحيثما يتجلى قوته يشتد امره على غيره فالفيل قوى من النملة لكن إذا شاء الله تعالى ان يظهر عجز الفيل جعل النملة مظهرا ومجلّا لتجلى قوته فيشتد امره على الفيل- والشدة والقوة قد يكون لاحد الأشياء زائدا على غيره بجميع الوجوه وقد يكون بوجه من الوجوه وهذا هو المتحقق فى الأشياء المذكورة والله اعلم وَأَنْهاراً اى جعل فيها أنهارا لانّ القى فيه معنى الجعل وَسُبُلًا اى طرقا لنيل مقاصدكم لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) الى مقاصدكم او الى معرفة الله بالاستدلال بها. وَعَلاماتٍ على السبل من الأشجار والجبال والابنية والنجوم وغير ذلك يستدل بها السابلة ومنها الأسباب والعلل الشرعية كالاوقات لوجوب الصلاة والصوم والزكوة والإسكار للحرمة- ومنها الادلة الطبيعية والعقلية كسرعة النبض

[سورة النحل (16) : آية 17]

على الحمى والعالم على الصانع والمعجزة على وفق الدعوى للنبوة وغير ذلك وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) ليلا فى الصحارى والبحار والمراد بالنجم الجنس- وقال محمّد بن كعب أراد بالعلامات الجبار فالجبال علامات النهار والنجوم علامات الليل- وقال الكلبي أراد بالكل النجوم منها ما يكون علامات ومنها ما يهتدون بها- وقال السدّى أراد بالنجوم الثريا وبنات النعش والفرقدين والجدى يهتدى بها الى الطرق والقبلة- قلت وذلك لكونها قريبة من القطب الشمالي فقلما تتحرك عن أماكنها لصغر دوائرها والضمير لقريش لانهم كثيرا ما كانوا يسافرون بالليل للتجارة وكانوا مشهورين بالاهتداء فى أسفارهم بالنجوم فلذلك قدم النجم واقحم الضمير واخرج عن سنن الخطاب للتخصيص كانه قيل وبالنجم خصوصا هؤلاء يهتدون فالاعتبار بذلك والشكر عليه الزم عليهم-. أَفَمَنْ يَخْلُقُ وهو الله سبحانه كَمَنْ لا يَخْلُقُ اى ما يعبدون من دون الله مغلّبا فيه أولوا العلم- او المراد بها الأصنام وأجريت مجرى اولى العلم لانهم سموها الهة ومن حق الا له ان يعلم او للمشاكلة بينه وبين من يخلق او للمبالغة كانه قيل ان من يخلق ليس كمن لا يخلق من اولى العلم فكيف بما لا يعلم ولا يشعر- والهمزة للانكار والفاء للتعقيب يعنى بعد هذه الادلة الواضحة المتكاثرة على كمال علم الله وقدرته وتناهى حكمته وتفرده بالخلق لا معنى لاشراك من ليس مثله فى خلق الأشياء بل لا يقدر على خلق شيء من الأشياء الجواهر والاعراض حتّى لا يقدر على تحريك الذباب ولا على منعه وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ وكان حق الكلام أفمن لا يخلق كمن يخلق لكنه عكس تنبيها على انهم بالاشراك بالله جعله من جنس المخلوقات العجزة شبيها بها أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) انكار على عدم التذكر والاعتبار بعد مشاهدة ما يوجب التذكرة. وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها اى لا تضبطوا عددها فضلا ان تطيقوا القيام بشكرها يعنى ليس نعماء الله تعالى منحصرة فيما ذكر بل هى غير محصورة فحق عبادته تعالى غير مقدور لاحد وانما المطلوب منكم التوجه بشراشركم اليه وحده والاعتراف بالتقصير إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ لتقصيركم فى أداء شكرها رَحِيمٌ (18) بكم حيث وسع عليكم النعم قبل استحقاقكم

[سورة النحل (16) : آية 19]

ولا يقطعها عنكم بالتقصير والمعاصي ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها. وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ من العقائد والنيات والشكر ومعرفة قصور أنفسكم عن أداء حقوق العبودية او الغفلة والاستكبار وَما تُعْلِنُونَ (19) من الأعمال الصالحة او الفاسدة فيجازيكم عليه. وَالَّذِينَ يَدْعُونَ اى تدعونها الهة كائنة مِنْ دُونِ اللَّهِ قرا عاصم ويعقوب يدعون بالياء التحتانية والباقون بالتاء لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً أصلا وان كان محقرا من الجواهر والاعراض فضلا ان يشاركونه فى خلق السموات والأرضين وأمثال ذلك فكيف يدعونها الهة وشركاء لله تعالى وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) يعنى وجوداتهم مستعارة من غيرها لا يقتضى ذواتها وجوداتها فكيف يتصور منها خلق شيء من الأشياء واقتضاء وجود غيرها. أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ خبر مبتدا محذوف يعنى هم أموات فان كان المراد بالموصول الأصنام فالمعنى هم أموات لم يعترهم الحيوة أصلا وان كان المراد به كلما عبد غير الله فالمعنى هم أموات فى أنفسها غير احياء بالذات بل حياتهم مستعارة من الحي القيوم وكلما هذا شأنه لا يكون الها وَما يَشْعُرُونَ لكونهم أمواتا مخلوقين أَيَّانَ اى متى يُبْعَثُونَ (21) يعنى ليس بعثهم ولا بعث عبدتهم باختيارهم ولا فى حيز علمهم فكيف يقدرون على جزاء من عبدهم فاىّ فائدة فى عبادتهم فلا يستحقون العبادة وفيه تنبيه على ان البعث من لوازم التكليف-. إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ تكرير للمدعى بعد اقامة الحجة يعنى ثبت بالحجة ان إلهكم واحد فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ لما أنعم الله عليهم مما لا يحصى عدها مع ظهورها بالبداهة والبرهان وانما انكار قلوبهم ذلك لان الله تعالى ما القى فيها نور المعرفة فهم عمهون عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله خلق خلقه فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله رواه احمد والترمذي وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) عن عبادة الله تعالى لا يرون عليهم له تعالى استحقاق العبادة حيث ينكرون نعماءه ويستكبرون عن اتباع الرّسول صلى الله

[سورة النحل (16) : آية 23]

عليه وسلم ولو انهم كانوا يعرفون نعماء الله تعالى واستحقاق العبادة له تعالى عليهم لامنوا بالاخرة الّتي فيها جزاء العبادة والانتقام على تركها ولم يستكبروا عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بل اجتهدوا فى طلب سبيل الرشاد. لا جَرَمَ اى حق حقّا او لا بد او لا محالة- او المعنى ليس على ما ينبغى ما هم عليه من الإنكار والاستكبار كسب الكاسب الحكم أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ من انكار النعم واستحقاق العبادة وَما يُعْلِنُونَ من الاستكبار عن العبادة واتباع الرسول فانّ مع جملته على التأويلات السابقة فى موضع الرفع بلا جرم وعلى التأويل الأخير فى محل النصب على المفعولية وفاعل جرم مضمر إِنَّهُ تعالى لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار مثقال ذرة من ايمان فقال رجل يا رسول الله ان الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا قال ان الله جميل يحب الجمال الكبر من بطر الحق وغمص الناس رواه مسلم عن ابن مسعود قال فى النهاية معنى بطر الحق هو ان يجعل ما جعله الله حقّا من توحيده وعبادته باطلا- وقيل هو ان يتجبر عند الحق فلا يراه حقّا- وقيل هو ان يتكبر عن الحق فلا يقبله قلت حاصل الأقوال ان لا يرى عبادة الله عليه واجبا حيث ينكر العامة عليه بل يرى ما أنعم الله عليه حقّا له على الله تعالى ومعنى غمص الناس اى احتقرهم قلت وجه مقابلة الكبر بالايمان فى الحديث ان المؤمن يرى وجوده وما استتبعه من الكمالات مستعارة من الله تعالى حتّى يرى نفسه عارية عنها فلا يستكبر والكافر يرى وجوده وتوابعه من نفسه فيرى نفسه كبيرا وينسى الكبير المتعال- والفناء المصطلح فى التصوف عبارة عن رؤية نفسه فانيا عاريا عن الوجود وتوابعه برؤيتها مستعارة من الله تعالى والله اعلم-. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ اى لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالاخرة- وذلك ان احياء العرب كانوا يبعثون ايام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغهم دعواه النبوة فكان إذا جاء الوافد سال عن مشركى مكة الذين اقتسموا عقابها ايام الموسم ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ماذا منصوب بانزل يعنى اىّ شيء انزل او مرفوع بالابتداء يعنى اىّ شيء أنزله ربكم قالُوا يعنى مشركى مكة هو أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) السطر الصف من

[سورة النحل (16) : آية 25]

الشيء من الكتاب او الشجر المغروس او القوم الوقوف- جمعه اسطر وسطور واسطار وجمع الجمع أساطير واسطرة والمعنى ان ذلك المسئول عنه ليس بمنزل بل شيء كتبه الأولون كذبا لا تحقيق لها نحو قوله اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا. لِيَحْمِلُوا متعلق بقوله قالوا يعنى قالوا ذلك ليضلوا الناس فيحملوا أَوْزارَهُمْ اى ذنوب ضلال أنفسهم كامِلَةً فان اضلالهم نتيجة رسوخهم فى الضلال يَوْمَ «1» الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ يعنى بعض أوزار الذين ضلوا باضلالهم فان من ذنوبهم ما يخصهم ليس لهؤلاء المضلين فيها تسبيب ومنها ما حصل باضلالهم فهم يحملون هذا القسم الأخير مثل ذنوب من تبعهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعا الى هدى كان له من الاجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الإثم مثل اثام من تبعه لا ينقص ذلك من اثامهم شيئا رواه احمد ومسلم فى الصحيح واصحاب السنن الاربعة عن ابى هريرة بِغَيْرِ عِلْمٍ اى بغير حجة فهو حال من فاعل يضلونهم- او المعنى يضلون من لا يعلم انهم ضلال فهو حال من المفعول وفيه تنبيه على انّ جهلهم لا يصلح لهم عذرا إذ كان عليهم ان يبحثوا او يميزوا بين الحق والباطل أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (25) اى بئس شيئا يزرونه اى يحملونه فعلهم او بئس الّذي يزرونه فعلهم فمحل ما رفع على الفاعلية او نصب على التميز من الضمير المبهم والمخصوص محذوف-. قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى سوّوا حيلا ليمكروا بها رسل الله فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ يعنى اتى امر الله لابطال حيلهم من الأصول وَأَتاهُمُ الْعَذابُ المهلك مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) اى لا يحتسبون ولا يتوقعون فصارت تلك الحيل أسبابا لهلاكهم كمثل قوم بنوا بنيانا ليحرزوا أنفسهم ويأخذوا فيها عدوهم بالحيل فاتى البنيان من الأساطين بان ضعضعت فسقط عليهم السقف فهلكوا فالكلام وارد على التمثيل- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس وذكر

_ (1) ليس فى الأصل يوم القيمة

[سورة النحل (16) : الآيات 27 إلى 28]

البغوي عنه وعن وهب ان المراد بالذين من قبلهم نمرود بن كنعان الّذي حاج ابراهيم فى ربه بنى الصرح ببابل ليصعد الى السماء وكان طول الصرح فى السماء خمسة آلاف ذراع- وقال كعب ومقاتل كان طوله فرسخان فهبت الريح والقت رأسها فى البحر وخر عليهم الباقي فهلكوا. ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ اى يذلّهم ويعذبهم عذاب الخزي سوى ما عذبوا فى الدنيا قال الله تعالى رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ويقول لهم الله على لسان الملائكة توبيخا أَيْنَ شُرَكائِيَ أضاف الى نفسه استهزاء او حكاية لاضافتهم زيادة فى توبيخهم- قرا البزي بخلاف عنه شركاى بغير همزة والباقون بالهمزة الَّذِينَ كُنْتُمْ ايها الكفار تُشَاقُّونَ فِيهِمْ الرسول والمؤمنين- قرا الجمهور تشاقّون بفتح النون اى يخالفون فيهم وقرا نافع بكسر النون الدال على حذف ياء المتكلم يعنى تشاقّونى فان مشاقة المؤمنين مشاقة الله سبحانه قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ اى الأنبياء والملائكة والمؤمنون إظهارا للشماتة وزيادة للاهانة وشكرا على ما أنعم الله عليهم من الهداية وفى هذه الحكاية لطف من الله سبحانه بمن سمعه إِنَّ الْخِزْيَ اى الذلّ والهوان الْيَوْمَ يوم القيامة وَالسُّوءَ اى العذاب عَلَى الْكافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ يعنى ملك الموت وأعوانه- قرا حمزة يتوفّيهم فى الموضعين بالياء على التذكير والباقون بالتاء لتانيث الفاعل لفظيا غير حقيقى ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ بالكفر حيث عرضوها للعذاب المخلد منصوب على الحال فَأَلْقَوُا السَّلَمَ فسالموا وانقادوا قائلين ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ من كفران ولا عدوان ويجوز ان يكون تفسيرا للسّلم على ان المراد به القول الدال على الاستسلام فيجيبهم ملائكة الموت بَلى كنتم تعملون السيئات إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) من السيئات فهو يجازيكم عليه ولا ينفعكم انكاركم- قال عكرمة عنى بذلك من قتل من الكفار ببدر- وقيل قوله فَأَلْقَوُا السَّلَمَ الى اخر الآيات استيناف ورجوع الى شرح حالهم يوم القيامة ويحتمل ان يكون الرّادّ عليهم هو الله سبحانه وأولوا العلم. فَادْخُلُوا أَبْوابَ

[سورة النحل (16) : آية 30]

جَهَنَّمَ كل صنف بابا اعدّ له وقيل أبواب جهنم اصناف عذابها خالِدِينَ فِيها اى مقدرين الخلود فيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) اى الكافرين جهنم. وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عن الضلال والإضلال قال لهم الوافد من احياء العرب ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا اى المؤمنون خَيْراً اى انزل ربنا خير الكلام ما فيه صلاح الدين والدنيا والاخرة ونصبه دليل على انهم لم يتوقفوا فى الجواب وأطبقوا على السؤال معترفين بالانزال بخلاف الكفرة فانهم قطعوا الكلام عن الجواب وأتوا بالرفع على الابتداء ولم يعترفوا بالانزال حيث قالوا هو أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعنى ليس بمنزل لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا العقائد والأعمال فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلق بأحسنوا حَسَنَةٌ قال ابن عباس هى تضعيف الاجر الى العشر- وقال الضحاك هى النصر والفتح- وقال مجاهد هى الرزق الحسن- قلت هى الحيوة الطيبة فى الدنيا بحيث يرتضيه الخالق وكل من له عقل سليم وطبع مستقيم من الخلق وذلك ان لا يعبد ممكنا عاجزا مثل نفسه بل الله الواحد القهار ويكتسب معرفة الله ودرجات قربه ويستحل الطيبات ويستحرم الخبائث ولا يؤذى أحدا بغير حق ويعمل أعمالا يثمر له الى الابد وَلَدارُ الحيوة الْآخِرَةِ خَيْرٌ من دار الحيوة الدنيا للمتقين حيث يرى هناك ثمرات ما اكتسبه فى الحيوة الدنيا ويبقى فى كرامة الله ابد الآبدين وهو عدة لِلَّذِينَ اتَّقَوْا على قولهم ويجوز ان يكون بما بعده حكاية بقولهم بدلا وتفسيرا لخير على انه منتصب بقالوا يعنى قالوا هذا القول فقدم عليه تسميته خيرا وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) قال الحسن هى الدنيا لان اهل التقوى يتزودون فيها الى الاخرة- وقال اكثر المفسرين هى دار الاخرة فحذف المخصوص بالمدح لتقدم ذكرها- قلت وجاز ان يكون الاضافة للجنس يعنى نعم دار المتقين اىّ دار كانت الدنيا او الاخرة. جَنَّاتُ عَدْنٍ مبتدا خبره محذوف اى لهم جنات عدن- او خبر مبتدا محذوف اى هى او دارهم جنات عدن ويجوز ان يكون هذا مخصوصا بالمدح يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ من انواع المشتهيات وفى تقديم الظرف تنبيه على ان الإنسان لا يجد جميع ما يشتهيه الا فى الجنة كَذلِكَ

[سورة النحل (16) : الآيات 32 إلى 33]

اى مثل لهذا الجزاء المذكور يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) من الشرك وسوء الأعمال. الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ اى طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي لانه فى مقابلة ظالمى أنفسهم وهؤلاء هم الذين حيوا حيوة طيبة- وقال مجاهد زاكية أفعالهم وأقوالهم- وقيل معناه فرحين ببشارة إياهم بالجنة او طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية الى حضرة القدس يَقُولُونَ اى الملائكة لهم سَلامٌ عَلَيْكُمْ وقيل تبلغهم سلام الله ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) حين تبعثون فانها معدة لكم على أعمالكم او المعنى يقول لهم الملائكة عند التوفى سلام عليكم ويقال لهم فى الاخرة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- هَلْ يَنْظُرُونَ اى ما ينتظر الكفار الذين مر ذكرهم شيئالَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ لقبض أرواحهم قرا حمزة والكسائي بالياء والباقون بالتاءوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ القيامة او العذاب المستأصل ذلِكَ اى مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب عَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فاصابهم ما أصابهم ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ بتعذيبه إياهم عذاب الاستيصال لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) بكفرهم ومعاصيهم المؤدية اليه. فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا اى جزاء سيئات أعمالهم على حذف المضاف وتسمية الجزاء باسمها- او المعنى عقوبات ما عملوا من الكفر والمعاصي وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34) اى نزل وأحاط بهم جزاء استهزائهم او المعنى نزل بهم العذاب الّذي كانوا به يستهزءون ويقولون على سبيل الاستهزاء لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ.... وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ انما قالوا ذلك استهزاء ومنعا لبعثة الرسل والتكليف متمسكين بان ما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون فما الفائدة فيهما او إنكارا لقبح ما هم عليه من الشرك وتحريم البحائر والسوائب ونحو ذلك متمسكين بانه لولا ان الله رضيها لنا لما شاء الله صدورها عنا- ومبنى

[سورة النحل (16) : آية 36]

الشبهتين ان الرضاء يلازم المشية وليس كذلك كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فاشركوا بالله وحرموا حله وردوا له وقالوا مثل قول هؤلاء فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) يعنى ليس عليهم الهداية فانها بيد الله تعالى وعلى مشيته انما عليهم التبليغ الموضح لمرضات الله تعالى- ثم بيّن ان البعثة امر جرت السنة الالهية فى الأمم كلها «1» بكونها سببا لهدى من شاء هدايته وزيادة الضلال لمن شاء ضلاله وكالغذاء الصالح ينفع المزاج الصالح ويقويه ويضر المنحرف ويعينه فى الانحراف بقوله. وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعنى أرسله الله إليهم بان اعبدوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ اى لا تطيعوا الشيطان الطاغي فى معصية الله فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ اى شاء هدايتهم ووفقهم للايمان بإرشادهم وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ اى وجبت بالقضاء السابق عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فلم يوفقهم ولم يرد هداهم فاهلكهم الله على كفرهم واخلى ديارهم فتركوا بئرا معطلة وقصرا مشيدا فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يا معشر قريش فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) للرسل من عاد وثمود وقوم لوط واصحاب الايكة- وفيه حل لاشكالهم المبنى على كون المشية والرضاء متلازمين إذ لو كان كذلك لما عذبهم الله بكفرهم المبنى على مشية الله ثم بين الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم ان هؤلاء الكفار من قريش ممن حقت عليهم الضلالة حتّى لا يتعب نفسه ولا يحرص على هداهم فقال. إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ قرا الكوفيون لا يهدى بفتح الياء وكسر الدال على البناء للفاعل يعنى لا يهدى الله من يرد ضلاله وهو المعنى ل مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ والباقون بضم الياء وفتح الدال على البناء للمفعول فقوله مَنْ يُضِلُّ مبتدا خبره لا يهدى يعنى من يضلّه الله لا يهدى اى لا هادى له أحد والجملة خبر ان والله اسمه وَما لَهُمْ اى لمن أضلهم الله مِنْ ناصِرِينَ (37) يمنعونهم من جريان حكم الله عليهم ويدفعون عنهم عذابه الّذي أعد لهم وتقدير الكلام

_ (1) فى الأصل كلها سببا-

[سورة النحل (16) : آية 38]

ان تحرص وتتعب نفسك يا محمّد على هداهم وقد أضلهم الله فلا ينفعك حرصك واتعابك نفسك ولا تقدر عليه لان الله تعالى قوى قاهر لا هادى لمن شاء ان يضله ولا ناصر لمن شاء ان يعذبه فحذف الجزاء وأقيم السبب مقامه والله اعلم- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابى العالية قال كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فاتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به والّذي أرجوه بعد الموت لكذا وكذا فقال له المشرك انك لتزعم انك تبعث بعد الموت فاقسم بالله جهد يمينه لا يبعث الله من يموت فانزل الله تعالى. وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ معطوف على وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إيذانا بانهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث مقسمين عليه زيادة فى القطع على فساده فقال الله تعالى ردا عليهم بأبلغ الوجوه بَلى يبعثهم وَعْداً مصدر مؤكد لنفسه وهو ما دل عليه بلى اعنى يبعثهم وعد من الله عَلَيْهِ إنجازه لامتناع الخلف فى وعده ولاقتضاء الحكمة البعث حَقًّا صفة اخرى للوعد وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38) ان وعد الله حق او لا يعلمون البعث لعدم علمهم بانه مقتضى الحكمة الّتي جرت العادة بمراعاتها ولقصور نظرهم بالمألوف فيتوهمون امتناعه. لِيُبَيِّنَ لَهُمُ متعلق بما دل عليه بلى اى يبعثهم ليبيّن لهم والضمير لمن يموت وهو يشتمل المؤمنين والكافرين الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ اى الحق وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (39) فى قولهم لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ وفيه اشارة الى السبب الداعي الى البعث المقتضى له من حيث الحكمة وهو التميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل بالثواب والعقاب وجاز ان يكون ليبين وليعلم متعلقا بقوله وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا يعنى بعثنا رسولا ليبين لهم الرسول ما اختلفوا فيه قبله وانهم كانوا على الضلالة مفترين على الله الكذب. إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ اى أردنا وجوده فى المبدا او المعاد قولنا مبتدا خبره أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) اى فهو يكون قرا ابن عامر والكسائي هنا وفى يس فيكون بالنصب عطفا على نقول او جوابا لقوله كن وقد ذكرنا كلاما على تقدير الجواب

[سورة النحل (16) : آية 41]

فى سورة البقرة- وفى هذه الاية بيان لامكان البعث وتقريره ان تكوين الله تعالى بمحض قدرته ومشيته لا توقف له على شيء اخر والا لزم التسلسل ولا على تعب وتجشم والا لزم العجز المنافى للالوهية- ولمّا أمكن تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادة ومثال أمكن له تكوينها إعادة بعده- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عزّ وجلّ كذّبنى عبدى ولم يكن له ذلك وشتمنى عبدى ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدانى وليس أول الخلق باهون علىّ من إعادته واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الأحد الصمد الّذي لم الد ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد- وفى رواية ابن عباس واما شتمه إياي فقوله لى ولد فسبحانى ان اتخذ صاحبة او ولدا رواه البخاري. وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ اى فى سبيله وحقه ولوجهه مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا اى عذبوا وأوذوا اخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس وداود ابن هند قال نزلت هذه الاية فى ابى جندل بن سهيل- وقال البغوي نزلت فى بلال وصهيب وخبّاب وعمّار وعائش وجبير وابى جندل بن سهيل أخذهم المشركون بمكة وعذبوهم واخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم وعبد بن حميد عن قتادة هم اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ظلمهم اهل مكة فاخرجوهم من ديارهم حتّى لحق طائفة منهم بالحبشة ثم بوّاهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة وجعل لهم أنصارا من المؤمنين لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً اى مباءة حسنة وهى المدينة او تبوية حسنة وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ مما يعجل لهم فى الدنيا قال البغوي روى ان عمر بن الخطاب كان إذا اعطى رجلا من المهاجرين عطاء يقول خذ بارك الله فيه هذا ما وعدك الله فى الدنيا وما ذخر لك فى الاخرة أفضل ثم تلا هذه الاية- وقيل معناه لنحسنن إليهم الدنيا حسنة- وقيل الحسنة فى الدنيا التوفيق والهداية لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) الضمير للكفار اى لو علموا ان الله يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لمّا ظلموهم ولوافقوهم- او للمهاجرين اى لو علموا ذلك لزادوا فى اجتهادهم وصبرهم. الَّذِينَ صَبَرُوا على الشدائد كاذى الكفار ومفارقة الأوطان ومحله النصب او الرفع على المدح وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)

[سورة النحل (16) : آية 43]

ينقطعون الى الله يفوّضون أمورهم اليه- ولما أنكر كفار قريش نبوة محمّد صلى الله عليه وسلم وقالوا الله أعظم من ان يكون رسوله بشرا فهلا بعث إلينا ملكا فانزل الله سبحانه. وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ الى الناس إِلَّا رِجالًا دون ملائكة نُوحِي إِلَيْهِمْ على السنة الملائكة- قرا حفص نوحى بالنون للمتكلم على البناء للفاعل والباقون بالياء على الغيبة فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعنى ان شككتم فى إرسال الله الرجال فاسئلوا اهل العلم بالكتب السابقة من اليهود والنصارى هل أرسل الى بنى إسرائيل موسى وعيسى وغيرهم من أنبياء بنى إسرائيل ومن قبلهم ابراهيم ونوحا وآدم وغيرهم فانهم يشهدون بذلك إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) وفى الاية دليل على وجوب المراجعة الى العلماء للجهال فيما لا يعلمون وان الاخبار مفيدة للعلم ان كان المخبر ثقة يعتمد عليه. بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ متعلق بقوله أرسلنا اى ما أرسلنا بالبينات اى المعجزات الواضحات والزبر اى الكتب الا رجالا- ويجوز ان يتعلق بأرسلنا داخلا فى الاستثناء اى ما أرسلنا الا رجالا بالبينات- او متعلق بمحذوف صفة لرجالا يعنى ما أرسلنا الا رجالا متلبّسين «1» بالبينات والزبر- او منصوب على المفعولية او على الحال من قائم مقام الفاعل ليوحى على قراءة المبنى للمفعول وعلى التقادير كلها فاسئلوا اعتراض او هو متعلق بلا تعلمون على ان الشرط للتبكيت والإلزام وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ اى القران سمى ذكرا لانه موعظة لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فى الذكر بتوسط انزاله إليك من الوعد والوعيد والاحكام والشرائع المجملة او مما تشابه عليهم- والبيان قد يكون صريحا بالقول او الفعل او التقرير وقد يكون غير صريح كالامر بالقياس وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) اشارة الى البحث فى نظم الكلام «2» ووجوه دلالاته حتّى يظهر لهم المراد من غير حاجة الى بيان من الشارع كما ان لفظ الحرث يشعر ان المراد فى قوله فَأْتُوا حَرْثَكُمْ الإتيان فى القبل دون الدبر لانه ليس بمحل للحرث وفى لفظ ثلاثة فى قوله تعالى ثَلاثَةَ قُرُوءٍ يشعر ان المراد بها الحيض دون الطهر لان الطلاق المسنون يكون فى الطهر اجماعا فاطهار العدة لا يكون الا اكثر من الثلاثة او اقل منها والله اعلم-

_ (1) فى الأصل ملتبسين (2) فى الأصل فى نظم كلام-[.....]

[سورة النحل (16) : آية 45]

أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ اى المكرات السيئات هم الذين قصدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقتلوه او يثبتوه او يخرجوه وأرادوا صد الناس عن الايمان. أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ كما خسف بقارون أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) بغتة من جانب السماء كما فعل بقوم لوط واصحاب الايكة وغيرهم. أَوْ يَأْخُذَهُمْ بالعذاب فِي تَقَلُّبِهِمْ اى تصرفهم فى الاسفار قال ابن عباس فى اختلافهم وقال ابن جريج فى إقبالهم وادبارهم فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) اى سابقين الله. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ حال من الفاعل او المفعول اى على تنقص من تخوفته إذا تنقصته وذلك بان يهلك بعضهم ثم بعضهم حتّى يهلك جميعهم- ويقال تخوفه الدهر اى تنقصه فى ماله وجسمه- قال البغوي يقال هذه لغة هذيل- وقال الضحاك والكلبي هو الخوف- قلت بان يهلك قوما قبلهم فيتخوّفوا فيأتيهم وهم متخوّفون او بان يظهر امارات الهلاك قبل هلاكهم فيهلكوا كما فعل بثمود فى ثلاثة ايام اصفرت وجوههم فى الاول واحمرت فى الثاني واسودت فى الثالث ثم اهلكوا وعلى هذا التأويل حال من المفعول فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) ومن ثم لا يعجل فى العقوبة وذلك هو الباعث على كونهم امنين ولا ينبغى ذلك فانه تعالى مع ذلك قهار منتقم ذو البطش الشديد لا يطاق انتقامه ولاجل ذلك أنكر الله على امنهم وقال أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ الاية- والفاء للتعقيب عطف على قوله وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا- يعنى إذا علموا ان المرسلين لم يكونوا الا رجالا فمكرهم بمحمّد صلى الله عليه وسلم وامنهم على ذلك المكر مع كونه مثل من سبق من الرسل ليس على ما ينبغى-. أَوَلَمْ يَرَوْا بالياء على الغيبة على قراءة الجمهور والضمير الى الذين مكروا السيئات وقرا حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب إليهم على سبيل الالتفات من الغيبة وكذلك فى سورة العنكبوت والاستفهام للانكار يعنى انهم قد رأوا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فما بالهم لا يدركون كمال قدرته تعالى وقهرمانه ولا يخافون من عذابه

[سورة النحل (16) : آية 49]

وما موصولة مبهمة بيانها من شيء يفيد عموم خلقه جميع الأشياء يَتَفَيَّؤُا اقرأ ابو عمرو ويعقوب بالتاء الفوقانية والباقون بالياء التحتانية ظِلالُهُ يعنى أولم ينظروا الى المخلوقات الّتي لها ظلال متفيئة يرجع ظلالها بارتفاع الشمس وانحدارها او باختلاف مشارقها ومغاربها بتقدير الله تعالى عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ يعنى عن إيمانها وشمائلها يعنى عن جانبى كل واحد منها استعارة عن يمين الإنسان وشماله- وتوحيد اليمين وجمع الشمائل باعتبار لفظة ما ومعناه كتوحيد الضمير فى ظلاله وجمعه فى قوله سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) اى اذلة «1» وهما حالان من الضمير فى ظلاله والمراد بالسجود الاستسلام طبعا او اختيارا- يقال سجدت النخلة إذا مالت بكثرة الحمل وسجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب- او سجّدا حال من الظلال وهم دخرون حال من الضمير يعنى يرجع ظلها منقادة لما قدر لها من التفيؤ- او واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة السجود والاجرام فى أنفسها ايضا صاغرة ذليلة منقادة لافعال الله تعالى- وجمع داخرون بالواو لان من جملتها من يعقل او لان الدخور من أوصاف العقلاء-. وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ من الشمس والقمر والنجوم وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وقيل من دابة بيان لهما لان الدبيب هى الحركة الجسمانية سواء كانت فى ارض او سماء وَالْمَلائِكَةُ عطف على ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ فان المراد بها ما فى السموات من جنسها من الشمس ونحوها وما فى الأرض من جنسها من الدواب واما الملائكة فليست من جنس شيء منهما ومنهم من ليسوا فى السماء ولا فى الأرض كحملة العرش وغيرهم- وقيل خص الملائكة بالذكر تشريفا كعطف جبرئيل على الملائكة- وما يستعمل للعقلاء وغير العقلاء فكان استعمالها حيث اجتمع القبيلتان اولى من استعمال من تغليبا- والمراد بالسجود الانقياد أعم من الانقياد لارادته وتأثيره طبعا والانقياد لتكليفه وامره طوعا ليصح اسناده الى عامة الخلائق حتّى الكفار الذين هم شر الدواب-

_ (1) عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربع قبل الظهر بعد الزوال تحسب بمثلهن من صلوة السحر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من شيء الا وهو يسبح الله تلك الساعة ثم قرا يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ الاية كلها 12 ازالة الخفا- منه رحمه الله

[سورة النحل (16) : آية 50]

وقيل المراد بسجود الأشياء كلها ظهور اثر الصنع فيها بحيث يدعوا الغافلين الى السجود- والاولى ان يقال المراد بالسجود الطاعة والأشياء كلها مطيعة لله عز وجل من حيوان وجماد فانها وان كانت لا تعقل طواعا «1» عندنا لكنها عند الله تعالى مطيعة عاقلة غير خالية عن نوع من الحيوة- قال الله تعالى قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ- وقال الله تعالى وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ- وقال الله يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطت السماء وحق لها ان تأطّ- لكن على هذا التأويل الاية مخصوصة بما عد الكفار من الجن والانس فانها غير مطيعة قال الله تعالى فى اية السجدة فى سورة الحج وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ويدل على هذا التخصيص قوله تعالى وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) عن عبادته. يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ اى يخافونه ان يرسل عليهم عذابا من فوقهم او يخافونه وهو فوقهم اى غالب عليهم بالقهر كقوله وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ- والجملة حال من الضمير المستكن فى لا يستكبرون او بيان له لان من خاف الله لا يستكبر عن عبادته وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) به من الطاعة ما يليق بهم فان هذه الصفات هو عدم الاستكبار والخوف وإتيان الأوامر لا توجد فى الكفار- اللهم الا ان يقال ان كان المراد بالسجود الانقياد العام او ظهور اثر الصنع بحيث يدعوا الى السجود- كان قوله وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ الى آخره بيانا لحال الملائكة خاصة والله اعلم- عن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى ارى ما لا ترون واسمع ما لا تسمعون أطت السماء أطا وحق لها ان تأطّ والّذي نفسى بيده ما فيها موضع اربعة أصابع الا وملك واضع جبهته ساجدا لله ولو الله لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم الى الصعدات تجئرون الى الله- قال ابو ذر يا ليتنى كنت شجرة تعضد- رواه احمد والترمذي وابن ماجة والبغوي-. وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ذكر العدد مع ان المعدود يدل عليه دلالة على ان مساق النهى اليه او ايماء بان الاثنينية ينافى الالوهية كما ذكر الواحد فى قوله إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ للدلالة على ان المقصود اثبات الوحدانية دون الالهية والتنبيه على ان الوحدة من لوازم الالهية فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) فيه التفات

_ (1) وفى الأصل ظواها-

[سورة النحل (16) : آية 52]

من الغيبة الى الخطاب مبالغة فى الترهيب وتصريحا بالمقصود كانه قيل فانا ذلك الإله الواحد فاياى ارهبوا فارهبونى لا غير قرا يعقوب فارهبونى بإثبات الياء والباقون بحذفها. وَلَهُ اى لله المتوحد فى الالهية ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقا فلا يمكن خلق شيء من الأشياء من غيره خلافا للمعتزلة فى افعال العباد- وملكا فلا يتصور الظلم منه لانه هو التصرف فى ملك غيره بغير اذنه- ولا يجوز لاحد تصرف فى شيء من الأشياء الا بإباحته واذنه وَلَهُ الدِّينُ اى الطاعة والإخلاص واصِباً اى دائما ثابتا لا يحتمل سقوطه لانه هو الإله وحده والحقيق بان يرهب منه فحق العباد ان يطيعوه دائما فى جميع الأحوال كما وصف به الملائكة حيث قال لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق رواه احمد والحاكم بسند صحيح عن عمران والحكيم بن عمرو الغفاري وفى الصحيحين وسنن ابى داود والنسائي عن علىّ بلفظ لا طاعة لاحد فى معصية الله انما الطاعة فى المعروف وفى معناه وله الدين ذا كلفة يعنى لا يجوز لاحد تكليف أحد الا باذنه لانه هو المالك لا غير والمالك يتصرف فى ملكه كيف يشاء وليس ذلك لغير المالك الا باذنه- وقيل الدين الجزاء على اعمال العباد دائما لا ينقطع ثوابه لمن أمن ولا ينقطع عقابه لمن كفر- وقيل المراد بالدين العذاب على الكفر ومعنى الواصب المرض والسقم اللازم يقال وصب فلان يوصب إذا توجع- قال الله تعالى وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ وفى حديث عائشة انا وصّبت رسول الله صلى الله عليه وسلم اى مرّضته- قال فى النهاية الوصب دوام الوجع ولزومه ومعنى وصّبته اى دبّرته فى مرضه كمرضته- وفى القاموس الوصب المرض واوصبه الله أمرضه ووصب يصب وصوبا دام وثبت كاوصب ووصب على الأمر واظب واحسن القيام عليه فالمراد بالآية الوعيد لمن اتخذ الهين اثنين يعنى من فعل ذلك فلله العذاب الشديد الدائم أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) استفهام انكار يعنى لا تخاطوا غيره إذ لا ضار سواه كما لا نافع غيره كما قال-. وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ ما اما شرطية او موصولة متضمنة معنى الشرط يعنى اىّ شيء اتصل بكم او الّذي اتصل بكم من عافية او غنى او خصب او غيرها فَمِنَ اللَّهِ

[سورة النحل (16) : آية 54]

اى فهو من الله ومعنى الشرط انما هو باعتبار الاخبار دون الحصول فان استقرار النعمة بهم يكون سببا للاخبار بانها من الله لا حصولها منه فانه مقدم على الاستقرار ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ من مرض او فقر او جدب او غيرها فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ اى لا تتضرعون الا اليه والجواد رفع الصوت فى الدعاء والاستغاثة. ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) فى العبادة غيره وكلمة من للتبعيض ان كان الخطاب عاما وان كان خاصّا بالكفار فمن للبيان كانه قال فاذا فريق وهم أنتم- ويجوز ان يكون من على هذا ايضا للتبعيض على ان بعضهم يعتبرون قال الله تعالى فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ.... - لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ من النعماء خصوصا نعمة الكشف واللام للعاقبة يعنى صار عاقبة أمرهم الكفر بنعماء الله لانهم لما عبدوا غيره فكانّهم اثبتوا الانعام منه فَتَمَتَّعُوا امر تهديد فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) اغلظ وعيد. وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ اى للاصنام الّتي هى جماد لا علم لها فيكون الضمير لما- او المعنى يجعلون لما لا يعلمونها مستحقة للعبادة لا نافعة ولا ضارة بل يسمونها الهة ويقولون جهلا منهم انها الهة تضر وتنفع وتشفع- او لا يعلمون لها حقّا فالضمير الى الكفار والعائد الى ما محذوف وما على التأويلين موصولة- او المعنى يجعلون لجهلهم على ان ما مصدرية والمجعول له محذوف للعلم به يعنى يجعلون لجهلهم للاصنام نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الحرث والانعام فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا ... تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ التفات من الغيبة الى الخطاب يوم القيامة عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) من انها الهة وهو وعيد لهم عليه-. وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ اى يحكمون بثبوت البنات لله تعالى وهم خزاعة وكنانة قالوا الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ تنزيها لذاته اى أسبحه سبحانا من نسبة الولد او تعجب من قولهم وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) يعنى البنين ويجوز فى ما الرفع على الابتداء ولهم خبره والنصب عطفا على البنات على ان الجعل بمعنى الاختيار وعلى هذا ضمير الفاعل والمفعول لشيء واحد لكن لا يبعد تجويزه فى المعطوف وسبحانه

[سورة النحل (16) : آية 58]

حينئذ اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه. وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى اى بولادة الأنثى له ظَلَّ وَجْهُهُ اى صار دوام النهار كله فان النهار زمان الاغتمام والسرور لاجل المذاكرة واختلاط الناس واما الليل فزمان النوم والغفلة مُسْوَدًّا من الكآبة والحياء من الناس واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام وَهُوَ كَظِيمٌ (58) ممتلى حزنا وغيظا فهو يكظمه اى يمسكه ولا يظهره. يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ اى يستخفى من قومه مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ اى من أجل سوء المبشر به مترددا فيما يفعل به أَيُمْسِكُهُ اى يبقيه حيّا عَلى هُونٍ ذل أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أم يخفيه فيه ويدفنه وتذكير الضمير نظرا الى لفظة ما- قال البغوي ان مضر وخزاعة وتميما كانوا يدفنون البنات احياء خوفا من الفقر عليهن وطمع غير الأكفاء فيهن- وكان الرجل من العرب إذا ولدت له بنت وأراد ان يستحييها ألبسها جبة من صوف او شعر ترعى له الإبل والغنم فى البادية- وإذا أراد ان يقتلها تركها حتّى إذا صارت سداسية قال لامها زيّنها حتّى اذهب بها الى اجمائها وقد حفر لها بئرا فى الصحراء فاذا بلغ بها البئر قال لها انظري الى هذا البئر فيدفعها من خلفها فى البئر ثم يهيل على راسها التراب حتّى يستوى البئر بالأرض- وكان صعصعة جد الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجّه الى والد البنت ابلا يحييها بذلك فقال الفرزدق مفتخرا شعر وجدي الّذي منع الوائدات ... فاحيا الوئيد فلم يؤد أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) حيث يجعلون لمن هو متعال عن الولد أسوأ الفريقين ولا يختارون ذلك لانفسهم ويختارون لانفسهم الذكور نظيره قوله تعالى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى.... لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ اى الذين يصفون لله البنات مَثَلُ السَّوْءِ اى صفة السوء وهى الحاجة الى الولد لبقاء النسل بعد موته واستبقاء الذكور استظهارا بهم وكراهية الإناث ووأدهن خشية إملاق وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق وانه لا اله الا هو والاتصاف بجميع صفات الجلال والكمال من العلم والقدرة والبقاء وغيرها والتنزه عن صفات المخلوقين- قال ابن عباس مثل السوء النار ومثل الأعلى شهادة ان لا اله الا الله وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)

[سورة النحل (16) : آية 61]

المتفرد بكمال القدرة والحكمة-. وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ اى يعاجل بالعقوبة النَّاسَ اللام للعهد والمراد بهم الكفار بقرينة المؤاخذة واضافة الظلم إليهم فى قوله بِظُلْمِهِمْ اى بكفرهم وعصيانهم وعبارة البيضاوي تشعر بان المراد بالناس كلهم حيث قال ولا يلزم من عموم الناس واضافة الظلم إليهم ان يكون كلهم ظالمين حتّى الأنبياء عليهم السلام لجواز ان يضاف إليهم لما شاع فيهم وصدر عن أكثرهم- قلت ويلزم على هذا ان يؤاخذ الناس كلهم بظلم أكثرهم وهذا مردود بقوله تعالى لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ... ما تَرَكَ عَلَيْها اى على الأرض كناية عما دلّ عليه لفظ الناس والدابة مِنْ دَابَّةٍ اما ان يكون المراد به من دابه ظالمة كما ذكر صاحب المدارك عن ابن عباس- او يكون المراد من دابة من دواب الأرض غير المؤمنين الصالحين- فانه لا يجوز ان يهلك المؤمنون بظلم الظالمين وذنبهم- الا إذا تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فحينئذ يعذبون معهم لرضائهم بذنبهم او لتركهم ما وجب عليهم- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الناس إذا راوا منكرا فلم يغيروه يوشك ان يعمهم الله بعقابه- رواه ابن ماجة والترمذي وصححه من حديث ابى بكر الصديق وروى ابو داود وجرير بن عبد الله بمعناه- واما غير المؤمنين الصالحين من دواب الأرض فجاز ان يهلك بذنب ابن آدم تبعا لهم لان خلقتها تبع لخلقة الإنسان ونفع وجودها يعود إليهم- حيث قال الله تعالى خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً- قال قتادة فى هذه الاية ان الله تعالى قد فعل ذلك فى زمن نوح فاهلك من على الأرض الا من كان فى سفينة نوح عليه السلام- وروى البيهقي عن ابى هريرة انه سمع رجلا يقول ان الظالم لا يضر الا نفسه قال ابو هريرة بلى والله حتّى الحبارى لتموت فى وكرها هزلا بظلم الظالم- واخرج ابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والبيهقي فى شعب الايمان عن ابن مسعود قال ان الجعل تعذب فى جحرها بذنب ابن آدم- وقيل معنى الاية لواخذ الله اباء الظالمين بظلمهم انقطع النسل ولم يوجد الأبناء فلم يبق فى الأرض أحد ومن أجل ذلك لم يدع نوح على قومه حتّى علم بالوحى ان الله تعالى ان يذرهم لا يَلِدُوا

[سورة النحل (16) : آية 62]

إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً ... وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ اى يمهل الظّالمين بحلمه إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى سماه لاعمارهم او لعذابهم كى يتوالدوا فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً بعد بلوغ الاجل وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) الآجال عطف على إذا جاء. وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ لانفسهم من البنات والشركاء فى الرياسة والاستخفاف بالرسل واراذل الأموال وَتَصِفُ اى تقول أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ مع ذلك أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى منصوب على انه بدل من الكذب قال يمان يعنى بالحسنى الجنة فى المعاد- وذلك انهم كانوا يقولون نحن فى الجنة ان كان محمّد صادقا فى البعث لا جَرَمَ حقّا ولا محالة وقال البغوي قال ابن عباس بلى قلت هذا على ما قيل ان لا فى لا جرم رد لما سبق وكان فيما سبق زعمهم ان لهم الحسنى ومقتضى ذلك انهم لا يدخلون النار فرد الله قولهم أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) قرا نافع بكسر الراء مخففا من الافراط فى المعاصي فى القاموس مفرطون اى مجاوزون لما حدّ لهم وقال البغوي المسرفون- وقرا ابو جعفر بكسر الراء والتشديد من التفريط بمعنى التقصير والتضييع اى المقصرون فى الطاعات والمضيعون لامر الله والباقون بفتح الراء مخففا- قال فى القاموس اى منسيون متروكون فى النار او مقدمون معجلون إليها- قال البغوي قال ابن عباس منسيون فى النار- وقال مقاتل متروكون فى النار- وقال قتادة معجلون الى النار- وقال الفراء مقدمون الى النار ومنه قوله صلى الله عليه وسلم انا فرطكم على الحوض اى مقدمكم- وقال سعيد بن جبير مبعدون-. تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا رسلا من الناس إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ كما أرسلناك الى هذه الامة فَزَيَّنَ لَهُمُ اى للامم اى لاكثرهم الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ الخبيثة من الإشراك بالله وتكذيب الرسل فاصروا عليها فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الضمير لكفار قريش لان سوق الكلام فيهم والولي الناصر والقرين يعنى الشيطان قرين لهؤلاء يزيّن لهم أعمالهم الخبيثة الْيَوْمَ كما كان يزيّن لمن كان قبلهم ناصرا لهم فى معاداة المؤمنين وجاز ان يكون الضمير للامم السابقة على انه حكاية حال ماضية يعنى فالشيطان

[سورة النحل (16) : آية 64]

كان وليهم فى الدنيا حين كان يزيّن لهم- وجاز ان يكون المراد باليوم يوم القيامة والكلام حكاية حال اتية والمعنى فالشيطان قرين لهم يوم القيامة فى الأصفاد- او المعنى فالشيطان ناصر لهم يوم القيامة يعنى لا ناصر لهم غيره وهو عاجز عن نصر نفسه فكيف ينصرهم- فهو نفى الناصر لهم على ابلغ الوجوه- وجاز ان يقال بحذف المضاف تقديره فهو ولى أمثالهم من الكفار اليوم يعنى كفار قريش وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) يوم القيامة. وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ اى للناس الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ من التوحيد والصفات والقدر واحوال المعاد وافعال العباد واحكام الله تعالى وَهُدىً من الضلالة وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) معطوفان على محل لتبيّن منصوبان على العلية لكونهما فعلان لفاعل أنزلنا بخلاف لتبيّن لانه فعل المخاطب. وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ اى نباتها يعنى جعلها خضرا ناميا بَعْدَ مَوْتِها اى يبسها وانخلاعها عن الروح النباتي إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً على جواز البعث لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) سماع تدبر وانصاف-. وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً دلالة يعتبر بها من الجهل الى العلم نُسْقِيكُمْ قرا نافع وابن عامر وابو بكر ويعقوب هاهنا وفى المؤمنين بفتح النون من المجرد والباقون «1» بضمها من الافعال وهما لغتان مِمَّا فِي بُطُونِهِ استيناف لبيان العبرة ذكّر الضمير ووحده هاهنا نظرا الى اللفظ وانثه فى المؤمنين نظرا الى المعنى لان الانعام اسم جمع لفظه مفرد عدّه سيبويه فى المفردات المبنية على افعال كاخلاق وأكباش كذا قال الفراء وابو عبيدة والأخفش- ان النعم والانعام واحد يذكر ويؤنث فمن انث فلمعنى الجمع ومن ذكر فلحكم اللفظ- وقال الكسائي رده الى ما يعنى فى بطون ما ذكرنا وقال المؤرخ الكناية راجعة الى البعض فان اللبن لبعضها دون جميعها وقيل المراد به الجنس مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وهو ما فى الكرش من السفل فاذا خرج منه لا يسمى فرثا وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً من الدم والفرث ليس عليه لون دم ولا رائحة فرث مع كونه متولدا منهما سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) اى سهل المروي فى الحلق قال

_ (1) غير ابى جعفر فانه قرا بالتاء المفتوحة- ابو محمّد

[سورة النحل (16) : آية 67]

البغوي قال ابن عباس رضى الله عنهما إذا أكلت الدابة العلف فاستقر فى كرشها وطحنته فكان أسفله الفرث وأوسطه اللبن وأعلاه الدم- والكبد مسلطة عليها يقسمها بتدبير الله فيجرى الدم فى العروق واللبن فى الضروع ويبقى الفرث كما هو- قال البيضاوي لعل المراد ان أوسطه تكون مادة اللبن وأعلاه مادة الدم الّذي يغذى البدن- وقال الكبد يجذب صفاوة الطعام المنهضم فى الكرش ويبقى ثفله ثم يمسكها ثم يهضمها هضما ثانيا فيحدث اخلاط اربعة معها مائية- فيميز القوة المميزة المائية بما زاد على قدر الحاجة فيدفعها الى الكلية والمرارة والطحال- ثم يوزع الباقي على الأعضاء فيجرى الى كل حقه على ما يليق به بتقدير الحكيم العليم- ثم ان كان الحيوان أنثى زاد أخلاطها على قدر غذائها لاستيلاء البرودة والرطوبة على المزاج فيندفع الزائد اولا الى الرحم لاجل الجنين- فاذا انفصل انصبت ذلك الزائد او بعضه الى الضروع فيبيض بمجاورة لحومها العذبة البيض فيصير لبنا- ومن تدبر صنع الله تعالى فى احداث الاخلاط والألبان واعداد مقارّها ومجاريها والأسباب المولدة لها والقوى المتصرفة فيها كل وقت على ما يليق اضطر الى الإقرار بكمال حكمته وتناهى رحمته- ومن الاولى تبعيضية لان اللبن بعض ما فى بطونها- والثانية ابتدائية كقولك سقيت من الحوض لان بين الفرث والدم المحل الّذي يبتدا منه الاسقاء وهى متعلقة بنسقيكم او حال من لبنا قدمت عليه لتنكيره والتنبيه على انه موضع العبرة-. وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ اى عصيرهما متعلق بمحذوف اى ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب وقوله تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً استيناف لبيان الاسقاء او هو متعلق بتتخذون ومنه تكرير الظرف تأكيدا- او من ثمرات النخيل خبر لمحذوف صفته تتخذون تقديره ومن ثمرات النخيل والأعناب ثم تتخذون منه- وتذكير الضمير على الوجهين الأولين لانه للمضاف المحذوف الّذي هو العصير او لان الثمرات بمعنى الثمر- والسّكر اسم لما يكون منه السّكر او هو مصدر سمى به الخمر- قال فى القاموس سكر كفرح سكرا وسكرا وسكرا وسكرا وسكرانا نقيض صحا والسّكر محركة الخمر ونبيذ يتخذ من التمر

[سورة النحل (16) : آية 68]

والكشوث وكل ما يسكرو ما حرم من ثمره والخل والطعام- قال صاحب الهداية السّكر هو الّتي من ماء التمر اى الرطب- قال شريك بن عبد الله انه مباح بهذه الاية فان الله تعالى امتن علينا به وهو بالمحرم لا يتحقق ولنا اجماع الصحابة رضى الله عنهم على تحريمه والاية محمولة على الابتداء وكانت الاشربة مباحة كلها يعنى فى ابتداء الإسلام انتهى كلامه- وقال البغوي قال قوم السّكر الخمر والرزق الحسن الخل والربّ والتمر والزبيب قالوا وهذا قبل تحريم الخمر والى هذا ذهب ابن مسعود وابن عمرو سعيد بن جبير والحسن ومجاهد- وقال روى عن ابن عباس قال السكر ما حرّم من ثمرها والرزق الحسن ما احلّ- وقال ابو عبيدة السكر الطعم يقال هذا سكر لك اى طعم لك- وقال الشعبي السكر ما شربت والرزق الحسن ما أكلت- وروى العوفى عن ابن عباس ان السّكر هو الخل بلغة الحبشة- وقال بعضهم السّكر هو بلغة الحبشة النبيذ المسكر هو نقيع التمر والزبيب إذا اشتدوا لمطبوخ من العصير وهو قول الضحاك والنخعي- ومن يبيح شرب النبيذ ومن حرّمه يقول المراد الاخمار لا الاحلال واولى الأقاويل ان قوله تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً منسوخ انتهى كلام البغوي- وقال البغوي فى موضع اخر وجملة القول ان الله انزل فى الخمر اربع آيات نزلت بمكة وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً فكان المسلمون يشربونها وهى حلال لهم يومئذ ثم نزلت فى المدينة يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ثم نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى واخر الآيات نزولا ما فى المائدة وقد ذكرنا قصة نزول الآيات الاربعة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ... إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) اى يستعملون عقولهم بالنظر والتأمل فى الآيات-. وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ اى ألهمها وقذف فى قلوبها أَنِ اتَّخِذِي ان مفسرة لان فى الوحى معنى القول مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) قرا ابن عامر وأبو بكر بضم الراء والباقون بكسرها اى مما يجعلونه سقفا للبيت يستظل به او يجعل للكرم واصل العرش السقف وذكر بحرف التبعيض لانه لا يبنى فى كل جبل وكل شجرة وكل سقف او كرم ولا فى مكان منها- وانما سمى ما تبنيه

[سورة النحل (16) : آية 69]

للعسل بيتا تشبيها ببناء الإنسان لما فيه من حسن الصنعة وصحة القسمة الّتي لا يقوى عليها حذاق المهندسين ولعل ذكره للتنبيه على ذلك. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ اللام للجنس اى من كل ثمرة تشتهيها وتتيسر لها مرها وحلوها وليس معنى الكل الاستغراق فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ يعنى كونى سالكة فى الطرق الّتي ألهمك ربك وأفهمك فى عمل العسل او إذا أكلت الثمار فى المواضع البعيدة من بيوتك فاسلكى راجعة الى بيوتك سبل ربك لا تضلينى او فاسلكى يعنى ادخلى ما أكلت فى مسالك الّتي يستحيل فيها بقدرته النّور عسلا من اجوافك ذُلُلًا جمع ذلول حال من السبل اى مذلّلة ذلّلها الله وسهلها لك او حال من الضمير فى اسلكى يعنى فاسلكى أنت منقادة لامر ربك- ويقال ان أربابها ينقلونها من مكان الى مكان ولها يعسوب إذا وقف وقفت وإذا سار سارت يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها فيه التفات من الخطاب الى الغيبة كانه عدل به عن خطاب النحل الى خطاب الناس لانه محل الانعام عليهم والمقصود من خلق النحل والهامة انتفاعهم شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ابيض واحمر واصفر واخضر فِيهِ اى فى ذلك الشراب شِفاءٌ لِلنَّاسِ وقال مجاهد فيه اى فى القران شفاء والظاهر هو الاول ولفظ الاية يشعر ان فى العسل شفاء ولو فى الجملة ولو فى بعض الأمراض لكونها نكرة وسياق الكلام يقتضى نوعا من التعميم والا فما من شيء من الأشياء الا وفيه شفاء لبعض الأمراض حتّى السموم فانها تستعمل فى الادوية فيقال التنوين للتعظيم والمعنى فيه شفاء عظيم للناس يعنى فى اكثر الأمراض واكثر الأوقات ويؤيده حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالشفاءين العسل والقران رواه ابن ماجة والحاكم بسند صحيح فان هذا الحديث يدل على كونه شفاء غالبا- وذكر البغوي قول ابن مسعود ان العسل شفاء من كل داء والقران شفاء لما فى الصدور فكانّه فهم ابن مسعود من الحديث المرفوع التعميم فقال البيضاوي ان العسل شفاء اما بنفسه كما فى الأمراض البلغمية او مع غيره كما فى سائر الأمراض إذ قل ما يكون معجون الا والعسل جزء منه- وما فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري انه جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان

[سورة النحل (16) : آية 70]

أخي استطلق بطنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقه عسلا فسقاه ثم جاء فقال انى سقيته فلم يزده الا استطلاقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الله وكذب بطن أخيك فسقا فبرئ يدل على كونه شفاء منفردا فيقال انه من شربه منفردا بحسن النية لاىّ مرض كان شفاه الله تعالى ان شاء الله تعالى كذا قال السيوطي إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) فان من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والافعال العجيبة حق تدبر علم قطعا انه لا بد له من قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه-. وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ صبيانا او شبانا او كهولا او شيوخا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ اى اخسّه وهو الهرم قال قتادة أرذل العمر تسعون سنة- وروى عن على عليه السلام انه قال أرذل العمر خمس وسبعون سنة وقيل ثمانون وقد كان فى دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم انى أعوذ بك من سوء العمر وفى رواية من ان اردّ الى أرذل العمر ونحو ذلك روى فى الصحيحين وغيرهما لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً اى ينسى معلوماته كلها فيصير له حالة مشابهة بحال الأطفال فى عدم العلم وسوء الفهم قال عكرمة من قرا القران لم يصر بهذه الحالة إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بمقادير أعمارهم قَدِيرٌ (70) على كل شيء يميت الشاب القوى ويبقى الهرم الفاني وفيه تنبيه على ان تفاوت احوال الناس ليس الا بتقدير قادر حكيم عليم ولو كان ذلك مقتضى الطباع لم يبلغ التفاوت هذا المبلغ-. وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فمنكم غنى ومالك وملك ينفق ألوف آلاف ومنكم مملوك او عسكرى او فقير لا يقدر على شيء فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا يعنى الأغنياء والملاك بِرَادِّي رِزْقِهِمْ اى معطى فضل رزقهم الّذي أعطاهم الله عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ اى مماليكهم فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ يعنى حتّى يستوواهم وعبيدهم فى ذلك فهذه جملة اسمية وقعت فى موضع الجواب للنفى كانه قيل فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فيستووا فى الرزق فهو رد وانكار على المشركين حيث يشركون بالله بعض مخلوقاته

[سورة النحل (16) : آية 72]

فى الالوهية مع عدم صلاحيتهم لان يشاركوه فى شيء من الأشياء بوجه من الوجوه ولا يرضون ان يشاركهم عبيدهم فيما أنعم الله عليهم فيساويهم فيه مع ان مماليكهم من جنسهم مرزوقين الله تعالى- وجاز ان يكون المعنى ما هم برادّى رزقهم يعنى رزق أنفسهم على ما ملكت ايمانهم بل كل ما يردّون على المماليك من الرزق فهو رزق لمماليكهم جعله الله تعالى فى أيديهم فهم فيه سواء- يعنى ان الموالي والمماليك سواء فى ان الله رزقهم جميعا فالجزاء لازمة للجملة المتقدمة او مقرر لها أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) حيث يتخذون له شركاء فانه يقتضى ان يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم وجحود كونها من عند الله او حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعد ما أنعم الله عليهم بايضاحها والباء لتضمن الجحود معنى الكفر- قرا ابو بكر بالتاء الفوقانية للخطاب لقوله وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ والباقون بالتحتانية لقوله فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ-. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ اى من جنسكم أَزْواجاً لتستأنسوا بها وليكون أولادكم مثلكم- وقيل معناه خلق حواء من آدم وسائر النساء من نطف الرجال والنساء وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وهم أولاد الأولاد او المسرع فى الخدمة يعمهم قال فى القاموس حفد يحفد حفد او حفدا ناخف فى العمل واسرع كاحتفد وخدم والحفدة محركة الخدم والأعوان جمع حافد- وحفدة الرجل أولاد أولاده كالحفيد والاصهار والبنات- قال البغوي قال ابن مسعود والنخعي الحفدة يعنى فى الاية الأختان على بناته وعن ابن مسعود ايضا انهم الاصهار فيكون معنى الاية على هذا القول وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وبنات تزوجوهن فيحصل بسببهن الأختان والاصهار- وقال عكرمة والحسن والضحاك هم الخدم- وقال مجاهدهم الأعوان- وقال عطاءهم ولد الرجل الذين يعينونه ويخدمونه- قلت فالمراد فى الاية بالحفدة على هذه الأقوال هم البنون أنفسهم والعطف لتغائر الوصفين كذا قال البيضاوي احدى التأويلات- وقال مقاتل والكلبي البنين الصغار والحفدة كبار الأولاد الذين يعينونه على عمله-

[سورة النحل (16) : آية 73]

وقال قتادة مهنة يمتهنونكم ويخدمونكم من أولادكم وروى مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس انهم ولد الولد وروى العوفى عنه انهم بنوا امرأة الرجل ليسوا منه يعنى الربائب قلت لعل ذلك التسمية لاجل ان الرجل ان ربى أولاد غيره يستخدمهم مالا يستخدم من أولاده وقال البيضاوي احدى التأويلات ان المراد بالحفدة فى الاية البنات إذ البنات يخد من فى البيوت أتم خدمة وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ من اللذائذ او من الحلالات ومن للتبعيض فان المرزوق فى الدنيا أنموذج منها أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ حيث يقولون الأصنام ينفعهم وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) حيث أضافوا نعمته الى الأصنام- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى انّى والجن والانس فى نبا عظيم اخلق ويعبد غيرى وارزق ويشكر غيرى- وتقديم الصلة على الفعل لايهام التخصيص مبالغة ولمحافظة الفواصل وقيل الباطل ما أمرهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة يؤمنون به وبنعمة الله اى بالطيبات من الرزق الّتي أحل الله لهم يكفرون ويجحدون تحليله وقيل الباطل الشيطان ونعمة الله محمّد صلى الله عليه وسلم. وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى من مطر ونبات شَيْئاً قال الأخفش هو بدل من الرزق والمراد به المرزوق والمعنى لا يملكون من المرزوقات شيئا قليلا ولا كثيرا وقال الفراء رزقا مصدر وشيئا منصوب به على المفعولية وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) ان يتملكوه او لا استطاعة لهم أصلا وجمع الضمير فيه وتوحيده فى لا يملك نظرا الى لفظة ما ومعناه ويجوز ان يعود الضمير الى الكفار يعنى لا يستطيع هؤلاء الكفار مع كونهم احياء فكيف بالجمادات-. فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ فان ضرب المثل تشبيه حال بحال وأنتم لا تعرفون الله تعالى ولا تعلمون صفاته ولا ما يجوز وصفه به وما لا يجوز فكيف يصح منكم ضرب المثل وقياسكم عليه فى هذا المقام باطل لكونه قياسا للغائب على الشاهد ومن غير جامع إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ضرب الأمثال وكنه الأشياء وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74)

[سورة النحل (16) : آية 75]

كنه الأشياء او المعنى انه تعالى يعلم خطاء ما تضربون من الأمثال وفساد ما تقولون عليه بالقياس كقولهم عبادة عبيد الملك ادخل فى التعظيم من عبادته ويعلم عظم جرمكم فيما تفعلون وأنتم لا تعلمون ذلك ولو علمتموه لما جرأتم عليه فهو تعليل للنهى. ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لنفسه ولمن عبد دونه عَبْداً بدل من مثلا مَمْلُوكاً احتراز عن الحر فانه ايضا عبد الله لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ احتراز عن المكاتب والمأذون وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً من موصولة لكونه معطوفا على عبد قسيم له فالمعنى وحرّا غنيّا كثير المال فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً مثّل ما يشرك به بالملوك العاجز عن التصرف رأسا ومثّل نفسه بالحر الغنى السخي ينفق ما يشاء كيف يشاء واحتج بهذا على امتناع الإشراك والتسوية بين الأصنام الّتي هى أعجز المخلوقات وبين الله الغنى القادر هَلْ يَسْتَوُونَ جمع الضمير ولم يقل يستويان لانه للجنسين فان المعنى هل يستوى الأحرار والعبيد الْحَمْدُ لِلَّهِ يعنى الحمد كله لله تعالى لا يستحقه غيره فضلا عن استحقاق العبادة لانه مولى النعم كلها دون غيره بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) فيضيفون نعمة الله الى غيره فيعبدونه لاجلها- وقيل قوله عبدا مّملوكا لا يقدر مثل للكافر حيث لم يقدّر الله تعالى له ان يقدم خيرا او ينفق شيئا فى سبيل الله فهو العاجز ومن رزقنه الى آخره مثل للمؤمن المنفق- روى ابن جريج عن عطاء عبدا مّملوكا اى ابو جهل ومن رزقنه رزقا حسنا ابو بكر رضى الله عنه الحمد لله الّذي ميّز المحق من المبطل بل أكثرهم لا يعلمون-. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ ولد اخرس لا يفهم ولا يتكلم لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ من الصنائع والتدابير لنقصان عقله وَهُوَ كَلٌّ ثقيل ووبال عَلى مَوْلاهُ اى على من يلى امره أَيْنَما يُوَجِّهْهُ حيثما يرسله مولاه فى امر لا يَأْتِ بِخَيْرٍ اى لا ينجح لعامة مهمّه فهو مثل للصنم لا يسمع ولا ينطق ولا يعقل وهو كل على عابده يحتاج الى ان يحمله ويضعه وهو لا ينفعه أصلا هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ اى هو سليم فهيم منطيق ذو كفاية ورشد ينفع الناس يحثهم على العدل الشامل لجميع الفضائل

[سورة النحل (16) : آية 77]

وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وهو فى نفسه على طريق مستقيم لا يتوجه الى مطلب الّا يبلغه بأقرب ما ينبغى- هذا مثل ضربه تعالى لنفسه- وقيل من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقيل كلا المثلين للمؤمن والكافر يرويه عطاء عن ابن عباس- وقال عطاء فى هذه الاية الأبكم أبيّ بن خلف ومن يأمر بالعدل حمزة وعثمان بن عفان وعثمان بن مظعون وقال مقاتل نزلت فى هاشم بن عمرو بن الحارث من ربيعة القرشي كان قليل الخير يعادى رسول الله صلى الله عليه وسلم- واخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً قال نزلت فى رجل من قريش وعبده وفى قوله رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ قال نزلت فى عثمان ومولى له كافر وهو أسيد بن ابى العيص كان يكره الإسلام ويأباه وينهاه عن الصدقة والمعروف-. وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى لا يعلم الغيب أحد غيره تعالى الا بتعليمه وقد ذكرنا شرح الغيب والشهادة فى تفسير سورة الجن وَما أَمْرُ السَّاعَةِ اى امر قيام الساعة فى سرعته وسهولته إذا أراد الله تعالى إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ فى القاموس لمنح كمنع اختلاس النظر قلت فمعناه كاختلاس البرق البصر وقال البيضاوي الا كرجع الطرف من أعلى الحديقة الى أسفلها ضرب الله تعالى به المثل لانه لا يعرف زمان اقل منه فى العرف ثم قال أَوْ هُوَ أَقْرَبُ يعنى بل هو اقرب فانه تعالى محى الخلائق دفعة إذا قال له كن فيكون وما يوجد دفعة كان فى ان غير ممتد إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) يقدر ان يحى الخلائق دفعة كما قدر ان أحياهم فى الدنيا متدرجا- قال البغوي نزلت الاية فى الكفار الذين استعجلوا القيامة استهزاء ثم دل على قدرته فقال. وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ قرا الكسائي بكسر الهمزة على لغة او اتباعا لما قبلها وحمزة بكسرها وكسر الميم والباقون بضم الهمزة وفتح الميم- والهاء زائدة كما فى اهراق لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً جهّالا مستصحبين جهل الجمادية وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ اى الاسماع وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ اداة

[سورة النحل (16) : آية 79]

تتعلّمون بها فتحسّون بمشاعركم جزئيات الأشياء فتدركونها ثم تنبهون بقلوبكم لمشاركات ومبائنات منها بتكرير الاحساس حتّى يتحصل لكم بعض العلوم البديهية وتتمكنوا من تحصيل العلوم الكسبية بالنظر فيها لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) كى تعرفوا ما أنعم الله عليكم طورا بعد طور فتشكرونه. أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ قرا ابن عامر ويعقوب وحمزة بالتاء الفوقانية لتغليب الخطاب على الغيبة والباقون بالتحتانية لقوله تعالى يعبدون مُسَخَّراتٍ مذلّلات للطيران بما خلق لها من الاجنحة والأسباب المواتية فِي جَوِّ السَّماءِ وهو الهواء بين السماء والأرض قال البغوي روى عن كعب الأحبار ان الطير يرتفع فى الهواء اثنا عشر ميلا ولا يرتفع فوق ذلك ما يُمْسِكُهُنَّ فى الهواء إِلَّا اللَّهُ بقدرته فان ثقل جسدها يقتضى سقوطها ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها إِنَّ فِي ذلِكَ اى فى تسخير الطير بان خلقها خلقة يمكن معه الطيران فى الجو وأمسكها فى الهواء على خلاف طبعها لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) لانهم هم المنتفعون بها-. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ الّتي بنى من الحجر والمدر سَكَناً اى موضعا تسكنون فيه وقت اقامتكم فعل بمعنى مفعول وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً يعنى خياما واخبية والقنات من الادم ويجوز ان يتناول المتخذ من الوبر والصوف والشعر فانها من حيث انها ثابتة على جلودها منها تَسْتَخِفُّونَها اى تجدونها خفيفة فى الحمل والثقل يَوْمَ ظَعْنِكُمْ اى رحلتكم فى سفركم قرا ابن عامر والكوفيون بسكون العين والباقون بفتحها وهما لغتان وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ اى وقت الحضر او النزول وَمِنْ أَصْوافِها اى أصواف الانعام من الضأن وَأَوْبارِها من الإبل وَأَشْعارِها من المعز واضافتها الى الانعام لانها من جملتها أَثاثاً وهو متاع البيت من الفرش والاكسية واللباس لا واحد له او المال اجمع كذا فى القاموس وَمَتاعاً ما يتجربه إِلى حِينٍ (80) الى مدة أراد الله تعالى بقاءها. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ من الشجر والجبل والابنية وغيرها ظِلالًا تتقون بها حر الشمس وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً اى مواضع تستترون بها وتسكنون فيها من الكهوف

[سورة النحل (16) : الآيات 82 إلى 83]

والبيوت المنحوتة فيها جمع كن وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ اى قمصا من القطن والصوف والكتان والقز تَقِيكُمُ الْحَرَّ اى والبرد خص أحد الضدين بالذكر والمراد كلاهما لدلالة الكلام على الاخر وَسَرابِيلَ من حديد او قز او غير ذلك تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ من السلاح ان يصيبكم فى الحرب كَذلِكَ يعنى كما أتم عليكم النعماء المذكورة يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ حيث أرسل إليكم رسوله وأيده بالمعجزات وانزل عليكم كتابه وأوضح لكم الحجة وأعز الإسلام لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) لكى يسلم اكثر الناس ويخلصون لله الطاعة قال عطاء الخراسانى انما نزل القران على قدر معرفتهم فقال وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وما جعل لهم من السهول أعظم واكثر لكنهم كانوا اصحاب جبال كما قال وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها لانهم كانوا اصحاب وبر وشعر وصوف كما قال وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ وما انزل من الثلج اكثر لكنهم كانوا لا يعرفون الثلج وقال تَقِيكُمُ الْحَرَّ وما تقى من البرد اكثر ولكنهم كانوا اصحاب حر. فَإِنْ تَوَلَّوْا اى اعرضوا عن الإسلام ولم يقبلوا منك فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يعنى ان تولوا فلا تهتم ولا تك فى ضيق لانه ما عليك ان يؤمنوا انما عليك البلاغ وقد بلّغت كمال الإبلاغ أقيم السبب مقام المسبب- اخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد ان اعرابيّا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فساله فقرا عليه وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً قال الاعرابى نعم قال وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ قال نعم ثم قرا كل ذلك يقول نعم حتّى بلغ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ فولى الاعرابى فانزل الله تعالى فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ الّتي عدها عليهم وغيرها حيث يعترفون بها وبانها من عند الله ثُمَّ يُنْكِرُونَها حيث اعرضوا عن عبادة الله مخلصين له الدين حنفاء غير مشركين- وقال السدىّ يعرفون نعمة الله يعنى نبوة محمّد صلى الله عليه وسلم عرفوها بالمعجزات ثم أنكروها عنادا ومعنى ثم استبعاد الإنكار بعد المعرفة- قال البغوي قال مجاهد وقتادة يعرفون ما عدّ عليهم من النعم فى هذه السورة ثم إذا قيل لهم تصدقوا وامتثلوا امر الله فيها ينكرونها

[سورة النحل (16) : آية 84]

ويقولون ورثناها من ابائنا وقال الكلبي هو انه إذا ذكر لهم هذه النعم قالوا نعم هذه كلها من الله ولكنها بشفاعة الهتنا- وقال عون بن عبد الله هو قول الرجل لولا فلان لكان كذا لولا فلان لما كان كذا وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83) بعد الاعتراف بالنعماء عنادا- وذكر الأكثر اما لان بعضهم لم يعرف الحق لنقصان العقل او التفريط فى النظر اولم يقم عليه الحجة لانه لم يبلغ حد التكليف واما لانه قال الأكثر وأراد به الكل-. وَيَوْمَ نَبْعَثُ تقديره اذكر او خوّفهم او يحيق بهم ما يحيق يوم نبعث مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً وهو رسولها يشهد عليهم ولهم بالكفر والايمان ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا فى الاعتذار إذ لا عذر لهم وقيل فى الكلام مطلقا وقيل فى الرجوع الى الدنيا وثم لزيادة ما يحيق بهم من شدة المنع عن الاعتذار لما فيه من الاقناط الكلى بعد شهادة الرسل عليهم وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) اى ولا هم يسترضون يعنى لا يطلب منهم رضاء ربهم إذ لا يمكن ذلك حينئذ فان الاخرة ليست بدار التكليف ولا يرجعون الى الدنيا حتّى يتوبوا ويعملوا موجبات مرضاته تعالى. وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ عذاب جهنم فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ اى العذاب بعد الدخول وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) اى لا يمهلون قبل الدخول. وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ أوثانهم قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ أربابا نعبدهم او نطيعونهم وهو اعتراف بانهم كانوا مخطئين فى ذلك- او التماس بان ينصّف عذابهم فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ اى قالوا لهم يعنى أوثانهم ينطقهم الله إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) فى انهم شركاء الله- او فى انهم عبدوهم حقيقة بل انما عبدوا أهواءهم وحاصل قولهم انا ما دعوناكم الى عبادتنا نظيره قوله تعالى سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ او فى انهم حملوهم على الكفر والزموهم إياه كقوله وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي.... وَأَلْقَوْا يعنى الذين ظلموا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ الاستسلام لحكمه بعد الاستكبار فى الدنيا وَضَلَّ اى ضاع وبطل عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (87) من انها يشفع لهم. الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا

[سورة النحل (16) : آية 89]

الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بالمنع عن الإسلام والحمل على الكفر زِدْناهُمْ عَذاباً بصدهم فَوْقَ الْعَذابِ المستحق بكفرهم قال عبد الله بن مسعود عقارب لها أنياب أمثال النخل الطوال- اخرج ابن مردوية عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه- وقال سعيد بن جبير حيّات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال تلسع إحداهن اللسعة يجد صاحبها حمتها أربعين خريفا- وقال ابن عباس ومقاتل يعنى خمسة انهار من صفر مذاب كالنار تسيل من تحت العرش يعذبون بها ثلاثة على مقدار الليل واثنان على مقدار النهار- وقيل انهم يخرجون من حر النار الى الزمهرير فيبادرون من شدة الزمهرير الى الدار مستغيثين بها بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (88) فى الدنيا بالكفر والصدّ. وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعنى نبيهم فان نبى كل امة بعث منهم وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ على أمتك وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ استيناف او حال بإضمار قد تِبْياناً بيانا بليغا لِكُلِّ شَيْءٍ مفصلا او مجملا كما فى قوله تعالى ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ... وَمَنْ ... يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وقوله تعالى فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ ... وَهُدىً من الضلالة وَرَحْمَةً للجميع وانما حرم من حرم من تقصيره وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) خاصة. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ لفظ العدل يقتضى المساوات ومنه يقال للفدية والجزاء عدلا باعتبار معنى المساوات ومنه قوله تعالى أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً وأَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ يعنى تسووا بينهن فى كل شيء فمعنى الاية إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ اى بالمساوات فى المكافاة ان خيرا فخيرا وان شرّا فشرّا- والإحسان ان يقابل الخير بأكثر وأفضل منه والشر باقل وأسهل منه وبالمساوات بين المدعى والمدعى عليه إذا حكم بينهما يعنى لا يميل الى أحدهما بل يسوى بينهما ويحكم بما قضى الله تعالى- قلت او المراد بالعدل الاستقامة على الحق ضد الجور وهو الميلان عن الحق فى القاموس العدل ضد الجور وما قام فى النفوس انه مستقيم- وقيل المراد بالعدل التوسط بين الأمور كالتوحيد المتوسط بين التعطيل

والتشريك- والقول بالكسب المتوسط بين الجبر والقدر- والتعبد بالواجبات والنوافل بحيث لا يفوّت حقّا من حقوق الله- والعبادة «1» المتوسطتة بين البطالة والترهب- والجود المتوسط بين البخل والتبذير- والشجاعة المتوسط بين الجبن والتهور- والعفة المتوسطة بين الفجور والحصر- قال البغوي وروى عن ابن عباس العدل التوحيد والإحسان أداء الفرائض وعنه الإحسان الإخلاص فى التوحيد- وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك- رواه الشيخان فى الصحيحين فى حديث سوال جبرئيل عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه- وقال مقاتل العدل التوحيد والإحسان العفو عن الناس- وقيل العدل الفريضة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا يعنى نافلة ولا فريضة والإحسان النافلة لان الفرض ان يقع فيه تفريط تجبره النافلة وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى اى إعطاء ذى قرابته ما يحتاج اليه يعنى صلة الرحم وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ اى ما اشتد قبحه قولا او فعلا وقال ابن عباس الزنى وَالْمُنْكَرِ اى ما أنكره الشرع والعقل السليم وَالْبَغْيِ اى الكبر والظلم قال البيضاوي الفحشاء الافراط فى متابعة القوة الشهوية كالزنى فانه أقبح احوال الإنسان واشنعها- والمنكر ما ينكر عن تعاطيه فى اثارة القوة الغضبية- والبغي هو الاستعلاء والاستيلاء على الناس والتجبر عليهم فانها الشيطنة الّتي هى مقتضى القوة الوهمية- ولا يوجد من الإنسان شر الا وهو مندرج فى هذه الاقسام صادر بتوسط احدى هذه القوى الثلاث ولذلك قال ابن مسعود اجمع اية فى القران هذه- قلت أخرجه سعيد بن منصور والبخاري فى الأدب ومحمّد بن نصر وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي فى شعب الايمان واخرج احمد والبخاري فى الأدب وابن ابى حاتم والطبراني وابن مردوية عن ابن عباس ان تلك الاية صارت سببا لاسلام عثمان بن مظعون- وقال البغوي قال ابن عيينة العدل استواء السر والعلانية والإحسان ان يكون سريرته احسن من العلانية والفحشاء والمنكر ان يكون علانيته احسن من سريرته يَعِظُكُمْ بالأمر والنهى والتميز «2» بين الخير والشر لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) تتعظون قال البيضاوي

_ (1) فى الأصل او العباد (2) فى الأصل والميز-

[سورة النحل (16) : آية 91]

لو لم يكن فى القران غير هذه الاية لصدق عليه انه تبيان لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ- قال البغوي قال أيوب عن عكرمة ان النبي صلى الله عليه وسلم قرا هذه الاية على الوليد فقال له يا ابن أخي أعد فاعاد عليه فقال ان له والله لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمعذق وما هو قول البشر-. وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ اى بميثاقه إِذا عاهَدْتُمْ اخرج ابن جرير عن بريدة قال نزلت الاية فى بيعة النبي صلى الله عليه وسلم وقال البغوي العهد هاهنا اليمين قال الشعبي العهد يمين وكفارته كفارة يمين وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ اى ايمان البيعة او مطلق الايمان بَعْدَ تَوْكِيدِها اى توثيقها بذكر الله وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا شاهدا على تلك البيعة فان الكفيل مراع بحال المكفول به رقيب عليه والجملة حال إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91) من الوفاء بالعهود او نقضها وقال مجاهد نزلت الاية فى حلف الجاهلية ثم ضرب الله مثلا لنقض العهد فقال. وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ متعلق بنقضت اى نقضت غزلها من بعد ابرامه وأحكامه فجعلته أَنْكاثاً جمع نكث وهو ما ينكث قتله اخرج ابن ابى حاتم عن ابى بكر ابن ابى حفص قال كانت سعيدة الاسدية مجنونة تجمع الشعر والليف فنزلت هذه الاية- وقال البغوي قال الكلبي ومقاتل هى امراة خرقاء حمقاء من قريش يقال لها ربطة بنت عمر بن سعد بن كعب بن زيد بن مناة بن تميم وتلقب بجعر وكانت بها وسوسة فكانت تخذت مغزلا بقدر ذراع واوصارة مثل الإصبع وفلكة عظيم على قدرها وكانت تغزل الغزل من الصوف والوبر والشعر وتأمر جواريها بذلك فكن يغزلن من الغداة الى نصف النهار فاذا انتصف النهار تنقض جميع ما غزلن فهذا كان دأبها ومعنى الاية لا تكونوا كما كانت انها لم تكف عن العمل وبعد ما عملت لم تكف عن النقض فانتم اما ان لا تعهدوا واما ان توفوا إذا عاهدتم ولا تكونوا ان تعاهدوا كل مرة فتنقضوا العهود كلّما عاهدتم تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ حال من الضمير

[سورة النحل (16) : آية 93]

فى لا تكونوا او فى الجار والمجرور الواقع موقع الخبر اى لا تكونوا مشبهين بامراة هذا شأنها متخذى ايمانكم مفسدة ودغلا وخديعة وخيانة بينكم- واصل الدخل ما يدخل فى الشيء ولم يكن منه لاجل الفساد وقيل الدخل والدغل ان يظهر الوفاء ويبطن النقض أَنْ تَكُونَ اى لا تكون أُمَّةٌ اى جماعة هِيَ أَرْبى يعنى اكثر عددا وأوفر مالا مِنْ أُمَّةٍ اخرى قال مجاهد وذلك انهم كانوا يحالفون الحلفاء وإذا راوا قوما اكثر منهم وأعز نقضوا حلف هؤلاء وحالفوا أعداءهم الأكثرين «1» - فمعناه طلبتم العز بنقض العهد من الضعفاء والعهد من الأقوياء ولا ينبغى ذلك- او المعنى تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ لكون امة أنتم فيه أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ عاهدتم منهم فما باليتم بنقض العهد كما ان قريشا عاهدوا المؤمنين عام الحديبية على وضع الحرب بينهم عشر سنين ثم نقضوا العهد بعد سنتين لما راوا جماعة قريش أزيد عددا وأوفر مالا من جماعة المؤمنين- هى اربى مبتدا وخبر فى موضع الرفع صفة لامة وامة فاعل تكون وهى تامة وهى ليست بفصل لوقوعها بين نكرتين إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ الضمير لان تكون امّة يعنى يختبركم الله بكون امة اربى من امة فينظر هل تمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله أم تنقضون بكثرة قريش وشوكتهم وقلة المؤمنين وضعفهم- وقيل الضمير للربو والمعنى قريب مما ذكر- وقيل للامر بالوفاء يعنى يختبركم الله بامره بالوفاء بالعهد وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) فى الدنيا إذا جازاكم على أعمالكم فيظهر الذين وفوا عهودهم بالثواب والذين نقضوا ايمانهم بالعذاب-. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً متفقة على الإسلام موفون العهود غير مختلفين وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ بالخذلان وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ بالتوفيق وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) سوال تبكيت ومجازاة. وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا خديعة وفسادا

_ (1) فى الأصل أكثرون-

[سورة النحل (16) : آية 95]

بَيْنَكُمْ فتغرون به الناس حيث يعتمدوا على ايمانكم ويأمنون ثم تنقضونها- تصريح بالنهى عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة فى قبح المنهي فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها يعنى فتهلكوا بعد ما كنتم امنين- والعرب يقول لكل مبتلى بعد عافية او ساقط فى ورطة بعد سلامة زلّت قدمه- او المعنى فتزل قدم عن الصراط المستقيم ومحجّة الإسلام بعد ثبوتها وذلك ان بيعة النبي صلى الله عليه وسلم كان محجّة الإسلام والوفاء به الاستقامة عليه ونقضه زلّة القدم- والمراد فتزلّ أقدامكم بعد ثبوتها لكن وحد ونكر للدلالة على استعظام مزلّة قدم واحد عن طريق الحق بعد الثبوت عليها فكيف باقدام كثيرة وَتَذُوقُوا السُّوءَ فى الدنيا بِما صَدَدْتُمْ اى بصدودكم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وخروجكم عن الدين او بصدكم غيركم لانهم لو نقضوا ايمان البيعة وارتدوا لجعلوا نقضها سنّة لغيرهم يستنّون بها- او المعنى بما سهلتم طريق نقض العهد على الناس بنقضكم العهد فلا يعتمد أحد على عهدكم قط ويغركم غيركم بالعهود فيصيبكم مصيبة فى الدنيا وَلَكُمْ فى الاخرة عَذابٌ عَظِيمٌ (94) بنقض العهود ونكث الايمان. وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ اى لا تستبدلوا بعهد «1» الله وبيعة رسوله ثَمَناً قَلِيلًا تطلبون بنقض العهود والبيعة والايمان نيلا من الدنيا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ على الوفاء بالعهود من النصر والنعيم فى الدنيا والثواب فى الاخرة هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مما تطلبون إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) فضل ما بين العوضين- او المعنى ان كنتم من اهل العلم والتميز ما اخترتم الأدنى على الأعلى-. ما عِنْدَكُمْ من الدنيا يَنْفَدُ اى ينقضى ويفنى وَما عِنْدَ اللَّهِ من خزائن رحمته باقٍ لا ينفد وهو تعليل للحكم السابق- عن ابى موسى الأشعري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فاثروا ما يبقى على ما يفنى- رواه احمد بسند صحيح والحاكم وَلَنَجْزِيَنَّ قرا ابن كثير وابو جعفر وعاصم بالنون على التكلم والباقون بالياء

_ (1) وفى الأصل عهد الله

[سورة النحل (16) : آية 97]

التحتانية على الغيبة والضمير راجع الى الله تعالى الَّذِينَ صَبَرُوا على مصائب الدنيا من المرض والفقر وأذى الكفار ومشاق التكليف والاستقامة فى الجهاد أَجْرَهُمْ اى يعطيهم ثواب صبرهم بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (92) اى بأحسن أجور أعمالهم يضاعف الحسنات الى عشرة أمثالها الى سبعمائة ضعف الى ما شاء الله- وقيل المراد بأحسن ما كانوا يعملون الواجبات والمندوبات فانها احسن من المباحات والممنوعات. مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بيّنه بالنوعين لدفع توهم التخصيص وَهُوَ مُؤْمِنٌ إذ لا اعتداد باعمال الكفار فى استحقاق الثواب وانما المتوقع عليها تخفيف العذاب لان مبنى الثواب عند الله الإخلاص وحسن النية وذا مفقود لهم فَلَنُحْيِيَنَّهُ فى الدنيا حَياةً طَيِّبَةً قال سعيد بن جبير وعطاء هى الرزق الحلال- وقال الحسن هى القناعة- وقال مقاتل ابن حبان هى العيش فى الطاعة- وقال ابو بكر الوراق هى حلاوة الطاعة- وقال البيضاوي يعيش عيشا طيبا فانه ان كان موسرا فظاهر وان كان معسرا يطيب عيشه بالقناعة والرضاء بالقسمة وتوقع الاجر العظيم فى الاخرة بخلاف الكافر فانه ان كان معسرا فظاهر وان كان موسرا لم يدع الحرص وخوف الفوات ان يتهيّأ بعيشه قلت وذلك هو المعنى من قوله تعالى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً- قلت والاولى ان يقال ان العبد إذا أحب الله تعالى فكل ما وصل اليه من المحبوب من حلاوة او مرارة يلتذّ به- قال المجدد رضى الله عنه إيلام المحبوب ألذّ للمحب من انعامه فان المراد فى الانعام كائن على مراده وفى الإيلام كائن على مراد المحبوب ومراد المحبوب أحب عنده من مراد نفسه- قال الفاضل الرومي قدس سره عاشقم بر لطف وبر قهرت بجد ... اى عجب من عاشقم بر هر دو ضد ناخوش از وى خوش بود در جان من ... جان فدائى يار دل رنجان من قلت او يقال قد قال الله تعالى فى أوليائه هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وقد مر تفسيره فى سورة يونس عليه السلام- فالمؤمن إذا بشر برضاء الله تعالى وعلو مقامه عنده ورفع درجاته لديه حصل له فى الدنيا أفضل ما يرجوه فى الجنة- حيث قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى يقول لاهل الجنة هل رضيتم فيقولون ما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من الخلق فقال اما أعطينّكم أفضل من ذلك فيقول احلّ عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم ابدا- متفق عليه من حديث ابى سعيد وعند الطبراني فى الأوسط بسند صحيح عن جابر نحوه ومن هاهنا قال بعض الكبراء امروز چون جمال تو بى پرده ظاهر است ... در حيرتم كه وعده فردا براى چيست - كان شيخى وسندى الشيخ محمّد عابد المجددى رضى الله عنه يقول لو علم الملوك والأمراء من اهل الدنيا ما للفقراء من اللذّة والراحة لحسدوهم واغبطوهم- لا يقال هذه الحالة ينافى الخوف والخوف والرجاء فى الدنيا من لوازم الايمان- لانا نقول هذه الحالة المترتبة على الانس والمحبة لا ينافى الخوف- فان الخوف مبنى على رؤية عظمة الله وكبريائه وهو لا ينفك عن المؤمن فى شيء من الأحوال- بل الأنبياء الذين هم قاطعون بحسن الخاتمة ورضوان الله تعالى يرون عظمة الله وكبريائه فوق ما يراه غيرهم ويخافونه فوق ما يخافونه غيرهم- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ أعلمكم وأتقاكم بالله انا- والصحابة الذين كانوا مبشرين بالجنة بالوحى القاطع حيث قال الله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ونحو ذلك كانوا يخافون الله تعالى كمال الخوف فما بال قوم بشروا برضوان الله بالكشف الظنى والله اعلم قلت وجاز ان يكون المراد بالحياة الطيبة حيوة يثمر البركات- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له- رواه احمد ومسلم فى الصحيح عن صهيب واحمد وابن حبان فى الصحيح نحوه عن انس والبيهقي بسند صحيح نحوه عن سعد- وقال مجاهد وقتادة المراد بالحياة الطيبة الحيوة فى الجنة ورواه عوف عن الحسن وقال لا يطيب الحيوة لاحد الا فى الجنة والظاهر هو المعنى الاول وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ فى الاخرة أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (97) .

[سورة النحل (16) : آية 98]

فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ يعنى إذا أردت قراءة القران فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) كيلا يوسوس فى القراءة ولا يلقى فى الامنية- فان شأنه انه ما أرسل الله مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ- عبر عن ارادة الفعل بالفعل المسبب عنها للايجاز والتنبيه على ان من أراد العبادة فليبادر إليها بحيث لا ينفك الارادة عن الفعل- وحكى عن النخعي وابن سيرين ان يتعوذ بعد القراءة نظرا الى ظاهر هذه الاية ولان الدعاء بعدا العبادة اقرب الى الاجابة والتعوذ من الشيطان مطلوب دائما- وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يصلى قبل القراءة وعليه انعقد الإجماع من السلف والخلف- لكنه سنة عند جمهور العلماء- وذهب عطاء على كونه واجبا قبل القراءة احتجاجا بهذه الاية فان حقيقة الأمر للوجوب- وكونه لدفع الوسوسة فى القراءة لا يصلح صارفا عنه بل يصح شرع الوجوب معه فلا بد من جمله «1» على الوجوب- قال ابن الهمام والله اعلم بالصارف عن الوجوب على قول الجمهور قلت والصارف عنه انهم راو والنبي صلى الله عليه وسلم ترك التعوذ قبل القراءة فى بعض الأحيان ولولا ذلك لما اجمعوا على جواز ترك ما لم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم قط- وقد روى فى كثير من الأحاديث قراءته صلى الله عليه وسلم من غير ذكر التعوذ فى الصحيحين عن ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم قعد الثلث الأخير من الليل فنظر الى السماء فقال إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ العشر الأواخر من ال عمران حتّى ختمها ثم قام فتوضا الحديث- وروى مسلم عن انس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى اغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما اضحكك يا رسول الله قال أنزلت علىّ آنفا سورة فقرا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ الحديث- (مسئلة) اختلفوا فى التعوذ قبل القراءة فى الصلاة فقال ابو حنيفة واحمد يتعوذ فى أول ركعة- وقال الشافعي فى كل ركعة قال الشيخ ابن حجر استحب التعوذ فى كل

_ (1) وفى الأصل فلا بد حمله-

ركعة الحسن وعطاء وابن سيرين- وقال مالك لا يتعوذ فى المكتوبة- قال البيضاوي حجة للشافعى ان الحكم المترتب على شرط يتكرر بتكرره قياسا فالاية دليل على ان المصلى يستعيذ فى كل ركعة- واحتج مالك بحديث انس قال كنا نصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان وكانوا يستفتحون بام القران فيما يجهر به وفى لفظ اخرج فى الصحيحين كانوا يفتتحون الصلاة ب الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- قلنا هذا الحديث لا ينافى التعوذ سرّا- ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بعد الثناء فى الركعة الاولى ولم يرو عنه صلى الله عليه وسلم التعوذ فى ركعة غير الاولى- روى ابن ماجة وابن السنى عن جبير بن مطعم رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل فى الصلاة قال الله اكبر كبيرا ثلاثا والحمد لله كثيرا ثلاثا وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- وروى احمد وابن حبان وابو داود عنه من نفخه ونفثه وهمزه- وروى الحاكم نحوه وروى احمد واهل السنن والحاكم عن ابى سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلوة بالليل كبر ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك ثم يقول لا اله الا الله ثلاثا ثم يقول الله اكبر ثلاثا ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه- وروى احمد من حديث ابى امامة نحوه وفيه أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم وفى اسناده من لم يسم- وروى ابن ماجة وابن خزيمة من حديث ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم انى أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه- ورواه الحاكم البيهقي بلفظ كان إذا دخل فى الصلاة وعن انس نحوه رواه الدار قطنى وفيه الحسين بن علىّ بن الأسود وفيه مقال- وفى مراسيل ابى داؤد عن الحسن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- (فائدة) قال صاحب الهداية الاولى ان يقول استعيد بالله ليوافق القران ويقرب منه أعوذ بالله- قلت لكن المستعمل عند الحذاق من اهل الأداء والفقهاء فى لفظها أعوذ بالله من الشيطان

[سورة النحل (16) : آية 99]

الرجيم دون غيره لما ذكرنا من الأحاديث- واخرج الثعلبي والواحدي عن ابن مسعود قال قرات على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبرئيل عن القلم عن اللوح المحفوظ- قال ابو عمرو الداني فى التيسير بهذا اللفظ بعينه قرات وبه أخذ ولا اعلم خلافا بين اهل الأداء فى الجهر بها عند افتتاح القران (يعنى خارج الصلاة) وعند الابتداء برءوس الاجزاء وغيرها فى مذهب الجماعة اتباعا بالنص واقتداء بالسنة وكذلك الرواية عن ابى عمرو (يعنى ابن العلاء) وروى عن حمزة انه كان يجهر بها فى أم القران خاصة ويخفيها بعد ذلك فى سائر القران كذا قال خلف عنه وقال خلاد عنه انه كان يخيّر الجهر والإخفاء جميعا والباقون لم يأت عنهم فى ذلك شيء منصوص-. إِنَّهُ اى الشأن لَيْسَ لَهُ اى للشيطان سُلْطانٌ اى تسلط واستيلاء عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) فانهم لا يطيعون أوامره بحفظ الله تعالى ولا يقبلون وساوسه الا فيما يحتقرون على ندور وغفلة- ولذلك أمروا بالاستعاذة فذكر السلطنة بعد الأمر بالاستعاذة لئلا يتوهم منه ان له سلطانا كذا قال البيضاوي- قلت وجاز ان يكون هذه الاية فى مقام التعليل للامر بالاستعاذة- لان معنى قوله عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ انهم يلتجئون الى الله تعالى ويحرزون أنفسهم بعزة الله تعالى من تسلط الشيطان إذ لا حول ولا قوة الا به تعالى وذلك معنى الاستعاذة- فالاستعاذة وهو الالتجاء الى الله تعالى والاعتماد عليه من صفات قلوب المؤمنين المخلصين لا ينفك عنهم لكنهم أمروا بالاستعاذة باللسان ايضا حتّى يتادى سنة الدعاء ويطابق الباطن الظاهر فى التضرع والابتهال فيحصل الامان من الشيطان على وجه الكمال. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ اى يحبونه ويطيعونه فيجعلونه مسلطا على أنفسهم باختيارهم من غير ان يكون له عليهم سلطان يضطرهم الى اتباعه فلا منافاة بين هذا وبين قوله ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ والله اعلم وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ اى بالله تعالى او بسبب

[سورة النحل (16) : آية 101]

الشيطان مُشْرِكُونَ (100) . وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ يعنى نسخنا تلاوة اية وأنزلنا مكانها اخرى او نسخنا حكم اية بحكم اية أخرى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ انه كان مصلحة ثم صار مفسدة او كان مفسدة ثم صار مصلحة- والجملة حال من فاعل بدلنا واسم الله على هذا ظاهر موضع المضمر او استيناف لفظا لكنه فى مقام التعليل سببا للتبديل يعنى بدلنا لانى اعلم بما هو أصلح للخلق فى وقت دون وقت- قرا ابو عمرو وابن كثير ينزل بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل قالُوا يعنى الكفار إِنَّما أَنْتَ يا محمّد مُفْتَرٍ اى متقوّل على الله قال البغوي قالت المشركون ان محمّدا يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بامر وينهاهم عنه غدا ما هو الا مفتر يتقوّله من تلقاء نفسه- وجملة قالوا جواب إذا بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) حكمة الاحكام ولا يميزون الخطاء والصواب- او المعنى أكثرهم ليسوا من اهل العلم والتميز ولو كانوا اهل التميز لعرفوا ان القران ليس مما يمكن ان يقوّله بشر ومحمّد صلى الله عليه وسلم أمين لا يصح ان يتهم بالافتراء شعر تبارك الله ما وحي بمكتسب ... ولا نبى على غيب بمتهم. قُلْ يا محمّد ردّا لما قالوا نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ يعنى جبرئيل عليه السلام واضافة الروح الى القدس وهو الطهر بمعنى الطاهر كقولهم حاتم الجود- قرا ابن كثير القدس بسكون الدال والباقون بضمها- وفى ينزّل ونزّله تنبيه على ان انزاله مدرجا على حسب المصالح مما يقتضى التبديل مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ اى متلبسا «1» بالحكمة البالغة لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا على الايمان بانه كلام الله فانهم إذا سمعوا الناسخ وتدبروا ما فيه من رعاية الصلاح والحكمة رسخت عقائدهم واطمأنت قلوبهم- او المعنى ليبلوهم بالنسخ حتّى إذا قالوا هو الحق من ربنا وهو الحكمة لان الحكيم لا يفعل الا ما هو الحكمة حكم لهم بثبات القدم وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) المنقادين لحكمه وهما معطوفان على محل ليثبت اى تثبيتا وهداية وبشارة وفيه تعريض بحصول الاضداد لغيرهم-

_ (1) فى الأصل ملتبسا-

[سورة النحل (16) : آية 103]

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ آدمي وما هو من عند الله قال البغوي اختلفوا فى هذا البشر قال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم قينا بمكة اسمه بلعام وكان نصرانيّا أعجمي اللسان وكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج فكانوا يقولون انما يعلمه بلعام- كذا اخرج ابن جرير فى مسنده بسند ضعيف عنه- وقال عكرمة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ غلاما لبنى المغيرة يقال له يعيش وكان يقرا الكتب فقالت قريش انما يعلمه يعيش- وقال الفراء قال المشركون انما يتعلم من عايش مملوك كان لحويطب بن عبد العزى وكان قد اسلم وحسن إسلامه وكان أعجمي اللسان- وقال ابن إسحاق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني كثيرا ما يجلس عند المروة الى غلام رومى نصرانى عبد لبعض بنى الحضرمي يقال له جبر وكان يقرا الكتب- وقال عبد الله بن مسلم الحضرمي كان لنا عبد ان من اهل عين باليمن يقال لاحدهما يسار ويكنى أبا فكيهة وجبر وكانا يصنعان السيوف بمكة وكانا يقران التورية والإنجيل فربما مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم وهما يقران فيقف ويسمع- كذا اخرج ابن ابى حاتم من طريق حصين بن عبد الله ابن مسلم- قال الضحاك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذاه الكفار يقعد إليهما فيستروح بكلامهما فقال المشركون انما يتعلم محمّد منهما فنزلت هذه الاية وقال الله تعالى تكذيبا لهم لِسانُ اى لغة الرجل الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ قرا حمزة والكسائي بفتح الياء والحاء من المجرد والباقون بضم الياء وكسر الحاء من الافعال قال فى القاموس لحد اليه مال اليه كالتحد والحد مال وعدل يعنى يميلون اليه اى يشيرون اليه- او المعنى يميلون قولهم عن الصدق والاستقامة اليه أَعْجَمِيٌّ غير فصيح بالعربية قال فى القاموس رجل وقوم أعجم والأعجم من لا يفصح كالاعجمى والأخرس والعجمي من جنسه العجم وان افصح والعجم خلاف العرب وقال بعض المحققين العجمة خلاف الإبانة والإعجام الإبهام يقال استعجمت الدار إذا مات أهلها ولم يبق فيها عريب اى من يبين جوابا وَهذا اى القران لِسانُ لغة عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) فصيح ذو بيان واضح والجملتان مستانفتان لابطال طعنهم

[سورة النحل (16) : آية 104]

لا محل لهما من الاعراب تقريره من وجهين أحدهما ان ما يسمع محمّد صلى الله عليه وسلم منه كلام أعجمي لا يفهمه هو ولا أنتم والقران عربى يفهمونه فكيف يكون هذا ذك- وثانيهما ان معنى القران كما هو معجز فلفظه ايضا معجز فالقران وان كان مطابقا لما كان الرجل الأعجمي يقراه من التورية والإنجيل فى المعنى لكن تعبير تلك المعاني المنزلة فى الكتب بعبارة مثل عبارة القران ليس فى وسع البشر لما ظهر عجزهم بالتحدي بقوله فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ على ان تعلم العلوم الكثيرة المطوية فى الكتب السماوية لا يتصور الا بملازمة معلم فائق فى تلك العلوم مدة متطاولة فكيف يتصور تعلم جميع ذلك من رجل سمع منه فى بعض اوقات مروره عليه بلسان أعجمي لا يفهم معناه-. إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يصدّقون انها من عند الله لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ لا يرشدهم الى الحق او الى سبيل النجاة او الى الجنة وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) فى الاخرة ثم رد امر الافتراء على الكفار بعد مارد طعنهم وشبهتهم بأحسن الوجوه فقال. إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لانهم لا يخافون عقابا حتّى يردعهم عنه بخلاف المؤمنين وَأُولئِكَ اشارة الى الكفار او الى قريش هُمُ الْكاذِبُونَ (105) اى الكاذبون على الحقيقة لا غيرهم فان المؤمنين حينئذ كلهم كانوا صدوقا عادلين خير القرون- او الكاملون فى الكذب لان تكذيب آيات الله ورسوله المعصوم والطعن فيهما بهذه الخرافات بعد ما ظهر امره بالمعجزات أعظم الكذب- او الذين عادتهم الكذب لا يصرفهم عنه دين ولا مروة- او الكاذبون فى قولهم إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ ... إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ- الجملة الفعلية تدل على انحصار صدور الافتراء عليهم والاسمية على كونها وصفا لازما لهم- روى البغوي بسنده عن عبد الله بن حراد قال قلت يا رسول الله المؤمن يزنى قال قد يكون ذلك قلت المؤمن يسرق قال قد يكون ذلك قلت المؤمن يكذب قال لا قال الله إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ- وروى احمد عن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبع المؤمن على الخلال كلها الا الخيانة والكذب- ورواه البيهقي فى شعب الايمان عن سعد بن ابى وقاص- وروى مالك

[سورة النحل (16) : آية 106]

والبيهقي فى شعب الايمان مرسلا انه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانا قال نعم فقيل له أيكون المؤمن بخيلا قال نعم فقيل له أيكون المؤمن كذابا قال لا- قلت الظاهر ان المراد بالمؤمن المذكور فى الأحاديث الموجودون «1» فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولاجل ذلك انعقد الإجماع على كون الصحابة كلهم صدوقا عدولا لا يطعن فى حديث أحد منهم او المراد به المؤمن الكامل وهو الصوفي الفاني الباقي-. مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ مبتدا تضمن معنى الشرط وخبره المتضمن للجواب محذوف وهو فعليهم غضب من الله ولهم عذاب اليم دل عليه جواب من شرح- وجاز ان يكون بدلا من الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويكون وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ اعتراضا بين البدل والمبدل منه يعنى انما يفترى من كفر الا من اكره- وجاز ان يكون بدلا من المبتدا الّذي هو أولئك او من الخبر وهو الكاذبون يعنى من كفر بالله هم الكاذبون او أولئك هم من كفر بالله وجاز ان يكون منصوبا على الذم إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ قال البغوي قال ابن عباس نزلت هذه الاية فى عمار بن ياسر وذلك ان المشركين أخذوه وأباه وامه سميّة وصهيبا وبلالا وخبيبا وسالما وعذبوهم فاما سميّة فانها ربطت بين بعيرين ووجئت قبلها بحربة فقتلت وقتل زوجها ياسر وهما أول قتيلين فى الإسلام رضى الله عنهما واما عمار فانه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها على ذلك- وقال قتادة أخذ بنوا للمغيرة عمارا رضى الله عنه وغطوه فى بئر ميمون وقالوا له كفّر «2» بمحمّد فتابعهم على ذلك وقلبه كاره- فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بان عمارا كفر فقال كلا ان عمارا ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه- فاتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وراءك قال شر يا رسول الله نلت منك وذكرت قال كيف وجدت قلبك قال مطمئنّا بالايمان فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال ان عادوا لك فعدلهم بما قلت فنزلت هذه الاية- وكذا اخرج الثعلبي والواحدي واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال أراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يهاجر الى المدينة أخذ المشركون بلالا وخبيبا وعمار بن ياسر فاما عمار فقال لهم كلمة

_ (1) فى الأصل الموجودين- (2) فى الأصل اكفر-

أعجبتهم تقية فلما رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه فقال كيف كان قلبك حين قلت أكان منشرحا بالذي قلت قال لا فانزل الله هذه الاية- وذكر البغوي وكذا اخرج ابن ابى حاتم انه قال مجاهد نزلت فى ناس من اهل مكة أمنوا فكتب إليهم بعض اصحاب رسول الله ان هاجروا فانا لا نراكم منا حتّى تهاجروا إلينا فخرجوا يريدون المدينة فادركتهم قريش فى الطريق ففتنوهم فكفروا كارهين- وقال البغوي قال مقاتل نزلت فى جبر مولى عامر بن الحضرمي أكرهه سيده على الكفر فكفر مكرها وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ اى ساكن به لم يتغير عقيدته وفيه دليل على ان الركن اللازم للايمان هو التصديق بالقلب- قال البغوي ثم اسلم مولى جبر وحسن إسلامه وهاجر جبر مع سيده وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً اى شرح وفتح صدره للكفر بالقبول وطاب نفسه واختاره فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) اعلم ان الإكراه عبارة عن حمل الغير على فعل يكرهه وذلك على نوعين أحدهما ما ينتفى به رضاه ولا يفسد اختياره كالاكراه بالضرب او الحبس ثانيهما ما يكون ملجيا يفسد اختياره كالاكراه بالقتل او قطع العضو ويشترط فى كلا القسمين من الإكراه قدرة المكره على ما يهدد به وان يغلب على ظن المكره انه يفعله به فالقسم الاول من الإكراه غير مراد بالآية وغير مؤثر أصلا الا فى البيع والشراء والاجارة والاستيجار والإقرار ونحو ذلك فمن اكره على بيع ماله او على شراء سلعة او على ان يقرّ لرجل بألف او يؤاجر داره او يستأجر فالمكره بالخيار ان شاء امضى العقد بعد زوال الإكراه وان شاء فسخه لان هذه العقود تحتمل الفسخ واشترط لصحتها التراضي بقوله تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وقد فات الرضاء بالإكراه فان شاء أجاز وان شاء فسخ فان قبض الثمن طوعا فقد أجاز البيع- والمراد بالآية هو القسم الثاني فقد اجمع العلماء على انه من اكره على الكفر اكراها ملجيا يجوز له ان يتلفظ بما اكره عليه مطمئنّا قلبه بالايمان بهذه الاية وقصة عمار فلا يكفر بالتلفظ من غير اعتقاد ولم تبن منه امرأته- وان ابى ان يقوله كان أفضل لقصة أبوي عمار وقد مر- وقصة خبيب وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق

انهم اختاروا القتل على الارتداد- ذكر اصحاب السير فى سرية الرجيع ان خبيبا حين قتل صلى ركعتين وروى البخاري عن ابى هريرة انه أول من سنّ الركعتين عند القتل انتهى- فلما صلى الركعتين جعلوه على الخشبة ثم وجهوه الى المدينة وأوثقوه رباطا ثم قالوا ارجع عن الإسلام نخلّ سبيلك قال والله ما أحب انى رجعت عن الإسلام وانّ لى ما فى الأرض جميعا قالوا افتحب ان محمّدا مكانك وانك جالس فى بيتك قال لا والله ما أحب ان يشاك محمّد صلى الله عليه وسلم شوكة وانا جالس فى بيتي فجعلوا يقولون ارجع خبيب فقال لا ارجع ابدا قالوا لئن لم ترجع لقتلناك قال ان قتلى فى الله لقليل روى البخاري عن ابى هريرة ان خبيبا ... حين قتل قال «1» أبياتا منها قوله شعر فلست أبالي حين اقتل مسلما ... على اىّ شق كان فى الله مصرعى وذلك فى ذات الإله وان يشاء ... يبارك فى أوصال شلو ممزع ذكر ابن عقبة ان زيدا وخبيبا قتلا فى يوم واحد وان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع يوما قتلا وهو يقول وعليكما السلام واخرج ابن ابى شيبة عن الحسن مرسلا وعبد الرزاق فى تفسيره عن معمر مفصلا ان مسيلمة أخذ رجلين فقال «2» لواحد ما تقول فى محمّد فقال رسول الله فقال ما تقول فىّ فقال أنت ايضا وقال للاخر ما تقول فى محمّد فقال رسول الله فقال ما تقول فىّ قال انا اصمّ فاعاد عليه ثلاثا فاعاد جوابه فقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اما الاول فقد أخذ برخصة الله واما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له- (مسئلة) ومن اكره على إتلاف مال مسلم وسعه ان يفعل ذلك لان مال الغير يستباح للضرورة كما فى حالة المخمصة وقد تحققت- ولصاحب المال ان يضمن المكره (بالكسر) لان المكره (بالفتح) فمعز الدولة له فيما يصلح فمعز الدولة له والاتلاف من هذا القبيل- (مسئلة) وان اكره على قتل غيره لم يسعه ان يقدّم عليه ويجب ان يصبر حتّى يقتل فان قتله كان اثما لان قتل المسلم لا يستباح لضرورة ما فكذا لهذا الضرورة واختلف العلماء فى القصاص هل هو على المكره او المكره ولا يسع المقام للكلام فيه- (مسئلة) وان اكره على ان يأكل الميتة او يشرب الخمر جاز له ان يقدم على ما اكره عليه اجماعا- واختلفوا فى انه ان صبر ولم يأكل حتّى قتل هل يجوز له ذلك أم لا

_ (1) وفى الأصل قال حين قتل قال (2) فى الأصل فقال ما تقول فى محمّد ص

فقال ابو حنيفة يجب عليه أكله ولا يسعه ان يصبر كما لو اكره على أكل شيء مباح يجب عليه أكله فان صبر وقتل اثم لانه صار معاونا للمكره فى إتلاف نفسه بلا ضرورة وعن ابى يوسف انه لا يأثم وهو أصح قولى الشافعي لانه رخصة لا اباحة لان الحرمة قائمة فيكون أخذا بالعزيمة وقال ابو حنيفة حالة الاضطرار مستثناة بقوله إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وهو تكلم بالباقي بعد الثّنيا فلا محرم فكان اباحة لا رخصة فصار الميتة حينئذ مباحا كالزكية بخلاف أكل مال الغير فانه لو صبر ولم يأكل حتّى قتل كان ماجورا اجماعا لان الحرمة هناك قائمة فمن هاهنا ظهران الإكراه لا يزيل الخطاب حتّى يباح مرة ويفترض ويحرم اخرى فلاجل ذلك قال ابو حنيفة رحمه الله كل تصرف ينسحب حكمه على التلفظ ولا يتوقف على الرضاء يترتب عليه حكمه ان فعل مكرها وهى عشرة تصرفات النكاح والطلاق والرجعة والإيلاء والفيء والظهار والعتاق والعفو عن القصاص واليمين والنذر وبه قال الشعبي والنخعي والثوري- وقال مالك والشافعي واحمد لا يترتب الحكم على شيء من تصرفات المكره محتجين بحديث عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لاطلاق ولاعتاق فى إغلاق- رواه احمد وابو داود وابن ماجة والحاكم وابن الجوزي وابو يعلى والبيهقي من طريق صفية بنت عثمان عن شيبة عنها صححه الحاكم وفى اسناده محمّد بن عبيد المكي ضعفه ابو حاتم الرازي- وجه الاحتجاج انه قال ابن الجوزي قال قتيبة الاغلاق الإكراه على الطلاق والعتاق وهو من أغلقت الباب كانّ المكره اغلق حتّى يفعل قال الحافظ وهو قول الخطابي وابن السيد- ويرد عليه ان فى تفسير الاغلاق اختلافا فقد قيل كما ذكر ابن الجوزي وقيل الاغلاق الجنون فان المجنون مستور عليه كانه اغلق عليه- وقيل الغضب وقع ذلك فى سنن ابى داود وكذا فسره احمد لكن تفسيره بالغضب غير مرضى رده ابن السيد وقال لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق لان أحدا لا يطلق حتّى يغضب- وبحديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الله عزّ وجلّ غفر لكم عن الخطاء والنسيان وما استكرهتم عليه- رواه ابن الجوزي ولا يجوز الاحتجاج بهذا الحديث فى هذه المسألة لانه لا يدل الا على مغفرة ما فعله مكرها من المعاصي ولا يدل على عدم ترتب الاحكام الدنيوية على ما فعله مكرها- وقد يحتج فى المسألة

بما رواه الطبراني عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه- وكذا روى من حديث ابى الدرداء قال الحافظ فى اسنادهما ضعف وروى ابن ماجة وابن حبان والدار قطنى والطبراني والبيهقي والحاكم فى المستدرك من حديث الأوزاعي فقيل عنه عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس- وروى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي ولم يذكر عبيد بن عمير- وللوليد اسنادان آخران روى عن محمّد بن المصفى عنه عن مالك عن نافع عن ابن عمرو عن ابن لهيعة عن موسى بن داؤد عن عقبة بن عامر قال ابن ابى حاتم سالت ابى عنها فقال هذه الأحاديث منكرة كانها موضوعة وقال عبد الله بن احمد سالت ابى عنه فانكره جدّا- ورواه ابن ماجة من حديث ابى ذر وفيه شهر بن حوشب وفى الاسناد انقطاع ايضا- فلو صح هذا الحديث- فالجواب عنه ان الحديث ليس على ظاهره إذ لا معنى لرفع الخطاء والنسيان فان ما وجد من الافعال خطأ او نسيانا فهى واقعة لا محالة فالمعنى رفع عن أمتي اثم الخطاء والنسيان ولا يجوز تقدير الحكم الّذي يعم احكام الدنيا والاخرة إذ لا عموم للمقتضى- فالمراد اما احكام الدنيا واما حكم الاخرة والإجماع على ان حكم الاخرة وهو رفع المؤاخذة مراد فلا يراد الاخر معه وإلا عمم كذا قال ابن همام- واحتج ابن الجوزي ايضا بما روى ان رجلا على عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه بدلى يسار علا فاقبلت امرأته فجلست على الجبل فقالت ليطلقها ثلاثا والا قطعت الجبل عليه فذكرها الله والإسلام فابت فطلقها ثلاثا ثم خرج الى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال ارجع الى أهلك فليس هذا بطلاق- واحتج ابو حنيفة رحمه الله بأحاديث منها حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة- رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة واحمد والحاكم والدار قطنى قال الترمذي حسن وقال الحاكم صحيح- قال ابن الجوزي فيه عطاء بن عجلان متروك الحديث قال الحافظ ابن حجر وهم ابن الجوزي حيث قال هو عطاء بن عجلان وهو متروك بل هو عطاء بن ابى رباح صرّح له فى رواية ابى داؤد والحاكم لكنه من رواية عبد الرّحمن بن جبير وهو مختلف فيه قال النسائي منكر الحديث ووثقه غيره فهو على هذا حسن فان قيل الإكراه لا يجامع الاختيار الّذي يعتبر به التصرف الشرعي

[سورة النحل (16) : آية 107]

بخلاف الهازل لانه مختار فى التكلم بالطلاق غير راض بحكمه فيقع طلاقه فلا وجه للاستدلال بهذا الحديث على طلاق المكره قلنا كذلك المكره مختار فى التكلم اختيارا كاملا الا انه غير راض بالحكم لانه عرف الشرّين فاختارا هونهما عليه غير انه محمول على اختياره ذلك قال ابن همام لا تأثير لكونه محمولا على اختياره فى نفى الحكم يدل عليه حديث حذيفة وأبيه حين حلّفهما المشركون فقال لهما «1» النبي صلى الله عليه وسلم نفى لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم فبيّن ان اليمين طوعا وكرها سواء فعلم ان لا تأثير للاكراه فى نفى الحكم المتعلق بمجرد اللفظ عن اختيار بخلاف البيع لان حكمه يتعلق باللفظ وما يقوم مقامه مع الرضاء وهو منتف بالإكراه- ومنها حديث ابى هريرة كل طلاق جائز الإطلاق المعتوه المغلوب على عقله رواه الترمذي وقال الترمذي لا نعرفه الا من حديث عكرمة بن خالد عن ابى هريرة والا من رواية عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد وعطاء ضعيف ذاهب الحديث ومنها حديث صفوان بن الأصم عن رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان رجلا كان نائما مع امرأته فقامت فاخذت سكينا وجلست على صدره ووضعت السكين على حلقه وقالت» له طلقنى او لاذبحنك فناشدها الله فابت فطلقها ثلاثا فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا قيلولة فى الطلاق- قال ابن الجوزي قال البخاري صفوان بن الأصم عن بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فى المكره حديث منكر لا يتابع عليه وذكر ابن همام عن عمر انه قال اربع مبهمات معضلات ليس فيهن رديد النكاح والطلاق والعتاق والصدقة- قلت الظاهر ان حجة ابى حنيفة راجحة ولو سلمنا التعارض فالمصير الى القياس والقياس يقتضى وقوعها كما ذكرنا والله اعلم-. ذلِكَ الكفر بعد الايمان او الوعيد بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا اى بسبب انهم اثروا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الحيوة الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ وبسبب ان الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) فى علمه الى ما يوجب الثبات على الايمان ولا يعصمهم عن الزيغ ذكر الله سبحانه لاجل كفرهم وعذابهم سببين سبب ظاهرى وهو اختيارهم الكفر وعدم التدبر فى الآيات وسبب حقيقى

_ (1) وفى الأصل فقال لهما صلى الله عليه وسلم [.....] (2) وفى الأصل وقال له

[سورة النحل (16) : آية 108]

وهو عدم ارادة الله تعالى فيهم الهداية فالاية دليل على ان افعال العباد بين الجبر والقدر. أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فلا يدركون الحق حقّا وَسَمْعِهِمْ فلا يسمعون الحق سماع قبول وَأَبْصارِهِمْ فلا يبصرون الآيات نظر الاعتبار وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) الكاملون فى الغفلة حيث غفلوا عن صانعهم ولم يغفل عنه البهائم والجمادات. لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109) حيث ضيعوا أعمارهم وصرفوها فيما افضى بهم الى العذاب المخلد ولم يكتسبوا شيئا ينجيهم من العذاب ويفضى بهم الى الفلاح بخلاف عصاة المؤمنين فانهم وان ضيعوا اكثر أعمارهم فى الشهوات والمعاصي لكنهم تشبثوا بالتوحيد حتّى ينجيهم من عذاب الله الى الجنة-. ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا قرا العامة بضم الفاء وكسر التاء على البناء للمفعول اى منعوا من الإسلام وعذبوا- وثم لتباعد حال هؤلاء عن حال أولئك- اخرج ابن سعد فى الطبقات عن عمر بن الحاكم قال كان عمار بن ياسر يعذب حتّى لا يدرى ما يقول وكان صهيب يعذب حتّى لا يدرى ما يقول وكان ابو فكيهة يعذب حتّى لا يدرى ما يقول وبلال وعمار بن فهيرة وقوم من المسلمين وفيهم نزلت هذه الاية- وقال البغوي نزلت فى عياش بن ابى ربيعة أخي ابى جهل من الرضاعة وفى ابى جندل بن سهيل بن عمرو والوليد بن الوليد بن المغيرة وسلمة بن هشام وعبيد الله بن أسيد الثقفي فتنهم المشركون فاعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم وهاجروا الى المدينة ثُمَّ جاهَدُوا مع النبي صلى الله عليه وسلم الكفار وَصَبَرُوا على الايمان والطاعات والجهاد والمشاق وعن المعاصي وقال الحسن وعكرمة نزلت الاية فى عبد الله بن سعد بن ابى سرح وكان يكتب للنبى صلى الله عليه وسلم فاستزله الشيطان فلحق بالكفار فامر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة فاستجار له عثمان وكان أخاه لامه فاجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انه اسلم وحسن إسلامه فانزل الله هذه الاية- وقرا ابى عامر الّذين هاجروا

[سورة النحل (16) : آية 111]

من بعد ما فتنوا بفتح الفاء والتاء على البناء للفاعل يعنى هاجروا بعد ما كفروا وعذبوا المؤمنين نزلت فى عامر الحضرمي اكره مولاه جبرا وعذبه حتّى ارتد ثم اسلم عامر وحسن إسلامه واسلم جبر حيث كان ارتداده مكرها وهاجروا جميعا ثم جاهدوا الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم وصبروا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها اى بعد الهجرة والجهاد والصبر لَغَفُورٌ لما فعلوا قبل ذلك رَحِيمٌ (110) ينعم عليهم فى الدنيا والاخرة على ما صنعوا بعد ذلك خبر انّ الاولى محذوف دل عليه خبر انّ الثانية او يقال إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها تأكيد لفظى لما سبق. يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ منصوب برحيم او با ذكر تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها يعنى تسعى كل نفس فى خلاصها لا يهمها شأن غيرها فالكافر يقول رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا ... رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا ... وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ... فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً والمؤمن يقول رب أسئلك نفسى نفسى لا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ- اخرج ابن جرير فى تفسيره عن معاذ قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من اين يجاء بجهنم يوم القيامة قال يجاء بها من الأرض السابعة لها الف زمام لكل زمام سبعون الف ملك تسبح فاذا كانت من العباد مسيرة الف سنة زفرت زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل الا جثى على ركبتيه يقول رب نفسى نفسى- وقال البغوي وروى ان عمر بن الخطاب قال لكعب الاخبار خوّفنا قال يا أمير المؤمنين والّذي نفسى بيده لو وافيت القيامة بمثل عمل سبعين نبيا لاتت عليك تارات وأنت لا يهمك الا نفسك وان لجهنم زفرة ما يبقى ملك مقرب ولا نبى منتخب الا وقع جاثيا على ركبتيه حتّى ابراهيم خليل الرّحمن يقول يا رب لا أسئلك الا نفسى وتصديق ذلك فى الّذي انزل الله عليكم يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها- وروى عكرمة عن ابن عباس فى هذه الاية قال ما نزال الخصومة بين الناس يوم القيامة حتّى يخاصم الروح الجسد فيقول الروح يا رب لم يكن لى يد ابطش بها ولا رجل امشى بها ولا عين ابصر بها ويقول الجسد خلقتنى كالخشب ليس لى يد ابطش بها ولا رجل امشى بها ولا عين ابصر بها فجاء هذا كشعاع النور فيه نطق لسانى وأبصرت عينى ومشت رجلى قال فضرب الله لهما مثل أعمى ومقعد دخلا حائطا فيه ثمار فالاعمى

[سورة النحل (16) : آية 112]

لا يبصر الثمر والمقعد لا يناله فحمل الأعمى المقعد فاصابا من الثمر فعليهما العذاب- أضيف النفس الى النفس فى قوله تعالى فى نفسها لانه يقال لعين الشيء وذاته نفسه ولنقيضه غيره كانه قال يوم تجادل كل أحد عن ذاته وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ اى كل أحد جزاء ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) اى لا ينقصون أجورهم-. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً اى جعل الله قرية كما وصف مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فابطرتهم النعمة فكفروا فانزل به نقمته- فيجوز انه تعالى أراد بها قرية مقدرة على هذه الصفة او قرية من قرى الأولين قد كان بهذه الصفة فضربها مثلا لمكة انذارا من مثل عاقبتها- وقال البغوي أراد بالقرية «1» مكة فعلى هذا معنى الاية جعل الله تعالى مكة بحال يضرب بها مثلا لغيرها فانها كانَتْ آمِنَةً لا يهاج أهلها ولا يغار عليها مُطْمَئِنَّةً قارة باهلها لا يحتاجون الى الانتقال لضيق او خوف كما يحتاج اليه سائر العرب يَأْتِيها رِزْقُها أقواتها رَغَداً واسعا مِنْ كُلِّ مَكانٍ من نواحيها من البحر والبر فَكَفَرَتْ أهلها بِأَنْعُمِ اللَّهِ اى بنعمه جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وادرع او جمع نعم كبؤس وابؤس فَأَذاقَهَا اى أذاق أهلها اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ استعار الذوق لادراك اثر الضرر واللباس لما اشتمله من اثر الجوع والخوف وهو الهزال وتغير اللون وأوقع الا ذاقة عليه بالنظر الى المستعار له بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) من الكفر والكفران- قال البغوي ابتلى الله اهل مكة بالجوع سبع سنين وقطعت العرب عنهم الميرة بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى جهدوا فاكلوا العظام المحرقة والجيف والكلاب الميتة والعلهز «2» وهو الوبر يعالج بالدم حتّى كان أحدهم ينظر الى السماء فيرى شبه الدخان من الجوع ثم ان رؤساء مكة كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا هذا عاديت الرجال فما بال النساء

_ (1) عن سليم بن عمر قال صحبت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهى خارجة من مكة الى المدينة فاخبرت ان عثمان قد قتل فرجعت وقالت ارجعوا بي فو الّذي نفسى بيده انها للبقرية الّتي قال الله قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً الاية 12 ازالة الخفا- منه رح (2) وهو شيء يتخذونه فى سنى المجاعة يخلطون الدم باوبار الإبل ثم يشوّونه بالنار ويأكلون وقيل يخلطون فيه القردان ويقال للقرار الضخم علهز وقيل العلهز شيء ينبت فى ديار سليم نهايه- منه رح

[سورة النحل (16) : آية 113]

والصبيان فاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس بحمل الطعام إليهم وهم بعد مشركون- قلت السورة مكية وانما أذاق الله اهل مكة الجوع إذا قحطوا سبع سنين والخوف من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة فاما ان يقال بنزول هذه الآيات بعد الهجرة واما ان يقال بالتوجيه الاول يعنى ان المراد قرية غير مكة ضربها الله مثلا لاهل مكة انذارا لاهلها من مثل عاقبتها فلما لم يعتبروا به ولم يسمعوا ما ضرب الله لهم من المثل عوقبوا بمثل ما عوقب به أولئك. وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ يعنى محمّدا صلى الله عليه وسلم والضمير لاهل مكة عاد الى ذكرهم يعد ما ذكر مثلهم فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113) اى حال التيامهم بالظلم والمراد بالعذاب ما أصابهم من الجدب الشديد او وقعة بدر وهذه الاية ايضا تدل على كون نزولها بعد الهجرة- ويمكن ان يقال ان قوله وَلَقَدْ «1» جاءَهُمْ فى محل النصب على الحال من فاعل كفرت او مستأنفة لبيان حال تلك القرية الّتي ضرب بها المثل والمراد بالرسول الرسول المبعوث الى تلك القرية-. فَكُلُوا ايها المؤمنون الذين أنجاهم الله من الكفر وهداهم للايمان بمحمّد صلى الله عليه وسلم مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ يعنى نبوة محمّد صلى الله عليه وسلم وما أنعم عليهم فى الدنيا إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) دون غيره- امر الله سبحانه بأكل ما أحل الله سبحانه وشكر ما أنعم الله عليهم بعد ما زجر وهدّد على الكفر وذكر من التمثيل والعذاب الّذي حلّ بكفار قومهم صدّا لهم عن صنيع الجاهلية ومذاهبها الفاسدة وقيل المخاطبون بهذا الكلام هم المخاطبون بما سبق أمرهم يأكل ما أحل لهم وشكر ما أنعم عليهم بعد ما زجرهم عن الكفر وهدّدهم عليه والمعنى ان كنتم إياه تعبدون فى زعمكم كانوا يزعمون انا نعبد الله وحده والأصنام شفعاؤنا عند الله. إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ اى السنة قومكم من الكفار

_ (1) وفى الأصل ولقد جاءت-

[سورة النحل (16) : آية 118]

الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ كما قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا الاية وقالوا بتحريم البحائر والسوائب ونحوها والحصر المستفاد من سياق الكلام وتصدير الجملة بانما حصر إضافي بالنسبة الى ما قالت الكفار بتحريمها فلا مرد لتحريم ما ثبت حرمتها بالأحاديث الصحيحة وقد بسطنا الكلام فيها فى سورة المائدة والله اعلم- الكذب منصوب بلا تقولوا اى لا تقولوا الكذب لما تصفه السنتكم من البهائم بالحل او الحرمة على خلاف ما هى عليه من غير استناد ذلك الوصف الى علة موجبة للحل او الحرمة من الله تعالى- وقوله هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ بدل من الكذب او متعلق بتصف وما مصدرية اى لا تقولوا هذا حلل وهذا حرام لوصف السنتكم الكذب اى لا تحلوا ولا تحرموا بمجرد قول ينطق به السنتكم من غير دليل ووصف الالسنة بالكذب مبالغة فى وصف كلامهم بالكذب كانّ حقيقة الكذب كانت مجهولة وألسنتهم تصفها وتعرفها بكلامهم ولذلك عد من فصيح الكلام كقولهم وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ان الله حرم لهذا واللام لتعليل لا يتضمن الغرض إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ «1» لا يُفْلِحُونَ (116) مَتاعٌ قَلِيلٌ خبر مبتدا محذوف اى ما هم فيه متاع اى منفعة قليلة تنقطع عن قريب يفترون لاجله او مبتدا خبره محذوف يعنى لهم متاع قليل فى الدنيا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (117) فى الاخرة لاجل افترائهم-. وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ هذا فى سورة الانعام بقولنا وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وقوله من قبل متعلق بقصصنا او بحرمنا وَما ظَلَمْناهُمْ بتحريم بعض الطيبات وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ببغيهم فعوقبوا بتحريمها فيه تنبيه على ان التحريم قد يكون للمضرة فى الفعل والمصلحة فى الترك وقد يكون للعقوبة. ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ

_ (1) عن ابى النضرة قال قرأت هذه الاية فى سورة النحل وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ فلم ازل أخاف الفتيا الى يومى هذا- وعن ابن مسعود قال عسى رجل ان يقول ان الله امر بكذا ونهى عن كذا فيقول الله كذبت او يقول ان الله حرم كذا وأحل كذا فيقول الله له كذبت 12 ازالة الخفا- منه رح-

[سورة النحل (16) : آية 120]

لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ اى بسببها او متلبسين «1» بها ليعم الجهل بالله وبعقابه وعدم التدبر فى العواقب لغلبة الشهوة والسوء يعم الكفر والمعاصي ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا العمل إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها اى بعد التوبة لَغَفُورٌ لذلك السوء رَحِيمٌ (119) يثيب على الانابة-. إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قال فى القاموس الامة بالضم الرجل الجامع للخير والامام ومن هو على الحق ومخالف لسائر الأديان والنشاط والطاعة والعالم وغير ذلك من المعاني ذكرت منها ما يناسب المقام- وكان ابراهيم عليه السلام رجلا جامعا لفضائل لا تكاد توجد فى اشخاص كثيرة- وجعله الله اماما للناس وكان هو على الحق مؤمنا وحده مخالفا لسائر الأديان إذ كان حينئذ سائر الناس كفارا- وكان متصفا بالنشاط والطاعة فكان نشاطا وطاعة على طريقة زيد عدل وكان عالما بالله وأحكامه- قال ابن مسعود كان معلما للخير يأتم به اهل الدنيا- فهو فعلة بمعنى المفعول كالرحبة من امّه إذا قصده- وقال مجاهد كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار قانِتاً لِلَّهِ اى مطيعا لله قائما باوامره حَنِيفاً مائلا من الباطل وقيل مستقيما على دين الإسلام وقيل مخلصا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) رد لما زعمت قريش انهم على دين ابراهيم. شاكِراً لِأَنْعُمِهِ ذكر بلفظ القلة للتنبيه على انه لم يترك الشكر على القليل من النعم فكيف على الكثير اجْتَباهُ الله وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) الى دين الإسلام ودعوة الخلق الى الله. وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً يعنى الرسالة والخلة قال المجدد رضى الله عنه المراد بها الخلة فان كل أحد يظهر على خليله كل سر له بمحبه او محبوبه- ولاجل ذلك طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة مثل الصلاة عليه فقال اللهم صل على محمّد وال محمّد كما صليت على ابراهيم وال ابراهيم- ولمّا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتقيا الى أعلى درجات المحبوبية الصرفة لم يتركه المحبوبية ان يستقر فى مقام الخلة وان كانت فى الطريق لكونها أسفل وأحط مرتبة من المحبوبية الصرفة

_ (1) وفى الأصل ملتبسين-

[سورة النحل (16) : آية 123]

ولكن أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعطيه الله تعالى استقرار ذلك المقام علاوة على مقامه- ولمّا لم يتصور ذلك لما ذكرنا من المحبوبية أعطاه الله ذلك المقام بان اعطى لفرد من افراد أمته بطفيل اتباعه وهو المجدد للالف الثاني الشيخ احمد السرهندى قدسنا الله تعالى بسره- وذلك ان كل كمال للتابع فهو كمال لمتبوعه لانه كالجزء من كماله وحاصل بمتابعته فالله سبحانه أجاب دعوته صلى الله عليه وسلم بعد الف سنة من هجرته حتّى تم دولته وسلطانه كما يتم دولة السلاطين بفتح بعض امرائه القلاع المغلقة بسطوته وقهرمانه صلى الله تعالى عليه واله واتباعه كما صلى على ابراهيم واله واتباعه- وقيل هى اللسان الصدق والثناء الحسن فان جميع اهل الأديان يثنون عليه- وقال مقاتل بن حبان يعنى الصلاة عليه فى قول هذه الامة اللهم صل على محمّد وال محمّد كما صليت على ابراهيم وقيل أولادا أبرارا على الكبر وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) اى من الأنبياء المعصومين فان كمال الصلاح بالعصمة ومقتضى العصمة فى الاخرة بقاء ثواب كل حسنة بلا احتمال حبط شيء منها وذلك مختص بالمعصومين فان من عمل سيئة صغيرة او كبيرة يحتمل ذهاب بعض حسناته فى مقابلة تلك السيئة فى الميزان ان لم يتداركه رحمة الله ومغفرته كانّ هذه الاية بيان لاستجابة دعوته حيث قال أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ-. ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا محمّد أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً فى التوحيد والدعوة الى الله بالرفق وإيراد الدلائل مرة بعد اخرى والمجادلة مع كل أحد على حسب فهمه وفى التوجه الى قبلته فى الصلاة والتشرع بشرائع دينه وهذه الجملة من تتمة ما أنعم الله على ابراهيم على قنوته وشكره على ما أنعم الله عليه- وفى كلمة ثم تعظيم لمنزلة نبينا صلى الله عليه وسلم وإجلال محله والإيذان بان اشرف ما اوتى خليل الله من الكرامة اتباع رسولنا ملته صلى الله عليهما وسلم (فائدة) امر الله تعالى رسولنا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة ابراهيم عليه السلام لان نبينا صلى الله عليه وسلم كان شائقا لمرتبة الخلة وكان كثير المحبة به عليه السلام يدل عليه قوله تعالى قَدْ نَرى

[سورة النحل (16) : آية 124]

تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها قال البغوي كان النبي صلى الله عليه وسلم مامورا بشريعة ابراهيم عليه السلام الا ما نسخ فى شريعته وما لم ينسخ صار شرعا له وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) كرر هذا ردّا على زعم اليهود والنصارى واهل مكة انهم على دينه-. إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ يعنى انما جعل تعظيم السبت وتحريمه والتخلي فيه للعبادة مفروضة عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ يعنى خالفوا فيه نبيهم- قال الكلبي أمرهم موسى عليه السلام بالجمعة وقال تفرغوا لله فى كل سبعة ايام يوما فاعبدوه يوم الجمعة ولا تعملوا فيه لصنعتكم وستة ايام لصناعتكم- قالوا لا نريد الا اليوم الّذي فرغ الله فيه من الخلق يوم السبت- فجعل الله ذلك اليوم عليهم وشدد عليهم- ثم جاءهم عيسى عليه السلام بيوم الجمعة فقالوا لا نريد ان يكون عيدهم بعد عيدنا فاتخذوا الأحد- فاعطى الله الجمعة هذه الامة فقبلوها وبورك لهم فيها- روى الشيخان فى الصحيحين من حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد انهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم- ثم هذا يومهم الله فرض عليهم يعنى الجمعة فاختلفوا فيه فهدانا له والناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد- وروى البغوي هذا الحديث وزاد فى آخره قال الله تعالى إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ- وفى رواية لمسلم عنه وعن حذيفة نحوه وقالا فى اخر الحديث نحن الآخرون من اهل الدنيا الأولون يوم القيامة المقضى لهم قبل الخلائق- وقيل معنى الاية ما فرض الله تعظيم السبت وتحريمه الأعلى الذين اختلفوا فيه يعنى اليهود فقال قوم هو أعظم الأيام لان الله فرغ من خلق الأشياء يوم الجمعة ثم سبت يوم السبت- وقال قوم بل أعظم الأيام يوم الأحد لان الله ابتدا فيه خلق الأشياء فاختاروا تعظيم غير ما فرض عليهم- وقد افترض الله عليهم تعظيم يوم الجمعة وقيل معنى الاية انما جعل السبت لعنة ومسخا على الذين اختلفوا فيه قال قتادة هم اليهود استحله بعضهم يعنى اصطادوا فيه السمك وحرّمه

[سورة النحل (16) : آية 125]

بعضهم وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) بالمجازاة على الاختلاف فيجازى كل فريق بما يستحقه-. ادْعُ الناس يا محمّد إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ اى الى الإسلام بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ يعنى بالقران الّذي هو محكم المقالات لا يتطرق اليه الطعن والمعارضة وهو الدليل الموضح للحق المزيح للشبهات وهو الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب وقيل الموعظة الحسنة هى القول اللين الرقيق من غير غلظة ولا تعسف وَجادِلْهُمْ اى خاصم الناس وناظرهم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ اى بالخصومة الّتي هى احسن الخصومات وهى المناظرة على وجه لا يتطرق اليه طغيان النفس ولا وسواس الشيطان بل يكون خالصا لوجه الله وإعلاء كلمته إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) يعنى انما عليك البلاغ والدعوة واما حصول الهداية والمجازاة عليها وعلى الضلالة فلا إليك بل الله اعلم بالضالين والمهتدين وهو المجازى لهم والله اعلم- روى الحاكم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين فاء الناس من القتال يوم أحد فقال رجل رايته عند تلك الصخرة وهو يقول انا اسد الله واسد رسوله اللهم ابرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعنى أبا سفيان وأصحابه واعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم- فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه فلما راى جثته بكى فلما راى ما مثل به شهق ثم قال الا كفن فقام رجل من الأنصار فرمى بثوبه عليه ثم قام اخوه فرمى بثوبه عليه فقال يا جابر هذا الثوب لابيك وهذا العمى- وقال صلى الله عليه وسلم رحمة الله عليك فانك كنت كما علّمتك فعولا للخيرات وصولا للرحم- لولا ان تحزن صفية وفى لفظ نساؤنا وفى لفظا ولا حزن ما بعدك عليك وتكون سنة من بعدك لتركتك حتّى تحشر فى بطون السباع وحواصل الطير- ثم قال ابشروا جاءنى جبرئيل فاخبرنى ان حمزة مكتوب فى اهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب اسد الله واسد رسوله- وقال لان ظفرنى الله تعالى على قريش فى موطن

[سورة النحل (16) : آية 126]

من المواطن لامثلن بسبعين منهم مكانك- فلمّا راى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا والله لان ظفرنا الله تعالى يوما بهم من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب- قال ابو هريرة كما رواه ابن سعد والبزار وابن المنذر والبيهقي فى الدلائل والحاكم فنزل جبرئيل (والنبي صلى الله عليه وسلم واقف) بخواتيم سورة النحل. وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ العقوبة والعقاب هو جزاء السيئة وانما سمى الفعل الاول عقوبة وانما هى الثانية لازدواج الكلام كما فى قوله تعالى وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها مع ان الثانية ليست بسيئة والمعنى لا تجاوزوا فى جزاء السيئة عن المماثلة وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ عن الانتقام والمعاقبة لَهُوَ اى الصبر خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) من الانتقام وضع المظهر موضع المضمر والتقدير فهو خير لكم ثناء من الله عليهم بانهم صابرون على الشدائد- حث الله سبحانه على العفو تعريضا بقوله وَإِنْ عاقَبْتُمْ وتصريحا على الوجه الاكد بقوله وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ الاية- ثم صرح بالعفو لرسوله صلى الله عليه وسلم لانه اولى الناس به لوفور علمه ووثوقه عليه فقال. وَاصْبِرْ على أذى الكفار وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ اى بتوفيقه واعانته وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ اى على الكافرين او على المؤمنين وما فعل بهم وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ اى ضيق صدر مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) اى الكفار بالمؤمنين يعنى لا تهتم بمكرهم فانا ناصرك عليهم وعلينا جزاؤهم- قرا ابن كثير هاهنا وفى النمل ضيق بكسر الضاد والباقون بالفتح فى الموضعين وهما لغتان كالقول والقيل- وقال ابو عمرو الضيق بالفتح الغم وبالكسر الشدة وقال ابو عبيدة الضيق بالكسر قلة فى المعاش والمساكن فاما ما كان فى القلب والصدر فانه بالفتح وهذان القولان يأبى عنهما كتاب الله فان القرائتين متواترتان والمراد انما هو الغم فالصحيح ما قالوا انهما لغتان بمعنى- وقال ابو قتيبة الضيق بالفتح تخفيف ضيّق مثل هين وهيّن ولين وليّن فعلى هذا هو صفة كانه قال فلا تكن فى امر ضيّق من مكرهم. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا المعاصي وَالَّذِينَ هُمْ

مُحْسِنُونَ (128) فى أعمالهم او مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا الله بتعظيم امره وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ بالشفقة على خلقه- او مع الّذين اتّقوا العدوان فى المعاقبة وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ الى الناس بالعفو فالله معهم بالولاية والفضل والعون والنصر «1» معية ذاتية لا كيف لها- قال ابو هريرة فى الحديث المذكور الّذي رواه ابن سعد وغيره فكفّر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه وامسك عن الّذي أراد وصبر يعنى لما نزلت لهذه الآيات- وروى ابن المنذر والطبراني والبيهقي عن ابن عباس نحو ما روى عن ابى هريرة رضى الله عنهم فى شأن نزول الاية- وقد ذكرنا فى صدر السورة رواية ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء فى نزول الاية نحوه- وروى الترمذي وحسنه وعبد الله بن الامام احمد فى زوائد المسند والنسائي وابن المنذر وابن خزيمة وابن حبان والضياء فى صحيحيهما عن أبيّ بن كعب رضى الله عنه قال لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار اربعة وستون رجلا ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم- فقالت الأنصار لان أصبنا منهم يوما مثل هذا لنرثينّ عليهم- فلما كان فتح مكة انزل الله تعالى وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ «2» خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصبر ولا نعاقب كفوا عن القوم الا اربعة- وقال البغوي نزلت الاية فى شهداء أحد وذلك ان المسلمين لما راوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد من تبقير البطون والمثلة السيئة حتّى لم يبق أحد من قتلى المسلمين الأمثل به- غير حنظلة بن الراهب غسيل الملائكة فان أباه أبا عامر الراهب (قلت الّذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الفاسق) كان مع ابى سفيان فتركوا حنظلة لذلك- فقال المسلمون حين راوا ذلك لان أظهرنا الله عليهم لنزيدن على صنيعهم ولنمثلنّ بهم مثلة لم يفعلها أحد من العرب بأحد- فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة وقد جدعوا انفه واذنه وقطعوا مذاكيره وبقروا بطنه- وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ثم اشترطتها لتأكلها فلم تلبث فى بطنها حتّى رمت بها- فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال اما انها لو اكلتها لم تدخل النار ابدا- حمزة أكرم على الله من ان يدخل شيئا من جسده النار- فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى عمه حمزة نظر الى شيء لم ينظر الى شيء

_ (1) وفى الأصل ومعية ذاتية (2) وفى الأصل فهو-

قط كان أوجع لقلبه منه فقال صلى الله عليه وسلم رحمة الله عليك أبا السائب فانك ما علمت ما كنت الا فعالا للخيرات وصولا للرحم ولولا حزن من بعدك عليك لسرّنى ان أدعك حتّى تحشر من أفواج شتى- اما والله لان ظفرنى الله بهم لامثلن منهم بسبعين مكانك فانزل الله تعالى هذه الآيات فقال صلى الله عليه وسلم بل نصبر وامسك عما أراد وكفّر عن يمينه- (فائدة) حديث أبيّ بن كعب يدل على تأخر نزول الآيات الى الفتح وفى حديث ابى هريرة وابن عباس وعطاء بن يسار رضى الله عنهم نزولها بأحد- وجمع ابن الحصار بانها نزلت اولا بمكة ثم ثانيا بأحد ثم ثالثا بعد الفتح تذكيرا من الله لعباده- قال البغوي قال ابن عباس والضحاك رضى الله عنهم كان حكم هذه الاية قبل نزول براءة حين امر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال من قاتله ومنع من الابتداء بالقتال فلما أعز الله الإسلام واهله ونزلت براءة وأمروا بالجهاد نسخت هذه الاية- وقال النخعي والثوري والسدى ومجاهد وابن سيرين رحمهم الله الاية محكمة نزلت فيمن ظلم بظلامة فلا يحل له ان ينال من ظالمه اكثر مما نال الظالم منه امر بالجزاء او العفو ومنع من الاعتداء مسئلة المثلة لا يجوز اجماعا روى ابن إسحاق عن سمرة بن جندب رضى الله عنه قال ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مقام قط ففارقه حتّى امر بالصدقة ونهى عن المثلة- وقد روى فى النهى عن المثلة أحاديث كثيرة والله اعلم- تم تفسير سورة النحل من التفسير المظهرى (ويتلوه ان شاء الله تعالى تفسير سورة بنى إسرائيل) ثانى رجب من السنة الثانية بعد المائتين والف (سنة 1202) من الهجرة والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله واله وأصحابه أجمعين- تمت.

فهرس سورة بنى إسرائيل من التفسير المظهرى

فهرس سورة بنى إسرائيل من التّفسير المظهرى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحه ما ورد فى الاسراء من المسجد الحرام او من بيت أم هانى- 298 ما ورد فى الاسراء فى المنام- 400 قصة انكار قريش ونعته صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى- 402 قصة إفساد بنى إسرائيل فى الأرض بالمعاصي 404 وقتل شعيا وزكريا ويحيى وقصد قتل عيسى عليهم السلام 404 وانتقامه تعالى منهم بان سلط عليهم بخت نصر وغيره- 411 ما ورد فى إعطاء صحف الأعمال من تحت العرش بالايمان والشمائل- 421 مسئلة هل يثبت وجوب الشرائع قبل بعثة الأنبياء بالعقل قيل لا وجوب أصلا وقيل يجب التوحيد دون الأعمال- 421 حديث بعث النار من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين- 422 ما ورد فى ان اهل الفترة ومن لم يبلغه دعوة الرسل يمتحنون فى الاخرة وتحقيق ذلك- 422 فصل فى اقوال العلماء فى أطفال المشركين وما ورد من الأحاديث فيهم والإجماع على ان ذرارى المؤمنين فى الجنة والتحقيق فى هذا المقام- 424 ما ورد فى حقوق الوالدين- 430 فى إيتاء ذوى القربى- 433 ما ورد فى التبذير والإمساك والافراط فى الانفاق- 434 فى النهى عن قتل الأولاد- 436 فى النهى عن الزنى- 436 فصل فيما ورد فى القتل بغير حق- 437 فى النهى عن اتباع ما لا علم له به وفى العمل بالادلة الظّنّيّة- 439 ما ورد فى التواضع والنهى عن التفاخر والبغي والتكبر- 441 البحث فى تسبيح الجمادات وغيرها- 443

مضمون صفحه ما ورد فى بعث المؤمنين من القبور حامدين وبعث الكفار قائلين يا حسرتى ونحو ذلك- 447 حديث أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب الحديث- 451 بحث افضلية البشر على الملائكة- 459 حديث تفضل صلوة الجمع على صلوة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا- 466 ويجتمع ملائكة الليل والنهار فى صلوة الفجر- الأحاديث الواردة فى قيام الليل فى رمضان وغيره قبل ان ينام- 466 مسئلة التهجد اخر الليل أفضل واكثر ثوابا منها أول الليل- 467 مسئلة هل كانت التهجد فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم او نافلة 467 والمختار انها كانت له نافلة وما يدل على ذلك- 468 مسئلة التهجد من السنن المؤكدة- 468 فصل كيف كان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يتهجد من الليل- 468 ما ورد فى المقام المحمود والصحيح انه مقام للشفاعة 471 الأحاديث الواردة فى الشفاعة الكبرى- 471 شفاعة الاراحة من كرب الموقف 471 يكون للنبى صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات- 475 مسئلة قالت الخوارج والمعتزلة لا شفاعة لاهل الكبائر وانهم مخلدون فى النار وقد بلغت الأحاديث فى ثبوت الشفاعة لهم الى حد التواتر- من أنكر الشفاعة فلا نصيب له فيها- 477 فصل فى شفاعة غير نبينا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء وغيرهم- 480 قال المجدد رضى الله عنه لصلوة التهجد مدخلا عظيما فى مقام الشفاعة- 481 ما ورد فى اقتضاء الاستعدادات وتحقيق معنى الاستعداد- 484 ما ورد فى رفع القران من المصاحف والصدور قبل يوم القيامة وما ورد فى قبض العلم بقبض العلماء او بذهاب توفيق العمل بالعلم- 488 يحشر الكفار يوم القيامة يمشون على وجوههم او يسحبون عليها- 494

مضمون صفحه ما ورد فى حشر الكفار عميا وبكما وصمّا- 494 وما ورد بخلاف ذلك ووجه التطبيق بينهما- 494 بيان تسع بينات اوتى موسى 496 استحباب البكاء من خشية الله 500 ما ورد فى عين بكت من خشية الله وعين سهرت فى سبيل الله- 500 قوله صلى الله عليه وسلم لابى بكر ارفع صوتك قليلا فى القراءة فى صلوة الليل ولعمر اخفض قليلا- 503 كيف كان قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى فى الصلاة بالليل- 503 حديث اية العز الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الاية- 504 ما ورد فى فضل التحميد والتهليل والتسبيح والتكبير- 504 حديث كان إذا افصح الولد من بنى عبد المطلب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الاية- 504 تمت 24 رمضان سنة 1202 هـ.

سورة بنى إسرائيل

سورة بنى إسرائيل مائة واحدى عشرة اية مكية الا وان كادوا ليفتنونك الى اخر ثمان آيات ربّ يسّر وتمّم بالخير «1» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُبْحانَ اسم بمعنى التسبيح الّذي هو التنزيه وقد يستعمل علما له فيقطع عن الاضافة وبمنع الصرف وانتصابه بفعل متروك إظهاره تقديره سبحوا الله سبحان او اسبح الله سبحانه- ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسده ودل على التنزيه البليغ وتصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد ويكون بمعنى التعجب الَّذِي أَسْرى يعنى سيّر ليلا بِعَبْدِهِ محمّد صلى الله عليه وسلم لَيْلًا منصوب على الظرف وفائدة ذكره مع ان الاسراء لا يكون الا بالليل الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الاسراء مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كما فى الصحيحين عن انس عن مالك بن صعصعة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا انا فى المسجد الحرام بين النائم واليقظان إذا تأنى جبرئيل بالبراق- وفى لفظ بينما انا فى الحطيم مضطجعا إذا تأنى ات الحديث- وقد ذكرناه فى تفسير سورة النجم- وقيل كان الاسراء من دار أم هانى فالمراد بالمسجد الحرام حينئذ الحرم سماه المسجد الحرام لان كله مسجد- او لانه محيط به ليطابق المبدا المنتهى- ويدل على كون النبي صلى الله عليه وسلم فى البيت دون المسجد ما فى الصحيحين عن انس عن ابى ذر

_ (1) الخطبة من الناشر-

يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال ففرج عنى سقف بيتي وانا بمكة الحديث وذكرناه ايضا فى سورة النجم- وما رواه ابو يعلى فى مسنده والطبراني فى الكبير من حديث أم هانى انه كان فى بيت أم هانى فاسرى به فرجع من ليلته وقص القصة عليها- وقال مثل لى النبيون فصليت بهم- ثم خرج الى المسجد واخبر به قريشا فتعجبوا منه استحالة- وارتد ناس ممن أمن به- وسعى رجال الى ابى بكر فقال ان كان قال ذلك فقد صدق قالوا أتصدقه على ذلك قال انى لاصدقه على ابعد من ذلك وسمى بذلك الصديق- واستنعته طائفة سافروا الى بيت المقدس فحلى له فطفق ينظر اليه وينعته لهم فقالوا اما النعت فقد أصاب فقالوا أخبرنا عن عيرنا فاخبرهم بعدد جمالها وأموالها وقال يقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جملا أورق- فخرجوا يشتدون الى الثنية فصادفوا العير كما أخبرهم ثم لم يؤمنوا او قالوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ- وقلت ويمكن الجمع بين الحديثين بتعدد المعراج مرة من الحطيم ومرة من بيت أم هانى- قال البغوي قال مقاتل كانت ليلة الاسراء قبل الهجرة بسنة يقال كان فى رجب وقيل فى شهر رمضان- إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يعنى البيت المقدس سمى أقصى لبعده من المسجد الحرام ولم يكن حينئذ وراءه مسجد- وتعجب قريش لبعده واستحالوه قال البيضاوي والاستحالة مدفوعة بما ثبت فى الهندسة ان ما بين طرفى قرص الشمس ضعف ما بين طرفى كرة الأرض مائة ونيفا وستين مرة- ثم ان طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الا على فى الأقل من ثانية- وقد برهن فى الكلام ان الأجسام متساوية فى قبول الاعراض وان الله تعالى قادر على كل شيء من الممكنات فيقدر ان يخلق مثل هذه الحركة السريعة او اسرع منها فى بدن النبي صلى الله عليه وسلم او فيما يحمله- والتعجب من لوازم المعجزات الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ بالأنهار والأشجار والثمار وقال مجاهد سماه مباركا لانه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحى ومنه يحشر الناس يوم القيامة لِنُرِيَهُ يعنى عبده محمّدا صلى الله عليه وسلم مِنْ آياتِنا اى بعض عجائب قدرتنا كذهابه فى برهة من الليل الى مسيرة أربعين ليلة ومن هناك الى السموات وتمثيل الأنبياء له وما راى فى تلك الليلة من آيات

ربه الكبرى- وصرف الكلام من الغيبة الى التكلم لتعظيم تلك الآيات إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاقوال النبي صلى الله عليه وسلم والمجيب لدعائه الْبَصِيرُ (1) لافعاله وأحواله الحفيظ له فى ظلمة الليل- قال البغوي وروى عن عائشة انها كانت تقول ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الله اسرى بروحه- يعنى فى المنام ويدل عليه ما رواه البخاري من حديث انس بن مالك يقول ليلة اسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة انه جاء ثلاثة نفر قبل ان يوحى اليه وهو نائم فى المسجد الحرام فقال أولهم ايّهم هو فقال أوسطهم هو خيرهم فقال آخرهم خذوا خيرهم- فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتّى أتوه ليلة اخرى فيما يرى قلبه وينام عينه ولا ينام قلبه- وكذلك الأنبياء ينام أعينهم ولا ينام قلوبهم- فلم يكلموه حتّى احتملوه فوضعوه عند زمزم فشق جبرئيل ما بين نحره الى لبته حتّى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده- وساق حديث المعراج بقصته- فاذا هو فى السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات عنصرهما- ثم مضى به فى السماء فاذا هو بنهر اخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فاذا هو مسك أذفر- قال ما هذا يا جبرئيل قال هذا الكوثر الّذي خبأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي الى السماء السابعة وقال قال موسى رب لم أظن ان يرفع علىّ أحد- ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا الله- حتّى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى- حتّى كان منه قاب قوسين او ادنى فاوحى اليه ما اوحى خمسين صلوة كل يوم وليلة فلم يزل يردده موسى الى ربه حتّى صارت الى خمس صلوات- ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال يا محمّد والله لقد راودت بنى إسرائيل قومى على ادنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه- وأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وابصارا واسماعا - فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم الى جبرئيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرئيل- فرفعه عند الخامسة فقال يا رب ان أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم واستماعهم وأبدانهم فخفف عنا- فقال الجبار يا محمّد فقال لبيك وسعديك- قال انه

لا يبدل القول لدىّ كما فرضت عليك فى أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهى خمسون فى أم الكتاب وهى خمس عليك- فقال موسى ارجع الى ربك فسئله فليخفف عنك ايضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله «1» قد استحييت من ربى فيما اختلفت عليه- قال فاهبط بسم الله فاستيقظ وهو فى المسجد الحرام- وروى مسلم هذا الحديث مختصرا فان قوله فاستيقظ وهو فى المسجد الحرام يدل على كونه رؤيا فى المنام- والأكثرون على ان الله تعالى اسرى بعبده محمّد «2» صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج بجسده فى اليقظة وتواترت الاخبار الصحيحة بذلك وعليه انعقد الإجماع- ولو كان المعراج فى المنام لما أنكر عليه قريش إذ لا استبعاد فى الرؤيا- قال البغوي قال شيخنا الامام رضى الله عنه قد قال بعض اهل الحديث ما وجدنا لمحمّد بن اسمعيل ولمسلم فى كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا الا هذا الحديث المذكور الّذي يدل على كون الاسراء فى المنام بروحه وأحال الآفة فيه الى شريك بن عبد الله وأنكر ايضا على ان ذلك قبل ان يوحى اليه- وقد اتفق اهل العلم على ان المعراج كان بعد الوحى بنحو من اثنى عشر سنة قبل الهجرة بسنة- ثم قال البغوي قال شيخنا الامام هذا الاعتراض عندى لا يصح لان هذا كان رؤيا فى المنام أراه الله تعالى قبل الوحى- ثم عرج به فى اليقظة بعد الوحى قبل الهجرة بسنة تحقيقا لرؤياه من قبل- كما انه راى فتح مكة فى المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقّقه سنة ثمان والله اعلم- قال البغوي روى انه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة اسرى به فكان بذي طوى قال يا جبرئيل ان قومى لا يصدقونى قال يصدقك ابو بكر وهو الصديق- قال البغوي قال ابن عباس وعائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان ليلة اسرى بي فاصبحت بمكة قطعت بامرى وعرفت ان الناس مكذبى- فروى انه صلى الله عليه وسلم قعد معتزلا محزونا- فمر به ابو جهل فجلس اليه فقال له كالمستهزئ هل استفدت من شيء- قال نعم قال انى اسرى بي الليلة قال الى اين قال الى بيت المقدس قال ثم أصبحت بين ظهر أنينا قال نعم- فلم ير ابو جهل ان ينكر ذلك مخافة ان يجحده الحديث ثم قال أتحدث قومك بما حدثتنى قال نعم- فقال ابو جهل يا معشر بنى كعب بن لوى هلم- قال فانتقضت المجالس

_ (1) وفى الأصل قد والله استحييت (2) وفى الأصل محمّدا

فجاءوا حتّى جلسوا إليهما- قال فحدث قومك ما حدثتنى قال نعم انى اسرى بي الليلة قالوا الى اين قال الى بيت المقدس قالوا ثم أصبحت بين ظهرانينا قال نعم- قال فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا- وارتد ناس ممن كان أمن به وصدقه- وسعى رجل من المشركين الى ابى بكر فقال هل لك فى صاحبك يزعم انه اسرى به الليلة الى بيت المقدس- قال أوقد قال ذلك قالوا نعم قال ان كان قال ذلك لصدق- قالوا وتصدقه انه ذهب الى بيت المقدس فى ليلة وجاء قبل ان يصبح قال نعم انى لاصدقه بما هو ابعد من ذلك أصدقه بخبر السماء فى غدرة وروحة- فلذلك سمى ابو بكر الصديق قال وفى القوم من قد اتى المسجد الأقصى فقالوا هل تستطيع ان تنعت لنا المسجد قال نعم- قال فذهبت انعت وانعت فما زلت انعت حتّى التبس علىّ بعض النعت- قال فجيء بالمسجد وانا انظر اليه حتّى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد وانا انظر اليه- فقالوا اما النعت فو الله لقد أصاب ثم قالوا يا محمّد أخبرنا عن عيرنا فهى أهم إلينا فهل لقيت منها شيئا- قال نعم مررت على عير بنى فلان وهى بالروحاء قد أضلوا بعيرا لهم وهم فى طلبه- وفى رحالهم قدح من ماء فعطشت فاخذته فشربته ثم وضعته كما كان فسلوهم هل وجدوا الماء فى القدح حين رجعوا اليه قالوا هذه اية- قال ومررت بعير بنى فلان وفلان وفلان راكبان قعودا لهما بذي مر فنفر بعيرهما منى «1» فاسئلوهما عن ذلك قالوا وهذه اية- قالوا وأخبرنا عن عيرنا قال مررت بها بالتنعيم قالوا فما عدتها واحمالها وهيئتها قال كنت فى شغل عن ذلك ثم مثلت له مكانه بالحرورة بعدتها وهيئتها ومن فيها- قال نعم هيئتها كذا وكذا وفيها فلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان يطلع عليكم عند طلوع الشمس- قالوا وهذه اية فخرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون والله لقد قص محمّد شيئا وبيّنه حتّى أتوا كداء فجلسوا عليه فجعلوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذّبونه إذ قال قائل منهم والله هذه الشمس قد طلعت وقال الاخر والله وهذه الإبل قد طلعت يقدمها بعير أورق فيها فلان وفلان كما قال لهم فلم يؤمنوا وقالوا ان هذا السحر مبين- وروى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رايتنى فى الحجر وقريش تسئلنى عن مسراى- فسالنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها

_ (1) فرمى لفلان فانكسرت يده- كذا فى البغوي عبد الرّحمن غفر له مدرس ومفتى مدرسه امينيه دهلى

[سورة الإسراء (17) : آية 2]

فكربت كربا ما كربت مثله قط- فرفعه الله لى انظر اليه ما يسئلونى عن شيء الا انبأتهم به- وقد رايتنى فى جماعة من الأنبياء وإذا موسى قائم يصلى فاذا رجل ضرب جعد كانّه من رجال شنوة أشبه الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي- وإذا ابراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم (يعنى نفسه) فحانت الصلاة فاممتهم فلما فرغت من الصلاة قال لى قائل يا محمّد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت اليه فبدانى بالسلام- وروى البخاري فى الصحيح قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة اسرى به لقيت موسى (قال فنعته) فاذا هو رجل (حسبته قال) مضطرب رجل الرأس كانه من رجال شنؤة قال ولقيت عيسى (فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال) ربعة احمر كانّما خرج من ديماس يعنى الحمام ورايت ابراهيم وانا أشبه ولده به قال وأوتيت بانائين أحدهما فيه لبن والاخر فيه خمر فقيل لى خذ أيهما شئت فاخذت اللبن فشربته فقال لى هديت الفطرة او أصبت الفطرة اما لو أخذت الخمر غوت أمتك- وفى الصحيحين عن جابر انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمّا كذّبنى قريش فى الحجر فجلى الله بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وانا انظر اليه وقد ذكرنا أحاديث اخر فيها قصة المعراج الى السموات السبع وسدرة المنتهى فى سورة النجم. قوله تعالى وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التورية وَجَعَلْناهُ اى موسى او الكتاب هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا ان مفسرة لفعل دل عليه الكتاب يعنى كتبنا وفيه معنى القول تقديره كتبنا إليهم أَلَّا تَتَّخِذُوا او مقدر بحرف الجر يعنى لان لا تتّخذوا وقيل ان زائدة والقول مضمر- قرا ابو عمرو لا يتّخذوا بالياء التحتانية على الغيبة والباقون بالتاء الفوقانية على الخطاب مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ربّا تتوكلون عليه وتكلون اليه أموركم غيرى يا. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ فى السفينة فانجيناهم- فيه تذكير لانعام الله عليهم فى إنجاء ابائهم من الغرق بحملهم مع نوح فى السفينة ذرية منصوب على الاختصاص او النداءان قرئ لا تتخذوا بالتاء الفوقانية للخطاب او على انه أحد مفعولى لا تتخذوا ومن دونى حال من وكيلا فيكون

[سورة الإسراء (17) : آية 4]

كقوله تعالى وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً ... إِنَّهُ يعنى نوحا عليه السلام كانَ عَبْداً شَكُوراً (3) اى كثير الشكر اخرج ابن مردوية عن ابى فاطمة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كان نوح لا يعمل شيئا صغيرا ولا كبيرا الا قال بسم الله والحمد لله فسماه الله عبدا شكورا واخرج ابن جرير والطبراني عن سعد بن مسعود الثقفي الصحابي رضى الله عنه قال انما سمى نوح عبدا شكورا لانه كان إذا أكل او شرب او لبس ثوبا حمد الله وفيه حث على الشكر يعنى أنتم ذرية من أمن به وحمل معه فكونوا مثله-. قوله تعالى وَقَضَيْنا اى أوحينا وحيا مقضيّا مبتوتا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ التورية بانكم لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ ارض الشام وقال ابن عباس وقتادة كلمة الى بمعنى على ومعنى الاية وقضينا على بنى إسرائيل فى الكتاب اى اللوح المحفوظ لتفسدن جواب قسم محذوف او جواب لقضينا اجراء للقضاء المبتوت مجرى القسم مَرَّتَيْنِ إفسادتين اولا هما ان خالفوا احكام التورية وركبوا المحارم وقتلوا شعيا بن امضيا عليه السلام- وثانيتهما ان قتلوا زكريا ويحيى وقصدوا قتل عيسى عليهم السلام- وقيل اولاهما قتل زكريا وثانيتهما قتل يحيى وقصد قتل عيسى عليهم السلام وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (4) يعنى لتستكبرون عن طاعة الله وتظلمون الناس. فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما اى وعد عقاب اولاهما بَعَثْنا اى سلطنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا يعنى سخاريب من اهل نينوى كذا قال سعيد بن جبير وقال قتادة يعنى جالوت وجنوده الّذي قتله داؤد عليه السلام وقال ابن إسحاق بخت نصر البابلي قال البغوي وهو الأظهر أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ اى ذوى قوة وبطش فى الحرب فَجاسُوا اى تردّدوا خِلالَ الدِّيارِ اى وسط دياركم يطلبونكم ويقتلونكم قال الزجاج الجوس طلب الشيء بالاستقصاء وقال الفراء جاسوا اى قتلوكم بين بيوتكم وَكانَ وعد عقابكم وَعْداً مَفْعُولًا (5) اى لا بد ان يفعل. ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ اى الدولة والغلبة عَلَيْهِمْ اى على الذين بعثوا قال البيضاوي وذلك بان الله القى فى قلب بهمن بن إسفنديار لما ورث الملك من جده كستاسف بن لهراسف شفقة عليهم- فرد اسراهم الى الشام وملّك

[سورة الإسراء (17) : آية 7]

دانيال عليهم واستولوا على من كان فيها من اتباع بخت نصر او بان سلط داؤد على جالوت فقتله وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) ممّا كنتم والنفير من ينفر مع الرجل من قومه- وقيل هو جمع نفر على وزن عبيد والنفر قوم مجتمعون للذهاب الى العدو- فلما رد الله لهم الكرة عاد البلد احسن مما كان- قال الله تعالى. إِنْ أَحْسَنْتُمْ بالطاعة أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لان ثوابه لها والله تعالى غنى عن طاعتكم وَإِنْ أَسَأْتُمْ بالفساد فَلَها ذكر اللام موضع عليها ازدواجا يعنى وبالها عليها فَإِذا جاءَ وَعْدُ اى وقت وعد عقوبة المرة الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ اى بعثناهم ليسوءوا وجوهكم اى يجعلوها بادية اثار المساءة فيها- حذف بعثنا هاهنا لدلالة ذكره اولا عليه- قرا الكسائي ويعقوب «1» لنسوءا بالنون وفتح الهمزة على التكلم والتعظيم على وفق قضينا وبعثنا وقرا ابن عامر وحمزة وابو بكر بالياء التحتانية وفتح الهمزة على صيغة الغائب الواحد اى ليسوءا الله وجوهكم او ليسوءا الوعد او البعث والباقون بالياء التحتانية وضم الهمزة على صيغة الجمع المذكر للغائب اى ليسوءوا العباد أولوا البأس الشديد وجوهكم- قال البغوي سلط الله عليهم الفرس والروم وخردوش وططيوس حتّى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ يعنى بيت المقدس ونواحيه كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا اى ليهلكوا ما عَلَوْا اى ما غلبوا واستولوا عليه او مدة علوهم تَتْبِيراً (7) قال البغوي قال محمّد بن إسحاق كانت بنوا إسرائيل فيهم الأحداث والذنوب وكان الله فى ذلك متجاوزا عنهم محسنا إليهم وكان أول ما نزل بهم بسبب ذنوبهم كما اخبر الله على لسان موسى عليه السلام ان ملكا منهم كان يدعى صديقه وكان الله تعالى إذا ملك الملك عليهم بعث معه نبيّا يسدّده ويرشده لا ينزل عليهم الكتب انما يؤمرون باتباع التورية والاحكام الّتي فيها فلما ملك ذلك الملك بعث الله معه شعيا بن امضيا وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام- وشعيا

_ (1) ويعقوب مع ابى عمرو- ابو محمّد

هو الّذي بشر بعيسى ومحمّد عليهما الصلاة والسلام فقال أبشري أورشليم الان يأتيك راكب الحمار ومن بعده صاحب البعير- فملك ذلك الملك بنى إسرائيل وبيت المقدس زمانا فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث وشعيا معه بعث الله سخاريب ملك بابل معه ستمائة الف رأية فاقبل سائرا حتّى نزل حول بيت المقدس- والملك مريض فى ساقه قرحة- فجاء النبي شعيا فقال له يا ملك بنى إسرائيل ان سخاريب ملك بابل قد نزل بك هو وجنوده بستمائة الف رأية وقدها بهم الناس وفرقوا- فكبر ذلك على الملك فقال يا نبى الله هل أتاك وحي من الله فيما حدث فتخبرنا به كيف يفعل الله بنا وبسخاريب وجنوده- فقال لم يأتينى وحي فبينماهم على ذلك اوحى الله الى شعيا النبي عليه السلام ان ايت ملك بنى إسرائيل فمره ان يوصى وصية ويستخلف على ملكه من يشاء من اهل بيته- فاتى شعيا ملك بنى إسرائيل صديقة فقال ان ربك قد اوحى الىّ ان أمرك ان توصى وصيتك وتستخلف من شئت على ملكك من اهل بيتك فانك ميّت- فلما قال ذلك شعيا لصديقة اقبل على قبلته فصلّى ودعا وبكى فقال وهو يتضرع ويبكى ويتضرع الى الله بقلب مخلص- اللهم رب الأرباب واله الالهة يا قدوس المتقدس يا رحمان يا رءوف الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم اذكرني بعملي وفعلى وحسن قضائى على بنى إسرائيل وذلك كله منك وأنت اعلم به منى سرى وعلانيتى لك- وان الرحمان استجاب دعاءه وكان عبدا صالحا- فاوحى الله الى شعيا ان تخبر صديقة ان ربه قد استجاب له ورحمه واخّر اجله خمس عشرة سنة وأنجاه من عدوه سخاريب- فاتاه شعيا فاخبره بذلك- فلما قال له ذلك ذهب عنه الروع وانقطع عنه الحزن وخرّ ساجدا وقال يا الهى واله ابائى لك سجدت وسبحت وكرّمت وعظّمت أنت الّذي تعطى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء عالم الغيب والشهادة أنت الاول والاخر والظاهر والباطن وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرين أنت الّذي أجبت دعوتى ورحمت تضرعى فلما رفع رأسه اوحى الله الى شعيا ان قل للملك صديقة فيامر عبدا من عبيده فيأتيه بماء التين فيجعله على قرحته فيشفى فيصبح وقد برئ ففعل فشفى-

وقال الملك لشعيا سل ربك ان يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعيا قل انى قد كفيتك عدوك وانجيتك منهم وانهم سيصبحون كلهم موتى الا سخاريب وخمسة نفر من كتّابه- فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بنى إسرائيل ان الله قد كفاك عدوك- فاخرج فان سخاريب ومن معه قد هلكوا- فلمّا خرج الملك التمس سخاريب فلم يوجد فى الموتى فارسل الملك فى طلبه فادركه الطلب فى مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر- فجعلوهم فى الجوامع ثم أتوا بهم ملك بنى إسرائيل فلما راهم خرّ ساجدا من حين طلعت الشمس الى العصر- ثم قال لسخاريب كيف ترى فعل ربنا بكم الم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون- فقال سخاريب قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته الّتي يرحمكم بها قبل ان اخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقنى فى الشقوة إلا قلة عقلى ولو سمعت او عقلت ما غزوتكم- فقال صديقة الحمد لله رب العزة الّذي كفاناكم بما شاء ان ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ولكنه انما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة فى الدنيا وعذابا فى الاخرة- ولتخبروا من ورائكم بما رايتم من فعل ربنا بكم فتنذر من بعدكم- ولولا ذلك لقتلتكم ولدمك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت ثم ان ملك بنى إسرائيل امر امير حرسه فقذف فى رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وايليا وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم- فقال سخاريب لملك بنى إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فامر بهم الملك الى سجن القتل- فاوحى الى شعيا النبي عليه السلام ان قل لملك بنى إسرائيل يرسل سخاريب ومن معه لينذروا من ورائهم وليكرمهم وليحملهم حتّى يبلغوا بلادهم فبلّغ شعيا الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما امر به- فخرج سخاريب ومن معه حتّى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فاخبرهم كيف فعل الله بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله الى نبيهم فلم تطعنا وهى امة لا يستطيعها أحد مع ربهم- وكان امر سخاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعظة ثم لبث سخاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بخت نصر ابن ابنه فخلف بخت نصر على ما كان

عليه جده يعمل عمله فلبث سبع عشرة سنة- ثم قبض الله ملك بنى إسرائيل صديقة فمرج امر بنى إسرائيل وتنافسوا الملك بعده حتّى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعيا عليه السلام معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعيا تم فى قومك فاوحى على لسانك فلما قام النبي انطق الله على لسانه بالوحى فقال يا سماء اسمعي ويا ارض انصتى فان الله يريد ان يقص شأن بنى إسرائيل الذين رباهم بنعمته واصطنعهم لنفسه وخصّهم بكرامته وفضلهم على عباده- وهم كالغنم الضائعة الّتي لا راعى لها فاوى شاذتها وجمع ضالتها وجبر كسيرها وداوى مريضها واسمن مهزولها وحفظ سمينها- فلمّا فعل ذلك بطرت فتنا طحت فقتل بعضها بعضا حتّى لم يبق منها عظم صحيح يجبر اليه اخر كسير- فويل لهذه الامة الخاطئة الذين لا يدرون انّى جاءهم الحين- ان البعير مما يذكر وطنه فيستابه وان الحمار مما يذكر الارى الّذي يشبع عليه فيراجعه وان الثور مما يذكر الارى الّذي يشبع عليه فيراجعه وان الثور مما يذكر المرح الّذي سمن منه فينتابه- وان هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الحين وهم أولوا الألباب والعقول ليسوا ببقر ولاحمز انى ضارب لهم مثلا فليستمعوه قل لهم كيف ترون فى ارض كانت خواء زمانا خربة مواتا لا عمران فيها- وكان لها ربّ حكيم قوى فاقبل عليها بالعمارة وكره ان يخرب ارضه وهو قوى او ان يقال ضيع وهو حكيم فاحاط عليها جدارا وشيّد فيها قصرا وانط نهرا وصفّ فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها- وولّى ذلك واستحفظه ذا رأى وهمة حفيظا قويا أمينا فلمّا اطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض هذه- نرى ان يهدم جدارها وقصرها ويدفن نهرها ويقبض فمها ويحرق غرسها حتّى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها- قال الله قل لهم فان الجدار دينى وان القصر شريعتى وان النهر كتابى وان القيم نبيى وان الغراس هم- وان الخروب الّذي اطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وانى قد قضيت عليهم قضاء هم على أنفسهم وانه مثل ضربته لهم- يتقرّبون الىّ بذبح البقر والغنم وليس ينالنى اللحم

ولا أكله- ويدعون ان يتقرّبوا الىّ بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس الّتي حرمتها فايديهم مخضوبة منها وثيابهم متزملة بدمائها- ويشيدون لى البيوت مساجد ويطهرون أجوافها ويتنجسون قلوبهم وأجسادها ويدنسوها- ويروقون لى المساجد ويزيّنونها ويخربون عقولهم واخلاقهم ويفسدونها- فاىّ حاجة لى الى تشييد البيوت ولست أسكنها واىّ حاجة لى الى ترويق المساجد ولست أدخلها انما أمرت برفعها لا ذكر واسبح فيها- يقولون صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم تنور صلاتنا وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا ودعونا بمثل حنين الحمار وبكينا بمثل عواء الذئاب فى كل ذلك لا يستجاب لنا- قال الله فاسألهم ما الّذي يمنعنى ان استجيب لهم الست اسمع السامعين وابصر الباصرين واقرب المجيبين وارحم الراحمين- فكيف ارفع صيامهم وهم يلبّسونه بقول الزور يتقوون عليه بطعمة الحرام- وكيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية الى من يحاربنى ويحادّنى وينتهك محارمى- أم كيف يزكوا عندى صدقاتهم وهم يتصدقون باموال غيرهم انما اجر عليها أهلها المعصومين- أم كيف استجيب دعاءهم وانما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد انما استجيب للوادع اللين وانما اسمع قول المستعف المسكين- وان من علامة رضائى رضاء المساكين- يقولون لما سمعوا كلامى وبلّغتهم رسالتى انها أقاويل متقوّلة وأحاديث متوارثة وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة- وزعموا انهم لو شاءوا ان يأتوا بحديث مثله فعلوا- ولو شاءوا ان يطلعوا على علم الغيب بما يوحى إليهم الشياطين اطلعوا- وانى قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض قضاء أثبته وحتمته على نفسى وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد انه واقع فان صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى انفذه او فى اىّ زمان يكون- وان كانوا ان يقدرون على ان يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة الّتي بها أمضيه فانى مظهره على الدين كله ولو كره المشركون وان كانوا يقدرون على ان يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة الّتي بها ادبّر امر ذلك القضاء ان كانوا صادقين- وانى قد قضيت يوم خلقت السموات والأرض ان اجعل النبوة فى الاجراء وان اجعل

الملك فى الرعاء والعز فى الأذلاء والقوة فى الضعفاء والغنى فى الفقراء والعلم فى الجهلة والحكم فى الأميين- فسلهم متى هذا ومن القائم به ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره ان كانوا يعلمون- فانى باعث لذلك نبيّا اميّا ليس بفظّ ولا غليظ ولاصحاب فى الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للحياء- اسدده لكل خميل واهب له كل خلق كريم ثم اجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى امامه والإسلام ملته واحمد اسمه- اهدى به بعد الضلالة واعلم به من الجهالة وارفع به بعد الخمالة وأشهر به بعد النكرة واكثر به بعد القلة واغنى به بعد العيلة واجمع به بعد الفرقة واؤلف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتة وامم متفرقة- واجعل أمته خير امة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر توحيدا لى وايمانا بي وإخلاصا لى- يصلّون لى قياما وقعودا وركعا وسجودا- ويقاتلون فى سبيلى صفوفا وزحوفا- ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضوانى- الهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والمدحة والتمجيد لى فى مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم- يكبرون ويهللون ويقدسون على رءوس الاشراف ويطهرون لى الوجوه والأطراف ويعقدون الثياب على الانصاف- قربانهم دماؤهم وأناجيلهم صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار- وذلك فضلى أوتيه من أشاء وانا ذو الفضل العظيم- فلما فرغ شعيا من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فادركه الشيطان وأخذ بهدبة من ثوبه فاراهم إياها فوضعوا المنشار فى وسطها فنشروها حتّى قطعوها وقطعوه فى وسطها- واستخلف الله على بنى إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشية بن اموص وبعث لهم ارميا بن حلقيا نبيّا من سبط هارون بن عمران- وذكر ابن إسحاق انه الخضر عليه السلام واسمه ارميا سمى الخضر لانه جلس على فروة «1» بيضاء فقام عنها

_ (1) الفروة الأرض اليابسة وقيل الهشيم اليابس من النيان 12 نهايه منه رحمه الله [.....]

وهى تهتز خضراء فبعث الله ارميا الى ذلك الملك يسدده ويرشده ثم عظمت الأحداث فى بنى إسرائيل وركبوا المعاصي واستحلوا المحارم فاوحى الله الى ارميا ان ايت قومك من بنى إسرائيل فاقصص عليهم ما أمرك به وذكّرهم نعمى وعرفهم باحداثهم- فقال ارميا يا رب انى ضعيف ان لم تقولى عاجز ان لم تبلغنى مخذول ان لم تنصرنى- قال الله تعالى الم تعلم ان الأمور كلها تصدر عن مشيّتى وان القلوب والالسنة بيدي أقلبها كيف شئت انى معك ولم يصل إليك شيء معى- فقام ارميا فيهم ولم يدر ما يقول فالهمه الله فى الوقت خطبة بليغة بيّن لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية وقال فى آخرها عن الله عز وجل وانى حلفت بعزتي لأقيّضنّ لهم فتنة يتحير فيها الحليم ولا سلطنّ عليهم جبارا قاسيا البسه الهيبة وانزع من صدره الرحمة يتبعه عسكر مثل سواد الليل المظلم- ثم اوحى الله الى ارميا انى مهلك بنى إسرائيل بيافث ويافث اهل بابل فسلط الله عليهم بخت نصر فخرج عليهم فى ستمائة الف رأية ودخل بيت المقدس بجنوده ووطى الشام وقتل بنى إسرائيل حتّى أفناهم وخرّب بيت المقدس وامر جنوده ان يملا كل واحد منهم ترسه ترابا ثم يقذفه فى بيت المقدس ففعلوا ذلك حتّى ملاوه ثم أمرهم ان يجمعوا من فى بلاد بيت المقدس كلهم فاجتمع عندهم كل صغير وكبير من بنى إسرائيل فاختار منهم سبعين الف صبى- فلمّا خرجت غنائم جنده وأراد ان يقسمهم فيهم قالت له الملوك الذين كانوا معه ايها الملك لك الغنائم كلها واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بنى إسرائيل- فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فاصاب كل رجل منهم اربعة غلمة- وفرق من بقي من بنى إسرائيل ثلاث فرق فثلثا أقرّ بالشام وثلثا سبى وثلثا قتل- وذهب بناشية بيت المقدس وبالصبيان السبعين الالف حتّى أقدمهم بابل فكانت هذه الوقعة الاولى الّتي انزل ببني إسرائيل بظلمهم فذلك قوله تعالى فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يعنى بخت نصر وأصحابه- ثم ان بخت نصر اقام فى سلطانه ما شاء الله- ثم راى رؤيا أعجبته إذ راى

شيئا أصابه فانساه الّذي راى- فدعا دانيال وحنانيا وعزاريا وميشائيل وكانوا من ذرارى الأنبياء وسالهم عنها قالوا أخبرنا عنها نخبرك بتأويلها قال ما أذكرها ولان لم تخبرونى بها وبتأويلها لا نزعن أكتافكم- فخرجوا من عنده فدعوا الله وتضرعوا اليه فاعلمهم الّذي سالهم عنه فجاءوه فقالوا رايت تمثالا قدماه وساقاه من فخار وركبتاه وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره من ذهب ورأسه وعنقه من حديد (قال صدقتم) فبينا أنت تنظر اليه قد أعجبك أرسل الله صخرة من السماء فدقّته فهى الّتي أنسيتها- قال صدقتم فما تأويلها قالوا تأويلها انك اريت ملك الملوك بعضهم كان ألين ملكا وبعضهم كان احسن ملكا وبعضهم كان أشد ملكا- الفخار أضعفه ثم فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة احسن من ذلك وأفضل والذهب أفضل واحسن من الفضة ثم الحديد ملكك فهو أشد وأعز مما كان قبله والصخرة الّتي رايت أرسل الله من السماء فدقّته هى يبعثه الله من السماء فيدق ذلك اجمع ويصير الأمر اليه- ثم ان اهل بابل قالوا لبخت نصر ارايت هؤلاء الغلمان الّذي كنا سالناك ان تعطينا ففعلت فانا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا لقد راينا نساءنا انصرفت عنا وجوههن إليهم فاخرجهم من بين أظهرنا او اقتلهم قال شأنكم بهم فمن أحب منكم ان يقتل من كان فى يده فليفعل- فلما قربوهم الى القتل بكوا الى الله وقالوا يا رب أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فوعدهم الله ان يحييهم فقتلوا الا من استبقى بخت نصر منهم دانيال وحنانيا وعزاريا وميشائيل- ثم لما أراد الله هلاك بخت نصر انبعث فقال لمن فى يده من بنى إسرائيل ارايتم هذا البيت الّذي أخربت والناس الذين قتلت منهم فما هذا البيت- قالوا هذا بيت الله وهؤلاء اهله كانوا من ذرارى الأنبياء فظلموا وتعدّوا فسلطتّ عليهم بذنوبهم- وكان ربهم رب السموات والأرض ورب الخلق كلهم يكرّمهم ويعزّهم فلمّا فعلوا ما فعلوا اهلكهم وسلط عليهم غيرهم- فاستكبر وظن انه بجبروته فعل ذلك ببني إسرائيل قال فاخبرونى كيف لى ان اطلع الى السماء العليا فاقتل من فيها واتخذها ملكا فانى قد فرغت من ملك الأرض- قالوا ما يقدر عليها أحد من

الخلائق قال لتفعلن اولا قتلنكم عن آخركم فبكوا وتضرعوا الى الله فبعث الله عليه بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتّى عضت بام دماغه فما كان يقر ولا يسكن حتّى يؤجاله رأسه على أم دماغه فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على أم دماغه ليرى الله العباد قدرته- ونجّى الله من بقي من بنى إسرائيل فى يده فردّهم الى الشام فبنوا فيه وكثروا حتّى كانوا على احسن ما كانوا عليه ويزعمون ان الله تعالى أحيا أولئك الذين قتلوا فلحقوا بهم- ثم انهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم عهد من الله عز وجل وكانت التورية قد أحرقت- وكان عزير من السبايا الذين كانوا ببابل فرجع الى الشام يبكى عليها ليله ونهاره وقد خرج من الناس وهو كذلك- إذ اقبل اليه رجل وقال يا عزير ما يبكيك قال ابكى على كتاب الله وعهده الّذي كان بين أظهرنا لا يصلح دنيانا وآخرتنا غيره قال أفتحبّ ان ترد إليك ارجع فصم وتطهّر وطهّر ثيابك ثم موعدك هذا المكان غدا- فرجع عزير فصام وتطهّر وطهّر ثيابه ثم عهد الى المكان الّذي وعده فجلس فيه فاتاه ذلك الرجل باناء فيه ماء وكان ملكا بعثه الله اليه فسقاه من ذلك الإناء فتمثلت التورية فى صدره- فرجع الى بنى إسرائيل فوضع لهم التورية فاحبوه حبّا لم يحبوا حبه شيئا قط ثم قبضه الله- وجعلت بنو إسرائيل بعد ذلك يحدثون الأحداث ويعود الله عليهم ويبعث فيهم الرسل ففريقا يكذّبون وفريقا يقتلون حتّى كان اخر من بعث الله فيهم من أنبيائهم زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وكانوا من بيت ال داود فمات زكريا وقيل قتل زكريا- فلما رفع الله عيسى من بين أظهرهم وقتلوا يحيى بعث الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش فسار إليهم باهل بابل حتّى دخل عليهم الشام فلما ظهر عليهم امر رأسا من رءوس جنوده يدعى يبورز أذان صاحب الفيل فقال انى قد كنت حلفت بإلهي لان اظفرت على اهل بيت المقدس لاقتلنهم حتّى تسيل دماؤهم فى وسط عسكرى الا ان لا أجد أحدا اقتله- فامره ان يقتلهم حتّى يبلغ ذلك منهم وان يبورز أذان دخل بيت المقدس فقام فى البقعة الّتي كانوا يقربون فيها قربانهم- فوجد فيها دما يغلى

فسالهم فقال يا بنى إسرائيل ما شأن هذا الدم يغلى أخبروني خبره- قالوا هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فكذلك يغلى ولقد قرّبنا منذ ثمان مائة سنة القربان فيقبل منا الا هذا- فقال ما صدقتمونى قالوا لو كان كاول زماننا ليقبل منا ولكن قد انقطع منا الملك والنبوة والوحى فلذلك لم يقبل منا- فذبح منهم يبورز أذان على ذلك الدم سبعمائة وسبعين زوجا من رءوسهم فلم يهدأ- فأمر فاتى بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم على الدم فلم يبرد- فلما راى يبورز أذان ان الدم لا يهدا قال لهم يا بنى إسرائيل ويلكم اصدقونى (واصبروا على امر ربكم فقد طال ما ملكتم فى الأرض تفعلون فيها ما شئتم) قبل ان لا اترك منكم نافخ نار ذكر ولا أنثى الا قتلته- فلمّا راوا الجهد وشدة القتل صدقوا الخبر فقالوا ان هذا دم نبىّ كان ينهانا عن امور كثيرة من سخط الله فلو اطعناه فيها لكان ارشد لنا وكان يخبرنا يأمركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه- قال يبورز أذان ما كان اسمه قالوا يحيى بن زكريا قال الان صدقتمونى لمثل هذا ينتقم ربكم منكم- فلما راى يبورز أذان انهم صدقوه خر ساجدا وقال لمن حوله أغلقوا أبواب المدينة واخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوش وخلافى بنى إسرائيل- وقال يا يحيى بن زكريا قد علم ربى وربك ما أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم فاهدا بإذن ربك قبل ان لا أبقى من قومك أحدا فهدا الدم بإذن الله- ورفع يبورز أذان عنهم القتل وقال امنت بما امنت به بنو إسرائيل وأيقنت انه لا رب غيره- وقال لبنى إسرائيل ان خردوش أمرني ان اقتل منكم حتّى تسيل دماؤكم وسط عسكره وانى لست أستطيع ان أعصيه- قالوا له افعل ما أمرت به فامرهم فحفروا خندقا وامر باموالهم من الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم فذبحها حتّى سال الدم فى العسكر وامر بالقتلى الذين قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم- فلم يظن خردوش الا ان ما فى الخندق من بنى إسرائيل فلمّا بلغ الدم عسكره أرسل الى يبورز أذان ان ارفع عنهم القتل ثم انصرف الى بابل وقد أفنى بنى إسرائيل او كاد يفنيهم وهى الوقعة الاخيرة الّتي انزل الله لبنى إسرائيل فقوله تعالى لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ فكانت الوقعة الاولى بخت نصر وجنوده والاخرى خردوش وجنوده

[سورة الإسراء (17) : آية 8]

وكانت أعظم الوقعتين- فلم تقم بعد ذلك لهم رأية وانتقل الملك بالشام ونواحيها الى الروم واليونانية- الا ان بقايا بنى إسرائيل كثروا وكانت لهم الرياسة ببيت المقدس ونواحيها على غير وجه الملك- وكانوا فى نعمة الى ان بدلوا وأحدثوا الأحداث فسلط الله عليهم ططيوس بن اسيانوس الرومي فاخرب بلادهم وطردهم عنها ونزع الله عنهم الملك والرياسة وضرب عليهم الذلة فليسوا فى امة الا وعليهم الصغار والجزية وبقي بيت المقدس خرابا الى ايام عمر بن الخطاب رضى الله عنه فعمّره المسلمون بامره- وقال قتادة بعث الله عليهم فى الاولى جالوت فسبّى وخرّب ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم فى زمان داؤد- فاذا جاء وعد الاخرة بعث الله عليهم بخت نصر فسبّى وخرّب ثم قال. عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ فعاد الله عليهم بالرحمة ثم عاد القوم بشر ما بحضرتهم فبعث الله عليهم ما شاء نقمته وعقوبته- ثم بعث عليهم العرب كما قال وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ- فهم منهم فى عذاب الى يوم القيامة وذكر السدىّ بإسناده ان رجلا من بنى إسرائيل راى فى النوم ان خراب بيت المقدس على يدى غلام يتيم ابن ارملة بابل يدعى بخت نصر وكانوا يصدقون فتصدق رؤياهم- فاقبل يسئل عنه حتّى نزل على امه وهو يحتطب فجاء وعلى رأسه حزمة حطب فالقاها ثم قعدو كلمه ثم أعطاه ثلاثة دراهم فقال اشتر بهذا طعاما وشرابا فاشترى بدرهم لحما وبدرهم خبزا وبدرهم خمرا فاكلوا وشربوا- وفعل فى اليوم الثاني كذلك وفى الثالث كذلك- ثم قال انى أحب ان تكتب لى أمانا ان أنت ملكت يوما من الدهر قال أتستخر منى- فقال انى لا أسخر منك ولكن ما عليك ان تتخذ بها عندى يدا- فكتب له أمانا فقال ان جئت والناس حولك قد حالوا بينى وبينك- قال ترفع صحيفتك على قصبة فاعرفك فكتب له وأعطاه- ثم ان ملك بنى إسرائيل كان يكرّم يحيى بن زكريا عليه السلام ويدنى مجلسه وانه هوى بنت امرأته وقال ابن عباس ابنة أخته فسال يحيى فنهاه عن نكاحها- فبلغ ذلك أمها فحقدت على يحيى وعمدت حين جلس الملك على شرابه فالبستها ثيابا رقاقا حمرا وطيبتها وألبستها الحلي وأرسلتها الى الملك وأمرتها ان تسقيه- فان راودها على نفسه أبت عليه

حتّى يعطيها ما سالته- فاذا أعطاها سالته رأس يحيى بن زكريا ان يؤتى به فى طست- ففعلت فلما أرادها فقالت لا افعل حتّى تعطينى ما أسئلك قال ما تسئلنى قالت رأس يحيى بن زكريا فى هذا الطست فقال ويحك سلينى غير هذا- فقالت ما أريد الا هذا فلما أبت عليه بعث فاتى برأسه فوضع بين يديه والرأس يتكلم يقول لا تحل لك- فلمّا أصبح إذا دمه يغلى فامر بتراب فالقى عليه فاذا الدم يغلى والقى عليه من التراب حتّى بلغ سور المدينة وهو فى ذلك يغلى- فبعث صخابين ملك بابل جيشا إليهم وامّر عليهم بخت نصر فسار بخت نصر حتّى إذا بلغوا ذلك المكان تحصنوا منه فى مداينهم فلما اشتد عليه المقام أراد الرجوع- فخرجت اليه عجوز من عجائز بنى إسرائيل فقالت تريد ان ترجع قبل فتح المدينة قال نعم قد طال مقامى وجاع أصحابي- قالت ارايت ان فتحت لك المدينة تعطينى ما أسئلك فتقتل من أمرك بقتله وتكف إذا امرتك ان تكف قال نعم- قالت إذا أصبحت فاقسم جندك اربعة أرباع ثم أقم على كل زاوية ربعا ثم ارفعوا ايديكم الى السماء فنادوا انّا نستفتحك بالله بدم يحيى بن زكريا فانها سوف تساقط- ففعلوا فتساقطت المدينة ودخلوا من جوانبها فقالت كف يدك وانطلقت به الى دم يحيى بن زكريا عليهما السلام- وقالت اقتل على هذا الدم حتّى تسكن فقتل عليه سبعين الفا حتّى سكن- فلما سكن قالت كف يدك فان الله لم يرض إذا قتل نبى حتّى يقتل من قتله ومن رضى بقتله- وأتاه صاحب الصحيفة بصحيفته فكف عنه وعن اهل بيته فخرب بيت المقدس وطرح فيه الجيف وأعانه على خرابه الروم من أجل ان بنى إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا عليهما السلام وذهب معه وجوه بنى إسرائيل وذهب بدانيال وقوم من أولاد الأنبياء وذهب معه برأس جالوت- فلما قدم بابل وجد صخابين قد مات فملك مكانه- وكان أكرم الناس عنده دانيال وأصحابه فحسدهم المجوس ووشوا بهم اليه وقالوا ان دانيال وأصحابه يكذّبون إلهك ولا يأكلون ذبيحتك فسالهم- فقالوا أجل ان لنا ربّا نعبده ولسنا نأكل من ذبيحتكم فامر بخدّ فخدّ لهم والقوا فيه وهم ستة والقى معهم سبع صار ليأكلهم فذهبوا ثم راحوا فوجدوهم جلوسا والسبع مفترش ذراعيه معهم لم يخدش

منهم أحدا- ووجدوا معهم رجلا سابعا فقال ما هذا السابع انما كانوا ستة فخرج السابع وكان ملكا فلطمه لطمة فصار فى الوحش ومسخه الله سبع سنين- وذكر وهب ان الله تعالى مسخ بخت نصر نسرا فى الطير ثم مسخه ثورا فى الدواب ثم مسخه أسدا فى الوحش فكان مسخه سبع سنين وقلبه فى ذلك قلب انسان ثم رد الله اليه ملكه فامن- فسئل وهب أكان مؤمنا فقال وجدت اهل الكتاب اختلفوا فيه فمنهم من قال مات مؤمنا ومنهم من قال احرق بيت الله وكتبه وقتل الأنبياء فغضب الله عليه فلم يقبل توبته- قال السدىّ ثم ان بخت نصر لما رجع الى صورته بعد المسخ ورد الله اليه ملكه كان دانيال وأصحابه أكرم الناس عليه فحسدهم المجوس وقالوا لبخت نصر ان دانيال إذا شرب الخمر لم يملك نفسه ان يبول وكان ذلك فيهم عارّا فحمل لهم طعاما وشرابا فاكلوا وشربوا وقال للبواب انظروا أول من يخرج ليبول فاضربه بالطبرزين وان قال انا بخت نصر فقل كذبت بخت نصر أمرني- فكان أول من قام ليبول بخت نصر فلما راه شدّ عليه فقال ويحك انا بخت نصر فقال كذبت بخت نصر أمرني فضربه فقتل- قال البغوي هذا ما ذكره فى المبتدأ الا ان رواية من روى ان بخت نصر غزا بنى إسرائيل عند قتلهم يحيى بن زكريا عليهما السلام غلط عند اهل السير- بل هم مجمعون على ان بخت نصر انما غزا بنى إسرائيل عند قتلهم شعيا فى عهد ارميا ومن وقت ارميا وتخريب بيت المقدس الى مولد يحيى بن زكريا عليهما السلام اربعمائة واحدى وستون سنة وذلك انهم يعدون من لدن تخريب بخت نصر بيت المقدس الى حين عمرانه فى عهد كيرش بن اخشورش ابن اصبهبد بابل من قبل بهمن بن إسفنديار سبعين سنة ومن بعد عمرانه الى ظهور الإسكندر على بيت المقدس ثمانية وثمانين سنة ثم من بعد مملكته الى مولد يحيى بن زكريا ثلاثمائة وثلاثا وستين سنة والصحيح من ذلك ما ذكره محمّد بن إسحاق- عَسى رَبُّكُمْ يا بنى إسرائيل أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد ذلك ان أمنتم بمحمّد صلى الله عليه وسلم واصلحتم أعمالكم باتباع القران وَإِنْ عُدْتُمْ الى المعصية ومخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم عُدْنا الى العقوبة والانتقام فرحم الله من أمن منهم بمحمّد صلى الله عليه وسلم

[سورة الإسراء (17) : آية 9]

مثل عبد الله بن سلام ومن معه والنجاشي وكعب الأحبار وغيرهم وأثني عليهم بقوله مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ إلخ وبقوله وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ إلخ وعاد بنوا قريظة وبنوا النضير وأشباههم فارادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم وسحروه وجعلوا السم فى طعامه وحاربوه فعاد الله عليهم بالانتقام فقتل بنى قريظة واجلى بنى النضير وضرب عليهم الجزية يؤدونها عن يدوهم صاغرون وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) محبسا فى الاخرة لا يقدرون على الخروج منها ابدا- وقيل بساطا كما يبسط الحصير. إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي للحالة او للطريقة الّتي هِيَ أَقْوَمُ الحالات او الطرق وأعدلها او الكلمة الّتي هى اعدل وهى شهادة ان لا اله الا الله وَيُبَشِّرُ قرا حمزة والكسائي بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل يعنى يبشر القران الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ اى بان لهم أَجْراً كَبِيراً (9) اى الجنة. وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) اى النار عطف على أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً يعنى يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعذاب أعدائهم او على يبشّر بإضمار يخبر-. وَيَدْعُ الْإِنْسانُ سقط الواو من يدعو من اللفظ لاجتماع الساكنين ومن الخط توقيفا على خلاف القياس- يعنى يدعو الله عند غضبه على نفسه واهله وماله بِالشَّرِّ او يدعوه بما يحسبه خيرا وهو شر كمن يدعو ان يعطى الله حظه فى الدنيا دُعاءَهُ اى مثل دعائه بِالْخَيْرِ وذلك ان يعطيه ربه فى الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة ويقيه من النار ولو استجاب الله دعاءه على نفسه لهلك ولكن الله تعالى قد لا يستجيب بفضله عليه وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (11) يسارع الى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته فيدعو على نفسه ما يكره ان يستجاب له وقال ابن عباس يدعو ضجر الا صبر له على سراء ولا على ضراء- قيل المراد بالإنسان آدم فانه لما انتهى الروح الى سرته ذهب لينهض فسقط- أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما وروى الواقدي فى المغازي من

[سورة الإسراء (17) : آية 12]

طريق مولى عائشة عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها بأسير فقال احتفى به قالت فلهرت مع امراة فخرج ولم أشعر- فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فسال عنه فقالت لا أدرى وغفلت عنه فخرج فقال قطع الله يدك ثم خرج عليه السلام فصاح به فخرجوا فى طلبه حتّى وجدوه- ثم دخل على فراشى وانا أقلّب يدى فقال مالك قلت أنتظر دعوتك- فرفع يديه وقال اللهم انما انا بشر أسف واغضب كما يغضب البشر فايما مؤمن او مؤمنة دعوت عليه بدعوة فاجعلها له زكوة وطهرا- والله اعلم والظاهر ان المراد بالإنسان الكافر وبالدعاء الدعاء بالعذاب استعجالا «1» واستهزاء كقول النضر بن الحارث اللهم انصر خير الحزبين اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ فضرب عنقه يوم بدر صبرا-. وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ علامتين دالتين على القادر الحكيم بتعاقبهما على نسق واحد مع إمكان غيره فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ اى الاية الّتي هى الليل والاضافة بيانية كاضافة العدد الى المعدود يعنى جعلناها مظلمة وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً يعنى جعلنا النهار مضيئا مبصرا للناس وقيل المراد بالآيتين الشمس والقمر وتقدير الكلام وجعلنا بين الليل والنهار ايتين او جعلنا الليل والنهار ذوى ايتين فمحونا اية الليل يعنى القمر يعنى انقصنا نوره شيئا فشيئا الى المحاق وجعلنا اية النهار يعنى الشمس مبصرة ذات شعاع دائم يبصر الأشياء بضوئها قال الكسائي يقول العرب ابصر النهار إذا صار بحيث يبصر بها قال ابن عباس جعل الله ضوء الشمس سبعين جزءا ونور القمر كذلك فمحى من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعلها مع نور الشمس حتّى ان الله تعالى امر جبرئيل فامرّ جناحه على وجه القمر ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور- وسال ابن الكواء عليّا عليه السلام عن السواد الّذي فى القمر فقال هو اثر المحو «2» لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ اى الراحة والفراغ للطاعة بالليل واسباب المعاش بالنهار وَلِتَعْلَمُوا باختلافهما او بحركاتهما عَدَدَ السِّنِينَ وَجنس الْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ تحتاجون اليه فى امور الدين والدنيا فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) اى

_ (1) اخرج البيهقي فى الدلائل عن سعيد المقبري ان عبد الله بن سلام سال النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الّذي فى القمر فقال كانا شمسين فقال الله فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ قال فالسواد الّذي رايت هو المحو- 12 منه رحمه الله (2) فى الأصل استعجالا استهزاء-

[سورة الإسراء (17) : آية 13]

بيّناه بيانا شافيا غير ملتبسين فازحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا-. وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال ابن عباس عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان- وقال الكلبي ومقاتل خيره وشره معه لا يفارقه حتّى يحاسب به وقال الحسن يمنه وشومه- قال اهل المعاني أراد بالطائر ما قضى عليه انه عامله وما هو صائر اليه من سعادة او شقاء- سمى طائرا على عادة العرب فيما كانت تتفال وتتشام به من سوانح «1» الطير وبوارحها- وقال ابو عبيدة والقتيبي أرد بالطائر حظه من الخير والشر من قولهم طارسهم فلان بكذا- وخص العنق من سائر الأعضاء لانه موضع القلائد والاطواق وغيرها مما يزين او يشين- فجرى كلام العرب بتشبيه الأشياء اللازمة الى الأعناق- وعن مجاهد قال ما من مولود الانى عنقه ورقة مكتوب فيها شقى او سعيد وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً هى صحيفة عمله قرا الجمهور نخرج بالنون على التكلم والتعظيم من الافعال- وكتابا منصوبا على المفعولية او على انه حال من مفعول محذوف وهو الطائر ويؤيده قراءة يعقوب وابى جعفر- وقرا يعقوب والحسن ومجاهد بفتح الياء المثناة التحتانية وضم الراء اى يخرج له الطائر يوم القيامة كتابا- وقرا ابو جعفر بضم الياء وفتح الراء على البناء للمجهول اى يخرج له الطائر كتابا يلقه قرا ابن عامر وابو جعفر بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف يعنى يلقى الإنسان ذلك الكتاب اى يؤتاه- والباقون بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف اى براه مَنْشُوراً (13) وهما صفتان لكتاب او يلقاه صفة ومنشورا حال من مفعوله- قال البغوي جاء فى الآثار ان الله تعالى يأمر الملك بطىّ الصحيفة إذا تم عمر العبد فلا تنشر الى يوم القيامة. اقْرَأْ كِتابَكَ اى يقال له- او خط فيها اقرأ كتابك كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) اى كفى نفسك والباء زائدة وحسيبا تميز وعلى صلته- لانه اما بمعنى الحاسب كالصريم بمعنى الصارم من حسب عليه كذا- او بمعنى الكافي وضع موضع الشهيد

_ (1) السانح مامر من الطير والوحش بين يديك من جهة يسارك الى يمينك والعرب يتيمن به لانه أمكن للرمى والصيد- والبارح ما مر من يمينك الى يسارك والعرب يتطير به لانه لا يمكنك ان ترميه حتّى ينحرف 12 نهايه منه رحمه الله

[سورة الإسراء (17) : آية 15]

لانه يكفى المدعى ما أهمه وتذكيره على ان الحساب والشهادة مما يتولاه الرجال- كانه قيل كفى بنفسك اليوم رجلا حسيبا- او على تأويل النفس بالشخص اخرج البيهقي عن انس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث الله تعالى ريحا فتطير بالايمان والشمائل- واخرج ابن جرير عن قتادة قال سيقرأ يومئذ من لم يكن قاريا فى الدنيا- وقال البغوي قال الحسن لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك واخرج ابن المبارك عن الحسن قال كل اوتى فى عنقه قلادة فيها نسخة عملها فاذا طويت قلدها وإذا بعث نشرت له- وقيل له اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً- واخرج أصبهاني عن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الرجل ليؤتى كتابه منشورا فيقول يا رب فاين حسنات كذا وكذا عملتها ليست فى صحيفتى فيقول محوت باغتيابك للناس-. مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ لها ثوابها لا ينجى اهتداؤه غيره وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها عليها عقابه لا يردى ضلاله سواه والله اعلم اخرج ابن عبد البر بسند ضعيف عن عائشة قالت سالت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال هم من ابائهم- ثم سالته بعد ذلك فقال الله اعلم بما كانوا عاملين- ثم سالته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى اى لا تحمل حاملة حمل نفس اخرى اى ثقلها من الآثام بل انما تحمل وزر نفسها وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) يبيّن الحجج ويمهد الشرائع فيلزمهم الحجة- قال الشافعي فى هذه الاية دليل على انه لا وجوب قبل البعثة بالعقل- فلا يعذب من لم يبلغه الدعوة على الشرك ولا على شيء من المعاصي وقال ابو حنيفة رحمه الله الحاكم هو الله تعالى لكن العقل قد يدرك بعض ما وجب عليه- وهو التوحيد والتنزيهات والإقرار بالنبوة بعد مشاهدة المعجزات- فهذه الأمور غير متوقفة على الشرع وإلا لزم الدور لان الشرع يتوقف عليها- فيجب على الإنسان إتيان هذه الأمور قبل بعثت الرسل ويعذب المشرك وان لم يبلغه الدعوة- ويؤيد هذا القول

ما فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك- قال اخرج بعث النار- قال وما بعث النار- قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيّب الصغير وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ - قالوا يا رسول الله ايّنا ذلك الواحد قال ابشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج الف الحديث- وجه الاستدلال ان يأجوج ومأجوج رجال وراء السد لم يبعث فيهم رسول- فلولا التعذيب على الشرك قبل بعثة ... الرسل لما عذبت يأجوج ومأجوج- وقد ورد فى اهل الفترة ومن لم يبلغه الدعوة من الأمم أحاديث تدل على انهم يمتحنون يوم القيامة- منها ما اخرج البزار عن ثوبان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة جاءت اهل الجاهلية يحملون أوزارهم على ظهورهم- فيسئلهم ربهم- فيقولون «1» ربنا لم ترسل إلينا رسولا ولم يأتنا امر لك- ولو أرسلت إلينا رسولا لكنّا أطوع عبادك- فيقول لهم ربهم ارايتم ان أمرتكم بامر تطيعونى فيأخذ على ذلك مواثيقهم- فقال اعمدوا لها فادخلوها اى النار فينطلقون حتّى إذا راوها فرقوا فرجعوا فقالوا ربنا فرقنا منها فلا نستطيع ان ندخلها- فيقول ادخلوها داخرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا وسلاما- وما اخرج احمد وابن راهويه فى مسنديهما والبيهقي فى كتاب الاعتقاد وصححه عن الأسود بن سريغ رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا- ورجل أحمق- ورجل هرم- ورجل مات فى فترة فاما الأصم فيقول رب جاء الإسلام وما اسمع شيئا- واما الأحمق فيقول يا رب جاء الإسلام والصبيان يخذفوننى بالبعر- واما الهرم فيقول لقد جاء الإسلام وما اعقل شيئا- واما الّذي مات فى فترة فيقول يا رب ما أتاني لك رسول- فاخذ مواثيقهم ليطيعنّه فيرسل إليهم ان ادخلوا النار فو الّذي نفس محمّد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وما اخرج الثلاثة ايضا من حديث ابى هريرة مرفوعا مثله غير انه كان فى آخره فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما- ومن لم يدخلها يسحب إليها- واخرج ابن المبارك عن مسلم بن يسار قال لى انه يبعث

_ (1) وفى الأصل فيقول-

يوم القيامة عبد كان فى الدنيا أعمى أصم ابكم كذلك لم يسمع شيئا قط ولم يبصر شيئا قط ولم يتكلم شيئا- فيقول الله تعالى ما عملت فيما وليت وفيما أمرت به فيقول اى رب والله ما جعلت لى بصرا ابصر به الناس فاقتدى بهم- وما جعلت لى سمعا فاسمع به ما أمرت به ونهيت عنه- وما جعلت لى لسانا فاتكلم بخير او بشر- وما كنت الا كالخشبة فيقول الله عز وجل تطيعنى الان فيما أمرك به قال نعم فيقول قع فى النار فيأبى فيدفع فيها- قلت على ما قالت الحنفية ان المشرك يعذب ان كان عاقلا قبل ان تبلغه الدعوة كما يدل عليه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فانه يعم اصحاب الفترة- تحمل هذه الأحاديث على ان بعض المشركين من اهل الفترة لعلّهم يجادلون الله تعالى ويعتذرون بالجهل فيلزمهم الله تعالى الحجة بالامتحان- كما ان المشركين لما ينكرون شركهم ويقولون وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ويطلبون على أنفسهم شهودا- فحينئذ يشهد عليهم جوارحهم فيلزمهم الحجة ولله الحجة البالغة- لا ينصب نفسا شاء ان يعذبها الا عذبها- وهو عادل فيه هذا فى التوحيد- واما سائر الشرائع فالعقل غير كاف فى إدراكها- فلا تجب على الإنسان إتيانها قبل البعثة- لقوله تعالى ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ- وبناء على مذهب الحنفية قال صاحب المدارك فى تفسير هذه الاية ما صح منا ان نعذب قوما عذاب استيصال فى الدنيا الا بعد ان نبعث إليهم رسولا فنلزمهم الحجة- قلت وهذا التأويل بعيد جدّا- لان قوله تعالى ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ يدل على عموم نفى التعذيب لوقوع النكرة فى سياق النفي- ولا وجه للتخصيص بالتعذيب فى الدنيا ولا بتعذيب الاستيصال- كيف وعدم التعذيب فى الدنيا من غير إتمام الحجة يقتضى عدم التعذيب فى الاخرة بالطريق الاولى- فالاولى ان يقال ان عدم التعذيب قبل البعثة مخصوص بالمعاصي دون الشرك حيث قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فالتقدير ما كنّا معذّبين على المعاصي حتّى نبعث رسولا يبين لهم ما يتقون- وقيل المراد بالرسول أعم من البشر والعقل فان العقل ايضا رسول من الله يدرك به الخير والشر- فما يدركه العقل ويكفى فى إدراكه من الواجبات يعذب الله العاقل عليها على عدم إتيانها-

(فصل) هذه الاية تدل على عدم تعذيب الصغار والمجانين وان كانوا من ذرارى المشركين حيث لم يبلغهم دعوة رسول بشرا كان او عقلا- كما يدل عليه سياق الاية حيث قال الله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى - ومن الأحاديث ما رواه احمد بسند حسن عن خنساء بن معاوية بن مريم قال حدثنى عمى قال قلت يا رسول الله من فى الجنة قال النبي فى الجنة والشهيد فى الجنة والمولود فى الجنة والوئيد فى الجنة- وما رواه البخاري عن سمرة ابن جندب فى حديث المنام الطويل انه صلى الله عليه وسلم مر على شيخ تحت شجرة وحوله ولدان فقال له جبرئيل هذا ابراهيم وهؤلاء أولاد المسلمين وأولاد المشركين قالوا يا رسول الله وأولاد المشركين قال نعم وأولاد المشركين- فقيل أولاد المشركين خدم اهل الجنة لما روى الطيالسي عن انس انه سئل عن أطفال المشركين فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم سيئات فيكونوا «1» من اهل النار ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها فيكونوا من مملوك «2» اهل الجنة هم خدم اهل الجنة- وما اخرج ابن جرير عن سمرة قال سالنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين فقال هم خدم اهل الجنة- واخرج مثله عن ابن مسعود موقوفا- فان قيل فى الصحيح ما يدل على عدم الجزم بذلك- اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل عن أطفال المشركين- فقال الله اعلم بما كانوا عاملين- واخرج مثله من حديث ابن عباس قلنا هذا الحكم اعنى عدم الجزم بكونهم فى الجنة الّذي دل عليه هذان «3» الحديثان منسوخ كان قبل نزول اية الفتح الناسخة لقوله تعالى وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ- فانه صلى الله عليه وسلم كان قبل ذلك يردّ بها على من شهد لاحد بعينه بالجنة- ورد بها على من شهدت لعثمان بن مظعون كما فى الصحيح فلما نزلت اية الفتح سرّ بها كثيرا وشهد بعدها لجماعة بأعيانهم بالجنة- وهذا هو الجواب لحديث رواه مسلم عن عائشة قالت دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جنازة صبى من الأنصار فقالت يا رسول الله طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدرك فقال او غير ذلك يا عائشة ان الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم فى أصلاب ابائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وهم فى أصلاب ابائهم فان هذا الحديث يدل على التوقف فى أطفال المسلمين

_ (1) وفى الأصل فيكونون (2) وفى الأصل ملوك- (3) وفى الأصل هذين الحديثين-

ايضا وقد انعقد الإجماع على كونهم فى الجنة- نقله الامام احمد وابن ابى زيد وابو يعلى من الفراء وغيرهم ونصوص الكتاب والأحاديث صريحة فى ذلك كذا قال النووي والسيوطي- وهو الجواب عما رواه ابن حبان فى صحيحه والبزار عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال امر هذه الامة متقاربا ما لم يتكلموا فى القدر والولدان- قال ابن حبان يعنى أطفال المشركين فانا نحمل هذا الحديث ايضا على كونه قبل اية الفتح وقبل ان يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم كونهم فى الجنة- فان قيل بعض الأحاديث يدل على كون أطفال المشركين فى النار- منها ما اخرج ابو يعلى عن البراء رضى الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المسلمين فقال هم مع ابائهم وسئل عن أطفال المشركين فقال هم مع ابائهم- وما روى ابو داؤد عن عائشة قالت قلت يا رسول الله ذرارى المؤمنين قال من ابائهم فقلت يا رسول الله بلا عمل قال الله اعلم بما كانوا عاملين- قلت فذرارى المشركين قال من ابائهم قلت بلا عمل قال الله اعلم بما كانوا يعملون- واخرج احمد عن عائشة بسند ضعيف جدا انها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أطفال المشركين فقال ان شئت أسمعتك تصاعدهم فى النار- واخرج عبد الله بن احمد فى زوائد المسند بسند فيه مجهول وانقطاع وابن ابى حاتم فى السنة عن علىّ قال سألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا فى الجاهلية فقال هما فى النار فلما راى الكراهية فى وجهها قال لها ولو رايت مكانهما لابغضتهما قالت فولدى منك قال ان المؤمنين وأولادهم فى الجنة وان المشركين وأولادهم فى النار- ثم تلا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ- واخرج ابو داؤد عن ابن مسعود بسند حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوائدة والموءودة فى النار- واخرج ايضا بسند حسن عن سلمة بن قيس الأشجعي قال أتيت انا وأخي النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا ان امّنا ماتت فى الجاهلية وكانت تقرى الضيف وتصل الرحم وانها وادت اختالها فى الجاهلية لم تبلغ فقال الوائدة والموءودة فى النار الا ان تدرك الوائدة

الإسلام فتسلم- قلنا اما الموءودة الواردة فى الحديث فالمراد بها الموءودة لها يعنى الام- والوائدة هى القابلة دفعا للتعارض- واما الأحاديث المذكورة فى كون أطفال المشركين فى النار فليس شيء منها يقوى قوة الأحاديث المتقدمة فسقطت بالأحاديث الصحيحة فضلا عن مصادمة القران- والقول يكون تلك الأحاديث منسوخة لا يجوز لان الاخبار لا يحتمل النسخ- اللهم الا ان يقال ان الله رفع عنهم العذاب بعد ما كتب عليهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم- يدل عليه حديث ابن ابى شيبة عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سالت ربى اللاهين من ذرية البشر ان لا يعذبهم فاعطانيهم- قال ابن عبد البر هم الأطفال لان أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقل ولا عزم- قال السيوطي اختلف الناس قديما وحديثا فى أطفال المشركين على اقوال أحدها انهم فى النار للاحاديث المذكورة الّتي دلت على ذلك لكنها ضعيفة لا تقوم بها حجة- والثاني انهم فى الجنة والثالث انهم خدم اهل الجنة- (قلت لا تعارض بين هذين القولين فان خدم اهل الجنة فى الجنة) والرابع انهم فى مشية الله لا يحكم عليهم وهذا ما نقل عن الحمادين وابن المبارك وابن راهويه والشافعي ونقله النسفي عن ابى حنيفة (قلت ومبنى هذا القول على الاحتياط والصحيح ان هذا الحكم منسوخ كما ذكرنا) والخامس انهم يمتحنون فى الاخرة كما يمتحن اصحاب الفترة- لما اخرج البزار وابو يعلى عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى باربعة يوم القيامة بالمولود والمعتوه ومن مات فى الفترة والشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار أبرز ويقول انى كنت ابعث الى عبادى رسلا من أنفسهم وانى رسول نفسى إليكم ادخلوا هذه فيقول من كتب عليه الشقاء يا رب اندخلها ومنها كنا نفر ومن كتب عليه السعادة يمضى فيقتحم فيها مسرعا فيقول الله تعالى أنتم كنتم لرسلى أشد تكذيبا ومعصية فيدخل هؤلاء الى الجنة وهؤلاء الى النار- واخرج البزار ومحمّد بن يحيى الذهبي عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتج الهالك فى الفترة والمعتوه

والمولود يقول الهالك فى الفترة رب لم يأتينى كتاب ويقول المعتوه رب لم تجعل لى عقلا اعقل به خيرا ولا شرا ويقول المولود رب لم أدرك العقل فترتفع لهم نار فيقول ردوها فيردها من كان فى علم الله سعيدا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان فى علم الله شقيّا لو أدرك العمل فيقول إياي عصيتم فكيف لو رسلى أتتكم- واخرج الطبراني وابو نعيم عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يؤتى يوم القيامة بالممسوح عقلا وبالهالك فترة وبالهالك صغيرا فيقول الممسوح عقلا رب لو أتيتني عقلا ما كان من أتيته عقلا بأسعد منى وذكر فى الهالك فى الفترة والصغير نحو ذلك فيقول الرب تبارك وتعالى انى أمركم بامرى فتطيعونى فيقولون نعم فيقول اذهبوا فادخلوا النار- قال لو دخلوها ما ضرتهم فيخرج عليهم فرائض فيظنون انها قد أهلك ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعا ثم يأمر الثانية فيرجعون ذلك فيقول الرب تعالى قبل ان خلقتكم علمت ما أنتم عاملون- قلت وهذا القول الخامس لا يلائم ضروريات الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتّى يبرا- وعن النائم حتّى يستيقظ- وعن الصبى حتّى يكبر رواه احمد وابو داود والحاكم عن عائشة بسند صحيح وعن على وعمر بسند صحيح- وفى لفظ اخر رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتّى يستيقظ وعن المبتلى حتّى يبرا وعن الصبى حتّى يكبر رواه احمد وابو داؤد والنسائي وابن ماجة والحاكم عن عائشة بسند صحيح- وقد ثبت بالحديث انه من همّ بسيئة لا يؤاخذ بها ما لم يعملها- فكيف بمن لم يهمّ بها ولم يعقلها- وقال الله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وقال الله تعالى لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ- ... وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى - واجمع الامة على ان مناط التكليف العقل والبلوغ- فلعل لفظ المولود والمجنون فى هذه الأحاديث من وهم الرواة او المولود والمجنون يمتثلون امر الله ويدخلون النار عند الامتحان فينجون بخلاف المشركين من اهل الفترة- قال السيوطي وقيل فى أطفال المشركين انهم يكونون فى برزخ بين الجنة والنار- وقيل يصيرون ترابا- ولا دليل على ذلك واما أولاد المسلمين فلم يجر فيهم خلاف بل الإجماع انهم فى الجنة والله اعلم.

[سورة الإسراء (17) : آية 16]

قوله تعالى وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها اى متنعميها وجبائرتها- قرا مجاهد امّرنا بالتشديد اى سلّطنا وجعلناهم أمراء- وقرا الحسن وقتادة ويعقوب أمرنا بالمد اى أكثرنا- وقرا الجمهور مقصورا مخففا اى أمرنا مترفيها بالطاعة على لسان رسول بعث إليهم- ويدل على هذا التقدير قوله تعالى فيما قبل وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وفيما بعد فَفَسَقُوا فِيها فان الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد فى العصيان- فيدل على الطاعة- وقيل معنى الاية أَمَرْنا مُتْرَفِيها بالفسق ففسقوا- كقولك أمرته فجلس فانه لا يفهم منه الا الأمر بالجلوس- والأمر حينئذ ليس بمعناه الحقيقي ف إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ- لكنه مجاز من الحمل عليه والتسبيب له- بان صبّ عليهم من النعم ما ابطرهم وامضى بهم الى الفسوق- وقيل معناه معنى كثّرنا يقال أمرت الشيء وأمرته فامر اى كثرته فكثر- وفى الحديث خير المال سكة مأبورة ومهرة مامورة اى طريقة مصطفة من النخل مصلحة- وولد الفرس أنثى اى كثير النسل والنتاج ومنه قول ابى سفيان فى حديث هرقل لقد امر امر ابن ابى كبشة اى كثر وارتفع شأنه- يعنى النبي صلى الله عليه وسلم ومنه الحديث ان رجلا قال له مالى ارى أمرك يأمر- قال والله ليامرن اى يزيد على ما ترى- ومنه حديث ابن مسعود قال كنا نقول فى الجاهلية قد امر بنوا فلان اى كثروا- وفى القاموس امره وامره كنصره لغيّة كثر نسله وماشيته- ويحتمل ان يكون منقولا من امر بالضم امارة اى جعلناهم أمراء- وتخصيص المترفين لان غيرهم يتبعهم- ولانهم اسرع الى الحماقة واقدر على الفجور فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ اى وجب عليها الكلمة السابقة بالعذاب بحلوله او الكلمة السابقة بظهور معاصيهم او انهماكهم فيها فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (16) اى أهلكناها بهلاك أهلها وتخريب ديارها- روى البخاري عن أم حبيبة بنت ابى سفيان عن زينب بنت جحش ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا وهو يقول لا اله الا الله ويل للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من ددم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والّتي يليها- قالت زينب فقلت يا رسول الله أيهلك وفيها الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث.

[سورة الإسراء (17) : آية 17]

وَكَمْ اى كثيرا أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ بيان لكم وتميز له- والقرن القوم المقترنون فى زمان واحد- يعنى يكون ولادتهم فى وقت واحد- فى القاموس يقال هو على قرنى اى على سنى وعمرى- وانقضاء القرن ان لا يبقى منهم أحد- فى القاموس هو كل امة هلكت فلم يبق منها أحد- قلت واما قرن الصحابة وقرن التابعين فيقال باعتبار مقارنتهم فى مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم او مصاحبة أحد ممن صاحبه صلى الله عليه وسلم- وقيل القرن مدة من الزمان عشرة سنين او عشرون او ثلاثون او أربعون او خمسون او ستون او سبعون او ثمانون او مائة سنة او مائة وعشرون كذا فى القاموس من الأقوال- واعتبرت الحنفية فى مدة المفقود تسعين «1» سنة والأصح انه مائة سنة- لما روى محمّد بن القاسم عن عبد الله ابن تستر المازني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال يعيش هذا الغلام قرنا- قال محمّد بن القاسم مازلنا نعدله حتّى تمّت مائة سنة ثم مات مِنْ بَعْدِ نُوحٍ كعاد وثمود وغيرهم تخويف لكفار مكة وَكَفى بِرَبِّكَ فى محل الرفع والباء زائدة بِذُنُوبِ عِبادِهِ متعلق بما بعده على سبيل التنازع خَبِيراً وان اخفوها فى الصدور بَصِيراً (17) وان ارخوا عليها الستور-. مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ يعنى الدار العاجلة اى الدنيا مقصورا عليها همته عَجَّلْنا لَهُ فِيها «2» أعطيناه فى العاجلة ما نَشاءُ كل ما يريده او بعضه قيد به لانه لا يجد كل أحد جميع ما يتمناه غالبا لِمَنْ نُرِيدُ ان نفعل به ذلك بدل من له بدل البعض قيد به لانه لا يجد كل متمنّ متمنّاه ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ فى الاخرة جَهَنَّمَ يَصْلاها يدخل نارها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) مطرودا مبعدا من رحمة الله. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها اى للاخرة حق سَعْيَها وهو الايتمار بالأوامر والانتهاء عن المناهي- لا بمجرد التمني او التقرب بما يخترعون بآرائهم فهو منصوب على المصدرية- وجاز كونه منصوبا على المفعولية- وفائدة اللام اعتبار النية والإخلاص وَهُوَ مُؤْمِنٌ ايمانا

_ (1) وفى الأصل تسعون- (2) وليس فى الأصل فيها-

[سورة الإسراء (17) : آية 20]

صحيحا لا شرك معه ولا تكذيب فانه العمدة فَأُولئِكَ اى الجامعون للشرائط الثلاثة كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) من الله اى مقبولا عنده مثابا عليه فان شكر الله الثواب على الطاعة. كُلًّا التنوين بدل من المضاف اليه اى كل واحد من الفريقين نُمِدُّ بالعطاء مرة بعد اخرى- ونجعل آخره مدد السابقة هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ بدل من كلّا مِنْ عَطاءِ اى من معطاة رَبِّكَ متعلق بنمدّ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) ممنوعا لا يمنعه فى الدنيا من مؤمن ولا من كافر تفضلا. انْظُرْ يا محمّد كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فى الرزق والجمال فى الدنيا وانتصاب كيف بفضّلنا على الحال وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) اى التفاوت فى الاخرة اكثر من التفاوت فى الدنيا لان التفاوت فيها بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها والله اعلم. لا تَجْعَلْ الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد أمته- او لكل واحد اى لاقعل ايها الإنسان مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ اى فتصير من قولهم شخذ الشفرة حتّى قعدت كانها حربة- او فتعجز من قولك قعد عن الشيء إذا عجل عنه مَذْمُوماً من الملائكة والمؤمنين مَخْذُولًا (22) غير منصور-. وَقَضى رَبُّكَ اى امر امرا مقطوعا به كذا قال ابن عباس وقتادة والحسن والربيع بن انس «1» أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ اى بان لا تعبدوا الّا ايّاه- لان العبادة الّتي هى غاية التعظيم لا يحق الا لمن له غاية العظمة ونهاية الانعام- وهو كالتفصيل لسعى الاخرة- ويجوز ان يكون ان مفسرة لانّ فى قضى معنى القول ولا يجوز كونها ناصبة وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً اى وان تحسنوا او أحسنوا بالوالدين إحسانا لانهما السبب الظاهري للوجود والتعيش إِمَّا ان شرطية زيدت عليها ما للتأكيد فادغمت النون فى الميم- ولذلك صح لحوق النون المؤكدة فى الفعل وان أفردت ان لم يصح دخولها- إذ لا يقال ان تكر من زيدا يَبْلُغَنَّ قرا حمزة والكسائي يبلغانّ بالألف على التثنية- والضمير راجع الى الوالدين عِنْدَكَ اى فى كتفك وكفالتك

_ (1) وفى الأصل والربيع بن الحسن-

[سورة الإسراء (17) : آية 24]

الْكِبَرَ أَحَدُهُما بدل من ضمير التثنية فى يبلّغان أَوْ كِلاهُما عطف على أحدهما وقرا الجمهور بغير الف وفاعل الفعل أحدهما مع ما عطف عليه اى ان يبلغ الكبر أحدهما او كلاهما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ قرا نافع وحفص وابو جعفر هنا وفى الأنبياء والأحقاف بالتنوين للتنكير كتنوين صه وكسر الفاء- وابن كثير وابن عامر ويعقوب بفتح الفاء من غير تنوين- والباقون بكسرها من غير تنوين- وهى كلمة كراهية صوت يدل على التضجّر- وقيل اسم للفعل الّذي هو التضجر- قال ابو عبيدة اصل الأف والتف الوسخ على الأصابع- وفى القاموس الافّ قلامة الظفر ووسخه- او وسخ الاذن وما رفعته من الأرض من عود او قصبة- او الأف معناه القلة يعنى لا تقل لهما كلمة تدل على ادنى كراهة فيحرم بذلك سائر انواع الإيذاء بدلالة النص بالطريق الاولى- يقال فلان لا يملك النقير ولا القطمير وَلا تَنْهَرْهُما اى لا تزجرهما عما لا يعجبك وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) حسنا جميلا لينا قال ابن المسيب كقول العبد المذنب للسيد الفظّ قال مجاهد إذا بلغا عندك من الكبر فلا تقذرهما ولا تقل لهما أف حين تميط عنهما الخلاء والبول كما كانا يميطان عنك صغيرا-. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ اى تذال لهما وتواضع فيهما جعل للذل جناحا وامره بخفضهما مبالغة- او أراد جناحه كقوله وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وإضافته الى الذل للبيان والمبالغة- كما أضيف حاتم الى الجود والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل واخضع- وقال عروة بن الزبير لن لهما حتّى لا يمتنعا من شيء احباه مِنَ الرَّحْمَةِ اى من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما الى من كان أفقر خلق الله إليهما وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما يعنى ادع الله لهما ان يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية- قال البغوي أراد ان كانا مسلمين- قال ابن عباس هذا منسوخ بقوله ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ- وقال البيضاوي وان كانا كافرين لان من الرحمة ان يهديهما للاسلام كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) اى رحمة مثل رحمتهما علىّ وتربيتهما علىّ وإرشادهما لى فى صغرى وفاء بوعدك للراحمين- عن ابى الدرداء

[سورة الإسراء (17) : آية 25]

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوالد اوسط أبواب الجنة فحافظ ان شئت أو ضيع- رواه احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم بسند صحيح وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رضاء الله فى رضاء الوالد وسخط الله فى سخط الوالد- رواه الترمذي والحاكم وصححه وروى البزار عن ابن عمرو عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مد من خمر ورواه النسائي والدارمي عن ابن عمر وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علىّ ورغم انف رجل اتى عليه شهر رمضان فلم يغفر له ورغم انف رجل أدرك أبويه الكبر فلم يدخلاه الجنة- رواه البغوي والترمذي والحاكم وصححه ورواه مسلم واحمد بلفظ رغم انفه ثم رغم انفه ثم رغم انفه قيل من يا رسول الله قال من أدرك عنده الكبر أحدهما او كلاهما ثم لم يدخل الجنة- وعن ابى امامة ان رجلا قال يا رسول الله ما حق الوالدين على ولدهما قال هما جنتك ونارك رواه ابن ماجة وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح لله مطيعا فى والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة وان كان واحدا فواحدا- ومن امسى عاصيا لله فى والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار وان كان واحدا فواحدا- قال رجل وان ظلماه قال وان ظلماه وان ظلماه وان ظلماه- وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من ولد بار ينظر والديه نظر رحمة الا كتب الله له بكل نظرة حجة مبرورة- قالوا وان نظر كل يوم مائة مرة- قال نعم الله اكبر وأطيب- وعن ابى بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الذنوب يغفر الله منها ما يشاء الا عقوق الوالدين فانه يعجل لصاحبه فى الحيوة قبل الممات- روى الأحاديث الثلاثة- البيهقي فى شعب الايمان والاول منها ابن عساكر- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الذنوب يؤخر الله ما شاء منها الى يوم القيامة الا عقوق الوالدين فانه يعجل لصاحبه فى الحيوة الدنيا قبل الممات- رواه الطبراني بسند ضعيف والحاكم-. رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ من البر إليهما والاعتقاد بما يجب لهما من التوقير فكانه تهديد على ان يضمر لهما كراهية واستثقالا- وجاز ان

[سورة الإسراء (17) : آية 26]

يقال معناه ربكم اعلم بنياتكم فى بر الوالدين ان كان ذلك احتسابا وامتثالا لامر الله تعالى فاجره على الله وان كان لغرض من اغراض الدنيا فهو على ما نوى إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ اى قاصدين الاجر عند الله والصلاح وقال البغوي ان تكونوا أبرارا مطيعين بعد تقصير كان منكم فى القيام بما لزمكم من حق الوالدين فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ اى التوابين بعد المعصية فى حقهما غَفُوراً (25) لما فرط منهم- قال سعيد بن جبير فى هذه الاية هو الرجل يكون منه البادرة الى أبويه لا يريد بذلك الا الخير فانه لا يؤاخذ به- وجاز ان يكون الاية عامة لكل تائب ويندرج فيه الجاني على أبويه لوروده على اثره- قال سعيد بن المسيب الأواب الّذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب وقال سعيد بن جبير الرجاع الى الخير- وعن ابن عباس قال هو الرجاع الى الله فيما يجزيه وينوبه- وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال هم المسبحون دليله قوله تعالى يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ- وقال قتادة المصلون- وقال عوف العقيلي هم الذين يصلّون صلوة الضحى- روى البغوي عن زيد بن أرقم قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على اهل قبا وهم يصلّون الضحى فقال صلوة الاوّابين إذا رمضت الفصال من الضحى ورواه احمد ومسلم ورواه عبد بن حميد وسيبويه عن عبد الله بن ابى اوفى- قال البغوي وروى عن ابن عباس انه قال ان الملائكة لتحفّ بالذين يصلّون بين المغرب والعشاء وهى صلوة الأوابين-. وَآتِ ذَا الْقُرْبى اى ذوى قرابتك حَقَّهُ من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبر عليهم وعليه اكثر المفسرين- وقال ابو حنيفة يجب النفقة على الغنى لكل ذى رحم محرم إذا كان صغيرا فقيرا او امراة بالغة فقيرة او ذكرا زمنا او أعمى فقيرا- لان فيه ابقاء النفس وهو اصل البر والصلة- وقد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ- وذكر البغوي عن على بن الحسين عليهما السلام انه تعالى أراد به قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم- وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ واخرج الطبراني وغيره عن ابى سعيد الخدري قال لما نزلت وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فاعطاها فدك- وروى ابن مردوية عن ابن

[سورة الإسراء (17) : آية 27]

عباس مثله- قال ابن كثير هذا مشكل فانه يشعر بان الاية مدنية والمشهور خلافه- قلت وايضا المشهور المعتمد عليه ان فاطمة سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدك فلم يعطها- كذا روى عن عمر بن عبد العزيز- ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها فاطمة لما منعها عنها الخلفاء الراشدون لا سيما على رضى الله عنه فى خلافته والله اعلم وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ قد مر فى سورة البقرة وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) اى لا تنفق مالك فى المعصية- قال مجاهد لو أنفق الإنسان ماله كله فى الحق ما كان تبذيرا- ولو أنفق مدا فى الباطل كان تبذيرا- وسئل عن ابن مسعود عن التبذير فقال انفاق مال فى غير حقه- قال شعبة كنت امشى مع ابى إسحاق فى طريق الكوفة فاتى على جدار بنى بجص واجر فقال هذا التبذير فى قول عبد الله انفاق المال فى غير حقه. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ اى أمثالهم فى الشرارة قال البغوي يقول العرب لكل ملازم سنة قوم هو أخوهم وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) جحودا للنعمة مبالغا فى الكفر والكفران- فليس ينبغى ان يطاع- اعلم ان الشكر على ما قاله اهل التحقيق صرف النعمة فى رضاء المنعم- والتبذير صرف المال فى المعصية فهو ضد الشكر- فمن اتى به كان كفورا والله اعلم- اخرج سعيد بن منصور عن عطاء الخراسانى قال جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ- ف تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً- ظنوا ذلك من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى. وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ ان شرطية وما زائدة والمعنى وان تعرض يا محمّد عَنْهُمُ يعنى عن ذوى القربى والمساكين وابن السبيل- أراد بالاعراض عدم الانفاق عليهم على سبيل الكناية- وقال البغوي نزلت فى مهجع وبلال وصهيب وسالم وخباب كانوا يسئلون النبي صلى الله عليه وسلم ما يحتاجون اليه- ولا يجد فيعرض عنهم حياء ويمسك عن القول- فنزل وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ يعنى حياء من الرد- ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ اى لاجل انتظار رزق مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها ان يأتيك

[سورة الإسراء (17) : آية 29]

فتعطيه او منتظرا له- وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه ان يفتح لك- فوضع الابتغاء موضع الفقدان لانه مسبب عنه- وجاز ان يكون الابتغاء متعلقا بقوله فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28) اى قل لهم قولا ليناكى يرحمك الله برحمتك عليهم باجمال القول- والميسور من يسر الأمر مثل سعد الرجل ونحس- قال البغوي هو العدة اى عدهم وعدا جميلا- وقيل الدعاء لهم بالميسور وهو اليسر مثل أغناكم الله ورزقنا الله وإياكم والله اعلم- اخرج سعيد بن منصور عن سيار ابى الحكم قال اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببزّ- وكان معطيا كريما فقسّمه بين الناس- فاتاه قوم فوجدوه قد فرغ منه- فانزل الله تعالى. وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ واخرج ابن مردوية وغيره عن ابن مسعود قال جاء غلام الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان امّى تسئلك كذا وكذا فقال ما عندنا اليوم شيء- قال فتقول اكسنى قميصك فدفعه اليه فجلس فى البيت حاسرا- فانزل الله تعالى هذه الاية- واخرج ابن ابى حاتم عن المنهال بن عمرو بمعناه- واخرج ايضا عن ابى امامة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة انفقى ما ظهر كفى قالت اذن لا يبقى شيء فانزل الله تعالى هذه الاية- وقال البغوي قال جابر اتى صبى فقال يا رسول الله ان امّى تستكسيك درعا- ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الا قميصه- فقال للصبى من ساعة الى ساعة يظهر فعد وقتا اخر- فعاد الى امه فقالت له قل ان امّى تستكسيك الدرع الّذي عليك فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه فاعطاه- وقعد عريانا فاذّن بلال بالصلوة فانتظروه فلم يخرج فشغل قلوب أصحابه فدخل عليه بعضهم فراه عريانا فانزل الله تعالى وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ يعنى لا تمسك يدك عن النفقة فى الحق كالمغلول يده لا يقدر على ردها- ولا تبسطها بالعطاء كلّ البسط فتعطى جميع ما عندك بحيث لا تقدر على أداء حقوق نفسك وأهلك ومن له الحق عليك- قال البيضاوي هذان تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذّر نهى عنهما وامر بالاقتصاد بينهما الّذي هو الكرم فَتَقْعُدَ مَلُوماً اى تصير ملوما

[سورة الإسراء (17) : آية 30]

عند الله وعند الناس بالإمساك مع السعة او بالإسراف وسوء التدبير مَحْسُوراً (29) قال قتادة نادما على ما فرط منك فى الفصلين- او المعنى تصير ملوما يلومك السائلون بالإمساك إذا لم تعطهم مع السعة محسورا منقطعا بك لا شيء عندك- من حسره السفر إذا بلغ فيه- وحسرته بالمسألة إذا الحفت عليه- فيكون النشر على ترتيب اللف. إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ اى يوسع الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ من عباده وليس البسط إليك وَيَقْدِرُ اى يضيق الرزق على من يشاء على ما يقتضيه حكمته- فلا لوم عليك ان أمسكت بعض ما تحتاج اليه إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) يعلم سرهم وعلانيتهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم ويرزقهم على حسب مصالحهم ويجوز ان يراد ان البسط والقبض من امر الله الّذي يعلم سرائرهم وظواهرهم- واما العباد فعليهم ان يقتصدوا- او يراد انه تعالى يبسط تارة ويقبض اخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط- ويجوز ان يكون هذا تمهيدا لقوله. وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ يعنى البنات كما كانوا يفعلون خَشْيَةَ إِمْلاقٍ مخافة الفقر نهاهم عن القتل وضمن لهم أرزاقهم فقال نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً قرا ابن عامر برواية ابن ذكوان وابو جعفر بفتح الخاء والطاء مقصورا- وابن كثير بكسر الخاء وفتح الطاء ممدودا- والباقون بكسر الخاء وسكون الطاء- قال البغوي معنى الكل واحد اى اثما كَبِيراً (31) وقال البيضاوي على قراءة الجمهور مصدر من خطأ خطأ كاثم اثما- وعلى قراءة ابن عامر اسم من أخطأ يضاد الصواب وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر- وعلى قراءة ابن كثير اما لغة او مصدر خاطا خطاء كقاتل قتالا- عن ابن مسعود قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم اىّ الذنب أعظم قال ان تجعل لله ندّا وهو خلقك- قلت ان ذلك لعظيم ثم اىّ قال ان تقتل ولدك مخافة ان تطعم معك- قلت ثم اىّ قال ان تزنى حليلة جارك- متفق عليه. وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى اى لا تأتوا بدواعيها من العزم عليه- او على بعض مقدماتها فضلا ان تباشروه إِنَّهُ اى الزنى كانَ فاحِشَةً فعلة ظاهرة القبح زائدته وَساءَ سَبِيلًا (32)

[سورة الإسراء (17) : آية 33]

بئس طريقا طريقه- وهو الغصب على الابضاع المودي الى قطع الأنساب وهيجان الفتن عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان السموات السبع والأرضين السبع ليلعنّ الشيخ الزاني وان فروج الزناة لتؤذى اهل النار بنتن ريحها- رواه البزار وعن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المقيم على الزنى كعابد وثن- رواه الخرابطى وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زنى الرجل خرج منه الايمان فكان عليه كالظلة فاذا قلع رجع اليه الايمان- رواه ابو داؤد واللفظ له والترمذي والبيهقي والحاكم وفى الصحيحين عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن-. وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها من مسلم او ذمى إِلَّا بِالْحَقِّ يعنى بحد او قصاص او بغى او سب الصحابة رضى الله عنهم ونحو ذلك واما المرتد فنفسه ليست مما حرم الله قال الله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... «1» أَنْ يُقَتَّلُوا الاية- وقال الله تعالى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي- وقال الله تعالى النَّفْسَ «2» بِالنَّفْسِ- وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله الا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة- رواه الشيخان وابو داؤد والترمذي والنسائي وليس المراد بتارك دينه المولد لانه ليس بامرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله بل المراد به الفاني فى الهوى المفارق للجماعة من الروافض والخوارج وأمثال ذلك والله اعلم (فصل) عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يقضى يوم القيامة فى الدماء- متفق عليه وعن البراء بن عازب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق- رواه ابن ماجة بسند حسن والبيهقي وزاد لو اهل سمواته واهل ارضه اشتركوا فى دم مؤمن لادخلهم الله النار- وروى النسائي من حديث بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل المؤمن

_ (1) وفى القرآن ورسوله ويَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ ... فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا- (2) وفى القران أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ

أعظم عند الله من زوال الدنيا- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقى الله مكتوب بين عينيه آئس من رحمة الله- رواه ابن ماجة والاصبهانى وزاد قال ابن عيينة هو ان يقول اق لا يتم كلمة اقتل- واخرج البيهقي من حديث ابن عمر نحوه وعن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذنب عسى الله ان يغفره الا الرجل يموت كافرا او يقتل مؤمنا متعمدا- رواه النسائي وصححه الحاكم واخرج ابو داؤد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث ابى الدرداء نحوه- وعن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح إبليس بث جنوده من أضل اليوم مسلما البسه التاج قال فيجيء هذا فيقول لم ازل به حتّى طلق امرأته- فيقول او شك ان يتزوج- قال ويجيء هذا فيقول لم ازل «1» به حتّى عق والديه- فيقول أوشك ان يبرهما- ويجيء هذا فيقول لم ازل به حتّى أشرك فيقول أنت أنت ويجيء هذا فيقول لم ازل به حتّى قتل فيقول أنت أنت ويلبسه التاج رواه ابن حبان فى صحيحه وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً غير مستوجب للقتل عمدا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ اى لمن يلى امره بعد وفاته وهو الوارث سُلْطاناً اى قوة وتسلطا بالمؤاخذة بالقصاص فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ قرا حمزة والكسائي لا تسرف بالتاء الفوقانية على الخطاب- والباقون بالياء التحتانية على الغيبة- قيل الخطاب للقاتل والضمير راجع اليه- يعنى لا يسرف القاتل فى القتل بان يقتل من لا يحق قتله فان العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك فى الدنيا والاخرة- وقال ابن عباس واكثر المفسرين الخطاب والضمير لولى المقتول والمعنى لا يقتل الولي غير القاتل- وذلك انهم كانوا فى الجاهلية إذا قتل منهم قتيل لا يرضون بقتل قاتله حتّى يقتلوا اشرف منه- وقال سعيد بن جبير إذا كان القاتل واحدا فلا يقتل جماعة بدل واحد وكان اهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفا لا يرضون بقتل القاتل وحده حتّى يقتلوا معه جماعة من أقربائه- وقال قتادة معناه لا يمثّل بالقاتل إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) قال مجاهد الضمير راجع الى من قتل ظلما يعنى ان المقتول ظلما منصور فى الدنيا بايجاب القواد على قاتله- وفى الاخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله- وقال قتادة الضمير

_ (1) وفى الأصل لم ازل حتّى قتل-

[سورة الإسراء (17) : آية 34]

راجع الى وليه يعنى انه منصور على القاتل باستيفاء القصاص منه- يجب على الائمة نصره وقيل الضمير راجع الى الّذي يقتله الولي إسرافا بايجاب القصاص والوزر على المسرف-. وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ فضلا ان تتصرفوا فيه إِلَّا بِالَّتِي اى بالطريقة الّتي هِيَ أَحْسَنُ الطرق من محافظة مال اليتيم والتجارة فيه لاجله حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ غاية لجواز التصرف الصالح الّذي دل عليه الاستثناء وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ اى بما عاهدكم الله من تكاليفه وما عاهدتم الناس عهدا مشروعا إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) اى مطلوبا يطلب من العاهد ان لا يضيعه ويفىء به او مسئولا عنه فيسئل عن الناكث ويعاتب عليه او يسئل العهد تبكيتا للناكث كما يقال للموءودة باىّ ذنب قتلت ويجوز ان يراد صاحب العهد بحذف المضاف. وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ولا تبخسوا فيه وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ قرا حمزة والكسائي وحفص هنا وفى الشعراء بكسر القاف والباقون بضمها وهو الميزان- قال مجاهد هو لفظ رومى عرّب- ولا يقدح ذلك فى كون القران عربيا لان اللفظ العجمي إذا استعمل فى الكلام العربي واجرى عليه ما يجرى على العربي من الاعراب والتعريف والتنكير صار عربيّا- وقال الأكثر هو عربى ماخوذ من القسط بمعنى العدل الْمُسْتَقِيمِ السوي ذلِكَ خَيْرٌ فى الدنيا وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) اى عاقبة تفعيل من ال إذا رجع. وَلا تَقْفُ اى لا تتبع من قفا يقفوا إذا تبع اثره- ومنه القافة لتتبّعهم الآثار ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ اى ما لم يتعلق به علمك بالحس او الخبر الصادق او البرهان- احتج بهذه الاية من قال انه لا يجوز العمل بالادلة الظنّية- وجوابه ان المراد بالعلم هاهنا الاعتقاد الراجح المستفاد من سند سواء كان قطعيّا او ظنيّا واستعماله بهذا المعنى شائع- وقيل انه مخصوص بالعقائد- وقيل برمى المحصنات وشهادة الزور قال مجاهد معناه لا ترم أحدا بما ليس لك به علم- وقال قتادة معناه لا تقل رايت ولم تره وسمعت ولم تسمعه وعلمته ولم تعلمه- قلت وجوب العمل بأحاديث الآحاد

[سورة الإسراء (17) : آية 37]

الجامعة للشرائط فى الرواة والقياس الصحيح والحكم بشهادة رجلين او رجل وامرأتين ثبت بالادلة القطعية من النصوص والإجماع- كقوله تعالى فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا- وقوله تعالى فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ- وقوله تعالى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ الاية- وبما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يرسل احاد الصحابة لتبليغ الاحكام فاتباعها اتباع للعلم لاستناد الظن بالعلم والله اعلم إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) ضمير عنه راجع الى مصدر لا تقف يعنى كل واحد من هذه الأعضاء كان عن ذلك القفوة والاتباع مسئولا- او الضمير راجع الى كلّ يعنى كل من هذه الأعضاء كان مسئولا عن نفسه يعنى عما فعل به صاحبه- او الضمير راجع الى صاحب السمع والبصر يعنى كل هذه الأعضاء يسئل عن صاحبها فيسئل السمع انه هل سمع صاحبه ما قال سمعته- ويسئل البصر هل ابصر صاحبه ما قال رايت- ويسئل القلب هل علم صاحبه ما قال علمت- عن شكل بن حميد قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا نبى الله علمنى تعويذا أتعوذ به فاخذ بيدي فقال قل أعوذ بك من شر سمعى ومن شر بصرى وشر لسانى وشر قلبى وشر منيّى- قال حفظتها رواه الترمذي وابو داؤد والنسائي والحاكم وصححه والبغوي قال سعيد يعنى راوى الحديث المنى ماؤه يعنى يضع ماءه فى ما لا يحل- والأعضاء لما كانت مسئولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها أجريت مجرى العقلاء واطلق عليها لفظ أولئك- او يقال ان أولاء وان غلبت فى العقلاء لكنه من حيث انه اسم جمع لذا وهو يعم القبيلتين جاء لغيرهم- وخص الأعضاء الثلاثة بالذكر لانها آلات لتحصيل العلوم الّتي يجب الحصر على اتباعها فان اكثر المحسوسات يدرك بالسمع والبصر- والمعقولات بأسرها تدرك بالقلب-. وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً اى ذا مرح وهو الكبر والاختيال إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ بشدة وطأتك وتكبرك وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) بتطاولك واستعلائك وهو تهكم بالمختال وتعليل للنهى بان الاختيال حماقة محضة لا تفيد أصلا ولا يقدر المختال على شيء أصلا الا بمشية الله- عن عياض بن حمار

[سورة الإسراء (17) : آية 38]

المجاشعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله اوحى الىّ ان تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد- رواه مسلم وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر- الحديث رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته النار- رواه مسلم وعن سلمة بن الأكوع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتّى يكتب فى الجبارين فيصيبه ما أصابهم- رواه الترمذي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة فى صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون الى سجن فى جهنم يسمى بونس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة اهل النار طينة الخبال- رواه الترمذي وعن اسماء بنت عميس قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بئس العبد عبد تخيل واختال ونسى الكبير المتعال الحديث- رواه الترمذي والبيهقي فى شعب للايمان وعن عمر قال وهو على المنبر يا ايها الناس فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تواضع لله رفعه الله فهو فى نفسه صغير وفى أعين الناس كبير ومن تكبر وضعه الله فهو فى أعين الناس صغير وفى نفسه كبير حتّى لهو أهون عليهم من كلب او خنزير والله اعلم- اخرج ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال ان التورية كلها فى خمس عشرة اية من بنى إسرائيل ثم قرا وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الآيات. كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ قرا الكوفيون وابن عامر بضم الهمزة والهاء على التذكير مرفوعا على انه اسم كان وما بعده خبره- فذلك اشارة الى الخصال المذكورة من قوله تعالى. وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وضمير سيّئه راجع الى الكل- أضاف السىّء الى الكل يعنى ان المنهي عن الأشياء المذكورة فان من الأشياء المذكورة مأمورات ومنهيات- وقرا اهل الحجاز والبصرة سيّئة بفتح التاء للتانيث مع التنوين منصوبا على انه خبر كان- والاسم ضمير كل وذلك اشارة الى ما نهى عنه خاصة من قوله وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ

[سورة الإسراء (17) : آية 40]

الى هنا فانها سيئات لا حسنة فيها وعلى هذا قوله عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) بدل من سيئة او صفة لها محمولة على المعنى فانه بمعنى سيئا- ويجوز ان يكون مكروها منصوبا على الحال من المستكن فى كان او فى الظرف على انه صفة سيئة والمراد بالمكروه المبغوض المقابل للمرضى ذلِكَ اى الاحكام المتقدّمة مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ فى القاموس الحكمة بالكسر العدل والعلم والحلم بمعنى الاناءة والعقل والنبوة والقران والإنجيل- قلت والمراد هاهنا العلم النافع وَلا تَجْعَلْ ايها الإنسان مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ كرره للتنبيه على ان التوحيد مبدا الأمر وشرط لصحة الأعمال كلها ومنتهاه فانه من قصد بفعله او تركه غير وجه الله ضاع سعيه وانه رأس الحكمة وملاكها- فالتوحيد علم مقصود بذاته والعلوم غيره مقصودة للعمل ورتب عليه اولا ما هو عائدة الشرك فى الدنيا وثانيا ما هو نتيجته فى العقبى فقال فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً تلوم نفسك ويلومك الله والخلائق كلها مَدْحُوراً (39) مبعدا عن رحمة الله. أَفَأَصْفاكُمْ خطاب لمن قال الملائكة بنات الله- والاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره اجعل لكم البنين فاصفاكم اختاركم رَبُّكُمْ بما هو الصفوة من الأولاد اى بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ لنفسه بناتا مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (40) فى القباحة حيث تنسبون الأولاد اليه تعالى وهى من خواص بعض الأجسام الّتي يتطرق إليها سرعة الزوال ثم تجعلون له تعالى من الأولاد أدون الصنفين ثم تجعلون الملائكة الذين هم الطف خلق الله أدونها-. وَلَقَدْ صَرَّفْنا اى كررنا هذا المعنى بوجوه من التقرير فِي مواضع عديدة من هذَا الْقُرْآنِ او المعنى ولقد كررنا بوجوه من التقرير ما ذكرنا فى هذا القران من العبر والحكم والأمثال والاحكام والحجج والتذكير- ويجوز ان يراد بهذا القران ابطال نسبة الولد لا سيما البنات اليه تعالى- والتقدير ولقد صرفنا القول فى هذا المعنى والتشديد فى صرفنا للتكثير لِيَذَّكَّرُوا قرا الجمهور بتشديد الذال من التذكر اى ليتعظوا فلا ينسبوا

[سورة الإسراء (17) : آية 42]

الى الله تعالى ما لا يليق به- ويأتوا بما أمروا وينتهوا عما نهوا عنه- وقرا حمزة والكسائي بسكون الذال وضم الكاف وكذلك فى الفرقان من الذكر وهو ايضا بمعنى التذكر وَما يَزِيدُهُمْ تصريفنا وتذكيرنا شيئا إِلَّا نُفُوراً (41) اى ذهابا عن الحق وتباعدا. قُلْ يا محمّد لهؤلاء المشركين لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ قرا ابن كثير وحفص بالياء على الغيبة على ان الكلام مع الرسول والباقون بالتاء على الخطاب للمشركين إِذاً اى إذا كان كذلك ظرف لما بعده لَابْتَغَوْا لطلبوا إِلى ذِي الْعَرْشِ الّذي هو مالك الملك سَبِيلًا (42) بالمغالبة والقهر كما هو عادة الملوك وإمكان التمانع ثابت بالبداهة والتمانع يستلزم عجز أحدهما او كليهما وهو مناف للالوهية- والجملة جواب لقولهم وجزاء للو. سُبْحانَهُ تنزه الله تنزيها عن التمانع والعجز المنافى للالوهية وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ اى المشركون عُلُوًّا اى تعاليا كَبِيراً (43) اى تباعدا غاية البعد فانه تعالى فى أعلى مراتب الوجود والبقاء كذاته- واتخاذ الولد من ادنى مراتبه فانه من خواص ما يتسارع اليه الفناء- والمشاركة من ادنى مراتب المالكية- قرا حمزة والكسائي تقولون بالتاء خطابا للمشركين والباقون بالياء للغيبة على انه تعالى تنزه به نفسه عن مقالتهم-. تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ قرا ابو عمرو وحفص وحمزة والكسائي ويعقوب تسبح بالتاء لتأنيث الفاعل والباقون بالياء التحتانية للحائل وكون التأنيث غير حقيقى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ له اى ينزهه عما هو من لوازم الإمكان وتوابع الحدوث ومناف للالوهية «1» متلبسا بِحَمْدِهِ على جمال ذاته وكمال صفاته وتواتر انعاماته بلسان المقال الّتي أعطاها الله إياه ويسمعها من اعطى الله سبحانه سماعا لقلبه- عن عبد الله بن مسعود قال كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا- كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فقلّ الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا باناء فيه ماء قليل- فادخل يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فى الإناء ثم قال حى على الطهور المبارك والبركة من الله- فلقد رايت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم- ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل- رواه البخاري وقال

_ (1) وفى الأصل ملتبسا [.....]

[سورة الإسراء (17) : آية 45]

مجاهد كل الأشياء تسبح لله حيّا كان او جمادا وتسبيحها سبحان الله وبحمده- وقال ابراهيم النخعي وان من شيء جماد اوحى الا يسبح بحمده حتّى صرير الباب ونقيض السقف- وحصر بعضهم التسبيح على الحي من الأشياء- وقال قتادة تسبح «1» الحيوانات والناميات- وقال عكرمة الشجرة تسبح والاسطوانة لا تسبح- ولا وجه للقول بالتخصيص وقد صح حنين الاسطوانة بمفارقة النبي صلى الله عليه وسلم- وقال الله تعالى يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الجبال ينادى الجبل هل مربك أحد ذكر الله فاذا قال نعم استبشر- رواه الطبراني عن ابن مسعود وايضا يسبح كل شيء بلسان الحال حيث يدل بامكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب الوجود لذاته المنزه عما لا يليق به من النقص والزوال المتصف بصفات الكمال- والاقتصار على القول بأحد النوعين من التسبيح تقصير وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ ايها الناس يعنى أكثرهم تَسْبِيحَهُمْ المقالى والمشركون لكمال غباوتهم والعمه غافلون عن التسبيح الحالي ايضا إِنَّهُ كانَ حَلِيماً لا يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم غَفُوراً (44) لمن تاب منكم اخرج ابن المنذر عن ابن شهاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا القران على مشركى قريش ودعاهم الى الله- قالوا (يهزءون به) قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ «2» بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ- فانزل الله تعالى فى ذلك من قولهم. وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً يحجب القلوب عن فهمه والانتفاع به قال قتادة هو الاكنة مَسْتُوراً (45) ذلك الحجاب عن الحس او مستورا بحجاب اخر حيث لا يفهمون ولا يفهون انهم لا يفهمون- وقيل المستور هاهنا بمعنى الساتر كما فى قوله تعالى كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا يعنى آتيا- وفسر بعضهم بالحجاب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الناس يحجبه صلى الله عليه وسلم عن الأعين الظاهرة كما

_ (1) عن عمر بن الخطاب قال لا تلطموا وجوه الدواب فان كل شيء يسبح بحمده- وعن ميمون بن مهران قال اتى ابو بكر الصديق بغراب وافر الجناحين فجعل ينشر جناحيه ويقول ما صيد من صيد ولا عضدت من شجرة الا بما ضيّعت من التسبيح- وروى نحوه الزهري وقال اتى ابو بكر بغراب الحديث 12 ازالة الخفا منه رحمه الله- (2) وفى الأصل وبيننا بينك حجاب-

[سورة الإسراء (17) : آية 46]

قال البغوي انه روى عن سعيد بن جبير انه لما نزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ جاءت امراة ابى لهب ومعها حجر والنبي صلى الله عليه وسلم مع ابى بكر فلم تره- فقالت لابى بكر اين صاحبك بلغني انه هجانى فقال والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله- فرجعت وهى تقول قد كنت أتيت بهذا الحجر لارضخ به رأسه- فقال ابو بكر ما راتك يا رسول الله قال لا لم يزل ملك بينى وبينها يسترنى- قلت فحينئذ الاية واقعة حال إذ لم يكن انه صلى الله عليه وسلم كلما قرا القران لا يراه الكفار. وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً اغطية تكنها وتحول دونها عن ادراك الحق وقبوله أَنْ يَفْقَهُوهُ اى كراهة ان يفقهوه او لئلا يفقهوه- ويجوز ان يكون مفعولا لما دل عليه قوله وجعلنا على قلوبهم اكنة اى منعناهم ان يفقهوه وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً يمنعهم عن السماعة سماع قبول ولما كان القران معجزا من حيث اللفظ والمعنى اثبت لمنكريه مانعا عن فهم المعنى وعن ادراك حسن النظم وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ غير مشفوع به الهتهم مصدر وقع موقع الحال وأصله واحدا وحده وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) عنه هربا من استماع التوحيد ونفرة فهو منصوب على العلية او نفورا يعنى تولية فهو منصوب على المصدرية- او نفورا يعنى نافرين جمع نافر كعاقد وعقود منصوب على الحال. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ اى نحن اعلم بالحال او بالطريقة الّتي يستمعون القران بسببه ولاجله او متلبسا به من الاستهزاء بك وبالقران فمفعول يستمعون محذوف وبه صلة او حال وبيان لما اى يستمعون القران للاستهزاء او هازئين والواجب ان يستمعوه جادين إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وأنت تقرا القران ظرف لا علم وكذا وَإِذْ هُمْ نَجْوى مصدر بمعنى الفاعل او محمول بتقدير ذو- او جمع نجى يعنى نحن اعلم بغرضهم من الاستماع حين هم يستمعون إليك مضمرون له- او حين هم يتناجون بينهم اى يتحدثون او ذووا نجوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ يعنى الوليد بن المغيرة وأصحابه- او بدل من

[سورة الإسراء (17) : آية 48]

إذ قبله وضع المظهر اى لفظ الظالمين موضع المضمر للدلالة على ان قولهم إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) ظلم والمسحور الّذي سحر به فزال عقله- وقال مجاهد مخدوعا وقيل مصروفا عن الحق يقال ما سحرك عن كذا يعنى ما صرفك وقال ابو عبيد يعنى ذا سحر والسحر الرية يعنى بشرا ذا رية مثلكم يأكل ويشرب ويتنفس. انْظُرْ يا محمّد كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فقال بعضهم ساعر وقال بعضهم ساحر او مسحور وقال بعضهم كاهن وقال بعضهم مجنون فَضَلُّوا عن الحق حيث ضربوا أمثالا لا مصداق لها أصلا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) الى الحق والرشاد حيث جعل الله على قلوبهم اكنة- او المعنى لا يستطيعون سبيلا الى ما يريدون من الطعن الموجه بل يأتون طعنا غير موجه- فيتها فتون ويخبطون فى امره كالمتحير فى امره لا يدرى ما يصنع-. وَقالُوا يعنى مشركى مكة أَإِذا كُنَّا عِظاماً بعد الموت وَرُفاتاً وهو ما تكسر وبلى من كل شيء كالفتات والحطام فى القاموس رفته يرفته كسره ودقّه وانكسروا ندق لازم ومتعدو كغراب الحطّام- وقال مجاهد يعنى ترابا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) مجدّدا انكار واستبعاد لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم من المنافاة- وخلقا منصوب على المصدرية من مبعوثين- او حال من النائب مناب فاعله والعامل فى إذا ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لان ما بعد انّ لا يعمل فيما قبلها. قُلْ يا محمّد جوابا لهم كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً اى مخلوقا اخر مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ اى من جنس ما يبعد عندكم من قبول الحيوة حتّى يكون ابعد فى الصدور لقبول الحيوة من العظام الرميمة كالسموات والأرضين والجبال- فان الله قادر على احيائكم على ذلك التقدير ايضا لاشتراك الأجسام فى قبول الاعراض فكيف إذا كنتم عظاما مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل ذلك والشيء اقرب للقبول بما عهد فيه مما لم يعهد وليس هذا امر تكليف والزام بل امر تقدير اى افرضوا أنفسكم حجارة او حديدا

[سورة الإسراء (17) : آية 52]

فى الشدة وقوة الجمادية بحيث لا يقبل الحيوة فى زعمكم فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا حيّا بعد الموت قُلِ يعيدكم حيّا بعد الموت الَّذِي فَطَرَكُمْ خلقكم أَوَّلَ مَرَّةٍ وقد كنتم ترابا وهو ابعد من الحيوة- وليس أول الخلق باهون من الاعادة فَسَيُنْغِضُونَ اى يحركون إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ تعجبا واستهزاء وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ هو اى بعثكم واعادتكم حيّا قَرِيباً (51) فان كل ما هو ات قريب- او المعنى يكون اقرب زمانا من بدء خلق العالم- وقريبا منصوب على الخبر وجاز ان يكون اسم عسى مضمرا وان يكون خبره وقريبا منصوب على الظرف اى فى زمان قريب-. يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ اى فتجيبون من القبور بدل من قوله قريبا على تقدير كونه خبرا او ظرفا- او هو منصوب باذكر اى يوم يدعوكم الله من القبور الى موقف القيامة للمحاسبة على لسان اسرافيل عليه السلام فتجيبونه وقيل معناه يبعثكم فتبعثون استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما والمقصود منهما الإحضار للمحاسبة والجزاء بِحَمْدِهِ حال من فاعل تستجيبون اى حامدين على كمال قدرته مقرين بانه «1» خالقهم وباعثهم يحمدون حين لا ينفعهم الحمد- او المعنى منقادين لبعته انقياد الحامدين عليه- وقيل هذا خطاب مع المؤمنين فانهم يبعثون حامدين بخلاف الكفار- فانهم يبعثون قائلين يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ... يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ- روى الختلي فى الديباج عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أخبرني جبرئيل انّ لا اله الا الله انس للمسلم عند موته وفى قبره وحين يخرج من قبره يا محمّد لو تراهم حين يقومون من قبورهم ينفضون رءوسهم- هذا يقول لا اله الا الله والحمد لله فيبيض وجهه- وهذا ينادى يحسرتى على ما فرّطتّ فى جنب الله مسودة وجوههم- وروى الطبراني وابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على اهل لا اله الا الله وحشة فى الموت ولا فى القبور ولا فى

_ (1) وفى الأصل بانهم خالقهم-

[سورة الإسراء (17) : آية 53]

النشور- كانى انظر إليهم عند الصيحة ينفضون رءوسهم من التراب يقولون الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ- واخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ فى الدنيا او فى القبور إِلَّا قَلِيلًا (52) لما يرون من الهول قال قتادة يستحقرون مدة الدنيا فى جنب القيامة- قال الكلبي كان المشركون يؤذون المسلمين فشكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله عز وجل. وَقُلْ يا محمّد لِعِبادِي المؤمنين يَقُولُوا الكلمة الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الكلمات يعنى الدعوة الى الإسلام وقول لا اله الا الله بالرفق واللين واقامة البراهين واظهار النصح بلا خشونة مع المشركين ولا ان تكافؤهم بسفههم- وقال الحسن يقول له يهديك الله وكان هذا قبل الاذن فى القتال- وقيل نزلت فى عمر بن الخطاب رضى الله عنه شتمه بعض الكفار فامره بالعفو- وقيل امر الله المؤمنين بان يقولوا ويفعلوا الكلمة والخلة الّتي هى احسن الكلمات والخلل- وقيل الأحسن كلمة الإخلاص لا اله الا الله إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ النزغ إيقاع الشر وإفساد ذات البين- يعنى لا يقولوا ما يتطرق اليه الشيطان بالفساد فيفسد ويلقى العداوة بينهم إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) ظاهر العداوة فيفضى الكفار الى جهنم ويفضى المؤمنين الى الشر العاجل. رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ اى يوفقكم للايمان فيرحمكم أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ اى يميتكم على الشرك فيعذبكم كذا قال ابن جريج- قيل هذا تفسير للّتى هى احسن وما بينهما اعتراض- اى قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها يعنى لا تسافهوهم ولا تشاتموهم ولا تصرحوا بانكم من اهل النار- فانه يهجّهم على الشر مع ان اختتام أمرهم غيب لا يعلمه الا الله- وقال الكلبي هذا خطاب من الله للمؤمنين والمعنى إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ فينجيكم من اهل مكة أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ فيسلطهم عليكم وَما أَرْسَلْناكَ يا محمّد عَلَيْهِمْ يعنى على الكفار وَكِيلًا (54) موكولا إليك أمرهم حتّى تكرههم على الايمان وتهتم بكفرهم انما أرسلناك مبشرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك

[سورة الإسراء (17) : آية 55]

باحتمال الأذى منهم-. وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من غيره يعلم من هو اهل لنبوته وولايته ومخلوق ومجبول للسعادة ومن هو على نقيض ذلك- فهو رد لاستبعاد قريش ان يكون يتيم ابى طالب نبيّا ويكون فقراء الناس كبلال وصهيب أولياءه ومن اهل الجنة ويكون شرفاء قريش من اهل النار وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ بالفضائل النفسانية والتبرّى عن العلائق الجسمانية لا بكثرة الأموال والأولاد ونحو ذلك- قال قتادة فى هذه الاية اتخذ الله ابراهيم خليلا وكلم موسى تكليما وقال لعيسى كن فكان (قلت كلمه فى المهد صبيّا وأتاه الكتاب والحكمة وعلمه التورية والإنجيل وأيده بروح القدس) قال واتى سليمان ملكا لا ينبغى لاحد من بعده يعنى سخر له الجن والانس والشياطين مقرنين فى الأصفاد واتى داؤد زبورا كما قال وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) يعنى فضله بما اوحى اليه من الكتاب لا بما اوتى من الملك- ففى هذه الاية رد على ما أنكر كفار مكة فضل النبي صلى الله عليه وسلم بان فضل الأنبياء انما كان بالفضائل النفسانية والتبرّى عن العلائق الجسمانية والعلوم الموحى إليهم ومراتب القرب من الله تعالى وشيوع الهداية لا بكثرة الأموال والأولاد ونحو ذلك- فالله سبحانه فضله على سائر النبيين بجعله خاتم النبيين وأمته خير الأمم المذلول عليه ما كتب فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ- وأعطاه القران اقل حجما واكثر علما واظهر معجزة- ورفعه درجات دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى - قال البغوي الزبور كتاب علمه الله داود يشتمل على مائة وخمسين سورة كلها دعاء وتحميد وثناء على الله عز وجل ليس فيها حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود انتهى- وتنكيره هاهنا وتعريفه فى قوله تعالى وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ لانه فى الأصل فعول للمفعول كالودود بمعنى المودود- او للمصدر كالقبول ويؤيده قراءة حمزة بالضم فهو كالعباس والفضل- او لان المراد بعض الزبور او بعضا من الزبور فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم اخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال كان ناس من الانس يعبدون

[سورة الإسراء (17) : آية 56]

ناسا من الجن فاسلم الجنيون واستمسك الآخرون بعبادتهم فانزل الله تعالى. قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ انها الهة مِنْ دُونِهِ من الجن فَلا يَمْلِكُونَ اى لا يستطيعون كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ كالمرض والفقر والقحط وَلا تَحْوِيلًا (56) اى تحويل ذلك منكم الى غيركم. أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ اى يدعوهم المشركون الهة ويعبدونهم من الجن يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ حيث أمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون الى الله القربة بالطاعة- وقيل الوسيلة التوصل الى شيء برغبة وهى أخص من الوصيلة لتضمنها معنى الرغبة- فالوسيلة الى الله مراعاة سبيله بالعلم والعمل وتحرى مكارم الشريعة فهى القربة- وفى القاموس الوسيلة والواسلة المنزلة عند الملك الدرجة والقربة ووسّل الى الله تعالى توسّلا عمل عملا تقرب به اليه أَيُّهُمْ أَقْرَبُ بدل من واو يبتغون اى يبتغى من هو اقرب منهم الى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب كذا قال الزجاج- وقيل معناه يطلبون أيهم اقرب الى الله فيتوسلون به او ضمن يبتغون الوسيلة معنى يحرصون فكانه قال يحرصون أيهم يكون اقرب الى الله وذلك بالطاعة وازدياد الخير وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ فكيف يزعمون انها الهة إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) حقيقا بان يحذره كل أحد حتّى الرسل والملائكة- وقال البيضاوي المراد ان الذين زعمتم انها الهة من دونه كالملائكة والمسيح وعزير لا يملكون كشف الضر ويبتغى أقربهم الى الله الوسيلة قال ابن عباس ومجاهد عيسى وامه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم يطلبون إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ... وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ وقال البغوي أصاب المشركين قحط شديد حتّى أكلوا الميتة والجيف فاستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم فانزل الله تعالى قُلِ للمشركين ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ انها الهة من دون الله فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ-. وَإِنْ اى ما مِنْ قَرْيَةٍ من القرى إِلَّا قرية نَحْنُ مُهْلِكُوها اى مخربوها ومهلكوا أهلها بالموت قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها

[سورة الإسراء (17) : آية 59]

عَذاباً شَدِيداً إذا كفروا وعصوا قال مقاتل وغيره يعنى مهلكوها فى حق المؤمنين بالاماتة او معذبوها فى حق الكفار بانواع العذاب قال ابن مسعود إذا ظهر الزنى والربوا فى قرية اذن الله فى هلاكها كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ اى فى اللوح المحفوظ مَسْطُوراً (58) مكتوبا عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب القدر فكتب ما كان وما هو كائن الى الابد رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب اسنادا والله اعلم- اخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس والطبراني وابن مردوية عن ابن الزبير نحوه ابسط منه انه سال اهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم ان يجعل لهم الصفا ذهبا وان ينحى عنهم الجبال فيزرعوا فاوحى الله الى رسوله ان شئت ان أستأني بهم فعلت وان شئت ان أوتيهم ما سالوا فعلت فان لم يؤمنوا أهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا بل تستانّ بهم فانزل الله عز وجل. وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ الّتي سالها الكفار استعير المنع لترك إرسال الآيات وان مع صلتها فى موضع النصب على انه مفعول ثان لمنعنا إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا اى بالآيات المقترحة المستثنى فى محل الرفع بمنعنا الْأَوَّلُونَ اى كفار الأمم السابقة الذين كفار مكة أمثالهم فى الطبع والعادة فاهلكوا- وانه لو أرسلنا بالآيات لكذّب هؤلاء كما كذّب أولئك فيهلك هؤلاء كما أهلك أولئك- لان من سنتنا فى الأمم انهم إذ سالوا الآيات ثم لم يؤمنوا بعد إرسال الآيات ان نهلكهم ولا نمهلهم- وقد حكمنا بامهال هذه الامة قال الله تعالى بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بسبب تكذيب الآيات المقترحة فقال وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ بسوالهم مُبْصِرَةً اى اية بينة ذات أبصار فَظَلَمُوا اى كفروا بِهَا او ظلموا أنفسهم بعقرها فاهلكوا وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ المقترحة الباء زائدة إِلَّا تَخْوِيفاً (59) من نزول العذاب المستأصل فى الدنيا- فان لم يخافوا نزل بهم العذاب فى الدنيا- او المعنى ما نرسل بالآيات الّتي نرسلها يعنى غير المقترحة من المعجزات او آيات القران إِلَّا تَخْوِيفاً بعذاب الاخرة

[سورة الإسراء (17) : آية 6]

منصوب على العلية وجاز ان يكون بالآيات فى موضع الحال ويكون المفعول محذوفا- اى ما نرسل الرسل متلبسين بالآيات الا لاجل التخويف من عذاب الاخرة. وَإِذْ قُلْنا لَكَ اى اذكر إذا وحينا إليك إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ ذاتا وعلما وقدرة فلا تبال أحدا منهم وبلّغ ما أرسلت به- او المعنى أحاط بقريش بمعنى اهلكهم من أحاط بهم العدو- فهو بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه والله اعلم- اخرج ابو يعلى عن أم هانى وابن المنذر عن الحسن نحوه انه صلى الله عليه وسلم لما اسرى به يعنى ليلة المعراج أصبح يحدث نفرا من قريش وهم يستهزءون به- فطلبوا منه اية فوصف لهم بيت المقدس وذكر لهم قصة العير- فقال الوليد بن المغيرة هذا ساحر- فانزل الله تعالى وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ليلة المعراج من الآيات إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ حيث أنكرها كفار مكة وارتد ناس ممن أمن به- ومن هذه الاية قال من قال ان المعراج كان بالمنام اسرى بروحه دون بدنه كما ذكرنا قول عائشة ويدل عليه حديث رواه البخاري وقال ابن عباس المراد بالرؤيا هاهنا رؤيا عين وهو قول سعيد ابن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريح والأكثرين «1» - والعرب يقول رايت بعيني رؤية ورؤيا- وقال بعضهم كان له صلى الله عليه وسلم معراجان معراج رؤية بالعين ومعراج رؤية بالقلب- واخرج ابن مردوية عن الحسين بن على عليهما السلام ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يوما مهموما فقيل مالك يا رسول الله قال انى رايت فى المنام كانّ بنى امية يتعاورون منبرى هذا- فقيل يا رسول الله لا تهتم فانها دنيا تنالهم فانزل الله تعالى وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ والمراد بالفتنة على هذا ما حدث فى ايامهم من البدعة والفسوق- وأخرجه ابن جرير من حديث سهل بن سعد بلفظ راى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى فلان ينزون على منبره نزوة القردة فساءه ذلك فانزل الله ذلك وأخرجه ابن ابى حاتم من حديث عمرو بن العاص ومن حديث يعلى بن مرة واخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية والبيهقي فى الدلائل عن سعيد بن المسيب مرسلا قال راى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى امية على المنابر فساءه»

_ (1) فى الأصل والأكثرون- (2) عن ابن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم قال رايت ولد الحكم بن ابى العاص على المنابر كانهم القردة وانزل الله فى ذلك وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ يعنى الحكم وولده وروى تريب من ذلك عن سهل بن سعد ومعلى بن مرة والحسين بن على وسعيد بن المسيب وعائشة- منه رحمه الله

ذلك فاوحى الله اليه انما أعطوها فقرت عينه- وأسانيد هذه الأحاديث ضعيفة- وقال قوم أراد بهذا الرؤيا ما راى النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية انه دخل مكة هو وأصحابه فعجّل السير الى مكة قبل للاجل فصده المشركون فرجع فكان رجوعه فى ذلك العام بعد ما اخبر انه يدخلها فتنة وموجبا للشك لبعض الناس حتّى دخلها فى العام المقبل فانزل الله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ- قال البيضاوي وفيه نظر إذ الاية مكية الا ان يقال راها بمكة وحكاها حينئذ قلت وهو ايضا غير سديد وقال لعله رؤيا راها ما كان فى وقعة بدر كقوله إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا فقد روى انه لما ورد ماءه قال لكانّى انظر الى مصارع القوم هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان فتسامعت به قريش واستسحروا منه- وَالشَّجَرَةَ يعنى شجرة الزقوم عطف على الرؤيا يعنى وما جعلنا الشجرة الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الا فتنة للناس قال البغوي وذلك الفتنة من وجهين أحدهما ان أبا جهل قال ان ابن كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم انها تنبت فيها شجرة وتعلمون ان النار تحرق الشجرة- ولم يشعر السفيه ان من قدر على ان يحفظ دبر السمندل من ان يحرقه النار وأحشاء النعامة من أذى الحمر وقطع الحديد المحماة الّتي تبلعها قادر على ان يخلق فى النار شجرة لا يحرقها- قال فى المدارك السمندل دويبة ببلاد الترك يتخذ منها مناديل إذا توسخت طرحت فى النار فذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا يعمل فيه النار- وفى القاموس هو طائر ببلاد الهند لا يحترق بالنار- ثانيهما ان ابن الزبعرى قال ان محمّدا يخوّفنا بالزقوم؟؟؟ عرف الزقوم الا الزبد والتمر- فقال ابو جهل يا جارية تعالى زقّمينا فاتت بالزبد والتمر فقال يا قوم تزقموا فان هذا ما يخوّفكم به محمّد فوصفه الله فى الصافات- واخرج ابن ابى حاتم والبيهقي فى البعث عن ابن عباس قال لما ذكر الله الزقوم وخوّف به هذا الحي من قريش قال ابو جهل هل تدرون ما هذا الزقوم الّذي يخوّفكم به محمّد قالوا لا قال عجوة يثرب بالزبد اما لان أمكننا منها لنتزقّمنّها تزقما فانزل الله تعالى وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الاية وانزل إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ- ولعنها فى القران بمعنى لعن طاعمها وصفه به على المجاز للمبالغة او وصّفها به لانها فى اصل الجحيم وهو ابعد مكان من الرحمة- او لانها مكروهة

[سورة الإسراء (17) : آية 61]

مؤذية يقول العرب لكل طعام كريه ضار ملعون وقد اولت بالشيطان وابى جهل والحكم بن ابى العاص وَنُخَوِّفُهُمْ بانواع التخويف فَما يَزِيدُهُمْ تخويفنا شيئا إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (60) اى تمردا وعتوا عظيما-. وَاذكر إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) اى لمن خلقته من طين فنصبه بنزع الخافض او على التميز- ويجوز ان يكون حالا من الراجع المحذوف الى الموصول اى خلقته وهو طين وحمله باعتبار ما كان او وهو من طين- وفيه على الوجوه ايماء لعلة الإنكار- قال البغوي وذلك ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس ان الله بعث إبليس حتّى أخذ كفّا من تراب الأرض من عذبها وملحها فخلق منه آدم فمن خلقه من العذب فهو سعيد وان كان ابن كافرين ومن خلقه من الملح فهو شقى وان كان ابن نبيين- وروى احمد والترمذي وابو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنوا آدم من قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب. قالَ إبليس أَرَأَيْتَكَ الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الاعراب هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ هذا مفعول أول لا رايت والموصول صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه- والمعنى أخبرني عن هذا الّذي كرمته علىّ وتأمرونى بالسجود له لم كرّمته علىّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ اثبت الياء فى الحالين ابن كثير وأثبتها فى الوصل فقط نافع وابو عمرو وحذفها الباقون فى الحالين والمعنى لان أمهلتني ولا تميتنى إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ولهذا كلام مبتدا واللام موطية للقسم وجوابه لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ اى لاستأصلنّهم بالإغواء من احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله- او المعنى لاقودنّهم كيف شئت واستولينّ عليهم من قول العرب حنك الدابة يحنكها إذا شد فى حنكها الأسفل حبلا يقودها- فى القاموس احتنكه استولى عليه والجراد الأرض أكلت ما عليها إِلَّا قَلِيلًا (62) يعنى المعصومين الذين استثناهم الله تعالى وقال إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ قال البيضاوي انما علم ان ذلك يتسهل له اما استنباطا

[سورة الإسراء (17) : الآيات 63 إلى 64]

من قول الملائكة أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها مع التقرير او تفرسا من خلقته ذا وهم وغضب وشهوة-. قالَ الله تعالى اذْهَبْ امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه ثم عقبه بما افضى اليه سوء اختياره فقال فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ اى جزاؤك وجزاء اتباعك فغلّب المخاطب على الغائب جَزاءً مَوْفُوراً (63) اى وافرا مكملا من قولهم وفر لصاحبك عرضه- وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله او حال موطية لقوله. مَوْفُوراً وَاسْتَفْزِزْ اى استخف واستزل واستجهل فى القاموس استفزه استخفه وأخرجه من داره. مَنِ اسْتَطَعْتَ ان تستفزه مِنْهُمْ اى من ذرية آدم بِصَوْتِكَ قال ابن عباس اى بدعائك إياهم الى المعصية- وكل داع الى معصية الله فهو من جند إبليس- وقال الأزهري اى ادعهم دعاء تستفزهم به الى جانبك وقال مجاهد اى بالغناء والمزامير وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ جلبه يجلبه اجتلبه ساقه من موضع الى اخر كذا فى القاموس- ومنه فى الحديث لاجلب- قال فى النهاية الجلب فى شيئين أحدهما ان يقدم المصدق على الزكوة فينزل موضعا ثم يرسل من يجلب اليه فنهى عن ذلك وأمران تؤخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم- ثانيهما فى السباق وهو ان يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثّا له على الجري فنهى عن ذلك وفى القاموس اجلب على الفرس زجره وايضا الجلبة الصوت- فى القاموس رعد فجلب اى فصوّت واجلب عليه إذا صاح به واستحثه فى حديث الزبير يقود الجيش ذا الجلب قال القتيبي هو جمع جلبة وهو الأصوات- وايضا الجلب الاجتماع قال فى النهاية يقال اجلبوا عليه إذا تجمعوا واجلبه اى أعانه فى حديث العقبة انكم تبايعون محمّدا صلى الله عليه وسلم على ان تحاربوا العرب والعجم مجلبة اى مجتمعة على الحرب- فمعنى الاية اجمع مكائدك وخيلك ورجلك او المعنى صح عليهم وحثهم على المعاصي او المعنى سقهم الى المعاصي او المعنى أعنهم على المعاصي وقال معناه استعن عليهم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ اى بركبانك ومشاتك قال اهل التفسير كل راكب وماش فى المعاصي فهو من جند إبليس- وقال مجاهد قتادة

ان له خيلا ورجلا من الجن والانس وهو كل من يقاتل فى المعصية- وقال البيضاوي معناه صح عليهم باغوائك من راكب وراجل- ويجوز ان يكون تمثيلا لتسلطه على من يغويه بمن عدا على قوم فاستفزهم من أماكنهم واجلب عليهم بجنده حتّى استأصلهم- قرا حفص رجلك بكسر الجيم والباقون بسكونها وهما لغتان وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام وصرفها فيها كذا قال مجاهد والحسن وسعيد بن جبير- وقال عطاء هو الربوا وقال هو ما كان المشركون يحرمونه من الانعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام- وقال الضحاك وما كانوا يذبحونه لالهتهم وَالْأَوْلادِ روى عن ابن عباس انها الموءودة- وقال مجاهد والضحاك هم أولاد الزنى- وقال الحسن وقتادة هو انهم هوّدوا أولادهم ونصّروهم ومجسّوهم- وعن ابن عباس رواية اخرى هو تسمية الأولاد عبد الحارث وعبد الشمس وعبد العزى وعبد الدار ونحوها- وروى عن جعفر بن محمّد عليهما السلام ان الشيطان يقعد على ذكر الرجل فلم يقل بسم الله أصاب معه امرأته وانزل فى فرجها كما ينزل الرجل- قال البغوي وفى بعض الاخبار ان فيكم مغربين قيل ومن المغربين قال الذين شارك فيهم الجن وَعِدْهُمْ المواعيد الباطلة كشفاعة الأصنام والاتكال على كرامة الآباء وتأخير التوبة وان لا جنة ولا نار ولا بعث- فان قيل هذا امر بالمعصية والله لا يأمر بالفحشاء قلنا هذا امر بمعنى التهديد كقوله تعالى اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ- او للاهانة يعنى لا يخلّ ذلك بملكي وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (64) اعتراض لبيان مواعيده والغرور تزيين الباطل بما يظن انه حق- قال البغوي فى الآثار ان إبليس لما اخرج الى الأرض- قال يا رب أخرجتني من الجنة لاجل آدم فسلطنى عليه وعلى ذريته- قال أنت مسلط فقال لا استطيعه الا بك فزدنى قال اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ الاية- وقال آدم يا رب سلطت ا؟؟؟ علىّ وعلى ذريتى وانى لا استطيعه الا بك- قال لا يولد لك ولد الا وكلت به؟؟؟ قال زدنى قال الحسنة بعشر أمثالها- قال زدنى قال التوبة معروضة ما دام الروح؟؟؟ قال زدنى قال يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا الاية- وفى الخبر ان

[سورة الإسراء (17) : آية 65]

إبليس قال يا رب بعثت أنبياء وأنزلت كتبا- فما قراءتى قال الشعر قال فما كتابى قال الوشم قال ومن رسلى قال الكهنة قال وابن مسكنى قال الحمّامات قال واين مجلسى قال الأسواق قال اى شيء مطعمى قال ما لم يذكر عليه اسمى قال ما شرابى قال كل مسكر قال وما حبالتى قال النساء قال وما اداتى قال المزامير. إِنَّ عِبادِي اى المخلصين والاضافة للتعظيم لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ اى على اغوائهم سُلْطانٌ قدرة وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) اى من يتوكلون به فى الاستعاذة منك ويوكلون اليه أمورهم فهو يحفظهم منك. رَبُّكُمُ الَّذِي اى هو الّذي يُزْجِي اى يسوق ويجرى لَكُمُ الْفُلْكَ اى السفن فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ الربح وانواع الرزق ما ليس عندكم إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) حيث هيّا لكم ما تحتاجون اليه وسهّل لكم ما تعسّر. وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ شدة الخوف من الغرق فِي الْبَحْرِ ضَلَّ اى ذهب عن خواطركم مَنْ تَدْعُونَ اى من تدعونه الهة إِلَّا إِيَّاهُ اى الا الله تعالى فانكم لا تذكرون حينئذ سواه- او ضل من تدعونه الهة عن اغاثتكم ولكن الله يذهب عنكم الضر فالاستثناء حينئذ منقطع فَلَمَّا نَجَّاكُمْ من الغرق إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن التوحيد وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67) للنعم هذا كالتعليل للاعراض. أَفَأَمِنْتُمْ الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فامنتم فحملكم ذلك على الاعراض ولا ينبغى ذلك فانه من قدر ان يهلككم فى البحر بالغرق قدر أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ اى يقلب الله ناحية البر وأنتم عليه او يقلبه بسببكم فيهلككم فقوله بكم اما حال أو صلة أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً اى ريحا يحصب به اى يرمى بالحصباء اى الحصى وهى الحجارة الصغار ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) مانعا يحفظكم من ذلك إذ لا راد لفعله. أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ اى فى البحر تارَةً مرة أُخْرى يخلق دواعى يلجيكم الى ان ترجعوا فتركبوا البحر فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ قال ابن عباس اى عاصفا وهى الريح الشديدة وقال ابو عبيدة الّتي تقصف اى تدق وتحطم

[سورة الإسراء (17) : آية 70]

كل شيء وقال القتيبي هى الّتي تقصف الشجر اى تكسره فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ اى بسبب اشراككم او بكفرانكم نعمة الانجاء أول مرة- قرا ابن كثير وابو عمرو ان نّخسف ونرسل ونعيد ونغرقكم بالنون فيهن على التكلم والتعظيم والباقون بالياء على الغيبة غير ان أبا جعفر ويعقوب قرا فتغرقكم بالتاء الفوقانية على التأنيث والضمير راجع الى الريح ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (69) اى ناصرا وثائرا يتبعنا مطالبا بالثار وقيل من يتبعها بالإنكار-. وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ بحسن الصورة والمزاج إلا عدل واعتدال القامة والتميز بالعقل والافهام بالنطق والاشارة والخط والتهدى الى اسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما فى الأرض بان سخر لهم سائر الأشياء والتمكن من الصناعات واتساق الأسباب والمسببات العلوية والسفلية الى ما يعود عليهم بالمنافع وان يتناول الطعام بيده الى فيه بخلاف سائر الحيوانات والعشق والمعرفة والوحى ومراتب القرب من الله تعالى- اخرج الحاكم فى التاريخ والديلمي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرامة الاكل بالأصابع وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ على الدواب وَالْبَحْرِ على السفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه او حملناهم فيهما حتّى لا يخسف بهم الأرض ولم يغرقهم الماء وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ اى المستلذّات من المطاعم والمشارب وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) الفضل فى اللغة الزيادة والمراد هاهنا الزيادة فى الثواب ومراتب القرب الى الله تعالى فالضمير المنصوب فى فضلناهم راجع الى بنى آدم باعتبار بعض افراده يعنى المؤمنين كما فى قوله تعالى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ الى قوله تعالى وَبُعُولَتُهُنَّ اى الرجعيات منهن أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ وذلك لان الكفار منهم هم أدون خلق الله وابغضهم اليه وأخبثهم وأُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ- وظاهر الاية تدل على ان فضلهم على كثير من الخلائق لا على كلهم فقال قوم فضلوا على جميع الخلق الا الملائكة- وقال الكلبي فضلوا على الخلائق كلهم الأعلى طائفة من الملائكة منهم جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت- وقال

[سورة الإسراء (17) : آية 71]

قوم فضلوا على جميع الخلق وعلى الملائكة كلهم وقد يوضع الأكثر موضع الكل كما قال الله تعالى هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ الى قوله وَأَكْثَرُهُمْ «1» كاذِبُونَ اى كلهم ويؤيده حديث جابر يرفعه قال لما خلق الله آدم وذرّيّته قالت «2» الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الاخرة فقال الله تعالى لا اجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحى كمن قلت له كن فكان- رواه البيهقي فى شعب الايمان- والتحقيق ان عوام المؤمنين اى الصالحين منهم وهم اولياء الله أفضل من عوام الملائكة واما غير الأولياء من المؤمنين فبعد ما يمحصون من الخطايا اما بالمغفرة واما بالعقاب بقدر ذنوبهم ويدخلون الجنة يلتحقون بالأولياء- وخواص المؤمنين وهم الأنبياء عليهم السلام أفضل من خواص الملائكة قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ- وروى عن ابى هريرة انه قال المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده كذا ذكر البغوي- ورواه ابن ماجة بلفظ المؤمن أكرم على الله من بعض ملائكته يعنى جنس المؤمن أكرم على الله من بعض ملائكته قلت قيد الأكثر فى هذه الاية وكذا قيد البعض فى حديث ابى هريرة عند ابن ماجة لا ينفى افضلية بعض المؤمنين يعنى الأنبياء على جميع الملائكة الا بالمفهوم ولا عبرة بالمفهوم لا سيما فى مقابلة عموم منطوق قوله تعالى أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ- الا ترى ان معنى الاية فضلنا جميع المؤمنين يعنى كل واحد منهم على كثير من الخلائق- وذالا ينافى ما قال اهل السنة فى كتب العقائد ان الخواص منهم فضلوا على كل ملك حتّى خواصهم ووجه فضلهم على الملائكة انهم مجبولون على الطاعة فيهم عقل بلا شهوة وفى البهائم شهوة بلا عقل وفى الإنسان عقل وشهوة فمن عمل على مقتضى عقله وترك شهوته جاهد فى الله حق جهاده فاجتباه الله وقال الله تعالى الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ- ومن عمل بشهوته وأهمل عقله وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فالجحيم له المأوى وهم كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ-. يَوْمَ نَدْعُوا منصوب بإضمار اذكر او ظرف لما دل عليه وَلا يُظْلَمُونَ ... كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال مجاهد وقتادة اى بنبيهم وقال ابو صالح والضحاك

_ (1) وفى الأصل وأكثرهم الكاذبون- (2) وفى الأصل ... قالت يا رب-

[سورة الإسراء (17) : آية 72]

بكتابهم الّذي انزل إليهم اخرج ابن مردوية عن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى قوم بامام لهم وكتاب ربهم- وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس بامام زمانهم الّذي دعاهم فى الدنيا الى ضلالة او هدى قال الله تعالى وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا- وقال وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وقيل بمعبودهم- وعن سعيد بن المسيب قال كل قوم يجتمعون الى رئيسهم فى الخير والشر- وقال الحسن وابو العالية أعمالهم الّتي قدموها- وقال قتادة ايضا بكتابهم الّذي فيه أعمالهم بدليل سياق الاية ويسمى الكتاب اماما- قال الله تعالى وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ- وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وأفعالهم- وقال محمّد بن كعب بامهاتهم جمع أم كخف وخفاف والحكمة فى ذلك إجلال عيسى عليه السلام واظهار شرف الحسن والحسين رضى الله عنهما- وان لا يفتضح أولاد الزنى- قوله بامامهم حال اى مختلطين بمن ايتمّوا به من نبىّ او كتاب او رئيس فى الخير او الشر او حاملين أعمالهم او صحائفها- او صلة لندعوا يعنى ندعوهم باسم امامهم يقال يا امة فلان يا اتباع فلان يا اهل دين وكتاب كذا يا اصحاب اعمال كذا يا ابن مريم يا ابن فاطمة ونحو ذلك فَمَنْ أُوتِيَ من المدعوين كِتابَهُ اى كتاب عمله بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) منصوب على المصدرية اى لا يظلمون ظلما قدر فتيل- او على المفعولية بتضمين ينقصون اى لا تنقص من أجورهم ادنى شيء قدر فتيل- والفتيل ما يكون فى شق النواة او ما فتلته بين أصابعك من الوسخ- وجمع اسم الاشارة والضمير لان من اوتى فى معنى الجمع وتعليق القراءة بايتاء الكتاب باليمين يدل على من اوتى كتابه بشماله او وراء ظهره إذا اطلع ما فيه غشيهم من الحجل والحيرة ما يحبس ألسنتهم من القراءة فلا يقرءون بل يقولون يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ- ولم يذكر الكفار وإيتاء كتبهم اكتفاء بقوله. وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى قيل هذه اشارة الى النعم الّتي عدها الله من قوله رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ الى قوله تفضيلا- يعنى من كان فى هذه النعم الّتي قد عاين أعمى فهو فى الاخرة الّتي لم يره أشد عمى وأضل سبيلا- يروى هذا عن ابن عباس- وقيل

[سورة الإسراء (17) : آية 73]

اشارة الى الدنيا يعنى من كان فى هذه الدنيا أعمى القلب عن روية ادلة التوحيد وطريق الحق فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى قيل معناه التفضيل يعنى أشد عمى منه فى الدنيا لا يرى طريق النجاة أصلا- فان قيل افعل التفضيل شرطه ان لا يكون من لون او عيب فكيف اعتبر فيه معنى التفضيل- قلنا المراد بالعمى هاهنا عمى القلب والمانع من بناء افعل التفضيل العيب الظاهري- فالاعمى هاهنا كالاحمق والأجهل والأبله ولذلك امال ابو عمرو ويعقوب فى الاول فقط- ولم يميلا فى الثانية لان افعل التفضيل إذا استعمل بمن كانت الفه فى حكم المتوسط فلا يمال بخلاف افعل الصفة واما ابو بكر وحمزة والكسائي فقرءوا بالامالة فى الحرفين وورش بين بين فيهما والباقون بالفتح فيهما على أصولهم فهم لا يعتبرون معنى التفضيل وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) منه فى الدنيا لزوال الاستعداد وفقدان الآلة والمهلة وكان فى الدنيا تقبل توبته ان تاب وفى الاخرة لا تقبل توبته او المعنى أضل سبيلا من الأعمى- اخرج ابن مردوية وابن ابى حاتم من طريق ابن إسحاق عن محمّد بن ابى محمّد عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج امية بن خلف وابو جهل بن هشام ورجال من قريش فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمّد تعال فتمسّح بآلهتنا وندخل معك فى دينك وكان يحب اسلام قومه فرق لهم فانزل الله تعالى. وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الاية قال صاحب لباب النقول فى اسباب النزول هذا أصح ما ورد فى سبب نزولها وهو اسناد جيد وله شواهد- اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر فقالوا لا ندعك لتستلم حتى تلمّ بآلهتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علىّ لو فعلت والله يعلم منى خلافه- وذكر البغوي نحوه وفيه والله يعلم انى لكاره بعد ان يدعونى حتّى استلم الحجر- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن شهاب نحوه والله اعلم- واخرج ابن ابى حاتم عن جبير بن نفير ان قريشا آتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ان كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم فنكون نحن أصحابك فركن

[سورة الإسراء (17) : آية 74]

رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فنزلت- واخرج ابن ابى حاتم عن محمّد بن كعب القرظي انه صلى الله عليه وسلم قرا النجم أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى فالقى عليه الشيطان تلك الغرانيق العلى ان شفاعتهن لترتجى فنزلت هذه الاية فما زال مهموما حتّى انزل الله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى الاية- وفى هذه الأحاديث دليل على ان هذه الاية مكية- وقيل انها مدنية وذكر سبب نزوله ما اخرج ابن مردوية من طريق العوفى عن ابن عباس ان ثقيفا قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم اجّلنا سنة حتّى تهدى لالهتنا فاذا قبضنا الّذي تهدى للالهة احرزنا بم اسلمنا- فهمّ ان يؤجلهم فنزلت واسناده ضعيف وذكر البغوي هذه القصة بانه قال ابن عباس وقد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا نبايعك على ان تعطينا ثلاث خصال قال وما هن قالوا لا نحنى فى الصلاة اى لا ننحنى- ولا نكسر أصنامنا بايدينا- وان تمتعنا باللات سنة من غير ان نعبدها- فقال صلى الله عليه وسلم لا خير فى دين لا ركوع فيه ولا سجود واما ان لا تكسروا أصنامكم بايديكم فذلك لكم واما الطاغية يعنى اللات والعزى فانى غير متمتعكم بها قالوا يا رسول الله انا نحب ان يسمع العرب انك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا فان خشيت ان يقول العرب اعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله امر بذلك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطمع القوم فى سكوته ان يعطيهم ذلك فانزل الله تعالى وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ الاية- ان هى المخففة واللام هى الفارقة والمعنى ان الشأن انهم قاربوا بمبالغتهم ان يوقعوك فى الفتنة بالاستنزال عن الّذي أوحينا إليك من الاحكام لِتَفْتَرِيَ اى لتختلق عَلَيْنا غَيْرَهُ اى غير ما أوحينا إليك وَإِذاً اى إذا فعلت ذلك الافتراء لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وليّا لهم-. وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ يعنى لولا ثبّت تثبيتا إياك على الحق لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ اى لقاربت ان تميل الى اتباع مرادهم شَيْئاً من الركون ولليل قَلِيلًا (74) منصوب على المصدرية يعنى كنت على قرب من الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم وحرصك على إسلامهم قليلا من الركون لا كثيرا منه لولا عصمتنا

[سورة الإسراء (17) : آية 75]

إياك ولكن أدركتك عصمتنا فمنعت ان تقرب من ادنى الركون إليهم فضلا من القرب الى شدة الركون ومن نفس الركون بالطريق الاولى- فالاية دلت على كمال الاستقامة والصلاح فى استعداد النبي صلى الله عليه وسلم- بحيث لو لم يتداركه العصمة والتثبيت من الله فرضا لا تقرب من الميلان الى المعصية الا قليلا وقليل الاقتراب الى المعصية لا يقتضى الوقوع فى المعصية فكيف إذا أدركته العصمة ومنعته من قليل الاقتراب من الركون فضلا من كثير الاقتراب وشتّان بينه وبين نفس الركون فالاية صريح فى انه صلى الله عليه وسلم ما همّ بإجابتهم مع قوة الداعي والله اعلم. إِذاً اى إذا قاربت الى الركون شيئا قليلا لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ اى عذاب الدنيا وعذاب الاخرة ضعف ما يعذب به فى الدارين غيرك لان خطاء الخطير اخطر- وكان اصل الكلام عذابا ضعفا فى الحيوة وعذابا ضعفا فى الممات يعنى مضاعفا ثم حذف الموصوف وأقيم الصفة مقامه ثم أضيفت لما تضاف موصوفها- وقيل الضعف من اسماء العذاب سمى العذاب ضعفا لتضاعف الألم فيه والمعنى عذاب الحيوة عذاب الدنيا ومن عذاب الممات ما يكون بعد الموت- وقيل المراد بضعف الحيوة عذاب الاخرة وبضعف الممات عذاب القبر ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) يدفع العذاب عنك والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي فى الدلائل من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرّحمن ابن غنم ان اليهود آتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ان كنت نبيّا فالحق بالشام فان الشام ارض المحشر وارض الأنبياء فصدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا وغزا غزوة تبوك لا يريد الا الشام فلما بلغ تبوك انزل الله تعالى آيات من سورة بنى إسرائيل. وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ اى ليزعجونك والاستفزاز الا زعجاج بسرعة مِنَ الْأَرْضِ اى المدينة لِيُخْرِجُوكَ مِنْها فامره بالرجوع الى المدينة فقال له جبرئيل سل ربك فان لكل نبى مسئلة فقال ما تأمرنى ان اسئل قال قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً- فهؤلاء نزان فى رجعته من تبوك هذا مرسل ضعيف وله شواهد من مرسل سعيد بن جبير عند

[سورة الإسراء (17) : آية 77]

ابى حاتم ولفظه قالت المشركون للنبى صلى الله عليه وسلم كانت الأنبياء تسكن الشام فما لك والمدينة فهمّ ان يشخص فنزلت- وله طريق اخرى مرسلة عند ابن جرير ان بعض اليهود قال له- وذكر البغوي قول الكلبي انه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كره اليهود مقامه فى المدينة حسدا فاتوه وقالوا يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء وان ارض الأنبياء الشام وهى الأرض المقدسة وكان بها ابراهيم والأنبياء عليهم السلام فان كنت نبيّا مثلهم فأت الشام- وانما يمنعك من الخروج إليها مخافتك الروم وان الله سيمنعك منهم ان كنت رسوله فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أميال من المدينة وفى رواية الى ذى الحليفة حتّى يجتمع اليه أصحابه ويخرج فانزل الله هذه الاية- وقال مجاهد وقتادة الأرض ارض مكة والاية مكية همّ المشركون ان يخرجوه منها فكفهم الله عنها حتّى امره الله بالهجرة فخرج بنفسه- قال البغوي وهذا أليق بالآية لان ما قبلها خبر عن اهل مكة والسورة مكية- وقيل هم الكفار كلهم أرادوا ان يستفزوه من ارض العرب باجتماعهم وتظاهروا عليه فمنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم ولم ينالوا منه ما أملوا والله اعلم وَإِذاً اى إذا استفزوك لا يلبثون خلفك قرا ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب خلافك بكسر الخاء والالف بعد اللام والباقون بفتح الخاء واسكان اللام والمعنى واحد يعنى بعد خروجك او بعد استفزازك إِلَّا قَلِيلًا (76) اى الا زمانا قليلا قيل وكان كذلك فان يهود المدينة قتل منهم بنوا قريظة واجلى بنوا النضير واجلى يهود خيبر فى خلافة عمر وقتل مشركوا مكة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر واخرج الكفار كلهم من جزيرة العرب- وقيل لم يتحقق الاستفزاز ولو استفزوا لاستوصلوا. سُنَّةَ نصب على المصدر اى سن الله ذلك سنة وهو ان يهلك كل امة اخرجوا رسولهم من بين أظهرهم فهذه سنة الله تعالى وانما أضاف الى الرسل حيث قال مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا لان ذلك السنة كان لاجل الرسل وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا (77) اى تغيرا.

[سورة الإسراء (17) : آية 78]

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ اللام للتاقيت كما فى قولك لثلاث خلون- يعنى صل وقت دلوك الشمس- ومعناه الزوال على قول ابن عباس وابن عمرو جابر وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن واكثر التابعين كذا روى ابن مردوية عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا روى البزار وابن مردوية بسند ضعيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدل عليه ما رواه إسحاق بن راهويه فى مسنده وابن مردوية فى تفسيره والبيهقي فى المعرفة من حديث ابى مسعود الأنصاري قوله صلى الله عليه وسلم أتاني جبرئيل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر الحديث وهو من الدلك لان الناظر إليها يدلك عينه ليدفع شعاعها- وقيل معناه الغروب قال البغوي روى عن ابن مسعود انه قال الدلوك الغروب وهو قول ابراهيم النخعي ومقاتل بن حبان والضحاك والسدىّ ومعنى اللفظ يجمعهما لان اصل الدلوك الميل والشمس يميل إذا زالت او غربت- وفى القاموس دلكت الشمس دلوكا غربت او اصفرت او زالت عن كبد السماء- قال البيضاوي اصل التركيب للانتقال ومنه الدلك فان الدالك لا يستقر يده وكذا ما يتركب من الدال واللام كدلج ودلح ودلع ودلف ودله- قال البغوي والحمل على الزوال اولى القولين لكثرة القائلين به ولانا إذا حملنا عليه كانت الاية جامعة لمواقيت الصلاة كلها حيث قال الله تعالى إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ اى الى غيبوبة شفق الليل وامتلائه ظلمة ومعنى الغسق الامتلاء كما ذكرنا فى سورة الفلق وفى القاموس الغسق ظلمة أول الليل والغاسق القمر او الليل إذا غاب الشفق فذكر فيه مواقيت اربع من الصلوات الخمس الظهر والعصر والمغرب والعشاء وذكر وقت الفجر بقوله وَقُرْآنَ الْفَجْرِ اى صلوة الفجر سميت الصلاة قرانا لان القران ركن فيها- كما سميت ركوعا وسجودا- وانتصاب القران اما على انه عطف على الصلاة اى وأقم قران الفجر قاله الفراء وقال اهل البصرة هو على الإغراء اى وعليك قران الفجر- وجاز ان يكون التقدير واقرأ قران الفجر يعنى اقرأ القران فى صلوة الفجر- فيكون امرا بالقراءة فى صلوة الفجر عبارة وفى غيرها دلالة- وقد

[سورة الإسراء (17) : آية 79]

ذكرنا مواقيت الصلاة فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ... إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تفضل صلوة الجميع على صلوة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار فى صلوة الفجر- ثم يقول ابو هريرة اقرءوا ان شئتم وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً- رواه البخاري وغيره قال البيضاوي او يشهده شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء والنوم الّذي هو أخو الموت بالانتباه- او كثير من المصلين او من حقه ان يشهده الجم الغفير- وقيل المراد بالصلوة فى قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ صلاة المغرب لِدُلُوكِ الشَّمْسِ اى وقت غروبها إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ اى الى غيبوبة الشفق ففيه بيان لمبدا وقت المغرب ومنتهاه ودلّت الاية على هذا على كون وقت المغرب ممتدا الى غيبوبة الشفق فحينئذ امر الله بالصلوتين لكمال اهتمامهما-. وَمِنَ اللَّيْلِ اى بعض الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ اى فاترك الهجود يعنى النوم للصلوة والضمير فى به للقران- فى القاموس الهجود بضم الهاء النوم كالتهجد وتهجّد استيقظ كهجد ضدوا هجدنام وأنام كهجّد وهجده تهجيدا أيقظه ونوّمه ضد- والحاصل ان التشديد ان كان للازالة فمعناه ترك النوم وهو المراد هاهنا وان كان للتعدية فمعناه نومه- قال البغوي التهجد لا يكون الا بعد النوم يقال تهجد إذا قام بعد ما ينام- قلت لما كان معناه ترك النوم للصلوة فهو يشتمل من ترك النوم الليل كله او بعضه بعد النوم او قبله فلا وجه لاشتراط النوم قبل الصلاة لقيام الليل عن ابى ذر قال ضمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتّى بقي سبع فقام بنا حتّى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتّى ذهب شطر الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة قال ان الرجل إذا صلى مع الامام حتّى ينصرف حسب له قيام ليله فلما كانت الرابعة لم يقم بنا حتّى بقي ثلث الليل فلما كانت الثالثة جمع اهله ونساءه والناس فقام بنا حتّى خشينا ان يفوتنا

الفلاح- قلت ما الفلاح قال السحور ثم لم يقم بنا بقية الشهر- رواه اصحاب السنن الا ان الترمذي لم يذكر ثم لم يقم بقية الشهر- وعن السائب بن يزيد قال امر عمر أبيّ بن كعب وتميما الداري ان يقوما للناس بإحدى عشر ركعة فكان القاري يقرا بالمئين حتّى كنا نعتمد على العصا من طول القيام- فما كنا ننصرف الا فى فروع الفجر رواه مالك وعن أبيّ ابن كعب كان يقول كنا ننصرف فى رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة السحور وفى رواية مخافة الفجر رواه مالك- وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر الى قريب من الصبح وفى حديث ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة الليل الا الفرائض ويؤتر على راحلته- متفق عليه وقال ابن عباس كان صلاتهم أول الليل هى أشد وطأ- بمعنى أجدر ان يحصوا ما فرض الله عليكم من القيام لان الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ- لكن التهجد اخر الليل أفضل واكثر ثوابا منها أول الليل لما فى الصحيحين من حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر الحديث- وعن عبد الرّحمن بن عبد القاري قال خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة الى المسجد يعنى فى رمضان فاذا الناس اوزاع متفرقون يصلى الرجل لنفسه ويصلى الرجل ويصلى بصلاته الرهط فقال عمر لو جمعت هؤلاء على قارى واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب قال ثم خرجت معه ليلة اخرى والناس يصلون بصلوة قارئهم قال عمر نعمت البدعة هذه والّتي تنامون عنها أفضل من الّتي تقومون يريد اخر الليل وكان الناس يقومون اوله- رواه البخاري والله اعلم (مسئلة) كانت صلوة الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم فى الابتداء وعلى الامة بقوله تعالى يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخا فى حق الامة بالصلوات الخمس وبقي الاستحباب قال الله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ واختلفوا فى انه هل بقي وجوب قيام الليل فى حق النبي صلى الله عليه وسلم خاصة أم صار منسوخا فى حقه ايضا فقال بعض الناس ببقاء وجوب قيام الليل فى حق النبي صلى الله عليه وسلم لما روى عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث هن علىّ

فريضة وهى سنة لكم الوتر والسواك وقيام الليل فالامر على هذا فى هذه الاية للوجوب ومعنى قوله تعالى نافِلَةً لَكَ فريضة زائدة على سائر الفرائض فرضها الله تعالى عليك والمختار عندى ان افتراض قيام الليل نسخ عن النبي صلى الله عليه وسلم ايضا وكان له تطوعا كما هو مدلول هذه الاية صريحا ولو كان المعنى فريضة زائدة لقال نافلة عليك فان صلة الوجوب يكون على دون اللام فان قيل فما وجه تخصيصه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو نافلة للعباد كلهم قلنا وجه التخصيص ان نوافل العباد كفارة لذنوبهم والنبي صلى الله عليه وسلم كان معصوما لم يكن عليه ذنب وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يعنى زلّاته- وما هو من قبيل ترك الاولى فيبقى له التهجد نافلة اى زائدة فى رفع الدرجات- كذا روى مجاهد والحسن وابو امامة ويدل على كون التهجد تطوعا فى حق النبي صلى الله عليه وسلم حديث المغيرة قال قام النبي صلى الله عليه وسلم حتّى تورمت قدماه فقيل له لم تصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر- قال أفلا أكون عبدا شكورا- ولم يقل انه فريضة علىّ خاصة- وحديث ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة الليل الا الفرائض ويوتر على راحلته متفق عليه مسئلة اختلفوا فى ان التهجد فى حق الامة من المؤكدات او من المستحبات والمختار عندى انه من المؤكدات لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولحديث ابن مسعود قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل له ما زال نائما حتّى أصبح ما قام الى الصلاة قال ذك رجل بال الشيطان فى اذنه متفق عليه ولا شك ان تارك المندوبات لا يستحق اللوم والعتاب- وقوله تعالى نافِلَةً لَكَ منصوب على انه حال من الضمير المجرور فى به او على المصدرية وضع نافلة موضع تهجدا نافلة اى عبادة زائدة مفروضة او تطوعا وقد ذكرنا فضائل صلوة الليل وبعض مسائلها ومقدار ما ينبغى القراءة فيها فى تفسير سورة المزّمل- (فصل) كيف كان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يتجهد من الليل عن زيد بن خالد الجهني انه قال لارمقن صلوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة

فتوسدتّ عتبته او فسطاطه فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة- رواه مسلم ذكر البغوي قوله ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثلاث مرات وذكره فى المشكوة اربع مرات وقال هكذا فى صحيح مسلم وافراده من كتاب الحميدي ومؤطا مالك وسنن ابى داود وجامع الأصول فمعنى قوله أوتر على هذا أوتر بواحدة وعلى ما ذكره البغوي معناه أوتر بثلاث- وعن عائشة قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد فى رمضان ولا فى غيره على احدى عشر ركعة يصلى أربعا فلا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى أربعا فلا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاثا- قالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل ان توتر فقال يا عائشة ان عينى تنامان ولا ينام قلبى متفق عليه وعنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فيما بين ان يفرغ من صلوة العشاء الى الفجر احدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة ويسجد سجدتين قدر ما يقرا أحدكم خمسين اية قبل ان يرفع رأسه وإذا سكت المؤذن من أذان الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الايمن حتّى يأتيه المؤذن للاقامة فيخرج- متفق عليه وعن انس بن مالك قال ما كنا نشاء ان نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل مصليا الا رايناه وما نشاء ان نراه نائما الا رايناه- وقال كان يصوم من الشهر حتّى نقول لا يفطر منه شيئا ويفطر حتّى نقول لا يصوم منه شيئا- رواه النسائي وعنها قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر رواه مسلم وعن مسروق قال سالت عائشة عن صلوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل قال سبع وتسع واحدى عشرة ركة سوى ركعتى الفجر- رواه البخاري وعن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلى افتتح صلاته بركعتين خفيفتين- رواه مسلم وروى ايضا عن ابى هريرة مرفوعا إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين

وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه رقد عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ فتسوك وهو يقول إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حتّى ختم السورة يعنى ال عمران ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود ثم انصرف فنام حتّى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرا هؤلاء الآيات ثم أوتر بثلاث- رواه مسلم وعن عائشة قالت لمّا بدّن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اكثر صلاته جالسا- متفق عليه وعن حذيفة انه راى النبي صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل فكان يقول الله اكبر ثلاثا ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم استفتح فقرا البقرة ثم ركع ركوعه نحوا من قيامه فكان يقول سبحان ربى العظيم ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحوا من ركوعه يقول لربى الحمد ثم سجد فكان سجوده نحوا من قيامه فكان يقول فى سجوده سبحان ربى الأعلى ثم رفع رأسه من السجود وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده وكان يقول رب اغفر لى رب اغفر لى فصلى اربع ركعات قرا فيهن البقرة وال عمران والنساء والمائدة او الانعام شك شعبة رواه ابو داود وعن ابى ذر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى أصبح باية والاية إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- وعن رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لمّا صلى الله عليه وسلم صلوة العشاء اضطجع هويا من الليل ثم استيقظ فنظر فى الأفق فقال رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا حتّى بلغ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ثم أهوى الى فراشه فاستل منه سواكا ثم افرغ فى قدح من اداوة عندنا فاستن ثم قام فصلى حتّى قلت قد صلى قدر ما نام ثم اضطجع حتّى قلت قد نام قدر ما صلى ثم استيقظ ففعل كما فعل أول مرة وقال مثل ما قال ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قبل الفجر- رواه النسائي وعن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام قدر ما صلى ثم يصلى قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتّى يصبح ثم نعتت قراءته فاذا هى تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا رواه ابو داود والترمذي والنسائي-

عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ يوم القيامة مَقاماً مَحْمُوداً (79) منصوب على الظرف بإضمار فعله اى فيقيمك مقاما محمودا- او بتضمين يبعثك معنى يقيمك أو على الحال بمعنى يبعثك ذا مقام محمود يحمده الأولون والآخرون- قال البغوي عن ابى وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله اتخذ ابراهيم خليلا وان صاحبكم خليل الله وأكرم الخلق على الله ثم قرا عسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال يجلسه على العرش- وعن عبد الله بن سلام قال يقعده على الكرسي- والصحيح ان المقام المحمود مقام الشفاعة اخرج احمد وابن ابى حاتم والترمذي عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فى هذه الاية قال هو المقام الّذي اشفع فيه لامتى- وفى الصحيحين عن انس رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يحبس المؤمنون يوم القيامة حتّى يهموا بذلك فيقولون لو استشفعنا الى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم ابو الناس خلقك الله بيده وأسكنك فى جنته واسجد لك ملائكته وعلمك اسماء كل شيء اشفع لنا عند ربك حتّى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب أكله من الشجرة وقد نهى عنها ولكن ايتوا نوحا أول نبى بعثه الله الى اهل الأرض- فيأتون نوحا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب سواله ربه بغير علم ولكن ايتوا ابراهيم خليل الرّحمن قال فيأتون ابراهيم فيقول انى لست هناكم ويذكر ثلاث كذبات كذبهن ولكن ايتوا موسى عبدا أتاه الله التورية وكلمه وقربه نجيّا- قال فيأتون موسى فيقول انى لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب قتله النفس ولكن ايتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته- قال فيأتون عيسى فيقول لست هناكم ولكن ايتوا محمّدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال فيأتونى فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن لى عليه فإذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى فيقول ارفع محمّد وقل تسمع واشفع تشفّع رسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فاخرجهم من النار وأدخلهم الجنة

ثم أعود الثانية فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن لى عليه فاذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى ثم يقول ارفع محمّد قل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فاخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن لى عليه فاذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى ثم يقول ارفع محمّد قل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتّى ما يبقى فى النار الا من قد حبسه القران اى وجب عليه الخلود ثم تلا هذه الاية عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال وهذا المقام المحمود الّذي وعده نبيكم- وفى رواية فى الصحيحين حديث انس فى الشفاعة بمعناه وفيه فاستأذن على ربى فيؤذن لى ويلهمنى محامد أحمده بها لا يحضرنى الان فاحمده بتلك المحامد وأخرّ له ساجدا فقال يا محمّد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول رب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان فى قلبه مثقال شعيرة من ايمان فانطلق فافعل ثم أعود فاحمده بتلك المحامد ثم أخرّ له ساجدا فذكر مثله ثم يقال انطلق فاخرج من كان فى قلبه ادنى ادنى مثقال حبة من خردل من ايمان فانطلق فافعل ثم أعود الرابعة فذكر مثله وقال يا رب ايذن لى فيمن قال لا اله الا الله فيقول وعزتى وجلالى وكبريائى وعظمتى لأخرجن منها من قال لا اله الا الله- قال السيوطي فى هذا الحديث إشكال قوى نبه عليه العلماء وذلك ان أول الحديث فى الاراحة من كرب الموقف وآخره فى الشفاعة فى الإخراج من النار وذلك انما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط فى تلك الحالة فى النار ثم تشفع الشفاعة فى الإخراج بعد ذلك- قال الدراوردي راوى الحديث كبر سكّا على غير أصله وقد وقع فى حديث حذيفة على الصواب وهو ذكر الصراط عقيب هذه الشفاعة وفى حديث ابى هريرة وأبى سعيد فى الأمر باتباع كل امة ما كانت تعبد ثم تميز المنافقين من المؤمنين

ثم وضع الصراط والمرور عليه ثم الشفاعة فى الإخراج فكانّ الأمر باتباع كل امة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء والاراحة من كرب الموقف والإخراج من النار اخر الشفاعة كذا قال القاضي عياض والنووي وغيرهما- قلت وهذا لا يضر فكانّ فى الحديث حذف واختصار ذكر أول الشفاعة للاراحة من كرب الموقف ثم اتبعه اخر الشفاعة شفاعة الإخراج من النار وقد ثبت كل من الشفاعتين فى أحاديث اخر- قلت والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم استأذن على ربى فى داره يعنى فى الجنة والاضافة اليه للتشريف ولان رؤيته تعالى يختص بالجنة- واخرج البخاري عن ابن عمر قال ان الناس يصيرون جثيّا كل امة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع لنا حتّى ينتهى الشفاعة الى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا- وفى لفظ له ان الشمس لتدنو حتّى يبلغ العرق نصف الاذان فبينماهم كذلك فاستغاثوا الى آدم فيقول لست بصاحب ذلك ثم بمحمّد صلى الله عليه وسلم فيشفع فيقضى الله تعالى بين الخلق فيمشى حتّى يأخذ باب الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده اهل الجمع كلهم- واخرج البزار والبيهقي عن حذيفة قال يجمع الله الناس فى صعيد واحد لا يتكلم نفس فيكون أول من يدعى محمّد صلى الله عليه وسلم فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك والشر ليس إليك والمهدى من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا منجا منك الا إليك تباركت وتعاليت رب البيت فعنده يشفع فذلك قوله تعالى عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً- واخرج الترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن مردوية عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا سيد ولد آدم ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبى يومئذ آدم فمن سواه الا تحت لوائى وانا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم فيقولون أنت أبونا فاشفع لنا فيقول إذ نبت ذنبا أهبطت الى الأرض ولكن ايتوا نوحا فيقول انى دعوت على اهل الأرض دعوة فاهلكوا ولكن اذهبوا الى ابراهيم فيأتون ابراهيم فيقول انى كذبت ثلاث كذبات (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منها كذبة الا وهو بما «1» حل بها عن دين الله) ولكن ايتوا موسى فيقول انى قتلت نفسا

_ (1) بما حل اى يدافع ويجادل من المحال بالكسر وهو الكيد وقيل المكر والقوة والشدة- 12 منه رحمه الله

فائدة

ولكن ايتوا عيسى فيقول انى عبدت من دون الله ولكن ايتوا محمّدا فيأتون فانطلق معهم فاخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال من هذا فأقول محمّد فيفتح لى ويقولون مرحبا فاخرّ ساجدا فيلهمنى الله من الثناء والحمد والمجد فيقال ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع وقل تسمع فذلك هو المقام المحمود- قال القرطبي رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم فيفزع الناس ثلاث فزعات انما ذلك والله اعلم حين يؤتى بالنار تجربا زمّتها فاذا رات الخلائق تمحلت وسبقت- واخرج ابن خزيمة والطبراني بسند صحيح عن سلمان قال تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس- قال فذكر الحديث قال فيلقون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون اشفع لنا فيقول انا صاحبكم فيخرج حتّى ينتهى الى باب الجنة فيأخذ بحلقة فى الباب فيقرع الباب فيقال من هذا فيقول محمّد فيفتح له حتّى يقوم بين يدى الله فيسجد فنادى ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فذلك المقام المحمود- أورده غير تام وأخرجه ابن ابى حاتم فى السنّة وابن ابى شيبة بتمامه فذكر الحديث بطوله وفى آخره فيشفع فى كل من كان فى قلبه مثقال حبة من حنطة من ايمان او مثقال شعيرة من ايمان او مثقال حبة من خردلة من ايمان فذاك المقام المحمود- واخرج الطبراني عن كعب بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الناس يوم القيامة فاكون وأمتي على تل يوم القيامة فيكسونى ربى حلة خضراء ثم يؤذن لى فاثنى عليه بما هو اهله فذلك المقام المحمود- فائدة ورد فى الشفاعة العظمى فى فصل القضاء والاراحة فى طول الموقف مطولا من حديث ابى بكر الصديق رواه البزار وابو يعلى وابو عوانة وابن حبان فى صحيحهما وحديث ابى هريرة رواه الشيخان وغيرهما وحديث ابن عباس رواه احمد وأبو يعلى وحديث حذيفة وابى هريرة رواه مسلم والحاكم وحديث عقبة ابن عامر رواه الطبراني وابن المبارك وابن جرير وغيرهم وقد مر ذلك فى سورة ابراهيم فى تفسير قوله تعالى وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ قال القرطبي هذه الشفاعة

العامة الّتي خص بها نبينا صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء عليهم السلام هى المرادة بقوله صلى الله عليه وسلم لكل نبىّ دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وانا اختبأت دعوتى شفاعة لامتى وهذه الشفاعة لاهل الموقف وقال وانما هى ليعجل حسابهم ويراحوا من هول الموقف قلت عندى ان المراد بقوله صلى الله عليه وسلم اختبأت دعوتى شفاعة لامتى الشفاعة الثالثة لاجل إخراج المذنبين من النار ويكون للنبى صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات كما يدل عليه ما اخرج ابن جرير فى تفسيره والطبراني فى المطولات وابو يعلى فى مسنده والبيهقي فى البعث وابو موسى المديني فى المطولات وعلى بن معبد فى كتاب الطاعة والعصيان وعبد بن حميد وابو الشيخ فى كتاب العظمة عن ابى هريرة حديثا طويلا فى خلق الصور ونفخه نفخة الفزع والصعق والبعث الى ان يدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار وان يخرج المؤمنون من النار مكتوبا فى رقابهم الجهنّميون عتقاء الله وانا اذكره منتخبا قد ذكر فى ذلك الحديث ان الناس يقفون موقفا واحد الا يقضى بينهم فيصيحون ويقولون من يشفع لنا فيأتون آدم ويقول ما انا بصاحب ذلك فيأتون الأنبياء نبيا نبيا فلما جاءوا نبيا يأبى عليهم حتّى يأتونى فأنطلق معهم حتّى اتى الفحص اى قدام العرش فاخرّ ساجدا فيقول الله ما شأنك وهو اعلم فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعنى فى خلقك فاقض بينهم فيقول شفعتك اتيكم فاقضى بينكم فذكر الحديث بطوله فذكر القضاء فى البهائم والوحش ثم يقضى فى العباد فى الدماء والمظالم ثم يقول ليلحق كل قوم بآلهتهم فيلحقون ويبقى المؤمنون وفيهم المنافقون فيكشف لهم عن ساق فيخر المؤمنون ساجدين ويخر كل منافق على قفاه يجعل أصلابهم كصياصى البقر ثم يضرب الصراط فيمرون عليه الى قوله فناج سالم وناج مخدوش- ومكدوش على وجهه فى جهنم- فاذا مضى اهل الجنة الى الجنة قالوا من يشفع لنا الى ربنا فندخل الجنة- فيقول من أحق من أبيكم آدم فيأتونه فيذكر ذنبا فيقول ما انا بصاحب ذلك ولكن عليكم بنوح فيأتونه فيقول نحو ذلك فيأتون ابراهيم وموسى وعيسى كل يقول

نحو ذلك فيأتونى ولى عند ربى ثلاث شفاعات وعدنيهن فانطلق الى الجنة فاخذ بحلقة الباب ثم استفتح فيفتح لى فاذا نظرت الى ربى خررت ساجدا فيأذن لى فى حمده وتمجيده مالم يؤذن لاحد من خلقه ثم يقول ارفع رأسك يا محمّد اشفع تشفع سل تعطه فاقول رب وعدتني الشفاعة فشفعنى فى اهل الجنة ان يدخلوا الجنة فيشفعنى فذكر الحديث بطوله الى ان قال فاذا وقع اهل النار فى النار وقع فيها خلق كثير ممن خلق ربك قد أوثقهم أعمالهم فمنهم من تأخذه الى قدميه ولا تجاوز ذلك ومنهم من تأخذه الى نصف ساقيه ومنهم من تأخذه الى ركبتيه ومنهم من تأخذه الى حقويه ومنهم من تأخذ جسده كله الا وجهه حرم الله صورتهم عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقول يا رب من وقع فى النار من أمتي فيقول اخرجوا من النار من عرفتم فيخرج أولئك حتّى لا يبقى منهم أحد ثم يأذن الله فى الشفاعة فلا يبقى نبى ولا شهيد الا شفع فيقول اخرجوا من وجدتم فى قلبه زنة الدينار ايمانا ثم يقول اخرجوا من وجدتم فى قلبه ايمانا ثلثى دينار نصف دينار ثلث دينار ربع دينار قيراط حبة من خردل حتّى لا يبقى فى النار من عمل لله خيرا قط- ولا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع ثم يقول الله بقيت انا وانا ارحم الراحمين فيدخل الله يده فى جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه كثرة كانهم الحمم الحديث- قال الحافظ مدار هذا الحديث على إسماعيل بن رافع قاضى اهل المدينة قد تكلم فيه بسبب هذا الحديث وفى بعض سياقه نكارة- وقد قيل انه جمع من طرق وأماكن متفرقة فسأقه سياقا واحدا- قال الحافظ ابو موسى المديني هذا الحديث وان كان فى اسناده من تكلم فيه فالذى فيه يروى مفرقا بأسانيد ثابتة وقد اختلف الناس فى تصحيح هذا الحديث وتضعيفه فصححه ابن العربي والقرطبي وصوبه الحافظ ابن حجر- وضعفه البيهقي وقال السيوطي ذكر يحيى بن سلام البصري فى تفسيره عن الكلبي انه إذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار بقي زمرة من اخر زمر الجنة فيقول لهم اهل النار (وقد بلغت النار منهم كل مبلغ) اما نحن فقد أخذنا بالشك والتكذيب فما نفعكم توحيدكم فيصرخون عند ذلك فيسمعهم اهل الجنة ويأتون آدم فذكر الحديث الى ان قال فيأتون محمّدا

صلى الله عليه وسلم فينطلق فيأتى رب العزة فيسجد له ثم يقول أناس من عبادك اصحاب ذنوب لم يشكّوا بك فعيرهم اهل الشرك بعبادتهم إياك فيقول وعزتى لاخرجنهم قال ابن حجر هذا لو ثبت لدفع الاشكال السابق عن الدراوردي من ذكر الإخراج فى اخر حديث الشفاعة فى الاراحة من كرب الموقف ولكنه ضعيف ومخالف لصريح الأحاديث الصحيحة ان السؤال انما يقع فى الموقف قبل دخول المؤمنين الجنة- قال السيوطي يحتمل الجمع بالتعدد مرتين مرة فى الموقف للاراحة ومرة فى الجنة للاخراج من النار من بقي من المؤمنين- قلت بل يقال بوقوع ذلك السؤال ثلاث مرات مرة فى الموقف للاراحة ومرة للاذن فى الدخول لاهل الجنة ومرة للاخراج من النار لمن بقي فيها من المؤمنين وهو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم ولى عند ربى ثلاث شفاعات وعدنيهن والمقام المحمود مقام الشفاعة وهى يعم كل شفاعة من الشفاعات الثلاث (مسئلة) وأنكر الخوارج والمعتزلة الشفاعة وقالوا ان اهل الكبائر إذا ماتوا من غير توبة لا شفاعة لهم ولا يخرجون من النار ابدا- وقد ورد فى الشفاعة أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر بالمعنى منها ما أخرج مسلم عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قول ابراهيم رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقول عيسى إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فرفع يديه وقال أمتي أمتي ثم بكى فقال الله تعالى يا جبرئيل اذهب الى محمّد فقل له انّا سنرضيك فى أمتك ولا نسوءك- وما اخرج البزار فى الأوسط وابو نعيم بسند حسن عن علىّ رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اشفع لامتى حتّى ينادى ربى تبارك وتعالى أرضيت يا محمّد فاقول اى رب رضيت ومنها حديث ان ربى خيّرنى بين ان يدخل نصف أمتي الجنة بغير حساب وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة وهى لكل مسلم وفى لفظ لمن مات لا يشرك بالله شيئا رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه وابن حبان والبيهقي والطّبرانى عن عوف بن مالك الأشجعي- واحمد والطبراني والبزار بسند حسن عن معاذ بن جبل وابى موسى- وأحمد والطبراني

والبيهقي بسند صحيح عن ابن عمرو فى آخره أترونها للمتقين ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين- ومنها حديث شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي رواه ابو داود والترمذي والحاكم والبيهقي وصححاه عن انس- والطبراني وابو نعيم عن عبد بن بشير بمعناه- والطبراني فى الأوسط عن ابن عمر نحوه- وفى الكبير عن أم سلمة بمعناه- والترمذي والحاكم عن جابر نحوه- واخرج عن كعب بن عجرة- وعن طاءوس قال البيهقي هذا مرسل حسن يشهد لكون هذا اللفظ يعنى شفاعتى لاهل الكبائر شائعة بين التابعين- واخرج ابن ابى حاتم فى السنة عن انس يرفعه قال ما زلت اشفع الى ربى ويشفعنى حتّى أقول اى رب شفعنى فيمن قال لا اله الا الله فيقول هذا ليس لك يا محمّد ولا لاحد هذه لى وعزتى وجلالى ورحمتى لا ادع أحدا فى النار يقول لا اله الا الله- ومنها حديث نعم الرجل انا لشرار أمتي وقال اما شرار أمتي فيدخلهم الله الجنة بشفاعتى واما خيارهم فيدخلهم الله الجنة بأعمالهم- واخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والّذي نفسى بيده انا لسيد الناس يوم القيامة بغير فخر وما من الناس الا تحت لوائى يوم القيامة ينتظر الفرج وان معى لواء الحمد امشى ويمشى الناس معى الى باب الجنة فاستفتح فيقال من هذا فاقول محمّد فيقال مرحبا بمحمّد فاذا رايت ربى خررت ساجدا له شكرا فيقال ارفع رأسك قل تعطه اشفع تشفع فيخرج من أجرم برحمة الله وشفاعتى وفى الأوسط عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى جهنم فاضرب بابها فيفتح لى فادخلها فاحمد الله بمحامد ما حمده أحد قبلى ولا يحمده أحد بعدي ثم اخرج منها من قال لا اله الا الله مخلصا فيقوم الىّ ناس من قريش فينتسبون لى فاتركهم فى النار واخرج البخاري عن عمران بن حصين مرفوعا يخرج قوم من النار بشفاعة محمّد ويدخلون الجنة ويسمّون الجهنميون- وفى الصحيحين عن جابر مرفوعا ان الله يخرج قوما من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة- والطبراني بسند حسن عن ابن عمر مرفوعا قال يدخل من اهل هذه القبلة النار من لا يحصى عددهم الا الله بما عصوا واجترءوا على معصية الله فيؤذن لى بالشفاعة فاثنى الله ساجدا كما اثنى قائما فيقال لى ارفع رأسك وسل تعطه

واشفع تشفع- واخرج احمد والطبراني بسند لا بأس به عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله تبارك وتعالى قال يا محمّد انى لم ابعث نبيّا ولا رسولا الا وقد سألنى مسئلة أعطيتها إياه فسل يا محمّد تعطه فقلت مسئلتى شفاعتى لامتى يوم القيامة فقال ابو بكر يا رسول الله وما الشفاعة قال فاقول يا رب شفاعتى الّتي اختبأت عندك فيقول الرب تعالى نعم فيدخل ربى بقية أمتي فيدخلهم الجنة- ومنها حديث لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وانا اختبأت دعوتى شفاعة لامتى رواه الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة- ومسلم عن انس وجابر- واحمد عن عبد الله بن عمرو ابى سعيد الخدري- والبزار والبيهقي عن عبد الرّحمن بن عقيل- قال السيوطي هذا حديث متواتر- قلت فتعس من أنكر الشفاعة روى الشيخان فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب انه خطب فقال انه سيكون فى هذه الامة قوم يكذّبون بالرجم وبالدجّال ويكذّبون بطلوع الشمس من مغربها ويكذبون بعذاب القبر ويكذبون بالشفاعة ويكذّبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا- واخرج سعيد بن منصور والبيهقي وهناد عن انس قال من كذّب بالشفاعة فلا نصيب له ومن كذّب بالحوض فليس له فيه نصيب- واخرج ابو نعيم عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان من أمتي لا ينالهما شفاعتى يوم القيامة المرجئة والقدرية- واخرج البيهقي عن شبيب ابن ابى فضلة المكي قال ذكروا عند عمران بن حصين الشفاعة فقال رجل يا أبا نجيد انكم لتحدثون أحاديث لا نجد لها أصلا فى القران فغضب عمران بن حصين وقال للرجل قرأت القران قال نعم قال فهل وجدت صلوة العشاء أربعا وصلوة المغرب ثلاثا وصلوة الفجر ركعتين والظهر أربعا والعصر أربعا قال لا قال فعمّن أخذتم هذا ألستم عنّا أخذتموه وأخذنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ووجدتم فى كل أربعين درهما درهم- وفى كل كذا شاة- وكل بعير كذا- اوجدتم فى القران هكذا قال لا قال ووجدتم فى القران وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ووجدتم طوفوا سبعا واركعوا ركعتين خلف المقام اوجدتم هذا فى القران او عمّن أخذتموه ألستم أخذتموه عنا وأخذنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا بلى

قال اوجدتم فى القران لا جلب ولا جنب ولا شغار فى الإسلام قالوا لا قال فان الله قال فى كتابه ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وقد أخذنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء ليس لكم بها علم- وذكر البغوي انه روى عن يزيد بن صهيب الفقير قال كنت قد شغبنى رأى من رأى الخوارج وكنت رجلا شابّا فخرجنا فى عصابة نريد ان نحج فمررنا على المدينة فاذا جابر بن عبد الله يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الجهنميين فقلت له يا صاحب رسول الله ما هذا الّذي تحدثون والله عز وجل يقول إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ- وكُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها فقال اى فتى تقرا القران قلت نعم قال سمعت مقام محمّد المحمود الّذي يبعثه الله فيه قلت نعم قال فانه مقام محمد المحمود الّذي يخرج الله به من يخرج من النار ثم نعت الصراط وعمر الناس عليه وقال ان قوما يخرجون من النار بعد ما يكونون فيها- (فصل) فى شفاعة الأنبياء وغيرهم روى ابن ماجة والبيهقي عن عثمان مرفوعا قال يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء وأخرجه البزار وزاد فى آخره ثم المؤذنون- واخرج الديلمي عن ابن عمر موقوفا يقال للعالم اشفع فى تلامذتك ولو بلغت عدد نجوم السماء- واخرج ابو داود وابن حبان عن ابى الدرداء مرفوعا الشهيد يشفع فى سبعين من اهل بيته واحمد والطبراني مثله عن عبادة بن الصامت مرفوعا وابن ماجة مثله عن المقدام بن معد يكرب مرفوعا- واخرج البيهقي عن الحسن والحاكم وصححه والبيهقي وهنّاد عن الحارث بن قيس واحمد مثله عن ابى بردة وهناد مثله عن ابى هريرة واحمد والطبراني والبيهقي بسند صحيح عن ابى امامة قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر وفى الباب أحاديث كثيرة لا يسعها المقام تدل على شفاعة غير نبينا صلى الله عليه وسلم- فان قيل لما لم يبق أحد فى النار بشفاعة محمّد صلى الله عليه وسلم فاين يكون شفاعة غيره قلت لعل شفاعة الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم يختص بأمته ولا يشتمل جميعهم وشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم ينال غير أمته ايضا ولا يترك أحدا من أمته فى النار وأما غير الأنبياء فلعلهم اما يشفعون

[سورة الإسراء (17) : آية 80]

الى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يشفع لهم عند ربه واما ان يحصل لغير النبي صلى الله عليه وسلم الاذن فى الشفاعة بشفاعة محمّد صلى الله عليه وسلم فائدة قال البيهقي قوله صلى الله عليه وسلم شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي تدل على ان الشفاعة لاهل الكبائر يختص برسول الله صلى الله عليه وسلم دون الملائكة- والملائكة انما يشفعون فى الصغائر واستزادة الدرجات فائدة قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه تعقيب قوله تعالى عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً بعد قوله وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ يشعر بان لصلوة التهجد- مدخلا تامّا فى قيام الرجل مقام الشفاعة والله اعلم- اخرج الترمذي عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثم امر بالهجرة فنزلت عليه. وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ يعنى المدينة وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ يعنى مكة كذا قال الحسن وقتادة والمدخل والمخرج اسم ظرف منصوب على الظرفية او مصدر يعنى أدخلني المدينة ادخالا مرضيا لا ارى فيه ما اكره وأخرجني من مكة إخراجا مرضيّا لا التفت بقلبي إليها- وقال الضحاك معناه أخرجني من مكة مخرج صدق أمنا من المشركين وأدخلني مكة مدخل صدق ظاهرا عليها بالفتح- وقال مجاهد أدخلني فى أمرك الّذي أرسلتنى به من النبوة مدخل صدق وأخرجني من الدنيا وقد قمت بما وجب علىّ من حقها مخرج صدق- وعن الحسن قال أدخلني مدخل صدق الجنة وأخرجني مخرج صدق من مكة- قلت الاولى ان يقال فى مقابلة أدخلني الجنة مدخل صدق أخرجني من الدنيا مخرج صدق- وقال البيضاوي أدخلني فى القبر ادخالا مرضيّا وأخرجني منه عند البعث إخراجا تلقى بالكرامة- وقيل معناه أدخلني فى طاعتك وأخرجني من المناهي- وقيل المراد إدخاله فى كل ما يلابس من مكان أو أمر وإخراجه منه اى لا تجعلنى ممن يدخل بوجه ويخرج بوجه فان ذا الوجهين لا يكون أمينا عند الله وحيها- وقيل المراد إدخاله الغار وإخراجه منه سالما- ووصف الإدخال والإخراج بالصدق لما يؤل اليه الخروج والدخول من مرضاة الله تعالى والنصر والعز والكرامة ودولة الدين كما وصف القدم بالصدق فقال أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ- والتحقيق فى ذلك ان

[سورة الإسراء (17) : آية 81]

الصدق والكذب فى الأصل هما صفتا القول بل الخبر منه دون الإنشاء وهو مطابقة الخبر الواقع وقد يطلق على الإنشاء لتضمنه معنى الاخبار كقول القائل أزيد فى الدار يتضمن انه جاهل بحاله- وقد يستعملان فى افعال الجوارح فيقال صدق فى القتال إذا وقى حقه وفعل على ما ينبغى ومنه رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ اى حققوا العهد- وقوله تعالى صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا اى حقق ايضا- ويعبر بالصدق عن كل فعل فاضل ظاهرا وباطنا فيضاف اليه ذلك الفعل الّذي يوصف به ومنه قوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ- ولَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ- ورَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ- واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فان ذلك سوال بان يجعل الله ذلك صالحا بحيث إذا اثنى عليه أحد كان صادقا والله اعلم وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) قال مجاهد حجة بينة وقال الحسن ملكا قويا تنصربه على من ناوانى وعزّا ظاهرا أقيم به دينك- فوعده الله لينزعن ملك فارس والروم وغيرهما فيجعله له- قال قتادة علم نبى الله صلى الله عليه وسلم ان لا طاقة له بهذا الأمر الا بسلطان نصير من الله تعالى فسال سلطانا نصيرا لكتاب الله وحدوده واقامة دينه- قلت بل علّمه الله ذلك وامره بان يسئل منه تعالى سلطانا نصيرا- قيل سال رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة وملكا ينصر الإسلام على الكفر فاستجاب الله له بقوله فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ- ... لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ... - لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ وَقُلْ يا محمّد عند دخولك مكة حين فتحت جاءَ الْحَقُّ اى الإسلام وعبادة الله وحده او القران وَزَهَقَ الْباطِلُ اى ذهب وهلك الشرك وعبادة الأصنام من زهق روحه إذا خرج إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) اى حقيقا للزهوق وعدم الثبات لبنائه على ما لا اصل له- عن ابن مسعود رضى الله عنه قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود فى يده ويقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ... وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي واخرج الطبراني فى الصغير وابن

[سورة الإسراء (17) : الآيات 82 إلى 83]

مردوية والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس نحوه-. وَنُنَزِّلُ قرا البصريان بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل مِنَ الْقُرْآنِ من للبيان ما هُوَ شِفاءٌ من امراض الكفر والجهالات جلاء لظلمات القلوب والأنفس- ماح لكدورات القلبية والقالبية والنفسانية- دافعة لرذائلها- وقيل من للتبعيض والشفاء الشفاء من الأمراض الظاهرة والمراد من بعض القران ما هو يشفى السقيم كالفاتحة ونحوها- وهو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بالشفاءين العسل والقران وقد مر فى سورة النحل وَرَحْمَةٌ من الله تعالى لِلْمُؤْمِنِينَ اى للذين أمنوا وانتفعوا به خاصة يفيد لهم الفوائد الدينية والدنيوية والاخروية وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ اى المنكرين بالقران إِلَّا خَساراً (82) لتكذيبهم وكفرهم به قال قتادة لن يجالس هذا القران أحد إلا قام عنه بزيادة او نقصان قضى الله تعالى الّذي قضى شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ بالصحة والسعة او بنزول القران أَعْرَضَ عن ذكر الله يعنى لم يشكره وَنَأى قرا الجمهور على وزن رمى بمعنى تباعد وقرا ابن ذكوان هاهنا وفى فصلت على وزن جاء ومعناه نهض وقيل معناه بعد كذا فى القاموس وابو جعفر وابو محمّد والمال واحد أمال الكسائي وخلف فتحة النون والهمزة هاهنا وفى فصلت وامال خلاد فتحة الهمزة فيهما فقط وقد روى عن ابى شعيب مثل ذلك وامال أبو بكر فتحة الهمزة هاهنا وأخلص هناك والباقون بفتحهما وورش على أصله فى ذوات الياء بِجانِبِهِ اى لوى عنقه وبعد بنفسه كانه مستغن عنه وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ من مرض او فقر كانَ يَؤُساً (83) شديد اليأس والقنوط من روح الله-. قُلْ كُلٌّ اى كل واحد من الناس الشكور والكفور يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ قال ابن عباس على ناحيته اى جانبه الّذي يميل اليه من الهدى او الضلال- وقال الحسن وقتادة على نيته يعنى من كان يميل الى الدنيا ينوى بعمله صلاح الدنيا ومن كان يميل الى الآخرة ينوى بعمله وجه الله وصلاح الاخرة- وقال مقاتل على جبلته وقال الفراء على طريقته الّتي جبل عليها- وقال القتيبى

[سورة الإسراء (17) : آية 85]

على طبيعته وخليقته ومال الأحوال الثلاثة واحد يعنى على حسب استعداده الّذي أودع الله فيه فهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم كل ميسر لما خلق له في حديث متفق عليه عن على رضى الله عنه مرفوعا وعن ابى الدرداء قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر ما يكون إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوه وإذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوا فانه يصير الى ما جبل عليه رواه احمد- والاستعداد عبارة عن الكيفية الحاصلة لكل أحد باعتبار علته الفاعلية والمادية اما باعتبار علته الفاعلية فكونه ظلا من ظلال الاسم الهادي او الاسم المضل واما باعتبار علته المادية فهو الكيفية المزاجية الحاصلة من تركيب العناصر الاربعة وانما اختلاف شهوات النفوس على حسب اختلاف ثوران بعض العناصر دون بعض واختلاف طبائع الاجزاء الارضية كما مر قوله صلى الله عليه وسلم فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب- وقيل على شاكلته اى سبيله الّذي اختاره لنفسه قال البيضاوي اى على طريقته الّتي تشاكل حاله فى الهدى او الضلالة او جوهر روحه وأحواله التابعة لمزاج بدنه وفى القاموس الشكل الشبه والمثل وما يوافقك ويصلحك وصورة الشيء المحسوسة والمتوهمة والشاكلة الشكل والناحية والنية والطريقة والمذهب فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84) اى اسدّ طريقا وأبين منهجا يعنى من هو على طريقة موصلة الحق من العقائد والأعمال ومن فى طريقته اعوجاج قليل او كثير والله أعلم- اخرج البخاري عن ابن مسعود قال كنت امشى مع النبي صلى الله عليه وسلم فى حرث المدينة وهو يتوكأ على عسيب معه فمر على نفر من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح وقال بعضهم لا تسئلوه لا يجيء الا بشيء تكرهونه فقال بعضهم لنسئلنه فقام رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الروح فسكت فقلت انه يوحى اليه فقمت فلما انجلى عنه الوحى قال. وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ اى الّذي يحيى به بدن الإنسان ويدبره قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي اى من الإبداعيات الكائنة بقوله كن من غير مادة ولولد عن

اصل كاعضاء الجسد ولما كان هذا غاية البيان باللسان على قياس فهم السائلين بحيث يحصل به امتياز الروح عن سائر الماديات ولم يكن مفيدا للعلم بحقيقته المسئولة بقولهم وما الروح اعتذر عنه وقال وَما أُوتِيتُمْ ايها السائلون مِنَ الْعِلْمِ بالأشياء الكائنة إِلَّا قَلِيلًا (85) اى ما تستفيدونه بتوسط حواسكم فان اكتساب العقل للمعارف النظرية انما هو من الضروريات المستفادة من احساس الجزئيات ولذلك قيل من فقد حسّا فقد فقد علما ولعل اكثر الأشياء لا يدركها الحس فلا يحصل عنده ذاتياتها فلا يدرك بعضها الا بعوارض تميّزه عما يلتبس به والألفاظ انما وضعت بإزاء أشياء محسوسة او معقولة منتهية اكتسابها الى أشياء محسوسة ولذلك اقتصر موسى عليه السلام فى جواب قول فرعون وما ربّ العلمين بذكر بعض صفاته- وهذه الاية لا يقتضى نفى العلم بالروح للنبى صلى الله عليه وسلم ولاصحاب البصائر من اتباعه- فان طور علمهم وراء طور علم العالمين بتوسط الحواس والاكتساب فانهم يلهمون من الله تعالى حقائق الأشياء بلا توسط الحواس والاكتساب- فان لقلوبهم اسماع يسمعون بها ما لا يسمعه الاذان وأبصار يبصرون بها ما لا يبصره العيون- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى لا يزال عبدى يتقرّب الىّ بالنوافل حتّى أحببته فاذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به الحديث- وقد أدرك اصحاب البصائر حقيقة الروح وظهر لهم ان لكل انسان خمسة من الأرواح العلوية- والروح السفلى المسمى بالنفس سادسها- والخمسة القلب والروح والسر والخفي والأخفى- يمتاز عندهم كل منها عن الاخر ذاتا وصفاتا- ويعرفونها كما يعرفون أبناءهم- وقد يشتبه عند بعضهم بعضها ببعض- بل قد تشتبه هى لاجل لطافتها بمراتب الوجوب- حتّى قال بعضهم عبدت الروح ثلاثين سنة ثم اظهر الله تعالى حقيقته وإمكانه وحدوثه عليه- فقال لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ- فان قيل اخرج ابن مردوية عن عكرمة انه صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا نحن مختصون بهذا الخطاب قال بل نحن وأنتم فقالوا ما اعجب شأنك ساعة تقول وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً- وساعة تقول هذا- فنزلت وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ الاية وهذه الرواية تدل على ان النبي

فائدة

صلى الله عليه وسلم ايضا لم يكن عارفا بحقيقة الروح- قلنا لو صح هذه الرواية فالمعنى ان الخطاب بقوله وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا يعم كلا الفريقين فلا شك ان علوم الأنبياء والملائكة وسائر الخلائق «1» قليلة فى جنب علم الله تعالى كما يدل عليه قوله تعالى وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ الاية- ولا منافاة بين كون الحكمة الموهوبة للانبياء وكمل اتباعهم (ومنها العلم بحقيقة الروح وغير ذلك) خيرا كثيرا فى نفسه متكفلا لكمالات الإنسان ظاهرا وباطنا وبين كونها قليلا بالنسبة الى علم الله الغير المتناهي- فائدة ما ذكرنا من القصة يدل على كون الاية مدنية- وقال البغوي روى عن ابن عباس انها نزلت بمكة- حيث قال ان قريشا اجتمعوا- وقالوا ان محمّدا نشا فينا بالامانة والصدق وما اتهمناه بكذب وقد ادعى ما ادعى- فابعثوا نفرا الى اليهود بالمدينة واسئلوهم عنه فانهم اهل كتاب- فبعثوا جماعة إليهم فقالت اليهود سلوه عن ثلاثة أشياء فان أجاب عن كلها أو لم يجب عن شيء منها فليس بنبىّ- وان أجاب عن الاثنين ولم يجب عن الواحد فهو نبى- فسلوه عن فتية قد اووا فى الزمن الاول ما كان من أمرهم فانه كان لهم حديث عجيب- وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها ما خيره- وعن الروح فسألوه فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبركم بما سألتم غدا ولم يقل ان شاء الله فلبث الوحى قال مجاهد اثنتا عشرة ليلة- وقيل خمس عشرة- وقال عكرمة أربعين يوما واهل مكة يقولون وعدنا محمّد غدا وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء- حتّى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكث الوحى وشقّ عليه ما يقول اهل مكة- إذ نزل جبرئيل بقوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ- ونزل فى الفتية أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً- ونزل فيمن بلغ الشرق والغرب يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ- ونزل فى الروح قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي- وروى الترمذي هذه القصة مختصرا عنه قال ابن كثير يجمع بين الحديثين بتعدد النزول- وكذا قال الحافظ ابن حجر وزاد او يحمل سكوته حين سوال اليهود على توقع مزيد بيان فى ذلك- والا فما فى الصحيح أصح وو ايضا يرجح ما فى الصحيح بانه رواية حاضر القصة بخلاف ابن عباس وقال البغوي وروى

_ (1) وفى الأصل قليل-

[سورة الإسراء (17) : آية 86]

عن ابن عباس ان الروح الّذي وقع السؤال عنه هو جبرئيل وهو قول الحسن وقتادة قلت وكذا اخرج عبد بن حميد وابو الشيخ عن الضحاك وقال البغوي وروى عن علىّ عليه السلام ان الروح هو ملك له سبعون الف وجه لكل وجه سبعون الف لسان يسبح الله تعالى بكلها- وقال مجاهد هو خلق على صورة ابن آدم لهم أيد وارجل ورءوس وليسوا بملائكة ولا ناس يأكلون الطعام- وقال سعيد بن جبير لم يخلق الله خلقا أعظم من الروح غير العرش- لو شاء ان يبتلع السموات السبع والأرضين السبع ومن فيها بلقمة واحدة لفعل- صورة خلقه على صورة الملائكة وصورة وجهه على صورة وجه الآدميين- يقوم يوم القيامة على يمين العرش وهو اقرب الخلق الى الله عزّ وجلّ عند الحجب السبعين- واقرب الى الله يوم القيامة وهو يشفع لاهل التوحيد لولا ان بينه وبين الملائكة سترا من نور لاحترق اهل السموات من نوره- واخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال الروح أعظم خلقا من الملائكة- ولا ينزل ملك الا ومعه روح- وقيل الروح القران ومعنى قوله تعالى مِنْ أَمْرِ رَبِّي انه من وحي الله وقيل المراد عيسى فانه روح الله وكلمته- ومعنى الاية انه ليس كما يقول اليهود حيث بهتوا امه- ولا كما يقوله النصارى انه ابن الله- بل هو مخلوق من امر الله بكلمة كن من غير اب- ولما ذكر الله سبحانه ان علم العالمين قليل بالنسبة الى علمه تعالى- نبّه على نعمة الوحى وانه أوتى من العلوم ما لم يؤت غيره حثّا بالصبر على أذى الكفار بقوله. وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ اللام الاولى موطية للقسم وقوله لَنَذْهَبَنَّ جوابه النائب مناب جزاء الشرط- والمعنى ان شئنا ذهبنا بالقران ومحوناه عن المصاحف والصدور ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا (86) يتوكل علينا استرداده محفوظا ومسطورا. إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ يعنى الا ان ينالك رحمة من ربك فهى لسترده- ويجوز ان يكون الاستثناء منقطعا ومعناه ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به- فيكون امتنانا

بإبقائه بعد المنة فى تنزيله إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (87) حيث بعثك نبيّا وانزل عليك الكتاب والتزم عليه جمعه فى المصاحف والصدور وقرانه وبيانه واعطاك المقام المحمود والحوض المورود وغير ذلك- قال البغوي قال ابن مسعود اقرءوا القران قبل ان يرفع فانه لا تقوم الساعة حتّى يرفع- قيل هذه المصاحف يرفع فكيف بما فى الصدور- قال ليسرى عليه ليلا فيرفع ما فى صدورهم فيصبحون لا يحفظون شيئا ولا يجدون فى المصاحف شيئا- ثم يفيضون فى الشعر- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال لا تقوم الساعة حتّى يرجع القران من حيث نزل له دوى حول العرش كدوى النحل فيقول الرب مالك فيقول يا رب اتلى ولا يعمل بي- قلت هكذا ذكر البغوي وفى الصحيحين عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتّى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا فسالوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا- وروى احمد وابن ماجة عن زياد بن لبيد قال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال ذلك عند أوان ذهاب العلم- قلت يا رسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرا القران ونقرؤه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم الى يوم القيامة- قال فقال ثكلتك أمك زياد ان كنت لاراك من افقه رجل بالمدينة- او ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التورية والإنجيل لا يعملون بشيء مما فيهما- وروى الترمذي عنه نحوه وروى الدارمي عن ابى امامة نحوه قلت ولعل ابن مسعود زعم رفع القران عن المصاحف والصدور بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تعلموا العلم وعلموه الناس تعلموا الفرائض وعلموها الناس تعلموا القران وعلموه الناس فانى امرؤ مقبوض والعلم سيقبض ويظهر الفتن حتّى يختلف اثنان فى فريضة لا يجدان أحدا يفصل بينهما- رواه الدار قطنى والدارمي عن ابن مسعود ومقتضى حديث الصحيحين ان يحمل قبض العلم فى هذا الحديث على قبضه بقبض العلماء لا بالانتزاع- ومقتضى حديث زياد ان معنى ذهاب العلم ذهاب توفيق العمل به- قلت والجمع

[سورة الإسراء (17) : آية 88]

بينهما انه يذهب توفيق العمل بالعلم اولا كما تراه فى زماننا- ثم يذهب العلم مطلقا بقبض العلماء كما ترى قلة العلم فى ذلك الزمان الى هذا الغاية بقلة العلماء وبعد ما كان كثيرا بكثرة العلماء وقلة توفيق التعليم والتعلم والله اعلم- اخرج ابن إسحاق وابن جرير من طريق سعيد او عكرمة عن ابن عباس قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم فى «1» جماعة يهود سماهم فقالوا كيف نتّبعك وقد تركت قبلتنا وان هذا الّذي جئت به لا نراه متناسقا كما تناسق التورية فانزل علينا كتابا نقرؤه نعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتى به فانزل الله تعالى. قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ فى البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ اى لا يقدرون على ذلك وفيهم العرب العرباء وارباب البيان والشعراء واهل التحقيق والبلغاء- وهو جواب قسم دل عليه اللام الموطئة ولولا هى لكان جواب الشرط بلا جزم لكون الشرط ماضيا وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ اى لبعضهم ظَهِيراً (88) عونا ومظاهرا على الإتيان به وقال البغوي نزلت الاية حين قال الكفار لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا فكذّبهم الله- وفيه معجزة حيث كان كما اخبر الله تعالى به- ولم يقدروا على إتيان اقصر سورة منه مع كمال حرصهم على المعارضة- قال البيضاوي لعله لم يذكر الله تعالى الملائكة لان إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزة ولانهم كانوا وسائط فى إتيانه- قلت المراد بالإتيان الإتيان من عند أنفسهم على سبيل المعارضة والمجادلة من غير وحي من الله تعالى ولا شك ان الملائكة ايضا لا يقدرون على إتيان كلام مثل كلام غير مخلوق- لكنهم لم يذكروا لان الإتيان المذكور كفر انما يتصور من المنكر- والملائكة معصومون يؤمنون به ولا يتصور منهم الإنكار والله اعلم وجاز ان يكون الاية تقريرا لقوله لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا.... وَلَقَدْ صَرَّفْنا كررنا بوجوه مختلفة فى التقرير والبيان لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ من كل معنى

_ (1) وفى الأصل فى عامة يهود-

من العبر والاحكام والوعد والوعيد وغيرها هو كالمثل فى غرابته وحسنه ووقوعه موقعا فى الأنفس فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (89) جاز هاهنا وقوع المستثنى مفرغا فى الإثبات لكونه فى قوة النفي ومعناه فلم يرض ولم يأت أكثرهم الا كفورا اى جحودا وإنكارا- ذكر البغوي عن عكرمة عن ابن عباس ان عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان ابن حرب ورجلا من بنى عبد الدار (سماه البغوي النضر بن الحارث) وأبا البختري والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله ابن ابى امية وامية بن خلف والعاص بن وائل ومنيبا ومنبها ابني الحجاج اجتمعوا ومن اجتمع منهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة- فقال بعضهم لبعض ابعثوا الى محمّد فكلموه وخاصموه حتّى تعذّروا فيه- فبعثوا اليه ان اشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا- وهو يظن انه بدا لهم فى امره بدءا وكان عليهم حريصا يحب رشدهم حتّى جلس إليهم فقالوا يا محمّد انّا بعثنا إليك لنعذّر فيك وانّا والله لا نعلم رجلا من العرب ادخل على قومه ما ادخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الالهة وفرقت الجماعة فما بقي امر قبيح الا وقد جئته فيما بيننا وبينك- فان كنت جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا حتّى تكون اكثر مالا- وإن كنت انما تطلب الشرف فينا «1» سودناك علينا- وان كنت تريد ملكا ملّكناك علينا- وان كان هذا الّذي يأتيك بما يأتيك ربّيّا تراه قد غلب عليك لا تستطيع رده بذلنا لك أموالنا فى طلب الطب (وكانوا يسمون التابع من الجن الربّى) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مابى ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا الشرف عليكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وانزل علىّ كتابا وأمرني ان أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلّغنكم رسالته ونصحتكم فان تقبلوا منى فهو حظكم فى الدنيا والاخرة وان تردوه علىّ اصبر لامر الله

_ (1) وفى الأصل سودنا علينا-

[سورة الإسراء (17) : آية 90]

حتّى يحكم بيننا وبينكم- قالوا يا محمّد فان كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت انه ليس أحد من الناس أضيق بلاد اولا اقل مالا ولا أشد عيشا منا فاسئل لنا ربك الّذي بعثك فليسيّر عنا هذه الجبال الّتي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليفجر فيها أنهارا كانهار الشام والعراق وليبعث لنا من قد مضى من ابائنا وليكن منهم قصىّ بن كلاب فانه كان شيخا صدوقا فنسئلهم عما تقول أحق هو أم باطل فان صدّقوك صدّقناك- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهذا بعثت فقد بلغتكم ما أرسلت به فان تقبلوا فهو حظكم فى الدنيا والاخرة وان تردوه اصبر لامر الله- قالوا فان لم تفعل هذا فسل ربك ان يبعث لنا ملكا يصدّقك وسله ان يجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك فانك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه- قال ما بعثت بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا- قالوا فأسقط السماء كما زعمت ان ربك لو شاء فعل- فقال ذلك الى الله ان شاء فعل ذلك بكم فعله- وقال قائل منهم لن نؤمن لك حتّى تأتينا بالله وللملائكة قبيلا- فلمّا قالوا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام معه عبد الله بن ابى امية وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب- فقال يا محمّد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سالوك لانفسهم أمورا يعرفون بها منزلتك من الله فلم تفعل ثم سالوك ان تعجل ما تخوّفهم به من العذاب فلم تفعل فو الله لا أؤمن لك ابدا حتّى تتخذ الى السماء سلّما ثم ترتى فيه وانا انظر حتّى تأتيها وتأتى معك نسخة منشورة ومعك اربعة من الملائكة يشهدون لك بما تقول وايم الله لو فعلت ذلك لظننت ان لا أصدقك فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اهله حزينا لما راى من مباعدتهم فانزل الله تعالى. وَقالُوا عطف على ابى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ الاية الى قوله بَشَراً رَسُولًا- واخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن شيخ من اهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس- واخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن جبير فى هذه الاية قال نزلت

[سورة الإسراء (17) : آية 91]

فى أخي أم سلمة عبد الله بن امية قال فى لباب النقول هذا مرسل صحيح شاهد لما قبله يجبر المبهم فى اسناده- يعنى قال كفار مكة تعنتا واقتراحا بعد ما لزمتهم بيان اعجاز القران وانضمام غيره من المعجزات لن نؤمن لك حَتَّى تَفْجُرَ قرا الكوفيون بفتح التاء وضم الجيم مخففا من المجرد- والباقون بضم التاء وفتح الفاء وكسر الجيم مشددا من التفعيل لَنا مِنَ الْأَرْضِ ارض مكة يَنْبُوعاً (90) اى عينا لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ بستان مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ من التفعيل باتفاق القراء الْأَنْهارَ خِلالَها وسطها تَفْجِيراً (91) تشقيقا. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً يعنون قوله تعالى أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ قرا نافع وابن عامر وعاصم بفتح السين كقطع لفظا ومعنى جمع كسفة وهى القطعة والباقون بسكون السين على التوحيد وجمعه كسياف وكسوف اى يسقطها طبقا واحدا وقيل معناه ايضا القطع وهى جمع مثل سدرة وسدر- وقرا فى الشعراء كسفا بالفتح حفص- وفى الروم ساكنة ابو جعفر وابن عامر أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا (92) قال ابن عباس والضحاك اى كفيلا لما تدّعيه اى شاهدا على صحته ضامنا لدركه- وقال قتادة اى مقابلا نراهم عيانا كالعشير بمعنى المعاشر وقال الفراء هو من قول العرب لقيت فلانا قبيلا وقبلا اى معائنة- وهو حال من الله والحال من الملائكة محذوف لدلالتها عليه- وقال مجاهد هو جمع القبيلة اى بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة صنفا صنفا فيكون حالا من الملائكة. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ اى ذهب واصله الزينة أَوْ تَرْقى اى تصعد فِي السَّماءِ فى معارجها هذا قول عبد الله بن امية وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ اى لصعودك وحده حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ وكان فيه تصديقك ونؤمر فيه باتباعك قُلْ قرا ابن كثير وابن عامر على صيغة الماضي اى قال محمّد والباقون على صيغة الأمر أي قل يا محمّد تعجبا من اقتراحاتهم او تنزيها لله تعالى من ان يأتى او يتحكم عليه او

[سورة الإسراء (17) : آية 94]

يشاركه أحد فى القدرة سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ اى ما كنت إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) يعنى ليس ما سالتم فى طوق البشر بل لو أراد الله ان ينزل ما طلبوا لفعل ولكنه لا ينزل الآيات على ما يقترحه البشر غالبا وقد اعطى الله تعالى لرسوله من الآيات والمعجزات ما يغنى عن هذا كله مثل القران وانشقاق القمر ونبع الماء من بين الأصابع وما أشبهها وهذا هو الجواب المجمل وأما التفصيل فقد ذكر فى آيات اخر وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ الاية وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ ... وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى يعنى لم يؤمنوا بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً-. وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا محل ان النصب على انه مفعول ثان لمنع إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى اى النبي والقران إِلَّا أَنْ قالُوا محله الرفع على انه فاعل منع أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا (94) يعنى ما منعهم عن الايمان بمحمّد صلى الله عليه وسلم والقران بعد نزول الوحى وظهور الحق شيء الا قولهم على سبيل الإنكار يعنى الا انكارهم ان يرسل الله بشرا- وهذا الإنكار واقع غير موقعه فان النقل والعقل حاكم بأن الرسول لا بد ان يكون من جنس المرسل إليهم حتّى يبلّغهم رسالات ربهم فيستفيدون منه لاجل المناسبة نبّه الله سبحانه على هذا المعنى بقوله. قُلْ يا محمّد جوابا لشبهتهم لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ كما يمشى بنوا آدم مُطْمَئِنِّينَ ساكنين فيها غير ذاهبين الى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب عليهم لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (95) يعنى لا نرسل الى قوم رسولا الا من جنسهم ليمكنهم من الاجتماع به والتلقي منه- وملكا يحتمل ان يكون حالا من الرسول او موصوفا به وكذلك بشرا والاول أوفق. قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على انى رسوله إليكم فانه تعالى اظهر المعجزات على يدى على وفق دعواى او على انى بلغت ما أرسلت به إليكم وانكم عاندتم بعد ظهور الحق فهو

[سورة الإسراء (17) : آية 97]

يحكم بيننا وبينكم بإثابة المحق وتعذيب المبطل- وشهيدا نصب على الحال او التميز إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ المنذرين والمنذرين خَبِيراً بَصِيراً (96) يعلم بظواهر أحوالهم وبواطنها فيجازيهم عليه- فيه تسلّية للنبى صلى الله عليه وسلم وتهديد للكفار-. وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ اثبت الياء فى الوصل نافع وحذفها الباقون فى الحالين وَمَنْ يُضْلِلْ اى من يخذله ولم يعصم حتّى قبل وساوس الشيطان فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ يهدونه مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يمشون عَلى وُجُوهِهِمْ او يسحبون عليها عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال أليس الّذي أمشاه على رجليه قادر على ان يمشيه على وجهه- متفق عليه واخرج ابو داود والبيهقي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة اصناف ركبانا ومشاة وعلى وجوههم- فقال رجل يا رسول الله او يمشون على وجوههم قال الّذي أمشاهم على أقدامهم قادر على ان يمشيهم على وجوههم وكذا اخرج الترمذي وحسنه وروى الترمذي وحسنه عن معاوية بن جيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انكم تحشرون رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم واخرج النسائي والحاكم والبيهقي عن ابى ذر قال حدثنى الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ان الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج فوج طاعمين كاسين راكبين وفوج يمشون ويسعون وفوج يسحبهم الملائكة على وجوههم عُمْياً لا يرون ما تقربه أعينهم وَبُكْماً لا ينطقون بحجة او اعتذار يقبل منهم وَصُمًّا لا يسمعون شيئا يسرّهم لانهم فى الدنيا لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصاموا عن استماع الحق وأبوا ان ينطقوا بالصدق كذا ذكر البغوي قول ابن عباس فلا منافاة بين هذه الاية وبين قوله تعالى وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ وقوله تعالى دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً وقوله تعالى سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وقوله تعالى رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً وغيرها من الآيات الّتي تثبت لهم الرؤية

[سورة الإسراء (17) : آية 98]

والكلام والسمع- وقيل يحشرون كما وصفهم الله تعالى ثم يعطى لهم السمع والبصر والنطق إذا عرضوا على النار وعند الحساب- وقيل يحشرون بعد الحساب من الموقف الى النار مؤفى القوى والحواس- واخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن محمّد بن كعب قال لاهل النار خمس دعوات يجيبهم الله فى اربع فاذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها ابدا يقولون رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ فيجيبهم ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ الاية ثم يقولون رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ فيجيبهم فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ الاية ثم يقولون رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ فيجيبهم أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ الاية ثم يقولون رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ فيجيبهم أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ الاية ثم يقولون رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ فيجيبهم اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ فلا يتكلمون بعدها ابدا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ اى سكن لهبها بان أكلت جلودهم ولحومهم زِدْناهُمْ سَعِيراً (97) وقودا فيتوقد النار بان يبدل جلودهم ولحومهم كانّهم لمّا كذبوا بالاعادة بعد الافناء جزاهم الله بانهم لا يزالون على الافناء والاعادة واليه أشار بقوله-. ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98) فان الاشارة بذلك الى ما تقدم من عذابهم. أَوَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والعطف على محذوف تقديره أنكروا البعث ولم يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مع عظمها وشدتها من غير سبق مثال قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ مع صغرهم وضعفهم فانهم ليسوا أشد خلقا منهن ولا الاعادة أصعب عليه من الإبداء

[سورة الإسراء (17) : آية 100]

وَجَعَلَ لَهُمْ عطف على خبر انّ يعنى الم يعلموا ان الله جعل لهم أَجَلًا اى وقتا لعذابهم لا رَيْبَ فِيهِ اى فى ان يأتيهم قيل هو الموت وقيل يوم القيامة فَأَبَى الظَّالِمُونَ مع وضوح الحق إِلَّا كُفُوراً (99) اى جحودا وإنكارا عطف على لم يروا يعنى الم يروا قدرة الله على خلقه وجعله لهم أجلا فابوا كل شيء الا جحودا وفيه وضع الظاهر اى الظالمون موضع الضمير للتصريح بكونهم ظالمين فى الإنكار والكفر. قُلْ يا محمّد لَوْ أَنْتُمْ ايها الناس مرفوع بفعل يفسره تَمْلِكُونَ وفائدة الحذف والتفسير المبالغة والدلالة على الاختصاص مع الإيجاز خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي اى رزقه وسائر نعمائه قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها إِذاً اى إذا ملكتم ظرف لما بعده لَأَمْسَكْتُمْ وبخلتم خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ اى لاجل الخوف من الفقر بالإنفاق وقيل خشية النفاد يقال نفق الشيء إذا ذهب وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100) بخيلا ممسكا لان بناء امره على الحاجة والبخل بما يحتاج اليه وملاحظته العوض فيما يبذل بخلاف الله سبحانه فانه جواد غير محتاج الى شيء قادر على إيجاد أضعاف غير متناهية مما وجد فلا ينفد خزائنه-. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ اى معجزات واضحات قال ابن عباس والضحاك هى العصا- واليد البيضاء- والعقدة الّتي كانت بلسانه فحلّها- وفلق البحر- والطوفان- والجراد- والقمّل- والضفادع- والدم- وقال عكرمة ومجاهد وعطاء هى الطوفان- والجراد- والقمل- والضفادع- والدم والعصا- واليد- والسنون- ونقص الثمرات- قال وكان رجل منهم مع اهله فى فراشه وقد صارا حجرين والمرأة منهم قائمة تختبز فصارت حجرا- وذكر محمّد ابن كعب القرظي الطمس وانفلاق البحر ونتق الطور على بنى إسرائيل- وقيل الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الثلاثة الاخيرة- وعن صفوان بن عسال قال قال يهودى لصاحبه اذهب بنا الى هذا النبي فقال له صاحبه لا تقل

له نبى انه لو سمعك لكان له اربع أعين فاتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسالاه عن تسع آيات بينات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشركوا بالله شيئا- ولا تسرقوا- ولا تزنوا- ولا تقتلوا النفس الّتي حرم الله الا بالحق- ولا تمشوا ببرىّ الى ذى سلطان ليقتله ولا تسحروا- ولا تأكلوا الربوا- ولا تقذفوا محصنة- ولا تولوا الفرار يوم الزحف وعليكم خاصة اليهود ان لا تعتدوا فى السبت- قال فقبّلا يديه ورجليه وقالا نشهد انك نبى- قال فما يمنعكم ان تتبعونى- قالا ان داود عليه السلام دعا ربه ان لا يزال من ذريته نبى وانا نخاف ان تبعناك ان يقتلنا اليهود رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح والحاكم وقال صحيح لا نعرف له علة- وروى البغوي بلفظ ان يهوديا قال لصاحبه تعال حتّى نسئل هذا النبي فقال الاخر لا تقل له انه نبى انه لو سمع صارت له اربع أعين فاتياه فسالاه عن هذه الاية وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ الحديث فعلى هذا المراد بالآيات الاحكام العامة للملل الثابتة فى كل الشرائع سمى بذلك لانها تدل على حال من يتعاطى متعلقها فى الاخرة من السعادة والشقاوة وقوله وعليكم خاصة اليهود ان لا تعتدوا حكم مستانف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام فَسْئَلْ اى فقلنا لموسى فاسئل بَنِي إِسْرائِيلَ من فرعون ليرسلهم معك- أو سل يا موسى بنى إسرائيل عن دينهم ويؤيد كون الخطاب لموسى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل على لفظ الماضي بغير همزة الوصل أخرجه سعيد بن منصور فى سننه واحمد فى الزهد عن ابن عباس إِذْ جاءَهُمْ متعلق بقلنا مقدر- او المعنى فاسئل يا محمّد بنى إسرائيل عمّا جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم وعن الآيات ليظهر للمشركين صدقك او لتسلّى نفسك وتعلم انه تعالى لو اتى بما اقترحوا لاصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم او ليزداد يقينك لان تظاهر الادلّة توجب قوة اليقين وطمانية القلب- وعلى هذا كان إذ منصوبا باتينا او بإضمار يخبروك على انه جواب الأمر او بإضمار اذكر على الاستيناف فَقالَ لَهُ اى لموسى فِرْعَوْنُ

[سورة الإسراء (17) : آية 102]

إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (101) سحرت فاختل عقلك حيث تدعى امرا مستحيلا يعنى الرسالة من الله تعالى كذا قال الكلبي- وقيل مصروفا عن الحق- وقال الفراء وابو عبيدة ساحرا وضع المفعول موضع الفاعل- وقال محمّد بن جرير معطى علم السحر فهذه العجائب الّتي تفعلها من سحرا-. قالَ موسى فى جوابه لَقَدْ عَلِمْتَ قرا الكسائي بضم التاء على اخباره عن نفسه اى علمت انا ويروى ذلك عن علىّ- وقال لم يعلم الخبيث ان موسى على الحق ولو علم لا من ولكن موسى هو الّذي علم- وقرا الباقون بفتح التاء اى لقد علمت أنت يا فرعون- قال ابن عباس علمه فرعون ولكن عاند قال الله تعالى وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ... ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ الآيات إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ جمع بصيرة اى بينات يبصرك صدقى ولكنك تعاند وانتصابه على الحال وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102) قال ابن عباس ملعونا وقال مجاهد هالكا- وقال قتادة مهلكا- وقال الفراء مصروفا ممنوعا عن الخير مطبوعا على الشر من قولهم ما ثبرك عن هذا اى ما صرفك- نازع ظنه بظنه وشتّان ما بين الظنين فان ظن فرعون باطل معارض للادلّة الموجبة لليقين- وظن موسى يحوم حول اليقين من تظاهر اماراته. فَأَرادَ فرعون أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ اى يستخف ويخرج موسى وقومه مِنَ الْأَرْضِ ارض مصر او الأرض مطلقا بالقتل والاستيصال فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (103) على عكس ما أراد بموسى وقومه يعنى فاستفززناه وقومه بالاغراق. وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد فرعون وإغراقه لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ الّتي أراد فرعون ان يستفزكم منها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ اى الكرة او الحيوة او الساعة او الدار الاخرة يعنى قيام القيامة جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (104) اى جميعا مختلطين إياكم وإياهم ثم يحكم ويميز سعداءكم من اشقيائكم- واللفيف الجماعات من قبائل شتى إذا اختلطوا وجمع

[سورة الإسراء (17) : آية 105]

القيامة كذلك فيهم المؤمن والكافر والبرّ والفاجر وقال الكلبي فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ يعنى مجيء عيسى من السماء جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً اى كل قوم من هاهنا وهاهنا لقوا جميعا-. وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ تقديم الظرف يفيد الحصر يعنى ما أنزلنا القران الا متلبسا بالحق اى بالحكمة المقتضية لانزالها وما نزل الا متلبسا بالحق اى الحكمة والصدق الّذي اشتمل عليه- وقيل معناه ما أنزلناه من السماء الا محفوظا بالرصد من الملائكة وما نزل على الرسول الا محفوظا بهم من تخليط الشياطين- أراد نفى اعتراء البطلان اوله وآخره وَما أَرْسَلْناكَ يا محمّد إِلَّا مُبَشِّراً للمطيعين بالجنة وَنَذِيراً (105) للعاصين من النار- فليس عليك الا التبشير والتنذير دون جبرهم على الهداية. وَقُرْآناً منصوب بفعل يفسره فَرَقْناهُ يعنى نزلناه نجوما متفرقا ولم ننزله جملة- بدليل قراءة ابن عباس بالتشديد لكثرة نجومه فانه نزل فى عشرين سنة- او معناه فصلناه وبيناه وقال الحسن معناه فرقنا فيه الحق من الباطل فحذف كما حذف فى قوله ويوما شهدناه لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ اى مهلة فانه أيسر للحفظ وأعون للفهم وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106) على حسب الحوادث-. قُلْ يا محمّد آمِنُوا بِهِ اى بالقران أَوْ لا تُؤْمِنُوا هذا على طريق التهديد والوعيد يعنى ايمانكم وانكاركم لا يعود على القران منفعة- فان ايمانكم لا يزيده كمالا بل لانفسكم- وامتناعكم عنه لا يورثه نقصانا بل يضركم وقوله إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ تعليل له يعنى فان لم تؤمنوا فقد أمن غيركم الذين هم خير منكم- وهم علماء اهل الكتاب الذين قرءوا الكتب السابقة- وعرفوا حقيقة الوحى وامارات النبوة- وتمكنوا من التميز بين المحق والمبطل- حيث قرءوا نعتك وصفة ما انزل إليك فى تلك الكتب- وقيل المراد بالموصول الذين كانوا يطلبون الدين قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم اسلموا بعد مبعثه مثل زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان الفارسي وأبو ذر وغيرهم- ويجوز ان يكون تعليلا على سبيل التسلّية

[سورة الإسراء (17) : آية 108]

كانه قيل تسلّ بايمان العلماء عن ايمان الجهلة ولا تكترث بايمانهم واعراضهم إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ القران يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ قال ابن عباس أراد به الوجوه اى يسقطون على وجوههم سُجَّداً (107) تعظيما لامر الله وشكرا لانجازه وعده فى تلك الكتب ببعثة محمّد صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل- وإنزال القران عليه. وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا عن خلف الموعد إِنْ كانَ يعنى انه كان وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) كائنا لا محالة يعنى ما وعد الله تعالى فى الكتب المنزلة وبشر به من بعثة محمّد صلى الله عليه وسلم وإنزال القران عليه كان منجزا كائنا البتة. وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ كرر لاختلاف الحال او السبب فان الاول للشكر عند انجاز الوعد- والثاني لما اثر فيهم من مواعظ القران- وجملة يبكون فى محل النصب على الحال يعنى يخرون حال كونهم باكين من خشية الله- وذكر الذقن لانه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد واللام فيه لاختصاص الخرور بها وَيَزِيدُهُمْ سماع القران خُشُوعاً (109) اى يزيدهم علما ويقينا وخشوعا لاجل نزول بركات القران على بواطنهم- (مسئلة) يستحب البكاء عند قراءة القران عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلج النار من بكى من خشية الله حتّى يعود اللبن فى الضرع- ولا يجتمع غبار فى سبيل الله ودخان جهنم فى منخرى مسلم ابدا- رواه البغوي ورواه الحاكم وصححه والبيهقي عنه بلفظ حرم على عينين ان تنالهما النار عين بكت من خشية الله- وعين باتت تحرس الإسلام واهله من اهل الكفر- وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حرمت النار على ثلاثة أعين عين بكت من خشية الله وعين سهرت فى سبيل الله وعين غضت عن محارم الله- رواه البغوي وعن ابى ريحانة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت النار على عين بكت من خشية الله وحرمت النار على عين سهرت فى سبيل الله وحرمت النار على عين غضت عن محارم الله او عين فقئت فى سبيل الله- رواه الطبراني فى الكبير

[سورة الإسراء (17) : آية 110]

وصححه وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد مؤمن يخرج من عينه دموع وان كان مثل رأس الذباب من خشية الله ثم يصيب شيئا من حر وجهه الا حرمه الله على النار رواه ابن ماجة والله اعلم- اخرج ابن مردوية وغيره عن ابن عباس قال صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فدعا فقال فى دعائه يا الله يا رحمن فقال المشركون انظروا الى هذا الصابي ينهاتا ان ندعوا الهين فانزل الله تعالى. قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ وذكر البغوي قول ابن عباس انه سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات ليلة فجعل يقول فى سجوده يا الله يا رحمن فقال ابو جهل ان محمّدا ينهانا عن الهتنا وهو يدعو الهين فانزل الله تعالى هذه الاية ومعناها انهما اسمان لذات واحدة وان اختلف اعتبار اطلاقهما وذلك لا ينافى توحيد ذات واحدة يستحق العبادة هو لا غير- وكلمة او للتخيير وقيل قالت اليهود انك لتقل ذكر الرّحمن وقد أكثره الله فى التورية فانزل الله تعالى هذه الاية والمعنى انهما متساويان فى حسن الإطلاق والإفضاء الى المقصود أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الدعاء هاهنا بمعنى التسمية وهو معدى الى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه- والتنوين فى ايّا عوض عن المضاف اليه وما صلة لتأكيد ما فى اىّ من الإبهام- والضمير فى له للمفعول الاول المحذوف يعنى أياما تدعوه فله اى لذات المعبود بالحق الأسماء الحسنى وجملة له الأسماء الحسنى واقعة موقع الجزاء للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه وكان اصل الكلام اىّ اسم من هذين الاسمين تدعوا الله اى تسموه به فهو حسن صحيح لان له تعالى الأسماء الحسنى منها هذين الاسمين وكونها حسنى لدلالتها كلها على صفات الجلال والكمال والتنزه عن النقص والزوال- وقد ذكرنا اسماء الله سبحانه وما يتعلق بها فى سورة الأعراف فى تفسير قوله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها الاية- وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ اى بقراءتك فى الصلاة بحيث يسمعها المشركون وَلا تُخافِتْ بِها كل المخافة بحيث لا يسمع من خلفك من المؤمنين وَابْتَغِ اى اطلب بَيْنَ ذلِكَ اى كمال الجهر والمخافة سَبِيلًا (110) متوسطا فان خير الأمور أوسطها-

والمراد بالصلوة صلوة الليل فريضة كانت او نافلة للاجماع على وجوب الإخفات فى صلوة النهار للنقل المتوارث- او المعنى وابتغ بين ذلك سبيلا يعنى بالاخفاة نهارا وحيث يكون بمسمع من المشركين وبالجهر المتوسط ليلا- روى البغوي من طريق البخاري عن ابى بشير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فى هذه الاية قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختفى بمكة كان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقران فاذا سمعه المشركون سبّوا القران ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ اى بقراءتك فيستمع المشركون فيسبّوا القران وَلا تُخافِتْ بِها عن أصحابك فلا تسمعهم وروى البخاري عن ابى بشير بإسناد مثله وزاد وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أسمعهم ولا تجهر حتّى لا يأخذوا عنك القران- قال البغوي وقال قوم الاية فى الدعاء وهو قول عائشة والنخعي ومجاهد ومكحول رضى الله عنهم روى البخاري عن عائشة وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها قالت انزل ذلك فى الدعاء- واخرج ابن جرير من طريق ابن عباس مثله ثم رجح الرواية الاولى بكونها أصح سندا- وكذا رجحها النووي وغيره قال الحافظ ابن حجر لكن يحتمل الجمع بينهما بانها نزلت فى الدعاء داخل الصلاة- وقد اخرج ابن مردوية من حديث ابى هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت- قلت وهذا الجمع عندى غير مرضى لان الدعوات المأثورة فى الصلاة المتوارث فيها الإخفات ولا خلاف الا فى دعاء القنوت وايضا قوله تعالى ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ يقتضى الإخفاء فى الدعوات كلها فى الصلاة وخارجها فالاولى ان يقال المراد بالدعاء فى قول عائشة انها نزلت فى الدعاء وكذا فى حديث ابى هريرة رفع صوته بالدعاء سورة الفاتحة لاشتمالها على قوله تعالى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلخ وما اخرج ابن جرير والحاكم عن عائشة قالت اللهم ارحمني فنزلت وأمروا ان لا تخافتوا ولا تجهروا- وما قال البغوي قال عبد الله بن شداد كان اعراب بنى تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا اللهم ارزقنا مالا وولدا ويجهرون بذلك فانزل الله تعالى هذه الاية يجب رده للتقل المتوارث فلا يصادم ما فى الصحيح فى سبب نزول هذه الاية والله اعلم- روى البغوي من طريق الترمذي عن عبد الله بن رباح الأنصاري ان النبي صلى الله

[سورة الإسراء (17) : آية 111]

عليه وسلم قال لابى بكر مررت بك وأنت تقرا وتخفض من صوتك فقال انى أسمعت من ناجيت فقال ارفع قليلا وقال لعمر مررت بك وأنت ترفع صوتك فقال انى اوقظ الوسنان واطرد الشيطان قال اخفض قليلا وروى ابو داود وغيره من حديث ابى قتادة نحوه- وقد ذكرنا بعض مسائل الجهر بالقراءة والإخفات بها فى سورة الأعراف فى تفسير قوله تعالى وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ الاية وذكرنا مسئلة ذكر الجهر والخفي ايضا فى تلك السورة فى تفسير قوله تعالى ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً الاية- (فصل) كيف كان قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابى هريرة قال كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم يرفع طورا ويخفض طورا رواه ابو داود- وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم على قدر ما يسمعه من فى الحجرة وهو فى البيت رواه ابو داود- وعن أم سلمة انها نعتت قراءته صلى الله عليه وسلم فاذا هى تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا رواه ابو داود والترمذي والنسائي وعن أم هانى قالت كنت اسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم الليل وانا على عريشى رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة- وعن عبد الله بن قيس قال سالت عائشة عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بالقراءة أم يجهر قالت كل ذلك قد كان يفعل ربما اسر وربما جهر قلت الحمد لله الّذي جعل فى الأمر سعة- قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب والله اعلم- اخرج ابن جرير عن محمّد بن كعب القرظي قال ان اليهود والنصارى قالوا اتخذ الله ولدا وقالت العرب لبيك لا شريك لك لبيك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك وقال الصابئون والمجوس لولا اولياء الله لذلّ فانزل الله تعالى. وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ اى فى الالوهية وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ اى ولى يواليه من أجل مذلة به ليدفعها بولايته- نفى عنه ان يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارا واضطرارا- وما يعاونه ويقويه- ورتب الحمد عليه للدلالة على انه يستحق جنس الحمد لانه كامل الذات المتفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق وما عداه

ناقص مملوك نعمة او منعم عليه فكل حمد راجع اليه تعالى وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) أي عظّمه عن ان يكون له شريك او ولىّ تعظيما بالغا- روى احمد فى مسنده والطبراني بسند حسن عن معاذ الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان يقول اية العز الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الى اخر السورة والله اعلم- فى هذه الاية تنبيه على ان العبد وان بالغ فى التنزيه والتمجيد واجتهد فى العبادة والتحميد ينبغى ان يعترف بالقصور عن حقه فى ذلك- عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يدعى الى الجنة يوم القيامة الحمادون الذين يحمدون فى السراء والضراء رواه الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي- وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده رواه البيهقي وعبد الرزاق فى الجامع- وعن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان أفضل الدعاء الحمد لله وأفضل الذكر لا اله الا الله رواه الترمذي وابن ماجة- وعن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الكلام الى الله اربع لا اله الا الله والله اكبر وسبحان الله والحمد لله لا يضرك بايتهن بدأت رواه مسلم واحمد بسند صحيح وروى البغوي الأحاديث الاربعة وعن عمران بن حصين ان أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون رواه الطبراني- وعن ابى ذر أحب الكلام الى الله ان يقول العبد سبحان الله وبحمده رواه احمد ومسلم والترمذي وعن انس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افصح الولد من بنى عبد المطلب علمه وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً الاية وأخرجه ابن السنى فى عمل اليوم والليلة وكذا اخرج من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ورواه عبد الرزاق وابن ابى شيبة فى مصنفهما من حديث عمرو بن شعيب مفصلا والله اعلم الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين تم تفسير سورة بنى إسرائيل من التفسير المظهرى ويتلوه ان شاء الله تعالى تفسير سورة الكهف) قد تم ثالث شهر رمضان من السنة الثانية بعد المائتين والف (سنة 1202) من الهجرة صلى الله وسلم على صاحبها بتصحيح: مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى.

الجزء السادس

الجزء السادس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ نحمده ونستعينه ونصلّى على رسوله الكريم فهرس تفسير سورة الكهف من تفسير المظهرى مضمون صفحه ما ورد في اصحاب الرقيم 4 قصة اصحاب الكهف 9 مرور معاوية على كهف اصحاب 21 الكهف مسئلة الصوفي كائن بائن 23 مسئلة جواز بناء المسجد عند 23 مقابر الأولياء وما ورد فى النهى عن تحصيص القبور والبناء عليها وجعلها مشرفة والجلوس على القبور 24 والصلاة إليها.... مضمون صفحه لا تقولنّ لشيء انّى فاعل ذلك غدا الّا ان يشاء الله 25 هل يجوز الاستثناء منفصلا ما يفعل ان نسى الاستثناء ذكر سرادق النار...... 30 ذكر ماء كالمهل..... 31 ما ورد فى حلى اهل الجنة 32 حديث كان أحب الألوان الى رسول الله صلى الله عليه 32 وسلم الخضرة ما ورد في ثياب اهل الجنة 32

فى الأرائك........ 32 حديث من راى شيئا فاعجبه فقال ما شاء الله 36 لا قوة الا بالله لم يضره ما ورد فى الباقيات الصالحات 38 حديث ايّاكم ومحقرات الذنوب وما فى الباب 41 حديث يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فاما العرضتان فجدال و 41 معاذير واما الثالثة فتطائر الصحف بالأيدي..... حديث الكتب كلها تحت 41 العرش ما ورد في ذرية إبليس واسماء شيطان الوضوء 42 والصلاة وغيرهما حديث طرق رسول الله صلى الله عليه وسلم على 44 علّى وفاطمة ليلة فقال مضمون صفحه الا تصليان الحديث ما ورد في قصة مسير موسى الى الخضر 37 مسئلة المفضول قد يكون له فضل جزئى على من هو 50 أفضل منه مسئلة الفاضل لا بدّ ان يطلب حصة فضل المفضول 51 منه ولا يستنكف عنه حديث الكلمة الحكمة ضالة المؤمن..... 51 مسئلة اتحاد المشرب والانقياد وترك الاعتراض 51 على المفيد شرط للاستفادة مسئلة ان ظهر على يد ولى من الأولياء امر ينكر في الظاهر فان كان لصحته وجه مستند الى نص او قياس او فتوى أحد من المجتهدين

مضمون صفحه لا يجوز عليه الإنكار والا ينكر الفعل ولا يأتى به ولا ينكر 52 كمال فاعله ويجب حمل مقالاتهم مهما أمكن على محمل 52 صحيح او على عدم فهم مرادهم..... مسئلة وجودات الأشياء كلها ظلال للاعيان الثابتة 58 في مرتبة علم الله تعالى الكلام في حيوة الخضر وموته 61 الكلام في يأجوج ومأجوج وأصنافهم 66 ما ورد في خروج يأجوج 69 مضمون صفحه وما ورد في خروج الدجال 70 حديث الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت 73 والعاجز من اتبع هواه ما ورد في الكفار اى في وزن الكفار ووزن أعمالهم 73 واقوال العلماء فيه ما ورد في الجنة الفردوس 74 ما ورد في الشرك الأصغر اى في الرياء..... 77 فصل في فضائل سورة الكهف انتهى 78.

سورة الكهف مكية

سورة الكهف مكيّة «1» وهى مائة واحدى عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رب يسّر وتمّم بخير اخرج ابن جرير من طريق إسحاق عن شيخ من اهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس قال بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن ابى معيط الى أحبار اليهود «2» بالمدينة- فقالوا سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته واخبروهم بقوله فانهم اهل الكتاب الاول- وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء- فخرجا حتى أتيا المدينة فسالا «3» أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- ووصفا «4» لهم امره وبعض قوله فقالوا لهم سلوه عن ثلاث فان أخبركم بهن فهو نبى مرسل- وان لم يفعل فالرجل متقوّل سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الاول ما كان من أمرهم فانه كان لهم حديث عجيب- وسلوه عن رجل طاف مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبأه- وسلوه عن الروح ما هو- فاقبلا حتى قد ما على قريش- فقالا قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمّد- فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه- فقال أخبركم غدا بما سالتم عنه ولم يستثن فانصرفوا ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله في ذلك وجبا ولا يأتيه جبرئيل حتى ارجف اهل مكة- حتى احزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحى عنه- وشن عليه ما يتكلم به اهل مكة- ثم جاءه جبرئيل من الله بسور اصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سالوه عنه من امر الفتية

_ (1) عند البصريين وعند اهل الكوفة مائة وعشرة اية 12 (2) وفي الأصل أحبار يهود 12 (3) وفي الأصل فسالوا 12 [.....] (4) وفي الأصل ووصفوا 12

[سورة الكهف (18) : آية 1]

والرجل الطوّاف وقول الله تعالى ويسئلونك عن الرّوح. قوله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ اثنى الله على نفسه بانعامه على خلقه بما هو أعظم نعمائه على الناس من إنزال القران على واحد منهم- لانه الهادي الى ما فيه كمال العباد الداعي الى ما به ينتظم لهم صلاح المعاش والمعاد- وفيه تلقين للعباد كيف يثنون عليه وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قرأ حفص عوجا في الوصل بسكتة لطيفة على الالف من غير قطع والباقون يصلون ذلك من غير سكت يعنى شيئا من العوج باختلال في اللفظ أو تناف في المعنى وانحراف من الدعوة الى جناب القدس وخروج شىء منه من الحكمة وهو في المعاني بكسر العين وفتح الواو كالعوج بفتح العين والواو في الأعيان- يقال في رأيه عوج وفي عصاه عوج- وقيل معناه لم يجعله مخلوقا روى عن ابن عباس انه قال في قوله تعالى قرءانا عربيّا غير ذى عوج اى غير مخلوق. قَيِّماً قال ابن عباس اى عدلا يعنى مستقيما معتدلا لا افراط فيه ولا تفريط وقال الفراء قيما على الكتب كلها يشهد بصحتها وينسخ بعض أحكامها- وقبل اى قيما بمصالح العباد فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال منصوب بمضمر- قال قتادة تقديره انزل على عبده الكتب ولم يجعل لّه عوجا ولكن جعله قيّما او على الحال من الضمير في له او من الكتاب على ان الواو فى ولم يجعل للحال دون العطف- إذ لو كان للعطف لكان المعطوف فاصلا من المعطوف عليه ولذلك قيل فيه تقديم وتأخير يعنى على تقدير كون الواو للعطف تقديره انزل على عبده الكتب قيّما ولم يجعل لّه عوجا- وفائدة الجمع بين نفى العوج واثبات الاستقامة وفي أحدهما غنى عن الاخر التأييد فربّ مستقيم مشهود له بالاستقامة لا يخلو من ادنى عوج عند التصفح لِيُنْذِرَ العبد بالقران الذين كفروا- حذف المفعول الاول اكتفاء بدلالة القرينة- واقتصارا على الغرض المسوق اليه بَأْساً اى عذابا شديدا في نار جهنم مِنْ لَدُنْهُ اى صادرا من عنده؟؟؟ أبو بكر بإسكان الدال وإشمامها شيئا من الضم بضم الشفتين كقبلة المحبوب وبكسر النون والهاء ويصل الهاء بياء- والباقون بضم الدال واسكان النون وضم الهاء وابن كثير يصلها بواو وَيُبَشِّرَ قرا حمزة والكسائي بالتخفيف من الافعال- والباقون بالتشديد من التفعيل

[سورة الكهف (18) : آية 3]

الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ ذكر المفعول الاول هاهنا تعظيما لهم وحثا على الايمان والأعمال أَنَّ لَهُمْ اى بان لهم أَجْراً حَسَناً هو الجنة ورضوان الله تعالى. ماكِثِينَ فِيهِ اى مقيمين في ذلك الاجر أَبَداً بلا انقطاع. وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً خصصهم بالذكر فكرر الانذار متعلقا بهم استعظاما لكفرهم ولم يذكر المنذر به هاهنا استغناء بتقدم ذكره. ما لَهُمْ بِهِ اى بالولد او باتخاذه او بالقول مِنْ عِلْمٍ يعنى يقولون ذلك عن جهل مفرط وتوهم باطل او تقليد لما سمعوه من اوائلهم من غير علم بالمعنى الذي أرادوا به فانهم كانوا يطلقون الأب والابن بمعنى المؤثر والأثر او ما لهم بالله من علم لو علموه لما جوّزوا نسبة اتخاذ الولد اليه- او يقال عدم العلم بالشيء قد يكون لعدم انكشافه مع وجوده- وقد يكون لانعدامه واستحالته والمراد هاهنا ذلك وَلا لِآبائِهِمْ الذين تقوّلوه بمعنى التنبّى كَبُرَتْ كَلِمَةً اى عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيه من التشبيه والتشريك وإيهام احتياجه الى ولد يعينه ويخلفه الى غير ذلك من الزيغ وكلمة منصوب على التميز وفيه معنى التعجب والضمير في كبرت مبهم يفسره كلمة- او راجع الى قولهم اتّخذ الله ولدا- ويطلق الكلمة على الكلام المركب ايضا حيث يسمون القصيدة كلمة وقيل أصله من كلمة وهو في محل الرفع على الفاعلية ومن زائدة- ثم حذف من فانتصب بنزع الخافض تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ صفة لكلمة تفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواههم والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها- وقيل الجملة صفة لمحذوف «1» هو المخصوص بالذم- لان كبر هاهنا بمعنى بئس تقديره قول يخرج إِنْ يَقُولُونَ اى ما يقولون ذلك إِلَّا كَذِباً صفة لمصدر محذوف اى الا قولا كذبا يعنى ليس لهذا القول مصداق بوجه من الوجوه اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال اجتمع عتبة وشيبة ابني ربيعة وابو جهل بن هشام والنضر بن الحارث والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وابو البختري في نفر من قريش- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما راى من خلاف قومه إياه- وانكارهم ما جاء به من النصيحة فاحزنه حزنا شديدا فانزل الله تعالى. فَلَعَلَّكَ باخِعٌ اى قاتل نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ اى بعد توليتهم عن الايمان- شبّه النبي صلى الله عليه وسلم وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به

_ (1) وفي الأصل صفة محذوف.

[سورة الكهف (18) : آية 7]

وما تداخله من الأسف على توليتهم عن فارقته احبّته فهو يتحسر على اثارهم وينجع نفسه وجدا عليهم إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ اى القران شرط مستغن عن الجزاء بما مضى أَسَفاً منصوب على العليّة او الحال اى للتاسف عليهم- او متاسفا عليهم لحرصك على ايمانهم والأسف فرط الحزن والغضب. إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ من الحيوان والنبات والمعادن زِينَةً لَها ولاهلها فان قيل اىّ زينة في الحيّات والعقارب والشياطين- قيل فيها زينة من حيث انها تدل على صانعها ووحدته وصفاته الكاملة- وقال ابن عباس أراد بهم الرجال خاصة هم زينة الأرض وقيل أراد بهم العلماء والصلحاء- وقيل الزينة بنيات الأشجار والأنهار كما قال الله تعالى حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّينت- وقيل المراد بما على الأرض ما يصلح ان يكون زينة لها من نخلوف الدنيا- قلت ويمكن ان يراد بما على الأرض على العموم كما هو الظاهر وكونها زينة من حيث النظام الجملي او من حيث ان لكل شىء مدخل في الزينة- لان حسن الأشياء الحسنة تعرف كما هى عند معرفة قبح أضدادها لِنَبْلُوَهُمْ اى الناس المفهوم في ضمن قوله تعالى ويبشّر المؤمنين وينذر الّذين قالوا اتّخذ الله ولدا أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فى تعاطيه وهو من تزهّد فيه ولم يغتر به وقنع منه بما كفى وصرفه على ما ينبغي- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الدنيا خضرة حلوة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون. وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً «1» جُرُزاً اى ما جعلناها زينة من الحيوان والنبات وغير ذلك من الأشياء جاعلوها ترابا ورفاتا. أَمْ بل احَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً استفهام تقرير يعنى أعلمت انهم كانوا اية عجبا من آياتنا اى عجيبة- وصفوا بالمصدر مبالغة او على انه بمعنى الفاعل اى معجبا او ذات عجب- وقيل الاستفهام على سبيل الإنكار يعنى انهم ليسوا بأعجب آياتنا فان خلق السموات والأرض وخلق ما على الأرض من الأجناس والأنواع التي لا تعدّو لا تحصى مخلوقة منها على طبائع متباعدة وهيات مختلفة ثم ردها إليها كما كانت اعجب منهم- والكهف الغار الواسع في الجبل واختلفوا في الرقيم قال سعيد بن جبير هو لوح كتب فيه اسماء اصحاب الكهف وقصتهم دو هذا اظهر الأقاويل ثم وضعوه على باب الكهف وكان اللوح من رصاص وقيل من حجارة- وعلى هذا

_ (1) الصعيد يقال لوجه الأرض وقيل للغبار الذي يصعد وارض جون اى لا نبت او أكل نباتها ولم يصبها مطر 12 منه ر ح

[سورة الكهف (18) : آية 10]

يكون الرقيم بمعنى المرقوم اى المكتوب والرقم الكتابة- وحكى عن ابن عباس انه اسم للوادى الذي فيه كهفهم فعلى هذا هو من رقمة الوادي وهو جانبه- وقال كعب الأحبار هو اسم للقرية التي خرج منها اصحاب الكهف وقيل اسم للجبل الذي فيه الكهف وقيل اصحاب الرقيم قوم آخرون اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم والطبراني وابن مردوية عن النعمان بن بشير انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن اصحاب الرقيم انهم ثلاثة نفر دخلوا الى الكهف وأخرجه احمد وابن المنذر عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم ان ثلاثة نفر فيما سلف من الناس انطلقوا يرتادون «1» لاهلهم فاخذتهم السماء فأووا الى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه- فقال أحدهم اذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته- فقال واحد استعملت اجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل بقيته مثل عملهم فاعطيته مثل أجرهم- فغضب أحدهم وترك اجره فوضعته في جانب البيت ثم مرّبى نفر فاشتريت به فصيلة فبلغت ما شاء الله- فرجع الىّ بعد حين شيخا ضعيفا لا أعرفه وقال ان لى عندك حقّا وذكره حتى عرفته فدفعتها اليه جميعا- اللهم ان كنت فعلت ذلك لوجهك فاخرج عنا فانصدع الجبل حتى رأووا الضوء- وقال الاخر كانت لى فضيلة وأصاب الناس شدة فجاءتنى امراة فطلبت منى معروفا فقلت ما هو دون نفسك فابت ثم رجعت ثلاثا ثم ذكرت لزوجها- فقال أجيبي له واعينى عيالك فاتت وسلّمت الىّ نفسها- فلما تكشفتها وهممت بها ارتعدت فقلت مالك قالت أخاف الله فقلت خفتيه في الشدة ولم اخفه في الرخاء فتركتها وأعطيتها ملتمسها- اللهم ان كنت فعلته لاجلك فافرج عنّا فانصدع حتى تعارفوا- وقال الثالث كان لى أبوان هرمان وكانت لى غنم وكنت أطعمهما «2» واسقيهما ثم ارجع الى غنمى فحبسنى ذات يوم غنم فلم أرح حتى أمسيت فاتيت أهلي وأخذت محلبى فحلبت فيه ومضيت إليهما فوجدتهما نائمين- فشق علّى ان أوقظهما فتوقفت جالسا ومحلبى على يدىّ حتى ايقظهما الصبح فسقيتهما- اللهم ان فعلته لوجهك فافرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا والله اعلم- ثم ذكر الله قصة اصحاب الكهف فقال. إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ يعني اذكر إذ أوى الفتية اى صاروا إِلَى الْكَهْفِ يقال أوى فلان الى موضع كذا اى اتخذه منزلا- قال البغوي وهو غار في جبل

_ (1) اى يطلبون لاهلها الكلاء والغيث 12 منه رح (2) وفي الأصل اطعمتهما واسقيتهما 12

بيجلوس واسم الكهف جيرم فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً يوجب لنا الهداية فى الدين والمغفرة من الذنوب والرزق والامن من العدوّ وَهَيِّئْ لَنا قال البيضاوي واصل التهية احداث هيئة الشيء مِنْ أَمْرِنا اى من الأمر الذي نحن عليه من الايمان ومفارقة الكفار رَشَداً او المعنى اجعل لنا أمرنا كله رشدا- كقولك رايت منك رشدا اى استقامة على طريق الحق مع تصلب فيه كذا في القاموس وفيه رشد كنصر وفرح رشدا ورشدا ورشادا اهتدى كاسترشد واسترشد طلبه والرشيد في صفات الله تعالى بمعنى الهادي الى سواء الصراط- والذي حسن تقديره فيما قدر- قال البغوي اختلفوا في سبب مصيرهم الى الكهف قال محمد بن إسحاق مرج اهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت فيهم الملوك حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت وفيهم بقايا على دين المسيح متمسكين بعبادة الله عزّ وجلّ وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له دقيانوس عبد الأصنام وذبح للطواغيت وقتل من خالفه- وكان ينزل قرى الروم ولا يترك في قرية نزلها أحدا الا فتنة حتى يذبح للطواغيت ويعبد الأصنام او يقتله- حتى نزل مدينة اصحاب الكهف وهى أفسوس كلما نزلها كبر على اهل الايمان فاستخفوا منه وهربوا في كل وجه- وكان دقيانوس حين نزلها أمران يتبع اهل الايمان في أماكنهم- فيخرجونهم الى دقيانوس فيخيّرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان والذبح للطواغيت- فمنهم من يرغب في الحيوة ومنهم من يأبى ان يعبد غير الله فيقتل- فلما راى ذلك اهل الشدة فى الايمان بالله جعلوا يسلمون للعذاب والقتل فيقتلون ويقطعون- ثم يربط ما قطع من أجسامهم على سور المدينة من نواحيها وعلى كل باب من ابوابها- حتى عظمت الفتنة فلمّا راى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا واشتغلوا بالصلوة والصيام والصدقة والتسبيح والدعاء- وكانوا من اشراف الروم وكانوا ثمانية نفر بكوا وتضرعوا الى الله وجعلوا يقولون ربّنا ربّ السّموات والأرض لن ندعو من دونه الها لّقد قلنا إذا شططا ان عبدنا غيره- اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة وارفع عنهم البلاء حتى يعلنوا بعبادتك فبينا هم على ذلك وقد دخلوا في مصلّى لهم أدركهم الشرط «1» فوجدوهم وهم سجود على وجوههم يبكون ويتضرعون الى الله عزّ وجلّ فقالوا لهم ما خلّفكم عن امر الملك انطلقوا اليه ثم خرجوا فرفعوا أمرهم الى دقيانوس فقالوا تجمع الناس للذبح لالهتك وهؤلاء الفتية من اهل بيتك يستهزءون

_ (1) شرط السلطان نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده 12 منه

بك ويعصون أمرك فلمّا سمع بذلك بعث إليهم فاتى بهم تفيض أعينهم من الدمع «1» معفّرة وجوههم بالتراب فقال ما منعكم ان تشهدوا الذبح لالهتنا التي تعبد في الأرض وتجعلون أنفسكم أسوة كسرات اهل مدينتكم اختاروا اما ان تذبحوا لالهتنا واما ان أقتلكم- فقال مكسلمينا وهو أكبرهم ان لنا الها ملاء السموات عظمته لن ندعوا من دونه الها إبداله الحمد والتكبير والتسبيح من أنفسنا خالصا إياه نعبد وإياه نسئل النجاة والخير فاما الطواغيت فلن نعبدها ابدا- فاصنع ما بدا لك وقال اصحاب مكسلمينا لدقيانوس مثل ما قال- فلمّا قالوا ذلك امر فنزع عنهم لبوس كانت عليهم من لبوس عظمائهم- ثم قال سافرغ فانجز لكم ما وعدتكم من العقوبة وما يمنعنى ان اعجل ذلك لكم الا انى أراكم شبانا حديثة أسنانكم ولا أحب ان أهلككم حتى اجعل لكم أجلا تذكّرون فيه وتراجعون عقولكم- ثم امر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة فنزعت ثم امر بهم فاخرجوا عنه- وانطلق دقيانوس الى مدينة سوى مدينتهم قريبا لبعض أموره...... فلمّا راى الفتية خروجه بادروا قدومه وخافوا إذا قدم مدينتهم ان يذكرهم فأتمروا بينهم ان يأخذ كل منهم نفقته من بيت أبيه فيتصدقوا منها ويتزودوا بما بقي ثم ينطلقوا الى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له بيجلوس فيمكثون فيه ويعبدون الله- حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فقاموا بين يديه فيصنع بهم ما يشاء فلمّا قال ذلك بعضهم لبعض عمد كل فتى منهم الى بيت أبيه فاخذ نفقته فتصدق منها ثم انطلقوا بما بقي معهم واتبعهم كلب كان لهم حتى أتوا ذلك الكهف فلبثوا فيه- قال كعب الأحبار ومرّوا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك مرارا- فقال لهم الكلب يا قوم ما تريدون منى لا تخشون جانبى انا أحب احبّاء الله عز وجل فنموا «2» حتى أحرسكم وقال ابن عباس هربوا ليلا من دقيانوس وكانوا سبعة فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم وتبعهم كلبه فخرجوا من البلد الى الكهف وهو قريب من البلد قال ابن عباس فلبثوا فيه ليس لهم عمل الا الصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتحميد ابتغاء وجه الله- وجعلوا نفقتهم الى فتى منهم يقال له تمليخا وكان يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرّا وكان من أجملهم واجلدهم- وكان إذا دخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا ويأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فيها- ثم يأخذ ورقة فينطلق الى المدينة فيشترى طعاما وشرابا ويتجسس لهم الخبر هل ذكر هو وأصحابه بشيء ثم يرجع الى أصحابه فلبثوا بذلك ما لبثوا- ثم قدم دقيانوس المدينة فامر

_ (1) العفرة الغبرة ولون التراب 12 منه رح (2) وفي الأصل فناموا 12 منه رح

عظماء أهلها فذبحوا للطواغيت ففزع اهل الايمان وكان تمليخا بالمدينة يشترى لاصحابه طعامهم فرجع الى أصحابه وهو يبكى ومعه طعام قليل وأخبرهم ان الجبار قد دخل المدينة وقد ذكروا والتمسوا مع عظماء المدينة ففزعوا ووقعوا سجودا يدعون الى الله ويتضرعون ويتعوّذون من الفتنة- ثم ان تمليخا قال يا إخوتاه ارفعوا رءوسكم وأطعموا وتوّكلوا على ربكم- فرفعوا رءوسهم وأعينهم تفيض من الدمع فطعموا وذلك من غروب الشمس ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون ويذكّر بعضهم بعضا فبيناهم على ذلك إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف فاصابه ما أصابهم وهم مؤمنون وموقنون ونفقتهم عند رءوسهم- فلما كان من الغد فقدهم دقيانوس فلم يجدهم فقال لبعضهم قد ساءنى شأن هؤلاء الفتية الذين ذهبوا لقد كانوا ظنوا ان لى غضبا عليهم لجهلهم ما جهلوا من امرى ما كنت لاحمل عليهم ان هو تابوا وعبدوا الهتى- فقال عظماء المدينة ما أنت بحقيق ان ترحم قوما فجرة مردة عصاة لقد كنت اجّلت لهم أجلا ولو شاءوا لرجعوا في ذلك الاجل ولكنهم لم يتوبوا- فلمّا قالوا ذلك غضب غضبا شديدا ثم أرسل الى ابائهم فاتى بهم فسالهم عنهم فقال أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصونى- فقالوا له اما نحن فلم نعصك فلم تقتلنا بقوم مردة قد ذهبوا باموالنا فاهلكوها في أسواق المدينة ثم انطلقوا وأرسلوا الى جيل يدعى بيجلوس- فلمّا قالوا له ذلك خلّى سبيلهم وجعل لا يدرى ما يصنع بالفتية فالقى الله عز وجل في نفسه ان يأمر بالكهف فيسد عليهم- أراد الله ان يكرمهم ويجعلهم اية لامة تستخلف من بعدهم وان يبين لهم انّ السّاعة لا ريب فيها وانّ الله يبعث من في القبور- فامر دقيانوس بالكهف ان يسدّ عليهم وقال دعوهم في الكهف الذي اختاروا كما هم يموتون جوعا وعطشا ويكون كهفهم الذي اختاروا قبرا لهم وهو يظن انهم إيقاظ يعلمون ما يصنع بهم وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف قد غشيه ما غشيهم ينقلبون ذات اليمين وذات الشمال ثم ان رجلين مؤمنين من بيت الملك دقيانوس يكتمان إيمانهما اسم أحدهما يندروس والاخر راياش ائتمروا ان يكتبا شان الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم في لوحين من رصاص ويجعلا هما في تابوت من نحاس ويجعلا التابوت في البنيان- وقالا لعل الله ان يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عنهم حين يقرأ هذا لكتاب خبرهم ففعلا فبنيا عليه فبقى دقيانوس ما بقي ثم مات هو وقومه وقرون بعده كثيرة وخلفت الملوك بعد الملوك- وقال عبيد بن عمير كان اصحاب الكهف فتيانا مطوقين مسورين ذوى ذوائب وكان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم عظيم

فى ذىّ وموكب واخرجوا معهم الهتهم التي يعبدونها وقد قذف الله في قلوب الفتية الايمان وكان أحدهم وزير الملك فامنوا وأخفى كل واحد إيمانه- فقالوا في أنفسهم نخرج من بين اظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب يجرهم- فخرج شابّ منهم حتى انتهى الى ظل شجرة فجلس فيه- ثم خرج اخر فراه جالسا وحده فرجا ان يكون على مثل امره من غير ان يظهر ذلك- ثم خرج اخر فاجتمعوا الى مكان فقال بعضهم لبعض ما جمعكم وكل واحد يكتم صاحبه إيمانه مخافة على نفسه- ثم قالوا ليخرج كل فئتين فيخلو بصاحبه ثم يغشى كل واحد منكم سره الى صاحبه فاذاهم جميعا على الايمان وإذا كهف في الجبل قريبا منهم فقال بعضهم لبعض فاوآ الى الكهف ينشر لكم ربّكم من رّحمته- فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيدهم فناموا ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا وفقدهم قومهم وطلبوهم فعمى الله عليهم اثارهم وكهفهم فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح ان فلان بن فلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا في سنة كذا في ملكة فلان بن فلان- ووضعوا اللوح في خزانة الملك فقالوا ليكونن لهذا شأن- ومات ذلك الملك وجاء قرن بعد قرن وقال وهب بن منبه جاء حوارى عيسى صلى الله عليه وسلم الى مدينة اصحاب الكهف فاراد ان يدخلها فقيل له ان على بابها صنما لا يدخلها أحد الا سجد له فكره ان يدخلها- فاتى حماما قريبا من المدينة فكان يؤاجر نفسه من الحمامي ويعمل فيه وراى صاحب الحمام في حمامه البركة وعلقه فتية من اهل المدينة فجعل يخبرهم خبر السماء والأرض حتى أمنوا وصدقوه وكان شرط على صاحب الحمام ان الليل لى لا يحول بينى وبينه ولا بين الصلاة أحد وكان على ذلك حتى اتى ابن الملك بامراة فدخل بها الحمام فعيّره الحمامي وقال أنت ابن الملك وتدخل مع هذه فاستحيى وذهب فرجع مرة اخرى فقال له مثل ذلك فسبّه وانتهره ولم يلتفت الى مقالته حتى دخلا معا فماتا في الحمام واتى الملك فقيل له قتل صاحب الحمام وابنك فالتمس فلم يقدر عليه وهرب فقال من كان يصحبه فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم على مثل ايمانهم فانطلق ومعه كلب حتى اواهم الليل الى الكهف فدخلوه وقالوا نبيت هاهنا الليلة ثم نصبح ان شاء الله فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فلما أراد رجل منهم دخوله رعب فلم يطق أحد ان يدخله- فقال قائل أليس لو قدرت عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف واتركهم فيه يموتون جوعا ففعل قال وهب فعبروا بعد ما سدوا عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان- ثم ان راعيا أدركه المطر عند الكهف فقال لو فتحت هذا الكهف وادخلت غنمى اليه فاكنّهم من المطر فلم

يزل يعالجه حتى فتح- ورد الله أرواحهم من الغد حين أصبحوا- وقال محمد بن إسحاق ثم ملك اهل تلك البلاد رجل صالح يقال له بيدوسيس فلمّا بقي في ملكه ثمانية وستين سنة فتحزّب الناس في ملكه وكانوا أحزابا منهم من يؤمن بالله ويعلم ان الساعة حق ومنهم من يكذّب بها- فكبر ذلك على الملك الصالح فبكى وتضرع الى الله وحزن حزنا شديدا لما راى اهل الباطل يزيدون ويظهرون على اهل الحق ويقولون لا حيوة الا الحيوة الدنيا وانما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد- فجعل بيدوسيس يرسل الى من يظن فيه خيرا وانهم ائمة في الحق- فجعلوا يكذّبون بالساعة حتى كادوا ان يحوّلوا الناس عن الحق وملة الحواريين- فلمّا راى ذلك الملك الصالح دخل بيته وأغلقه عليه ولبس مسحا وجعل تحته رمادا فجلس عليه- فداب ليله ونهاره زمانا يتضرع الى الله ويبكى ويقول اى ربّ قد ترى اختلاف هؤلاء- فابعث إليهم اية تبين لهم بطلان ما هو عليه ثم ان الرحمان الرحيم الذي يكره هلكة العباد أراد ان يظهر على الفتية اصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعل اية وحجة عليهم ليعلموا انّ السّاعة اتية لا ريب فيها ويستجيب لعبده الصالح بيدوسيس ليتم نعمته عليه- وان يجمع من كان تبدد من المؤمنين- فألقى الله في نفس رجل من اهل ذلك البلد الذي فيه الكهف كان اسم ذلك الرجل اولياس ان يهدم ذلك البنيان الذي على فم الكهف- فيبنى به حضيرة لغنمه فاستأجر غلامين فجعل ينزعان تلك الحجارة ويبنيان على تلك الحضيرة حتى نزعاما على فم الكهف وفتحا باب الكهف وحجبهم الله عن أعين الناس بالرعب- فلمّا فتحا باب الكهف اذن الله عزّ وجلّ ذو القوة والسلطان محيى الموتى الفتية ان يجلسوا بين ظهرى الكهف فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم يسلّم بعضهم على بعض كانما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون فيها إذا أصبحوا من ليلتهم- ثم قاموا الى الصلاة فصلوا كالذى كانوا يفعلون- لا يرى في وجوههم وألوانهم شىء ينكرونه كهيئتهم حين رقدوا وهم يرون ان ملكهم دقيانوس في طلبهم- فلما قضوا صلاتهم قالوا لتمليخا صاحب نفقتهم نبئنا بالذي قالوا للناس عنا عشية أمس عند هذا الجبار وهم يظنون انهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون- وقد تخيل إليهم انهم ناموا أطول مما كانوا ينامون حتى يتساءلوا بينهم فقال بعضهم لبعض كم لبثتم نياما قالوا لبثنا يوما او بعض يوم ثم قالوا ربّكم اعلم بما لبثتم- وكل ذلك في أنفسهم يسير- فقال لهم تمليخا ألستم في المدينة وهو

يريد ان يوتى بكم اليوم فتذبحوا للطواغيت او يقتلكم- فما شاء الله بعد ذلك فعل فقال لهم مكسلمينا يا إخوتاه اعلموا امّكم مّلاقوا الله فلا تكفروا بعد ايمانكم إذا دعاكم عدو الله ثم قالوا لتمليخا انطلق الى المدينة فتسمع ما يقال لنابها وما الذي يذكر عند دقيانوس وتلطّف ولا يشعر بك أحد وابتغ لنا طعاما فأتنا به وزدنا على الطعام الذي جئتنا به فقد أصبحنا جياعا- ففعل تمليخا كما كان يفعل ووضع ثيابه وأخذ الثياب الذي كان ينتكر فيها- وأخذ ورقا عن نفقتهم التي كانت معهم الذي ضربت بطابع دقيانوس وكانت كخفاف الربع- فانطلق تمليخا خارجا فلمّا مرّ بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منها ثم مرّ ولم يبال بها حتى اتى باب المدينة مستخفيا يصدعن الطريق تخوّفا ان يراه أحد من أهلها فيعرفه ولا يشعر ان دقيانوس واهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاث مائة سنة- فلما اتى تمليخا باب المدينة وقع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لاهل الايمان إذا كان امر الايمان ظاهرا فلمّا راها عجب وجعل ينظر إليها مستخفيا وينظر يمينا وشمالا- ثم ترك ذلك الباب فتحول الى باب اخر من ابوابها فراى مثل ذلك فجعل يخيّل اليه ان المدينة ليست بالتي كان يعرف- وراى ناسا كثيرا محدثين لم يكونوا هم قبل ذلك فجعل يمشى ويتعجب ويخيل اليه انه حيران- ثم رجع الى الباب الذي اتى منه فجعل يتعجب بينه وبين نفسه ويقول يا ليت شعرى ما هذا- اما عشية أمس فكان المسلمون يحبون هذه العلامة ويستخفون بها واما اليوم فانها ظاهرة لعلّى نائم ثم يرى انه ليس بنائم- فاخذ كساءه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة فجعل يمشى بين ظهرى سوقها فيسمع ناسا يحلفون باسم عيسى بن مريم فزاده فرقا وراى انه حيران- فقام مسندا ظهره الى جداد من جدد المدينة وقال في نفسه والله ما أدرى اما عشية أمس فليس على وجه الأرض من يذكر عيسى بن مريم الا قليل واما الغداة فاسمعهم وكل انسان يذكر عيسى ولا يخاف- ثم قال في نفسه لعل هذا ليست بالمدينة التي اعرف والله ما اعرف مدينة قرب مدنيتنا فقام كالحيران ثم لقى فتى فقال ما اسم هذه المدينة يا فتى قال اسمها أفسوس فقال في نفسه لعل شيئا او امرا اذهب عقلى والله يحق لى ان اسرع الخروج منها قبل ان اخزى فيها او يصيبنى شر فاهلك ثم انه أفاق فقال والله لو عجّلت الخروج من المدينة قبل ان يفطن بي كان أليس بي- فدنا من الذين يبيعون الطعام فاخرج الورق التي كان معه فاعطاها رجلا منهم فقال بعنى بهذه الورق طعاما

فاخذها الرجل فنظر الى ضرب الورق ونقشها فتعجب منها ثم طرحها الى رجل من أصحابه- فنظر إليها فجعلوا يتطارحون بينهم ويقول بعضهم لبعض ان هذا أصاب كنزا خبيّبا في الأرض منذ زمان ودهر طويل- فلما راهم تمليخا يتشاورون من اجله فرق فرقا شديدا وجعل يرتعد ويظن انهم قد فطنوا به وعرفوه وانهم انما يريدون ان يذهبوا به الى ملكهم دقيانوس وجعل أناس اخر يأتونه فيتعرفونه فلا يعرفونه- فقال لهم وهو شديد الفرق منهم افضلوا علىّ قد أخذتم ورقى فامسكوها واما طعامكم فلا حاجة لى به- فقالوا من أنت يا فتى وما شأنك والله لقد وجدت كنزا من كنوز الأولين وأنت تريد ان تخفيه منا فانطلق معنا وأرنا وشاركنا فيه نخف عليك ما وجدت- فانك ان لم تفعل نأت بك الى السلطان فنسلّمك اليه فيقتلك- فلما سمع قولهم قال قد وقعت وفي كل شىء كنت احذر منه- فقالوا يا فتى انك والله لن تسطيع ان تكتم ما وجدت- فجعل تمليخا لا يدرى ما يقول لهم وما يرجع إليهم وفرق حتى ما يحير إليهم شيئا- فلما رأوه انه لا يتكلّم أخذوا كساءه فطرحوه في عنقه ثم جعلوا يقودونه في سلك المدينة حتى سمع به من فيها فسألوه ما الخبر فقيل لهم أخذ رجل عنده كنز فاجتمع اليه اهل المدينة صغيرهم وكبيرهم فجعلوا ينظرون اليه ويقولون والله ما هذا الفتى من اهل هذه المدينة وما رايناه فيها قط- فجعل تمليخا لا يعرف ما يقول لهم فلما اجتمع اليه فرق فسكت ولم يتكلم- وكان مستيقنا ان أباه واخوته بالمدينة وان حسبه بالمدينة من عظماء أهلها وانهم سيأتونه إذا سمعوا به فبينا هو قائم كالحيران ينتظر حتى يأتيه بعض اهله فيخلصه من بين أيديهم- إذا اختطفوه وانطلقوا به الى رءوس المدينة ومدبريها الذين يدبر ان أمرها- وهما رجلان صالحان اسم أحدهما اريوس والاخر اشطيوس- فلما انطلق به إليهما ظن تمليخا انه ينطلق به الى دقيانوس الجبار فجعل يلتفت يمينا وشمالا- وجعل الناس ليسخرون منه كما يسخر من المجنون- وجعل تمليخا يبكى ثم رفع رأسه الى السماء فقال اللهم اله السماء والأرض افرغ اليوم علىّ صبرا وادلج معى روحا منك يؤيدني عند هذا الجبار وجعل يبكى- ويقول في نفسه فرّق بينى وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت ولو انهم يعلمون فيأتونى فنقوم جميعا بين يدى الجبار فانّا كنا توافقنا ان لا نفترق فى حيوة ولا موت ابدا- يحدث تمليخا نفسه فيما اخبر أصحابه حين رجع إليهم حتى انتهى الى الرجلين الصالحين اريوس واشطيوس فلما راى تمليخا انه لا يذهب به الى دقيانوس أفاق وذهب عنه البكاء- فاخذ اريوس واشطيوس الورق فنظرا إليها وعجبا منها ثم قال له أحدهما اين الكنز الذي وجدت

يا فتى- فقال تمليخا ما وجدت كنزا ولكن هذا ورق ابائى ونقش هذه المدينة وضربها- ولكنى والله ما أدرى ما شأنى وما أقول لكم فقال أحدهما فمن أنت- فقال تلميخا اما انا فكنت من اهل هذه المدينة- فقالوا ومن أبوك ومن يعرفك بها- فانباهم باسم أبيه فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه- فقال له أحدهما أنت رجل كذّاب لا تنبئنا بالحق- فلم يدر تمليخا ما يقول لهم غير انه نكس بصره الى الأرض- فقال بعض من حوله هذا رجل مجنون وقال بعضهم ليس بمجنون ولكنه يمحّق نفسه عمدا لكى ينفلت منكم فقال له أحدهما دو نظر اليه نظرا شديدا تظن ان نرسلك ونصدقك بان هذا الورق مال أبيك- ونقش هذا الورق وضربها اكثر من ثلاث مائة سنة- وانما أنت غلام شاب أتظن انك تأفكنا وتسخر بنا ونحن شمط كما ترى وحولك سراة اهل المدينة وولاة أمرها وخزائن هذه البلدة بايدينا وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار انى لاظن سامر بك فتعذب عذابا شديدا- ثم اوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدته فلمّا قال ذلك فقال لهم تمليخا انبئونى عن شىء اسئلكم عنه فان فعلتم صدقتكم عمّا عندى قالوا سل لانكتمك شيئا- قال ما فعل الملك دقيانوس قالا ليس نعرف اليوم على وجه الأرض ملكا يسمى دقيانوس ولم يكن الا ملك هلك من زمان ودهر طويل وهلكت بعده قرون كثيرة فقال تمليخا انى إذا لحيران وما هو بمصدقى أحد من الناس لقد كنافئة على دين واحد وهو الإسلام وان الملك أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس- فلمّا انتبهنا خرجت لاشترى لهم طعاما وأتجسس الاخبار فانا كنا كما ترون- فانطلقوا معى الى الكهف الذي في جبل بيجلوس أراكم أصحابي فلما سمع اريوس ما يقول تمليخا قال يا قوم لعل هذه اية من آيات الله جعلها الله لكم على يدى هذا الفتى فانطلقوا بنا معه يرينا أصحابه- فانطلق معه اريوس واشطيوس وانطلق معهم اهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو اصحاب الكهف لينظروا إليهم- ولمّا راى الفتية اصحاب الكهفان تمليخا قد احتبس عنهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتى به فيه ظنوا انه قد أخذ فذهب به الى ملكهم دقيانوس- فبينما هم يظنون ذلك ويتخوّفونه إذ سمعوا الأصوات وجبلة الخيل مصعدة نحوهم- فظنوا انهم رسل الجبار دقيانوس بعث إليهم ليؤتى بهم فقاموا الى الصلاة وسلّم بعضهم على بعض واوصى بعضهم بعضا- وقالوا انطلقوا بنا نأت أخانا تمليخا- فانه الان بين يدى الجبار ينتظر متى نأتيه فبينما هو يقولون ذلك وهو جلوس بين ظهرانى الكهف لم يروا الا اريوس وأصحابه وقوفا على

باب الكهف فسبقهم تمليخا فدخل عليهم وهو يبكى- فلمّا رأوه يبكى بكوا معه ثم سألوه عن شأنه فاخبرهم وقص عليهم النبأ كله فعرفوا عند ذلك انهم كانوا قياما بامر الله ذلك الزمان كله- وانما أوقظوا ليكونوا اية للناس وتصديقا للبعث- ويعلموا انّ السّاعة اتية لا ريب فيها- ثم دخل على اثر تمليخا اريوس فراى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة- فقام بباب الكهف ثم دعا رجلا من عظماء اهل المدينة ففتح التابوت عندهم فوجد فيه لوحين من رصاص مكتوب فيهما ان مكسلمينا ومخشلمينا وتمليخا ومرطونس وبشرطونس- وبيربوس ودينومس ويطنومونس كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة ان يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف فلمّا اخبر بمكانهم امر بالكهف فسد عليهم بالحجارة وانا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلمه من بعدهم ان عثر عليهم- فلما قرءووه عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم اية البعث فيهم ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه- ثم دخلوا على الفتية الى الكهف فوجدوهم جلوسا بين ظهريه سفرة وجوههم لم تبل ثيابهم فخرّ اريوس وأصحابه سجودا وحمدوا لله الذي أراهم اية من آياته ثم كلم بعضهم بعضا وانبأهم الفتية عن الذين لقوا من ملكهم دقيانوس- ثم ان اريوس وأصحابه بعثوا بريدا الى ملكهم الصالح بيدوسيس ان اعجل لعلك تنظر الى آية من آيات الله جعلها الله على ملكك وجعلها اية للعالمين لتكون لهم نورا وضياء وتصديقا للبعث- فاعجل الى فتية بعثهم الله عزّ وجل وقد كان توفّاهم اكثر من ثلاث مائة سنين- فلما اتى الملك الخبر قام فرجع اليه عقله وذهب همه فقال أحمدك رب السموات والأرض وأعبدك واسبح لك تطولت علىّ ورحمتنى ولم تطف النور الذي كنت جعلته لآبائي وللعبد الصالح قسطيطينوس الملك فلمّا نبّابه اهل المدينة كبوا اليه وساروا معه حتى أتوا مدينة أفسوس وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف- فلمّا راى الفتية بيدوسيس فرحوا به وخرّوا سجدا على وجوههم- وقام بيدوسيس قدامهم ثم اعتنقهم وركا وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون ويحمدونه- ثم قال الفتية لبيدوسيس نستودعك الله والسّلام عليك ورحمة الله وحفظك الله وحفظ ملكك ونعيذك بالله من شر الجن والانس- فبينما الملك قائم إذ رجعوا الى مضاجعهم فناموا وتوفى الله أنفسهم- وقام الملك إليهم وجعل ثيابهم عليهم وامر ان يّجعل كل رجل منهم فى تابوت من ذهب فلمّا امسى ونام أتوه فقالوا له انا لم نخلق من ذهب ولا فضة ولكن خلقنا من تراب والى التراب

[سورة الكهف (18) : آية 11]

نصير فاتركنا كما كنا فى الكهف على التراب حتى يبعثنا الله منه فامر الملك حينئذ بتابوت من ساج وحجبهم الله حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد أن يدخل عليهم- وامر الملك فجعل على باب الكهف مسجدا يصلى فيه وجعل لهم عيدا عظيما وأمران يؤتى كل سنة- وقيل ان تمليخا لمّا حمل الى الملك الصّالح قال الملك من أنت- قال انا رجل من اهل هذه المدينة وذكر انه خرج أمس او منذ ايام وذكر منزله وأقواما لم يعرفهم أحد- وكان الملك قد سمع ان فتية فقدوا فى الزمان الاول وان اسماء هم مكتوبة على اللوح فى الخزانة فدعا اللوح ونظر فى اسمائهم فاذا هو من أولئك القوم- وذكر اسماء الآخرين فقال تمليخا هم أصحابي- فلما سمع الملك ذلك ركب هو ومن معه من القوم فلمّا أتوا باب الكهف قال تمليخا دعونى حتى ادخل على أصحابي فابشّر هو فانّ هم ان رايكم معى دعبتموهم- فدخل فبشّرهم فقبض الله أرواحهم وأعمى عليهم اثرهم- فلم يهتدوا إليهم وذلك قوله عز وجل إذ أوى الفتية الى الكهف الى قوله. فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ اى ضربنا حجابا على مسامعهم يمنع نفوذ الأصوات فيها وهو النوم اى أنمناهم نوما لا ينبههم الأصوات- فحذف المفعول كما حذف فى قوله بنى على امرأته فِي الْكَهْفِ سِنِينَ ظرفان لضربنا عَدَداً اى ذوات عدد وصف به السنين ليدل على الكثرة فان القليل لا يعد عادة....... ثُمَّ بَعَثْناهُمْ اى أيقظناهم لِنَعْلَمَ اى ليتعلق علمنا تعلقا حاليا مطابقا لتعلقه اولا تعلقا استقباليا...... أَيُّ الْحِزْبَيْنِ اى الطائفتين أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) اى غاية- اىّ مبتدأ واحصى خبره وهو فعل ماض وأمدا مفعوله ولما لبثوا حال منه وما مصدرية وما فى اىّ من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم والمعنى ايّهم ضبط أمدا كائنا لزمان لبثهم- وقيل اللام زائدة وما لبثوا مفعول لاحصى وهو فعل ماض وما موصولة وأمدا تميز- وقيل احصى اسم تفضيل من الإحصاء بحذف الزوائد كقولهم حصى للمال وأفلس من ابن المدلف- وأمدا نصب لفعل دل عليه كقوله واضرب بالسيوف القوانسا-. نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ اى خبر اصحاب الكهف بِالْحَقِّ متلبسا بالصدق إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ اى شبّان جمع فتى كصبى وصبية..... آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) ايمانا وبصيرة يعنى أعطيناهم ايمانا حقيقيّا يحصل بعد فناء النفس فوق الايمان المجازى الذي هو الإقرار باللسان والتصديق بالقلب مع طغيان النفس وكفرانه. وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ

[سورة الكهف (18) : آية 15]

بالصبر على هجر الوطن والأهل والمال والجرأة على اظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار- وذلك بفناء القلب حتى تمكن فيه حب الله وهيبة وخشيته وتخلى عن ملاحظة غيره من الخلائق فصار الناس عنده كالاباعر إِذْ قامُوا بين يدى دقيانوس حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام فَقالُوا مفتخرين رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً اى إذا أشركنا بالله الها اخر شَطَطاً (14) اى قولا ذا شطط اى تجاوز عن القدر والحد وتباعد عن الحق مفرط فى الظلم من شط يشط إذا بعد. هؤُلاءِ مبتدأ قَوْمُنَا عطف بيان له اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ اى من دون الله آلِهَةً يعنى الأصنام يعبدونها والجملة خبر للمبتدا اخبار فى معنى الإنكار لَوْلا هلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ اى على عبادتهم فحذف المضاف بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ اى ببرهان ظاهر فان الدين لا يؤخذ الا بالبرهان والظن والتقليد لا يجوز اتباعه فى العقائد- وفيه تبكيت فان اقامة البرهان على عبادة الأوثان محال فَمَنْ اى لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) وزعم ان له شريكا وولدا فان الافتراء على كل أحد ظلم فكيف على الله تعالى- ثم قال بعضهم لبعض حين تصمموا على الفرار بدينهم. وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ يعنى قومكم وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ عطف على الضمير المنصوب اى إذ اعتزلتم القوم ومعبوديهم الا الله فانهم كانوا يعبدون الله والأصنام كسائر المشركين ويجوز ان يكون ما مصدرية يعنى وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم الا عبادة الله ويجوز ان يكون نافية على انه اخبار من الله عن الفتية بالتوحيد معترض بين إذا وجوابه لتحقيق اعتزالهم فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ اى صيروا اليه واتخذوه مسكنا كيلا يجاوركم الكفار يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ اى ليبسط لكم الرزق ويوسع عليكم فى الدارين مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) بكسر الميم وفتح الفاء اسم فمعز الدولة- اى ما يرتفق اى ينتفع به جزموا بذلك لقوة وثوقهم بفضل الله- وقرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر مرفقا بفتح الميم وكسر الفاء وهو مصدر من الأوزان الشاذة كالمرجع والمحيض وقياسه فتح العين. وَتَرَى الشَّمْسَ لو رايتهم الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم او لكل أحد إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ قرأ ابن عامر ويعقوب تزورّ بإسكان الزاء المنقوطة وتشديد

[سورة الكهف (18) : آية 18]

الراء المهملة على وزن تحمرّ من الافعلال- والكوفيون بفتح التاء والزاء مخففا والف بعدها والباقون بالزاء المنقوطة المشددة والف بعدها واصله تتزاور من التفاعل فحذف الكوفيون احدى التاءين والباقون ادغموها فى الزاء- وكلها من الزور بمعنى الميل يعنى تميل عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ اى جهة اليمنى تقديرة الجهة ذات اسم اليمين فلا يقع عليهم شعاعها وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ اى تقطعهم يعنى تتركهم وتعدل عنهم ذاتَ الشِّمالِ يعنى يمين الكهف وشماله وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ اى متسع من الكهف يعنى فى وسطه بحيث ينالهم روح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس- قال ابن قتيبة كان كهفهم مستقبل بنات النعش فاقرب المشارق والمغارب الى محاذاته مشرق راس السرطان ومغربه- والشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مقابله بجانب اليمين وهو الذي يلى المغرب وتغرب محاذيه بجانب الأيسر فيقع شعاعها على جنبتيه ويقلل عفونته ويعدل هواه ولا يقع عليهم شعاعها فيوذى أجسادهم ويبلى ثيابهم- وقال بعض العلماء هذا القول خطأ وهو ان كان الكهف مستقبل بنات النعش ولاجل ذلك كان كما ذكر- ولكن الله صرف الشمس عنهم يقدرته وحال بينها وبينهم بدليل قوله تعالى ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ اى من عجائب صنعه ودلالات قدرته التي يعتبر بها- ويمكن ان يقال ان ذلك يعنى شأنهم وايواءهم الى كهف كذلك واخبارك قصتهم من آيات الله مَنْ يَهْدِ اللَّهُ بالتوفيق فَهُوَ الْمُهْتَدِ قرأ نافع وابو عمرو بالياء وصلا والباقون يحذفونها فى الحالين يعنى فهو الذي أصاب الفلاح والمراد به اما الثناء عليهم او التنبيه على ان أمثال هذه الآيات كثيرة لكن المنتفع بها من وفقه الله تعالى للتامل فيها والاستبصار بها وَمَنْ يُضْلِلْ اى من يخذله ولم يرشده فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) اى من يليه ويرشده. وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً جمع يقظ لانفتاح عيونهم او لكثرة تقلبهم وَهُمْ رُقُودٌ نيام جمع راقد كقاعد وقعود وَنُقَلِّبُهُمْ فى رقدتهم من غير إرادتهم ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ اى مرة للجنبة ذات اسم اليمين ومرة للجنبة ذات اسم الشمال- قال ابن عباس كانوا يتقلبون فى السنة مرة من جانب الى جانب لئلا تأكل الأرض لحومهم «1» - قيل كان يوم عاشوراء يوم تقلبهم- وقال ابو هريرة كان لهم كل سنة لقليبا وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ حكاية حال ماضية ولذلك اعمل اسم الفاعل

_ (1) وفى الأصل لحومها 12

[سورة الكهف (18) : آية 19]

وأجاز الكوفيون اعمال اسم الفاعل مطلقا قال مجاهد والضحاك الوصيد فناء الكهف وقال عطاء الوصيد عتبة الباب وقال السدى الوصيد الباب وهى رواية عكرمة عن ابن عباس قال اكثر اهل التفسير انه كان من جنس الكلاب- وروى عن ابن جريج انه كان أسدا ويسمى الأسد كلبا- فان النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن ابى لهب فقال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الأسد والاول المعروف قال ابن عباس كان كلبا انمر ويروى عنه فوق العلطى ودون الكردي وقال مقاتل كان أصغر وقال القرطبي كانت شدة صفرته تضرب الى الحمرة وقال الكلبي لونه كالخليج وقيل لون الحجر- قال ابن عباس اسمه قطمير وعن على عليه السّلام اسمه زبان وقال الأوزاعي اسمه تقور وقال السدى ثور وقال كعب صهبا- قال خالد بن معدان ليس فى الجنة شىء من الدواب سوى كلب اصحاب الكهف وحمار بلغام- قال السدى كان اصحاب الكهف إذا انقلبوا انقلب الكلب معهم فاذا انقلبوا الى اليمين كسر الكلب اذنه اليمنى ورقد عليها- وإذا انقلبوا الى الشمال كسر اذنه اليسرى ورقد عليها لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ فنظرت إليهم يا محمد لَوَلَّيْتَ اى لهربت منهم فِراراً منصوب على المصدرية لانه نوع من التولية او على العليّة او على الحال اى فارا وَلَمُلِئْتَ قرأ نافع وابن كثير بتشديد اللام والباقون بتخفيفها مِنْهُمْ رُعْباً اى خوفا برعب اى يملا صدرك قيل من وحشة المكان وقال الكلبي لان أعينهم كانت مفتحة كالمستيقظ الذي يريد ان يتكلم- وقيل لكثرة شعورهم وطول اظفارهم وتقلبهم من غير حس ولا اشعار- وقيل ان الله منعهم بالرعب لئلا يدخل عليهم أحد وهو الصحيح المختار- يدل عليه ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال غزونا مع معاوية رضي الله عنه غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه اصحاب الكهف- فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عباس قد منع ذلك من هو خير منك فقال لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارا- فلم يسمع معاوية وبعث ناسا فقال اذهبوا فانظروا- فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فاحرقتهم- أخرجه ابن ابى شيبة وابن المنذر وابن ابى حاتم-. وَكَذلِكَ اى كما أنمناهم فى الكهف وحفظنا أجسادهم من البلى على طول الزمان بَعَثْناهُمْ من تلك النومة الطويلة المشبهة بالموت اية على كمال قدرتنا لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ اى ليتساءل بعضهم بعضا فيتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم

[سورة الكهف (18) : آية 20]

فيزدادوا يقينا على كمال قدرة الله تعالى- ويستبصروا به امر البعث ويشكروا ما الغم به عليهم فعلى هذا اللام لام العلة وقال البغوي اللام لام العاقبة لانهم لم يبعثوا للسوال قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ وهو رئيسهم مكسلمينا كَمْ لَبِثْتُمْ فى نومكم وذلك انهم استكثروا طول نومهم- ويقال انهم راعهم ما فاتهم من الصلوات فقالوا ذلك قالُوا لَبِثْنا يَوْماً وذلك انهم دخلوا الكهف غدوة وانتبهوا عشيّة فقالوا لبثنا يوما- ثم نظروا وقد بقيت من الشمس بقية فقالوا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وهذا الجواب مبنى على غالب الظن وفيه دليل على ان القول بغالب الظن جائز- فلما نظروا الى شعورهم واظفارهم علموا انهم لبثوا دهرا قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ وقيل ان رئيسهم مكسلمينا لما سمع الاختلاف قال دعوا الاختلاف فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ يعنى تمليخا..... بِوَرِقِكُمْ قرأ ابو عمرو وحمزة وأبو بكر ساكنة الراء والباقون بكسرها ومعناهما واحد وهى الفضة مضروبة كانت او غير مضروبة هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قيل هى طرطوس وكان اسمها في الجاهلية أفسوس فسموها فى الإسلام طرطوس- وفى حملهم الورق معهم دليل على ان التزود رأى المتوكلين فَلْيَنْظُرْ أَيُّها اى اىّ أهلها بحذف المضاف أَزْكى طَعاماً اى احلّ طعاما حتى لا يكون من غصب او سبب حرام وقيل أمروه ان يطلب ذبيحة من يذبح لله وكان فيهم مؤمنون يخفون ايمانهم- وقال الضحاك أطيب طعاما وقال مقاتل بن حبان أجود وقال عكرمة اكثر واصل الزكوة الزيادة وقيل أرخص طعاما فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ اى ليتكلف فى اللطف فى المعاملة حتى لا يغبن او فى التخفّي حتى لا يعرف وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19) من الناس اى لا يفعلن ما يؤدى الى الشعور بنا من غير قصد منه فسمى ذلك اشعارا منه بهم لانه سبب فيه والضمير فى إِنَّهُمْ راجع الى الأهل المقدر فى ايّها. إِنْ يَظْهَرُوا اى يطلعوا عَلَيْكُمْ او يظفروا بكم يَرْجُمُوكُمْ يقتلوكم بالرجم أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ اى يصيّروكم إليها كرها فالعود بمعنى الصيرورة وقيل هو بمعناه وكانوا اولا فى دينهم فامنوا وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً اى إذا دخلتم فى ملتهم أَبَداً (20) . وَكَذلِكَ اى كما أنمناهم وبعثناهم ليزداد وبصيرة أَعْثَرْنا اى اطلعنا الناس يقال عثرن على الشيء إذا اطلعت عليه واعثرت غيرى اى اطلعته عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا اى ليعلم الذين

اطلعنا هو على حالهم أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث بعد الموت حَقٌّ لان نومهم وانتباهم كحال من يموت ثم يبعث وَأَنَّ السَّاعَةَ اى القيامة الموعودة لا رَيْبَ فِيها اى فى إمكانها فان من توفّى نفوسهم وأمسكها ثلاث مائة سنين حافظا أبدانها من التحلل والتفتت ثم أرسلها إليها قادر على ان يتوفّى نفوس جميع الناس ممسكا إياها الى ان يحشر أبدانها فيرد عليها إِذْ يَتَنازَعُونَ ظرف لاعثرنا اى أعثرنا عليهم حين كان الناس يتنازعون بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ اى بين امر دينهم قال عكرمة تنازعوا فى البعث فقال قوم للارواح دون الأجساد- وقال المسلمون البعث للارواح والأجساد جميعا- فبعثهم الله وأراهم ان البعث للارواح والأجساد جميعا- او فى امر الفتية حين أماتهم ثانيا بالموت فقال بعضهم ماتوا وقال بعضهم ناموا نومهم أول مرة- وقال ابن عباس تنازعوا فى البنيان قال المسلمون نبنى عندهم مسجدا لانهم كانوا على ديننا وقد ماتوا مسلمين وقال المشركون نبنى عليهم بنيانا يسكنه الناس ويتخذونه قرية- او على باب كهفهم بنيانا يمنع الناس عن التطرق إليهم ضنّا بتربتهم لانهم من اهل نسبنا كما قال الله تعالى فَقالُوا اى المشركون من اهل القرية ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ اى المسلمون بيدوسيس وأصحابه فانهم كانوا اصحاب ملك وثروة وحكومة حينئذ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) يصلى فيه المسلمون ويتبركون بهم- وقوله ربّهم اعلم بهم الظاهر انه اعتراض من الله تعالى ردّا على الخائضين فى أمرهم فان كلّا من الفريقين انتسبوا أنفسهم إليهم وهم براء من الكفر وأربابها ولم يكونوا من عوام المؤمنين ايضا وان كانوا منهم فان الصوفي كائن بائن قال الفاضل الرومي هر كسى در ظن خود شد يار من ... واز درون من نجست اسرار من وقيل انه من كلام المتنازعين كانهم تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام فى أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم- فلمّا لم يهتدوا الى حقيقة ذلك قالوا ربّهم اعلم بهم- (مسئلة) هذه الاية تدل على جواز بناء المسجد ليصلى فيه عند مقابر اولياء الله قصدا للتبرك بهم وقد كان الشيخ الأستاذ محمد فاخر المحدث رحمه الله يكره ذلك مستدلا بما رواه مسلم عن ابن الهياج الأسدي قال قال لى علىّ الا أبعثك على ما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وان لا تدع تمثالا الا طمسته ولا

[سورة الكهف (18) : آية 22]

قبرا مشرفا الا سوّيته- وما روى مسلم عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يجصص القبر وان يبنى عليه وان يقعد عليه- وما روى الشيخان عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم قالا لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اغتم كشفها عن وجهه ويقول وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد- قالت يحذّر مثل ما صنعوا قلت هذه الأحاديث تدل على كراهة تجصيص القبور والبناء عليها وجعل القبور مشرفة- ولا دلالة لها على كراهة بناء المسجد بقرب منها- ومعنى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد انهم يسجدون الى القبور- كما هو صريح فى حديث ابى مرثد الغنوي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها- رواه مسلم. سَيَقُولُونَ اى المتنازعون فى عدد الفتية فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ اى جاعلهم اربعة بانضمامه إليهم وثلاثة خبر مبتدأ محذوف اى هم ثلاثة وجملة رابعهم كلبهم صفة لثلاثة وكذا ما بعده وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ لم يذكر بالسين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه قال البغوي روى ان السيد والعاقب وأصحابها من نصارى نجران كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجرى ذكر اصحاب الكهف فقال السيد وكان يعقوبيّا كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم- وقال العاقب وكان نسطوريّا كانوا خمسة سادسهم كلبهم فرد الله عليهم قولهم بقوله رَجْماً بِالْغَيْبِ منصوب على المصدريّة بفعل مقدر يعنى يرجمون رجما ويرمون رميا بالخبر الغائب عنهم يعنى ليس فى خزانة علمهم ذلك- او على العلية متعلق بقوله يقولون ومعنى رجما ظنّا وضع الرجم موضع الظن لانهم يقولون كثيرا رجم بالظن مكان قولهم ظن حتى لم يبق بينهم فرق بين العبارتين كذا قال فى المدارك يعنى ليس اخبار الفريقين مستندا الى علم مطابقا للواقع وَيَقُولُونَ يعنى المسلمين بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وعن جبرئيل سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ادخل الواو على الجملة الواقعة صفة للنكرة تشبيها لها بالواقعة حالا من المعرفة لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على ان اتصافه ثابت- وقيل هذه واو الثمان وذلك ان العرب يعدّ فيقول واحد اثنان ثلاثة اربعة خمسة ستة سبعة وثمانية لان العقد كان عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة ومنه قوله تعالى التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ- وقوله تعالى فى ازواج النبي صلى الله عليه وسلم عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً-

[سورة الكهف (18) : الآيات 23 إلى 24]

قال الله تعالى قُلْ رَبِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ اى بعددهم ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ 5 منهم اى من النصارى- او الا قليل من الناس وهم المسلمون قال ابن عباس انا من ذلك القليل كانوا سبعة- رواه ابن جرير والفرياني وغيرهما عنه- وكذا روى ابن ابى حاتم عن ابن مسعود انهم سبعة ثامنهم كلبهم- قال البيضاوي ان الله تعالى اثبت العلم بهم لطائفة بعد ما حصر اقوال الطوائف في الثلاثة المذكورة- فان عدم إيراد القول الرابع في نحو هذا المحمل دليل على العدم مع ان الأصل نفيه- وبعد ما رد القولين الأولين ظهر ان الحق هو القول الثالث وقال البغوي روى عن ابن عباس انه قال هم مكسلمينا وتمليخا ومرطونس وسنونس وسارينونس وذو نواس وكعسططيونس وهو الراعي- رواه الطبراني في معجمه الأوسط بإسناد صحيح عنه قال ابن حجر في شرح البخاري في النطق بها اختلاف كثير ولا يقع الوثوق من ضبطها بشيء فَلا تُمارِ فِيهِمْ اى لا تجادل في شأن الفتية وعددهم إِلَّا مِراءً ظاهِراً اى جدالا بظاهر ما قصصنا عليك من غير تجهيل لهم ولا تعمق فيه إذ لا فائدة في ذلك الجدال وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ اى في شان اصحاب الكهف وعددهم مِنْهُمْ اى من اهل الكتاب أَحَداً (22) اى لا تسئل عن قصتهم سوال مستعلم فان فيما اوحى إليك لمندوحة عن غيره مع انهم لا علم لهم بها- وايضا لا فائدة لك في زيادة العلم بأحوالهم- ولا سوال متعنت تريد تفضيح المسئول عنه وتزئيف ما عنده- فانه مخل لمكارم الأخلاق والله اعلم- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال حلف النبي صلى الله عليه وسلم على يمين فمضى له أربعون ليلة فانزل الله تعالى. وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ واخرج ابن المنذر عن مجاهد انه قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح وعن اصحاب الكهف وذى القرنين- فسالوه فقال ايتوني غدا أخبركم ولم يستثن فابطا عنه الوحى بضعة عشر يوما- حتى شق عليه وكذّبته قريش فانزل الله هذه الاية- وقد ذكر في أوائل السورة ما اخرج ابن جرير نحوه- وكذا ذكرنا في سورة بنى إسرائيل في تفسير قوله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ والاستثناء استثناء من النهى- اى لا تقولنّ لاجل شيء تعزم عليه انّى فاعل ذلك الشيء فيما يستقبل من الزمان الّا ان يشاء الله- يعنى لا تقولنّ في حال من الأحوال الا متلبسا بمشيته اى الّا قائلا ان شاء الله: او في وقت من الأوقات الا وقت مشيّته ان تقوله بمعنى الا وقت ان يأذن لك

فيه- وذلك الوقت انما هو وقت قولك ان شاء الله معه- وليس الاستثناء متعلقا بقوله انّى فاعل لانه لو قال انى فاعل كذا الا ان يشاء الله- كان معناه الا ان يعترض مشية الله دون فعلى وذلك لا مدخل فيه للنهى- وهذا نهى تأديب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وَاذْكُرْ رَبَّكَ بالتسبيح والاستغفار إِذا نَسِيتَ الاستثناء فيه حثّ وتأكيد على الاهتمام في إتيان الاستثناء على كل عزم- او المعنى واذكر ربّك وعقابه إذا تركت بعض ما أمرك به ليعينك على التدارك- او المعنى إذا نسيت شيئا فاذكره ليذكّرك المنسى- وقال عكرمة معنى الاية واذكر ربّك إذا غضبت قال وهب مكتوب في الإنجيل ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين اغضب وقال الضحاك والسدىّ هذا في الصلاة عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسى صلوة فليصلّها إذا ذكرها- رواه البغوي وفي الصحيحين وعند احمد والترمذي والنسائي بلفظ من نسى صلوة او نام عنها فكفارتها ان يصليها إذا ذكرها- وعن ابى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن وتره او نسيه فليصله إذا ذكره- رواه احمد والحاكم وصححه وقال ابن عباس ومجاهد والحسن معناه إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت فاستثن- ومن هاهنا جوزوا تأخير الاستثناء ولو بعد سنة ما لم يحنث أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني والحاكم عن ابن عباس ويؤيد قولهم ما اخرج ابن مردوية عن ابن عباس انه قال لما نزل هذه الاية قال عليه السلام ان شاء الله وعامة الفقهاء على خلافه فان الكلام الغير المستقل إذا كان مغيرا لمعنى كلام اخر كالشرط والاستثناء والغاية والبدل بدل البعض لا بد ان يكون متصلا به- إذ لو صح الاستثناء ونحو ذلك منفصلا لم يتقرر اقرار ولاطلاق ولا اعتاق ولا يعلم صدق ولا كذب- حكى انه بلغ المنصور ان أبا حنيفة خالف ابن عباس رضي الله عنه في الاستثناء المنفصل- فاستحضره لينكر عليه فقال ابو حنيفة هذا يرجع عليك انك تأخذ البيعة بالطاعة أفترضى ان يخرجوا من عندك فليستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن كلامه وامر الطاعن فيه بإخراجه من عنده- وما روى من قوله صلّى الله عليه وسلم ان شاء الله عند نزول هذه الاية ليس استثناء متعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم وايتوني غدا أخبركم يعنى عن اصحاب الكهف والروح وذى القرنين- بل هو استثناء متعلق بمقدر تقديره لا اترك الاستثناء ان شاء الله تعالى فيما أقول في ثانى الحال انى فاعل ذلك غدا والله اعلم-

[سورة الكهف (18) : آية 25]

وقالت الصوفية العلية ان معنى الاية واذكر ربّك إذا نسيت ما عداه- قالوا ذكر الله سبحانه دائما لا يتصوما لم يحصل لقلبه نسيان عما سواه لان قلب الإنسان يشغله شأن عن شأن وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه- فالذكر الدائم الّذي لا يقع فيه فتور لا يتصور ما لم يحصل لقلبه نسيان دائمى عما سواه وهذه الحالة يعبّر عندهم بفناء القلب واما الذكر الّذي يعقبه غفلة فلا يعتدون به- والقلب يذكر تارة ويغفل عنه ويذكر غيره اخرى لا يسمى عندهم موحدا- وهذا التأويل انسب بمنطوق الكتاب وأوفق للعربية وابعد من التجوز لان قوله إذا نسيت ظرف لا ذكر والظرفية الحقيقية ان يكون الذكر في وقت النسيان- ولا شك ان وقت الذكر مغائر لوقت النسيان على سائر التأويلات السابقة - فلا يكون الظرفية على تلك التأويلات الا مجازا والحمل على الحقيقة اولى- وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ قرأ نافع وابو عمرو بالياء وصلا فقط وابن كثير بالياء في الحالين والباقون يحذفوها فيهما أي يهدنى رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا المنسى رَشَداً (24) اى خيرا وصلاحا عطف على اذكر- يعنى إذا نسيت الاستثناء او شيئا مما أمرك الله بإتيانه فاذكر الله بالتسبيح والاستغفار واستعنه وقل عسى ان يهدين ربّى لشيء اخر أفضل من هذا المنسى واقرب منه رشدا- او ذلك الندم والتوبة والاستغفار مع القضاء وقيل ان القوم لمّا سالوه عن قصة اصحاب الكهف على وجه العناد امره الله عزّ وجلّ ان يخبرهم بان الله سيؤتيه من الحجج على صحة نبوته ما هو ادلّ من قصة اصحاب الكهف- وقد فعل حيث أتاه علم غيب المرسلين وعلم ما كان وما يكون ما هو أوضح في الحجة واقرب الى الرشد من خبر اصحاب الكهف- وقال بعضهم هذا شيء امر الله رسوله ان يقوله مع قوله ان شاء الله لا اترك الاستثناء ابدا إذا ذكر الاستثناء بعد النسيان- يعنى إذا ترك الإنسان ان شاء الله ناسيا ثم ذكره فتوبته من ذلك ان يقول عسى ان يهدين ربّى لاقرب من هذا رشدا- وعلى تأويل الصوفية فمعنى الاية واذكر ربّك إذا نسيت غيره وقل عسى ان يهدين ربّى اى يوصلنى لشيء هو اقرب من هذا الذكر رشدا وهو ذات الله سبحانه الّذي هو اقرب من حبل الوريد. وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ يعنى لبثوا اصحاب الكهف احياء مضروبا على آذانهم- وهذا بيان من الله تعالى لما أجمله من قبل حيث قال فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا- وقيل هذا خبر عن اهل الكتاب انهم قالوا ذلك- ولو كان خبرا من الله تعالى عن قدر لبثهم لم يكن لقوله قل الله اعلم بما لبثوا وجه وهذا قول قتادة- و

[سورة الكهف (18) : آية 26]

يدل عليه قراءة ابن مسعود- وقالوا لبثوا في كهفهم- ثم رد الله عليهم بقوله قل الله اعلم بما لبثوا- والاول أصح واما قوله قل الله اعلم بما لبثوا معناه ان الأمر في مدة لبثهم كما ذكرنا فان نازعوا في فيها فاجبهم قل الله اعلم منكم بما لبثوا وقد اخبر بمدة لبثهم- وقيل ان اهل الكتاب قالوا ان المدة من وقت دخولهم الكهف الى زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه- فرد الله عليهم وقال قل الله اعلم بما لبثوا يعنى بعد قبض أرواحهم الى يومنا هذا مضى زمان الله اعلم به ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ قرأ حمزة والكسائي بالاضافة بغير تنوين على مائة- على وضع الجمع في التميز موضع المفرد كما في قوله الأخسرين أعمالا- قال الفراء من العرب من يضع سنين موضع سنة- وقرأ الباقون ثلاثمائة بالتنوين فسنين على هذا بدل من ثلاثمائة او عطف بيان- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس وابن جرير عن الضحاك قالا نزلت ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة فقيل يا رسول الله سنين أم شهورا فانزل الله تعالى سنين وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قال الكلبي قالت نصارى نجران اما ثلاث مائة فقد عرفنا واما التسع فلا علم لنا به فنزلت. قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وقال البغوي روى عن علّى عليه السّلام انه قال عند اهل الكتاب انهم لبثوا ثلاث مائة سنة شمسية والله تعالى ذكر ثلاث مائة قمرية والتفاوت بين الشمسية والقمرية في كل مائة سنة ثلاث سنين فيكون في ثلاث مائة تسع سنين فلذلك قال وازدادوا تسعا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى مختص به تعالى ما غاب من غيره في السموات والأرض أَبْصِرْ بِهِ اى بالله تعالى وَأَسْمِعْ ذكر كماله تعالى في الابصار والسمع بصيغة التعجب للدلالة على ان امره تعالى في الإدراك خارج عما عليه ادراك السامعين والمبصرين إذ لا يحجبه شيء- ولا يتفاوت دونه لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفى وجلى ما لَهُمْ ما لاهل السموات والأرض مِنْ دُونِهِ اى من دون الله مِنْ وَلِيٍّ ينصرهم ويتولى أمرهم وَلا يُشْرِكُ قال البغوي قرأ ابن عامر لا تشرك بالتاء على الخطاب والنهى ولم يذكر الداني في التيسير خلاف ابن عامر- وقرأ الجمهور بالياء اى لا يشرك الله فِي حُكْمِهِ اى في قضائه او في امره ونهيه أَحَداً (26) منهم ولا يجعل لاحد فيه مدخلا- وقيل الحكم هاهنا بمعنى علم الغيب اى لا يشرك في علم غيبه أحدا- ثم لمّا دل اشتمال القران على قصة اصحاب الكهف من حيث انها من المغيبات بالاضافة الى الرسول صلى الله عليه وسلم على انه وحي معجز- امره بان يداوم درسه ويلازم أصحابه فقال. وَاتْلُ ما

[سورة الكهف (18) : آية 28]

أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ اى القران واتبع ما فيه ولا تلتفت الى قولهم ايت بقرآن غير هذا او بدّله فانه لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يعنى لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره- وقيل معناه لا مغير لما أوعد بكلماته اهل معصية وَلَنْ تَجِدَ أنت يا محمد مِنْ دُونِهِ ان لم تتبع القران مُلْتَحَداً (27) قال ابن عباس حرزا وقال الحسن مدخلا وقيل مهربا وأصله من الميل-. وَاصْبِرْ نَفْسَكَ يا محمد اى احبسها وثبتها- قال البغوي هذه الاية نزلت في عيينة بن حصير الفزاري اتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يسلم- وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان وعليه شملة قد عرق فيها ويبده خرصة يشقها ثم ينسجها- قال عيينة للنبى صلى الله عليه وسلم اما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر واشرافها فان اسلمنا اسلم الناس وما يمنعنا عن اتباعك الا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك او اجعل لنا مجلسا ولهم مجلسا- فانزل الله تعالى واصبر نفسك مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ قرأ ابن عامر بضم الغين وسكون الدال وواو مفتوحة- والباقون بفتح الغين والدال والف بعدها وَالْعَشِيِّ اى في جميع أوقاتهم او في طرفى النهار يُرِيدُونَ بعبادتهم إياه وَجْهَهُ لفظ الوجه مقحم كما في قوله تعالى ويبقى وجه ربّك- والمعنى يريدون الله لا شيئا اخر من الدنيا والاخرة- قال قتادة نزلت في اصحاب الصفة وكانوا سبع مائة رجل فقراء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرجعون الى زرع ولا ضرع ولا تجارة- يصلون صلوة وينتظرون اخرى- فلما نزلت لهذه الاية قال النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الّذي جعل في أمتي من امر ربّى ان اصبر معهم- وقد ذكرنا بعض ما ورد في سبب نزول هذه الاية في سورة الانعام في تفسير قوله تعالى ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم الاية وَلا تَعْدُ اى لا تصرف عَيْناكَ عَنْهُمْ الى غيرهم تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا حال من الكاف اى تصرف عيناك حال كونك تطلب مجالسة الأغنياء ومصاحبة اهل الزينة من الدنيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا قال البغوي يعنى عيينة بن حصين- وقيل امية بن خلف اخرج ابن مردوية من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في هذه الاية قال نزلت في امية بن خلف الجمحي- وذلك انه دعا النبي صلى الله عليه وسلم الى امر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد اهل مكة فنزلت- واخرج ابن ابى حاتم عن الربيع قال حدثنا ان النبي صلى الله عليه وسلم تصدّى لامية بن خلف وهوساه غافل

[سورة الكهف (18) : آية 29]

عما يقال له فنزلت- واخرج ابن بريدة قال دخل عيينة بن حصين على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده سلمان فقال عيينة إذا نحن اتيناك فاخرج هذا فنزلت ولا تطع من أغفلنا قلبه اى جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا وَاتَّبَعَ هَواهُ فى دعائك الى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش- وفيه تنبيه على ان الداعي له الى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن ذكر الله سبحانه- وانهما له في لذات الدنيا- حتى خفى عليه ان الشرف بتزكية النفس عن الرذائل وتصفية القلب وتنويرها بنور المعرفة لا بزينة الجسد وانه من أطاعه كان مثله في الغفلة والغباوة- والمعتزلة لما لم يجوّزوا نسبة الاغفال الى الله تعالى قالوا معنى أغفلنا وجدناه غافلا او نسبناه الى الغفلة او هو من قبيل اغفل ابله اى تركها بغير سمة- واهل السنة السنية جعلوا مجموع النسبتين في قوله تعالى أغفلنا وقوله واتّبع هويه دليلا على الأمر بين الامرين لاجبر ولا تفويض وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) قال البغوي قال قتادة ومجاهد اى ضياعا- وقيل معناه ضيع امره وعطل أيامه- وقيل ندما وقال مقاتل بن حبان سرفا- وقال الفراء منزوكا- وقيل باطلا- وقيل مخالفا للحق- وقال الأخفش مجاوزا للحد- وقال البيضاوي متقدما على الحق تاركا له وراء ظهره- يقال فرس فرط اى متقدما للخيل ومنه الفرط. وَقُلِ يا محمد الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ مبتدأ وخبر يعنى الحق ما حقه الله لا ما يقتضيه الهوى ويجوز ان يكون الحق خبر مبتدأ محذوف ومن ربكم حالا يعنى الإسلام او القران هو الحق كائنا من ربكم فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ صيغة تخيير استعمل للتهديد والوعيد كانه جواب لما قال عيينة للنبى صلى الله عليه وسلم اما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر واشرافها فان اسلمنا اسلم الناس وما يمنعنا عن اتباعك الا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك ومعناه الحق كائن من ربك والله يأمر بصبر النفس والمجالسة مع هؤلاء وينهى عن طردهم فان شئتم أمنوا وان شئتم فاكفروا لا أبالي بايمان من أمن منكم ولا بكفر من كفر منكم- فان نفع الايمان ومضرة الكفر انما يعود إليكم إِنَّا أَعْتَدْنا هيّئنا لِلظَّالِمِينَ اى الكافرين ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها السرادق الحجرة يطيف بالفساطيط قال في النهاية هو كل ما أحاط بشيء من حائط او مضرب او خباء- قالوا هو لفظ مفرد معرب إذ ليس في كلامهم اسم مفرد ثالثه الف وبعده حرفان وجاز ان يكون جمع سردق- روى احمد والترمذي والحاكم وصححه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله

[سورة الكهف (18) : آية 30]

عليه وسلم قال سرادق النار اربعة جدر كثف كل جدار أربعين سنة- قال البغوي قال ابن عباس هو حائط من نار- وقال الكلبي هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحضيرة- وقيل دخان يحيط بالكفار وهو الّذي ذكره الله انطلقوا الى ظلّ ذى ثلث شعب وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا بشدة العطش يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ اخرج احمد والترمذي وابن ابى حاتم وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى بماء كالمهل قال كعكر الزيت فاذا قرب اليه سقطت فروة وجهه فيه- وروى احمد والترمذي والنسائي والحاكم وصححه وابن جرير وابن ابى حاتم وابن المنذر وابن ابى الدنيا في صفة النار والبيهقي عن ابى امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ويسقى من ماء صديد يتجرّعه قال يقرب فيستكرهه فاذ ادنى منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه فاذا شربه قطّع امعاءه حتى يخرج من دبره- فيقول وسقوا ماء حميما فقطّع أمعاءهم- وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه- واخرج ابن ابى حاتم من طريق ابى طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى بماء كالمهل قال اسود كعكر الزيت- وقال البغوي قال ابن عباس هو ماء غليظ مثل دردى الزيت وقال مجاهد هو القيح والدم- وسئل ابن مسعود عن المهل فدعا بذهب وفضة وأوقد عليهما النار حتى ذابا ثم قال هذا أشبه شيء بالمهل يَشْوِي الْوُجُوهَ اى إذا قدم يشويها من فرط حرازته- وهو صفة ثانية لماء او حال من المهل او من الضمير في كاف التشبيه بِئْسَ الشَّرابُ المهل وَساءَتْ النار مُرْتَفَقاً (29) قال ابن عباس منزلا- وقال مجاهد مجتمعا- وقال عطاء مقرّا وقال القتيبى مجلسا واصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد فالمعنى متكئا ومستراحا وجئ به لمقابلة قوله حسنت مرتفقا والا فاى ارتفاق لاهل النار-. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) خبر ان الاولى هى الثانية بما في حيزها- والراجع محذوف تقديره من احسن عملا منهم- او مستغنى عنه لعموم من احسن عملا- كما هو مستغنى عنه في قولك نعم الرجل زيد- او واقع موقعه الظاهر فان من احسن عملا لا يحسن إطلاقه الا على الذين أمنوا وعملوا الصّالحات. أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ اى اقامة يقال عدن الماء بالمكان إذا اقام به سميت عدنا لخلود المؤمنين فيها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ

[سورة الكهف (18) : آية 32]

الْأَنْهارُ جملة أولئك استيناف لبيان الاجر- ويحتمل ان يكون هذا خبرا لانّ الاولى ويكون ان الثانية مع ما في حيزها اعتراضا- او يكون هذا خبرا ثانيا يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ جمع اسورة او أسوار في جمع سوار ومن للابتداء مِنْ ذَهَبٍ صفة لاساور ومن للبيان- والتنكير في أساور وذهب لتعظيم حسنها من الإحاطة به- اخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ان ادنى اهل الجنة حلية عدلت بحلية اهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه الله تعالى به في الاخرة أفضل من حلية اهل الدنيا جميعا واخرج ابو الشيخ في العظمة عن كعب الأحبار قال ان لله ملكا يصوغ حلى اهل الجنة من أول خلفه الى ان تقوم الساعة- ولو ان حليّا اخرج من حلى اهل الجنة لذهب بضوء الشمس وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً اخرج ابن السنى وابو نعيم كلاهما في طب النبي صلى الله عليه وسلم عن انس قال كان أحب الألوان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضرة مِنْ سُنْدُسٍ وهو مارق من الديباج وَإِسْتَبْرَقٍ وهو ما غلظ منه- قال البغوي معنى الغلظ في ثياب الجنة أحكامه- وعن عمر الحربي قال السندس هو الديباج المنسوج بالذهب- اخرج النسائي والطيالسي والبزار والبيهقي بسند حسن عن ابن عمر قال قال رجل يا رسول الله أخبرنا عن ثياب اهل الجنة.... اخلق يخلق أم سيج يسج- فضحك بعض القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ممّ نضحكون من جاهل يسئل عالما- ثم قال بل ينشق عنها ثم الجنة مرتين- واخرج البزار وابو يعلى والطبراني من حديث جابر بسند صحيح عن ابى الخير مرثد بن عبد الله قال في الجنة شجرة ينبت السندس يكون ثياب اهل الجنة مُتَّكِئِينَ فِيها اى في الجنة خص بالذكر هيئة الاتكاء لكونها هيئة المتنبعين والمملوك على الاسرة عَلَى الْأَرائِكِ وهى السر في الحجال واحدتها اريكة- اخرج البيهقي عن ابن عباس في هذه الاية قال لا يكون الأرائك حتى يكون السرير في الحجلة- فان كان سرير بغير حجلة لا تكون اريكة وان كان حجلة بغير سرير لا تكون اريكة فاذا اجتمعا كانت اريكة واخرج البيهقي عن مجاهد قال الأرائك من لؤلؤ وياقوت نِعْمَ الثَّوابُ اى نعم الجزاء الجنة ونعيمها وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) اى حسنت الجنات مجلسا ومقرّا- او حسنت الأرائك متكا. وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ الاية- قال البغوي قيل نزلت في أخوين من اهل مكة من بنى مخزوم أحدهما مؤمن وهو ابو سلمة

عبد الله بن عبد الأسود بن عبد يا ليل روكان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم والاخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسود بن عبد يا ليل وقيل هذا مثل لعيينة بن حصين وأصحابه مع سلمان وأصحابه- وشبّههما برجلين من بنى إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهودا في قول ابن عباس وقال مقاتل تمليخا- والاخر كافر واسمه قطروس وقال وهب قطفر- وهما اللذان وصفهما الله في سورة والصافات وكان قصتهما على ما حكى عبد الله بن المبارك عن معمر عن عطاء الخراسانى قال كان رجلان مشريكين لهما ثمانية آلاف دينار- وقيل كانا أخوين ورثا أباهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها فعمد أحدهما فاشترى أرضا بألف دينار فقال صاحبه اللهم ان فلانا قد اشترى أرضا بألف دينار فانى اشتريت منك في الجنة أرضا بألف دينار فتصدق بألف دينار- ثم ان صاحبه بنى دارا بألف دينار فقال اللهم ان فلانا بنى دارا بألف دينار فانى اشترى منك دارا بألف دينار في الجنة فتصدق بألف دينار ثم تزوج صاحبه امرأة فانفق عليها الف دينار فقال هذا المؤمن اللهم انى اخطب إليك من نساء اهل الجنة بألف دينار فتصدق بألف دينار- ثم اشترى صاحبه خدما ومتاعا بألف دينار فقال هذا اللهم انى اشترى منك خدما ومتاعا بألف دينار فتصدق بألف دينار- ثم انه «1» أصابته حاجة شديدة فقال لو أتيت صاحبى لعله ينالنى منه بمعروف فجلس على طريقه حتى مرّ به في حشمه فقام اليه فنظر اليه الاخر فعرفه فقال فلان قال نعم قال ما شأنك قال أصابتني حاجة بعدك فاتيت لتصيبنى بخير- فقال ما فعل مالك وقد اقتسمنا مالا وأخذت شطره فقص «2» عليه القصة فقال انك لمن المصدقين بهذا اذهب فلا أعطيك شيئا فطرده- فقضى لهما ان توفيا فنزل فيهما فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم انّى كان لى قرين يقول أإنّك لمن المصدّقين «3» . وروى انه لما اتى فاخذ بيده وجعل يطوف به ويريه اموال نفسه فنزل فيهما واضرب لهم اى للكافرين والمؤمنين مثلا رّجلين اى مثل رجلين يعنى حال رجلين مقدرين او موجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم او في الزمان السابق- فرجلين بحذف المضاف بدل من مثل وما بعده تفسير للمثل جَعَلْنا لِأَحَدِهِما اى للكافر منهما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ اى بستانين من كروم والجملة بتمامها بيان للتمثيل او صفة لرجلين وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ اى جعلنا الجنتين محفوفتين اى محاطتين بنخل يعنى جعلنا النحلة محيطة بها- يقال حفه القوم إذا احاطوا به- و

_ (1) وفي الأصل ثم ان صاحبة أصابته 12 (2) وفي الأصل فقصه عليه قصة 12 (3) وفي الأصل انك لمصدقين 12

[سورة الكهف (18) : آية 33]

حففته بهم اى جعلتهم حافين حوله محيطين به- فيزيد الباء كقولك غشيته وغشيت به وَجَعَلْنا بَيْنَهُما اى وسط الجنتين زَرْعاً (32) يعنى لم يكن بين الجنتين موضع خراب وكانت الجنتان جامعتين للاقوات والفواله على الشكل والترتيب الأنيق. كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ اى اعطت أُكُلَها اى ثمرها أفرد الضمير لافراد لفظ كلتا وَلَمْ تَظْلِمْ اى لم تنقص مِنْهُ اى من أكلها شَيْئاً يعهد في سائر البساتين فان الثمار يتم في عام وينقص في عام غالبا وَفَجَّرْنا قرأ يعقوب «1» بتخفيف الجيم والباقون بتشديدها- اى شققنا وأخرجنا خِلالَهُما اى وسطها نَهَراً (33) ليدوم شربها ويبقى زهرتها. وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ قرأ عاصم بفتح الثاء والميم وابو عمرو بضم الثاء واسكان الميم- والباقون بضمهما وكذلك في قوله وأحبط بثمره- قال الأزهري الثمرة تجمع على ثمر يعنى بفتح الثاء والميم- ويجمع الثمر على ثمار ثم يجمع الثمار على ثمر بالضمتين- وفي القاموس الثمرة محركة حمل الشجر وانواع المال- الواحدة ثمره وثمرة وجمعه ثمار وجمع الجمع ثمر وجمع جمع الجمع اثمار والذهب والفضة والنسل والولد- قيل المراد انه كان لصاحب البساتين ثمر اى انواع من المال سوى الجنتين كثيرة مثمرة من ثمر ماله إذا كثر- وقال مجاهد يعنى ذهب وفضة وقال البغوي من قرأ بفتح الثاء فهى جمع ثمرة وما يخرجه الشجر من الثمار الماكولة ومن قرأ بالضم فهى الأموال الكثيرة المثمرة فَقالَ صاحب البستانين لِصاحِبِهِ الفقير المؤمن وَهُوَ يُحاوِرُهُ اى يراجعه في الكلام من حاور إذا راجع أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) اى حشما وأعوانا وقيل أولادا ذكورا- لانهم الذين ينفرون معه يدل عليه قوله ان ترن انا أقلّ منك مالا وولدا. وَدَخَلَ الكافر جَنَّتَهُ بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها- وافراد الجنة لان الدخول يكون في واحدة واحدة- او لاتصال كل واحدة من جنتيه بالأخرى- او سماهما جنة لاتحاد الحائط وجنتين للنهر الجاري بينهما- أو لأن المراد ما هو جنته الّتي منعته من جنة الخلد الّتي وعد المتقون وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ اى ضار لها لعجبه وكفره قالَ ما أَظُنُّ ان تَبِيدَ اى تفنى هذِهِ الجنة أَبَداً (35) لطول أمله وتمادى غفلته واغتراره بمهلته- لعل المراد انه زعم انه لا يزال له الغنى والمال والجنتان ما دام حيّا- والا فليس من عاقل مومنا كان او كافرا يعلم انه لا يموت ويبقى حيا ابدا- او المراد انه قال ذلك بلسان الحال فان الغافلين المنهمكين في الدنيا

_ (1) هذا ليس بشيء لان يعقوب قرا بالتشديد كالجمهور- والتخفيف مذهب الأعمش- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة الكهف (18) : آية 36]

ولذاتها يأملون آمالا ويعملون أعمالا كانهم لا يموتون ابدا. فكانّهم يقولون ذلك بلسان الحال. وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً اى كائنة قاله ذلك لكونه كافرا منكرا للبعث- ثم قال على تقدير التنزل وفرض البعث وَلَئِنْ رُدِدْتُ بعد الموت والبعث إِلى رَبِّي كما زعمت لَأَجِدَنَّ فى الاخرة خَيْراً مِنْها قرأ اهل البصرة والكوفة بافراد الضمير اى من الجنة الّتي دخلها وقرأ الحجازيان والشامي منهما بتثنية الضمير وكذلك هو في مصاحفهم يعنى خيرا من الجنتين مُنْقَلَباً (36) اى مرجعا وعاقبة- انما قال ذلك لاعتقاده ان الله تعالى انما أعطاه ما أعطاه في الدنيا لكرامته على الله واستحقاقه ذلك-. قالَ لَهُ اى للكافر صاحِبُهُ المسلم وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ لانه اصل مادتك او مادة أصلك آدم عليه السّلام ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ فانها مادتك القريبة ثُمَّ سَوَّاكَ عدلك وكملك إنسانا رَجُلًا (37) ذكرا بالغا مبلغ الرجال جعل كفره بالبعث كفرا بالله تعالى لان انكار البعث منشأه الشك في كمال قدرة الله ولذلك؟؟؟ رتب الإنكار على خلقه إياه من تراب- فانه من قدر على بدء خلقه من التراب قادر على ان يعيده منه. لكِنَّا قرأ الجمهور بالألف وقفا تبعا للخط وبلا الف وصلا- لان أصله لكن انا فحذفت الهمزة طلبا للتخفيف وألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان وادغمتا وبقي الالف في الخط فيقرأ الالف وقفا كما يقرأ وقفا في انا- ولا يقرأ وصلا كما لا يقرأ في انا وصلا- وقرأ ابن عامر ويعقوب بالألف في الوصل ايضا لتعويضها من الهمزة او لاجراء الوصل مجرى الوقف هُوَ اللَّهُ رَبِّي هو ضمير الشان والجملة خبره- وجاز ان يكون هو ضمير الله والله بدله وربّى خبره وجملة هو الله ربّى مفعول لفعل محذوف تقديره أقول هو الله ربّى- وجملة أقول خبرانا والراجع ضمير أقول والدليل على تقدير أقول عطف قوله وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَحَداً (38) والاستدراك من اكفرت كانه قال أنت كافر بالله لكنى مؤمن موحد كما يقال زيد غائب لكن عمروا حاضر- قال البغوي قال الكسائي فيه تقديم وتأخير مجازه لكن الله هو ربّى وعلى هذا الالف في لكنّا زائد في رسم الخط على خلاف القياس-. وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ يعنى هلّا قلت عند دخولها ما شاءَ اللَّهُ اى الأمر ما شاء الله او ما شاء الله كائن على ان ما موصولة- او اى شيء شاء الله كان على انها شرطية والجواب محذوف اقرار بانها وما فيها

[سورة الكهف (18) : آية 40]

بمشية الله ان شاء أبقاها وان شاء أتلفها لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ يعنى هلّا قلت اعترافا بالعجز على نفسك والقدرة لله يعنى لا اقدر على حفظها الا بمعونته الله- وان ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها فبمعونته وأقداره- روى البيهقي في شعب الايمان من حديث انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رأى شيئا فاعجبه قال ما شاء الله لا قوّة الّا بالله لم يضره- وكذا روى ابن السنّى عنه بلفظ لم يضره العين وقال البغوي روى عن هشام بن عروة عن أبيه انه كان إذا راى من ماله شيئا يعجبه او دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء الله لا قوّة الّا بالله- ثم قال المؤمن إِنْ تَرَنِ اثبت الياء في الوصل فقط قالون وابو عمرو وفي الحالين ابن كثير- والباقون يحذفونها في الحالين أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) انا ضمير فصل- او تأكيد للمفعول الاول- وقرئ أقلّ بالرفع على انه خبر انا والجملة مفعول ثان لترن. فَعَسى رَبِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنْ يُؤْتِيَنِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير وفي الوصل فقط نافع وابو عمرو والباقون يحذفونها في الحالين اى يعطنى في الدنيا والاخرة خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وهو جواب الشرط وَيُرْسِلَ عَلَيْها اى على جنتك لاجل كفرك حُسْباناً مِنَ السَّماءِ قال قتادة عذابا- وقال ابن عباس نارا- وقال القتيبي مرامى- وقال البيضاوي وجمع حسبانة وهى الصواعق قيل هو مصدر بمعنى الحساب والمراد به التقدير بتخريبها او عذاب الأعمال السيئة بحسابها فَتُصْبِحَ الجنة صَعِيداً زَلَقاً (40) اى أرضا ملسا تزلق عليها الاقدام باستيصال بناتها وأشجارها- وقال مجاهد رملا هائلا. أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً اى غائرا ذاهبا في الأرض- مصدر يوصف به كالزلق فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ اى للماء الغائر الذاهب في الأرض طَلَباً (41) اى ترددا في رده فضلا من رده-. وَأُحِيطَ اى أحاط العذاب بِثَمَرِهِ اى ثمر جنته او أمواله اى أهلكها من حيث لم يتوقعه صاحبه- وهو مأخوذ من احاطته العدو- فانه إذا أحاط به غلبه وأهلكه فَأَصْبَحَ صاحبها الكافر يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ اى يصفق بيده على الاخرى- او يقلّب كفّيه ظهرا لبطن تأسفا وتلهفا عَلى ما أَنْفَقَ من المال فِيها اى في عملوة الجنة- وهو متعلق بيقلب لان تقليب الكف كناية عن الندم- فكانه قال فاصبح يندم على ما أنفق- او حال اى متحسرا على ما أنفق فيها وَهِيَ اى الجنة خاوِيَةٌ ساقطة عَلى عُرُوشِها بان سقطت عروشها على الأرض وسقطت الكروم على العروش وَيَقُولُ

[سورة الكهف (18) : آية 43]

ذلك الكافر عطف على يقلّب- والظاهر عندى ان معنى الاية وأصبح الكافر يقلب كفيه في الدنيا حين راى بستانها خاوية- ويقول يوم القيامة او في القبر حين يرى منزله من الجنة أبدلت بمنزله من النار يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَحَداً (42) فى الدنيا. وَلَمْ تَكُنْ قرأ حمزة والكسائي بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية- لان تأنيث الفاعل غير حقيقى لَهُ فِئَةٌ اى جماعة يَنْصُرُونَهُ يقدرون على نصره بدفع العذاب يوم القيامة أورد المهلك والإتيان بمثله في الدنيا مِنْ دُونِ اللَّهِ فانه القادر على ذلك وحده لكنه لم ينصره لكفره وَما كانَ ذلك الكافر مُنْتَصِراً (43) بقوته عن انتقام الله منه. هُنالِكَ اى في ذلك المقام والحال يعنى حين يبعث يوم القيامة الْوَلايَةُ قرأ الحمزة والكسائي بكسر الواو يعنى السلطان والباقون بفتح الواو بمعنى الموالاة والنصرة كقوله تعالى الله ولىّ الّذين أمنوا- وقيل بالفتح الربوبية وبالكسر الامارة لِلَّهِ الْحَقِّ قرأ ابو عمرو والكسائي الحقّ بالرفع على انه صفة للولاية ويؤيده قراءة أبيّ هنا لك الولاية الحقّ لله- او خبر مبتدأ محذوف اى هو الحق- والباقون بالجر على انه صفة لله كقوله تعالى ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وجاز ان يكون قوله يليتنى لم أشرك بربّى أحدا صادرا من الكافر في الدنيا ندما وتوبة من الشرك- او اضطرارا وجزعا حين تذكّر موعظة أخيه وزعم ان ما أصابه أصابه لاجل الشرك فامن او لم يؤمن- ويكون هذا القول منه كقولهم فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ- ومعنى قوله هنا لك اى في ذلك المقام والحال اى حال الجزع زعم ان الولاية لله الْحَقِّ هُوَ اى الله سبحانه خَيْرٌ ثَواباً اى أفضل جزاء لاهل طاعته من غيره فانه تعالى يثيبهم في الدنيا على حسب حكمته وفي الاخرة ثوابا قويّا مؤيدا بخلاف غيره فانهم يثيبون في الدنيا ان شاء الله تعالى اثابة حقيرة فانية فحسب وَخَيْرٌ عُقْباً (44) قرأ عاصم وحمزة بسكون القاف والباقون بضمها والعقبى هو الجزاء فانه يعقب الطاعة-. وَاضْرِبْ يا محمد لَهُمْ اى لقومك مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا اى اذكر لهم صفة الحيوة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها او صفتها الغريبة كَماءٍ اى هو كماء ويجوز ان يكون مفعولا ثانيا لا ضرب على انه بمعنى صير أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ اى فالتفت بسبب ذلك الماء نبات الأرض وخالط بعضه بعضا لكثرته وتكاثفه- او اثر في النبات الماء فاختلط النبات بالماء حتى روى وعلى هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض- لكن لما كان كل من

[سورة الكهف (18) : آية 46]

المختلطين موصوفا بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته فَأَصْبَحَ اى صار النبات عن قريب هَشِيماً وهو ما يبلس وتفتت من النبات تَذْرُوهُ الرِّياحُ قال ابو عبيدة تفرقه- والمشبه به ليس الماء ولا حاله بل الكيفية المنتزعة من الجملة وهى حال النبات المتبت بالماء يكون وارفا ثم هشيما تطيّره الرياح فيصير كان لم يكن وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإنشاء والافناء وغير ذلك مُقْتَدِراً (45) . الْمالُ وَالْبَنُونَ الّذي يفتخر بها عيينة وأشباهه الأغنياء ... زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا يتزين بها الإنسان في دنياه ويفني عن قريب- وليست هى من زاد الاخرة وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ يعنى الأعمال الصالحة الّتي يبقى ثمرها ابد الآبدين خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ من المال والبنين ثَواباً عائدة وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) اى ما يأمله الإنسان- قال البغوي قال على بن ابى طالب رضي الله عنه المال والبنون حرث الدنيا والأعمال الصالحة حرث الاخرة- وقد يجمعها الله لا قوام- قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا اله الّا الله والله اكبر- وعن ابى سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال استكثروا من الباقيات الصالحات قيل وما هى يا رسول الله قال التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ولا حول ولا قوة الا بالله- رواه احمد وابن حبان والحاكم وصححه- وعن جابر قال استكثروا من لا حول ولا قوة الا بالله فانها تدفع تسعة وتسعين بابا من الضرّ أدناها الهم- رواه العقيلي واخرج من حديث النعمان بن بشير مرفوعا سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبرهن الباقيات الصالحات واخرج الطبراني مثله من حديث سعد بن عبادة- وكذا اخرج ابن جرير عن ابى هريرة مرفوعا وعن رجل من الصحابة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر- رواه احمد وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لان أقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر أحب الىّ مما طلعت عليه الشمس رواه مسلم والترمذي- وقال سعيد بن جبير ومسروق وابراهيم الباقيات الصالحات هى الصلاة الخمس ويروى هذا عن ابن عباس- وعنه رواية اخرى انها الأعمال الصالحة وهو قول قتادة. وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ قرأ الكوفيون ونافع بالنون على التكلم وكسر الياء بناء للفاعل ونصب الجبال- والباقون بالتاء وفتح الياء على صيغة التأنيث والبناء للمفعول ورفع الجبال يعنى نقلعها ونذهب بها فنجعلها هباء منبثا ويوم منصوب باذكر او عطفا على عند ربّك اى الباقيات الصّالحات خير عند ربّك ويوم القيامة

[سورة الكهف (18) : آية 48]

وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً اى ظاهرة ليس عليها ما يسترها من شجر او جبل او بناء كذا اخرج ابن ابى حاتم عن قتادة وقال عطاء وهو بروز ما في بطونها من الموتى وغيرها- فيرى باطن الأرض ظاهرا وَحَشَرْناهُمْ اى الناس من القبور أورد بصيغة الماضي بعد نسيّر وترى لتحقيق الحشر- او للدلالة على ان الحشر يكون قبل التسيير والواو حينئذ للحال بتقدير قد فَلَمْ نُغادِرْ يقال غادره وغدره إذا تركه ومنه الغدر لترك الوفاء يعنى لم نترك مِنْهُمْ اى من الناس أَحَداً (47) غير محشور. عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ تشبيه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم فًّا اى مصطفّين لا يحجب أحد أحداقَدْ جِئْتُمُونا يعنى مقولا في حقهم لقد جئتمونا فهو حال من واو عرضوا- وجاز ان يكون لقد جئتمونا عاملا في يوم يوم نسيّرما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعنى حفاة عراة غرلا ليس معكم شيء ممّا خوّلناكم في الدنيا اخرج الشيخان في الصحيحين والترمذي في سننه عن ابن عباس قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا ايها الناس انكم تحشرون الى الله حفاة مشاة عراة غرلا ثم قرا كما بدانا اوّل خلق نعيده- وأول من يكسى في الخلائق ابراهيم عليه السّلام- واخرج الشيخان عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا-.............. الرجال والنساء ينظر بعضهم الى بعض- قال يا عائشة الأمر يومئذ أشد من ذلك- واخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أم سلمة نحوه- وفيه قالت وواسوأتاه ينظر بعضنا الى بعض- فقال شغل الناس قالت ما شغلهم قال نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل- والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا نحوه وفيه قالت زوجته ينظر بعضنا الى عورة بعض- قال يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه- والطبراني عن سهل بن سعد نحوه- وعن الحسن بن على عليهما السلام مرفوعا نحوه وفيه قالت زوجته يا رسول الله فكيف يرى بعضنا بعضا- قال ان الابصار شاخصة فرفع بصرة- واخرج الطبراني والبيهقي عن سورة بنت زمعة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة عزلا قد الجمهم العرق وبلغ شحوم الاذان- قلت يا رسول الله واسوأتاه ينظر بعضنا الى بعض- قال شغل الناس عن ذلك لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه- قال القرطبي لا ينافى قوله عراة ما ورد ان الموتى يتزاورون في قبورهم بأكفانهم- لان ذلك يكون في البرزخ فاذا قاموا من قبورهم خرجوا عراة- لكن يعارض هذه الأحاديث ما رواه ابو داؤد والحاكم وصححه وابن حبان والبيهقي عن ابى سعيد الخدري انه لما اختصر دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت رسول الله

[سورة الكهف (18) : آية 49]

صلى الله عليه وسلم يقول ان الميت يبعث في ثيابه الّتي يموت فيها- وما اخرج ابن ابى الدنيا بسند حسن عن معاذ بن جبل انه دفن امه فامر بها فكفنت في ثياب جدد وقال أحسنوا أكفان موتاكم فانهم يحشرون فيها- وما اخرج سعيد بن منصور في سننه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أحسنوا أكفان موتاكم فانهم يبعثون فيها يوم القيامة- قال القرطبي فبعضهم قال بظاهر هذه الأحاديث- والأكثر حملوا هذه على الشهيد الّذي امر ان يدفن بثيابه الّتي قتل فيها وبها الدم- وان أبا سعيد سمع الحديث في الشهيد فحمله على العموم وقال البيهقي يجمع بان بعضهم يبعث عاريا وبعضهم بثيابه قلت وهذا الجمع حسن وهذه الاية في حق الكفار بدليل قوله تعالى لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (48) اى وقتا لانجاز الوعد بالبعث والنشور وان الأنبياء عليهم السّلام كذبوكم وكلمة بل هاهنا للخروج من قصة الى اخرى وايضا يدل على ان الحشر عراة مختص بغير الصلحاء قوله صلى الله عليه وسلم الابصار شاخصة وقوله لكل امره منهم يومئذ شان يغنيه فانها في حق الكفار وشخص الابصار ايضا من صفتهم وشانهم لاجل الهول دون شان الصلحاء لكن يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم وأول من يكسى من الخلائق ابراهيم عليه السّلام فانه يدل على كون الأنبياء ايضا عراة في أول الأمر اللهم الا ان يقال يكسى الصلحاء في قبورهم قبل الخروج منها بحلل الكرامة وأول من يكسى منهم ابراهيم وحمل بعضهم حديث ان الميت يبعث في ثيابه على العمل الصالح لقوله تعالى ولباس التقوى ذلك خير. وَوُضِعَ الْكِتابُ اللام للجنس والمراد بالكتاب كتب اعمال العباد فانها توضع في أيدي الناس في ايمانهم وشمائلهم او في الميزان او بين يدى الرحمن فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ الذين يعطون كتبهم في شمائلهم مُشْفِقِينَ خائفين مِمَّا فِيهِ اى مما هو مكتوب فيه من الذنوب وَيَقُولُونَ إذا راوها يا وَيْلَتَنا الويل الهلكة ينادون هلكتهم الّتي هلكوا بها من بين المهلكات ومعنى النداء اظهار الجزع وتنبيه المخاطبين على ما نزل بهم مالِ هذَا الْكِتابِ استفهام تعجيب لشانه لا يُغادِرُ اى لا يترك صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً قال ابن عباس الصغيرة التبسم يعنى إذا كان في غير محله والكبيرة القهقهة وقال سعيد بن جبير الصغيرة اللهم والمسيس والقبلة والكبيرة الزنا وانما قالا ذلك على سبيل التمثيل وقد ذكرنا الكبائر في سورة النساء في تفسير قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم إِلَّا أَحْصاها اى إلا عدها وأحاط بها المستثنى في محل النصب على انه مفعول ثان للايغادر اى لا يترك

[سورة الكهف (18) : آية 50]

صغيرة ولا كبيرة غير محصاة- عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم ومحقرات للذنوب فانما مثل مخفرات الذنوب مثل قوم نزلوا بيطن واو فجاء هذا بعود وجاء لهذا بعود فانضجوا خبزتهم وان محقرات الذنوب لموبقات رواه البغوي وروى الطبراني عن سعد بن جنادة قال لمّا فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين نزلنا فقرأ من الأرض ليس فيها شيء- فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجمعوا من وجد شيئا فليأت به او من وجد عظما او شيئا فليأت به- قال فما كان الا ساعة حتى جعلناه ركابا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أترون هذا فكذلك يجتمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله عزّ وجلّ فلا يذنب صغيرة ولا كبيرة فانها محصاة عليه- وروى النسائي واللفظ له وابن ماجة وصححه ابن حبان عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فان لها من الله طالبا وروى البخاري عن انس قال انكم لتعملون أعمالا هى ادقّ في أعينكم من الشعر كنا نعدّها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات- وروى احمد مثله بسند صحيح عن ابى سعيد وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً مكتوبا في الصحف او وجد واجزاء ما عملوا حاضرا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) يعنى لا يكتب على العبد من السيئات ما لم يعمل- ولا يزيد في عقابه الملائم لعمله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فاما عرضان فجدال ومعاديره واما الثالثة فتطائر الصحف بالأيدي فاخذ بيمينه وأخذ بشماله- أخرجه ابن ماجة عن ابى موسى الأشعري واخرج الترمذي عن ابى هريرة نحوه- واخرج البيهقي عن ابن مسعود موقوفا- قال الحكيم الترمذي الجدال للاعداء يجادلون لانهم لا يعرفون ربهم فيظنون انهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم والمعاذير لله تعالى يعتذر الى آدم والى أنبيائه ويقيم حجته عندهم على الأعداء ثم يبعثهم الى النار- واما العرضة الثالثة للمؤمنين- وهو العرض للمغفرة «1» الا ان يخلوهم فيعاتب مزيد عتابه في تلك الخلوة حتى يذوق وبال الحياء والخجل ثم بغفرانهم ويرضى عنهم- واخرج انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث الله ريحا فتطيرها بالايمان والشمائل أول خط فيها اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا- واخرج ابن جرير عن قتادة انه قال سيقرأ يومئذ من لم يكن قاديا في الدنيا- واذكر. إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كرده في مواضع لكونه مقدمة للامور المقصودة بيانها في تلك المحال- وهاهنا لمّا شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرّر ذلك بانه من سنن إبليس- او لمّا بيّن حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار

_ (1) وفي الأصل وهو الغرض الا ان يخلوهم-[.....]

بها حب الشهوات وتسويل الشيطان- زهّدهم اولا في زخارف الدنيا بانها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها- ثم نفرهم من الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة- وهذا وجه كل تكرير في القران كانَ مِنَ الْجِنِّ حال بإضمار قد او استيناف للتعليل كانه قيل ماله لم يسجد فقيل لانه كان من الجن فَفَسَقَ اى فخرج عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ اى عن امتثال امره وطاعته فيه دليل على انه كان مامورا بالسجود مع الملائكة- والفاء للتسبيب وفيه دليل على ان الملائكة لا يعصون الله ابدا وانما عصى إبليس لانه كان جنيّا في أصله. قال البغوي قال ابن عباس كان إبليس من حى من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم فالاستثنا ومتصل- وقال الحسن كان من الجن ولم يكن من الملائكة فهو اصل الجن كما ان آدم اصل الانس فالاستثناء منقطع وقد مر الكلام في الباب في سورة البقرة- وقول الحسن ان إبليس كان أصلا للجن كما ان آدم اصل للانس بعيد جدا- قال الله تعالى ما خلقت الجنّ والإنس الّا ليعبدون فان هذه الاية وآيات سورة الرحمان وسورة الجن تدل على ان من الجن رجالا مومنين صالحين ومنهم قاسطون كانوا لجهنم حطبا- واما إبليس فهو وذريته أجمعون «1» اعداء الله واعداء أوليائه حيث قال الله تعالى أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ هذه الجملة حال والاستفهام للانكار على اتخاذهم اولياء عقيب ظهور العداوة منهم- يعنى تستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتى بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) يعنى إبليس وذريته بئس البدل عن الله في الولاية للظالمين- قال البغوي روى مجاهد عن الشعبي قال انى قاعد يوما إذا قبل حمال فقال أخبرني هل لابليس زوجة قلت ان ذلك لغير بين ما شهدته ثم ذكرت قول الله عزّ وجلّ افتتّخذونه وذرّيّته اولياء فعلمت انه لا تكون ذرّية الا من زوجة فقلت نعم- قلت قول الشعبي لا تكون ذرية الّا من زوجة مستفاد من قوله تعالى أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ- قال قتادة الشياطين يتوالدون كما يتوالد ابن آدم- وقيل انه يدخل ذنبه في دبره فليبيض فينفلق البيضة عن جماعة من الشياطين- قال مجاهد من ذرية إبليس لاقين وولهان دو هو صاحب الطهارة والصلاة والهفاف ومرة روبه يكنى وزلنبور (وهو صاحب الأسواق يزين اللغو والحلف الكاذب ومدح السلعة) والأعور (وهو صاحب الزنى ينفخ في إحليل الرجل وعجز المرأة) ومطوس (وهو صاحب الاخبار الكاذبة يلقيها في أقواه للناس لا يجدون لها أصلا) ويثور (وهو صاحب المصائب يزين خمش الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب) وو اسم وهو الّذي إذا دخل في بيته ولم يسلم ولم يذكر الله بصره من المتاع مالم يرفع او

_ (1) وفي الأصل أجمعين- ابو محمد عفى عنه-

[سورة الكهف (18) : آية 51]

يحسن موضعه- فاذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه) قال الأعمش ربنا دخلت البيت ولم اذكر اسم الله ولم اسلم فرايت مطهرة فقلت ارفعوا هذه وخاصمتهم- ثم اذكر فاقول داسم داسم- وروى عن ابى وابن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال للوضوء شيطان يقال له ولهان فاتقوا وسواس الماء- رواه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث غريب وليس اسناده بالقوى عند اهل الحديث لاجد خارجة بن مصعب وعن ابى سعيد الخدري ان عثمان بن ابى العاص اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان الشيطان قد حال بينى وبين صلاتى وقراءتى يلبسها علىّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك شيطان يقال لذنوب فاذا احسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا- قال ففعلت ذلك فاذهبه الله عنى رواه مسلم وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فادناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجئى أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجيئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرّقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت- وقال الأعمش أراه قال فيلتزمه رواه مسلم-. ما أَشْهَدْتُهُمْ اى ما أحضرت إبليس وذرّيته- قرأ أبو جعفر ما أشهدنهم بالنون والالف على التعظيم خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ يعنى ما أشهدت بعضهم خلق بعض اى لم نعتضد بهم في خلق الأشياء حتى يستحقوا العبادة والطاعة- فان استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيها يستلزم الاشتراك فيها- ذكر الله سبحانه نفى الاعتضاد اوّلا كناية ثم صرح به فقال وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ اى الشياطين عَضُداً (51) اى أنصارا وأعوانا وضع المظهر اى المضلين موضع الضمير ذامّا لهم واستبعادا للاعضاء بهم- وقيل الضمير للمشركين يعنى ما اشهدتهم خلق الأشياء وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو أمنوا تبعهم الناس كما يزعمون- فلا تلتفت الى قولهم طمعا في نصرتهم للدين فانه لا ينبغى لى ان اعتضد بالمضلين لدينى- وتعضده قراءة من قرأ وما كنت بفتح التاء على الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم- وقال الكلبي الضمير في اشهدتهم للملائكة يعنى ما أشهدت الملائكة خلق شيء حتى يعبدوا ويقال الهم بنات الله- وعلى هذا يكون قوله وما كنت متّخذ المضلّين كلام مستأنف ليس فيه وضع المظهر موضع الضمير يعنى ما اعتضدت بالملائكة ولا بالشياطين-. وَيَوْمَ يَقُولُ قرأ حمزة بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة يعنى يقول الله للكافرين نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ انهم شركائى او شفعاؤكم ليمنعوكم من عذابى

[سورة الكهف (18) : آية 53]

واضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ وقيل إبليس وفديته فَدَعَوْهُمْ فنادوهم للاغاثة فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ فلم يغيثوهم وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ اى بين الكفار والهتهم مَوْبِقاً (52) اسم مكان يعنى مهلكا يقال أوبقه أي أهلكه كذا قال عطاء والضحاك وقال ابن عباس هو واد في النار وقال مجاهد واد من حميم وقال عكرمة نهر من نار يسيل نارا على حافته حيّات مثل البغال الدّهم وقال ابن الاعرابى كل حاجز بين شيئين فهو موبق وقيل مصدر- وقال الفراء البين الوصل والمعنى وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة نظيره قوله تعالى لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ على قراءة من قرأ بالرفع. ورئوا المجرمون اى المشركون النَّارَ فَظَنُّوا أيقنوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها مخالطوها واقعون فيها- اخرج احمد عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها قال ينصب الكافر مقدار خمسين ألف سنة كما لم يعمل في الدنيا وان الكافر ليرى جهنم ويظن انها مواقعه من مسيرة أربعين سنة وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (53) اى انصرافا او مكانا ينصرفون إليها-. وَلَقَدْ صَرَّفْنا اى بيّنا بوجوه البيان فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ اى من كل عبارة هى كالمثل في الغرابة ليتذكروا او يتعظوا- وقيل من كل مثل صفة لمحذوف مفعول لصرفنا اى مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (53) قال ابن عباس أراد به النضر بن الحارث وجداله في القرآن وقال الكلبي أراد به ابى بن خلف الجمى وقيل المراد الكفار مطلقا قال الله تعالى ويجادل الّذين كفروا بالباطل- وقيل هو على العموم روى البخاري عن على بن ابى طالب عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقال الا تصليان من الليل فقلت يا رسول الله ان أنفسنا بيد الله فاذا شاء ان يبعتنا بعثنا- فاكصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت ذلك ولم يرجع الىّ شيئا- ثم سمعته وهو مولى يضرب فخذه وهو يقول وكان الإنسان اكثر شيء جدلا- وقوله جدلا منصوب على التميز من النسبة والمعنى كان جدل الإنسان اكثر الأشياء-. وَما مَنَعَ النَّاسَ من أَنْ يُؤْمِنُوا اى من الايمان إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى اى القران والإسلام والبيان من الله عزّ وجل وقيل انه الرسول صلى الله عليه وسلم يعنى بعد وضوح الحق وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ اى ومن الاستغفار مما صدر عنهم فيما سلف من الكفر والمعاصي إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ حذف المضاف وأقيم مضاف اليه مقامه تقديره الّا تقدير

[سورة الكهف (18) : آية 56]

ان تأتيهم سنّة الاوّلين اى سنتنا في الأولين من العذاب المستأصل وقيل تقديره الّا طلب ان تأتيهم سنّة الاوّلين من معائعة العذاب وانتظارهم ذلك- حيث قالوا اللهمّ ان كان هذا هو الحقّ من عندك فامطر علينا حجارة من السّماء أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ اى العذاب في الاخرة قُبُلًا (55) قال ابن عباس اى عيانا من المقابلة وقال مجاهد فجاءة- قرأ اهل الكوفة وابو جعفر بالضمتين والباقون بكسر القاف وفتح الباء وهما لفتان معناهما واحد- وقيل بالضمتين جمع قبيلة اى اصناف العذاب نوعا نوعا وانتصابه على الحال من الضمير او العذاب-. وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ بالثواب والجنة للمؤمنين وَمُنْذِرِينَ بالعذاب والحجيم للكافرين- يعنى ما بعثناهم قادرين على ان يأتوا بما اقترح الكفار من الآيات او قادرين على هداية الخلق كلهم مصيطرين عليهم وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ حيث يقولون ابعث الله بشرا رسولا- ما أنتم الّا بشر مثلنا- لو شاء الله لا نزل ملئكة- لولا نزّل هذا القران على رجل من القريتين عظيم- أيكون ما ذبحتم حلالا وما أماته الله وذبحه بشمشاره خراما ونحو ذلك لِيُدْحِضُوا بِهِ اصل الدحض الزلق والمعنى ليزيلوا بالجدال الباطل الْحَقَّ عن مقره وَاتَّخَذُوا آياتِي المنزلة في القرآن وَما أُنْذِرُوا اى وإنذارهم او الّذي انذروا به من العقاب هُزُواً (56) اى هزوا به قالوا في القرآن لو «1» نشاء لقلنا مثل هذا- يعلّمه بشر- ان هذا الّا أساطير الاوّلين- وقالوا في العذاب لولا يعذّبنا الله بما نقول- وقالوا لذقوم التمر والزبد ونحو ذلك-. وَمَنْ اى لا أحدا أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ اى وعظ بِآياتِ رَبِّهِ اى آيات القران الّتي اتضح أمرها باعجازها لفظا ومعنا فَأَعْرَضَ عَنْها فلم يتدبر فيها ولم يتذكر بها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ من الأعمال الخبيثة الناشئة من الكفر والعقائد الباطلة فلم يتفكر في عاقبتها إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً تعليل لاعراضهم ونسيانهم فان قلوبهم مكنونة مغطاة بظلمات الكفر مطبوع عليها أَنْ يَفْقَهُوهُ اى لئلا يفقهوه واللام المقدرة هاهنا للعاقبة- وافراد الضمير المنصوب وتذكيره معه كونه راجعة الى آيات ربه نظرا الى المعنى فان الآيات هى القرآن يعنى لئلا يفقهوا القرآن وَفِي آذانِهِمْ عطف على قلوبهم يعنى جعلنا في آذانهم وَقْراً اى ثقلا يعنى لم نودع فيها صلاحية استماع الآيات حق استماعها وَإِنْ تَدْعُهُمْ يا محمد إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً اى

_ (1) وفي الأصل لو شئنا 12

[سورة الكهف (18) : آية 58]

إذا كان على قلوبهم اكنة وفي آذانهم وقر أَبَداً (57) لقوات استعداد الاهتداء وهذا في أقوام علم الله فيهم انهم لا يومنون-. وَرَبُّكَ الْغَفُورُ البليغ في المغفرة ذُو الرَّحْمَةِ الموصوف بالرحمة لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ استشهاد على مغفرته ورحمته بامهال قريش مع افراطهم في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ اى يوم القيامة ويوم بدر لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ اى لن يجدوا إذا جاء الموعد من دون الله مَوْئِلًا (58) اى منجا وملجا يقال وال إذا نجا ووال اليه إذا نجا اليه. وَتِلْكَ الْقُرى يعنى قرى الأمم الهالكة من الكفا وقوم نوح وعاد وثمود وأشباههم الموصوف مع الصفة مبتدأ- وخبره أَهْلَكْناهُمْ او مفعول فعل مضمر يفسره ما بعده ولا بد من تقدير المضاف في الوصف او الصفة حتى يكون مرجعا للضمائر يعنى اصحب تلك القرى او تلك اصحاب القرى أهلكناهم لَمَّا ظَلَمُوا بالكفر وانواع المعاصي كما ظلم كفار قريش وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ قرأ أبو بكر هاهنا وفي الفل بفتح الميم واللام وحفص بفتح الميم وكسر اللام حملا على ما شذّ من مصادر مفعل كالمرجع والمحيض- والباقون بضم الميم وفتح اللام من أهلكه يعنى لهلاكهم او لاهلاكهم مَوْعِداً (59) اى وقتا معلوما لم يستقدموه ولم يستاخروه فكذلك كفار قريش لا يسبقون موعدهم ولا يستاخرون-. وَاذكر إِذْ قالَ مُوسى بن عمران كما يدل عليه الحديث الصحيح لِفَتاهُ يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف عليه السلام قلت لعل نوثا «1» أبا يوشع يكون من ال إفرائيم لبعد الزمان بينهما لا أَبْرَحُ اى لا أزال أسير فحذف الخير لدلالة حاله عليه وهو السفر ودلالة قوله حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ فانها يقتضى تقدير خبر يكون بلوغ مجمع البحرين غاية له ويجوز ان يكون أصله لا ببرح ميبرى حتى ابلغ فيكون الاسم محذوفا أقيم المضاف اليه مقامه فانقلب الضمير والفعل والخبر حينئذ حتّى ابلغ وان يكون لا أبرح تامة بمعنى لا أزال عما انا عليه من السير والطلب ولا أفارقه فلا يستدعى الخبر- ومجمع البحرين ملتقى بحر الفارس والروم مما يلى المشرق كذا قال قتادة وقال محمد بن كعب طنجه «2» وقال ابى بن كعب افريقيّة أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) او أسير زمانا طويلا في القاموس الحقبة بالضمتين ثمانون سنة او اكثر والدهر والسنة والسنون وإخراج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس الحقب الدهر- وقال البغوي

_ (1) وفي الأصل نون بلا تنوين 12 الفقير الدهلوي. (2) بفتح مهملة وسكون نون فجيم فتهاء بلد بشاطئ مجر المغرب مجمع البحار 12 الفقير الدهلوي.

قال عبد الله بن عمر الحقب ثمانون سنة وقيل سبعون- أخرجه ابن ابى شيبة وابن المنذر وابن ابى حاتم- يعنى يقع أحد الامرين اما البلوغ مجمع البحرين او مضى الحقب وجاز ان يكون او بمعنى الا ان والمعنى لا أبرح أسير حتى ابلغ الا ان امضى زمانا أتيقن معه فوات المجمع- روى البخاري ومسلم عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس ان نوف البكالي يزعم ان موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بنى إسرائيل- فقال ابن عباس- كذب عدو الله حدثنا ابى بن كعب انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان موسى قام خطيبا في بنى إسرائيل فسئل اى الناس اعلم قال انا- فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم اليه فاوحى الله اليه ان لى عبدا بمجمع البحرين هو اعلم منك- قال موسى يا رب فكيف لى به قال خذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمة- فاخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخة وو؟؟؟ نا رؤسهما فناما- واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتّخذ سبيله في البحر سرابا وامسك الله عنه جرية الماء فصار عليه مثل الطاق- فلمّا استيقظا نسى صاحبه ان يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى اتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا- قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الّذي امره الله به فقال له قتاه ارايت إذ اوينا الى الصّخرة فانّى نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان وان اذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا- قال وكان الحوت لفتاه سربا ولموسى عجبا- فقال موسى ذلك ما كنّا نبغ فارتدّ على اثارهما قصصا قال رجعا يقصان اثارهما حتى انتهيا الى الصخرة- فاذا رجل مسجىّ ثوبا فسلّم عليه موسى فقال الخضر انّى بأرضك السلام قال انا موسى قال موسى بنى إسرائيل قال نعم أتيتك لتعلمن ممّا علّمت رشدا- قال انّك لن تستطيع معى صبرا يا موسى انى على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علّمك الله لا اعلمه- فقال ستجدنى ان شاء الله صابرا ولا اعصى لك امرا قال الخضر فان اتّبعتنى فلا تسئلنى عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا- فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم ان يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول- فلما ركبا في السفينة لم يفجا الا والخضر قد قلع لوحا من الواح السفينة بالقدوم- فقال موسى قد حملونا بغير نول عمدت الى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا امرا- قال الم اقل انّك لن تستطيع معى صبرا قال لا تواخذنى بما نسيت هو لا ترهقنى من امرى عسرا- قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت الاولى من موسى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا-

[سورة الكهف (18) : آية 61]

قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة- فقال له الخضر ما علمى وعلمك في علم الله لا مثل ما تفص هذا العصفور من هذا البحر- ثم خرجا يمشيان على الساحل إذا بصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فاخذ الخضر برأسه فاقتله بيده فقتله فقال له موسى أقتلت نفسا زكيّة بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا- قال الم اقل لك انّك لن تستطيع معى صبرا- قال وهذه أشد من الاولى- قال ان سالتك عن شيء بعدها فلا تصحبنى قد بلغت من لّدنّى عذرا- فانطلقا حتّى إذ أتيا اهل قرية استطعما أهلها فابوا ان يضيّفوهما فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقضّ فاقامه الخضر بيده- فقال موسى قوم اتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لتّخذت عليه اجرا- قال هذا فراق بينى وبينك الى قوله ذلك «1» تأويل ما لم تسطع عليه صبرا- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددنا ان موسى كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم في تفاسيرهم عن ابن عباس ان موسى سال ربه اى عبادك أحب إليك قال الّذي يذكرنى ولا ينسانى- قال فاىّ عبادك أقضي قال الّذي يقضى بالحق ولا يتبع الهوى. قال فاىّ عبادك اعلم قال الّذي يبتغى علم الناس الى علمه عسى ان يصيب كلمة تدله على هدى وترده عن روى قال ان كان في عبادك اعلم منى فادللنى عليه- قال اعلم منك الخضر قال اين اطلبه قال على ساحل البحر عند الصخرة- قال كيف لى به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فاخبرنى فذهبا يمشيان. فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما بينهما ظرف أضيف اليه على الاتساع او بمعنى الوصل- وحاصل المعنى فلما بلغا مجموهما يعنى انتهيا الى الصخرة الّتي عند مجمع البحرين كما مرّ في الصحيح وقد موسى فاضطرب الحوت المشوى وعاش وذهب في البحر كما مر في الصحيح ليكون ذلك معجزة لموسى او الخضر وفي الصحيحين وقال سفيان يزعم ناس ان تلك الصخرة عندها عين الحيوة لا يصيب ماؤها شيئا الا عاش ووثب في البحر وقال الكلبي توضّا يوشع بن نون من عين الحيوة فانتضح على الحوت المالح في المكثل من ذلك الماء فعاش ثم وثب في ذلك الماء- فجعل يضرب بذنبه فلا يضرب بشى من الماء وهو ذاهب إلا يبس- فلما استيقظ موسى نَسِيا حُوتَهُما اى نسيا موسى ان يطلبه ويتعرف حاله ويوشع ان يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر وقال البغوي انما كان الحوت مع يوشع وهو الّذي نسيه وأضاف النسيان إليهما لانهما جميعا تزوداه للسفر كما يقال خرج القوم الى موضع كذا وحملوا من الزاد كذا وانما حمله واحد منهم فَاتَّخَذَ اى جعل الحوت يجعل الله تعالى سَبِيلَهُ طريقه

_ (1) وفي الأصل ذلك ما لم تسطع- ابو محمد عفى عنه-

[سورة الكهف (18) : آية 62]

فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) اى مسلكا ومنه قوله سارب بالنهار وقيل السرب الشق الطويل وقد مر في رواية الصحيح امسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق ونصبه على المفعول الثاني وفي البحر حال منه او من السبيل ويجوز تعلقه باتخذ-. فَلَمَّا جاوَزا مجمع البحرين بالسير الى وقت الغداء من اليوم الثاني قالَ موسى لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا اى طعامنا والغداء ما يعد للاكل غدوة والعشاء ما يعد للاكل عشية لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (62) اى تعبا وشدة وذلك انه القى على موسى الجوع بعد مجاوزة الصخرة ليتذكر الحوت ويرجع الى مطلبه وقد مرّ في حديث الصحيحين ان موسى لم يجد نصبا حتى جاوز الموعد. قالَ له قتاة وتذكرّ أَرَأَيْتَ يعنى أخبرني ما انسانى الحوت إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ الّتي رقدنا عندها قال البغوي قال هقل بن زياد هى الصخرة الّتي دون نهر الزيت فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ اى تركته وفقدته وقيل في الاية إضمار تقديره نسيت ان اذكر لك امر الحوت وما رايت منه- قال البغوي وذلك ان يوشع حين راى ذلك من الحوت قام ليدرك موسى فيخبره فنسى ان يخبره فمكثا يومهما حتى صليا الظهر من الغد ثم اعتذر وقال وَما أَنْسانِيهُ قرأ حفص بضم الهاء في الوصل وكذا في سورة الفتح في قوله تعالى عليه الله والباقون يكرونها فيهما في الحالين- اى ما انسانى ان اذكر لك امر الحوت إِلَّا الشَّيْطانُ يعنى شغلنى الشيطان بوساوسه ان اذكره لك- قال البيضاوي ولعله نسى لاستغرابه في الاستبصار وانجذاب شراشره الى جناب القدس بما عراه عن مشاهدة الآيات الباهرة وانما نسب الى الشيطان هضما لنفسه- او لان عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بأحدهما عن الاخر عدّ من نقصان نفسه أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ الحوت سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) سبيلا عجبا فهو صفة لمفعول ثان أقيم مقامه والظرف ظرف لغوا واتخاذا عجيا فهو صفة لمصدر والمفعول الثاني هو الظرف- وقيل هو مصدر فعله المضمر كانه قال في اخر كلامه عجبت عجبا وقيل هذا من قول موسى لما قال له يوشع واتخذ سبيله في البحر قال موسى عجبا اى عجبت عجبا- وقيل ضمير اتخذ راجع الى موسى اى اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا اى يعجب عجبا فهو حال- قال موسى. ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير وفي الوصل فقط نافع وابو عمرو والكسائي والباقون يحذفونها في الحالين يعنى كنا نطلب ذلك لكونه امارة لمكان الخضر فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما اى رجعا في الطريق الّذي جاءا فيه قَصَصاً (64) يقصان قصصا اى يتبعان

[سورة الكهف (18) : آية 65]

اثارهما اتباعا- او مقتصين حتى أتيا الصخرة. فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا الجمهور على انه الخضر كما ورد في الصحيح واسمه بليا بن ملكان وقيل اليسع وقيل الياس والخضر لقب له- لما روى البغوي بسنده عن همام ابن منبه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما سمى الخضر خضرا لانه إذا جلس على فروة «1» بيضاء فاذا هى تهتزّ خضرا وقال مجاهد سمى خضرا لانه إذا صلى اخضرّ ما حوله قال البغوي قيل كان من نسل بنى إسرائيل وقيل كان من أبناء الملوك الذين تزهّدوا في الدنيا- والمختار عندى انه لم يكن من بنى إسرائيل لان موسى كان مبعوثا الى بنى إسرائيل أجمعين فلو كان الخضر منهم لكان من اتباع موسى والظاهر خلافه- وقد مرّ في الحديث الصحيح ان موسى راى الخضر مسيحى بثوب فسلم عليه فقال له الخضر وانّى بأرضك السلام قال انا موسى قال موسى بنى إسرائيل- قال نعم أتيتك لتعلمنى عمّا علّمت رشدا وفي رواية اخرى لقيه مسيحى بثوب مستلقيا على قفاه بعض ثوبه تحت راسه وبعضه تحت رجليه- وفي رواية لقيه وهو يصلى ويروى لقيه على طنفسه «2» خضراء على كيد «3» البحر آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا هى الوحى والنبوة وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) اى مما يختص بنا ولا يمكن تحصيله الا من لدنا بتوفيقنا وهو علم الذات والصفات قال البغوي لم يكن الخضر نبيّا عند اكثر اهل العلم قلت وهذا عندى محل نظر لان العلم- الحاصل للاولياء بالإلهام وغير ذلك علم ظنى يحتمل الخطاء ولذلك ترى تعارض علومهم الملهمة فلو لم يكن الخضر نبيّا لما جاز له قتل نفس زكية بالهام انه لو عاش لارهق أبويه طغيانا وكفرا. قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ كان حق الكلام جئتك لاتبعك وأصحبك لكن غيّر الأسلوب استيذانا منه في الاتباع والمصاحبة عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير وفي الوصل فقط نافع وابو عمرو والباقون يحذفونها في الحالين يعنى على شرط ان تعلمنى وهو في موضع الحال من الضمير المرفوع او المنصوب من اتبعك مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قرأ ابو عمرو بفتح الراء والشين والباقون بضم الراء واسكان الشين وهما لغتان كالبخل والبخل ومعناه إصابة الخير وهو مفعول تعلمنى ومفعول علمت العائد محذوف وكلاهما من علم الّذي له مفعول واحد بمعنى عرف ويجوز ان يكون علة لاتبعك او مصدره أبا ضمار فعله وهذه الاية دليل على ان المفضول قد يكون له فضل

_ (1) الفروة الأرض اليابسة وقيل الهشيم اليابس من النبات 12 نهايه سنه رحمه الله. (2) طنفسة بكسر الطاء والفاء وبضمها وبكسر الطّاء وفتح الفاء انبساط الّذي له خمل دقيق وجمعه طنافس 12 نهايه منه رحمه الله- (3) على كبد البحر اى على اوسط موضع من شاطئه اى من جانبه وطرفه 12 نهايه منه رحمه الله-

[سورة الكهف (18) : آية 67]

جزئى على من هو أفضل منه وعلى ان الفاضل ينبغى ان يطلب هذه الحصة من الفضل من المفضول ولا يستنكف عنه لما مرّ في تفسير هذه الاية ان موسى سال ربّه اىّ عبادك اعلم قال الّذي ينبغى علم الناس الى علمه عسى ان يصيب كلمة تدله على هدى ويروه عن ردى- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلمة» الحكمة ضالّة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها- رواه الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن ابى هريرة وابن عساكر عن على رضي الله عنهما- ومن هذا الباب الصلاة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم- قال البغوي في بعض الاخبار انه لمّا قال له موسى ذلك قال له الخضر كفى بالتورية علما وبنى إسرائيل شغلا فقال له موسى ان الله أمرني بهذا وقد راى موسى عليه السلام في هذا الكلام غاية التواضع والأدب واستجهل نفسه واستأذن ان يكون تابعا له وساله ان يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه فحينئذ. قالَ له الخضر إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها صَبْراً (67) نفى الخضر عن موسى استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد كانها مما لا يصح ولا يستقيم- وعلّل ذلك واعتذر عنه بقوله. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) اى علما وخبرا تميزا ومصدر لان لم تحط به معناه لم تخبره وجه ذلك النفي ان الخضر علم انه يرى منه أمورا منكرة ظاهرا ولا يجوز للانبياء ان يصبروا على المنكرات مالم يظهر عليهم وجه جوازها- قلت والسر في ذلك ان شرائع الأنبياء المرسلين الى الأمم مبنية على قواعد كلية موجبة للصلاح الغالب بالنسبة الى العامة- فينبغى ان يكون وجوه صلاحها ظاهرة بالنسبة الى العامة- واما الاحكام الّتي يوحى بها افراد الأنبياء الذين لم يبعثوا الى الأمم بل اوحى إليهم لصلاح أنفسهم او امتثال امور بينهم وبين الله تعالى فان تلك الاحكام تكون غالبا مبنية على حكمات لا يظهر وجه صلاحها على العامة- وذلك وجه انكار موسى على ما اتى به الخضر وبناء على مخالفة المشرب (وكون اتحاد المشرب والانقياد وترك الاعتراض من شرائط الاستفادة) جعل الخضر عدم استطاعته على الصبر علة لعدم إفادة صحبة الخضر إياه- ووضع العلة موضعه كانّه قال صحبتى لا ينفعك فانّك لن تستطيع معى صبرا. ومن هاهنا قالت الصوفية العالية انه يجب على المريد ترك الاعتراض على الشيخ وان ظهر على يديه منكر ظاهرا بعد ما ثبت عنده انه من اهل الكمال والتكميل فان كان المريد لا يستطيع ذلك لاجل اختلاف المشرب يجب عليه

_ (1) الكلمة الحكمة هو من باب وجل عدل وروى الكلمة الحكيمة وكلمة الحكمة بالاضافة 12 الفقيه الدهلوي.

[سورة الكهف (18) : آية 69]

ترك مصاحبته غير منكر كماله- فان قيل كيف يتصور ذلك في الشريعة الحمدية العامة الشاملة المؤبدة الّتي لا يحتمل النسخ والتبديل قلنا هب الأمر كذلك لا يتصور ان يكون شيء محرما في الدين ليستبيحه «1» أحد فلا يتصور من أحد يدعى الولاية ان يأتى بقتل غلام أبواه مومنان قائلا بان الله تعالى الهمنى انه يرهقهما طغيانا وكفرا- لكن قد يكون شيء مما اختلف فيه اقوال العلماء وكان لصحته وجها مستند الى دليل شرعى كالسماع والجهر بالذكر فمن اتى به من اولياء الله تعالى لا يجوز عليه الإنكار لانه من تقلد عالما لقى الله سالما- وقد يكون شى منكرا ظاهرا وليس هو في الحقيقة كذلك كمن شرب من قارورة ماء مرائيا للناس انه خمر حتى يقل هجوم الخلق عليه ولا يخل؟؟؟؟ وقدر يظهر على يدى رجل من اهل الله سيئة صغيرة وهو يعترف بكونها سيئة- وقد اجمع العلماء على ان العصمة من خواص النبوة- لا يخل صدور معصية بالولاية فحينئذ ايضا لا ينبغى للمريد ان يعترض على شيخه بل ينكر الفعل فلا يأتى به ولا ينكر كمال فاعله بارتكاب وعامة مواد الإنكار على اولياء الله تعالى مقالاتهم المبنية على الكشوف والمشاهدات فتلك المقالات مهما أمكن حملها على محمل صحيح يجب حملها على ذلك قال الله تعالى لولا إذ سمعقوه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيرا- وان لم يمكن ذلك يحمل تلك المقالات اما على سكر القائل وقد افتى الفقهاء ان السكر إذا حصل بشيء مباح يكون عذر الا يقع طلاقه ونحو ذلك فكيف إذا حصل بغلبة حب الله الّذي هو رأس العبادات واما على عدم فهم السامع مراد القائل وعلى ان القائل أراد من كلامه معنى غير ما يفهم منه ظاهرا فان العبارات مقتصرة على بيان معان محسوسة او معقولة مستنبطة من امور محسوسة فاما ما لا نظير له ولا شبيه من حقائق الذات والصفات إذا تجلت على قلب من له قلب سليم وأراد بيانها ولم يوضع بإزائها ألفاظ- اضطر القائل الى استعارات وتجوزات وتشبيهات غير تامة فلا يجوز للسامع حينئذ ان يحملها على معانيه الظاهرة المخالفة لعقائد اهل السنة حتى ينكر عليه بل يعمل به ما يعمل بالمتشابهات الواردة في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم- ومن لم يسلك هذا المسلك لا يزيده الا خسارا كما ان القران لا يزيد الظّالمين الّا خسارا- الا ترى انه من سمع الرّحمن على العرش استوى- ويد الله فوق أيديهم فان أنكر كونها قرآنا كفر- وان اعتقد بكونه تعالى جسما كاد يكون كافرا- فكذلك كلام اولياء الله تعالى إذا كان ظاهره مخالفا للشرع لا ينكر عليه ولا يعتقد بظاهره والله اعلم- ولمّا كان موسى عليه السلام شاكا في المصابرة غير واثق من نفسه عليها لم يقطع بذلك واستثنى و. قالَ

_ (1) وفي الأصل يستباحه وليس يصحيح 12 الفقير الدهلوي-

[سورة الكهف (18) : آية 70]

سَتَجِدُنِي قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) الجملة معطوفة على صابرا منصوب محلا يعنى صابرا غير عاص او على ستجدنى ولا محل له من الاعراب عاهد موسى عليه السلام على المصابرة لكونها شرطا لافادة الصحبة وقد امره الله تعالى بمصاحبته وشك في إتيانه منه لان الاعتراض والمخالفة كان من لوازم مخالفة المشرب ناشيا منها من غير اختيار منه ولاجل ذلك. قالَ له الخضر فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي حذف الياء في الحالين ابن ذكون بخلاف عن الأخفش وأثبتها الباقون في الحالين وكذا رسمها وقرأ نافع وابن عامر وابو جعفر بفتح اللام وتشديد النون والآخرون بسكون اللام وتخفيف النون- اتى بالشرط والجزاء للشك والاستبعاد في وقوعه ولم يقل لا تسئلنى عَنْ شَيْءٍ أعمله ممّا تنكره الان لان السؤال مظنة الاعتراض المانع للاستفادة حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) يعنى حتى ابتدئ لك ببيان.. فَانْطَلَقا على الساحل يطلبان السفينة يركبانها فوجدا سفينة فركباها- قال البغوي فقال اهل السفينة هؤلاء لصوص فامروهم بالخروج فقال صاحب السفينة ما هم بلصوص ولكنى ارى وجوه الأنبياء- وقد مر في حديث الصحيحين عن ابى بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم انه مرت بهم سفينة فكلموهم ان يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها الخضر قد مر في الصحيحين ان الخضر قلع لوحا من الواح السفينة بالقدوم قالَ له موسى أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها وقد حملونا بغير نول فان خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضى الى غرق أهلها- قرأ حمزة والكسائي ليغرق بفتح الياء التحتانية والراء على صيغة الغائب من المجرد ورفع أهلها بالفاعلية- والباقون بضم التاء الفوقانية وكسر الراء على صيغة المخاطب من الافعال ونصب أهلها على المفعولية لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (71) اى عظيما من امر الأمر إذ أعظم- وقال البغوي الأمر في كلام العرب الداهية واصل كل شيء شديد كبير- وقال القتيبي اى عجبا- قال البغوي روى ان الخضر أخذ قدحا من زجاج ودقع به محوق السفينة- وقال جلال الدين المحل روى ان الماء لم يدخلها يعنى معجزة للخضر عليه السلام-. قالَ الخضر أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها- صَبْراً (72) تذكير لما ذكره قبل فلما راى موسى ان الماء لا يدخل من الخرق وانه لم يضر باهل السفينة وتذكر ما عاهد. قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ اى بالذي نسبته او بشيء نسيته

[سورة الكهف (18) : آية 74]

يعنى المعاهدة على ترك الاعتراض او بنسياني إياها- اعتذر بالنسيان- وقيل أراد بالنسيان الترك اى لا تواخذنى بما تركت ووصيتك الاول وفي الحديث الصحيح المذكور عن ابى بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان الاولى من موسى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا- وقال البغوي قال ابن عباس انه لم ينس ولكنه من معاريض الكلام فكانه نسى شيئا اخر وَلا تُرْهِقْنِي اى لا تكلفنى مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73) مشقة بالمضايقة والمؤاخذة يعنى ان ذلك يعسر علّى متابعتك- وعسرا مفعول ثان ليرهق يقال رهقه إذا غشيه وارهقه إياه- وقيل معناه لا تكلفنى مشقة وعاملنى باليسر ولا تعاملنى بالعسر-. فَانْطَلَقا بعد ما خرجا من السفينة حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً بين غلمان يلعبون قال المفسرون فاخذ الخضر غلاما «1» ظريفا وضيء «2» الوجه- قال السدىّ كان أحسنهم وجها كان وجهه يتوقد حسنا فَقَتَلَهُ قيل أضجعه ثم ذبحه بالسكين وفي الحديث الصحيح المذكور انه أخذ برأسه فاقتلعه بيده- وروى عبد الرزاق هذا الخبر وأشار بأصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطى وقلع رأسه وروى انه رضخ رأسه بالحجارة وقيل ضرب راسه بالجدار- قال ابن عباس كان غلاما لم يبلغ الحلم وهو قول اكثر المفسرين والمستفاد من القران لان الغلام لا يطلق بعد البلوغ- قال ابن عباس لم يكن نبى الله يقول أقتلت نفسا زاكية الا وهو صبى لم يبلغ الحلم- وقال الحسن كان رجلا وقال الكلبي كان فتى يقطع الطريق ويأخذ المتاع ويلجا الى أبويه وقال الضحاك لكان غلاما يعمل بالفساد وتاذّى منه أبواه وفي حديث ابى بن كعب عند مسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الغلام الّذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لارهق أبويه طغيانا وكفرا- والفاء في قوله فقتله للتعقيب والدلالة على انه كما لقيه قتله من غير مهلة واستكشاف حال- ولذلك قالَ موسى أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً قرأ الكوفيون وابن عامر بتشديد الياء من غير الف والباقون زاكية بالألف وتخفيف الياء وقال البغوي قال الكسائي والفراء معناهما واحد مثل القاسية والقسيّة وقال ابو عمرو ابن العلاء الزّاكية الّتي لم تذنب قط والزّكيّة الّتي أذنبت ثم تابت بِغَيْرِ نَفْسٍ- اى لم يقتل نفسا وجب عليه القتل بالقصاص يعنى ان القتل لا يجوز الا في حد او قصاص ولم يوجد شيء منها- جعل الله سبحانه في الاولى خرقها جزاء واعتراض موسى عليه السلام مستأنفا وفي الثانية جعل اعتراض موسى جزاء لما قبله من الشرط- لان القتل أقبح والاعتراض عليه ادخل وكان جديرا بان يجعل عمدة الكلام ولذلك عقبه بقوله لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) اى منكرا في الشرع- قرأ نافع ويعقوب وأبو بكر وابن ذكوان نكرا في الموضعين هاهنا وفي الطلاق بضم الكاف والباقون

_ (1) وصى الوجه اى حسن الوجه والوضاءة الحسن 12 منه رح- (2) الظريف البليغ جيد الكلام- والظرف في اللسان البلاغة وفي الوجه الحسن وفي القلب الزكاء 12 نهاية منه رح

[سورة الكهف (18) : آية 75]

بأسكانها- قال قتادة النّكر أعظم من الأمر لانه حقيقة الهلاك وفي خرق السفينة كان خوف الهلاك وقيل الأمر أعظم لانه كان فيه تغريق جمع كثير-. قالَ الخضر أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها صَبْراً (75) زاد فيه لك مكافحة بالعتاب على رفض العهد مرتين. قالَ له موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها اى بعد هذه المرة فَلا تُصاحِبْنِي اى فارقنى- قرأ يعقوب «1» فلا تصحبنى بغير الف من الصحبة قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي قرأ نافع وابو جعفر بضم الدال وتخفيف النون وأبو بكر «2» بإسكان الدال وإشمامها الضم وتخفيف النون والباقون بضم الدال وتشديد النون يعنى من عندى عُذْراً (76) خالفتك ثلاث مرات روى مسلم عن ابى بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة الله علينا وعلى موسى (وكذا إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه) لولا انه عجل لرأى العجب ولكنه اخذه من صاحبه «3» ذمامة فقال ان سالتك عن شيء بعدها فلا تصحبنى قد بلغت «4» منّى عذرا- وروى ابن مردوية بلفظ رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لا بصرا عجب الا عاجيب. فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ قال ابن عباس يعنى انطاكية وقال ابن سيرين هى الايكة «5» وهى ابعد الأرض من السماء وقيل برقة وقال البغوي عن ابى هريرة بلدة بالأندلس- اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما قال البغوي قال ابى بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتيا اهل قرية لئام فطافا في المجالس فاستطعماهم فلم يطعموها واستضافاهم ولم يضيفوهما قال قتادة شر القرى الّتي لا تضيف الضيف- قال البغوي وروى عن ابى هريرة قال اطعمتهما امراة من اهل بربر بعد ان طلبا من الرجال فلم يطعموهما- فدعا لنسائهم ولعناد جالهم فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ اى يسقط وهذا من مجاز الكلام لان الجدار لا ارادة له وانما معناه قرب ودنا من السقوط كما يقول العرب دارى تنظر دار فلان إذا كانت تقابلها فَأَقامَهُ قال البغوي روينا عن ابى بن كعب عن النبي صلى الله

_ (1) والصحيح الثابت المقرو من يعقوب باتفاق الطرق كالجمهور بإثبات الالف بعد الصاد وكسر الحاء الا ما انفرد به هبة الله عن المعدل عن روح بفتح التاء واسكان الصاد وفتح الحاء من غير الف وهو غير ماخوذ لردح واما رويس فلم يذكر عنه خلاف بوجه من الوجوه ابو محمد عفا عنه. (2) قرا أبو بكر هاهنا بالوجهين الاول بإسكان الدال مع الإشمام وتخفيف النون كاول السورة وهو الّذي في التيسير والشاطبيه والكافي والتذكرة وجمع الكتب- والثاني باختلاس ضمة الدال مع تخفيف النون والوجهان في جامع البيان وغيره وبالوجهين قرانا وبهما تأخذ- ابو محمد. [.....] (3) اخذه من صاحبه عامة اى حياء واشفاق من الذم واللوم 12 منه رح. (4) وفي القران من لدنّى- ابو محمد عفى عنه. (5) هكذا في الأصل وقال ابن كثير والبغوي إنها الايلة وقال في مجمع البحار بضم الهمزة وباء وشده لام بلد قرب البصرة 12 الفقير الدهلوي-

[سورة الكهف (18) : آية 78]

عليه وسلم انه قال فقال الخضر بيده فاقامه وقال سعيد بن جبير مسح الجدار بيده فاستقام وروى عن ابن عباس هدمه ثم قعد يبنيه قال السدى بلّ طينا وجعل يبنى الحائط قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ قرأ ابن كثير ويعقوب وابو عمرو لتّخذت بتخفيف التاء وكسر الخاء من المجرد على وزن تبعت يقال تخذ يتخذ على وزن سمع يسمع والباقون بتشديد التاء وفتح الخاء من الافتعال على وزن اتبعت أدغمت تاء الكلمة في تاء الافتعال ومعناهما واحد مثل تبع واتّبع معناه لاخذت وليس من الاخذ عند البصريين كذا قال البيضاوي لان فاءها همزة والهمزة لا تدغم في التاء. وقال الجوهري الاتخاذ افتعال من الاخذ الا انه أدغمت بعد تليين الهمزة وابدال التاء يعنى أبدلت الهمزة بالياء لانكسار ما قبلها ثم أبدلت الياء بالتاء لوقوعها فاء الافتعال نحو السر من اليسر- ثم لما كثر استعماله بلفظ الافتعال توهموا ان التاء اصلية فبنوا منه فعل يفعل قالوا تخذ يتخذ- واهل العربية على خلاف ما قال الجوهري كذا قال الجزري في النهاية عَلَيْهِ اى على بنائه أَجْراً (77) فيه تحريض على أخذ الجعل «1» ليعيشابه وتعريض بان فعله اشتغال بمالا يعنيه- فيه دليل انه اقام الجدار يعنى بناه بمشقة حيث يجوز عليه أخذ الاجر ولو اقامه بالمعجزة لما جاز له أخذ الاجر-. قالَ الخضر هذا الاعتراض الثالث فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ اى سبب الفراق بيننا لان في هذا الاعتراض مدخلا لهوى «2» النفس بخلاف الاعتراضين السابقين- فان بناء هما كان على الديانة الصرفة او المعنى هذا الوقت وقت الفراق بيننا لوجود اعتراض منك فيه مدخل لهوى النفس وجاز ان يكون هذا اشارة الى الفراق الوعود بقوله فلا تصحبنى- واضافة الفراق الى البين اضافة المظروف الى الظرف على الاتساع والتجوز- قلت هذه اضافة بمعنى في سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78) اى بالخبر الباطن فيما لم تستطع الصبر عليه لكونه منكرا في الظاهر- وكان ماله على الخير والصواب- قال البغوي وفي بعض التفاسير ان موسى أخذ ثبوبه فقال أخبرني بمعنى ما عملت قبل ان تفارقنى فقال. أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ قال كعب كانت السفينة لعشرة اخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر وفيه دليل على ان المسكين يجوز إطلاقه على من له مال لا يبلغ نصابا ولا يكفيه اولا يكون فاضلا عن حاجته الاصلية يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ اى يواجرون ويكتسبون بها فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها اى ان اجعلها ذات عيب وَكانَ وَراءَهُمْ اى امامهم

_ (1) هكذا في الأصل وفي التفسير البيضاوي لينتعشا من الافتعال 12 الفقير الدهلوي- (2) هكذا ما قاله بعض غلاة الصوفية واتبعهم المفسر رحمه الله تعالى ولم يعلموا ان هذا جراة عظيمة على أفضل أنبياء بنى إسرائيل وكليم الله تعالى وصاحب التوراة وقد تفقوه؟؟؟ به من قبل بعض المفسرين ورده في الكشاف بانه لا يليق بجلالتهما وقال في الروح ان الأثر اطروى فيه عن خبر الامة لغلة ليس بصحيح والله تعالى اعلم 12 الفقير الدهلوي-

[سورة الكهف (18) : آية 80]

كقوله تعالى من ورائهم جهنّم وقيل ورائهم خلفهم وكان رجوعهم في طريقهم عليه والاول أصح يدل عليه قراؤة ابن عباس وكان امامهم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحة غَصْباً (79) قال البغوي كان ابن عباس يقرأ كذلك- فخرقها وعيّبها الخضر حتى لا يأخذها الملك الغاصب وكان اسمه جليدى بن كركر وقال محمد بن إسحاق سولة بن جليد الأزدي وقال شعيب الجبائي اسمه هدد بن بدد- قال البغوي «1» وكان حق النظم ان يتاخر قوله فاردتّ ان أعيبها من قوله وكان ودائهم ملك لان ارادة التعييب مسبب عن خوف الغصب وانما قدم للغاية او لان السبب كان مجموع الامرين خوف الغصب ومسكنة الملاك فرتبه على أقوى الجزئين وادعاهما وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتعميم- قال البغوي روى ان الخضر عليه السلام اعتذر الى القوم وذكر لهم شأن الملك الغاصب ولم يكونوا يعلمون- بخبره- وقال أردت إذا هى مرّت به ان يدعها لعيبها فاذا جاوز اصلحوها فانتفعوا بها قيل سردوها بقارورة وقيل بالقار- قلت لكن رواية الاعتذار يأبى عنه نظم القرآن فانه صريح في ان الخضر بيّن هذه الحكمة لموسى بعد مجاوزته وبعد قتل الغلام وإصلاح الجدار عند الفراق ولو اعتذر الخضر في أول الأمر لاصحاب السفينة لما خفى على موسى لكونه معه ولما احتاج الخضر الى بيان ذلك لموسى والله اعلم-. وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما اى يغشاهما طُغْياناً عليهما وَكُفْراً (80) بعقوقه وسوء صنيعه ويلحقهما شرا وبلاء او يقرن بايمانهما طغيانه وكفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر- او يعذبهما بغلبته فيرتدا بإضلاله او بممالاته على طغيانه وكفره حبّا- قال سعيد بن جبير خشينا ان يحملهما حبه على ان يتّبعاه على دينه وانما خشى ذلك خضر باعلام من الله بالوحى- اخرج ابن ابى شيبة عن زيد بن هرمز عن ابن عباس ان نجدة الحرودى كتب اليه كيف قتله رقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من قتل الولدان فكتب اليه ان علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك ان تقتل يعنى انما نهى النبي صلى الله عليه وسلم لعامة المسلمين الذين لا يوحى إليهم حتى يحصل لهم علم من حال الولدان والوحى قد انقطع بعد النبي صلى الله عليه وسلم فليس نهى النبي صلى الله. عليه وسلم متوجها الى خضر وأمثاله- فان قيل مقتضى هذا الكلام ان الله تعالى كان يعلم ان ذلك الغلام ان عاش يكون كافرا طاغيا والمفروض المتحقق ان الغلام لم يعش ولم يكفر ولم يطغ حيث قتله الخضر والعلم يكون

_ (1) وقد راجعت تفسير البغوي فلم أجد هذا ليه في تفسير هذه الاية «الفقير الدهلوي» .

[سورة الكهف (18) : آية 81]

تابعا للمعلوم فلا بد ان يكون للعلم في الخارج مصداق- فكيف يتصور صحة هذا العلم- لا يقال في جوابه ان وجود الأشياء تابع لعلم الله تعالى بخلاف علوم العباد فان العلم هناك تابع للمعلوم مستفاد منه لانا نقول هذا القول لا يجديك نفعا فان العلم سواء كان تابعا للمعلوم او متبوعا له لا بد من مطابقتهما وعدم تخلف أحدهما عن الآخر- فاذا لم يعش الغلام ولم يكفر ظهر عدم تحقق القضية في الواقع فلا يجوز تعلق علم الله بالقضية حتى لا يلزم عدم مطابقة العلم بالواقع والجواب الصحيح الّذي يحسم مادة الشبهة ان صدق الشرطية وتعلق العلم به يقتضى لزوم التالي للمقدم في الواقع- ولا يقتضى وجوده طرفيها فيه الا ترى ان قوله تعالى لو كان فيهما الهة الّا الله لفسدتا صادق والعلم به متحقق مع امتناع المقدم- فمقتضى هذا العلم لزوم كفر الغلام لبقائه بحيث لا يحتمل تخلفه- كما ان صدق قولنا ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود يقتضى لزوم وجود النهار لطلوع الشمس لا طلوعها ولا وجوده- فان قيل لزوم أحد الشيئين للاخر يقتضى ان يكون أحد الشيئين علة تامة للشيء الاخر- او يكونان كلاهما معلولين لعلة واحدة تامة- فما وجه لزوم كفر الغلام لبقائه- قلنا وجه هذا اللزوم على ما قالت الصوفية العلية رضي الله عنهم ان وجودات الأشياء كلها في الخارج ظلال للاعيان الثابتة الّتي هى ظلال لصفات الله تعالى ولما كانت الأعيان الثابتة كائنة في مرتبة العلم فلذلك قالوا المعلوم تابع للعلم ثم صفات الله تعالى منها راجعة الى كونه تعالى هاديا ومنها راجعة الى كونه تعالى مضلا فالاشياء الّتي مبادى تعيناتها راجعة الى الهداية ظهور الاهتداء لازم لوجودها لا يمكن ختمها الا على السعادة- والّتي مبادى تعيناتها راجعة الى الضلالة ظهور الشقاوة وختمها عليها لازم لوجودها لا يتصور منها الاهتداء وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم كلّ ميسر لما خلق له اما من كان من اهل السعادة فتسييسر لعمل اهل السعادة واما من كان من اهل الشقاوة فسييسر لعمل اهل الشقاوة- متفق عليه من حديث علىّ رضي الله عنه فمعنى قوله طبع الغلام على الكفر ان مبدء تعينه كان ضلال اسم المضل فموته صغيرا قبل ظهور اثر الضلالة فيه كان أصلح له ولوالديه وكان هذا تفضلا من الله تعالى على والديه لا على ما قالت المعتزلة بوجوب الأصلح على الله سبحانه إذ لو كان كذلك لم يوجد كافر حيث يجب على الله أمانته صغيرا والله اعلم. فَأَرَدْنا لعل معناه اشتهينا ودعونا الله سبحانه- لان ارادة العبد لا يمكن تعلقه يفعل

[سورة الكهف (18) : آية 82]

الله سبحانه أسند الخضر هاهنا الارادة الى نفسه وايضا الى الله تعالى حيث قال بصيغة الجمع أردنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما لان التبديل باهلاك الغلام وإيجاد الله بدله- والإهلاك وجد بكسب الخضر والإيجاد بخالص صنعه تعالى افصح الإسنادان قرأ ابو جعفر ونافع وابو عمرو بالتشديد من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال ومعناهما واحد- قال البغوي وفرق بعضهم بان التبديل تغيير شيء او تغيير حاله وعين الشيء قائم والابدال دفع شيء ووضع شيء اخر مكانه. قلت وهذا الفرق ليس بشيء إذ لو كان كذلك لما يتصور الجمع بين القرائتين مع كونهما متواترتين بل المراد ان يرزقها ربهما بدله ولدا خَيْراً مِنْهُ زَكاةً اى طهارة من الذنوب والأخلاق الردية وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) قرأ ابن عامر وابو جعفر ويعقوب بضم الحاء الباقون بإسكانها- اى اقرب رحمة وعطفا على والديه وقيل هو من الرحم والقرابة قال قتادة اى أوصل للرحم وابو بوالديه وانتصاب زكوة ورحما على التمييز والعامل اسم التفضيل وهو خير وأقرب- قال البغوي قال الكلبي أبدلهما الله به جارية فتزوجها نبى من الأنبياء فولدت له نبيا فهدى الله على يديه امة من الأمم وعن جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال أبدلهما جارية ولدت سبعين نبيا وقال ابن جريج أبدلهما بغلام مسلم- واخرج ابن ابى شبية وابن المنذر وابن ابى حاتم عن عطيّة بلفظ فابدلا جارية ولدت نبيا- واخرج ابن المنذر عن ابن عباس مثله واخرج ابن المنذر من طريق بسطلم بن جميل عن يوسف بن عمر قال أبدلهما الله مكان الغلام جارية ولدت نبيين- وأخرجه «1» البخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححه من حديث ابى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مطرف فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتلى ولو بقي لكان فيه هلاكهما فليرض امرؤ بقضاء الله تعالى فان قضاء الله المؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب قلت بل فيما يحب العبد او يكره لا بد له ان يخاف مكر الله ويستعيذ منه ويرجو رحمة الله ويطلبه منه ويرضى بقضاء الله ولا يعترض عليه-. وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ قال البغوي كان اسمهما اصرم وصويم وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما من مال كذا قال عكرمة واخرج البخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححه من حديث ابى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال كان ذهبا وفضة واخرج الطبراني عن ابى الدرداء في هذه الاية قال أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم وأحلت لنا الغمائم وحرمت علينا الكنوز- قلت لعل معنى حرمت علينا الكنوز ان نكنز الذهب والفضة ولا نؤدى زكوتها فذلك حرام علينا لقوله تعالى وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ

_ (1) وفي الأصل وأخرجه في تاريخه «ابو محمد عفى عنه» -

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ- قال ابن عبّاس وابن عمر كل مال يؤدى زكاته فليس بكنز وان كان مدفونا وكل مال لا يؤدى زكاته فهو كنز وان لم يكن مدفونا فلعل الزكوة لم تكن واجبة على اهل تلك القرية حينئذ حتى قيل أحلت لهم الكنوز والله اعلم- وقال البغوي روى عن سعيد بن جبير قال كان الكنز صحفا فيها علم واخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال ما كان ذهبا ولا فضة ولكن صحف علم- واخرج ابن ابى حاتم عن الربيع بن انس نحوه وقال البغوي وروى عن ابن عباس انه قال كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه عجبا لمن يوقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب عجبا لمن أيقن بالحساب كيف يغفل عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا كيف يطمئن إليها لا اله الا الله محمد رسول الله- وفي الجانب الاخر مكتوب انا الله لا اله الا انا وحدي لا شريك لى خلقت الخير والشر فطوبى لمن محلقته وللخير وأجريته على يديه وويل لن خلقته للشر وأجريته على يديه كذا اخرج البزار بسند ضعيف عن ابى ذر مرفوعا اخضر منه وأخرجه الخرائطي في قمع الحرص عن ابن عباس موقوفا وكذا اخرج ابن مردوية من حديث على مرفوعا وأخرجه البزار عن ابى ذر رفعة وقال الزجاج الكنز إذا اطلق يتصرف الى كنز المال وعند التقييد يجوز ان يقال عنده كنز علم وهذا اللوح كان جامعا لهما- وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً قيل كان اسمه كاشح وكان من الأتقياء قال البغوي قال ابن عباس حفظا بصلاح أبيهما يعنى امر الله الخضر لا صلاح الجدار لاجل حفظ الغلامين بصلاح أبيهما قال محمد ابن المنكدر ان الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته واهل دويرات حوله في حفظ الله ما دام فيهم- قال سعيد بن مسيب انى أصلي فاذكر ولدي فازيد في صلاتى- وقيل كان بين الغلامين وبين الأب الصالح سبعة اباء واخرج ابن ابى حاتم من طريق بقية عن سليمان بن سليم ابى سلمة قال مكتوب في التوراة ان الله ليحفظ القرن الى القرن الى سبعة قرون وان الله يهلك القرن الى القرن الى سبعة قرون- وفي الاية دليل على انه حق على المؤمنين السعى والرعاية لذريّات الصلحاء مالم يصدر منهم طغيان وكفر فحينئذ يستحقون زيادة الإيذاء كما يدل عليه اية السابقة امّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما اى يبلغا الحلم وكمال الرشد والقوة قيل ثمانية عشر سنة وعندى انه أربعين سنة لقوله تعالى حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً- والظاهر من مذهب ابى حنيفة رحمه الله انه خمسة وعشرون سنة فانه إذا بلغ السفيه خمسة وعشرين سنة دفع عنده اليه ماله وقد قال الله تعالى

فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ... وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ منصوب على الحال من فاعل يبلغا اى يبلغا مرحومين من ربّك او على المصدرية او العلية فان ارادة الخير رحمة وقيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربّك- قال البيضاوي لعل اسناد الارادة اولا الى نفسه يعنى في قوله أردت ان أعيبها لانه هو المباشرة للتعييب وثانيا الى الله والى نفسه يعنى في قوله أردنا ان يّبدلهما ربّهما خير منه زكوة لان التبديل باهلاك الغلام وإيجاد الله بدله- وثالثا الى الله وحده يعنى في هذه الاية لانه لا مدخل له في بلوغ الغلامين- او لان الاول في نفسه شر والثالث خير والثاني ممتزج- او لاختلاف حال العارف في الالتفات الى الوسائط وَما فَعَلْتُهُ اى ما رأيت منى من خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار عَنْ أَمْرِي اى عن رأى انما فعلته بامر الله عزّ وجلّ وعلا ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ حذفت تاء الاستفعال تخفيفا والمعنى مالم تطق عَلَيْهِ صَبْراً (82) قال البغوي روى ان موسى لما أراد ان يفارقه قال له أوصني- قال لا تطلب العلم لتحدث به واطلبه لتعمل به- قال البيضاوي ومن فوائد هذه القصة ان لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر الى انكار مالا يستحسنه فلعل فيه سرّا لا يعرفه- قلت لا سيما إذا كان الرجل الّذي راى منه ما لا يستحسنه ذا علم وديانة وانقاء فبالحرى اى لا ينكر عليه كما ذكرنا آنفا- وان يداوم على التعلّم ويتذلل للمعلم ويراعى الأدب في المقال وان ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه قال البغوي اختلف الناس في ان الخضر عليه السّلام حىّ أم ميت- قيل ان الخضر والياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم وكان سبب حياته فيما يحكى به انه شرب من عين الحيوة وذلك ان ذا القرنين دخل الظلمه لطلب عين الحيوة وكان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فنزل فاغتسل وشرب وصلى شكر الله تعالى واخطأ ذو القرنين الطريق فعاد وذهب الآخرون الى انه مات لقول الله تعالى وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ- وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما صلى العشاء ليلة اريتكم ليلتكم هذه فان على راس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم حى على ظهر الأرض أحد قلت ذكر صاحب الحصين في التعزية ما روى الحاكم في المستدرك عن انس انه لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل رجل اشهب اللحية جسم صبيح فتخطار قابهم فبكى ثم التفت الى الصحابة رضي الله عنهم فقال ان لله عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل فائت وخلفا من كل هالك فالى الله فانيبوا واليه فارغبوا ونظره إليكم في البلاء فانظروا فانما المصاب من لم يجبر. وانصرف فقال أبو بكر وعلىّ هذا الخضر عليه السلام- وقد اشتهر عن اولياء الله ملاقاتهم واستفاداتهم عن الخضر عليه السلام فهذا

[سورة الكهف (18) : آية 83]

دليل على حياته- والظاهر ان الخضر عليه السلام لو كان حيّا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ما اعتزل عن صحبته فانه كان مبعوثا الى الناس كافة- ولهذا قال عليه السّلام لو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعى- رواه احمد والبيهقي في شعب الايمان في حديث جابر وسينزل عيسى بن مريم ويقتدى برجل من المسلمين- كذا روى مسلم في حديث عن ابى هريرة عن جابر ولا يمكن حل هذا الاشكال الّا بكلام المجد للالف الثاني رضي الله عنه فانه حين سئل عن حيوة الخضر عليه السلام ووفاته توجه الى الله سبحانه مستعلما من جنابه عن هذا الأمر- فراى الخضر عليه السلام حاضرا عنده فساله عن حاله فقال انا والياس لسنا من الاحياء لكن الله سبحانه اعطى لارواحنا قوة نتجسد بها ونفعل بها افعال الاحياء من ارشاد الضال واغاثة الملهوف إذا شاء الله وتعليم العلم اللدني وإعطاء النسبة لمن شاء الله تعالى- وجعلنا الله تعالى معينا للقطب المدار من اولياء الله تعالى الّذي جعله الله تعالى مدارا للعالم جعل بقاء العالم ببركة وجوده وإفاضته- وقال الخضران القطب في هذا الزمان في ديار اليمن متبع للشافعى في الفقه- قال فنحن نصلى مع القطب صلوة على مذهب الشافعي فبهذا الكشف الصحيح اجتمع الأقوال وذهب الاشكال والحمد لله الكبير المتعال-. وَيَسْئَلُونَكَ يعنى اليهود او «1» مشركى مكة امتحانا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قال البغوي اختلفوا في اسمه قيل اسمه مرزبان بن مرزية اليوناني من ولد يافث بن نوح عليه السلام وقيل اسمه إسكندر ابن قبيس بن فيلقوس الرومي قلت وهو الأصح لما اخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن ابى حاتم والشيرازي في الألقاب وابو الشيخ عن وهب بن منبه اليماني وكان له علم بالأحاديث الاولى انه كان يقول كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان اسمه الإسكندر- واخرج ابن المنذر عن قتادة قال الإسكندر هو ذو القرنين- قال البغوي واختلفوا في نبوته فقال بعضهم كان نبيا وقال ابو الطفيل سئل علىّ عن ذى القرنين اكان نبيا أم كان ملكا قال لم يكن نبيّا ولا ملكا ولكن كان عبدا احبّ الله فاحبّه الله وناصح الله فناصحه- قلت وكذا اخرج ابن مردوية عن سالم بن ابى الجعد قال سئل على عن ذى القرنين أنبي هو قال سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول هو عبد ناصح الله فنصحه «2» قال البغوي وروى ان عمر سمع رجلا يقول لاخر يا ذو القرنين فقال تسميتم بأسماء الأنبياء فلم ترضوا حتى تسموا بأسماء الملائكة قال والأكثرون على انه كان ملكا عادلا صالحا قال البغوي واختلفوا في سبب تسميته بذي القرنين قال الزهري لانه بلغ قرنى الشمس مشرقها ومغربها وقيل لانه ملك الروم والفارس وقيل لانه دخل النور والظلمة وقيل لانه رأى في المنام

_ (1) وفي الأصل مشركوا مكة 12 ابو محمد عفى عنه- (2) خالد بن سعد ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذى القرنين فقال ملك يمسح الأرض من سمحتها بالأسباب 12 ازالة الخفا- منه رح.

[سورة الكهف (18) : آية 84]

كانه أخذ بقرني الشمس- وقيل لانه كان له ذوابتان حسنتان وقيل لانه كان له قرنان تواديهما العمامة قلت وكذا اخرج ابن عبد الحكم عن يونس بن عبيد ونحوه الشيرازي في الألقاب عن قتادة وروى ابو الطفيل عن علىّ عليه السلام انه قال سمى ذا القرنين لانه امر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه الايمن فمات فبعثه الله يعنى أحياه ثم أمرهم بتقوى الله فضربوه على قرنه الأيسر فمات فأحياه الله- انتهى كلام البغوي- واخرج احمد في الزهد وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ في العظمة عن ابى الورقاء قال قلت لعلى بن ابى طالب رضى الله عنه ذو القرنين ما كان قرنا لا قال لعلك تحسب ان قرنيه ذهب او فضة كان نبيّا فبعثه الله الى ناس فدعاهم الى الله تعالى فقام رجل فضرب قرنه الأيسر فمات ثم بعثه الله يعنى أحياه ثم بعثه الله الى ناس فقام رجل فضرب قرنه الايمن فمات فسماه ذا القرنين قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ خطاب للسائلين مِنْهُ اى من حال ذى القرنين وقيل من الله تعالى ذِكْراً (83) اى خبرا. إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ اى مكنا امره من التصرف فيها كيف شاء- قال البغوي قال على عليه السلام سخر له السحاب فحمله عليها ومد له الأسباب وبسط له النور كان الليل والنهار عليه سواء فهذا معنى تمكينه في الأرض وهو انه سهل عليه السير فيها وذلل له طرقها- وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ اراده وتوجه اليه وقيل معناه أعطيناه من كلّ شيء يحتاج اليه الخلق وقيل من كل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحادبة الأعداء سَبَباً (84) يوصل اليه من العلم والقدرة والآلات- قال البغوي قال الحسن اى بلاغا الى حيث أراد- وقيل معناه قرّبنا اليه أقطار الأرض. فَأَتْبَعَ قرأ اهل الحجاز والبصرة فاتّبع ثمّ اتّبع في الثلاثة بهمزة الوصل والتشديد من الافتعال والباقون بقطع الالف وسكون التاء من الافعال- قال البغوي قيل معناهما واحد والصحيح الفرق بينهما فمن قطع بالهمزة فمعناه أدرك وو لحق ومن قرء بالتشديد فمعناه سار يقال ما زلت اتّبعته حتى اتبعته اى ما ذلت سرت خلفه حتّى لحقته وكذا روى عن الأصمعي سَبَباً (85) يعنى طريقا نحو المغرب وقال ابن عباس منزلا-. حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ اى منتهى الأرض المسكونة نحو المغرب- وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ قرأ ابو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر حمية بالألف غير مهمود على وزن رامية اى حارة- والباقون مهموزا بغير الف على وزن ملئة من جسئت للبرّ إذا صارت ذات حماة وهى الطينة السوداء- ولا تنافي بين القرائتين لجواز كون العين جامعة

[سورة الكهف (18) : آية 87]

للوصفين وجاز ان يكون ياء حامية مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها فحينئذ يتخذ القراءتين اى ذات حماة- قال البغوي سال معاوية كعبا كيف تجد في التوراة اين تغرب الشمس قال نجدها تغرب في ماء وطين- قال البيضاوي لعله بلغ ساحل لمحيط فراها كذلك إذا لم يكن في مطمح نظره غير الماء والطين ولذلك قال الله سبحانه وجدها تغرب ولم يقل كانت تغرب كذا قال القيتبى وَوَجَدَ عِنْدَها اى عند العين قَوْماً قال البيضاوي قيل كان لباسهم جلود الوحش وطعامهم ما لفظه البحر وكانوا كفارا قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ ذلك القوم بالقتل على كفرهم ان أصروا على كفرهم بعد ما دعوتهم الى الإسلام وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ فعلة حُسْناً (86) يعنى الإكرام والإرشاد وتعليم الشرائع ان تابوا واسلموا- فكلمة امّا هاهنا للتقسيم مثل او في قوله تعالى انّما جزاء الّذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ان يقتلوا او يصلّبوا او تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف او ينفوا من الأرض وقيل كلمة امّا هاهنا للتخيير بين ان يعذبهم بالقتل لكفرهم وبين ان يدعوهم الى الإسلام وهو المراد بقوله ان يتّخذ فيهم حسنا وقيل خيره بين القتل والاسر وسماه إحسانا في مقابلة القتل ويؤيد الأولين قوله تعالى-. قالَ ذو القرنين امتثالا لامره تعالى او اختيارا لدعوتهم الى الإسلام بعد التخيير أَمَّا مَنْ ظَلَمَ نفسه بالإصرار على الكفر بعد ما دعوته الى الإسلام واستمر على ظلمه الّذي هو الشرك فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ انا ومن معى في الدنيا بالقتل ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ ربه في الاخرة عَذاباً نُكْراً (87) اى منكر الم يعهد مثله في نار جهنم. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً على ما يقتضيه الايمان فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص جزاء منونا منصوبا على الحال اى فله الحسنى يعنى الجنة جزاء يجزى بها او فله في الدارين المثوبة الحسنى جزاء وجاز ان يكون منصوبا على المصدرية لفعل مقدر والجملة خال اى يجزى بها جزاء او على التمييز والباقون بالرفع بغير تنوين على الاضافة والحسنى على هذه القراءة الأعمال الحسنة اى له جزاء الأعمال الحسنى او يقال الحسنى هو الجنة او المثوبة الحسنة واضافة الجزاء إليها من قبيل مسجد الجامع وجانب الغربي وَسَنَقُولُ لَهُ اى لمن أمن وعمل صالحا مِنْ أَمْرِنا اى مما نامر به يُسْراً (88) اى سهلا غير شاق تقديره ذا يسر وقال مجاهد يسرا اى معروفا ويستدل بهذا الخطاب من الله تعالى

[سورة الكهف (18) : آية 89]

لذى القرنين على كونه نبيا يوحى اليه وقال البغوي الأصح انه لم يكن نبيا والمراد به الإلهام- قلت ويمكن ان يكون هذا الأمر من الله تعالى على لسان نبى من الأنبياء يكون معه يسدد امره كما كان في بنى إسرائيل أنبياء مع الملوك يسددون أمورهم-. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (89) اى سلك طرقا ومنازل يوصله الى المشرق. حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ يعنى الموضع الّذي تطلع الشمس عليه اولا من معمورة الأرض وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (90) من اللباس او البناء فان ارضهم لا تحمل بناء وانهم اتخذوا الأسراب بدل الابنية. كَذلِكَ اى امر ذى القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك أو أمره في اهل المشرق كامره في اهل المغرب من التخير والاختيار او هو صفة لمصدر محذوف لوجدها اى وجدها تطلع كما وجدها تغرب او لمصدر لم نجعل اى لم نجعل لهم من دونها سترا كما لم نجعل لاهل المغرب او صفة لقوم يعنى وجدها تطلع على قوم مثل ذلك القوم الذين كانت تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ من الجنود والآلات والعدد والأسباب خُبْراً (91) اى علما تعلق بظواهره وبواطنه منصوب على المصدرية لان في احطنا معنى خبرنا- والمراد كثرة ذلك يعنى بلغ مالديه مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير-. ثُمَّ أَتْبَعَ ذو القرنين سَبَباً (92) اى طريقا ثالثا معترضا بين المغرب والمشرق أخذا من الجنوب الى الشمال. حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ قرأ ابن كثير وابو عمرو وحفص بفتح السين والباقون بضم السين قيل هما لغتان معناهما واحد وقال عكرمة ما كان من صنعة بنى آدم فهو بالفتح وما كان من صنع الله فهو بالضم وكذا قال ابو عمرو وقيل السّد بالفتح مصدر وبالضم اسم والمراد بالسّدين هاهنا جبلان سدّ ذو القرنين ما بينهما حاجزا بين يأجوج وماجوج ومن ورائهم وهما جبلا ارمينية واذربايجان أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس رضى الله عنهما قيل جبلان في اواخر الشمال في منقطع ارض الترك منيعان من ورائهما يأجوج وماجوج أخرجه سعيد بن منصور في سننه وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم في تفاسيرهم وبين هاهنا مفعول به وهو من الظروف المتصرفة وَجَدَ مِنْ دُونِهِما اى امام الجبلين قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قرأ حمزة والكسائي يفقهون بضم الياء وكسر القاف من الافعال يعنى لا يفقهون غيرهم قولهم- وقرأ الآخرون بفتح الياء والقاف يعنى لا يفهمون كلام غيرهم قال ابن عباس لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم.

[سورة الكهف (18) : آية 94]

قالُوا بتوسط مترجم لهم- وفي قراءة ابن مسعود قال الّذين من دونهم يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ قرأ هما عاصم هاهنا وفي الأنبياء مهموزين والآخرون بغير همزوهما اسمان عجميان بدليل منع الصرف وقيل عربيان من اج الظلم إذا اسرع قال البغوي من اجيج النار وهو ضؤها وشهرها شبهوا به لكثرتهم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث قال البغوي هم من أولاد يافث بن نوح وقال قال الضحاك هم جيل من الترك وقال قال السدى الترك سرية من يأجوج خرجت فضرب ذو القرنين السد فبقيت خارجة فجميع الترك منهم وعن قتادة انهم اثنان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السد على احدى وعشرين قبيلة وبقيت قبيلة واحدة فهم الترك وسموا الترك لانهم تركوا خارجين وقال اهل التاريخ أولاد نوح ثلاثة سام وحام ويافث سام ابو العرب والعجم والروم- وحام ابو الحبشة والزنج والنوبة- ويافث ابو الترك والخزر والصعالية ويأجوج ومأجوج قال ابن عباس في رواية عطاءهم عشرة اجزاء وولد آدم كلهم جزء وروى عن حذيفة مرفوعا ان يأجوج امة ومأجوج امة كل امة اربعة مائة «1» الف لا يموت الرجل منهم حتى ينظر الى الف من صلبه كلهم حملوا السلاح وهم من ولد آدم يسيرون الى خراب الدنيا قلت لعل معنى الحديث ان كل امة بلغت عددهم اربع مائة الف حين سد عليهم ذو القرنين فاما بعد ذلك فاذا ولد كل رجل منهم الفا مسلحا يبلغ عددهم الى مالا يعلم عدتهم الا الله تعالى ومعنى يسيرون الى خراب الدنيا انهم إذا خرجوا من السد عند قرب القيامة يسيرون الى خراب الدنيا والله اعلم- وقال البغوي وقيل هم ثلاثة اصناف صنف منهم أمثال الأرزة شجر بالشام طوله عشرون ومائة ذراع في السماء- وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد- وصنف منهم يفترش أحدهم اذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بخيل ولا وحش ولا خنزير الا أكلوه ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون انهار المشرق وبحيرة طبرية- قلت هذا ايضا حين يخرجون من السد- قال البغوي وعن على رضى الله عنه انه قال منهم من طوله شبر وعرضه ذراع ومنهم من هو مفرط في الطول- وقال قال كعب هم نادرة من ولد آدم وذلك ان آدم «2» احتلم ذات يوم فامتزجت نطفة بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا من جهة الأب دون الام-

_ (1) وفي تفسير البغوي اربعة آلاف امة وهو الصحيح ولعل ما في الأصل من غلط الناسخ والله تعالى اعلم 12 الفقير الدهلوي. (2) هذا مردود فان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الشيطان والاحتلام من الشيطان هكذا في الحاشية الّتي على تفسير البغوي 12 الفقير الدهلوي-

وقال البغوي ذكر وهب بن منبه ان ذا القرنين كان رجلا من الروم ابن عجوز فلما بلغ كان عبدا صالحا قال الله انى باعثك الى امم مختلفة ألسنتهم- منهم امتان بينهما طول الأرض أحدهما عند مغرب الشمس يقال لها ناسك والاخر عند مطلعها يقال لها منسك- وامتان بينهما عرض الأرض أحدهما في قطر الايمن يقال لها هاويل والاخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها قاويل- وامم في وسط الأرض منهم الجن والانس ويأجوج ومأجوج فقال ذو القرنين باىّ قوم أكابرهم وباىّ جمع أكاثرهم وباىّ لسان اناطقهم قال انى ساطوتك وابسط لك لسانك وأشد عضدك فلا تهولك شيء والبسك الهيبة فلا يردعك شيء وأسخر لك النور والظلمة واجعلهما من جنودك يهديك النور من امامك ويحوطك الظلمة من ورائك فانطلق حتى اتى مغرب الشمس فوجد جمعا وعد والا يحصيه الا الله فكاثرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد فدعاهم الى الله وعبادته فمنهم من أمن ومنهم من صدّ عنه- فعمد الى الذين تولوا عنهم فادخل عليهم الظلمة فدخلت في أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته- فجند من اهل المغرب جندا عظيما فانطلق يقودهم والظلمة يسوقهم حتى اتى هاويل فعمل فيهم كفعله في ناسك- ثم معنى حتى اتى الى منسك عند مطلع الشمس فعل وجند فيها كفعله في الامتين- ثم أخذ ناحية الأرض اليسرى فاتى قاويل فعل فيها كعلمه فيما «1» قبلها ثم عمد الى الأمم الّتي في وسط الأرض فلما دناهما يلى منقطع الترك نحو المشرق قالت له امة صالحة من الانس يا ذا القرنين ان بين هذين الجبلين خلقا أمثال البهائم يفترسون الدواب والوحوش لهم أنياب واضراس كالسباع يأكلون الحيّات والعقارب وكل ذى روح خلق الله في الأرض وليس يزداد خلق كزيادتهم ولا شك انهم يملكون الأرض ويظهرون عليها ويفسدون فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدّا- قال ما مكنّى فيه ربّى خير- وقال أعدو الى الصخور والحديد والنحاس حتى اعلم علمهم- فانطلق حتى توسط بلادهم فوجدهم على مقداد واحد يبلغ طول الوجل منهم مثل نصف الرجل المربوع منا- لهم مخاليب كالاظفار في أيدينا وأنياب واضراس كالسباع ولهم هلب «2» من الشعر في أجسادهم ما يواريهم ويتقون به من الحر والبرد- لكل أذنان عظيمتان يفترش إحداهما ويلتحف بالأخرى يصيف في إحداهما ويشتوفى الاخرى- «3» يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا «4» - فلما عاين ذلك ذو القرنين انصرف الى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما فحفر له الأساس حتى بلغ الماء وجعل حشوه الصخر وطينه النحاس المذاب

_ (1) وفي الأصل فيما قبله. (2) الهلب الشعر وقيل ما غلظ من شعر الذنب بنهاية- قلت لعل المراد بالهلب هاهنا الشعر الغليظ 12؟؟؟ (3) يتساقدون من سقد؟؟؟ الذكر على الأنثى سفادا بالكسر نزا اى جامع 12 قاموس- منه رح [.....] (4) هذا الأثر الطيل العجيب من مز؟؟؟ حزتان اهل الكتاب لا يصح سنده كما في البيضاوي 12 الفقير الدهلوي-

[سورة الكهف (18) : آية 95]

فيصب عليه فصار كانه عرق من جبل تحت الأرض وذلك قوله عزّ وجلّ انّ يأجوج ومأجوج مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ اى في ارضنا بالقتل والتخريب وإتلاف المزرع- قال الكلبي كانوا يخرجون ايام الربيع الى ارضهم فلا يدعون شيئا اخضر الا أكلوه ولا شيئا يابسا الا حملوه وأدخلوه ارضهم- وقد لقوا منهم أذى شديدا او قيل انهم كانوا يأكلون الناس فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً قرا حمزة والكسائي هنا وفي المؤمنين خرجا بالألف والباقون بغير الالف وهما لغتان بمعنى واحد اى جعلا واجرا نخرجه من أموالنا- وقال ابو عمرو الخرج ما تترغب به والخراج مالزمك أداؤه وقيل الخراج على الأرض والخرج على الرقاب يقال إذ خرج راسك وخراج مدينتك- وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) يحجز دون خروجهم قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر بضم السين والباقون بفتحها-. قالَ ذو القرنين ما مَكَّنِّي قرأ ابن كثير بنونين مخففتين الاولى مفتوحة والثانية مكسورة على الأصل من غير ادغام. والباقون بنون مشددة مكسورة بالإدغام فِيهِ رَبِّي اى ما جعله الله لى فيه من المكنة بالمال والملك خَيْرٌ مما تجعلون لى عليه بإعطاء الجعل فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ اى فعلة او به أتقوى به من الآلات أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ تبرعا رَدْماً (95) حاجزا حصينا وهو اكبر من السدين قولهم نوب مردّم إذا كان رقاع فوق رقاع. آتُونِي قرأ الجمهور بقطع الهمزة ومدة بعدها من الإيتاء بمعنى المناولة فلا منافاة بينها وبين رد الخراج والاقتصار على المعونة بالأبدان- لان إعطاء الآلة من الاعانة دون الخراج على العمل- فودش على أصله يلقى حركة الهمزة على التنوين قبلها وقرأ أبو بكر ردما ائتوني بكسر التنوين وهمزة ساكنة بعده جنى جيئونى- وعند الابتداء يكسر همزة الوصل ويبدل الهمزة ياء لاجتماع الهمزتين او لهما مكسورة والثانية ساكنة زُبَرَ الْحَدِيدِ اى قطعه والزبرة القطعة الكبيرة- وأصله على قراءة ابى بكر بزبر الحديد لكون الآيتان لازما حذفت الباء كما في قولك امرتك الخير فاتوا بها وبالحطب والفحم فجعل بعضها على بعض ولم يزل يجعل قطع الحديد على الحطب والفحم والحطب والفحم على قطع الحديد حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ اى بين جانبى الجبل- قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بضم الصاد والدال وأبو بكر بضم الصاد واسكان الدال والباقون بالفتحتين وكلها لغات من الصدف بمعنى الميل- لان كلا منهما مائل منعدل من الاخر ومنه التصادف بمعنى التقابل قالَ ذو القرنين للعلمة انْفُخُوا يعنى اجعلوا فيها نارا فانفخوا في النار حَتَّى إِذا جَعَلَهُ اى الحديد

[سورة الكهف (18) : آية 97]

ناراً بالاجماع- أسند الجعل الى ذى القرنين مع انه فعل العلمة لكونه بامره قالَ ذو القرنين آتُونِي قرأ حمزة وأبو بكر بخلاف عنه بهمزة ساكنة بعد اللام بمعنى المجيء وإذا ابتدا «1» كسر بهمزة الوصل وأبدل الهمزة الساكنة ياء والباقون بقطع الهمزة ومدة بعدها في الحالين بمعنى الإعطاء يعنى أعطوني قطرا أُفْرِغْ عَلَيْهِ الإفراغ الصب يعنى أصب عليه قِطْراً (96) نحاسا مذابا فاتوا بالنحاس وافرغ النحاس المذاب على الحديد فأكلت النار الحطب الفحم- وصار النحاس المذاب مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس فصار الحديد الاجر والنحاس بمنزلة الطين فصار جبلا صلدا- قال البغوي وفي القصة ان عرضه كان خمسون ذراعا- وارتفاعه مائتا ذراع وطوله فرسخ- فقطرا اسم تنازع فيه الفعلان أتوني وافرغ فاعمل البصريون الثاني وقالوا بالحذف في الاول لدلالة الثاني عليه وقالوا اعمال الثاني اولى لقربه- ولو كان مفعول أتوني لزم إتيان ضمير المفعول لا فرغ حذرا من الالتباس- وقال الكوفيون بأعمال الاول لتقدم اقتضائه وحذف المفعول من الثاني ولا التباس في الحالين-. فَمَا اسْطاعُوا أصله استطاعوا قرأ الجمهور بحذف التاء «2» حذرا من تلاقى المتقاربين وقرأ حمزة مشددا بإدغام التاء في الطاء جامعا بين الساكنين على غير حده أَنْ يَظْهَرُوهُ ان يعلوه من فوقه لطوله وملاسته وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97) من أسفله لشدته وصلابته. قالَ ذو القرنين هذا اى السد او الإقدار على تسويته رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي على عباده فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي اى وقت وعده لخروج يأجوج ومأجوج- او لقيام الساعة بان شارف يوم القيامة جَعَلَهُ دَكَّاءَ قرأ الكوفيون بالمد والهمز بغير تنوين اى أرضا ملساء مستوية- وقرأ الباقون بالتنوين من غير همز ومد وهو مصدر بمعنى المفعول اى مدكوكا مبسوطا مساويا للارض وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) كائنا لا محالة انتهى قصة ذى القرنين- قال البغوي وفي القصة ان ذا القرنين دخل الظلمة فلما رجع توفى بشهرزور وذكر بعضهم ان عمره كان نيفا وثلاثين سنة. وقال البغوي روى قتادة عن ابى رافع عن ابى هريرة يرفعه ان يأجوج ومأجوج يحفرونه يعنى السد كل يوم- حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الّذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيد الله عزّ وجلّ كما كان حتى إذا بلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الّذي عليهم ارجعوا فستحفرونه إنشاء الله غدا واستثنى فيعودون اليه وهو كهيئته حين تركوه فيحقرونه فيخرجون على الناس

_ (1) وفي الأصل إذا ابتداء كسر همزة الوصل وابدال الهمزة الساكنة- ابو محمد عفى عنه. (2) وجه مخترع لا يكاد يتم في اللفظ الثاني 12 الفقير الدهلوي.

فيتبعون المياه وبتحصن الناس في حصونهم منهم- فيرمون سهامهم الى السماء فيرجع فيها كهيئة الدم فيقولون قهرنا اهل الأرض وعلونا اهل السماء فيبعث الله عزّ وجلّ نغفا «1» فى أقفائهم فيهلكون وان دواب الأرض ليسمن ويشكر من لحومهم شكرا وروى مسلم عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما دخلنا اليه عرف ذلك فينا فقال ما شانكم فقلنا يا رسول الله ذكرت الدجال فخفضت فيه ورفعت حتى ظنتاه في طائفة النخل فقال غير الدجال أخوف عليكم ان يخرج وانا فيكم فانا حجيجه دونكم وان يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه- والله خليفتى على كل مسلم- انه شاب قطط عينه طافية أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرء عليه فواتح سورة الكهف انه خارج بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا- يا عباد الله فاثبتوا- قلنا يا رسول الله؟؟؟ لبنه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر يوم كجمعة وسائر أيامه كايامكم- قلنا فذلك اليوم الّذي كسنة أيكفينا فيه صلوة يوم قال لا اقدر واله قدره قلنا يا رسول الله وما سراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح فياتى على القوم فيدعوهم فيومنون به ويستجيبون له. فيأمر السماء فيمطر عليهم والأرض فينبت ويروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا وامده خواص- ثم يأتى القوم فيدعوهم فيردّون عليه قوله- قال فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بايديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها اخرجى كنوزك فيتبعه كنوزها كيعاسيب النحل- ثم يدعوا رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك- فبينما هو كذلك إذ بعث الله عيسى بن مريم عليه السلام فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على اجنحة ملكين إذا طأطا راسه قطر وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ- فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه الا مات ونفسه ينتهى حيث ينتهى طرفه- فيطلبه حتى يدركه بباب لدّ فيقتله- ثم يأتى عيسى قوما قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ اوحى الله الى عيسى انى قد أخرجت عبادا لى لا يدان لاحد بقتالهم فحرز عبادى الى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدب ينسلون- فيمر اوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء- ويحصر نبى الله وأصحابه حتى يكون راس الثور لاحدهم خيرا من مائة دينا ولاحدكم اليوم- فيرغب نبى الله عيسى وأصحابه الى الله- فيرسل الله عليهم

_ (1) نفضاء ود؟؟؟ يكون في الفاف الإبل والغنم منه رحمه الله تعالى-

[سورة الكهف (18) : آية 99]

النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحده ثم يهبط نبى الله عيسى وأصحابه الى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبى الله عيسى وأصحابه الى الله- فيرسل الله طيرا كاهناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله- ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى تزكها كالزلفة ثم يقال للارض أنبتي ثمرتك وروى بركتك. فيومئذ يأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بعجفها ويبارك في الرسل حتى ان اللقحة من الإبل لتكفى الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس فبينماهم كذلك إذا بعث الله ريحا طيبة فياخذهم تحت اباطهم فيفيض روح كل مؤمن وكل مسلم- ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة- وفي رواية اخرى لمسلم نحو ما ذكرنا وزاد بعد قوله لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا الى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس- فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون نشابهم الى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبا دما وروى الترمذي نحوه وفيه فيرسل الله طيرا كاعناق البخث فتحملهم فتطرحهم بالمهبل «1» - ويستوقد المسلمون من تسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين- ثم يرسل الله مطرا الى اخر الحديث- ذكر البغوي هذا الحديث ثم قال قال وهب ثم يأتون يعنى يأجوج ومأجوج البحر فيشربون مائه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الخشب والشجر ومن ظفروا به من الناس ولا يقدرون ان يأتوا مكة ولا المدينة ولا بيت المقدس- وروى البخاري عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليحجن البيت وليعتمرنّ بعد خروج يأجوج ومأجوج- قوله تعالى. وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ قيل هذا عند فتح السد يقول تركنا بعض يأجوج ومأجوج يموج اى يدخل بعضهم في بعض كموج الماء ويختلط بعضهم ببعض لكثرتهم وتسابقهم في السير- وقيل هذا عند قيام الساعة يدخل الخلق بعضهم في بعض ويختلط انسهم بجنهم حيارى- ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ لقيام الساعة يعنى نفخة البعث فَجَمَعْناهُمْ اى الخلق جَمْعاً (99) للحساب والجزاء في صعيد واحد. وَعَرَضْنا اى ابرزنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (100) حتى شاهدوها عيانا. الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ اى في غشاء والغطاء ما يستر الشيء عَنْ ذِكْرِي اى عن رؤية الآيات والدلائل على وجودى وصفاتى فاذكر بالتوحيد والتعظيم وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) اسماعا لذكرى وكلاعى وما يرشدهم الى الحق من القول. وذلك لما كتب الله عليهم

_ (1) المرهبل هو الهوة الذاهبة في الأرض. مجمع البحار-

[سورة الكهف (18) : آية 102]

من الشقاء وما القى في قلوبهم من العناد والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يقوم مقامه لكون مبادى تعيناتهم الاسم المضل-. أَفَحَسِبَ يعنى أفظن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي يعنى الملئكة والمسيح وعزيرا وقال ابن عباس يعنى الشياطين الذين أطاعوهم من دون الله وقال مقاتل الأصنام سميت عبادا كما قال انّ الّذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم مِنْ دُونِي قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها وقوله من دونى حال من قوله أَوْلِياءَ يعنى أربابا او شفعاء قوله عبادى واولياء مفعولان ليتّخذوا وان مع صلتها سد مسد المفعولين لحسب والاستفهام للانكار يعنى ليس الأمر كذلك بل هم لهم اعداء يتبرءون منهم فان العباد الصالحين اعداء للكافرين والشياطين والأصنام- إذا كان يوم القيمة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا ويتبرءون عمن عبدهم- او المفعول الثاني لحسب محذوف حذف كما يحذف الخبر للقرينة يعنى أفحسبوا اتخاذهم عبادى اولياء نافعا لهم- وقال ابن عباس يريد افظن الذين كفروا ان يتخذوا غيرى اولياء انى لا اغضب لنفسى ولا أعاقبهم. فعلى هذا التأويل كلا المفعولين لحسب «1» محذوفان اعنى انى لا اغضب فان ان مع اسمها وخبرها سد مسدهما- وقوله ان يتخذوا مقدر بحرف الجر متعلق بكفروا يعنى باتخاذهم اى بسبب اتخاذهم غيرى اولياء- وجاز ان يقال تقدير الكلام على قول ابن عبّاس أظنوا ان الاتخاذ المذكور لا يغضبنى ولا أعاقبهم كلا فعلى هذا المفعول الثاني محذوف فحسب إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا (102) اى منزلا او ما يعد الضيف قبل نزوله- وفيه تهكم وتنبيه على ان لهم وراءها من العذاب ما يستحقر دونه ما سبق منه. قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ «2» بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) نصب على التمييز وجمع لانه من اسماء الفاعلين او لتنوع أعمالهم. الَّذِينَ ضَلَّ اى ضاع سَعْيُهُمْ اجتهادهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلق بسعيهم وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) اى عملا محل الموصول الرفع على الخبر لمحذوف اى هم الّذين ضلّ سعيهم فهو جواب السؤال والجر على البدل من الأخسرين او النصب على الذم- قال ابن عبّاس وسعد بن ابى وقاص هم اليهود والنصارى حسبوا أنفسهم على الحق وهم على الدين المنسوخ- وقيل هم الرهبان الذين في الصوامع حسبوا أنفسهم انهم تركوا الذّات الدنيا طمعا في الآخرة وقد ضلّ سعيهم لكونهم على الكفر- وقال على بن ابى طالب رضى الله عنه

_ (1) وفي الأصل محذوف (2) وفي الأصل قل هل انبّئكم-

[سورة الكهف (18) : آية 105]

هم أهلي حرورا يعنى الخوارج فانهم أول فرقة بغوا على اهل السنة والجماعة من الصحابة ومن معهم وزعموا الهم على الحق- فالمراد بقول علىّ رضى الله عنه انهم اهل الأهواء الذين خالفوا اهل السنة فدخل فيهم الروافض والمعتزلة وسائر اهل الأهواء- قلت والظاهر ان المراد بهم الكفار الذين لا يرون البعث والنشور فيعلمون ويتبعون فيما يرونه نافعا لهم في الحيوة الدنيا ولا يرون وراء الدنيا شيئا ويزعمون انه من يعمل عملا يضره في الدنيا من اعمال الاخرة فهو مجنون سفيه- يدل على ذلك قوله تعالى. أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ المنزلة وَلِقائِهِ يعنى بالبعث بعد الموت ويشعر هذه الاية بالتشنيع فيمن يعتقد البعث لكنه يقدم اعمال الدنيا على اعمال الاخرة ويتعب لاجل الدنيا ويترك امر الاخرة الى مغفرة الله وفضله- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله- رواه احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم بسند صحيح عن انس والله اعلم- وان كان المراد بالآية اليهود والنصارى فالمعنى انهم لا يعتقدون البعث على ما هو عليه او المراد بلقائه لقاء عذابه فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الّتي عملوها لاكتساب الدنيا او الّتي عملوها طمعا في الثواب ولا يثابون عليها لاجل كفرهم فان الايمان شرط لقبول الحسنات كلها فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) يعنى لا يكون لهم عند الله قدر واعتبار- عن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انّه به قال ليأتى الرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال اقرءوا فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا- متفق عليه واخرج ابو نعيم والآجري في هذه الاية عن ابى هريرة انه قال القوى الشديد الأكول يوضع في الميزان فلا يزن شعيرا يدفع الملك من أولئك سبعين الفا دفعة واحدة- او المعنى لا نضع لهم ميزانا يوزن به أعمالهم لا؟؟؟ نحباطها بل يلقون في النار بلا وزن او المعنى لا يكون لاعمالهم الّتي يرونها حسنات وزنا في الميزان- قال البغوي قال ابو سعيد الخدري يأتى الناس باعمال يوم القيامة عندهم في العظم كجبال تهامة فاذا وزنوها لم تزن شيئا فذلك قوله عزّ وجلّ فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا- قال السيوطي اختلف اهل العلم هل يختص الميزان بالمؤمنين او يوزن اعمال الكفار ايضا واستدل للاول بقوله تعالى فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً- وأجاب القائلون بالثاني بانه مجاز عن عدم الاعتداء بهم لقوله تعالى وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ الاية الى قوله أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ- وقال القرطبي الميزان

[سورة الكهف (18) : آية 106]

لا يكون لى حق كل واحد وان الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان وكذلك من يعجل به الى النار بغير حساب وهم المذكورون في قوله تعالى يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ الاية- وهذا الّذي قاله القرطبي يجمع بين القولين والآيتين- والفريق الذين فيعجل هم الّذين لا يقام لهم وزن وبقية الكفار ينصب لهم الميزان كذا قال السيوطي- قلت ويحتمل تخصيص الكفار المذكورين بالمنافقين (لانهم الذين يبقون في المسلمين) واهل الكتاب الذين لا يبدلون بعد لحوق كل امة بما كانت تعبد. ذلِكَ يعنى الأمر ذلك وقوله جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ جملة مستأنفة مبيّنة له ويجوز ان يكون ذلك مقيد؟؟؟ الجملة خبره والعائد محذوف اى جزاؤهم به او جزاؤهم بدله وجَهَنَّمُ خبره او جزاؤهم خبره وجهنّم عطف بيان للخبر بِما كَفَرُوا اى بسبب كفرهم وَاتَّخَذُوا واتخاذهم آياتي وَرُسُلِي هُزُواً (106) اى سخرية وهزوا بهم.. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ فيما سبق في حكم الله ووعده جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) عن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سالتم الله فاسئلوه الفردوس فانه اوسط «1» الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجّر انهار الجنة متفق عليه واخرج الترمذي والحاكم عن عبادة بن الصامت والبيهقي «2» عن معاذ بن جبل نحوه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الجنة مائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ومن فوقها يكون العرش ومنها تفجّر النهار الجنة الاربعة فاذا سالتم الله فاسئلوه الفردوس واخرج البزار عن العرباض بن سارية والطبراني عن ابى امامة نحوه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سالتم الله فاسئلوه الفردوس فانه أعلى الجنة- وزاد في حديث ابى امامة ان اهل الفردوس يسمعون أطيط العرش- قال البغوي قال كعب ليس في الجنان أعلى من جنة الفردوس فيها الا ترون بالمعروف والناهون عن المنكر وقال مقاتل الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها وأنعمها- واخرج احمد والطيالسي والبيهقي عن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جنات الفردوس اربع جنتان من ذهب حليتهما وأبنيتهما وما فيها وجنتان من فضة الحديث- قلت هذا الحديث يدل على ان كل جنة يسمى بالفردوس والصحيح هو الاول فاما في هذا الحديث سهو من الراوي او المراد بالفردوس معناه اللغوي- قال كعب الفردوس البستان فيه الأعناب وقال مجاهد هو البستان بالرومية وقال عكرمة

_ (1) قال السيوطي المراد بوسط الجنة خيارها- 12 منه رح. (2) وفي الأصل عن عبادة بن الصامت والبيهقي نحوه عن معاذ بن جبل نحوه- ابو محمد عفى عنه.

[سورة الكهف (18) : آية 108]

هى الجنة بلسان الحبشة وقال الزجاج لفظ بالرومية منقول الى لفظ العربية وقال الضحاك هى الجنة الملتفة بالأشجار وقيل هى الروضة المستحسنة وقيل هى روضة تنبت ضروبا من النبات وجمعه فراديس فهذا الإطلاق في الحديث من حيث معناه اللغوي- واما بالمعنى العلمي فهوا على الجنات- فان كان المراد في لاية المعنى اللغوي فالموصول على عمومه وإن كان المعنى العلى فالمراد بالذين أمنوا الذين أمنوا حقيقة الايمان- اخرج البيهقي عن انس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله تبارك وتعالى خلق الفردوس بيده ونظرها على مشرك ومدمن خمر- واخرج ابن ابى الدنيا في صفة الجنة عن عبد الله ابن الحارث بن نوفل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله تبارك وتعالى ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التورية بيده وغرس الفردوس بيده وقال وعزتى وجلالى لا يدخلها مدمن خمر ولا ديوث- قالوا يا رسول الله وما الديوث قال الّذي يقرّ السوء في اهله وقد مر تفسير قوله نزلا. خالِدِينَ فِيها حال مقدرة لا يَبْغُونَ اى لا يطلبون عَنْها حِوَلًا (108) تحولا إذ ليس شى أطيب منها حتى ترغب أنفسهم اليه- ويجوز ان يراد به تأكيد الخلود والله اعلم- اخرج الحاكم وغيره عن ابن عباس قال قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسئل عنه هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فسألوه فنزلت ويسئلونك عن الرّوح قل الرّوح من امر ربّى وما أوتيتم من العلم الّا قليلا- فقالت اليهود أوتينا علما كثيرا أوتينا التورية ومن اوتى التوراة فقد اوتى خيرا كثيرا فنزلت. قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ يعنى ماء البحر مِداداً يكتب به والمداد اسم لما يمد به الشيء كالحبر الدوات والسليط للسراج- وأصله من الزيادة ومجىء شيء بعد شيء قال مجاهد لو كان البحر مدادا للقلم والمقلم يكتب لِكَلِماتِ رَبِّي اى كلمات علمه وحكمته لَنَفِدَ الْبَحْرُ اى جنس ماء البحر باسره لان كل جسم متناد؟؟؟ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي فانها غير متناهية لا تنفد- قراء حمزة والكسائي تنفد بالياء لتقدم الفعل وإسناده الى مونث غير حقيقى وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ اى بمثل البحر الموجود مَدَداً (109) زيادة ومعونة لان مجموع المتناهي متناه بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون الا متناهيا للدلائل القاطعة على تناهى الابعاد والمتناهي ينفد قبل غير المتناهي لا محالة- قلت لو فرضنا البحر او الأبحر السبعة وما زاد مدادا يكتب بها كلمات علمه تعالى فلا شك ان كل جزء منها يقوم بالقلم لا يمكن ان يكتب به ما معنى على ذلك الجزء من الأحوال الطارية عليه- وان كانت ذلك الأحوال متناهية فكيف ما عداها من الممكنات

[سورة الكهف (18) : آية 110]

المعلومة لله تعالى- فهيهات هيهات احاطة المتناهي لغير المتناهي وقال البغوي قال ابن عباس قالت اليهود أتزعم انا قد أوتينا الحكمة وفي كتابك ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا ثم تقول وما أوتيتم من العلم الّا قليلا- فانزل الله هذه الاية يعنى ان ذلك العلم الّذي في الكتب خير كثير في نفسه لكونه متكفلا لصلاح معاشكم ومعادكم لكنه فطرة من بحار كلمات الله والباء للتعدية ومثله مفعول لجئنا ومددا تمييز نحو على التمرة مثلها زيدا ولى مثله رجلا. قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ قال ابن عبّاس علّم الله عزّ وجلّ رسوله، صلى الله عليه وسلم التواضع لئلا يزعى على خلقه فامره ان يقرّ فيقول انى آدمي مثلكم الا انى خصصت بالوحى وأكرمني به يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا شريك له قلت فيه سد لباب الفتنة افتتن بها النصارى حين راؤا؟؟؟ عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى وقد اعطى الله تعالى لنبيّنا صلى الله عليه وسلم من المعجزات أضعاف ما اعطى عيسى عليه السلام فامره بإقرار العبوديّة وتوحيد الباري لا شريك وله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ اى يخاف المصير اليه ويأمل رويته وحسن ثوابه- قال البغوي الرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل جميعا قال الشاعر فلاكل ما ترجو من الخير كائن ولاكل ما ترجو من الشر واقع- فجمع بين المعنيين فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً يرتضيه وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) اى لا يراى بعمله ولا يطلب على عمله اجرا من أحد غيره تعالى جزاء ولا ثناء اخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا في كتاب الإخلاص عن طاؤس قال قال رجل يا رسول الله انى اقف الموقف أريد وجه الله وأحب ان يرى موطنى فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الاية فمن كان يرجوا الآية مرسل وأخرجه الحاكم في المستدرك موصولا عن طاوس عن ابن عباس وصححه على شرط الشيخين واخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد قال كان رجل من المسلمين يقاتل وهو يحب ان يرى مكاله فانزل الله من كان يرجوا لقاء ربّه الاية- واخرج ابو نعيم وابن عساكر في تاريخه من طريق السدى الصغير من الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام او تصدق مر؟؟؟ كز بخير ارتاح له فزاد في ذلك لمقالة الناس له فنزلت في ذلك فمن كان يرجو لقاء ربّه الاية- فان قيل روى الترمذي عن ابى هريرة قال قلت يا رسول الله اما في بيتي؟؟؟ في مصلاى إذ دخل علىّ رجل فاعجبنى الحال الّتي رانى عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمك الله

أبا هريرة لك اجر ان اجر السر واجر العلانية- وروى مسلم عن ابى ذر قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده «1» الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن- فان قيل هذان الحديثان «2» ينافيان ما ذكر في شأن نزول الاية- قلنا لا منافاة أصلا فان ما ذكر في شأن نزول الاية- مراده ان من عمل لله ويريد ان يراه الناس ويحمده على عمله- او يزيد في عمله إذا راه الناس فهو من الرياء والشرك الخفي- واما من عمل لله وراه الناس و؟؟؟ حمدوه فلستبشر به وهو لا يريد حمد الناس عليه ولاجراء منهم ولا يزيد في عمله لاجلهم فذلك بشره العاجل وله اجر السر والعلانية والله اعلم- وعن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمّع سمّع الله به ومن يرائى يرائ الله به متفق عليه وعن محمود بن لبيد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصفر قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصفر قال الرياء- رواه احمد وزاد البيهقي في شعب الايمان يقول الله لهم حين يجازى للعباد بأعمالهم اذهبوا الى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءا وخيرا وعن ابى هريرة اتقوا الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر قال الرياء أخرجه ابن مردوية في التفسير والاصبهانى في الترغيب والترهيب وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى امّا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركة وفي رواية فلنا منه برى هو الّذي عمله- رواه مسلم وعن ابى سعيد بن ابى فضالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله قال الله اغنى الشركاء عن الشرك- رواه احمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي وعن عبد الله بن عمرو انه جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سمع الناس بعلمه سمّع الله به مسامع خلقه وحقره وصغره- رواه احمد والبيهقي في شعب الايمان وعن شداد بن أوس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى يرائى فقد أشرك ومن صام يرائى فقد أشرك ومن تصدق يرائى فقد أشرك رواه احمد عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى يوم القيمة بصحف مختمة فتنصب؟؟؟ بين يدى الله فيقول القول هذه واقبلوا هذه فيقول الملائكة وعزتك ما كتبتا الا ما عمل- فيقول هذا كان لغير وجهى وانى لا اقبل اليوم الا ما ابتغى به وجهى وأخرجه البزار والطبراني في الأوسط والدار قطنى والاصبهانى في الترغيب وعن شهر بن عطة قال يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات فيقول رب العزة تبارك وتعالى صليت يوم كذا ليقال صلى فلان انا الله لا اله الا انا لى الدين الخالص وصمت يوم كذا ليقال صام فلان انا الله لا اله الا انا لى الدين الخالص-

_ (1) وفي الأصل يحمد الناس. ابو محمد عفا عنه. (2) وفي الأصل هذين الحديثين- ابو محمد عفا الله عنه.

فما يزال يمحى شيء بعد شيء فيقول ملكاه لغير الله كنت تعمل وعن شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تبارك وتعالى يجمع الأولين والآخرين ببقيع واحد منفذ البصر يسمعهم الداعي فيقول انا خير شريك فكل عمل لى في دار الدنيا كان فيه شريك فانا ادعه اليوم لشريكى ولا اقبل اليوم الا خالصا- رواه الاصبهانى وعن ابن عباس من رايا بشى من عمله وكّله الله اليه يوم القيامة وقال النظر هل يغنى عنك شيئا- وتأويل الاية على طريقة الصوفية فمن يرجوا لقاء الله يعنى وصله بلا كيف بالدنو والتدلّى حتى يكون قاب قوسين او ادنى فليعمل عملا صالحا بعد فناء النفس وازالة رذائلها فان رذائل النفس تفسد العمل ولا تصلح العمل الا بعد فناء النفس- ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا يعنى لا يكون لقلبه تعلق علمى ولا حبى لغير الله تعالى- فان التعلق العلمي بالقلب هو الذكر والذكر هو العبادة- والحب يقتضى العبادة والمحبوب هو المعبود- فان العبادة هى غاية الذل والتواضع والمرء بذل نفسه ويتواضع فايته عند محبوبه وإنما يحصل ذلك بعد فناء القلب فان قيل العلم بغير الله لا ينفك عن اولياء الله بل عن الأنبياء ايضا- قلنا العلم بعد فناء القلب لا يكون محله القلب بل يكون قلبه مهبط لتجليات الرحمن- لكنه يتعلق بوراء ذلك المحل لبقاء ماده التكليف على مقتضى الحكمة- والله اعلم- فصل عن ابى الدرداء يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال رواه مسلم واحمد وابو داؤد والنسائي وروى الترمذي عنه بلفظ من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال وقال هذا حديث حسن صحيح وروى احمد ومسلم والنسائي عنه بلفظ من قرا العشر الأواخر «1» من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال وعن سهل بن معاذ عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قرا أول سورة الكهف وآخرها كانت له نور من قدمه الى رأسه- ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض الى السماء رواه البغوي وأخرجه ابن السنى في عمل اليوم والليلة واحمد في مسنده- عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الكهف عند مضجعه كان له نورا في مضجعه يتلالا الى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم- فان كان مضجعه بمكة كان نورا يتلألأ من مضجعه الى بيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ أخرجه ابن مردوية وعن ابى سعيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرا. في ليلة فمن كان يرجوا لقاء ربّه الاية كان له نورا من عدن الى مكة حشوه الملائكة 12- ازالة الحنفاء- منه رحمه الله-

قال من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له النور ما بين الجمعتين- رواه الحاكم وصححه والبيهقي في الدعوات الكبير ورواه البيهقي في شعب الايمان بلفظ من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق- وعن البراء بن عازب قال كان رجل يقرأ سورة الكهف والى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشه سحابة فجعلت تدور وتدنر- وجعل فرسه ينفر فلمّا أصبح اتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال تلك السكينة تنزلت بالقران متفق عليه تم تفسير سورة الكهف بعون الله تعالى (ويتلوه سورة مريم إنشاء الله تعالى) يوم الأربعاء خامس عشر من شهر ذى الحجة من السنة الثانية بعد المائتين والف (سنة 1202) من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

فهرس سورة مريم عليها السلام من التفسير المظهرى

فهرس سورة مريم عليها السّلام من التفسير المظهرى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحه مسئله ما ورد في ان الأنبياء لا يورثون المال 83 بيان درجة الصديق 98 قصة إدريس ودخوله الجنة 103 حديث اتلوا القران وابكوا فان لم تبكوا فتباكوا 104 ما ورد في الغىّ انه نهرا وواد في جهنم 105 ما ورد في ورود الناس كلهم في النار ثم ينجى الله المتقين- وفي تحقيق الورود 111 ما ورد في حشر المتقين ركبانا وحشر الكفار عطاشا مشاة على وجوههم 118 حديث من كنت مولاه فعلىّ مولاه 122 حديث ذكر علىّ عبادة وحبّ علىّ عبادة 122 حديث إذا أحب الله عبدا قال لجبرئيل قد أحببت فلانا فاحبه الحديث 122.

سورة مريم عليها السلام

سورة مريم عليها السّلام مكيّة وهى ثمان وتسعون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسر وتمم بالخير. كهيعص (1) قرأ أبو بكر والكسائي بامالة فتحة الهاء والياء وابن كثير وحفص بفتحهما وابن عامر وحمزة بفتح الهاء وامالة الياء ونافع بامالة الفاء والياء بين بين. ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ يظهر قال لفظة صاد عند الذال من ذكر نافع وعاصم والباقون يدغمونها ذكر خير لما قبله ان كان المراد به السورة او القران فانه مشتمل عليه او خبر مبتداء محذوف اى هذا المتلوّ ذكر رحمت ربّك او مبتدا حذف خبره اى فيما يتلى عليك ذكر رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ مفعول للرحمة او الذكر على ان الرحمة فاعله على الاتساع كقولك ذكرنى جود زيد زَكَرِيَّا (2) بدل منه او عطف بيان قرأ حمزة والكسائي وحفص بالقصر والباقون بالمد. إِذْ نادى الظرف متعلق بالرحمة او بالذكر يعنى دعا رَبَّهُ فى مجرابه نِداءً خَفِيًّا (3) اى سرّا في جوف الليل لان الذكر والدعاء سرا اكثر إخلاصا والإخفاء سنة الدعا وثم فسر النداء بقوله. قالَ رَبِّ اى يا ربى حذف حرف النداء والمضاف اليه اختصارا إِنِّي وَهَنَ اى ضعف ورق الْعَظْمُ مِنِّي أسند الوهن الى العظم لانه دعامة البدن واصل بنائه او لانه أصلب أعضاء البدن فاذا وهن كان ما وراؤه اوهن- وتوحيده بارادة الجنس وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً شبّه الشيب بالنار لبياضه وانتشاره في الشعر باشتعالها وأسند الاشتعال الى الراس وجعل الشيبا تمييزا مبالغة واشارة الى استيعاب الشيب جميع الراس واكتفى

[سورة مريم (19) : آية 5]

باللام عن الاضافة لان ظهور المراد يغنى عن التقييد فانه يحكى عن رأسه لا عن رأس غيره والمعنى رب انى شبت واختلفوا في سنه حينئذ فقيل ستون أخرجه ابن ابى حاتم عن ابن المبارك وقيل سبعون أخرجه عبد الرزاق وابن ابى حاتم عن الثوري- وقال المحلى مائة وعشرون سنة وبلغت امرأته ثمان وتسعين سنة وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ اى يا ربى شَقِيًّا (4) اى خيّبا يعنى كلما دعوتك في الماضي استجبت لى ولم تخيبنى قط- فالاجابة منك لدعائى جرى منك وعادة وسنة وانى أطمع الاجابة منك الان لماء لودتنى به والكريم لا يخيب من أطمعه فالمصدر مضاف الى المفعول اى بدعائى إياك- وجاز ان يكون مضافا الى الفاعل ويكون المعنى انك لما دعوتنى للايمان امنت بك ولم أشق بترك الايمان- فاستجب دعائى ببركة الايمان بك واجابة دعائك- وجملة لم أكن معطوفة على ما سبق او حال من ضمير المتكلم فانه في المعنى فاعل إذ معناه شبت-. وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ اى انباء عمى مِنْ وَرائِي واى بعد موتى متعلق بمحذوف اى خفت فعل الموالي بعد موتى او الذين يلون الأمر من بعدي اى ان لا يحسنوا خلافتى في أمتي بعد موتى ويبدّلوا عليهم دينهم- والجملة اما معطوفة او حال من فاعل أكن وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً لا تلد فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ فان مثله لا يرجى الا بفضلك وكمال قدرتك فانى وامرأتى لا نصلح للولادة عادة وَلِيًّا (5) يعنى ابنا يلى امرى بعد مونى. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قرأ ابو عمرو والكسائي الفعلين بالجزم على انهما جواب الدعاء والباقون بالرف على انهما صفتان لوليّا- والمراد ميراث العلم والنبوة دون المال لان الأنبياء لا يورثون المال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العلماء ورثة الأنبياء وان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن اخذه أخذ بحظ وافر- رواه احمد وابو داود وابن ماجة والدارمي من حديث كثير بن قيس ورواه الترمذي وسماه قيس بن كثير- ولهذا منع ابو بكر فاطمه رضى الله عنهما عن ميراث أبيها صلى الله عليه وسلم حين طلبته وعليه انعقد الإجماع- روى البخاري في الصحيح عن عائشة ان فاطمة والعباس أتيا أبا بكر رضى الله عنهم يلتمسان ميراثهما من النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ما تركناه صدقة وروى البخاري ايضا في الصحيح ان ازواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن ان يبعثن عثمان

[سورة مريم (19) : آية 7]

الى ابى بكر يسئلنه ميراثهن. فقالت عائشة أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة وروى البخاري ايضا عن مالك بن أوس بن الحدثان قال انطلقت حتى ادخل على عمر فاتاه حاجبه يرفا فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد قال نعم فاذن لهم ثم قال فهل لك في على وعباس قال نعم فقال عباس يا امير المؤمنين اقض بينى وبين هذا قال أنشدكم بالله الّذي باذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قال الارهط قد قال ذلك فاقبل على على وعبّاس فقال هل تعلمان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك والحديث وروى البخاري ايضا عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقتسم ورثتى دينارا ما تركت بعد نفقه نسائى ومولة عاملى فهو صدقته وفي الباب حديث حذيفة بن اليمان وزبير بن العوام وابى الدرداء والروافض ينكرون حديث لا نورث وبه ينكرون على ابى بكر رضى الله عنه مع ان مقتداهم محمد بن يعقوب الكليني روى في جامعه عن ابى عبد الله جعفر الصادق بلفظ ان الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وانما أورثوا أحاديث من أحاديثهم الحديث وايضا سياق الاية لا يقتضى ميراث المال حيث قال يرتنى ويرث من ال يعقوب مع انه لا يمكن ان يرث من ال يعقوب بأجمعهم ميراث المال وايضا يبعد ان يشفق زكريا وهو نبى من الانبيا ان يرثه بنوا عمه ماله والله اعلم وَاجْعَلْهُ رَبِّ يا ربى رَضِيًّا (6) اى مرضيا ترضاه قولا وعملا- او راضيا عنك في السراء والضراء. يا زَكَرِيَّا فيه اختصار تقديره فاستجاب الله دعاءه فقال يا زكريا- ولقد مرّ الخلاف في مد زكريا وقصوه في ال عمران إِنَّا نُبَشِّرُكَ قد مرّ الخلاف في الشديد والتخفيف فيه في ال عمران بِغُلامٍ ولد ذكر يرثك كما سألت اسْمُهُ يَحْيى صفة لغلام تولى الله سبحانه تسمينه تشريفا له لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) حال او صفية بعد صفة لغلام قال قتادة والكلبي لم يسم أحد بيحيى قبله وفيه دليل على ان التسمية بالأسامي الغريبة تعظيم للمسمى وقال سعيد بن جبير وعطاء اى لم نجعل له شبيها ومثلا كما قال الله تعالى هَلْ تَعْلَمُ له سميّا قال البغوي ومعنى؟؟؟ انه لم يكن له مثل انه لم يعص الله ولم يهم بمعصيته- قلت لعل المراد منه اجتماع اكثر الفضائل وان كان بعضها موجبا للفضل الجزئى ككونه حصورا وليس المراد كونه أفضل ممن قبله فضلّا عليا لان الخليل والكليم كانا قبله وكانا أفضل منه- وقال على بن ابى

[سورة مريم (19) : آية 8]

طلحة عن ابن عباس اى لم يلد العواقر مثله قال البيضاوي الأظهر انه اسم أعجمي وان كان عربيا فمنقول من الفعل كيعيش وبعمرو قيل سمى به لانه حيى به رحم امه أو لأن دين الله حيى بدعوته-. قالَ رَبِّ اى يا ربى أَنَّى اى كيف يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً حال ثانية او معطوف على ما سبق وهذا سوال استكشاف اى باىّ طريق يكون الولد نحوّل شابين او نلذهرمين وفيه استعجاب من الولادة نظرا الى ملاحظة الأسباب لا بالنظر الى كمال قدرته تعالى وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) أصله عتق كقعود فاستثقلوا توال السفتين والواوين فكسروا التاء فانقلبت الواو الاولى ياء ثم قلبت الثانية وأدغمت- فقرأ الجمهور عتيّا بضم الفاء اى العين وكسر ما بعدها وحفص وحمزه والكسائي بكسرها اتباعا لما بعده ومعنى العتو الإباء من الطاعة والمراد هاهنا كمال الهرم فان الضعيف لا يطيع أعضاء نفسه ولا يستطيع ان يأتى بما يريد- وقال قتادة يريد نحول» العظم يقال عتا الشيخ يعتو عتيّا وعسيّا إذا انتهى سنه وكبره فهو عات وعاس إذا صارا الى اليبس والجفاف. قالَ الله تعالى او الملك المبلغ للبشارة تصديقا له كَذلِكَ اى الأمر كذلك اى كما قلت انه مستبعد بملاحظة الأسباب مستعجب لكن قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ او المعنى الأمر كما وعدت وقال ربّك هو علىّ هيّن لا احتاج فيما أريد ان افعل الى الأسباب وجاز ان يكون المعنى قال زكريا كنا لك يعنى كما سبق فهو تكرير على التأكيد- وجاز ان يكون كذلك منصوبا بقال في قال ربّك وتنازع الفعلان اعنى قال وقال في للفاعلية فاعمل الثاني وأضمر في الاول وجاز عكس ذلك يعنى قال ربّك كذلك وهو اشارة الى ما سبق يعنى نبشرك بغلام إلخ هو علىّ ميّن بان أرد عليك قوة الجماع وافتق رحم امرأتك للعلوق او اشارة الى مبهم يفسره قوله هو علىّ هيّن وَقَدْ خَلَقْتُكَ قرأ حمزة والكسائي خلقنك بالنون والالف على التعظيم والباقون بصيغة الافراد- حال من الضمير المجرور في علىّ متعلق بهيّن مِنْ قَبْلُ هذا «2» وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9) بل كنت معدوما حال من كاف خلقتك- وفيه دليل على ان المعدوم ليس بشيء. قالَ رَبِّ اى يا ربى اجْعَلْ لِي قرأ نافع وابو عمرو يفتح الياء والباقون بإسكانها آيَةً علامة تدل على حمل امراتى قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ وأيامها كما يدل عليه اية ال عمران في القصة انه لم يقدر في تلك والأيام والليالى على الكلام من الناس

_ (1) نحل جسمه نحولا اى ذهب من مرض او سفر ورق من قاموس 12 سنه رحمه الله تعالى. (2) الاولى في التفسير ان يقال اى من قبل هل 12؟؟؟ الفقير دهلوى. [.....]

[سورة مريم (19) : آية 11]

فاذا ذكر الله انطق لسانه وتجرد للذكر والشكر سَوِيًّا (10) حال من فاعل لا نكلّم يعنى صحيحا سليما من غير خرس ولا بكم وقال مجاهد لا يمنع من الكلام مرض- وقيل سويّا اى متتابعات والاول أصح. فَخَرَجَ عطف على مقدر يعنى فظهرت الاية ومنع من التكلم فخرج عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ اى من المسجد فانها موضع الحرب مع الشيطان- وفي القاموس الغرفة وصدر البيت وأكرم مواضعه ومقام الامام من المسجد والموضع الّذي ينفرد به الملك فيتباعد عن الناس قال البغوي كان الناس من وراء المحراب ينتظرونه ان يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون إذ خرج عليهم زكريا متغير اللون فقالوا مالك يا زكريا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ فاونى إليهم لقوله تعالى الّا رمزا وقال مجاهد كتب لهم في الأرض أَنْ سَبِّحُوا ان مفسرة لا وحي فان فيه معنى القول او مصدرية اى صلوا ونزّهوا ربكم بُكْرَةً غدوة وَعَشِيًّا (11) . يا يَحْيى تقديره فحملت أم يحيى بيحيى ثمّ ولدته- ثم قلنا له حين صار أهلا للخطاب- وقال المحلى بعد ولادته بسنتين يا يحيى خُذِ الْكِتابَ اى التورية بِقُوَّةٍ اى؟؟؟ استظهار بالتوفيق وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ اى الحكمة وفهم الكتب عطف على قلنا يا يحيى صَبِيًّا (12) وهو ابن ثلاث سنين فقرأ التورية فهو صغير- ومن هاهنا قيل انه من قرا القران قبل ان يبلغ فقد اوتى الحكم صبيا قيل دعاه الصبيان الى اللعب فقال ما اللعب خلقنا- وقيل المراد بالحكم النبوة استنباه الله صغيرا. وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا عطف على الحكم يعنى أعطيناه رحمة عليه من عندنا- او رحمة وتعطفا في قلبه على أبويه وغيرهما- او هيبة ووقارا او رزقا او بركة- فى القاموس حنان كسحاب الرحمة والرزق والهيبة والوقار ورقة القلب ومنه الحنّان اسم الله تعالى بمعنى الرحيم؟؟؟ وَزَكاةً طهارة من الذنوب وقيل عنى بالزكاة الطاعة والإخلاص وقال قتادة هى العمل الصالح وهو قول الضحاك وقال الكلبي صدقة تصدق الله بها على أبويه وَكانَ تَقِيًّا (13) مسلما مخلصا مطيعا لم يعمل خطيئة ولا هم بها عطف على اتيناه. وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ اى بارّا لطيفا محسنا إليهما وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً اى متكبرا وقيل الجبار الّذي يضرب ويقتل على الغضب عَصِيًّا (14) اى عاصيا ربه. وَسَلامٌ عَلَيْهِ جملة معترضة اى سلام من الله مما يؤذيه يَوْمَ وُلِدَ سلم من ان يناله الشيطان بما ينال به بنى آدم وَيَوْمَ يَمُوتُ من عذاب القبر وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) من عذاب النار وهول يوم القيامة- قال سفيان بن عيينة بهم الإنسان في هذه الأحوال يوم ولد فيخرج هما كان فيه- ويوم يموت ويرى قوما لم يكن عاينهم ويوم يبعث حيّا فيرى نفسه في محشر

[سورة مريم (19) : آية 16]

لم ير مثله قط- فخص يحيى بالسلامة في هذه المواطن- والظرف يعنى يوم ولد مع ما عطف عليه متعلق بالظرف المستقر اعنى عليه في سلام عليه فان قيل الظرف المستقر اما مقدر بحصل واستقر كما هو مذهب البصريين او بحاصل ومستقر كما هو مذهب الكوفيين وعلى التقديرين لا دلالة له الأعلى زمان واحد اما الماضي واما الحال فكيف يتصور ظرفية يوم ولد على التقدير الثاني والأخيرين على التقدير الاول قلنا المحققون على ان العامل في الظرف عامل معنوى وهو معنى الحصول والاستقرار من غير ملاحظة زمان ولهذا قالوا العامل في الحال في قوله زيد في الدار قائما عامل معنوى وانما يعبرونه بلفظ حصل او حاصل تجوزا كما يقال هذا زيد قائما تقديره أشير زيدا قائما فلا دلالة هاهنا على الزمان أصلا- فيجوز تعلق الظروف الزمانية الثلاثة من الماضي والحال والاستقبال به لاستشمام معنى الفعل منه- ولو سلمنا انه في الأصل متعلق بحصل او حاصل فبعد ما سد الظرف مسده وانتقل الضمير من المحذوف اليه انخلع الظرف عن معنى الزمان فجاز تعلق الظروف الثلاثة به-. وَاذْكُرْ عطف على مضمون الكلام السابق لان ما يذكر يذكر ليعلمه المخاطب وليحفظه فكانه متضمن لقوله اعلم هذه القصة واحفظه فالتقدير اعلم ذكر رحمة ربّك زكريّا واذكر فِي الْكِتابِ اى في القران مَرْيَمَ اى قصتها إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها الظرف اما بدل من مريم بدل الاشتمال لان الوقت مشتمل على ما فيها- او بدل الكل لان المراد بمريم قصتها وبالظرف الأمر الواقع فيه وهما واحد او ظرف لمضاف مقدر وقيل إذ بمعنى ان المصدرية كقولك اكرمتك إذ لم تكرمنى فيكون بدلا لا محالة- اى اعتزلت وتباعدت منهم والنبذ إلقاء الشيء وهو يستلزم البعد مَكاناً شَرْقِيًّا (16) اى مكانا في الدار مما يلى المشرق وكان يوما شاتيا فجلست في مشرقه تفلى رأسها وقيل كانت طهرت من الحيض فذهبت لتغسل- وقيل تخلّت للعبادة من البيت جانب المشرق قال الحسن ومن ثم اتخذ النصارى المشرق قبلة- ومكانا ظرف او مفعول به لان في انتبذت معنى أتت. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً قال ابن عباس سترا وقيل جلست من وراء جدار وقال مقاتل وراء جبل وقال عكرمة ان مريم كانت تكون في المسجد فاذا حاضت تحولت الى بيت خالتها حتى إذا طهرت عادت في المسجد فبينما هى تغتسل من الحيض قد تجردت إذ عرض لها جبرئيل في صورة رجل شابّ امرد وضئ الوجه جعد الشاعر سوى الخلق كما قال الله تعالى فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا يعنى جبرئيل عليه السلام أضاف

[سورة مريم (19) : آية 18]

الى نفسه للتشريف سمى روحا لان الدين يحيى به وبوحيه فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) اى رجلا شابّا امر دسوىّ الخلق- وقيل المراد بالروح عيسى «1» جاء في صورة بشر فحملت به والاول أصح فلمّا رات مريم جبرئيل يقصد نحوها نادته من بعيد و. قالَتْ إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ قالت ذلك من غاية عقتها إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) وجواب الشرد محذوف اى فلا تتغرضنى او فتنتهى عنى بتعوذى وهذا كقول القائل ان كنت مومنا فلا تظلمنى اى ينبغى ان يكون إيمانك مانعا لك من الظلم فالمعنى ينبغى ان تتقى الله ويكون تقواك مانعا لك من الفجور وقيل مبنى هذا الكلام على المبالغة وتقديره ان كنت تقيّا فانى أعوذ منك فكيف إذا لم تكن كذلك- وجاز ان يكون ان نافية. قالَ جبرئيل إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ يعنى لست بشرا تخافينه وتتعوذين منه لكنى رسول ربّك من الملائكة أرسلني إليك لِأَهَبَ لَكِ أسند الفعل الى نفسه مجازا لكونه سببا ظاهريّا بالنفخ في الدرع- ويجوز ان يكون حكاية لقوله تعال تقديره أرسلني ربّك إليك يقول أرسلت رسولى إليك لاهب لك بتوسط كسبه النفخ في درعك وقرأ ورش وابو عمرو لهب لك وكذلك روى الحلواني عن قالون يعنى ليهب ربّك لك غُلاماً زَكِيًّا (19) طاهرا من الذنوب معصوما او ناميا على الخير لا يزال مرتقيا على مساعد الخير والصلاح- قال الصوفية العلية من استوى يوماه فهو مغبون. قالَتْ مريم متعجبة من قوله لكونه على خلاف العادة أَنَّى كيف يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ حال يعنى انّى يكون لى غلم في حال لم يمسسنى بشر اى بنكاح فان هذه الكنايات انما يطلق فيه- واما في السفاح فيقال خبث بها وفجر ونحو ذلك وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) فاجرة عطف على ما سبق وهو فعول عند المبرّد أصله يغى في قلبت واوه ياء وأدغمت ثم كسرت الغين اتباعا ولذلك لم يلحقه التاء- وعند غيره فعيل بمعنى فاعل ولم يلحقه التاء لانه للمبالغة- أرادت مريم ان الولد يكوان من نكاح او سفاح ولم يتحقق شيء منهما-. قالَ جبرئيل الأمر كَذلِكِ يعنى يهب الله لك غلاما وان لم يمسسك بشر ولم تك بغيا يعنى بلا اب قالَ رَبُّكِ هُوَ اى خلق الولد من غير اب عَلَيَّ هَيِّنٌ جملة قال ربك اما علة لجملة محذوفة دل عليه كذلك او حال منه بتقدير قد- وجاز ان يكون كذلك

_ (1) يأباه قوله الآتي لاهب لك غلما زكيا فافهم 12 الفقير الدهلوى

[سورة مريم (19) : آية 22]

مقولة لقال ربّك تقديره قال جبرئيل قال ربك كنا لك يعنى أهب لك غلاما من غير اب وقوله هو علىّ هيّن في معنى العلة وَلِنَجْعَلَهُ اما عطف على قوله هو علىّ هيّن لكونه في معنى العلة يعنى تفعل ذلك لكونه هينا ولنجعله- او على علة مقدرة لجملة محل دفة ت؟؟؟ ره أهب لك غلاما لنجتبيه بوحينا ولنجعله آيَةً لِلنَّاسِ اى علامة وبرهانا على كمال قدرتنا- وقيل لنجعله عطف على لبهب على طريقة الالتفات من الغيبة الى التكلم وَرَحْمَةً مِنَّا عطف على موضع لنجعل اى لنجعله اية منا على العباد يهتدون بإرشاده او على اية اى لنجعله رحمة مِنَّا وَكانَ ذلك أَمْراً مَقْضِيًّا (21) تعلق به قضاؤنا في الأزل او قدّر وسطر في اللوح او امرا حقيقا بان يقضى ويفعل لكونه اية ورحمة. فَحَمَلَتْهُ عطف على محذوف تقديره فاطمانّت بقول الملك فنفخ الملك في جيب درعها فحملت حين لبست كذا قيل وقيل مد جبرئيل جيب درعها بإصبعيه ونفخ في الجيب وقيل نفخ في كم قميصها- وقيل في فيها وقيل نفخ جبرئيل نفخة من بعيد فوصل الريح إليها فحملت بعيسى عليه السلام في الحال فَانْتَبَذَتْ به اى تنحت متلبسا بالحمل مَكاناً قَصِيًّا (22) اى في مكان بعيد من أهلها قال ابن عباس ا؟؟؟ طى الوادي وهو وادي بيت المقدس فرارا من قومها ان يعيروها بالحمل من غير زوج قال البغوي اختلفوا في مدة حملها ووقت وضعها فقال ابن عباس كان الحمل والولادة في ساعة واحدة وقيل كان مدة حملها تسعة أشهر كحمل سائر النساء وقيل ولدت لثمانية اشهد وقيل لستة أشهر وقال مقاتل بن سليمان حمته مريم في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها وهى بنت عشر سنين وكانت حاضت حيضتين قبل ان تحمل بعيسى-. فَأَجاءَهَا فالجاها وهو في الأصل مشتق من جاء ع؟؟؟ ى بهمزة الافعال لكنه خص بالإلجاء في الاستعمال كما استعمل اتى في اعطى الْمَخاضُ اى وجع الولا ومعيد مخضت المرأة إذ التحرك الولد في بطنها للخروج- أسند الفعل اليه مجازا يعنى أجاءها الله عند المخاض- او المعنى جاءت بسبب المخاض فالمخاض سبب داع للمجيئ فكانه أجاءها إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ لنستتر به ولتعمد عليه وتتمسك به على وجع الولادة والجذع هو العرق والغصن وكانت نخلة يابسة في الصحراء في شدة الشتاء لم يكن لها سعف- اخرج ابن ابى حاتم عن ابى روق بلفظ انتهت مريم الى جذع ليس له راس فهزتها فجعل بها راسا وحوصا ورطبا والتعريف للجنس قال البيضاوي لعله تعالى ألهمها

ذلك ليريها من الآيات ما يسكن روعتها ويطعمها الرطب فانها غير مطاعم النساء قالَتْ استحياء من الناس ومخافة لومهم على الولادة من غير زوج يا لَيْتَنِي المنادى محذوف تقديره يا ايها المخاطب ليتنى ولعل المخاطب هاهنا نفسها او جبرئيل عليه السّلام وقيل يا للتنبيه والجملة الندائية لاستبعاد المتمنى مِتُّ قرا ابن كثير وابو عمرو وابن عامر وأبو بكر بكسر الميم «1» من مات يمات بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر مثل خاف يخاف والباقون بفتحها من مات يموت بفتح العين في الماضي وضمها في الغابر مثل قال يقول قَبْلَ هذا الأمر وَكُنْتُ نَسْياً قرأ حفص وحمزة بفتح النون والآخرون بكسرها- والنسيان هو ضد الحفظ وترك الإنسان ضبط ما استودع اما لضعف قلبه او عن غفلة او عن قصد حتى يمحو عن القلب ذكره- وكل نسيان ذمه الله فهو ما كان أصله عن تعمد قال الله تعالى فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا- وكلّما عذر فيه فنا؟؟؟ ليس عن تعمد ومنه قوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطاء والنسيان وقد يطلق النسيان على ترك الشيء على طريق الاهانة وهو المراد إذا نسب النسيان الى الله تعالى كما في قوله تعالى نسوا الله فنسيهم- والنّسى بالكسر أصله ما نسى كالنقض لما ينقض وصار في المتعارف اسما له يقل الاعتداد به- تقول العرب احفظوا انساكم اى ما من شأنه ان ينسى وبالفتح قيل لغة فيه مثل الوتر والوتر والحبس والحبس وقيل هو مصدر سمى به او وضع المفعول والمراد بانسىء اما نسى كما هو الأصل ولهذا عقبه بقوله مَنْسِيًّا (23) دفعا لتوهم انه أريد به ما يقل الاعتداد به وان لم ينس- وقال البغوي انسى ما القى ونسى ولم يذكر لحقارية ومنسيّا اى متروكا قال قتادة اى شيئا لا يذكر ولا يعرف وقال عكرمة والضحاك ومجاهد جيفة ملقاة وقيل معناه لم اخلق فان قيل لا يجوز التمني بالموت لضرّ نزل به كما ذكر في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى فتمنّوا الموت ان كنتم صدقين- قلنا لعل ذلك قبل ورد النهى في شريعتهم او بغلبة الحال بلا قصد منها او لاجل خوف الفتنة ك الدين فان الإنسان عند خوف الفضيحة قد يكذب وقد يهلك نفسه والله اعلم وقد ذكرنا في سورة البقرة ان تمنى الموت لاجل خوف الفتنة جائز لا بأس به-

_ (1) ؟؟؟ ست المسألة من زلة القلم والصحيح فرا ابن كثير وابو عمرو وابن عامر وأبو بكر وابو جعفر ويعقوب بضم اليم من مات بموت بفتح العين في الماضي وضمها في الغابر مثل قال يقوّل- والباقون بكسر الميم من مات يمات بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر مثل يخاف يخاف كما مرّ في ال عمران- ابو محمد عفا الله عنه. .

[سورة مريم (19) : آية 24]

فَناداها مِنْ تَحْتِها قرا ابو جعفر ونافع وحمزة والكسائي وحفص بكسر الميم في من على انها جارة وجر ما بعدها وعلى هذا فاعل نادى محذوف يعنى نادها مناد وهو جبرئيل عليه السلام كذا قال ابن عباس والسدىّ وقتادة والضحاك وجماعة قالوا كانت مريم على اكمة وجبرئيل من وراء الاكمة تحتها فناداها لما سمع جزعها وقال مجاهد والحسن هو عيسى عليه السلام لمّا خرج من بطنها ناداها. فان كان المراد به عيسى فالجنة معطوفة على جملة محذوفة معطوفة على ما سبق تقديره فرضعت حملها فناداها- وقرا الباقون بفتح الميم والتاء على انها موهولة وهى مع صلتها فاعل لنادى يعني ناواها للذى كان تحتها وهو جبرئيل عليه السلام او عيسى عليه السلام ومغير تحتها راجعت الى مريم وقيل الى التحلة أَلَّا تَحْزَنِي ان مفسرة لنادى اى لا تحزن بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) جملة في مقام التعليل للنهى والتبري ال؟؟؟ هم الصغيل أخرجه الطبراني في معجم الصغير من حديث البراء بن عازب مرفوعا لكن قال لم يرفعه عن ابى اسحق الا ابو ستان وأعله بن عدى في الكامل عن ابى سفيان وهو معاوية بن يحيى وحكى تضعيف عن ابن معين والنسائي وابن المديني وذكر البخاري تعليتما عن البراء واستد عبد الرزاق وابن جرير وابن مردوية في تفاسيرهم عن البراء موقوفا عليه وكذا رواه الحاكم في المستدرك فقال انه صحيح على شرط مسلم وأخرجه الطبراني وابو نعيم في الحلية من حديث ابن عمران السّرى أخرجه الله لتشرب امه اى أم عيسى منه وفيه أيوب بن نهيك؟؟؟ هـ ابو زرعة وابى حاتم- قيل معنى تحتك تحت أمرك ان امرتيه بجرى جرى وان امرتيه بالإمساك امسك قال ابن عباس ضرب جبرئيل وقيل عيسى برجليه الأرض فظهرت عين ماء عذاب وجرى- وقيل كان هناك نهر يابس اجرى الله فيه الماء وحييت النخلة اليابسة فاورقت وأثمرت وأرطبت- وقيل البسرى السيّد من اسرد والمراد به العيسى عليه السّلام قال الحسن كان عيسى والله عبدا سريّا او رفيعا سيّدا-. وَهُزِّي إِلَيْكِ اى حركى بجذب ودفع واميلى إليك بِجِذْعِ النَّخْلَةِ والباء زائدة لتأكيد قال البغاء تقول العرب هزّه وهزّ به تُساقِطْ قرأ الجمهور بفتح التاء والقاف وتشديد السين وحمزة بضمهما مع التخفيف أصله يتساقط من التفاعل حذف حمزة احدى التاءين وادغمها غيره في السين وقرا حفص بضم التاء وكسر القاف من المفاعلة بمعنى أسقط والتأنيث لكون الضمير عائدا الى النخلة وقرأ يعقوب بالياء التحتانية والضمير حينئذ يعود الى الجذع عَلَيْكِ رُطَباً تمير من سة تتساقط وفيه مبالغة على قراة الجمهور ومفعولا به على قرأة حفص ويعقوب جَنِيًّا (25) يعنى الّذي

[سورة مريم (19) : آية 26]

بلغ الغاية وجاءا وان اجتنانه قال الربيع بن هيثم ما للنفساء عندى خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل. فَكُلِي يا مريم من الرطب وَاشْرَبِي من السرى او من الرطب وعصيره وَقَرِّي عَيْناً اى طيبى نفسا وارفضى عنك ما أحزنك- عينا تميز من نسبة قرّى يعنى لتقر عينك قبل يعنى؟؟؟ ك واشتقاقه من القرار فان العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت اليه عن النقل الى غيره ويقال قر الله عينك اى صادف فوادك ما يرضيك فيقرك بالنظر اليه من النظر الى غيره- وقبل أقر الله عليه اى أنامها يقال أقر يقر إذا سكن او من القرّ ضد الحر فان دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة- ولذلك يقال قرة العين للمحبوب وسخنتها للمكروه فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً ما زائدة أدغمت نون ان الشرطية فيها والنون للتأكيد يعنى فكلّما ترينّ يا مريم ارميا فيسئلك عن شأن ولدك فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً اى صمتا كذلك كان ابن مسعود يقرأ يعنى نذرت الرحمن ان امسك عن الكلام في شأنه وغيره مع الاناسىّ- وقال السدى كان في بنى إسرائيل من يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم حتى يمسى- فقيل ان الله أمها ان تقول هذا اشارة لكراهة المجادلة والاكتفاء بكلام عيسى عليه السّلام فانه قاطع الطعن وقيل أمها ان تقول هذا لقدر نطقا ثم تمسك من الكلام بعده فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) بعد ان أخبرتكم بنذرى يقال كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الانس. فَأَتَتْ بِهِ اى بعيسى قَوْمَها تَحْمِلُهُ اى حاملة إياه قيل انها ولدت ثم حملته في الحال الى قومها- وقال الكلبي حمل يوسف النجار مريم وابنها عيسى الى غار مكثت فيه أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها- ثم حملته مريم الى قومها فكلمها عيسى في الطريق فقال يا أماه أبشري فانى عبد الله ومسيحه- فلما دخلت على أهلها ومعها صبى راوا وبكوا وخزنوا وكانوا اهل بيت صالحين وقالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) جواب قسم محذوف اى منكرا من فرى الجلد بمعنى الشق ومنه قول الحسان لافرينّهم فرى الأديم اى اشقهم بالهجاء كما يشق الأديم ومنه يستعمل في القران كثيرا بمعنى تصنّع الكذب والشرك والظلم قال الله تعالى ومن اظلم ممّن افترى على الله الكذب- وقال ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما- فان المنكر من الشرك والمعاصي يشق عصمة الرجل وصلاحه- وقيل معناه عظيما عجيبا كانه يفرى العادة اى يقطعها ويشقها- قال وعبيدة كل امر فائق من عجب او عمل فهو فرىّ- قال النبي صلى الله عليه وسلم في عمر فلم ار عبقريّا يفرى فريه

[سورة مريم (19) : آية 28]

اى يعمل عمله عجيبا فالقافى العجب. يا أُخْتَ هارُونَ اخرج ابن ابى حاتم عن السدي انهم عنوا به هارون النبي أخا موسى عليهما السّلام لانها كانت من نسله كما يقال للقيمى يا أخا تميم- وقيل لانها كانت من أعقاب من كان مع هارون النبي في طبقة الاخوة أخرجه ابن ابى حاتم عن علّى بن ابى طلحة- وقال الكلبي كان هرون أخا مريم من أبيها وكان أمثل رجل في بنى إسرائيل روى البغوي عن المغيرة بن شعبة قال شاقدمت نجران سالوق فقالوا انكم تقرءون ياخت هرون وموسى كان قبل عيسى بكذا وكذا- فلمّا قدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم سالته عن ذلك فقال انهم كانوا يسمون بانبيائهم والصالحين من قبلهم- رواه مسلم في الصحيح وقال البغوي قال قتادة وغيره كان هارون رجلا صالحا عابد في بنى إسرائيل روى انه تبع جنازته يوم مات أربعون الفا كلهم يسمى هارون بنى إسرائيل سوى سائر الناس- شبهوها به على معنى انك مثله في الصلاح وليس المراد منه الاخوة في النسب كما قال الله تعالى إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ اى أشباههم- كذا اخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن فتادة وانما شبهوها به تهكما او لما راو اقبل ذلك عن صلاحها وقيل كان هارون رجلا فاسقا من بنى إسرائيل عظيم الفسق فشبهوها به شتما كذا اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير ما كانَ أَبُوكِ عمران امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ عنّه بَغِيًّا (28) زانية فيه تقرير لكون ذلك منها امرا فريّا فان الفواحش من أولاد الصالحين افحش واعجب. فَأَشارَتْ مريم إِلَيْهِ اى الى عيسى ان كلموه قال ابن مسعود لمّا لم يكن لها حجة اشارت اليه ليكون كلامه حجة لها وفي القصة انها لما اشارت اليه غضب القوم وقالوا بئسما فعلت تسخرين منّا قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ كان زائدة كما في قوله تعالى هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا وصلة من قوله فِي الْمَهْدِ اى الظرف المستقر صَبِيًّا (29) حال من المستكن في الظرف- وجاز ان يكون كان تامة او للدوام كما مرّ في قوله تعالى كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً او بمعنى صار- والمراد بالمهد حجر امه وقيل هو المهد بعينه- يعنون انه لم نعهد عاقلا كلم صبيّا اى في المهدى صبيا لم يعقل فلم يتكلم بعد قال السدى فلمّا سمع عيسى كلامهم ترك الرضاع واقبل عليهم وقيل لما اشارت اليه ترك الثدي واتكى على يساره واقبل عليهم وجعل يشير بيمينه و. قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ أشار باضافة نفسه الى الله انه عبد مكرّم ولمّا كان القوم منكرين لذلك أورده بالتأكيد- قال وهب أنا ها زكريا عند مناظرتها اليهود فقال لعيسى النطق بحجتك ان كنت أمرت بها- فقال عند ذلك عيسى وهو ابن أربعين يوما

[سورة مريم (19) : آية 31]

وقال مقاتل قال يوم ولد انّى عبد الله أقرّ على نفسه بالعبودية لله عزّ وجلّ أول ما تكلم لئلا يتخذه النّاس الها آتانِيَ قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها الْكِتابَ قال الحسن الهم التورية وهو في بطن امه- وقال الأكثرون أوتي الإنجيل وهو صغير طفل وكان يعقل عقل الرجال وقيل معناه سيؤتينى الكتب اى الإنجيل وكذا قوله وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) يعنى سيجعلنى نبيا والتعبير بلفظ الماضي بجعل المحقق وقوعه كالواقع- وقيل هذا اخبار عما كتب له في اللوح المحفوظ كما قيل للنبى صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيّا- قال كنت نبيّا وآدم بين الروح والجسد- رواه ابن سعد وابو نعيم في الحلية عن ميسرة الفجر بن سعد عن ابى الجدعاء والطبراني عن ابن عباس-. وَجَعَلَنِي مُبارَكاً البركة اما بمعنى ثبات الخير وقراره ماخوذ من برك البعير- واما بمعنى الزيادة في العطاء يقال اللهم بارك في عطائك- او بمعنى العظمة والكرم يقال هذا من بركة فلان- قيل معناه هاهنا اى نفّاعا وقال مجاهد معلما للخير وقال عطاء ادعوا الى الله والى توحيده وعبادته وقيل مباركا على من تبعني أَيْنَ ما كُنْتُ حيث كنت وفي الأرض او في السماء وحيث توجّهت- ويستفاد منه انه نفاع في السماء يستفيد منه الملائكة وَأَوْصانِي أمرني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ اى تطهير المال بأداء ما وجب فيه وتطهير النفس عن الرذائل- قال البغوي فان قيل لم يكن بعيسى مال فكيف يؤمر بالزكاة قيل معناه أمرني بالزكاة لو كان لى مال وقيل باستكثار الخير وقيل معناه أوصاني بان أمركم بالصلوة والزكوة ما دُمْتُ حَيًّا (31) ظرف للصلوة والزكوة يعنى أوصاني بان أصلي وازكى مدة حياتى. وَبَرًّا اى بارّا بِوالِدَتِي عطف على مباركا او منصوب بفعل دل عليه أوصاني اى وكلفنى برا وبرّا حينئذ مصدر وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً اى عاتيا منكبرا شَقِيًّا (32) عاصيا بربه قيل الشقي الّذي يذنب ولا يتوب. وَالسَّلامُ اى السلامة عَلَيَّ جملة فعليه في الأصل ولذلك عطف على فعلية سابقة جعلت اسمية للدلالة على الاستمرار يَوْمَ وُلِدْتُ من طعن الشيطان وَيَوْمَ أَمُوتُ من عذاب القبر وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (32) من الأهوال وعذاب النار او التحية من الله عند كل تغير الأحوال- واللام للعهف او للجنس وفيه تعريض باللعن على أعدائه فانه لما جعل جنس السلام على نفسه وعلى من هو في معناه بالايمان- عرض بان ضداه على من يضاده كقوله تعالى والسّلام على

[سورة مريم (19) : آية 34]

من اتّبع الهدى فانه تعريض بانّ العذاب على من كذّب وتولّى قال البغوي فلمّا كلمهم عيسى بهذا علموا براءة مريم ثم سكت عيسى فلم يتكلم بعد ذلك حتى نبلغ المدة الّتي يتكلم فيها الصبيان-. ذلِكَ الّذي تقدم ذكره بكونه معترفا بالعبودية وغير ذلك عِيسَى مبتدا وخبر ابْنُ مَرْيَمَ نعت او خبرثان يعنى ليس عيسى من يصفه النصارى بالالوهية فانه منحوت خيالهم- فيه تكذيب لهم فيما يصفونه على الوجه الأبلغ والطريق البرهاني حيث جعله الموصوف باضداد ما يصفونه- ثم عكس الحكم قَوْلَ الْحَقِّ قرأ ابن عامر وعاصم ويعفو بالنصب على انه مصدر موكد تقديره أقول قول الحقّ او على المدح- والباقون بالرفع على انه خبر مبتداء محذوف اى الكلام السابق قول الحقّ لاريب فيه واضافة القول الى الحق للبيان وقيل هذا صفة لعيسى او بدل منه او خبرثان لذلك والحق هو الله ومعناه وكلمته الله الَّذِي فِيهِ اى في امره يَمْتَرُونَ (34) اى يشكوّن ويتنازعون فقالت اليهود ساحر كذاب وقالت النصارى ابن الله او هو الله- ثم نفى عن نفسه الولد فقال. ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ جىء بمن لتأكيد النفي سُبْحانَهُ مصدر أقيم مقام الفعل اى أسبحه سبحانا- فهو جملة معترضة للدلالة على تنزه ذاته عن اتخاذ الولد إِذا قَضى أَمْراً اى أراد ان يحدث شيئا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) ومن ذلك احداث عيسى بلا اب ومن كان كذلك كان منزعا من مشابهة الخلق بريّا من الحاجة في اتخاذ الولد باحبال الإناث والتجزى بالعلوق- فالجملة الشرطية في مقام التعليل لنفى اتخاذ الولد- قرأ ابن عامر فيكون بالنصب على الجواب-. وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ قرأ الكوفيون وابن عامر ويعقوب بكسر الالف على الاستيناف عطفا على انّى عبد الله- واهل الحجاز وابو عمرو بفتح الالف عطفا على الصلاة والزكوة يعنى وأوصاني بان الله ربى- او مبتدأ حذف خبره تقديره وثابت انّ الله ربّى وربّكم والجملة معطوفة على انّى عبد الله مقولة للقول- فيه اشارة الى استكمال القوّة النظريّة باعتقاد التوحيد وفي قوله فَاعْبُدُوهُ اشارة الى استكمال القوّة العمليّة بإتيان المأمورات والانتهاء عن المناهي والفاء للسبية- وفي قوله هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) تعليل لقوله فاعبدوه وتأكيد لما سبق يعنى الجمع بين الامرين هو الطريق المشهود له بالخير-. فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ يعنى اليهود والنصارى او فرق النصارى تحزّبوا اى تفرقوا ثلاث

[سورة مريم (19) : آية 38]

فرق في امر عيسى قالت النسطورية انه ابن الله- وقالت اليعقوبية انه هو الله هبط الى الأرض ثم صعد الى السماء وقالت الملكائية هو عبد الله ورسوله وجملة فاختاف معطوفة على قال عيسى مِنْ بَيْنِهِمْ كلمة من زائدة والظرف متعلق باختلف- والمعنى من بين أصحابه او من بين قومه او من بين الناس فَوَيْلٌ الفاء للسببية ووبل في الأصل مصدر منصوب معناه هلكوا هلاكا- ثم نقلت الجملة من الفعلية الى الاسمية ورفع على الابتداء للدلالة على الاستقرار نحو سلام عليكم لِلَّذِينَ كَفَرُوا كان في الأصل متعلقا بالمصدر ثم جعل ظرفا مستقرا خبرا للمبتدا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) متعلق بويل اى من شهود يوم عظيم هو له وحسابه وجزاؤه وهو يوم القيمة او من وقت الشهود او من مكانه فيه- او من شهادة ذلك اليوم عليهم وهو ان يشهد عليهم الملائكة والأنبياء وامة محمد صلى الله عليه وسلم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالفسوق والكفر- او من وقت الشهادة عليهم او من مكانها- وقيل هو ما شهدوا به في عيسى-. أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا يعنى يوم القيمة صيغة التعجب والله تعالى لا يوصف بالتعجب فالجمهور على ان المراد ان أسماعهم أبصارهم يوم القيامة جدير بان يتعجب منها لاجل شدة استماعهم وأبصارهم الحق حين لا ينفعهم الاستماع والابصار بعد ما كانوا صمّا وعميا في الدنيا منه حين كان ينفعهم لو سمعوا وابصروا- او تهديد بما سيسمعون ويبصرون يومئذ مما او عدوا به ولم يسمعوا الانذار في الدنيا والجار والجرور في محل الرفع بصيغة التعجب- وقيل هو صيغة امر امر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ان يسمعهم ويبصرهم مواعيد ذلك اليوم والجار والمجرور على هذا في محل النصب لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ اى في الدنيا طرف متعلق بالظرف المستقر اعنى قوله فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) وضع الظالمين موضع الضمير اشعارا بانّهم ظلموا- حيث لم يستعملوا الاسماع والابصار حين كان ينفعهم واغفلوا أنفسهم- وسجل على إغفالهم بانهم في ضلال مبين-. وَأَنْذِرْهُمْ يا محمد يَوْمَ الْحَسْرَةِ مفعول ثان لانذرهم- وجملة انذرهم معترضة او معطوفة على فاختلف بتقدير قلنا اى وقلنا لك انذرهم يوم الحسرة إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ او بدل من اليوم او ظرف للحسرة وذلك إذا فرغ من الحسابء ادخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار وذبح الموت عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادى بناد يا اهل الجنة فيشرفون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا قالوا هذا الموت وكلهم قدراؤه-

[سورة مريم (19) : آية 40]

فيذبح ثم يقول يا اهل الجنة خلود فلا موت ويا اهل النار خلود فلا موت تم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وانذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر الآية رواه البغوي وروى الشيخان في الصحيحين عنه نحوه وروى الشيخان ذبح الموت من حديث ابن عمر نحوه ولكن ليس فيه قراءة الآية وكذ روى ابو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط بسند صحيح عن انس والحاكم وابن حيان عن ابى هريرة من غير ذكر قراءة الآية وقال البيضاوي اى يوم يتحسر الناس المسيء على إساءته والمحسن على قلة إحسانه وروى الطبراني وابو يعلى عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس يتحسر اهل الجنة الا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله تعالى فيها وروى البغوي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يموت الا ندم قالوا فما ندمه يا رسول الله قال إن كان محسنا ان لا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم ان لا يكون نزغ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ عما هم عليه من الضلال وعما يعمل بهم في الاخرة وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) اى لا يصدقون المخبر الصادق والجملتان حالان من الضمير المستكن في الظرف اى في ضلال مبين وما بينهما اعتراض او من الضمير المنصوب في أنذرهم يعنى انذرهم غافلين غير مومنين فيكون حالا متضمنا للتعليل. إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها يعنى يغنى الأرض ومن عليها ويبقى الرب وحدة كما يبقى الوارث بعد موت المورث وذكر كلمة من تغليبا للعقلاء او المعنى يسلب الله تعالى مالكية غيره تعالى عن الأرض وعمن عليها باهلاك الملاك فيكون الملك لله وحده وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (40) بعد ما يبعثون فنجازيهم على حسب أعمالهم وجملة إلينا يرجعون مرفوع المحل على انه خبر انا عطفا على نرث. وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ 5 اى خبره إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً قيل معناه كثير الصدق وقيل بل من لم يكذب قط وقيل بل من لم يتاتى منه الكذب لتعوده الصدق وقيل بل من صدّق بقوله واعتقاده وحقق صدقه وتصديقه بفعله وقيل كثير التصديق لله تعالى فيما غاب عنه من وحدانيته وصفاته وأنبيائه ورسوله وبالبعث بعد الموت وبحسن ما امر به وتقبح ما نهى عنه وحقق تصديقه بفعله فقام على إتيان الأوامر والانتهاء عن المناهي قلت ليس المراد بكثرة التصديق كثرته باعتبار متعلقه كما يدل عليه ظاهر عبارة البغوي فان التصديق جميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم توجد في كل مومن حتى انه من لم يومن بشيء منها كان

[سورة مريم (19) : آية 42]

كافرا والقيام على إتيان الأوامر وترك المناهي حظ الصالحين منهم وليس كل صالح صديقا بل المراد بكثرة التصديق قوته وشدته وذلك بالنبوة أصالة او وراثة اى بكمال متعابعة الأنبياء ظاهرا وباطنا والاستغراق في كمالات النبوة والتجليات الذاتية الصرفة الداعية بلا حجاب بالوارثة والتبعية الا ترى انه تعالى ذكر اربعة اصناف الذين أنعم الله عليهم فقال من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وبشر غيرهم من المؤمنين بمعيتهم فالصديقون على درجة من الشهداء والصالحين وقد ذكرنا ذلك في سورة النساء في تفسير قوله تعالى أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فالصديقون هم الذين قال الله منهم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين وتفسيرها في سورة الواقعة واكبر الصديقين بعد الأنبياء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما الخواص منهم قال رضى الله عنه انا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي الا كاذب يعنى بعدي من حيث الرتبة دون الزمان وأكبرهم جميعا أبو بكر سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقا وعليه انعقد الإجماع نَبِيًّا (41) من النبوة وهى ما ارتفع من الأرض وهو العالي في الرتبة بإرسال الله تعالى إياه او من النبا بمعنى الخبر يعنى المخبر من الله على اختلاف القرائتين كما مر. إِذْ قالَ بدل من ابراهيم وما بينهما اعتراض او متعلق بكان او صديقا نبيا لِأَبِيهِ آزر وقد مر ذكره في سورة الانعام يا أَبَتِ ذكر الابوة للاستعطاف ولذلك كردها لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ المفعول للفعلين منسي غير منوى اى ما لا سمع له ولا بصر وجاز ان يكون تقديره مالا يسمع شيئا ولا يبصره فيعرف حالك ويسمع ذكرك ويرى خضوعك وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) من الإغناء في جلب نفع او دفع ضر فشيئا منصوب على المصدرية او المعنى لا يدفع عنك شيئا من المضار فهو منصوب على المفعولية بيّن ابراهيم عليه السلام أباه ضلالته برفق وشفقة ودعاه الى الهدى واحتج عليه باوضح حجة وبرهان قاطع مع رعاية الأدب حيث لم يصح بضلالته بل طلب منه بيان ما يقتضى عبادة الأوثان وأشار الى انهن ادنى رتبة من ان يركن إليهن عاقل فان العاقل لا يفعل فعلا الا لغرض صحيح والعبادة الّتي هى غاية التعظيم لا يستحقه الا من له الاستغناء التام والانعام انعام القادر على الاثابة والإيلام فدرة تأته ليستطيع أحد مدافعته ولهو الخالق الرازق المحيي والمميت المقتدر المعاقب المثيب فاما من كان ممكنا مثله محتاجا فى الوجود وتوابعه الى غيره وان كان مميزا سميعا بصيرا مقتدرا على الانعام والإيلام بل وإن كان اشرف الخلائق كالنبيين والملئكة فان العقل السليم يستنكف عن عبادته معرضا عن عبادة خالقه وجاعله

[سورة مريم (19) : آية 43]

كذلك فانه استعارة من المستعير وطلب حاجة من المحتاج الفقير فكيف إذا كان جماد الا يسمع ولا يبصر ولا يغنى شيئا ثم دعاه الى ان يتبعه ليهديه الى الحق القويم فقال. يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ بالله وأحكامه ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي على دينى أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) مستقيما يوصلك الى فلاح الدارين ومن كمال كربه وخلقه انه لم يسم إياه بالجهل المقرط ولا نفسه بالعلم الفائق بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون اعرف بالطريق منه ثم اظهر مضار ما كان عليه أبوه بعد ذكر خلوه عن النفع بان ما هو عليم في الحقيقة عبادة للشيطان لكونه امرا به فقال. يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ اى لا تطعه فيما يزين لك من الكفر وعبادة الأوثان وبين وجه المضرة فيه بان الشيطان مستعص على ربك المولى للنعم كلها بقوله إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) كثير العصيان ومعلوم ان المطاوع للعاصى عاص وكل عاص حقيق بان يسترد منه النعم وينتقم منه ولذلك عقبه بتخويفه وسوء عاقبته وما يجر اليه فقال. يا أَبَتِ إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون باسكانهما أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ اى يصيبك عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ ان أقمت على الكفر وإطاعة الشيطان وفي ذكر الرحمن مع ذكر العذاب اشارة الى ان العصيان يقتضى العذاب ممن هو موصوف بالرحمة الكاملة فان كمال الرحمة على المطيعين لا ينافى كمال الغضب على العاصين المتمردين فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) قريبا في اللعن في الدنيا وعذاب النار في الآخرة تليه ويليك قال البيضاوي لعل اقتصاره على عصيان الشيطان من جناياته لارتفاع همته في الربانية ولانه ملاكها او لانه من حيث انه نتيجة معاداته لادم وذريته. قالَ ابو ابراهيم أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ فتعيبها قابل استعطاف ولطفه في الإرشاد بالغظاظة وغلطة العناد فناداه باسمه ولم يقابل يابت يا بنى وأخره وقدم الخبر على المبتدأ صدّره بالهمزة لانكار نفس الرغبة على ضرب من التعجب كانها مما لا يرغب عنها عاقل ثم هدده بقوله لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ عن مقالك فيها او عن الرغبة عنها لَأَرْجُمَنَّكَ قال الكلبي ومقاتل والضحاك لاشتمنك لابعدنك بالقول القبيح وقال ابن عباس لا ضربنك وقال الحسن لاقتلنك بالحجارة وَاهْجُرْنِي عطف على ما دل عليه لارجمنك اى فاحذرنى واهجرني مَلِيًّا (46) قال الكلبي اجتنبى طويلا وقال مجاهد وعكرمة حينا وقال سعيد بن جبير دهرا

[سورة مريم (19) : آية 47]

واصل الملي المكث يقال تمليت حينا والملوان الليل والنهار وقال قتادة وعطاء سالما وقال ابن عباس اعتزلني سالما لا يصيبك منى معرة يقال يلى بامر كذا إذا كان كافيا. قالَ ابراهيم عليه السلام سَلامٌ عَلَيْكَ سلام توديع ومتاركة مقابلة للسيئة بالحسنة كما هو داب الحليم في مقابلة السفيه كما قال الله تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما اى سلمت منى لا اصيبك بمكروه سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها قال اكثر المفسرين معناه أسأل الله تعالى لك ان يرزقك التوحيد والإسلام ويوفقك للتوبة فيغفر لك فان السؤال بالمغفرة للكافر لا يجوز الا استدعاء التوفيق لما يوجب مغفرته وعندى ليس كذلك لما قال الله تعالى لقد كان لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه الى قوله تعالى الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك فانه صريح في انه لا يجوز اقتداء ابراهيم في الاستغفار للمشرك مع انه يجوز الدعاء للمشرك بالتوفيق فالاولى ان يقال ان ذلك كان قبل النهى عن الاستغفار للمشرك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه ابى طالب والله لاستغفرن لك ما لو انه عنه فنزلت ما كان للنبى والذين أمنوا ان يستغفروا للمشركين الآية وقد مر في سورة التوبة وايضا لو كان ابراهيم سأل الله تعالى ان يرزق أباه الايمان لرزقه الله الايمان فان كل نبى مجاب لكنه لما لم يكن إيمانه مقدرا لم يسأل ابراهيم ذلك والله اعلم إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47) اى بليغا في البر والألطاف قال الكلبي عالما يستجيب لى إذا دعوته قال مجاهد عودنى الاجابة لدعائي. وَأَعْتَزِلُكُمْ بالمهاجرة بديني عطف على ساستغفر وَما تَدْعُونَ عطف على الضمير المنصوب يعنى واعتزل ما تدعونه اى تعبدونه مِنْ دُونِ اللَّهِ قال مقاتل كان اعتزاله إياهم انه فارقهم من كوثى فهاجر منها الى الأرض المقدسة وَأَدْعُوا اى اعبد رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) اى لا أشقى ولا أخيب بدعائه وعبادته كما تنشقون أنتم بعبادة الأصنام أورد كلمه عسى تواضعا وهضما للنفس وتنبيها على ان الاجابة والاثابة تفضل من الله غير واجب عليه وان ملاك الأمر الخاتمة وهى لا تدرى. فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مهاجرا الى الشام وَهَبْنا لَهُ بدلا ممن فارقهم من الكفرة إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أقر الله عينيه باولاد كرام على الله لما ظرف متعلق لوهبنا وجملة وهبنا معطوف على محذوف تقديره

[سورة مريم (19) : آية 51]

قال سلام عليك الى آخره فاعتزلهم فوهبنا له اسحق ويعقوب وَكُلًّا اى كلا واحد منهما. جَعَلْنا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنا لَهُمْ اى للثلاثة مِنْ رَحْمَتِنا وكلمة من للتبعيض اى بعض رحمتنا قال الكلبي هو المال والأولاد الكرام وقيل الكتاب والنبوة قال البيضاوي لعل تخصيصهما بالذكر لانهما شجرتا الانبيا او لانه أراد ان يذكر اسمعيل بفضله على الانفراد وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) المراد باللسان ما يصدر منه يقال لسان العرب اى لغتهم يعنى كلام صدق وهو ما يثنون عليهم اهل الملل كلهم ويفتخرون بهم استجابة لدعوته واجعل لى لسان صدق في الآخرين واضافة اللسان الى الصدق وتوصيفه بالعلو للدلالة على انهم أحقاء بما يثنون عليهم وان مجامدهم لا تخفى على تباعد الاعصار وتبدل الملل لهم ظرف مستقر مفعول ثان لجعلنا وعليا حال من الضمير المرفوع المستكن في الظرف. وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً قرأ الكوفيون بفتح اللام يعنى أخلصه الله واختاره لنفسه ونزهه عن التدنس بالتوجه الى غيره والباقون بكسر اللام يعنى أسلمه وجهه وأخلص نفسه لله ونزه عبادته عن الشرك الجلى والخفي وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) يعنى أرسله الله الى الخلق فصار رفيعا في الدرجة مخبرا من الله باحكامه ولذلك قدم رسولا مع كون الرسالة أخص وأعلى من النبوة. وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ وهو جبل بين مصر ومدين ويقال اسمه الزبير وذلك حين اقبل من مدين وراى النار فنودى يا موسى انى انا الله رب العلمين الْأَيْمَنِ اى جانب الّذي يلى يمين موسى عليه السلام إذ لا يمين للجبل وانما أضيف الى الطور لادنى ملابسة وكان موسى سائرا من مدين الى مصر فلما وصل الى الطور كان الطور على يمين موسى والمراد من جانبه الميمون فانه تمثل له الكلام من تلك الجهة وَقَرَّبْناهُ بذاته تعالى قربا غير متكيف من لم يذقه لم يدر نَجِيًّا (52) حال من هذا الضميرين في قربناه اى مناجيا ربه بان اسمه كلامه. وَوَهَبْنا لَهُ اى لموسى حين دعا وقال واجعل لى وزيرا من أهلي هارون أخي مِنْ رَحْمَتِنا اى من أجل رحمتنا او بعض رحمتنا أَخاهُ مفعول لوهبنا ان كان من للسببيته وبدل منه ان كان للتبعيض هارُونَ عطف بيان لاخاه نَبِيًّا (53) حال من مفعول وهبنا يعنى وهبنا له نبوة أخيه والا فكان هارون اكبر سنامنه قال البغوي ولذلك سمى هارون هبة الله. وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ بن ابراهيم جد النبي صلى الله عليه وسلم عليه عليهما إِنَّهُ

[سورة مريم (19) : آية 55]

كانَ صادِقَ الْوَعْدِ قال مجاهد لم يعد شيئا إلا وفى به وقال مقاتل وعد رجلا ان يقيم مكانه حتى يرجع اليه الرجل فاقام اسمعيل مكانه ثلثة ايام للميعاد حتى رجع اليه الرجل وقال الكلبي انتظره حتى حال عليه الحول وناهيك انه وعد الصير على الذبح حيث قال ستجدنى إنشاء الله من الصابرين فوفى به وَكانَ رَسُولًا الى جرهم نَبِيًّا (54) قال البيضاوي هذا يدل على ان الرسول لا يلزم ان يكون صاحب الشريعة فان أولاد ابراهيم عليه السلام كانوا على شريعته. وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ اشتغالا بالأهم وهو ان يقبل الرجل على نفسه ومن هو اقرب الناس اليه بالتكميل قال الله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين وامر أهلك بالصلوة قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقيل المراد به أمته فان الأنبياء اباء الأمم بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ قال ابن عباس يريد الّتي افترض الله عليهم وهى الحنفية الّتي افترضت علينا وخص العبادتين بالذكر لان الصلاة أفضل العبادات البدنية والزكوة أفضل العبادات المالية وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) رضى الله لنبوته ورسالته ورضى عنه لاجل قيامه على طاعته واستقامة اعماله وأفعاله. وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ هو سبط شيث جد ابى نوح عليهم السلام اسمه أخنوخ قيل سمى إدريس لكثرة درسه الكتب وقال البيضاوي اشتقاقه من الدرس يرده منع الصرف نعم لا يبعد ان يكون معناه في تلك اللغة قريبا من ذلك فلقب به لكثره درسه حيث انزل الله تعالى عليه ثلثين صحيحفة قال البغوي هو أول من خط بالعالم وأول من خاط الثياب وليس المخيط وكان من قبله يلبسون الجلود وأول من اتخذ السلاح وقاتل الكفار وأول من نظر في علم النجوم والحساب إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) . وَرَفَعْناهُ عطف على كان صديقا مَكاناً عَلِيًّا (57) قيل يعنى درجة رفيعة بشرق النبوة والزلفى عند الله وقيل الجنة وقيل السماء السادسة او الرابعة روى انس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه رأى إدريس ليلة المعراج في السماء الرابعة وقد مر الحديث في سورة بنى إسرائيل وسورة النجم وكان سبب دفع إدريس على ما قاله كعب وغيره انه ساد يوما في حاجة فاصابه وهج الشمس فقال يا رب انا مشيت يوما فاصابنى من حر الشمس ما أصابني فكيف من يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها فلما أصبح الملاف وجد من خفة الشمس وحرها مالا يعرف فقال يا رب ما الّذي قضيت فيه قال ان عبدى إدريس سألنى ان أخفف

عنك حملها وحرها فاجبته فقال رب اجعل بينى وبينه خلة فاذن له حتى إذا جاء الى إدريس فكان يسأله إدريس فقال انى أخبرت انك أكرم الملئكة وأمكنهم عند ملك الموت فاشفع لى اليه ليوخر اجلى فازداد شكرا وعبادة فقال الملك لا يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها وانا مكلمه فرفعه الى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ثم اتى ملك الموت فقال حاجتى إليك قال صديق لى من بنى آدم يشفع بي إليك لتوخر اجله فقال ليس ذلك الى ولكن ان أحببت أعلمته اجله فيقدم لنفسه قال نعم فنظر في ديوانه فقال انك كلمتنى في انسان ما أراه ان يموت ابدا قال وكيف قال لا أجده ان يموت الا عند مطلع الشمس قال فانى أتيتك وتركته هناك قال فانطلق فلا أراك تجده الا وقد مات فو الله ما بقي من أجل إدريس شيء فرجع الملك فوجده ميتا قال وهب واختلفوا في انه حى في السماء امر ميت فقال قوم هو حى وقالوا اربعة من الأنبياء احياء اثنان في الأرض الخضر والياس واثنان في السماء إدريس وعيسى وقال وهب كان يرفع لادريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع اهل الأرض في زمانه فعجب منه الملئكة واشتاق اليه ملك الموت فاستاذن ربه في زيارته فاذن له فاتاه في صورة بنى آدم وكان إدريس يصوم الدهر فلما كان وقت إفطاره دعاه الى طعامه فابى ان يأكل معه ففعل ذلك ثلث ليال فانكوه إدريس فقال له الليلة الثالثة انى أريد ان اعلم من أنت قال انا ملك الموت استأذنت ربى انى أصحبك قال فلى إليك حاجة قال ما هى قال تقبض روحى فاوحى الله اليه ان اقبض روحه فقبض روحه وردها الله تعالى بعد ساعة قال له ملك الموت ما في سوالك قبض الروح قال لا ذوق كرب الموت وعمقه فاكون أشد استعدادا له ثم قال إدريس ان لى إليك حاجة اخرى قال وما هى قال ترفعنى الى السماء لا نظر إليها والى الجنة والنار فاذن الله له في رفعه فلما قرب من النار قال لى حاجة قال وما تريد قال تسأل مالكا حتى يفتح لى ابوابها فاوردها ففعل ثم قال فكما أريتني النار فارنى الجنة فذهب إليها فاستفتح ففتح له ابوابها فادخله الجنة ثم قال ملك الموت اخرج لتعود الى مقرك فتعلق بشجرة وقال لا اخرج منها فبعث الله ملكا حكما بينهما فقال له الملك مالك لا تخرج قال لان الله تعالى قال كل نفس ذائقة الموت فقد ذقتة وقال وان منكم الا واردها وقد وردتها وقال وما هم بخارجين منها فلست اخرج فاوحى الله تعالى الى ملك الموت بأذني دخل الجنة وبامرى يخرج فهو حى هناك فذلك قوله تعالى وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا أُولئِكَ اى المذكورين في السورة من ذكريا الى إدريس الَّذِينَ أَنْعَمَ

[سورة مريم (19) : آية 59]

اللَّهُ عَلَيْهِمْ بانواع النعم الدنيوية والدينية مِنَ النَّبِيِّينَ بيان للموصول حال من الضمير في عليهم مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وهو إدريس عليه السلام وغيره أجمعون بدل من من النّبيين باعادة الجار او صفة او حال من النبيين ويجوز ان يكون من فيه للتبعيض لان المنعم عليهم أعم من الأنبياء وأخص من الذرية وَمِمَّنْ اى من ذرية من حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ فى السفينة خصوصا وهم ماعدا إدريس فان ابراهيم كان من ذرية سام بن نوح عليهما السلام وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وهم اسمعيل واسحق وغيرهم وَإِسْرائِيلَ عطف على ابراهيم يعنى ومن ذرية اسراءيل ومنهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى فيه دليل على ان أولاد البنات من الذرية وَمِمَّنْ هَدَيْنا اى من جملة من هديناه الى الحق يحتمل العطف على من الاولى البيانية وعلى من الثانية على تقدير كونها للتبعيض فان كان معطوفا على الاولى فهو يشتمل مريم واهل اسمعيل الذين ذكروا في قوله تعالى كان يأمر اهله بالصلوة وَاجْتَبَيْنا اى اجتبيناه من الأنام للنبوة والكرامة والهداية إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً جمع ساجد يعنى ساجدين رغبة فيها وَبُكِيًّا (58) قرأ حمزة والكسائي بكسر الباء والجمهور بالضم ومعهم حفص هاهنا جمع باك يعنى باكين رهبة الظرف متعلق بخروا وجملة خروا خبر لاولئك ان جعلت الموصول صفته واستيناف ان جعلته خبره لبيان خشيتهم من الله تعالى مع مالهم من علو الرتبة في شرف النسب وكمال النفس والزلفى من الله عزّ وجلّ روى ابن ماجة واسحق بن راهويه والبزار في مسنديهما من حديث ابن ابى وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتلو القران وابكوا فان لم تبكوا فتباكوا. فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعنى فعقبهم وجاء بعدهم خَلْفٌ يعنى عقب سوء يقال خلف صدق بفتح اللام وخلف سوء بسكونها أَضاعُوا اى تركوا الصَّلاةَ المفروضة وقال ابن مسعود وابراهيم أخروها عن وقتها وقال سعيد ابن المسيب هو ان لا يصلى الظهر حتى يأتي العصر ولا العصر حتى تغرب الشمس قلت ومن اضاعة الصلاة ان يأتوها على وجه مكروه او يتركوا سننها وآدابها ونحو ذلك وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ يعنى اثروا شهوات النفس على طاعة الله تعالى وأتوا بالمعاصي فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) اى يقذفون فيه والغى على ما قال البغوي

[سورة مريم (19) : آية 60]

قول «1» وهب) فهو في جهنم بعيد تعره خبيث طبعه- وقال قال ابن عباس هو واد في جهنم وان اودية جهنم لتستعيذ من حرها أعد للزانى المصر عليه ولشارب الخمر المدمن عليها ولآكل الربا الّذي لا ينزع عنه ولاهل المعقوق ولشاهد الزور «2» - وكذا اخرج ابن مردوية من حديث ابن عباس مرفوعا وقال البغوي قال عطاء واد في جهنم يسيل قيحا ودما وقال قال كعب هو واد في جهنم أبعدها قعرا وأشدها حرّا فيبئر يسمى الهيم كلما خبت جهنم فتح الله تلك البئر فيسعر بها في جهنم- وروى البغوي عن زكريا بن ابى مريم الخزاعي قال سمعت أبا امامة الباهلي يقول ان ما بين شفير جهنم الى قعرها مسيرة سبعين خريفا من سجر يهوى او قال صخرة تهوى عظمها كعشر عشراوات عظام سمان- فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد هل تحت ذلك شيء يا أبا امامة قال نعم غىّ واثام- واخرج بن جرير وابن ابى حاتم وسعيد بن منصور وجناد؟؟؟ والفرياني والحاكم وصححه والبيهقي من طرق عن ابن مسعود في هذه الاية انه قال الغى واد في جهنم وفي لفظ نهر في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم وفي لفظ نهر حميم في النار يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات واخرج البيهقي في الاية عن البراء بن عازب قال الغى واد في جهنم بعيد القعر مئتن الريح- واخرج الطبراني والبيهقي عنه مرقوما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ان صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا ثم تنتهى الى غىّ واثام قلت ما غىّ واثام قال نهران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد اهل النار- وهم الذان ذكرهما الله تعالى في كتابه فسوف يلقون غيّا- من يفعل ذلك يلق أثاما- وقيل الغىّ هو الضلال ضد الهداية فالمعنى يلقون غيّا- عن طريق الجنة- وقيل كل شر عند العرب غىّ وكل خير رشاد ومن هاهنا قال الضحاك معناه يلقون خسرانا وقيل هلاكا وقيل عذابا فان كل ذلك تفسير لشر- وقيل حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه يعنى سوف يلقون جزاء غى وضلال كان عليه في الدنيا من العقائد والأعمال الفاسدة-. إِلَّا مَنْ تابَ عما ارتكبه من اتباع الشهوات وترك الصلاة وَآمَنَ بعد ما كان كافرا وَعَمِلَ صالِحاً على ما يقتضيه الايمان- قال البيضاوي هذه الاية تدل على ان الاية في الكفرة يعنى الوعيد المذكور مختص بالكفرة يعنى يدل الاية لاجل هذه الاستثناء قلت والمستثنى من أمن وعمل صالحا لا من أمن ولم يعمل صالحا فالفاسق ايضا داخل في الوعيد المذكور كما يدل عليه ما مرّ من حديث ابن عباس في الغى انه الزاني والشارب وغير ذلك اى المصرّين على الكبائر والله اعلم-

_ (1) وفي تفسير البغوي قال ابن وهب إلخ الفقير الدهلوي (2) وفيه ولامراة أدخلته لا زوجها ولدا 12 الفقير الدهلوي

[سورة مريم (19) : آية 61]

فَأُولئِكَ اشارة الى من تاب وأمن وعمل صالحا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قرا ابن كثير وابى عمرو ويعقوب وأبو بكر على البناء للمفعول من ادخل- والباقون على البناء للفاعل من دخل وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) منصوب على المفعولية اى لا ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم او على المصدرية اى لا يظلمون شيئا من الظلم والتنقيص- وفيه تنبيه على ان كفرهم السابق لا يضر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام يهدم ما كان قبله- رواه مسلم في حديث عمرو ابن العاص وجملة أولئك في مقام التعليل على مضمرن الاستثناء. جَنَّاتِ عَدْنٍ بدل من الجنة بدل البعض لاشتمالها عليها او منصوب على المدح او مفعول لفعل محذوف وهو اعنى- وعدن ان كان بمعنى الاقامة فما أضيف اليه نكرة وقيل هو علم لجنة معينة والاضافة اضافة الى الاسم وقيل هى علم لارض الجنة فعلى هذين التقديرين جنّت عدن معرفة وصفت بقوله تعالى الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ وعلى تقدير كونه نكرة الموصول صفة للجنة او بدل من جنات عدن والضمير العائد في الصلة محذوف تقديره الّتي وعد الرّحمن بها عباده بِالْغَيْبِ حال من عباده اى مللبسين بالغيبة عن الجنة اى غائبين عنها- او حال من الجنة اى متلبسّة بالغيبة اى غائبة عنهم او متعلق بوعد بحذف المضاف يعنى وعد الرّحمن بسبب تصديق الغيب والايمان إِنَّهُ تعالى كانَ وَعْدُهُ اى ما وعد به وهو الجنة مَأْتِيًّا (61) يأتيها أهلها لا محالة- وقيل هو مفعول بمعنى فاعل يعنى أتيا لان كل ما أتاك فقد أتيته- والحرب لا يفرق بين قول القائل اتى على خمسون سنة وقوله أتيت على خمسين سنة ووصل الىّ الخبر؟؟؟ لتالى الخبر. لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً اى فضولا من الكلام- جملة مستاففة او حال مقدرة من عباده او من الجنة او من الضمير المحذوف في الصلة العائد الى الموصوف بالموصول إِلَّا سَلاماً استثناء منقطع اى لكن يسمعون تسليما من الله تعالى ومن الملئكة او من بعضهم على بعض- او المعنى لكن يسمعون قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) قيل المراد به رفاهية العيش وسعة الرزق- قال الحسن البصري كانت العرب لا يعرف من العيش أفضل من الرزق بالبكرة والعشى فوصف الله جنته بذلك- واخرج سعيد بن منصور وابن ابى حاتم عن ابن عباس في هذه الآية انه قال يؤتون به

[سورة مريم (19) : آية 63]

فى الاخرة على مقدار ما كانوا يؤتون به في الدنيا- واخرج ابن المبارك عن الضحاك في هذه الاية قال على مقادير الليل والنهار- واخرج ابن المنذر عن الوليد بن مسلم قال سألت زهير بن محمد عن قوله تعالى وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا قال ليس في الجنة ليل هم في نور ابدا يعرف لهم مقدار النهار يرفع الحجب ومقدار الليل بإرخاء الحجب- واخرج الحكيم الترمذي في النوادر عن الحسن وابى قلابة رضى الله عنهما قالا قال رجل يا رسول الله هل في الجنة من ليل فان الله يقول في كتابه لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا قال ليس هناك ليل انما هو ضوء نور يرد الغدوّ على الرواح والرواح على الغدو- ويأتيهم ظرف الهدايا من الله لمواقيت الصلاة الّتي كانوا يصلون فيها وتسلّم عليهم الملائكة. تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ اى نورثها مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) اى نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه- ذكر لفظ الوراثة لكونها أقوى الأسباب في التمليك والاستحقاق من حيث انها لا تعقب بفسح ولا استرجاع ولا يبطل برد وإسقاط- وقيل يورث المتقون من الجنة المساكن الّتي كانت لاهل النار لو أطاعوه زيادة في كرامتهم والله اعلم- اخرج ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح عن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فاذا مات فدخل النار ورث اهل الجنة منزلة فذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون- واخرج ابن ماجة عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرّ من ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة- والله تعالى اعلم- اخرج البخاري عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرئيل ما يمنعك وان تزورنا فنزلت. وَما نَتَنَزَّلُ تقديره قل يا جبرئيل لمحمّد صلى الله عليه وسلم وما نتنزّل وللمتنزل هو النزول على مهلة لانه مطاوع نزّل من التنزيل- وقد يطلق بمعنى النزول مطلقا كما يطلق نزّل بمعنى انزل إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ منصوب المحل على الظرفية او المصدرية تقديره ما نتنزّل الا وقتا متلبسا بامر ربّك على ما يقتضيه حكمته- او تنزلا الّا تنزّلا متلبسا بامره- واخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة قال ابطأ جبرئيل في النزول أربعين يوما فذكر لنحوه واخرج ابن مردوية عن انس قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم اى البقاع أحب الى الله وايها ابغض الى الله قال ما أدرى حتى اسئل- فنزل جبرئيل وكان قد ابطأ عليه فقال لقد أبطأت على حتى ظننت ان ترى على وحده فقال وما نتنزّل الّا بامر ربّك- واخرج ابو نعيم

[سورة مريم (19) : آية 65]

فى الدلائل وابن إسحاق عن ابن عباس ان قريشا لمّا سألوا عن اصحاب الكهف وذى القرنين والروح- ولم يدر ما يجيب ورجا ان يوحى اليه- فمكث خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيا.. فلما نزل جبرئيل قال له ابطأت فذكره- وذكر البغوي قول الضحاك وعكرمة ومقاتل وكلبى انه احتبس جبرئيل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن اصحاب الكهف وذى القرنين والروح- فقال أخبركم غدا ولم يقل إنشاء الله حتى شق على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزل جبرئيل بعد ايام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ابطأت علّى حتى ساء ظنى واشتقت إليك- فقال له جبرئيل انى كنت أشوق ولكنى عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا أحبست احتبست- فانزل الله هذه الاية وانزل والضّحى واللّيل إذا سجى ما ودّعك ربّك وما قلى لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا جملة في محل النصب على العلية للمكث في النزول او على الحال ومعنى له ما بين أيدينا بعد هذا الوقت الى قيام الساعة والى مالا نهاية له من امر الدنيا والاخرة والثواب والعقاب وَما خَلْفَنا اى قبل هذا الوقت فيما مضى من الأشياء والأحوال وَما بَيْنَ ذلِكَ اى الوقت الموجود وما فيه وقيل ما بين أيدينا اى الأرض إذا أردنا النزول- وما خلفنا اى السماء إذا نزلنا وما بين ذلك اى الهواء- يعنى لا نتنزّل في زمان دون زمان الا بامر الله اولا ننتقل من مكان الى مكان الا بامر الله وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (63) اى تاركا لك اى ما كان عدم النزول لترك الله لك وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة بل كان لعدم الأمر به لحكمة راها فيه-. رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما بيان لامتناع النسيان عليه وهو خبر مبتدأ محذوف اى هو او بدل من ربك فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرتب على ما سبق يعنى لمّا عرفت رحمت ربّك عليك وفضله وانه لا ينبغى له ان ينساك- فاقبل على عبادته شكرا لهذه النعمة واصطبر عليها ولا فتشوش بإبطاء الوحى واستهزاء الكفار- عدى الاصطبار باللام وكان حق الكلام على عبادته للاشعار بما في العبارة من الالتذاذ- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت قرة عينى في الصلاة- او المعنى اصطبر على المشاق والشدائد وإيذاء الكفار لاجل عبادته تعالى اى لتتمكن من عبادته ولتكون عابدا لله تعالى هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) قال ابن عباس يعنى مثلا يستحق ان يعبدوا يسمى انها- وقال الكلبي هل تعلم أحدا يسمى بالله غيره فان المشركين وان سموا الأصنام آلهة لم يسموا أحدا منها بالله قط- وذلك لظهور

[سورة مريم (19) : آية 66]

احديّته وتعالى ذاته عن المماثلة بحيث لم يقبل اللبس والمكابرة- وهو تقرير للامر بالعبادة فانه إذا ثبت ان لا أحد مثله ولا يستحق العبادة غيره لم يكن بد من التسليم لامره والاشتغال بعبادته والاصطبار على مشاقها. وَيَقُولُ الْإِنْسانُ المراد به الجنس فان قول بعضهم يسند الى الجنس او بعضهم المعهود قال البغوي المراد به ابى ابن خلف الجمحي كان منكرا للبعث روى انه أخذ عظما باليا ففتتها وقال يزعم محمد انا نبعث. بعد ما نموت- فحكى الله تعالى قوله حيث قال أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ من الأرض او من حالة الموت حَيًّا (66) تقديم الظرف وايلاؤه حرف الإنكار لكون المنكر كون ما بعد الموت الحيوة- والظرف متعلق بفعل- دل عليه اخرج لابه لان ما بعد اللام لا يعمل فيما قبله- واللام هاهنا لمجرد التأكيد من غير ارادة معنى الحال- قرأ ابن ذكوان بهمزة واحدة مكسورة على صورة الخبر يحذف همزة الاستفهام في اللفظ والمراد معنى الإنكار والباقون بهمزتين. أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ قرأ نافع وعاصم وابن عامر بإسكان الذال وضم الكاف مخففك على وزن ينصر والباقون بفتح الكاف والذال مشددا أصله بتذكّر أدغمت التاء في الذال ومعناه يتفكر عطف على يقول أورد همزة الاستفهام بين المعطوف والمعطوف عليه لانكار الجمع بينهما وكان الأصل إدخالها على المعطوف عليه لكن أريد الدلالة على ان المنكر بالذات هو المعطوف وانكار المعطوف عليه انما نشأ منه أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) أصلا مع ان إيجاز المعدوم الصرف اعجب من جمع المواد بعد التفريق وإيجاد مثل ما كان فيها من الاعراض. فَوَ رَبِّكَ اقسم بنفسه مضافا الى نبيه تفخيما لشان النبي صلى الله عليه وسلم والفاء للسببية فان انكارهم البعث سبب لحشرهم مع الشياطين الى جهنم لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ مفعول معه وجاز كونه معطوفا قال البغوي يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) حال من الضمير المنصوب قال ابن عباس يعنى جماعات جمع جثوة- وقال الحسن والضحاك جمع جاث اى جاتين على الركب- وقال السدىّ قائمين على الركب بضيق المقام قلت يحضر الله حول جهنم جميع الناس السعداء والأشقياء ليزداد السعداء غبطة وسرورا حين يرون ما نجاهم الله منه ويزداد الأشقياء وحسرة وغيظا من رجوع السعداء عنهم الى دار الثواب اخرج عبد الله بن احمد في زوائد الزهد والبيهقي عن عبد الله ابن نابتة قال قال رسول الله

[سورة مريم (19) : آية 69]

صلى الله عليه وسلم كانى أراكم بالكرم دون جهنّم جاثين- ثم قرأ سفيان راوى الحديث وتر اى كلّ امّة جاثية الاية- قال ابن حجر المراد بالكرم المكان العالي الّذي يكون عليه امة محمد صلى الله عليه وسلم وكلمة ثم تدل على تراخى حضورهم حول جهنم من الحشر وذلك لاحتباسهم دهرا طويلا في الموقف قبل ان يفصل بينهم. ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ اى من كل امة واهل دين وأصله من شاع يشيع شيعا وشيوعا ومشاعا وشيوعة كديمومة وشيعانا محركة ذاع وفشا وشيعة الرجل بالكسر اتباعه والضارة والفرقة علحدة- ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث كذا في القاموس قلت وانما يطلق الشيعة على اتباع الرجل وأنصاره لان الشيوع والانتشار يستلزم التقوية والاتباع والأنصار ينتشرون ويتقوى بهم امر المتبوع قال الجوهري الشياع الانتشار والتقوية يقال شاع الحديث اى كثر وقوى وشاع القوم انتشروا وكثروا وشيعت النار بالحطب قوت بها والشيعة من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه- ولما كان كل امة اهل دين ينتشرون بدينهم ويتقوى بهم أمرهم اطلق هاهنا عليه أَيُّهُمْ أَشَدُّ اى هو أشد عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) اى استكبارا او تجاوزا عن الحد في العصيان كذا في القاموس- او نبوا عن الطاعة قال البغوي قال ابن عباس يعنى جرأة وقال مجاهد فجورا- وكلمة عنيّا تميز من نسبة أشد يعنى أبهم أشد عتوة على الرّحمن وكلمة اىّ هاهنا في محل النصب على المفعولية لننزعنّ عند سيبويه- قال البيضاوي كان حقه ان يبنى كسائر الموصولات لشبهها بالحروف كسائر الموصولات لكنه أعرب حملا على كل وبعض الملزوم الاضافة وإذا حذف صدر صلته زاد نقصه فعاد الى أصله- وعند الخليل مرفوع اما بالابتداء على انه استفهامى وخبره أشد والجملة محكية وتقديره لننزعنّ من كلّ شيعة الذين يقال فيهم ايّهم أشدّ- او معلق عنها لننزعنّ لتضمّنه معنى التميز اللازم للعلم او مستانفة وكلمة من للتبعيض اى لننزعنّ بعض كل شيعة او زائدة والفعل واقع على كل شيعة واما لشيعة لانها بمعنى يشيع وعلى للبيان-. ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) اى لنحن اعلم بالّذين هم اولى بالصلي اوصليهم بالنار اولى- وكلمة ثم هاهنا للتراخى في الرتبة كما في قوله تعالى ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا- او يقال هذا الكلام كناية عن قولهم ثم لنعذبنهم

[سورة مريم (19) : آية 71]

فلا إشكال إذا التعذيب متاخر من الإحضار قيل اعلم هاهنا بمعنى العليم لاختصاص هذا العلم به تعالى وجاز ان يقال ان الكرام الكاتبين وغيرهم من الملائكة ايضا يعلمون الفاجر من التقى والسعيد من الشقي والله تعالى اعلم بذلك- قرأ حمزة والكسائي وحفص جتيّا وعتيّا وصليّا بكسر اوائلها كما ذكرنا في قوله تعالى وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا- والجمهور بضمها وهى على وزن فعول كما ذكرنا وقوله من كلّ شيعة ان كان يعمم الكفار والعصاة من المؤمنين ففى ذكر أشد تنبيه على انه تعالى يعفو كثيرا من اهل العصيان- ولو خص ذلك بالكفار على ما يقتضيه السياق كما اختاره البغوي واكثر المفسرين فالمراد انه يميّز طوائفهم أعتاهم فاعتاهم ويطرحهم في النار على الترتيب- او يدخل كلّا طبقتها الّتي أعدت لهم اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي عن ابن مسعود رضى الله عنه في الاية قال يحشر الاول على الاخر حتى إذا تكاملت العدة اثارهم ثم يبدا بالاكابر فالاكابر جرما ثم قرأ فو ربّك لنحشرنّهم الى قوله عتيّا- واخرج هناد عن ابى الأحوص في الاية قال يبدء الأكابر فالاكابر جرما-. وَإِنْ مِنْكُمْ ان نافية ومنكم صفة لمحذوف اى ان أحد منكم إِلَّا وارِدُها اى جهنم قيل القسم مضمر اى والله ما منكم الّا واردها بدليل ما ورد في الأحاديث الا تحلة القسم وسنذكرها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً الحتم مصدر حتم الأمر إذا وجب يعنى واجبا أوجبه الله على نفسه مَقْضِيًّا (71) قضاه الله عليكم بان وعده وعدا لا يمكن خلفه............ ثُمَّ نُنَجِّي عطف على مضمون ما سبق تقديره نوردكم جميعا في جهنم ثمّ ننجّى- قرأ الكسائي بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل الَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك فيساقون الى الجنة بلا تعذيب او بعد التعذيب وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ اى الكافرين فِيها اى في النار جِثِيًّا (72) جميعا وقيل جاثين على الركب والمراد بالورود الدخول وإن كان بطريق المرور على الصراط الّذي هو على متن جهنم- وقال قوم من اهل الأهواء ليس المراد بالورود الدخول فانه من يدخلها لا ليخرج منها ابدا وقالوا النار لا يدخلها مؤمن ابدا لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها- بل المراد به الحضور والروية فانهم يحضرون جميعا موضع الحساب وهو بقرب جهنم- ثم ينجى الله المتقين يأمرهم الى الجنة ويذر الظالمين فيها جثيا يأمرهم الى النار- نظيره قوله تعالى ولمّا ورد ماء مدين وقد كان موسى اشرف عليه ولم يدخله ويؤيده

ما رواه احمد وابو يعلى والطبراني بسند لا بأس به عن معاذ بن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من حرس وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لا بأخذ السلطان لم ير النار بعينه الا تحلة القسم وان الله تعالى يقول وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها- قلنا اطلاق الورود على الاشراف والحضور والروية تجوز لا يجوز ارتكابه الا لضرورة ولا ضرورة هاهنا ويأبى عن هذا التأويل قوله تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا لان الانجاء والترك فيها لا يتصور الا بعد الدخول ولا دليل في الحديث على عدم الدخول فانه يثبت الروية تحلة القسم ولا ينفى الدخول ومعنى قوله تعالى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ بعد ورودهم لا يسمعون حسيسها إذ ابعدوا- وقيل لا يسمعون حسيسها عند ورودهم النار لان الله تعالى يجعلها عليهم بردا وسلما- اخرج هناد والطبراني والبيهقي عن خالد بن معدان قال إذا ادخل اهل الجنة الجنة قالوا ربنا الم تعدنا انا نرد النار- قال بلى ولكنّكم مررتم عليها وهى خامدة واخرج ابن عدى والطبراني عن يعلى بن امية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تقول النار للمؤمن يوم القيمة جزيا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبى ولنا على كون الورود بمعنى الدخول ولو على سبيل المرور ما اخرج احمد والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى سميّه قال اختلفنا في الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن- وقال بعضنا يدخلونها جميعا ثمّ ننجى الّذين اتّقوا فلقيت جابر بن عبد الله فذكرت له فقال وأهوى بإصبعيه الى اذنيه صمننا ان لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يبقى بر ولا فاجر الا دخلها- فيكون على المؤمن بردا وسلما كما كانت على ابراهيم- حتى ان للنار ضجيجا من بردهم ثمّ ننجّى الّذين اتّقوا ونذر الظّالمين فيها جثيّا- وذكر البغوي انه روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار ان نافع بن الأزرق «1» مارى عن ابن عباس رضى الله عنه في معنى الورود- فقال ابن عباس هو الدخول وقال نافع ليس الورود الدخول فتلا ابن عباس انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم أنتم لها واردون- أدخلها هؤلاء أم لاثم قال يا نافع اما أنت وانا سنروها وانا أرجو ان يخرجنى الله وما ارى الله ليخرجك بتكذيبك- واخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي عن مجاهد قال خاصم نافع بن الأزرق فذكر نحو ذلك وقال قراح ابن عباس انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم وأنتم

_ (1) هكذا في تفسير البغوي وامّا في اصل المفسر رح فهكذا نافع الأزرق خاصم وهو تصحيف 12 الفقير الدهلوي

لها واردون قال وردوا أم لا وقرأ يقدم قومه يوم القيمة فاوردهم النّار أوردها أم لا- اما انا وأنت فسندخلها فانظر هل تخرج منها أم لا واخرج من طريق العوفى عن ابن عباس في قوله تعالى ان منكم الّا واردها يعنى البر والفاجر الم تسمع قوله تعالى فاوردهم النّار وبئس الورد المورود وقوله تعالى ونسوق المجرمين الى جهنّم وردا- واخرج الحاكم عن ابن مسعود انه سئل عن قوله تعالى وان منكم الّا واردها قال وان منكم الّا داخلها واخرج البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس في الاية قال لا يبقى أحد الا دخلها فهذه الآيات مفسرة للورود بالدخول- واخرج احمد والترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن مسعود في قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد الناس كلهم النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فاوّلهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحفر؟؟؟ الفرس ثم كالراكب في رحله ثم كشد الرجل ثم كمشيه واخرج ابن ابى حاتم عن ابن مسعود قال يرد الناس جميعا ورودهم قيامهم حول النار ثم يصدون عن الصراط بأعمالهم فمنهم مثل البرق ومنهم من يمرّ مثل الريح ومنهم من يمر مثل الطير ومنهم من يمر كاجز والخيل ومنهم من يمرّ كاجود الا؟؟؟ ل ومن يمرّ كعدو الرجل حتى ان آخرهم سيرا نوره على موضع إبهام قدميه يمر يتكفاء به الصراط وأخرجها الشيخان عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار الا تحلة القسم- ثم قرأ سفيان وان منكم الّا واردها- واخرج الطبراني عن عبد بن بشير الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم يرد الا عابر سبيل يعنى الجواز على الصراط- واخرج ابن جرير عن غنيم بن قيس قال ذكروا ورود النار فقال كعب تمسك النّار الناس كانها بين اهالة حتى يستوى عليها أقدام الخلائق برهم وفاجرهم- ثم ينادى مناد ان أمسكي أصحابك ودعي أصحابي- قال فيخسف بكل ولى لها هى اعلم بهم من الرجل بولده يخرج المؤمنون ندية ثيابهم قال السيوطي فسر بعض علماء اهل السنة الورود بالدخول وهو أحد القولين في الاية ورجّهه القرطبي واستشهد بحديث جابر ونحوه ومنه بعضهم بالمرور على الصراط ورحجه النووي واستشهد بما روى عن ابن مسعود وفيه ذكر المرور على الصراط وحديث ابى هريرة ونحوهما قلت إذا كان الصراط على متن جهنم فالمرور يستلزم الدخول ولا يقضى الدخول الوقوع في النار البتة ولذلك قلت فالمراد بالورود الدخول وان كان على طريق المرور على الصراط جميعا بين الأحاديث فان قيل قول الحسن الورود الممر عليها من غير ان يدخلها (كذا اخرج البيهقي عنه) على ان المروي غير الدخول- قلت المراد بالدخول في قول الحسن الوقوع والاستقرار في النار لا مطلق الدخول هكذا

[سورة مريم (19) : آية 73]

فيما اخرج هناد عن حفصة انها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لارجو ان لا يدخلها أحد شهد بدر او الحديبية- قالت يا رسول الله أليس الله يقول وان منكم الّا واردها كان على ربّك حتما مقضيّا- قال الم تسمعية قال ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا- المراد فيه بعدم الدخول عدم الوقوع والاستقرار بدليل قوله الم تسمعيه قال ثمّ ننجّى- فان هذا الجواب صريح في ان المراد بعدم الدخول عدم الاستقرار الّذي مفاد الانجاء وقال السيوطي قد اشفق كثير من السلف من تحقيق الورود واحتمال الصدور- اخرج هناد واحمد في الزهد وسعيد بن منصور والحاكم والبيهقي عن حازم بن ابى حازم رضى الله عنه قال بكى عبد الله بن رواحة رضى الله عنه فقالت امرأته ما يبكيك قال انى انبئت انى وارد النار ولم انباء انى صادر واخرج هناد والبيهقي عن ابى إسحاق قال قام ابو ميسرة عمرو بن شرحبيل الى فراشة فقال ليت أمي لم تلد في فقالت امرأته لم فقال لان الله أخبرنا انا واردو النار ولم يبين انا صادرون عنها واخرج احمد في الزهد عن الحسن قال قال رجل لاخيه هل أتاك انّك وارد النار قال نعم فقال فهل أتاك انك صادر عنها قال لا- قال ففيم الضحك إذا فمارئى ضاحكا حتّى مات-. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ اى على الكفار معطوف على قوله فخلف من بعدهم او على قوله ويقول الإنسان آياتُنا بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على معانيها اما بنفسها او ببيان من الرسول صلى الله عليه وسلم او واضحات الدلالة على صدق الرسول باعجازها قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى النضر بن حارث وأمثاله من القريش لِلَّذِينَ آمَنُوا يعنى الفقراء اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانت فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة- والمشركون كانوا يرجّلون شعورهم ويدهنون رؤسهم ويلبسون خير ثيابهم- فقالوا للمؤمنين أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ من المؤمنين وو الكافرين خَيْرٌ مَقاماً قرأ ابن كثير بضم الميم على انه ظرف او مصدر من الافعال يعنى خير اقامة او خير موضع للاقامة والباقون بفتح الميم على انه ظرف من القيام اى خير موضعا للقيام وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) اى مجلسا ومجتمعا يعنى انهم لما سمعوا الآيات البينات وعجزوا عن معارضتها أخذوا في الافتخار بمالهم من حظوظ الدنيا واستدلوا بها على فضلهم وحسن حالهم عند الله- فرد الله عليهم ذلك مع التهدين على سبيل النقض فقال. وَكَمْ خبرية منصوب بما بعده أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ تميز لكم سمى اهل كل عصر قرنا لاقترانهم في الزمان هُمْ أَحْسَنُ

[سورة مريم (19) : آية 75]

أَثاثاً قال البغوي متاعا وأموالا وقال مقاتل ثيابا ولباسا وفي القاموس الأثاث متاع البيت بلا واحد والمال اجمع والواحدة اثاثة وهو مع ما عطف عليه تميز عن نسبة احسن الى الضمير المراجع الى القرن يعنى اثاثهم احسن وَرِءْياً (74) قرأ قالون وابن ذكوان بتشديد الباء من غير همز على قلب الهمزة ياء وادغامها او على انه من الرىّ الّذى هو ضد العطش ومعناه الارتواء من النعمة وقرأ الجمهور بالهمزة ومعناه منظرا من الرؤية ووقف حمزة بابدال الهمز فوافق قالون جملة هم احسن صفة لقرن. قُلْ يا محمد مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا امر بمعنى الخبر اى يمده ويدعه في طغيانه وبمهله استدراجا وفي إيراد لفظ الأمر إيذان بان امهاله مما ينبغى ان يفعله الرحمن حتى ينقطع معاذيره- قال الله تعالى أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ اما مع ما عطف عليه بدل من ما يوعدون تفصيل لما أجمل والمراد بالعذاب الاسر والقتل في الدنيا وإِمَّا السَّاعَةَ وما ينالهم فيه من الخرق العذاب في الاخرة غاية للمدّ؟؟؟ او لقول الّذين كفروا للّذين أمنوا اىّ الفريقين خير فَسَيَعْلَمُونَ عند ذلك مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) اى أعواناهم أم المؤمنون فان جندهم الشياطين وجند المؤمنين الملائكة- وجملة فسيعلمون جواب الشرط وهذا ود على قولهم اىّ الفريقين خير مّقاما واحسن نديّا- قابل شرّ مّكانا بخير مّقاما وأضعف جندا- بأحسن نديّا- لان حسن النادي باجتماع وجوه القوم وأعيانهم وظهور شوكتهم استظهارهم. وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً اى ايمانا وإيصالا الى مقاصدهم وهو مراتب القرب من الله- عطف على مضمون الشرطية الواقعة بعد قل يعنى من كان في الضلالة يمده الرحمان والذين اهتدوا زادهم هدى بالايمان بما ينزل عليهم من الآيات- يعنى امهال الكافرين وتمتيعهم في الدنيا ليس لفضلهم عند الله- وقصور حظ المؤمنين من الدنيا ليس لنقصهم بل لان الله تعالى جعل قلة حظهم من الدنيا سببا لمزيد ثوابهم ورفع درجاتهم عند الله وإيصالهم الى مقاصدهم من مراتب القرب- وقيل هو عطف على فليمدد لانه في معنى الخبر كانه قيل من كان في الضلالة بزيد الله في ضلالته ومن يعانده يزيد في هدايته وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ اى الاذكار والأعمال الصالحة الّتي تبقى عائدتها لصاحبها ابد الآبدين خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً عائدة

[سورة مريم (19) : آية 77]

مما متع به الكفار في الدنيا من النعم الفانية الّتي يفتخرون بها وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) اى عاقبة ومرجعا والخير هاهنا اما لمجرد الزيادة او على طريقة قولهم الصيف احرّ من الشتاء اى ابلغ في حره منه في برده والله اعلم- اخرج الشيخان عن خباب بن الأرت قال كنت رجلا قينا فعملت للعاص بن وائل واجتمع لى عنده فانيته أتقاضاه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد- فقلت اما والله لا اكفر حتى تموت ثم تبعث قال وانى لميت ثم مبعوث قلت نعم قال فانه سيكون لى ثمه مال وولد فاقضيك فانزل الله تعالى. أَفَرَأَيْتَ إلخ لما كانت الروية أقوى سندا للاخبار استعمل ارايت بمعنى أخبرني- والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم او لمخاطب غير معين- وكلمة رايت بالفاء معطوفة على محذوف تقديره أوقع نظرك قرائت الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا يعنى العاص بن وائل وَقالَ عطف على كفر لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً (77) قرأ حمزة والكسائي ولدا بضم الواو وسكون اللام والباقون بفتحهما قال البغوي هما لغتان مثل العرب والعرب والعجم والعجم- وقيل بالضم والسكون جمع وبالفتحتين مفرد مثل اسد واسد. أَطَّلَعَ الْغَيْبَ الجملة بتأويل المفرد مفعول ثان لرايت واطلع هاهنا من قبيل اطلع الجبل اى ارتقى الى أعلاه واستغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل قال ابن عباس انظر في اللوح المحفوظ وقال مجاهد اعلم علم الغيب حتى ادعى ان يؤتى في الاخرة مالا وولدا أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) يعنى قال لا اله الّا الله وقال قتادة يعنى عمل عملا صالحا وقال الكلبي عهد الله اليه ان يدخله الجنة. كَلَّا رد عليه يعنى ليس الأمر كذلك سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ اى سنحفظ عليه او سنظهر له انا كتبنا قوله او سننتقم منه ما كتبنا من قوله ووجه هذه التأويلات ان نفس الكتابة لا يتاخر عن القول لقوله تعالى ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ واسناد الكتابة الى نفسه مع كون الملائكة الكرام كاتبين لان كتابتهم بامره تعالى وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79) اى نزيد عذابه لاجل استهزائه بهذا القول فوق ما استحقه قبل ذلك بالكفر. وَنَرِثُهُ باهلاكنا إياه وابطال ملكه ما يَقُولُ يعنى المال والولد وَيَأْتِينا يوم القيمة فَرْداً (80) لا يصحبه مال ولا ولد كان له في الدنيا

[سورة مريم (19) : آية 81]

فضلا ان يؤتى ثمه زائدا- وجملة سنكتب مع ما عطف عليه في محل العلة للردع المستفاد من كلّا. وَاتَّخَذُوا اى كفار قريش مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً يعنى الأصنام لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) اى ليتعززوا بهم عند الله بان يكونوا وصلة او شفعاء. كَلَّا ردع وانكار لتعزرهم بها سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ اى سيجحد الالهة عبادتهم ويتبرءون منهم ويقولون تبرّانا إليك ما كانوا ايّانا يعبدون او سيجحد الكفار عبادتهم إياها ويقولون والله ربّنا ما كنّا مشركين وَيَكُونُونَ اى الأصنام عَلَيْهِمْ اى على الكفار ضِدًّا (82) اى ذلّا وهوانا فانه ضد العز وهذا التأويل يؤيد التأويل الاول فيما سبق او يضدهم ويخالفهم على معنى انها تكون اعداء لهم يكذبونهم ويلعنونهم او معونه على الكفار في تعذيبهم بان توقد بها نيرانهم- وجاز ان يكون الضمير الاول الكفار والثاني للالهة والمعنى ويكون الكفار على الالهة منكرين كافرين بها بعد ان كانوا يعبدونها- وتوحيد الضد لوحدة المعنى الّذي به مضادتهم فانهم بذلك كالشيء الواحد نظيره قوله صلى الله عليه وسلم وهم يد على من سواهم- أخرجه ابو داود وابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وابو داود والنسائي من حديث على وابن حبان من حديث ابن عمر- وفي القاموس ان الضد يكون جمعا ايضا ومنه قوله تعالى وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا-. أَلَمْ تَرَ الم تعلم يا محمد أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات اى سلطناهم عليهم وقيّضنا لهم قرناء- قال البغوي وذلك حين قال واستفزز من استطعت منهم بصوتك او المعنى خلّيناهم وإياهم من أرسلت البعير اى أطلقته تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) اى تهزهم وتعزّنهم على المعاصي بالتسويلات واتباع الشهوات- والاز والهز التحريك وجملة تؤزهم ازّا حال من الشياطين وفي الكلام تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أقاويل الكفار وتماديهم في الغى وتصميمهم على الكفر بعد وضوح الحق على ما نطقت به الآيات المتقدمة. فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ بدعائك عليهم بنزول العذاب إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ ايام اجالهم الّتي قضيناها مدة أعمارهم عَدًّا (84) يعنى أعمارهم ايام محصورة معدودة والفاء في فلا تعجل للسببية وحملة

[سورة مريم (19) : آية 85]

انّما نعدّلهم معللة او مستانفة وجملة الم تر انّا أرسلنا الشّيطين تائيد وتقرير لقوله واتّخذوا من دونه الهة يوم. نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ مع ما عطف عليه ظرف لفعل محذوف اى نفعل بالفريقين ما نفعل او منصوب با ذكر او متعلق بلا يملكون إِلَى الرَّحْمنِ اى الى موضع كرامته وتجلياته وَفْداً (85) حال من المتقين جمع وافد اى وافدين عليه كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين لكرامتهم وإنعامهم- اخرج الحاكم والبيهقي وعبد الله بن احمد في زوائد المسند وابن جرير وابن ابى حاتم عن علىّ بن ابى طالب انه قرأ هذه الاية فقال والله ما يحشر الوفد على أرجلهم ولا يساقون سوقا ولكنهم يؤتون بنوق من نوق الجنة لم ينظر الخلائق الى مثلها عليها بر حال الذهب وازمّتها الزبرجد فيركبون عليها حتى يقرعوا باب الجنة وذكر البغوي قول علىّ رضى الله عنه ما يحشرون والله على أرجلهم ولكن على نوق رحالها الذهب ونجائب مرحبها اليواقيت ان هموابها سارت وان هموا طارت- واخرج البيهقي من طريق طلحة بن ابى طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً قال ركبانا ونسوق المجرمين الى جهنّم وردا قال عطاشا- واخرج ابن جرير عن ابى طلحة عن ابى هريرة قال وفدا اى على الإبل واخرج ابن ابى حاتم عن عمر بن قيس الملائى ان المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله في احسن صورة وأطيب ريح فيقول هل تعرفنى فيقول لا الا ان الله قد طيب ريحك واحسن صورتك- فيقول كذلك كنت في الدنيا انا عملك الصالح طال ما ركبتك في الدنيا اركبنى اليوم وتلا يوم نحشر المتّقين الى الرّحمن وفدا- وان الكافر استقبله عمله في اقبحه صورة وأنتنه ريحا فيقول اولا تعرفنى فيقول لا الا ان الله فبح صورتك ونتن ريحك فقال كذلك كنت في الدنيا انا عملك السيء طال ما ركبتنى في الدنيا وانا أركبك اليوم وتلاوهم يحملون أوزارهم على ظهورهم. وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ بكفرهم إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (86) قال البغوي مشاة او قيل عطاشا وقد تقطعت أعناقهم من العطش والورد جماعة يردون الماء ولا يرد أحد الماء بعد العطش وقد قال ابن عباس في تفسيره يعنى عطاشا- قلت ذكر الله سبحانه حال الفريقين أحدهما المتقين الكاملين في التقوى الأنبياء وغيرهم- وثانيهما المجرمين اى الكافرين ولم يذكر حال عامة المؤمنين من الصالحين والمذنبين- وقد ذكر في الحديث انّ

من الناس من يحشر مشأة وهم عامة المؤمنين وقد ذكرنا في سورة بنى إسرائيل في تفسير قوله تعالى يحشرون عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا- حديث ابى هريرة وحديث معاوية بن جند وحديث ابى ذر ان الناس يحشرون على ثلاثة اصناف ركبانا ومشاة وعلى وجوههم- واخرج الشيخان عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وعشرة على بعير نحشر يقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا- قال ابن حجر في قوله صلى الله عليه وسلم راغبين وراهبين قال هم الطريقة الاولى هم عوام المؤمنين- واثنان على بعير الى اجزه الطريقة الثانية- ولم يذكر واحدا على بعير اشارة على انه يكون لمن فوقهم كالابرار وقال البيهقي قوله راغبين اشارة الى الأبرار وراهبين الى المخلطين الذين هم بين الخوف والرجاء والذين يحشرهم النار الكفار- وذكر الحليمي مثله وزاد ان الأبرار هم المتقون يؤتون بنجائب من الجنة واما البعير الّذي يحمل عليه المخلطون فيحتمل ان تكون الإبل الّتي تحيى وتحشر يوم القيامة- قال السيوطي والثاني أشبه لانهم بين الخوف والرجاء فلا يليق ان يردوا على نجائب الجنة- قال ويشبه ايضا تخصيص هؤلاء بمن يغفر لهم ذنوب عند الحساب ولا يعذبون- واما الذين يعذبون بذنوبهم فانهم يكونون مشاة على أقدامهم ويحتمل ان يمشوا وما يركبوا او يكونوا ركبانا فاذا قاربوا المحشر نزلوا فمشوا- قال واما الكفار فانهم مشاة على وجوههم واخرج الطبراني عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحشر الأنبياء يوم القيامة على الدواب ليوافوا المحشر- ويبعث صالح على ناقته وابعث على البراق ويبعث أبناء الحسن والحسين على ناقتين من فوق الجنة- ويبعث بلال على ناقة من نوق الجنة فينادى بالأذان محضا بالشهادة حقا حتى إذا قال اشهد ان محمد رّسول الله شهد له المؤمنون من الأولين والآخرين فقبلت ممن قبلت وردّت لمن ردّت ((تنبيه)) جزم الحليمي والغزّالى بان الذين يحشرون ركبانا يركبون من قبورهم ومال الإسماعيليّ الى انهم يمشون الى الموقف ويركبون من ثمه جميعا بينه وبين حديث الصحيحين والترمذي عن ابن عباس انه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا ايها الناس انكم تحشرون الى الله حفاة مشاة عزاة غرلا ثم قرأ كما بدأنا اوّل خلق نعيده الاية وأول من يكسى من الخلائق ابراهيم عليه السّلام- وكذا اخرج الشيخان عن عائشة والطبراني عن سوة بنت زمعة وأم سلمة- و

[سورة مريم (19) : آية 87]

سهل بن سعد والحسن بن علّى والبزار عن ابن مسعود وليس في تلك الأحاديث قراأة الاية ولا قوله أول من يكسى ابراهيم وزاد في تلك الأحاديث انه قالت لبعض نسائه وا سوأتاه ينظر بعضنا الى بعض قال شغل الناس عن ذلك لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ونحو ذلك والله اعلم. لا يَمْلِكُونَ الضمير فيه للعباد المدلول عليها بذكر القسمين وجملة لا يملكون اما حال من المتقين والمجرمين واما مستانفة الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (87) يعنى الا من تحلى بما يستعد به ويستأهل ان يشفع للعصاة من الايمان والعمل الصالح على ما وعد الله- حيث قال ادعوني استجب لكم وقال يستجيب الّذين أمنوا وعملوا الصّلحت ويزيدهم من فضله- قال ابن صالح عن ابن عباس يشفعهم في إخوانهم ويزيدهم من فضله في اخوان إخوانهم- او المعنى الا من اتخذ من الله اذنا في الشفاعة نظيره قوله تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ- يقال عهد الأمير الى فلان بكذا إذا امره به ومحل الموصول الرفع على البدل من الضمير او النصب على الاستثناء وجاز ان يكون المستثنى مفرغا ويكون الواو في يملكون علامة الجمع لا الضمير مثل أكلوني البراغيث اى لا يملك الشفاعة أحد الّا من اتخذ- قيل المراد بمن اتّخذ عند الرّحمن عهدا من قال لا اله الا الله- فان الله وعد المؤمنين بالمغفرة حيث قال من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره- وقال انّ الله يغفر الذّنوب جميعا- وقال عليه السلام حق العباد على الله ان لا يعذب من لا يشرك به متفق عليه من حديث معاذ ومحل الموصول حينئذ النصب على تقدير المضاف تقديره لا يملكون الشّفاعة الّا شفاعة من اتّخذ عند الرّحمن عهدا على ان الشفاعة مضاف الى المفعول- نظيره قوله تعالى لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى - وقيل الضمير للمجرمين ويكون الشفاعة مصدرا مبنيّا للمفعول والاستثناء وحينئذ منقطع- والمعنى لا يملك المجرمون ان يشفع لهم لكن المؤمنين يشفع لهم-. وَقالُوا اى اليهود والنصارى وبعض العرب القائلون بان الملائكة بنات الله- والضمير عائد الى غير مذكور لشهدة هذا القول منهم كانهم معلومون معهودون اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) قرأ حمزة والكسائي بضم الواو وسكون اللام في جميع المواضع من هذه السورة وفي الزخرف وسورة نوح- ووافقهما ابن كثير وابو عمرو ويعقوب في سورة نوح والباقون بفتحهما. لَقَدْ جِئْتُمْ ايها القائلون بهذا القول- فيه التفات من الغيبة الى الخطاب تهديدا الكمال

[سورة مريم (19) : آية 90]

شنامة القول شَيْئاً إِدًّا (89) قال ابن عباس يعنى منكرا وقال قتادة ومجاهد عظيما في الإنكار يقال أدّني الأمر وآدني أثقلني وعظم علىّ- وقال البغوي الإدّ في كلام العرب أخظم الدواهي. تَكادُ السَّماواتُ قرأ نافع والكسائي هاهنا وفي خم عسق بالياء التحتانية لتقدم الفعل وكون التأنيث غير حقيقى- والباقون بالتاء الفوقانية لتأنيث الفاعل يَتَفَطَّرْنَ قرأ نافع وابن كثير وحفص والكسائي وابو جعفر بالياء التحتانية والتاء الفوقانية وفتح الطاء المشددة من التفعل- والباقون بالنون وكسر الطاء محففة من الانفعال- يقال انفطر الشيء وتفطّر اى تشقق والتفعل ابلغ لانه مطاوع للتفعيل بخلاف الانفعال فانه مطاوع للمجرد ولان اصل التفعل التكلّف مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) اى تنكسر كسرا في القاموس الهد الهدم الشديد والكسر قيل معنى يتفطّرن السّموات اى يسقطن عليهم وتنشقّ الأرض اى تخسف بهم وتخرّ الجبال هدّا اى تنطبق عليهم. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) بضم الواو وسكون اللام وبفتحهما على ما مرّ من الخلاف- وان مع صلتها في محل النصب على العلة على حذف المصاف وإيصال الفعل اليه تقديره كراهة ان دعوا- او على الظرفية متعلقا بيتفطرن وتنشق وتخر على سبيل التنازع- او في محل الجر بإضمار اللام او بالابدال من الضمير في منه- او الرفع على انه خبر محذوف تقديره الموجب لذلك ان دعوا- او فاعل هذّا اى هدها دعاء الولد وهو من دعا بمعنى سمى المتعدى الى مفعولين وانما اقتصر على الثاني ليحيط بكل ما دعى له- او من دعا بمعنى نسب الّذي مطاوعه ادعى الى فلان إذا انتسب اليه- قال ابن عباس وكعب فزعت السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق الا الثقلين وكادت ان تزول وغضبت الملائكة وأسعرت جهنم حين قالوا ولد الله- وقيل معناه انّ هول هذه الكلمة وعظمها بحيث لولا حلم الله لخرّب العالم وبدّد قوائمه غضبا على من تفوّه بها. وَما يَنْبَغِي انبغى ينبغى مطاوع لبغى إذا طلب ومعناه ما يتاتى لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) اى ما يتطلب لو طلب فرضاه يعنى ليس هذا داخلا تحت القدرة لكونه مستحيلا غير ممكن- او المعنى لا يليق ذلك لعلو شانه فانه نقص بالاضافة اليه وهو منزه عن المناقص وعمالا يليق به- قال البيضاوي لعل ترتيب الحكم بصفة الرحمانية للاشعار بان كل ما عداه نعمة او منعم عليه فلا يجانس من هو مبدا النعم كلها ومولى أصولها وفروعها- فكيف يمكن له ان يتخذ ولدا ثم صرح به في قوله. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من لكرة موصوفة بالظرف وكلّ متده والمستثنى المفرغ خبره يعنى ما منهم أحد إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) اى الا وهو مملوك مخلوق له ويأوي اليه بالعبودية والانقياد ويأتيه يوم القيمة ذليلا- والعبودية المجازية ينافى النبوة ولذلك من ملك ابنه عتق عليه

[سورة مريم (19) : آية 94]

فكيف العبودية الحقيقية المساوية للمخلوقية- وافراد اتى وعبدا حملا على لفظة كل. لَقَدْ أَحْصاهُمْ اى حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يخرجون من علمه وقدرته وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) يعنى عدّ أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم وأحوالهم وأرزاقهم- فان كلّ شيء عنده بمقدار. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) منفردا عن الامتاع والأنصار وليس معه شى مما في الدنيا- اخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن عوف انه لمّا هاجر الى المدينة وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة منهم شيبت بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وامية بن خلف فانزل الله تعالى. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) يعنى محبة في قلوب المؤمنين او محبّا يحبهم- قال في القاموس الودّ والواد الحب ويثلثان يعنى يقران بكسر الواو وفتحها وضمها- والود ايضا المحب ويثلث كالوديد الكثير الحب- وفيه تسلية لعبد الرحمن بن عوف ووعد له بان يجعل الله له محبين عن المؤمنين بدلا من الكافرين- واخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية في علىّ ابن ابى طالب رضى الله عنه يعنى يجعل الله تعالى محبته في قلوب المؤمنين وسائر الخلائق غير الكافرين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلى مولاه رواه احمد وابن ماجة عن البراء واحمد عن بريدة والترمذي والنسائي عن زيد بن أرقم وقال عليه السلام ذكر علّى عبادة- رواه صاحب مسند الفردوس عن عائشة وفي لفظ حبّ علىّ عبادة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله العبد قال لجبرئيل قد أحببت فلانا فاحبه فيحبه جبرئيل ثم ينادى في اهل السماء ان الله قد أحب فلانا فاجده فيحبه اهل السماء ثم وضع له القبول في الأرض رواه البخاري ومسلم من حديث ابى هريرة قلت ويمكن تأويل هذه الاية ان الله تعالى يتخذه محبا لنفسه قال الله تعالى لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحببته الحديث. فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ الباء بمعنى على أدهى على أصله وعدى يسرناه بالباء لتضمنه معنى أنزلناه اى أنزلناه بلغتك هو على هذا حال اى متلبسا بلغتك- قلت ويمكن ان يقال تقديره يسرناه على أمتك متلبسا بافتك لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ عن الشرك وَتُنْذِرَ به الضمير المنصوب في يسّرناه والمجرور في به راجع الى القران قَوْماً لُدًّا (97) أشداء الخصومة الذين يختارون النار مع وضوح الحق تعصبا وخصومة وعنادا وقال الحسن معناه ضمّا عن الحق وقال مجاهد الالدّ الظالم الّذي لا يستقيم- وقال ابو عبيدة الألد الّذي لا يقبل الحق ويدعى الباطل والحصر إضافي يعنى ما أنزلنا القرآن لتتعب نفسك وتبخعها ان لم يؤمنوا انما أنزلناه لتبشر وتنذر. وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ اى قبل كفار قومك مِنْ قَرْنٍ تخويف للكافرين وتجسير للرسول صلى الله عليه وسلم على إنذارهم هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ اى هل فحس منهم أحدا بإحدى الحواس الخمس وقيل معناه هل ترى وقيل هل تجد وقيل هل تشعر أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98) الركز الصوت الخفي واصل التركيب للخفاء ومنه ركز الرمح أقاغيب طرفه في الأرض والركاز المال المدفون والله اعلم- تمت تفسير سورة المريم ويتلوه تفسير سورة طه ان شاء الله تعالى) يوم الاثنين خامس صفر من السنة الثالثة بعد الالف والمائتين سنة- 1203.

فهرس تفسير سورة طه

فهرس تفسير سورة طه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحه حديث ان الأرضين على ظهر النون والنون على البحر والبحر على الصخرة والصخرة على قرن الثور والثور على الثرى إلخ 126 ما قيل في السر وأخفى 127 حديث حجابه النور لو كشفت لاحرقت سبحات وجهه 129 ما ورد في سماع موسى كلام الله من جميع الجهات والأعضاء 129 مسافة السلوك الى فوق العرش خمسين الف سنة 130 ما ورد في فضل الصلاة والاهتمام به 130 يقول الله انا عند ظن عبدى بي 131 حديث من نسى صلوة او نام عنها 131 مسئلة الايمان بالله وعبادته في مرتبة من الفضل كان حقيقا ان يكونا مقصودين بذاتهما لا نطمع في الجنة وخوف من النار 132 فائدة الوحى والنبوة الّتي للتشريع مختص بالأنبياء وختمت بخاتم النبيين وما ليس للتشريع فغير مختص ويكون للاولياء ايضا كمالات النبوة بالوراثة 137 ذكر مبتداء تعين الكليم والخليل والحبيب صلى الله عليه وسلم 140 ذكر أصالة الطينة وأصالة الكبرى وما ادعى المجدد للالف الثاني رضى الله عنه 146 ما ورد في اهل الدرجات العلى 153 مضمون صفحه قيل الولاية أفضل من النبوة والحق ان النبوة أفضل وتحقيق العروج والنزول فيهما 156 ما ورد في ان الكافر يستقبله عمله القبيح فيتركبه 161 ما ورد في انه من أخذ من عرض الدنيا شيئا بغير حق يحمله على عاتقه يوم القيامة 162 من بنى فوق ما يكفيه كلف ان يحمله 162 ما ورد في الصور 163 قصة أد و 168 حديث لما خلق الله آدم مسح ظهره الى لشى آدم 168 فنيست ذرّيته وخطا فخطات 168 حديث حج آدم موسى 170 حديث رفع عن أمتي الخطاء والنسيان 170 تحقيق المعيشة الضنك وللكافر 172 حديث أشد الناس بلاء الأنبياء 173 مسئله وجوب قرأة الفاتحة في الصلاة 175 حديث لا صلوة الا بفاتحة الكتاب 175 حديث انكم ترون ربكم كما ترون القمر 176 مسئلة الايمان بالله والتوحيد واجب على العقلاء قبل بعثة الرسل والكفر حينئذ كان سببا لاستحقاق العذاب 179.

سورة طه

سورة طه مكيّة وهى مائة وخمس وثلاثون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وتمّم بالخير. طه (1) قرأ أبو بكر- حمزة والكسائي بامالة فتح الطاء والهاء وورش وابو عمرو بامالة الهاء خاصة والباقون بفتحهما- وهما من السماء الحروف وقد مرّ الكلام عليها في أوائل سورة البقرة وقيل هو اسم من اسماء الله تعالى وهو قسم كقوله صلى الله عليه وسلم حم لا ينصرون- أخرجه ابو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه عن البراء بن عازب ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة الخندق حم لا ينصرون وقال مقاتل بن حيان معناه طى الأرض بقدميك ويريد في التهجد- اخرج ابن مردوية في تفسيره عن على رضى الله عنه واخرج البزار عنه انه قال لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم يايّها المزّمّل قم اللّيل الّا قليلا قام الليل كله حتى تورمت قدماه فجعل يرفع رجلا ويضع اخرى فهبط عليه جبرئيل فقال طه على الأرض بقدميك يا محمد كذا قرئ- فعلى هذا أصله طامن وطايطا فقلبت الهمزة هام وقلبت الهمزة في يطا الف ثم بنى عليه الأمر وضم إليه ها السكت ويحتمل ان يكون الف طا مبدلة من الهمزة والهاء ضمير راجع الى الأرض لكن يرد على هذا كتابتها على صورة الحروف وقال مجاهد وعطاء والضحاك معناه يا رجل- وقال قتادة هو يا رجل بالسريانية- وقال الكلبي هو يا انسان بلغة عك «1» - فعلى هذا «2» خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ولهذا اعدوا طه من اسماء النبي صلى الله عليه وسلم لكونه كناية عنه- قال البغوي قال

_ (1) له هكذا في الأصل وفي تفسير البغوي كل وهو الصحيح- الفقير الدهلوي. (2) ينبغى تكرار هذا كما لا يخفى على المتفطن 120 الفقير الدهلوي.

[سورة طه (20) : آية 2]

الكلبي لمّا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يرواح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه فبراوح «1» بين قدميه إذا قام على أحدهما مرة قام على الاخرى مرة) وكان يصلى الليل كله فانزل الله تعالى هذه الاية وامره ان يخفف على نفسه فقال. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) اى لتتعب في القاموس الشقاء الشدة والعسر وليد وقال الجوهري الشقاوة خلاف السعادة- وكما ان الشقاوة ضربان دنيويّة واخروية كذلك السعادة ثم السعادة الدنيوية ثلاثة اضرب نفسية وبدنية وخارجية- كذلك الشقاوة على هذه الأضرب- والمراد في هذه الاية الشقاوة الدنيوية البدنية- وهو التعب- وقال بعضهم قد يوضع الشقاء موضع التعب- وقال البيضاوي الشقاء شائع بمعنى التعب ومنه أشقى من رابض المهر وسيد القوم أشقاهم ولعله عدل اليه للاشعار بانه انزل عليه ليسعد- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما انزل الله عليه الوحى يقوم على صدور قدميه إذا صلى- فانزل الله طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى واخرج عبد بن حميد عن الربع بن انس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلّى فام على رجل ورفع اخرى فانزل الله طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى- وقيل هذه الاية رد لقول الكفار وتكذيب لهم حين راوا اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبادة فقالوا ما انزل القرآن عليك يا محمد الا لشقائك فنزلت هذه الاية وجاز ان يكون مراد الكفار ونسبة الشقاوة الى اسعد الناس نظرا منهم انه ترك دين الآباء فشقى فرد الله عليهم قولهم وبين سعادته بما انزل عليه تذكرة ممن اتصف بصفات الكمال- يدل عليه ما اخرج ابن مردوية من طريق العوفى عن ابن عباس قال قالوا لقد شقى هذه الرجل بربه فنزلت ما أنزلنا عليك القران لتشقى- وجلا ان يكون سعنى الاية ما أنزلنا عليك القرءان لتتعب وتبخع نفسك لفرطتا سفك على كفر قومك إذ ليس عليك الّا تبليغهم- وجملة ما أنزلنا خبر طه ان جعلته مبتدأ على انه اوّل بالسورة او القران ولفظ القران فيها واقع موقع العائد- وجواب ان جعلته مقسما به- ومناد «2» له ان جعلته منادى واستيناف ان كانت جملة فعلية او اسمية بإضمار مبتدأ او طائفة من الحروف محكية. إِلَّا تَذْكِرَةً استثناء منقطع يعنى لكن تذكيرا- ولا يجوز ان يكون بدلا من محل تشقى لاختلاف الجنسين ولا مفعولا له لانزلنا لان الفعل الواحد لا يتعدى الى العلتين- وجاز ان يكون مستثنى مفرغا

_ (1) قد راجعت الى التفسير البغوي فلم أجد فيه العبارة بين القوسين 12 الفقير الدهلوي- (2) هكذا في الأصل والصحيح منادى له 12 التفسير الدهلوي.

[سورة طه (20) : آية 4]

منصوبا على العلية لفعل محذوف من جملة مستانفة تقديره ما أنزلناه الّا تذكرة وقيل هى مصدر في موقع الحال من الكاف او القرآن او مفعولا له على ان لتشقى متعلق بمحذوف هو صفة للقران تقديره ما أنزلنا عليك القرءان المنزل لتتعب بتبليغه لغرض الّا تذكرة لِمَنْ يَخْشى (3) اى لمن كان في قلبه خشية ورقة تلين بالإنذار- او لمن علم الله منه ان يخشى بالتخويف فانه هو المنتفع به. تَنْزِيلًا منصوب بإضمار فعله- او بيخشى او على المدح او على البدل من تذكرة ان جعل حالا لا ان جعل مفعولا له لفظا او معنى لان الشيء لا يعلل بنفسه ولا بنوعه مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4) متعلق بتنزيلا او صفة له- وفيه التفات من التكلم الى الغيبة للتفنن في الكلام وتفخيم المنزل من وجهين اسناد انزاله الى ضمير الواحد العظيم شأنه ونسبته الى المختص بالصفات والافعال العظيمة فذكر أفعاله وصفاته على الترتيب الّذي هو عند العقل فبدا بخلق الأرض والسموات الّتي هى اصول العالم وقدم الأرض لانها اقرب الى الحس واظهر عنده من السموات العلى وهى جمع العليا تأنيث الأعلى-. الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) مر تفسيره في سورة يونس. لَهُ ما فِي السَّماواتِ من الملائكة والكواكب والجبال والأنهار وَما فِي الْأَرْضِ من الجبال والأنهار والأشجار والمعادن والحيوانات والجن والانس والشياطين والملائكة وَما بَيْنَهُما من الهواء والرباح والسحاب والرعد والبرق وغير ذلك وَما تَحْتَ الثَّرى (6) وهو التراب الندى في الحديث فاذا كلب يأكل الثرى من انعطش يقال ثرى التراب إذا رشّ عليه الماء- قال البغوي قال الضحاك ويعنى ما وراء الثرى من شيء- وقال ابن عباس ان الأرضين على ظهر النون- والنون على مجرو راسه وذنبه يلتقيان تحت العرش- والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها وهى الصخرة الّتي ذكر الله في قصة لقمان فتكن في صخرة- والصخرة على قرن ثور والثور على الثرى ولا يعلم تحتها الا الله عزّ وجلّ وذلك الثور فاتح فاه- فاذا جعل الله البحار بحرا واحدا سالت في جوف ذراعى الثور فاذا وقعت في جوفه يبست- الرحمن مبتدأ ما بعده خبره او مرفوع على المدح وما بعده خبر محذوف او الرحمن خبر مبتدأ محذوف اى هو الرحمن وجملة على العرش استوى وجملة له ما في السّموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى- اخبار مترادفة بغير عاطف نحو زيد عالم عاقل وجملة هو الرحمن الى آخره بعد ذكر خلق الأرض والسموات العلى اما مستأنفة في جواب بين لنا صفته واما مؤكدة لمضمون جملة لخلق.

[سورة طه (20) : آية 7]

وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (7) قال البيضاوي تقديره ان تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم انه غنى عن جهرك فانّه يعلم السّرّ وأخفى- وعندى تقديره ان تجهر بالقول اى بذكر الله ودعائه او تخافت به فالله يعلمه ويجيبه ويثيب عليه فانّه اى لانه يعلم السّرّ وأخفى فضلا من الجهر- حذف او تخافت به لدلالة سياق الكلام عليه كما حذف من قوله تعالى سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ قوله والبرد- قال البغوي قال الحسن السّرّ ما اسر الرجل الى غيره وأخفى من ذلك ما اسر في نفسه- وعن ابن عباس وسعيد بن جبير السر ما يسر في نفسه وأخفى من السر ما يلقى الله في قلبك من بعد ولا تعلم انه سيحدث به لانّا تعلم ما تسريه اليوم ولا تعلم ما تسريه غدا- والله يعلم ما أسرت اليوم وما تسر غدا- وقال على بن طلحة عن ابن عباس السر ما اسر ابن آدم في نفسه وأخفى ما خفى عليه مما هو فاعله قبل ان يعمله- وقال مجاهد السر العمل الّذي تسرون من الناس وأخفى الوسوسة وقيل السر العزيمة وأخفى ما يخطر على القلب ولم يعرم عليه وقال زيد بن اسلم يعلم السّرّ وأخفى سره من عباده فلا يعلمه أحد- وقالت الصوفية العلية السّر وأخفى من المجردات الخمسة ترى بنظر الكشف فوق العرش وتتجلى برزاتها في بدن الإنسان وهى القلب والروح والسر والخفي والأخفى- فالقلب مهبط لتجليات الولاية الآدمية والروح لولاية النوحيّة والابراهيميّة والسّر لولاية الموسوية- والخفي لولاية العيسوية- والأخفى لولاية المحمدية عليه وعليهم الصلوات والتسليمات. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ مبتدأ وخبر لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (8) خبر ثان والجملة الكبرى موكدة مقررة لمضمون له ما في السّموات الى آخره- لان من له ملك السموات والأرض لا يجوز الا ان يكون متوحدا بالالوهية متصفا بجميع صفات الكمال الّتي يدل عليها الأسماء الحسنى الّتي لا يمكن الاتصاف بها لغيره- والحسنى تأنيث الأحسن- وفضل اسماء الله تعالى على سائر الأسماء في الحسن لدلالتها على معان هى اشرف المعاني وأفضلها- وقد ذكرنا بحث اسماء الله الحسنى في سورة الأعراف في تفسير قوله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها-. وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) استفهام تقرير اى قد أتاك والجملة معطوفة على مضمون ما سبق من الكلام اعنى قوله الّا تذكرة فانه مضمونه لكن أنزلناه تذكرة

[سورة طه (20) : آية 10]

او قوله تنزيلا يعنى نزل تنزيلا يعنى أتاك القران وأصبت تعب العبادة ونلت اصناف السعادة- وقد أتاك حديث موسى متضمنا ما أصابه من التعب وما ناله من الله جات- فالله سبحانه بعد تمهيد نبوته صلى الله عليه وسلم ذكر قصة موسى- ليأتم به في تحمل احياء النبوة وتبليغ الرسالة والصبر على مقاسات الشدائد فان هذه السورة من أوائل ما نزل. إِذْ رَأى ناراً ظرف لحديث موسى يعنى هل أتاك ما وقع من حادثة موسى وقت رويته نارا- او الفعل مضمر اى حين راى نارا كان كيت وكيت- او مفعول لا ذكر مقدر قال البغوي وذلك ان موسى عليه السلام استاذن شعيبا عليه السلام في الرجوع الى مصر لزيارة والدته وأخته فاذن له- فخرج باهله وماله وكانت ايام الشتاء فاخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام- وامرأته في شهرها لا يدرى أليلا تضع او نهارا- فسار في البرية غير عارف بطرقها فالجاه المسير الى جانب الطور الغربي الايمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد- وأخذ امرأته الطلق فقدح زندة فلم يوره- وقيل ان موسى كان رجلا غيورا فكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار لئلا ترى امرأته- فاخطا مرة الطريق في ليلة مظلمة شاتئة لما أراد الله عزّ وجلّ كرامته- فجعل يقدح الزند ولا يورى فابصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا أقيموا مكانكم خطاب لامراته والرفقة- وقيل خطاب لامراته بتأويل الأهل على سبيل التعظيم لكونها ابنة شعيب- قرأ حمزة لاهله امكثوا هنا وفي القصص بضم الهاء في الوصل والباقون بكسرها فيه إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها آنَسْتُ ناراً اى أبصرتها ابصارا لا شبهة فيه وقيل الإيناس أبصار ما يونس به لَعَلِّي قرأ الكوفيون بإسكان الياء والباقون بفتحها آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ اى شعلة نار تقتبس اى تطلب من معظم النار كذا في القاموس جملة مستانفة أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (10) اى هاديا يدنى على الطريق او يهدينى أبواب الدين فان أفكار الأبرار مائلة إليها في ما يعن لهم- ولما كان حصولها مترقبا غير مقطوع به أورد كلمة الترجي بخلاف الإيناس فانه كان محققا ولذلك حققه ومعنى الاستعلاء في على النار ان أهلها مشرفون او مستعلون المكان القريب منها- كما ان قوله مردن بزيد الباء للصوق مروره بمكان يقرب منه زيد-. فَلَمَّا أَتاها ظرف لنودى قال البغوي راى شجرة خضراء من أسفلها الى أعلاها أطافت نارا بيضاء «1» «2» تتقد كأضوء ما يكون- فلا ضوء يغيّر خضرة الشجرة ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار

_ (1) الزند العود الّذي يقدح به النار والسفلى زنذة ولا يقال زندتان- قاموس 12- منه (2) وفي تفسير البغوي أطافت بها 12 ال؟؟؟ فسير الدهلوي

[سورة طه (20) : آية 12]

قال ابن مسعود كانت الشجرة سمرة خضراء وقال قتادة ومقاتل والكلبي كانت من العوسج وقال وهب كانت من العليق- وقيل كانت شجرة العناب- روى ذلك عن ابن عباس قال اهل التفسير لم يكن الّذي راه موسى نارا بل كان نورا ذكر بلفظ النار لان موسى عليه السلام حسبه نارا وقال اكثر المفسرين انه نور الرب وهو قول ابن عباس وعكرمة وغيرهما قال سعيد بن جبير هى النار بعينها وهى أحد عجب الله عزّ وجلّ يدل عليه ما روى عن ابى موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حجابه النار- مشفها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه- كذا قال البغوي لكن في صحيح مسلم وسنن ابن ماجة حجابه النور- قلت البزر هو ما لطف من النار بحيث لا يحرق فالمال واحد وفي القصة ان موسى احذ شيئا من الحشيش اليابس وقصد الشجرة- فكان كلّما دنا ناءت منه النار- وإذا نأى دنت- فوقف متحيرا وسمع تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة ونُودِيَ يا مُوسى (11) . إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنَا رَبُّكَ قرأ ابن كثير وابو عمرو وابو جعفر بفتح همزة انّى اى بانّى وكسر الباقون بإضمار القول او بإجراء النداء مجراه وتكرير الضمير للتاكيد والتحقيق- قال البغوي قال وهب نودى من الشجرة فقيل يموسى فاجاب سريعا ما يدرى من دعا فقال انى اسمع صوتك ولا أدرى مكانك فاين أنت- قال انا فوقك ومعك وامامك وخلفك واقرب إليك من نفسك- فعلم ان ذلك لا ينبغى الّا لله عزّ وجلّ فايقن به- قال البيضاوي قيل انه لما نودى- قال من المتكلم قال انى انا الله فوسوس اليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان- فقال انا عرفت انه كلام الله بانى أسمعه من جميع الجهات وجميع الأعضاء وهو اشارة الى انه عليه السّلام تلقى من ربّه كلاما تلقيا روحانيّا ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل الى الحس المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ فيدم امر بذلك لكون الحفوة تواصعا لله تعالى وقال البغوي كان السبب فيه ما روى عن ابن مسعود مرفوعا قال كانتا من جلد حمار ميّت ويروى غير مدبوغ- وقال عكرمة ومجاهد امر بخلع النعلين ليباشر بقدميه تراب الأرض المقدسة فتناله بركتها لانها قدست مرتين فخلعهما موسى والقاهما وراء الوادي إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ اى المطهر طُوىً (12) قرأ اهل الكوفة والشام بالتنوين هاهنا وفي سورة

[سورة طه (20) : آية 13]

النازعات بتأويل المكان- وقيل هو كثنى من الطى مصدر لنودى او لمقدس اى نودى ندائين او قدس مرتين- قلت اصل الطى الدرج وجعل الشيء بعضه على بعض فلاجل هذه المشابهة استعمل بمعنى التثنية وقرأ الباقون بلا تنوين للعلمية والعدل لانه علم للوادى معدول عن طاو- او للتانيث مع العلمية بتأويل ابقعة عطف بيان للوادى- قال الضحاك وادي طوى مستدير عميق مثل الطور في استدارته وقيل طوى بالتنوين مصدر قائم مقام فعله حال من الضمير المرفوع المستكن في الظرف الراجع الى المخاطب وهو موسى- وهو اشارة الى حالة حصلت له على طريق الاجتباء فكانه طوى عليه اى قطع عليه مسافة لو اجتهد في قطعها لبعد عليه غاية البعد- قالت الصوفية العلية عروج القلب الى أصله اى الى فوق العرش لو حصل بالاجتهاد فرضا لحصل في مدة خمسين الف سنة بل اكثر فان المسافة بين الأرض الى العرش خمسين الف سنة وهى المكنيّة بقوله تعالى فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ لكن ذلك العروج انما يحصل بجذب الشيخ على سبيل الاجتباء قال العارف الرومي قدس سره سير زاهد هر شبى يك روزه راه ... سير عارف هر دمى تا تخت شاه. وَأَنَا اخْتَرْتُكَ للنبوة والرسالة واصطفيتك قرأ حمزة وانّا مشددة النون واخترنك على التعظيم فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إليك اللام متعلق بكل من الفعلين على سبيل التنازع. إِنَّنِي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ولا تعبد غيرى- الجملة بدل من ما يوحى دال على انه مقصور على تقدير التوحيد الّذي هو كمال العلم والأمر بالعبادة الّتي هى كمال العمل وَأَقِمِ الصَّلاةَ تخصيص بعد تعميم لكمال الاهتمام بها وعلو منزلتها في سائر العبادات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- الصلاة عماد الدين- رواه ابو نعيم والبيهقي عن عمرو صاحب مسند الفردوس عن على رضى الله عنه بلفظ الصلاة عماد الايمان وابن عساكر عن انس بلفظ الصلاة نور الايمان- وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم اىّ الأعمال أحب الى الله- قال الصلاة. وروى مسلم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة وروى احمد واصحاب السنن عن بريدة نحوه وروى احمد والدارمي والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله

[سورة طه (20) : آية 15]

عليه وسلم انه ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيّ ابن خلف وروى الترمذي عن عبد الله بن شقيق قال كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة- وبناء على ظاهر هذه الأحاديث قال احمد بن حنبل من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر- وايضا وجه كونها أفضل العبادات انها حسنة لذاتها بخلاف اكثر العبادات فان الصوم لاجل قهو النفس الامارة بالسوء- والزكوة لدفع حاجة الفقير- والحج لتعظيم البيت ونحو ذلك- وللدلالة على كونها حسنة لذاتها ذكر الله علة للام بإقامتها فقال لِذِكْرِي (14) قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها- اى لتذكرنى فيها فانّ الصلاة بجميع اجزائه ذكر له تعالى واشتعال به بالقلب واللسان والجوارح- وقيل معنى لذكراى لانى ذكرتها في الكتب وأمرت بها فيها- وقيل معناه لان أذكرك بالرحمة والثناء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى انا عند ظن عبدى بي وانا معه إذا ذكرنى فان ذكرنى في نفسه ذكرته في نفسى وان ذكرنى في ملأ ذكرته في ملأ خير منه- متفق عليه من حديث ابى هريرة وقيل هذا تقييد وليس بتعليل للامر بالإقامة ومعناه أقم الصّلوة لذكرى خاصة لا ترائى بها ولا تشوبها بذكر غيرى- وقيل معناه لاوقات ذكرى والاية على هذا مجمل ورد بيانه في موضع اخر بما قال أقم الصّلوة لدلوك الشّمس الى غسق اللّيل وقرّاء ان الفجر ونحو ذلك- وبحديث امامة جبرئيل المشهور وقيل معناه أقم الصّلوة لذكر صلاتى- عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسى صلوة او نام عنها فكفارتها ان يصليها أفأذكرها- وفي رواية لا كفارة لها الا ذلك قال الله تعالى أقم الصّلوة لذكرى متفق عليه وعن ابى قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في النوم تغريط انما التفريط في اليقظة فاذا نسى أحدكم صلوة او نام عنها فليصلها إذا ذكرها فان الله تعالى قال وأقم الصّلوة لذكرى- رواه مسلم. إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ الجملة في مقام التعليل للامر بالعبادة او مستانفة لبيان فائدتها او معترضة للترتيب وقال البغوي قيل معناه وانّ السّاعة اتية اى بتقدير حرف العطف أَكادُ أُخْفِيها قال الأخفش معناه أريد أخفيها اى أخفى وقتها وقال البغوي لفظة كاد زائدة والمعنى أخفى وقتها- وقيل معناه أكاد أخفيها فلا أقول انها اتية ولولا ما في الاخبار من اللطف بالعباد قطع الاعذار لما أخبرت بإتيانها- نظيرة قوله تعالى تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ يعنى لولا حلم الله لتفطرت

السموات على القائلين باتخاذ الولد- قلت لعل فيه اشارة الى ان الايمان بالله وعبادته في مرتبة من الفضل والحسن والشرف كان حقيقا بين بكونان «1» مقصودين للناس بذاتهما لا نعرض وغاية وإتيان الساعة المشتملة على الجنة والنار وان كان من لوازم إتيانهما وعدم إتيانهما وثمراتهما المترتبة عليهما- لكن الايمان في نفسه عز وشرف لا بد من إتيانه- والكفر في نفسه ذل وخسران لا بد من التحرز عله فلولا اخبر الله تعالى بإتيان الساعة لم يكن ايمان من أمن بالله طمعا في الجنة او خوفا من النار بل خالصا لوجه الله- ومن هاهنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه رواه «2» يعنى لم يعصه لو لم يخف عذاب الله ولم تكن النار وقالت الرابعة البصرية أريد ان احرق الجنة وأطفئ النار حتى الى؟؟؟ د الناس الله خالصا لوجهه من غير خوف وطمع لكن الله سبحانه اخبر بإتيانها لطفا بالعباد وقطعا لاعذار الكفار واكثر المفسرين قالوا معناه أكاد أخفيها من نفسى فكيف يعلمها اى يعلم وقتها غيرى- ويؤيد هذا التأويل ان في بعض القراءات فكيف أظهرها لكم- وهذا الكلام على عادة العرب انهم إذا بالغوا في كتمان الشيء قالوا كتمت سرك من نفسى اى اخفيه غاية الإخفاء- والحكمة في الإخفاء التهويل والتخويف لا لهم إذا لم لعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت- وقيل معناه أكاد أظهرها من أخفاه إذا سلب خفاه- قال البيضاوي يؤيد هذا المعنى القراءة بفتح الهمزة قال البغوي قرأ بفتح الالف ومعناه أظهرها يقال خفيت الشيء إذا اظهرته وأخفيته إذا سترته كذا في النهاية للجزرى- فان قيل إذا كان الخفاء المجرد بمعنى الإظهار وهمزة الإخفاء للسلب فكيف يكون معنى الإخفاء على القراءة المتواترة الإظهار وكيف يويدها قراءة الحسن- قلت المجرد قد يكون بمعنى الإظهار وقد يكون بمعنى الستر قال في القاموس خفى يخفى يعنى مثل ربى يرمى خفيا وخفيا أظهره واستخرجه كاختفاه وخفى يخفى كرضى يرضى خفاء فهو خاف وخفى لم يظهر- فعلى هذا إذا زيد همزة الافعال على المجر والمفتوح العين في الماضي ومكسوره في الغابر كان معناه الستر وسلب الإظهار كما هو المشهور وإذا زيد على مكسور العين في الماضي كان معناه الإظهار وسلب الستر لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) متعلق بآتية او باخفيها على معنى أظهرها وكذا على معنى أكاد أخفى إتيانها فلا أقول اتية يعنى لا اخبر بإتيانها حتى تجزى كل نفس عملت حبّا لله من غير طمع في الجنة وخوف من النار بجزاء ما تسغى وذلك الجزاء هو لقاء الله ومراتب قربه

_ (1) هكذا في الأصل وهو كما ترى 12 الفقير الدهلوي (2) بياض في الأصل 12 ابو محمد عفى عنه .

[سورة طه (20) : آية 16]

فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها اى لا يصرفنك عن لقاء الله او عن الايمان بإتيان الساعة او عن اقامة الصلاة او عن العمل للساعة مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها نهى الكافر من ان يصد موسى عنها والمراد منه نهيه عليه السلام من ان ينصد عنها بصده- كقوله لا ارينك هاهنا تنبيها على ان الفطرة السليمة يأبى عن الاعراض عنها ويقتضى الرسوخ في الدين وان صدر الكافر انما هو لاعوجاج فيه وَاتَّبَعَ هَواهُ فمال الى اللذات المحسوسة الفانية- وكف نظره عن درك ما فيها من الشر وعن اعتقاد العقاب عليها عطف على لا يؤمن او حال بتقدير قد من فاعله فَتَرْدى (16) فتهلك بالانصداد منصوب بتقدير ان بعد الفاء في جواب النهى-. وَما تِلْكَ استفهام تقدير استيقاظا وتنبيها على انها عصا حتى يظهر كونها معجزة عظيمة إذا راى منها عجائب كلمة ما مبتدء وتلك خبره وهى بمعنى هذه وقوله بِيَمِينِكَ حال منها والعامل فيه معنى الاشارة اى قارة او ماخوذة بيمينك او تلك موصول صلة بيمينك بِمُوسى (17) تكرير لزيادة الاستيناس والتنبيه. قالَ هِيَ عَصايَ قال البغوي وكانت له شعبتان وفى لمسفلها سنان ولها محجن قال مقاتل اسمها تبعة أَتَوَكَّؤُا اعتمد عَلَيْها إذا أعييت وعند الوثبة وإذا وقفت على راس القطيع وَأَهُشُّ بِها اى اضرب بها الشجرة ليسقط ورقها عَلى رؤس غَنَمِي كى تأكلها في القاموس هش الورق يهش خبطه إذا ضربه ضربا شديدا وَلِيَ قرأ ورش وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها فِيها مَآرِبُ حاجات اى قضاؤها أُخْرى (18) صفة لما رب والقياس آخر وانما قال اخرى ردّا الى الجماعة لرعاية رؤس الآي وكذا الكبرى- وذلك المآرب ان يلقيها على عاتقه فيعلق بها اداوته وزاده وان يعرض الزندين على شعبتيها ويلقى عليها الكساء ويستظل به وإذا قصر الرشاء يصل به- وإذا تعرضت السباع لغنمه يقاتل به- قال البيضاوي كانه عليه السلام فهم ان المقصود من السؤال ان يتذكر حقيقتها وما يرى من منافعها حتى إذا راى بعد ذلك على خلاف تلك الحقيقة ووجد منها خصائص اخرى استيقن كونها خارقة العادة ولاجل ذلك ذكر حقيقتها ومنافعها مفصلا ومجملا- ليطابق جوابه الغرض الّذي فهمه- ومعنى الكلام انها من جنس العصا ينتفع عنها منافع أمثالها- وقال بعض اهل العشق ان موسى عليه السلام زاد على قدر الجواب بقوله عصاى وبسط في الكلام التذاذا بمكالمة المحبوب ثم أجمل ولم يفصل جميعها أدبا وخوفا من تطويل الكلام.

[سورة طه (20) : آية 19]

قالَ الله تعالى أَلْقِها يا مُوسى (19) يعنى اصرح عصاك نتفرغ ممّا نتكى ولا تتكى الأنبياء- وترى كنه ما فيها من المآرب- قال وهب ظن موسى انه تعالى يقول ارفضها. فَأَلْقاها موسى على وجه الرفض ثم جانت منه نظره فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) تمشى بسرعة على بطنها- وقال الله سبحانه في موضع اخر كانّها جانّ وهى الحية الخفيفة الصغيرة الجسم- وقال في موضع اخر فاذا هى ثعبان وهو اكبر ما يكون من الحيات- واما الحية فانها تطلق على الصغيرة والكبيرة والذكر والأنثى- فقيل في تطبيق الآيات ان الجانّ عبادة عن ابتداء حالها فانها صارت اولا على قدر العصا ثم تورمت وتنفضت حتى صارت ثعبانا في انتهاء حالها- وقيل انها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجانّ ولذالك قال كانّها جانّ ولم يقل فاذا هى جانّ كما قال فاذا هى ثعبان مبين- قال محمد بن إسحاق نظر موسى فاذ العصا حية من أعظم ما يكون من الحيات صارت شعتاها شدقين لها والمحجن عنقا وعرفا تهتز كالنيازك ووعيناها تتقدان كالنار- تمرّ بالصخرة العظيمة مثل الحلقة من الإبل فتلقمها- وتقصف الشجرة العظيمة بإتيانها- وسمع لاسنانها صريفا عظيما فلما عاين ذلك موسى ولى مدبرا وشرب- ثم ذكر ربه فوقف استجياء منه- ثم نودى وقال الله تعالى يموسى اقبل و. خُذْها بيمينك وَلا تَخَفْ انّى لا يخاف لدىّ المرسلون الّا من ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فانّى غفور الرّحيم سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا اى هيأتها وحالاتها الْأُولى (21) كما كانت والسيرة فعلة من السير تجوز بها للطريقة والهيئة وقوله سيرتها بدل اشتمال من الضمير المنصوب في سنعيدها اى سنعيد سيرتها- وقيل انتصابها بنزع الخافض تقديره الى سيرتها او يقال على ان أعاد منقول من عاده بمعنى عاد اليه- او على الظرف اى سنعيدها في سيرتها- او على المصدرية بتقدير فعلها اى سنعيد العصا بعد ذهابها تسير سيرتها الاولى- او على طريقة ضربته سوطا- اى سنعيدها بسيرتها الاولى- او مفعول ثان لنعيدها بتضمين معنى الجعل- اى سنعيدها ونجعلها ذات سيرتها الاولى فتنتفع بها كما «1» كنت تنتفع بها- قال البغوي كانت على موسى مدرعة من صوف قد خلها بعيدان- فلما قال الله خذهالف طرف المدرعة على يده- فامر الله ان يكشف يده فكشف- وذكر بعضهم انه لمالف المدرعة على يده قال له ملك ارايت لو اذن الله بما تحاذره- أكانت المدرعة تغنى عنك شيئا- قال لا لكنى ضعيف من ضعف خلفت- فكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فاذا هى عصا كما كانت- ويده في شعبتيها

_ (1) ولم يكن في الأصل كماء ابو محمد-[.....]

[سورة طه (20) : آية 22]

فى الموضع الّذي كان يضعها إذا توكّا- قال المفسرون أراد الله ان يرى موسى ما أعطاه من الآية الّتي لا يقدر عليها مخلوق لئلا يفزع منها إذا القاها عند فرعون- قال البغوي روى عن ابن عباس ان موسى كان يحمل على عصاه زاده وسقاه فكانت تماشيه وتحدثه- وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه ويركزها فيخرج الماء فاذا رفعها ذهب الماء ولو اشتهى ثمرة ركزها فتغصنت غصن تلك والشجرة وأورقت وأثمرت- وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقى وكانت تضيء بالليل بمنزلة السراج- وإذا ظهر عدو كانت تحارب وتناضل عنه-. وَاضْمُمْ يَدَكَ اى كفك اليمنى إِلى جَناحِكَ قال البغوي يعنى إبطك اليسرى وقال قال مجاهد تحت وجناح الإنسان عضده الى اصل ابطيه- قال البيضاوي هو استعارة من جناحى الطائر سميّا بذلك لانه يجنحهما اى يميلهما وفي القاموس الجوانح الضلوع تحت الترائب مما يلى الصدر واحدتها جانحة والجناح اليد والعضد والإبط تَخْرُجْ تقديره اضمم يدك الى جناحك واخرج تخرج فهو مجزوم على جواب الأمر بَيْضاءَ منيرة مشرقة حال من الضمير المستكن في تخرج مِنْ غَيْرِ سُوءٍ اى من غير عيب وقبح كنى به عن البرص لان الطباع تعافه متعلق بيضاء يعنى ابيضت من غير سوء- قال البغوي قال ابن عباس كان ليده نور ساطع يضئ بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر آيَةً اى معجزة دالة على صدقك في دعوى النبوة حال ثان من الضمير المستكن في تخرج او من الضمير في بيضاء او مفعول بإضمار خذا ودونك أُخْرى (22) سوى العصا. لِنُرِيَكَ متعلق بالمضمر اعنى خذا ودونك او بما دل عليه الاية او القصة- اى دلنابها وفعلنا ذلك لنريك مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23) صفة لاياتنا ولم يقل الكبر لرؤس الأمي او مفعول ثان لنريك ومن ايتنا حال منها- وقيل فيه إضمار تقديره لنريك الاية الكبرى من آياتنا- قال ابن عباس كانت يد موسى اكبر آياته. اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ بهاتين الآيتين فادعه الى عبادتى إِنَّهُ طَغى (24) اى جاوز الحد في العصيان والتمرد حتى ادّعى الالوهية- جملة معللة لقوله اذهب. قالَ موسى رَبِّ اى يا رب اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) حتى يسع فيه المعارف الحقة الّتي لا يكفى في دركها عقول العقلاء ومنها درك انه لا يقدر أحد غير الله سبحانه على شيء من الإنفاع والإضرار- فيذهب من قلبه مخافة فرعون وجنوده- ونظرا الى ذلك قال ابن عباس يريد حتى لا

[سورة طه (20) : آية 26]

أخاف غيرك- وذلك ان موسى كان يخاف من فرعون خوفا شديدا لشدة شوكته وكثرة جنوده. وَيَسِّرْ لِي قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَمْرِي (26) يعنى سهل علّى إتيان ما وجب علّى من تبليغ الرسالة وغير ذلك ومن التكاليف- حتى يذهب عنى كلفة التكاليف ومشاقها ويحصل للنفس لذة في تحمل شدائدها وفي إبهام المشروح والميسّر اولا ودفعه بذكر الصدر والأمر ثانيا تأكيد ومبالغه. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) الظرف اما صفة لعقدة أو صلة لاحلل- قال البغوي وذلك ان موسى كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره فاطمه فرعون لطمة وأخذ بلحية فقال فرعون لاسية امرأته ان هذا عدوى وأراد ان يقتله- فقالت آسية انه صبى لا يعقل ولا يميز وفي رواية ان أم موسى لمّا فطمته ردته فنشا موسى في حجر فرعون وامرأته ير بيانه واتخذاه ولدا- فبينهما هو يلعب يوما بين يدى فرعون وبيده قضيب يلعب به- إذ رفع قضيبا فضرب به راس فرعون- حتى هم فرعون بقتله- فقالت آسية ايها الملك انه صبى لا يعقل جربه ان شئت- وجاءت بطشتين في أحدهما الجمر وفي الاخر الجواهر فوضعهما بين يدى موسى- فاراد ان يأخذ الجواهر فاخذ جبرئيل يد موسى عليهما السلام فوضعها على النار فاخذ جمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه وصارت عليه عقدة- واخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير ان فرعون حمل موسى يوما فاخذ بلحيته فنتفها فغصب وامر بقتله فقالت آسية انه صبى لا يفرق بين الجمر والياقوت فاحضر بين يديه فاراد أخذ الجواهر فاخذ جبرئيل يده ووضعها على الجمرة ووضعها في فيه فاحترق لسانه وصارت عليه عقدة. يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) فانما يحسن التبليغ من البليغ- واختلف في زوال العقدة بكمالها- فمن قال به تمسك بقوله تعالى قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ومن لم يقل به احتج بقوله هو افصح منّى لسانا وبقوله تعالى حكاية عن فرعون أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ وأجاب عن الاول بانه لم يسئل حل عقدة لسانه مطلقا بل عقدة يمنع الافهام ولذلك نكرّها وجعل يفقهوا مجزوما في جواب الأمر-. وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً معينا وظهيرا مشتقا من الوزر بمعنى الثقل لانه يحمل الثقل عن الأمير- او من الوزر بمعنى الملجا من الجبل لان الأمير يعتصم برأيه ويلتجئ اليه في أموره ومنه الموازرة- وقيل أصله ازير من الأزر بمعنى القوة فعيل بمعنى مفاعل كالعشير بمعنى المعاشر

[سورة طه (20) : آية 30]

والجليس بمعنى المجالس قلبت همزتها واو لقلبها في موازر مِنْ أَهْلِي (29) اما صفة لوزيرا او صلة لاجعل. هارُونَ مفعول أول لاجعل ووزيرا ثانيهما قدم للعناية به- ولى صلة او حال وجاز ان يكون لى مفعولا ثانيا ووزيرا او لهما وهرون عطف بيان- وان يكون مفعولاه وزيرا ومن أهلي ولى تبيين كقوله وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ... أَخِي (30) قرأ ابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها على الوجوه بدل من هرون او مبتدا خبره. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) قال في القاموس الأزر الإحاطة والقوة والضعف عند التقوية والظهر فالمعنى قوّ به ظهرى او اشدد به قوتى او قو به ضعفى. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) اى في امر النبوة وتبليغ الرسالة- قرأ ابن عامر اشدد بفتح الالف القطعي واشركه بضم همزة القطع على صيغة المضارع المجزوم على انه جواب الأمر- والجمهور بهمزة الوصل المضمومة في الابتداء- وفتح همزة القطع في الثاني على صيغة الأمر على انه بدل اشتمال من قوله اجعل. كَيْ نُسَبِّحَكَ تسبيحا كَثِيراً (33) قال الكلبي اى نصلى لك وكثيرا. وَنَذْكُرَكَ ذكرا كَثِيراً (34) فان التعاون تهج الرغبات وتؤدى الى تكاثر الخيرات. إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (35) عالما بأحوالنا وان التعاون مما يصلحنا وان هارون نعم المعين لى فيما أمرتني به-. قالَ الله تعالى قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ اى جميع مسئولاتك فعل بمعنى المفعول كالخبز بمعنى المخبوز والاكل بمعنى المأكول يا مُوسى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ جواب قسم محذوف اى والله لقد أنعمنا عليك. مَرَّةً أُخْرى (37) اى في وقت اخر قيل ذلك وقيل هى هذه المرّة. إِذْ للتعليل وجاز ان يكون ظرفا لمننّا أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ بالهام او في المنام او على لسان بنى في وقتها او ملك (لا على وجه النبوة) كما اوحى الى مريم- (فائدة) الوحى والنبوة الّتي التشريع مختص بالأنبياء وهم الرجال فحسب وهى الّتي انقطعت وختمت بخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم- واما الوحى الّذي ليس للتشريع سواء كان بطريق الإلهام او بكلام الملائكة كما كان لمريم فغير مختص بالأنبياء- بل يكون للاولياء ايضا ولم ينقطع بعد النبي صلى الله عليه وسلم- وكذا حصول كمالات النبوة بالتبعية قد يكون لغير الأنبياء ايضا- قال الشيخ الأكبر محى الدين ابن العربي قدس سره في الفتوحات في الباب الماءتين والسبعين ان النبوة وان انقطعت في هذه الامة بحكم التشريع فما انقطع الميراث منها فمنهم من يرث النبوة ومنهم من يرث رساله

ومنهم يرث النبوة والرسالة معا- وما قال العلماء النبوة اختصاص الهى فالمراد منه نبوة التشريع بنصب الاحكام بوحي الهى- وهى الّتي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال ان النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبوة بعدي- وقال الشيخ في اخر باب الصلاة من الفتوحات نحو ذلك وقال هناك وهؤلاء هم المقربون الذين قال الله فيهم عينا يّشرب بها المقرّبون وقد ذكرت في تفسير سورة النساء وسورة الواقعة ان المراد بالمقربين هم الذين حصل لهم كما لان النبوة بالوراثة- فالوحى الّذي ليس التشريع وليس مختص بالأنبياء هو الّذي عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحديث حيث قال لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فان يكن من أمتي منهم أحد فانه عمر- رواه احمد والبخاري ومسلم والنسائي وابو نعيم الموصلي في مسنده عن ابى هريرة وعن عائشة وفي الصحيحين عن ابى هريرة بلفظ لقد كان فيمن كان قبلكم من بنى إسرائيل رجال يكلمون من غير ان يكونوا أنبياء فان يكن من أمتي أحد فعمر- ولاجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان بعدي نبى لكان عمر بن الخطاب- رواه احمد والترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصحاه عن عقبة بن عامر والطبراني عن عصمة بن مالك وعن ابى سعيد الخدري وابن عساكر عن ابن عمر- قال الشيخ الشعراوى في اليواقيت والجواهر هل يكون الإلهام بلا واسطة فالجواب نعم قد يلهم العبد من الوجه الخاص الّذي بين كل انسان وبين ربه عزّ وجلّ- فلا يعلم به الملك لكن هذا الوجهة يتسارع الناس الى إنكاره ومنه انكار موسى على خضر- فعلم ان الرسول والبنى يشهد ان الملك رؤية بصر- وغير الرسول يحس باثره ولا يراه- فيلهم الله بواسطته ما يشاء او يعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط وهذا أجل الإلقاء وأشرفه ويجتمع في هذا الرسول والولي- ونقل الشيخ عبد الوهاب الشعراوى عن الشيخ ابى المواهب الشاذلى قدس الله سرهما انه كان يقول في انكار بعضهم على من قال حدثنى قلبى عن ربى لا انكار عليه لان المراد أخبرني قلبى عن ربى بطريق الإلهام الّذي هو وحي الأولياء- وهو دون وحي الأنبياء عليهم السلام ولا انكار الا على من قال كلمنى ربى كما كلم موسى عليه السّلام انتهى كلامه- قلت الولي ايضا قد يشهد الملك روية بصركما رأت مريم جبرئيل عليه السّلام حين تمثّل لها بشرا سويّا والله اعلم ما يُوحى (38) اى مالا يعلم الا بالوحى او مما ينبغى ان يوحى لعظم شأنه وشدة اهتمامه.

[سورة طه (20) : آية 39]

أَنِ اقْذِفِيهِ ان مفسره لما يوحى لان الوحى بمعنى القول- او مصدرية بتقدير الباء اى بان اقذفي موسى اى ألقيه فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ يعنى نهر النيل فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ اى الجانب سمى ساحلا لان الماء يسحله اى يقشره- أورد صيغة الأمر لتناسب ما تقدم ومعناه الاخبار اى يلقيه اليمّ بالساحل وانما عطف نظرا الى التناسب اللفظي- وقيل هو امر بمعناه هو امر للبحر معطوف على امر لام موسى كما يقال احسن الى زيد وليحسن زيد إليك- وقيل هو معطوف على أوحينا بتقدير قلنا تقديره أوحينا الى أم موسى كذا- فقلنا ليلقه اليم بالساحل- قلت ان كان الأمر بمعنى الخبر فهو داخل في الوحى- وان كان بمعنى الأمر للبحر فلا حاجة الى تقدير قلنا وجاز حينئذ عطفه على فاقذ فيه في اليمّ- فان قيل كيف يتصور الأمر للبحر والبحر مما لا يعقل- قيل هو امر تكوين لا يشترط له التعقل وقال البيضاوي لما كان إلقاء البحر إياه الى الساحل امرا واجبا لتعلق ارادة الله به جعل البحر كانه ذو تميز مطلع على امره بذلك- واخرج الجواب مخرج جواب الأمر فقال يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ يعنى فرعون وقال المحققون من الصوفية ان الجمادات وان كانت لا تعقل ولا تفهم بالنسبة إلينا ولا يجوز إلينا مخاطبتها- لكنها عاقلة مطيعة لامر الله سبحانه كما يدل عليه النصوص- قال الله تعالى وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ ... وقال الله تعالى قالنا اتينا طائعين ... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الجبل ينادى الجبل اى فلان هل مربك أحد يذكر الله- وقال الفاضل الرومي خاك وباد وآب وآتش بنده اند ... پيش تو مرده وبر حق زنده اند واطلاق العدو على فرعون بالنسبة الى الله كان على الحقيقة لكونه مشركا وبالنسبة الى موسى كان على المجاز باعتبار ما يؤل- فانه لم يكن عدوّا له وقت الاخذ ولاجل ذلك كرر لفظ العدو لامتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز- وجاز ان يكون التكرير للمبالغة ويكون المراد في اللفظين باعتبار ما يؤل او باعتبار الوقت الموجود حيث كان في صدد قتل موسى بأخبار الكهنة إياه انه يولد في بنى إسرائيل غلام يكون زوال ملكك على يديه- ولاجل ذلك قتل كثيرا من أبناء بنى إسرائيل ولم يعرف موسى انه ذلك الغلام والا لقتله- والضمائر كلها راجعة الى موسى عليه السلام ورجوع بعضها اليه وبعضها الى التابوت يفضى الى تنافر النظم- والمقذوف في البحر والملقى الى الساحل وان كان هو التابوت بالذات- لكن كان موسى ايضا بالعرض لكونه في جوف التابوت-

قال البغوي اتخذت أم موسى تابوتا وجعلت فيه قطنا محلوجا ووضعت فيه موسى وقرت رأسه وخصاصه يعنى شقوقه ثم ألقته في النيل- وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون- فبينما فرعون جالس على رأس النهر مع امرأته آسية إذا هو بتابوت يجئ به الماء- فامر الجواري والغلمان بإخراجه فاخرجوه وفتحوا رأسه فاذا فيه صبى من أصبح الناس وجها- فلما راه فرعون أحبه بحيث لم يتمالك نفسه فذالك قوله تعالى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي (50) ظرف مستقر صفة لمحبة او لغو متعلق بألقيت اى ألقيت عليك محبّة كائنة منّى قد ذرعتها في القلوب- او ألقيت منّى محبّة عليك يعنى أحببتك ومتى أحبه الله أحبته القلوب- قال ابن عباس أحببته وحبّبته الى خلقى قال عكرمة ما رأه أحد الّا احبّه قال قتادة ملاحة كانت في عينى موسى ما راه أحد الا عشقه وجاز ان يكون المعنى ألقيت محبّة كائنة منّى عليك اى في قلبك بحيث لستولى تلك المحبة عليك فاجبتنى وأخلصت قلبك لمحبتى بحيث لم يلتفت الى غيرى فصرت راس المحبين- قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه كان مبداء تعيّن الكليم صلوات الله عليه المحبيّة الصرفة ومبداء تعيّن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم المحبوبيّة الصرفة فلاجل ذلك كان الكليم عليه السلام رأس المحبين والحبيب صلى الله عليه وسلم راس المحبوبين- والصوفي بنظر الكشف يرى في دائرة الحب محيطا وهى الخلّة مبد التعين الخليل عليه السلام ومركزا وهو المحبة الصرفة مبدا لتعيّن الكليم عليه السلام- والمركز أعلى وأفضل وأوسع من المحيط كالقمر بالنسبة الى الهالة ثم المركز عند الصعود اليه يرى دائرة محيطها مبد التعين الكليم عليه السلام ومركزها لتعين الحبيب صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه- ولمّا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم في غاية المرتبة من المحبوبية صار مبدا تعينه مركز الدائرة المحبوبية الصرفة وترك محيطها (وهو المحبوبية الممتزجة) لبعض افراد أمته- وذلك الفرد هو المجدد للالف الثاني رضى الله عنه والله اعلم وظاهر اللفظ يقتضى ان اليم القاها بالساحل فالتقطه ال فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنا فان صح ان ال فرعون أخرجوه من اليم فيول الساحل بحيث فهو نهره والله اعلم وقوله ألقيت معطوف على قوله أوحينا وَلِتُصْنَعَ اى تربى ويحسن إليك من صنعت فرسى إذا أحسنت القيام عليه- قرأ ابو جعفر بالجزم على انها امر عَلى عَيْنِي قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها حال من ضمير المخاطب المرفوع يعنى لتصنع كائنا على حفظى- وقوله لتصنع على قراءة الجمهور معطوف

[سورة طه (20) : آية 40]

على علة مضمرة تقديره ليطعف عليك ولتضع او على الجملة السابقة بإضمار فعل معلل تقديره وفعلت ذلك لتصنع- وعلى قراة ابو جعفر معطوف على يأخذه. إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ مريم لتعرف خبرك واحضروا مراضع وأنت لا تقبل ثدى واحدة منها- ظرف لالقيت او لتصنع او بدل من إذ أوحينا على ان المراد بها وقت متسع- وقيل إذ للتعليل فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ اى على امراة ترضعه وبضم إليها- فلمّا قالت ذلك قالوا نعم- فجاءت بامه فقيل ثديها فذلك قوله تعالى فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ لما وعدناها بقولنا انا رادّوه إليك كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها بلقائك وَلا تَحْزَنَ هى يفراقك او أنت على فراقها وفقد إشفاقها وَقَتَلْتَ نَفْساً اى رجلا قبطيّا كافرا ظالما- استغاثه عليه السلام عليه الاسرائيلىّ كذا قال ابن عباس- وكان إذ ذاك ابن اثنى عشر سنة كذا قال كعب الأحبار فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ اى غم قتله خوفا من عقاب الله بالمغفرة ومن اختصاص فرعون بالأمن منه بالهجرة الى مدين وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً مصدر كالقعود او جمع- قال البغوي قال ابن عباس اختبرناك اختبارا وقال الضحّاك وابتليناك ابتلاء على انه مصدر- او أنواعا من الابتلاء على انه جمع فتن او فتنة على ترك الاعتداد بالتاء كحجور وبدر في حجرة وبدرة- وقال مجاهد اخلصناك إخلاصا- وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس ان الفتون وقوعه في محن خلصه الله منها اوّلها ان امّه حملته في السنة الّتي كان فرعون يذبح الأطفال- ثم القاؤه في البحر في التابوت- ثم منعه الرضاع الا من ثدى امه- ثم اخذه بلحية فرعون حتى هم بقتله- ثمّ تناوله الجمرة بدل الدرة- ثم قتله القبطي- ثم خروجه الى مدين- قلت ثم ما ناله في سفره الى مدين من الهجرة عن الوطن ومفارقة آلاف والمشي راجلا على حذر وفقد الزاد وايجار نفسه الى غير ذلك فالمعنى خلصناك من تلك المحن مرة بعد اخرى كما يفتن الذهب بالنار فيتخلص من كل خبث فيه- فَلَبِثْتَ عشر سِنِينَ لرعى الأغنام قضاء لا وفي الأجلين في صداق ابنة شعيب عليه السلام فِي أَهْلِ مَدْيَنَ وهى على ثمان مراحل من مصر- وقال وهب لبث موسى عند شعيب ثمان وعشرين سنة- عشر سنين منها مهر ابنته وثمانى عشرة بعد ذلك حتى ولد له ثُمَّ جِئْتَ الى الوادي المقدس عَلى قَدَرٍ اى على القدر الّذي قدرت بانك تجىء كذا قال محمد

[سورة طه (20) : آية 41]

ابن كعب- او على القدر الّذي يوحى فيه الى الأنبياء- يعنى إذا بلغ عمرك أربعين كذا قال عبد الرحمن ابن كبسان- وهو معنى قول اكثر المفسرين اى على المواعد الّذي وعده الله وقدره ان يوحى اليه بالرسالة وهو أربعين سنة يا مُوسى (40) كرر الله سبحانه ذكره استيناسا له وحبّا- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احبّ شيئا اكثر ذكره- رواه صاحب مسند الفردوس من حديث عائشة. وَاصْطَنَعْتُكَ اى ربيتك وأحسنت تربيتك لِنَفْسِي (41) قرأ الكوفيون وابن عامر بسكون الياء فيسقط وصلا في اللفظ لالتقاء الساكنين والباقون يفتحون الياء- يعنى ربيتك واخترت لنفسى حتى لا تشتغل ظاهرا وباطنا بغيري- قلت ويمكن ان يكون معناه جعلتك لمكارم الأخلاق وصنعتك بحيث صلحت لمناجاتى واقترابى وأداء رسالتى. اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي اى بمعجزاتى- قال ابن عباس يعنى الآيات التسع الّتي بعث بها وَلا تَنِيا قال السدى لا تفترا- وقال محمد بن كعب لا تقصرا- قال في القاموس الونى كفتى التعب والفترة ضد فِي ذِكْرِي (42) قرأ ابن عامر والكوفيون بسكون الياء فيسقط وصلا في اللفظ والباقون بالفتح- كان هذا الوحى لموسى وقد كان هارون حينئذ بمصر- فامر الله موسى ان يأتى هارون- واوحى الى هارون وهو بمصر ان يتلقى موسى فتلقاه الى مرحلة وأخبره بما اوحى اليه- وقيل سمع هارون بمقبل موسى فاستقبله فاوحى الله سبحانه إليهما-. اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) بادعائه الالوهية- امر الله موسى اولا وحده بالذهاب ثم امره وأخاه ثانيّا فلا تكرار وقيل الذهاب الاول مطلقا والثاني مقيد فلا تكرار. فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً قال ابن عبّاس لا تعنفا في قولكما- وقال عكرمة والسدى كنياه فقولا يا أبا العباس وقيل يا أبا الوليد وقال مقاتل يعنى بالقول اللين هل لك الى ان تزكّى وأهديك الى ربّك فتخشى فانه دعوة في صورة عرض ومشورة حذرا من ان يحمله حمية الجاهلية على ان يسطو عليكما- وقيل أمرهما باللطافة في القول لما كان له على موسى حق التربية- وقال السدى القول الذين ان موسى أتاه ووعده على قبول الايمان شبابا لا يهرم وملكا لا ينزع عنه الا بالموت- ويبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح الى حين موته- وإذا مات دخل الجنة فاعجبه ذلك وكان لا يقطع امرا دون هامان وكان غائبا- فلما قدم أخبره بالذي دعاه اليه موسى وقال أردت ان اقبل منه- فقال له هامان كنت ارى ان لك عقلا ورأيا وأنت رب تريد ان تكون

[سورة طه (20) : آية 45]

مربوبا وأنت تعبد تريد ان تعبد فقلّبه عن رايه لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ان تحقق عنده صدقكما أَوْ يَخْشى (44) يعنى ان لم يتحقق عنده صدقكما ولم يتذكر فلا اقل من ان يتوهم فيخشى- والترجي بالنسبة الى علمهما والّا فالله تعالى كان عالما بانه لا يرجع- والجملة في محل النصب على الحالية من فاعل قولا- يعنى قولا حين التذكر من فرعون او خشيته- او على العلية لقوله قولا يعنى- وقال الحسن بن الفضل هذا ينصرف الى غير فرعون مجازه لعله يتذكر متذكر او يخشى خاش-. قالا اى موسى وهارون يا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا قال ابن عباس ان يعجّل علينا بالقتل والعقوبة قبل إتمام الدعوة واظهار المعجزات- يقال فرط عليه فلان إذا عجّل بمكروه من فرط إذا تقدم ومنه الفارط أَوْ أَنْ يَطْغى (45) اى يزداد طغيانا فيقول فيك ماء ينبغى لجرءته وقساوته ويزداد في الاساءة الى عبادك. قالَ الله تعالى لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما تعليل لقوله لا تخافا يعنى لا تخافا لاننى معكما بالحفظ والنصر أَسْمَعُ دعاءكما وَأَرى (46) ما يراد بكما فامنع لست بغافل عنكما فلا تهتما- او اسمع وارى ما يجرى بينكما وبين فرعون من قول وفعل فافعل في كل حال بكما ما ينبغى من النصر ودفع المكروه- ويجوز ان لا يقدر شيء على معنى انّنى حافظكما سامعا مبصرا- والحافظ إذا كان قادرا سميعا بصيرا تم الحفظ-. فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ أرسلنا إليك والى بنى إسرائيل فَأَرْسِلْ الفاء للسببية مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ الى الشام او اطلقهم عن أعمالك دخل عنهم لعبادة الله تعالى وَلا تُعَذِّبْهُمْ بالتكاليف الصعبة والأعمال الشاقة الّتي كان فرعون يستعملهم فيها قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ اى حجة مِنْ رَبِّكَ على صدقنا في دعوى الرسالة جملة مقررة لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة وانما وحد الاية وكان معه آيتان لان المراد اثبات بالبرهان لا الاشارة الى وحدة الحجة وتعددها وكذلك قوله، قد جئتكم ببيّنة وقوله فأت باية ونحو ذلك وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) جملة معترضة اى سلامى وسلام الملئكة وخزنة الجنة على المهتدين او السلامة في الدارين لهم من النقمة في الدنيا والعذاب في الاخرة. إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ اى عذاب الله في الدنيا والاخرة عَلى مَنْ كَذَّبَ الرسل وَتَوَلَّى (48) اعرض عن

[سورة طه (20) : آية 49]

عن الايمان بالله وعبادته- قيل الجملة تذييل او تعليل لكونه رسولا- قلت او بدل من قوله انّا رسولا ربّك- فاتيا وقال له ما امرا به يدل على ذالك سياق الاية- وفائدة الحذف الاختصار والدلالة على ان المطيع إذا امر بشيء فعله لا محالة-. قالَ فرعون لهما في جواب ما قال فَمَنْ رَبُّكُما الّذي أرسلكما يا مُوسى (49) انما خاطب اثنين وخص موسى بالنداء لانه اصل وهارون وزيره وتابعه- او لادلاله عليه بالتربية- او لانه عرف ان له رتبة ولاخيه فصاحة. قالَ موسى رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (50) قال الحسن وقتادة اعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه- وقال مجاهد اعطى كل شيء صورته الّتي هو عليها ولم يجعل خلق الإنسان كخلق البهائم ولا خلق إليها ثم كخلق الإنسان ثم هداه الى منافعه من المطعم والمشرب والمنكح- وقال سعيد بن جبير اعطى كل شى خلقه يعنى زوجه من جنسه المرأة للرجل والنافة للبعير والأتان للحمار والرمكة للفرس ثمّ هدى اى ألهمه كيف يأتى الذكر الأنثى- وقيل معناه اعطى خلقه كلّ شيء يحتاجون اليه ويرتفقون به فقدم المفعول الثاني لانه المقصود بيانه- ثم عرفه كيف يرتفق بما اعطى وكيف يصل به الى بقائه وكماله اختيارا او طبعا- قال البيضاوي هذا جواب في غاية البلاغة فانه اخبار عن الموجودات بأسرها على مراتبها- وبيان لكون الغنى القادر المنعم على الإطلاق هو الله تعالى- وان جميع ما عداه مفتقر اليه في حد ذاته وصفاته وأفعاله- ولهذا بهت الّذي كفر واقحم عن الدخل عليه وصرف الكلام عنه و. قالَ فَما بالُ يعنى ما حال الْقُرُونِ الْأُولى (51) من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم الذين عبدوا الأصنام وأنكروا البعث فماذا يفعل بهم بعد موتهم. قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي اى أعمالهم محفوظة عند ربّى فِي كِتابٍ مثبت في اللوح المحفوظ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (52) جملة مستانفة او صفة لكتاب يعنى الكتاب الّذي لا يضله الله ولا ينساه- والضلال ان تخطئ الشيء في مكانه فلم تهتد اليه والنسيان ان يذهب منك الشيء بحيث لا يخطر ببالك- وهما محالان على العالم بالذات- وقيل معنى لا يضلّ ربّى اى لا يغيب عنه شيء ولا يغيب هو عن شيء- ولا ينسى ما كان من أمرهم- والمعنى ان الله مجازيهم على ما عملوا من خير او شر-. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً الموصول مرفوع صفة لربى او خبر

[سورة طه (20) : آية 54]

لمحذوف او منصوب على المدح- قرأ الكوفيون مهدا هاهنا وفي الزخرف ولم يختلفوا في الّذي في سورة النبأ وهو مصدر سمى به- والباقون مهادا وهو اسم ما يمهد كالفراش او جمع مهد يعنى جعلها كالمهد لكم وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا السلوك النفاذ في الطريق قال الله تعالى لتسلكوا منها سبلا فجاجا- ويجيء لازما ومتعديا- وفي القاموس سلك المكان سلوكا وسلكه غيره فالاول لازم والمكان ظرف والثاني متعد واستعمل في الاية متعديا وجعل السبل مفعولا به مجازا وهو ظرف كما أسند الجري الى النهر مجازا في جرى النهر- فمعنى حصل لكم فيها سبلا بين الجبال والاودية والبراري تسلكونها اى تلك السبل من ارض الى ارض لتبلغوا منافعها وهذا معنى قول ابن عباس سهل لكم فيها طرقا وقال البغوي السلك إدخال الشيء في الشيء والمعنى ادخل في الأرض لاجلكم طرقا تسلكونها ومنه قوله تعالى ما سلككم في سقراى ما أدخلكم فيها وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً مطرا فَأَخْرَجْنا بِهِ بذلك الماء قيل تم كلام موسى عليه السّلام عند قوله وانزل من السّماء ماء ثم اخبر الله عن نفسه تتميما لما وصفه به موسى خطابا لاهل مكة والظاهر انه من كلام موسى عليه السلام حكاية من الله تعالى تقديره انزل من السّماء ماء وقال منّة عليكم أخرجنا به إلخ يعنى لتشكروه- او هو كلام موسى والمعنى اخرج أبناء جنسنا من الآدميين أَزْواجاً يعنى أعناقا سميت بذلك لازدواجها واقتراب بعضها ببعض مِنْ نَباتٍ بيان وصفة لازواج وكذلك شَتَّى (53) صفة لازواج ويحتمل ان يكون صفة للنبات فانه من حيث انه في الأصل مصدر يستوى فيه الواحد والجمع- وهى جمع شتيت كمريض ومرضى من شتّ الأمر إذا تفرق- اى متفرقا في الصور والأغراض والمنافع يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم ولذلك قال. كُلُوا وَارْعَوْا رعى جاء لازما ومتعديا يقول العرب رعيت القوم فرعت- والمعنى هاهنا اسيموا أَنْعامَكُمْ ترعى الأمر للاباحة وتذكر النعمة- والجملة حال من ضمير فاخرجنا على ارادة القول اى أخرجنا أصنافا قائلين كلوا وادعوا يعنى معدنيهما لانتفاعكم بالأكل والعلف أذنين فيه إِنَّ فِي ذلِكَ المذكور من جعل الأرض مهدا وإنزال الماء من السماء وإخراج النبات من الأرض للانتفاع لَآياتٍ دالة على وجود الخالق ووجوبه واحاطة علمه وقدرته وتكوينه واتصافه بالكمالات وتنزهه عن المناقص لِأُولِي النُّهى (54) اى لذوى العقول جمع نهية سميت بها لكونها ناهية صاحبها عن القبائح والمضرات. مِنْها اى من الأرض خَلَقْناكُمْ يعنى خلقنا من تراب الأرض أباكم آدم ومواد أبدانكم

فان النطفة يتولد من الاغذية وهى يخلق من الأرض- وقال البغوي قال عطاء الخراسانى ان الملك ينطلق فياخذ من تراب المكان الّذي يدفن فيه فيذره على النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة- ودليل قول عطاء ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود الا وفى سرقه من تربة الّتي يولد منها- فاذا ردّ الى أرذل عمره ردّ الى تربة الّتي خلق منها يدفن فيها- وانى وأبا بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة وفيها تدفن- رواه الخطيب عن ابن مسعود وقال غريب وأورده ابن الجوزي في الموضوعات- قال الشيخ المحدث ميرزا محمد الحارثي البدخشي رحمه الله ان لهذا الحديث شواهد عن ابن عمرو ابن عباس وابى سعيد وابى هريرة يتقوى بعضها ببعض فهو حديث حسن وما ذكر العيني في شرح الصحيح البخاري في كتاب الجنائز عن محمد بن سيرين انه قال لو حلفت حلفت صادقا غير شاك ولا مستثنى ان الله تعالى ما خلق نبيه صلى الله عليه وسلم ولا أبا بكر ولا عمر الا من طينة واحدة- وما اخرج ابن عساكر عن عبد الله ابن جعفر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عبد الله هنيئا لك مريّا- خلقت من طينتى وأبوك يطير مع الملئكة في السماء- وما روى الديلمي في مسند الفردوس وابن البحار عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال طينة المعتق طينته لعله قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من اعتقه- ومن هذه الأحاديث وتأويل عطاء في الاية يظهر انه يكون بعض الناس مخلوق من طينة نبى من الأنبياء ويسمى ذلك في اصطلاح الصوفية أصالة الطينة- بل من طينة محمد صلى الله عليه وسلم وهى أصالة الكبرى في في الاصطلاح- قلت فالله سبحانه يوم خلق السموات والأرض قدر بعض اجزاء الأرض معدة لخلق بعض افراد الإنسان وبعضها لبعض آخر- فما أعدت منها لخلق نبى من الأنبياء عليهم السلام لعل التجليات الذاتية المختصة بذلك النبي والبركان الالهية الاصلية ما زالت نازلة فائضة على تلك الجزء من اجزاء الأرض حتى استعدت لان ينخمر منها بدنه الشريف- ثم ما أعدت منها لخلق نبى من الأنبياء جاز ان يبقى منها شيء فتكون مادة لغيره فيتشرف بها ذلك الغير كما ورد به الخبر في النخلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا عمتكم النخلة فانها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم. وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران فاطعموا نساءكم والولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر- رواه ابو يعلى الموصلي في مسنده والبخاري في تاريخه وابن ابى حاتم والعقيلي وابن عدى وابن السنى وابو نعيم في الطب وابن مردوية عن على عليه السلام واخرج ابن عساكر عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقت النخلة والرمانة والعنب من فضلة طينة آدم وقد ادعى الاصالة الكبرى الشيخ احمد مجدد للالف الثاني

[سورة طه (20) : آية 56]

رضى الله عنه بمكشوفه في المكتوب التاسع والتسعين من المجلد الثالث- واعترض بذلك الدعوى عليه رضى الله عنه بعض الناس اما جهلا او عنادا فويل لمن عاند اولياء الله ولم يذهب على حسن الظن في شانهم والله اعلم وَفِيها نُعِيدُكُمْ بتفكيك الاجزاء بعد الموت وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ يوم القيامة بالبعث بتأليف اجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الصورة السابقة ورد الأرواح إليها تارَةً اى حينا او مرة كذا في القاموس أُخْرى (55) . وَلَقَدْ أَرَيْناهُ اى بصرناه آياتِنا او عرفناه صحتها كُلَّها تأكيد لشمول الأنواع او لشمول الافراد على ان الاضافة للعهد يعنى آياتنا التسع الّتي أعطيناها موسى. وان موسى عليه السلام أراه تلك الآيات وعد عليه ما اوتى غيره من المعجزات فَكَذَّبَ فرعون موسى من فرط عناده وقال انه ساحر وَأَبى (56) عن الايمان والطاعة. قالَ اى فرعون بدل اشتمال من قوله كذّب وابى او تأكيد وتقرير له أَجِئْتَنا استفهام تقرير لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا اى ارض مصر يعنى تريد ان تغلب على ديارنا فيكون فيها الملك لك بِسِحْرِكَ يا مُوسى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ اى مثل سحرك يعاوضه فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لذلك اى وعدا لقوله لا نُخْلِفُهُ قرأ ابو جعفر بالجزم على انه جواب للام نَحْنُ وَلا أَنْتَ فان الأخلاف يكون في الوعد دون الزمان والمكان- والمضاف محذوف تقديره مكان موعد اى وعد مَكاناً بدل من المكان المحذوف- وجاز ان لا يقدر المضاف ويكون مكانا منصوبا بالمصدر او يفعل دل عليه المصدر سُوىً (58) قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب بضم السين والباقون بكسرها وهما لغتان مثل عدى وعدى ولهوى ومعناه منتصفا يستوى منه المسافة إلينا وإليكم كذا قال قتادة ومجاهد وروى عن ابن عباس- وقال الكلبي يعنى سوى هذا المكان- وقف أبو بكر وحمزة والكسائي بالامالة وورش وابو عمرو على أصلهما بين بين والباقون بالفتح على أصولهم. قالَ موسى مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ فيه الضمير اى مكان موعدكم مكان يوم الزينة او موعدكم موعد يوم الزينة- او هو جواب من حيث المعنى فان يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم- قال مجاهد وقتادة ومقاتل والسدى كان عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون كل سنة وقيل هو يوم النيروز وقال ابن عباس وسعيد بن جبير يوم عاشوراء عنى ذلك اليوم- ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤس الاشهاد ولشيع ذلك في الأقطار وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ اى يجمعون ضُحًى (59) فى وقت الضحوة نهارا جهارا ليكون ابعد من الريبة- عطف على اليوم او على الزينة-. فَتَوَلَّى اى أدبر فِرْعَوْنُ عن موسى فَجَمَعَ كَيْدَهُ اى ذو كيده وحيلته يعنى السحرة

[سورة طه (20) : آية 61]

وآلاتهم ليغلب على موسى ثُمَّ أَتى (60) بالموعدة. قالَ لَهُمْ مُوسى اى لفرعون ومن معه من السحرة وقال البغوي الضمير للسحرة الذين جمعهم فرعون وكانوا اثنى وسبعون ساحرا مع كل واحد حبل وعصى- وقال كعب كانوا اربع مائة- وقيل كانوا اثنا عشر الفا وقيل اكثر من ذلك وَيْلَكُمْ مفعول به اى ألزمكم الله الويل اى الهلاك- او مصدر لفعله المحذوف اى هلكتم هلاكا- او منادى بحذف حرف النداء- اى ويلكم فهى جملة دعائية او ندائية مقدمة للنهى لاظهار تقبيح الحال بارتكاب المنهي قبل الشروع في المقال لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً مفعول مطلق بقوله لا تفتروا لانه بمعنى لا تكذبوا على الله كذبا باشراك أحد معه فَيُسْحِتَكُمْ قرأ حفص وحمزة والكسائي بضم الياء وكسر الحاء من الافعال والباقون بفتح الياء والحاء من المجرد- معناهما واحد والاسحات لغة بخد وتميم والسحت لغة الحجاز- قال مقاتل والكلبي معناه فيهلككم- وقال قتادة فيستأصلكم بِعَذابٍ عظيم من عنده وَقَدْ خابَ اى خسر خسرانا ولم ينل ما طلب مَنِ افْتَرى (61) وكان كذلك حيث افترى فرعون وكذب على الله واحتال ليبقى ملكه وألوهيته الباطلة فلم ينفعه. فَتَنازَعُوا يعنى السحرة او فرعون وقومه أَمْرَهُمْ اى في أمرهم يعنى في امر مجادلة موسى ومعارضته هل ينبغى أم لا بَيْنَهُمْ قال محمد بن إسحاق لمّا قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا قال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر وَأَسَرُّوا النَّجْوى (62) وهو اسم او مصدر ناجيته اى ساورته- أصله ان تخلوا به في نجوة من الأرض وهى المرتفعة المنفصلة بارتفاعها وقيل أصله النجاة بمعنى الخلاص- فهى المشاورة والمعاونة بما فيه خلاصه- يعنى أسروا تنازعهم فيما بينهم- وقال الكلبي أسروا ان غلبنا موسى اتبعناه-. قالُوا بعد ما تنازعوا وتناجوا بينهم يعنى استقر أمر مشاورتهم على هذا القول وكان هذا قول فرعون إِنْ هذانِ لَساحِرانِ الى آخره كما مر فيما قبل حيث قال أجئتنا لتخرجنا من ارضنا بسحرك يموسى- واستقر قولهم جميعا بعد المشاورة على هذا القول طوعا او كرها- كما ذكر الله سبحانه منازعة فرعون وقومه في سورة المؤمن حيث قال وقال رجل مؤمن من ال فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا الى قوله فمن يّنصرنا من بأس الله ان جاءنا قال فرعون ما أريكم الّا ما ارى وما أهديكم الّا سبيل الرّشاد- قرأ ابن كثير وحفض بتخفيف

[سورة طه (20) : آية 64]

النون في ان على انها هى المخفقة من المثقلة واللام هى الفارقة- او هى نافية واللام بمعنى الا يعنى ما هذان الا ساحران- ويشدد وابن كثير النون من هذآنّ- وقرأ الباقون ان مشددة فقرأ وابو عمرو هذين على الأصل- والباقون هذان بالألف واختلفوا في توجيهه- فروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة انه خطأ من الكاتب وهذا القول خطاء خارق للاجماع وقيل هذا بلغة ابو الحارث بن كعب وخثعم وكنانة فانهم يجعلون المثنى في الرفع والنصب والجر بالألف يجعلونها علامة التثنية وأعربوا المثنى تقديرا ويقولون أتاني الزيدان ورايت الزيدان ومررت بالزيدان- وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها في التثنية يقولون كسرت يداه وركبت علاه موضع يديه وعليه- وكذا في الأسماء الستة المضافة الى غير ياء المتكلم قال الشاعر ان أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها. وقيل اسمها ضمير الشان المحذوف وهذان الساحران خبران تقديره انه هذان لساحران وقيل ان بمعنى نعم وما بعدها مبتداء وخبر- روى ان أعرابيا سال ابن الزبير فحرمه فقال لعن الله ناقة حملتنى إليك فقال ابن الزبير ان وصاحبها اى نعم قال البيضاوي وفيها ان اللام لا تدخل على خبر للمبتداء وقيل أصله ان هذان لهما ساحران- او ان يعنى نعم هذان لهما ساحران فحذف ضمير الشان وضميرهما- وفيه ان المؤكد باللام لا يليق به الحذف يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ مصر بالاستيلاء عليه بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (63) تأنيث للامثل بمعنى الأفضل قال ابن عباس يعنى بسراة قومكم واشرافهم- يقال هولاء طريقة قومهم اى اشرافهم حدث الشعبي عن على قال يصرفا وجوه الناس إليهما- وقال قتادة طريقتهم المثلى يومئذ بنوا إسرائيل كانوا اكثر القوم عددا وأموالا- فقال عدو الله يريدان ان يذهبا بهم لانفسهم كانه قال فرعون هذا القول لمّا قال له موسى أرسل معى بنى إسرائيل- وقيل أراد بطريقتكم المثلى بسنتكم ودينكم الّذي أنتم عليه فمعنى هذا القول قوله انّى أخاف ان يبدّل دينكم- وجملة يريد ان اما خبر بعد خبر لهذان واما حال من ضمير ساحران- واما مستأنفة. فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ قرأ ابو عمرو بوصل الالف وفتح الميم من المجرد- يعنى لا تدعوا شيئا من كيدكم الّا جئتم به وجمعتموه وهذا القراءة يطابق قول فجمع كيده والباقون بقطع الالف وكسر الميم فقد قيل معناه الجمع ايضا يقول العرب أجمعت الشيء وجمعته بمعنى واحد- والصحيح ان معناه العزم اى اعزموا عليه واجعلوا مجمعا عليه ولا تختلفوا فيختل أمركم ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا الصف مصدر بمعنى جعل الأشياء على خط مستوكا لناس والأشجار- وهو هاهنا بمعنى الفاعل يعنى ايتوا مصطفّين

[سورة طه (20) : آية 65]

مجتمعين لانه اهيب في صدور الرائين كذا قال مقاتل والكلبي- نظيره ما قال الله تعالى انّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّا كانّهم بنيان مرصوص- وصفّا على هذا حال من فاعل ايتوا- وقال ابن عبيدة الصف المجمع ويسمى المصلى صفّا فالمعنى ثم أتوا المكان الموعود وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (64) اى فاز بالمطلوب من غلب وهو اعتراض-. قالُوا اى السحرة بعد ما آتوا الموعد مراعاة للادب- او استعظاما لكيدهم ووثوقهم بالغلبة في كلا التقديرين يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ عصاك اولا وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) ان مع ما بعدها في الموضعين منصوب بفعل مضمر- او مرفوع على انه خبر مبتدا محذوف تقديره اختراعا القاءك اولا واما كوننا أول من القى. او الأمر الّذي حان حينه اما القاؤك اولا واما كوننا أول الملقين. قالَ موسى بَلْ أَلْقُوا أنتم او لا مقابلة للادب الأدب وعدم مبالاة بسحرهم واسعانا الى ما او هموا من الميل الى الله بذكر الاول صريحا في شقهم. وتغير النظم الى وجد ابلغ. ولان يبزروا ما معهم او يستنفذوا أقصى وسعهم. ثم يظهر سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ أصله عصور قلبت الواو ان يائين وكسرت العين والصاد وفي الكلام حذف تقديره فالقوا حبالهم وعصيّهم فاذا حبالهم إلخ وإذا ظرف زمان للمفاجأة منصوب بفعل المفاجاة مضاف الى جملة اسمية وحبالهم مع ما عطف عليه مبتداء وما بعده خبره. والعائد اما ضمير يخيل او ضميرانها. والجملة ابتدائية والمعنى فالقوا ففاجأ موسى وقتا حبالهم وعصيهم فيها يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ قرأ ابن ذكوان ليخيل بالتاء على ان الضمير المرفوع راجع الى الحبال والعصى وقوله أَنَّها تَسْعى (66) بدل اشتمال من الضمير المرفوع المستكن فيه وقرأ الباقون يخيل بالياء وعلى هذا انها تسعى مفعول قائم مقام الفاعل ليخيل- وفي القصة انهم لمّا القنو الحبال والعصى أخذوا أعين الناس. فرأى موسى والقوم بسحرهم كانّ الأرض امتلان حيات تسعى. وكانت أخذت ميلا من كل جانب. فَأَوْجَسَ اى احسن وأضمر فِي نَفْسِهِ خِيفَةً التنكير للتقليل اى خوفا قليلا مُوسى (67) الوجس في الأصل الصوت الخفي وفي القاموس الوجس الفزع يقع في القلب او السمع من صوت او غيره- يعنى خاف موسى حينئذ خوفا مضمرا- قيل خاف من طبع البشرية ظنّا منه انها تقصده وقال مقاتل خاف على القوم ان يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في امره فلا يتبعوه- والجملة معطوفة على فاذا حبالهم. قُلْنا حينئذ لموسى لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68)

[سورة طه (20) : آية 69]

الغالب- الجملة في موضع العلة للنهى عن الخوف وتقرير لغلبته مؤكدا بالاستيناف وحرف التحقيق وضمير الفصل وتعريف الخبر ولفظ العلو الدالة على الغلبة الظاهرة وصيغة اسم التفضيل. وَأَلْقِ عطف على لا تخف ما فِي يَمِينِكَ أبهمه ولم يقل عصاك اما تحقيرا للجبال والعصيّ يعنى لا تبال بكثرة الحبال والعصىّ والق العويدة الّتي في يدك- او تعظيما للعصىّ اى لا تبال بكثرة هذه الاجرام وعظمها فان ما في يمينك أعظم منها اثرا فالقه تَلْقَفْ قرأ حفص بإسكان اللام مخففا من لقفته بمعنى تلقفته والباقون بفتح اللام مشددا- أصله تتلقف من التفعل حذفت احدى القائين وتاء المضارعة تحتمل التأنيث بناء على ان الضمير ترجع الى عصا وتحتمل الخطاب على اسناد الفعل الى المسبب وقرأ ابن ذكوان بالرفع على الحال او الاستيناف والباقون بالجزم على انه جواب للامر يعنى تبتلع بقدرة الله تعالى ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا ما موصولة يعنى ان الّذي زوّروا وافتعلوا- او مصدرية يعنى ان صتيعهم كَيْدُ ساحِرٍ بوزن فاعل اى جبلة ساحر كذا قرأ الجمهور. وقرأ حمرة والكسائي سحر بكسر السين بلا الف بمعنى المصدر يعنى حيلة سحر والاضافة بيانية او التقدير كبد ذى سحر بحذف المضاف او بتسمية الساحر سحرا على المبالغة- وانما وجد الساحر لان المراد به الجنس وَلا يُفْلِحُ جنس السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69) قال ابن عباس لا يسعد حيث كان من الأرض واين اقبل وقيل معناه حيث احتال- اخرج ابن ابى حاتم والترمذي عن جندب بن عبد الله البجلي- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجدتم الساحر فاقتلوه ثم قرأ ولا يفلح السّاحر حيث اتى- قال لا يومن حيث وجد جملة انّما صنعوا في محل التعليل للتّلقف-. فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً هاهنا حذف اختصار تقديره فالقى موسى عصاه فصارت ثعبانا فتلقف ما صنعت السحرة فعرفت السحرة انه ليس بسحر انما هو اية من آيات الله فالقى السحرة اى ألقاهم ذلك المعرفة على وجوههم سجد الله تعالى توبة عما صنعوا او تعظيما لما راؤ من آيات الله يعنى سجدوا مسرعين كانهم القوا قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (70) الواو لمطلق الجمع يعنى امنّا بربهما وليس في الاية دليل على انهم قدموا ذكر هرون على موسى الإلزام التعارض بين هذه الاية وبين اية الأعراف والشعراء فان هناك امنّا بربّ العلمين ربّ موسى وهرون- وتقديم هارون هاهنا لرعاية رؤس الاى جملة قالوا مع ما في حيزها بدل اشتمال من قوله القى السّحرة سجّدا او تأكيد له. قالَ فرعون للسحرة آمَنْتُمْ لَهُ قرأ حفص على الخبر والباقون على الاستفهام للانكار-

[سورة طه (20) : آية 72]

واللام في أمنتم له اى لموسى لتضمين الفعل معنى الاتباع فيه قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ فى الايمان له إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ اى عظيمكم في السحر وأعلمكم به ولاجل ذلك غلب عليكم لا لنبوته- او انه لاستاذكم الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ وأنتم تواطئتم على ما فعلتم- والجملة معترضة فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ اى يد اليمنى والرجل اليسرى ومن ابتدائية متعلقة بلا قطّعنّ كان القطع ابتداء في مخالفة العضو العضو- او ظرف مستقر صفة لمصدر محذوف اى قطعا مبتداء من عضو مخالف للاخر اختلافهما يدا او رجلا يمنة ويسرة- او حال من ايديكم وأرجلكم يعنى مبتدئا قطعها من مخالف للاخر وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ اى عليها أورد كلمة في في محل على تشبيها لتمكن المصلوب على الصليب تمكن المظروف في الظرف وخص النخل لطولها حتى يرى من بعيد وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً انا على ايمانكم بربّ موسى او ربّ موسى على ترك الايمان به وَأَبْقى (71) اى أدوم عذابا. قالُوا يعنى السحرة لَنْ نُؤْثِرَكَ اى لن نختارك يا فرعون عَلى ما جاءَنا به موسى ويجوز ان يكون الضمير فيه لما مِنَ الْبَيِّناتِ اى المعجزات الواضحات يعنى اليد والعصا وقيل معناه من الدلالات وكان من دلالاتهم انهم قالوا لو كان هذا سحرا فاين حبالنا وعصيّنا- وقيل من البيّنات اى من التبيين والعلم. قال البغوي حكى عن القاسم عن ابى بردة انه قال انهم لما القوا سجدا ما رفعوا رؤسهم حتى رأوا الجنة والنار وراو ثواب أهلها ورأوا منازلهم في الجنة فعند ذلك قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات وَالَّذِي فَطَرَنا عطف على ما جاءنا اى لن نؤثرك على الّذى فطرنا- او قسم فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ما أنت قاضيه اى صانعه فالمفعول مع الصلة مفعول به لاقض بمعنى اصنع او المعنى احكم ما أنت حاكمه فالموصول مفعول مطلق اى احكم حكما أنت حاكمه- ولا يجوز حينئذ ان يكون مفعولا به لان القضاء بمعنى الحكم يتعدى بالباء ولا يجوز حذف الباء هناك إِنَّما تَقْضِي اى انما تصنع ما تهواه او تحكم ما تراه هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) منصوب على انه ظرف زمان بحذف المضاف يعنى انما تضع او تحكم زمان هذه الحيوة الدنيا ويزول أمرك وسلطانك عن قريب قيل ان فرعون صنع بهم ما أوعدهم وكان هو أول من سن ذلك أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس- وقيل انه لم يقدر

[سورة طه (20) : آية 73]

على ذلك لما قال الله تعالى أنتما ومن اتّبعكما الغالبون-. إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا من الكفر والمعاصي جملة مقررة لجملة لن نؤثرك وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ عطف على خطينا مِنَ السِّحْرِ بيان لما منصوب على انه حال من الضمير المجرور فان قيل كيف قالوا هذا وقد جاءوا مختارين يحلفون لعزة فرعون ان لهم الغلبة قال البغوي روى عن الحسن ان كان يكره قوما على تعلّم السحر كيلا يذهب أصله- فقد كان أكرههم في الابتداء وقال مقاتل كانت السحرة اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بنى إسرائيل وكان فرعون اكره الذين هم من بنى إسرائيل فذالك قولهم وما أكرهتنا عليه من السّحر- وقال عبد العزيز ابن ابّان قالت السحرة لفرعون أرنا موسى إذا نام فاراهم موسى نائما وعصاه تحرسه فقالوا ان هذا ليس بسحر ان الساحر إذا نام بطل سحره فابى عليهم ان يعارضوه فذلك قولهم وما أكرهتنا عليه من السّحر وَاللَّهُ خَيْرٌ منك ومن جميع ما خلق ثوابا لمن جاءه مومنا قد عمل الصالحات وَأَبْقى (73) اى أدوم منك ومن جميع ما خلق عقابا لمن يأته مجرما بالكفر والمعاصي كذا قال محمد بن إسحاق ومحمد بن كعب فهذا جواب لقوله ولتعلمنّ ايّنا أشدّ عذابا وأبقى انّه اى الشأن. مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً مات على كفره وعصيانه فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها فيستريح من العذاب وَلا يَحْيى (74) حيوة مهناة. وَمَنْ يَأْتِهِ قرأ قالون بخلاف عنه وابو جعفر ويعقوب باختلاس كسرة الهمزة في الوصل- وابو شعيب بإسكانها والباقون باشباعها يعنى من مات مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فى الدنيا حال من الضمير مومنا فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جمع العليا مونث أعلى اى المنازل الرفيعة. جَنَّاتُ عَدْنٍ اقامة بدل من الدرجات او عطف بيان تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها حال من الضمير المجرور في لهم والعامل فيها معنى الاشارة او الاستقرار وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) اى تطهر من أدناس الكفر والمعاصي قال الكلبي اعطى زكوة نفسه وقال لا اله الا الله- روى احمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان بسند صحيح عن ابى سعيد الخدري والطبراني عن جابر بن سمرة وابن عساكر عن ابن عمرو عن ابى هريرة كلهم قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اهل درجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب الطالع

[سورة طه (20) : آية 77]

فى أفق السماء وان أبا بكر منهم والعمر. وروى احمد والشيخان في الصحيحين عن ابى سعيد والترمذي عن ابى هريرة مرفوعا بلفظ ان اهل الجنة ليتراؤن اهل الغرف من فوقهم كما ترون كوكب الدري الغائر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى والّذي نفسى بيده رجال أمنوا بالله وصدقوا الرسل- والآيات الثلاث يحتمل ان يكون من كلام السحرة في مقام التعليل لقولهم والله خير وأبقى- وان يكون ابتداء الكلام من الله تعالى تصديقا لقولهم-. وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى (76) حين أراد الله إهلاك فرعون وقوعه وإنجاء بنى إسرائيل منه أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي اى سربهم ليلا من ارض مصر- هذه الجملة معطوفة على قوله ولقد مننّا عليك مرّة اخرى- وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً اى فاجعل لهم من قولهم ضرب له من ماله سهما او فاتخذ من ضرب البن إذا علمه قلت ويمكن تقدير الكلام فاضرب بعصاك البحر يكن طريقا فِي الْبَحْرِ يَبَساً صفة لطريق مصدر وصف به لا تَخافُ دَرَكاً قرأ الجمهور بالرفع والجملة في محل النصب على انه حال من فاعل اضرب او صفة ثانية لطريق اى أمنا من درك العدو او طريقا مامونا من الدرك- وقرأ حمزة لا تخف بالجزم على النهى او على انه جواب للامر وَلا تَخْشى (77) الغرق استيناف وعطف على لا تخاف والالف فيه على قراءة حمزة للاطلاق كقوله تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا او حال من فاعل لا تخف- ففعل موسى ما امر به وضرب البحر بعصاه فانفلق فكان كلّ فرق كالطّود العظيم وايبس الله الأرض فمروا فيها. فَأَتْبَعَهُمْ معطوف على محذوف يعنى فاسرى موسى بقومه فاتبعهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ الباء بمعنى مع والمعنى فاتبعهم فرعون نفسه مع جنوده حين اخبر ان موسى خرج ليلا مع بنى إسرائيل- وقيل صيغة الافعال بمعنى الافتعال والباء للتعدية وقيل الباء زائدة والمعنى فاتبعهم جنوده- وهذا التأويل لا يدل على خروج فرعون بنفسه وكان قد خرج فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ اى من ماء اليم اى البحر وكلمة من للبيان او للتبعيض اى بعض ماء اليم لاكله حال من قوله ما غَشِيَهُمْ (78) وفيه مبالغة والمعنى غطقهم مالا يعرف كنهه الا الله- والضمير المنصوب في الموضعين لفرعون وجنوده وقيل الضمير الاول لفرعون وجنوده والثاني لموسى وقومه يعنى غشى فرعون وجنوده فغرقوا ما غشى

[سورة طه (20) : آية 79]

موسى وقومه فنجوا. وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ فى الدين وَما هَدى (79) وهو تهكم به وتكذيب لقوله وما أهديكم الّا سبيل الرّشاد- او أضلهم في البحر وما نجا-. يا بَنِي إِسْرائِيلَ اما خطاب للذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل بآبائهم لكن السورة مكية ولم يكن بمكة المخاطبة مع بنى إسرائيل بل مع القريش- واما خطاب لمن أنجاهم من البحر بعد إهلاك فرعون بتقدير قلنا استينافا في جواب من قال فماذا فعل بهم بعد الانجاء- يعنى قلنا يا بنى إسرائيل قَدْ أَنْجَيْناكُمْ وعلى التقدير الاول المضاف محذوف تقديره قد أنجينا اباءكم مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون باغراقه وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ منصوب على الظرفية الْأَيْمَنَ صفة لجانب الطور بأدنى ملابسة لكونه على يمين موسى إذ لا يمين للجبل واعد الله سبحانه موسى بالمناجات وإنزال التورية عليه وان يختار سبعين رجلا يحضرون معه وانما نسب المواعدة إليهم للملابسة وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ فى التيه الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا حال من فاعل نزّلنا بتقدير القول اى قائلين كلوا او مستأنفة. مِنْ طَيِّباتِ اى لذائذ او حلالات ومن للبيان او للتبعيض ما رَزَقْناكُمْ قرأ حمزة والكسائي انجيتكم ووعدتكم- وما رزقتكم بالتاء المتوحد- والباقون بالنون والالف على التعظيم- ولم يختلفوا في نزّلنا لانه مكتوب بالألف وَلا تَطْغَوْا فِيهِ اى فيما رزقناكم بالإخلال بشكره والتعدي لما أحل الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي قرأ الكسائي والأعمش فيحلّ بضم الحاء ومن يحلل بضم اللام من باب نصر ينصر من الحلول بمعنى النزول والباقون بكسرهما من باب ضرب يضرب من حل الّذين إذا وجب أداؤه فَقَدْ هَوى (81) اى هلك وتردى في النار. وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ من الشرك وَآمَنَ بالله وبما جاء به رسله من عنده وَعَمِلَ صالِحاً يعنى اتى بما امر الله به ثُمَّ اهْتَدى (82) قال عطاء عن ابن عباس يعنى علم ان ذلك بتوفيق من الله تعالى وقال قتادة وسفيان الثوري يعنى لزم الإسلام حتى مات عليه وقال الشعبي ومقاتل والكلبي يعنى علم ان لك ثوابا- وقال زيد بن اسلم تعلم العلم ليهتدى كيف يعمل وقال الضحاك استقام اى على الهدى المذكور- وقال سعيد بن جبير اقام على السنة والجماعة قلت وعندى ان معناه ثم اهتدى الى الوصول الى الله بلا كيف وعروج مدارج القرب-.

[سورة طه (20) : آية 83]

وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) خطاب لموسى معطوف على الخطاب لبنى إسرائيل قد أنجيناكم إلخ ويا موسى أعجلك- قال البغوي اى ما حملك على العجلة عن قومك وذالك ان موسى اختار من قومه سبعين رجلا حتى يذهبوا معه الى الطور ليأخذ والتوراة فساء بهم ثم عجل موسى من بينهم شوقا الى ربه وخلف السبعين وأمرهم ان يتبعوه الى الجبل- فقال الله تعالى وما أعجلك عن قومك يموسى- قلت وهذا سوال تقرير كما يسئل المحبوب من المحب حين يراه في غاية المحبة والشوق كى يذكر شوقه- لكن فيه مظنة انكار بما فيه من ترك موافقة الرفقة- فاجاب موسى عن الامرين وقدم جواب الإنكار لكونه أهم. قالَ موسى هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي يعنى ما قدمتهم الا بخطى يسيرة لا يعتد بها عادة وليس بينى وبينهم الا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم بعضا وَعَجِلْتُ معطوف على قوله هم أولاء او حال بتقدير قد إِلَيْكَ اى الى مقام كرامتك والمكان الّذي وعدتني لتجليّاتك علىّ وكلامك منى رَبِّ اى يا ربى لِتَرْضى (83) قيل يعنى لان المسارعة الى امتثال أمرك والوفاء بعهدك أوجب لازدياد مرضاتك- قلت بل معنى لترضى- اى لغاية محبتك واشتعال الشوق الى لقائك واستماع كلامك كما هو مقتضى اقتراب وقت لقاء المحبوب وذلك الشوق والمحبة يقتضى مرضاتك «1» . قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ والمراد بالفتن اما الابتلاء او الإضلال- يعنى ابتليناهم بإظهار العجل هل يعبدونه أم لا- او أضللناهم بعبادة العجل- فان قيل فانّا قد فتنّا مرتب على قوله عجلت إليك والتقدير إذا عجلت الىّ فانّا قد فتنّا قومك وهذا الكلام يقتضى كون العجلة سببا للفتنة إذا الفاء للسببية فما وجه هذه السببية- قلت لعل وجه ذلك ان الأنبياء عليهم السلام أرسلوا لهداية الخلق بوجهين ظاهرا بدعوتهم الى الإسلام وتعليمهم الاحكام- وباطنا بجذبهم الى الله عما سواه وفاضة نور الايمان والمعرفة في قلوبهم حتى ينشرح صدورهم للايمان ويروؤا لحق حقا والباطل باطلا ولا يتم ذلك الا عند كمال توجهم الى الخلق بشر أشرهم ولما كان عجلة موسى عليه السلام الى الله تعالى مبنيا على غلبة المحبة والشوق وسكر ذلك انقطع عند ذلك توجه باطنه عن الامة فحينئذ وقع امة في الفتنة والضلال- ومن هاهنا قال بعض الصوفية الولاية أفضل من النبوة وفسر بعضهم هذا القول بان ولاية النبي أفضل من نبوّته قالوا مقتضى لولاية الاستغراق والتوجه الى الله سبحانه ومقتضى النبوة التوجه الى الخلق والتحقيق ما حقق المجد وللالف الثاني رضى الله عنه ان النبوة هى الأفضل

_ (1) وعده وص چون شود نزديك آتش عشق تيز گردد.

[سورة طه (20) : آية 86]

من الولاية مطلقا إذ الولاية عبارة عن التجليات الصفاتية والنبوة عن التجليات الذاتية فاين لهذا من ذلك وقال المجرد رضى الله عنه ان لكل واحد من النبوة والولاية عروجا ونزولا- والصوفي في مرتبة العروج في كلا النسبتين متوجه الى الله لتحصيل الكمال- وفي مراتبه النزول في كليهما متوجه الى الخلق للتكميل غير انه في نسبة الولاية لما كان عروجه الى الصفات دون الذات فله عند نزوله التفات ما الى المبدأ فائض البركات غير متوجه الى الخلق بالكلية وفي نسبة النبوه له عند نزوله توجه بالكلية الى الخلق وفي بادى النظر يرى نفسه معرضا عن الله فيكون ذلك عليه شاقا ورياضة وعسرا لكنه في الحقيقة ليس بمعرض عنه تعالى بل مقبل عليه ايضا واتسع صدره للتوجهين جميعا. بل التوجه الى الخلق لمّا كان بإذن الله وعلى حسب امره ومرضاته فهو ايضا في المعنى توجه الى الله سبحانه ومن ثمّ سمّى هذا السير سيرا من الله بالله فانى في الوصال عبيد نفسى وفي الهجر ان مولى للموالى- وقد ذكرنا هذه المسألة في سورة الم نشرح في تفسير قوله تعالى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً والله اعلم- وجاز ان يكون الكلام في الاية انه قال الله تعالى بعد ما أنجز وعده وأعطاه التوراة ارجع الى قومه فانّا قد فتنّا قومك مِنْ بَعْدِكَ اى بعد انطلاقك الى الجبل عند خوهم عنك وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) نسب الله سبحانه الفتنة والإضلال الى نفسه لخلقه الضلالة فيهم والإضلال في السامري والى السامري لكسبه الإضلال والدعاء الى عبادة العجل- قال البغوي كانوا ستمائة الف فافتتوا بالعجل غير اثنى عشر الف- والسامرىّ قال في القاموس كان علجا من كرمان او عظيما من بنى إسرائيل منسوب الى موضع لهم وقال البيضاوي منسوب الى قبيلة من بنى إسرائيل يقال لهم السامرة واسمه موسى بن طفر وكان منافقا. فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التورية غَضْبانَ عليهم أَسِفاً 5 حزينا شديد الحزن بما فعلوا قالَ موسى لقومه حين راهم عبدوا العجل يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً منصوب على المصدرية او على المفعولية على ان الوعد بمعنى الموعود حَسَناً بان يعطيكم التورية فيها هدى ونور أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ الاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أتأثرهم بمصاحبتى إياكم فامنتم بالله وحده ووعدتموني ان تكونوا بعدي على ذلك فطال عليكم العهد اى زمان مقارقتى إياكم أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ بكسر الحاء من باب ضرب يضرب بإجماع القراء اى يجب عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ بعبادة ما دونكم وما هو مثل في الغباوة اى أردتم ان تفعلوا فعلا يوجب الغضب عليكم فَأَخْلَفْتُمْ

[سورة طه (20) : آية 87]

مَوْعِدِي (86) اى وعدكم ايّاى بالثبات على الايمان والقيام على ما أمرتكم به-. قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بالثبات على الايمان بِمَلْكِنا قرأ نافع وابو جعفر وعاصم بفتح الميم وحمزة والكسائي بضمها والباقون بكسرها وكلها لغات في مصدر ملكت الشيء كذا في القاموس يعنى ما أخلفنا متلبسا بملكنا اى قدرتنا واختيارنا على أمرنا- يعنى المرء إذا وقع في البلية والفتنة من الله لم يملك نفسه وَلكِنَّا حُمِّلْنا قرأ نافع وابن كثير وحفص بضم الحاء وكسر الميم مشددا على البناء للمفعول من التجيل اى كلّفنا حملها- وابو عمرو حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر بفتح الحاء وتخفيف الميم من الحمل أَوْزاراً اى أثقالا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ صفة للاوزار كان ذلك من حلية قوم فرعون استعادها بنو إسرائيل حين أرادوا الخروج من مصر باسم العرس كذا اخرج عبد بن حميد وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال البغوي سماها او ذارا لانهم أخذوها على وجه العادية فلم يردّوها- وقيل ان الله تعالى لما أغرق فرعون نيذ البحر حليهم فاخذوها وكانت غنيمة ولم تكن الغنيمة حلالا في ذلك الزمان فسماها او زارا لذلك فَقَذَفْناها اى طرحناها في الحفيرة قال البغوي قيل ان السامري قال لهم احفروا حفيرة فالقوها فيها حتى يرجع موسى- وقال السدىّ قال لهم هارون ان تلك الغنيمة لا يحل فاحفروا حفيرة وألقوها فيها حتى يرجع موسى فيرى رأيه- ففضوا فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) ما كان معه فيها- وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس أوقد هارون نارا وقال اقذفوا ما معكم فيها فالقوا فيها- ثم القى السامرىّ ما كان من تربة حافر فرس جبرئيل. قال قتادة كان قد قبضه من ذلك التراب في عمامته. فَأَخْرَجَ اى السّامرى لَهُمْ اى لبنى إسرائيل عِجْلًا جَسَداً بدل من عجلا يعنى اخرج من تلك الحلي عجلا لَهُ خُوارٌ صفة لعجلا يعنى صوت بقر فَقالُوا اى السامري ومن اقتربه أول ما راوه هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (88) اى ترك موسى هاهنا وذهب يطلبه عند الطور او فنسى السامرىّ اى ترك ما كان عليه من الايمان وكفر بالله. أَفَلا يَرَوْنَ استفهام انكار والجملة معطوفة على محذوف تقديره الا ينظرون فلا يرون اى لا يعلمون او التقدير أقروا بالوهيّتها فلا يعلمون هذه الحمقاء أَلَّا يَرْجِعُ ان محففة من الثقيلة واسمه ضمير الشأن محذوف يعنى انّه لا يرجع ذلك العجل إِلَيْهِمْ قَوْلًا اى لا يكلمهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا فهو دون حالا منهم فكيف اتخذوا الها وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89)

[سورة طه (20) : آية 90]

اى لا يقدر على اضرارهم ولا انفاعهم ولا منع من الضر او النفع- فكيف استحق لعبادتهم- قال البغوي قيل ان هارون مرّ على السامرىّ هو يصوغ العجل فقال له ما لهذا قال اصنع ما ينفع ولا يضر فادع لى. فقال هارون اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه. فالقى التراب في فم العجل فقال كن عجلا تخور فكان كذلك بدعوة هارون. والحقيقة ان ذلك فتنة ابتلى الله بها بنى إسرائيل-. وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ اللام في جواب قسم محذوف والجملة معطوفة على قوله ولقد أوحينا الى موسى ان اسر بعبادي يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ اى ابتليتم بالعجل هل تستقيمون على التوحيد او تضلون وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ الّذي وجودكم وتوابعه اثر لرحمته ولا يصلح هذا العجل للرحمة فَاتَّبِعُونِي فى الثبات والاستقامة على عبادة الرحمن وحده وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) فى ترك عبادة العجل الفاء للسببية فان ما قبلها سبب لما بعدها. قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ اى لن نزال على العجل وعبادته عاكِفِينَ مقيمين حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (91) فاعتزلهم هارون في اثنى عشر الفا الذين لم يعبدوا العجل- فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل. قال السبعون الذين معه هذا صوت الفتنة- فلما راى هارون أخذ رأسه بيمينه ولحيته بشماله و. قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) بعبادة العجل. أَلَّا تَتَّبِعَنِ قيل وضع منع موضع دعا مجازا لوجود التعلق بين الصارف عن الشيء والداعي الى تركه- وقال الجمهور لا مزيده والمعنى ما منعك من ان تتبعنى اى تتبع امرى ووصيتي في القيام على دعوة الخلق الى التوحيد ومنعهم عن الشرك باللسان والسنان- وقيل معناه ما منعك من ان تأتي عقبى وتخبرني بما فعلوا- فيكون مفارقتك إياهم زجرا لهم عما فعلوا- اثبت ابن كثير الياء ساكنة في لا تتّبعنى في الحالين ونافع وابو عمر واثبتاها وصلا فقط والباقون يحذفونها في الحالين أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) الاستفهام للانكار والجملة معطوفة على محذوف تقديره أرضيت بما فعلوا وأقمت فيهم فعصيت اى خالفت امرى. لَ يَا بْنَ أُمَ خص ذكر الام استعطافا وترقيقا وقيل لانه كان أخاه من الام والجمهور على انهما كان عن اب وأم تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها- اى بشعور رأسى وكان يجره اليه من شدة غيظه وفرط وابو جعفر- ابو محمد

[سورة طه (20) : الآيات 95 إلى 96]

غضبه الله نِّي خَشِيتُ علة المنهي يعنى لو أنكرت عليهم بالقتال لصاروا أحزابا يتقاتلون نْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) اى لم تحفظ وصيتي الّتي قلت لك اخلفني في قومى وأصلح- فانه يدل على الرفق إذا الإصلاح ينافى اراقة الدعاء ثم اقبل موسى على السامرىّ و. قالَ فَما خَطْبُكَ قال البيضاوي مصدر من خطب الشيء يخطبه إذا طلبه يعنى ما طلبك اى مطلوبك بهذا الفعل يعنى غرضك الّذي حملك عليه وفي النهاية ما خطبك اى ما شأنك وحالك والخطب الأمر الّذي يقع فيه المخاطبة والشأن والحال- وفي القاموس الخطب الشان والأمر عظم او صغر يا سامِرِيُّ (95) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ قرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة. فَقَبَضْتُ قَبْضَةً وهو المرة من القبض اطلق على المقبوض اى من تراب قبضت مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ اى من اثر فرس جبرئيل عليه السّلام فَنَبَذْتُها اى ألقيتها في فم العجل- قال بعضهم انما خاد لكون التراب ماخوذا من حافر فرس جبرئيل وانما عرفه لان امه لمّا ولدته (فى السنة الّتي كان فرعون يقتل فيها البنين من بنى إسرائيل) وضعته في الكهف حذرا عليه فبعث الله جبرئيل ليربيه لما قضى على يديه من الفتنة- فكان جبرئيل يغدوه حتى استقل وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي اى زيّنت وحسّنت لى نَفْسِي (96) ان افعله ففعلته. قالَ له موسى فَاذْهَبْ اى ان فعلت ذلك فاذهب من عندى فَإِنَّ لَكَ الفاء للسببية يعنى اذهب لان لك فِي الْحَياةِ الدنيا مادمت حيّا عقوبة من الله على ما فعلت أَنْ تَقُولَ لكل من رايته لا مِساسَ علم للمسة كفجار يعنى لا تمسنى ولا تقربنى. قلت لعل ذلك لاجل وحشة القى الله تعالى في قلبه فكان لا يستانس من أحد وقيل كان إذا مس أحدا او مسه أحد حمّا جميعا ولذلك كان يقول ذلك- فكان في البرية طريدا وحيدا كالوحشى النافر حتى مات- وقال البغوي امر موسى بنى إسرائيل ان لا يخالطوه ولا يقربوه فقال ابن عباس لامساس لك ولولدك وَإِنَّ لَكَ يا سامرىّ مَوْعِداً من الله بعذاب الاخرة لَنْ تُخْلَفَهُ قرأ ابن كثير وابو عمرو ويعقوب بكسر اللام على البناء للفاعل اى لن تغيب ولا مذهب لك عنه بل توافيه يوم القيامة وجاز ان يكون من أخلفت الموعد إذ وجدته خلفا. وقرأ الآخرون بفتح اللام اى لن يخلفك الله إياه وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ اى ما زعمته

[سورة طه (20) : آية 98]

الها بالباطل الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً اى ظلمت ودمت عليه مقيما فحذفت اللام الاولى تخفيفا لَنُحَرِّقَنَّهُ بالنار او بالمبرد على انه مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد وقرأ ابو جعفر بالتخفيف من من الإحراق ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ اى لنذرينه رمادا او مبرودا فِي الْيَمِّ اى البحر نَسْفاً (97) فلا بصادف منه شيء ففعل موسى ذلك لاظهار غباوة المفتتنين به لمن له ادنى نظر. إِنَّما إِلهُكُمُ المستحق لعبادتكم اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا أحد يماثله او يدانيه في كمال العلم والقدرة وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98) تميز عن النسبة يعنى وسع علمه كل شى لا العجل الّذي يصاغ ويحرق وان كان حيّا في نفسه كان مثلا في الغباوة. كَذلِكَ صفة لمصدر محذوف لقوله نَقُصُّ عَلَيْكَ يعنى نقض عليك اقتصاصا مثل اقتصاصنا قصة موسى مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ اى من اخبار الأمور السابقة والأمم الماضية تبصرة لك وزيادة في علمك وتكثيرا لمعجزاتك وتنبيها للمستبصرين من أمتك وَقَدْ آتَيْناكَ حال من فاعل نقص مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) اى قرانا مشتملا على هذه الأقاصيص والاخبار حقيقا بالتفكر والاعتبار والتنكير فيه للتعظيم وقيل معناه قد أعطيناك من لدنا ذكرا جميلا وصيتا عظيما بين الناس- او المعنى جعلنا ذكرك مقرونا بذكرى في الاذان والاقامة والتشهد وغير ذلك. مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ صفة لذكرا او مستانفة يعنى من اعرض عن القران فلم يومن به ولم يعمل بما فيه او عن ذكرك وقيل عن الله فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) اى حملا ثقيلا من الذنوب وقد مر في سورة مريم في تفسير قوله تعالى يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً ما اخرج ابن ابى حاتم عن عمرو بن قيس الملائى وفيه ان الكافر استقبله عمله القبيح في أقبح صورة وأنتن ريح فيقول افلا تعرفنى قال لا الا ان الله قبح صورتك وأنتن ريحك فيقول كذلك كنت في الدنيا انا عملك السيء طال ما ركبتنى وانا أركبك اليوم وتلا وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم- او المعنى يحمل عقوبة ثقيلة سماها وزرا تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الّذي يقدح الحامل وينقض ظهره. خالِدِينَ فِيهِ اى جزاء الوزر او في حمله

حال من فاعل يحمل- والجمع فيه والتوحيد في يحمل نظرا الى معنى من ولفظها وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا (101) تميز عن ضمير مبهم في ساء والمخصوص بالضم محذوف اى ساء حملا وزرهم واللام في لهم للبيان- وجاز ان يكون معنى الاية انه يحمل على عاتقه ما أخذ من عرض الدنيا بغير حق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ أحدكم شيئا بغير حقه الا لقى الله يحمله يوم القيامة فلا اعرفن أحدا منكم لقى الله يحمل بعيرا له رغاء وبقرة له خوار وشاة يتّعر- رواه الشيخان في الصحيحين في حديث عن ابى حميد الساعدي في أخذ العامل شيئا من الصدقات وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظلم قدر شبر من ارض طوقه يوم القيمة من سبع ارضين- واخرج الطبراني عن الحكم بن الحارث السلمى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ من طريق المسلمين شبرا جاء به يحمله من سبع ارضين. واخرج احمد والطبراني عن يعلى بن مرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلف الله ان يحفره حتى يبلغ اخر سبع ارضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس- واخرج الطبراني عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظلم شبرا من الأرض جاء يوم القيامة مطوّتا من سبع ارضين- وكذا اخرج احمد والطبراني عن ابى مالك الأشعري واخرج احمد والشيخان عن ابى هريرة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم الغلول وامره ثم قال ألا لا الفين أحدكم يجىء يوم القيامة على رقبته بعيرته رغاء فيقول يا رسول الله أعنّي أقول لا املك لك من الله شيئا قد أبلغتك- فذكر الحديث نحوه وفيه على رقبته فرس لها حمجة على رقبته شاة لها شفاء على رقبته واخرج ابو يعلى والبزار عن عمر ابن الخطاب نحوه- وكذا ورد في سعاة الصدقة إذ اغلوّا منها حديث سعد بن عبارة وهلب عند احمد وحديث ابن عمرو عائشة عند البزار وابن عباس وعبادة بن الصامت وابن مسعود عند الطبراني واخرج الطبراني وابو نعيم في الحلية بسند ضعيف عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى بناء فوق ما يكفيه كلف ان يحمله على عاتقه واخرج ابو داود وابن ماجة والطبراني بسند جيد عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبة لرجل من الأنصار فقال

[سورة طه (20) : آية 102]

كل بناء اكثر من هذا (وأشار بيده على راسه) فهو وبال على صاحبه يوم القيامة فبلغ صاحب القبة فهدمها- واخرج الطبراني نحوه من حديث واسلة بن الأسقع قال المندرى وله شواهد واخرج الطبراني في الأوسط عن ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم مر على بئر يسقى عليها فقال ان صاحب هذا البئر يحملها يوم القيمة ان لم يؤد حقها-. يَوْمَ يُنْفَخُ قرأ ابو عمرو بالنون المفتوحة وضم الفاء على صيغة المتكلم المعروف- والباقون بالياء المضمومة وفتح الفاء على صيغة الغائب المجهول فِي الصُّورِ عن ابن عمران اعرابيّا سال النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال قرن ينفخ فيه رواه ابو داود والترمذي وحسنه النسائي وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي وابن المبارك وكذا اخرج مسدد عن ابن مسعود وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) حال من المجرمين اى زرق العيون والزرقة هى الخضرة في سواد العين وصفهم بذلك لانه أسوأ ألوان العين وأبغضها الى العرب- لان الروم كانوا اعداء أعدائهم وهم كانوا زرق العيون فيحشر الكافر زرق العيون سود الوجوه وقيل المراد بقوله زرقا عميا لان حدقة الأعمى تزرق- وهذا التأويل يوافق قوله تعالى وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى - وقيل المراد عطاشا. يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ حال من المجرمين او مستانفة يتكلمون بينهم خفية لما ملا صدورهم من الرعب والهول إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً (103) مفعول ليتخافتون يعنى يتكلمون سرّا ما لبثتم في الدنيا زمانا الا عشر ليال يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا لزوالها او لاستطالتهم مدة الاخرة او لتاسّفهم عليها لما عاينوا الشدائد وعلموا انهم استحقوها على اضاعتها في قضاء الأوطار واتباع الشهوات- وقيل ما لبثتم في القبور الا عشرا- وقيل بين النفختين وهو أربعون سنة لان العذاب يرفع عنهم بين النفختين وجاز ان تكون جملة ان لبثتم بتقدير يقولون عطف بيان او بدلا من يتخافتون او خالا من فاعله. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ فيه جملة معترضة يعنى ليس الأمر كما قالوا إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً اى أوفاهم عقلا واعدلهم قولا او عملا إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً (104) رحج الله تعالى قول هذا القائل لكون مدة عمر الدنيا بالنسبة الى طول الاخرة او لوجوه اخر اقل من نسبة عشر ليال

[سورة طه (20) : آية 105]

الى عمر الدنيا والله اعلم- قال البغوي قال ابن عباس سأل رجل من ثقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كيف تكون الجبال يوم القيمة فانزل الله. وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ واخرج ابن المنذر عن ابن جريح قال قلت قريش كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيمة فانزل الله تعالى فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) وقيل لم يسئل والتقدير وان سالوك فقل ولذلك جئ بالفاء بخلاف سائر الاجوبة حيث قال يسئلونك عن المحيض قل هو أذى- يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير- يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله وغير ذلك والسّف القلع اى يقلعها من أصلها ويفتتها ويجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح. فَيَذَرُها اى يذر مقارها او الأرض واضمارها من غير ذكرها لدلالة الجبال عليها قاعاً فى القاموس اى أرضا سهلا مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام صَفْصَفاً (106) فى القاموس اى مستويا يعنى كان اجزاؤها على صف واحد. لا تَرى فِيها عِوَجاً اى اعوجاجا وَلا أَمْتاً (107) اى لانتوا ان تأملت فيها بالمقياس الهندي ثلاثتها احوال مرتبة فالاولان باعتبار الاحساس والثالث باعتبار المقياس- قيل لا ترى استيناف مبين للحالين قال مجاهد اى لا ترى انخفاضا ولا ارتفاعا قال الحسن العوج ما انخفض من الأرض والامت ما نشر من الروابي. يَوْمَئِذٍ اى يوم إذا نسفت على اضافة اليوم الى وقت النسف ظرف لقوله يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ جملة مستأنفة او بدل ثان من يوم القيمة اى يتبعون صوت الداعي الّذي يدعوهم الى المحشر وهو اسرافيل عليه السلام يدعو الناس قائما على صخرة بيت المقدس فيقول يا ايها العظام النخرة والجلود المتمزّقة والاشعار المنقطعة ان الله يأمرك ان تجمعى لفصل الخطاب كذا اخرج ابن عساكر عن زيد بن جابر الشافعي لا عِوَجَ لَهُ اى لا يعوج له مدعوّ ولا يعدل عنه اى لاعوج لدعائه وهو من المقلوب اى لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه يمينا وشمالا اى لا يقدرون على العدول عنه بل يتبعونه سراعا وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ اى خضعت يعنى تخضع لمهابة الرّحمن حال من فاعل يتبعون بتقدير قد او عطف على يتبعون يعني وتخشع الأصوات للرحمن فَلا تَسْمَعُ الفاء للسببية والخطاب لمخاطب غير معين إِلَّا هَمْساً (108) اى صوتا خفيّا كصوت اخفاف الإبل في المشى قال البغوي قال مجاهد هو

[سورة طه (20) : آية 109]

تخافت الكلام وخفض الصوت وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال تحريك الشفاه من غير منطق- واخرج ابن ابى حاتم من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قاعا مستويّا صفصفا لا نبات فيه عوجا واديا امتا رابية وخشعت الأصوات سكنت همسا الصوت الخفي واخرج من وجه اخر عنه قال أرضا مبلساء لا ترى فيها ابنية مرتفعة ولا انخفاضا واخرج من وجه اخر عنه قال همسا صوت وطى الاقدام يعنى صوت أقدام الناس إذا نقلوا الى المحشر. يَوْمَئِذٍ اى يوم إذا كان كذلك لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ جملة مستانفة اى لا تنفع شفاعة أحد أحدا إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ الاستثناء من الشفاعة اى الا شفاعة من اذن له الرّحمن او من أعم المفاعيل اى الا من اذن الرحمن في ان يشفع له فان الشفاعة تنفعه له فمن على الاول مرفوع على البدلية وعلى الثاني منصوب على انه المفعول له وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) ورضى لمكانه عند الله قوله في الشفاعة او رضى له قول الشافع في شأنه او قوله لاجله وفي شأنه- قال ابن عباس يعنى قال لا اله الا الله- قلت هذا تفسير لمن تنفع شفاعة الشافعين له. يَعْلَمُ اى الرحمن ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ اى ما بين أيدي الشافعين ومشفوعين لهم وَما خَلْفَهُمْ يعنى ما تقدم من أحوالهم في الدنيا وفي القبور وما يستقبلونه في الاخرة والجملة حال من الرحمن وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) تميز من النسبة اى لا يحيط علمهم بمعلوماته تعالى وقيل بذاته وقيل الضمير لاحد الموصولين او لمجموعهما فانهم لم يعلموا جميع علومه تعالى-. وَعَنَتِ اى ذلت وخضعت خضوع العناة- وهم الأسارى في يد الملك القهار عنى يعنى عناء نصب وتعناه تحشمها قال البغوي ومنه العاني للاسير الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الّذي لا يموت ويصلح له فان كلمّا كان حياته جائز الزوال فهو ميت في حد ذاته الْقَيُّومِ القائم على كل نفس بما كسبت والقائم بتدبير الخلق- والمراد بالوجوه أصحابها وظاهرها العموم ويجوز ان يراد بها وجوه المجرمين فيكون اللام بدل الاضافة ويؤيد قوله تعالى وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (111) اى شركا قال ابن عباس خسر من أشرك بالله- والجملة معترضة او مستأنفة لبيان ما لاجله عنت وجوههم. ويحتمل ان يكون حالا من الوجوه- وقال طلق بن حبيب المراد بالعناء السجود للحى القيوم- قلت وعلى هذا معنى الاية سجدت الوجوه

[سورة طه (20) : آية 112]

للحى القيوم وقد خاب من الشرك ولم يسجد له- وجملة عنت الوجوه معطوفة على خشعت او حال من فاعله بتقدير قد. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ شرط وكلمة من للتبعيض اى بعض الصالحات يعنى الفرائض منها وجاز ان يكون من للابتداء والتقدير ومن يعمل عملا كائنا من النيات الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ حال من الضمير المرفوع في يعمل يعنى ان الايمان شرط لصحة الطاعات وقبول الخيرات فَلا يَخافُ جزاء للشرط قرأ ابن كثير فلا يخف بالجزم والظاهر انه مجذوم على انه جزاء للشرط- وقال البيضاوي وغيره مجزوم على النهى- وقرأ الجمهور فلا يخاف بالرفع اما بناء على انه تعليل لجزاء محذوف والفاء للسببية تقديره من يعمل من الصّلحت وهو مؤمن يفلح لانه لا يخاف- واما خبر لمبتدأ محذوف والجملة الاسمية جزاء للشرط تقديره فهو لا يخاف ظُلْماً اى لا يخاف ان يراد على سيأته وَلا هَضْماً (112) ان ينقض من ثواب حسناته كذا قال ابن عباس وقال الحسن لا ينقص من ثواب حسناته ولا تحمل عليه ذنب مسئ- وقال الضحاك لا يوخذ بذنب من لم يعمله او لا يبطل حسنة عملها- واصل الهضم النقص والكسر ومنه هضم الطعام- والجملة الشرطية معطوفة على عنت الوجوه-. وَكَذلِكَ عطف على قوله وكذلك نقصّ عليك صفة لمصدر محذوف منصوب بقوله أَنْزَلْناهُ الضمير المنصوب راجع الى القران يعنى كما قصصنا عليك أبناء السلف من الأمم الماضية أنزلنا عليك القران انزالا مثل ذلك الانزال في كونه ممّن خلق الأرض والسّموات العلى وفي كونه متضمنا للوعد والوعيد حال كونه قُرْآناً عَرَبِيًّا مقروّا بلسان العرب كله على وتيرة واحدة واسلوب بديع معجز وَصَرَّفْنا اى كررنا فِيهِ مِنَ آيات الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اى لكى يجتنبوا للشرك والمعاصي فيصيرا التقوى ملكة لهم أَوْ يُحْدِثُ ذلك القرآن لَهُمْ ذِكْراً (113) عظة واعتبارا ما حين يسمعونه فيمنعم عن المعاصي ولو في الجملة- ولهذه النكتة أسند التقوى إليهم لكون التقوى ملكة لهم والأحداث الى القران- ونسبة الأحداث الى القران مجاز من قبيل الاسناد الى السبب والمعنى يحدث الله لهم بسبب القرآن ذكرا- وقيل كلمة او بمعنى الواو. فَتَعالَى اللَّهُ فيه التفات من التكلم الى الغيبة والفاء للسببية يعنى جل الله وعلا من ان تماثل كلامه كلام غيره كما لا يماثل هو في

[سورة طه (20) : آية 115]

ذاته وفي شيء من صفاته أحدا من خلقه فهو متعال عما يقول فيه المشركون- قلت بل هو متعال ايضا عما يصفه الواصفون الكاملون- اللهم لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك على ما أردت الْمَلِكُ النافذ امره ونهيه القديم سلطانه العظيم العميم قهرمانه الْحَقُّ الثابت وجوده وصفاته وملكوته باقتضاء ذاته لا يحتمل الفساد والزوال وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ اى بقراءته مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ قرأ يعقوب تقضى بالنون المفتوحة وكسر الضاد وفتح الياء على صيغة التعظيم والبناء للفاعل ووحيه بالنصب على المفعولية. والباقون بضم الياء وفتح الضاد على صيغة الغائب المبنى للمفعول ووحيه بالرفع مسندا اليه. نهى عن الاستعجال بقراءة القران قبل ان يفرغ جبرئيل من الإبلاغ- مثل قوله تعالى لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ - وقال مجاهد وقتادة معناه لا تقرئه أصحابك ولا تمله عليهم حتى يتبين لك معانيه- فهى نهى عن تبلغ ما أجمل قبل ان يأتى بيانه وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) يعنى الى ما علمتنى سل زيادة العلم بدل الاستعجال- فان ما اوحى إليك تناله لا محالة-. وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ واللام جواب قسم مقدر يعنى والله لقد أمرنا آدم ووصينا اليه ان لا يأكل من الشجرة- يقال عهد اليه اى أوصاه كذا في القاموس مِنْ قَبْلُ اى من قبل هذا فَنَسِيَ العهد او المعنى فترك ما امر به من الاحتراز عن الشجرة وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115) اى جدّا على حفظ ما امر به او صبرا عما نهى عنه والعزم في اللغة عقد القلب على إمضاء الأمر- ومنه فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ- ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ- وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ- وفي القاموس عزم عليه ويعرّم أراد فعله وقطع عليه أو جدّ في الأمر- وفي النهاية العزم الجدّ والصّبر- قلت عقد القلب على إمضاء الأمر يستلزم الجدّ في إتيانه والصبر على مشاقه- وقيل معنى الاية لم نجد له عزما اى قصدا على كل الشجرة بل أكل ناسيا «1» - يعنى لم يكن له عقد قلب على إمضاء المعصية- ولم نجد ان كان من افعال القلوب بمعنى العلم فله عزما مفعولاه- وان كان من الوجود ضد العدم فعزما مفعول وله حال فيه- او ظرف لغو متعلق بلم نجد- وجملة لقد عهدنا

_ (1) قال ابن زيد نسى عداوة إبليس وما عهد الله اليه من ذلك بقوله انّ هذا عدوّ لك ولزوجك- قال القاضي في الشفاء ان الله اخبر بعذره بقوله ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما- منه رح.

[سورة طه (20) : آية 116]

قال صاحب الكشاف والبيضاوي وغيرهما انها معطوفة على قوله تعالى وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ- يعنى نقض العهد بعد تصريف الوعيد لهؤلاء ليس امرا مبدعا منهم بل أساس بناء آدم على العصيان وعرقهم راسخ فيه النسيان حيث عهدنا الى آدم من قبل فنسى- روى الترمذي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته الى يوم القيمة- وجعل بين عينى كل انسان منهم وبيضا من نور ثم عرضهم على آدم فقال اى رب من هؤلاء قال ذريتك فراى رجلا منهم فاعجبه- وبيض ما بين عينيه قال اى رب من هذا قال داود فقال اى ربّ كم جعلت عمره قال ستين سنة قال رب زده من عمرى أربعين سنة- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انقضى عمر آدم الا أربعين جاءه ملك الموت فقال آدم اولم يبق من عمرى أربعين سنة قال اولم تعطها ابنك داود فجحد آدم فجحدت ذريته ونسى آدم فاكل من الشجرة فنسيت ذريته وخطا فخطات ذريته- وقال بعض المحققين هذا ليس بسديد لان قوله تعالى صرّفنا يتعلق به كذلك وهو معطوف على قوله وكذلك نقصّ عليك- وذلك اشارة الى حديث موسى- وقصة آدم عليه السلام في النسيان ومخالفة الأمر ليس مشابها بحديث موسى عليه السلام بل هو معطوف على قوله تعالى وهل اتيك حديث موسى لانه بمعنى قد أتاك وقصة آدم من القصص الماضية والله اعلم-. وَاذكر إِذْ قُلْنا اى اذكر حاله في ذلك الوقت ليتبين لك انه نسى- وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ- لكنه يشكل بان هذه الجملة بتقدير اذكر انشائية وجملة لقد عهدنا خبرية فلا يصلح العطف الّا ان يقال هذا مقدر بنقول يعنى ونقول اذكر إذ قلنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ سبق القول فيه أَبى (116) ان يسجد جملة مؤكدة لما سبق من الكلام- وجاز ان تكون هذه الجملة تعليلا للاستثناء وحينئذ لا يجوز ان يقدر له مفعول والا لزم تعليل الشيء بنفسه بل يجرى الإباء مجرى الفعل اللازم ويكون معناه اظهر الإباء عن المطاوعة. فَقُلْنا لادم وهذه الجملة معطوفة على جملة مقدرة يعنى فادخلنا آدم الجنة فقلنا له يا آدَمُ إِنَّ هذا يعنى إبليس عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ

[سورة طه (20) : آية 118]

نهى في اللفظ لابليس وفي المعنى نهى لهما ان يتبعاه اى لاتتبعاه فيتسبب إبليس لاخراجكما من الجنة حيث يخرجكما الله تعالى منها بسبب اتباعه وعصيان ربكم- والفاء للسببية إذ العداوة سبب لعدم للاتباع المنهي عنه معنى فَتَشْقى (117) منصوب بعدا الفاء في جواب النهى اى فتتعب وتنصب ويكون عيشك في كدّ يمينك وعرق جبينك يعنى الحرث والذرع والحصد والطحن والخبز قال البغوي روى عن سعيد ابن جبير انه اهبط الى آدم ثور احمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق عرجبينه فذلك شقاؤه وافراد الضمير بعد اشراكها في الخروج محافظة للرؤس الاى واكتفاء باستلزام شقائه شقاءها من حيث انه قيم عليها او لان المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش وذلك وظيفة الرجال ويؤيد قوله تعالى. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها اى في الجنة وَلا تَعْرى (118) . وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا اى لا تعطش فِيها وَلا تَضْحى (119) اى لا تبرز للشمس فيوذيك- قال عكرمة لا يصيبك والشمس وأذاها لانه ليس في الجنة شمس وأهلها في ظل ممدود- فانه بيان وتذكر لما له في الجنة من اسباب الكفاية واقطاب الكفاف الّتي هى الشبع والري والكسوة والكنّ مستغنيا عن اكتسابها والسعى في تحصيل اعراضها قرأ نافع وابو عمرو انك بكسر الهمزة عطفا على ان لك والباقون بفتح الهمزة عطفا على ان لا تجوع- والعاطف وان ناب عن انّ لكنه ناب من حيث انه حرف عامل لا من حيث انه حرف تحقيق فلا يمتنع دخوله على انّ كما امتنع دخول انّ عليه- او يقال لا يجوز دخول انّ على انّ من غير فصل واما مع الفصل كما في هذه الاية فيجوز يقال انّ في علمى انك قائم وانما عظامك علىّ واجب-. فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ فانهى اليه وسوسته قالَ يا آدَمُ بيان للوسوسة هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ اى الشجرة الّتي من أكل منها خلد ولم يمت أصلا- أضافها الى الخلد وهو الخلود لكونه سببه يزعمه وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) اى لا يزول ولا يضعف. فَأَكَلا يعنى آدم وحواء منها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما اى أخذ يلزقان على سوء آلتهما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ للتستر وهو ورق التين وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ بأكل الشجرة فَغَوى (121) يعنى ضل عن المطلوب وأخطأ طريق الحق وخاب حيث طلب الخلد بأكل الشجرة الّتي هى سبب لضده او عن المأمور به او عن الرشد حيث اغتر بقول العدوّ- وقال ابن الاعرابى اى فسد عليه عيت فار من العزّ

الى الذّل ومن الراحة الى التعب- قال ابن قتيبة يجوز ان يقال عصى آدم ولا يجوز ان يقال آدم عاص لانه يقال عاص لمن اعتاد فعل العصيان الا ترى انه من خاط ثوبه يقال خاط فلان ولا يقال فلان خياط حتى ويعاد ذلك ويعتاده روى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج آدم موسى عند ربهما فحج آدم موسى- قال موسى أنت آدم الّذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملئكته وأسكنك في جنته ثم أهبطت الناس بخطيئتك الى الأرض- قال آدم أنت موسى الّذي اصطفاك الله سبحانه برسالته وبكلامه واعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيّا فيكم وجدت الله كتب التوراة قبل ان اخلق- قال موسى بأربعين عامّا قال آدم هل وجدت فيها وعصى آدم ربّه فغوى قال نعم قال أفتلومني على ان عملت عملا كتبه الله علىّ ان أعمله قبل ان يخلقنى بأربعين سنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى ورواه البغوي بلفظ قال موسى يا آدم أنت أبونا فاخرجتنا من الجنة- فقال آدم يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده تلومنى على امر قدّره الله علىّ قبل ان خلقنى بأربعين سنة فحج آدم موسى فحج آدم موسى فحج آدم موسى فان قيل إن كان المراد بقوله نسى انه نسى العهد وفعل ما فعل فكيف ورد في حقه عصى فان الإنسان رفع عنه النسيان- قلنا اما ان يكون رفع النسيان مختصا بهذه الامة كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطأ. والنسيان وما استكرهوا عليه- رواه الطبراني عن ثوان وعن ابن عمر حيث لم يقل رفع مطلقا كما قال في المجنون وشبهه رفع القلم عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستقيظ وعن الصبى حتى يحتلم- كما ذكرنا في سورة البقر في تفسير قوله تعالى رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ان الاية تدل على المؤاخذة على الخطاء والنسيان لم تكن ممتنعا عقلا فان الذنوب كالسموم فكما ان تناول السموم عمدا كان او خطأ يفضى الى الهلاك كذلك الذنوب يفضى الى العقاب لو لم يغفرها الله وان كان بغير عزم- وقال الكلبي كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمروا به او أخطئوا عجلت عليهم العقوبة فحرم عليهم من مطعوم او مشروب على حسب ذلك الذنب- قلت فلذلك حرم على آدم عليه السلام مطاعم الجنة ومشاربها- واما ان ان يقال ان حسنات الأبرار سيئات المقربين

[سورة طه (20) : آية 122]

فالخطاء والنسيان إن كان مرفوعا عن الإنسان لا يواخذ بهما في الاخرة بالنار لكن الخواص من الناس لعلو درجتهم مؤاخذون بهما وبما هو ترك الاولى والأفضل لا بالنار في الاخرة بل بالغين على القلوب في الدنيا والهجران من المعاملات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله في اليوم مائدة مرة- رواه مسلم واحمد وابو داود والنسائي من حديث الأعز المزلّى- قال صاحب المدارك الأنبياء ماخوذون بالنسيان الّذي لو تكلفوا حفظوا (فائده) ومن هاهنا قال بعض العلماء يجوز صدور الصغيرة من الأنبياء قبل النبوة-. ثُمَّ «1» اجْتَباهُ رَبُّهُ اى اصطفاه وقربه بالحمل على التوبة واصل الكلمة للجمع يقال جبى الخراج جباية والاجتباء افتعال منه فمعناه الاقتراب ويلزمه الاصطفاء فَتابَ عَلَيْهِ اى رجع عليه بالرحمة والعفو وَهَدى (122) اى هداه الى التوبة حق قال ربّنا ظلمنا أنفسنا الاية- والى مراتب القرب. قالَ الله جملة مستأنفة اهْبِطا مِنْها اى من الجنة خطاب لادم وحوا ولما كان هبوطهما مستلزم لهبوط ذريتهما «2» فهو خطاب لذريتهما تبعا ولذلك أكد بقوله جَمِيعاً وأورد ضمير الجمع في قوله بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اى لبعضكم عَدُوٌّ عداوة دنيوية ودينية فَإِمَّا ما زائدة للتأكيد أدغمت فيه «3» نون ان الشرطية يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً اى كتاب ورسول فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) قال البغوي روى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال من قرأ القران واتبع ما فيه هداه الله في الدنيا من الضلالة ووقاه يوم القيمة سوء الحساب- وذلك بان الله يقول فمن اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وقال الشعبي عن ابن عباس أجار الله تابع القران من ان يضل في الدنيا ويشقى في الاخرة وقرأ هذه الاية. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي يعنى عن الهدى الذاكر لى والداعي الى عبادتى- فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً اى ضيقا مصدر وصف به للمبالغة ولذلك يستوى فيه المذكر والمؤنث- قال البغوي عن ابن مسعود وابى هريرة وابى سعيد الخدري انهم قالوا هو عذاب القبر- واخرج البن ربسند جيد عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

_ (1) كلمة ثم تدل على ان الاجتباء بالنبوة كان بعد ذلك مصدور المعصية بالنسيان كان قبل النبي لا 12 منه ع. (2) وفي الأصل ذريته- 12 ابو محمد. (3) وفي الأصل في نون ان الشرطية 12- ابو محمد.

فانّه له معيشة ضنكا قال عذاب القبر- قال ابو سعيد يضغط حتى يختلف أضلاعه- وفي بعض المسانيد مرفوعا يلتأم عليه القبر حتى يختلف أضلاعه فلا يزال يعذب حتى يبعث- وهو في سنن الترمذي من حديث ابى هريرة وقال الحسن هو الزقوم والزريع والغسلين في النار- وقال عكرمة هو الحرام وقال الضحاك الكسب الخبيث- وعن ابن عباس قال الشقاء- قلت وانما اطلق الضنك على الحرام والكسب الخبيث والشقاء لكونها مفضية الى ضيق المقام في القبر او النار قال الله تعالى في اهل النار إِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ- وروى عن ابن عباس انه قال كل مال اعطى العبد قل او كثر فلم يتق فيه فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة وان قوما اعرضوا عن الحق وكانوا اولى سعة من الدنيا مكثّرين فكانت معيشتهم ضنكا وذلك انهم يرون الله ليس بمخلف عليهم معائشهم من سوء ظنهم بالله عزّ وجلّ- وقال سعيد بن جبير معناه نسلبه القناعة حتى لا يشبع- وحاصل هذين القولين ان من اعرض عن ذكر الله كان مجامعا همه ومطامح نظره الى اعراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفا على انتقاصها- بخلاف المؤمن الطالب للاخرة فانه قانع على ما أعطاه الله شاكر عليه متوكل على الله فتكون حياته في الدنيا طيبة- قلت وعلى هذا التأويل ليس المراد بمن اعرض عن ذكر الله الكافر المعرض عن الايمان بل المعرض عن الإكثار ذكر الله فان عامة المؤمنين منهمكون في طلب الدنيا خائفون على انتقاصها فمن اعرض عن إكثار ذكر الله وجعل همته في اعراض الدنيا اظلم عليه وقته وتشويش عليه رزقه- فان قيل ان كان تعب الرجل في دار الدنيا معيشة ضنكا- فذلك غير مختص بالكفار والفساق بل موجود في الأنبياء والصلحاء أشد البلاء- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه- فان كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وان كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة- رواه احمد والبخاري في الصحيح والترمذي وابن ماجة عن سعد والطبراني عن اخت حذيفة نحوه والبخاري في التاريخ عن ازواج النبي صلى الله عليه وسلم بسند حسن بلفظ أشد الناس بلاء في الدنيا نبىّ او صفى- قلت الجواب عندى بوجهين أحدهما انه ليس المراد بالآية ان ضيق المعيشة مختص بالكفار بل هذه الاية نظيرة

[سورة طه (20) : آية 125]

لقوله تعالى نمتّعه «1» قليلا ثمّ نضطرّه الى عذاب النّار فالمعنى انه من اعرض عن ذكرى نعطيه في الدنيا معيشة قليلة فان متاع الدنيا قليل كله نعطيه أياما معدودة في نوع من الضيق ثم نحشره يوم القيامة أعمى- ثانيهما ان معيشة الدنيا لا يخلو لاحد من المؤمن والكافر عن تعب وبلاء- قال الله يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ اى الى لقائه غير ان ذلك التعب للمؤمن موجب لمحو الخطيات او رفع الدرجات كما يدل عليه الحديث المذكور فهو وان كان ضيق صورة لكنه فرج معنى وسبب لانشراح صدره باطنا بخلاف الكافر فان ضيقه وتعبه أنموذج لعذابه المعد له في الاخرة- ثم إذا صح للعبد المؤمن حب مع الله سبحانه فكل ما أصابه ووصله من الله تعالى يلتزبه ويفرح فان ضرب الحبيب زبيب- روى الحديث المذكور ابن ماجة وعبد الرزاق والحاكم عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد البلاء الأنبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلى الفقر حتى ما يجد الا العباءة يحويها ويلبسها ويبتلى بالقمل حتى يقتله- ولاحدهم أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء والله اعلم وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) قال ابن عباس أعمى البصر وقال مجاهد أعمى عن الحجة- ويويد قول ابن عباس قوله تعالى. قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ في الدّنيا بَصِيراً (125) فانه لم يكن له في الدنيا حجة قال الله تعالى وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ- وقال مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى - اخرج ابن ابى حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ان رجلا ساله فقال ارايت قوله تعالى وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً واخرى عميا- قال ان يوم القيامة يكونون في حال زرقا وفي حال عميا. قالَ كَذلِكَ متعلق بفعل محذوف اى فعلت أنت كذلك اشارة الى مبهم يفسر قوله أَتَتْكَ آياتُنا الدالة على الوحدانية او آياتنا المنزلة على الأنبياء فَنَسِيتَها فاعرضت عنها وتركتها غير منظور إليها كما يترك الأعمى وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (126) يعنى اليوم تترك في النار تركا مثل تركك إياها- و

_ (1) وفي القران فامتّعه، قليلا ثمّ اضطرّه الى عذاب النّار- البقرة- نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ الى عذاب غليظ- لقمان- ابو محمد

[سورة طه (20) : آية 127]

قيل التقدير الأمر كذلك وجملة اتتك في مقام التعليل. وَكَذلِكَ نَجْزِي اى نجزى جزاء مثل ذلك الجزاء مَنْ أَسْرَفَ يعنى أضاع عمره بالانهماك في الشهوات والاعراض عن الآيات وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ بل كذبها وخالفها وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ في نار جهنم أَشَدُّ وَأَبْقى (127) من ضنك العيش والعمى وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً إلخ. أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ الضمير المرفوع راجع الى الهدى والمراد منه الكتاب او الرسول- او الى الله تعالى المذكور في قوله تعالى وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وعلى هذا في الكلام التفات من التكلم الى الغيبة- ويؤيد هذا التأويل قرأة افلم نهدلهم بالنون على صيغة المتكلم- والمعنى اولم يهد لهم الله او القرآن او الرسول يعنى لكفار مكة- الاستفهام للانكار يعنى هداهم الى صراط مستقيم فاستحبوا العمى على الهدى والفاء للتعقيب معطوف على محذوف تقديره الم يبين لهم فلم يهد لهم انكار لعدم الهداية بعد البيان لفظا وفي المعنى انكار لعدم اهتدائهم بعد الهداية وقيل افلم يهد لهم معطوف على مضمون الكلام السابق فانه تعالى ذكر حال المؤمنين بقوله فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وحال الكفار بقوله وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً فقال بين الله لهم فيما تلونا حال الفريقين الم يتبين لهم فلم يهد لهم- وقيل لم يهد مسند الى ما دل قوله تعالى كَمْ أَهْلَكْنا كم خبرية اى أهلكنا كثيرا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ اى أهلكنا القرون السابقة او مسند الى الجملة بمضمونها يعنى الم يهد لهم إهلاكنا القرون يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ حال من القرون يعنى أهلكناهم ماشّين في مساكنهم- او حال من الضمير المجرور في لهم على تقدير اسناد الفعل الى مضمون جملة كم أهلكنا يعنى أفلم يهد لكفار مكة حال كونهم ماشين في مساكن القرون الماضية إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (128) اى لذوى العقول الناهية عن التغافل والتعامي-. وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وهى العدة بتأخير عذاب كفار هذه الامة الى يوم القيمة- وعدم استيصالهم في الدنيا لكون النبي صلى الله عليه وسلم

[سورة طه (20) : آية 130]

رحمة للعالمين- وجملة سبقت صفة لكلمة وخبر المبتدا محذوف يعنى لولا كلمة سبقت حاصلة لَكانَ إهلاكنا هؤلاء الكفار بمثل ما نزل بالقرون الخالية نم من عاد وثمود وأشباههم لِزاماً اى ملازما لهؤلاء الكفار غير منفك عنهم- مصدر من باب المفاعلة وصف به مبالغة او على انه بمعنى الفاعل او اسم فمعز الدولة سمى به اللازم لفرط لزومهم وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) عطف على كلمة اى ولولا أجل مسمى لمدة بقائهم في الدنيا او لقيام القيامة او لعذابهم ففى الكلام تقديم وتأخير تقديره ولولا كلمة سبقت من ربّك وأجل مسمّى لكان لزاما- وجاز ان يكون أجل مسمّى عطف على الضمير المستكن في كان ولا بأس به بوجود الفصل- والتقدير على هذا ولولا كلمة سبقت من ربّك بتأخير العذاب لكان العذاب العاجل والعذاب المؤجل بأجل مسمّى كلاهما لازمين لهم- والجملة الشرطية اعنى لولا كلمة الى آخره معطوفة على جملة محذوفة مفهومة من قوله وكم أهلكنا- تقديره كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم وهؤلاء الكفار مثلهم في استحقاق نزول العذاب- ولولا كلمة لكان لزاما وأجل مسمّى-. فَاصْبِرْ يا محمد يعنى إذا علمت انّ عذاب هؤلاء الكفار مؤجل الى أجل مسمى فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ فيك وَسَبِّحْ يعنى صل متلبسا بِحَمْدِ رَبِّكَ يعنى حامدا على ما وقفك للصلوة والتسبيح واعانك عليه- كانّ فيه اشارة الى ان العبد ان صدر منه العبادة لا يغتربه بل يشكر الله على إتيانه واعانته كما يشير اليه قوله تعالى إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ بعد قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ يعنى نستعين بك على عبادتك ويمكن ان يستنبط من هذه الاية وجوب قراءة الفاتحة في كل صلوة على ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لا صلوة الا بفاتحة الكتاب- وفي لفظ لا صلوة لمن لم يقراء بفاتحة الكتاب- رواه الشيخان في الصحيحين واحمد فان الاية اقتضت بإتيان الصلاة متلبسا بالحمد- لكن التلبس مجمل فالتحق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا له وظهر ان المراد بالتلبس بالحمد قراءة الفاتحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الى اخر السورة قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعنى صلوة الصبح وَقَبْلَ غُرُوبِها يعنى صلوة العصر- وقيل المراد بقبل الغروب بعد نصف النهار

يعنى الظهر والعصر جميعا وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ اى من ساعاة جمع انى بالكسر والقصر يعنى المغرب والعشاء- قال ابن عباس يريد أول الليل قلت ويمكن ان يراد به التحجد ايضا فانها كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم والظرف متعلق بقوله فَسَبِّحْ والفاء زائدة او على تقدير اما يعنى وامّا من اناء اللّيل فسبّح على الخصوص لكون الليل وقت خلّو القلب عن الاشغال- والنفس فيها أميل الى الاستراحة فكانت العبادة فيها احسن وأفضل- قال الله تعالى إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا ... وَأَطْرافَ النَّهارِ عطف على قبل طلوع الشمس وعلى محل من آناء اللّيل- ولعل هذا تكرير لصلوتى الفجر والعصر لارادة الاختصاص ومزيد التأكيد- لان الفجر وقت نوم والعصر وقت اشتغال بالدنيا- فالاية نظيرة لقوله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الوسطى ومجيئه بلفظ الجمع للامن من الالتباس- او المراد باطراف النهار صلوة الظهر فقط لان وقته نهايت النصف الاول من النهار وبداية النصف الاخر- وجمعه باعتبار النصفين- وقيل المراد من اناء اللّيل صلوة العشاء ومن أطراف النّهار صلوة الظهر والمغرب- لان الظهر في اخر الطرف الاول من النهار وفي أول الطرف الاخر فهو طرفين منه والطرف الثالث غروب الشمس وعند ذلك يصلى المغرب- او المراد منه التطوع في اجزاء النهار لَعَلَّكَ تَرْضى (130) اى لكى ترضى يعنى سبح في هذه الأوقات لان تنال من عند الله ما به ترضى- وقرأ الكسائي وأبو بكر بالبناء للمفعول اى لكى يرضيك ربك- وقيل معنى ترضى ان يرضاك الله كما قال وكان عند ربّه مرضيّا- وقيل معنى الاية لعلك ترضى بالشفاعة كما قال وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى - روى الشيخان في الصحيحين واحمد واصحاب السنن الاربعة عن جرير بن عبد الله انه قال كنا جلوسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فراى القمر ليلة البدر فقال انكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رويته فان استطعتم ان لا تغلبوا على صلوة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها والله اعلم. اخرج ابن ابى شيبة وابن مردوية والبزار وابو يعلى عن ابى رافع قال نزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فارسلنى الى رجل من اليهود ان أسلفني دقيقا- وفي رواية يعنى كذا وكذا

[سورة طه (20) : آية 131]

من الدقيق او أسلفني الى هلال رجب فقال لا الا برهن فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرته فقال والله لئن باعني او أسلفني لقضيته وانى لامين في السماء أمين في الأرض- اذهب بدرعي الحديد اليه فلم اخرج من عنده حتى نزلت. وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ اى نظر عينك- عطف على فاصبر ولما كان قوله تعالى وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ إلخ دالّا على انتفاء العذاب العاجل عن الكفار وثبوت العذاب الاجل رتب عليه بالفاء الدالة على السببية جملتين تفيد أحدهما الأمر بالصبر بناء على انتفاء العذاب العاجل- وثانيتهما النهى عن مد النظر تمنّيّا بناء على تحقق العذاب الاجل إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ استحسانا له وتمنّيا ان يكون لك مثله أَزْواجاً مفعول لقوله متّعناه مِنْهُمْ صفة له يعنى ما متعنا به أصنافا من الكفرة- وجاز ان يكون حالا من الضمير المجرور والمفعول به قوله منهم- وكلمة من للتبعيض يعنى ما متعنابه بعضهم وناسا منهم حال كون المتمتع به أصنافا من المال زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا (5) منصوب بفعل محذوف- دل عليه متّعنا- تقديره أعطيناهم زهرة الحيوة الدّنيا- يعنى زينتها وبهجتها- او منصوب بمتّعنا على تضمينه معنى أعطينا او على البدلية من محل به- او على البدلية من أزواجا بتقدير معناف ان كان المراد اصناف الكفرة وبدون التقدير ان كان المراد اصناف المال- قرأ يعقوب زهرة بفتح الهاء وهى لغة كالجهرة في الجهرة او جمع زاهر وصف لهم بانّهم زاهر والدنيا اى ازدهروها اى احتفظوا بها وفرحوا بها لتنعمهم- فى القاموس الازدهار بالشيء الاحتفاظ به والفرح به لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ اى لنبلوهم ونختبرهم- او لنتركهم في الكفر والضلال بان يطغوا في دنياهم- او لنعذبهم في الاخرة بسبب متعلق بمتعنا وَرِزْقُ رَبِّكَ اى ما رزقك ربك في الدنيا من الهدى والنبوة او الكفاف من الحلال او في الاخرة من الجنة ومراتب القرب خَيْرٌ مما اعطوا في الدنيا وَأَبْقى (131) منه فانه لا ينقطع ابدا- والجملة حال من فاعل لا تمدن- قال البغوي قال أبيّ بن كعب رضى الله عنه من لم يتعز بعن الله تقطعت نفسه خسرات- ومن يتبع بصره في أيدي الناس يظل حزنه ومن ظن ان نعمة الله في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل عمله وحضر عذابه.

[سورة طه (20) : آية 132]

وَأْمُرْ أَهْلَكَ اى قومك واهل دينك عطف على لا تمدّنّ بِالصَّلاةِ امره بان بامر اتباعه بعد ما امره به ليتعاونوا على الاستعانة على خصاصتهم- ولا يهتموا يأمر المعيشة ولا يلتفتو الى ارباب الثروة وَاصْطَبِرْ اى داوم عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً اى لا نكلفك ان ترزق أحد من خلقنا ولا ان ترزق نفسك وانما نكلفك العمل- هذه الجملة في مقام التعليل للاصطبار على الصلاة نَحْنُ نَرْزُقُكَ وإياهم ففرغ بالك لامر الاخرة هذا تعليل لعدم سوال الرزق وَالْعاقِبَةُ يراد ما يعقب العمل الصالح من الثواب كما يراد بالعقاب ما يعقب العمل السوء من العذاب لِلتَّقْوى (132) اى لاهل التقوى قال ابن عباس الذين صدقوك واتبعوك واتقونى- اخرج سعيد بن منصور في سننه والطبراني في الأوسط وابو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الايمان ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصاب اهل ضر أمرهم بالصلوة وتلا هذه الاية-. وَقالُوا يعنى المشركين لَوْلا يَأْتِينا محمد صلى الله عليه وسلم بِآيَةٍ دالة على صدقه في ادعاء النبوة مِنْ رَبِّهِ قيل هذه جملة معطوفة على يقولون يعنى واصبر على ما يقولون وعلى ما قالوا- وهذا كلام مستأنف أنكروا إتيان الآيات ولم يعتدوا بما جاء به من الآيات الكثيرة تعنتا وعنادا- وطلبوا آيات مقترحة فالزمهم الله تعالى بإتيانه بالقران الّذي هو رأس المعجزات وأبقاها- لان حقيقة المعجزة اختصاص مدعى النبوة بنوع من العلم والعمل على وجه خارق للعادة- ولا شك ان العلم اصل العمل وأعلى منه قدرا وأبقى منه اثرا فكذا ما كان من هذا القبيل ونبّهم ايضا على وجه اثنى من وجوه اعجاز المختصة بهذا الباب فقال أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (133) الاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم يعرفوا صدقك في ادعاء النبوة ولم تأتهم بيان ما في الصحف الاولى من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية فان اشتمال القران على زبدة ما فيها من العقائد والاحكام الكلية مع ان الآتي بها امىّ لم يرها ولم يتعلّم ممن علمها اية واضحة على صدته- وفيه اشعار بان القران كما هو برهان على نبوته صلى الله عليه وسلم شاهد لصحته ما تقدمه من الكتب من حيث انه معجز وليست هى كذلك بل هى مفتقرة الى

[سورة طه (20) : آية 134]

ما يشهد عليها- قرأ نافع وابو عمرو وحفص تأتهم بالتاء لتانيث الفاعل والباقون بالياء التحنية لتقدّم الفعل وكون التأنيث غير حقيقى- وقيل معناه اولم تأتهم بيان ما في الصحف الاولى من أبناء الأمم انهم اقترحوا الآيات فلما أتتهم ولم يومنوا بها كيف عجلنا بهم العذاب وأهلكنا هم فما يومنوا منهم ان أتتهم الآيات المقترحة ان يكون حالهم كحال أولئك-. وَلَوْ ثبت أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ يعنى كفار قريش لاجل اشراكهم بالله بِعَذابٍ متعلق باهلكنا مِنْ قَبْلِهِ يعنى بعذاب نازل من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم او من قبل البينة والتذكير لانها في معنى البرهان لَقالُوا يوم القيمة رَبَّنا اى يا ربنا لَوْلا هلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا يدعونا الى التوحيد فَنَتَّبِعَ منصوب بتقدير ان بعد الفاء في جواب لتخضيض فانه بمعنى الاستفهام آياتِكَ المنزلة على الرسول مِنْ قَبْلِ ظرف لنتبع أَنْ نَذِلَّ بالقتل والسبي في الدنيا وَنَخْزى (134) بدخول النار يوم القيمة او بان نذلّ يوم القيمة ونخزى في جهنم- مسئلة- هذه الاية تدل على ان الايمان بالله والتوحيد واجب على العقلاء قبل بعثة الرسل والكفر حينئذ كان سببا لاستحقاق العذاب وانما بعث الرسل لا تمام الحجة وقطع المعذرة ولمزيد الفضل وبه قال ابو حنيفة رحمه الله خلافا للشافعى رحمه الله-. قُلْ يا محمد كلام مستانف كُلٌّ اى كل واحد منا ومنكم مُتَرَبِّصٌ منتظر لما يؤل اليه أمرنا وأمركم فَتَرَبَّصُوا وذلك وان المشركين قالوا نتربص بمحمد حوادث الدهر وإذا مات تخلصنا يعنى انتظروا فَسَتَعْلَمُونَ يوم القيمة مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ اى الطريق الموصل الى الجنة وَمَنِ اهْتَدى (135) من الضلالة او اهتدى الى النعيم المقيم- ومن في الموضعين للاستفهام ومحلها الرفع بالابتداء ويجوز ان تكون الثانية موصولة بخلاف الاولى لعدم العائد فتكون معطوفة على محل الجملة الاستفهامية المعلق عنها الفعل- على ان العلم بمعنى المعرفة- او على اصحب الصراط او على الصراط على ان المراد به النبي صلى الله عليه وسلم- حمزة والكسائي يميلان اواخر هذه السورة من قوله تعالى لتشقى الى آخرها قوله ومن اهتدى- وابو عمر ويمين من ذلك ما فيه راء نحو قوله تعالى الثّراى ومن

افتراى ولا تعرى شبهه وما عدا ذلك بين بين وورش جميع ذلك بين بين والباقون بإخلاص الفتح روى الحاكم في المستدرك والبيهقي بسند صحيح عن معقل بن يسار والبغوي نحوه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت سورة البقرة من الذكر الاول وأعطيت طه والطواسين والحواميم من الواح موسى وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش والمفصل نافلة- وروى الحاكم في المستدرك والطبراني وابن ماجة عن امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم الله الأعظم الّذي إذا دعى به أجاب في ثلاث سور البقرة وال عمران وطه- فتمت تفسير سوره طه بفضل الله تعالى وحسن توفيقه ثامن الشهر الربيع الثاني من السنة الثالثة بعد المائتين والف ويتلوه تفسير سورة الأنبياء ان شاء الله تعالى- الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين.

فهرس تفسير سورة الأنبياء عليهم السلام من تفسير المظهرى

فهرس تفسير سورة الأنبياء عليهم السّلام من تفسير المظهرى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحه بيان دوام التسبيح والذكر من المقربين 189 ما ورد في الميزان 200 حديث لم يكذب ابراهيم الا ثلاث كذبات 204 قصة إلقاء ابراهيم عليه السلام في النار 206 ما ورد في القتل الوزغ 207 قصة هجرة ابراهيم عليه السلام 209 ما ورد في فضل الشام والأمر بلزومها وان هناك الابدال 209 قصة حكم داؤد وسليمان عليهما السلام إذا نفشت في الحرث غنم القوم 212 مسائل جناية الدواب واختلاف العلماء في حكمها في الإسلام 213 مسئلة المجتهد يخطى ويصيب وما ورد فيه 215 حديث في قصة حكم داؤد وسليمان عليهما السلام في امرأتين ذهب الذئب بابن إحداهما 215 قصة سليمان عليه السّلام 216 قصة أيوب عليه السلام 220 قصة ذالكفل عليه السلام 230 مضمون صفحه ما ورد في لا اله الّا أنت سبحانك انّى كنت من الظّالمين- 234 الصوفية دائمون في الوصال والروية حديث انكم تحشرون الى الله حفاة عراة غرلا 243 حديث لا يبقى على الأرض بيت مدر ولاوبر الا ادخله الله الإسلام 244 حديث انما انا رحمة مهداة 244 حديث انما بعثت رحمة 244 بطلان التقية 245.

سورة الأنبياء عليهم السلام

سورة الأنبياء عليهم السّلام وهى مائة واثنا عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رب يسّر وتمم بالخير. اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ بالاضافة الى ما مضى من ايام الدنيا واللام قيل بمعنى من فهو صلة لاقترب- وقيل تأكيد للاضافة وأصله اقترب حساب الناس ثم اقترب الحساب للناس ثم اقترب للناس حسابهم- ولام التعريف للجنس وقيل للعهد والمراد به الكفار بدليل قوله تعالى وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ عن الحساب وعما يفعل بهم لاستغراقهم في دنياهم وشهوات هم مُعْرِضُونَ (1) عن التفكر في الحساب والتأهب له- وصفهم بالاعراض بعد الغفلة احترازا عمن كان غفلته باستغراقه في ذكر لله تعالى عن غيره- واللام في الناس ان كان للاستغراق فالضمير المنفصل عائد. الى بعض افراد العام كما في قوله تعالى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ يعنى بعولة الرجعيات منهن- ومعرضون خبر للضمير وفي غفلة حال من المستكن في الخبر او هما خبران للضمير والجملة حال من الناس او من حسابهم بحذف الرابط- والحساب عبارة عن اظهار ما فعله العباد وما استحقوا عليه- واقترابه عبارة عن اقتراب الساعة-. ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ ينّبههم عن نوم الغفلة والجهالة من زائدة وذكر في

[سورة الأنبياء (21) : آية 3]

محل الرفع على الفاعلية لياتيهم مِنْ رَبِّهِمْ صفة لذكر او صلة ليأتيهم مُحْدَثٍ صفة لذكر اى محدث تنزيله ليكور على أسماعهم في التنبيه كى يتعظوا وذا لا ينافى كونه قديما إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) اى يستهزءون به ويستسخرون منه لتناهى غفلتهم وفرط الاعراض عن التفكر في العواقب- حال من فاعل استمعوه. لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ حال من فاعل يلعبون او من فاعل استمعوه- والمستثنى حال من الضمير المنصوب في ما يأتيهم- او صفة لمصدر محذوف ما يأتيهم من ذكر في حال من الأحوال الا حال استماعهم جامعين بين الاستهزاء به والتلهي والذهول عن التفكر فيه- وفي العواقب من الأمور او ما يأتيهم من ذكر اتيانا الا اتيانا استمعوه بعده جامعين بما ذكر قال أبو بكر الوراق القلب اللاهي المشغول بزينة الدنيا وزهرتها الغافل عن الاخرة وأهوالها- وجملة ما تأتيهم في مقام التعليل لقوله هم في غفلة وَأَسَرُّوا النَّجْوَى اى بالغوا في اخفائها او جعلوها بحيث خفى تناجيهم الَّذِينَ ظَلَمُوا فاعل لاسروا والواو في أسوأ زائدة ليدل من أول الأمر ان فاعله جمع وليست بضمير- او فاعله ضمير والموصول بدل منه جئ للايماء بانهم ظالمون فيما أسروا به- او الموصول مبتدأ والجملة المتقدمة خبره- وأصله وهؤلاء أسروا النجوى فوضع الموصول موضع هؤلاء تسجيلا على فعلهم بانه ظلم- او الموصول خبر لمبتداء محذوف تقديره هم الّذين ظلموا- او منصوب بتقدير اعنى او اذم وجملة اسرّوا النّجوى معطوفة على يلعبون او حال من فاعله بتقدير قد او معطوفة على استمعوه او على ما يأتيهم او معترضة هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ صفة مؤكدة لبشر أبدعوا حجة على تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم في ادعائه الرسالة بكونه بشرا زعما منهم بان الرسول لا بد ان يكون ملكا كانّهم زعموا ان الرسول لا بد ان يكون من جنس المرسل وزعموا ان الملائكة من جنس الملك القهار ولذلك سهواها بنات الله وكل ذلك باطل قطعا- والحق ان الرسول لا بد ان يكون من جنس من لرسل إليهم حتى يقتبسوا أنواره- والملك القهار لا يجوز ان يكون له كفوا أحد- ثم أورد والدفع المعجزات الدالّة على الرسالة بقولهم أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ يعنى ليس هو رسولا لانه بشر وما يأتي به من الخوارق كالقران وغيره سحر- أفتأتون السحر الاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف والسحر منصوب على المفعولية او العلية والمفعول محذوف تقديره اتصدقونه في دعوى الرسالة فتأتون السحر اى

[سورة الأنبياء (21) : آية 4]

تتبعونه- او فتأتون محمدا لاجل سحره الّذي يأتى به- ولما لم يجدوا دليلا على كون الخوارق سحرا فان القول الباطل لا يمكن إثباته ادعوا بداهته تعنتا فقالوا وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) بالبداهة انه سحر- والجملة حال من فاعل تأتون وجملة أفتأتون السحر بدل اشتمال لجملة هل هذا الّا بشو- وجملة هل هذا الا بشر منصوب بدلا من النجوى او مفعولا لقالو- وجملة قالوا بيان لجملة أسروا النجوى او بدل منه او مستانفة في جواب ماذا قالوا- والغرض من اسرار هذا القول مشاورتهم في ما بينهم- حتى يحصل لهم كلام يهدم امر النبوة ويظهر فساده ولا يبطله السامع في أول الأمر يريدون ان يطفوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون. قل يا محمد قرأ حمزة والكسائي وحفص قالَ على الاخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم والباقون بصيغة الأمر المستلزم لقوله منه صلى الله عليه وسلم رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ حال من القول يعنى يعلم القول كائنا ذلك القول في السماء والأرض من اى قائل كان- جهرا كان او سرا فلا يخفى عليه ما أسروا وَهُوَ السَّمِيعُ لاقوالهم الْعَلِيمُ (4) بأفعالهم وأحوالهم ما ظهر منها وما بطن. بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ إضراب من الله تعالى في حكاية قولهم في شان الرسول صلى الله عليه وسلم انه بشر لا يصلح ان يكون رسولا من الله- الى حكاية قولهم في شأن القران انه أضغاث أحلام- يعنى تخاليط أحلام راها في المنام يعنى ليس بوحي من الله منزل- وقيل هذا إضراب من الكفار عن مضمون قولهم أفتأتون السّحر والمعنى قالوا هو سحر بل هو أضغاث أحلام وكلمة قالوا على هذا تأكيد لفظى لقالوا مقدر مفهوم مما سبق بَلِ افْتَراهُ إضراب من الكفار عن كونه أباطيل خيلت اليه في النام وخلطت عليه الى كونه مفتريات اختلعها من تلفاء نفسه لم يرها في المنام ايضا بَلْ هُوَ شاعِرٌ إضراب ثان منهم عن كونه كلام مفترى الى كونه كلاما شعريّا قال البغوي أريد ان المشركين قال بعضهم أضغاث أحلام وبعضهم فرية وبعضهم ان محمدا شاعر وما جاء به شعر والفرق بين المفترى والشعر ان المفترى كلام كاذب أراد المتكلم منه حصول التصديق للسامع بنسبة غير مطابقة للواقع والشعر كلام مركب من مقدمات تأثر في ذهن السامع من الرغبة او الرهبة او الشوق او السرور او الحزن او التعظيم او التحقير او غير ذلك والغرض منه ذلك التأثير في النفوس دون حصول تصديق أصلا فكانه من قبيل الإنشاء- وقد يجتمع الاخبار صادقا او كاذبا مع مقدمات شعرية مؤثرة في النفوس وذلك في المثنويات والاول في الغزليات- وهذه الأقوال

[سورة الأنبياء (21) : آية 6]

من الكفار دليل ظاهر على فساد أقوالهم وانها قضوهات منهم عنادا من غير جزم فَلْيَأْتِنا محمد صلى الله عليه وسلم ان كان صادقا في دعوى الرسالة بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) صفة لاية وصحة التشبيه من حيث ان الإرسال يتضمن الإتيان بالآية وما موصولة او موصوفة وهى صفة لموصوف محذوف والتقدير فلياتنا باية كائنة كالاية الّتي أرسل بها الأولون من الرسل- وكاية أرسل بها الأولون فاتوبها- كالناقة لصالح والعصا واليد البيضاء لموسى والاحياء الموتى وإبراء لاكمه والأبرص لعيسى- اخرج ابن جرير عن قتادة قال قال اهل مكة للنبى صلى الله عليه وسلم ان كان ما تقوله حقّا فحول لنا الصفا ذهبا فاتاه جبرئيل فقال ان شئت كان الّذي سالك قومك ولكنه ان كان ثم لم يومنوا لم ينظروا- وان شئت استأنيت لقومك قال بل استانى لقومى فانزل الله تعالى. ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ اى قبل مشركى مكة مِنْ قَرْيَةٍ اى من اهل قرية من زائدة وقرية في محل الرفع على الفاعلية أَهْلَكْناها صفة لقرية اى أهلكنا أهمها حين جاءتهم الآيات المقترحة أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ الفاء للعطف على ما امنت والاستفهام للانكار تعقب ايمان اهل مكة عدم ايمان السابقين مع كون اهل مكة اعنى منهم يعنى لم يومن من كان قبلهم فكيف يومن هؤلاء وهم أشد كفرا منهم- وفيه تنبيه على ان عدم إتيانه بالمقترحات كان لابقائهم- إذ لو اتى بها ولم يؤمنوا استوجبوا عذاب الاستيصال كمن قبلهم-. ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ يا محمد إِلَّا رِجالًا نُوحِي قرأ حفص بالنون على صيغة المتكلم المعلوم على التعظيم والباقون بالياء التحتانية على الغيبة والبناء للمفعول إِلَيْهِمْ جملة معترضة ردّ لقولهم هل هذا الّا بشر مثلكم فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعنى علما اهل الكتاب من حال الأولين من الرسل هل كانوا بشرا أم ملائكة حتى يزول عنكم شبهتكم إِنْ كُنْتُمْ يا اهل مكة لا تَعْلَمُونَ (7) شرط استغنى عن الجزاء بما مضى والاحالة الى اهل الكتاب اما للالزام فان المشركين كانوا يشاورونهم في امر النبي صلى الله عليه وسلم ويثقون بقولهم- واما لان اخبار اهل التواتر يوجب العلم وان كانوا كفارا. وَما جَعَلْناهُمْ اى الأولين من الرسل جَسَداً لم يقل أجسادا لانه اسم جنس او لانه في الأصل مصدر

[سورة الأنبياء (21) : آية 9]

او على حذف المضاف اى ذوى جسد او بتأويل الضمير بكل واحد- والجسد جسم ذى لون ولذلك لا يطلق على الماء والهواء- وقيل هو جسم ذو تركيب لان أصله لجمع الشيء واشتداده لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ صفة لجسد وجملة ما جعلنا مستأنفة جواب لقولهم مال هذا الرّسول يأكل الطّعام وَما كانُوا خالِدِينَ فى الدنيا تأكيد وتقرير لما سبق فان التعيش بالطعام عن لوازم التحليل المؤدى الى الفناء. ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ اى في الوعد بالنصر على أعدائهم- الجملة معطوفة على جملة محذوفة معطوفة على قوله وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا وما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ ولا يموتون- ولكن طعن فيهم المشركون بمطاعن غير صحيحة ومعائب غير ثابتة كما طعن هؤلاء فيك فوعدناهم بالنصر عليهم ثمّ صدقنهم الوعد فَأَنْجَيْناهُمْ يعنى المرسلين من عذاب الله وإيذاء الكفار وَمَنْ نَشاءُ يعنى المؤمنين بهم ومن في ابقائه حكمته كمن سيؤمن هو او أحد من ذريته ولذلك حميت العرب من عذاب الاستيصال وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) متجاوزين الحد في الكفر والمعاصي-. لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ يا معشر قريش كِتاباً اى القران فِيهِ ذِكْرُكُمْ اى شرفكم ان علمتم به او لانه بلسانكم او المعنى ذكركم ربكم وذكر ما تحتاجون اليه من امر دينكم- وقال البيضاوي حيتكم والصيت اى الذكر اى الحسن او موعظتكم او ما تطلبون به حسن الذكر من مكارم الأخلاق وقال مجاهد فيه حديثكم- وفي القاموس الذّكر بالكسر الحفظ للشيء كالتذكار والشيء يجرى على اللسان والصيت والثناء والشرف والصلاة لله تعالى والدعا وكتاب فيه تفصيل الدين ووضع الملل- أَفَلا تَعْقِلُونَ (10) عطف على أنزلنا والفاء للتعقيب والهمزة للانكار عدم تعقل ما فيه صلاحكم وشرفكم-. وَكَمْ قَصَمْنا يعنى كسرنا اى أهلكنا كثيرا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً يعنى اهل قرية كانوا ظالمين على أنفسهم بالكفر والمعاصي وَأَنْشَأْنا أورثنا بَعْدَها اى بعد هلاك أهلها قَوْماً آخَرِينَ (11) مكانهم. فَلَمَّا أَحَسُّوا يعنى لما أدركوا بحاسة البصر والضمير الأهل المحذوف المضاف الى قرية بَأْسَنا شدة عذابنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) اى يهربون مسرعين راكضى دواتهما ومشبهين بهم من فرط إسراعهم

[سورة الأنبياء (21) : آية 13]

لمّا ظرف بمعنى المفاجاة في إذا يعنى فاجا مربهم مسرعين حين رويتهم عذابنا هذه الجملة معطوفة على جملة مقدرة وهما بيان لكيفية إهلاكهم تقديره ولما أردنا ان نقصهم أنزلنا عليهم بأسنا فلمّا احسّوا بأسنا اذاهم منها يركضون. لا تَرْكُضُوا محمول على تقدير قيل والجملة مستانفة في جواب ما قيل لهم عند هربهم يعنى قيل لهم استهزاء اما بلسان الحال او المقال- والقائل ملك أومن ثم من المؤمنين لا تركضوا ولا تهربوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ اى ما انعمتم من التنعم والتلذذ والإتراف ابطار النعمة قال الخليل المترف الموسع عليه عيشه القليل فيه همه وَمَساكِنِكُمْ الّتي كانت لكم لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) غدا عما جرى عليكم ونزل باموالكم فتجيبون السائل عن علم ومشاهدة او ارجعوا واجلسوا في مجالسكم وعبيدكم فيقولون لكم بم تأمرون- او يسئلكم الناس في انديتكم المعاون في النوازل والخطوب- او تسئلون غدا عن أعمالكم او تعذبون فان السؤال من مقدمات العذاب- وقال ابن عباس تسئلون عن قتل نبيكم- قال البغوي نزلت هذه الاية في اهل حضورا وهى قرية باليمن وكان أهلها العرب فبعث الله إليهم نبيّا فدعاهم الى الله عزّ وجلّ فكذبوه وقتلوه فسلط الله عليهم بخت نصر حتى قتلهم وسباهم فلما استمر فيهم القتل ندموا وهربوا وانهزموا فقالت الملئكة لهم استهزاء لا تركضوا وارجعوا الى مساكنكم وأموالكم لعلّكم تسئلون- قال قتادة لعلكم تسئلون شيئا من دنياكم فتعطون من شئتم وتمتعون من شئتم فانّكم اهل ثروة ونعمة فاتبعهم بخت نصر واخذتهم السيوف وناداى مناد من جو السماء يا ثاراث الأنبياء فلما راو ذلك أقروا على أنفسهم بالذنوب حين لم ينفعهم- وجاز ان يكون بعضهم قال لبعض لا تركضوا وارجعوا الى منازلكم وأموالكم لعلكم تسئلون مالا وخراجا فتعطون مالا تمتعون من القتل فنورى من السماء يا ثاراث الأنبياء واخذتهم السيوف فاقروا على أنفسهم و. قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14) جملة مستانفة. فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ اى ما زالو يرددون ذلك وانما سماه دعوى لان المولول كانه يدعو الويل ويقول يا ويل تعال فهذا او انك وكل من تلك ودعويهم يحتمل الاسمية والخبرية لما زال حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً اى مثل زرع الحصيد المحصود ولذلك لم يجمع خامِدِينَ (15) ميتين من خمدت النار وهو مع حصيد بمنزلة اسم واحد

[سورة الأنبياء (21) : آية 16]

مفعول ثان لجعلنا كقوله جعلته علوّا حامضا- فان المعنى جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود او صفة لحصيد او حال من ضميره. وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (16) يعنى عابثين فاعلين فعلا عبثا باطلا بل خلقناها مشحونة بضروب البدائع تبصرة للناظرين وتذكرة للمعتبرين وتسبيبا لما ينتظم بامور المخلوقين في المعاش والمعاد فينبغى ان يتوصلوا بها الى تحصيل الكمال ولا يغتروا بزخارفها فانها سريعة الزول. لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً قال ابن عباس في رواية عطاء اللهو المراءة وهو قول الحسن وقتادة وذلك ان الوطي سمى لهوا في اللغة والمرأة محل اللهو- وفي رواية الكلبي عن ابن عباس اللهو الولد وهو قول السدى فان المرء يلهو بالصغار اللاهين من أولاده- لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا اى من عندنا مما يليق بحضرتنا من المجردات وما يناسب فاتنا كما هو المعلوم ان الزوج والولد يكون لكل شيء من جنسه ولما كان ذاته تعالى بحيث لم يماثله شيء ولا يجانسه ولا يكافثه أحد- فاستحال ان يكون له زوج او ولد- وتعلق الارادة الّتي لا ينفك المراد منها بالمستحيل مستحيل- فامتنع تعلق الارادة به فامتنع اتخاذ الزوج والولد- وهذا ردّ لقول النصارى في المسيح وامه إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (17) شرط مستغنى عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنّا فعلين اتخاذ اللهو لاتخذناه من لدنا لكنا لسنا فاعلين لكونه مستحيلا مناف للالوهية- وقال قتادة وابن جريج ومقاتل ان لنفى اى ما كنا فاعلين والجملة كالنتيجة لشرط. بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عطف على مضمون الكلام السابق يعنى لا نفعل اللهو والباطل بل نقذف بالحقّ اى نرمى بالحق بالآيات الدالّة على تنزيه الله تعالى من اتخاذ الصاحبة والوالد وكونه كفوا لاحد رميّا بعيدا عَلَى الْباطِلِ اى الكفر والكذب وذلك قولهم اتّخذ الله ولدا فَيَدْمَغُهُ اى يدمغه ويفنيه والدمغ كسر الرأس والدماغ المؤدى الى زهوق الروح- استعار الله سبحانه لاعدام الباطل بالحق واحقاق الحق وابطال الباطل فان القذف هو الرمي البعيد المستلزم لصلابة الموحى- والدمغ تصوير لابطال الباطل مبالغة بحيث لا يبقى من الباطل شيء فَإِذا هُوَ اى الباطل زاهِقٌ اى هالك ذاهب لا اثر له- فى القاموس زهق الباطل اى اضمحل والشيء بطل وهلك فهو زاهق- وقيل الزهوق ذهاب الروح ذكره لترشيح المجاز ولكم يا معشل لكفار

[سورة الأنبياء (21) : آية 19]

الْوَيْلُ الهلاك مِمَّا تَصِفُونَ الله بما يليق به وما مصدرية او موضولة او موصوفة والجملة معطوفة على فاذا هو زاهق او حال او معترضة. وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقا وملكا فلا يصلح شيء منها ان يكون له أهلا او ولدا او كفوا وَمَنْ عِنْدَهُ قربا وعنديته بلا كيف وهم الملئكة والأنبياء ومن في معناهم معطوف على من في السّموت والأرض وافراده للتعظيم ولانه أعم منه من وجه فان بعض الملائكة كحملة العرش وغيرهم وحقائق الأنبياء والملائكة ودائرة الظلال متعال عن التبوء في السماء والأرض او مبتداء خبره لا يَسْتَكْبِرُونَ اى لا يتعظّمون عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) اى لا يعيون يقال حسر واستحسر إذا تعب واعيا والاستحسار ابلغ من الحسور وفيه اشارة الى ان عبادتهم لاجل ثقلها ودوامها كانت حقيقة بان يستحر منها وهم لا يستحسرون بل يتلذّذون به ويديمون فيه بحيث يرون تركها هلاكا. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ اى ينزّهونه ويعظمونه دائما قال كعب الأحبار التسبيح لهم كالنفس لبنى آدم لا يَفْتُرُونَ (20) اى لا يضعفون ولا يسئمون حال من الضمير المرفوع في يسبحون وهو استيناف- او حال من ضمير لا يستكبرون ولا يستحسرون- وجملة لا يستكبرون مع ما عطف عليه حال من عنده على تقدير كونه معطوفا على من في السّموات والمراد بالعبادة الّتي لا تنقطع من المقربين دوام الحضور والذكر الخفي الّذي لا يمكن انقطاعه من المقربين بشرا كان او ملكا كما لا يمكن انقطاع التنفس بالهواء للحيوان البرى وبالماء للحيوان البحري- وايضا إذا حصل دوام الحضور فكلما يفعل المرء من فعل يفعله الله تعالى يأكل ويشرب وينام ليتقوى على طاعة الله وينكح أداء لسنة رسوله وتكاثرا لامته وامتثالا لامره تناكحوا فانى مباهى بكم الأمم- ولا يصدر عنه معصية- فان المعصية مبنى صدورها غالبا على الغفلة وان صدر عنه معصية بتقدير الله يندم ويتوب بحيث يبدّل الله سيّئاتهم حسنات- ومن أجل ذلك قالوا نوم العالم عبادة- ومن كان هذا شأنه يصدق عليهم انهم لا يستحسرون يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون. أَمِ اتَّخَذُوا بلء اتّخذوا آلِهَةً أم منقطعته بمعنى بل والهمزة فمعنى بل للاضراب

[سورة الأنبياء (21) : آية 22]

عن مضمون الكلام السابق فان مضمون قوله تعالى ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وقوله أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وقوله تعالى بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ انهم طعنوا في النبوة فالمعنى انهم طعنوا في النبوة والقران بل اتخذوا الهة ومعنى الاستفهام الإنكار والتوبيخ مِنَ الْأَرْضِ صفة للالهة او متعلقة بالفعل على معنى التبعيض او الابتداء يعنى اتخذوا وصنعوا من جواهر الأرض من حجر او ذهب او فضة او غير ذلك وفائدتها التحقير دون التخصيص وهُمْ يُنْشِرُونَ (21) صفة لالهة اى يحبون الأموات وفيه تحميل الكفار وتهكم بهم فانه لا يستحق العبادة الا من يقدر على الاحياء والاماتة والانعام بأبلغ وجوه النعمة وهم لمّا أشركوا الأصنام في الالوهية فكانّهم ادعوا لها الاحياء ونحوه وذلك ظاهر البطلان- وللمبالغة في ال؟؟؟ كم زيد الضمير الموهم لاختصاص الإنشاء بهم. لَوْ كانَ فِيهِما اى في السماء والأرض آلِهَةٌ كما زعم المشركون إِلَّا اللَّهُ الّا هاهنا بمعنى غير صفة لالهة وليست للاستثناء لتعذر الاستثناء المتصل والمنفصل لعدم القطع في شمول المستثنى منه المستثنى وعدم شموله فهى محمولة على غير وأعرب ما بعده إعرابه كما يحمل لفظة غير على الّا فيستعمل للاستثناء لَفَسَدَتا لبطلتا ولم يوجدا فانها ان توافقت الالهة في المراد تطاردت عليها القدرة- وان تخالفت فيه تعاوقت عنه وهذه الجملة تعليل للتوبيخ المفهوم من أم المنقطعة فَسُبْحانَ اللَّهِ يعنى اسبح لله سبحانا رَبِّ الْعَرْشِ المحيط بجميع الأجسام الّذي هو محل التدابير ومنشاء المقادير وبمنزلة الدماغ للانسان في العالم الكبير- وانتزهه عَمَّا يَصِفُونَ (22) من اتخاذ الشريك والصاحبة والولد. لا يُسْئَلُ الله تعالى عَمَّا يَفْعَلُ لعظمته وقوة سلطانه وتفرده بالالوهية والسلطنة الذاتية- ولانّه كلّما يفعل من فعل فهو تصرف في ملكه والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء لا اعتراض عليه عقلا ولا نقلا وَهُمْ يعنى من في السموات والأرض يُسْئَلُونَ (23) عمّا يفعلون لكون أفعالهم تصرفا في ملك الله سبحانه فلا يجوز الا باذنه واباحته فيسئلون عن ذلك وجملة هم يسئلون حال او معطوفة على ما سبق وجملة لا يسئل مع ما عطف عليه تعليل المضمون الكلام السابق فان من كان مسئولا لا يصلح ان يكون شريكا لمن لا يكون مسئولا. أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً كرر الإنكار والتوبيخ استعظاما لكفرهم و

[سورة الأنبياء (21) : آية 25]

استفظاعا وتبكيتا وإظهارا لجهلهم- او ضما لانكار ما يكون لهم سندا من النقل الى ما يكون لهم دليلا من العقل- والمعنى أوجد والهة ينشرون الموتى فاتخذوهم الهة لما راو فيها من خصائص الالوهية- او وجدوا في الكتب الالهية السماوية الأمر باشراكهم فاتخذوها الهة متابعة للامر- ويعضد ذلك التأويل انه رتب على الاول ما يدل على فساده عقلا وعلى الثاني ما يدل على فساده نقلا قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ على الإشراك اما من العقل او من النقل فانه لا يصح القول بما لا دليل عليه- كيف وتطابقت الحجج على بطلانه عقلا كما مر ونقلا فان هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها يعنى هذا القران والتورية والإنجيل الموجود بين ايديكم ذكر أمتي اى عظتهم الى يوم القيامة وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي اى عظة الأمم الماضية- روى عطاء عن ابن عباس ذكر من معى القران وذكر من قبلى التورية والإنجيل- يعنى راجعوا الى الكتب السماوية من القران والتوراة والإنجيل وغيرها هل تجدون فيها ان الله تعالى اتخذ شريكا او ولدا او امر لعبادة غيره- والتوحيد لم يتوقف عليه صحة بعثة الرسل وإنزال الكتب فصح الاستدلال فيه بالنقل فان قيل مشركوا مكة لم يكونوا مسلمين لكتب السماوية لا سيما للقران- فكيف يصح عليهم الاحتجاج بها- قلنا لما كان صحة الكتب السماوية لا سيما القران باعجازه واضحا بينا وانكارهم انما كان عنادا لم يعتد بانكارهم وجعها كالمسلّمة لكونها مسلّمة عند الانصاف والله اعلم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ولا يميزون بينه وبين الباطل مع سطوع برهانه إضراب من الاتعاظ المفهوم من اضافة الذكر الى من معى فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) من الحق اى التوحيد واتباع الرسول لاجل ذلك. وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي قرأ حفص وحمزة والكسائي بالنون وكسر الحاء على التعظيم وضمير المتكلم والباقون بالياء التحتانية وفتح الحاء على البناء المفعول إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) اى فاعبدونى وحدي لا تشركوا بى شيئا- وهذا تعميم بعد تخصيص يعنى ليس الأمر بالتوحيد منحصرا في القران والتورية والإنجيل الموجودة بين أظهرهم مشار إليها بهذا في قوله هذا ذكر من معى وذكر من قبلى بل كل رسول أرسلناه كنّا نوحى إليهم التوحيد. وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ

[سورة الأنبياء (21) : آية 27]

وَلَداً عطف على مضمون أم اتّخذوا الهة من الأرض ومضمون أم اتّخذوا من دونه الهة يعنى جعلوا الله شركاء وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدا- قال البغوي نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ تنزيه له تعالى عن ذلك بَلْ عِبادٌ يعنى بل هم اى الملائكة عباد مخلوقون ليسوا باولاد مُكْرَمُونَ (26) مقربون. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ اى لا يقولون شيئا الا باذنه- وأصله لا يسبق قولهم قوله واذنه فنسب السبق إليهم واليه وجعل القول محله وأداته تنبيها على استهجان اسبق المعترض به للقائلين على الله مالا يرضاه- وأنيب اللام عن الاضافة اقتصارا وتجافيا عن تكرير الضمير وَهُمْ بِأَمْرِهِ اى بما يأمرهم به يَعْمَلُونَ (27) يتمثلون ولا يعصونه أصلا. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ اى لا يخفى عليه شيء مما عملوا وما هم عاملين- وهو كالعلة لما قبله والتمهيد لما بعده فانهم لاحاطة علمه تعالى بأحوالهم يضبطون أنفسهم ويراقبون أحوالهم وَلا يَشْفَعُونَ مهابة منه إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ان يشفع له قال ابن عباس الا لمن قال لا اله الا الله- وقال مجاهد الا لمن رضى الله عنه وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) الخشية خوف مع التعظيم ولذلك خص به العلماء- والإشفاق خوف مع اعتناء فان عدى بمن كما في هذه الاية فمعنى الخوف فيه اظهر وان عدى بعلى فبا بالعكس- فالمعنى وهم من خوفه لاجل عظمته ومهابته خائفون لا يأمنون مكره. وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ اى من الخلائق او من الملائكة على سبيل الفرض إِنِّي قرأ نافع وابو عمر بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ الشخص نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ والغرض من الاية نفى الربوبية ونفى ادعاء ذلك من الملائكة- وتهديد المشركين بتهديد مدعى الالوهية فهذه الاية كقوله تعالى نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً - وقال قتادة عنى بذلك إبليس حيث دعا الى عبادة نفسه وامر بطاعة نفسه وقد كان من الملائكة اما حقيقة او حكما لاجل الحاقه بهم واما غيره من الملائكة فلم يقل به أحد كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) . أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا قرأ ابن كثير الم ير بغير واو العطف والباقون بالواو

يعنى الم يعلموا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا لم يقل كانت لان المراد جماعة السموات وجماعة الأرض رَتْقاً قال ابن عباس والضحاك وعطاء وقتادة كائتا شيئا واحدا ملتزقين فَفَتَقْناهُما فصلناهما بالهواء والرتق في للغة السد والضم والفتق الشق والفتح قال كعب خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض ثم خلق ريحا فوسطها فتحها بها وقال مجاهد والسدى كانت السموات مرتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سموات وكذلك الأرض كانت مرتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع ارضين وقال عكرمة وعطية كانت السماء رتقا لا تمطروا لأرض رتقا لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالبنات والمراد حينئذ بالسماوات السماء الدنيا وجمعها باعتبار الآفاق او السموات بأسرها على ان لها مدخلا في الأمطار وهذا القول اظهر فان الكفرة «1» وكل من له عقل ينظر ويعلم ان المطر ينزل من السماء بعد مالم يمطر والنبات يخرج من الأرض بعد ما لم يخرج وهو امر حادث لا بد له من محدث واجب الوجود فالرتق والفتق بهذا المعنى ظاهر واما كونها في بدو الخلق ملتزقة وفتقت بالرياح فغير ظاهر على الكفار لكنهم متمكنون من تحصيل العلم بها بالاستفسار من العلماء ومطالعة الكتب السماوية وتناسب تاويل عكرمه وعطية قوله تعالى وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ عطف على فتقناهما يعنى فتقنا السماء وأنزلنا منها ماء وفتقنا الأرض وأخرجنا منها نباتا وجعلنا من الماء الّذي أنزلناه من السماء كل شيء حى وهو معطوف على كانتا وذلك محمول على السموات والأرض وعلى هذا يقال الرابط محذوف تقديره وجعلنا من الماء كل شيء حى كائن بينهما او الجملة عطف على مضمون ما سبق لان الاستفهام لانكار نفى الرؤية وهو يستلزم ثبوت الروية وذلك يستلزم وحصول الرتق والفتق فالتقدير حصل منها فتق السموات والأرض بعد رتقهما وجعلنا من الماء كل شيء حى والجعل ان كان بمعنى الخلق وهو الجعل البسيط فالطرف متعلق به وان كان بمعنى التصيير وهو الجعل المركب فالظرف مستقر مفعول ثان فان قيل خلق النبات الّذي له نوع من الحيوة من الماء وتصييره كائنا من الماء ظاهر فانه بمنزلة النطف للحيوان وكذا بعض الحيوانات كالحشرات فان؟؟؟ ضقها من الرطوبات واما اكثر الحيوانات

_ (1) الكفره جمع كافر هاهنا بمعنى الحارث- المصحح.

[سورة الأنبياء (21) : آية 31]

فخلقها من النطفة فما معنى قول وجعلنا من الماء كل شيء قلنا لما كان الماء أعظم مواد بقاء الحيوان وأفرط احتياجه وانتفاعه بعينه فكانه خلق منه فضح ان يقال على سبيل التجويز خلقنا من الماء كل شيء حى وصيرناه منه كما قيل خلق الإنسان من عجل وخلق أيد من الكرم وجاز ان يقدر المضاف ويقال المعنى وجعلنا من الماء بقاء كل شيء حى وقال ابو العاليه واكثر المفسرين معنى الآية كل شيء حى فهو مخلوق من الماء اخرج احمد عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء خلق من الماء قلت يعنى من النطفة نظيره قوله تعالى والله خلق كل دابة من ماء فالمراد بالشيء على هذا التأويل الحيوان وبالكل الأكثر كما في قوله تعالى كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته وجاز ان يراد بالماء مطلق الرطوبة الشاملة لنطفة الحيوان وما يتولد منه النباتات والحشرات والله اعلم أَفَلا يُؤْمِنُونَ الاستفهام للانكار والفاء للتعقيب يعنى بعد روية هذه الادلة القاطعة على وجود الصانع الواجب وجوده المتصف بصفات الكمال المتوحد في الذات والصفات لا يؤمنون به. وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ جبالا رَواسِيَ ثوابت من رسا إذا ثبت أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ اى كراهة ان تميد بهم او لان لا تميد بهم فحذف ما حذف للامن من الالتباس وَجَعَلْنا فِيها اى في الأرض او في الرواسي فِجاجاً الفج الطريق الواسع بين الجبلين كذا في القاموس سُبُلًا جمع سبيل وهو الطريق وما وضح منه كذا في القاموس قدم فجاجا وهو وصف للسبيل لان فيه معنى الوسعة ليصير حالا من سبلا فيدل على انه حين خلقها كان كذلك او ليبدل منها سبلا فيدل ضمنا على انه خلقها ووسعها للسابلة مع ما فيه من التأكيد لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ الى مقاصدهم ومصالحهم. وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً عن السقوط لقدرته من غير عمد او عن الفساد والانحلال الى الوقت المعلوم بمشيته او عن استراق السمع بالشهب وَهُمْ عَنْ آياتِها اى عن أحوالها وما خلق فيها من الشمس والقمر والكواكب الدالة على وجود الصانع ووحدته وكمال قدرته وتناهى حكمته مُعْرِضُونَ غير متفكرين فيه. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بيان لبعض تلك الآيات كُلٌّ اى كل واحد فِي فَلَكٍ وهو مدار النجوم الّذي يضمها كذا في القاموس وهو في كلام العرب كل شيء مستدير وجمعه أفلاك ومنه فلك المغزل قال الحسن الفلك طاحوته كهيئة فلك المغزل يريد ان الّذي

[سورة الأنبياء (21) : آية 34]

تجرى فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة وقال بعضهم الفلك السماء الّذي فيه ركز الكواكب وكل كوكب يجرى في السماء الّذي قدر فيه وهو قول قتادة وقال الكلبي الفلك استدارة السماء وقال الآخرون الفلك موج مكفوف دون السماء تجرى فيه الشمس والقمر والنجوم قلت والصحيح ان المراد بالفلك السماء والتنوين للدلالة على ان كل واحد منها في فلك واحد من الافلاك وهو السماء الدنيا وان كان مدار الكواكب على أفلاك شتى فالمراد بالفلك الجنس كقولهم كساهم الأمير حلة والله اعلم يَسْبَحُونَ اى يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء والضمير راجع الى الشمس والقمر وانما جمع باعتبار المطالع وجعل واو العقلاء لان السباحة فعلهم والله اعلم اخرج ابن المنذر عن ابى جرع قال لما نعى للنبى صلى الله عليه وسلم نفسه قال يا رب من لامتى فنزلت. وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ اى الخلود ودوام البقاء في الدنيا أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ قال البغوي نزلت هذه الآية حين قالت الكفار نتربص بمحمد ريب المنون والفاء لتعلق الشرط بما قبله والهمزة للانكار بعد ما تقرر ذلك والجملة معطوفة على مضمون ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد يعنى ثبت انك لست بخالد فان مت افهم الخالدون. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ اى ذائقة مرارة مفارقتها جسدها هذه الجملة مقررة لقوله تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وَنَبْلُوكُمْ نعاملكم معاملة المحشر بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ وبالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر وكل ما يحبون وما يكرهون فِتْنَةً اى ابتلاء فهو مصدر من غير لفظه يعنى نبلوكم ابتلاء حتّى يظهر منكم بعد ما تحبونه الشكر او الكفر ان وبعد ما تكرهونه الصبر او الجوع والشكوى وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ فيجازيكم على حسب ما يوجد منكم الصبر والشكر او ضدهما وفيه ايماء بان المقصود من هذه النشأة انما هو الابتلاء والتعريض للثواب او العقاب تقريرا لما سبق اخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على ابى جهل وابى سفيان وهما يتحدثان فلما راه ابو جهل ضحك وقال لابى سفيان هذا نبى من بنى عبد مناف فغضب ابو سفيان وقال ما تنكرون ان يكون من بنى عبد مناف نبى فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فرجع الى ابى جهل فوقع به وخوفه وقال ماراك منتهيا حتى يصيبك ما أصاب عمك فنزلت. وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً سخريا اى مهزوا به أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ

[سورة الأنبياء (21) : آية 37]

بيان لقوله ان يتخذونك إلا هزوا تقديره يقولون اهذا الّذي يذكر الهتكم اى بسوء وانما أطلقه لدلالة الحال فان ذكر العدو لا يكون الا بسوء وذكر الحبيب لا يكون الا بخير يقال فلان يذكر فلانا يعنى يعيبها وفلان يذكر الله اى يعظمه ويجله وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ بالتوحيد والتعظيم او بإرشاده الخلق ببعث الرسل وانزل الكتب رحمة عليهم- او بالقران هُمْ كافِرُونَ منكرون يقولون لارحمن الا رحمن اليمامة يعنى مسيلمة الكذاب فهم أحق بان يهزوبهم وتكريرا لضمير للتاكيد او التحصيص او لحيلولة بينه وبين الخبر. خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ يعنى خلق الإنسان مجبولا على الاستعجال كانه خلق منه لفرط استعجاله وقلة تا؟؟؟ نيه يقول العرب للّذي يكثر منه الشيء خلق منه يقال خلقت من تعب وخلقت من غضب وخلق فلان من الكرم جعل ما طبع هو بمنزلة المطبوع هو منه مبالغة في لزومه له قال سعيد بن جبير والسدى لما دخل الروح في راس آدم وعينه نظر الى ثمار الجنة فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل ان يبلغ الروح في رجليه عجلان الى ثمار الجنة فوقع فقيل خلق الإنسان من عجل والمراد بالإنسان آدم عليه السّلام وأورث أولاد العجلة من عجلته مبادرته الى الكفر واستعجال الوعيد قلت ويمكن ان يقال على ما قالت الصوفية ان العالم بأسرها ظلال لاسماء الله تعالى وصفاته ومباد لتعينات الخلائق والله سبحانه متصف بالصفات المتضادة فكما ان الصبور من الأسماء الحسنى كذلك سريع الحساب منها فالاستعجال الّذي هو من صفات الله تعالى له دخل في مبدأ تعين نوع الإنسان ومن هاهنا قال قوم معناه ان بنيته وخلقته من العجلة فان قيل إذا كان الاستعجال من صفات الله تعالى كان محمود او سياق هذه الآية تدل على كونه مذموما وايضا إذا كان الإنسان مجبولا على الاستعجال فالنهى عنه لا يجوز لان الطبيعيات لا يكون مقدورة الترك قلنا نفس الاستعجال غير مذموم وانما المذموم الافراط فيه او وضعه في غير موضعه الا ترى ان الله تعالى يمدح الأنبياء بانهم يسارعون في الخيرات فالممنوع هو الافراط ووضعه في غير موضعه وذلك مقدور تركه وقال قوم معناه خلق الإنسان يعنى آدم من تعجيل في خلق الله إياه لان خلقه كان بعد كل شيء في اخر النهار يوم الجمعه فاسرع في خلقه قبل مغيب الشمس قال مجاهد فلما احى الروح راسه قال يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس وقيل معناه خلق آدم بسرعة وتعجيل لا على ترتيب خلق سائر الآدمين من النطفة والعلقة والمضغة وغيرها وقال قوم من عجل اى من طين قال الشاعر

[سورة الأنبياء (21) : آية 38]

والنبغ في الصخرة الصماء منبتة ... والنخل تنبت من الماء والعجل قال في القاموس العجل محولة الطين او الحماة وهذه جملة معترضة تمهيد للتشنيع على قولهم ويقولون متى هذا الوعد سَأُرِيكُمْ آياتِي ونعماتى في الدنيا لوقعة بدور في الآخرة عذاب النار فَلا تَسْتَعْجِلُونِ بالإتيان بها قبل وقتها المقدر لها الفاء للسببية معطوف على قوله ساريكم آياتي وهى معترضة ثانية رد الاستبعاد المشركين وعيد العذاب واستعجالهم استهزاء حيث كانوا يقولون أمطر علينا حجارة من السماء قيل نزلت في النضر بن الحارث حين استعجل العذاب. وَيَقُولُونَ اى الكفار مَتى هذَا الْوَعْدُ اى وقت وعد العذاب او القيامة الاستفهام للاستنبط المبنى على الاستعجال والجملة عطف على الشرطية السابقة اعنى وإذ أراك الذين كفروا ان يتخذونك الا هزوا او عطف على يقولون المقدر في قوله اهذا الّذي يذكر الهتكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بالوعيد بالعذاب او بإتيان القيامة خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه شرط مستغن عن الجزاء بما مضى يعنى فبينوا وقت إتيانها فقال الله تعالى. لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ جواب لو محذوف وحين قيل مفعول به ليعلم والمعنى لو يعلمون الوقت الّذي يحيط بهم النار من كل جانب بحيث لا يستطيعون دفعها عن أنفسهم بانفسهم ولا يجدون أحدا ينصرهم يدفعها عنهم لما أقاموا على كفرهم وقيل مفعول يعلم متروك وحين ظرف بفعل مقدر والتقدير لو كان لهم علم لما استعجلوا يعلمون بطلان ما هم عليه حين لا يكفون فهما جملتان- قلت وجاز ان يكون مفعول يعلم مقدر او يكون حين ظرفا لفعل مقدر والتقدير لو يعلم الذين كفروا ما ينزل بهم حين لا يكفون عن وجوههم النار يعنى حين يحيط بهم النار لما استعجلوا العذاب ولما قالوا متى هذا الوعد. بَلْ تَأْتِيهِمْ الضمير للنار او للوعد او الحين والتأنيث باعتبار ان الوعد بمعنى العدة والحين بمعنى الساعة والجملة إضراب عما تضمنه متى هذا الوعد من الاستبعاد او عما تضمنه لو يعلم الذين كفروا يعنى لا يعلمون وقت مجى الساعة او العدة او النار الّتي يحيط بهم في جميع الجوانب بَغْتَةً اى فجأة منصوب على المصدرية او على الحال فَتَبْهَتُهُمْ تلك العدة او النار او الساعة يعنى تغلبهم او تحيرهم فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ اى يمهلون فيه تذكير بامهالهم في الدنيا وتقديم المسند اليه

[سورة الأنبياء (21) : آية 41]

فى قوله تعالى ولا هم ينصرون ولا هم ينظرون على المسند وهو فعل لدلالة الحصر بالكفار اشعارا بان عصاة المؤمنين ينصرهم الشفعاء من الأنبياء والملئكة والصلحاء وهم ينظرون ويغفرون. وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ عطف على قوله وإذ أراك الذين كفروا ان يتخذونك إلا هزوا واللام لكونه جواب قسم محذوف وفيه تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم ووعيد لمن يستهزأ به فَحاقَ اى نزل بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ اى جزاء استهزائهم. قُلْ يا محمد للمستهزئين بك مَنْ يَكْلَؤُكُمْ اى يحفظكم بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ قال ابن عباس ان من عذاب الله ان أراد بكم او ان نزل بكم يعنى لاكالئ من عذابه الا رحمته العامة في الدنيا وان اندفاعه بامهاله بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ إضراب عن الأمر بالسؤال فان معناه ذكّرهم الرحمن وحذرهم عن عذابه فقال بل هم معرضون عن ذكره يعنى عن القران ومواعظ الله فلا ينفعهم التذكير او المعنى انهم لا يخطرون الرحمن ببالهم فضلا ان يخافوا بأسه حتى إذ كلئوا منه عرفوا الكالى وصلحوا للسوال عنه. أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ يعنى بل الهم الهة تَمْنَعُهُمْ من عذابنا صفة لالهة مِنْ دُونِنا صفة ثانية لالهة او حال عنه يعنى كائنة من دوننا إضراب ثان عن الأمر بالسؤال فان السؤال عن المعرض بعيد وعن المعتقد لنقيضه ابعد والاستفهام لانكار معتقدهم يعنى ليس الأمر كما اعتقدوه ان الهتهم تمنعهم من العذاب لا يَسْتَطِيعُونَ يعنى ما اعتقدوه الهة لا تستطيع شيء منها نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ أصلا ان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه جملة مستانفة في مقام التعليل للانكار وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ عطف على لا يستطيعون يعنى ولا يصحبهم منا نصركما يصحب لمن يشفع عصاة المؤمنين من النبيين والملئكة والصالحين وقال ابن عباس معناه ولا هم منا يمنعون فالمعنى ان العذاب يشتمل الالهة ايضا نظيره قوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وقال عطية عنه معناه تجارون يقول العرب انا لك جار وصاحب من فلان وقال مجاهد معناه ينصرون وقال قتادة لا يصحبون من الله يعنى بالاذن في الشفاعة والنصر فهذا يؤل الى الاول والثالث والرابع الى الثاني. بَلْ مَتَّعْنا يعنى أعطينا النعمة وأمهلنا هؤُلاءِ الكفار في الدنيا وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ اى امتد بهم الزمان إضراب عما توهموا من نصر الالهة إياهم ببيان ما هو الداعي الى حفظهم وهو الاستدراج والتمتيع بما قدر لهم من الأعمار او عن الدلالة

[سورة الأنبياء (21) : آية 45]

على بطلان ما توهموه ببيان ما أوهمهم ذلك وهو انه تعالى امهلهم استدراجا فاغتروا وحسبوا ان لا يزالوا كذلك وانه بسبب ما هم عليه ولذلك عقبه بما يدل على انه امل كاذب قال أَفَلا يَرَوْنَ الهمرة للانكار والغاء للعطف على محذوف تقديره الا ينظرون فلا يرون بالأبصار او التقدير الا يتفكرون فلا يعلمون أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ اى يأتي أمرنا ارض الكفار ان ينقص نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها اى نسلط المسلمين على أطرافها بيان لقوله ناتى الأرض وتصوير لما يجريه الله على أيدي المسلمين فتح ديار المشركين أرضا فارضا أَفَهُمُ الْغالِبُونَ رسول الله والمؤمنين الهمزة للانكار والفاء للعطف على ناتى الأرض يعنى ليس الأمر انهم يغلبون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ اى أخوفكم بِالْوَحْيِ اى بما يوحى الى من القران هذه الجملة تقرير النهى عن استعجال لحوق العذاب ونفى استبعاده والمعنى ان اتدارى بالعذاب ليس من تلقاع نفسى انما هو بأخبار الله العليم القدير الّذي لا يحتمل التخلف في اخباره فلا وجه لاستبعادكم واستعجالكم وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ قرأ ابن عامر لا تسمع بالتاء الفوقانية المضمومة وكسر الميم من الافعال خطابا للنبى صلى الله عليه وسلم ونصب الصم والباقون بالياء المفتوحة وفتح الميم من المجرور رفع الصم على الفاعلية والجملة حال من فاعل قل او من المحذوف يعنى قل للكافرين المستهزئين المستعجلين للعذاب فا اللام للعهد سماهم الصم ووضعه موضع ضميرهم ولم يقل ولا يسمعون الدعاء اولا يسمعهم فلتصريخ على تصامهم وعدم انتفاعهم بما يسمعون إِذا ما يُنْذَرُونَ ظرف ليسمع او للدعاء والتقييد به لان الكلام في الانذار او للمبالغة في تصامهم وتجاسرهم. وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ جواب قسم محذوف نَفْحَةٌ قال ابن عباس طرف وقيل قليل وقال ابن جريح نصيب من قولهم نفح فلان لفلان من ماله اى أعطاه حظا منه وقيل ضربة من قولهم نفحت الدابة برجلها واصل النفح هبوب رائحة الطيب وفيه مبالغات ذكر المس وما في النفحة من معنى القلة والبناء الدال على المرة مِنْ عَذابِ رَبِّكَ الّذي ينذرون به ويستعجلونه لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا يا هلاكنا احضر فهذا او انك إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ على أنفسنا بالاشراك بالله وعدم التحرز عن عذابه يعنى لدعوا على أنفسهم بالوكيل واعترفوا عليها بالظلم وندموا حين لا ينفعهم الندم. وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ اى ذوات القسط او وصفت به للمبالغة وأفرد القسط لانه مصدر لِيَوْمِ الْقِيامَةِ اى لجزاء يوم القيامة او لاجل أهلها او فيه كقولك

جئت لخمس خلون من الشهر قيل وضع الميزان تمثيل لارصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال وهذا التأويل غير مقبول عند اهل السنة لعله من كلام اهل الهواء والصحيح ان الميزان على حقيقته اخرج ابن المبارك في الزهد والآجري في الشريعة عن سلمان موقوفا وابو الشيخ ابن حبان في تفسيره من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال الميزان له لسان وكفتان واخرج ابن مردوية في تفسيره عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خلق الله عزّ وجلّ كفتى الميزان مثل السماء والأرض الحديث واخرج بيهقى في البعث عن ابن عمر عن عمر ابن الخطاب في حديث سوال جبريل عن الايمان قال يا محمد ما الايمان قال ان تومن بالله وملئكته ورسله وتومن بالجنة والنار والميزان وتومن بالبعث بعد الموت بالقدر خيره وشره قال فاذا فعلت فانا مومن قال نعم قال صدقت واخرج الحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوضع الميزان يوم القيمة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت الحديث واخرج الترمذي وحسنه والبيهقي عن انس قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم ان يشفع لى يوم القيمة قال انا فاعل قلت يا رسول الله فاين أطلبك قال اطلبنى أول ما تطلبنى على الصراط قلت فان لم القك على الصراط قال فاطلبنى عند الميزان قلت فان لم القك عند الميزان قال فاطلبنى عند الحوض فانى لا أخطى هذه المواطن الثلاثة واخرج الحاكم والبيهقي والا جرى عن عائشة قالت قلت يا رسول الله هل تذكرون أهليكم يوم القيمة قال في ثلث مواطن فلا يذكر أحد أحدا حيث يوضع الميزان حتى يعلم يثقل ميزانه او يخف وحيث تطار الكتب حتى يعلم اين يقع كتابه في يمينه او في شماله او من وراء ظهره وحيث يوضع الصراط حتى يعلم ان ينجوا اولا وقد ورد في الميزان أحاديث كثيرة ذكرنا بعضها في السورة القارعة في تفسير قوله تعالى فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية الاية وذكر البغوي انه روى ان داود عليه السّلام سأل ربه ان يريه الميزان فاراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب فغشى عليه ثم أفاق فقال يا الهى من الّذي يقدر ان يملا كفة حسناته فقال يا داود انّى إذا رضيت عن عبدى ملأتها بتمرة وأورد لفظ الجمع فقال وتضع الموازين قال النسفي في بحر الكلام اما لان يكون لكل انسان ميزان علمحدة او لان الجمع يذكر ويراد به الواحد تفخيما وتعظيما كما في قوله تعالى فنادته الملئكة وهو جبرئيل وقال الله تعالى يا ايها الرسل كلوا من الطيبات والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم وجاز ان يعتبر كل جزء

[سورة الأنبياء (21) : آية 48]

منه ميزانا ويطلق الجمع على المجموع كالسراويل يعتبر جمع سروالة فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً يسيرا من حقه او من الظلم اى لا ينقص من حسناته بلا سبب ولا يزاد على سيئاته وَإِنْ كانَ مِثْقالَ مصدر ميمى اى زنة حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ قرأ نافع مثقال بالرفع على ان كان تامة وهو فاعلها والباقون بالنصب على انها ناقصة واسمها ضمير راجع الى العمل المفهوم من الموازين يعنى ان كان العمل مثقال حبة من خردل أَتَيْنا بِها اى أحضرناها في الميزان قوله ان كان مثقال حبة من خردل شرط والمعطوف محذوف واتينا بها جزاء والتقدير وان كان العمل مثقال حبة من خردل يعنى أصغر صغيرا وكبيرا اتيناها اى أحضرناها في الميزان وجاز ان يكون ان متصله يعنى فلا تظلم نفس شيئا من حقه وان كان حقه مثقال حبة من خردل وعلى هذا قوله ايتنا بها جملة مستانفة بيان لنفى الظلم والضمير عائد الى المثقال وتأنيثه لاجل إضافته الى حبة يعنى اتينا مثقال الحبة من حقه اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يحاسب الناس يوم القيمة فمن كانت حسناته اكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن سيئاته اكثر من حسناته بواحدة دخل النار قال وان الميزان يخفف بمثقال حبة ويرجح ومن استوت حسناته وسيئاته كان من اصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط وَكَفى بِنا الباء زائدة وضمير المتكلم فاعل لكفى وجاز ذلك لاجل الفصل حاسِبِينَ منصوب على التميز او الحال قال السدى محصين والحسب معناه القدر وقال ابن عباس عالمين حافظين لان من حسب شيئا علمه وحفظه وكفى بالله حسيبا إذ لا مزيد على علمه وعدله. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ اى الكتاب الفارق بين الحق والباطل يعنى التوراة وَضِياءً يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهل والتنكير للتعظيم وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (2) اى يتّعظ به المتقون او ذكر ما يحتاجون اليه من الشرائع يعنى كتابا جامعا بين هذه الصفات وقال ابن زيد الفرقان النصر على الأعداء قال الله تعالى يوم الفرقان ليوم بدر وقيل الفرقان فلق البحر وعلى هذا الضياء والذكر يراد بهما التوراة او الذكر الوحى الغير المتلو النازل على موسى عليه السلام وعظ به بنى إسرائيل. الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ صفة للمتقين او مدح لهم منصوب او مرفوع بِالْغَيْبِ حال من الفاعل او المفعول وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ خائفون وفي تصدير الضمير والحكم عليه مبالغة وتعويض والجملة عطف على الصلة او حال. وَهذا اى القران مبتدأ خبره ذِكْرٌ مُبارَكٌ صفة لذكر والتنكير فيها للتعظيم اى ذكر عظيم كثير خيره أَنْزَلْناهُ

[سورة الأنبياء (21) : آية 51]

على محمد صلى الله عليه وسلم صقة ثانية لذكر أَفَأَنْتُمْ يا اهل مكة لَهُ مُنْكِرُونَ استفهام انكار وتوبيخ على انكارهم بعد ثبوت كونه كثير الخير منزلا من الله. وَلَقَدْ آتَيْنا جواب قسم محذوف إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ اى صلاحه يعنى التوحيد والاجتناب عن عبادة الأوثان وإضافته ليدل على ان له شانا عظيما في الرشد مِنْ قَبْلُ يعنى قبل موسى وهارون ومحمد صلى الله عليه وسلم يعنى ما أوحينا الى محمد صلى الله عليه وسلم ليس امرا مبدعا بل جرى به السنة الالهية لاصلاح الخلق وقيل معناه من قبل البلوغ حين خرج من السرب وهو صغير حين قال انى وجهت يعنى أعطيناه النبوة صغيرا كما قال ليحيى اتيناه الحكم صبيا او المعنى قبل استنبائه وَكُنَّا بِهِ اى بإبراهيم عالِمِينَ انه اهل للهداية وو النبوة حيث كان مبدأ تعينه صفة العلم والهداية من صفات الله تعالى. إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ الظرف متعلق بايتنا او برشده او بمحذوف اى اذكر من اوقات رشده وقت قوله ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ تحقير لشانها وتوبيخ على اجلالها فان التمثال صورة لا روح فيها فلا يضر ولا ينفع واللام للاختصاص دون التعدية فان العكوف يتعدى بعلى يعنى أنتم فاعلون العكوف لها او يأول بعلى يعنى أنتم عليها اى على عبادتها تعلمون او تضمن العكوف معنى العبادة يعنى أنتم لها عابدون. قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ جواب عما لزم الاستفهام من السؤال عن المقتضى لعبادتها يعنى حملنا على عبادتها تقليدنا بآبائنا. قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فى خطأ بيّن حيث تعبدون حجارة لا تضر ولا تنفع وتقليد من هو في خطأ بيّن خطأ بيّن. قالُوا استبعاد التضليل ابائهم وظنا انه يقول ذلك ملاعبة أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ اى بعلم مستند على دليل قطعى فتجدّد بهذا القول أَمْ أَنْتَ فى هذا القول مِنَ اللَّاعِبِينَ استفهام لانكار الإنكار عليهم واستبعاد ان يكون ما هم عليه ضلالا. قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ صلى خلقهن على غير مثال سبق وصف رب السموات والأرض بهذا دفعا لقول الجهلة في اطلاق الرب على السلطان وقول نمرود انا احيى وأميت وهذا ضراب عن كونه لاعبا باقامة البرهان بان السموات والأرض تشهدان لهما خالق لامكانهما وكونهما محلا للحوادث والخالق للممكنات لا بد ان يكون واجبا وجوده متصغا بصفات الكمال واحدا غير متمانع وهو يستحق العبادة لا غير وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ المذكور من التوحيد مِنَ

[سورة الأنبياء (21) : آية 57]

الشَّاهِدِينَ المعترفين المحققين المبرهنين باللسان والجنان كما ان السموات والأرض وسائر الممكنات شاهد عليه بلسان الحال. وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ والكيد المكر والحيلة والمراد هاهنا لافعلن بها سوء او لاجتهدن في كسرها بنوع من الاحتيال قال البيضاوي والتاء في القسم بدل من الواو المبدلة من الباء وفيها تعجب ولفظ الكيد وما في التاء من التعجب لصعوبة الأمر وتوقفه على نوع من الحيل لكونه على رغم نمرود وخلق كثير مع قوة سلطنته عطف على قوله قال بتأويل هذا القول يعنى قال هذا القول وهذا القول بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا عنها مُدْبِرِينَ لها منطلقين الى عبيدكم قال البغوي قال مجاهد وقتادة انما قال ابراهيم هذا سرا من قومه ولم يسمع ذلك الا رجل واحد فافشاه عليه وقال انا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم قال السدى كان لهم في سنة مجمع وعيد وكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ثم عادوا الى منازلهم فلما كان ذلك العيد قال لابراهيم أبوه يا ابراهيم لو خرجت معنا الى عيدنا أعجبك ديننا فخرج معهم ابراهيم فلما كان ببعض الطريق القى نفسه وقال انى سقيم يقول اشتكى رجلى فلما مضوا نادى في آخرهم وقد بقي ضعفاء الناس تالله لاكيدن أصنامكم فسمعوها منه ثم رجع ابراهيم الى بيت الالهة وهن في بهو «1» عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم الى جنبه أصغر منه والأصنام بعضها الى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه الى باب البهو وإذا هو قد جعلوا طعاما فوضعوا بين أيدي الالهة قالوا إذا رجعنا وقد بركت الالهة في طعامنا أكلنا فلما نظر إليهم ابراهيم والى ما بين أيديهم من الطعام قال لهم على طريق الاستهزاء الا تأكلون فلما لم يجبه أحد قال مالكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين يعنى مال على الأصنام بضربهم ضربا باليمين لكونها أقوى من اليسار او بسبب اليمين الّذي قال تالله لاكيدن أصنامكم. فَجَعَلَهُمْ يعنى الأصنام جُذاذاً قرأ الجمهور بضم الجيم فعال بمعنى المفعول كالحطام من الجذ بمعنى القطع وقيل جمع لا واحد له من لفظه وقرأ الكسائي بكسر الجيم وهو لغة بمعنى المفعول او جمع جذيذ كخفاف وخفيف يعنى كسر ابراهيم كلهن إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ يعنى الا الصنم الأكبر حيث لم يكسرها وعلق الفأس في عنقه ذكر الله سبحانه ضمير جمع المذكر على زعمهم الهة لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ يعنى الى ابراهيم يرجعون اليه لتفرده واشهاره بعداوة الآلهة فيحاجهم بكونها عجزة عن مقاومة رجل على ابطال الوهيتهم او الى الكبير يرجعون اليه فيسئلونه عن كاسرهن إذ من شان المعبود العلم والاجابة

_ (1) البهو البيت المقدم امام البيوت والواسع من الأرض ومن كل شيء والباهى من البيوت الخالي والمعطل- قاموس

[سورة الأنبياء (21) : آية 59]

فيكبتهم بذلك او الى الله يرجعون عند ثبوت عجز الالهة. قالُوا حين رجعوا من العيد مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا من استفهامية وجاز ان يكون موصولة مع صلتها مبتدأ خبره إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ بجرأته على الالهة او بافراطه على حطمها او على نفسه بتعريضه للاهلاك وهذه جملة مستانفة على تقدير كون ما قبلها استفهامية. قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ بالعيب والسوء صفة لغتى تصححه ان يتعلق به السمع وهو ابلغ في نسبة الذكر اليه كان الذكر صار حقيقة له عليه السّلام وجاز ان يكون ثانى مفعولى سمعنا بتضمنه معنى علمنا بحاسة السمع يُقالُ لَهُ صفة ثانية لفتى إِبْراهِيمُ اى هو ابراهيم ويجوز رفعه بالفعل لان المراد به الاسم فبلغ ذلك الخبر نمرود الجبار واشراف قومه. قالُوا يعنى نمرود واشراف قومه فَأْتُوا بِهِ يعنى ان فعل هو ذلك بآلهتنا فاتوا به عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ حال اى كائنا بمرأ منهم بحيث يتمكن صورته في أعينهم تمكن الراكب على المركب وقيل المراد بأعين الناس رؤسائهم وعلى متعلق بفاتوا على طريقة أتيت على القاضي لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ بفعله وقوله حتى لانعذبه بلا بيّنة كذا قال الحسن وقتادة والسدى وقال محمد بن اسحق اى لكى يشهدوا اى يحضروا عقابه وما يصنع به فلما أتوا به. قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ ابراهيم بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا أسند الفعل الى كبير الأصنام مجازا لما كان غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم إياه تسبب لمباشرته إياه او تقريرا لنفسه مع الاستهزاء والتبكيت على اسلوب تعريضى كما قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته بخط أنيق اأنت كتبت فقلت بل أنت كتبت او حكاية لما يلزم من اعتقادهم وجوازه كان كبيرهم غاظ ان يعبد معه غيره وقال القتيبي انه في المعنى متعلق بقوله فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ جعل النطق شرطا للفعل يعنى ان قدروا على النطق قدروا على الفعل فاراهم عجزهم عن النطق وفي ضمنه انا فعلته ذلك وروى عن الكسائي انه كان يقف عند قوله بل فعله يعنى فعله ابراهيم المذكور في كلام السائل فالفعل مسند الى الضمير وقيل معناه فعله من فعله وفيه حذف الفاعل وهو غير جائز قلت ما روى عن الكسائي يابى عنه كلمة بل فان اضرابه عن اسناد الفعل الى نفسه يشعر نفيه عنه وإلا لزم ما فعلته بل فعلته وايضا يمنع الوقف على قوله بل فعله حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذب ابراهيم الا ثلث كذبات

[سورة الأنبياء (21) : آية 64]

ثنتين في ذات الله قوله انى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقال بينا هو ذات يوم وسارة إذ اتى على جبار من الجبابرة فقيل له ان هاهنا رجلا معه امرأة من احسن الناس فارسل اليه فسأله عنها من هذه قال أختي فاتى سارة فقال لها هذا الجبار ان يعلم انك امرأتى يغلبنى عليك فان سألك فاخبريه انك أختي فانك أختي في الإسلام ليس على وجه الأرض مومن غيرى وغيرك فارسل إليها فاتى بها وقام ابراهيم يصلى فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فاخذ ويروى فغطّ حتى ركض برجله فقال ادعى الله لى ولا اضرك فدعت الله فاطلق ثم تناولها الثانية فاخذ مثلها او أشد فقال ادعى الله لى ولا اضرك فدعت الله فاطلق فدعا بعض حجبته فقال انك لم تأتني بانسان انما أتيتني بشيطان فاخدمها هاجرة فاتته وهو قائم يصلى فاوفى بيده مريم «1» قالت رد الله كيد الكافر في نحره واخدم هاجرة قال ابو هريرة تلك امكم يا بنى ماء السماء متفق عليه وانما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبات مجاز التسمية للمعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته كما قال الله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها الا ترى ان قول ابراهيم فانك أختي في الإسلام صريخ في ان قول ابراهيم كان من المعاريض لابارادة الكذب حاشاه على ذلك وانما أضاف ابراهيم السؤال الى سائرهم مع انه كان عرض بالكبير نفسه لاشتراك سائرهم في الحضور. فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ يعنى رجعوا الى عقولهم وتفكروا وفهموا ان ما يقول ابراهيم من نفى الوهية هؤلاء حق وما نحن عليه باطل فَقالُوا فى أنفسهم او بعضهم لبعض إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (11) بعبادتكم من لا يتكلم ولا يضر ولا ينفع او أنتم الظالمون بسوال هذا الرجل او بقولكم إياه انه لمن الظالمين. ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ يعنى ردوا الى الكفر وانقلبوا الى المجادلة بعد ما استقاموا بالمراجعة الى العقول شبه عودهم الى الباطل بصيرورة أسفل الشيء أعلاه والا على الأسفل لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ فكيف تأمر بسوالهم والتقدير وقالوا والله لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. قالَ ابراهيم لما تم الحجة عليهم أَفَتَعْبُدُونَ عطف على محذوف تقديره أتعترفون بان هؤلاء لا ينطقون ولا تنفعكم شيئا ولا يضرون وانكم أنتم الظالمون في عبادتها أفتعبدون بعد ذلك مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً من النفع ان عبدتموها وَلا يَضُرُّكُمْ ان تركتم عبادتها انكار لعبادتها وتوبيخ بعد ما اعترفوا بانها

_ (1) اى ما أمركم وشانكم وهى كلمة يمانية 12

[سورة الأنبياء (21) : آية 67]

جمادات لا تنفع فلا تضر فانه ينافى الألوهية. أُفٍّ قرأ ابن كثير وابن عامر بفتح الفاء من غير تنوين والباقون بكسر الفاء نافع وحفص منهم بالتنوين والباقون بغير تنوين كما مر في الاسراء مجله الرفع فانه مبتدأ نكرة على طريقه ويل له وما بعده خبره او اسم فعل بمعنى أتضجر لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى غيره تضجر واستعذار لكم على اصرار الباطل مع وضوح بطلانه ولهؤلاء على معبوديتهم مع عدم الاستحقاق وأف صوت المتضجر المستكره وقيل معناه الاحتقار والاستقذار وفي الحديث القى رسول الله طرفه ثوبه على أنفه وقال أف أف مستقذرا لما شمّ الرائحة الكريهة وقيل معناه الاحتقار قال البيضاوي ومعناه قبحا ولتنا واللام لبيان المتافف له أَفَلا تَعْقِلُونَ استفهام توبيخ وعطف على محذوف تقديره انتظرون فلا تعقلون ان هذه الأصنام لا تستحق العبادة ولا تضلح لها وانما يستحقها الله تعالى فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب أخذوا في المضارّة و. قالُوا حَرِّقُوهُ بالنار وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ نصرها شرط مستغن عن الجزاء بما مضى قال هذا رجل من الأكراد قيل اسمه هنون فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة وقيل قاله نمرود فلما اجمع نمرود وقومه على إحراق ابراهيم عليه السّلام حبسوه في بيت وبنوا بنيانا كالحظيرة «1» وقيل بنوا أتونا «2» بقرية يقال لها كوثى ثم جمعوا له أصلاب الحطب من اصناف الخشب مدة حتى كان الرجل يمرض فيقول لئن عافانى الله لا جمع حطبا لابراهيم وكانت المرأة تطلب في بعض ما تطلب لان أصابته لتحطبن في نار ابراهيم وكان الرجل بوصي بشراء الحطب والقائه فيه وكانت المرأة تغزل وتشترى الحطب بغزلها فتلقيه فيه احتسانا قال ابن اسحق كانوا يجمعون الحطب شهرا فلما جمعوا ما أرادوا واشعلوا في كل ناحية من الحطب فاشتعلت النار واشتدت حتى ان كان الطائر لتمربها فتحرق من شدة وهجها فاوقدوا عليها سبعة ايام روى انهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها فجاء إبليس فعلمهم علم المنجنيق فعلموا ثم عمدوا الى ابراهيم فرفعوه الى راس البنيان وقيدوه ثم وضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السموات والأرض ومن فيها من الملئكة وجميع الخلق

_ (1) الحظيرة جرين التمر والمحيط بالشيء خشبا او قصبا 12 (2) الأتون كتنّور وقد يخفف أخدود الخباز والحصاص 12 قاموس.

[سورة الأنبياء (21) : آية 69]

الا الثقلين صيحة واحدة اى ربنا ابراهيم خليلك يلقى في النار وليس في الأرض أحد يعبدك غيره فاذن لها في نصرته فقال الله عزّ وجلّ انه خليلى ليس لى خليل غيره وانا اله ليس له اله غيرى فان استعان بشيء منكم او دعاه فلينصره فقد أذنت له في ذلك وان لم يدع غيرى فانا اعلم به وانا وليه فخلوا بينى وبينه فلما أرادوا القائه في النار أتاه خازن المياه فقال ان أردت أخمدت النار وأتاه خازن الرياح فقال ان شئت طيرت النار في الهواء فقال ابراهيم لا حاجة لى إليكم حسبى الله ونعم الوكيل وروى عن ابى بن كعب ان ابراهيم قال حين او ثقوه ليلقوه في النار لا اله الا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ثم رموا به في المنجنيق إليها واستقبله جبرئيل فقال يا ابراهيم ألك حاجة قال اما إليك فلا قال جبرئيل قال ربك فقال ابراهيم حسبى من سوالى علمه بحالي قال كعب الأحبار جعل كل شيء يطفى عنه النار الا الوزغ فانه كان ينفخ في النار وروى البغوي عن سعيد بن المسيب عن أم شريك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على ابراهيم وأورد الشيخان في الصحيحين والطبراني عن ابن عباس مرفوعا اقتلوا الوزغ ولو في جوف الكعبة وعن سعد بن ابى وقاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بقتل الوزغ وسماه فويسقا رواه مسلم وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل وزغا في أول حربة كتب له مأته حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك رواه مسلم. قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ اى ذات برد وسلام اى ابردى بردا غير ضار قال ابن عباس لو لم يقل سلاما لمات ابراهيم من بردها قال البيضاوي وفيه مبالغات جعل النار المسخرة بقدرته مامورة مطيعة واقامة كونى ذات برد مقام ابردى ثم حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه وقيل نصب سلاما بفعله اى وسلمنا سلاما عليه قال البغوي ومن المعروف في الآثار انه لم يبق يومئذ نار في الأرض الا طفئت فلم ينتفع في ذلك اليوم بنار في العالم ولو لم يقل على ابراهيم بقيت ذات برد ابدا قلت والظاهر ان النار كانت بحالها محرقة لكنه تعالى جعلها غير موذية لابراهيم خاصة كما يدل عليه قوله تعالى على ابراهيم قال السدى أخذت الملئكة بضبعي ابراهيم فاقعدوه على الأرض فاذا عين ماء عذب وورد احمر ذى حسن قال كعب ما أحرقت النار ابراهيم

[سورة الأنبياء (21) : آية 70]

الا وثاقه قالوا وكان ابراهيم في ذلك الموضع سبعة ايام وقال المنهال بن عمر وقال ابراهيم ما كنت أياما قط أنعم منى من الأيام الّتي كنت في النار وقال ابن يسار فبعث الله عزّ وجلّ ملك الظل في صورة ابراهيم فقعد فيها في جنب ابراهيم يونسه وقال وبعث الله عزّ وجلّ جبرئيل بقميص من حرير الجنة وطنفسة فالبسه وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه وقال جبرئيل يا ابراهيم ان ربك يقول اما علمت ان النار لا يضر أحبابي ثم نظر نمرود واشرف على ابراهيم من صرح «1» له فرأه جالسا في روضة والملك قاعد الى جنبه وما حوله نار يحرق الحطب فناداه يا ابراهيم كبير إلهك الّذي بلغت قدرته ان حال بينك وبين ما ارى يا ابراهيم هل تستطيع ان تخرج منها قال نعم قال هل تخشى ان أقمت فيها ان تضرك قال لا قال فقم فاخرج منها فقام ابراهيم يمشى فيها حتى خرج منها فلما خرج اليه قال له يا ابراهيم من الرجل الّذي رأيته معك في مثل صورتك قاعدا الى جنبك قال ذلك ملك الظل أرسله ربى الى ليونسنى فيها فقال نمرود يا ابراهيم انى مقرب الى إلهك قربانا لما رأيت من قدرته وعزته فيما يصنع بك حين أبيت الا عبادته وتوحيده انى ذابح له اربعة آلاف بقرة قال له ابراهيم إذا لا يقبل الله منك ما كنت على دينك حتى تفارقه على دينى فقال لا أستطيع ترك ملكى ولكن سوف اذبحها له فذبحها له نمرود ثم كف عن ابراهيم ومنعه الله عزّ وجلّ منه قال شعيب الجبائي القى ابراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة. وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (ج) قيل معناه انهم خسروا السعر والنفقة ولم يحصل لهم مرادهم وقيل ان الله أرسل على نمرود البعوض فاكلت لحومه وشربت دمائه ودخلت واحدة في دماغه فاهلكته قال محمد بن اسحق استجاب لابراهيم رجال من قومه حين رأوا ما صنع الله به من جعل النار عليه بردا وسلاما مع خوف من نمرود وملأهم وأمن له لوط وكان ابن أخيه وهو لوط بن هاران بن تارخ وكان ابراهيم بن تارخ وكان التارخ ابن ثالث يقال له نأخور وامنت به ايضا سارة وهى بنت عمه وهى سارة بنت هاران الأكبر عم ابراهيم فخرج من كوثى من ارض العراق هاجرا الى ربه ومعه لوط وسارة كما قال الله تعالى

_ (1) الصوح عام من القصر وكل بناء مرتفع- قاموس.

[سورة الأنبياء (21) : آية 71]

فامن له لوط وقال انى مهاجر الى ربى فخرج يلتمس الفرار بدينه والايمان على عبادة ربه حتى نزل حران فمكث بها ما شاء الله ثم خرج منها مهاجرا حتى قدم مصر ثم خرج من مصر الى الشام فنزل السبع من ارض فلسطين وهو بريد الشام ونزل لوط بالمؤتفكة وهو من السبع على مسيرة يوم وليلة او اقرب فبعثه الله نبيا فذلك قوله تعالى. وَنَجَّيْناهُ يعنى ابراهيم وَلُوطاً من نمرود وقومه كانوا بأرض عراق إِلَى الْأَرْضِ متعلق بنجينا بتضمنه معنى سيرناه الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ بالخصب وكثرة الأشجار والأنهار والثمار ومن بركاتها العامة بعث اكثر الأنبياء فيها قال ابى بن كعب سماها مباركة لانه من ماء عذب وينبع أصله من تحت الصخرة الّتي ببيت المقدس روى البغوي عن قتادة ان عمر ابن الخطاب قال لكعب الا تتحول الى المدينة فيها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبره فقال كعب انى وجدت في كتاب الله المنزل يا امير المؤمنين ان الشام كنز الله من ارضه وبها كنزه من عباده وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انها ستكون هجرة بعد هجرة فخيار الناس الى مهاجر ابراهيم وفي رواية فخيار اهل الأرض الزمهم مهاجر ابراهيم ويبقى في الأرض شرارها تلفظهم ارضوهم تقزرهم نفس الله تحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتو وتقيل معهم إذا قالوا رواه ابو داود وعن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى للشام قلنا لاى ذلك قال لان ملئكة الرحمة باسط أجنحتها عليها رواه احمد والترمذي وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيخرج نار من نحو حضر موت او من حضر موت تحشر الناس قلنا يا رسول الله فما تأمرنا قال عليكم بالشام رواه الترمذي وعن ابى جوالة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيصير ان تكونوا جنودا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق فقال ابن جوالة خرلى يا رسول الله ان أدركت ذلك قال عليك بالشام فانها خيرة الله من ارضه تجتبى إليها خيرته من عباده فامّا ان أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غذاكم فان الله توكل لى بالشام واهله رواه احمد وابو داؤد وعن شريح بن عبيد قال ذكر اهل الشام عند على رضى الله عنه وقبل العنهم يا امير المؤمنين قال لا انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الابدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلا فلمات مات رجل أبدل الله مكانه

[سورة الأنبياء (21) : آية 72]

رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن اهل الشام بهم العذاب رواه احمد وعن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رايت عمودا من نور خرج من تحت راسى ساطعا حتى استقر بالشام رواه البيهقي في الدلائل. وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً ط قيل هى مصدر كالعافية من غير لفظ الفعل السابق اى وهبنا له هبة وقال مجاهد وعطاء معنى النافلة العطية فهى حال منهما إذ هما جميعا من عطاء الله وقال الحسن والضحاك معناه فضلا يعنى وهبنا له إياهما تفضلا فهو منصوب على العلية وروى ابن عباس وابى بن كعب وابن زيد وقتادة النافلة هو يعقوب لان الله تعالى أعطاه اسحق بدعائه حيث قال رب هب لى من الصالحين وزاده يعقوب ولد الولد والنافلة الزائدة فهو حال من يعقوب ولا بأس به للقرينة وَكُلًّا اى كل واحد من الاربعة اى ابراهيم ولوطا واسحق ويعقوب جَعَلْنا صالِحِينَ اى صافية قلوبهم عن الاشتغال بغير الله زاكية أنفسهم عن الرذائل بتحلية باوصاف الكمال طاهرة أبدانهم عن التلوث بالمعصية مشغولة بالطاعات فان الصلاح ضد الفساد سواء كان في القلب او القالب او النفس. وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يفتدى بهم في الخير يَهْدُونَ الناس الى ديننا بِأَمْرِنا بذلك حيث أرسلناهم لتكميل الخلائق وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ اى ما هو حسن الذات وبتحسين الشرع وَإِقامَ الصَّلاةِ حذف تاء الاقامة المعوضة من أحد الألفين لقيام المضاف اليه مقامها وَإِيتاءَ الزَّكاةِ ج عطف اقام الصلاة وإيتاء الزكوة على فعل الخيرات عطف الخاص على العام لزياوة الاهتمام واصل الكلام أوحينا إليهم ان يفعلوا الخيرات ويقيموا الصلاة اقامة ويوتوا الزكوة إيتاء بذكر المصادر المؤكدة ثم حذف الافعال وأضيف المصادر الى المفاعيل وَكانُوا لَنا عابِدِينَ موحدين مخلصين في العبادة. وَلُوطاً منصوب بفعل مضمر يفسره آتَيْناهُ وقيل هو منصوب با ذكر وجملة اتيناه بدل اشتمال يعنى اذكر ايتائنا إياه حُكْماً حكمة او نبوة او فصلا بين الخصوم وَعِلْماً بالله وما ينبغى للانبياء وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ قرية سدوم الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ اى كان أهلها يأتون الذكران في ادبارهم ويرمون بالبنادق ويلعبون بالطيور وغير ذلك وصفها بصفة أهلها وأسند إليها على حذف المضاف وإقامتها مقامها

[سورة الأنبياء (21) : آية 75]

يدل عليه قوله إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ خارجين عن طاعة الله هذه الجملة في مقام التعليل لقوله كانت تعمل الخبائث. وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا اى في اهل رحمتنا او في جنتنا قلت ويمكن ان يقال ان صفات الله تعالى يرى في عالم المثال بنظر الكشف على هيئته الدائرة والصوفي يرى داخلا فيها فانيا حقيقته باقيا بها فهذه الظرفية كناية عنه إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ الذين سبقت لهم منا الحسنى. وَنُوحاً عطف على لوطا يعنى ايتنا لوطا ونوحا حكما وعلما وعلى هذا إِذْ نادى منصوب باذكر اى اذكر وقت ندائه وهى جملة معترضة او التقدير اذكر لوطا ونوحا وعلى هذا الظرف بدل اشتمال منه يعنى اذكر وقت نداء نوح اى دعائه على قومه بالهلاك مِنْ قَبْلُ ظرف لنادى اى نادى قبل المذكورين فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعائه فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ الذين كانوا في السفينة مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (ج) اى الغم الشديد قال ابن عباس من الغرق وتكذيب قومه وكان نوح أطول الأنبياء عمر او أشدهم بلاء روى الضحاك عن ابن عباس ان قوم نوح كانوا يضربون نوحا حتى يسقط فيلقونه في لبد ويلقونه في بيت يزعمون انه قد مات فيخرج في اليوم الثاني فيدعوهم الى الله سبحانه وحكى محمد بن اسحق عن عبيد بن عمير الليثي انه بلغه انهم كانوا يبطشون نوحا فيختفونه حتى يغشى عليه فاذا أفاق قال رب اغفر لقومى فانهم لا يعلمون. وَنَصَرْناهُ فانتصر ونجى مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على رسالته إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ قال البيضاوي لاجتماع الامرين تكذيب الحق والانهماك في الشر ولعلهما لم يجتمعا في قوم الا واهلكهم. وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ هذا نحو قوله وَنُوحاً إِذْ نادى في التركيب فِي الْحَرْثِ قال ابن مسعود وابن عباس واكثر المفسرين كان الحرث كرما قد بدت عناقيدها وقال قتادة زرعا إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ظرف ليحكمان اى دعته ليلا بلا راع كذا في القاموس وفي النهاية نغشت السائمة إذا رعت ليلا بلا راع وهلمت ارعت إذا رعت نهارا إذ اصل معناه الانتشار قال الله تعالى كالعهن المنفوش وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ يعنى الحاكمين داود وسليمان والمتحاكمين وقال الفراء أراد بالجمع اثنين سليمان وداؤد إذ قد يطلق الجمع على الاثنين كما في قوله تعالى فان كان له اخوة فلامه السدس والمراد

[سورة الأنبياء (21) : آية 79]

الأخوين بالإجماع شاهِدِينَ (لاق) عالمين. فَفَهَّمْناها الضمير للحكومة او الفتوى سُلَيْمانَ اى ألهمنا ما كان مرضيا لنافى الحكومة حذف هاهنا جهلا وهو فحكم سليمان كما فهمنا ونقض داود حكم نفسه وامضى حكمه روى البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خفف على داود القرآن وكان يأمر بدوا به فيسرج فيقرأ القرآن قبل ان يسرج روابه ولا يأكل الا من عمل يديه قلت المراد بالقرآن الزبور قال البغوي قاله ابن عباس وقتادة ومن هاهنا يظهر ان الحاكم إذا كان مجتهد او تبدل رأيه قبل إمضاء حكمه جاز له نقض حكمه كما فعل داؤد قال البغوي قال ابن عباس وقتادة والزهري ان رجلين دخلا على داؤد عليه السلام أحدهما صاحب الزرع والآخر صاحب غنم فقال صاحب الزرع ان هذا انفلتت غنم ليلا فوقعت في حولى فافسدته فلم تبق منه شيئا فاعطاه داؤد رقاب الغنم بالحرث فخرجا فمرا على سليمان فقال كيف قضى بينكما فاخبراه فقال سليمان لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا وروى انه قال غير هذا ارفق بالفريقين فأخبر بذلك داؤد فدعاه فقال تقضى ويروى انه قال بحق النبوة والابوة الا أخبرتني بالذي هو ارفق بالفريقين ما هى قال ادفع الغنم الى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه فاذا صار الحرث كهيئة يوم أكل دفع الى اهله حرثه والى صاحب الغنم غنمه فقال داؤد القضاء ما قضيت وحكم بذلك وقيل ان سليمان يوم حكم كان ابن أحد عشر سنة واخرج ابن ابى شيبة في المصنف وابن المنذر وابن مردوية عن ابن عباس نحو ما ذكر البغوي في القصّة قال البيضاوي والاول يعنى فتوى داؤد نظير قول ابى حنيفة في العبد الجاني والثاني مثل قول الشافعي بعزم الحيلولة للعبد المغضوب إذ ابق قلت غير ان أبا حنيفة يقول في العبد الجاني ان مالكه بالخيار ان شاء دفع العبد وان شاء فدى للجناية قال الجصاص انما ضموها لانهم أرسلوها وقيل هذا الحكم نسخ في الإسلام والحكم في الإسلام عند مالك والشافعي واحمد ان أتلفته المواشي المنفلتة ليلا فعلى صاحب الماشية ضمانه يعنى قيمة ما أتلفته قلت لعل قيمة الزرع الّتي أفسدتها الغنم في عهد داود بلغت قيمة الزرع حتى امر داود بدفعها والله اعلم واما ما أفسدته الماشية المنفلتة بالنهار فلا ضمان على ربها لان في عرف الناس

ان اصحاب الزرع يحفظونها بالنهار والمواشي تسرح في النهار وترد بالليل الى المراح وعند ابى حنيفة لا ضمان فيما أتلفته المواشي المنفلتة ليلا كان او نهار القوله صلى الله عليه وسلم العجماء جرحها جبار رواه الشيخان في الصحيحين واحمد واصحاب السنن من حديث ابى هريرة قال صاحب الهداية قال محمد المراد بالعجماء هى المنفلتة واحتج الائمة الثلاثة بحديث حرام بن سعد بن محيصة ان ناقة للبراء بن عازب وخلت حائطا فافسدته فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان على اهل الحوائط حفظها بالنهار وان ما أفسدته المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها رواه مالك في الموطإ والشافعي عنه واصحاب السنن الاربعة والدار قطنى وابن حبان والحاكم والبيهقي قال الشافعي أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله قال الحافظ بن حجر مداره على الزهري واختلف عليه فقيل هكذا وهذه رواية المؤطا وكذلك رواه الليث عن الزهري عن ابى محيصة ولم يسم ان ناقة ورواه معن بن عيسى عن مالك فزاد فيه عن جده محيصة ورواه معمول عن الزهري عن حرام عن أبيه ولم يتابع عليه أخرجه ابو داؤد وابن حبان ورواه الأوزاعي واسمعيل بن امية وعبد الله بن عيسى كلهم عن الزهري عن حرام عن البراء- قلت كذا ذكر ابن الجوزي في تحقيق التعليق من طريق احمد قال الحافظ لم يسمع حرام من البراء قاله عبد الحق تبعا لابن حزم ورواه النسائي من طريق محمد بن ابى حفصة عن الزهري اخبر في ابو اسامة بن سهل ان ناقة البراء ورواه ابن ابى ذئب عن الزهري انه قال بلغني ان ناقة البراء الحديث فالائمة الثلاثة خصصوا حديث العجماء جبار بحديث ناقة البراء وقالوا كونه جبارا مختص بالنهار قلنا العام مثل الخاص في كونه قطعيا فلا يحكم بالتخصيص ما لم يظهر اقترانهما ولا بالنسخ مالم يظهر تأخر أحدهما عن الآخر فبقى التعارض فلا يلزم الضمان بالشك وايضا عند تعارض الحديثين يجب المصير الى القياس والقياس يقتضى عدم الضمان لان فعلها غير مضاف الى صاحبها لعدم ما يوجب النسبة اليه من الإرسال والسوق والقود ونحو ذلك ومن أجل ذلك قلنا فيمن أرسل الدابة في طريق المسلمين فاصابت في فورها انه يضمن لان سيرها مضاف ماوام تسير على سننها واما ان انعطفت، او يسرة او وقفت ثم سارت انقطع حكم الإرسال-

(مسئله) وان كان مع الدابة صاحبها راكبا او قائدا او سائقا فوطيت الدابة او أصابت بيدها او رجلها او رأسها او كدمت او خبطت او صدمت واقفة او سائرة والموضع مملوك له رقبة او تصرفا بالاجارة او الاعارة فلا ضمان على صاحبها الا إذا كان راكبا عليها ووطئت الدابة لان صاحبها حينئذ مباشر للاتلاف لان ثقله وثقل الدابة اتصل بالمتلف فكانما وطياه جميعا وفي غير هذه الصورة لم يوجد المباشرة بل التسبيب والمسبب انما يضمن إذا كان متعديا وهو غير متعد في التيسير ولا في الايقاف وان كان الموضع غير مملوك له لكنه ماذون فيه كالطريق للسير دون الايقاف والصحراء وسوق الدواب للسير والايقاف جميعا فحينئذ يضمن الراكب والسائق والقائد فيما ذكرنا من الوجوه لكن لا يضمن بما نفحت برجلها او ذنبها لان المرور؟؟؟ في طريق المسلمين مباح معتد بشرط السلامة لانه يتصرف في حقه من وجه وفي حق غيره من وجه لكونه مشتركا في العامة فقلنا بالاباحة مقيدا بما ذكرنا ليعتدل النظر من الجانبين ثم انما يتقيد بشرط السلامة عما يمكن الاحتراز عنه ولا يتقيد بها فيما لا يمكن الاحتراز عنه لما فيه من المنع من التصرف والاحتراز عن الايطاء ونحوه ممكن فانه ليس من ضرورات التسيير وعن النفحة بالرجل والذنب ليس بممكن مع السير على الدابة فلا يتقيد بالسلامة عنه فان أوقف في الطريق ضمن النفحة ايضا وقال مالك لا ضمان في شيء من ذلك إذا لم يكن من جهة راكبها او قائدها او سائقها سبب من همز او ضرب لقوله صلى الله عليه وسلم العجماء جبار وقال الشافعي ليضمن ما جنت البهيمة بضمها او يدها او رجلها او ذنبها سواء كانت من راكبها او سائقها سبب ذلك اولا وقال احمد ما جنته بغمها او يدها وصاحبها عليها يجب عليها الضمان وما تلفته برجلها فلا ضمان عليه لقوله صلى الله عليه وسلم الرجل جبار رواه الدار قطنى عن سعيد بن المسيب مرسلا والله اعلم- (فائدة) قال مجاهد كان قول سليمان صلحا وما فعله داود حكما والصلح خير وقيل ان داود وسليمان حكما بالوحى وكان حكم سليمان ناسخا لحكم داود وهذا قول من قال لا يجوز للانبياء الحكم بالاجتهاد لانهم مستغنون عن الاجتهاد بالوحى وقال لا يجوز الخطا عن الأنبياء والا ظهر ان حكمهما كليهما كان بالاجتهاد الا ان داود أخطأ وأصاب

سليمان فاثنى الله عليه وجاز الخطا في اجتهاد الأنبياء الا انهم لا يقرون عليه قال الحسن لولا قوله تعالى وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً زلرأيت الحكام قد هلكوا ولكن الله تعالى حمد هذا بالاجتهاد واحتج من قال كل مجتهد مصيب بظاهر هذه الاية حيث قال كلا اتينا حكما وعلما ولا دليل لهم فيه بل قوله تعالى ففهمناها سليمان دليل على ان الصواب ما فهم سليمان دون داود عليهما السلام واما حديث عمرو بن العاص انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حكم الحاكم فاجتهد فاصاب فله أجران وإذا حكم فاخطأ فله اجر واحد رواه الشيخان في الصحيحين واحمد واصحاب السنن الاربعة عن ابى هريرة والمذكور من غير الترمذي عن عمرو بن العاص فهو حجة لنا لا علينا إذ هو صريح في ان المجتهد يخطى ويصيب وكونه ماجورا حين اخطأ لا يدل على كونه مصيبا لكون الخطاء والصواب متضاد ان وليس المراد انه يوجر على الخطاء بل يوجر على اجتهاده في طلب الحق لان اجتهاده عبادة والخطا عنه موضوع إذ لم ينل جهره وعند الاصابة له أجران اجر الاجتهاد واجر النيل الى الصواب والله اعلم (حديث) روى الشيخان في الصحيحين عن ابى هريرة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت صاحبتها انما ذهب بابنك وقالت الأخرى انما ذهب بابنك فتحاكما الى داود عليه السلام وقضى به الكبرى فخرجتا على سليمان فاخبرتاه فقال ايتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى- وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ- معه لامره إذ وجد فترة عنه لينشط له مع متعلق بسخرنا او ليسبحن والاول أقوى لفظا والثاني معنا وجملة يسبحن حال من الجبال واستيناف لبيان وجه التسخير وَالطَّيْرَ عطف على الجبال او مفعول معه قدمت الجبال على الطير لان تسخيرها وتسبيحها اعجب قال وهب كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير وقال قتادة تسبحن اى تصلين معه إذا صلى وقال ابن عباس كان يفهم تسبيح الحجر والشجر وقيل كان داود إذ افتر يسمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق اليه وقال بعض الناس يسبحن من السباحة اى كانت الجبال تسير معه إذا سار وَكُنَّا فاعِلِينَ ما ذكرنا من التفهيم

[سورة الأنبياء (21) : آية 80]

وإيتاء الحكم والتسخير. وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ وهو في اللغة اسم لكل ما يلبس ويستعمل في الاسلحة كلها والمراد هاهنا الدروع من الحديد قال قتادة أول من صنع الدرع وسردها وحلقها داود عليه السّلام وكانت من قبل صفاع وقد مر في الحديث الصحيح ان داود عليه السلام كان لا يأكل الا من عمل يديه لَكُمْ يا معشر قريش في جملة الناس لِتُحْصِنَكُمْ قرأ ابو جعفر وابن عامر وحفص ويعقوب بالتاء الفوقانية والضمير للصنعة او للبوس على تاويل الدروع وقرأ أبو بكر بالنون على التكلم والتعظيم والباقون بالياء التحتانية والضمير لداود او لله تعالى على سبيل الالتفات من التكلم الى الغيبة اى ليحرزكم مِنْ بَأْسِكُمْ ج اى حرب عدوكم قال السدى يعنى من وقع السلام فيكم لكم صنعة للبوس او متعلق بعلمناه وقوله لتحصنكم بدل اشتمال منه باعادة الجار فَهَلْ أَنْتُمْ يا اهل مكة وجميع الناس شاكِرُونَ لنا على ما يسرنا لكم ما يحصنكم امر بالشكر أخرجه بلفظ الاستفهام مبالغة وتفريعا. وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عطف لسليمان على مع داود والريح على الجبال بعاطف واحد لكونهما مفعولى عامل واحد قال البيضاوي ولعل اللام فيه دون الاول لان الخارق فيه عائد الى سليمان نافع له وفي الاوّل امر يظهر في الجبال والطير مع داود بالاضافة اليه قال بعض المحققين لما كان تسبيح الجبال والطير مع داود بغير امره أورد هناك كلمة مع وجريان الريح كان بامر سليمان أورد هلاك اللام عاصِفَةً حال من الريح يعنى شديدة الهبوب من حيث أنها تذهب بعسكره مسافة بعيدة في مدة يسيرة كما قال الله تعالى غدوها شهر ورواحها شهر وكانت رخاء في نفسها طيبة وقيل كانت رخاء تارة وعاصفة اخرى حسب إرادته تَجْرِي بِأَمْرِهِ حال ثانية او بدل من الاولى او حال من ضميرها إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها قيل الى هاهنا بمعنى من فان منزل سليمان كان بالشام موطن الأنبياء وقيل هى بمعناها والمعنى يروح به الى منزله بعد ما سارمنه بكرة وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ فى الأزل فنفعل ما نفعل على ما يقتضيه الحكمة فكان ما أعطينا سليمان من تسخير الريح وغيره يدعوه الى الخضوع لربه قال وهب بن منبه كان سليمان عليه السلام إذا خرج الى مجلس عكفت عليه الطير فقام له الجن حتى يجلس على سريره وكان امرأ غزاء قلّ ما يقعد عن

الغزو لا يسمع في ناحية من الأرض بملك الا أتاه يذله وكان فيما يزعمون إذا أراد الغزو امر بعسكره فضرب بخشب ثم نصب له على الخشب ثم حمل عليه الناس والدواب وفمعز الدولة الحرب فاذا حمل معه ما يريد امر العاصف من الريح فدخلت تحت ذلك الخشبة فاحتملت حتى إذا استعلت به امر الرخاء يمر به شهرا في روحته وشهرا في غدوته الى حيث أراد وكانت تمر بعسكره الريح الرخاء بالمزرعة فلا تحركه ولا تثير ترابا ولا توذى طائرا قال وهب ذكر لى ان منزلا بناحية دجلة مكتوب فيه كتبته بعض صحابة سليمان اما من الجن واما من الانس نحن نزلناه وما بنيناه ومبنيا وجدناه غدونا من إصطخر فقلناه ونحن رائحون منه إنشاء الله فبايتون بالشام وقال مقاتل نسجت الشياطين لسليمان بساطا فرسخا في فرسخ ذهبا في إبريسم وكان يوضع له منبر من ذهب في وسط البساط فيقعد عليه وحوله ثلثة آلاف كرسى من ذهب وفضة يقعد الأنبياء على كراسى الذهب والعلماء على كراسى الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها حتى لا يقع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح الى الرواح ومن الرواح الى الصباح وعن سعيد بن جبير كان يوضع لسليمان ستمائة الف كرسى يجلس الانس فيما يليه ثم يليهم الجن ثم يظلهم الطير ثم تحملهم الريح قال الحسن لما شغلت الخيل نبى الله سليمان عليه السّلام حين فاتته صلوة العصر غضب لله فعقر الخيل فابدله الله مكانها خيرا منها والسرع الريح تجرى بامره كيف يشاء فكان يغدو من ايليا فيقيل بإصطخر ثم يروح منها فيكون رواحها ببابل وقال ابن زيد كان له مركب من خشب وكان فيه الف ركن في كل ركن الف بيت يركب معه فيه الانس والجن تحت كل ركن الف شيطان يرفعون ذلك المركب وإذا ارتفع أتت الريح الرخاء فسارت به وبهم يقيل عند قوم بينه وبينهم شهر ويمسى عند قوم بينه وبينهم شهر ولا يدرى القوم الا وقد أظلهم معه الجيوش وروى ان سليمان عليه السّلام سار من اهل العراق غاديا فقال بمرد وصلى العصر بمدينة بلخ تحمله وجنوره الريح ويظلهم الطير ثم سار من مدينة بلخ متخللا بلاد الترك ثم جاء

[سورة الأنبياء (21) : آية 82]

الى ارض الصين يغدو على مسيرة شهر ويروح على مثل ذلك ثم عطف جيشه على مطلع الشمس على ساحل البحر حتى اتى ارض قندهار او خرج منها الى مكران وكرمان ثم جاوزها حتى اتى ارض فارس فنزلها أياما وغدا منها فقال بكسكر ثم راح الى الشام وكان مستقره بمدينة تدمر وكان امر الشياطين قبل شخوصه من الشام الى العراق فبنوا لها بالصفاح «1» والعمد والرخام الأبيض والأصفر وفي ذلك يقول النابغة الا سليمان إذ قال المليك له ... قم في البريّة فاجددها عن العند «2» وحيش «3» الجن انى قد أذنت لهم ... ينبون تدمر بالصفاح والعمد. وَمِنَ الشَّياطِينِ اى سخرنا الشياطين مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ فى البحار ويخرجون الجواهر من نكرة موصوفة او موصولة معطوف على الريح ومن الشياطين حال منه مقدم عليه يعنى وسخرنا نفوسا يغوصون له كائنين من الشياطين او مبتدأ والظرف خبره وَيَعْمَلُونَ عطف على يغوصون عَمَلًا دُونَ ذلِكَ ج اى دون الغوص ما شاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وبناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (لا) حتى لا يخرجوا من امره قال الزجاج يعنى حفظناهم من ان يفسدوا ما عملوا قال البغوي في القصة ان سليمان عليه السّلام كان إذ بعث شيطانا مع انسان ليعمل له عملا قال له إذا فرغ من عمله اشغله بعمل اخر لئلا يفسد ما عمل وكان من عادة الشياطين انهم إذا فرغوا من عمل ولم يشتغلوا بعمل اخر خربوا ما عملوا وأفسدوه. وَأَيُّوبَ إِذْ نادى اى دعا رَبَّهُ على طريقه ونوحا إذ نجيناه في وجوه الاعراب قال وهب بن منبه كان أيوب عليه السّلام رجلا من الروم وهو أيوب بن احرص بن رازخ بن روم بن عيص بن اسحق بن ابراهيم عليهما السّلام وكانت امه من ولد لوط بن هاران وكان الله قد اصطفاه ونبّاه وبسط عليه

_ (1) الصفاح حجارة عراض رقاق 12 قاموس. (2) العند الناحية والجانب 12 قاموس. [.....] (3) حاش يحيش فزع وأفزع 12 قاموس.

الدنيا وكانت له الثنية من ارض الشام كلها سهلها وجبلها وكان له فيها من اصناف المال كله من الإبل والبقر والغنم والخيل والحمر مالا يكون لرجل أفضل منه في العدة والكثرة وكان له خمسمائة «1» فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ومال ويحمل فمعز الدولة كل فدان أتان ولد كل أتان اثنين وثلثة واربعة وخمسة وفوق ذلك وكان الله عزّ وجلّ أعطاه أهلا وولدا من رجال ونساء وكان برا تقيا رحيما بالمساكين يطعم المساكين ويكفل الأرامل والأيتام ويكرم الضيف ويبلغ أبناء السبيل وكان شاكر الا نعم الله موديا لحق الله قد امتنع من عدو الله إبليس ان يصيب منه ما يصيب من اهل الغنى والعزة والغفلة والشاغل عن امر الله بما فيه من الدنيا وكان معه ثلثة نفر قد أمنوا به وصدقوه رجل من اهل اليمن يقال له اليقن ورجلان من اهل بلده يقال لاحدهما يلد وللاخر صافر وكانوا كهولا فكان إبليس لا يحجب عن شيء من السموات وكان يقف فيهن حيث ما أراد حتى رفع الله عيسى عليه السّلام فحجب عن اربع فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم حجب من الثلث الباقيات فسمع إبليس تجاوب الملئكة بالصلوة على أيوب وذلك حين ذكر الله واثنى عليه فادركه البغي والحسد وصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه فقال الهى نظرت من امر عبدك أيوب فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك ولو ابتلته بنزع ما أعطيته لحال عما هو عليه من شكرك وعبادتك ولخرج من طاعتك قال الله انطلق فقد سلّطتك على ماله فانقضى عدو الله إبليس حتى وقع الى الأرض ثم جمع عفاريت الجن ومردة الشياطين وقال لهم فماذا عندكم من القوة فانى قد سلطت على مال أيوب وهى المصيبة القادحة الّتي لا يصبر عليها الرجال فقال عفريت من الشياطين أعطيت من القوة ماذا شئت تحولت اعصارا من النار واحترقت كل شيء اتى عليها

_ (1) فدان كسحاب او كشدّاد الثور او الثور ان يقرن للحرث بينهما ولا يقال للواحد فدان او هو فمعز الدولة الثوريين 12.

قال له إبليس فات الإبل حين وضعت» وثبتت في مراعيها فلم يشعر الناس حتى ثار «2» من تحت الأرض اعصارا «3» من نار لا يدنوا من شيء الا قد احترقت فاحرقها ورعاها حتى اتى على آخرها ثم جاء عدو الله إبليس في صورة قيم عليها على قعود الى أيوب فوجده قائما يصلى فقال يا أيوب أقبلت نار حتى غشيت إبلك فاحترقتها ومن فيها غيرك فقال أيوب الحمد لله الّذي هو أعطاها وهو أخذها وقد عاما وطنت مالى نفسى على الغنى قال إبليس فان ربك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت فنزلت الناس مبهوتين يتعجبون منها منهم من يقول ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان الا في غرور ومنهم من يقول لو كان اله أيوب يقدر على ان لا يضيع شيئا وليه ومنهم من يقول بل هو الّذي فعل ليشمت به عدوه ويفجع صديقه قال أيوب الحمد لله حين أتاني وحين نزع منى عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود في التراب وعريانا احشر الى الله عزّ وجلّ ليس لك ان تفرح حين أعارك وتجزع حين قبض عاريته الله اولى بك وبما اعطاك ولو علم الله فيك ايها العبد خير النقل روحك مع تلك الأرواح وصرت شهيدا ولكنه علم منك شرا فاخرجك فرجع إبليس الى أصحابه خاسيأ ذليلا فقال لهم ماذا عندكم من القوة فانى لم أكلم قلبه قال عفريت عندى من القوة ما إذا شئت صحت صيحة لا يسمعه ذو روح إلا خرجت مهجة «4» نفسه قال إبليس فات الغنم ورعاها فانطلق حتى توسطها صاح صيحة فحتمت أمواتا من عند آخرها وما رعاها ثم جاء متمثلا بقهرمان الرعاة الى أيوب وهو يصلى فقال له مثل القول الاول فرد أيوب عليه مثل الرد الاول ثم رجع إبليس الى أصحابه فقال ما عندكم من القوة فانى لم أكلم قلب أيوب فقال عفريت عندى من القوة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفا ينشف كل شرياتى عليه قال فآت القدّادين

_ (1) وضعت الإبل ألزمتها المرعى فهى موضوعة 12 قاموس. (2) الثور الهجان والوثب والسطوح 12 قاموس. (3) الاعصار الريح تثير السحاب او الّتي فيها نار أو التي يهب من الأرض بنحو السماء 12 قاموس. (4) اى الدم او دم القلب او الروح 12.

والحرث فانطلق فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شيء من ذلك حتى كانه لم يكن ثم جاء إبليس متمثلا بقهرمان الحرث الى أيوب وهو قائم يصلى فقال له مثل القول الاول فرد عليه مثل رد الاول كلما انتهى اليه هلاك مال من أمواله حمد الله واحسن الثناء عليه ورضى منه بالقضاء ووطن نفسه بالصبر على البلاء حتى لم يبق له مال فلما إبليس انه قد أفنى ماله صعد فقال الهى ان أيوب يرى منك انك ما منحته بولده فانت معطيه المال فهل أنت تسلطنى على ولده فانها المصيبة الّتي لا يقوم لها قلوب الرجال قال الله تعالى وقد سلطتك على ولده فانقضى عدو الله حتى جاء بنى أيوب وهم في قصرهم فلم يزل يزلزل بهم من قواعدها ثم جعل يناطح «1» جدره بعضها ببعض ويرميهم بالخشب والجندل «2» حتى إذا مثل بهم كل مثلة رفع القصر فقلبه فصاروا منكوسين وانطلق الى أيوب متمثلا بالمعلم الّذي كان يعلمهم الحكمة وهو جريح مشدوخ الوجه يسيل دمه ودماغه فاخبره وقال لو رأيت بنيك كيف عذبوا وقلبوا فكانوا منكسين على رؤسهم يسيل دمائهم ودماغهم ولو رأيت كيف سقطت بطونهم فتناثرت امعاؤهم تقطع قلبك فلم يزل يقول هذا ونحوه حتى رقّ أيوب فبكى وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه وقال ليت أمي لم تلدنى فاغتنم إبليس ذلك فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به ثم لم يلبث أيوب ان فاء وابصر واستغفر وصعد قرناؤه من الملئكة بتوبته فسبقت توبته الى الله عزّ وجلّ وهو اعلم فوقف إبليس ذليلا فقال يا الهى انما هوّن على أيوب المال والولد انه يرى منك ما متعته بنفسه فانت تعيد المال والولد فهل أنت تسلّطنى على جسده فقال الله تعالى انطلق فقد سلطتك على جسده ولكن ليس سلطان على لسانه ولا على قلبه وكان الله عزّ وجلّ اعلم به لم يسلط عليه الا رحمة ليعظم له الثواب

_ (1) نطحه أصابه لقرنه 12 قاموس. (2) الجندل كجعفر ما يقله الرجل من الجمارة 12 قاموس.

وجعله عبرة للصابرين وذكرى للعابدين في كل بلاء نزل بهم ليانسوا به في الصبر ورجاء الثواب فانقضى عدو الله سريعا فوجد أيوب ساجدا فعجل قبل ان يرفع رأسه فاتاه من قبل وجهه فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جميع جسده فخرج من قرنه الى قدمه ثاليل «1» مثل أكباد الغنم وقعت فيه حكة محك باظفار حتى سقطت كلها ثم حك بالمسوح «2» الخشنة حتى قطعها ثم حكها بالفخار والحجارة الخشنة ثم لا يزال يحكها حتى نغل لحمه وتقطع وتغير وأنتن فاخرجه اهل القرية فجعلوه على كناسة وجعلوا له عريشا فرفضه خلق الله كلهم غير امرأته رحمة بنت إفرائيم بن يوسف بن يعقوب وقيل هى بنت يوسف كما ذكرنا في سورة يوسف كانت تختلف اليه بما يصلحه وتلزمه فلما راى الثلاثة أصحابه وهم أيقن ويلدد وصافر ما ابتلاه الله به اتهموه ورفضوه من غير ان يتركوا دينه فلما طال به البلاء انطلقوا اليه فبكتوه «3» ولاموه وقالوا له تب الى الله من الذنب الّذي عوقبت به وقال الراوي حضر معهم فتى حديث السن قد أمن به وصدقه لهم انكم يكلمهم ايها الكهول وكنتم أحق بالكلام لاسنانكم ولكن قد تركتم من القول احسن من الّذي قلتم ومن الرأي أصوب من الّذي رأيتم ومن الأمر أجمل من الّذي أتيتم وقد كان لايوب عليكم من الحق والزمام «4» من الّذي وصفتم فهل تدرون ايها الكهول حق من انتقصتم وحرمة من انتهكتم ومن الرجل الّذي عتبسه واتهمتم الم تعلموا ان أيوب نبى الله وخيرته وصفوته من اهل الأرض يومكم هذا ثم لم تعلموا ولم يطلعكم الله على انه سخط شيئا من امره منذ أتاه ما أتاه الى يومكم هذا ولا على انه نزع شيئا من الكرامة الّتي أكرمه بها ولا ان أيوب قال على الله غير الحق في طول ما صحبتموه الى يومكم هذا فان كان هو الّذي ازرى «5» به عندكم ووضعه في أنفسكم فقد علمتم ان الله تعالى يبتلى النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وليس بلاؤه لاولئك بدليل على سخطه عليهم ولا لهو انه لهم

_ (1) الثآليل 12. (2) المسوح جمع مسح هو البلاس 12. (3) بكته مثقلة بما يكره 12 قاموس. (4) الزمام الزمة الحق 12 قاموس. (5) ازرى به اى ادخل به عيبا 12.

ولكنها كرامة وخيرة لهم ولو كان أيوب ليس من الله بهذه المنزلة الا انه أخ آخيتموه على وجه الصحبة لكان لا يحل بالحليم ان يعتزل أخاه عند البلاء ولا يعيّره بالمصيبة ولا يعيبد بما لا يعلم وهو مكروب حزين ولكنه يرحمه ويبكى معه ويستعفر له يحزن بحزنه ويدله على مراشد امره وليس بحكيم ورشيد من جهل هذا فالله ايها الكهول وقد كان في عظمة الله وجلاله وذكر الموت ما يقطع السنتكم ويكسر قلوبكم الم تعلموا ان لله عبادا أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم وانهم لهم الفصحاء البلغاء النبلاء «1» الألباء العالمون بالله ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم واقشعرت جلودهم وانكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم إعظاما لله وإجلالا فاذا استقاموا من ذلك استبقوا الى الله بالأعمال الزاكية يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين وانهم الأبرار البراء ومع المقصرين المفرطين وانهم لاكياس أقوياء- فقال أيوب الله سبحانه يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير والكبير فمتى تنبت بالقلب يظهرها الله على اللسان وليست تكون الحكمة من قبل السن والشيبة ولا طول التجربة وإذا جعل الله العبد حكيما في الصبا لم يسقط منزلته عند الحكماء وهم يرون من الله نور الكرامة ثم اعرض عنهم أيوب واقبل على ربه مستغيثا به متضرعا اليه فقال ربّ لأىّ شيء خلقتنى ليتنى كرهتنى لم تخلقنى يا ليتنى قد عرفت الذنب الّذي إذ نبت والعمل الّذي عملت فصرفت وجهك الكريم عنى لو كنت إذا أذنبت ذنبا أمتني فالحقتنى بآبائى فالموت كان أجمل بي الم أكن للغريب دارا وللمسكين قرار او لليتيم وليا وللارملة قيما الهى انا عبدك ان أحسنت فالمن لك وان اسأت فبيدك عقوبتى جعلتنى للبلاء عرضا وللفتنة نصبا وقد وقع على بلاء لو سلطته على جبل ضعف عن حمله فكيف يحمل ضعفى وان قضائك هو الّذي أذلني وان سلطانك هو الّذي أسقمني وأنحل جسمى ولو ان

_ (1) النبلاء اى الأذكياء والنجباء 12. [.....]

ربى نزع الهيبة في صدرى واطلق لسانى حتى أتكلم بملا فمى ثم كان ينبغى للعبد ان يحاج على نفسه لرجوت ان يعافينى عند ذلك مما بي ولكنه اتعانى وتعالى عنى فهو يرانى ولا أراه ويسمعنى ولا أسمعه لا نظر الىّ ورحمنى ولادنى منى ولا أدناني فادلى «1» بعذري وأتكلم ببرأتى وأخاصم عن نفسى فلما قال ذلك أيوب وأصحابه عنده اظله غمام حتى ظن أصحابه انه عذاب ثم نودى يا أيوب ان الله يقول ها انا قد دنوت منك ولم ازل منك قريبا قم فادل «2» بعذرك وتكلم ببرأتك وخاصم عن نفسك واشدد إزارك وقم مقام جبار يخاصم جبارا ان استطعت فانه لا ينبغى ان يخاصمنى الإجبار مثلى لقذمنتك نفسك يا أيوب امرا تبلغ بمثل قوتك اين أنت منى يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها هل كنت معى تمد بأطرافها هل علمت باى مقدار قدّرتها أم على اى شيء وضعت أكنافها أبطاعتك حمل الماء الأرض أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاء اين كنت منى يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا تعلق بسبب من فوقها ولا يقلها دعم «3» من تحتها هل تبلغ من حكمتك ان تجرى نورها او تسير نجومها او تختلف بامرك ليلها ونهارها اين أنت متى يوم نبعت الأنهار وسكرت «4» البحارا سلطانك حبس امواج البحر على حدودها أم قدرتك فتحت الأرحام حين بلغت مدتها اين أنت منى يوم حبست الماء على التراب ونصبت شوامخ الجبال هل تدرى على اى شيء أرسيتها أم باى مثقال وزنتها أم هل لك من ذراع يطيق حملها أم هل تدرى من اين الماء الّذي أنزلت من السماء أم هل تدرى من اى شيء الشيء السحاب أم هل تدرى اين خزانة الثلج أم اين جبال البرد أم اين خزانة الليل بالنهار وخزانة النهار بالليل واين خزانة الريح وباى لغة تتكلم الأشجار من جعل

_ (1) ادلى اى احضر 12. (2) اى احضر 12. (3) دعم جمع دعام اى عمد جمع عماد 12. (4) سكرت اى امتلأت وسدّت 12.

العقول في أجواف الرجال ومن شق الاسماع والابصار ومن ذلت الملائكة لملكه وقهر الجبارين لجبروته وقسم الأرزاق بحكمته في كلام كثير من اثار قدرته ذكرها لايوب فقال أيوب صغر شأنى وكل لسانى وعقلى ورائي وضعفت قوتى عن هذا الأمر الّذي تعرض لى- يا الهى قد علمت ان كل الّذي ذكرت صنع يديك وتدبير حكمتك وأعظم من ذلك واعجب لو شئت عملت لا يعجزك شى ولا يخفى عليك خافية- إذ لقينى البلاء يا الهى فتكلمت ولم املك وكان البلاء هو الّذي انطقنى فليت الأرض انشقت لى فذهبت فيها ولم أتكلم لشيء يسخط ربى وليتني متّ بغمى في أشد بلائي قبل ذلك انما تكلمت حين تكلمت لتعذرنى وسكتّ حين سكسّه لترحمنى- كلمة زلت منى فلن أعود قد وضعت يدى على فمى وعضضت على لسانى والصقت بالتراب خدى أعوذ بك اليوم منك- أستجيرك من جهد البلاء فاجرنى واستغيث بك من عقابك فاغثنى واستعين بك فاعنى وأتوكل عليك فاكفنى واعتصم بك فاعصمنى واستغفرك فاغفر لى فلن أعود بشيء تكرهه منى- قال الله تعالى نفذ فيك علمى وسبقت رحمتى غضبى فقد غفرت لك ورددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم لتكون لمن خلفك اية وتكون عبرة لاهل البلاء وعزا للصابرين- فاركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاؤك- وقرّب عن أصحابك قربانا واستغفر لهم فانهم قد عصونى فيك- فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل فاذهب الله كل ما كان به من البلاء ثم خرج فجلس فاقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه فلم تجده فقامت كالوالهة مترددة- ثم قالت يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلى الّذي كان هاهنا- قال نعم ومالى لا أعرفه فتبسم فقال انا هو فعرفته بمضحكه فاعتنقته- قال ابن عباس فو الّذي نفس عبد الله بيده ما فارقته من عناقه حتى مر بهما كل مال لهما وولد فذلك قوله تعالى وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي اى بانى مَسَّنِيَ قرا حمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها الضُّرُّ وهو سوء الحال في النفس او البدن او المال او الجاه وفي القاموس الضّرّ بالفتح ويضم ضد النفع او بالفتح مصدر وبالضم اسم قال البيضاوي بالفتح شائع في كل ضرر وبالضم خاص بما في النفس كمرض وهزال- واختلفوا في وقت ندائه والسبب الّذي قال لاجله أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وفي مدة بلائه- قال البغوي روى ابن شهاب عن انس يرفعه ان أيوب لبث في بلائه ثمانى عشرة سنة- وقال وهب لبث أيوب في البلاء ثلاث سنين لم يزد يوما- وقال كعب

كان أيوب في بلائه سبع سنين- وقيل كان في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة ايام- قال الحسن مكث أيوب مطروحا على كناسة في مزبلة لبنى إسرائيل سبع سنين وأشهرا يختلف فيه الدواب لا يقربه أحد غير رحمة صبرت معه بصدق وتأتيه بطعام وتحمد الله معه إذا حمد وأيوب على ذلك من ذكر الله تعالى والصبر على ما ابتلاه- فصرخ إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض فلما اجتمعوا اليه قالوا ما جزعك قال أعياني هذا العبد الّذي لم ادع له مالا ولا ولدا فلم يزد الا صبرا- ثم سلطّت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة لا يقربه الا امرأته فاستغث بكم لتعينونى عليه- فقالوا اين مكرك الّذي أهلكت به من مضى- قال بطل ذلك كله في أيوب فاشيروا علىّ- قالوا نشير طيك من اين أتيت آدم حين أخرجته من الجنة قال من قبل امرأته قالوا فشأنك بايوب من قبل امرأته فانه لا يستطيع ان يعصيها وليس أحد يقربه غيرها- قال أصبتم فانطلق حتى اتى امرأته وهى تصدق فتمثل لها في صورة رجل فقال اين بعلك يا امة الله قالت هو ذاك يحك قروحه ويتردد الدواب في جسده فلما سمعها طمع ان يكون كلمة جزع فوسوس إليها وذكرها ما كانت فيه من النعم والمال وذكّرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر وان ذلك لا ينقطع عنه ابدا- قال الحسن فصرخت فلما صرخت علم ان قد جزعت فاتاها بسخلة وقال ليذبح هذا الى أيوب ويبرأ- فجاءت تصرخ يا أيوب حتى متى يعذبك ربك اين المال- اين الولد اين الصديق اين لونك الحسن اين جسمك الحسن اذبح هذه السخلة واسترح- قال أيوب أتاك عدو الله فنفخ فيك ويلك ارايت ما تبكين عليه من المال والولد والصحة من أعطانيه- قالت الله قال فكم متعنابه قالت ثمانين سنة قال فهذكم ابتلاني قالت منذ سبع سنين وأشهر قال ويلك ما أنصفت الا صبرت في البلاء ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة- والله لئن شافانى الله لا جلدنك مائة جلدة أمرتني ان اذبح لغير الله طعامك وشرابك الّذي أتيتني به علىّ حرام وحرام علىّ ان أذوق شيئا مما تأتينى به بعد إذ قلت لى هذا فاعز لى عنى فلا أراك فطردها فذهبت- فلما نظر أيوب وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق خرّ ساجدا وقال ربّ انّى مسّنى الضّرّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) عطف على الجملة السابقة وصف ربه تعالى بغاية الرحمة

[سورة الأنبياء (21) : آية 84]

بعد ما ذكر نفسه بما يوجبها واكتفى بذلك عن عرض المطلوب لطفا في السؤال. فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه استجاب الله دعاءه وقال له ارفع رأسك فقد استجيب لك فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ قيل له اركض برجلك فركض برجله فنبعت عين ماء فامره ان يغتسل فاغتسل منها فذهب كل داء كان لظاهره وعاد اليه شبابه وجماله احسن ما كان- ثم مشى أربعين خطوة فامره ان يضرب برجله مرة اخرى فضرب برجله فنبعت عين اخرى ماء بارد فامره فشرب منها فذهب كل داء كان بباطنه- فصار كاصح ما يكون من الرجال وأجملهم- وكسى حلة قال فجعل يلتفت فلا يرى شيئا مما كان له من اهل ومال الا قد ضاعفه الله- حتى والله ذكر لنا ان الماء الّذي اغتسل منه تطائر على صدره جرادا من ذهب فجعل يضربه بيده- فاوحى الله اليه يا أيوب الم أغنك قال بلى ولكنها بركتك فمن يشبع منها وروى البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أيوب يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثى في ثوبه- فناداه ربه يا أيوب الم أغنيتك عما ترى قال بلى وعزتك ولكن لا غنى بي عن بركتك قال الحسن فخرج أيوب حتى جلس على مكان مشرف- ثم ان امرأته قالت ارايتك ان كان طردنى الى من أكله- ء أدعه يموت جزعا ويضيع فتاكله السباع لارجعنّ اليه فرجعت- فلا كناسة ترى ولا تلك الحالة الّتي كانت وإذا الأمور قد تغيرت فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكى وذلك بعين أيوب وهابت صاحب الحلة ان تأتيه فتسئل عنه فدعاها أيوب فقال ما تريدين يا امة الله فبكت وقالت أردت ذلك المبتلى الّذي كان منبوذا على الكناسة لا أدرى أضاع أم ما فعل فقال ما كان منك فبكت وقالت بعلى قال قهل تعرفينه إذا رايتيه قالت وهل يخفى على أحد راه- ثم جعلت تنظر اليه وهى تهابه ثم قالت اما انه أشبه خلق بك إذ كان صحيحا قال فانى انا أيوب الّذي أمرتني ان اذبح لابليس وانى أطعت الله وعصيت الشيطان ودعوت الله سبحانه فرد علىّ ما ترين- وقال وهب لبث أيوب في البلاء سنين فلما غلب أيوب إبليس ولم يستطع منه شيئا اعترض امرأته في هيئة ليست كهيئة بنى آدم في العظم والجسم والجمال على مركب ليس في مراكب الناس له عظم وبهاء وكمال- فقال لها اما بنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى قالت نعم قال فهل تعرفيننى قالت لا- قال انا اله الأرض وانا الّذي؟؟؟ نعت بصاحبك ما صنعت لانه عبد الله السماء

وتركنى فاغضبنى- ولو سجد لى سجدة واحدة رددت عليه وعليك كل ما كان لكما من مال وولد فانه عندى ثم أراهم أباهم في بطن الوادي الّذي لقيها فيه قال وهب وقد سمعت انه قال لها لو ان صاحبك أكل طعاما ولم يسم الله عليه لعرفى ما به البلاء والله اعلم- وفي بعض الكتب ان إبليس قال لها اسجدي لى سجدة حتى اردّ عليك المال والأولاد وأعافي زوجك فرجعت الى أيوب فاخبرته بما قال لها قال قد أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك- ثم اقسم ان الله عافاه ليضربنّها مائة جلدة- وقال عند ذلك مسّنى الضّر من طمع إبليس في سجود حرمى له دمائه إياها وإياي الى الكفر ثم ان الله رحم رحمة امراة أيوب بصبرها مع أيوب على البلاء وخفف عنها- وأراد ان يبرّ يمين أيوب فقال وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث- فاخذ أيوب ضغثا يشتمل على مائة عود صغارا فضربها ضربة واحدة وروى ان إبليس اتخذ تابوتا وجعل فيه ادوية وجعل على طريق امرأته يداوى الناس- فمرت به امراة أيوب فقالت ان لى مريضا أفتداويه- قال نعم- والله لا أريد شيئا الا ان يقول إذ شفيته أنت شفيتنى- فذكرت ذلك لايوب فقال هو إبليس قد خدعك وحلف ان شفاه الله يضربها مائة جلدة وقال وهب وغيره كانت امراة أيوب عليه السلام تعمل للناس وتجيئه بقوته فلما طال عليه البلاء وشتمها النّاس فلم يستعملها أحد ثم التمست يوما من الأيام ما تطعمه فما وجدت شيئا فجزّت من راسها قرنا فباعته برغيف فاتته به- فقال لها اين قرنك فاخبرته فحينئذ قال مسنّى الضّرّ وقال قوم انما قال ذلك حين قصده الدود الى قلبه ولسانه فخشى ان يبقى عن الذكر والفكر- وقال حبيب بن ثابت لم يدع الله بالكشف عنه حتى ظهرت له ثلاثة أشياء- أحدها- قدم عليه صديقان حين بلغهما خبره فجاء اليه ولم يبق له عيناه ورأيا امرا فقالا لو كان لك عند الله منزلة ما أصابك هذا والثاني ان امرأته طلبت طعاما فلم تجد ما تطعمه فباعت ذوابتها وحملت اليه طعاما- والثالث قول إبليس ان أداويه على ان يقول أنت شفيتنى- وقيل ان إبليس وسوس ان امرأتك زنت فقطعت ذوأبتها- فحينئذ عيل صبره فدعى وحلف ليضربنّها مائة جلدة- وقيل معناه مسّنى الضّرّ من شماتة الأعداء حتى روى انه قيل له بعد ما عوفى ما كان أشد عليك في بلائك وقال شماتة الأعداء- وقيل قال ذلك حين وقع دودة من فخذه فردها الى موضعها وقال كلى قد جعلنى الله طعامك- فعضته عضة زاد المها على جميع ما قاسى من عض الديدان-

فان قيل ان الله سماه صابرا وقد اظهر الشكوى والجزع بقوله أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ- ومَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ- قيل ليس هذا شكاية انما هو دعاء بدليل قوله تعالى فاستجبنا له- علا ان الجزع انما هو في الشكوى الى الخلق واما الشكوى الى الله فلا يكون جزعا ولا ترك صبر كما قال يعقوب انّما أشكو بثّي وحزنى الى الله- وقال سفيان بن عليينة من اظهر الشكوى الى الناس وهو راض بقصام الله لا يكون ذلك جزعا- كما روى ان جبرئيل دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فقال كيف تجدك قال أجدني مغموما- أجدني مكروبا- قلت كذا في حديث ابى هريرة عند ابن الجوزي بلفظ قال جبرئيل ان الله عزّ وجلّ يقرأك السلام ويقول كيف تجدك الحديث- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة حين قالت وا رأساه قال انا ووا رأساه- قلت كذا روى ابن إسحاق واحمد عنها انه صلى الله عليه وسلم رجع من البقيع فدخل علىّ وهو يصدع وانا اشتكى رأسى فقلت وارأساه فقال بل انا والله وارأساه «1» الحديث وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ اختلفوا في ذلك فقال ابن مسعود وابن عباس وقتادة والحسن واكثر المفسرين رد الله عليه اهله وأولاده بأعيانهم أحياهم الله له وأعطاه «2» مثلهم وهو ظاهر القران- وقال الحسن اتى المثل من نسل ماله الّذي رد اليه واهله يدل عليه ما روى الضحاك عن ابن عباس ان الله تعالى رد الى المراءة شبابها فولدت له سته وعشرين ذكرا- قال وهب كان له سبع بنات وثلثة بنين وقال ابن يسار وكان له سبعة بنين وسبع بنات وروى عن انس رضى الله عنه يرفعه انه كان اندر «3» للقمح واندر للشعير فبعث الله سحابتين فافرغت إحداهما على اندر القمح الذهب وأفرغت الاخرى على اندر الشعير المورق حتى حى فاض وروى ان الله تعالى بعث اليه ملكا وقال ان ربك يقراك السلام بصبرك فاخرج الى اندرك- فخرج اليه فارسل عليه جرادا من ذهب فطارت واحدة فاتبعها وردها الى أندره فقال له الملك واما يكفيك ما في اندرك- فقال هذه بركة من بركات ربّى ولا أشبع من بركته- وقال قوم اتى الله أيوب في الدنيا مثل اهله الذين هلكوا فاما الذين هلكوا فانهم لم يردوا عليه في الدنيا وقال عكرمة قيل لايوب ان أهلك لك في الاخرة فان شئت عجلناهم لك في الدنيا وان شئت كانوا

_ (1) وفي معالم التنزيل بلفظ وقال لعائشة حين قالت وارأساه بل انا وا رأساه 12 منه رح. (2) وفي الأصل وأعطاهم ابو محمد. (3) وفي المنجد الأندر الكرس من القمح خاصة- السيد الفقير الدهلوي.

[سورة الأنبياء (21) : آية 85]

لك في الاخرة واتيناك مثلهم في الدنيا- فقال يكونون لى في الاخرة واوتى مثلهم في الدنيا- فعلى هذا يكون مغنى الاية واتيناه اهله في الاخرة ومثلهم في الدنيا وأراد بالأهل الأولاد رَحْمَةً اما مفعول به بفعل محذوف اى وهبنا رحمة اى نعمة مِنْ عِنْدِنا او مفعول مطلق لاتينا من قبيل ضربته سوطا واتيناه إيتاء برحمة كائنة من عندنا وَذِكْرى اى عظة عطف على رحمة لِلْعابِدِينَ (83) اى عظة وتذكرة لغيره من العابدين ليتصبّروا كما صبر فيثابوا «1» كما أثيب- وجاز ان يكون رحمة وذكرى مفعولا له يعنى اتيناه اهله ومثلهم معهم لرحمتنا وذكرنا للعابدين فانّا نرحمهم ونذكرهم بالإحسان ولا ننساهم-. وَإِسْماعِيلَ بن ابراهيم وَإِدْرِيسَ هو أخنوخ وَذَا الْكِفْلِ اعراب هذه الأسماء على قياس نوحا- اختلفوا في ذى الكفل قال عطاء ان نبيا من أنبياء بنى إسرائيل اوحى الله اليه انى أريد قبض روحك فاعرض ملك على بنى إسرائيل فمن يكفل لك انه يصلى بالليل لا يفترو يصوم بالنهار لا يفتر ويقضى بين الناس ولا يغضب فادفع ملكك اليه- ففعل ذلك فقام شاب فقال انا اتكفل لك بهذا فتكفل ووفى به فشكر الله له ونبّاه فسمى ذا الكفل- وقال مجاهد لما كبر اليسع قال لو انى استخلفت رجلا يعمل على الناس يعمل عليهم في حياتى حتى انظر كيف يعمل فجمع الناس فقال من يتقبل لى بثلاث استخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب- فقام رجل تزدريه العين فقال انا فرده ذلك اليوم- وقال مثلها اليوم الاخر فسكت الناس وقام ذلك فقال انا فاستخلفه- فاتاه إبليس في صورة شيخ ضعيف حين أخذ مضجعه للقائلة وكان لا ينام بالليل والنهار الا تلك النومة- فدق الباب فقال من هذا قل شيخ كبير مظلوم فقام ففتح الباب فقال ان بينى وبين قومى خصومة والهم ظلمونى وفعلوا وفعلوا فجعل يطول حتى ظهر الرواج وذهبت القائلة فقال إذا رحت فانى أخذ حقك- فانطلق وراح فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ فلم يره فقام يبتغيه- فلما كان الغد يقضى بين الناس ينتظره فلا يراه- فلما رجع الى القائلة فاخذ مضجعه أتاه فدق الباب فقال من هذا فقال الشيخ المظلوم ففتح له فقال الم اقل لك إذا قعدت فاتنى قال انهم أحب قوم إذا عرفوا انك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك فاذا قمت جحدونى قال فانطلق فادارحت فأتنى ففاتته القائلة فراح فجعل ينظر ولا يراه وشق عليه النعاس فقال لبعض اهله

_ (1) وفي الأصل فيثيبوا- ابو محمد

[سورة الأنبياء (21) : آية 86]

لا تدعوا أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام فانه قد شق علّى النوم- فلما كانت تلك الساعة جاء فلم يأذن له الرجل فلما اعياه نظر فراى كوّة في البيت فتسوّر منها فاذا هو في البيت يدق الباب من داخل- فاستيقظ فقال يا فلان الم أمرك قال اما من قبلى فلم يأت فانظر من اين اتى فقام الى الباب فاذا هو مغلق كما أغلقه وإذا الرجل معه في البيت فقال أتنام والخصوم ببابك فعرفه فقال يا عدو الله قال نعم اعييتنى وفعلت ما ترى لاغضبتك فعصمك الله فسمى ذا الكفل لانه تكفل بامر فوفى به وقيل ان إبليس جاءه وقال ان لى غريما يمطلنى فاحب ان تقوم معى وتستوفى حقى منه فانطلق معه حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب وروى انه اعتذر اليه وقال ان صاحبى هرب منى- وقيل ان ذا الكفل رجل كفل ان يصلى كل ليلة مائة ركعة الى ان يقبضه الله فوفى به- واختلفوا في انه هل كان نبيّا قال بعضهم كان نبيّا كما يدل عليه نسق كتاب الله فقيل هو زكريا وقال ابو موسى لم يكن نبيّا ولكن كان عبدا صالحا كُلٌّ اى كل واحد منهم كان مِنَ الصَّابِرِينَ (88) على المصائب ومشقة الطاعات كابحين اعنة أنفسهم عن الشهوات والمعاصي. وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا يعنى النبوة ودرجات القرب والجنة عطف على جملة كلّ من الصّابرين- او حال من الضمير في الصابرين بتقدير قد إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) معصومين عن كدر الفساد بالكلية. وَذَا النُّونِ اى صاحب الحوت وهو يونس بن متى عليه السلام إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً وإعرابه على حسب ما ذكرنا في نوحا إذ نادى- اختلفوا في معناه فقال الضحاك مغاضبا لقومه وهو رواية العوفى وغيره عن ابن عباس قال كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفا وبقي سبطان ونصف فاوحى الله الى شعياء النبي ان سر الى حرقيا الملك وقل له حتى يوجه نبيّا قويّا فانى القى في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بنى إسرائيل فقال له الملك فمن ترى وكان في مملكته خمسة من الأنبياء فقال يونس انه قوى أمين فدعا الملك يونس وامره ان يخرج فقال له يونس هل أمرك الله باخراجى قال لا قال هل سمانى لك قال لا قال فههنا غيرى أنبياء أقوياء فالحّوا عليه فخرج من بينهم مغاضبا للنبى وللملك ولقومه فاتى بحر الروم فركبها- وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة ذهب عن قومه مغاضبا لربه إذا كشف

عن قومه العذاب بعد ما وعدهم وكره ان يكون بين قوم جرّبوا عليه الخلف فيما وعدهم واستحياء منهم ولم يعلم السبب الّذي به رفع العذاب عنهم- وكان غضب من ظهور خلف وعده وان يسمى كذّابا لا كراهية لحكم الله عزّ وجل- وفي بعض الاخبار انه كان من عادة قومه ان يقتلوا من جربوا عليه الكذب فخشى ان يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد فغضب- والمغاضبة هاهنا من المفاعلة الّتي تكون من واحد كالمسافرة والمعاقبة فمعنى قوله مغاضبا اى غضبان وقال الحسن انما غاضب ربّه من أجل انه امره بالمصير الى قوم لينذرهم بأسه ويدعوهم اليه فسال ربه ان ينظره ليتاهب للشخوص إليهم فقيل له ان الأمر اسرع من ذلك حتى سال ربه ان ينظره الى ان يأخذ فعلا يلبسها فلم ينظر وكان في خلقه ضيق فذهب مغاضبا- عن ابن عباس قال اتى جبرئيل عليه السلام يونس عليه السلام فقال انطلق الى اهل نينوى فانذرهم- قال التمس دابة قال الأمر اعجل من ذلك- فعضب فانطلق الى السفينة- وقال وهب ان يونس بن متى كان عبدا صالحا وكان في خلقه ضيق فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسح تحتها تفسح الزبع تحت الحمل الثقيل يقذفها بين يديه وخرج هاربا منها- فلذلك أخرجه الله من اولى العزم فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم فاصبركما صبرا ولو لعزم من الرّسل وقال ولا تكن كصاحب الحوت فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قرأ، يعقوب بضم الياء وفتح الدال على البنا للمفعول والباقون بفتح «1» الياء وكسر الدال على البناء للفاعل ومعنى الاية ظن يونس ان لن نضيق عليه الحبس نظيره قوله تعالى اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ اى يضيق كذا قال عطاء وكثير من العلماء- اولن نقضى عليه بالعقوبة من القدر بمعنى القضاء كذا قال مجاهد والضحاك والكلبي وهو رواية العوفى عن ابن عباس يقال قدر الله تقديرا وقدر قدرا بمعنى واحد قال الله تعالى نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ قرا ابن كثير بتخفيف الدال والباقون بالتشديد ومعناهما واحد- ويؤيد هذا التأويل قراأة عمر بن عبد العزيز والزهري بالتشديد وقيل معناه ظن ان لن نعمل فيه قدرتنا- وقيل هذا تمثيل الحالة بحال من ظن ان لن نقدر عليه في مراغمة قومه من غير انتظار لامرنا- وقال ابن زيد هو استفهام للانكار

_ (1) والصحيح والباقون بنون العظمة المفتوحة وكسر الدال على البناء للفاعل- ابو محمد عفا عنه.

[سورة الأنبياء (21) : آية 88]

والتوبيخ معناه أفظن ان لن نقدر عليه وقيل كان ذلك خطرة شيطانية سبقت الى وهمه فسمى ظنا للمبالغة- قال الحسن بلغني ان يونس لمّا أصاب الذنب انطلق مغاضبا لربه فاستزلّه للشيطان حتى ظن ان لن نقدر عليه- وكان له سلف وعبادة فابى الله ان يدعه للشيطان فقذفه في بطن الحوت ومكث فيه أربعين من بين يوم رسله وقال عطاء سبعة ايام وقيل ثلثة ايام- وقيل ان الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة وقيل بلغ به تخوم «1» الأرض السابعة فتاب الى ربه في بطن الحوت وراجع نفسه فَنادى فِي الظُّلُماتِ اى في الظلمة الشديدة المتكاثفة- او ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت- هذه الجملة معطوفة على جمل محذوفة معطوفة بعضها على بعض- تقديره إذ ذّهب مغاضبا فظنّ الّن تّقدر عليه فبلغ البحر فركب في السفينة فاحتبست السفينة فساهم فكان من المدحضين فالقى نفسه في البحر فاتقمه الحوت فنادى في الظلمات أَنْ اى بان لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) على نفسى بالمبادرة الى المهاجرة بلا اذن من الله تعالى- قال البغوي روى عن ابى هريرة مرفوعا انه اوحى الله الى الحوت ان خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما فاخذه ثم هوى به الى مسكنه في البحر فلما انتهى به الى أسفل البحر سمع يونس تسبيحا فقال في نفسه ما هذا فاوحى الله اليه ان هذا تسبيح دواب البحر فسبح يونس وهو في بطن الحوت فسمع الملائكة تسبيحه فقالوا يا ربنا تسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة- وفي رواية صوت معروف في مكان مجهول قال ذاك عبدنا يونس عصانى فحبسته في بطن الحوت- فقالوا العبد الصالح الّذي كان يصعد منه إليك في كل يوم عمل صالح قال نعم فشفعوا له عند ذلك فامر الحوت فقذفه في الساحل كما قال الله تعالى فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ اى أجبنا دعوته وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ اى غم الخطيئة وغم التقام الحوت او غم الظلمات بتلك الكلمات وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) من الغموم إذا يدعوننا بالإخلاص ويستغيثوا بنا- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة ذى النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت لا اله الّا أنت سبحناك

_ (1) التخرم بالضم الفصل بين الأرضين والمعالم والحدود 12 منه رح

انّى كنت من الظّالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء الا استجاب له- رواه احمد والترمذي والحاكم وصححه من حديث سعد بن ابى وقاص وفي لفظ الحاكم الا أخبركم بشيء إذا نزل بأحد منكم كرب او بلاء فدعابه الا فرج الله عنه قيل بلى يا رسول الله قال دعاها ذى النون لا اله الّا أنت سبحنك انّى كنت من الظّالمين- ورواه ابن جرير بلفظ اسم الله الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به اعطى لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ وقد ذكرنا في مفتتح سورة ال عمران ان اسم الله الأعظم هو التهليل يعنى النفي والإثبات- وان لا اله الا هو ولا اله إلا أنت ارفع درجة من لا اله الا الله لان الضمائر وضعت للذات البحت- قلت ثم لا اله الا أنت ارفع درجة من لا اله الا هو لدلالة ضمير الخطاب على كمال الحضور والله اعلم- قرا ابن عامر وأبو بكر بتشديد الجيم وتسلين الياء على ان أصله ننجى مضارع باب التفعيل حذفت منه النون الثانية لاجتماع المثلين كما تحذف التاء في تتظاهرون فيقال تظاهرون؟؟؟ هى وان كانت فاء فحذفها اولى من حذف علامة المضارع الّتي لمعنى- ولا يقدح اختلاف حركتى النونين فان الداعي الى الحذف اجتماع المثلين مع تعذر الإدغام- وامتنع الحذف في تتجافى لخوف اللبس وقيل أصله نجىّ على انه ماض مبنى للمفعول أسند الى الصدر- وقال البيضاوي وهذا الوجه مردود بان الفعل لا يسند الى المصدر إذا كان المفعول مذكورا والماضي لا يسكن آخره- وأجيب بانه اسناد الفعل الى المصدر مع وجود المفعول شاذّ والشاذّ لا يمتنع وقوعه في القران لفصاحته- وقد تسكن الياء المفتوحة كما سكنوا في بقي فقالوا بقي ونحوها- وقرأ الجمهور بنونين من الافعال وفي الخط الرسم بنون واحدة لان النون الثانية ساكنة والساكن غير ظاهر على اللسان فحذفت في الخط كما حذفوا النون في الّا وأصله ان لا لخفائها- قال البغوي اختلفوا في ان رسالة يونس متى كانت روى سعيد ابن جبير عن ابن عباس ان الله تعالى أرسله بعد ان أخرجه من بطن الحوت بدليل ما ورد في سورة الصافات فنبذنه بالعراء وهو سقيم ثم ذكر بعده وأرسلناه الى مائة الف او يزيدون- وقال الآخرون انه أرسل قبل ذلك بدليل قوله تعالى وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ - قلت والاستدلال بقوله وأرسلناه

[سورة الأنبياء (21) : آية 89]

بعد قوله فنبذنه ضعيف الواو لمطلق الجمع لا دلالة لها على الترتيب-. وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى وإعرابه كاعراب نوحا إذ نادى يعنى حين دعا ربه رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وحيدا بلا ولد يخلفنى بيان للنداء وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) حال من فاعل لا تذرنى ثناء على الله تعالى بانه الباقي بعد فناء الخلق وانه خير من يخلف. فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى ولدا وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ اى جعلناها ولودا بعد ما كانت عقيمة إِنَّهُمْ اى الأنبياء المذكورين كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً مفعول له او حال اى لاجل الرغبة او ذوى رغبة او راغبين في لقائنا والتقرب إلينا او في الثواب راجين الاجابة او في الطاعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت قرة عينى في الصلاة- رواه احمد والنسائي والحاكم والبيهقي في حديث عن انس وَرَهَباً اى لاجل الخوف او ذوى خوف او خائفين الهجران او المعصية او العقاب وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) اى داعين نوجل قال مجاهد الخشوع هو الحزن اللازم في القلب وذلك لكمال المعرفة بعظة الله وقال قتادة ذللا لامر الله وقوله تعالى إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ مدح لهم وتعليل لما سبق اى اتينا لوطا ونوحا وداود وسليمان وغيرهم حكما يعنى نبوة وعلما لانهم كانوا يسارعون في الخيرات- او اذكر هؤلاء الكرام لانهم كانوا يسارعون في الخيرات حتى يقتدى بهم الناس فانهم نالوا من الله تعالى ما نالوا بهذه الخصال. وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الحلال والحرام يعنى مريم بنت عمران منصوب بتقدير اذكر فَنَفَخْنا يعنى نفخ جبرئيل بامرنا فِيها اى في مريم نفخ في جيب درعما فوصل النفخة في جوفها فاحدث الله تعالى بذلك النفخة المسيح عيسى بن مريم مِنْ رُوحِنا اى من الروح الّذي هو بامرنا وحدنا والاضافة للتشريف او المراد بالروح عيسى ومن زائدة- او من جهة روحنا يعنى جبرئيل عليه السلام وَجَعَلْناها وَابْنَها اى جعلنا قصتهما او حالهما ولذلك وحد قوله آيَةً اى دلالة على كمال قدرتنا على خلق ولد من غير اب لِلْعالَمِينَ (91) إِنَّ هذِهِ

[سورة الأنبياء (21) : آية 93]

اى ملة التوحيد والايمان بجميع الأنبياء قائلا لا نفرّق بين أحد منهم والسمع والطاعة لله ولرسله في كل وقت على حسب امره ونهيه فهو اشارة الى جميع الملل الحقة او للمراد ملة الإسلام أُمَّتُكُمْ اى ملتكم الّتي يجب عليكم ايها الناس كافة ان تكونوا عليها أُمَّةً منصوب على الحال والعامل فيه معنى الاشارة واحِدَةً غير مختلفة فيما بين الأنبياء ولا مشاركة لغيرها في صحة الاتباع قال الله تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه- والامة مشتق من امّ يأمّ بمعنى قصد يقصد فاطلق على الجماعة الّتي هى على مقصد واحد وعلى الدين والسنة كذا في القاموس لكون الدين والسنة مقصودين وَأَنَا رَبُّكُمْ لا رب لكم غيرى فَاعْبُدُونِ (92) دون غيرى. وَتَقَطَّعُوا فيه التفات من الخطاب الى الغيبة- والتّفعّل بمعنى التفعيل يعنى قطعوا وفرقوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ اى امر دينهم فصاروا فرقا يلعن بعضهم بعضا وما كان ينبغى لهم ذلك كُلٌّ اى كل فرقة منهم إِلَيْنا راجِعُونَ (93) فنجازيهم. فَمَنْ يَعْمَلْ شيئا من الأعمال الصَّالِحاتِ وان كان مثقال ذرة وَهُوَ مُؤْمِنٌ بالله ورسله وما جاءوا به- قيد بهذا لان الايمان شرط للاثابة على الأعمال فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ اى لا بطلان والمنع عن الثواب بعمله استعير الكفر للمنع عن الثواب كما استعير الشكر لاعطائه ونفى الجنس للمبالغة وَإِنَّا لَهُ اى لسعيه وعمله كاتِبُونَ (94) مثبتون في صحف الأعمال الّتي تكتبها الملائكة الكرام. وَحَرامٌ قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بكسر الحاء وسكون الراء بلا الف بينهما والباقون بفتح الحاء والراء والف بينهما وهما لغتان مثل رحلّ وحلال والمعنى ممتنع غير متصور الوجود عَلى اهل قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها اى حكمنا باهلاكها او وجدناها هالكا يعنى كافرا- خبر مبتداء محذوف تقديره حرام وممتنع عليهم ذاك اى المذكور في الاية المتقدمة من عدم تضيع الحسنات يعنى نحبط أعمالهم- او حرام اى ممتنع توبتهم او حياتهم- تأنيا في الدنيا او عدم بعثهم للجزاء وعلى هذا قوله تعالى أَنَّهُمْ إلينا لا يَرْجِعُونَ (95) معناه لانهم لا يرجعون بالتوبة والإخلاص إلينا او لانهم لا يرجعون الى الدنيا حتى

[سورة الأنبياء (21) : آية 96]

يتداركوا ما فات عنهم من الايمان- وجاز ان يكون ان مع جملتها مبتدأ وحرام خبره يعنى عدم رجوعهم الى موقف الحساب والجزاء ممتنع وقال ابن عباس معنى الاية وحرام على اهل قرية انهم راجعون الى الدنيا فعلى هذا مبتداء وخبر ولا زائدة- وعلى التأويلات كلها هذه الاية وعيد الكفار كما ان السابقة وعد للمؤمنين. حَتَّى إِذا فُتِحَتْ قرأ ابن عامر وابو جعفر ويعقوب بالتشديد على التكثير والباقون بالتخفيف يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ اسمان لقبيلتين والمضاف محذوف يعنى فتح سدهما عنهما وَهُمْ يعنى يأجوج وماجوج مِنْ كُلِّ حَدَبٍ اى نشز وتل يَنْسِلُونَ (96) اى يسرعون من نسلان الذئب وقد ذكرنا حديث النواس بن سمعان في سورة الكهف في تفسير قوله تعالى فاذا جاء وعد ربّى جعله دكّاء وكان وعد ربّى حقّا وفيه ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدب ينسلون- قلت وإنما خص نسلانهم من الأحداب لان مقرهم ما وراء الجبال فيأتون من فوق الجبال وقيل ضميرهم في وهم في كلّ حدب راجع الى الناس أجمعين وقرأ مجاهد وهم من كلّ جدث يّفعلون بالجيم والثاء المثلة من فوق؟؟؟ معنى القبر والضمير على هذا راجع الى الناس أجمعين نظيره قوله تعالى فاذا هم من الأجداث الى ربّهم ينسلون- وعن حذيفة ابن اسد الغفاري قال اطلع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتذكر فقال ما تذاكرون قالو نذكر الساعة قال الها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات- فذكر الدخان والدّجال والدابة وطلّوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاث خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب واخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الى محشرهم- وفي رواية تخرج من قعر عدن تسوق الناس الى المحشر- وفي رواية في العاشرة وريح يلقى الناس في البحر- رواه مسلم وحتى ابتدائية تدلّ على سببية ما قبلها لما بعدها كما في قولهم مرض فلان حتى لا يرجونه- متعلق بحرام او بمحذوف دل عليه الكلام او بلا يرجعون اى يستمر امتناع عدم تضيع حسناتهم- يعنى يستمر حبط أعمالهم او امتناع قبول توبتهم او امتناع رجوعهم الى الدنيا او امتناع عدم بعثهم للجزاء حتى تكون أبصارهم شاخصة او يهلكون بالكفر حتى يكون كذلك- او لا يرجعون الى التوبة او الى الدنيا حتى يكون كذلك مترتبا عليه

[سورة الأنبياء (21) : آية 97]

وما بعد حتى جملة شرطية إذا فتحت يأجوج ومأجوج شرط وهم من كلّ حدب ينسلون حال من يأجوج ومأجوج- وان كان الضمير راجعا الى الناس فهو عطف على الشرط وقوله. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ يعنى يوم القيامة عطف على فتحت- وقال الفراء وجماعة الواو زائدة والجملة جزاء للشرط كما في قوله تعالى فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ والمعنى لما أسلما ناديناه- واستدلوا عليه بما روى عن حذيفة قال لو ان رجلا اقتنى فلوا بعد خروج يأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة- ورد هذا القول بان الواو ولا تكون زائدة وجزاء الشرط فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا اى أجفانهم إذا للمفاجاة تسد مسد الفاء الجزائية كقوله اذاهم يقنطون فاذا جاءت معها تظاهرت على وصل الجزاء بالشرط فيتاكد- والضمير للقصة او مبهم يفسره الابصار- وشاخصة مبتدأ من قبيل الصفة المسندة الى فاعلها والابصار فاعل لها او مبتداء وشاخصة خبره يقال شخص بصره يعنى فتح عينه وجعل لا يطرف من شدة الهول والتحير- وقيل هى مبتدأ محذوف الخبر تقديره فاذا هى اى الساعة بارزة يعنى من قربها كانها حاضرة- وقوله شاخصة أبصار الّذين كفروا جملة مستانفة يا وَيْلَنا مقدر بيقولون وهى واقع موقع الحال من الموصول وجاز ان تكون فاذا هى شاخصة معطوفة على الشرط والجزاء يقولون يويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا اليوم لم نعلم انه حق هذه الجملة في مقام التعليل لقوله يا ويلنا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) لانفسنا بالإخلال بالنظر او واضعين العبادة في غير موضعها. إِنَّكُمْ ايها المشركون وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعنى مالا يعقل من الأصنام وعجل السامري ونحو ذلك تفضيحا للكفار في عبادتها وما يعقل ويرضى بكونه معبودا من الشياطين مدعى الالوهية بالباطل ومن الانس كفرعون ونمرود واشباههم- واما ما يعقل ولا يرضى به فغير مراد بدليل العقل والنقل فانه لا تزر وازرة وزر أخرى- هذا على تقدير كون ما عامة لذوى العقول وغيرهم كما هو المختار عند اكثر المحققين ويويده ما روى ان ابن الزبعرى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا شيء لالهتنا خاصة او لكل من عبد من دون الله فقال عليه السّلام بل لكل من عبد من دون الله- ذكره البيضاوي وأخرجه ابو داود وابن المنذر وابن مردوية والطبراني

[سورة الأنبياء (21) : آية 99]

من وجه اخر عن ابن عباس واما على تقدير كونها مختصه بما لا يعقل فظاهر ان من لا يرضى من العقلاء بكونه معبودا غير داخل فيه حَصَبُ جَهَنَّمَ اى ما يرمى به إليها ويهيج به من حصبه يحصبه إذا رماه بالحصباء كذا قال الضحاك- وقال مجاهد وقتادة الحصب في لغة اهل اليمن الحطب وقال عكرمة هو الحطب بلغة الحبشة- وقال البغوي قرأ على بن ابى طالب رضى الله عنه حطب جهنم يعنى وقودها أَنْتُمْ ايها المشركون مع ما عبدتموه لَها وارِدُونَ (98) استيناف أول من حصب جهنّم واللام معوضة من على للاختصاص والدلالة على ان ورودهم لاجلها- وفي قوله تعالى إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ الى آخره التفات كان الكلام عن المشركين فيما سبق على الغيبة وفي هذه الاية على الخطاب. لَوْ كانَ هؤُلاءِ الّتي تعبدونها ايها الكفار آلِهَةً في الواقع ما وَرَدُوها هذه جملة معترضة مقدرة بالقول يعنى يقال لهم بعد دخولهم في النار تفضيحا وتوبيخا هذا الكلام وَكُلٌّ اى كل واحد من العابدين والمعبودين فِيها اى في النار خالِدُونَ (99) لاخلاص لهم عنها ابدا عطف على أنتم لها واردون-. لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ اى انين وتنفس شديد وهو من باب اضافة فعل البعض الى الكل؟؟؟ تغليبا والجملة الظرفية حال من الضمير المستتر في خالدون وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (100) عطف على الجملة الظرفية او حال- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت من حديد ثم قذفوا في أسفل الحجيم فما يرى أحدهم انه يعذب غيره ثم قرأ ابن مسعود لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون- وذكر البغوي نحوه بلفظ جعلوا في توابيت من نار ثم جعلت تلك والتوابيت في توابيت اخرى ثم تلك التوابيت في توابيت عليها مسامير من نار فلا يسمعون شياء ولا يرى أحد منهم ان في النار يعذب غيره- اخرج الحاكم عن ابن عباس قال لما نزلت انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم قال المشركون فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله فنزلت. إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى المنزلة الحسنى منزلة القرب او الخصلة الحسنى وهى السعادة او التوفيق للطاعة او البشرى بالجنة قال الجنيد رحمه الله سبقت لهم منا العناية

فى الهداية فظهرت لهم الولاية في النهاية- اخرج ابن مردوية والضيافى المختار عن ابن عباس قال جاء عبد الله بن الزبعرى الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد انك تزعم ان الله قد انزل عليك انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم أنتم لها واردون- قال نعم قال قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير فكل هؤلاء في النار مع الهتنا فنزلت انّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى ونزلت ولمّا ضرب ابن مريم مثلا الى قوله خصمون نحوه- وذكر البغوي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصناديد قريش كانوا في الحطيم (وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما) فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقحمه ثم تلا عليه انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم- الآيات الثلاث ثم قام فاقبل عبد الله بن الزبعرى إليهم فاخبره الوليد بن مغيرة بما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أنت قلت انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم- قال نعم قال أليست اليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد المسيح وبنو امليح يعبدون الملائكة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل هم يعبدون الشياطين- فانزل الله عزّ وجلّ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى وانزل الله في ابن الزبعرى ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ- واخرج الواحد عن ابن عباس نحو ما ذكر البغوي وذكر في بعض كتب اصول الفقه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن الزبعرى ما أجهلك بلغة قومك الم تعلم ان ما لغير ذوى العقول ولم يذكر هذا الجواب في كتب الحديث وقال بعض اهل العلم ان كلمة انّ في هذه الاية بمعنى الا اى الّا الّذين سبقت لهم منّا الحسنى- وهذا القول غير مرضى بوجهين أحدهما ان كلمة انّ لم يستعمل بمعنى الا وثانيهما انه لا بد للاستثناء من الاتصال لا عند من قال بجوازه منفصلا وما ذكرنا في سبب نزول الاية تدل على الانفصال- فعند اكثر العلماء هذه الاية مخصص لما سبق فانه يجوز عندهم التخصيص بكلام مستقل متراخ- وعند ابى حنيفة رحمه الله المتراخى يكون ناسخا لا مخصصا والنسخ غير متصور هاهنا إذ الاخبار لا يحتمل النسخ فهو كلام اجنبى دليل على ارادة التجوز فيما سبق والله اعلم أُولئِكَ عَنْها يعنى عن جهنم مُبْعَدُونَ (31) اخرج ابو داود

[سورة الأنبياء (21) : آية 102]

عن على رضى الله عنه وكذا اخرج ابن ابى حاتم والثعلبي وابن مردويه في تفاسيرهم انه خطب وقرأ هذه الآية ثم قال انا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعيد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وابو عبيدة ابن الجراح ثم أقيمت الصلاة فقام يجر ردائه ويقول. لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وهو بدل من مبعدون او حال من ضميره سيق للمبالغة في ابعادهم عنها والحسيس صوت يحس به وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ دائمون وتقديم الظرف للاختصاص والاهتمام وفيه دليل على ان الصوفية العلية الذين لا ترغب أنفسهم الى ما سوى الله تعالى دائمون في الوصل بلا كيف وفي الروية فارغون عن غيره تعالى. لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ هذه الجملة مع ما عطف عليه خبر بعد خبر لان في ان الذين سبقت قال البغوي قال ابن عباس الفزع الأكبر النفخة الاخيرة بدليل قوله تعالى ونفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض قلت المراد بالنفخة الأخيرة النفخة الّتي هى الاخيرة من امور الدنيا والا فنفخة الفزع انما هى النفخة الاولى وقيل وهى النفخة الصعق ايضا والأمر ان متلازمان فانهم يفزعون بالنفخة الاولى فزعا وماتوا منه وهذا ما صححه القرطبي إذ لم يذكر في اكثر الأحاديث الا نفختان نفخة الصعق ونفخة البعث واختار ابن عربى ان النفخات ثلث الاولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة البعث وهو المختار عندى اخرج ابن جرير في تفسيره والطبراني في المطولات وابو يعلى في مسنده والبيهقي في البعث وابو موسى المديني في المطولات وعلى بن معيد في كتاب الطاعة والعصيان وعبد بن حميد وابو الشيخ في كتاب العظمة عن ابى هريرة حديثا طويلا مرفوعا وفيه فينفخ فيه اى في الصور ثلث نفخات الاولى نفخة الفزع والثانية النفخة الصعق والثالثة النفخة القيام الى رب العالمين وسنذكر ما ورد في الحديث من تفصيل الفزع في سورة النمل في تفسير الآية المذكورة وقال الحسن الفزع الأكبر حين يومر بالعبد الى النار وقال ابن جريح حين

[سورة الأنبياء (21) : آية 104]

يذبح الموت وينادى يا اهل النار خلود ولا موت وقال سعيد بن جبير والضحاك هى ان تطبق جهنم وذلك بعد ان يخرج الله تعالى منها من يريد ان يخرجه وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ اى تستقبلهم الملئكة عند خروجهم من القبور وعلى أبواب الجنة مهنين قائلين هذا يَوْمُكُمُ اى يوم ثوابكم الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فى الكتب السماوية على السنة الرسل فالجملة حال من الملئكة بتقدير القول. يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ قرأ ابو جعفر تطوى بالتاء المثناة الفوقانية على البناء للمفعول ورفع السماء للاسناد اليه والجمهور بالنون على صيغة المتكلم المعروف ونصب السماء مقدر باذكر او ظرف لقوله تعالى لا يَحْزُنُهُمُ او تَتَلَقَّاهُمُ او حال مقدره كَطَيِّ السِّجِلِّ الطى ضد النشر والسجل الصحيفة مشتق من المساجلة وهى المكاتبة لِلْكُتُبِ قرأ حمزة والكسائي وحفص هكذا على صيغة الجمع والباقون للكتاب على الافراد والمعنى طياكطى الطومار لاجل الكتابة او لما يكتب او كتب فيه ويدل عليه القراءة على صيغة الجمع اى للمعانى الكثيرة المكتوبة فيه كذا قال ابن عباس ومجاهد والأكثرون وقال السدى ان السجل ملك يكتب اعمال العباد واللام زائدة يعنى كطى السجل الكتب كقوله ردف لكم اى اردفكم وقيل السجل كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال في القاموس كتب السجل لكتاب العهد وغيره جمعه سجلات وهو ايضا الكاتب والرجل بالحبشة واسم كاتب للنبى صلى الله عليه وسلم واسم ملك والسجل بالكسر الكتاب وقيل السجل حجر كان يكتب فيه ثم سمى كلما يكتب فيه سجلا كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ما كافة او مصدرية وكلمة أول مفعول لبدأنا اى نعيد ما خلقناه مبدأ إعادة مثل ابدائنا إياه في كونها إيجادا عن العدم او جمعا من الاجزاء المتبددة وجاز ان يكون أول مفعولا بفعل مضمر يفسره نعيده والمعنى على الوجهين واحد والمقصود بيان صحة الاعادة بالقياس على الإبداء لشمول الإمكان الذاتي المصحح للمقدورية وتناول القدرة الكاملة القديمة لهما على السواء وقيل ما موصولة وبدأنا صلة والعائد محذوف والكاف

[سورة الأنبياء (21) : آية 105]

متعلق بمحذوف يفسره نعيده وأول خلق ظرف لبدأنا او حال من العائد المحذوف يعنى نعيد مثل الّذي بدأناه في وقت أول الخلق او كائنا أول الخلق لكن يلزم على هذا التأويل ان لا يكون المعاد عين الاول بل مثله والحق انه عينه وانما التمثيل في كلا الخلقين او في الأحوال والأوصاف روى الشيخان في الصحيحين والترمذي عن ابن عباس قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا ايها الناس انكم تحشرون الى الله حفاة مشاة عراة غرلا ثم قرأ لما بدأنا أول خلق نعيد وأول من يكسلى من الخلائق ابراهيم عليه السّلام وَعْداً مقدر بفعله اى وعدنا وعدا تأكيد لنعيده او منصوب بنعيده لانه وعد بالاعادة علينا صفة لوعد اى وعدا كائنا علينا إنجازه كاللازم إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ الاعادة والبعث تأكيد بعد تأكيد و. لَقَدْ كَتَبْنا جواب قسم محذوف فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ قال سعيد بن جبير ومجاهد الزبور جميع الكتب المنزلة والذكر أم الكتاب الّذي عنده يعنى من بعد ما كتبنا ذلك في اللوح المحفوظ وقال الشعبي الزبور كتاب داود عليه السّلام والذكر التوراة وقال ابن عباس والضحاك الزبور التوراة والذكر الكتب المنزلة بعد التوراة وقيل الزبور كتاب داود عليه السّلام والذكر القران وبعد على هذين التأويلين بمعنى قبل أَنَّ الْأَرْضَ يعنى ارض الجنة يَرِثُها عِبادِيَ قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها الصَّالِحُونَ فهذه الآية نظيره لقوله تعالى والعاقبة للمتقين والفساق انما يدخلون اما بعد العذاب والتطهير واما بعد المغفرة فحينئذ يلتحقون بالصالحين وقال مجاهد يعنى امة محمد صلى الله عليه وسلم دليلا قوله تعالى وقالوا الحمد لله الّذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء وقيل أراد بالأرض الأرض المقدسة وبعبادي الصالحين الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها وقال ابن عباس أراد بالأرض ارض الكفار يفتحها المسلمون وهذا حكم من الله بإظهار الدين وإعزاز المسلمين قلت فالمراد بالأرض جميع الأرض روى احمد عن المقداد انه سمع رسول الله

[سورة الأنبياء (21) : آية 106]

صلى الله عليه وسلم يقول لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا دخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز او ذل ذليل اما يعزهم فيجعلهم من أهلها او يذلهم فيدينون لها قال مقداد قلت فيكون الدين كله لله. إِنَّ فِي هذا اى فيما ذكرنا في القران من الاخبار والمواعظ والمواعيد لَبَلاغاً اى لكفاية لاجل دخول الجنة فانها زاد الجنة كبلاغ المسافر او سبب بلوغ الى المطلوب يعنى من اتعظ بها بلغ ما يرجوا من الثواب لِقَوْمٍ عابِدِينَ صفة لبلاغا او متعلق به اى للمؤمنين الذين يعبدون الله عزّ وجلّ عبادة مقبولة وقال ابن عباس عالمين وقال كعب الأحبار هم امة محمد صلّى الله عليه وسلم اهل الصلاة الخمس وشهر رمضان. وَما أَرْسَلْناكَ يا محمّد إِلَّا رَحْمَةً منصوب على العلية او على الحال من كاف الخطاب لِلْعالَمِينَ يعنى لرحمتنا على الانس والجن أرسلناك ليهتدوا بك او أرسلناك حال كونك رحمة يعنى سببا للرحمة روى الحاكم عن ابى هريرة وابن سعد والحكيم عن ابى صالح مرسلا انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما انا رحمة مهراة وروى البخاري في التاريخ عن ابى هريرة بلفظ انما بعثت رحمة ولم ابعث عذابا وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى ان في هذا لبلاغا وتأكيد له في المعنى فان القرآن لما كان بلاغا وزادا الى الجنة كان إرسال الرسول الّذي انزل عليه القران رحمة والمعنى ان ما بعثت به سبب لاسعادهم وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم فمن لم يستعدبه وابى من ان يصير مرحوما فهو ظالم على نفسه وذالا ينافى كونه رحمة وقال ابن عباس هو رحمة للكافر في الدنيا بتأخير العذاب عليهم ورفع المسخ والخسف والاستيصال قل يا محمد. إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ جعلة مستانفة في جواب ما أقول لهم حين بعثت رحمة وما في انما يوحى كافة والحصر المستفاد منه مبنى على المبالغة والحاصل ان المقصود الأصلي من الوحى التوحيد فكانه هو الموحى الىّ لا غير او المعنى انما يوحى الى في امر عبادة الله الا التوحيد وجاز ان يكون ما موصولة في حمل النصب على الاسمية وانما إلهكم في محل الرفع على الخبرية

[سورة الأنبياء (21) : آية 109]

والتوحيد يصح إثباته بالسمع لان الرسالة انما تتوقف على المرسل فلا ذور فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ يعنى اسلموا وأخلصوا العبادة لله على مقتضى الوحى المصدق بالحجة واستعدوا برحمة الله. فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإسلام بعد تمام الحجة عليهم أبوا عن رحمة الله فَقُلْ يا محمد آذَنْتُكُمْ اى أعلمتكم ما أرسلت به إليكم او أعلمتكم بالحرب وان لا صلح بيننا عَلى سَواءٍ اى حال كونكم مستوين في الاعلام يعنى ما أخفيت من أحد منكم فيه دليل على بطلان مذهب الباطنية والروافض المعتقدين للتقية القائلين بان الائمة كانوا يعلّمون أصحابهم احكام الشرع على وجه الاحق ويقولون ان للجدر ان أذان او المعنى مستوين انا وأنتم في العلم بما أعلمتكم او بالحرب والمعاداة يعنى لاخداع فتاهبوا للحرب او اذنتكم إيذانا على سواء يعنى على الإعلان دون الكتمان وقيل معناه أعلمتكم انى على سواء اى على عدل واستقامة رأى بالبرهان وَإِنْ أَدْرِي اى ما أدرى أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ من غلبة المسلمين او الحشر لكنه كائن لا محالة. إِنَّهُ تعالى يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ اى ما تجاهرون به من الطعن في الإسلام وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ من الحقد للمسلمين فيجازيكم عليه وهذه الجملة معترضة للتوبيخ على النفاق والتحريض على الإخلاص. وَإِنْ أَدْرِي مفعول أدرى محذوف يعنى ما أدرى اىّ سبب لتاخير العذاب عنكم مع ما علم الله تعالى جهركم وسركم بالسوء ولما كان في هذه الجملة نفى علمه صلى الله عليه وسلم عن سبب تأخير العذاب عن الكفار وذلك يوهم نفى الظن قد وقع ذلك الوهم بقوله لَعَلَّهُ الضمير راجع الى المحذوف المفهوم مما سبق يعنى لعل ذلك التأخير فِتْنَةٌ لَكُمْ اى استدراج لكم وزيادة في افتتانكم او امتحانكم لينظر هل ترجعون مما أنتم عليه الى الاتعاظ أم لا وَمَتاعٌ التنوين للتحقير وكذا تنوين حين اى تمتيع قليل من الله تعالى إِلى حِينٍ اى زمان يسير

[سورة الأنبياء (21) : آية 112]

سبق في القضاء ابقائكم اليه قال جلال الدين المحلى هذا مقابل للغتة المترجى بلعل وليس هذا محل للترجى. قل قرأ حفص قالَ على صيغة الماضي حكاية عن حال النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الالتفات من الخطاب الى الغيبة وقرأ الجمهور بصيغة الأمر رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ يعنى اقض بيننا وبين اهل مكة بالعدل المقتضى لتعذيب الكفار وإنجاء المسلمين وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ اى كثير الرحمة على خلقه مبتدأ وخبره الْمُسْتَعانُ صفة للرحمن او خبر بعد خبر اى المطلوب منه المعونة عَلى ما تَصِفُونَ بالكذب والباطل بان الشوكة تكون لهم وان رأية الإسلام ترفع أياما ثم تخفض وان الموعد به لو كان حقا لنزل بهم فاجاب الله سبحانه دعاء رسوله ونصر المؤمنين وقصم الكفار يوم بدر او المعنى ما تصفون الله تعالى باتخاذ الولد وتصفون محمدا صلى الله عليه وسلم بالسحر والقران بكونه شعرا والله اعلم الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم لم تفسير سورة الأنبياء عليهم السّلام ويتلوه إنشاء الله تعالى تفسير سورة الحج يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر الجمادى الثاني من السنة الثالثة من المائة الثالثة بعد الالف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

فهرست سورة الحج من تفسير المظهرى

فهرست سورة الحجّ من تفسير المظهرى مضمون صفحه الكلام في زلزلة الساعة.... 251 وما ورد في بعث النار..... 251 ما ورد في مبارزة على وحمزة 251 يوم بدر.......... 262 ما ورد في ثياب من نار ... 262 ما ورد في حلية اهل الجنة ولباسهم 266 مسئلة هل يجوز بيع رباع مكة 266 واجازتها ... 270 وما قيل في ان ارض مكة مملوكة لاهلها أم لا ... 271 ما ورد في الإلحاد في الحرم ... 273 قال المجدد للالف الثاني 273 رحمه الله ... ان الكعبة لها شبه بما لا كيف له.... 275 حديث يا ايها الناس ان الله قد فرض عليكم الحج فحجوا ... 276 مسئلة الحج ماشيا أفضل 276 حديث من حج لله تعالى فلم يرفث 276 مسئلة هل يشترط يوم النحر و 276 مضمون صفحه ايام التشريق في هدى التطوع والندر 277 مسئلة جواز الاكل من هدى التطوع والاضحية وعدم الجواز من جزاء الصيد والدماء الواجبة بالجناية وإفساد الحج والمنذور والاختلاف في دم التطوع والقران.... 278 مسئلة وجوب الترتيب بين الرمي ونحر القارن والحلق والطواف 280 مسائل الحلق في الحج والعمرة 281 مسائل النذر باقسامه وما ورد فيه من الأحاديث ... 284 مسائل الطواف واقسامه وشرائطه وأركانه 306 حديث عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله 318 مسئلة هل يجوز الانتفاع بالهدى من الركوب والحلب ونحو ذلك ... 320 مسئلة يجوز نحر الهدى في اى موضع شاء من الحرم ... 321 مسئلة الذكر شرط للذبح ... 322 مسئلة البدنة من الإبل والبقر 223

مضمون صفحه مسئلة ما يقال عند النحر والذبح 323 مسئلة لا يجوز قتل نساء اهل الحرب والشيوخ منهم والرهبان والعميان والذمي 327 مسئلة لا يجوز قتل المرتدة ... 327 مسئلة لو امر الامام بقتل حربية او مرتدة لمصلحة فلا بأس به ... 329 حديث يدخل الفقراء الجسة قبل الأغنياء بخمس مائة عام ... 335 حديث انما مثلى ومثل ما يعثنى الله به كمثل رجل اتى قوما إلخ 335 حديث الإسلام يهدم ما كان قبله 336 حديث مثلى كمثل رجل استوقد نارا 336 ما ورد في عدد الأنبياء والرسل ... 337 ما ورد في ان دخول الجنة بفضل الله لا بالأعمال وتفاوت درجات اهل الجنة بالأعمال ... 342 حديث اوحى الى نبى قل لاهل طاعتى من أمتك لا يتكلوا على أعمالهم ولا يئسوا ... 350 مضمون صفحه حديث يخرج لابن آدم ثلث دواوين ... 351 مسئلة اختلاف العلماء في السجدة الثانية في سورة الحج 351 مسئلة تحقيق الجهاد الأكبر وما ورد فيه..... 352 ما ورد في الرياء والسمعة ... 353 ما ورد في اجتباء النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه 354 مسئلة رفع كلفة التكاليف من لوازم الاجتباء 355 ما ورد في انّ الناس تبع لقريش حديث انا لكم بمنزلة الوالد 356 ما ورد في كون امة محمد صلّى الله عليه وسلم شهداء على الناس يوم القيمة ... 357 ما ورد في التمسك بالكتاب والسنة والاجتناب عن البدعة 358 15/ ذى الحجة سنه 1203 هـ. تمّ الفهرس.

سورة الحج

سورة الحجّ ثمان وسبعون اية بعضها مدنيّه وأكثرها مكيّة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ اى عقابه بان تطيعوه إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ اى تحريكها الأشياء على الاسناد المجازى او تحركها فيها فاضيف إليها اضافة معنوية بتقدير في او اضافة المصدر الى الظرف على اجرائه مجرى المفعول به شَيْءٌ عَظِيمٌ اى هائل ان مع صلتها في مقام التعليل علل أمرهم بالتقوى بفظاعة الساعة ليتصوروها بعقولهم ويعلموا انه لا يومنهم منها سوى التدرع بلباس التقوى اختلفوا في هذه الزلزلة فقال علقمة والشعبي هذا من اشراط الساعة تكون قبل قيام الساعة قال جلال الدين المحلى قبل طلوع الشمس من مغربها واختار هذا القول ابن العربي والقرطبي بقرينة قوله تعالى. يَوْمَ تَرَوْنَها اى الساعة او الزلزلة ظرف لقوله تَذْهَلُ بسببها كُلُّ مُرْضِعَةٍ اى امرأة ألقمت الرضيع ثديها يقال امرأة مرضع بلا هاء إذا أريد بها الصفة مثل حائض وحامل يعنى من شانها ان ترضع وإذا أريد به الفعل حالا يقال مرضعة عَمَّا أَرْضَعَتْ ما موصولة او مصدرية يعنى تدهش من هول تلك الزلزلة فتذهل عمن ترضعها وتنزع ثديها من فيه او تذهل عن ارضاعها هذه الجملة خبر ثان لان والرابط ضمير ترونها او تعليل بعظم شانها وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها اى تسقط جنينها من هول تلك الزلزلة عطف على تذهل قال الحسن تذهل المرضعة عن ولدها يعنى فطام وتضع الحامل ما في بطنها من غير تمام وَتَرَى النَّاسَ سُكارى قال الحسن ترى الناس سكارى من الخوف وَما هُمْ بِسُكارى من الشراب قرأ حمزة والكسائي سكرى وما هم بسكرى قال البغوي هما لغتان لجمع السكران قال البيضاوي وقرأ سكرى كعطشى اجراء للسكر مجرى العلل أفرد الضمير في ترى الناس بعد جمعه في ترونها لان الساعة يراها الجميع واثر السكر انما

يراه كل واحد على غيره وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ فارهقهم هوله بحيث طير عقولهم واذهب تميزهم استدراك لدفع توهم خفة الأمر الناشي عن نفى السكر قالوا هذه الآية تدل على ان هذه الزلزلة تكون في الدنيا لان بعد البعث لا يكون حبل ولارضاع ويرد عليه ان قوله تعالى يا ايها الناس اتقوا اما خطاب للناس عامة واما للموجودين عند نزول الآية خاصة وعلى كلا التقديرين كون زلزلة الساعة الّتي هى من شرائطها شديدة هائلة لا يصلح تعليلا للامر بالتقوى في حق المخاطبين لان شدتها وهولها لا تلحق الا بالموجودين عندها لا بجميع الناس ولا بالموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس رضى الله عنه زلزلة الساعة قيامها وذلك بعد نفخة البعث وقيام الناس من قبورهم واختاره الحليمي وغيره قالوا خرج هذه الآية مخرج المجاز والتمثيل لشدة الهول والفزع لا على الحقيقة نظيره قوله تعالى يوما يجعل الولدان شيبا ولا شيب فيه انما هو مجاز لشدة الهول واستدلوا على ذلك بما أخرجه احمد والترمذي وصححه عن عمران بن حصين قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم الى قوله عذاب الله شديد قال أتدرون اىّ يوم ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار الحديث وقال البغوي روى عن عمران بن حصين وابى سعيد الخدري وغيرهما ان هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بنى المصطلق ليلا فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم فلم ير اكثر باكيا من تلك الليلة فلما أصبحوا لم يحطوا السرج عن الدواب ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا قدرا والناس من بين باك او جالس حزين متفكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون يوم ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال ذلك يوم يقول الله عزّ وجلّ لآدم قم فابعث بعث النار من ولدك فيقول آدم من كل كم كم فيقول الله عزّ وجلّ من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين الى النار وواحد الى الجنة فكبر ذلك على المسلمين وبكوا وقالوا فمن ينجو كما يا رسول الله فقال رسول الله

صلى الله عليه وسلم بشروا وسدّدوا وقاربوا فان معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه يأجوج وماجوج ثم قال انى لارجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة فكبروا وحمدوا الله ثم قال لارجو ان تكونوا نصف اهل الجنة فكبروا وحمدوا الله ثم قال انى لارجو ان تكونوا ثلثى اهل الجنة وان اهل الجنة مائة وعشرين صفا ثمانون منها أمتي وما المسلمون في الكفار الا كالشامة في جنب البعير وكالرقمة في ذراع الدابة بل كالشرة السوداء في الثور الأبيض وكالشعرة البيضاء في الثور الأسود ثم قال تدخل من أمتي سبعون الفا الجنة بغير حساب فقال عمر سبعون الفا قال نعم ومع كل واحد سبعون الفا فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله ان يجعلنى الله منهم فقال صلى الله عليه وسلم أنت منهم فقام رجل من الأنصار فقال ادع الله ان يجعلنى منهم فقال صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة وأجاب اصحاب القول الاول ان هذا الحديث لا يدل على ان الزلزلة تكون حين الأمر ببعث النار بل يكون ذلك اليوم والأمر متاخر عنها فكانه صلى الله عليه وسلم لما اخبر عن الزلزلة الّتي كانت متقدمة عن النفخة الاولى ذكر ما يكون في ذلك اليوم من الأهوال العظام وهو قوله لآدم البث بعث النار فيكون ذلك في أثناء ذلك اليوم ولا يقتضى ان يكون ذلك متصلا بالنفخة الاولى قلت وهذا الجواب ضعيف لان حديث ابى سعيد الّذي أخرجه الشيخان في الصحيحين عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ورد بلفظ يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال اخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد قالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد قال ابشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج الف ثم قال والّذي نفسى بيده أرجو ان تكونوا ربع اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا نصف اهل الجنة فكبرنا قال ما أنتم في الناس الا كالشعرة السوداء في جلد ثور ابيض او كشعرة بيضاء في جلد ثور اسود فان هذا

[سورة الحج (22) : آية 3]

الحديث صريح في اقتران مشيب الصغير ووضع ذات حمل حملها بالأمر ببعث النار بل تقدم البعث على الزلزلة. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ اى في ذات الله وصفاته وأحكامه بِغَيْرِ عِلْمٍ نزلت في النضر بن الحارث كان كثير الجدال وكان يقول الملئكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين وكان ينكر البعث واحياء من صار ترابا كذا اخرج ابن ابى خاتم عن ابى مالك وَيَتَّبِعُ فى المجادلة او في عامة أحواله كُلَّ شَيْطانٍ اعترضه من الجن والانس مَرِيدٍ المرد النجرد العرى ومنه الأمرد لتجرده عن الشعر والمريد والمارد بمعنى العاري من الخير المستقر في الشر وفي القاموس مرد كنصر وكرم مرود او مرادة فهو مارد ومريد ومتمرد أقدم أو عتا او هو ان يبلغ الغاية الّتي تخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصنف ومرده قطعه ومرّق عرضه وعلى الشيء مرن واستمر. كُتِبَ اى قضى عَلَيْهِ اى على الشيطان أَنَّهُ اى الشان مَنْ تَوَلَّاهُ اى تبعه فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ان المفتوحة مع جملتها خبر لمبتدأ محذوف والجملة بعد الفاء جزاء لمن ان كانت شرطية وجوابه ان كانت موصولة والمعنى ان من تبع الشيطان فالامر ان الشيطان يضل تابعه عن سواء السبيل فلم ب؟؟؟ بل عليه وَيَهْدِيهِ اى يريه طريق النار او يوصله إِلى عَذابِ السَّعِيرِ بالحمل الى ما يوصله وقيل ضمير انه راجع الى الشيطان ومن موصولة او موصوفة مع صلتها او صيغتها خبر لان والضمير المنصوب في تولاه راجع الى التابع وألفا في فانه يضله للعطف على انه من تولاه والمعنى قضى على الشيطان انه نفس تولى تابعه او الّذي تولى تابعه اى أحبه او استولى عليه فقضى ان الشيطان يضله كذا قال الزجاج وجملة ومن الناس من يجادل في الله حال من فاعل اتقوا تقديره يا ايها الناس اتقوا ومنكم من يجادل ولم يتق ففيه التفات من الخطاب الى الغيبة او معترضة. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي فى شك مِنَ الْبَعْثِ اى من إمكانه وكونه مقدورا لنا فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ يعنى خلقنا جنسكم وهو شامل لمن يولد ومن يسقط لكونه مستعدا لان يصير إنسانا يعنى فانظروا في بدأ خلقكم فانه يزيل ريبكم

فانا خلقناكم مِنْ تُرابٍ بخلق أبيكم آدم منه او المعنى خلقناكم من الاغذية الّتي تنبت من التراب الّتي يتولد منها المنى ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ اى منى مشتق من النطف بمعنى الصب ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ قطعة من الدم جامدة ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ قطعة من اللحم وهى في الأصل قدر ما يمضغ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ قال ابن عباس اى تامة الخلق وغير تامة الخلق وقال مجاهد مصورة وغير مصورة وقيل المخلقة الولد يأتي به المرأة لوقته غير مخلقة السقط فالمراد بغير المخلقة على هذه الأقوال السقط وقيل المخلقة المسواة الّتي لا نقص فيها ولا عيب وغير المخلقة ما فيه نقص وعيب كانّ الله عزّ وجلّ يخلق المضغ متفاوتة منها ما هو كامل الخلق أملس من العيوب ومنها ما هو على عكس ذلك فيتبع ذلك التفاوة تفاوة الناس في خلقتهم وصورهم وطولهم وقصرهم وكما لهم ونقصانهم فعلى هذا ليس المراد بغير المخلقة السقط فحينئذ لا حاجة الى ما قلنا ان السقط من جنس الإنسان من حيث الاستعداد لكن الصحيح هو الاول والمراد بغير المخلقة السقط قال البغوي روى علقمة عن ابن مسعود قال ان النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه فقال اى رب مخلقة او غير مخلقة فان قال غير مخلقة قذفها الرحم دما ولم يكن نسمة وان قال مخلقة قال الملك اذكر أم أنثى أشقى أم سعيد ما الاجل ما العمل ما الرزق فيقال له اذهب الى أم الكتاب فانك تجد فيها كل ذلك فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته لِنُبَيِّنَ لَكُمْ تتعلق بخلقناكم مقيدا بما ذكر يعنى لنبين ونظهر لكم بهذا التدريج كمال قدرتنا وحكمتنا حتى تستدلوا به على البعث بان ما قبل التغير والفساد والتكون مرة في بدو الخلق يقبلها ثانيا عند الاعادة ومن قدر على تغييره وتصويره اولا قدر على ذلك ثانيا وحذف المفعول ايماء الى ان أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وحكمته مالا يحيط به الذكر وقيل معناه لنبين لكم ما تأتونه وما تذرونه وما تحتاجون اليه في العبادة يعنى خلقناكم لاجل التكليف وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ حال بتقدير ونحن نقرأ وعطف على انا خلقناكم نعنى نثبت و

[سورة الحج (22) : آية 6]

نسكن في الأرحام فلا تمجه ولا تسقطه ما نَشاءُ اى مدة نشاء ان نقر فيه إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى معلوم عند الله تعالى وهو وقت الخروج من الرحم مولود ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ من بطون أمّهاتكم طِفْلًا اى أطفالا صغارا حال من الضمير المنصوب في نخرجكم أجريت عليه بتأويل كل واحد او الدلالة على الجنس او لانه في الأصل مصدر ثُمَّ لِتَبْلُغُوا متعلق بمحذوف تقديره ثم نربيكم لتبلغوا أَشُدَّكُمْ جمع شدة كالغم جمع نعمة يعنى ليبلغوا كل شدة وكمال قدر لكم في القوة والعقل وغير ذلك قالوا وبلوغ الأشد ما بين ثلثين الى أربعين سنة وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى عند بلوغ الأشد او قبله جملة معترضة او حال او معطوفة على ما سبق وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ بالهرم والخرف لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً متعلق بيرد واللام للعاقبة يعنى حتى يعود الى الهيئة الاولى الّتي كانت في أوان الطفولية من سخافة العقل وقلة الفهم فينسى ما علمه وينكر ما عرفه قال عكرمة من قرأ القران لم يصير بهذه الحالة والآية استدلال ثان على إمكان البعث بما يعترى الإنسان في أسنانه من الأمور المختلفة والأحوال المتضادة فان من قدر على ذلك قدر على نظائره وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً اى ميتة يابسة من همدت النار إذا صارت رمادا فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ تحركت بالنبات وَرَبَتْ اى زادت وانتفخت قرأ ابو جعفر ربأت بالهمزة وكذلك في حم السجدة اى علت وارتفعت قال المبرد أراد اهتز وربا نباتها فحذف المضاف لان الاهتزاز في النبات اظهر وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ من زائدة اى أنبتت كل صنف بَهِيجٍ اى حسن في القاموس البهيجة السرور بهج ككرم فهو بهج وهو مبهاج وكخجل فرح فهو بهيج وبهج وكمنع افرح وسرّكا بهج والابتهاج السرور وجملة ترى الأرض عطف على انا خلقناكم أورد جملة فعلية ليدل على حدوث هذه الصفة مرة بعد اخرى فهذه دليل ثالث كررها الله تعالى في كتابه لظهوره وكونه مشاهدا. ذلِكَ اشارة الى ما ذكر من خلق الإنسان في أطوار مختلفة وتحويله على احوال

[سورة الحج (22) : آية 7]

متضادة ومن احياء الأرض بعد موتها وهو مبتدأ خبره بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ اى بسبب ان الله هو الثابت المتحقق في نفسه الواجب وجوده الّذي به يتحقق الأشياء لو لاه لاستحال خروج الممكن من مخدع العدم وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى منه النطفة والأرض الموات وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لان قدرته لذاته ونسبة ذاته الى الكل سواء فلما دلت المشاهدة على قدرته على احياء بعض الأموات لزم اقتداره على كلها وإن كان عظما رميما. وَأَنَّ السَّاعَةَ يعنى ساعة القراض الدنيا آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها فان التغير من مقدمات الانصرام وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ بمقتضى وعده الّذي لا يحتمل الخلف الجمل الثلث الاول منها لبيان العلة الفاعلية لخلق الإنسان في أطوار مختلفة وتحويله على احوال متضادة واحياء الأرض بعد موتها والجملتين الأخيرتين لبيان العلة الغائية اى ما هو بمنزلة العلة الغائية فان خلق الإنسان ونحوه لمعرفة الله سبحانه وحسن عبادته والا لكان إيجاده عبثا وخلق سائر الكائنات لتكون برهانا لمعرفة الديان ويترتب على وجوب المعرفة وجوب العبادة وعليه يترتب الجزاء إذ لولا البعث والجزاء لزم التسوية بين المسلمين والمنكرين المجرمين فيختل امر العدل قال الله تعالى افنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ضرورى وَلا هُدىً اى استدلال يهدى الى المعرفة وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ مظهر للحق منزل من الله تعالى على أحد من الناس فان اسباب العلم للانسان انما هو أحد هذه الأمور الثلاثة ثانِيَ عِطْفِهِ العطف الجانب والعطفان الجانبان يمينا وشمالا وهو الموضع الّذي يعطف الإنسان اى يلوى ويميله عند الاعراض قال مجاهد اى لاوى عنقه حاصل المعنى معرضا عما يدعى اليه من الحق تكبرا او تبخترا كذا قال ابن عطية وابن زيد وابن جريح. لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ متعلق بيجادل قرأ ابن كثير وابو عمر بفتح الياء من المجرد والباقون بضم الياء من الافعال يعنى يجادل حتى يضل غيره لَهُ فِي

[سورة الحج (22) : آية 10]

الدُّنْيا خِزْيٌ وهو القتل والاسر فقتل نضر بن الحارث وعقبه بن ابى معيط يوم بدر صبر او قتل معهما سبعون واسر سبعون وقال جلال الدين المحلى نزلت الآية في ابى جهل فقتل يوم بدر وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ اى المحرق وهو النار. ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ التفات من الغيبة الى الخطاب او التقدير ويقال لهم يوم القيمة إذا عذبوا ذلك العذاب بسبب ما فعلته من الكفر والمعاصي وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أورد صيغة المبالغة نظرا الى كثرة العبيد والجملة معطوفة على ما قدمت يداك ونفى الظلم كناية عن العدل كما ان عدم الحب في قوله تعالى لا يحب الله الجهر بالقول كناية عن البغض والعدل سبب لمجازاة الكفر والمعاصي بالتعذيب اخرج البخاري وابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن عباس قال كان الرجل يقدم المدينة فيسلم فان ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال هذا دين صالح وان لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال هذا دين سوء فانزل الله تعالى. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ قال المفسرون معناه على شك من حرف الشيء وهو طرفه فالشاك والمنافق كانه على طرف من الفريقين المؤمنين والكافرين قد يميل الى هؤلاء وقد يميل الى هؤلاء او هو كالذى على طرف الجيش فان احسّ الظفر قرّ والا فرّ واخرج ابن ابى حاتم وكذا قال البغوي انها نزلت في يوم من الاعراب كانوا يقدمون المدينة والمهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت بها فرسه مهر أحسنا وولدت أمرته غلاما وكثر ماله قال هذا دين حسن وقد أصبت فيه خيرا واطمأن اليه وهو المعنى قوله تعالى فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ اى بتعبد الله والإسلام وان صابه مرض وولدت امرأته جارية وأجهضت رهاكه وقل ماله قال ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين الا شرا فينقلب عن دينه وهو المعنى لقوله تعالى وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ بلاء وشدة انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ اى ارتد عن دينه ورجع على عقبه الى الوجه الّذي كان عليه من الكفر واخرج ابن مردوية من طريق

[سورة الحج (22) : آية 12]

عطية عن ابى سعيد قال اسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشام بالإسلام فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقلني فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الإسلام لا يقال «1» فقال لم أصب من دينى هذا خيرا ذهب بصرى ومالى ومات ولدي فنزلت الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا يهودى ان الإسلام يسبك الرجال كما يسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ يعنى هذا الّذي ارتد من الدين لاجل بلاء في الدنيا خسر الدنيا لفوات ماله وولده وما كان يؤمل ولذهاب عصمته وخسر الاخرة بالخلود في النار وحبط عمله ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ لا خسران مثله. يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ ان لم يعبده وَما لا يَنْفَعُهُ ان عبده ذلِكَ الدعاء هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ عن الحق مستعار من ضل في التيه إذا ابعد عن الطريق المستقيم. يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ اللام زائدة والمعنى يدعوا من ضره اى ضر عبادته هكذا قرأ ابن مسعود رضى الله عنه أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ الموهوم الّذي يتوقعه الكافر بعبادته وهو الشفاعة والتوسل بها الى الله تعالى وهذا على عادة العرب فانهم يقولون لما لا يكون موجودا أصلا هذا شيء بعيد ونظيره قوله تعالى ذلك رجع بعيد اى لارجع أصلا ولما كان النفع من الصنم بعيدا بمعنى انه لا نفع فيه أصلا قيل ضره اقرب من نفعه لانه كائن لا محالة قيل يدعوا من تتمة الكلام السابق تكرير لقوله يدعوا في قوله يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه تأكيد لفظى له وما بعده كلام مستأنف واللام في لمن ضره جواب لقسم محذوف والموصول مع صلته مبتدأ خبره لَبِئْسَ الْمَوْلى اى الناصر وقيل المعبود وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ اى الصاحب والمخالط يعنى الوثن والعرب يسمى الزوج عشيرا لأجل المخالطة والجملتان الزامتان مستانفتان على قراءة ابن مسعود وما في معناه وقيل اللام متعلقه ليدعوا من حيث انه بمعنى يزعم والزعم قول مع اعتقاد او يقال يدعو داخلة على الجملة الواقعة مقولا اجراء له محرى القول وعلى هذين التقديرين اللام جواب قسم محذوف ومن مع صلته

_ (1) من الا قالة اى لا ينبغى الإسلام ان يرجع عنه- مصحح سيد عفى عنه.

[سورة الحج (22) : آية 14]

مبتدأ خبره لبئس المولى ولبئس العشير والمعنى يقول الكافر ذلك يوم القيمة حين يرى استضرار به وقيل تقدير الكلام يدعوا لمن ضره اقرب من نفعه يدعوا فحذف يدعوا الأخير احتزاء بالأول والمفعول ليدعوا الاول محذوف والموصول منصوب بيدعو الثاني واللام في لمن ضره جواب قسم محذوف وقيل اللام بمعنى ان. إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ يعنى انه تعالى يريد اثابة المؤمن الصالح وعقاب المشرك ولا دافع لمراده ولا مانع لقضائه. مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ اى محمدا صلى الله عليه وسلم الظن بمعنى الوهم يقتضى مفعولا واحدا وهو ان مع جملتها وإن كان الظن بمعناه فالجملة قائمة مقام المفعولين فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ هذا كلام فيه اختصار تقديره ان الله ناصر رسوله في الدنيا والاخرة فمن كان يظن خلاف ذلك ويتوقعه لاجل غيظه الرسول صلى الله عليه وسلم فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ اى بحبل إِلَى السَّماءِ اى سماء بيته يعنى ليشدد حبلا في سقف بيته ثُمَّ لْيَقْطَعْ اى ليختنق من قطع إذا اختنق فان المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه يعنى يستعض في ازالة غيظه وليفعل كل ما يفعل الممتلى غيظا حتى يموت وهذا امر للتعجيز يقال للحاسد ان لم ترض بهذا فاختنق ومت غيظا وقال ابن زيد المراد بالسماء السماء الدنيا والمعنى من كان يظن ان لن ينصر الله نبيه ويكيده في امره ليقطعه من أصله حتى يبلغ عنان السماء فيجتهد في دفع نصر الله إياه او ليمدد بحبل الى السماء الدنيا وليذهب السماء وليقطع الوحى الّذي يأتيه من السماء قال البغوي روى ان هذه الآية نزلت في اسد وغطفان دعاهم النبي صلى الله عليه الى الإسلام وكان بينهم وبين اليهود حلف فقالوا لا يمكننا ان نسلم لانا نخاف ان لا ينصر الله محمدا ولا يظهر امره فينقطع الحلف بيننا وبين اليهود فلا يميروننا ولا يؤووننا فنزلت هذه الآية وقال مجاهد النصر بمعنى الرزق

[سورة الحج (22) : آية 16]

يقول العرب من نصرنى نصره الله يعنى من اعطا في أعطاه الله وقال ابو عبيدة يقول العرب ارض منصورة اى ممطورة مرزوقة بالمطر والضمير المنصوب في ينصره راجع الى الموصول والآية نزلت في من أساء الظن بالله وخاف ان لا يرزقه والمعنى من كان ليظن ان لن يرزقه الله فليمدد بحبل الى سماء بيته ثم ليختنق ويمت غيظا على عدم ترزيقه او ليمدد حبلا الى السماء الدنيا ثم ليقطع به المسافة حتى يبلغ عنانا وليأت من هناك رزقه قرأ ورش وابو عمرو ابن عامر ثم ليقطع بكسر لام الأمر والباقون بجزمها فَلْيَنْظُرْ فليتصور في نفسه بعد ارادة مد السبب وقطع المسافة او الاختناق هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ يعنى هل يدفع فعله ذلك غيظه او الّذي يغيظه من نصر الله سماه كيدا لانه منتهى سعيه والاستفهام للانكار وجملة من كان يظن الى آخرها تأكيد لقوله ان الله يفعل ما يريد يعنى كما ان غيظ الحاسد لا يدفع ما أراد الله تعالى من نصر رسوله والمؤمنين في الدنيا والاخرة لا يدفع أحد شيئا مما أراد الله تعالى. وَكَذلِكَ اى انزالا مثل ذلك الانزال اى مثل انزالنا الآيات الدالة على إمكان البعث والتوحيد وصدق الرسول والوعد بنصره أَنْزَلْناهُ اى القران كله حال كونه آياتٍ بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به فلا منافاة بين هذه الاية وبين قوله تعالى منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات لاختفاء المراد منها مع ظهور اعجازها وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ الجملة في محل الجر بلام التعليل معطوفة على محذوف متعلق بقوله أنزلناه يعنى أنزلناه لمصالح ولان يهدى به او يثبت على الهدى من يريد الله هدايته او ثباته على الهداية وجاز ان يكون في محل النصب عطفا على الضمير المنصوب في أنزلناه يعنى وأنزلنا ان الله يهدى من يريد. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يعنى عبدة الأوثان إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بالحكومة بينهم واظهار المحق منهم من المبطل او بالجزاء فيجازى

[سورة الحج (22) : آية 18]

كلّا ما يليق به ويدخل فريقا في الجنة وفريقا في السعير ادخلت كلمة ان على كل واحد من طرفى الجملة لمزيد التأكيد ثم أكده بقوله إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ عالم به بمراقب لاحواله فلا يجوز ان يجعل المسلمين كالمجرمين ولا بمنزلة المحقق من المبطل مع كمال علمه بظواهر احوال كل وبواطنها الم تر يعنى الم تعلم. أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ من الملئكة وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من الانس والجن يعنى المؤمنين منهم وكلمة من وان كان يعم المؤمن والكافر لكن خص منه الكافر بكلام مستقل وهو قوله تعالى وكثير حق عليهم العذاب فبقى المؤمنون مراد او انما فسرت هكذا لان كلمة من لذوى العقول ولما عطف عليه قوله وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ فان حقيقة العطف للمغائرة وحمل البيضاوي كلمة من على العموم وقال من يجوز ان تعم اولى العقل وغيرهم او على التغلب وقال اكثر المحققين ان من لا يعبر به عن غير الناطقين الا إذا جمع بينهم وبين غيرهم فعلى تقدير ارادة العموم قوله والشمس إلخ من قبيل عطف الخاص على العام أفردها بالذكر لشهرتها واستبعاد ذلك منها والمراد بالسجود عند المحدثين والعلماء المتقدمين الطاعة الاختيارية فان الجمادات وان كانت أمواتا عندنا لكن لها حيوة ما وهى مطيعة طاعة اختيارية لله تعالى قال الله تعالى قالتا اتينا طائعين وقال في وصف الحجارة وان منها لما يهبط من خشية الله وقال وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان الجبل ينادى الجبل يا فلان هل مرّ بك أحد يذكر الله رواه الطبراني من حديث ابن مسعود قال البغوي هذا مذهب حسن موافق لقول اهل السنة وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مبتدأ وَكَثِيرٌ نكرير للاول تأكيدا ومبالغة في الكثرة وخبره حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ لعدم انخراطهم في الساجدين فهذا لجملة مخصصة بكلمة من مخرجة للكافرين من ان يرادوا بها وقيل كلمة من في قوله تعالى من في الأرض بمعنى ما للعموم والمراد بالسجود كون الممكنات كلها متسخرة لقدرته غير آبية

[سورة الحج (22) : آية 19]

عن تدبيره دالة بذواتها على عظمة تدبرها وقوله وكثير من الناس مبتدأ خبره محذوف دل عليه خبر قسيمه يعنى حق لهم الثواب او فاعل لفعل محذوف تقديره ويسجد له سجود طاعة اى بوضع الجبهة على الأرض كثير من الناس وعلى التقديرين قوله كثير من الناس جملة مستانفة وقوله كثير حق عليهم العذاب مستانفة اخرى ومن قال بجواز عموم المشترك يعنى استعمال لفظ واحد مشترك في المعنيين في كل واحد من مفهوميه معا واسناده باعتبار أحد المعنيين الى امر وباعتبار المعنى الآخر الى امر آخر قالوا قوله وكثير من الناس مفرد معطوف على ما سبق والمعنى يسجد له سجود التسخر جميع الكائنات وسجودا الطاعة كثير من الناس وكثير حق عليهم العذاب لاجل ابائهم عن سجود الطاعة جملة مستانفة وجاز ان يكون مفردا معطوفا على الساجدين بالمعنى الأعم موصوفا بقوله حق عليهم العذاب وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ مبتدأ فيه معنى الشرط وخبره المتضمن بمعنى الجزاء قوله فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ يعنى من يهينه الله بالشقاوة لا يكرمه أحد بالسعادة هذه الحملة معطوفة على الاسمية السابقة او حال إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ من الإكرام والاهانة والسعادة والشقاوة مختصان بمشية الله تعالى. هذانِ خَصْمانِ فوجان متخاصمان يعنى المؤمنون خصم والكافرون من الأنواع الخمسة خصم وهو يطلق على الواحد والجماعة اخْتَصَمُوا أورد صيغة الجمع حملا على المعنى فِي رَبِّهِمْ اى في دينه او في ذاته وصفاته وامره روى الشيخان في الصحيحين عن ابى ذر قال نزلت قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم في حمزة وعبيدة وعلى بن ابى طالب رضى الله عنهم وعتبة وشيبة والوليد بن عتبه واخرج البخاري والحاكم عن على قال فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر واخرج الحاكم عنه بوجه آخر قال نزلت في الذين بارزوا يوم بدر على وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وروى البغوي عن قيس بن عباد عن على بن ابى طالب قال انا أول من يحثوا بين يدى الرحمة للخصومة يوم القيمة قال قيس وفيهم نزلت هذه الاية وقال قيس هم الذين بارزوا يوم بدر حمزة وعلى وعبيدة وشيبه بن ربيعه وعتبه بن ربيعه

والوليد بن عتبه قال محمد بن إسحاق خرج يعنى يوم بدر عتبه بن ربيعه بين أخيه شيبه بن ربيعه وابنه الوليد بن عتبة حتى إذا وصلوا الى الصف دعوا الى المبارزة فخرج إليهم فتية من الأنصار ثلثة عوف ومعاذ ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء وعبد الله بن رواحه فقالوا من أنتم فقالوا رهط من الأنصار حين انتسبوا اكفاء كرام ثم نادى مناديهم يا محمد اخرج إلينا اكفائنا من قومنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قويا عبيدة بن الحارث يا حمزة بن عبد المطلب ويا على بن ابى طالب فلما دنوا قالوا من أنتم فذكروا قالوا نعم اكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة وبارز حمزة شيبة وبارز علىّ الوليد بن عتبة فاما حمزة فلم يمهل ان قتل شيبة وعلىّ الوليد واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتان كلاهما اثبت صاحبه فكرّ حمزة وعلىّ بأسيافهما على عتبة «1» فدفعا عليه واحتملا عبيدة الى أصحابه وقد قطعت رجله ومخها يسيل فلما أتوا بعبيدة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الست شهيدا قال بلى فقال عبيدة لو كان ابو طالب حيا لعلم انا أحق بما قال منه حيث يقول شعر كذبتم وبيت الله يبزى «2» محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناصل «3» ونسلمه حتى نصرع حوله ... نذهل عن أبنائنا والحلائل واخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس وعبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن قتادة ان الآية نزلت في المسلمين واهل الكتاب فقال اهل الكتاب نحن اولى بالله منكم واقدم منكم كتابا ونبينا قبل نبيكم وقال المؤمنون نحن أحق بالله آمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبيكم وبما انزل الله من كتاب وأنتم تعرفون نبينا وكتابنا وكفرتم به حسدا فهذا خصومتهم في ربهم وقال مجاهد وعطاء بن رباح الكلبي هم المؤمنون والكافرون من اىّ ملة كانوا وقال بعضهم جعل الأديان ستة في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا الآية

_ (1) دفغا عليه اى اسرعا قتله 12. (2) على صيغة المجهول أراد لا يبزى حذف لا في جواب القسم وهى مراده اى لا يقهر ولا يغلب والبز بالزاء المعجمة الغلبة والقهر 12. (3) التناصل الترامي بالسهام 12. [.....]

فجعل خمسة للنار وواحد للجنة فقوله هذان خصمان ينصرف إليهم فالمومنون خصم وسائر الخمسة خصم لان الكفر ملة واحدة ومبنى هذين القولين عموم اللفظ وسياق القصة ولا شك ان العبرة لعموم اللفظ دون خصوص السبب وقال عكرمه هما الجنة والنار اختصما روى الشيخان في الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحاجت الجنة والنار فقالت النار او ثرت بالمتكبرين والمتبخترين وقالت الجنة فما لى لا يدخلنى الا ضعفاء الناس وسقطهم وعرّتهم «1» قال الله تعالى للجنة انما أنت رحمتى ارحم بك من أشاء من عبادى وقال للنار انما أنت عذابى أعذب بك من أشاء ولكل واحد منكما ملؤها فاما النار فلا تمتلى حتى يضع الله رجله تقول قط قط قط فهنالك تمتلى ويزوى «2» بعضها الى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا واما الجنة فان الله تعالى ينشأ لها خلقا فَالَّذِينَ كَفَرُوا فصل لخصومتهم وهو المعنى لقوله تعالى ان الله يفصل بينهم يوم القيمة قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ اى قدرت لهم على مقادير حيثيتهم قال سعيد بن جبير ثياب من نحاس مذاب وليس من الآنية شيء إذا حمى أشد حرا منه وتسمى باسم الثياب لانها تحيط بأبدانهم كاحاطة الثياب وقال بعضهم يلبس اهل النار مقطعات من النار روى احمد بسند حسن عن جويرية قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا البسه الله يوم القيمة ثوبا من نار واخرج والبزار وابن ابى حاتم والبيهقي بسند صحيح عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يكسى حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسجها من بعده وذريته من بعده وهو ينادى يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فيقال لهم لا تدعوا ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا واخرج ابو نعيم عن وهب بن منبه قال كسى اهل النار والعرى كان خيرا لهم واعطوا الحيوة والموت كان خيرا لهم واخرج عن ابى مالك الأشعري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النائحة إذا لم تيت قبل موتها تقام يوم القيمة وعليها سربال من قطران

_ (1) عرّة جمع عرير وهو الفقير تتعرض للسوال من غير طلب ومنه المعتر 12. (2) اى تجتمع وتنصرف 12.

[سورة الحج (22) : آية 20]

ودرع من جرب رواه ابن ماجه بلفظ ان النائحة إذا ماتت ولم تتب قطع لها ثيابا من قطران ودرعا من لهب النار يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ حال من الضمير في لهم او خبر ثان والحميم الماء الحار الّذي انتهى حرارته. يُصْهَرُ بِهِ اى يذاب بذلك الحميم المنصب من فوقهم رؤسهم ما فِي بُطُونِهِمْ من الشحوم والاحشاء وَالْجُلُودُ ويصهربه الجلود يعنى يؤثّر حرارته في بواطنهم كما يوثر في ظواهرهم والجملة حال من الحميم او من ضميرهم اخرج الترمذي وحسنه عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الحميم ليصب على روسهم فينفذ الحميم حتى تخلص الى جوفه فيسيل ما في جوفه ثم يهراق من بين قدميه وهو الصهر ثم يعادكما كان. وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ جمع مقمعة وحقيقتها ما يقمع به اى يكف بعنف قال الليث المقمعة شبه الجرز وهو بالفارسية گرز بالكاف الفارسي قال البغوي هو من قولهم قمعت راسه إذا ضربته ضربا عنيفا والجملة حال من الضمير المجرور في بطونهم اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس في هذه الآية انه قال يضربون بها اى بالمقامع فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالثبور واخرج احمد وابو يعلى وابن ابى حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لو ان مقمعا من حديد وضع على الأرض فاجتمع الثقلان ما اقلوه من الأرض ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتعثت ثم عادكما كان. كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها اى من النار من غم وكرب يلحقهم بانفاسهم بسبب النار بدل اشتمال من الضمير المجرور باعادة الجار أُعِيدُوا فِيها تقديره كلما أرادوا ان يخرجوا منها فخرجوا منها عيدوا فيها لان الاعادة لا يكون الا بعد الخروج والجملة الشرطية اعنى كلما أرادوا الى آخرها صفة لمقامع والرابط محذوف اى أعيدوا بها فيها واخرج ابن ابى حاتم عن الفضيل بن عياض في الآية انه قال والله ما طمعوا في الخروج لان الأرجل مقيدة موبقة ولكن يرفعهم لهها وتردهم مقامعها قلت لعل المراد بقوله أرادوا ان يخرجوا منها انهم يزعمون حين يرفعهم لهبها ان يقعوا خارج النار ولا يكون كذلك بل يردهم مقامعها و

[سورة الحج (22) : آية 23]

اخرج البيهقي عن ابى صالح قال إذا القى الرجل في النار لم يكن له منتهى حتى يبلغ قعرها ثم تحيش به جهنم فترفعه الى أعلى جهلم وما على عظامه مضغة لحم فتضرب الملئكة بالمقامع فيهوى بهم الى قعرها فلا يزال كذلك وذكر البغوي ان في التفسير ان جهنم لتحيش بهم فتلقيهم الى أعلاها فيريدون الخروج منها فيضربهم الزبانية بمقامع الحديد منهون وفيها سبعون خريفا وَذُوقُوا هذه الجملة معطوفة على أعيدوا بتقدير وقبل لهم ذوقوا عَذابَ الْحَرِيقِ اى النار المحرقة البالغة في الإحراق فعيل بمعنى الفاعل كالاليم بمعنى المولم والوجيع بمعنى الوجع قال الزجاج هؤلاء يعنى الذين مر ذكرهم في تلك الآيات أحد الخصمين وقال في الآخر. إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ غير الأسلوب فيه وأسند الإدخال الى الله تعالى وأكده بان احماد الحال المؤمنين وتعظيما لشانهم يُحَلَّوْنَ من حليت المرأة إذا ألبست الحلي حال من الموصول فِيها اى في الجنة مِنْ أَساوِرَ جمع اسورة وهو جمع سوار صفة لمفعول محذوف يعنى يحلون حليا كائنا من أساور مِنْ ذَهَبٍ بيان له وَلُؤْلُؤاً معطوف على أساور على قرأة نافع وعاصم بالنصب هاهنا وفي سورة فاطر حملا على محل أساور او بإضمار الناصب يعنى ويؤتون لؤلؤا والباقون بالجر حملا على لفظة أساور او عطفا على ذهب قال القرطبي قال المفسرون ليس أحد من اهل الجنة الا وفي يده ثلث اسورة سوار من ذهب وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ قلت والالف المكتوب في الرسم بعد الواو يؤيد النصب وقال ابو عمرو اثبتوا الالف كما اثبتوا في قالوا وكانوا وقال الكسائي الف صورة الهمزة وترك أبو بكر وابو عمرو إذا خفف الهمزة الاولى من لؤلؤ واللؤلؤ في جميع القرآن وحمزة إذا وقف سهل الهمزتين على أصله وهشام يسهل الثانية في غير النصب على أصله والباقون يحققونهما اخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى جنت عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير فقال عليهم التيجان ان ادنى لؤلؤ منها ليضىء ما بين المشرق والمغرب واخرج الطبراني الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابى هريرة قال قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم لو ان ادنى اهل الجنة حليه عدلت حليته بحلية اهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه الله تعالى به في الآخرة أفضل من حلية اهل الدنيا جميعا واخرج ابو شيخ في العظمة عن كعب الأحبار قال ان الله تعالى ملكا يصوغ حلى اهل الجنة من يوم حلقه الى ان تقوم الساعة ولو ان حليا اخرج من حلى اهل الجنة لذهب بضوء الشمس واخرج الشيخان في الصحيحين عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الضوء واخرج في الزهد من طريق عمران بن خالد عمن أدرك اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انهم قالوا من ترك لبس الذهب وهو يقدر عليه البسه الله إياه في حظيره القدس ومن ترك الخمر وهو يقدر عليه سقاه الله إياه من حظير القدس واخرج النسائي والحاكم عن عقبة بن عامر رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنع اهل الحلية والحرير ويقول ان كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا وعن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ حال من فاعل يحلون او عطف عليه وغيّر اسلوب الكلام للدلالة على ان الحرير لباسهم المعتاد او للمحافظة على رؤس الآي اخرج البزار وابو يعلى والطبراني من حديث جابر بسند صحيح عن ابى الخير مرثد بن عبد الله قال في الجنة شجرة تنبت السندس يكون ثياب اهل الجنة وروى النسائي والطيالسي والبزار والبيهقي بسند جيد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنشق عنها يعنى ثياب اهل الجنة ثمر الجنة مرتين واخرج ابن المبارك عن ابى هريرة قال ان دار المؤمن درة مجوفة فيها أربعين بيتا في وسطها شجرة تنبت الجلل فيذهب فياخذ بإصبعه سبعين حلة منظم باللؤلؤ والزبرجد والمرجان- فصل واخرج الشيخان عن حذيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فانها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة واخرج الشيخان عن عمر رضى الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة واخرج مثله من حديث انس والزبير واخرج النسائي والحاكم عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من

[سورة الحج (22) : آية 24]

لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب بها في الآخرة واخرج الطيالسي بسند صحيح والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وان دخل الجنة لم يلبسه واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا عن ابى امامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما منكم من أحد الا انطلق به الى طوبى فيفتح له أكمامها فياخذ من اى ذلك شاء ان شاء ابيض وان شاء احمر وان شاء اخضر وان شاء اصفر وان شاء اسود مثل شقاق النعمان وارق واحسن واخرج ايضا عن كعب قال لو ان ثوبا من ثياب الجنة لبس في الدنيا لصعق من ينظر اليه وما حملته أبصارهم واخرج الصابوني في المائتن عن عكرمة قال ان الرجل من اهل الجنة ليلبس الحلة فتكون من ساعته سبعون لونا واخرج مسلم عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يدخل الجنة فنعم فيها لا يباس ولابتلى ثيابه ولا يفنى شبابه. وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ حال بتقدير قد من الموصول المفعول ليدخل يعنى والحال انهم قد هدوا في الدنيا الى الطيب من القول يعنى شهادة ان لا اله الا الله والله اكبر والحمد لله كذا قال ابن عباس وقال السدى يعنى هدوا الى القرآن وقيل الماضي هاهنا بمعنى المستقبل يعنى ويهدون في الجنة الى الطيب من القول وهو قولهم الحمد لله الّذي صدقنا وعده وَهُدُوا اى قد هدوا في الدنيا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ اى الى دين الله وهو الإسلام والحميد هو الله المستحق للحمد لذاته او المعنى ويهدون الى صراط الجنة الّتي هى الحميد. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى يمنعون الناس من ان يدخلوا في دين الإسلام لا يريد بالمضارع حالا ولا استقبالا وانما يريد استمرار الصدّ كقولهم فلان يعطى ويمنع ولذلك حسن عطفه على الماضي وقيل هو حال من فاعل كفروا وخبر ان محذوف دل عليه اخر الآية ان نذقه من عذاب اليم وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ عطف على سبيل الله او على اسم الله والمراد بالمسجد الحرام المسجد خاصة عند الشافعي وعند ابى حنيفة رحمه الله الحرم كله كما في قوله تعالى سبحان الّذي اسرى بعبده ليلا من المسجد

الحرام على ما قيل ان الاسراء من بيت أم هانى اطلق المسجد على الحرم كله لان الغرض الأصلي من عمران مكة اقام الصلاة قال الله تعالى حكاية لقول ابراهيم عليه السّلام رب انى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى ذرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة وقد فسر الشافعي رحمه الله المسجد الحرام في قوله تعالى انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا بالحرم حيث قال يمنع الكفار مطلقا عن دخول الحرم بهذه الآية وقد ذكرنا الكلام عليه في سورة التوبة ويؤيد ارادة الحرم قوله تعالى الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ قرأ ابن كثير بإثبات الياء في الحالين وورش وأبو بكر في الوصل فقط وقرأ حفص سواء بالنصب على انه مفعول ثان لجعلنا وللناس ظرف لغو او حال من الضمير المستكن في للناس وللناس مفعول ثان والعاكف مرفوع به وقرأ الباقون سواء بالرفع على ان العاكف مبتدأ وسواء خبره مقدم عليه او سواء مبتدأ من قبيل الصفة والعاكف فاعل له والجملة مفعول ثان لجعلناه وللناس حال من الهاء او ظرف لغو وجاز ان يكون للناس مفعولا ثانيا والجملة بيان لما سبق يعنى جعلناه للناس بحيث مستوفيه المقيم والبادي اى المسافر المنسوب الى البدو وقال في القاموس البدو والبادية والبداوة والبداة خلاف الحضر يعنى ليس أحدا حق بالمنزل فيه من غيره فمن سبق الى مكان منه لا يجوز لغيره ان يزعجه كذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد قالوهما سواء في البيوت والمنازل وقال عبد الرحمن بن سابط كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من اهل مكة بأحق بمنزله منهم وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه ينهى الناس ان يغلقوا أبوابهم في الموسم كذا قال البغوي قلت روى اثر عمر عبد الرحمن بن عبد بن حميد عن نافع عن ابن عمر عنه وعن عمر بن الخطاب ان رجلا قال له عند المروة يا امير المؤمنين اقطع مكانا لى فاعقب «1» واعرض عنه وقال هو حرم الله سواء العاكف فيه والباد (ازالة الخفا) وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد ان عمر قال يا اهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء وقال عبد الرزاق عن ابن جريح كان عطا ينهى عن الكراء في الحرم وأخبرني ان عمر نهى ان يبوب دور مكة

_ (1) هكذا في الأصل ولعله تصحيف والصواب فاعقب واعرض- 12 مصحح سيّد حسن عفى عنه.

لان الحاج في عرصاتها فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو واعتذر لذلك لعمر فان قيل صح عن عمر انه اشترى دارا بمكة للسجن باربعة آلاف درهم رواه البيهقي وكذا روى البيهقي عن ابن الزبير انه اشترى حجرة سورة وعن حكيم بن خرام انه باع دار الندوة وعن عمر انه اشترى الدور من أهلها حتى وسع المسجد وكذلك عن عثمان قال وكان الصحابة في رباط متوافرين ولم ينقل انكار ذلك قلت يحمل تلك الآثار على بيع بنائها فان البناء ملك للبانى لا محالة وانما المنهي بيع الأرض ومن هاهنا قال ابو حنيفة واحمد في أصح الروايتين عنه لا يجوز بيع رباع مكة ولا اجارة دورها فان ارض الحرم عتيق غير مملوك لاحد قال الله تعالى ثم محلها الى البيت العتيق ولا شك ان المراد بالبيت العتيق ارض الحرم كله لاختصاص ارض الحرم بذبح الهدايا والقول بان المعنى ثم محلها الى مكان يقرب منه البيت العتيق تكلف وتقديره بلا ضرورة وكذا قال مالك لكن مبنى قوله ان مكة فتحت عنوة وكل بلدة فتحت عنوة فهى وقف لا يجوز بيع اراضيها وقال الشافعي بيع دود مكة وإجارتها جائزة وهى مملوكة لاهلها وبه قال الحسن وطاؤس وعمرو بن دينار وجماعة والمراد بالمسجد الحرام في الآية نفسه ومعنى الآية جعلناه للناس قبلة لصلواتهم ومنسكا متعبدا بحيث مستوفيه العاكف والبادي في تعظيم الكعبة وفضل الصلاة في المسجد الحرام والطواف بالبيت قلنا سياق الآية يقتضى اختصاص تسوية العاكف والبادي بالمسجد الحرام مع ان المساجد كلها بهذه المثابة العاكف والبادي في جميع المساجد سواء يجب على كل أحد تعظيم كل مسجد وكل مسجد يستوى فيه ثواب الصلاة والطاعة لجميع الناس لا يختلف باختلاف الحضر والسفر قال البغوي قال مجاهد وجماعة مثل ما قال الشافعي قلت بل المروي عن مجاهد مثل قول ابى حنيفة رح روى الطحاوي من طريق ابراهيم بن مهاجر عن مجاهد انه قال مكة مباح لا يحل بيع رباعها ولا اجارة بيوتها وروى عبد الرزاق من طريق ابراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها ومن الحجة لقولنا هذا ما رواه محمد في كتاب الآثار أخبرنا ابو حنيفة عن عبد الله بن ابى زياد عن ابى نجيح عن ابن عمر عن النبي

صلى الله عليه وسلم قال ان الله حرم مكة فحرام بيع رباعها وأكل ثمنها وكذا روى ابن الجوزي في التحقيق بسنده عن ابى حنيفة بذلك السند مرفوعا بلفظ مكة حرام وحرام رباعها حرام أحر بيوتها فان قيل قال الدار قطنى وهم فيه ابو حنيفة رح والصحيح انه موقوف دعوى الوهم على ابى حنيفة رح شهادة على النفي فلا يقبل وهو ثقة والرفع من الثقة مقبولة وروى محمد بذلك السند مرفوعا من أكل من أجور بيوت مكة شيئا فانما يأكل نارا ورواه الدار قطنى بسنده عن اسمعيل بن ابراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عبد الله بن باباه عن عبد بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة مباح لا يباع رباعها ولا يوجر بيوتها قلت اسمعيل بن ابراهيم ضعفه يحيى والنسائي وأبوه ابراهيم بن مهاجر ب ن جابر البجلي ضعفه البخاري وقال ابو حاتم منكر الحديث وقال ابن المديني والنسائي ليس بالقوى لكن قال سفيان واحمد ويحيى بن معين وابن مهدى لا بأس به وقال أبو بكر البيهقي الصحيح ان هذا الحديث موقوف وروى ابن الجوزي بسنده عن سعيد بن منصور قال حدثنا ابو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مكة حرام حرمها الله عزّ وجلّ لا يحل بيع رباعها ولا اجر بيوتها وهذا مرسل والمرسل عندنا حجة احتج الخصم بقوله تعالى الذين اخرجوا من ديارهم وقوله صلى الله عليه وسلم من دخل دار ابى سفيان فهو آمن قاله يوم فتح مكة وجه الاحتجاج ان الاضافة تدل على الملك قالوا ولو كانت الدور غير مملوكة لهم لما كانوا مظلومين في الإخراج عنها والجواب ان الاضافة للسكنى او للبناء يقال مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بنى فلان وكون الإخراج ظلما لا يدل على انهم اخرجوا عن ديار مملوكة لهم لتحقق الظلم بإخراجهم عن المسجد الحرام الّذي جعل الله للناس كلهم فيه سواء ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها وأقوى حججهم في الباب حديث اسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله اين تنزل غذا في حجته فقال هل ترك عقيل منزلا قال نحن نازلون غدا إنشاء الله نجيف بنى كنانه ثم قال لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر متفق عليه وروى ابن الجوزي هذا الحديث قال

اسامة يا رسول الله أتنزل دارك بمكة قال وهل ترك عقيل من رباع او دور قال الزهري وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه جعفر ولا علىّ شيئا كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين يعنى حتى مات ابو طالب قال الحافظ وفي رواية محمد بن ابى حفصه قال في آخره ويقال ان الدار الّتي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم كانت دار هاشم بن عبد مناف ثم صارت لعبد المطلب ابنه فقسمها بين ولده حين عمّر ثم صار للنبى صلى الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله وفيها ولد النبي صلى الله عليه وسلم وان النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استولى عقيل وطالب على الدار كلها باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا لم يسلما وباعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم حقه منها بالهجرة وقتل طالب ببدر فباع عقيل الدار كلها وروى الفاكهاني ان عقيلا لم يبع الدار وقال ان الدار لم يزل بيد أولاد عقيل الى ان باعوا لمحمد بن يوسف أخي الحجاج بمأته الف دينار والجواب ان بيع عقيل الدار كافر الا يكون حجة على جواز البيع وتاويل الحديث عندى ان الدار لعلها كانت مشغولة بحوائج عقيل ان لم يبع وبحوائج المشترى ان باع فالنبى صلى الله عليه وسلم لم يجدها خالية يسكن فيها ولذا قال وهل ترك لنا عقيل منزلا اى منزلا خاليا فحينئذ قول الراوي كان عقيل ورث أبا طالب وشبهه مبنى على زعمه وقوله صلى الله عليه وسلم لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكافر لعله واقعة حال آخر فضم الراوي الحديثين زعما منه ان قوله صلى الله عليه وسلم لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكافر هو الباعث على قوله صلى الله عليه وسلم وهل ترك لنا عقيل منزلا فحينئذ قوله صلى الله عليه وسلم لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكافر كلام مستانف فلا حجة في الحديث على كون رباع مكة مملوكة ولو سلمنا ان الحديث تدل على كون رباع مكة جائز البيع فنقول ان ما ذكرنا من الأحاديث الّتي تدل على حرمة بيعها نص في الحرمة يدل بالعبارة وهذا الحديث يدل على اباحة البيع بالاشارة فدلالة ما روينا اولى أقوى ثم لو سلمنا التعارض فعند التعارض يجب تقديم المحرم على المبيح ولذلك قال ابو حنيفة بالكراهة تحريما على أصله ولو كان حصة عبد الله للنبى صلى الله عليه وسلم

فلا يتصور ان يصل تلك الحصة الى عقيل الا بالاستيلاء كما هو مذهب ابى حنيفة ان الكافر يملك مال المسلم بالاستيلاء ولم يقل به الشافعي ولو ملك بالاستيلاء فلا معنى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكافر ولو كانت كلها لابى طالب فلا يتصور كونها للنبى صلى الله عليه وسلم ولو فرضنا كون ابى طالب مسلما لانه صلى الله عليه وسلم لم يكن من ورثة ابى طالب فعلى كل من التقادير يجب صرف قوله صلى الله عليه وسلم هل ترك لنا عقيل منزلا عن ظاهره فما ذكرت من التأويل اولى وكيف لا يكون التأويل ما ذكرت فانا لو سلمنا ان عليا وجعفر الم يرثا أبا طالب وانما ورثه عقيل فالنبى صلى الله عليه وسلم كان له ان ينزل في على وجعفر عارية كما كان له ان ينزل في ملك عقيل عارية وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ اى في المسجد الحرام سواء كان المراد منه المسجد او الحرم كله على القولين بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ وقيل الحاد في محل النصب على المفعولية والباء زائدة كما قوله تعالى تنبت بالدهن وقول الأعمش ضمنت برزق عيالنا ارماحنا وبظلم ظرف لغو متعلق بيرد او ظرف مستقر صفة لالحاد او حال من فاعل يرد وقيل مفعول يرد محذوف يتناول كل متناول تقديره من يرد قولا او فعلا فعلى هذا قوله بإلحاد بظلم حالان مترادفان او الثاني بدل من الاول باعادة الجار او صلة له اى يلحد بسبب الظلم اى بان ارتكب منهيا ولو شتم الخادم نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ جواب لمن روى البخاري في الصحيح عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابغض الناس الى الله ثلثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرأ بغير حق ليهريق دمه وروى الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في المدخل ورزين في كتابه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة لعنتهم لعنهم الله وكل نبى مجاب الزائد في كتاب والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل الله ويذل بذلك من أعز الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتى ما حرم الله والتارك لسنتى وروى الحاكم عن على مرفوعا نحوه وهذان الحديثان يشعر ان بان المراد بالمسجد الحرام

[سورة الحج (22) : آية 26]

الحرم فان استحلال الحرم والإلحاد فيه حرام مسجدا كان او غيره والإلحاد في اللغة الميل والعدول عن قصد السبيل والمراد هاهنا على قول مجاهد وقتادة هو الشرك وعبادة غير الله وقال قوم هو كل شيء كان منهيا عنه من قول او فعل حتى شتم الخادم وقال عطاء هو دخول الحرم غير محرم او ارتكاب شيء من محظورات الحرم من قتل صيد او قطع شجر وقال ابن عباس هو ان تقتل فيه من لا يقتلك او تظلم فيه من لا يظلمك وهذا معنى قول الضحاك وعن مجاهد تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات وقال حبيب بن ابى ثابت احتكار الطعام بمكة وقال عبد الله بن مسعود في قوله من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم قالوا ان رجلا همّ بخطيئة لم يكتب عليه ما لم يعملها ولو ان رجلاهمّ بقتل رجل بمكة وهو بعدن او ببلد اخر اذاقه الله من عذاب اليم قال السدى الا ان يتوب وروى عن عبد الله بن عمر وانه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم فاذا أراد ان يعاتب اهله عاتبهم في الآخر فسئل عن ذلك فقال كنا نحدث ان من الإلحاد فيه ان يقول الرجل كلا والله وبلى والله. وَاذكر إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ اى عينا وجعلنا له مَكانَ الْبَيْتِ مبوأ اى منزلا كذا قال الزجاج وقيل اللام زائدة ومكان ظرف والمعنى وإذ أنزلناه فيه قال في القاموس بواه منزلا وفيه أنزله والمبأة المنزل وانما ذكر مكان البيت لان الكعبة رفعت الى السماء من الطوفان ثم لما امر الله تعالى ابراهيم عليه السّلام ببناء البيت لم يدر اين يبنى فبعث الله ريحه خجوجا «1» فنكست له ما حول البيت عن الأساس كذا قال البغوي واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي في الدلائل عن السدى بعث الله ريحا يقال لها ريح الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية فنكست لها ما حول الكعبة عن أساس البيت الاول وقال البغوي قال الكلبي بعث الله سبحانه بقدر البيت فقامت بحيال البيت وفيها راس يتكلم يا ابراهيم ابن على قدرى فبنى عليه أَنْ لا تُشْرِكْ ان مصدرية متعلق بفعل محذوف اى عهدنا الى ابراهيم ان لا تشرك او المعنى فعلنا ذلك لان

_ (1) خجوجا اى شديدة الروح وغير استواء 12.

[سورة الحج (22) : آية 27]

لا تشرك او مفسرة لبوأنا لاجل تضمنه معنى تعبد إذ التبوية لاجل التعبد والتعبد تشتمل الأمر والنهى فهو بمعنى القول بِي اى بعبادتي شَيْئاً وَطَهِّرْ من الأوثان والاقذار بَيْتِيَ قرأ نافع وحفص وهشام بفتح الياء والباقون بإسكانها أضاف البيت الى نفسه تشريفا ولكونه مهبطا لتجليات مخصوصة به قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه ان الكعبة بيت الله مع كونها متجسدا مرئيا لها شبه بما لا كيف له لان جدرانها وتراب ارضه الى الثرى ليست قبلة الا ترى انه لوازيل عن ذلك المكان جدرانها وترابها ونقلت الى مكان آخر فالقبلة ذلك المكان لا المكان الّذي نقلت اليه جدرانها وترابها ولو بنى ذلك المكان بجدر ان اخر ونقل الى ذلك ونقل الى ذلك المكان تراب آخر فهو كذلك قبلة فعلم ان القبلة امر لا كيف لها وينهبط هناك تجليات غير متكيفة يدركها من يدركها لِلطَّائِفِينَ اى الذين يطوفون حوله وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ جمع راكع وساجد ذكرهما بغير العاطف فان المراد به المصلين ولان الركوع بلا سجود لم يعرف في الشرع عبادة وعبر عن الصلاة بأركانها للدلالة على ان كل واحد منها مستقل باقتضاء الطهارة وقالت الروافض ان الطهارة في الصلاة انما يشترط في السجود لموضع الجبهة لا غير. وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ اى أعلمهم وناد فيهم بِالْحَجِّ الظاهر انه عطف على طهر ذكر البغوي واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس نحوه ان ابراهيم عليه السّلام حين امر به قال وما يبلغ صوتى قال الله تعالى عليك الاذان وعلينا الإبلاغ فقام ابراهيم على المقام فارتفع المقام حتى صاركا طول الجبال فادخل إصبعيه في اذنيه واقبل بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وقال يا ايها الناس ان ربكم قد بنى بيتا كتب عليكم الحج الى البيت فاجيبوا ربكم فاجابه كل من يحج من اصل الإماء وأرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك قال ابن عباس فاول من اجابه اهل اليمن فهم اكثر الناس حجا وروى ان ابراهيم صعد أبا قبيس ونادى وقال ابن عباس عنى بالناس في هذه الآية اهل القبلة قال البغوي وزعم الحسن ان قوله تعالى واذن في الناس بالحج كلام مستانف والمخاطب النبي صلى الله عليه وسلم امر ان يفعل ذلك في حجة الوداع

[سورة الحج (22) : آية 28]

عن ابى هريرة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ايها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا رواه مسلم وروى احمد والنسائي والدارمي عن ابن عباس نحوه يَأْتُوكَ يعنى يأتون حاجين لندائك بالحج- مجزوم في جواب الأمر والمعنى ان توذن يأتوك رِجالًا اى مشاة على أرجلهم جمع راجل كقائم وقيام ونائم ونيام وهذا اخبار عن الواقع وليس فيه إيجاب الحج على من لم يجد الراحلة فليس فيه حجة لداؤد ولا لممالك وقد ذكرنا خلافهما في اشتراط الزاد والراحلة في مسئلة كون الحج فريضة وما يشترط للفرضية في سورة آل عمران في تفسير قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا مسئلة الأفضل عند ابى حنيفة رحمه الله لمن يقدر على المشي ان بحج ماشيا لان الله سبحانه قدم ذكر الإتيان راجلا على الإتيان راكبا ولان المشقة في المشي أشد والخضوع والتواضع فيه اكثر لانه صلى الله عليه وسلم أوجب على من نذر الحج ماشيا والهدى بفواته فعلم ان المشي في الحج طاعة وأدناها الندب وقال بعض العلماء الحج راكبا أفضل لان بالمشي في الحج يختل كثير من العبادات ولا رهبانية في الدين وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ اى وركبانا على كل ضامر اى بعير مهزول أتعبه بعد السفر فصار مهزولا اخرج ابن جرير عن مجاهد قال كانوا لا يركبون فانزل الله تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر فامرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر يَأْتِينَ صفة لضامر محمولة على معناه حيث أضيف اليه لفظ كل او صفة لكل والتأنيث حينئذ ايضا بالنظر الى المعنى يغنى يأتوك على كل ضامر يأتين الى مكة مركوبا لان يحج مِنْ كُلِّ فَجٍّ اى طريق عَمِيقٍ اى بعيد. لِيَشْهَدُوا متعلق بأذّن او بيأتوك اى ليحضروا مَنافِعَ لَهُمْ دينية او دنيوية وتنكيرها لان المراد بها نوع من المنافع مخصوص بهذه العبادة قال محمد بن على بن الحسين بن على الباقر عليهم السّلام وسعيد بن المسيب المراد بها العفو والمغفرة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه متفق عليه وقال سعيد بن جبير المراد بها التجارة وهى رواية عن زيد عن ابن عباس حيث قال الأسواق

وقال مجاهد التجارة وما يرضى الله به من امر الدنيا والآخرة وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ كنى بالذكر عن الذبح والنحر لاشتراطه في حل الذبائح وتنبيها على انه المقصود مما يتقرب به الى الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ يعنى عشر ذى الحجة وهو قول اكثر المفسرين قيل لها معلومات للحرص على علمها بحسابها من أجل كون وقت الحج في آخرها وروى عن على رضى الله عنه انها يوم النحر وثلثة ايام بعده وفي رواية عطاء عن ابن عباس انها يوم عرفة والنحر وايام التشريق وقال مقاتل المعلومات التشريق عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ يعنى الهدايا والضحايا واجبة كانت او مستحبة لاطلاق النص علق الفعل بالمرزوق بينه بالبهيمة تحريضا على التقرب وتنبيها على مقتضى الذكر احتج الشافعي بهذه الآية على انه لا يجوز ذبح شيء من الهدايا غير دم الإحصار الا يوم النحر وثلثة ايام بعده قلنا هذا القيد خرجت مخرج العادة ونحن لا نقول بالمفهوم وفي تفسير الآية اختلاف كما ذكرنا والحجة لنا على عدم اشتراط يوم النحر وايام التشريق في هدى التطوع والنذر والكفارة ما صح انه صلى الله عليه وسلم ساق عام الحديبية سبعين بدنة يريد العمرة وكان ذلك في ذى القعدة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد المقام بمكة الى يوم النحر وهذا صريح في جواز نحر هدى التطوع في ذى القعدة وإذا ثبت كون النحر فيما عدا يوم النحر طاعة وكل طاعة مقصورة يكون واجبا بالنذر فثبت جواز نحر الهدى المنذور ايضا في غير ايام النحر وكذا دم جزاء الصيد والكفارات لا يختص عندنا بيوم النحر لان الكفارة لا يكون الا عبادة فاذا ثبت كونه عبادة جاز جعله كفارة وقد قال الله تعالى في جزاء الصيد هديا بالع الكعبة من غير تقييد بيوم النحر ولا يجوز قيد في كتاب الله إذ هو في معنى النسخ لكن دم القران والتمتع مختصان بيوم النحر وكذا دم الإحصار عند ابى حنيفة خلافا لابى يوسف ومحمد وقد مرت المسألتين في سورة البقر في تفسير قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدى الى قوله فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى فَكُلُوا مِنْها امر استحباب وليس للوجوب اجماعا و

قال الشافعي امر بالاباحة وانما قال الله تعالى ذلك لان اهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم مسئلة اتفق العلماء على ان الهدى إذا كان تطوعا لا يجوز للمهدى ان يأكل منه لحديث طويل لجابر بن عبد الله في قصة الوداع وفيه وقدم على ببدن من اليمن وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فنحر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثا وستين بدنة بيده ثم اعطى عليا فنحر ما غبروا شر له في هديه ثم امر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فاكلا من لحمها وشربا من مرقها رواه مسلم وهذا الحديث دليل على استحباب الاكل من الهدى إذ لو لم يكن الاكل من هديه مستحبا لما امر ان يجعل من كل بدنة بضعة بل يكفيه لحم من واحدة- مسئلة واتفقوا على عدم جواز الاكل من جزاء الصيد ولعله لاجل ان جزاء الصيد بدل من الصيد قال الله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم وقد ذكرنا بيان المماثلة من حيث الصورة او من حيث القيمة في تفسير سورة المائدة ولما كان الصيد عليه حراما كان بدله حراما مثله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود ان الله لما حرم عليهم الشحوم أجمعوه ثم باعوه وأكلوا عنه متفق عليه من حديث جابر وكذا لا يجوز الاكل من الدم المنذور عند الجمهور خلافا لمالك ح وكذا لا يجوز عند الجمهور الاكل من الدماء الواجبة بالجنايات والواجب بإفساد الحج وفي رواية عن احمد واليه ذهب اسحق انه لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ويأكل مما سوى ذلك كذا ذكر البخاري عن ابن عمر معلقا والحجة لتحريم الاكل من دماء النذر وكفارات الجنايات القياس على حرمة الاكل من جزاء الصيد وهى مجمع عليها والجامع انها دماء كفارات فلا بد من تسليمها بجميع اجزائها الى مستحقها لكن قياس المنذور على جزاء الصيد غير صحيح الا ان يقال ان لنذر يقتضى تسليم المنذور بجميع اجزائه- مسئلة واتفقوا على جواز الاكل من الأضاحي اما على قول ابى حنيفة فلانه دم نسك وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم في الضحى يأكلوا وأطعموا وادخروا متفق عليه من حديث سلمه ابن الأكوع واما عند الشافعي وغيره فلانه دم تطوع مسنون

[سورة الحج (22) : آية 29]

وقد ذكرنا الإجماع على جواز الاكل من دماء التطوع- مسئلة واختلفوا في دم التمتع والقران فقال ابو حنيفة ومالك واحمد يجوز الاكل منه لانه دم نسك وقد ذكرنا حديث جابر انه صلى الله عليه وسلم امر من كل بدنة ببضعه فجعلت في قدر فطبخت فاكلا من لحمها وشربا من مرقها واستدل ابن الجوزي لما روى عبد الرحمن بن ابى حاتم في سننه من حديث على قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدى التمتع ان أتصدق بلحومها سوى ما ناكل وهذا صريح في الدلالة وقال الشافعي لا يجوز الاكل من دم التمتع والقران ومن شيء من دماء الواجبة سواء أوجبه على نفسه بالنذر او وجب بسبب غير ذلك محتجا بحديث ناحية الخزاعي وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية وحديث ابن عباس وحديث دويب بن حلمه وقد ذكرنا الأحاديث الثلاثة والجواب عنها في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى قلت والظاهر ان الاية في جواز الاكل من الهدايا واجبة كانت الهدايا كالتمتع والقران او نافلة كما أشرنا اليه نظرا الى اطلاق اللفظ وخص منها المنذور بالإجماع او يقال الكلام في الحج والمنذور ليس من باب الحج في شيء واما جزاء الصيد ودماء الكفارات فانها وان كانت من باب الحج لكن الظاهر من حال المسلم الاجتناب من المحرمات فهى غير مرادة بهذه الآية إذ المأمور به الحج المبرور والله اعلم- وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ اى الّذي اشتد بوسه والبوس شدة الفقر الْفَقِيرَ بدل من الاول او عطف بيان له. ثُمَّ لْيَقْضُوا قرأ ورش وابو عمرو ابن عامر وقنبل بكسر الام والباقون بإسكانها تَفَثَهُمْ اى يزيلوا وسخهم بحلق الراس وقص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد عند الاحلال الاول وذلك قبل طواف الزيارة ويحل على المحرم بعد الحلق كل شيء الا النساء وتحل النساء بعد الطواف كذا قال المفسرون والقضاء في الأصل بمعنى الفعل والأداء يقال قضى دينه وقال الله تعالى وإذا فضيتم مناسككم وقضيهن سبع سموت ويستلزمه الفراغ منه كما أيد يقوله تعالى أيما الأجلين قضيت وفي ازالة الوسخ الفراغ منه وقال البغوي قال ابن عمرو ابن عباس قضاء التفث مناسك الحج

كلها يعنى أداء مناسك الحج وقال مجاهد هو يعنى التفث مناسك الحج وأخذ الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقلم الأظفار وقيل التفث رمى الجمار فالمعنى فعل هذه الأمور وأداها قال الزجاج لا نعرف التفث ومعناه الا من القرآن يعنى هذا اللفظ غير مستعمل في كلام العرب غالبا ولفظه ثم يوجب تأخير الحلق والطواف من الذبح فهو حجة لابى حنيفة رحمه الله حيث قال الترتيب بين الرمي ونحر القارن والحلق واجب وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن والنخعي فمن ترك الترتيب عمدا او خطأ يجب عليه الدم لحديث ابن عباس من قدّم شيئا من نسله او اخّره فليهرق رما رواه ابن ابى شيبة موقوفا والموقوف له حكم المرفوع لان القضاء بمثل غير معقول لا يدرك بالرأى فان قيل في سنده ابراهيم بن مهاجر قال ابو حاتم منكر الحديث وقال ابن المديني والنسائي ليس بالقوى وقال ابن عدى يكتب حديثه في الضعفاء قلنا انه صدوق من كبار التابعين اخرج له مسلم متابعه وقال سفيان واحمد وابن مهدى لا بأس به ثم الحديث ليس منحصرا عليه بن أخرجه الطحاوي من غير طريقه ايضا قال ثنا وهيب عن أيوب عن سعيد بن جبير عنه مثله وقال احمد الترتيب واجب يجب عليه الدم بتركه عمدا لكن يسقط وجوب الترتيب بالجهل والنسيان كذا روى الأثرم عنه وكذا يشعر كلام البخاري وهو المختار عندى للفتوى وقال الشافعي وكثير من السلف الترتيب سنة وليس بواجب وقال مالك تقديم الحلق على الرمي والذبح لا يجوز وللشافعى قول مثله احتج الشافعي بحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والرمي والحلق والتقديم والتأخير فقال لا حرج متفق عليه وفي رواية للبخارى قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى فيقول لا حرج فسأله رجل فقال حلقت قبل ان اذبح قال اذبح ولا حرج قال ميت بعد ما أمسيت فقال لا حرج وفي رواية للبخارى اتى رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم قال زرت قبل ان ارمى قال لا حرج قال ذبحت قبل ان ارمى قال لا حرج وروى الطبراني بلفظ ان رجلا قال يا رسول الله طفت بالبيت قبل ان ارمى قال ارم ولا حرج وقد ثبت بحديث على رضى الله عنه التصريح بالسؤال بالطواف قبل الذبح ايضا رواه احمد وجه الاحتجاج للشافعى انه لو كان الترتيب واجبا لامرهم النبي صلى الله عليه وسلم باعادة ما قدم من المناسك لكون الوقت وقت أداء المناسك

يوم النحر أو أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم باراقة الدم ولو أمرهم بشيء من ذلك لنقل إلينا لاشتراك خلق كثير في الواقعة وحرص كل منهم على حفظ مناسك وتبليغها فلما لم ينقل علم انه لم يأمر ولما لم يأمر علم انه لم يجب لانه رفت الحاجة وترك تبليغ الواجب مع الحاجة محال فظهر انه ليس بواجب وما ليس بواجب لا بأس ترله عمدا قال ابو حنيفة رح من رواة هذه القصة ابن عباس رضى الله عنه وقد قال ابن عباس من قدّم شيئا من نسكه أو أخّره فليهرق لذلك دما وقول الراوي على خلاف روايته جرح في الحديث لدلالته على ان الراوي اطلع على الناسخ لكن هذا القول لا ينتهض دفعا لقول الشافعي إذ عنده قول الراوي على خلاف روايته ليس بجرح في الحديث بل على اصل ابى حنيفة ايضا لا ينتهض دفعا لان قول الراوي على خلاف روايته انما يكون جرحا إذا كان الموقوف في قوة المرفوع حتى يكون ننزلة الناسخ والأمر ليس كذلك قلت لكن الجمع بين الأحاديث متى أمكن اولى من ترك العمل على بعضها فنحمل اثر ابن عباس وهو في حكم المرفوع وقد بلغ بالاعتصام درجة الحسن على ترك الترتيب عمدا وما احتج به الشافعي على الجهل والنسيان فقلنا الترتيب واجب لكن يسقط بالجهل والنسيان كالترتيب في الفوائت من الصلوات واجب عند ابى حنيفة ويسقط بالنسيان والإمساك في الصوم واجب ويسقط بالنسيان وتكبيرات التشريق واجبة تسقط بالنسيان. مسئلة الحلق من واجبات الإحرام ليس بركن عند ابى حنيفة رحمه الله وقال الشافعي رحمه الله وبعض العلماء انه ركن من اركان الحج وفي رواية ضعيفة عن الشافعي وهى رواية عن ابى يوسف وعن احمد وبه قال بعض المالكية انه ليس بنسك بل امر مباح وحجتنا وحجة الشافعي هذه الآية فانه امر بقضاء التفث والمراد به الحلق والأمر للوجوب فكان ركنا عنده قلنا ثبوته وان كان بالآية القطعية لكن دلالة الآية عليه انما هى بتأويل ظنى لاختلاف في تفسير الآية فلا يوجب القطع وايضا قال الشافعي الحلق تحلل من الإحرام والإحرام ركن للحج فكذا التحلل عنه كالسلام في الصلاة فانه ركن عند الشافعي قلنا كون الإحرام شرطا وركنا للحج لا يستلزم كون التحلل عنه كذلك وكون السلام ركنا ممنوع عندنا وايضا هذا قياس مع الفارق لان النبي صلى الله

عليه وسلم جعل السّلام انتهاء لتحريمة الصلاة حيث قال تحليلها التسليم فلو لم يوجد التسليم ويتأتى على التحريمة ما ينافيها بطلت التحريمة وقد كانت التحريمة شرطا للصلوة وركنا لها على اختلاف الأقوال فبطلت الصلاة ببطلان التحريمة واما إحرام الحج فلا يبطل....... بالمحظورات كما يبطل إحرام الصلاة الا ترى ان الجماع قبل الوقوف بعرفة يوجب الفساد حتى يجب عليه القضاء ولا يوجب البطلان حتى يجب المضي في الفاسد- مسئله أول وقت الحلق الرمي من طلوع الفجر الثاني يوم النحر وعند الأكثر بعد نصف الليل من ليلة النحر لنا حديث عروة بن مضرس فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد معنا هذا الصلاة صلوة الفجر بمزدلفة وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك ليلا او نهارا فقدتم حجه وقضى تفثه رواه اصحاب السنن الأربع والحاكم وقال صحيح على شرط كافة اهل الحديث ولم يحرجاه على أصلهما لان عروة بن مضرس لم يرو عنه الا الشعبي وقد وجدنا عروة ابن الزبير قد حدث عنه واختلفوا في اخر وقته فقال الشافعي وابو يوسف ومحمد واكثر العلماء لا آخر لوقته واختلفوا ايضا في ان الحرم هل هو شرط للحلق فقال ابو يوسف وزفر واكثر العلماء ليس بشرط وقال ابو حنيفة للحلق اعتبار ان أحدهما انه محل للاحرام وثانيهما انه نسك من مناسك الحج فباعتبار انه محلل لا آخر لوقته ولا يختص ايضا بمكان وباعتبار انه نسك يختص بيوم النحر وبالحرم لانه كونه عبادة لا يدرك بالرأى فيراعى خصوصياته الواردة من الشارع وهو الزمان والمكان واما كونه محللا فامر يدرك بالرأى لان المحلل انما يكون ما يكون جناية في غير او انه وهو كذلك فان وجد الحلق بعد وقته او في غير الحرم يكون محللا من إحرامه ولا يكون عبادة فيلزم الدم لترك نسك واجب واحتج ابو يوسف بان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذبح ولا حرج لمن قال حلقت قبل ان اذبح وانه صلى الله عليه وسلم حلق عام الحديبية بالحديبية وهى من الحل قلنا قوله صلى الله عليه وسلم اذبح ولا حرج لمن قال حلقت قبل ان اذبح لبيان سقوط الترتيب لعلة الجهل والنسيان لا لتعميم الزمان لان يوم النحر كان موجودا عند السؤال لانه كان بعد الظهر يوم النحر وحلق النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية لم يكن عند ابى حنيفة نسكا بل ليعرف استحكام الانصراف

حيث لا يجب الحلق على المحصر عند ابى حنيفة والجواب عندى ان المحصر معذور لا يقاس عليه غيره الا ترى ان الحلق قبل دخول وقته جائز للمحصر لا لغيره اجماعا فكذا الحلق في غير مكانه والحجة لنا في اشتراط الحرم للحلق قوله تعالى ثم محلها الى البيت العتيق وسيجئى تفسيره وقوله ليدخلن المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلقين روسكم ومقصرين حيث جعل الحلق والتقصير من خواص دخول المسجد والتوارث فان النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده توارثوا على الحلق في الحج بمنى والعمرة عند مروة وهما من الحرم- مسئلة واختلفوا في القدر الواجب من الحلق والتقصير فقال مالك واحمد لا يتحلل ما لم يحلق او يقصر كل الراس وقال ابو حنيفة حلق ربع الراس او تقصيره يكفيه وقال الشافعي يكفيه ازالة شعرة او ثلث شعرات قال الشافعي هذه الآية لايجاب قضاء التفث وليس الواجب منه الاستقصاء اجماعا حيث يجوز التقصير وفي التقصير قضاء بعض التفث ولا شك ان قضاء بعض التفث يحصل بازالة شعرة او ثلث شعرات وقال ابو حنيفة لا يقال في العرب في من أزال شعرة او ثلثا انه حلق راسه او قضى تفثه فلا بد من قدر معتدبه شرعا وقد اقام ربع الراس في الوضوء مقام الكل حيث أوجب مسح ربع الراس وأوجب في سائر الأعضاء غسلها بتمامها كما ذكرنا تحقيقه في سورة المائدة في اية الوضوء فقلنا هاهنا بحلق ربع الراس وقال مالك واحمد لا نسلم ما قال ابو حنيفة من اقامة ربع الراس مقام الكل فان الفريضة في الوضوء عندهم مسح كل الرأس ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة انه اقتصر على حلق بعض الراس او تقصيره مسئلة الحلق أفضل من التقصير اجماعا لحديث ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال والمقصرين وفي رواية قال في الرابعة والمقصرين وحديث ابى هريرة نحوه والحديثان في الصحيحين وَلْيُوفُوا قرأ ابن ذكوان بكسر اللام والباقون بإسكانها وقرأ أبو بكر عن عاصم ليوفوا بتشديد الفاء من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال

نُذُورَهُمْ قيل أراد به الخروج عما وجب عليه نذر اولم ينذر فان العرب يقول لمن خرج عن الواجب عليه وفي بنذره والجمهور على ان المراد بالنذر ما أوجب انسان على نفسه مما ليس بواجب عليه وهو على نوعين منجز كان يقول لله على ان أصلي ركعتين ومعلق بشرط ثم المعلق بالشرط ان كان الشرط مرضيا كان قال ان شفى الله مريضى او قدم غائبى فعلّى ان أصوم يسمى نذر ترد وان كان الشرط مكروها كانّ قال ان كلمت زيدا فعلى ان أحج يسمى نذر لجاج وإذ علمت ان النذر إيجاب ما ليس بواجب عليه فايجاب ما هو واجب من الله تعالى اخبار محض كمن قال لله على ان أصوم رمضان او أصلي الظهر فلا يترتب عليه شيء أصلا ولا يتغير وصف الواجب وقدره بتغير العبد فلو قال لله على ان أؤدّي زكوة كل مائتى درهم عشرة لا يلزمه الا خمسة كمن قال لله على ان أصلي الظهر ست ركعات وكذا لو قال لله على ان أصلي كل فريضة بوضوء جديد او بجماعة لان الله سبحانه اجزى الصلاة بغير هذه القيود فلو قلنا بعدم الاجزاء لعزم نسخ حكم من احكام الله تعالى ولو قلنا بإجزاء الصلاة بدونها فلا فائدة في القول بايجاب هذه الأمور إذ لا يمكن قضائها بمثلها لعدم استقلالها وقضائها بمثل غير معقول يتوقف على ثبوتها من الشرع ولم يثبت وهذا معنى قولهم يشترط للوجوب بالنذر كونه طاعة مقصورة مستقلة بنفسها وهذا بخلاف من نذر ان يحج ماشيا فان قضأ المشي باراقة الدم عرف من الشرع لكن ما ذكرنا يشكل فيمن نذر ان يؤدى زكوة كل مائتى درهم عشرة حيث يمكن إيجاب خمسة زائدة على الخمسة الّتي وجبت بايجاب الله تعالى من غير لزوم نسخ حكم من الاحكام والله اعلم ثم اعلم ان ما ليس بواجب فهو على ثلثة اقسام اما طاعة واما معصية واما امر مباح ليس فيه معنى الطاعة ولا العصيان فالقسم الاول اى النذر بالطاعة يجب الوفاء به اجماعا وهو المأمور به بهذه الآية فقيل هو ليس بفرض على اصل ابى حنيفة نثبوته بهذه الآية وهى عامة خص منها البعض فصارت ظنية الدلالة وقيل هو فرض على أصله لما انعقد عليه الإجماع فصار قطعيا في مقدار ما انعقد عليه الإجماع ثم النذر بالطاعة ان كان منجزا لا يجوز العدول عنه الى لكفارة اجماعا الا ان يكون بمالا يطيقه حيث قيل فيه كفارة يمين وان كان

مطقا بشرط فوجد الشرط فكذا عند ابى حنيفة ومالك واكثر العلماء لان المعلق بالشرط كالمنجر عنده فصار كانه قال عند وجود الشرط لله على كذا وروى عن ابى حنيفة انه رجع عنه قبل موته بسبعة ايام فقال إذا كان معلقا بالشرط فهو مخير بين فعله بعينه وبين كفارة يمين وهو قول محمد فاذا قال ان فعلت كذا فعلى حجة او صوم سنة ان شاء وفي بنذره وان شاء كفر فانكان فقيرا صار مخيرا بين صوم سنة وصوم ثلثلة ايام والاول ظاهر المذهب والتخيير عن ابى حنيفة في النوادر وجه الظاهر هذه الآية والأحاديث الواردة ووجه رواية النوادر ما في صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وسلم قال كفارة النذر كفارة اليمين وهو يقتضى ان يسقط النذر بالكفارة مطلقا فيتعارض النصوص فيحمل مقتضى الإيفاء بعينه على المنجز ومقتضى سقوطه بالكفارة على المعلق ووجه الفرق ان المعلق منتف في الحال فالنذر فيه معدوم فيصير كاليمين في ان سبب الإيجاب وهو الجنث منتف حال التكلم فيلحق به بخلاف النذر المنجز لانه نذر ثابت في وقته فيعمل فيه حديث الإيفاء والمختار عند صاحب الهداية والمحققين من العلماء الحنفية ان المراد بالمعلق الّذي يتخير فيه الناذر نذر اللجاج فانه لا يريد وجود الشرط فلا يريد وجوب النذر بل جعله مانعا من فعل الشرط فان الإنسان لا يريد إيجاب العبادات دائما وانكانت مجلبة للثواب مخافة ان يثقل عليه فيتعرض للعقاب ولهذا صح عنه صلى الله عليه وسلم انه نهى عن النذر وقال انه لا يأت بخير لا سيما إذا كان المنذور عبادة شاقة كالحج وصوم سنة واما نذر التردد فلا يجزيه الا فعل عين المنذور به لانه إذا أراد وجود الشرط أراد وجود النذر فكان المعلق في معنى المنجز فيندرج في حكمه وهو وجوب الإيفاء وعدم جواز العدول عنه الى الكفارة فصار محمل ما يقتضى الإيفاء المنجز ونذر التردد ومحمل ما يقتضى اجزاء الكفار نذر اللجاج ومذهب احمد فيه هكذا التفصيل الّذي اختاره صاحب الهداية وهو اظهر اقوال الشافعي كذا في المنهاج وفي رواية عنها نذر اللجاج يوجب الكفارة لا غير وفي قول للشافعى فيه إيفاء لا غير مسئلة يشترط للوجوب بالنذر عند ابى حنيفة ان يكون من جنسه واجب بايجاب الله تعالى وفي المنهاج للشافعى ان الصحيح عند الشافعي انعقاد بكل طاعة وان لم

يكن من جنسه واجب بايجاب الله كعيادة المريض وتشييع الجنازة والسّلام قلت ويرد على قول ابى حنيفة ان الاعتكاف يجب بالنذر اجماعا وليس من جنسه واجب بايجاب الله وكون الصوم شرطا للاعتكاف ممنوع ولو سلمنا فكون بعض شرائطه من جنس ما وجب بايجاب الله سببا للزومه بالنذر يقتضى لزوم كل قربة مقصودة وغير مقصورة بالنذر إذ كل قربة مشروطة بالإسلام والإخلاص وهما فريضتان واجبتان بايجاب الله تعالى ولو كان وجوب الاعتكاف بالنذر تبعا لوجوب الصوم بالنذر فمع كونه قلب الموضوع لزم ان لا يجب الاعتكاف لو نذر ان يعتكف في رمضان والله اعلم- مسئلة وإذا فات الوقاء بنذر الطاعة يجب عليه القضاء عند الجمهور وهل يجب عليه كفارة يمين ايضا اولا فقال سفيان الثوري يجب عليه القضاء والكفارة جميعا وقال ابو حنيفة ان لم ينو اليمين وتكلم بصيغة النذر سواء نوى النذر اولا يجب عليه القضاء دون الكفارة وان نوى اليمين مع نفى النذر يجب عليه الكفارة دون القضاء وان نوى يمينا ولم يخطر بباله النذر أصلا او نوى نذر او يمينا يجب عليه القضاء والكفارة جميعا وقال ابو يوسف انه يمين في الاول حتى يجب عليه الكفارة فقط دون القضاء حيث نوى المجاز ونذر في الثاني فيجب عليه القضاء فقط دون الكفارة لترجح الحقيقة على المجاز عند ارادتهما وامتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز وجه قول سفيان انه نذر بصيغة لا يحتاج الى النية ولا ينتفى بالنفي لكونه إنشاء كالنكاح والطلاق والرجعة والاعتاق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة أخرجه احمد وابو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابى هريرة وفي مصنف عبد الرزاق من حديث ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز وردى ابن عدى في الكامل من حديث ابى هريرة مرفوعا قال ثلث ليس منهن لعب من تكلم بشيء منهن لاعبا فقد وجب عليه الطلاق والعتاق والنكاح اخرج عبد الرزاق عن عمر وعلى موقوفا انهما قالا ثلث لا لعب فيهن النكاح والطلاق والعتاق وفي رواية عنهما اربع وزاد والنذر ويمين بموجبه لان إيجاب ما ليس بواجب يستلزم تحريم ما ليس بحرام يمين حيث قال الله تعالى يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الى قوله وقد فرض الله لكم تحلة ايمانكم فلا يحتاج كونه يمينا ايضا الى النية ولا ينتفى

بالنفي كشراء القريب عتق بموجبه لا يحتاج الى النية ولا ينتفى بالنفي ووجه قول ابى حنيفة ان تحريم ما ليس بحرام ليس بيمين على الإطلاق الا ترى ان الطلاق والعتاق والبيع ونحو ذلك يستلزم تحريم ما ليس بحرام وهى الزوجة والامة وليس شيء منها يمينا بل إذا كان التحريم قصد يا منويا باليمين كتحريم مارية او العسل ولا يكون التزاما فحينئذ يكون يمينا وقوله تعالى يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك انما هو في التحريم القصدى دون الالتزامي فما لم ينو يمينا يكون نذرا نواه اولم ينوه حملا على الحقيقة وإذا نوى اليمين ونفى النذر يكون يمينا فقط حملا على المجاز وإذا لم ينف النذر سواه نواه اولم ينوه ونوى اليمين يكون نذر الصيغته يمينا بموجبه والله اعلم (فصل) واما القسم الثاني وهو النذر بالمعصية فهو على نوعين منها ما لا ينفك شيء من افراد جنسه عنها كالنذر بالشرب والزنا ونحو ذلك فقال ابو حنيفة إذا قصد به اليمين ينعقد للكفارة والا يلغو ضرورة انه لا فائدة في انعقاده وليس هو مراد بهذه الآية ومامورا بالإيفاء اجماعا فان الله لا يأمر بالفحشاء وبه قال مالك والشافعي وقال احمد ينعقد النذر لاجل الكفارة سواء نوى به اليمين اولا قال ابن همام وعليه مشى اكثر مشايخ الحنفية وبه قال الطحاوي انه لو أضاف النذر الى سائر المعاصي كقوله لله على ان اقتل فلانا كان يمينا ولزمته الكفارة بالحنث قلت وذلك لانه لما تعذر حمل اللفظ على معناه الحقيقي وجب حمله على المعنى المجازى وهو مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم لانذر في معصية وكفارته كفارة اليمين ومحمل الحديث عند ابى حنيفة إذا نوى به اليمين ومنها ما كان من جنسه طاعة خالصة عن العصيان كالنذر بصوم يوم العيد والصلاة عند طلوع الشمس وهذا القسم من النذر ينعقد عند ابى حنيفة رحمه الله وعليه ان يفطر ويقضى ولا كفارة عليه وان صام أجزأه وان نوى يمينا مع نفى النذر فعليه كفارة يمين والا فعليه القضاء والكفارة جميعا كما ذكرنا في النذر بالطاعة وقال احمد عليه ان يفطر ويقضى ويكفر وان صام لا يجزيه وعنه ان صام أجزأه وقال مالك والشافعي لا ينعقد هذا النذر كالنذر بالنوع الاول من المعصية المحضة إذ لا فرق بين معصية ومعصية وما نهى الله عنه لا يجب بايجاب العبد وجه الفرق لابى حنيفة انه نذر الصوم وهو مشروع بأصله وانما النهى فيه لغيره وهو ترك اجابة دعوة الله فينعقد نذره ويجب عليه

ان يفطر احترازا عن المعصية المجاورة ويقضى لاسقاط ما وجب عليه فان صام في يوم العيد يخرج عن العهدة لانه اداه كما التزمه وهذا الخلاف مبنى على خلافية اصولية وهى ان النهى عن الافعال الشرعيه توجب القبح لغيره ومشروعيته عند ابى حنيفة رحمه الله وعند الشافعي رح توجب القبح لعينه وعدم مشروعية وقال احمد انما ينعقد من حيث كونه طاعة لا من حيث كونه معصيته فيجب به الصوم كاملا ولا يتأدى ان صام يوم العيد وكثير اما يجب الفعل ليظهر اثره في القضاء مع حرمة الأداء نظيره صوم رمضان في حق الحائض يجب ليظهر اثره في القضاء مع ادائه في الوقت حرام ولا يتأدى عنها الفريضة ان أدت فصل واما القسم الثالث وهو النذر بامر مباح فيلغو ولا ينعقد عند ابى حنيفة رح الا ان ينوى به اليمين فيكفر ان لم يأت به وقال الشافعي لا يجب عليه إتيانه ولكنه ينعقد يمينا نواى ولم ينو فان حنث لزمه كفارة يمين على المرجح كذا في المنهاج والوجه ما ذكرنا انه إذا تعذر الحمل على الحقيقة وهو الإيجاب لعدم صلوته لكونه طاعة يحمل على المجاز لتعينه وهو تحريم المباح قلت وهذا الدليل لا ينتهض حجة الا عند من قال تحريم المباح يمين والله اعلم ولنذكر هاهنا من الأحاديث الشاهدة لما ذكرنا من الأقوال حتى يظهر الراجح منها من المرجوع عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نذر ان يطيع الله فليطعه ومن نذر ان يعصيه فلا يعصه رواه البخاري وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله صلى الله عليه وسلم انما النذر ما ابتغى به وجه الله رواه احمد في قصة الرجل الّذي نذر ان يقوم في الشمس ورواه البيهقي في قصة اخرى وروى نحوه ابو داود وهذه الأحاديث بعمومها تدل على ان النذر بالطاعة ينعقد سواء كان من جنسها واجب بايجاب الله اولا وعن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما نذر لا يملك العبد رواه مسلم وروى ابو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولاجل هذا الحديث قال ابن همام مسئلة لو قال أحد ان فعلت كذا فالف درهم من مالى صدقة ففعله وهو لا يملك إلا مائة مثلا الصحيح من مذهب ابى حنيفة انه لا يلزمه التصدق الا بما ملك لان فيما لم يملك لم يكن النذر مضافا الى الملك ولا الى سبب الملك- (مسئلة) ولو قال مالى صدقة في المساكين ولا مال له لا يلزمه شيء. (مسئلة) ولو قال لله على ان اهدى هذه الشاة الى بيت الله وأشار الى شاة مملوكة لغيره

لا يلزمه شيء وعن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كفارة النذر كفارة اليمين رواه مسلم ورواه الطبراني بلفظ النذر يمين وكفارته كفارة يمين وهذا الحديث لعمومه يدل عليه مسئلة من نذر نذرا فلم يف به اما لكونه معصيته ممنوعة شرعا او لكونه ممنوعا طبعا بان كان النذر مما لا يطيقه كصوم الابد او كان مما يطيقه لكن فات وقته ولا يمكن التدارك او لكونه مباح الترك ولعدم تسمية المنذور به بان قيل لله على نذر يجب عليه كفارة اليمين سواء نوى اليمين اولا وحمل ابو حنيفة هذا الحديث على ما نوى اليمين وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نذر نذر الم يسمه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا اطاقه فليف به رواه ابو داود وابن ماجه ووقفه بعضهم على ابن عباس وهذا الحديث كالبيان لما سبق من الحديث وهذا الحديث يدل عليه- (مسئلة) من نذر نذر طاعة وهو مطلق به لا يجوز له العدول عنه الى الكفارة ولا يجزء عنه الكفارة وعن عمران بن حصين قوله صلى الله عليه وسلم لا نذر في معصيته وكفارته كفارة يمين رواه النسائي والحاكم والبيهقي وهذا الحديث باطلاقه حجة لاحمد في انعقاد نذر المعصية ووجوب الكفارة ومداره على محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين ومحمد ليس بالقوى وقد اختلف عليه فيه رواه ابن المبارك عن عبد الرزاق عن أبيه قال الحافظ وله طريق اخر اسناده صحيح الا انه معلول ورواه احمد واصحاب السنن والبيهقي من رواية الزهري عن ابى سلمه عن ابى هريرة وهو منقطع لم يسمع الزهري من ابى سلمه وقد رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن حديث سليمان بن بلال عن موسى بن عقبة ومحمد بن عتيق عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن كثير عن ابى سلمة عن عائشة قال النسائي سليمان بن أرقم متروك وقد خالفه غير واحد من اصحاب يحيى بن كثير فرووا عن يحيى بن كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران فرجع الى الرواية الاولى قال الحافظ وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن كثير عن رجل من بنى حنيفة وابى سلمة كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا والحنفي هو محمد بن الزبير

قاله الحاكم وقال ان قوله من بنى حنيفة تصحيف انما هو من بنى حنظلة وله طريق آخر عن عائشة مرفوعا رواه الدار قطنى وابو داود والترمذي والنسائي من رواية غالب بن عبد الله الجوزي عن عطأ عن عائشة مرفوعا من جعل عليه نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين وغالب متروك الحديث وللحديث طريق اخر رواه ابو داود عن كريب عن ابن عباس واسناده حسن فيه طلح بن يحيى وهو مختلف فيه قال النووي حديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ضعيف باتفاق المحدثين وقال الحافظ قد صححه الطحاوي وابو على بن السكن فاين الاتفاق قلت وقد كتب السيوطي في الجامع الصغير على هذا الحديث علامة الصحة واحتج ابو حنيفة بقوله بعدم وجوب الكفارة في النذر بالمعصية بحديث عمران بن حصين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول النذر نذر ان فمن كان نذر في طاعة فذلك لله وفيه الوفاء ومن كان نذر في معصية فذلك للشيطان ولا وفاء فيه وجه الاحتجاج ان وجوب الكفارة يعتمد على وجوب الوفاء فانه ليكفر الإثم فاذا لم يجب الوفاء لم يجب الكفارة وهذا احتجاج في مقابلة النص بالمعقول ومنقوض بانه من حلف بالله على إتيان المعصية وجب عليه الحنث والكفارة ليكفر هتك حرمة اسم الله تعالى هذه في هذا المقام فكذا هاهنا وعن ثابت بن الضحاك قال نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينحر ابلا ببواته فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية تعبده قالوا لا قال فهل كان فيها عيد من أعيادهم قالوا لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك فانه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم رواه ابو داود بسند صحيح وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن حده ان امرأة قالت يا رسول الله انى نذرت ان اضرب على راسك الدف قال او في بنذرك رواه ابو داود وزاد ارين قالت يا رسول الله ونذرت ان اذبح بمكان كذا وكذا مكان يذبح فيه اهل الجاهلية قال هل كان بذلك المكان وثن من أوثان الجاهلية يعبد قالت لا قال هل كان فيه عيد من أعيادهم قالت لا قال او في بنذرك قلت الأمر بالإيفاء هاهنا ليس للوجوب اجماعا جمعا بين هذه الأحاديث وقوله صلى الله عليه وسلم انما النذر ما ابتغى به وجه الله ونظرا الى ان ما ليس بطاعة لا يصلح للوجوب ولا لكونه تحية بوجه الله تعالى فالامر هاهنا للاباحة وإذا كان ترك المعصية فيما كان النذر بالمعصية موجبا للتكفير نظرا الى المعنى فههنا اولى مسئلة من نذر بطاعة

مقيدة بقيود وأوصاف فان كانت تلك القيود والأوصاف مرغوبة عند الله موجبة للمزية وكثرة الثواب يجب الإيفاء مع تلك القيود والأوصاف وانكانت عما لا مزية له عند الله لا يلزمه الشرط وهل يجب الكفارة عند فقد تلك القيود والصفات فالخلاف فيه كالخلاف في ترك كل منذور مباح فمن نذر ان يصلى في السوق او في يوم السبت او نذر ان يصوم ولا يقعد ولا يتكلم ولا يستظل او نذر ان يتصدق بهذا الدرهم على هذا الفقير في هذا البلد وجب عليه الصوم والصلاة وجاز له ان يصلى في اى مكان اى وقت شاء وبصوم مع التكلم والقعود والاستظلال ويتصدق بدرهم اىّ درهم شاء على اى فقير في اى بلد لحديث ابن عباس قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسئل عنه فقالوا ابو إسرائيل نذر ان يقوم فلا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه رواه البخاري وليس فيه الأمر بالكفارة ومن نذر ان يصوم ثلثة ايام متتابعات او نذر ان يصلى قائما يجب عليه ان يفى بنذره فان صام متفرقا او صلى قاعد الا يجزيه ويجب عليه الاعادة لان صلوة القاعد نصف صلوة القائم كذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه احمد والنسائي وابن ماجه بسند صحيح عن انس وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو والطبراني عن ابن عمرو عن عبد الله بن السائب وعن المطلب بن ابى وديعة واحمد وابو داود عن عمران بن حصين نحوه ومسلم وابو داود والنسائي عن ابن عمر ونحوه والتتابع في الصيام مرغوب ولذا وجب في الكفارات مسئلة ولو نذر بالصلوة مطلقا يجب الصلاة قائما لان الأصل هو القيام ولو نذر بالصلوة قاعدا اجزأته قاعدا وقائما مسئلة ولو نذر بالصلوة على جنبه او مستلقيا يجب عليه الصلاة قاعدا او قائما لان الرقود في الصلاة لم يعرف في حالة الاختيار بخلاف القعود غير ان المريض الّذي لا يقدر على القعود لو نذر ان يصلى راقدا أجزأه ان يصلّى راقدا فان صح قبل أدائه لا يجزيه الا قائما مسئلة من نذر ان يصلى في المسجد الحرام حاز له ان يصلى في اى مكان شاء عند ابى حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال زفر وبه قال ابو يوسف في إملائه انه من نذر ان يصلى في مسجد بيت المقدس فصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم او في المسجد الحرام اجزأته ومن نذر ان يصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فان صلى في المسجد الحرام اجزأته وان صلى في غيره لم يجزه ومن نذر ان يصلى في المسجد الحرام لم يجزه ان صلى في غيره احتج ابو حنيفة بحديث جابر

بن عبد الله ان رجلا قال يوم الفتح يا رسول الله انى نذرت لله عزّ وجلّ ان فتح الله عليك ان أصلي في بيت المقدس ركعتين فقال صل هاهنا ثم أعاد عليه فقال صل هاهنا ثم أعاد عليه فقال شانك إذا رواه ابو داود والدارمي والطحاوي قال ابو يوسف وزفر نحن نقول بهذا الحديث انه من نذر ان يصلى ببيت المقدس جاز له ان يصلى بالمسجد الحرام وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بالمسجد الحرام واما من نذر ان يصلى في المسجد الحرام فصلى في غير ذلك كيف يجوز وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة الرجل في بيته بصلوة وصلوته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلوة وصلوته في المسجد الّذي يجمع فيه بخمس مأته صلوة وصلوته في المسجد الأقصى بألف صلوة وصلوته في مسجدى بخمسين الف صلوة وصلوته في المسجد الحرام مأته الف صلوة رواه ابن ماجه من حديث انس وفي الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة في مسجدى خير من الف صلوة فيما سواه الا المسجد الحرام وروى الطحاوي عنه وعن سعد بن ابى وقاص وعن عائشة وعن ميمونة وعن ابى سعيد الخدري كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث الصحيحين عن ابى هريرة وروى الطحاوي عن عطاء ابن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة في مسجدى هذا أفضل من الف صلوة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام وصلوة في ذلك أفضل من مأته الف صلوة في هذا وعن عمر بن الخطاب موقوفا وعن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله فاجاب ابو حنيفة ان هذه الأحاديث مختصة بالمكتوبات فان فضل المكتوبات في المساجد على الترتيب المذكور حق وليس ذلك في النوافل حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل صلوة المرء في بيته الا الصلاة المكتوبة رواه الشيخان في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت وروى ابو داود والترمذي عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة المرأ في بيته أفضل عن صلوته في مسجدى هذا الا المكتوبة وذكر الطحاوي حديث عبد الله بن سعد مرفوعا لان أصلي في بيتي أحب الى من ان أصلي في المسجد مسئلة من قال إذا قدم غابئى او شفى مريضى فلله على صوم شهر يجب عليه صيام شهر بعد وجود الشرط فلو صام عنه قبل وجود الشرط لم يجز ويجب عليه الاعادة خلافا للشافعى رح لان الشرط عندنا مانع من انعقاد السبب والأداء قبل وجود السبب لا يجوز وعنده مانع من الحكم دون السبب فيجوز الأداء كما يجوز الزكوة بعد النصاب قبل الحول مسئلة لو أضاف الوجوب الى الوقت جاز تقديمه على ذلك الوقت عند ابى حنيفة وابى يوسف رحمهما الله خلافا لمحمد هو يقول الاضافة الى الوقت كالتعليق بالشرط وهما يقولان ليس كذلك بل هو إيجاب منجز مقيدا بقيد والقيود ملغاة كمن قال لله على ان أصلي في السوق

جاز أينما صلى فكذا من قال لله على ان أصوم رجب او أحج في السنة الثالثة من هذه السنة جاز له ان يصوم ويحج قبله او بعده وقال زفر ان كان الوقت الّذي أضاف اليه فاضلا شرعا فصام قبل ذلك الوقت في وقت اقل منه فضيلة لم يجزه بل يجب عليه الاعادة حتى يدرك فضيلة الوقت وان لم يكن كذلك أجزأه وهذا عندى اظهر فمن نذر بصوم يوم عرفة او يوم عاشوراء او تسع من ذى الحجة الى عرفة او شهر المحرم لا يجزيه ان صام قبل ذلك وكذا من نذر ان يصلى في جوف الليل لا يجزيه ان صلى في النهار قبله ولا بعده لان الحياة الى الليلة المقبلة غالب عادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة احتسب على الله ان يكفر السنة الّتي قبله والسنة الّتي بعده وصيام عاشورا انى احتسب على الله ان يكفر السنة الّتي قبله رواه مسلم وابن حبان والترمذي وابن ماجه من حديث ابى قتادة وروى ابن ماجه من حديث ابى سعيد الخدري عن قتادة بن نعمان نحوه وفي الباب حديث زيد بن أرقم وسهل بن سعد وابن عمر رواه الطبراني وحديث عائشة رواه احمد وقال الحافظ وفيه عن انس وغيره وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ايام العمل الصالح فيها أحب الى الله من هذه الأيام يعنى ايام التشريق من ذى الحجة قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله الا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء رواه ابو داود من حديث ابن عباس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ايام أحب الى الله ان يتعبد له فيها من ايام العشر وان صيام يوم منها ليعدل سنة وليلة منها بليلة القدر رواه ابن ماجه من حديث ابى هريرة وهذا الحديث ضعيف وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلوة الليل رواه مسلم واصحاب السنن الأربعة عن ابى هريرة والروياني في مسنده والطبراني عن جندب- مسئلة من نذر ان يحج ماشيا ذكر في المبسوط من مذهب ابى حنيفة انه مخير بين الركوب والمشي يعنى لا يجب عليه المشي وبه قال قوم وهذا القول مبنى على ما سبق انه من نذر بطاعة وشرط فيه ما ليس بطاعة لا يلزمه الشرط وفي القدورى واكثر المتون انه يمشى ولا يركب حتى يطوف طواف الزيارة واختلفوا في محل ابتداء المشي فقيل من الميقات لان شروع الحج من هناك والأصح انه من بيته لانه المراد عرفا الا ان ينوى خلاف ذلك فعليه مانوى قال صاحب الهداية هذا يعنى ما ذكر في القدورى اشارة الى وجوب المشي بالنذر قال الطحاوي وبه قال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد والحجة لاهل المقالة الاولى اما على من يقول الحج راكبا أفضل من الحج ماشيا فظاهر ان المنذور لا بد ان يكون عبادة وفي المشقى الاولى

واما على قول ابى حنيفة فالمشى مع القدرة وإن كان أفضل لكن من شرط المنذور عنده ان يكون من جنسه واجب بايجاب الله تعالى من الواجبات المقصودة وليس المشي كذلك ولهم من السنة حديث انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادى بين ابنيه قال ما بال هذا قالوا نذر ان يمشى قال ان الله غنى عن تعذيب هذا نفسه وامره ان يركب متفق عليه وفي رواية لمسلم عن ابى هريرة قال اركب ايها الشيخ فان الله غنى عنك وعن نذرك وحديث عقبة بن عامر الجهني قال نذرت أختي ان تمشى الى بيت الله فامرتنى ان استفتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لتمش ولتركب متفق عليه والحجة لاهل المقالة الثانية ان المشي عبادة مقصورة واجبة في طواف الزيارة عند ابى حنيفة رح كما سنذكر فيجب بالنذر والجواب عن استدلالهم بالسنة ان النبي صلى الله عليه وسلم انما امر بالركوب إذا رأى انه لا يطيق المشي كما هو صريح في حديث انس انه رأى شيخا يهادى بين ابنيه وكذا في قصة اخت عقبة مذكور في رواية ابى داود انها لا تطيق فثبت بهذين الحديثين انه جاز له الركوب إذا لم يطق المشي وذالا يدل على عدم الوجوب بل على جواز الركوب بعذر مسئلة فان ركب بعذر او بغير عذر لا يجب عليه إعادة الحج ماشيا اجماعا وكان مقتضى القياس على اصل ابى حنيفة ان لا يخرج عن عهدة منذر إذا ركب كما لو نذر بصيام ايام متتابعات وبالصلوة قائما لكنا تركنا القياس لثبوت الرخصة في الركوب بالنص فان قيل الأحاديث المذكورة انما توجب الرخصه لمن لا يطيق على المشي والمطيق على المشي ليس في معناه فلا بد ان لا يخرج المطيق على المشي من العهدة إذا ركب بغير عذر قلنا جوابه بوجهين أحدهما ان احكام الشرع عامة غالبا والغالب في الحج ان لا يطيق على المشي ولذلك قالت العلماء ان الزاد والراحلة في الحج من القدرة الممكنة دون الميسرة فقلنا بالرخصة يؤيد ما قلنا حديث عمران بن حصين قال ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة وقال ان من المثلة ان ينذر الرجل ان يحج ماشيا فمن نذر ان يحج ماشيا فليهد هديا وليركب رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه ثانيهما ان ترك الواجب بعذر او بغير عذر شانهما في اقتضاء القضاء واحد فان كان عبادة مستقلة يقضى ما ترك وان كان جزاء او شرطا او وصفا للعبادة لا يتصور قضاؤه بمثل معقول لعدم استقلاله ويتصور قضاؤه بمثل غير معقول كسجدة السهو قضاء لواجبات الصلاة لكن القضاء بمثل غير معقول لا يدرك بالرأى بل يتوقف على الشرع فان ظهر له من الشرع مثل غير معقول تقضى بتلك المثل ولا يعاد العبادة والإيعاد تلك العبادة ولما لم يدرك للتتابع في الصيام والقيام

فى الصلاة مثل غير معقول حكمنا باعادة الصوم والصلاة وإذا عرف للمشى مثل غير معقول وهو الهدى لم يحكم باعادة الحج بل بالهدى والفرق بين المعذور وغير المعذور لا يظهر الا في الإثم ونظير ترك الوقوف بمزدلفة بلا عذر لا يجوز وبعذر يجوز وعلى كلا التقديرين يجب عليه الهدى والله اعلم- مسئلة من نذر ان يحج ماشيا فحج وترك المشي بعذر او بلا عذر يجب عليه بدنة وقال ابو حنيفة وصاحبيه لزم دم وأدناه شاة وإذا أراد بقوله لله على ان أحج ماشيا اليمين لزمه كفارة اليمين ايضا كذا ذكر الطحاوي وقول ابى حنيفة وصاحبيه وقيل لا يجب عليه الا كفارة يمين والحجة لوجوب الهدى بالركوب حديث عقبة بن عامر ان أخته نذرت ان يمشى الى البيت فامرها النبي صلى الله عليه وسلم ان تركب وتهدى هديا رواه ابو داؤد وسنده حجة وبهذا يظهر ان ما في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر فيه اختصار على ذكر بعض المروي والزيادة من الثقة مقبولة وهذا الحديث حجة لابى حنيفة في إيجاب مطلق الهدى ولو بشاة ولنا على تخصيص الهدى بالبدنة ما رواه ابو داؤد من حديث ابن عباس بلفظ ان اخت عقبة بن عامر نذرت ان تحج ماشية وانها لا تطيق ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم وان الله لغنى عن مشى أختك فلتركب ولتهد بدنة وما رواه الطحاوي من حديث عقبة بن عامر قال نذرت أختي ان تمشى الى الكعبة فقال ان الله لغنى عن مشيها مروها فلتركب ولتهد بدنة قلت وهذا حديث حسن لانه من رواية ابن ابى داؤد ثنا عيسى بن ابراهيم ثنا عبد العزيز بن مسلم ثنا مطر الوراق عن عكرمة عنه فان قيل عبد العزيز بن مسلم استجهل ومطرح الوراق قال ابن سعد فيه ضعف في الحديث قلنا قال الذهبي عبد العزيز معروف فلا يضر جهل من استجهل ومطر الوراق من رجال مسلم قال الذهبي ثقة وقال احمد وابن معين ضعيف في عطاء خاصة وهذا من رواية عكرمة قال ابن همام عمل ابو حنيفة بإطلاق الهدى من غير تعين بدنة لقوة رواتها قلنا قوة رواة الإطلاق ممنوع ولو سلمنا فالترجيح بالقوة انما يطلب عند التعارض ولا تعارض هاهنا بل مطلق ومقيد في حكم واحد في قضية واحدة فيحمل المطلق على المقيد البتة وما اخترت مروى عن على وغيره من الصحابة رضى الله عنهم والموقوف في الباب له حكم الرفع روى الشافعي إيراد عليه عن سعد بن ابى عروبة عن قتادة عن الحسن عن على في الرجل يحلف على المشي قال يمشى وان عجز ركب واهدى بدنة وروى عبد الرزاق بسند صحيح عن على فيمن نذر ان يمشى الى البيت قال يمشى فان أعيى ركب واهدى جزورا واخرج نحوه عن ابن عمرو ابن عباس وقتادة والحسن مسئلة من قال على المشي الى بيت الله او الكعبة

ولم يذكر حجا ولا عمرة فعليه ان يحج او يعتمر ماشيا استحسانا وفي القياس لا شيء عليه وجه الاستحسان تعورف النسك بهذا اللفظ ولو قال على المشي الى الحرم لا شى عليه عند ابى حنيفة لعدم العرف في التزام النسك به وعند صاحبيه يلزمه النسك احتياطا واتفقوا على انه لو قال الى الصفا او المروة او عرفة او مزدلفة او منى او مقام ابراهيم لا يجب شيء وكذا لو قال مكان المشي غيره كقوله الذهاب الى بيت الله او الخروج او السفر لا يجب شيء والمدار على تعارف إيجاب النسك بلفظ دون لفظ ولو نوى بقوله على المشي الى بيت الله المشي الى مسجد المدينة او مسجد بيت المقدس او مسجد اخر لم يلزمه شيء لصحة اطلاق بيت الله على كل مسجد مسئلة من نذر بطاعة لزمه ذلك الطاعة وما يتوقف عليه ذلك فمن نذر ان يصلى ركعتين بلا وضوء او بلا قرأة او نذر ان يصلى ركعة واحدة او ثلث ركعات لزمه الركعتان بالوضوء والقراءة وفي ثلث واربع ركعات وقال محمد لا يصح النذر لو نذر الركعتين بلا وضوء لان الصلاة بلا وضوء ليست بطاعة بخلاف الصلاة بغير قرأة فانها قد تكون طاعة كصلوة الأمي وفي غير ذلك قوله كقولنا وقال زفر يلزمه الركعتان ان نذر ثلثا ولا يلزمه شيء فيما سوى ذلك لان الصلاة بلا وضوء او بلا قراءة او ركعة منفردة او مع شفع يقدمها ليست بقربة فلا يجوز به النذر قلنا الالتزام بالشيء يستلزم استلزام ما لا صحة له الا به والله اعلم مسئلة من نذر ان يحج ماشيا فحج راكبا بعذر او بلا عذر واهدى بدنة هل يجب عليه الكفارة أم لا قال ابو حنيفة لا يجب عليه الكفارة الا إذا نوى به اليمين والخلاف في هذه المسألة مثل الخلاف في فوات اصل المنذور وقد مر من قبل مسئلة من نذر ان يعتكف قال ابو حنيفة ومالك يجب عليه ان يصوم ويعتكف وقال الشافعي واحمد لا يجب عليه الصوم ومبنى الخلاف على اختلافهم في انه بل يشترط الصوم للاعتكاف أم لا فقال الشافعي واحمد لا يشترط ويصح الاعتكاف بغير صوم وبالليل واقله ساعة وقال مالك يشترط وهو رواية عن احمد ورواية الحسن عن ابى حنيفة وفي الأصل مذهب ابى حنيفة ان الصوم شرط لصحة الواجب من الاعتكاف دون التطوع منه وبه قال محمد والحجة على اشتراط الصوم للاعتكاف ما رواه الدار قطنى والبيهقي عن سويد بن عبد العزيز عن سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا اعتكاف الا بصوم قال الدار قطنى تفرد به سويد عن سفيان وقال احمد سويد متروك الحديث وقال البخاري في حديثه نظر وقال يحيى ليس بشيء وسفيان قال يحيى لم يكن بالقوى وقال ابن حبان يروى عن الزهري المقلوبات قلت قال الذهبي صدوق

مشهور وقال بعضهم ليس به بأس الا في الزهري- اخرج له مسلم وذكر ابن همام قال في الكمال قال ابن حجر سألت عنه هشيما فاثنى عليه خيرا- فالحديث لم يصح لاجل سويد وسفيان إذ هو من رواية الزهري وهو في الزهري ضعيف وما رواه ابو داود عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت السنة على المعتكف ان لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امراة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة الّا لما لا بد منها ولا اعتكاف الا بصوم ولا اعتكاف الا في مسجد جامع- فان قيل قال ابو داؤد غير عبد الرحمن ابن اسحق لا يقول فيه السنة فالحديث موقوف فقال الدار قطنى عبد الرحمن ضعيف- وأجيب بان الرفع زيادة وعبد الرحمن ثقة الا انه قدرى كذا قال ابو داود ووثقه ابن معين وقال احمد صالح الحديث واخرج له مسلم- قلت هذا الحديث لا يصلح للاحتجاج لان كلمة لا اعتكاف الظاهر انه ليس تحت قوله السنة على المعتكف ان لا يعود لتغير نسق الكلام واو سلمنا فكون الصوم سنة في الاعتكاف لانزاع فيه- انما الخلاف في كونه شرطا وهذا امر لا بد له من دليل وروى هذا الحديث ابن الجوزي في التحقيق من طريق الدار قطنى عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الا واخر من رمضان وان السنة للمعتكف ان لا يخرج الا لحاجة الإنسان ولا يتبع الجنازة ولا يعود مريضا ولا يمس امراة ولا يباشرها ولا اعتكاف الا في مسجد جماعة ويأمر من اعتكف ان يصوم واعترض عليه ابن الجزري بان فيه ابراهيم بن محسر قال ابن عدى له أحاديث مناكير وقال الدار قطنى يقال ان قوله ان السنة للمعتكف إلخ ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام الزهري ومن أدرجه في الحديث فقدوهم ومن الحجة في الباب ما رواه ابو داود عن عبد الرحمن بن بديل عن عمرو بن دينار ان عمر جعل عليه ان يعتكف في الجاهلية ليلة او يوما عند الكعبة فسال النبي صلى الله عليه وسلم فقال اعتكف وصم- وفي لفظ للنسائى امره ان يعتكف ويصوم- قال الدار قطنى تفرد به ابن بديل وهو ضعيف ورواه نافع عن ابن عمر ولم يذكر فيه الصوم وهو أصح وقال سمعت أبا بكر النيسابورى يقول هذا حديث منكر لان الثقات من اصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه منهم ابن جريح وابن عليينة وحماد بن سلمة وغيرهم وما قال ابن همام ان ابن بديل ثقة قال فيه ابن معين صالح وذكره ابن حبان في الثقات- قلت لم يذكر الذهبي في ترثيقه شيئا بل قال

فيه امّه ضعيف ثم لو ثبت الأمر بالصوم تحمله على ان عمر كان قد نذر بالاعتكاف والصوم جميعا وسال عنهما فبسقط ذكر الصوم من الراوي في رواية السؤال كما سقط ذكر الصوم عن الجواب في اكثر الطرق وأصحها- وما رواه الدار قطنى بسنده عن سعيد بن بشير عن عبد الله «1» بن عمر عن نافع عن ابن عمر ان عمر نذر ان يعتكف في الشرك ويصوم فسال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه فقال أوف بنذرك- قال قيل قال عبد الحق تفرد به سعيد بن بشير قال ابن الجوزي قال يحيى وابن نمير ليس بشيء قلنا قال الحافظ هو مختلف فيه وقال الذهبي سعيد بن بشير صاحب قتادة وثقة شعبة وقال البخاري يتكلم في حفظه وقيل كان قدريّا قلت ولا شك ان سعيد بن بشير ليس أضعف من ابن بديل- واحتج الشافعي واحمد بحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على المعتكف صيام الا ان يجعله على نفسه- رواه الحاكم وصححه ولم يطعن فيه ابن الجوزي واحتج البخاري بحديث ابن عمر ان عمر سال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت نذرت في الجاهلية ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام قال فاوف بنذرك- متفق عليه وجه الاستدلال ان الليل ليس وقتا للصوم واعترض عليه بين في رواية شعبة عن عبيد الله عند مسلم يوما بدل ليلة- فجمع ابن حبان وغيره بين الروايتين بانه ندر اعتكاف يوم وليلة فمن اطلق يوما أراد بليلتها ومن اطلق ليلة أراد بيومها- وأجيب بان رواية من روى يوما شاذ او نقول لما نذر اعتكاف يوم ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصوم دل على ان الصوم ليس بشرط- ومن الحجة في الباب حديث عبد الله بن أنيس قال قلت يا رسول الله ان لى بادية أكون فيها وانا أصلي فيها بحمد الله فمرنى بليلة أنزلها الى هذا المسجد فقال انزل ليلة ثلاث وعشرين فقيل لابنه كيف كان أبوك يصنع قال كان يدخل المسجد أصلي العصر فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلى الصبح فاذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد فجلس عليها ولحق بباديته- رواه ابو داود وهذا صريح في جواز الاعتكاف ليلا- لا يقال لا نسميه اعتكافا لانا نقول لا مشاحة لنا في الاصطلاح بعد ما ثبت- ان اللبث في المسجد بنية التقرب طاعة والطاعة تجب بالنذر مسئلة من نذر ان يعتكف رمضان لزمه ولا يلغو اشتراط رمضان لما ثبت ان الطاعة في رمضان اكثر ثوابا من الطاعة في غيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تقرب فيه اى

_ (1) كذا في الأصل وفي شرح معانى الدار للطحاوى عبد الله بن عمر إلخ 12- الفقير الدهلوي-

فى رمضان خصلة من الخير كان كمن ادى فريضة فيما سواه ومن ادى فريضة فيه كان كمن ادى سبعين فريضة فيما سواه- رواه البيهقي في شعب الايمان في حديث طويل عن سلمان الفارسي «1» فان أطلقه فعليه ان يعتكف في اى رمضان شاء وان علية لزمه فيه- كذا قال ابن همام لكن هذا لا يوافق ما مر ان كل شرط لا مزية فيه من حيت الطاعة لا يلزمه ولا مزية لرمضان على رمضان اخر فاولى ان يقال ان عيّن أول رمضان أدركه لزمه ذلك لان الاستعجال في الطاعة طاعة قال الله تعالى يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ- وان عين رمضان اخر فادى في أول رمضان أدركه ينبغى ان يجزيه بل الظاهر انه يلزمه الأداء في أول رمضان أدركه لان الحيوة الى رمضان ثان غير غالب الوقوع عادة (مسئلة) فان صام رمضان عينه للاعتكاف ولم يعتكف لزمه قضاؤه بصوم مقصود للنذر عند ابى حنيفة ومحمد وهو احدى الروايتين عن ابى يوسف وعن ابى يوسف انه لا يقضى أصلا وهو قول زفر لان الاعتكاف في رمضان أفضل من الاعتكاف في غيره فلا يتادى بالاعتكاف في غيره كمن نذر ان يصلى قائما او يصوم متتابعا فصلى قاعدا او صام متفرقا لا يجزيه فتعذر للقضاء فسقط قلنا كان عليه ان يعتكف في رمضان فلما فات ذلك بقي عليه مطلق الاعتكاف لامكان التدارك وسقط عنه فضل الوقت لعدم إمكان التدارك- والحيوة الى رمضان اخر غير متيقن بل غير مظنون لطول الزمان- فصار المسألة كمن فاته صلوة الوقت او صوم رمضان وجب بنيه قضاء اصل الصلاة والصوم لامكان التدارك وسقط عنه فضل الوقت لعدم إمكان التدارك- بخلاف من صلّى قاعدا وكان قد نذر الصلاة قائما حيث يحكم بالاعادة لامكان التدارك- فان قيل لما فات الاعتكاف في رمضان كان ينبغى ان يحكم بوجوب قضائه في رمضان اخر وإذا لم يحكم بذلك لاحتمال للموت قبل ذلك وحكمتم بوجوب القضاء بعد رمضان بصوم مقصود فاذا اعتكف قضاء بعد رمضان بصوم مقصود ثم أدرك رمضان» اخر ينبغى ان يحكم بوجوب الاعادة- كمن وجب عليه الحج ولم يحج وعجز عن الحج فاحج عنه غير ثم قدر على الحج بنفسه بطل حينئذ احجاج الغير ولزمه ان يحج بنفسه- قلنا قال ابو حنيفة ان اشتراط الصوم للاعتكاف ثبت بالنص كما ذكرنا فكان القياس ان لا يتادى الاعتكاف المنذور في رمضان أصلا لانه إذا وجب الاعتكاف بالنذر وجب الصوم مقصودا ايضا شرطا له والصوم المنذور مقصودا لا يتادى في رمضان لكون الوقت مشغولا بحق الله تعالى فلا يتأدى

_ (1) وفي الأصل سلمان القاري وهو تصحيف- الفقير الدهلوي- (2) وفي الأصل رمضانا آخر.

الاعتكاف ايضا- لكنا جوزنا الاعتكاف في رمضان ضرورة ادراك فضل الوقت- فاذا فات عنه فضل الوقت عاد الحكم الى الأصل ووجب الصوم للاعتكاف مقصودا- ثم إذا أدرك رمضان من قابل لا يسقط ما وجب مقصودا فلا يتادى ذلك الاعتكاف في رمضان اخر أصلا للزوم الصوم المقصود والله اعلم ولاجل ذلك لا يجوز عند ابى حنيفة وصاحبيه ان يقضى اعتكاف رمضان في رمضان اخر لكن لو لم يصم في رمضان ولم يعتكف جاز ان يعتكف في صيام القضاء وكان مقتضى القياس على ما ذكرنا ان لا يتادى بعد رمضان الا بصوم مقصود لفوات فضل الوقت والله اعلم وما ذكرنا من قول ابى حنيفة مبنى على اشتراط الصوم للاعتكاف عنده فمن لم يقل باشتراط الصوم جاز عنده ان يقضى بعد رمضان بلا صوم- او في رمضان اخر ان أدرك او في صيام القضاء او الكفارة او غير ذلك ثم إذا قضى بعد رمضان بلا صوم او بصوم ثم أدرك رمضان اخر لا تجب عليه الا عادة كمن فاته صلوة وقتية وهو واجد للماء فقضاه بعد الوقت بالتيمم ثم وجد الماء او صلى عاريا ثم وجد الثوب (مسئلة) من نذر بطاعة في حالة الكفر ثم اسلم قال مالك واحمد يجب عليه الوفاء لما مر من ان عمر بن الخطاب نذر في الجاهلية بالاعتكاف فسال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أوف بنذرك- وقال ابو حنيفة والشافعي لا يجب عليه الوفاء لان الكافر ليس أهلا للطاعة وطاعته معصية لعدم الإخلاص والنذر بالمعصية لا يجب الوفاء به- وإذا علمنا من ضرورات الدين ان الكافر ليس أهلا للعبادة نحمل حديث عمر طى ان إيفاء النذر وان لم يكن واجبا عليه لكنه لمّا رغب في الاعتكاف بعد الإسلام امره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ابتداء لا قضاء لما كان واجبا عليه (مسئلة) من نذر بطاعة ثم ارتد (والعياذ بالله منه) ثم اسلم لا يلزمه موجب النذر عند ابى حنيفة رحمه الله لان نفس النذر بالقربة قربة فيبطل بالردة كسائر القرب فلا يترتب عليه موجبه (مسئلة) من نذر صوم الابد فضعف عن الصوم لاشتغاله بالمعيشة له ان يفطر ويعلم لكل يوم نصف صاع من بر كذا في الفتاوى الكبرى وكذا قال ابن همام وقال فان لم يقدر

على الإطعام لعسرته يستغفر الله ويستقيله- والفتوى على انه من نذر بصوم الابد ان شاء صام وان شاء كفر كذا في فتاوى الحجة- وكذا الخلاف فيمن نذر اى نذر يشق عليه ولم يطق- والحجة على اجزاء الكفارة قوله صلى الله عليه وسلم من نذر نذر الا يطيقه فكفارته كفارة يمين وقد مر فيما سبق من حديث ابن عباس- (مسئلة) من نذر عشر حجج او مائة حجة اختلف فيه هل يلزمه كلها فيلزمه الإيصاء بها او يلزمه قدر ما عاش ففى الخلاصة نص على لزوم الكل وذكر غيره عن ابى يوسف ومحمد الثاني واختاره السرخسي- ولو قال عشر حجج في هذه السنة لزمه عشر في عشر سنين على رواية اختارها السرخسي ولزمه الكل في الحال على رواية الخلاصة- فان أحج عنه عشرة رجال أجزأه ان مات قبل ادراك السنين وان بقي حيّا فكلّما أدرك وقت الحج من كل سنة يجب عليه ان يحج بنفسه ويبطل حينئذ احجاج غيره عنه لانه قدر بنفسه فظهر عدم صحة احجاجهم فان لم يطق ان يحج كل سنة فالخلاف في اجزاء الكفارة ما سبق والله اعلم (مسئلة) من قال انا أحج لا حج عليه لانه وعد وليس بنذر لكن يندب الوفاء بالوعد مسئلة ان قال ان ما فانى الله من مرضى فعلى ان أحج لزمه حج غير حجة الإسلام فاذا حج ولم ينو شيئا وقع عن حجة الإسلام ثم إذا حج في السنة الثانية ولا نية له فقيل هى تطوع ولا بد للمنذور من تعيين النية- مسئلة من قال على حجة ان شاء فلان لزمه ان شاء فلان ولا يقتصر مشيته على مجلس بلوغه الخبر- بخلاف تعليق الطلاق بمشيته لان الطلاق يقبل التمليك والتمليك يستدعى جوابا في المجلس وهذا شرط محض (مسئلة) من نذر ان يتصدق بجميع ماله لزمه التصدق بجميع ما يجب فيه الزكوة استحسانا لان إيجاب العبد معتبر بايجاب الله تعالى- فيصرف إيجابه الى إيجاب ما أوجب الشرع فيه الصدقة من المال- ولان الظاهر التزام الصدقة من فاضل ماله وهو مال الزكوة بخلاف الوصية فانها تقع في حالة الاستغناء- ومن نذر ان يتصدق بملكه لزمه ان يتصدق بالجميع عند ابى حنيفة وصاحبيه كذا في الهداية- وقال احمد وزفر والشافعي يجب التصدق بالجميع في الصورتين- وقال مالك يلزمه في الصورتين ان يتصدق بثلث ما يملكه لحديث ابى لبابه انه قال

النبي صلى الله عليه وسلم ان من توبتى ان اهجر دار قومى الّتي أصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى كله صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزى عنك الثلث- رواه رزين- قلنا هذا الحديث لا دلالة له على انه كان نذر يتصدق جميع ماله بل أراد الصدقة فاشار اليه النبي صلى الله عليه وسلم ان يتصدق بالثلث كيلا يفوت حقوق الناس الّتي عليه الا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الثلث في حديث كعب بن مالك رواه الشيخان في الصحيحين انه قال قلت يا رسول الله ان من توبتى ان انخلع من مالى صدقة الى الله والى رسوله- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امسك بعض مالك فهو خير لك قال قلت فانى امسك سهمى الّذي بخيبر مسئلة لو قال مالى صدقة في المساكين لا يدخل ماله ديون على الناس مسئلة من نذر ان يتصدق بجميع ما هو ملكه في الحال وما يملكه في الاستقبال يمسك نفقة نفسه وزوجته ومن وجب عليه نفقته كما ان من نذر بصوم الابد لا يجب عليه الفدية بدلا من صوم رمضان لانه مشغول بحق الغير- فمن شق عليه ذلك كفّر على ما ذكرنا فيمن شق عليه المنذور (مسئلة) من قال لله علىّ ان اذبح شاة او بقرة او بعيرا او قال ان شفى مريضى فعلىّ ان اذبح يجب عليه ذلك حالا في التنجيز وعند وجود الشرط في التعليق وجاز له ان يذبح حيث شاء ويتصدق بلحمه على الفقراء وفي نوادر ابن سماعة لا شيء عليه ان قال لله علىّ ان اذبح ولم يقل صدقة- قلنا انه التزم بمال من جنسه واجب الا ان يقصد نفس الذبح- ولو قال لله علىّ هدى يجب عليه ما يجزى في الاضحية من الضأن والمعز او الإبل او البقر الا ان ينوى بعيرا او بقرة فليزمه ذلك وان لا يذبح الا في الحرم- فان كان في ايام النحر فالسنة ان يذبح بمنى والا ففى مكة- وجاز له ان يذبح حيث شاء من ارض الحرم- ولو قال علىّ ان اهدى جزورا تعيّن الإبل والحرم- ولو قال علىّ جزورا ولم يذكر الهدى جاز في غير الحرم- ولو قال بدنة ولم يذكر الهدى فعن ابى يوسف انه يتعين الحرم لان اسم البدن لا يذكر في مشهور الاستعمال الا في معنى المهداة ولو صرح بالهدى يتعين بالحرم فكذا البدنة- وعند ابى حنيفة في البدنة لا يشترط الحرم الا ان يزيد فيقول بدنة من شعائر الله- فاذا ذبح الهدى في الحرم يتصدق بلحمه على مساكين الحرم وان تصدق على غيرهم جاز ايضا وهل يجوز التصدق

بالقيمة في الحرم في نذر الهدى- ففى رواية ابى سليمان يجوز ان يهدى قيمتها اعتبار بالزكاة- وفي رواية ابى حفص لا يجوز لان في اسم الهدى زيادة على مجرد اسم الشاة وهو الذبح فالقرية فيه يتعلق بالذبح- ثم التصدق بعد ذلك تبع بخلاف الزكوة فان القربة فيه التصدق بالشاة وهو ثابت في القيمة- (مسئلة) من نذر شاة واهدى مكانها جزورا فقد احسن- وليس هذا من القيمة لثبوت الاراقة في البدل الأعلى كالاصل- ولو قال الله علىّ ان اهدى شاتين فاهدى شاة تساوى اربع شياه في القيمة لم يجزه الا من شاة واحدة مسئلة لو قال لله علىّ ان اهدى هذه الشاة لزمته فان سرقت او ماتت لا يلزم غيرها- وكذا لو قال لله علىّ ان أتصدق بهذه الدراهم فهلكت قبل ان يتصدق بها لم يلزمه شيء غيرها ولو لم تهلك وتصدق بمثلها جاز- ولو نذر ان يتصدق بخبز كذا فتصدق بقيمته جاز مسئلة ولو قال لله علىّ ان اهدى ثوبا فاعطاه لحجبة البيت جاز ان كانوا فقراء والا فلا- ولو جعل الثوب لباسا للبيت لم يجزه (مسئلة) قوله هذه الشاة هدى الى البيت او الى مكة او الى الكعبة فوجب والى الحرم او الى المسجد الحرام غير موجب عنده وموجب عندهما والى الصفا غير موجب اتفاقا- فان قيل مجرد ذكر الهدى موجب فزيادة ذكر الحرم او الصفاء لا يرفع الوجوب بعد الثبوت قلنا إذا ذكر الهدى مطلقا يعتبر هناك ذكر البيت او مكة مقدرا فيوجب وإذا نص على المسجد او الحرم تعذر الإضمار فلا يوجب مسئلة لو قال ثوبى هذا ستر للبيت او اضرب به حطيم البيت يلزمه استحسانا لانه يراد بهذا اللفظ هدية عرفا مسئلة من قال ان اشتريت هذه الشاة (وأشار الى شاة مملوكة لغيره) فعلىّ ان اهدى الى الكعبة قال الشافعي لا يلزمه الوفاء لان التعليق عنده يمنع الحكم دون السبب عن الانعقاد- فعند انعقاد السبب الشاة مملوكة لغيره فيلغو النذر بها لقوله صلى الله عليه وسلم لا نذر فيما لا يملكه ابن آدم- وعند ابى حنيفة يلزم لان التعليق عنده يمنغ السبب عن الانعقاد وانما ينعقد بعد وجود الشرط يعنى بعد الشراء فلا يلغوا (مسئلة) من قال لله علىّ ان اذبح نفسى او ولدي او عبدى يلزمه شاة استحسانا عند

ابى حنيفة رحمه الله ولو كان له أولاد لزمه زمان مكان كل واحد شاة وعند محمد يلزمه الشاة في الولد دون العبد والنفس وعند ابى يوسف لا يلزمه شيء في واحد منها وهو القياس لانه نذر بالمعصية- وجه الاستحسان ان الله سبحانه أوجب شاة بدلا من اسمعيل عليه السلام حين وجب على ابراهيم ذبحه- ولمّا كان قتل النفس او الولد حقيقة مهجورا شرعا لكونه معصية جعلنا إيجابه على نفسه مجازا عن إيجاب بدله عليه- كذا روى عن محمد بن المنتشر انه قال ان رجلا نذر ان ينحر نفسه ان نجاه الله من عدوه فسأل ابن عباس فقال سل مسروقا فساله فقال له لا تنحر نفسك فانّك ان كنت مومنا قتلت نفسا مومنة وان كنت كافرا تعجلت الى النار فاشتر كيشا فاذبحه للمساكين فان اسحق خير منك فدى بكبش- فاخبر ابن عباس فقال هكذا كنت أردت ان أفتيك رواه ابن رزين مسئلة من قال كل منفعة تصل الى من مالك فعلىّ ان أتصدق بها لزمه ان يتصدق بكل ما ملكه- لا بما اباحه له كطعام اذن ان يأكله مسئلة لو قال ان فعلت كذا فكل ما أكلت فعلىّ ان أتصدق فعليه عند وجود الشرط بكل لقمة درهم لان كل لقمة أكلة ولو قال كلما شربت فانما يلزمه بكل نفس لا بكل مصة (مسئلة) من قال لله علىّ ان أصوم اليوم الّذي يقدم فيه زيد شكر الله وأراد به اليمين فقدم فلان في يوم رمضان- كان عليه كفارة يمين ولا قضاء عليه لانه لم يوجد شرط البر وهو الصوم بنية الشكر- ولو قدم قبل ان ينوى الصوم فنوى به الشكر لا عن رمضان برّ بالنية وأجزأه عن رمضان ولا قضاء عليه- وان لم يرد به اليمين لا شى عليه لان رمضان مشغول بحق الله تعالى فلا يجب فيه صوم النذر مسئلة إذا نذر المريض صوم شهر ومات قبل الصحة لا شيء عليه مسئلة من نذر صوم هذا اليوم او يوم كذا من شهر او سنة لزمه ما تكرر في الشهر والسنة مسئلة ولو نذر صوم يوم الاثنين والخميس فصام ذلك مرة كفاه الا ان ينوى الابد مسئلة النذر إذا جرى على لسانه بغير قصد لزمه الوفاء لانه إنشاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد وقد مرّ مسئلة من قال الله علىّ صوم هذه السنة قيل لزمه ان يصوم اثنى عشر شهرا من وقت النذر- وفي فتاوى قاضى خان والخلاصة ان السنة مبداها المحرم وآخرها ذو الحجة فاذا أشار الى السنة الّتي هو فيها لزمه

صوم ما بقي من السنة الى اخر ذى الحجة ويلغو في حق ما مضى كما يلغو قوله لله علىّ ان أصوم أمس- وكذا من قال لله علىّ صوم هذا الشهر لزمه صوم ما بقي من الشهر الّذي هو فيه مسئلة من قال لله علىّ صوم أمس اليوم او اليوم أمس لزمه صوم اليوم ولا يلزمه قضاء أمس مسئلة من نذر صوم السنة يجب عليه ان يفطر الأيام المنهية- وكذا المرأة تفطر ايام حيضها وتقضى «1» - وقال زفر لاقضاء عليه وعليها- فان صامها «2» اثم وسقط عنه القضاء مسئلة من قالت لله علىّ ان أصوم ايام حيضتى لا يصح النذر ولا يجب عليها القضاء لانها اضافت الى وقت غير صالح للصوم كمن قال علىّ ان أصوم ليلة كذا وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) قال البغوي قال ابن عباس والزبير ومجاهد وقتادة سمى عتيقا لان الله تعالى اعتقه من أيدي الجبابرة الى تخريبه فلم يظهر عليه جبار قط- اخرج الترمذي وحسّنه عن ابن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما سمى البيت العتيق لانه لم يظهر عليه جبار لكن يردّ هذا القول حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة- متفق عليه- وحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانى به اسود افحج يقلعها حجرا حجرا- رواه البخاري وحديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتركوا الحبشة ما تركوكم فانه لا يستخرج كنز الكعبة الا ذو السويقتين من الحبشة رواه ابو داود والحاكم وصححه- فان هذه الأحاديث تدل على تسلط جبار عليه في المستقبل- وذلك ينافى كونه عتيقا بهذا المعنى- وقيل سمى عتيقا لان الله اعتقه من الغرق فانه رفع ايام الطوفان- وقال ابن زيد والحسن سمى عتيقا لانه قديم وهو اوّل بيت وضع للنّاس يقال دينار عتيق اى قديم وقيل العتيق بمعنى الكريم يقال عتاق الخيل لكرامها- وعتق الرقيق خروجه من ذلّ العبودية الى كرم الحرية- والمختار عندى قول سفيان بن عيينة انه سمى عتيقا لانه غير مملوك لبشر ولم يملك قط بل لم يملك ما حوله من الحرم سواء العاكف فيه والباد- اعلم ان الطواف بالبيت عبادة معقولة مقصودة كالصلوة- منها ما هو فريضة ركن للحج والعمرة ومنها ما هو واجب كطواف القدوم والصدر على ما نذكر فيه من الاختلاف

_ (1) وكذا يقضيان الأيام المنهية إذا أفطرا 12 الفقير الدهلوي. (2) الاولى فان صاماها لذا. الفقير الدهلوي.

وما سوى ذلك تطوع غير موقت بوقت- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنى عبد مناف من ولى منكم في امور الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بالبيت وصلى أيّة ساعة شاء من ليل او نهار رواه الشافعي واحمد واصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان والدار قطنى والحاكم من حديث ابى الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم وصححه الترمذي ورواه الدار قطنى من وجهين آخرين عن نافع بن جبير عن أبيه ومن طريقين آخرين عن جابر وهو معلول ورواه الدار قطنى ايضا عن ابن عباس ورواه ابو نعيم في تاريخ أصبهان والخطيب في التلخيص من طريق عامر بن عبيدة عن ابى الزبير عن على بن عبد الله بن عباس عن أبيه وهو معلول ورواه ابن عدى من طريق سعيد بن راشد عن عطاء عن ابى هريرة (مسئلة) وطواف التطوع يكون واجبا بالنذر كالصلوة- والمراد بهذه الاية طواف الزيارة في الحج اجماعا وهو ركن من اركان الحج اجماعا- وليس «1» شيء من الاطوفة ركنا من الحج سوى طواف الزيارة مسئلة واما طواف القدوم فهو سنة عند ابى حنيفة والشافعي واحمد- وعند مالك واجب وبه قال ابو الثور من الشافعية يجب الدم بتركه ولا يفوت بفواته الحج اجماعا- عن عروة بن الزبير قال قد حج النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرتنى عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأبه حين قدم مكة انه توضأ ثم طاف بالبيت ثم لم يكن عمرة ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم عمر ثم عثمان مثل ذلك- متفق عليه وعن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاق في الحج والعمرة أول ما يقدم اسبعى ثلاثة أطوف ومشى اربعة ثم سجد سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة متفق عليه- احتج مالك بحديث عروة بن الزبير على ان النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا بالحج لقوله ثم لم يكن عمرة وعلى وجوب طواف القدوم- بالحديثين المذكورين لانه صلى الله عليه وسلم أول ما قدم طاف طواف القدوم- وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال خذوا عنى مناسككم فصار واجبا- وبأن السعى بين الصفا والمروة جائز بعد طواف القدوم اجماعا مع ان السعى بين الصفا والمروة واجب اجماعا- وتقدم الطواف على السعى شرط الجواز السعى اجماعا والواجب لا يتبع التطوع- ولهذا لا يجوز لملكى ان يسعى بين الصفا والمروة الا بعد طواف الزيارة- إذ ليس عليه طواف القدوم ولا يجوز له السعى بعد طواف ناف فان قلت قد دل كثير من الأحاديث الصحيحة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا لحديث

_ (1) فى الأصل ل؟؟؟ إلخ الفقير الدهلوي.

انس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى بالحج والعمرة يقول لبيك عمرة وحجّا متفق عليه وحديث عمران بن حصين انه صلى الله عليه وسلم جمع بين حجته وعمرته- وحديث ابن عمر قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة الى الحج وهدى فساق معه الهدى الحديث- متفق عليه وبهذا الحديث ونحوه قال احمد بن حنبل انه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا- قلنا المراد بالتمتع في هذا الحديث هو القران- فان التمتع بالعمرة الى الحج يشتمل لغة من اتى بهما جميعا في عام واحد في أشهر الحج سواء اتى بهما بإحرام واحد او بإحرامين كما أريد بقوله تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ- واطلاق التمتع على ما يقابل القران اصطلاح جديد للفقهاء- وما ذكرنا من الحديثين وغيرهما صريحة في انه صلى الله عليه وسلم اهل بهما جميعا- ثم اختلف الناس انه صلى الله عليه وسلم حين دخل المكة هل طاف طوافا واحدا- أم طاف طوافين أحدهما للقدوم وثانيهما للعمرة- فالجمهور على انه صلى الله عليه وسلم انه أطاف حين قدومه طوافا واحدا وقال ابو حنيفة طاف طوافين احتج الجمهور بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وطاف وسعى بين الصفا والمروة ولم يقرب الكعبة لطوافه بها حتى رجع من عرفة وحديث ابن عمر انه أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل ان الناس كائن بينهم وانا لخاف ان يصدون- فقال لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ اذن اصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم انى أشهدكم انى قد أوجبت عمرة- ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء فقال ما شأن الحج والعمرة الا واحدا أشهدكم انى أوجبت حجا مع عمرتى واهدى هديا اشتراه بقديد- فلم ينحر ولم يحل من شيء يحرم منه ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر فنحر وحلق وراى انه قد قضى الحج والعمرة بطوافه الاول قال ابن عمرو كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه وفي رواية قال الراوي في اخر الحديث كان يقول ابن عمر من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد لم يحل حتى يحل منهما جميعا- وفي رواية لمسام حتى إذا جاء البيت فطاف سبعا وسعى بين الصفا والمروة سبعا لم يزد عليه وراى انه مجزى عنه-

واحتجت الحنفية بحديث علىّ انه جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وقال هكذا رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل- رواه الدار قطنى والنسائي بطرق ورواه محمد في كتاب الآثار عن ابى حنيفة بسنده عن على موقوفا انه قال إذا أهللت بالحج والعمرة فطف لهما طوافين واسبع لهما سعيين بين الصفا والمروة- وروى الطحاوي بسنده عن على وابن مسعود قال القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين قال الحافظ ما روى عن علىّ وابن مسعود طرقه ضعيفة مرفوعا- لكن روى الطحاوي وغيره موقوفا عن علىّ وابن مسعود بأسانيد لا بأس بها إذا اجتمعت- قلت هذا الحديث لو ثبت لا يدل على انه صلى الله عليه وسلم طاف حين قدومه بمكة قبل رواحه الى منى طوافين طوافا للعمرة وطوافا للقدوم بل معنى هذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم طاف لعمرته وسعى لها وذلك قبل رواحه الى منى وطاف للحج يوم النحر وسعى له- وكذا معنى حديث عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم طاف طوافين وسعى سعين رواه الدار قطنى ولم يرو عنه صلى الله عليه وسلم في شيء من الأحاديث الصحيحة ولا الضعيفة انه طاف للقدوم بعد طواف حمرته الا ما في مسند ابى حنيفة عن الضبي بن معبد قال أقبلت من الجزيرة حاجّا قارنا فمررت بسليمان بن ربيعة وزيد بن صوحان فسمعانى أقول لبيك بحجة وعمرة معا فقال أحدهما هذا اضلّ من بعيره وقال الاخر هذا أضل من كذا وكذا- فمضيت حتى قضيت نسكى ومررت بامير المؤمنين عمر فساقه الى ان قال فيه- قال يعنى عمر له فصنعت ماذا قال مضيت فطفت طوافا لعمرتى وسعيت لعمرتى ثم عدت ففعلت مثل ذلك لحجى ثم بقيت حراما ما أقمنا اصنع كما يصنع الحاج حتى قضيت اخر نسكى- قال هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم- ومسند الامام ابى حنيفة بين جامعه وبين الامام رجال لا يعرف حالهم فاحاديث المسند لا يصلح ان يعارض ما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس انه لم يقرب بطوافه بها حتى رجع من عرفة والله اعلم ولما ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا ولم يطف حين قدومه سوى طواف العمرة- ظهر ان طواف القدوم ليس ركنا من اركان الحج ولا واجبا مستقلّا برأسه بل هو سنة مثل ركعتى تحية المسجد يتادى في ضمن واجب او سنة اخر- الا ترى انه من اتى المسجد وصلى فريضة او سنة موكدة

حين دخول المسجد اجزأته عن تحية المسجد فالنبى صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة وطاف للعمرة اجزأته عن طواف القدوم- (مسئلة) واما طواف الصدر فهو ايضا ليس بركن اجماعا بل هو واجب عند ابى حنيفة واحمد وهى رواية عن الشافعي لكن عند ابى حنيفة رحمه الله هو من واجبات الحج- فمن طاف للوداع ثم اتفق له المقام بمكة ثم خرج بعد زمان لا يجب عليه الا عادة- وقال محمد هو واجب برأسه على من يريد ان يخرج من مكة مسافرا ففى الصورة المذكورة يجب عليه إعادة الطواف عنده وسنة عند مالك وهو أحد قولى الشافعي ويسقط بعذر الحيض والإحصار اجماعا- لنا حديث ابن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه لا ينفر أحد حتى يكون اخر عهده بالبيت رواه احمد ورواه الدار قطنى بلفظ كان الناس ينفرون من منى الى وجوههم فامرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكون اخر عهدهم بالبيت ورخص الحائض ورواه مسلم بلفظ لا ينفر أحدكم حتى يكون اخر عهده بالبيت- وفي المتفق عليه بلفظ امر الناس ان يكون اخر عهدهم بالبيت الا انه خفف عن الحائض وحديث ابن عمر قال من حج البيت فليكن اخر عهده بالبيت الطواف الا الحيض رخص لهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح وحديث عبد الله بن أوس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من حج هذا البيت او اعتمر فليكن اخر عهده بالبيت- رواه الترمذي احتج ابو حنيفة بهذا الحديث انه من واجبات الحج لقوله صلى الله عليه وسلم من حج البيت إلخ حيث جعل الطواف من واجبات الحج- قلت فعلى هذا يلزم ان يكون من واجبات العمرة ايضا ولم يقل به أحد- ولاحمد عموم قوله صلى الله عليه وسلم لا ينفر أحد حتى يكون اخر عهده بالبيت ولا يلزم على اصل ابى حنيفة حمل المطلق على المقيد لكون التقييد داخلا على السبب كما في قوله صلى الله عليه وسلم أدوا عن كل حر وعبد وقوله عليه السلام أدوا عن كل حر وعيد من المسلمين- بل يقال النفور مطلقا سبب للطواف والنفور عن الحج ايضا سبب ولا منافاة بينهما والله اعلم فصل وللطواف بالبيت شرائط واركان وواجبات وسنن وآداب اما الشرائط

فمنها النية فانها شرط لكل عبادة مقصودة بالنصوص والإجماع لكن يكفى لطواف الزيارة نية مطلق الطواف ولا يشترط تعين نية الفرض- فان قيل طواف الزيارة ركن من اركان الحج كالوقوف بعرفة وليست النية شرطا للوقوف حتى من وقف بعرفة نائما او مغى عليه او وقف على جبال ولم يعرف اىّ منها العرفة يجزيه- قال عروة بن مضرس جئت يا رسول الله من جبل طيء أكللت مطيتى وأتعبت نفسى والله ما تركت من جبل الا وقفت عليه فهل لى من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك معنا لهذه الصلاة يعنى صلوة الصبح بجمع واتى عرفات قبل ذلك ليلا او نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه- رواه ابو داود وغيره فما وجه الفرق بين الطواف والوقوف- ثم ان كانت شرطا فما وجه قولكم يكفيه نية مطلق الطواف ولا يشترط نية تعين الفرض مع ان تعين النية شرط لكل فريضة وقتها ظرف لها وليس بمعيار كالصلوة- قلنا تحقيق المقام ان النية بجميع المناسك قد اقترن بالإحرام في ضمن نية الحج- فما لم يعترض نية أخرى منافية لنية النسك يعتبر ذلك النية السابقة موجودة عند كل ركن ولا يشترط تجديدها كما في افعال الصلاة- الا انه ما كان من المناسك عبادة مستقلة كالطواف وركعتى الطواف ويشترط تجديد مطلق النية عند شروعه لان الصلاة والطواف لكل منهما جهتان عبادة في نفسه وجزء عبادة- فمن حيث انه عبادة في نفسه لا بد فيه من اقتران النية باول جزء من اجزائه- ومن حيث انه جزء عبادة يكفيه النية السابقة المقترنة للاحرام- فعملنا بالشبهين وقلنا لا بد فيه مطلق النية عند الشروع لانه عبادة ولا يشترط تعيين النية لانه جزء من عبادة- وما ليس بعبادة الا من حيث كونه جزء للحج كالوقوف بعرفة والسعى بين الصفا والمروة فقلنا انه لا يشترط اقتران النية به بل يكفيه اقتران النية بالإحرام (مسئلة) من طاف حاملا غيره فان كان الحامل حلالا والمحمول محرما ونوى طواف المحمول ونوى المحمول طوافه او كان على العكس ونوى الحامل طواف نفسه أجزأه اجماعا- وان كان محرمين فان قصد للمحمول ففط فله وان طاف لنفسه فلنفسه

وان طاف لهما فللحامل فقط عند الشافعي وعند ابى حنيفة ان طاف لنفسه أولهما ونوى المحمول طواف نفسه يتادى طوافهما لوجود النية منهما ولا منافاة بينهما (مسئلة) ومنها الطهارة عن الحدث الأكبر والأصغر- ومنها طهارة البدن والثوب والمكان عن الأحداث- ومنها ستر العورة عند الجمهور لما مر من حديث عائشة قالت أول شيء بدا به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم انه توضاء ثم طاف مع قوله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى مناسككم وفي الصحيحين عن عائشة قالت قدمت مكة وانا حائض- الى قوله صلى الله عليه وسلم افعلي كما يفعل الحاج غير ان لا تطوفى بالبيت حتى تطهرى وفي رواية لمسلم حتى تغتسلى وعن عائشة قالت حاضت صفية ليلة النفر وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم أطافت يوم النحر قيل نعم قال فانفرى- متفق عليه وفي الصحيحين عن ابى هريرة ان أبا بكر الصديق بعثه في الحجة الّتي امّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذّن في الناس ان لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان- ولقوله تعالى طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ الاية فانه امر بتطهير المكان عبارة وبتطهير الثوب والبدن دلالة بالطريق الاولى وكذا بالتطهير عن الأحداث بالطريق الاولى إذا الاخباث أخف من الأحداث شرعا حيث يجوز الصلاة مع النجاسة عند الضرورة بخلاف الحدث- قال ابن عباس قال الله تعالى لنبيه طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ فالطواف قيل قبل الصلاة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بمنزلة الصلاة الا ان الله قد احلّ فيه النطق فمن نطق فلا ينطق الا بخير- رواه الحاكم في المستدرك وصححه والطبراني والبيهقي وروى ابو نعيم في الحلية المرفوع فقط وروى الترمذي والحاكم والدار قطنى وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي وصححه ابن السكن قوله صلى الله عليه وسلم الطواف بالبيت صلوة الا ان الله أباح فيه الكلام- وعند ابى حنيفة رحمه الله الطهارة عن الاخباث سنة وستر العورة والطهارة عن الأحداث واجب يا ثم بتركه ويجب بدنة ان طاف الفرض جنبا او عريانا ودم مطلقا- ان طاف للفرض محدثا او غيره جنبا او عريانا- وصدقة بنصف صاع من بر على مسكين ان طاف غير الفرض محدثا- وليس شيء من ذلك شرطا عنده لان ثابت بالكتاب مطلق الطواف والزيادة على الكتاب في حكم النسخ عنده ولا يجوز

نسخ الكتاب بأحاديث الآحاد فقال بالوجوب عملا بالأحاديث ولم يقل بالاشتراط لئلا يلزم نسخ الكتاب (مسئلة) ومن شرائط طواف الزيارة الوقت لا يتادى قبله ويقضى بعده اجماعا فان اخّر عن الوقت بتقصيره يجب عليه الدم عند ابى حنيفة رحمه الله خلافا للجمهور- وان اخّر بعذر كالاحصار والحيض ونحوهما لا يجب الدم- ووقته من طلوع الفجر يوم النصر عند ابى حنيفة رحمه الله وعند الائمة الثلاثة بعد نصف الليل من ليلة النحر لحديث عائشة قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فافاضت- رواه الدار قطنى والحديث ضعيف لان في سنده ضحاك بن عثمان ليّنه القطان ومعارض بحديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّم ضعفة اهله وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس- رواه الترمذي وقال هذا الحديث صحيح وأخرجه ابو داود والنسائي والطحاوي وابن حبان من طريق الحسن الغربي وهو حديث حسن وأخرجه الترمذي والطحاوي وله طرق اخر عند ابى داود والنسائي والطحاوي وابن حبان يقوى بعضها بعضا وايضا الافاضة معطوفة في حديث عائشة على الرمي بكلمة ثم والفاء فلا يدل تقدم الافاضة على طلوع الفجر- واخر وقته عند ابى حنيفة الى غروب الشمس من ثانى ايام التشريق وقيل وقته يوم النحر خاصة- وقد ذكرنا في سورة البراءة في تفسير قوله تعالى وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ «1» إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ان عند الجمهور هو يوم النحر رواه ابو داود والحاكم وصححه من حديث ابن عمر مرفوعا وهو المروي عن على عليه السلام- وروى بن جريج عن مجاهد يوم الحج الأكبر ايام منى كلها وكان الثوري يقول يوم الحج الأكبر ايام منى كلها مثل يوم صفين ويوم الجمل ويوم بعاث يراد به الحين من الزمان- (مسئلة) ومن شرائط الطواف الترتيب عند مالك والشافعي واحمد وبه قال محمد وهو ان يبتدى الطواف من الحجر الأسود يقوم مستقبلا بحيث يكون جميع الحجر عن يمينه فيطوف جاعلا للبيت عن يساره فلو طاف جاعلا للبيت عن يمينه لا يجوز ولو بدأ بغير الحجر لم يحتسب فاذا انتهى اليه ابتدأ منه- وقال ابو حنيفة الترتيب ليس بشرط

_ (1) وفي الأصل وأذان من الله الى الناس إلخ- الفقير الدهلوي.

فعند اكثر الحنفية سنة يكره تركه والصحيح انه واجب عند ابى حنيفة رحمه الله يلزم بتركه دم لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقوله خذوا عنى مناسككم- ولم يقل بالاشتراط لئلا يلزم الزيادة على الكتاب- (مسئلة) ويشترط ان يطوف في المسجد لا حول المسجد اجماعا للنقل المستفيض المتواتر كذلك قالوا من طاف حول المسجد لا يقال له انه طاف بالبيت بل يقال انه طاف بالمسجد فكان هذا القصر قصرا بدلالة العرف (فصل) وركن الطواف سبعة أشواط فان قيل الأمر لا يقتضى التكرار قلنا كما لا يقتضى التكرار لا ينفيه وقد نقل إلينا بالنقل المستفيض عدد الطواف كعدد الركعات (مسئلة) من طاف اربعة أشواط وترك ثلاثة أجزأه عند ابى حنيفة ويلزمه الدم في طواف الزيارة والصدقة في غيره لان للاكثر حكم الكل ويجبر النقصان بالدم والصدقة ولا يجز به عند غيره كما لا يجزى من ترك ركعة من الظهر- فان عدد الأشواط كعدد الركعات والله اعلم- (مسئلة) الحطيم قطعة من البيت يجب الطواف وراءه لحديث عائشة قالت سالت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدر آمن البيت هو قال نعم قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت قال ان قومك قصرت لهم النفقة قلت فما شأن بابه مرتفعا قال فعل ذلك قومك يدخلها من شاء واو يمنع من شاءوا- لولا ان قومك حديث عهدهم بالجاهلية فاخاف ان ينكر قلوبهم ان ادخل الجدر في البيت وان الصق بابه بالأرض متفق عليه وروى الترمذي والنسائي عنها قالت كنت احبّ ان أصلي في البيت فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فادخلنى الحجر وقال صلّى فيه فانما هو قطعة من البيت الحديث- وروى ابو داؤد نحوه واختار المحفقون ان بعض الحطيم من البيت وهو ستة ادرع وشيء لما روى مسلم عن عائشة قوله صلى الله عليه وسلم لولا قومك حديث عهد بالشرك لهدمت الكعبة وألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيّا وبابا غربيّا ورددتّ

فيها ستة اذرع من الحجر- وفي رواية لمسلم علمى لاريبك ما تركوا مه فاراها قريبا من سبعة اذرع- وروى البخاري بسنده عن جرير بن حازم قال قال يزيد بن رومان شهدتّ ابن الزبير حين هدمه وبناه وادخل فيه الحجر وقد رايت أساس ابراهيم حجارة كاسنمة الإبل فاشار الى مكان. قال جرير فخرزت من الحجر ستة اذرع او نحوها- وروى عن مجاهد ان ابن الزبير زاد فيه ستة اذرع مما يلى الحجر- وفي رواية سنة اذرع وشبر- (مسئلة) من طاف داخل الحطيم يجزيه عند ابى حنيفة ويلزمه دم لان كونه من البيت ثبت بحديث الآحاد فلا يجوز به الزيادة على الكتاب- وقال الجمهور لا يجزيه لان الزيادة على الكتاب بخبر الآحاد عندهم جائز- قلت ليس هذا زيادة على الكتاب لان الله تعالى امر بالطواف بالبيت العتيق واللام للعهد- والمراد البيت الّذي بناه ابراهيم كما يقتضيه سياق الاية من قوله تعالى وإذ بوّأنا لابراهيم مكان البيت- وإذا ثبت بدليل ظنى ان الحطيم قطعة من البيت فمن طاف داخل الحطيم وقع الشك في كونه مجزيا وقد وجب عليه طواف البيت قطعا فلا يخرج من العهدة بالشك- او يقال البيت الّذي بناه ابراهيم مجمل في حق المقدار التحق الحديث به بيانا (مسئلة) جاز الطواف للزيارة راكبا بعذر اجماعا- واما بغير عذر فالمشى في الطواف واجب عند ابى حنيفة- فمن طاف راكبا بلا عذر يجب عليه ان يعيد مادام بمكة فان لم يعد يجب عليه الدم- وقال الجمهور المشي سنة وليس بواجب لحديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعيره كلما اتى الركن أشار اليه بشيء في يده وكبر- متفق عليه وحديث جابر طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف وليسئلوه رواه مسلم وفي حديث عائشة طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعيره يستلم الركن كراهة ان يضرب عنه الناس قالت الحنفية كان ذلك لاجل المرض لما روى ابو داؤد عن ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم

قدم مكة وهو يشتكى فطاف على دابته كلّما اتى الركن استلم الركن بمحجنه فلمّا فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين- وأجيب بان مجرد الاحتمال لا يكفى وما رواه ابو داود ضعيف لانه من رواية يزيد بن ابى زياد وهو ليس بالقوى لا يحتج بحديثه وقد أنكره الشافعي وقال لا اعلمه اشتكى في هذه الحبة قلت ولو كان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بمكة مشنكيا لكان شكواه مانعا من المشي في طواف القدوم ايضا- وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جابر وغيره انه صلى الله عليه وسلم طاف طواف القدوم فرمل ثلاثا ومشى أربعا- وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه سعى بين الصفا والمروة وكان يدور إزاره من شدة السعى- فثبت انه صلى الله عليه وسلم انما طاف للزيارة راكبا لبيان الجواز وتعليم الناس مناسكهم واما طواف النافلة فيجوز عند الجمهور بلا كراهة ولعله مكروه على اصل ابى حنيفة- لنا انه صلى الله عليه وسلم لما فتح ملة وطاف عند قدومه طاف على راحلته كما ذكرنا رواية البخاري في سورة الفتح- (مسئلة) والموالاة ليس بشرط في الطواف اجماعا بل هو سنة- روى سعيد بن منصور عن ابن عمر انه طاف بالبيت فاقيمت الصلاة فصلى مع القوم ثم قام فبنى على ما مضى من صوافه- وكذا روى عبد الرزاق عن عبد الرحمان بن ابى بكر وروى سعيد بن منصور عن عطاء انه كان يقول في الرجل يطوف بعض طوافه تم يحضر الجنازة فيخرج فيصلى عليها ثم يرجع فيقضى ما بقي من طوافه- وقال نافع طول القيام في الطواف بدعة وروى عن الحسن انه قال من أقيمت عليه الصلاة وهو في الطواف فقطعه انه يستانفه (مسئلة) ويكره قطع طواف فريضة وان أقيمت الصلاة المكتوبة- الا ترى الى حديث أم سلمة انها طافت للصدر والنبي صلى الله عليه وسلم يصلى الصبح (مسئلة) يقطع الطواف النافلة لو أقيمت للفريضة او خاف فوت صلوة الجنازة او نحوها لا لعبادة نافلة والاولى ان يقطع على الوتر لما ذكرنا من اثر عبد الرحمان بن ابى بكر (مسئلة) يجب بعد كل أسبوع ركعتان عند ابى حنيفة وهو رواية عن مالك وأحد قولى الشافعي فيلزم بتركه دم- وقد ذكرنا المسألة وما يتعلق بها

فى تفسير قوله تعالى وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى في سورة البقرة- (فصل) وآداب الطواف انه إذا راى البيت كبر وهلل ودعا روى الطبراني ان الدعاء مستجاب عند رؤية الكعبة- ثم استقبل الحجر وكبر وهلل وقبّله لشفتيه ان عط قدر غير مؤذ- روى البخاري عن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم كان يستلمه ويقبّله وروى الشافعي مرفوعا وضع شفتيه عليه طويلا- وعند ابن ماجة وضع عليه شفتيه يبكى طويلا- وعند الحاكم قبّله وسجد «1» عليه- وان عط لم يقدر يمس شيئا وقبله لما موّ انه صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره يستلم الركن بمحجنه وان عط عجز استقبله عن سعيد بن المسيب عن عمر انه صلى الله عليه وسلم قال له انك رجل قوى لا تزاحم على الحجر فتؤذى الضعيف ان وجدت خلوة فاستلمه والا فاستقبله وكبر وهلل- رواه احمد- (مسئلة) وإذا اتى الركن اليماني استلم عند الجمهور وعند ابى حنيفة استلام الركن اليماني مستحب ليس بسنة وفي الصحيحين عن ابن عمر رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما يعنى الحجر الأسود والركن اليماني- وروى الدار قطنى مرفوعا كان يقبّل الركن اليماني ويضع عليه خده- وروى ابن ماجة عن ابى هريرة مرفوعا وكّل يعنى بالركن اليماني سبعون ملكا فمن قال اللهمّ انى أسئلك العفو والعافية في الدنيا والاخرة ربّنا اتنا في الدّنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النّار قالوا أمين (مسئلة) ويرمل في الثلاثة الاول من أشواط طواف القدوم مضطبعا «2» وهو سنة من الحجر الى الحجر صح عنه صلى الله عليه وسلم انه رمل من الحجر الى الحجر ثلاثا ومشى أربعا وكلما مرّ بالحجر والركن فعل كما فعل أول مرة وختم الطواف باستلام الحجر- كذا صح عنه صلى الله عليه وسلم ثم يصلى شفعا عند المقام ويقرا قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ والإخلاص ثم يرجع فيستلم الحجر ويكبّر ويهلّل- روى

_ (1) عن ابن عباس قال رايت عمر بن الخطاب قبّل الحجر وسجد عليه ثم قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا- منه رح. (2) والاضطباع ان يدخل جانب ردائه الايمن تحت إبطه الايمن ويلقيه على كتفه اليسرى فتكون كتفه اليمنى مكشوفة- الفقير الدهلوي-

ذلك

مسلم في حديث جابر انه صلى الله عليه وسلم جعل المقام بينه وبين البيت وصلى ركعتين قرأ فيهما قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثم رجع الى الركن الأسود فاستلمه ذلك خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره محذوف- او فاعل لفعل محذوف او منصوب بفعل محذوف يعني الأمر ذلك او ذلك ثابت واجب الامتثال او وجب ذلك او عرفت ذلك او احفظ ذلك- وذلك اشارة الى ما سبق من الاحكام وهو وأمثاله يطلق المفصل بين كلامين. وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ يعنى معاصى الله ومنهى عنه وتعظيمها ان يشق عليه اقترابها- فان المؤمن يرى خطيئته صدرت منه كمثل حبل على رأسه يخاف ان يقع عليه- وان المنافق يرى خطيئته كمثل ذباب على انفه فعل بيده هكذا فطارت كذا وقع في الحديث- وقال اللبث حرمات الله مالا يحل انتهاكها يعنى أوامر الله ونواهيه- وقال الزجاج الحرمة ما وحب القيام به وحرم التفريط فيه وذهب قوم الى ان معنى حرمات الله المناسك- وقال ابن زيد الحرمات هاهنا البلد الحرام والبيت الحرام والشهر الحرام فَهُوَ يعنى تعظيم الحرمات خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ثوابا وأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ تحريمه حيث قال حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ الاية يعنى فلم تحرمون منها البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى- وهذه جملة معترضة فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ اى الرجس الّذي هو الأوثان سماه رجسا اى قذرا لان العقول والطباع السليمة يتنفر عنها كما يتنفر المرء عن القاذورات- فهو غاية المبالغة في النهى عن تعظيمها والتنفير عن عبادتها- وقيل هو بمعنى الرجز وهو العذاب سماه رجسا لانه سبب للتعذيب وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) يعنى الكذب مشتق من الزّور بفتح الزاء بمعنى الانحراف كما ان الافك من الافك بمعنى الصرف- فان الكذب منحرف مصروف عن الواقع- والمراد هاهنا قولهم الملائكة بنات الله والأوثان شفعاؤنا عند الله وقولهم في تلبيتهم لبّيك لا شريك لك الا شريكا تملكه وما ملكه- واللفظ عام يعم جميع انواع الكذب في الحكايات والمعاملات

[سورة الحج (22) : آية 31]

روى احمد وابو داود وابن ماجة والطبراني وابن المنذر وغيرهم عن خريم بن فاتك؟؟؟ الأسدي قال صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة الصبح فلما انصرف قام قائدا فقال عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله ثلاث مرات- ثم قرأ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ. قال قتادة كانوا في الشرك يحجون ويمنعون البنات والأمهات والأخوات وكانوا ليسمون أنفسهم حنفاء والحليف عند العرب من كان على دين ابراهيم عليه السّلام فنزلت هذه الاية يعنى اجتنبوا الشرك وقول الزور حتى تكونوا على دين ابراهيم. حُنَفاءَ لِلَّهِ اى مخلصين له الدين من الحنف محركة وهو الاستقامة كذا في القاموس والاستقامة على الحق هو الإخلاص لله والاعراض عما سواه غَيْرَ مُشْرِكِينَ به في العبادة ولا في اثبات وجوب الوجود والالوهية- يعنى من أشرك لا يكون حنيفا ولا على ابراهيم فانه لم يك من المشركين- قوله تعالى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مع ما عطف عليه معلوف على قوله وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ متفرع عليه وهو خير لفظا لكنه امر معنى فان معناه عظموا حرمات واجتنبوا الأوثان لان عبادة الأوثان من أعظم المحرمات وأشدها فعلا- والقول بما كان المشركون يقولونها ندبا أعظمها وأشدها قولا وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ غيره فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ يعنى ان عبادة الله تعالى كمال ورفعة لا رفعة فوقه- فيوفوق كل شيء كمن هو مستو على السماء فهو فوق كل شيء في الحس ولا يعد له غيره في الارتفاع- ثم إذا عبد مع الله غيره من الممكنات فكانّما سقط من السماء الى الحضيض- إذ لا مذلّة فوق من اذلّ نفسه حتى عبد حمكنا مثله بل دونه من الحجارة وأمثالها فَتَخْطَفُهُ قرا نافع بفتح الخاء وشديد الطاء من التفعيل للمبالغة والباقون بإسكان الخاء وتخفيف الظاء من المجرد الطَّيْرُ استعارة بالكناية أراد بالطير الاهوية المردية فانها تخطفه اى تسلبه وتوزع أفكاره أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ استعارة مثله أراد بالريح الشيطان فانه يهوى ويطرح به فِي مَكانٍ من الضلالة سَحِيقٍ (21)

[سورة الحج (22) : آية 32]

بعيد من الحق يعنى من أشرك استولى عليه النفس او الشيطان وكلمة او لمنع الخلو دون الجمع- وقال البيضاوي او للتنويع فان من المشركين من لا خلاص له أصلا فكانما اختطفه الطير فلم يبق من جسده شيء- ومنهم من يمكن خلاصه بالتوبة كمن أوقعه الريح في مكان بعيد يمكن ان يأتى من هناك الى مأواه- والظاهر انه من التشبيهات المركبة والمعنى انه من يشرك بالله فهو كمن سقط من السماء فانه لا يملك لنفسه حيلة ويهلك لا محالة اما باستلاب الطيران واما بسقوطه في مكان سحيق- قال الحسن شبه اعمال الكفار بهذا الحال في انها تذهب وتبطل فلا يقدرون على شيء منها وعن البراء بن عازب في حديث طويل ذكرنا بعضه في سورة الأعراف في تفسير قوله تعالى لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر موت العبد الكافران الملائكة يصعدون بروحه حتى ينتهى بها الى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ الاية فيقول الله اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فيطرح روحه طرحا ثم قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ الاية. ذلِكَ تفسيره مثل ما سبق وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ قال ابن عباس شعائر الله البدن والهدى وأصلها من الاشعار وهو اعلامها ليعرف انها هدى وتعظيمها استسمانها- وقد صح انه صلى الله عليه وسلم اهدى مائة بدنة- وروى ابو داود ان عمر رضى الله عنه اهدى نجيبة طلبت منه بثلاث مائة دينار فَإِنَّها اى تعظيمها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) اى من افعال ذوى تقوى القلوب فحذف هذه المضافات- وذكر القلوب لانها منشأ التقوى والفجور والآمرة بهما. لَكُمْ فِيها مَنافِعُ يعنى لكم في تلك الشعائر اى البدن والهدى منافع يعنى جاز لكم الانتفاع بها بركوبها والحمل عليها وشرب لبنها غير مضربها إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى وقت معلوم يعنى الى ان تنحروها كذا قال عطاء بن رباح وبه قال مالك والشافعي واحمد وإسحاق انه جاز ركوب الهدى والحمل عليها وشرب لبنها غير

مضربها. ويؤيده حديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم راى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها فقال انها بدنة قال اركبها قال انها بدنة قال اركبها ويلك في الثانية او الثالثة متفق عليه وحديث انس نحوه رواه البخاري وحديث ابن عمر رأى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها وما أنت مستنّ سنة أهدى من سنة محمد صلى الله عليه وسلم رواه الطحاوي وقال ابو حنيفة لا يجوز ركوبها ولا الحمل عليها ولا شرب لبنها الا لضرورة لانه لمّا جعلها كلها لله تعالى فلا ينبغى ان يصرف منها شيئا لمنفعة نفسه وهذا المعنى يقتضى المنع مطلقا سواء كان به ضرورة اولا- ويؤيده قوله تعالى وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ولا شك ان الركوب والحمل ينافى التعظيم والاستسمان لكن لما ثبت بالأحاديث جواز الركوب قلنا بالجواز في حالة الضرورة حملا للاحاديث المذكورة على تلك الحالة كيلا يلزم ترك العمل بالسنة ويدل على اشتراط الضرورة ما روى الطحاوي بسندين عن حميد الطويل عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم راى رجلا يسوق بدنة وقد جهد قال اركبها قال يا رسول الله انها بدنة قال اركبها وفي رواية قال اركبها وان كانت- وروى ايضا عن ابن عمر انه كان يقول في الرجل إذا ساق بدنة فاعيى ركبها وما أنتم بمستن سنة هى اهدى من سنة محمّد صلى الله عليه وسلم وروى مسلم عن ابى الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يسئل عن ركوب البدن قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اركبها بالمعروف إذا الجأت إليها حتى تجد ظهرا- والمراد بالمنافع في الاية عندنا دفع الضرورة عند الإلجاء وقال مجاهد وقتادة والضحاك معنى الاية لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى الى ان تسميها وتوجبها «1» هديا فاذا فعل ذلك لم يكن شيء من منافعها ثُمَّ مَحِلُّها اى موضع حلول أجلها يعنى منحرها وقيل معناه وقت نحرها وحلول أجلها ومحلها معطوف على منافعها وكلمة ثم يحتمل التراخي في الوقت فان وقت الانتفاع قبل وقت النحر- او التراخي في الرتبة لان المراد بالمنافع النافع الدنيوية ونحرها

_ (1) الاولى تسموها وتوجبوها إلخ الفقير الدهلوي [.....]

[سورة الحج (22) : آية 34]

للثواب وهو من المنافع الاخروية يعنى لكم فيها منافع دنيوية ثم لكم فيها محلها يعنى نحرها وهو مما ينتفع به في الاخرة إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) حال من محلها وهو فاعل للظرف المستقر بواسطة حرف العطف يعنى لكم محلها كائنا الى البيت العتيق- وجاز ان يكون محلها مبتدأ محذوف الخبر والظرف حال منه على طريقة ضربى زيدا قائما يعنى محلها كائن منتهيا الى البيت العتيق- وجاز ان يكون محلّها مبتدا والظرف خبره والجملة معطوفة على جملة سابقة- والمراد بالبيت العتيق الحرم كله إذ هو في حكم البيت في كونه عتيقا غير مملوك لاحد وهو حريم البيت ويقال في العرف بلغت البلد إذا بلغت فناءه وجاز ان يكون التقدير ثمّ محلّها الحرم من أقصى أطرافه الى البيت العتيق وهذه الاية حجة على جواز النحر في اىّ موضع شاء من الحرم- وقال مالك لا ينحر الحاج الّا بمنى ولا المعتمر الا بمروة لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل هكذا- قلنا نحر النبي صلى الله عليه وسلم في الحج بمنى لا ينفى جواز النحر في غيره إذا ثبت بالكتاب والسنة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم منى كلها منحر وكل فجاج مكة طريق ومنحر وكل عرفة وكل المزدلفة موقف- رواه ابو داود وابن ماجة من حديث جابر- وقيل شعائر الله اعلام دينه ولا شك ان تعظيمها من افعال اهل التقوى- وعلى هذا التأويل قوله تعالى لَكُمْ فِيها مَنافِعُ متصل بقوله تعالى وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ولَكُمْ فِيها اى في الانعام منافع دنيوية تنتفعون بها الى أجل مسمّى وهو الموت ثم محلها منتهية «1» الى البيت الّذي يرفع اليه الأعمال او يكون فيه ثوابها- وقليل شعائر الله فرائض الحج ومشاهد مكة لكم فيها منافع دنيوية بالتجارة في الأسواق الى أجل مسمّى الى وقت المراجعة والخروج من مكة ومنافع اخروية بالأجر والثواب في قضاء المناسك الى أجل مسمى اى الى انقضاء ايام الحج ثم محلها اى محل الناس فيها من إحرامهم منتهى الى البيت العتيق ان يطوفوا فيه طواف الزيادة يوم النحر-. وَلِكُلِّ أُمَّةٍ اى جماعة مؤمنة سلفت منكم جَعَلْنا مَنْسَكاً قرأ حمزة والكسائي بكسر السين هاهنا وفي اخر السورة يعنى موضع نسك اى

_ (1) هكذا في الأصل ولعل الصواب سنة فتامل- الفقير الدهلوي

[سورة الحج (22) : آية 35]

متعبد والباقون بفتح السين بمعنى الموضع او المصدر اى اراقة الدعاء وذبح القرايين او قربانا يتقربون به الى الله لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ دون غيره ويجعلوا نسيلهم لوجهه علّل الجعل به تنبيها على ان المقصود من جعل المناسك تذكّر المعبود وفيه دليل على كون الذكر شرطا للذبح عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ عند نحرها وذبحها سماها بهيمة لانها لا تتكلم وقيدها بالانعام لان من البهائم ما ليس من الانعام كالخيل والبغال والحمير ولا يجوز ذبح شيء منها في القرابين الا الانعام بل الاهلية منها اجماعا- وهذه الجملة معترضة لتحريض امة محمّد صلى الله عليه وسلم على التاسّى بمن سبق فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ يعنى سموا على الذبائح اسم الله وحده إذ لا اله لكم غيره جملة معللة يعنى جعلنا لكل امة متعبدا ليذكروا الله وحده لان اله كلهم واحد وان كانوا امما شتى فَلَهُ دون غيره أَسْلِمُوا انقادوا واطبعوا يعنى أخلصوا التقرب او الذكر ولا تشوبوه بالاشراك وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) عطف على قوله وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ان كان خطابا لنبينا صلى الله عليه وسلم والا فعلى وَإِذْ بَوَّأْنا يعنى اذكر وقت تبويتنا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ- الخبيت الشيء الحقير يعنى من خشع وعدّ نفسه حقيرا يقال اخبت إذا خشع وتواضع كذا في القاموس ومن هاهنا قال ابن عباس وقتادة معناه المتواضعين وقال الأخفش الخاشعين وقيل الخبت المكان المطمئن من الأرض ومن هاهنا قال مجاهد المطمئنين الى الله وقال النخعي المخلصين فان الاطمئنان هو الإخلاص- وقال الكلبي هم الرقيقة قلوبهم- وقال عمرو بن أوس هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا. الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ هيبة منه لاشراق أشعة جلاله عليها وعرفان عظمته وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ من المصائب وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ فى أوقاتها وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) عطف على صلة اللام الموصول يعنى بشر الذين يقيمون الصّلوة وينفقون مما رزقنهم. وَالْبُدْنَ جمع بدنة كخشب وخشبة قال الجزري في النهاية البدنة يقع على الجمل والناقة والبقرة وهى

بالإبل أشبه وسميت بدنة لعظمها وسمنها- وقال في القاموس البدنة محركة من الإبل والبقر وبه قال ابو حنيفة رحمه الله وقال عطاء والسدى البدن الإبل والبقر واما الغنم لا يسمى بدنة- وقال الشافعي هو من الإبل خاصة قال البيضاوي انما سميت بها الإبل لعظم بدنها ماخوذة من بدن بدانة وقال البغوي سميت بدنة لعظمها وضخامها يريد الإبل العظام الضخام الأجسام يقال بدن الرجل بدنا وبدانة إذا ضخم- واما إذا اسنّ واسترخى يقال بدّن تبدينا واحتج القائلون بانها من الإبل خاصة بحديث جابر قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البقر عن سبعة والبدنة عن سبعة- رواه الترمذي وقال هذا حديث صحيح- قلنا روى مسلم عن جابر بلفظ قدمنا مكة فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدى فليحلل وأمرنا ان نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منافى بدنة قوله والبدن مفعول أول منصوب بفعل مضمر يفسره جَعَلْناها لَكُمْ مفعول ثان مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ اى كائنا من اعلام دينه الّتي شرعها الله- حال من المفعول الاول قيل سميت شعائر لانها تشعر اى يطعن بحديدة في سنامها ليعلم انها هدى لَكُمْ فِيها خَيْرٌ منافع دينية ودنيوية فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها روى الحاكم في المستدرك عن بن عباس موقوفا انه قال ان كانت بدنة فليقمها ثم ليقل الله اكبر الله اكبر الله اكبر اللهم منك ولك ثم ليسم الله ثم لينحر- وروى ابو داود وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن جابر مرفوعا انه صلى الله عليه وسلم كان يقول إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ على «1» ملة ابراهيم حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ... إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا من المسلمين اللهم منك ولك بسم الله والله اكبر صَوافَّ اى مصفوفة قال في القاموس فواعل بمعنى مفاعل اى قياما على ثلاثة قوائم قد صفت رجليها واحدى يديها و

_ (1) قوله على ملة ابراهيم ثابت في الحديث الصحيح ولكن ليس من القران الحكيم وقوله الآتي وانا من المسلمين صحيح ثابت في دعائه صلى الله عليه وسلم ولكنه في القران المجيد وانا أول المسلمين- وهذا التنبيه لدفع الالتباس فتنبه- الفقير الدهلوي.

يدها اليسرى معقولة فينحرها كذلك- روى البخاري عن ابن عمر انه اتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها فقال ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم- واخرج عبد بن حميد وابن ابى الدنيا في الأضاحي وابن المنذر وابن ابى حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابى ظبيان قال سالت ابن عباس عن قوله فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ قال إذا أردت ان تنحر البدنة فاقمها على ثلاث قوائم معقولة ثم قل بسم الله والله اكبر اللهم منك ولك- وعلق البخاري قول ابن عباس صَوافَّ اى قياما وذكره سفيان بن عيينة في تفسيره عن عبيد الله بن يزيد وأخرجه سعيد بن منصور وقال مجاهد (الصوافّ) إذا عقلت رجله اليسرى وقامت على ثلاث قوائم وقرأ ابن مسعود صوافن وهو ان يعقل منها يد وينحر على ثلاث قوائم- وقرأ أبيّ والحسن ومجاهد صوافى بالياء اى خوالص لوجه الله- فَإِذا وَجَبَتْ اى سقطت على الأرض جُنُوبُها اى ماتت فَكُلُوا مِنْها امر اباحة وقد مر مسئلة جواز الاكل من الهدايا فيما سبق- الجملة الشرطية معطوفة على فاذكروا يعنى فاذكروا اسم الله عليها فكلوا منها إذا وجبت جنوبها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ قال عكرمة وابراهيم وقتادة القانع الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ولا يسئل والمعتر الّذي يسئل- وروى العوفى عن ابن عباس القانع الّذي لا يتعرض ولا يسئل والمعتر الّذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسئل- فعلى هذين التأويلين يكون القانع من القناعة يقال قنع قناعة إذا رضى بما قسم له- وقال سعيد بن جبير والحسن والكلبي القانع الّذي يسئل والمعتر الّذي يتعرض ولا يسئل فيكون القانع من قنع يقنع قنوعا إذا سأل- وقرأ الحسن والمعترى وهو مثل المعتر يقال عرّه واعترّه وعراه واعتراه إذا أتاه يطلب معروفه اما سوالا واما تعرضا- وقال ابن زيد القانع المسكين والمعتر الّذي ليس بمسكين ولا يكون له ذبيحة يجيء الى القوم فيتعرض لهم لاجل لحمهم كَذلِكَ اى تسخيرا مثل تسخير وصفناه من نحرها قياما سَخَّرْناها لَكُمْ مع عظمها وقوتها منقادة

[سورة الحج (22) : آية 37]

وتجنسونها؟؟؟ صافة قوائمها ثم تطعنون في لبّاتها لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) إنعامنا عليكم بالتقرب والإخلاص- اخرج ابن ابى حاتم وابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال كان اهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الإبل ودمائها فقال اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنحن أحق ان ننضح فانزل الله تعالى. لَنْ يَنالَ اللَّهَ الاية- واخرج ابن المنذر وابن مردوية عن ابن عباس قال كان المشركون إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء فينتضحون بها نحو الكعبة- فاراد المسلمون ان يفعلوا ذلك فانزل الله تعالى لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها قال مقاتل اى لن يرفع الله لحومها ولا دماؤها وَلكِنْ يَنالُهُ قرأ يعقوب لن تنال وتناله بالتاء المثناة من فوق فيهما والباقون بالياء المثناة من تحت اى ولكن يرفع الله التَّقْوى مِنْكُمْ يعنى الأعمال الصالحة المترتبة على التقوى والإخلاص المراد بها وجه الله كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ كرره تذكيرا للنعمة وتعليلا له بقوله لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ لتعرفوا عظمته باقتداره على مالا يقدر غيره فتوحدوه بالكبرياء شكرا عَلى ما هَداكُمْ أرشدكم الى معالم دينه ومناسك حجه والى طريق تسخيرها وكيفية التقرب بها- وما مصدرية او موصولة وعلى متعلقة بتكبر والتضمنه معنى الشكر- وقيل المراد التكبير عند الاحلال والذبح على انعام هداكم الله الى تسخيرها وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) قال ابن عباس يعنى الموحدين عطف على بشّر المخبتين. إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ «1» عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا قرأ ابن كثير وابو عمرو يدفع بفتح الياء والفاء واسكان الدال والمفعول محذوف- اى يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ويمنعهم من المؤمنين والباقون يدافع من المفاعلة اى يبالغ في الدفع مبالغة من يغالب فيه إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ اى يبغض كُلَّ خَوَّانٍ في امانة الله كَفُورٍ (38) لنعمته قال ابن عباس خانوا الله يعنى كفار

_ (1) وقوله إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ تمهيد للاذن بالقتال- يعنى لمّا كان دفع الكفار با المؤمنين سنة مستمرّة من الله تعالى اذن بالقتال وهذا يتضمن الوعد بالنصر حتى يحصل الدفع 12 منه رح.

[سورة الحج (22) : آية 39]

مكة فجعلوا معه شريكا وكفروا نعمته- وقال الزجاج من تقرب الى الأصنام بذبيحته وذكر عليه اسم غير الله فهو خوّان كفور- ولهذه الجملة في مقام التعليل للدفع اخرج احمد والترمذي والسدى والحاكم وصححه عن ابن عباس قال لما اخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر اخرجوا نبيهم ليهلكنّ فانزل الله تعالى. أُذِنَ قرأ نافع وعاصم وابو عمرو على البناء للمفعول والباقون على البناء للفاعل اى اذن الله ورخّص في القتال لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء على البناء للمفعول يعنى للمؤمنين الذين يقاتلهم المشركون والباقون بكسر التاء على البناء للفاعل يعنى للمؤمنين الذين اذن لهم في الجهاد وان يقاتلوا الكفار- قال البغوي قال المفسرون كان مشركوا مكة يؤذون اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون يجيئون بين مضروب ومشجوج ويشكون ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لهم اصبروا فانى لم اومر بالقتال فنزلت هذه الاية بالمدينة- واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردوية والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس انها أول اية نزلت في القتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين اية- وأخرجه ابن ابى حاتم عن عروة بن الزبير- وأخرجه عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري وقال البغوي قال مجاهد نزلت هذه الاية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة الى المدينة فكانوا يمنعون فاذن الله لهم في قتال الكفار والذين يمنعونهم من الهجرة بِأَنَّهُمْ اى أذنوا في القتال بسبب انهم ظُلِمُوا اى اعتدوا عليهم «1» بالإيذاء

_ (1) وعن محمد بن سيرين قال اشرف عليهم عثمان من القصر وقال ايتوني برجل تالى كتاب الله فاتوه بصعصعة بن صوحان- فتكلم بكلام فقال أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ- فقال له عثمان كذبت ليس لك ولا لاضحاك ولكنها لى ولاصحابى 12 ازالة الخفاء منه رح.

ومن هاهنا لا يجوز قتل نساء اهل الحرب بالإجماع الا ان يكون ذوات رأى او مال تعنّ الكفار باموالهنّ على قتال المسلمين- ولا يجوز قتل الشيخ الفاني ولا الرهبان ولا العميان ولا الزمنى خلافا لاحد قولى الشافعي الا ان يكون لهم رأى وتدبير فيجوز قتلهم اتفاقا- ولا يجوز عند ابى حنيفة رحمه الله قتل المرتدة بل تحبس ابدا حتى تموت او تتوب وقال مالك والشافعي واحمد الرجل والمرأة في حكم الردة سواء لنا حديث عبد الله بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان- متفق عليه وحديث رباح بن الربيع قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فراى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلا فقال انظروا على ما اجتمع هؤلاء فجاء فقال على امراة قتيل فقال ما كانت هذه تقاتل وعلى المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلا فقال قل لخالد لا تقتل امراة ولا عسيفا «1» - رواه ابو داود وعن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انطلقوا بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امراة الحديث- رواه ابو داود والمرأة في تلك الأحاديث مطلقة تحت النفي تعم الكافرة الاصلية والمرتدة وعلل في النص عدم قتلها بعدم حرابها- قالت الحنفية الأصل في الاجزية ان تتاخر الى دار الجزاء وهى الدار الاخرة- واما دار الدنيا فهى دار التكليف والابتلاء قال الله تعالى لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ- فكل ما شرع جزاء في هذه الدار انما هو لمصالح تعود إلينا في هذه الدار كالقصاص وحد الشرب والقذف والزنى والسرقة فانها شرعت لحفظ النفوس والاعراض والعقول والأنساب والأموال- فالقتل بالردة لا يجب الا لدفع شر حرابه لا جزاء على كفره لان جزاء الكفر أعظم من ذلك عند الله فيختص القتل بمن يتاتى منه الحراب وهو الرجل- ولو كان جزاء للكفر لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل نساء اهل الحرب ولو كان جزاء للكفر لزم تطهيره بالقتل كما في القصاص والحدود

_ (1) العسيف الأجير وقيل هو الشيخ الفاني- وقيل العبد- 12 نهاية جزرى منه رح.

احتجوا على وجوب قتل المرتدة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه- رواه البخاري من حديث ابن عباس وفي الباب عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده في معجم «1» الكبير للطبرانى وعن عائشة في الأوسط وأجاب الحنفية بانا خصصنا النساء عن عموم كلمة من لما ذكرنا من أحاديث النهى عن قتل النساء بعد ان عمومه مخصص بمن بدل دينه من الكفر الى الإسلام او من اليهودية الى النصرانية قلت لكن حديث ابن عباس رواه الحاكم وصححه بلفظ من بدل دينه من المسلمين فاقتلوه- قال الحافظ هو من طريق حفص بن عمر العدني وهو مختلف فيه واحتجوا ايضا بحديث جابر ان امراة يقال لها أم مروان ارتدت فامر النبي صلى الله عليه وسلم ان يعرض عليها الإسلام فان تابت والا قتلت- رواه الدار قطنى من طريقين ولا في أحدهما فابت ان تسلم فقتلت- قال الحافظ اسنادا هما ضعيفان قال ابن همام الاول مضعف بعمر بن رواحة والثاني بعبد الله بن أذينة قال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به وروى حديث اخر عن عائشة ارتدت امراة يوم أحد فامر النبي صلى الله عليه وسلم ان تستتاب والا قتلت وفي سنده محمد بن عبد الملك قالوا فيه يضع الحديث- ثم هذه الأحاديث معارضة بأحاديث اخر مثلها منها ما أخرجه الدار قطنى عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتل المرأة إذا ارتدت- وفيه عبد الله بن عليس الجزري قال الدار قطنى كذاب يضع الحديث وعن ابى هريرة اخرج ابن عدى في الكامل ان امراة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت فلم يقتلها وضعفه بحفص بن سليمان واخرج الطبراني في معجمه عن معاذ بن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الى اليمن قال أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فان تاب فاقبل منه وان لم يتب فاضرب عنقه وأيما امراة ارتدت عن الإسلام فادعها فان تابت فاقبل منها وان أبت فاستتبها- وروى ابو يوسف عن ابى حنيفة عن عاصم بن ابى النجود عن ابى رزين عن ابن عباس لا تقتل النساء إذا هن ارتددن عن الإسلام ولكن

_ (1) هكذا في الأصل ولعل الاولى المعجم- الفقير الدهلوي.

[سورة الحج (22) : آية 40]

ولكن يحبسن ويدعين الى الإسلام ويجبرن عليه- وفي بلاغات محمد عن ابن عباس نحوه وروى عبد الرزاق اثر عمر انّ امراة تنصرت فامر ان تباع في ارض ذات مؤنة عليها ولاتباع في اهل ديتها فبيعت في دومة الجندل وروى الدار قطنى اثر علىّ المرأة تستتاب ولا تقتل وضعّف بجلاس (مسئلة) لو امر الامام بقتل بعض من نساء اهل الحرب مرتدة كانت او غيرها لمصلحة فلا بأس به وقد ذكرنا في تفسير سورة الفتح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الى امرائه من المسلمين يوم الفتح حين أمرهم ان يدخلوا مكة ان لا تقتلوا أحدا الا من قاتلهم الا نفرا سماهم فامرهم بقتلهم وان وجدوا تحت أستار الكعبة وذكرنا هناك أسماءهم منهم نساء منهن قينتان لعبد الله بن خطل قرنة وقرينة فقتلت قرينة وأسلمت قرنة وكانتا مرتدتين ومنهن سارة مولاة عمر بن هاشم وهند امراة ابى سفيان كانتا كافرتين اصليتين اسلمتا يوم الفتح والله اعلم وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) وعدلهم بالنصر كما وعد بدفع أذى الكفار عنهم. الَّذِينَ «1» أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ الّتي كانت لهم بمكة الموصول مجرور بدل من الموصول في أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ او منصوب بتقديرا عنى او امدح او مرفوع بتقدير المبتدا اى هم الذين اخرجوا «2» وعلى جميع التقادير المال واحد بِغَيْرِ حَقٍّ استحقوا به الجلاء إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ان مع صلته في محل الجر بدل من الحق استثناء منه واطلاق الحق عليه مبنىّ على زعمهم الباطل- والفرض منه التنبيه على وضوح ظلمهم وكونهم على الباطل حيث زعموا ما هو بديهىّ البطلان وهو استحقاق الإخراج بالتوحيد حقّا وهذا نظير قوله فلان لا خير فيه الا انه يسئ بمن يحسن اليه يعنى انه يزعم الاساءة

_ (1) وعن عثمان بن عفان قال فينا نزلت هذه الاية الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ثم مكّنّا في الأرض فاقمنا الصلاة واتينا الزكوة وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر فهى لى ولاصحابى 12 ازالة الخفا منه رح (2) الى المدينة يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه كذا قال ابن عباس- ازالة الخفاء منه رح.

الى من احسن اليه خيرا فكيف يكون فيه خير فهو بمنزلة الدعوى مع البرهان ونظيره قوله تعالى وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا ونظيره قول الشاعر وبلدة ليس بها أنيس ... الا اليعافير والا العيس وقيل هذا استثناء منقطع بمعنى لكنهم اخرجوا بسبب قولهم ربّنا الله وهذا القول حق فالاخراج به إخراج بغير حق- وجاز ان يكون استثناء من كلام محذوف تقديره ما اخرجوا الشيء الا بان قالوا ربّنا الله وهذا القول حق فالاخراج به إخراج بغير حق فهو في مقام التعليل لما سبق وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ «1» النَّاسَ بَعْضَهُمْ بدل من الناس بِبَعْضٍ اى ببعضهم بتسليط المؤمنين منهم على الكافرين- قرأ نافع لولا دفاع الله بكسر الدال والف بعد الفاء بمعنى المدافعة للمبالغة والباقون بفتح الدال واسكان الفاء من غير الف لَهُدِّمَتْ قرأ نافع وابن كثير بتخفيف الدال والباقون بتشديدها صَوامِعُ ادغم حمزة والكسائي وابو عمرو وابن ذكوان تاء هدمت في الصاد ولم يدغم غيرهم «2» قال مجاهد والضحاك يعنى صوامع الرهبان وقال قتادة صوامع الصابئين وَبِيَعٌ جمع بيعة وهى كنيسة النصارى وَصَلَواتٌ وهى كيائس اليهود يسمونها بالعبرانية صلوة وَمَساجِدُ المسلمين من امة محمّد صلى الله عليه وسلم ومعنى الاية لولا دفع الله الناس لهدمت في كل شريعة نبي مكان عبادتهم فهدمت في زمن موسى الكنائس وفي زمن عيسى البيع والصوامع وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد يُذْكَرُ فِيهَا اى في المساجد او في جميع الاربعة اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً صفة لمصدر محذوف اى ذكرا كثيرا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ اى ينصر دينه جواب قسم محذوف والجملة معترضة للوعد- إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ على نصرهم عَزِيزٌ (40) لا يمكن ممانعته تأكيد للوعد

_ (1) عن ثابت بن عرفجة الحضري قال حدثنى سبعة وعشرون من اصحاب على وعبد الله ان عليّا قال انما نزلت هذه الاية لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ الاية قال لولا دفع الله باصحاب محمد من التابعين لهدّمت صوامع 12 منه رح. (2) وفي الأصل غيره. .

[سورة الحج (22) : آية 41]

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ ان هاهنا بمعنى إذا بدليل ما سبق من الوعد بالدفع والنصر فهو اخبار ووعد بالتمكين فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وصف للذين اخرجوا وهو ثناء قبل بلاء وهو برهان على صحة امر الخلفاء الراشدين إذ لم يحصل المكنة في الأرض لغيرهم من المهاجرين- واما معاوية رضى الله عنه فلم يكن من الذين اخرجوا- وقيل الموصول بدل ممن ينصره والمعنى لينصرن الله من يكون هذا صفته ولا شك ان الله تعالى نصر الخلفاء الراشدين وأنجز وعده- حتى سلّطهم على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرتهم وأورث المسلمين على عهدهم ارض الكفار وديارهم وأموالهم وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) فان مرجعها الى حكمه وفيه تأكيد لما وعده. وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يا محمد يعنى كفار مكة فَقَدْ كَذَّبَتْ تعليل لجزاء محذوف لشرط مذكور تقديره فان كذبوك فلا تحزن لانه ليس بامر مبدع فقد كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ جملة معترضة لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وَكُذِّبَ مُوسى غيّر فيه النظم وبنى للمفعول لان قومه بنى إسرائيل لم يكذبوه وانما كذبه القبط ولان تكذيبه كان اشنع لكون آياته أعظم واشيع فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ اى أمهلتهم وأخرت عقوبتهم عطف على كذبت ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بالعذاب عاقبة أمرهم فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (44) اثبت الياء ورش في الوصل حيث وقعت والباقون حذفوها- يعنى كيف كان إنكاري عليهم بتغيير النعمة محنة والحيوة هلاكا والعمارة خرابا استفهام للتعجيب او التهويل او التقرير اى هو واقع موقعه. فَكَأَيِّنْ فكم مِنْ قَرْيَةٍ كلمة كاين مرفوع بالابتداء او منصوب بإضمار فعل يفسره أَهْلَكْناها قرأ ابو عمرو ويعقوب أهلكتها بتاء مضمومة على صيغة المتكلم المتوحد والباقون بنون مفتوحة والف بعدها على التعظيم- يعنى أهلكنا أهلها حذف المضاف

وأقيم المضاف اليه مقامه وكذا في قوله وَهِيَ يعنى وأهلها ظالِمَةٌ اى واضعة للعبادة في غير موضعها كافرة بالله مؤمنة بالطواغيت فَهِيَ اى حيطانها خاوِيَةٌ اى ساقطة عَلى عُرُوشِها اى سقوفها يعنى تهدمت عمرانها فسقطت السقوف اولا ثم وقعت عليها الجدران فالظرف لغو متعلق بخاوية- او المعنى خاوية اى خالية على عروشها يعنى كائنة على عروشها اى مع بقاء عروشها وسلامتها وعلى هذا التأويل الظرف المستقر اما منصوب على الحال او مرفوع خبر بعد خبر اى هى خالية وهى معطلة على عروشها بان سقطت وبقيت الحيطان مائلة مشرفة عليها- والجملة معطوفة على أهلكناها لا على وهى ظالمة فانها حال والإهلاك ليس خال خوائها- وعلى تقدير نصب كايّن لا محل لهذه الجملة من الاعراب وَبِئْرٍ كانت في القرى أهلكنا اهل تلك الآبار فصارت كبئر «1» مُعَطَّلَةٍ متروكة لا تسقى عطف على قرية اى وكم من بئر معطلة وَكم من قَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أهلكنا أهلها يعنى كم من قرية ساقطة عمر ان بعضها بعد خرابها ومرفوعة مشيدة عمران بعضها أهلكنا أهلها- قال قتادة والضحاك ومقاتل معنى مشيد رفيع طويل من قولهم شاد بناه إذا رفعه- وقال سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد اى مجصص من الشّيد وهو الجص- وجملة فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ بدل من قوله فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ ومن ثم عطف بالفاء- قال البغوي قيل ان البئر المعطلة والقصر المشيد باليمن اما القصر فعلى قلة جبل والبئر في صفحه ولكل واحد منهما قوم في نعمة فكفروا فاهلكهم الله وبقي القصر والبئر خاليين وروى ابو روق عن الضحاك انه كان هذه البئر بحضر موت في بلدة يقال لها حاصورا وذلك ان اربعة آلاف نفر ممن أمن بصالح عليه السلام نجوا من العذاب فاتوا بحضر موت ومعهم صالح فلمّا حضروه مات صالح عليه السّلام فسمى حضر موت لان صالحا لما حضره مات فبنوا حاصورا وقعدوا على هذه البئر وامّروا عليهم رجلا فاقاموا

_ (1) وفي الأصل فصارت معطلة إلخ وانما زدنا لفظة كبئر لان معطلة مجرورة لا تصلح ان تقع خيرا لصارت وتغيير الاعراب غير جائز فلا بد من تقدير والله اعلم الفقير الدهلوي

[سورة الحج (22) : آية 46]

دهرا وتناسلوا حتى كثروا- ثم ان اخلافهم عبدوا الأصنام وكفروا فارسل الله إليهم نبيّا يقال له حنظلة بن صفوان وكان حمالا فيهم فقتلوه في السوق فاهلكهم الله وعطلت بئرهم وخربت قصورهم. أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ عطف على محذوف تقديره الم يخرجوا من بيوتهم فلم يسيروا في الأرض فَتَكُونَ منصوب بتقدير ان معطوف على مصدر مدلول تضمنا لقوله أَفَلَمْ يَسِيرُوا- يعنى الم يحصل منهم خروجهم من بيوتهم وسير في الأرض لان تكون لَهُمْ قُلُوبٌ وتكون اما تامة ولهم حال من فاعله- واما بمعنى تصير والظرف خبره وبعده اسمه يَعْقِلُونَ بِها صفة لقلوب والمفعول محذوف والمعنى يعقلون بها ما يجب تعقله من التوحيد بما حصل لهم من الاستبصار والاستدلال أَوْ آذانٌ عطف على قلوب يَسْمَعُونَ بِها الاستفهام للانكار والإنكار راجع الى كون قلوبهم عاقلة بعد السير وآذانهم سامعة للحق وفيه حثّ على التعقل والاستماع فَإِنَّها الضمير للقصة او مبهم يفسره الابصار في قوله تعالى لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وفي تعمى ضمير راجع الى الابصار المقدم رتبة او الظاهر أقيم مقامه- والفاء للتعليل اى تعليل استعقاب السير كون قلوبهم عاقلة وآذانهم سامعة- يعنى ليست أبصارهم عامية حتى لا يروا مشاهد الآثار الأمم الخالية بعد السير ولمّا كان حال الكفار من عدم الاعتبار بعد ظهور الآيات ومشاهدة الآثار شاهدا على ونهم عميانا وموجبا لانكار السامع لابصارهم أكد هذه الجملة بانّ وضمير القصة او الضمير المبهم المفسر بما بعده انزالا للسامع منزلة المنكر لنفى العمى- ثم قال استدراكا لدفع توهم نفى العمى عنهم مطلقا وازاحة لشبهة حارت عقول العقلاء في انهم يرون آيات التوحيد ولا يعتقدون به ويسمعون براهين التحقيق ولا يصغون إليها وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) ذكر الصدور للتأكيد ونفى احتمال التجوّز كما في قوله تعالى طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ وفيه تنبيه على ان العمى الحقيقي ليس المتعارف الّذي يخص البصر- قال قتادة البصر الظاهر بلغة ومتعة وبصر القلب هو البصر النافع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شر العمى عمى القلب رواه البيهقي

[سورة الحج (22) : آية 47]

فى الدلائل وابن عساكر عن عقبة بن عامر الجهني وابو نصر السنجري في الإبانة عن ابى الدرداء ورواه الشافعي عن ابن مسعود موقوفا- وذكر في الاية عمى القلب وأراد سلب المشاعر كلها عن قلوبهم كانّه قال ولكن تعمى وتصم القلوب الّتي في الصدور- قال البيضاوي قيل لما نزلت وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى قال ابن أم مكتوم يا رسول الله انا في الدنيا أعمى أفأكون في الاخرة أعمى فنزلت هذه الاية- قلت وهذا ما اخرج ابن ابى حاتم عن قتادة قوله ذكر لنا انها نزلت في عبد الله بن زائدة يعنى ابن أم مكتوم. وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ المتوعد به هذه الاية في مقام الاستشهاد على عمى قلوبهم فان استعجال العذاب دليل على العمى قال البغوي نزلت في النضر بن الحارث حيث قال إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ... وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ لامتناع الخلف في خبره فيصيبهم ما أوعدهم به البتة ولو بعد حين لكونه صبورا لا يعجل بالعقوبة وانجر الله الوعد يوم بدر والجملة حال او معترضة وكذا قوله وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ حال او معترضة كانّه قال لم تستعجلونه وهو لا يجوز فواته وهذه الاية تدل على انه كما لا يجوز الخلف في وعده لا يجوز التخلف في وعيده ايضا- وذالا ينافى المغفرة فان آيات الوعيد مخصوصة بالنصوص والإجماع بمن لا يتداركه المغفرة وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي يعدّون بالياء التحتانية هاهنا لقوله ويستعجلونك- وقرأ الباقون بالتاء الفوقانية لانه أعم لانه خطاب للمستعجلين والمؤمنين جميعا- قال ابن عباس في رواية عطاء معنى الاية ان يوما عنده تعالى والف سنة في الامهال سواء- لانه قادر متى شاء أخذهم لا يفوته شيء بالتأخير فيستوى في قدرته وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخيره وقيل معناه ان يوما من ايام العذاب الّذي استعجلوه في الثقل والاستطالة والشدة كالف سنة مما تعدون فكيف يستعجلونه- وهذا كما يقال ايام الهموم طوال وايام السرور قصار- وقيل انه

[سورة الحج (22) : آية 48]

بيان لتناهى صبره يعنى ان الله لا يخلف وعده لكنه قد يؤخر العذاب الى يوم هو عند ربك كالف سنة- قال مجاهد وعكرمة يعنى يوما من ايام الاخرة والدليل علمه ما روى عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل اغنياء؟؟؟ الناس بنصف يوم وانّ يوما عند ربك كالف سنة- رواه احمد والترمذي وحسنه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مائة عام ونصف يوم رواه الترمذي. وَكَأَيِّنْ اى وكم مِنْ قَرْيَةٍ اى من اهل قرية حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه في الاعراب وإرجاع الضمائر والاحكام مبالغة في التعميم- وأورد هذه الجملة معطوفة بالواو على قوله يَسْتَعْجِلُونَكَ ... وَلَنْ يُخْلِفَ لانه في مقام الاستشهاد لعدم التخلف وبيان ان المتوعد به واقع لا محالة- والتأخير مبنى على عادة الله سبحانه فان كثير من القرى أَمْلَيْتُ اى أمهلت لَها كما امهلتكم وَهِيَ ظالِمَةٌ مثلكم حال من القرية ثُمَّ أَخَذْتُها بالعذاب وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) يعنى الى حكمى مرجع الجميع-. قُلْ يا محمّد لكفار مكة يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ يعنى لست بقادر على إتيان العذاب مُبِينٌ (49) أوضح لكم ما أنذركم به ولمّا كان الخطاب مع المشركين المستعجلين بالعذاب وانما كان ذكر المؤمنين وثوابهم زيادة في غيظهم اقتصر على ذكر الانذار- ويمكن ان يقال ان الانذار مقدم على الابشار وعام للفريقين والابشار يخص بمن أطاعه بعد ما أطاعه ولذلك اقتصر عليه روى الشيخان في الصحيحين عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما مثلى ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل اتى قوما فقال يا قوم انى رايت الجيش بعيني وانّى انا النذير العريان فالنجا النجا فاطاعه طائفة من قومه فادلجوا «1» وانطلقوا على

_ (1) الدلجة هو سير الليل يقال ادبح بالتخفيف إذا سار من أول الليل وادّلج بالتشديد إذا سار آخره- 12 نهاية منه رح.

[سورة الحج (22) : آية 50]

مهلهم فنجوا- وكذبت طائفة منهم فاصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فاهلكهم واجتاحهم «1» - فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثل من عصانى وكذّب ما جئت به من الحق. فَالَّذِينَ آمَنُوا بما جئت به وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ على حسب ما امرتهم لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لما سلف منهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الإسلام يهدم ما كان قبله- رواه مسلم عن عمرو بن العاص وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) اى الجنة. وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا بالرد والابطال مُعاجِزِينَ حال من فاعل سعوا قرأ ابن كثير وابو عمرو معجّزين بالتشديد من التفعيل هاهنا وفي سورة سبا اى مثبطين الناس عن الايمان ينسبونهم الى العجز والباقون بالألف من المفاعلة اى معاندين مشاقين قال قتادة معنى معجزين ظانّين مقدرين انهم يعجزوننا بزعمهم ان لا بعث ولا نشر ولا جنة ولا نار او معنى يعجزوننا اى يفوتوننا فلا نقدر عليهم- وقيل معنى معاجزين مغالبين يريدون ان يظهروا عجزنا عن ادراكهم- قلت يمكن ان يكون معناه معاجزين الرسول فانه يمنعهم عن دخول النار وهم يقتحمون فيها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) روى الشيخان في الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلى كمثل رجل استوقد نارا فلمّا أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب الّتي تقع في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فانا أخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها- واللفظ للبخارى ولمسلم نحوه قال البغوي قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما من المفسرين انه لما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولّى قومه عنه وشق عليه ما راى من مباعدتهم عما جاء به من الله عزّ وجلّ تمنى في نفسه ان يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على ايمانهم فكان يوما في مجلس لقريش فانزل الله سورة النجم فقراها رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) احتاجهم اى من الجائحة وهى الآفة الّتي تهلك 12 منه رح.

[سورة الحج (22) : آية 52]

حتّى بلغ قوله أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى - القى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به في نفسه ويتمنى تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى- فلمّا سمعت قريش ذلك فرحوا به ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في اخر السورة فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر الا سجد الا الوليد بن المغيرة وسعيد بن العاص فانهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها الى جبهتهما وسجدا عليه لانهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر الهتهم يقولون قد ذكر محمد الهتنا بأحسن الذكر وقالوا قد عرفنا ان الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق ولكن الهتنا هذه تشفع لنا عنده فاذا جعل لها محمد نصيبا فنحن معه- فلما امسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبرئيل فقال يا محمد ماذا صنعت لقد تلوت على الناس مالم آتك به عن الله عزّ وجلّ فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا فانزل الله تعالى. وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ الاية يعزيه وكان به رحيما- وسمع من كان بحبشة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود قريش وقيل أسلمت قريش واهل مكة فرجع أكثرهم الى عشائرهم وقالوا هم أحب إلينا حتى إذا دنوا من مكة بلغهم ان الّذي كانوا تحدثوا به من اسلام اهل مكة كان باطلا فلم يدخل أحد الا بجوار او مستخفيا مِنْ رَسُولٍ من زائدة للتعميم قال البغوي الرسول هو الّذي يأتيه جبرئيل عيانا وَلا نَبِيٍّ هو الّذي يكون نبوته إلهاما او مناعا وقيل الرسول من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها والنبي يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كانبياء بنى إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى فكل رسول نبى وليس كل نبى رسولا- عن ابى ذر قال قلت يا رسول الله اىّ الأنبياء كان اوّل قال آدم قلت يا رسول الله ونبى كان قال نعم نبى مكلّم قلت يا رسول الله كم المرسلون قال ثلاثمائة وبضعة عشر جمّا غفيرا- وفي رواية عن ابى امامة

قال أبو ذر قلت يا رسول الله كم وفاء عدة الأنبياء قال مائة الف واربعة وعشرون الفا الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمّا غفيرا رواه احمد وابن راهويه في مسنديهما وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك صحّح رواية ابى امامة إِلَّا إِذا تَمَنَّى قال بعض المفسرين معناه إذا أحب شيئا واشتهاه وحدث به نفسه مالم يؤمر به- استثناء مفزغ من رسول ونبى على الحال تقديره ما أرسلنا من رّسول ولا نبىّ في حال من الأحوال الا مقدرا في شأنه انه إذا تمنى أَلْقَى الشَّيْطانُ اى وسوس اليه ووجد اليه سبيلا والقى في مراده- وما من نبى الا إذا تمنى ان يؤمن قومه ولم يتمن ذلك نبىّ الا القى الشيطان فِي أُمْنِيَّتِهِ عليه ما يرضى قومه وقال البيضاوي إذا زور نفسه ما يهويه القى الشيطان فيما يشتهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ اى يبطله ويذهبه بعصمته عن الركون ويرشده الى ما يزيحه ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ الداعية الى الاستغراق في امر الاخرة وقال اكثر المفسرين معنى قوله الا إذا تمنى اى قرا كتاب الله القى الشيطان في امنيّة اى في قراءته قال الشاعر في عثمان رضى الله عنه حين قتل شعر تمنى كتاب الله اوّل ليلة ... وآخرها لاقى حمام المقادر فان قيل كيف يجوز الغلط في التلاوة على النبي صلى الله عليه وسلم وكان معصوما من الغلط في اصل الدين وقال الله تعالى لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ يعنى إبليس- ومن هاهنا قال البيضاوي هو يعنى ما ذكر في شأن نزول الاية وإلقاء الشيطان في قراءة سورة النجم مردود عند المحققين- لكن قال الشيخ جلال الدين السيوطي هذه القصة رواها البزار وابن مردوية والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس- قلت يعنى عن سعيد بن جبير عنه قلت قال البزار لا يروى متصلا الا بهذا الاسناد تفرد بوصله امية بن خالد وهو ثقة مشهور وقد اخرج ابن ابى حاتم وابن جرير وابن المنذر بسند صحيح عن سعيد بن جبير مرسلا قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والنجم فلمّا بلغ أفرأيتم اللّات والعزّى ومنوة الثّالثة

الاخرى القى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى ان شفاعتهن لترتجى فقال المشركون ما ذكر الهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت وما أرسلنا من قبلك الاية وأخرجه النحاس عن ابن عباس متصلا بسند فيه الواقدي وأخرجه ابن مردوية من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس وابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس وأورد ابن إسحاق في السيرة عن محمد بن كعب وموسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب وابن جرير عن محمّد بن كعب ومحمّد بن قيس وابن ابى حاتم عن السدىّ كلهم بمعنى واحد وكلها اما ضعيفة او منقطعة سوى طريق سعيد بن جبير الاول الّذي ذكره البزار وابن مردوية والطبراني- وقال الحافظ ابن حجر لكن كثرة الطرق تدل على ان للقصة أصلا مع ان لها طريقين صحيحين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين أحدهما ما أخرجه الطبراني من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري حدثنى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - وثانيهما ما أخرجه ايضا من طريق المقيم بن سليمان وحماد بن سلمة عن داود عن ابى هند عن ابى العالية- قلنا اختلف العلماء في الجواب عن الاشكال فقال بعضهم ان الرسول لم يقرأه ولا سمع منه أصحابه ولكن الشيطان القى ذلك بين قراءته في اسماع المشركين فظن المشركون ان الرسول صلى الله عليه وسلم قرأه- وقال قتادة أغفى النبي صلى الله عليه وسلم إغفاء فجرى على لسانه بإلقاء الشيطان على سبيل السهو والنسيان فلم يلبث حتى نبهه الله عليه «1» - قيل ان شيطانا يقال له ابيض عمل هذا العمل وكان ذلك

_ (1) قال القاضي عياض في الشفاء لم يخرجه أحد من العلماء اهل الصحة ولا رواه ثقة سليم متصل وانما اولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المؤلقون بكل غريب المتلفقون من الصحف كل صحيح وسقيم- وصدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال لقد تلى الناس ببعض اهل الأهواء والتفسير وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلبة واضطراب رواياته وانقطاع أسانيده واختلاف كلماته- فقائل يقول انه في الصلاة واخر يقول قالها في نادى قومه حين أنزلت عليه سورة النجم واخر يقول بل حدث نفسه فسهى واخر يقول قالها وقد أصابته سنة واخر يقول ان الشيطان قالها على لسانه وان النبي صلى الله عليه وسلم لما عرضها على جبرئيل قال ما هكذا قرأتك واخر يقول بل أعلمهم الشيطان ان النبي صلى الله عليه وسلم قراها فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قال والله ما هكذا نزلت الى غير ذلك من اختلاف الرواة وممن حكيت هذه الحكاية من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها الى صاحب.... واكثر الطرق عنهم ضعيفة واهية- والمرفوع فيه في حديث سعيد عن ابى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فيما احسب الشك في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة- قال أبو بكر البزار هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل يجوز ذكره الا هذا- ولم يسنده عن سعيد الا امية بن خالد وغيره مرسلة عن سعيد بن جبير- وانما يعرف عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس- وقد بين ذلك أبو بكر انه لا يعرف من طريق يجوز ذكرة الا هذا وفيه من الضعف ما فيه عليه مع وقوع الشك فيه وأحاديث الكلبي مما لا يجوز الرواية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه منه رح. قال الخفاجي في سليم الرياض ص 86- 470 اى الى صحابى من اصحاب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم قالها وقيل المعنى لم يعزها لصاحب لها قد قالها انتهى (الفقير الدهلوي) . [.....]

فتنة ومحنة والله يمتحن عباده بما يشاء- فان قيل كلا التقدير ان سواء قرأ الشيطان وحسب الناس ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأه او جرى على لسانه في حالة اغفائه يخل بالوثوق بالقرآن- قلنا قد تكفل الله تعالى الوثوق بقوله فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ اى يبطله ويذهبه ويظهر على الناس انه من إلقاء الشيطان ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ المنزلة اى يثبتها ويحفظها من لحوق الزيادة من الشيطان- فان قيل هذه الاية حينئذ ايضا يحتمله قلنا إذا ضمت هذه الاية بالبرهان العقلي المستدعى صحة رسالة الرسل وعصمتهم عن الخطاء والزلل في اصول الدين يفيد يقينا في قوة البداهة ان هذه الاية وكلما أثبته الله وأحكمه من الآيات والشرائع والاحكام انما أثبته وأحكمه الله لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- قال الله تعالى فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ... وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال الناس واستعداداتهم فيفعل بكل ما يستحقه من الهداية او الإضلال حَكِيمٌ (52) فيما

[سورة الحج (22) : آية 53]

يفعله لا يسع لاحد الاعتراض عليه- او عليم بما اوحى الى نبيه وبقصد الشيطان حكيم لا يدعه حتى يكشفه ويزيله. لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ عليه بتمكين الشيطان منه فِتْنَةً اى محنة وبلاء لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شك ونفاق وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ اى المشركين وَإِنَّ الظَّالِمِينَ يعنى اهل النفاق والشرك وضع الظاهر موضع ضميرهم قضاء عليهم بالظلم لَفِي شِقاقٍ خلاف عن الحق او عن الرسول والمؤمنين بَعِيدٍ (53) قال البغوي لما نزلت هذه الاية قالت قريش ندم محمد على ما ذكر من منزلة الهتنا عند الله فغيّر ذلك وكان الحرفان الذان القى الشيطان في امنيّته صلى الله عليه وسلم قد وقع في فم كل مشرك فازدادوا شرّا الى ما كانوا عليه وشدة على من اسلم. وَلِيَعْلَمَ عطف على ليجعل واللام متعلق بمقدر يعنى فعلنا تمكين الشيطان على الإلقاء ونسخ ما يلقى الشيطان لامرين لنجعل ما يلقى الشيطان الى آخره وليعلم- وجاز ان يكون اللام متعلقا بقوله أَلْقَى الشَّيْطانُ وحينئذ يكون اللام في ليجعل وليعلم للعاقبة كما في قوله تعالى فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ... الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بالله وأحكامه وقال السدى اى التصديق بنسخ الله أَنَّهُ اى الّذي أحكمه الله من آيات القرآن هو الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ النازل من عنده او انّه اى تمكين الشيطان حق لانه جرت به عادة الله في جنس الإنسان من لدن آدم عليه السّلام فَيُؤْمِنُوا بِهِ اى بالقرآن ويعتقدوا انه من الله او بالله تعالى وعطف يؤمنوا على يعلم بالفاء دليل على ان مجرد العلم ليس بايمان بل هو امر وهبى مترتب على العلم غالبا بجرى العادة فَتُخْبِتَ اى تخشع لَهُ قُلُوبُهُمْ بالانقياد والخشية وتطمئن عنده وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا فيما أشكل عليهم إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) اى اعتقاد صحيح وطريق قويم وهو الإسلام. وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ اى شك مِنْهُ اى ناشية من القرآن او الرسول او الذين أمنوا او مما القى الشيطان في امنيّته ما باله ذكرها بخير

[سورة الحج (22) : الآيات 56 إلى 57]

ثم ارتد عنه حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ اى وقت الموت بَغْتَةً اى اتيانا فجاءة أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) قال عكرمة والضحاك عذاب يوم لا ليلة له وهو يوم القيامة وقيل المراد بالساعة يوم القيامة وبيوم عقيم يوم بدر إذ لم يكن للكافرين في ذلك اليوم خير والعقيم في اللغة المنع ومنه الريح العقيم- وجاز ان يكون المراد بالساعة وبيوم عقيم واحدا وهو يوم القيامة فيكون الثاني وضع الظاهر موضع المضمر للتهويل. الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ يوم تزول مريتهم لِلَّهِ وحده ظرف مستقر يَحْكُمُ الله بَيْنَهُمْ بالمجازاة جملة مستأنفة او في محل النصب على الحال والضمير يعم المؤمنين والكافرين لتفصيله بقوله فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) إدخال الفاء في خبر الثاني دون الاوّل تنبيه على ان اثابة المؤمنين بالجنات تفضل من الله تعالى وعقاب الكافرين مسبب بأعمالهم ولذلك قال لهم عذاب ولم يقل هم في عذاب- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن ينجى أحدا عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى الله برحمة منه وفضل- رواه الشيخان في الصحيحين ورويا فيهما عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سددوا وقاربوا وابشروا فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى بمغفرة ورحمة- ولمسلم من حديث جابر نحوه وقد ورد نحوه من حديث ابى سعيد عند احمد وابن ابى موسى وشريك بن طارق واسامة بن شريك والسد بن كون عند الطبراني واما قوله تعالى ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فمحمول على ان للجنة منازل تنال بالأعمال واما اصل دخولها والخلود فيها فبفضل الله المتعال اخرج هناد في الزهد عن ابن مسعود قال تجوزون الصراط بعفو الله وتدخلون الجنة برحمة الله وتقسمون المنازل بأعمالكم- واخرج ابو نعيم عن عون بن عبد الله مثله.

[سورة الحج (22) : آية 58]

وَالَّذِينَ هاجَرُوا فارقوا الأوطان والعشائر فِي سَبِيلِ اللَّهِ فى طلب مرضاته ثُمَّ قُتِلُوا فى الجهاد قرأ ابن عامر قتّلوا بالتشديد من التفعيل للتكثير والمبالغة والباقون بالتخفيف أَوْ ماتُوا حتف أنوفهم لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ اى والله ليرزقنهم الله في الجنة رِزْقاً حَسَناً اى نعيمها الّتي لا تنقطع فلا مثل لها وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) فانه يرزق بغير حساب. لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ اى الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر ببال البشر وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ بأحوالهم واحوال معانديهم حَلِيمٌ (59) لا يعاجل في العقوبة. ذلِكَ اى الأمر ذلك او ذلك حق او تحقق ذلك او عرفت ذلك الّذي قصصنا عليك وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ اى جازى الظالم بمثل ما ظلم به عليه اطلق لفظ العقاب الّذي هو الجزاء على ابتداء الظلم للازدواج او للمشاكلة ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ بالمعاودة على الظلم لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ لا محالة إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) للمنتصر حيث اتبع هواه في الانتقام واعرض عما ندب الله اليه بقوله ولمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الأمور- وفيه تعريض بالحث على المغفرة فانه تعالى مع كمال قدرته وعلو شأنه لما كان يعفو ويغفر فغيره بذلك اولى وتنبيه على انه قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو الا القادر على العقوبة- قال البغوي قال الحسن قوله تعالى وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ معناه قاتل المشركين كما قاتلوه ثم بغى عليه اى ظلم بإخراجه من منزله وقيل نزلت الآية في قوم من المشركين أتوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فكره المسلمون قتالهم وسألوهم ان يكفوا من القتال من أجل الشهر الحرام فابى المشركون وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم وثبت المسلمون فنصروا عليهم- قلت فعلى هذا قوله إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ عن المؤمنين غَفُورٌ لهم في قتالهم في الشهر الحرام واخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل نحوه. ذلِكَ النصر بِأَنَّ اللَّهَ قادر على كل شيء وقد جرى عادته

[سورة الحج (22) : آية 62]

على المداولة بين الأشياء المتعاندة ومن ذلك انه يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ يعنى يزيد في أحد الملوين ما ينقص من الاخر او يحصل ظلمة الليل مكان ضوء النهار بمغيب الشمس وعكس ذاك بطلوعها وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يسمع اقوال المعاقب والمعاقب او سميع دعاء المؤمنين فيجيبهم بَصِيرٌ (61) يرى افعالهما فلا يهملهما. ذلِكَ الاتصاف بكمال العلم والقدرة والسمع والبصر بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الثابت في نفسه الواجب لذاته وحده لان وجوب وجوده ووحدته يقتضيان ان يكون مبدأ لكل ما يوجد سواه عالم بذاته وبما عداه متصف بجميع صفات الكمال- إذ من ثبت ألوهيته لا يمكن الا ان يكون قادرا عالما سميعا بصيرا وَأَنَّ ما يَدْعُونَ قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر هنا وفي لقمان في الموضعين بالتاء الفوقانية خطابا للمشركين والباقون بالياء التحتانية اى ما يدعونه اى المشركون مِنْ دُونِهِ الها هُوَ الْباطِلُ اى المعدوم الممتنع وجوده في حد ذاته او باطل الالوهية وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ المتعالي من ان يكون له شريك الْكَبِيرُ (62) العظيم الّذي ليس كمثله شيء. أَلَمْ تَرَ اى الم تبصر او الم تعلم والاستفهام للانكار يعنى تعلم وتبصر أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً يعنى أصبحت مخضرة بالنبات أورد لفظ المضارع للماضى لاستحضار صورة ما مضى وللدلالة على بقاء اثر المطر زمانا بعد زمان- والجملة دليل اخر على كمال علمه وقدرته إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ يصل علمه او لطفه الى كل ما دقّ وجلّ خَبِيرٌ (63) بالتدابير الظاهرة والباطنة وبأحوال عباده وما احتاجوا اليه من الأرزاق. لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا وملكا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ في ذاته عن كل شيء الْحَمِيدُ (64) المستوجب للحمد بصفاته وأفعاله او المحمود في ذاته وان لم يوجد حامد غيره. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ اى جعلها مذلّلة لكم معدة لمنافعكم-

[سورة الحج (22) : آية 66]

وَالْفُلْكَ بالنصب عطف على ما او على اسم انّ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ طال منها او استيناف وقيل معناه سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ من الدواب لتركبوها في البر وسخر لكم الفلك لتركبوه في البحر وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ يعنى من ان تقع على الأرض ومن هذا يظهر ان الأجسام الفلكية مثل الأجسام الارضية في الميل الى ما تحته وانما أمسكها الله تعالى بقدرته- وقال البيضاوي أمسكها بان خلقها على صور متداعية الى الاستمساك إِلَّا بِإِذْنِهِ استثناء من مضمون قوله يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ يعنى لا تقع على الأرض في حال من الأحوال الا متلبسا باذنه اى بمشيئة قال البيضاوي وذلك يوم القيامة- قلت ولم نعلم وقوع السماء على الأرض يوم القيامة بل الانشقاق والانفطار وكونه كالمهل ووردة كالدهان وطيّه كطىّ السجل- فالاولى ان يقال الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا وذلك لا يقتضى وجود المستثنى- فمعنى الاية لا يقع السماء على الأرض بغير اذنه ولا يقتضى ذلك الاذن بالوقوع في وقت من الأوقات ولا لا «1» وقوعها والله اعلم إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65) حيث جعل لهم اسباب الاستدلال وفتح عليهم أبواب المنافع ودفع عنهم انواع المصائب. وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ بنفخ الأرواح في أجسادكم بعد ان كنتم جمادا عناصر ونطفا وعلقا ومضغا وأجسادا لا روح فيها ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء اجالكم بنزع الأرواح من أجسادكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ فى الاخرة باعادة الأجسام ونفخ الأرواح فيها إِنَّ الْإِنْسانَ المشرك لَكَفُورٌ (66) لجحود للنعم بعد ظهورها لا يعرف نعمة الإنشاء المبدئ للوجود ولا الافناء المقرب الى الموعود ولا الاحياء الموصل الى المقصود او المعنى كفور بربّه مع قيام البراهين القاطعة على وجوده ووحدته وصفاته الكاملة. لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا لم يذكر هاهنا بالواو للعطف كما ذكر فيما سبق لان هناك وقعت الاية مع ما يناسبها من الاى الواردة في النسائك فعطفت على أخواتها

_ (1) وفي الأصل ولا وقوعها- الفقير الدهلوي.

[سورة الحج (22) : آية 68]

وهذه وقعت مع التباعد عن معناها فلم يعطف مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ قال ابن عباس يعنى شريعة عاملون بها وروى انه قال عيدا وقال مجاهد وقتادة قربان يذبحون فيه وقيل موضع عبادة وقيل مألفا يألفونه والمنسك في كلام العرب الموضع المعتاد لعمل خيرا وشر ومنه مناسك الحج لتردد الناس الى أماكن الحج- وفي القاموس النساء العبادة وأرنا مناسكنا متعبداتنا ونفس النسك وموضع يذبح فيه والنسيكة اى الذبيحة والنسك المكان المألوف والمنسك المقعد فَلا يُنازِعُنَّكَ سائر ارباب الملل فِي الْأَمْرِ اى في امر الدين او النسائك لانهم اما جهال او اهل عناد ولو لم يعاند اهل العلم منهم فلا سبيل لهم الى منازعتك لان امر دينك اظهر من ان يقبل النزاع- قال البغوي نزلت في بديل بن ورقا وبشر بن سفيان ويزيد بن خنيس قالوا لاصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم مالكم تأكلون مما تقتلون بايديكم ولا تأكلون مما قتله الله- قال الزجاج معنى قوله فَلا يُنازِعُنَّكَ لا تنازعهم أنت كما يقال لا يخاصمنّك فلان اى لا تخاصمه وهذا جائز فيما يكون بين اثنين فلا يجوز لا يضربنك زيد تريد لا تضربه وجاز لا يضاربنك زيد بمعنى لا تضربه وذلك لان المنازعة والمخاصمة لاتتم الا باثنين فاذا ترك أحدهما ذهبت المخاصمة وَادْعُ الناس إِلى رَبِّكَ الى توحيده وعبادته قلت بل الى ذاته والوصول اليه بلا كيف إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) طريق سوى الى الحق ومدارج القرب. وَإِنْ جادَلُوكَ بعد ظهور الحق ولزوم الحجة فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) من المجادلة الباطلة وغيرها فمجازيكم عليها الجملة الشرطية معطوفة على قوله فلا ينازعنّك- وفي هذه الجملة وعيد مع رفق وكان ذلك قبل الأمر بالقتال. اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ اى يقضى بين المؤمنين منكم والكافرين فيظهر الحق من الباطل بإثابة المؤمنين وعقاب الكافرين يوم القيامة كما فصل بينهم في الدنيا بالحجج والآيات فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) من امر الدين الاختلاف ذهاب كل واحد من الخصمين الى خلاف ما ذهب اليه الاخر.

[سورة الحج (22) : آية 70]

أَلَمْ تَعْلَمْ استفهام تقرير أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا يخفى عليه شيء إِنَّ ذلِكَ كله فِي كِتابٍ يعنى اللوح المحفوظ الّذي كتب الله فيه قبل خلق السموات والأرض ما كان وما يكون فلا يهمنك أمرهم مع علمنا به وحفظنا له إِنَّ ذلِكَ اى الإحاطة به او إثباته في اللوح او المحكم بينكم عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) لان علمه مقتضى ذاته ونسبة المعلومات كلها الى علمه سواء. وَيَعْبُدُونَ عطف على مضمون ما سبق من الآيات الدالة على وحدانيته تعالى وكمال قدرته يعنى أتعلمون تلك الدلائل الواضحة والبراهين القاطعة في التوحيد والالوهية وهم مع ذلك يعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ الله بِهِ سُلْطاناً اى حجة تدل على جواز عبادته وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ حصل لهم من ضرورة العقل او استدلاله او بالنقل الصحيح المفيد للعلم من المخبر الصادق الّذي دل على صدقه برهان او المتواتر المنتهى الى احدى الحواس الخمس وَما لِلظَّالِمِينَ اى المشركين الذين ارتكبوا مثل هذا الظلم مِنْ نَصِيرٍ (71) يمنعهم من عذاب الله. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ الشرط مع الجزاء معطوف على يعبدون آياتُنا من القرآن بَيِّناتٍ واضحات اتيانا من الله تعالى او واضحات الدلالة على العقائد الحقة والاحكام الالهية تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ اى الإنكار يعنى يظهر في وجوههم اثار الإنكار من العبوس والغيظ وضع المظهر موضع الضمير للدلالة على ان الباعث على الإنكار انما هو شدة كفرهم لا غير ذلك- او المراد بالمنكر ما يقصدونه بالمؤمنين من الشر يَكادُونَ حال من الذين كفروا يَسْطُونَ اى يبطشون او يبسطون إليهم أيديهم بالسوء وأصله من سطا الفرس يسطو إذا قام على رجليه رافعا يديه اما مرحا اى أشرا واما نزوا على الأنثى- وفي القاموس سطا عليه وبه سطوا وسطوة صال او قهر بالبطش بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا يعنى بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قُلْ لهم يا محمد أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ

[سورة الحج (22) : آية 73]

لكم واكره إليكم مِنْ ذلِكُمُ اى من هذا القرآن او من غيظكم على التالين ومن سطوكم عليهم او مما أصابكم من الضجر بسبب ما تلوا عليكم النَّارُ اى هو النار كانّه جواب سائل ما هو ويجوز ان يكون مبتدا خبره وَعَدَهَا اللَّهُ اى وعدها «1» الله الَّذِينَ كَفَرُوا بان مصيرهم إليها وعلى الاول هذه جملة مستأنفة وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) النار. يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ اى بين لكم حال مستغرب او قصة عجيبة فَاسْتَمِعُوا لَهُ اى للمثل استماع تدبر وتفكر- وقيل معنى الاية جعل لى مثل يعنى جعل الكفار لله سبحانه مثلا مماثلا في استحقاق العبادة وهى الأصنام فاستمعوا حالها ثم احكموا هل يجوز به التمثيل له تعالى ثم بين ذلك فقال إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ قرآ يعقوب بالياء التحتانية والضمير راجع الى الكفار والباقون بالتاء على الخطاب للكفار والراجع الى الموصول محذوف يعنى انّ الّذين تدعونها ايها الكفار الهة كائنة مِنْ دُونِ اللَّهِ وهى الأصنام لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً اى لا يقدرون على خلق ذباب واحد مع صغره وقلته وخسته- لان لن بما فيها من تأكيد النفي دالّة على منافاة ما بين المنفي والمنفي عنه والذباب مشتق من الذب لانه يذب وجمعه اذبة للقلة ذبّان للكثرة كغراب وأغربة وغربان وَلَوِ اجْتَمَعُوا اى الأصنام لَهُ اى لخلق الذباب وهو بجوابه المقدر في موضع الحال جىء بها للمبالغة اى لا يقدرون على خلقه مجتمعين له متقاونين عليه فكيف إذا كانوا منفردين قالوا وحينئذ للحال- وقيل للعطف على معطوف محذوف تقديره مستو حالهم في عدم القدرة على الخلق لو لم يجتمعوا لخلقه ولو اجتمعوا له اى لا يقدرون عليه في شيء من الأحوال وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ كانوا يطلون الأصنام بالزعفران ويضعون

_ (1) تكرار محض ولعل منشأة توهم عدم الضمير الراجع الى النار في هذه الاية ولذلك لم يكتبه المفسر العلام رحمه الله تعالى في نسخته الّتي بايدينا فقال وعد الله اى وعدها الله فالبيان عين المبين- الفقير الدهلوي.

[سورة الحج (22) : آية 74]

بين يديها الطعام وكانت الذباب تقع عليه وتسلب منه فقال الله سبحانه ان يسلب الذباب شيئا منهم لا يقدرون على استنقاذه ولا يقوون على مقاومته فضلا من ان يخلقوه- جهّل الله سبحانه الكفار غاية التجهيل حيث أشركوا بالله القادر على الممكنات كلها المتفرد بايجاد الموجودات بأسرها أعجز الأشياء الّذي لا يقدر على خلق اقل الاحياء وأذلها ولو اجتمعوا له بل لا يقوى على مقاومة هذا الأقل الأذل- ويعجز عن دفعه عن نفسها واستنقاذ ما يتخطفه منها ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) قال ابن عباس الطالب الذباب يطلب ما يسلب من الطيب عن الصنم والمطلوب الصنم يطلب الذباب منه السلب ولا شك ان الطالب ضعيف والمطلوب أضعف منه- وقيل على العكس الطالب طالب الاستنقاذ تقديرا والمطلوب الذباب وقال الضحاك الطالب عابد الصنم والمطلوب الصنم. ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ اى ما عظّموه حق تعظيمه وما عرفوه حق معرفته وما وصفوه حق توصيفه حيث أشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ على خلق الممكنات بأسرها عَزِيزٌ (74) لا يغلبه شيء والهتهم عجزة عن أقلّها مقهورة من اذلّها. اللَّهُ يَصْطَفِي اى يختار مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا يتوسطون بينه وبين الأنبياء بالوحى وبين الناس بقبض الأرواح وإيصال الأرزاق وغير ذلك- قال البغوي هم جبرئيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وغيرهم وَمِنَ النَّاسِ اى ويختار من الناس رسلا يدعون سائرهم الى الحق ويبلّغونهم ما نزل عليهم من الله تعالى اوّلهم آدم وآخرهم محمّد صلى الله عليهم وسلم- قال البغوي نزلت حين قال المشركون أنزل عليه الذّكر من بيننا- فاخبر ان الاختيار الى الله تعالى يختار من يشاء من خلقه وقال البيضاوي لمّا قرّر وحدانيته ونفى ان يشاركه غيره في الالوهية وصفاتها بين ان له عبادا مصطفين للرسالة يتوسل بإجابتهم والاقتداء به

[سورة الحج (22) : آية 76]

الى عبادته سبحانه وهو أعلى المراتب ومنتهى الدرجات لمن عداه من الموجودات تقريرا للنبوة وتزييفا لقولهم ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى والملائكة بنات الله ونحو ذلك إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) مدرك للاشياء كلها. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ قال ابن عباس يعنى ما قدموا وما خلفوا- وقال الحسن ما عملوا وما هم عاملون بعد- وقيل الضمير راجع الى الرسل اى يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ اى الرسل اى ما قبل خلقهم وما خلفهم اى ما هو كائن بعد فنائهم وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) اى اليه مرجع الأمور كلها لانه مالكها بالذات لا يسئل عما يفعل من الاصطفاء وغيره وهم يسئلون. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا اى صلوا عبر عن الصلاة بالركوع والسجود لانهما ركنان لها لا زمان لا تنفك عنهما بخلاف غيرهما من الأركان فان القراءة تسقط عن الأخرس والقيام عمن لا يستطيعه- واما الركوع والسجود فلا يسقطان ابدا عند ابى حنيفة رحمه الله حيث قال من لم يقدر على الإيماء برأسه للركوع والسجود يتاخر عنه الصلاة ولا يتادى بالإيماء بالحاجب او القلب وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ بكل ما يصلح كونه عبادة له تعالى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ قال ابن عباس هو صلة الرحم ومكارم الأخلاق والظاهر انه يعم الافعال كلها يعنى اختاروا ما هو خير وأصلح فيما تأتون به وما تذرونه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) الجملة في محل النصب على الحال اى افعلوا هذه كلها وأنتم راجون الفلاح غير متيقنين له ولا واثقين بأعمالكم- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا اناصب عبد الحساب «1» يوم القيامة أشاء ان أعذبه الا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك لا يلقوا بايديهم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي رواه ابو نعيم عن على عليه السّلام واخرج البزار عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم

_ (1) وفي الأصل عند الحساب-

يخرج لابن آدم ثلاثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح وديوان فيه ذنوبه وديوان فيه النعم من الله تعالى يقول الله لاصغر نعمه في ديوان النعم خذى منك من العمل الصّالح فتستوعب العمل الصّالح فيقول وعزتك استوعبت ويبقى الذنوب وقد ذهب العمل الصالح كله- فاذا أراد الله ان يرحم عبدا قال يا عبدى قد ضاعفت لك حسناتك وتجاوزت عن سيئاتك ووهبت لك نعمتى- (مسئلة) اختلف اهل العلم في سجود التلاوة عند هذه الاية فقال ابو حنيفة ومالك وسفيان الثوري وغيرهم انه لا سجود هاهنا لان المراد بالسجود هاهنا السجود الصلاتى بدليل كونه مقرونا بالركوع والمعهود في مثله من القرآن ما هو ركن الصلاة بالاستقراء نحو اسجدي واركعى مع الرّكعين- وقال ابن المبارك والشافعي واحمد وإسحاق وغيرهم لا بد هاهنا ان يسجد للتلاوة لحديث عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله أفضّلت سورة الحج بان فيها سجدتين قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما- رواه احمد وابو داود والترمذي (واللفظ له) والدار قطنى والبيهقي والحاكم وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف قال الترمذي اسناده ليس بالقوى وقال ابن الجوزي قال ابن وهب ابن لهيعة صدوق يعنى انما ضعفه لاجل حفظه وقال الحاكم عبد الله بن لهيعة أحد الائمة وانما نقم اختلاطه في اخر عمره وقد تفرد به وروى ابو داود في المراسيل عنه صلى الله عليه وسلم قال فضلت سورة الحج بسجدتين قال وقد أسند هذا ولا يصح وحديث عمرو بن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم اقرأه خمس عشرة اية سجدة في القران منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان- رواه ابو داود وابن ماجة والدار قطنى والحاكم وحسنه المنذرى والنووي وضعفه عبد الحق وابن القطان وفيه عبد الله بن منين الكلالى وهو مجهول والراوي عنه الحارث بن سعيد الثقفي المصري وهو لا يعرف ايضا- وقال ابن ماكولا ليس له غير هذا الحديث وأكّد الحاكم حديث عقبة بن عامر بان الرواية صحت فيه من قول عمر وابنه وابن مسعود

[سورة الحج (22) : آية 78]

وابن عباس وابى الدرداء وابى موسى وعمار ثم ساقها موقوفة عليهم وأكده البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق خالد بن معدان مرسلا وقال البغوي وهو قول عمر وعلى وابن مسعود وابن عمر- قلت الموقوف في الباب له حكم المرفوع وقد ذكرنا مسائل سجود التلاوة في سورة الانشقاق. وَجاهِدُوا الجهد بالضم الوسع والطاقة وبالفتح المشقة وقيل المبالغة والغاية وقيل هما لغتان في الوسع والطاقة واما في المشقة والغاية فالفتح لا غير والجهاد والمجاهدة مفاعلة منه- ولما كان بناؤه للاشتراك بين اثنين استعمل في المحاربة مع الأعداء فان فيه تحمل المشقة من الجانبين واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول او فعل والمبالغة فيه الى غاية فِي اللَّهِ اى في سبيله وإعلاء دينه وقضاء أحكامه وقيل معناه لله حَقَّ جِهادِهِ «1» منصوب على المصدرية ومعناه جهادا فيه حقّا خالصا- اى حق ذلك الجهاد حقا وخلص خلوصا لوجهه الكريم- فعكس وأضيف الحق الى الجهاد مبالغة كقولك هو حق عالم وأضيف الجهاد الى الضمير اتساعا- او لانه مختص بالله من حيث انه مفعول لوجه الله- ومن اجله قال ابن عباس هو استفراغ الطاقة فيه وان لا يخافوا في الله لومة لائم فهو حق الجهاد- وقال الضحاك ومقاتل اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته وقال اكثر المفسرين حق الجهاد ان يكون نيته خالصة لله عزّ وجلّ وقال السدى ان يطاع فلا يعصى- وقال عبد الله بن المبارك هو مجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر وهو حق الجهاد قال البغوي وقد روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك قال رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر- قال البغوي أراد بالجهاد الأصغر الجهاد مع الكفار و

_ (1) عن عبد الرحمن بن عوف قال قال لى عمر السنا كنا نقرا فيما نقرا وجاهدوا في الله حقّ جهاده في اخر الزّمان كما جاهدتم في اوّله- قلت بلى فمتى هذا يا امير المؤمنين- قال إذا كانت بنو امية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء- 12 ازالة الخفا- منه رحمه الله-

بالجهاد الأكبر الجهاد مع النفس واخرج البيهقي في الزهد عن جابر رضى الله عنه قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم غزاة فقال قد متم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر- قيل وما الجهاد الأكبر قال مجاهدة العبد لهواه قال البيهقي هذا اسناد فيه ضعف- قلت ليس المراد بالجهاد في هذه الاية المحاربة مع الكفار خاصة لانه يأبى عنه سياق الآية لان في نسق الاية ارتقاء من الأخص الى الأعم في كل عطف حيث ذكر الصلاة اولا بقوله ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا لكونها أهم العبادات ثم عطف عليه واعبدوا ربّكم وهو يشتمل العبادات كلها الصّلوة وغيرها ثم قال وافعلوا الخير وهو يشتمل أداء حقوق الله تعالى كلها من العبادات والعقوبات وغيرها ومحاربة الكفار وأداء حقوق الناس ومكارم الأخلاق وغير ذلك وإتيان السنن والمستحيات كلها- ثم قال وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ فلا وجه لحمله على محاربة الكفار خاصة بل المراد منه الإخلاص في الأقوال والأعمال والأحوال كلها ويحصل ذلك بالجهاد مع النفس ومخالفة الهوى- فان الإخلاص انما يحصل بصفاء القلب وفناء النفس- وهما بالجهاد مع النفس الامارة بالسوء ومخالفة الهوى مع اقتباس أنوار النبوة وذلك في اصطلاح القوم يعبّر بالسلوك والجذب- وذلك الإخلاص هو المعنى من اقوال أوائل المفسرين المذكورة فان الصوفي إذا صار من المخلصين بعد فناء النفس وصفاء القلب لا يخاف في الله لومة لائم ويعبد الله حق عبادته بلا رياء وسمعة ينية خالصة لله عزّ وجلّ ويطيع الله ولا يعصيه ولا شك ان ذلك هو الجهاد الأكبر- واما الجهاد الأصغر يعنى المحاربة مع الكفار فهو صورة الجهاد ولا يعتدبه ولا بشيء من العبادات ما لم يكن خالصا لوجه الله- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها «1» او امراة ينكحها فهجرته الى ما

_ (1) وفي الأصل الى الدنيا ليصبها إلخ الفقير الدهلوي.

هاجر اليه- متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى فانا منه برىء هو للذى عمله- رواه مسلم- (فائدة) قوله صلى الله عليه وسلم قد متم خير مقدم من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر يفيد ان الجهاد الأكبر يعنى المجاهدة مع النفس انما يتاتى للمريد بمصاحبة الشيخ الكامل المكمل- فانهم لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد المحاربة مع الكفار اكتسبوا ببركة صحبته وانعكاس أشعة أنواره صفاء في القلب وفناء في النفس- وقوله رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر الضمير للمتكلم مع الغير والمراد منه اسناد الرجوع الى من معه من الصحابة فانهم كانوا في حالة الجهاد مشغولين بمحاربة الكفار وان كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مصاحبته لكن كان غالب هممهم مدافعة الكفار ثم إذا صاروا في المدينة مقيمين مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن حينئذ همهم الا الاقتباس لانواره- والاقتفاء بمعالم اثاره وأخذ العلوم الظاهرة والباطنة من جنابه صلى الله عليه وسلم- هُوَ اجْتَباكُمْ اى اختاركم من بين الخلائق لمصاحبة نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله اختارني واختار لى أصحابا واختار لى منهم اصهارا وأنصارا «1» وعن واثلة بن اسقع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفاني من بنى هاشم- رواه مسلم وفي رواية للترمذى ان الله اصطفى من ولد ابراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ اى ضيق وتكليف يشتد القيام به عليكم قيل معناه ان المؤمن لا يبتلى بشيء من الذنوب الا جعل الله له منه

_ (1) هكذا بياض في الأصل.

مخرجا بعضها بالتوبة وبعضها برد المظالم والقصاص وبعضها بانواع الكفارات فليس في دين الإسلام ما لا يجد العبد سبيلا الى الخلاص من العقاب وكان فيما سبق من الأمم من الذنوب مالا توبة لها- وقيل معناه ليس عليكم من ضيق في اوقات فروضكم مثل هلال شهر رمضان والفطر ووقت الحج إذا التبس عليكم وسع ذلك عليكم حتى تتيقنوا- وقال مقاتل يعنى الرخص عند الضرورات كقصر الصلاة في السفر والتيمم والإفطار في السفر والمرض وأكل الميتة عند الضرورة والصلاة قاعدا او مستلقيا عند العجز وهو قول الكلبي وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم- وروى عن ابن عباس انه قال الحرج ما كان على بنى إسرائيل من الاصار الّتي كانت عليهم وضعها الله عزّ وجلّ عن هذه الامة- قلت ويمكن ان يقال معنى قوله تعالى ما جَعَلَ الله «1» عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ انه تعالى رفع عنكم كلفة التكاليف الشرعية حتى صارت التكاليف الشرعية ارغب إليكم من المرغوبات الطبعية- وذلك من لوازم الاجتباء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت قرة عينى في الصلاة- رواه احمد والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن انس مِلَّةَ أَبِيكُمْ منصوب على الإغراء اى عليكم ملة أبيكم او على الاختصاص اى اعنى بالدّين ملة أبيكم- او على المصدر بفعل دل عليه مضمون ما قبلها بحذف المضاف اى وسع دينكم توسعة ملة أبيكم إِبْراهِيمَ عطف بيان والظاهر انه خطاب للمؤمنين من قريش إذ السورة مكية ثم الناس تبع لهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم- متفق عليه من حديث ابى هريرة وفي رواية لمسلم عن جابر انه صلى الله عليه وسلم قال الناس تبع لقريش في الخير والشر- وقيل خطاب للعرب وكانوا من نسل ابراهيم وقيل خطاب لجميع المسلمين وابراهيم كان أبا

_ (1) هكذا في الأصل وليس في الاية المفسرة لفظ الجلالة فتامل والفقير الدهلوي.

لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كالاب لامته فانه سبب لحياتهم الابدية ووجودهم على الوجه المعتد به في الاخرة ولاجل ذلك قال الله تعالى وأزواجه امّهاتهم- وقال النبي صلى الله عليه وسلم انما انا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم فاذا اتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه رواه احمد وابو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن ابى هريرة ولمّا كان ملة ابراهيم ودينه مرغوبا لاهل مكة مؤمنهم وكافرهم- وكانت الكافرون منهم يزعمون انهم على دين ابراهيم عليه السّلام نبّه الله سبحانه على ان ملة محمد صلى الله عليه وسلم هو ملة ابراهيم لا غير انّ اولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبىّ والّذين أمنوا هُوَ يعنى الله سبحانه سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ نزول «1» القران في الكتب المتقدمة وَفِي هذا القرآن سماكم مسلمين وقال ابن زيد هو يعنى ابراهيم سماكم المسلمين من قبل هذا الوقت في أيامه حيث قال رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ يعنى اهل مكة- وتسميتهم مسلمين في القرآن وان لم يكن من ابراهيم لكن كان بسبب تسميته من قبل- وقيل تقدير الكلام وفي هذا القرآن بيان تسميته إياكم مسلمين هذه الجملة بيان لقوله تعالى هُوَ اجْتَباكُمْ فان الهداية الى الإسلام الحقيقي والتسمية بالمسلمين مبنىّ على الاجتباء لِيَكُونَ الرَّسُولُ متعلق بمضمون هو سمّاكم المسلمين اى اعطاكم الإسلام وجعلكم مسلمين ليكون الرّسول شَهِيداً عَلَيْكُمْ يوم القيامة ان قد بلّغكم قلت وجاز ان يكون متعلقا بقوله ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا مع ما عطف عليه وَتَكُونُوا أنتم شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ انّ رسلهم قد بلّغتهم اخرج ابن جرير وابن المنذر عن جابر بن عبد الله عن النبي

_ (1) الاولى ان يقال في التفسير (اى من قبل نزول إلخ) لان فيما اختاره المفسر العلام رحمه الله تعالى يلزم جر قبل وهو مبنى على الضم- الفقير الدهلوي.

صلى الله عليه وسلم قال انا وأمتي يوم القيامة على كئوم «1» مشرفين على الخلائق ما من الناس أحد الا ودّ انه منا وما من نبى الا كذّبه قومه ونحن نشهد انه قد بلّغ رسالة ربه- واخرج ابن المبارك في الزهد انبأنا رشد بن سعد حدثنى ابن العم عن ابى حبلة بسنده قال أول من يدعى يوم القيامة اسرافيل فيقول الله هل بلّغت عهدى فيقول لعم قد بلّغته جبرئيل فيدعى جبرئيل فيقال هل بلّغك اسرافيل عهدى فيقول لعم فيخلى اسرافيل فيقول لجبرئيل ما صنعت في عهدى فيقول يا رب بلّغت الرسل- فيدعى الرسل فيقال للرسل هل بلّغكم جبرئيل عهدى فيقولون نعم فيقال لهم ما صنعتم في عهدى فيقولون بلّغنا الأمم- فيدعى الأمم فيقال لهم هل بلّغكم الرسل فمكذّب ومصدّق فيقول الرسل لنا عليهم شهداء فيقول من- فيقولون امة محمد صلى الله عليه وسلم فيدعى امة محمد فيقال لهم أتشهدون ان الرسل قد بلّغت الأمم فيقولون نعم- فيقول الأمم يا ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا- فيقول الله تعالى كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم فيقولون يا ربنا أرسلت إلينا رسولا وأنزلت علينا كتابا وقصصت علينا فيه ان قد بلّغوا- فذلك قوله وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً- وقد ذكرنا ما رواه البخاري وغيره عن ابى سعيد الخدري في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً. فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ داوموا عليها وَآتُوا الزَّكاةَ يعنى فتقربوا الى الله بانواع الطاعات لما خصّكم بهذا الفضل والشرف واعتصموا بالله يعنى ثقوابه في جميع أموركم ولا تستعينوا في شيء الا منه وقال الحسن معناه تمسكوا بدين الله وروى عن ابن عباس سلوا ربكم يعصمكم

_ (1) جمع كومة اى المكان المرتفع- 12 منه رح.

من كل ما يكره- وقيل معناه ادعوه ليثبتكم على دينه- وقيل الاعتصام بالله هو التمسك بالكتاب والسنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله- رواه مالك في الموطإ مرسلا وعن عصيف بن الحارث اليماني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث قوم بدعة الا رفع مثلها من السنة فتمسك سنة خير من احداث بدعة- رواه احمد هُوَ مَوْلاكُمْ ناصركم وحافظكم ومتولى أموركم هذه الجملة في مقام التعليل للاعتصام فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (48) الفاء للسببية يعنى إذا ثبت ان الله موليكم ونصيركم فنعم المولى موليكم ونعم النصير نصيركم إذ لا مثل له في الولاية والنصر بل لا مولى ولا نصير سواه في الحقيقة والله اعلم- تم تفسير سورة الحج من تفسير المظهرى ثامن ذى الحجة من السنة الثالثة بعد المائتين والف- ويتلوه ان شاء الله تعالى سورة المؤمنين وصلّى الله تعالى على خير خلقه سيّدنا محمّد واله وأصحابه أجمعين 15/ ذى الحجّة سنة 1203 هـ «1»

_ (1) هكذا في الأصل مكتوب بالحمرة لعل العلامة رحمه الله- رقمه بعد تكبئل الفهرس ابو محمّد عفا الله عنه

فهرس تفسير سورة المؤمنين من التفسير المظهرى

فهرس تفسير سورة المؤمنين من التفسير المظهرى المطالب الصحيفة ما ورد في ان الجنة قالت قد أفلح المؤمنون 361 ما ورد في الخشوع في الصّلوة وجعل بصره موضع سجوده وترك الالتفات ونحو ذلك 362 في متعة النساء 365 حديث اوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصّلوة وفيه فان انتقص من فريضة يكمل بالتطوع ثم الزكوة مثل ذلك الحديث 365 حديث في انّ لكل انسان منزلا في الجنة ومنزلا في النار فمن دخل النار ورث اهل الجنة منزله 366 المطالب الصحيفة حديث من فرّ من ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة 366 حديث ان خلق أحدكم يجمع في بطن امه أربعين يوما نطفة الحديث 369 حديث ان الله انزل من الجنة خمسة انهار سيحون وجيحون الحديث 374 حديث كل نسب وصهر ينقطع الانسى وصهرى 403 تحقيق الميزان وما ورد فيه 403 فصل في كيفية الوزن 404 حديث ان لاهل النار خمس دعوات الحديث 408 تمّت.

سورة المؤمنين

سورة المؤمنين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وتمّم بالخير اخرج الحاكم وصححه على شرط الشيخين عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره الى السماء فنزلت. قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) فطأطا راسه واخرج ابن مردوية بلفظ كان يلتفت في السماء فنزلت- وذكره البغوي انه قال ابو هريرة كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم الى السماء في الصّلوة فلمّا نزل الّذين هم في صلاتهم خشعون رموا بأبصارهم الى مواضع السجود- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن سيرين مرسلا كان الصحابة يرفعون أبصارهم الى السماء في الصّلوة فنزلت قرا ورش بإلقاء حركة همزة أفلح على دال قد وحذف الهمزة- وكلمة قد تثبت ما كان متوقعا- كما ان لمّا ينفيه- وتدل على ثباته إذا دخل على الماضي ولذلك تقرّبه من الحال- ولمّا كان المؤمنون متوقعين الفلاح بفضل الله صدّرت بها بشارة لهم- والفلاح قال في القاموس هو الفوز (يعنى بالمقصود) والنجاة ريعتى من المرهوب) والبقاء في الخير- وهو دنيوى واخروى والمراد هاهنا الفلاح الأخروي الكامل- وكماله ان لا يعذب أصلا لا في القبر ولا بالمناقشة في الحساب وشدائد يوم القيامة ولا بدخول النار ولا بصعوبة المرور على الصراط- ويفوز الى أعلى المقاصد في الجنان ومراتب القرب والرؤية والرضوان من الملك الديان

واما الفلاح في الجملة فغير مختص بالمتصفين بهذه الصفات المذكورة في تلك الآيات- بل هو لكل من قال لا اله الا الله قال الله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ والايمان والتوحيد نفسه رأس الخيرات- ومن هاهنا قال ابن عباس قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة- وروى عن ابن عباس مرفوعا خلق الله جنة عدن ودلّى فيها ثمارها وشق فيها أنهارها ثم نظر إليها فقال تكلمى فقالت قد أفلح المؤمنون فقال وعزتى وجلالى لا يجاورنى فيك بخيل- رواه الطبراني قلت لعل المراد بالبخيل هاهنا هو الكافر فانه يتجل عن أداء حق الله تعالى في التوحيد واخرج ايضا الطبراني بسند اخر جيد عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خلق الله جنة عدن خلق فيها مالا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال تكلمى فقالت قد أفلح المؤمنون- واخرج البزار والطبراني والبيهقي نحوه عن ابى سعيد الخدري مرفوعا والبيهقي عن مجاهد وعن كعب نحوه والحاكم عن انس نحوه واخرج ابن ابى الدنيا في صفة الجنة عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله تبارك وتعالى جنة عدن من درة بيضاء ولبنة من ياقوتة حمراء ولبنة من زبرحد خضراء وملاطها المسك وحشيشها الزعفران وحصاها اللؤلؤ وترابها العنبر- ثم قال لها انطقى قالت قد أفلح المؤمنون- قال وعزتى لا يجاورنى فيك بخيل- قلت ويمكن ان يقال ان المراد بالفلاح دحول الجنة مطلقا ولو بعد التعذيب وذلك لجميع المؤمنين كما تدل عليه الأحاديث المذكورة- والتقييد في القران بالصفات المذكورة ليس للاحتراز بل لنمدح- فان شأن المؤمن يقتضى الاتصاف بتلك الصفات وعلى تقدير كون المراد بالفلاح الفلاح الكامل وكون التقييد بالصفات للاحتراز لا يدل تلك الآيات الا على الوعد بالفلاح الكامل للمؤمنين الكاملين المتصفين بتلك الصفات ولا ندل على نفى الفلاح عن غيرهم من المؤمنين- لانا لا نقول بمفهوم الصفة كما قرر

فى الأصول ان التقييد بالشرط او الصفة يجعل ما لا يوجد فيه الشرط او الصفة في حكم المسكوت عنه وهو المراد بالاحتراز لا انه يجعله في حكم المنطوق بنفي الحكم وقد انعقد الإجماع على ان اهل الكبائر من المؤمنين وان ماتوا بغير توبة مالهم الى الجنة وهم في مشيئة الله تعالى ان شاء عذبهم ثم يدخلهم الجنة وان شأغفر لهم بلا تعذيب- والخاشعون قال ابن عباس هم المخبتون أذلاء وقال الحسن خائفون وقال مقاتل متواضعون وقال مجاهد هو غض البصر وخفض الصوت وعن على كرم الله وجهه هو ان لا يلتفت يمينا ولا شمالا وقال سعيد بن جبير لا يعرف من على يمينه ولا من على شماله ولا يلتفت من الخشوع لله تعالى وقال عمرو بن دينار هو السكون وحسن الهيئة وقال جماعة هو ان لا ترفع بصرك عن موضع سجودك وقال عطاء هو ان لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة- وقيل الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة لها والاعراض عما سواه والتدبر فيما يجرى على لسانه من القراءة والذكر- وان لا يجاوز مصلاه ولا يلتفت ولا يغيب ولا يميل ولا يفرقع أصابعه ولا يقلّب الحصى ولا يفعل شيئا مما يكره في الصّلوة وعن ابى الدرداء هو اخلاص المقال وإعظام المقام واليقين التام وجمع الاهتمام وفي القاموس الخشوع هو الخضوع اى التواضع او هو قريب من الخضوع او هو في البدن والخشوع في الصوت والبصر والسكون والتذلّل- وفي النهاية الخشوع في الصوت والبصر كالخضوع في البدن- عن ابى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الله عزّ وجلّ مقبلا على العبد ما كان في صلاته ما لم يلتفت فاذا التفت اعرض عنه رواه احمد وابو داود والنسائي والدارمي وعن عائشة قالت سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة قال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلوة العبد- متفق عليه وعن انس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ما بال أقوام يرفعون أبصارهم

[سورة المؤمنون (23) : آية 3]

الى السماء في صلاتهم- فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهين عن ذلك او ليتخطفن أبصارهم- رواه البغوي وروى مسلم والنسائي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة الى السماء او ليختطفن أبصارهم وعن جابر بن سمرة بلفظ لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم الى السماء في الصلاة او لا يرجع إليهم أبصارهم- رواه احمد ومسلم وابو داود وابن ماجة وعن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم راى رجلا يعبث بلحيته في الصّلوة فقال لو خشع «1» قلب هذا لخشعت «2» جوارحه- رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول بسند ضعيف وعن ابى الأحوص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قام أحدكم الى الصلاة فلا يمسح الحصى فان الرحمة تواجهه رواه البغوي ورواه احمد وابن عدى والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن ابى ذر (فصل) وعن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا انس اجعل بصرك حيث تسجد- رواه البيهقي في سننه الكبير وعنه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنى إياك والالتفات في الصّلوة فان الالتفات في الصّلوة هلكة فان كان لا بد ففى التطوع لا في الفريضة. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ قال عطاء عن ابن عباس عن الشرك وقال الحسن عن المعاصي قلت والاولى أن يقال عما لا يفيدهم في الاخرة كلاما

_ (1) عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله من خشوع النفاق- قالوا يا رسول الله وما خشوع النفاق قال خشوع البدن ونفاق القلب- وعن مجاهد عن عبد الله بن الزبير انه كان يقوم في الصّلوة كانه عود وكان أبو بكر يفعل ذلك 12 منه رح (2) عن اسماء بنت ابى بكر عن أم رومان والدة عائشة قالت رانى أبو بكر الصديق أتميل في صلاتى فزجرنى زجرة كدت انصرف من صلاتى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام أحدكم في الصلاة فليسكن أطرافه لا يتميل تميل اليهود فان سكون الأطراف في الصّلوة من تمام الصّلوة- 12 ازالة الخفا منه رح-

[سورة المؤمنون (23) : آية 4]

كان او غيره ولا يحمد عليه من قول او فعل مُعْرِضُونَ (3) فضلا عن ارتكابهم ما يضرهم من الشرك والمعاصي- وقيل هو معارضة الكفار بالشتم والسبّ قال الله تعالى وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً- اى إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه- قال البيضاوي هو ابلغ من الذين لا يلهون بوجوه جعل الجملة اسمية وبناء الحكم على الضمير والتعبير عنه بالاسم وتقديم الصلة عليه واقامة الاعراض مقام الترك ليدل على بعدهم عنه رأسا مباشرة وتسبيبا وميلا وحضورا فان أصله ان يكون في عرض غير عرضه وكذلك قوله. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) الزكوة يطلق على القدر الواجب الّذي يخرجه المزكى من النصاب وعلى فعل المزكى والمراد هاهنا هو الفعل لان الفاعل انما يفعل الفعل دون العين وجاز ان يراد العين بتقدير المضاف يعنى لاداء الزكوة فاعلون- وفي لفظ فاعلون دلالة على المداومة ودخول اللام لتقدم المفعول وضعف اسم الفاعل عن العمل يقال هذا ضارب لزيد ولا يقال ضرب لزيد- وقيل الزكوة هاهنا هو العمل الصّالح اى والذين هم للعمل الصالح فاعلون. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) الفرج اسم لجميع سوءة الرجل والمرأة وحفظ الفرج التعفف عن الحرام. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ صلة لحافظون من قولك احفظ علىّ عنان فرسى يعنى لا تطلقه- واستقام المعنى لتضمن الحفظ معنى نفى البذل او صلة لمقدور هو لا يبذلونها لدلالة قوله غير ملومين عليه- وجاز ان يكون المستثنى المفرغ منصوبا على الحال والتقدير حافظون لفروجهم في جميع الأحوال الا قادرين على أزواجهم اى زوجاتهم أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ اى سرياتهم يعنى ناكحين او مالكين قال البيضاوي انما قال ما اجراء للمماليك مجرى غير ذوى العقول إذ الملك اصل شائع فيه قلت بل المراد منه الإماء فان النساء لقلة عقلهن ملحقات بغير ذوى العقول ولذلك يستعمل ضمائر التأنيث لغير ذوى العقول- فايراد كلمة ما للدلالة

[سورة المؤمنون (23) : آية 7]

على ان المراد به الإماء دون العبيد من المماليك فلا يجوز للنساء الاستمتاع بفروح عبيدهم فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فى إتيانها والضمير المنصوب لحافظون ولمن دل عليه الاستثناء اى فان بذلوها على أزواجهم او امائهم فانّهم غير ملومين. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ المستثنى اى طلب سوى الأزواج والإماء المملوكة لبذل الفرج فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) اى الكاملون في الظلم والعدوان المتجاوزون عن الجلال الى الحرام وهذه الاية ناسخة لمتعة النساء- عن ابن عباس قال انما كانت المتعة في اوّل الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى انه مقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى إذا نزلت الّا على أزواجهم او ما ملكت ايمانهم قال ابن عباس فكل فرج سواهما فهو حرام- رواه الترمذي ولا شك ان النساء اللاتي يتمتع بهن لسن من الأزواج للاجماع على عدم التوارث بينهم حتى لا تقول الروافض ايضا بالتوارث- وقد قال الله تعالى وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ وقد ذكرنا مسئلة متعة النساء في تفسير سورة النساء في تفسير قوله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً- وايضا في هذه الآية دليل على ان الاستمناء باليد حرام- وهو قول العلماء قال ابن جريج سالت عطاء عنه فقال مكروه سمعت ان قوما يحشرون وأيديهم حبالى وأظن انهم هؤلاء- وعن سعيد بن جبير قال عذب الله امة كانوا يعبثون بمذاكيرهم. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ قرا ابن كثير هاهنا وفي المعارج لامنتهم على التوحيد والباقون بالجمع وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8) اى لما يؤتمنون عليه ويعاهدون من جهة الحق كالصلوة والصوم وغيرهما من العبادات الّتي أوجبها الله تعالى- او من جهة الخلق كالودائع والبضائع وما واعد الناس وعاقدهم فعلى العبد الوفاء بجميعها عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان اوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فان صلحت فقد أفلح

[سورة المؤمنون (23) : آية 9]

وأنجح وان فسدت فقد خاب وقد خسر فان انتقص من فريضته شيء قال الرب تبارك وتعالى انظروا هل لعبدى من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك- وفي رواية ثم الزكوة مثل ذلك ثم يؤخذ الأعمال على حسب ذلك- رواه ابو داود ورواه احمد عن رجل. وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ قرا حمزة والكسائي صلاتهم على التوحيد والباقون على الجمع يُحافِظُونَ (9) اى يواظبون عليها ويؤدونها في أوقاتها- ولفظ الحفظ لما في الصّلوة من التجدد والتكرار- وليس تكريرا لما وصفهم به اولا لان الخشوع في الصّلوة غير المحافظة عليها- وفي تصدير ذكر الصّلوة والختم بامرها تعظيم لشأنها ووحدت الصّلوة في الأمر باخشوع لافادة انه لا بد من الخشوع في جنس الصّلوة ايّة صلوة كانت وجمعت في المحافظة عند اكثر القراء آخرا ليفاد المحافظة على أنواعها من الفرائض والواجبات والسنن والنوافل. أُولئِكَ اى الجامعون لهذه الصفات هُمُ الْوارِثُونَ (10) الاحقاء بان يسموا وارثا دون غيرهم جملة معترضة للمدح. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ صفة للوارثين بيان لما يرثونه والتقييد للوراثة بعد إطلاقها تفخيما لها وتأكيدا يعنى يرثون منازل الكفار الّتي أعدت لهم ان أمنوا- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فاذا مات فدخل النار ورث اهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ- رواه ابن ماجة وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية والبيهقي في البعث واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن ابى هريرة بلفظ يرثون مساكنهم ومساكن إخوانهم الّتي أعدت لهم لو أطاعوا الله- واخرج ابن ماجة عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرمن ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة- وقال بعضهم معنى الوراثة هو انه يؤل أمرهم الى الجنة وينالونها كما يؤل امر الوارث الى الميراث- والفردوس أعلى الجنة و

[سورة المؤمنون (23) : آية 12]

قد مر ذكره مشروحا في سورة الكهف هُمْ فِيها الضمير راجع الى فردوس وتأنيث الضمير لكونه اسما للجنة خالِدُونَ (11) لا يموتون فيها ولا يخرجون منها جملة مستأنفة روى احمد والترمذي والنسائي والحاكم عن عمر بن الخطاب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انزل عليه الوحى سمع عند وجهه دوى كدوى النحل فانزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولاتهنّا وأعطنا ولا تحرمنا واثرنا ولا تؤثر علينا وارضنا وارض عنا ثم قال انزل على عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ قد أفلح المؤمنون حتى ختم عشر آيات- قال النسائي منكر وصححه الحاكم وهذه الآية جامعة لابواب الخير كلها فان الله تعالى وصف المؤمنين بالخشوع في الصّلوة والمواظبة على الزكوة والاعراض عن اللغو والتجنب عن المحرمات وسائر ما يوجب المروة اجتنابه- فظهر انهم بلغوا الغاية على الطاعات البدنية والمالية والتطهر والتنزه للتجليات الذاتية والصفاتية والله اعلم-. وَلَقَدْ خَلَقْنَا جنس «1» الْإِنْسانَ او آدم عليه السّلام ولهذا جواب قسم محذوف والجملة معطوفة على قوله قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ فانه كان في ذكر الايمان واصناف العبادات والطاعات وهذه الجملة لبيان استحقاقه تعالى العبادة والطاعة وسبب وجوبها- فكانه قال وقد حق لهم ان يعبدونا ويوحدونا لانّا والله لقد خلقناهم مِنْ سُلالَةٍ اى خلاصة سلت من بين الكدر ومن للابتداء مِنْ طِينٍ (12) من للبيان اى سلالة هو طين صفة لسلالة- اى سلالة كائنة من طين سلت من وجه الأرض- وكان آدم من طين سلت من الأرض وسائر الناس من النطف الّتي هى من الاغذية الّتي هى من الأرض- وجاز ان يكون ظرفا لغوا متعلقا بمعنى سلالة لانها بمعنى مسلولة

_ (1) الاولى ولقد خلقنا الإنسان اى جنسه إلخ لان ما اختاره المفسر العلام رحمه الله تعالى يلزم عليه جر لفظة الإنسان وهو منصوب فتامل- الفقير الدهلوي-

[سورة المؤمنون (23) : آية 13]

فيكون من ابتدائية وقال الكلبي المراد بالطين آدم عليه السّلام والمعنى خلقنا جنس الإنسان من نطفة سلت من طين هو آدم عليه السّلام- اخرج عبد الرزاق وابن جرير وعبد بن حميد وابن ابى حاتم عن قتادة ان المراد بالطين آدم عليه السّلام واخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله تعالى مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ قال من منى بنى آدم قال البغوي وروى عن ابن عباس انه قال السلالة صفوة الماء وقال عكرمة هو الماء سل من الظهر والعرب تسمى النطفة سلالة. ثُمَّ جَعَلْناهُ اى السلالة وتذكير الضمير على تأويل المسلول نُطْفَةً وجاز ان يكون الضمير راجعا الى الإنسان ونطفة منصوبا بنزع الخافض فان كان المراد بالإنسان آدم فمضاف الضمير محذوف أقيم المضاف اليه مقامه والمعنى ثم خلقنا ذلك الجنس من نطفة او خلقنا بنيه من نطفة كائنة فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) اى مقر حريز وهو الرحم والمكين في الأصل صفة للمستقر وصف به المحل مبالغة كما عبر عنه بالقرار وهو مصدر. ثُمَّ خَلَقْنَا اى صيرنا النُّطْفَةَ البيضاء عَلَقَةً حمراء فَخَلَقْنَا صيرنا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً قطعة لحم قدر ما يمضغ فَخَلَقْنَا صيرنا الْمُضْغَةَ عِظاماً بان صلبناها فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً مما بقي من المضغة او مما أنبتنا عليها مما يصل إليها- ولحما منصوب بنزع الخافض اى كسونا العظام بلحم او هو مفعول ثان لكسونا لتضمنه معنى أعطينا يقال كسوت زيدا حلة اى أعطيته إياها قرأ الجمهور عظاما والعظام في الموضعين بلفظ الجمع لاختلافها في الهيئة والصلابة- وقرا أبو بكر وابن عامر عظما والعظم على التوحيد اكتفاء باسم الجنس عن الجمع ثُمَّ أَنْشَأْناهُ الضمير عائد الى السلالة او الى الإنسان سواء كان المراد به الجنس او آدم عليه السّلام ولا حاجة هاهنا الى تقدير المضاف خَلْقاً آخَرَ مصدر لا نشأنا من غير لفظه يعنى خلقناه خلقا اخر او مفعول ثان له بتضمينه معنى صيرنا- وجاز ان يكون بدل اشتمال للضمير المنصوب والمعنى انشأناه اى السلالة او الإنسان خلقا اخر

اى انشأنا خلقا اخر- قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وعكرمة والضحاك وابو العالية هو نفخ الروح فيه- قلت لعل المراد بالروح في قولهم هو الروح السفلى المسمى بالروح الحيواني وبالنفس الّتي هى مركب للروح العلوي الّذي هو من عالم الأرواح ومقره فوق العرش في النظر الكشفى وليس هو بمكاني- والنفس هى البخار المنبعث من العناصر المصور على هيئة الجسم وهو جسم لطيف سار في الجسم الكثيف وعلى هذا يصح إرجاع ضمير انشأناه الى السلالة- بخلاف ما إذا كان المراد به الروح العلوي فانه غير ماخوذ من السلالة- وايضا كلمة ثم تدل على ذلك فان خلق الأرواح العلوية قبل خلق الأبدان فان الأبدان لم تكن موجودة حين أخذ الله الميثاق من الأرواح- واما نفخ الروح فهو صفة من صفاته تعالى قال الله تعالى وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي- وان كان تاخره من تكسية العظام صادق باعتبار تأخر تعلق الصفة القديمة- اللهم الا ان يقال المراد بالانشاء نفخ الروح لا خلق الروح والله اعلم عن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع في بطن امه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله اليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله واجله ورزقه وشقى او سعيد ثم ينفخ فيه الروح- فو الّذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الاذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار- وان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الاذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة- متفق عليه فان قيل ورد في الحديث تحويلات خلق الإنسان بكلمة ثم وهى تدل على التراخي وفي كتاب الله بكلمة الفاء وهى للتعقيب فما وجه التطبيق بينهما- قلت ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين كل تحويل أربعين يوما وذلك زمان طويل يقتضى العطف بكلمة ثم لكن الله سبحانه أورد كلمة الفاء للدلالة على ان تلك المدة الطويلة وهى أربعون يوما قصيرة جدّا نظرا الى ما يقتضى تفاوت كل طور منها الى طور اخر- واما إيراد كلمة

ثم في بعض المواضع وكلمة الفاء في بعضها فلتفاوت الاستحالات- الا ترى ان استحالة السلالة الى النطفة في غاية البعد- واستحالة النطفة الّتي استقرت في صلب الرجل وترائب المرأة زمانا طويلا- ثم وصلت في رحم المرأة وامتزجت هناك وبقيت في الرحم نطفة أربعين يوما- ثم تحولت الى العلقة ايضا لطول زمانه وتراخيه يقتضى العطف بكلمة ثم بخلاف التحويلات الاخر من العلقة الى المضغة ومن المضغة الى العظام والى تكسية العظام لحما فكل ذلك ليس بتلك المثابة من البعد- ولاجل ذلك أوردها بلفظة الفاء وأورد كلمة ثم في قوله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ للتراخى في الرتبة وكمال التفاوت بين الخلقتين والله اعلم (مسئلة) هذه الاية تدل على انه من غصب بيضة فافرخت عنده ثم مات الفرخ- او أخذ من الحرم بيضة فاخرجها الى الحل ثم افرخت لزمه ضمان البيضة دون الفرخ لانه خلق اخر وفيه الروح السفلى وهو الروح الحيواني والله اعلم- وقال قتادة معنى قوله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ نبات الأسنان والشعر وروى ابن جريج عن مجاهد انه استواء الشباب وعن الحسن قال ذكر او أنثى- وروى العوفى عن ابن عباس ان ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال الى الارتضاع الى القعود الى القيام الى المشي الى الفطام الى أن يأكل ويشرب الى ان يبلغ الحلم وينقلب في البلاد الى ما بعدها- قلت ويمكن ان يكون المراد بقوله تعالى ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ الولادة الثانية الّتي يكون للفقراء بالفناء والانخلاع من الصفات البهيمية والسبعية والبشرية الى الصفات الملكية والارتقاء منها الى الصفات الرحمانية والبقاء بذات الله تعالى او بصفاته القدسية وهذا التأويل أليق بالعطف بكلمة ثم فَتَبارَكَ اللَّهُ اى تعالى وتعظّم من ان يتخذ له شريكا او بتهاون في امتثال أوامره او الانتهاء عن مناهيه- والفاء للسببيّة فان اتصافه تعالى بما ذكر من الخلق دليل على كمال قدرته وحكمته يقتضى الحكم بكبريائه وعظمته

وعلو منزلته واستحالة شريكه أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (12) بدل من الله او خبر مبتدا محذوف وليس بصفة لانه نكرة وان أضيف لان المضاف اليه عوض من من التفضيليّة والتميز هاهنا محذوف تقديره احسن الخالقين خلقا فترك ذكر المميز لدلالة الخالقين عليه واحتجت المعتزلة بهذه الاية على ان العباد خالقون لافعالهم الاختياريّة حتى يتحقق التفضيل- وقد دلت البراهين العقليّة والادلة الشرعيّة على أن الافعال الاختياريّة للعباد مخلوقة لله تعالى حيث قال الله تعالى خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ- ولان الممكن الّذي لا يقتضى ذاته وجوده لا يتصور ان يقتضى ذاته وجود غيره وعليه انعقد اجماع الصحابة ومن بعدهم من علماء النصيحة- فالجواب عن استدلال المعتزلة انا لا ننكر ان للعباد في أفعالهم الاختياريّة نوعا من الارادة والاختيار وذلك الارادة والاختيار مناط التكليف ومنشأ الثواب والعقاب وموجب لاسناد الافعال إليهم ونسمّيه بالكسب- لكن ذلك الارادة والاختيار غير كافية لايجاد معدوم أصلا جوهرا كان او عرضا وانما الإيجاد بقدرة الله الكاملة وإرادته واختياره- وتعلق قدرته وإرادته واختياره بمخلوق نسمّيه خلقا وذلك كاف لايجاد كل معدوم- غير ان الله سبحانه اقتضت حكمته (وان خفيت علينا) ان يجعل لكسب العبد ايضا مدخلا في بعض أفعالهم- فنزاعنا مع المعتزلة في المعنى فانهم يقولون ان قدرة العبد وإرادته كاف لايجاد المعدوم ونحن لا نقول به ولا نزاع لنا في جواز اطلاق لفظ الخلق على كسب العبد فانه نزاع لفظى- وكلمة احسن الخالقين انما تدل على صحة اطلاق لفظ الخلق لغة على معنى الكسب والخلق المصطلحين ومن هاهنا قال مجاهد معناه يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين- يقال رجل خالق اى صانع وقال الله تعالى وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً وقال الله تعالى حكاية عن عيسى أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ- وقيل معنى الخالقين هاهنا المصورين او المقدرين والخلق في اللغة التقدير وقبل

[سورة المؤمنون (23) : آية 15]

هذا على سبيل الفرض وفرض المحال ليس بمحال يعنى لو فرضنا تعدد الخالقين- ركما هو رأى المعتزلة مجوس هذه الامة فالله تعالى أحسنهم اخرج ابن ابى حاتم عن عمر قال وافقت ربى في اربع نزلت وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ الآيات فلمّا نزلت قلت فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فنزلت فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ الحديث- وهذه القصة تدل على ان ما دون الاية ليس بمعجز يقدر عليه البشر حيث نطق به عمر رضى الله عنه- وقيل ان عبد الله بن سعد بن ابى سرح كان يكتب للنبى صلى الله عليه وسلم فنطق بذلك قبل إملائه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب هكذا نزلت فقال عبد الله ان كان محمد نبيّا يوحى اليه فانا نبى يوحى الىّ فارتد ولحق بمكة- فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أهدر دمه فيمن أهدر من الدماء فجاء الى عثمان بن عفان فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فصمت طويلا ثم قال نعم فلما انصرف عثمان قال النبي صلى الله عليه وسلم ما صمتّ الا لتقتلوه فقال رجل هلّا او مأت إلينا يا رسول الله فقال ما كان لنبى ان يكون له خائنة الأعين ثم اسلم ذلك اليوم وحسن إسلامه قلت ذكر في سبيل الرشاد ارتداده واهدار النبي صلى الله عليه وسلم دمه وشفاعة عثمان وغير ذلك لكن لم يذكر ان سبب ارتداده كان نطقه بهذه الاية قبل إملائه ولا يتصور ان يكون هذا سببا لارتداده لان ارتداده كان بالمدينة وهذه السورة مكية والله اعلم. ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ اى بعد ما ذكرنا من أمركم لَمَيِّتُونَ (15) عند انقضاء اجالكم اى لصائرون الى الموت لا محالة ولذلك ذكر صيغة النعت الّذي هو للثبوت دون اسم الفاعل وهذه الجملة مع ما عطف عليه معطوف على ولقد خلقنا الإنسان الى اخر الآيات وفيه التفات من الغيبة الى الخطاب وانما أكد الجملة بانّ واللام لكون الناس مصرين على ارتكاب المعاصي وذلك دليل على انكارهم الموت والبعث فنزلوا منزلة المنكرين لهما- قال البغوي

[سورة المؤمنون (23) : آية 16]

ان الميّت بالتشديد والمائت الّذي لم يمت بعد وسيموت- والميت بالتخفيف من مات ولذلك لم يجز التخفيف هاهنا كقوله تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وفي القاموس مات يموت ويمات ويميت فهو ميت بالتخفيف وميّت بالتشديد والمائت الّذي لم يمت بعد. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (16) من القبور للمحاسبة والمجازاة. وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ جواب قسم محذوف معطوف على قوله ولقد خلقنا الإنسان سَبْعَ طَرائِقَ اى سبع سموات لانها طورق بعضها فوق بعض مطارقة النعل- وكل ما فوقه مثله فهو طريقه او لانها طراق الملائكة او الكواكب فيها مسيرها وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ عن جنس المخلوق غافِلِينَ (17) اى مهملين أمرها بل نحفظها عن الزوال والاختلال وندبر أمرها حتى يبلغ منتهى ما قدرنا لها من الكمال على ما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشية فتمسك السماء ان تقع على الأرض- وهذه الجملة اما حال من فاعل خلقنا او معطوف على قوله لقد خلقنا وهو واقع في مقام التعليل- يعنى خلقنا فوقكم سبع طرائق لنفتح عليكم الأرزاق والبركات منها وتطلع عليكم الشمس والقمر والكواكب لانا ما كنا عنكم وعما يصلح شأنكم غافلين. وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مطرا عطف على خلقنا بِقَدَرٍ اى بمقدار ما علمنا صلاحهم فَأَسْكَنَّاهُ عطف على ما سبق اى جعلناه ثابتا مستقرا فِي الْأَرْضِ فقيل المراد به ما يبقى في الحياض والغدر ان ينتفع به الناس عند انقطاع المطر- وقيل المراد به ما تتشربه الأرض ويدخل في مساماتها فيخرج منها في الأرض ينابيع- فماء الأرض على هذا كله من السماء وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ عطف على فاسكناه يعنى على إزالته بالإفساد او التصعيد او التعميق بحيث يتعذر عليكم استنباطه- وفي تنكير ذهاب ايماء الى كثرة طرقه ومبالغة في الإيعاد لَقادِرُونَ (18) كما كنا قادرين على انزاله يعنى

[سورة المؤمنون (23) : آية 19]

لو فعلنا ذلك لهلكتم عطشانا وهلكت مواشيكم ويخرب اراضيكم- قال البغوي وفي الخبر ان الله تعالى انزل أربعة انهار من الجنة سيحان وجيحان ودجلة والفرات وقال روى الامام الحسن بن سفيان عن عثمان بن سعيد بالاجازة عن سعيد بن سابق الإسكندراني عن سلمة بن على عن مقاتل بن حبان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى انزل من الجنة خمسة انهار سيحون وجيحون ودجلة والفرات والنيل أنزلها الله عزّ وجلّ من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحى جبرئيل عليه السّلام استودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل منافع للناس فذلك قوله تعالى وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ- وإذا كان عند يأجوج ومأجوج أرسل الله جبرئيل فرفع من الأرض القران والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت ومقام ابراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فيرفع كل ذلك الى السماء فذلك قوله وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ- فاذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدين والدنيا- قلت ولعل جميع انهار الدنيا من عيون الجنة وانما ذكر الخمسة في الحديث على سبيل التمثيل والله اعلم-. فَأَنْشَأْنا عطف على أنزلنا لَكُمْ بِهِ اى بالماء جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها اى في جنات فَواكِهُ كَثِيرَةٌ تتفكهون بها سوى النّخيل والأعناب وَمِنْها اى من الجنات يعنى من ثمارها وزروعها تَأْكُلُونَ (19) تغذيا او ترزقون وتحصلون معايشكم من قولهم فلان يأكل من حرفته- ويجوز ان يكون الضمير ان للنخيل والأعناب اى لكم في ثمراتها انواع من الفواكه الرطب والعنب والتمر والزبيب والعصير والدبس وغير ذلك وخص النخيل والأعناب بالذكر لانهما اكثر فواكه العرب- وجملة منها تأكلون حال من فاعل الظرف اعنى لكم فيها فواكه او معطوف عليه ولجنات او نخيل. وَشَجَرَةً عطف على جنات تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ وهى الزيتون قرا اهل الحجاز

وابو عمرو سيناء بكسر السين- وابن عامر ويعقوب والكوفيون بفتحها- اختلفوا في معناه وفي سينين قال مجاهد معناه البركة اى من جبل مبارك وقال قتادة والضحاك وعكرمة معناه الحسن اى جبل حسن قال الضحاك هو بالنبطية وقال عكرمة بالحبشية- وقال الكلبي معناه ذو شجر قيل هو بالسريانية الملتف بالأشجار وقال مقاتل كل جبل فيه أشجار مثمرة فهو سيناء وسينين بلغة النبط- وقال مجاهد سيناء اسم حجارة بعينها أضيف إليها الجبل لوجودها عنده- وقال عكرمة هو اسم المكان الّذي به هذا الجبل- وقيل المركب منهما اسم لجبل بين مصر وأيلة نودى منه موسى كامرا القيس كذا قال ابن زيد- ومنع صرفه للتعريف والعجمة او التأنيث على تأويل البقعة والعجمة لا للالف لانه فيعال كديماس من السناء بمعنى الرفعة او بالقصر بمعنى النور او ملحق بفعلال إذ لا فعلاء بألف التأنيث هذا على قراءة اهل الحجاز- واما على قراءة الكوفيين فهو فيعال ككيسان او فعلاء كصحراء فالالف للتأنيث لا فعلال إذ ليس في كلامهم. تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ قرا ابن كثير وابو عمرو ويعقوب بضم التاء وكسر الباء من الافعال يعنى زيتونها متلبّسا بالدهن قال الزجاج الباء للحال اى ومعها الدهن وقيل الباء على هذا زائدة اى تنبت الدهن- وقيل أنبت بمعنى نبت والمعنى على حسب قراءة الباقين بفتح التاء وضم الباء من المجرد اى تنبت متلبّسا بالدهن مستصحبا له- ويجوز ان يكون للتعدية فيكون معناه تنبت الدّهن وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20) معطوف على الدهن جار على إعرابه عطف أحد وصفي الشيء على الاخر اى تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهنا يدهن به ويسرج منه وكونه أدما يصبغ به الخبز اى يغمس فيه للايتدام- قال البغوي الصبغ والصباغ الادام الّذي يغمس فيه الخبز فينصبغ والادام كل ما يؤكل مع الخبز سواء ينصبغ به الخبز اولا قال مقاتل جعل الله في هذا الشجر أدما ودهنا فالادم الزيتون والدهن الزيت وقال خض الطور بالزيتون لان أول الزيتون نبت بها ويقال ان الزيتون أول

[سورة المؤمنون (23) : آية 21]

شجرة نبت في الدنيا بعد الطوفان وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً اية بحالها وتستدلون بها على كمال القدرة والحكمة لصانعها عطف على فانشأنا لكم- ولمّا كان الناس غافلون عن الاعتبار نزلوا منزلة اهل الإنكار وأكد الجملة. نُسْقِيكُمْ قرا نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب بفتح النون على صيغة المتكلم من المجرد والباقون بضم النون على صيغة المتكلم من الافعال كما ذكرنا في سورة النحل- وابو جعفر هاهنا بالتاء وفتحها على صيغة المؤنث الغائب من المجرد والضمير حينئذ راجع الى الانعام مِمَّا فِي بُطُونِها من الألبان أو من العلف فان اللبن يستلون منه فمن للتبعيض او للابتداء وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ في ظهورها واشعارها وأصوافها وأوبارها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (21) فتنتفعون بأعيانها. عَلَيْها اى على الانعام فان منها ما يحمل عليه كالابل والبقر وقيل المراد الإبل لانها هى المحمول عليها عند العرب والمناسب للفلك فانها سفائن البر قال ذو الرمة سفينة برّ تحت خدى زمامها- والضمير فيه كالضمير في وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ... عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22) فى البر والبحر وجملة نسقيكم الى آخرها بيان للعبرة فان ما اخرج الله تعالى مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ آية للاعتبار على كمال قدرته- وانقياد الانعام للحلب وجزّ الصوف والشعر والحمل والذبح وغير ذلك مع كمال قوتها وضعف الإنسان اية اخرى. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ عطف على قوله ولقد خلقنا الإنسان ذكر في صدر السورة حال المؤمنين المطيعين ثم عقبه بالآيات المقتضية للإيمان والطاعة ثم عقبه بذكر الكافرين الطاغين وما ال اليه أمرهم فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ أطيعوه ووحدوه ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ استيناف لتعليل الأمر بالعبادة قرأ الكسائي غيره بالجر حملا على لفظة اله والباقون بالرفع حملا على محله أَفَلا تَتَّقُونَ (23) عطف على محذوف يعنى اتشركون به فلا تتّقون ان يزيل ما بكم من نعمائه ويعذبكم باشراككم إياه غيره في العبادة

[سورة المؤمنون (23) : آية 24]

وكفرانكم آلاءه. فَقالَ الْمَلَأُ الاشراف الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ فيما بينهم ما هذا يعنى نوحا عليه السّلام إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يأكل ويشرب وينام فكيف يكون رسولا من الله- وهذا القصر قصر قلب فان من يدعى الرسالة كانه منكر لكونه بشرا ومدع لكونه ملكا على زعمهم الفاسد فقالوا على قلب دعواه ليس هذا ملكا وليس هذا شيئا الّا بشرا- ومبنى هذا القصر على انهم أنكروا ان يكون البشر لله رسولا مع ما ادعوا ان يكون الحجر له تعالى شريكا قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ... يُرِيدُ بادعائه الرسالة أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ اى يطلب ان يكون له الفضل عليكم ويسودكم جملة يريد صفة بعد صفة لبشر او مستأنفة كانه قيل ما يريد بادعائه الرسالة وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ان لا يعبد غيره او ان يرسل رسولا- لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً رسلا ما سَمِعْنا بِهذا الّذي يدعيه نوح من التوحيد والمسألة والبعث بعد الموت فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) وذلك اما لفرط عنادهم او لكونهم في فترة متطاولة- جملة ما سمعنا حال من فاعل يريد والجملة الشرطية معترضة بين الحال وعامله. إِنْ اى ما هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ اى جنون حيت يدعي الرسالة من الله لنفسه استيناف او تأكيد لنفى الرسالة فان المجنون لا يكون رسولا فَتَرَبَّصُوا بِهِ فاحتملوه وانتظروا حَتَّى حِينٍ (25) لعله يفيق من الجنون او يموت والفاء في فتربصوا للسببيّة فان كونه مجنونا يوجب التربص وترك العجلة في الانتقام ولما اوحى الى نوح من الله تعالى انه لن يؤمن من قومك الا وقد آمن. قالَ نوح رَبِّ انْصُرْنِي باهلاكهم او بإنجاز ما اوعدتهم من العذاب بِما كَذَّبُونِ (26) بدل تكذيبهم ايّاى او بسببه جملة مستأنفة. فَأَوْحَيْنا عطف على مقدر تقديره فاستجبنا دعاءه فاوحينا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا اى بحفظنا ان لا يخطئ فيه او يفسد عليك أحد ان مفسرة لاوحينا فانه بمعنى القول وَوَحْيِنا اى أمرنا وتعليمنا كيف تصنع فَإِذا جاءَ أَمْرُنا بالركوب او نزول العذاب عطف

[سورة المؤمنون (23) : الآيات 28 إلى 29]

على اصنع وَفارَ التَّنُّورُ اى فار الماء من التنور للخباز اركب أنت ومن معك فلما نبع الماء منه وكان ذلك علامة لنوح أخبرته امرأته فركب ومحله في مسجد الكوفة عن يمين الداخل مما يلى باب كندة- وقيل في ذروة من الشام فَاسْلُكْ فِيها اى ادخل فيها جاء سلك لازما ومتعدّيا يقال سلكت في كذا اى دخلت وقال الله تعالى ما سلككم في سقر مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قرأ الجمهور باضافة كل الى زوجين فاثنين حينئذ منصوب على المفعولية يعنى ادخل فيها اثنين من كل صنفين من الحيوانات يعنى الذكر والأنثى وقرأ حفص كلّ بالتنوين عوض المضاف اليه يعنى ادخل فيها زوجين كانتا من كل نوع فاثنين على هذا تأكيد للزوجين- وفي القصة ان الله تعالى حشر لنوح السباع والطيور وغير ذلك فجعل نوح يضرب بيديه في كل نوع فيقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملها في السفينة وَأَهْلَكَ يعنى اهل بيتك او من أمن معك إِلَّا مَنْ سَبَقَ في الأزل عَلَيْهِ الْقَوْلُ بالإهلاك لكفره مِنْهُمْ اى حال كون من سبق عليه القول بالإهلاك من أهلك وهى امرأته وولده كنعان- وانما حئ بعلى لان السابق ضار وانما يجئ باللام إذا كان نافعا كما في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ... وَلا تُخاطِبْنِي عطف على اصنع او على فاسلك يعنى لا تخاطبني بالدعاء بالانجاء فِي حق الَّذِينَ ظَلَمُوا على أنفسهم بالكفر إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) لا محالة لظلمهم بالاشراك جملة معللة لقوله لا تخاطبني. فَإِذَا اسْتَوَيْتَ اعتدلت أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ونجوت من مصاحبة الجار السوء فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي في السفينة بعد الركوب او في الأرض بعد الخروج من السفينة مُنْزَلًا قرأ أبو بكر عن عاصم بفتح الميم وكسر الزاء على معنى موضع النزول والباقون بضم الميم وفتح الزاء بمعنى الانزال مُبارَكاً يتسبّب لمزيد الخير في الدارين فالبركة في السفينة النجاة من مصاحبة اعداء الله والفراغ للاشتغال بعبادته- والبركة في الأرض بعد الخروج كثرة النسل والرزق

[سورة المؤمنون (23) : آية 30]

والاشتغال بعبادة الله تعالى- الجملة الشرطية معطوفة على فاسلك وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) حال من فاعل أنزلني وفيه ثناء مطابق لدعائه- امر نوحا وحده بالدعاء وعلق الدعاء بان يستوى هو ومن معه إظهارا لفضله واشعارا بان في دعائه كفاية عن دعائهم. إِنَّ فِي ذلِكَ الّذي فعلنا بنوح وقومه لَآياتٍ تدل على كمال قدرة الله تعالى ورأفته بالمسلمين وغضبه على الظالمين يعتبر بها أولوا الابصار وَإِنْ مخففة من الثقيلة تقديره وانّا كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) اللام فارقة يعنى كنا لمصيبين قوم نوح ببلاء عظيم او ممتحنين عبادنا وقيل ان نافية واللام بمعنى الا يعنى وماكنا بإرسال نوح ووعظه وتذكيره الا مبتلين قومه ومختبرين إياهم لننظر ما هم عاملون قبل نزول العذاب بهم. ثُمَّ أَنْشَأْنا عطف على كلام محذوف تقديره فاغرقناهم ثم انشأنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) المراد بهم عاد او ثمود قال البغوي والاول اظهر. فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ يعنى أوحينا بين أظهرهم رَسُولًا مِنْهُمْ يعرفونه بانصدق والعدالة وهو هود او صالح عليهما السلام أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ان مفسرة لارسلنا لكونه بمعنى القول يعنى قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) مر تفسيره. وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا لعله ذكر بالواو لان كلامهم لم يتصل بكلام الرسول بخلاف كلام قوم نوح وحيث استأنف الله به ذكر مقال قوم هود في الأعراف وهود بغير واو بالاستيناف كانّه جواب سوال مقدر كانّه، قيل فما قال قومه في جوابه وذكر هاهنا بالواو عطفا لما قالوه على ما قال الرسول على معنى انه اجتمع في الحصول هذا الحق مع هذا الباطل وليس متصلا بكلام النبي جوابا له- وذكر في قصة نوح بالفاء لانه جواب لقوله واقع عقيبه وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ اى بلقاء ما فيها من الثواب والعقاب او بمصيرهم الى الحيوة الاخرة وَأَتْرَفْناهُمْ اى انعمناهم بكثرة الأموال والأولاد فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا الّذي يدعى النبوة إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ في الصفات والأحوال يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ

[سورة المؤمنون (23) : آية 34]

وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) ما موصولة والعائد الى الثانية منصوب محذوف او مجرور حذف مع الجار لدلالة ما قبله عليه. وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ اللام في جواب قسم محذوف اى والله لئن أطعتم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (34) حيث اذللتم أنفسكم بالانقياد لمثلكم أبوا اتباع مثلهم وعبدوا أعجز منهم ما أحمقهم وما اجهلهم. أَيَعِدُكُمْ الاستفهام للانكار او التقرير اى قد يعدكم أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص بكسر الميم من مات يمات- والباقون بضم الميم من مات يموت وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً مجردة عن اللحوم والاعصاب أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) من القبور احياء انكم تكرير للاول أكد به لطول الفصل بينه وبين خبره تقدير الكلام أيعدكم انّكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما مخرجون كذلك قرأ ابن مسعود رضى الله عنه وجاز ان يكون انّكم مخرجون مبتدا خبره الظرف المقدم- او فاعل للفعل المقدر وجوابا للشرط والجملة خبر الاول اى انكم إخراجكم واقع إذا متم او انكم إذا متم وقع إخراجكم ويجوز ان يكون خبر الاول محذوفا لدلالة خبر الثاني عليه- وجملة أيعدكم تقرير للطعن السابق في النبوة او تعليل لقوله لئن أطعتم بشرا انكم لخاسرون. هَيْهاتَ اسم فعل وفاعله ضمير مستكن فيه اى بعد وقوع هذا الوعد عن العقل والتصور- او بعد التصديق والايمان به هَيْهاتَ تأكيد للاول لِما تُوعَدُونَ (36) خبر مبتدا محذوف اى هذا الاستبعاد لما توعدون كانهم لما صوتوا بكلمة الاستبعاد قبل لهم فما له هذا الاستبعاد قالوا لما توعدون- وجاز ان يكون اللام زائدة للبيان والموصول فاعل لهيهات كما في هيت لك- وقيل هيهات مصدر بمعنى البعد وهو مبتدا خبره لما توعدون- قرأ الجمهور بفتح التاء على انه مبنى عليه وقرأ ابو جعفر بكسر التاء من غير تنوين وقرئ بالكسر منونا وقرأ نصر بن عاصم بضم التاء وقرئ بالفتح منونا للتنكير وبالضم منونا على انه جمع هيهة وغير منون تشبيها بقبل وبعد- وقرئ بالسكون على لفظ الوقف وبابدال التاء هاء ووقف عليها اكثر القراء بالتاء وجملة هيهات لما توعدون معترضة. إِنْ هِيَ اى الحيوة جنسها شيء

[سورة المؤمنون (23) : آية 38]

إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا الّتي نحن فيها ودنت منا أقيم الضمير مقام الحيوة الاولى لدلالة الثانية عليها حذرا عن التكرير وشعارا بان تعيينها مغن عن التصريح بها- فان نافية دخلت على هى الّتي في معنى الحيوة الدالة على الجنس مثل لا الّتي لنفى الجنس نَمُوتُ وَنَحْيا يعنى يموت بعضنا ويحيى بعضنا قال البغوي فيه تقديم وتأخير اى نحيى ونموت لانهم كانوا ينكرون البعث بعد الموت وهذا القول مبنى على كون ضمير المتكلم مع الغير لجميع الناس- قلت وعلى تقدير كون الضمير لجميع الناس ايضا لا حاجة الى القول بالتقديم والتأخير إذ الواو لمطلق الجمع دون الترتيب فالمعنى يثبت لجميع الناس في الدنيا موت وحيوة ولا حيوة غير لهذه الحيوة وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) بعد الموت حال او عطف. إِنْ هُوَ يعنى ما الّذي يدعى الرسالة إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ فيما يدعيه من الرسالة او فيما يعدها من البعث كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) اى مصدقين وهذه الجملة تأكيد لقولهم ما هذا الّا بشر. قالَ الرسول رَبِّ انْصُرْنِي عليهم وانتقم لى منهم بِما كَذَّبُونِ (39) اى بسبب تكذيبهم إياي. قالَ الله عَمَّا قَلِيلٍ ما زائدة لتأكيد معنى القلة او نكرة موصوفة بمعنى شيء والمراد به الزمان يعنى عن زمان قليل لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (40) على تكذيبهم إذا عاينوا العذاب. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ قيل أراد بالصيحة الهلاك وفي القاموس الصيحة والصياح الصوت بأقصى الطاقة وصيح بهم نزعوا وفيهم هلكوا والصيحة العذاب فان كان القصة لعاد فالمراد بالصيحة هاهنا العذاب وان كان لثمود فالمراد بها الصوت وقد ذكرنا قصتهم في سورة الأعراف انه أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض فتصدعت قلوبهم بِالْحَقِّ اى بالوجه الثابت الّذي لا دافع له او بالعدل كقولك فلان يقضى بالحق او بالوعد الصدق فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً اى هلكى شبههم في دمارهم بغثاء الليل وهو حميله- يقول العرب لمن هلك سال به الوادي فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)

[سورة المؤمنون (23) : آية 42]

يحتمل الاخبار والدعاء وبعدا مصدر لبعد بمعنى هلك وهو من المصادر الّتي وجب إضمار فعلها في الاستعمال وسدها مسد الافعال- والقوم الظالمون فاعل للمصدر الّذي سد مسد الفعل واللام زائدة او هى لتقوية عمل المصدر كما في قوله أعجبني جلوس لزيد وقيام لعمرو ووضع الظاهر موضع الضمير للتعليل. ثُمَّ أَنْشَأْنا عطف على فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً ... مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد عاد قُرُوناً آخَرِينَ (42) قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم. ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ من زائدة للاستغراق وامة في محل الرفع على الفاعلية أَجَلَها اى الوقت الّذي لهلاكها يعنى لا يهلك امة قبل الوقت الّذي قدر هلاكها فيه وَما يَسْتَأْخِرُونَ (43) ولا يتاخر امة عن وقت هلاكها اى لا يبقى بعد الاجل- ذكّر الضمير بعد تأنيثه للمعنى وهذه جملة معترضة. ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا أصله وترى من الوتر ضد الشفع قلبت الواو بالتاء كما في التراث والتقوى منصوب على الحال من مفعول أرسلنا- قرأ ابو جعفر وابن كثير وابو عمرو بالتنوين وصلا وبالألف عوض التنوين وقفا ولذا لا يميله ابو عمرو لان الفه عنده كانف زيدا في النصب فهو مصدر بمعنى التواتر والمواترة وهو تتابع الأشياء وترا وترا يعنى فرادى من غير اجتماع- قال في القاموس التواتر التتابع او مع فترات وواتر مواترة ووتارا تابع إذ لا يكون المواترة بين الأشياء الا إذا وقعت بينها فترة يعنى اعتبر بعض الناس في التواتر ان يكون بينها فترة- ومنه حديث أبي هريرة لا بأس بقضاء رمضان تترى اى متفرقا غير متتابع كذا في النهاية- قال الأصمعي يقال واترت الخبر اى اتبعت بعضها بعضا وبين الخبرين مهلة- قلت ولذلك اشترط في الخبر المتواتر ان يروى من جهات شتى ورجال غير مجتمعين بحيث لا يحتمل تواطئهم على الكذب- وقرأ اكثر القراء بالألف المقصورة للتأنيث على وزن سكرى من غير تنوين بعدم انصرافه للزوم التأنيث ذكر صيغة التأنيث لان الرسل جماعة وقوله ثُمَّ أَرْسَلْنا معطوف على قوله ثُمَّ أَنْشَأْنا- وفيه مقابلة الجمع بالجمع بارادة انقسام الآحاد على الآحاد فاستقام التراخي كانّه قال ثمّ انشأنا قرنا

[سورة المؤمنون (23) : آية 45]

ثمّ أرسلنا فيه رسولا ثم انشأنا قرنا اخر ثم أرسلنا رسولا اخر وهكذا- إذ لا يستقيم ان يقال أرسلنا قرونا كثيرة وبعد جميع القرون أرسلنا رسلا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها أضاف الرسول مع الإرسال الى المرسل ومع المجيء الى المرسل إليهم لان الإرسال الّذي هو مبدء الأمر منه والمجيء الّذي هو منتهاه إليهم كَذَّبُوهُ أسند التكذيب إليهم لاجل صدوره من أكثرهم فان للاكثر حكم الكل جملة مستانفة فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً في الهلاك كما اتبعنا بعضهم بعضا في الإنشاء وبعث الرسل إليهم عطف على كذبوه وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ يعنى لم يبق منهم اثر الا حكايات يسمر بها ويعتبر بها المعتبرون جمع احدوثة وهو ما يتحدثه الناس تلهيا وتعجبا- قال الأخفش انما هذا اى استعمال كلمة احدوثة وأحاديث في الشر واما في الخير فلا يقال جعلتهم أحاديث واحدوثة وانما يقال صار فلان حديثا- وقيل هو اسم جمع للحديث يقال أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (44) بالرسل ولا بصدقونهم. ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى عطف على ثمّ أرسلنا رسلنا وَأَخاهُ هارُونَ 5 بدل من أخاه بِآياتِنا التسع وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (45) حجة واضحة ملزمة للخصم ويجوز ان يراد به العصا وافرادها بالذكر لانها أول المعجزات وتعلقت بها معجزات شتى كانقلابه حيّة وتلقفها ما افكته السحرة وانفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر وحراستها ومصيرها شمعة وشجرة مثمرة ورشاء ودلوا- ويجوز ان يراد به المعجزات وبالآيات الحجج وان يراد بهما المعجزات فانها آيات للنبوة وحجة للنبى على ما يدعيه. إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا عن الايمان ومتابعة الرسول وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (46) اى كانوا يرتفعون على الناس تكبرا ويقهرونهم ظلما. فَقالُوا أَنُؤْمِنُ الاستفهام للانكار اى لا نعترف ولا نصدق بالفضل والنبوة لِبَشَرَيْنِ فانه يطلق على الواحد كقوله تعالى فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا كما يطلق على الجمع كقوله تعالى فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً مثلنا لم يثن

[سورة المؤمنون (23) : آية 48]

المثل لانه في حكم المصدر فان مثل وغير يوصف به الواحد والاثنان والجماعة من المذكر والمؤنث وَقَوْمُهُما يعنى بنى إسرائيل لَنا عابِدُونَ (47) مطيعون متذلّلون والعرب تسمى كل من أطاع وتذلّل لاحد انه عابد له والجملة حال لفاعل نومن او لبشرين أولهما. فَكَذَّبُوهُما عطف على أرسلنا فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) بالغرق. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التورية لَعَلَّهُمْ الضمير عائد الى قومها ولا يجوز عود الضمير الى فرعون وقومه لان التوراة نزلت بعد إغراقهم اى لكى «1» يَهْتَدُونَ (49) الى المعارف والاحكام. وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً بولادتها ايّاه من غير مسيس فالاية امر واحد وهو الولادة مضاف إليهما او تقديره وجعلنا ابن مريم اية بان تكلم في المهد وظهر منه معجزات اخر وامه اية بان ولدت من غير مسيس فحذفت الاولى لدلالة الثانية عليها وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ اى مكان مرتفع من الأرض قال عبد الله بن سلام هى دمشق وهو قول سعيد بن المسيب ومقاتل وقال الضحاك غوطة «2» دمشق وقال ابو هريرة هى الرملة وقال عطاء عن ابن عباس هى بيت المقدس وهو قول قتادة وكعب وقال كعب هى اقرب الأرض الى السماء بثمانية عشر ميلا وقال ابن زيد هى مصر والسدى هى ارض فلسطين ذاتِ قَرارٍ اى مستوية منبسطة يستقر عليها ساكنوها وقيل ذات تمار وزروع يستقر فيها الناس لاجلها وَمَعِينٍ (50) اى ماء ظاهر جار فعيل من معن الماء إذا جرى وأصله الابعاد في الشيء او من الماعون وهو المنفعة لان الماء نفاع او مفعول من عانه إذا أدركه بعينه لانه لظهوره يدرك بالعيون. يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ اى الحلالات دون المحرمات فالامر للتكليف لانه في معنى النهى

_ (1) غير سديد لان يهتدون مرفوع وكى جازمة فلا يناسب فافهم- الفقير الدهلوي. [.....] (2) الغوط عمق الأرض ولم يقول نهاية منه الغوطة بالضم بلد قريب من دمشق مجمع البحار وفيه الغوطة اسم بساتين ومياه حول دمشق وهو غوطها- الفقير الدهلوي-

[سورة المؤمنون (23) : آية 52]

عن تناول المحرمات او المستلذات من المباحات فالامر للترفية وللرد على الرهبانية في رفض الطيبات وقيل هى الحلال الصافي القوام فالحلال ما لا يعصى الله فيه وضده الحرام- والصافي ما لا ينسى الله فيه وضده ما يلهيه وبوقعه في انهماك الشهوات والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل والقوى وضده القدر الزائد على الشبع وَاعْمَلُوا صالِحاً اى عملا يراد به وجه الله على وفق ما امر به خالصا له تعالى من غير شرك جلى ولا خفى وضده الفاسد وهو ما يكرهه الله تعالى من قول افعل وتقدير الكلام وقلنا لهم يا ايها الرسل كلوا الى آخره فهو حكاية عما خوطب به الأنبياء كل نبى في زمانه لا على انهم خوطبوا به دفعة- وقال الحسن ومجاهد وقتادة والسّدى والكلبي وجماعة خوطب به محمّد صلى الله عليه وسلم وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجمع- قلت ومبنى ذلك على التعظيم وفيه اشارة الى فضله او لقيامه مقام جماعة فانه أرسل الى الناس كافة- وجاز ان يكون المراد به النبي صلى الله عليه وسلم وعلماء أمته فانهم برازخ بين الرسول وأمته كما ان الرسول برزخ بينهم وبين الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء وقيل خوطب به عيسى عليه السّلام عند ايوائه وامه الى الربوة فذكر لهما ما خوطب به الأنبياء كل نبى في زمانه ليقتد يا بالرسل في تناول ما رزقا ويقتضيه سياق القصة إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) فاجازيكم على حسب أعمالكم فالجملة في مقام التعليل. وَإِنَّ هذِهِ اى أكل الطيبات والعمل بالصالحات قرأ الكوفيون بكسر الهمزة على انه جملة في محل النصب حال من فاعل كلوا او هى معطوفة على جملة سابقة فيكون في مقولة قلنا على تقديره- والباقون بفتحها «1» عطفا على ما تعملون او بتقدير اللام يعنى ولانّ هذه امّتكم او منصوب بتقدير اعلموا ان هذه أُمَّتُكُمْ اى ملتكم وشريعتكم الّتي أنتم بأجمعكم عليها أُمَّةً اى ملة واحِدَةً وهى الإسلام متحدا في العقائد واصول الشرائع والعمل في الفروع

_ (1) وقرا ابن عامر بفتح الهمزة وتخفيف النون على انها مخففة من الثقيلة- ابو محمّد عفا الله عنه

[سورة المؤمنون (23) : آية 53]

على حسب ما امر الله به في كل زمان وعلى الناسخ بعد ترك المنسوخ- وقوله امّة واحدة حال مؤكدة لقوله امّتكم على طريقة زيد أبوك عطوفا والعامل فيه معنى الاشارة وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) الفاء للسببية يعنى اتقونى لاجل انى ربكم. فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ يعنى تقطع وتفرق الذين أرسل إليهم بعد الإرسال امر دينهم وجعلوه أديانا مختلفة في اصول الدين- فامن بعضهم بجميع الرسل وبجميع ما أرسل إليهم وهم اهل الحق في كل قرن- وبعضهم أمن ببعض دون بعض كاليهود والنصارى والصابئين وبعضهم كفروا بأجمعهم كالمجوس واهل الأوثان فالتفعل بمعنى التفعيل وجاز ان يكون معناه فتفرقوا وتحزبوا في امر دينهم وجعلوه أديانا مختلفة فعلى هذا أمرهم منصوب بنزع الخافض او على التميز من نسبة التفرق إليهم- والضمير في تفرقوا راجع الى المرسل إليهم المذكورين في القصص المذكورة حيث قال وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ وانشأنا قرونا فارسلنا فيهم رسلنا تترا وغير ذلك- والجملة معطوفة على أرسلنا زُبُراً اى فرقا وطوائف وقطعا جمع زبور بمعنى الفرقة ومنه زبر الحديد- فهو اما منصوب على المصدرية من غير لفظ الفعل نحو أنبته الله نباتا او حال من أمرهم او من فاعل تقطعوا او مفعول ثان لتقطعوا لتضمنه معنى الجعل يعنى قطعوا أمرهم وجعلوه زبرا فرقا- وقيل معناه كتبا من زبرت الكتاب إذا كتبته كتابة غليظة وكل كتاب غليظ الكتابة يقال زبور- يعنى جعلوا دينهم كتبا محرفة بعد ما كان كتابا واحدا من الله منزلا ... فيكون مفعولا ثانيا لتقطعوا او حال من أمرهم والمعنى فرقوا أمرهم اى دينهم حال كون دينهم كتبا منزلة من السماء متفقة في اصول الدين مصدقا بعضها بعضا فقالوا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض وعن الحسن قطعوا كتاب الله قطعا وحرّفوه كُلُّ حِزْبٍ منهم بِما لَدَيْهِمْ من الدين او الهوى فَرِحُونَ (53) معجبون معتقدون انهم على الحق جملة مستأنفة. فَذَرْهُمْ يا محمد فِي غَمْرَتِهِمْ قال ابن عباس في كفرهم وضلالتهم وقيل في غفلتهم وجهالتهم جهلا مركبا شبّهها بالماء الّذي يغمر القامة

[سورة المؤمنون (23) : آية 55]

اى يسترها حَتَّى حِينٍ (54) اى الى زمان موتهم او الى ان نأمرك بالقتال يعنى لا تحزن على تفرقهم وكفرهم فانا نأخذهم اما بالعذاب من عندنا او بايديكم. أَيَحْسَبُونَ اى الذين يفرحون بما لديهم من الضلال ولا يتبعون الرسل ويكذبونهم أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ اى ما نعطيهم ونجعلها مددا لهم مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (55) بيان لما. نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ خبر لان والعائد محذوف- وان مع اسمها وخبرها قائم مقام مفعولى يحسبون والاستفهام للتوبيخ والرد على حسبانهم والمعنى أيزعمون ان الّذي نعطيهم في الدنيا ونمدهم بها من الأموال والأولاد نسارع به لهم فيما فيه خيرهم وإكرامهم ثوابا لاعمالهم وعقائدهم لاجل مرضاتنا عنهم وهذا الحسبان سبب لفرحهم بما لديهم ليس الأمر كذلك بَلْ لا يَشْعُرُونَ «1» (56) يعنى بل هم كالانعام لا فطنة لهم ولا شعور حتى يتاملوا فيعلموا ان لهذه الأعمال والعقائد غير مستوجبة للثواب والمرضاة وانما ذلك الامداد استدراج لا مسارعة في الخيرات- هذه الاية حجة على المعتزلة في قولهم الأصلح للعباد في الدين على الله واجب. إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ اى من خوف عذابه مُشْفِقُونَ (57) حذرون من موجبات العذاب او المعنى انهم بسبب اتصافهم بخشية الله تعالى خائفون من عقابه- وجاز ان يكون المراد بالخشية ما به الخشية والمعنى انهم من عذاب ربهم مشفقون-

_ (1) عن الحسن ان عمر بن الخطاب اتى بفروة كسرى بن هرمز فوضعت بين يديه وفي القوم سراقة بن مالك فاخذ عمر سواريه فرمى بهما الى سراقة- فاخذهما فجعلهما في يديه فبلغتا منكيبة- فقال الحمد لله سوارى كسرى بن هرمز في يدى سراقة بن مالك ابن جعشم أعرابي من بنى مدلج- ثم قال اللهم انى قد علمت ان رسولك قد كان حريصا ان يصيب مالا ان ينفقه في سبيلك وعلى عبادك فزويت عنه ذلك- اللهم انى أعوذ بك ان يكون هذا مكرا انك لعمر ثم تلا أيحسبون انما نمدّهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون 12 منه رحمه الله.

[سورة المؤمنون (23) : آية 58]

قال الحسن البصري المؤمن جمع إحسانا وخشية والمنافق جمع اساءة وأمنا. وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ المنزلة او باياته المنصوبة الدالة على التوحيد يُؤْمِنُونَ (58) يصدقون بمدلولاتها. وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) في العبادة أحدا غيره شركا جليّا ولا خفيّا فلا تكرار فان الايمان بالله وحده لا ينفى الإشراك في العبادة غيره. وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا اى يعطون من الصدقات ما أعطوه- قال البغوي وروى عن عائشة انها كانت تقرا يأتون ما أتوا اى يعملون ما عملوا من اعمال البر وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ اى خائفة..... ان لا يقبل منهم او ان لا يقع على الوجه الّذي يليق بجناب كبريائه فيواخذوا به او لا ينجيهم من عذاب الله لكثرة الخطايا وقلة الطاعات أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) اى لان مرجعهم الى الله او قلوبهم خائفة من ان مرجعهم الى الله وهو يعلم ما يخفى- قال الحسن عملوا لله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا ان ترد عليهم- عن عائشة قالت سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاية وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ «1» الذين يشربون الخمر ويسرقون قال لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون وهم يخافون ان لا تقبل منهم أولئك الّذين يسارعون في الخيرات- رواه احمد والترمذي وابن ماجة وروى البيهقي انها قالت قلت يا رسول الله والّذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة اهو الّذي يزنى ويشرب الخمر ويسرق قال لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يقوم ويتصدق ويخاف ان لا يقبل منه- الموصولات المعطوفة بعضها على بعض اسم لان وانما كرر الموصول ولم يعطف الصلات بعضها على بعض للدلالة على ان كل واحد من الصفات المذكورة مستقل لثبوت الخير وخبرها. أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ اى يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيسارعون في إتيانها كيلا يفوت منهم إتيانها- او المعنى يسارعون في نيل الخيرات الاخروية

_ (1) وفي الجامع للترمذى بعد قوله تعالى وقلوبهم وجلة قالت عائشة اهم الذين إلخ الفقير الدهلوي.

[سورة المؤمنون (23) : آية 62]

الموعودة على الطاعات بالمبادرة إليها- او يسارعون في نيل الخيرات الدنيوية الموعودة على صالح الأعمال بالمبادرة إليها- حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد البلاء الا الدعاء ولا يزيد في العمر الا البر- فهذه الاية حينئذ كقوله فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ- فيكون اثباتا لهم ما نفى عن أضدادهم- قلت لعل المراد بالخيرات الّتي يسارع إليها المؤمنون في الدنيا هو الاطمينان بذكر الله والالتذاذ به والشبع بالكفاف وعدم الخوف من زوال نعماء الدنيا وعدم الخوف والرجاء عن أحد سوى الله تعالى- والمبشرات الّتي يدرك بالإلهام او المنام وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) اى لاجل الخيرات سابقون الناس الى الجنات او فاعلون السبق الى الطاعات او الثواب او الجنة او سابقون الى خيرات ينالونها في الدنيا قبل الاخرة حيث عجلت لهم- وقيل اللام هاهنا بمعنى الى يعنى وهم الى الخيرات سابقون كقوله تعالى لِما نُهُوا عَنْهُ اى الى ما نهوا عنه ومن هاهنا قال الكلبي سبقوا الأمم الى الخيرات- وقال ابن عباس معنى الاية سبقت لهم من الله السعادة. وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها جملة في محل النصب على الحال من فاعل يسارعون في الخيرات يعنى ما مسارعتهم الى الاجتهاد الا بطيب أنفسهم التذاذا- وما كلفناهم الا بقدر طاقتهم وَلَدَيْنا كِتابٌ يعنى اللوح المحفوظ او صحائف الأعمال يَنْطِقُ بِالْحَقِّ اى بما هو الثابت المتحقق في الواقع يعنى أعمالهم ثابتة لدينا لا نضيع منها شيئا بل نثيب عليها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (62) اى لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم شيء- قوله ولدينا كتاب حال ثان مرادف للاول وقوله إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ الى آخره جملة معترضة لبيان احوال المؤمنين في أثناء ذكر الكافرين- فقوله. بَلْ قُلُوبُهُمْ إلخ متصل بقوله تعالى بَلْ لا يَشْعُرُونَ يعنى بل قلوب الكفرة الذين لا شعور لهم فِي غَمْرَةٍ اى في غفلة غامرة مِنْ هذا يعنى من عدم شعورهم فهم كما لا يشعرون لا يشعرون انهم لا يشعرون- او المعنى هم في غمرة من نفس الشعور فهم كما لا يشعرون حالا لا يشعرون في الاستقبال لانتفاء صلاحية الشعور

[سورة المؤمنون (23) : آية 64]

فيهم لاجل الغمرة- او انهم في غمرة من انهم تفرقوا دينهم وتركوا دين الله المرضى الى ما اقتضته اهواؤهم- وقيل في غمرة من هذا القرآن او ممّا اتصف به المؤمنون وذكر فيما سبق او من كتاب الحفظة وَلَهُمْ أَعْمالٌ خبيثة كائنة مِنْ دُونِ ذلِكَ الأعمال الّتي اتصف بها المؤمنون او المعنى لهم اعمال خبيثة متزائدة على ما هم عليه من الشرك هُمْ لَها لتلك الأعمال الخبيثة عامِلُونَ (63) معتادون بها هذه الجملة صفة للاعمال. حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ يعنى متنعميهم بِالْعَذابِ اخرج ابن جرير عن ابن جريج عن ابن عباس انه قال هو السيف يوم بدر- وقال الضحاك هو الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف والعظام المحترقة- والدعاء عليهم مروى في الصحيحين من حديث ابن مسعود إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) الجئر رفع الصوت بالاستغاثة جواب شرط وإذا للمفاجاة ينوب على الجملة الاسمية مناب الفاء الجزائية- وحتى ابتدائية يدل على سببيّة ما قبلها لما بعدها كما في قولك مرض فلان حتى لا يرجونه فان غفلتهم سبب لهلاكهم واستغاثتهم- وجاز ان يكون إذا هم يجئرون بدلا من إذا أخذنا وجواب الشرط قوله. لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ فانه مقدر بالقول يعنى قيل لهم لا تجئروا وعلى التأويل الاول هذا استيناف إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (65) تعليل للنهى يعنى لا تجئروا فانه لا ينفعكم الجئر ولا يلحقكم نصر ومعونة من جهتنا ولا يمكن دفع عذاب الله الا من نصر من جهته-. قَدْ كانَتْ آياتِي المنزلة في القرآن تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) النكوص الرجوع قهقرى يعنى كنتم تعرضون مدبرين عن سماعها وتصديقها والعمل بها والجملة تعليل لقوله إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ.... مُسْتَكْبِرِينَ عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والايمان به مستعلين أنفسكم على سائر الناس بِهِ الضمير راجع الى غير مذكور وهو الحرم يعنى مستكبرين بالحرم قائلين نحن اهل الحرم وجيران بيت الله لا يظهر

علينا أحد لا نخاف أحدا- كذا قال ابن عباس ومجاهد وجماعة ولمّا كان افتخارهم واستكبارهم بالبيت مشهورا اغنى ذلك عن ذكر المرجع- وقيل الضمير راجع الى آياتي فانها بمعنى كتابى والباء متعلق بمستكبرين لتضمينه معنى مكذبين او لان استكبارهم على المسلمين حدث بسبب استماعهم القرآن- وقوله مستكبرين حال من فاعل تنكصون وكذا قوله سمرا حال منه او من فاعل مستكبرين يعنى حال كونكم تسمرون اى تتحدثون بالليل في مجالسكم حول البيت- والسمر الحديث بالليل والسامر اسم جمع كالباقر للبقر والجامل للجمل- يقال سمر القوم يسمرون فهم سمار وسامر كذا في النهاية ومنه حديث قيلة إذ جاء زوجها من السامر اى من قوم يسمرون- وفي القاموس سمر سمرا وسمورا لم ينم وهم السمار والسامرة والسامر اسم الجمع والسّمر محركة الليل وحديثه وظلّ القمر والدهر والظلمة- قال البيضاوي السامر في الأصل مصدر جاء على لفظ الفاعل كالعافية- وقيل هو مفرد في محل الجمع كما في قوله تعالى يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا اى أطفالا- وقيل السامر الليل المظلم فعلى هذا يكون سامرا منصوبا على الظرفية يعنى تنكصون وتستكبرون في الليل في أحاديثكم تَهْجُرُونَ (67) قرأ نافع بضم التاء وكسر الجيم من الاهجار وهو الافحاش اى تفحشون وتسبّون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- والباقون بفتح التاء وضم الجيم من هجر يهجر هجرا بضم الهاء بمعنى الفحش والقول القبيح فيكون معنى القرائتين واحدا- او هجرا بفتح الهاء بمعنى القطيعة والاعراض او بمعنى الهذيان اى تعرضون عن القرآن او تهذون في شأن النبي صلى الله عليه وسلم او القرآن وتقولون مالا تعلمون- اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال كانت قريش تسمر حول البيت ولا تطوف به ويفتخرون فانزل الله تعالى مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والفاء للعطف على محذوف تقديره الم يسمعوا فلم يدبروا القول اى القرآن فان اللام للعهد يعنى القول الّذي جاء به محمّد صلى الله عليه وسلم يعنى قد سمعوا القرآن وتدبروا فيه حين أرادوا معارضته فلم يقدروا على إتيان مثل اقصر سورة منه فظهر عليهم

[سورة المؤمنون (23) : آية 68]

باعجازه واخباره وقصصه انه ليس من كلام البشر. أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أم منقطعة بمعنى بل والهمزة الّتي للانكار والمعنى بل لم يجئهم ما لم يأت آباءهم الأولين يعنى بل قد جاءهم ما اتى آباءهم إسماعيل عليه السّلام وأعقابه من الرسول والكتاب وقد كانت القريش يعترفون بنبوة ابراهيم وإسماعيل وفضلهما فمحمّد صلى الله عليه وسلم مثلهما ولا استحالة في ذلك. أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ محمّدا صلى الله عليه وسلم- يعنى قد عرفوه صغيرا وكبيرا وعرفوا نسبه وأمانته وصدقه وحسن أخلاقه ووفاء عهوده وكمال علمه وأدبه من غير تعلم من البشر الى غير ذلك كذا قال ابن عباس فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) الفاء للسببيّة معطوف على لم يعرفوا وما عطف هو عليه- يعنى لا يجوز الإنكار الا بسبب أحد هذه الوجوه المذكورة ولم يوجد شيء منها بل قد تحقق أضدادها. أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ أم هاهنا ايضا منقطعة والهمزة الّتي في ضمنها للردع والتوبيخ يعنى بل أيقولون انه مجنون وهم يعلمون انه أرجحهم عقلا واتقنهم نظرا لا ينسب الجنون الى مثله الا معاند او مجنون وجاز ان يكون أم في هذه المواضع متصلة معطوفة على ما دخل عليه همزة الاستفهام لنفى المفهوم المردد- وجملة افلم يدبروا مستأنفة كانّ السامع لمّا سمع قوله تعالى قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ قال ما سبب هذا النكوص والاستكبار والهجر إذا كان شيئا من هذه الأمور المذكورة وهى عدم تدبرهم في القرآن او عدم علمهم بإتيان النبي قبلهم او عدم معرفتهم امانة الرسول وصدقه وغير ذلك او زعمهم كونه مجنونا فقال الله في جوابه ليس شيء من هذه الأمور بَلْ سبب ذلك المكابرة والعناد حيث جاءَهُمْ محمّد صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ اى القول الثابت المتحقق الظاهر صدقه عقلا ونقلا لا يخفى صحته وحسنه على عاقل وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (70) الجملة حال من مفعول جاءهم يعنى جاءهم الحق وهم له كارهون عنادا وظلما لحب الرياسة واتباع الشهوات وتقليد الجهال

[سورة المؤمنون (23) : آية 71]

والتمسك بالعادات لا لحكم الكياسة- وانما قيد الحكم بالأكثر لانه كان منهم من ترك الايمان خوفا من توبيخ قومه او لقلة فطنته او عدم فكرته لا لكراهة الحق-. وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ بان كان في الواقع الهة متعددة لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ اى لبطلت ولم يخرج شيء منها من كتم العدم لما ذكرنا في تفسير قوله تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا في سورة الحج «1» وقال ابن جريج ومقاتل والسدى وجماعة الحق هو الله وقال الفراء والزجاج المراد بالحق القران- والمعنى لو اتبع الله مرادهم وجعل لنفسه شركاء او اتخذ ولدا وانزل القرآن على حسب شهواتهم ونطق القرآن بالشرك والقبائح- لم يكن الله الها فان الالوهية لا يحتمل الشركة والله لا يأمر بالفحشاء فان الأمر بالفحشاء رذيلة والالوهية يقتضى التنزه عن الرذائل ولو لم يكن الله الها لبطل وجود الممكنات بأسرها- وقيل معناه لو اتبع الحق أهواءهم وانقلب باطلا لذهب ما قام به العالم فلا يبقى له قوام- او المعنى لو اتبع الحق الّذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين أهواءهم وانقلب شركا لا نزل الله عليهم العذاب وأهلك العالم من فرط غضبه بَلْ أَتَيْناهُمْ عطف على قوله بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ إلخ وجملة لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لبيان بطلان اهوائهم بِذِكْرِهِمْ اى بالكتاب الّذي يذكّرهم الله او هو ذكرهم اى وعظهم او الذكر الّذي تمنّوه بقولهم لو انّ عندنا ذكرا من الاوّلين لكنّا عباد الله المخلصين وقال ابن عباس يعنى بما هو ذكرهم اى بما فيه فخرهم وشرفهم يعنى القرآن نظيره قوله تعالى لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ اى شرفكم وانّه لذكر لك فان القرآن نزل بلغة قريش وجعل الله الناس تبعا لقريش وانحصر الامامة فيهم فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) لا يلتفتون اليه ولا يريدون الشرف-. أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً يعنى اجرا على هدايتهم والرسالة إليهم عطف على قوله أَمْ بِهِ جِنَّةٌ وفيه التفات من الغيبة الى الخطاب

_ (1) سهو من المفسر العلام رحمه الله تعالى لان الاية المذكورة انما هى في سورة الأنبياء- الفقير الدهلوي.

[سورة المؤمنون (23) : آية 73]

فالاستفهام هاهنا ايضا للانكار يعنى لا تسئلهم اجرا حتى لا يؤمنوا بك مخافة الغرامة فخراج ربّك اى اجره وثوابه الّذي يعطيك في الاخرة- قرا حمزة والكسائي خراجا فخراج ربّك بالألف في الموضعين وقرأ ابن عامر بغير الف فيهما ومعناهما واحد وهو الاتاوة اى الجعل والاجر على العمل قال في القاموس الخرج الاتاوة كالخراج وقرأ الباقون أم تسئلهم خرجا بغير الف فخراج ربّك بالألف- قال البيضاوي الخرج بإزاء الدخل يقال لكل ما تخرجه الى غيرك والخراج غالب في الضربية الّتي يأخذها السلطان على الأرض- ففى هذه القراءة في اضافة الخراج الى الله اشعار بالكثرة واللزوم خَيْرٌ لسعته ودوامه ففيه مندوحة لك عن عطائهم هذه الجملة تعليل لنفى السؤال وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) عطف على خراج ربّك خير او حال من ربك. وَإِنَّكَ يا محمد لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) تشهد العقول السليمة على استقامته وعدم الاعوجاج فيه- بيّن الله سبحانه عدم الأسباب الموجبة لانكار دعوة النبي صلى الله عليه وسلم سوى كراهة الحق وقلة الفطنة- وذكر الداعي الى الايمان وهو كون المدعو اليه صراطا مستقيما مرغوبا لجميع العقلاء عامة وكونه شرفا لهم داعيا الى اسلام قريش خاصة فظهر ان انكارهم لم يكن الا لكراهة الحق عندهم عنادا او قلة تفطنهم ومبنى ذلك الشقاوة الازلية المكتوبة عليهم- فانهم كانوا عقلاء كانوا يدركون منافع الدنيا على ما ينبغى فعدم ادراكهم المنافع العاجلة والاجلة المؤبدة الخالصة عن شوب الكدر لم يكن الا لشقاوتهم وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.... وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ المستقيم فان اللام للعهد لَناكِبُونَ (74) اى لمائلون لسوء استعدادهم فانهم خلقوا من ظلال الاسم المضل فلا يمكنهم الاهتداء الى الصراط المستقيم ويكرهون الحق بعد ظهوره. وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ اى من عذاب أخذنا مترفيهم به سواء أريد به السيف يوم بدر كما قال به ابن عباس او الجوع كما قال به الضحاك وقد ذكرنا القولين فيما سبق-

[سورة المؤمنون (23) : آية 76]

لَلَجُّوا اللجاج التمادي في العناد وتعاطى الفعل المزجور عنه فِي طُغْيانِهِمْ اى في استكبارهم عن الحق وافراطهم في الكفر وعداوة الرسول صلى الله عليه وسلم يَعْمَهُونَ (75) من الهدى حال من فاعل لجّوا وهذه الجملة الشرطية معطوفة على مضمون لا تجئروا اليوم انّكم منّا لا تنصرون فان معناه قيل لهم لا تجئروا إلخ ومضمونه انا لم نرحمهم ولو رحمناهم لتمادوا في الطغيان ولم يتوبوا فكانّ هذا تعليل لعدم الترحم عليهم- اخرج النسائي والحاكم عن ابن عباس قال جاء ابو سفيان الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أنشدك الله والرحم قد أكلنا العهن والدم فانزل الله تعالى. وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ يعنى القتل يوم بدر او الجوع فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ يعنى لم يرجعوا الى ربهم بالتوبة بل أقاموا على عتوهم ومضوا على تمردهم- وما استكانوا اما معناه ما استفعلوا لكون فان المفتقر ينتقل من كون الى كون- واما معناه افتعلوا السكون وعلى هذا الالف من إشباع الفتحة وَما يَتَضَرَّعُونَ (76) يعنى ليس من عادتهم التضرع والخشوع واخرج البيهقي في الدلائل بلفظ ان ابن أثال الحنفي لما اتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أسير خلى سبيله- فاسلم فلحق بمكة ثم رجع فحال بين مكة وبين الميرة من اليمامة حتى أكلت قريش العهن فجاء ابو سفيان الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الست تزعم انك بعثت رحمة للعالمين قال بلى قال فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فنزلت هذه الاية وفي هذه الاية استشهاد على ما سيق فانهم لما لم يتضرعوا بالأخذ بالعذاب فلو رحمناهم وكشفنا عنهم العذاب لم يتضرعوا بالطريق الاولى- فان قيل ما ذكرت في تفسير الاية يدل على انه تعالى لم يكشف عنهم العذاب الّذي أخذ به مترفيهم وقد قال البغوي دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش ان يجعل عليهم سنين كسنى يوسف فاصابهم القحط فجاء ابو سفيان الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنشدك الله والرحم الست تزعم انك بعثت رحمة للعالمين قال بلى فقال قد قتلت الآباء

[سورة المؤمنون (23) : آية 77]

بالسيف والأبناء بالجوع فادع الله يكشف عنا هذا القحط فدعى فكشف عنهم فانزل الله تعالى هذه الاية وهذه القصة تدل على ان الله تعالى كشف عنهم عذاب الجوع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فما وجه التوفيق قلت الاية انما دلت على نفى المرحمة وكشف العذاب في الزمان الماضي لعلمه تعالى بلجاجهم عند الكشف ايضا ولا تدل على انه لا يكشف عنهم في المستقبل لامر حادث فالله سبحانه كشف عنهم العذاب لامر معترض وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لكنهم لم يتضرعوا ولجوا في طغيانهم يعمهون ولم يستكينوا- «1» . حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ كلمة حتى ابتدائية والمراد بالعذاب هاهنا عذاب الجوع ان كان المراد بالعذاب في قوله حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ القتل والاسر يوم بدر كما قاله ابن عباس فان الجوع أشد من الاسر والقتل يعنى إذا فتحنا عليهم بابا من عذاب الجوع إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) متحيرون آيسون من كل خير حتى جاءك أعتاهم يستعطفك وان كان المراد بالعذاب فيما سبق عذاب الجوع كما قاله الضحاك فالمراد بالعذاب هاهنا الموت وعذاب القبر وقيل قيام الساعة وعذاب النار- فقوله فتحنا بمعنى المستقبل أورد صيغة الماضي لتيقن وقوعه كما في قوله إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ- والمعنى انا محنّاهم كل محنة من القتل والجوع فما استكانوا ولم يتضرعوا حتى إذا عذبوا بنار جهلم إذا هم مبلسون- كقوله تعالى يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ.... وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ لتحسوا بها الآيات المنصوبة وَالْأَفْئِدَةَ لتتفكروا في الآيات وتستدلوا بها الى غير ذلك من المنافع الدينية والدنيوية قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (78) ما زائدة للتأكيد منصوب على المصدرية او الظرفية يعنى تشكرون شكرا قليلا او في زمان قليل لان العمدة في شكرها استعمالها فيما خلقت لاجلها والإذعان لما نحها من غير

_ (1) وفي الأصل لم يستكانوا- الفقير الدهلوي-

[سورة المؤمنون (23) : آية 79]

اشراك وقيل معنى هذه العبارة في العرف لا تشكرون أصلا. وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ اى خلقكم وبثكم بالتناسل فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم. وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اى لامره وقضائه اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ في السواد والبياض والمنافع او اختلاف الليالى الشتائية والصيفية في الطول والقصر والأيام كذلك أَفَلا تَعْقِلُونَ (80) بالنظر والتأمل ان كل ذلك منا وان قدرتنا تعم الممكنات كلها ومن جملتها البعث بعد الموت وقوله تعالى وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ الى هنا جملة معترضة لتعديد النعم وشكايتهم على كفرهم بعد تلك النعم الجسام وقوله. بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (81) عطف على قوله بل آتيناهم بذكرهم يعنى بل قال كفار مكة مثل ما قال الأولون من كفار الأمم السابقة. قالُوا بدل من قالوا المذكور سابقا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) الاستفهام للانكار أنكروا واستبعدوا ذلك ولم يتاملوا في بدء خلقهم انهم كانوا قبل ذلك ترابا ولم يكونوا قبل ذلك شيئا أصلا فخلقوا من غير سبق مادة-. لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا يعنى البعث بعد الموت وعدها قوم ذكروا انهم رسل الله مِنْ قَبْلُ ظرف لفعل دل عليه حرف العطف يعنى وعد بهذا آباؤنا من قبل هذا الزمان ولم يقع الى الان مع لطاول الزمان إِنْ هذا الوعد إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83) السطر هو الصف من الكتاب ومن الشجر المغروس والقوم الوقوف والمراد هاهنا الاول يقال سطر فلان كذا اى كتب سطرا وجمعه اسطر وسطور واسطار والأساطير جمع اسطار والمعنى ان هذا ليس منزلا من الله بل شيء كتبه الأولون كذبا- وقال المبرد الأساطير جمع اسطورة نحو ارجوجة واراجيج واحدوثة وأحاديث واعجوبة وأعاجيب واضحوكة وأضاحيك واستعماله فيما يكتب كذبا يتلهى به ولهذا فسروه بالاكاذيب- وقوله لقد وعدنا الى آخره تعليل وتقرير للانكار المذكور.

[سورة المؤمنون (23) : آية 84]

قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها جملة مستأنفة كأنّه في جواب قول الرسول ماذا أقول لهم حين أنكروا البعث- والاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب على الإقرار إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) شرط حذف جوابه لدلالة الكلام عليه تقديره ان كنتم من اهل العلم او من العالمين بذلك فاجيبوا- وفيه استهانة بهم وتقرير لفرط جهلهم فان حالهم ومقالهم يشهد على جهلهم بمثل هذا الجلى الواضح الّذي يعرفه الصبيان والمجانين والزام بما لا يمكن إنكاره لمن له ادنى تميز- ولذلك اخبر عن جوابهم قبل ان يجيبوا فقال. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ لان العقل الصريح والنقل من كل ناطق واعتراف الناس أجمعين بذلك يضطرهم الى هذا الجواب قُلْ بعد اعترافهم بذلك أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قرا حمزة وعلىّ وحفص بالتخفيف بحذف احدى التاءين من تتذكّرون والباقون بالتشديد والإدغام- والاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديرة أتعترفون فلا تتذكرون ان من فطر الأرض ومن فيها ابتداء قادر على إيجادها ثانيا فما الوجه لانكاره. قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) فانها أعظم من ذلك استيناف اخر لتلقين الإلزام بعد الإلزام سَيَقُولُونَ لِلَّهِ باللام والجر اى هم لله كذا قرا العامة هاهنا وفيما بعده فهو جواب على المعنى كقول القائل في جواب من مولاك لفلان اى انا لفلان فهو مولاى- وقرأ اهل البصرة فيهما الله الله بالرفع على ما يقتضيه السؤال وكذلك في مصحف اهل البصرة وفي سائر المصاحف مكتوب بلا الف كالاول. قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) يعنى أتعترفون بان خالق السموات والعرش هو الله لا غير فلا تتقون عقابه حيث تشركون به بعض مخلوقاته وتنكرون قدرته على بعض مقدوراته. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ الملكوت هو الملك اى العز والسلطان والواو والتاء فيه للمبالغة فهو غاية ما يتصور من السلطان ولهذا يختص استعماله بملك الله تعالى وقيل المراد به خزائنه وَهُوَ يُجِيرُ اى يحرس ويمنع من السوء و

[سورة المؤمنون (23) : آية 89]

يؤمن من يشاء وَلا يُجارُ عَلَيْهِ عطف على ما سبق او حال من فاعله اى لا يؤمن من أخافه الله ولا يمنع من السوء من أراد الله به سوءا او لا يقدر أحد على ان يضره حتى يجار عليه- وتعديته بعلى لتضمنه معنى النصرة إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) وشرحه قد مر. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) يعنى إذا اعترفتم بذلك فمن اين تحذعون فتصرفون عن الرشد او المعنى إذا اعترفتم فكيف يخيل إليكم الحق باطلا. بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ من التوحيد والوعد بالنشور عطف على قوله بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ إضراب عنه وبينهما معترضات وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (90) فى انكارهم ذلك عطف على ما سبق او حال من الضمير المنصوب. مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ لتقدسه عن المماثلة وو المجانسة بأحد من زائدة لتأكيد النفي والجملة في مقام التعليل على قوله وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ... وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ يشاركه في الالوهية إِذاً جواب لمن أشرك وجزاء الشرط محذوف يدل عليه قوله ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ تقديره لو كان معه الهة اذن لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ واستبد به ومنع غيره من التصرف فيه وامتاز ملكه عن ملك الاخر وَلَعَلا اى غلب بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ اى على بعضهم إذا وقع بينهم التحارب كما يقع بين ملوك الدنيا لامكان ذلك عند تعدد الالهة فلا يكون المغلوب الها لانه امارة العجز والحدوث ويظهر منه انه لو لم يغلب أحدهما على الاخر لزم عجزهما وذلك مناف للالوهية سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) اى عما يصفونه من الولد والشريك لما سبق من الدليل على فساده. عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ قرا اهل المدينة والكوفة غير حفص بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف والباقون بالجر على انه صفة لله- وهذا دليل اخر على نفى الشريك بناء على اتفاقهم على انه متفرد به ولهذا رتب عليه بالفاء قوله فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) يعنى عن اشراكهم يعنى انه أعظم من ان يوصف بالولد او الشريك. قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي أصله ان ما ترينّنى فادغمت النون في الميم و

[سورة المؤمنون (23) : آية 94]

حذفت نون الوقاية كراهة اجتماع النونات- وهذا شرط أكدت بما المزيدة والنون فالمعنى ان كان لا بد من ان ترينى ما يُوعَدُونَ (93) اى ما يوعد به الكفار من العذاب في الدنيا والاخرة. رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) قرينا لهم في العذاب جملة معترضة لتلقين الدعاء وتكرير النداء وتصدير كل واحد من الشرط والجزاء به لزيادة التضرع والجوار- وفي تلقين الدعاء اشارة الى وجوب الخوف وهضم النفس- والى ان شوم الظلم قد يحيق بمن ورائهم- قال الله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً.... وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ من العذاب لَقادِرُونَ (95) لكنا لم نعذبهم عذاب استيصال لانك بين أظهرهم ولعلمنا بان بعضهم او بعض أعقابهم يؤمنون- جملة معترضة ثانية لرد انكارهم الموعود او استعجالهم استهزاء-. ادْفَعْ بِالَّتِي اى بالخصلة الّتي هِيَ أَحْسَنُ الخصال وهى الصفح والاعراض والصبر والإحسان السَّيِّئَةَ مفعول لا دفع يعنى ادفع شرهم بإحسان منك فعلى هذا امر بالصبر على الأذى والكف عن القتال نسلعتها اية السيف وقيل الحسنة كلمة التوحيد والسيئة كلمة الشرك وقيل السيئة المنكر والحسنة النهى عنه وهذا ابلغ من ادفع بالحسنة السيئة لما فيه من التنصيص على التفضيل- معترضة اخرى نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) اى بما يصفونك به او بوصفهم إياك على خلاف حالك واقدر على جزائهم فكل إلينا أمرهم ولا تتصد على الانتقام منهم- وهذه الجملة في مقام التعليل لقوله ادْفَعْ.... وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ اى امتنع واعتصم بك مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) الهمز شدة الدفع يعنى من دفع الشياطين بالإغواء والوساوس الى المعاصي. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) اى يحضرونى في شيء من أموري في الصلاة وغيرها فانه إذا حضر وسوس- قرأ يعقوب يحضرونى بالياء وصلا ووقفا والباقون بلا ياء في الحالين- وجملة قل ربّ أعوذ بك عطف على قوله

[سورة المؤمنون (23) : آية 99]

قل ربّ امّا ترينّى. حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ حتى ابتدائية متعلق بقوله يصفون او بقوله كذبون قالَ يعنى إذا رأى مقعده من الجنة لو أمن ثم مقعده من النار ويقال له قد أبدل الله لك هذا بذلك لاجل كفرك قال رَبِّ ارْجِعُونِ (99) قرا يعقوب بالياء وصلا ووقفا والباقون بلا ياء في الحالين يعنى ارجعنى الى الدنيا- أورد ضمير الجمع للتعظيم وقيل لتكرير الفعل أصله ارجعنى ارجعنى كما قيل في قفار واطرقا- وقيل هذا خطاب مع الملائكة الذين يقبضون روحه- ابتدأ بخطاب الله تعالى لانهم استغاثوا اولا بالله تعالى ثم رجعوا الى مسئلة الملائكة الرجوع الى الدنيا. لَعَلِّي قرا الكوفيون ويعقوب بسكون الياء والباقون بفتحها أَعْمَلُ صالِحاً اى عملا صالحا منصوب على المفعولية او على المصدرية فِيما تَرَكْتُ اى في الايمان الّذي تركته اى لعلى اتى بالايمان واعمل فيه صالحا- وقيل فيما تركت اى في المال او في الدنيا فعلى هذا فيما تركت ظرف كما هو الظاهر- وقيل ما تركت مفعول به وفي زائدة اى اعمل ما تركت حال كونه صالحا من الايمان وغيره او عملا صالحا بلا فساد- اخرج ابن جرير من حديث ابن جريج ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا نرجعك الى الدنيا فيقول الى دار الهموم والأحزان بل قدوما الى الله- واما الكافر فيقول ربّ ارجعون وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقالت عائشة او بعض أزواجه انا لنكره الموت قال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب اليه «1» ممّا امامه فاحب لقاء الله وأحب الله لقاءه- واما الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء اكره اليه ممّا امامه فكره لقاء الله وكره الله لقاءه كَلَّا ردع من طلب الرجعة واستبعاد

_ (1) وفي الأصل من امامه 12.

[سورة المؤمنون (23) : آية 101]

اى لارجعة إليها إِنَّها يعنى قوله ربّ ارجعون الى آخره انث الضمير لمجانسة الخبر كَلِمَةٌ وهو طائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض فهو لا يقع الا على الجملة المركبة المفيدة- واطلاق الكلمة على اللفظ المفرد انما هو اصطلاح النحاة هُوَ اى الكافر قائِلُها لا محالة لتسلط الحسرة عليه ومخافة العذاب وَمِنْ وَرائِهِمْ اى امامهم والضمير للجماعة بَرْزَخٌ قال مجاهد يعنى حجاب بينهم وبين الرجعة- وجملة من ورائهم برزخ معطوف على مضمون كلا يعنى لا يكون ما يطلبون ومن ورائهم برزخ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) وقال قتادة البرزخ بقية عمر الدنيا فانه لارجوع الى الحيوة ما لم ينته عمر الدنيا- وقال الضحاك البرزخ ما بين الموت الى البعث وقيل البرزخ القبر وهم فيه الى يوم يبعثون. فَإِذا كان يوم القيامة ونُفِخَ فِي الصُّورِ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس ان المراد به النفخة الاولى نفخة الصعق فنفخ «1» فى الصّور فصعق من في السّموت ومن في الأرض- فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون- ثمّ نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينّظرون واقبل بعضهم على بعض يّتساءلون- لكن الصحيح انها النفخة الثانية نفخة البعث كذا قال ابن مسعود قال يؤخذ بيد العبد او الامة يوم القيامة فينصب على رءوس الأولين والآخرين ثم ينادى مناد هذا فلان بن فلان- فمن كان له قبله حق فليأت الى حقه فيفرح المرء ان قد وجب له الحق على والده او ولده او زوجته او أخيه فيأخذ منه- ثم قرا ابن مسعود فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) وكذا روى عطاء عن ابن عباس انها النفخة الثانية فلا انساب بينهم اى لا يتفاخرون بينهم بالأنساب كما كانوا يتفاخرون بها في الدنيا او المعنى لا ينفعهم الأنساب يومئذ لعدم التعاطف والتراحم منهم لفرط الدهشة واستيلاء الحيرة بحيث يفرّ المرء من أخيه وامّه وأبيه وصاحبته وبنيه وضمير بينهم عائد الى الكفار لذكرهم فيما سبق دون المؤمنين ولقوله تعالى في المؤمنين أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وقوله صلى الله عليه وسلم

_ (1) هكذا في الأصل وفي القرآن الحكيم ونفخ إلخ بالواو لا بالفاء- الفقير الدهلوي.

[سورة المؤمنون (23) : آية 102]

إذا كان يوم القيامة خرج ولدان المسلمين بايديهم الشراب فيقول الناس لهم اسقونا فيقولون أبوينا أبوينا حتى السقط بباب الجنة يقول لا ادخل الجنة حتى يدخل أبوي- رواه ابن ابى الدنيا عن عبد الله بن عمر اللبثى وعن ابى ذرارة بمعناه فان قيل قد ورد في الحديث كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهرى- رواه ابن عساكر عن ابن عمر بسند صحيح قلت نسب المؤمنين داخل في نسب النبي صلى الله عليه وسلم فانه ابو المؤمنين وأزواجه أمهاتهم- وقال البغوي معنى الحديث لا ينفع يوم القيامة سبب ونسب الا نسبه وسببه وهو القران والايمان- ومعنى قوله تعالى لا يَتَساءَلُونَ سوال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا من أنت ومن اىّ قبيلة أنت- فان قيل قد قال الله تعالى في موضع اخر واقبل بعضهم على بعض يّتساءلون- قلنا قال ابن عباس ان للقيامة أحوالا ومواطن ففى موطن يشتد عليهم الجوف فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون وفي موطن يفيقون افاقة فيتساءلون. فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ جمع موزون يعنى عقائده واعماله الموزونة والمراد به الصالحات منها يعنى كثرت وترجحت حسناته على سيئاته- او هو جمع ميزان والمراد به ترجحت كفة حسناته من الميزان وإيراد صيغة الجمع اما مبنى على ان يكون لكل انسان ميزان على حدة- واما على ان يعتبر تعدد الميزان بتعدد الوزن والموصول مع صلته مبتدا خبره فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) الفائزون بالنجات والدرجات والجملة معطوفة على محذوف فوضع الميزان فمن ثقلت إلخ- اجمع علماء اهل السنة على ان وضع ميزان ووزن الأعمال حق وأنكره المعتزلة والروافض والخوارج واكثر اهل الأهواء اخرج البيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب في حديث سوال جبرئيل عن الايمان قال يا محمّد ما الايمان قال ان تؤمن بالله وملائكته ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشرّه- قال فاذا فعلت هذا فانا مؤمن قال نعم قال صدقت- واخرج الحاكم

فى المستدرك وصححه على شرط مسلم عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوضع الميزان يوم القيامة فلو وضع فيه السموات والأرض لوسعت- الحديث واخرج ابن المبارك في الزهد والآجري في الشريعة عن سلمان موقوفا وابو الشيخ بن حبان في تفسيره عن ابن عباس قال الميزان له لسان وكفتان- واخرج ابن جرير في تفسيره وابن ابى الدنيا عن حذيفة قال صاحب الميزان يوم القيامة جبرئيل عليه السّلام وأحاديث الميزان قد تواترت بالمعنى- (فصل) اختلف العلماء في كيفية الوزن قال بعضهم يوزن العبد مع عمله فيكون للمؤمن ثقل بقدر حسناته ولا يكون للكافر وزن- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ثم قرا فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً- متفق عليه من حديث ابى هريرة فالمراد بمن خفت موازينه هم الكفار لا غير وقيل يوزن صحائف الحسنات وصحائف السيئات- روى الترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاء برجل من أمتي على رءوس الاشهاد يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيقول أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتى الحافظون فيقول لا يا رب فيقول بلى ان لك عندنا حسنة وانه لا ظلم عليك اليوم- فيخرج له بطاقة فيها اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمّدا عبده ورسوله- فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات- فيقول انك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء- واخرج احمد بسند حسن صحيح عن ابن عمر نحوه وقيل يجسد العمل ويوزن قال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والّذي نفسى بيده لوجئ بالسماوات والأرض وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ووضعت في كفة الميزان ووضعت شهادة ان لا اله الا الله في الكفة الاخرى لرجحت بهن- رواه الطبراني و

اخرج ابن عبد الرزاق في فصل العلم بسنده عن ابراهيم النخعي قال يجاء بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه يوم القيامة فيخف فيجاء بشيء أمثال الغمام فيوضع في كفة ميزانه يوم القيامة فيثقل فيقال ما تدرى ما هذا فيقول لا فيقال هذا فضل العلم الّذي كنت تعلّم الناس- واخرج الذهبي في فضل العلم عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوذن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء فيترجح مداد العلماء على دماء الشهداء- قلت وعندى انه يوضع العبد مع حسناته المتجسدة او مع صحائف الحسنات في كفة ومالهما واحد فان ثقل الصحائف بثقل الحسنات ويوضع سيئاته متجسدة او صحائفها الثقيلة بثقل السيئات في كفة اخرى فالكافر لا تزن جناح بعوضة وهو الّذي قال الله تعالى فيه وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ اى لا يكون لميزانه ثقل أصلا- واما المؤمن فلا يخلو ميزانه من ثقل ولو بشهادة ان لا اله الا الله وهو المكنى بقوله تعالى فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ غير ان لثقله مراتب فمنهم من اجتنبوا الكبائر وكفر الله عنهم سيئاتهم فموازينهم أثقل الموازين طاشت كفة سيئاتهم خاليا فارغا ومنهم من خلطوا عملا صالحا واخر سيّئا وهم الذين قال ابن عباس فيهم انه يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته اكثر من سيئاته بواحد دخل الجنة- ومن كانت سيئاته اكثر من حسناته دخل النار يعنى ليصهر ويخلص من الذنوب كما ان الحديد يخلص في النار من الخبث فيصلح لدخول الجنة قال ابن عباس وان الميزان يخف بمثقال حية ويرجح ومن استوت حسناته وسيئاته كان من اصحاب الأعراف يعنى حتى يحكم الله تعالى فيهم بدخول الجنة- روى قول ابن عباس هذا ابن ابى حاتم وليس المذكور في هذا الأثر حال الكفار إذ لا حسنة لهم أصلا والمذكور في القران انما هو حال صالحى المؤمنين وحال الكفار واما حال عصاة المؤمنين فمسكوت عنه في القران غالبا- ولعل ذلك لان المؤمنين في زمن نزول القران روهم الصحابة

[سورة المؤمنون (23) : آية 103]

رضى الله عنهم كانوا عدولا كلهم مجتنبين من الكبائر او التائبين والتائب من الذنب كمن لا ذنب له- فالمراد بقوله تعالى. وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ خفت اعماله الحسنة او كفة حسناته بحيث لا يكون لها ثقل أصلا- وذلك هو الكافر لا محالة- اخرج البزار والبيهقي عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يؤتى ابن آدم يوم القيامة فيوقف بين كفتى الميزان ويؤكل به ملك فان ثقلت موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان لا يشقى بعده ابدا وان خفت موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعده ابدا- والمراد بالخفة في هذا الحديث ايضا مالا يكون له ثقل أصلا- قلت لعل عصاة المؤمنين يوزن أعمالهم مرتين فان كان في حسناته بعض خفة يدخل في النار حتى يخلص ثم يوزن ثانيا بعد التطهير فيثقل موازينه وحينئذ ينادى الملك سعد فلان سعادة لا يشقى بعده ابدا وقد ذكرنا بعض تحقيقات المقام في سورة القارعة والدليل على ان المراد بهذه الاية هم الكفار خاصة دون عصاة المؤمنين قوله تعالى خبرا للموصول فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ غبنوها وضيعوا زمان استكمالها فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) بدل من الصلة او خبر ثان لاولئك او خبر مبتدا محذوف تقديره وهم في جهنّم خالدون. تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ اى تحرقها كذا في القاموس- واما المؤمن فلا يحرق وجوههم النار لما اخرج مسلم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل قوم النار من هذه الامة فتحرقهم الّادارة وجوههم ثم يخرجون منها- واخرج ابن مردوية والضياء عن ابى الدرداء قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ- قال تلفحهم لفحة فتسيل لحومهم على أعقابهم واخرج الطبراني في الأوسط وابو نعيم عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان جهنم لما سيق إليها أهلها تلفتهم يعنى فلفحتهم لفحة فما

[سورة المؤمنون (23) : آية 105]

أبقت لحما على عظم الا ألقته على أعقابهم وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) الجملة حال من الضمير المجرور المضاف اليه والكلوح تقلص الشفتين عن أسنان اخرج الترمذي وصححه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى وَهُمْ فِيها كالِحُونَ قال تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخى شفته السفلى حتى تضرب سرته- واخرج هناد عن ابى مسعود في قوله تعالى وَهُمْ فِيها كالِحُونَ قال مثل الرأس النضيج بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم. أَلَمْ تَكُنْ تقديره يقال لهم توبيخا وتذكيرا عما استحقوا العذاب لاجله الم تكن آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) . قالُوا في جواب ذلك رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا قرا الجمهور بكسر الشين وسكون القاف وقرا حمزة والكسائي شقاوتنا بفتح الشين والقاف والف بعدها وهما لغتان يعنى ملكتنا شقاوتنا حتى صارت أحوالنا مؤدية الى سوء العاقبة وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) عن الحق. رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها اى من النار فَإِنْ عُدْنا الى التكذيب فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) لانفسنا فحينئذ لا تخلصنا من العذاب بعد ذلك-. قالَ الله سبحانه في جوابهم اخْسَؤُا فِيها اى اسكتوا سكوت هو ان فانها ليست مقام السؤال وابعدوا- فى القاموس خسا الكلب بالنصب كمنع اى طرده خساء وخسوءا وخسا الكلب بالرفع اى بعد كانخسا فهو لازم ومتعد وَلا تُكَلِّمُونِ (108) قرا يعقوب بالياء وصلا ووقفا والباقون بلا ياء- يعنى لا تكلمونى في رفع العذاب فانى لا ارفعه منكم فحينئذ يئسوا عن الفرج- او لا تكلمونى مطلقا- قال الحسن هذا اخر كلام يتكلم به اهل النار ثم لا يتكلمون بعدها الّا الشهيق والزفير ويكون لهم عواء كعواء الكلب لا يفهمون ولا يفهمون- وقال القرطبي- إذا قيل لهم اخسئوا فيها ولا تكلّمون انقطع رجاؤهم واقبل بعضهم ينبح في وجه بعض وأطبقت عليهم اخرج هناد والطبراني وابن ابى حاتم والحاكم وصححه والبيهقي وعبد الله بن احمد في

[سورة المؤمنون (23) : آية 109]

روائد الزهد عن عبد الله بن عمرو قال ان اهل النار ينادون مالكا يا مالك ليقض علينا ربّك فيذرهم أربعين عاما لا يجيبهم ثم يجيبهم انّكم مكثون- ثم ينادون ربهم ربّنا أخرجنا منها فان عدنا فانّا ظلمون فيذرهم مثل الدنيا مرتين لا يجيبهم ثم يجيبهم اخسئوا فيها ولا تكلّمون- قال فيئس القوم فلا يتكلمون بعدها بكلمة ومه هو الا الزفير والشهيق- واخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن محمد بن كعب انه قال لاهل النار خمس دعوات يجيبهم الله في اربع فاذا كانت الخامسة لا يتكلمون بعدها ابدا يقولون ربّنا امتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل فيجيبهم ذلكم بانّه إذا دعى الله وحده كفرتم وان يّشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلىّ الكبير- ثم يقولون ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا انّا موقنون فيجيبهم فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا انّا نسينكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون- ثم يقولون ربّنا اخّرنا الى أجل قريب نخب دعوتك ونتّبع الرّسل فيجيبهم او لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ثم يقولون ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الّذى كنّا نعمل فيجيبهم الله تعالى اولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النّذير فذوقوا فما للظّلمين من نّصير- ثم يقولون ربّنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قوما ضالّين ربّنا أخرجنا منها فان عدنا فانّا ظلمون فيجيبهم الله تعالى اخسئوا فيها ولا تكلّمون عادت وجوههم قطعة لحم ليس فيها أفواه ولا مناخر يتردد النفس في أجوافهم- وانها ليسقط عليهم حيات من نار وعقارب من نار فلو ان حية منها نفحت بالمشرق احترق من بالمغرب ولو ان عقربا منها ضربت اهل الدنيا احترقوا من آخرهم- وانها لتسقط عليهم فتكون بين لحومهم وجلودهم- وانه ليسمع لها هناك جلبة كجلبة الوحش في الفيافي. إِنَّهُ اى الشأن كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يعنى المؤمنين.

[سورة المؤمنون (23) : آية 110]

يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ. فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا قرأ اهل المدينة وحمزة والكسائي بضم السين هاهنا وفي سورة صاد والباقون بكسرها واتفقوا على الضم في سورة الزخرف قال الكسائي والفرّاء السخر بكسر السين بمعنى الاستهزاء بالقول وبالضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل ولذلك اتفقوا في سورة الزخرف لانه بمعنى التسخير لا يحتمل غيره وقال الخليل هما لغتان مترادفان نحو بحر لجى بضم اللام وكسرها وكوكب درى بضم الدال وكسرها وفي القاموس نحو ذلك حيث قال سخروا منه وبه هزى كاستسخر والاسم السخرية والسخرى بالضم ويكسر وسخره كمنعه سخريا بالكسر والضم كلفه مالا يريد وقهره وكذا في النهاية وغير وعلى كل تقدير مصدر زيدت فيه ياء النسبة للمبالغة والمراد هاهنا الاستهزاء بقرينة قوله تعالى حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ فان الضحك يترتب على الاستهزاء دون التسخير وحتى ابتدائية كما في مرض فلان حتى لا يرجونه يعنى حتى انسأكم اشتغالكم بالاستهزاء بهم والضحك ذكرى أسند الانساء الى المؤمنين مجازا قال مقاتل نزلت الآية في عمار وصهيب وسلمان وغيرهم من فقراء الصحابة كان كفار قريش يستهزون بهم. إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اى المؤمنين الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا اى بسبب صبرهم على اذاكم واستهزاءكم إياهم أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ دونكم قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على الاستيناف والباقون بفتحها على انه ثانى مفعولى جزيتهم. قالَ قرأ البعض قل على انه امر من الله تعالى للملك او لبعض رؤساء اهل النار يوم البعث ان يسألوا جماعة اهل النار وقيل هو خطاب لكل واحد من اهل النار قل جواب هذا وقرأ الباقون بالألف يعنى قال الله تعالى للكفار يوم البعث كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ احياء وأمواتا في القبور عَدَدَ سِنِينَ تميز لكم. قالُوا يعنى الكفرة في الجواب استقصار المدة لبثهم فيها اما لان المعذب يستطيل ايام شدته ويستقصر

[سورة المؤمنون (23) : آية 114]

بامر قبل ذلك واما لكونها منقضية والمنقضى في حكم المعدول واما لكون مدة حيوة الدنيا وايام القبور في غاية الاقتصار بالنسبة الى مدة الحيوة الآخرة لعدم انتهائها واما لكونها ايام سرورهم وايام السرور قصار وهذا على تقدير كون السؤال مقتصرا على مدة حيوتهم في الدنيا دون مدة لبثهم في القبور لانها ليست ايام السرور لثبوت عذاب القبر فيها بالقطعيات والإجماع لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ من الملئكة الذين يحفظون اعمال بنى آدم ويحصونها عليهم فانهم احفظ لمدة لبثنا او من البشر الذين يتمكنون من عد أيامها ان أردت تحقيقها فانا لما نحن فيه من العذاب مشغولون عن تذكرها. قالَ قرأ حمزة والكسائي بغير الف على صيغة الأمر من الله تعالى والباقون بالألف على صيغة الحكاية يعنى قال الله تعالى إِنْ لَبِثْتُمْ يعنى ما لبثتم في الدنيا إِلَّا زمانا او لبثا قَلِيلًا بالنسبة الى ما تستقبلونه من مدة العذاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليمّ فلينظر بم يرجع رواه احمد ومسلم وابن ماجه عن المستورد لَوْ أَنَّكُمْ يعنى لو ثبت انكم كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ذلك وكلمة لو للتمنى والتوبيخ يعنى ليتكم تعلمون ان لبثكم في الدنيا قليل فلم تضيعوها في الملاهي والشهوات وما نسيتم لقاء يومكم هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كانك غريب او عابر سبيل رواه البخاري عن ابن عمرو زاد احمد والترمذي وابن ماجة وعد نفسك من اهل القبور. أَفَحَسِبْتُمْ الفاء للعطف على محذوف والهمزة للانكار والتوبيخ تقديره أتوهمتم فحسبتم اى ظننتم أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ما كافة لعمل ان فدخلت على الجملة الفعلية وهى مع جملتها قائم مقام المفعولين لحسبتم وعبثا اما مفعول مطلق من قبيل ضربته سوطا او مفعول له او حال

[سورة المؤمنون (23) : آية 116]

من الفاعل او المفعول او منصوب بنزع الخافض يعنى لم نخلقكم خلقا عبثا لا لحكمة او للتلهى بكم او عابثين اى غير مريدين من خلقكم حكمة او حال كونكم مبعوثين غير مراد منكم حكمة التكليف بالطاعة والمعرفة والجزاء او لتلعبوا وتعبثوا بل خلقناكم لتعرفوا وتعبدوا ربكم وتطيعوه وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ قرأ حمزة والكسائي بفتح التاء وكسر الجيم على انه مبنى للفاعل من المجرد والباقون بضم التاء وفتح الجيم على انه مبنى للمفعول من الإرجاع وان مع جملتها عطف على انما خلقناكم والمعنى احسبتم عدم رجوعكم إلينا للجزاء او هو معطوف على عبثا يعنى ما خلقناكم غير راجعين إلينا. فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الّذي يحق له الملك فان من عداه مملوك بالذات مالك بالعرص من وجه وفي حال دون حال والفاء للتعليل والجملة في مقام التعليل للانكار تعالى الله وتنزه من ان يكون فعله عبثا لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وصفه بالكرم لاختصاصه بتجليات كريمة من أكرم الأكرمين. وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ يعنى يعبد غير الله لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ صفة اخرى لاله لازمة له فان الباطل لا برهان به جئ بها للتاكيد وبناء الحكم عليه تنبيها على ان التدين بما لا دليل عليه ممنوع فضلا عما دل الدليل على بطلانه او اعتراض بين الشرط والجزاء لذلك فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ جزاء لمن الشرطية يعنى انه تعالى مجازيه مقدار ما يستحقه إِنَّهُ اى الشان لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ بيان لجزائهم يعنى ليس لهم نجاة من النار وفوز الى الجنة بدأ الله السورة بتقرير الفلاح للمؤمنين وختمها

[سورة المؤمنون (23) : آية 118]

بنفي الفلاح عن الكافرين ثم امر رسوله بان يستغفروا يسترحمه حتى يتاسى به المؤمنون من أمته فيفوزوا على مدارج الفلاح فقال. وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ جملة أنت خير الراحمين حال من فاعل ارحم وحذف المفعول من اغفروا رحم لتعميم الدعاء بالمغفرة متكفل لسلب جميع المضرات وبالرحمة لجلب جميع المنافع روى البغوي في التفسير عن حنش ان رجلا مصابا مرّبه على ابن مسعود فرقى في اذنيه أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم إلينا لا ترجعون حتى ختم السورة فبرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بماذا رقيت في اذنه فاخبره فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم والّذي نفسى بيده لو ان رجلا موقنا قرأها على جبل لزال تمت تفسير سورة المؤمنين خامس عشر شهر صفر سنة اربع والف ومائتين ويتلوه سورة النور إنشاء الله تعالى وصلّى الله على محمّد واله وصحبه وسلم امير.

فهرست تفسير سورة النور من التفسير المظهرى

فهرست تفسير سورة النّور من التّفسير المظهرى مضمون صفحه مسئلة بضرب في حدّ بسوط لا ثمرة له متوسطا 417 مسائل حد الزنا من الجلد والتعزيب والرجم 417 شرائط الإحصان من الإسلام وغيرها 426 جاز للامام تغريب الزاني وكل راع إذا راى مصلحة ومن التغريب الحبس ومنه أخذ مشائخ الطريقة تغريب المرء كسر قوة النفس 421 الزنا ما هو 429 ما فيه شبهة الملك وأقسامها 431 ما يثبت به الزنا من الشهادة او الإقرار 434 يسقط الحد بالرجوع بعد الإقرار 437 مضمون صفحه المريض والمرأة كيف يحدان 437 هل للمولى اقامة الحد على عبده 439 مسائل حد القذف 445 مسائل اللعان 457 قصة الافك 473 مسئلة حسن الظن بالمؤمنين 476 حديث ما يوجب دخول الجنة وأبواب الخير وراس الأمر وعموده وذروة ستامه وملاك ذلك كف اللسان 478 حديث ليس الواصل المكافي 481 ما ورد في شهادة الجوارح يوم القيمة 483 حديث ان الله ابى ان أتزوج وأزوج الا اهل الجنة 485 ما ورد في فضائل عائشة 485 في الاستيذان عند دخول

مضمون صفحه بيت غيره والسّلام 487 إذا دعى أحد فجاء مع الرسول فلا حاجة الى الاستيذان 488 إذا امر بالرجوع بعد الاستيذان فليرجع وكذا إذا لم يوذن بعد الاستيذان ثلثا 489 ما ورد في غض البصر وستر العورة 491 هل يجوز للمرأة ان ينظر من الرجل الأجنبي 492 ما يجوز للرجل النظر من الرجل 492 لا يجوز للمرأة النظر من المرأة ولا للرجل من الرجل تحت السترة الى الركبة 493 عورة الحرة وما يجوز الا جنبى النظر منها عند الامن من الشهوة 494 عورة الامة ... 496 يكره النظر الى فرج زوجته 497 ما يجوز للمرأة ابدائها لمحارمه وما يجوز لهم النظر منها وكذا المس عند الامن من الشهوة 497 هل يجوز للمؤمنات الا نكشاف عند الكافرات 498 العبد هل هو محرم لسيدته- هل يجوز للمرأة الانكشاف عند من لا شهوة له من الرجال كالشيخ الهرم والعنين 500 مسئله الخصى والمجبوب كالفحل 500 ما يجوز للمرأة كشفها عند الأطفال مضمون صفحه ونظرهم إليها 501 نغمة المرأة عورة 502 إذا جهرت المرأة بالقراءة فسدت صلوتها 502 حديث كل نبى آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون- ما ورد في الاستغفار والتوبة 502 مسئلة النكاح فرض او واجب في بعض الأحوال وحرام ومكروه في بعض الأحوال ومستحب وسنة في اكثر الأحوال 503 وحينئذ إن كان مخلّا لكثرة الذكر والانقطاع الى الله فقيل النكاح أفضل وعندى نزله أفضل وان لم يكن مخلّا فالنكاح أفضل 506 النكاح يكون عبادة بحسن النية وكذلك الاكل والشرب وسائر المعاملات المباحة وقد يكون فريضة وواجبة 508 المملوك إذ طلب من المولى تزويجه يزوجه 510 حديث تزوجوا فانهن يأتين بالمال- حديث التمسوا الرزق بالنكاح 511 حديث من لم يستطع يعنى النكاح فعليه بالصوم 511 مسائل كتابة الرقيق 512 تفسير اية النور ... 521 ما ورد في الزيت 524 فصل في المعجزات الّتي ظهرت قبل البعثة 526 تاويل اية النور باعتبار التصوف 530

مضمون صفحه باعتبار الولادة الاولى 536 وباعتبار الولادة الثانية المعبرة بالبقاء بعد الفناء 537 حديث الصلاة معراج المؤمن ونحو ذلك 539 الهداية امر وهبى وكذا العلم بالنتيجة بعد العلم بالمقدمتين 544 حديث يوذينى ابن آدم يسب الدهر 546 الاستدلال على خلافة الخلفاء الراشدين 552 حديث الخلافة ثلثون سنة 552 حديث لئن طالت بك الحيوة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف أحدا ولئن طالت بك الحيوة لتفتحن كنوز كسرى بن هرمز 553 قوله تعالى من كفر بعد ذلك اشارة الى قتلة عثمان والى يزيد بن معاوية 553 مسئلة استيذان الأطفال العاقلين والعبيد على الرجال والإماء على النساء في الأوقات الثلث قبل صلوة الفجر وعند القيلولة وبعد العشاء 556 مسئلة استيذان الرجل إذا دخل على محارمه 558 مسئلة جواز انكشاف العجائز والاولى تركه 559 مسئلة جاز للرجل ان يدخل بيت قريبه او صديقه ويأكل مضمون صفحه طعامه بغير الاستيذان إذا علم رضاه صريحا او دلالة والا فلا وكذا من بيت الأجنبي 561 مسئلة لا بأس في المؤاكلة مع الأعمى والأعرج إذا لم تكن منها مصابة 561 لا قطع على من سرق من بيت ذى رحم محرم منه ماله او مال غيره بخلاف من سرق من بيت صديقه ويقطع إذا سرق مال ذى رحم محرم منه من بيت غيره 562 ما ورد في السّلام إذا دخل بيته او بيت غيره 563 ما ورد في اطعام الطعام وافشاء السّلام وعيادة المريض وشهود الجنازة وغير ذلك 564 مسئلة كل امر جامع اجتمع عليه المسلمون مع الامام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه الا باذنه الا إذا نابت نائبة لا يمكن معه المقام من مرض ونحوه 567 مسئلة إذا استأذن أحد من الامام اذن له ان رأى مصلحة 567 مسئلة مطلق الأمر للوجوب 569 تمّ الفهرس تفسير سورة النور

سورة النور

سورة النّور مدنيّة وهى اربع وستون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ اى هذه سورة او فيما أوحينا إليك سورة أَنْزَلْناها صفة لسورة وَفَرَضْناها يعنى أوحينا ما فيها من الاحكام وألزمناكم العمل بها وقيل معناه قدّرنا ما فيها من الحدود قرأ الجمهور بالتخفيف وابن كثير وابو عمر بالتشديد من التفعيل للتكثير لكثرة فرائضها او كثرة المفروض عليهم يعنى ألزمناكم أجمعين ومن بعدكم الى قيام الساعة وقيل معناه فصّلنا وبيّنا وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على المراد لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ اى لكى تتعظوا او تتقوا محارم الله. الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي مبتدأ خبره محذوف عند سيبويه تقديره سنذكر حكمهما وقوله فَاجْلِدُوا بيان لحكمه الموعود تقديره إذا ثبت زناهما فاجلدوا وقال المبرد خبره جملة فاجلدوا أورد الفاء في الخبر تتضمن المبتدأ معنى الشرط فان اللام بمعنى الّذي تقديره الّذي زنى والّتي زنت فيقال في شانهما اجلدوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما منصوب على المفعولية يقال جلده إذا ضرب جلده كما يقال راسه وبطنه إذ ضرب راسه وبطنه ذكر بلفظ الجلد كيلا يبرج ويضرب بحيث يبلغ اللحم ومن هاهنا قال الفقهاء

مسئلة- يضربه بسوط لا ثمرة له ضربا متوسطا روى ابن ابى شيبة ثنا عيسى بن يونس عن حنظلة السدوسي عن انس بن مالك قال كان يؤمر بالسوط فيقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين ثم يضرب به- قلنا له في زمن من كان هذا قال في زمن عمر بن الخطاب- وروى عبد الرزاق عن يحيى بن ابى كثير ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى أصبت حدّا فاقمه علىّ فدعا عليه السّلام بسوط فأتى بسوط شديد له ثمرة فقال سوط دون هذا فاتى بسوط مكسورلين فقال سوط فوق هذا فاتى بسوط بين سوطين- فقال هذا فامر به فجلد- وروى ابن ابى شيبة عن زيد بن اسلم نحوه وذكره مالك في المؤطا مِائَةَ جَلْدَةٍ منصوب على المصدرية قدّم الزانية في هذه الاية على الزاني لان الزنى في الأغلب يكون بتعريضها للرجل وعرض نفسها عليه بخلاف السرقة فانها تقع غالبا من الرجال ولذلك قدم السارق على السارقة في قوله تعالى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما- (مسئلة) اجمع علماء الامة على ان الزانية والزاني إذا كانا حرين عاقلين بالغين غير محصنين فحدهما ان يجلد كل واحد منهما مائة جلدة بحكم هذه الاية ولا يزاد على ذلك عند ابى حنيفة رحمه الله- وقال الشافعي واحمد يجب عليهما ايضا تغريب عام الى مسافة قصر فما فوقها ولو كان الطريق أمنا ففى تغريب المرأة بلا محرم قولان وفي المنهاج انه لا تغرب المرأة وحدها في الأصح بل مع زوج او محرم ولو بأجر وأجرته عليها في قول وفي بيت المال في قول فان امتنع بأجرة ففى قول يجبره الامام- وفي المنهاج انه لا يجبر في الأصح وقال مالك يجب تغريب الزاني دون الزانية- احتج الشافعي بحديث عبادة بن الصامت ان النبي صلى الله عليه وسلم قال خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم- وقد مر الحديث في سورة النساء في تفسير قوله تعالى

فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا- وحديث زيد بن خالد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتعزيب عام- رواه البخاري وفي الصحيحين حديث زيد بن خالد وابى هريرة ان رجلين اختصما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما اقض بيننا بكتاب الله وائذن لى ان أتكلم قال تكلم قال ان ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامراته فاخبرونى ان على ابني الرجم فافتديت بمائة شاة وبجارية لى ثم انى سالت اهل العلم فاخبرونى ان على ابني جلد مائة وتغريب عام وانما الرجم على امرأته- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما والّذي نفسى بيده لاقضين بينكما بكتاب الله اما غنمك وجاريتك وفرد عليك واما ابنك فعليه جلد مائة وتغريب عام واما أنت يا أنيس فاعد على امراة هذا فان اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها- قال مالك البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام غير شامل للنساء فلا يثبت التعزيب في النساء وهذا ليس بشيء فان سياق الحديث في النساء حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا الحديث- وعدم شمول البكر المرأة ممنوع كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البكر تستأذن- وكلمة من زنى في حديث زيد عام في الذكر والأنثى لكن الوجه الصحيح لقول مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر المرأة الا مع ذى محرم- رواه الشيخان في الصحيحين واحمد وابو داود عن ابن عمر وفي الصحيحين وعند احمد عن ابن عباس نحوه وروى ابو داود والحاكم في المستدرك عن ابى هريرة نحوه ولاجل ذلك خص مالك حكم التغريب بالرجال دون النساء- وجعل الشافعي المحرم شرطا للتغريب- وقال الطحاوي ان تغريب النساء لما بطل لاجل نهيهن عن المسافرة بغير محرم انتفى ذلك عن الرجال ايضا- واستدل الطحاوي على عدم التعزيب

فى الحد بحديث ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا زنت امة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب «1» عليها ثم إذا زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إذا زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر متفق عليه قال ان النبي صلى الله عليه وسلم امر ببيع الامة إذا زنت ومحال ان يأمر ببيع من لا يقدر مبتاعه على قبضه من بائعه- فثبت بطلان تغريب الامة إذا زنت وإذا بطل تغريب الإماء بطل تغريب الجرائر لقوله تعالى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ وإذا بطل تغريب الحرائر بطل تغريب الأحرار- وهذا القول غير سديد لان نفى التعزيب في النساء مطلقا او في الإماء لاجل التعارض في النصوص لا يقتضى السقوط في حق الرجال مع عدم التعارض هناك- وقال بعض الحنفية لا يجوز العمل بحديث التغريب لانه زيادة على الكتاب وهى في حكم النسخ فلا يجوز بخبر الآحاد- وهذا القول مردود لان الزيادة الّتي هى في حكم النسخ زيادة ركن او شرط او وصف في الماموريه حتى يجعل المجزى غير مجز كزيادة تعين الفاتحة في اركان الصلاة وصفة الايمان في رقبة الكفارة والتتابع في الصيام والطهارة في الطواف وهى ممنوعة- واما مطلق الزيادة فغير ممنوعة والا لبطلت اكثر السنن الا ترى ان عدة الوفاة ثبتت بنص القرآن والإحداد فيها ثبت بالسنة وليس الإحداد شرطا في العدة حتى لو تربصت اربعة أشهر وعشر اولم تحد عصت بترك الواجب وانقضت عدتها وجاز لها التزوج- ومن هذا القبيل القول بان تعين الفاتحة وضم السورة وغيرهما من واجبات الصلاة على رأى ابى حنيفة حيث قال بوجوبها ولم يقل بركنيتها- وزيادة التغريب في الحد لا تجعل جلد مائة غير مجز فلا محذور فيه- فقال اصحاب الشافعي ان الاية ساكتة عن التغريب وليس في الاية ما يدفعه لينسخ أحدهما الاخر نسخا مقبولا او مردودا-

_ (1) اى لا يوبخها؟؟؟ ولا يقرعها بالزنى بعد الضرب- وقيل أراد لا يقنع في أمرها بالتثريب بل يضرب فان زنى الإماء لم يعده العرب مكروها وعيبا فامرهم بحد الإماء كما يحد الحرائر منه رحمه الله-

فقال المحققون من الحنفية ان قوله تعالى فَاجْلِدُوا بيان للحكم الموعود في قوله الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي على قول سيبويه فكان المذكور تمام حكمه والا كان تجهيلا إذ يفهم منه انه تمام الحكم وليس تمامه في الواقع فكان مع الشروع في البيان ابعد من ترك البيان لانه يوقع في الجهل المركب وذك في البسيط- وجزاء للشرط على قول المبرد فيفيدان الواقع هذا فقط فلو ثبت معه شيء اخر كان مثبتة معارضا لا مثبتا لما سكت عنه وهو الزيادة الممنوعة- وأورد عليه بان الحديث مشهور تلقته الامة بالقبول فيجوز به نسخ الكتاب وأجيب بانه ان كان المراد بالتلقى بالقبول إجماعهم على العمل به فممنوع لظهور الخلاف- وان كان المراد إجماعهم على صحته بمعنى صحة سنده فكثير من اخبار الآحاد كذلك ولا تخرج بذلك عن كونها احادا- فان قيل الاية قطعى السند لكنه ظنى الدلالة لكونه عاما خص منه البعض اجماعا فان الحكم بالجلد مائة مختص بالاحرار والحرائر دون العبيد والإماء- وبغير المحصن عند اكثر الامة- وايضا دلالتها على كون الحكم الجلد فقط لا غير ظنية مستنبطة بالرأى حتى لم يدر له كثير من الفقهاء واهل العربية- والحديث ظنى السند قطعى الدلالة فتساويا فجاز ان يكون حديث الآحاد ناسخا لحكم الكتاب فلان يجوز به الزيادة على الكتاب اولى- قلنا على تقدير تسليم المساواة سياق حديث عبادة يدل انه أول حكم ورد في الزانيات والزواني حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم فالاية عند التعارض ناسخ ليس بمنسوخ- وقد قال الشافعي الجلد المذكور في الحديث في حق الثيب منسوخ فلا مانع من كون التغريب في حق البكر منسوخا بهذه الاية- قال ابن همام ليس في الباب من الأحاديث ما يدل على ان الواجب من التغريب واجب بطريق الحد- فان أقصى ما فيه دلالة قوله

البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام وهو عطف واجب على واجب وهو لا يقتضى ذلك بل ما في البخاري من قول ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي واقامة الحد ظاهر في ان النفي ليس من الحد لعطفه عليه وكونه مستعملا في جزء مسماه وعطفه على جزء اخر بعيد لا يوجبه دليل وما ذكر من الألفاظ لا تفيد فجاز كون التغريب لمصلحة- (فائدة) وقد يرجح اصحاب الشافعي حديث التغريب بالمعقول حيث قالوا ان في التغريب حسم باب الزنى لقلة المعارف- وعارضه الحنفية بان فيه فتح باب الفتنة لانفرادها عن العشيرة وعمن تستحيى منهم ان كان بها شهوة قوية وقد تفعله لحامل اخر وهو حاجتها الى معيشتها- ويؤيده ما روى عبد الرزاق ومحمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا ابو حنيفة عن حماد عن ابراهيم النخعي قال قال عبد الله بن مسعود في البكر يزنى بالبكر يجلد ان مائة وينفيان سنة قال وقال علىّ بن ابى طالب حسبهما من الفتنة ان ينفيا- وروى محمد عن ابى حنيفة عن حمّاد عن ابراهيم قال كفى بالنفي فتنة- وروى عبد الرزاق عن الزهري عن ابن المسيب قال غرّب عمر ربيعة بن امية بن خلف في الشراب الى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر لا اغرّب بعده مسلما- (مسئلة) وإذا راى الامام مصلحة في التغريب مع الجلد جاز له النفي عند ابى حنيفة رحمه الله ايضا وهو محل التغريب المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان روى النسائي والترمذي والحاكم وصححه على شرط الشيخين والدار قطنى من حديث ابن عمران النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرّب وان أبا بكر ضرب وغرّب وان عمر ضرب وغرّب- وصححه ابن القطان ورجح الدار قطنى وقفه وروى ابن ابى شيبة بإسناد فيه مجهول ان عثمان جلد امراة في زنى ثم أرسل بها الى خيبر قنفاها- وليس التغريب مقتصرا على الزنى بل يجوز للامام تغريب كل واء إذا راى

مصلحة- روى الطحاوي بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا قتل عبده عمدا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة ونفاه سنة ومحا أراه سهمه من المسلمين وامره ان يعتق رقبة- وروى سعيد بن منصور ان عمر بن الخطاب اتى برجل شرب الخمر في رمضان فضرب مائتى سوط ثم سيره الى الشام- وعلق البخاري طرفا عنه ورواه البغوي في الجعديات وزاد وكان إذا غضب على رجل يسيره الى الشام وروى البيهقي عن عمر انه كان ينفى الى البصرة- وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع ان عمر نفى الى فدك- ومن لههنا أخذ مشائخ السلوك رضى الله عنهم وعنا الهم يغرّبون المريد إذا بدا عنه قوة نفس ولجاج لتنكسر نفسه وتلين قلت إذا راى القاضي مسلما يقع في المعاصي بغلبة الشهوة مع الندم والاستحياء يأمره بالغربة والسفر واما من لا يستحيى ولا يندم فنفيه عن الأرض حبسه حتى يتوب والله اعلم. (مسئلة) وإذا كان الزاني والزانية محصنين يرجمان بإجماع الصحابة ومن بعدهم من علماء النصيحة- وأنكره الخوارج لانكارهم اجماع الصحابة وحجية خبر الآحاد وادعائهم ان الرجم لم يثبت من القرآن ولا من النبي صلى الله عليه وسلم الا بخبر الآحاد- والحق ان الرجم ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم بأخبار متواترة بالمعنى كفضل على وشجاعته وجود حاتم وان كانت من الآحاد في تفاصيله صورة وخصوصياته- عن عمر بن الخطاب قال ان الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب وكان مما انزل الله عليه اية الرجم رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده- والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال او النساء إذا قامت البينة او كانت الحبل او الاعتراف- متفق عليه وروى البيهقي انه خطب وقال ان الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب فكان مما انزل فيه اية الرجم فقرأناها وو عيناها الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله

عزيز حكيم- ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده الحديث وفي آخره ولولا أخشى ان يقول الناس زاد في كتاب الله لا ثبته في حاشية المصحف- وروى ابو داؤد خطبة عمرو فيه انى خشيت ان يطول بالناس زمان فيقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله- وفي رواية للترمذى بلفظ لولا انى اكره ان أزيد في كتاب الله لكتبته في المصحف فانى خشيت ان يجئ قوم فلا يجدونه في كتاب الله فيكفرون به- وكان هذا يعنى خطبة عمر بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد- وفي الباب حديث ابى امامة بن سهل عن خالته العجماء بلفظ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما بما قضيا من اللذة- رواه الحاكم والطبراني وفي صحيح ابن حبان من حديث كان سورة الأحزاب توازى سورة البقرة وكان فيها اية الرجم الشيخ والشيخة الحديث- وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله الا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق لدينه التارك للجماعة- متفق عليه وعن ابى امامة بن سهل بن حنيف ان عثمان بن عفان اشرف يوم الدار فقال أنشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث زنى بعد إحصان او ارتداد «1» بعد اسلام او قتل نفس بغير حق فقتل به فو الله ما زنيت في جاهلية ولا في اسلام ولا ارتددت منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قتلت النفس الّتي حرم الله فبم تقتلونى- رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي ورواه الشافعي في مسنده ورواه البزار والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين والبيهقي وابو داود وأخرجه البخاري عن فعله صلى الله عليه وسلم من قول ابى قلابة حيث قال والله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا

_ (1) وفي الأصل كفر إلخ- الفقير الدهلوي-

قط الا في ثلاث خصال رجل قتل فقتل او رجل زنى بعد إحصان او رجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام وقد صح انه صلى الله عليه وسلم رجم ما عز بن مالك حين اعترف بالزنى- رواه مسلم والبخاري من حديث ابن عباس ورواه الترمذي وابن ماجة من حديث ابى هريرة وفي الصحيحين من حديث ابى هريرة وابن عباس وجابر ومن لم يسم ورواه مسلم من بريدة قال جاء ما عز بن مالك الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله طهرنى الحديث- ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم امراة من غامد من الأزد قالت يا رسول الله واعترفت انها حبلى من الزنى رجمها بعد وضع الحمل وفي رواية رجمها حين أكل ولدها الطعام رواه مسلم من حديث بريدة ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم امراة من جهينته حين اعترفت بالزنى- رواه مسلم من حديث عمران بن حصين. قال علماء الفقه والحديث وقد جرى عمل الخلفاء الراشدين بالرجم مبلغ حد التواتر والله اعلم- (مسئلة) وان كان أحدهما محصنا والآخر غير محصن يرحم المحصن ويجلد الآخر كما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل كان عسيفا لاخر فزنى بامراته وقد مر الحديث- (مسئلة) هل يجلد المحصن قبل الرجم أم لا فقال احمد يجلد اولا بحكم هذه الاية ثم يرجم فالاية عنده غير مخصوص بغير المحصن ولا منسوخ- وهو يقول ليس الجلد المذكور في الاية تمام الحد بل بعضه فيضم بالسنة مع الجلد في غير المحصن التغريب سنة وفي المحصن الرجم وكما لا يزاحم الاية حديث التغريب كذلك لا يزاحمه حديث الرجم وان كان متواترا فوجب العمل بهما ويؤيده ما ذكرنا من حديث عبادة بن الصامت قوله صلى الله عليه وسلم البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم- وروى عن سلمة بن المحبق نحوه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى

خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم- ويؤيده اثر علىّ بن ابى طالب رواه احمد والحاكم والنسائي عن الشعبي ان عليّا جلد سراحة الهمدانية بالكوفة ثم رجمها ضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال اجلدها بكتاب الله وارجمها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم- وأصله في صحيح البخاري ولم يسم المرأة- وقال ابو حنيفة ومالك والشافعي هذه الاية مخصوص بغير المحصن او منسوخ في حق المحصن وكذا حديث عبادة بن الصامت وسلمة بن المحبق والدليل على كونه منسوخا ان النبي صلى الله عليه وسلم رجم ما غزا والمرأة الغامدية والجهينية ونقل تلك القصص بوجوه وطرق كثيرة ولم يرو في شيء من طرقها انه جلد ثم رجم- وقد مرّ في حديث زيد وخالد في قصة رجلين اختصما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن أحدهما عسيفا على الاخر فزنى بامراته قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه بالجلد والتغريب وقال يا أنيس اغد الى امراة هذا فان اعترفت فارجمها ولم يقل اجلدها ثم ارجمها والناسخ اما ان يكون وحيا غير متلو او وحيا منسوخ التلاوة اعنى الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما وهذه الاية المنسوخ تلاوتها لا يتصور كونها ناسخا الا على ما قرره المحققون من الحنفية في هذه الاية ان المذكور كل الواجب فقوله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا يدل على كون الجلد كل الواجب- والشّيخ والشّيخة إذا زنيا الاية تدل على ان الرجم كل الواجب فتعارضا- فكان أحدهما ناسخا للاخر- ولو لم يفهم من الآيتين ان المذكور كل الواجب فلا تعارض ولا نسخ بل يجب حينئذ الجمع بين الرجم والجلد كما قال احمد والله اعلم- واما اثر علىّ فيعارضه اثر عمر فهو امر اجتهادي كقول احمد روى الطحاوي بسنده عن ابى واقد الليثي ثم الأشجعي وكان من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انه قال بينما نحن عند عمر بالجاببة أتاه رجل فقال يا امير المؤمنين

ان امراتى زنت فهى هذه تعترف بذلك فارسلنى عمر في رهط إليها نسئلها فاخبرتها بالذي قال زوجها فقالت صدق فبلّغنا ذلك عمر فامر برجمها فهذا عمر (بحضرة اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) لم يجلدها قبل رجمها- قلت ولعل عليّا رضى الله عنه جلد سراحة الهمدانية قبل ثبوت احصانها ثم رجمها بعد ثبوت احصانها- ومعنى قوله اجلدها بكتاب الله وارجمها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الجلد في حق غير المحصن ثابت بالقرآن والرجم في حق المحصن ثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمتى ثبت احصانها رجمتها- وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك روى الطحاوي بسنده عن جابر ان رجلا زنى فامر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد ثم اخبر انه كان قد أحصن فامر به فرجم- (فائدة) اعلم ان الإحصان استعمل في القرآن لمعان منها الحرية ومنها التزويج قال الله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أراد به المزوجات وقال فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ أراد بقوله أُحْصِنَّ إذا زوجن وبالمحصنات الحرائر- ومنها العفة كما في قوله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ- والمراد بالاحصان الّذي هو شرط للرجم في الزاني والزانية الدخول بنكاح صحيح فانه ثمرة التزويج يدل على ذلك تعبير النبي صلى الله عليه وسلم المحصن بالثيب وغير المحصن بالبكر وذكر العلماء من شرائط إحصان الرجم الحرية والعقل والبلوغ وان يكون قد تزوج تزويحا صحيحا ودخل بالزوجة وهذه الشروط الخمسة مجمع عليها للرجم- لكن العقل والبلوغ شرطان لاهلية العقوبة بل لاهلية الخطاب مطلقا فلا وجه لذكرهما في إحصان الرجم- والحرية شرط لتكامل الحد مطلقا لا للرجم خاصة حتى لا يجلد العبد مائة- بقي الدخول بنكاح صحيح معتبرا-

وزاد ابو حنيفة ومالك ومحمد في شرائط إحصان الرجم الإسلام خلافا للشافعى وابى يوسف واحمد احتجت الحنفية على اشتراط الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم من أشرك بالله فليس بمحصن- رواه إسحاق بن راهويه في مسنده ثنا عبد العزيز بن محمد ثنا عبد عن نافع عن ابن عمر قال إسحاق رفعه ابن عمر مرة فقال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفه مرة- قال ابن الجوزي لم برفعه غير إسحاق ويقال انه رجع عنه والصواب انه موقوف- قال ابن همام لا شك ان مثله بعد صحة الطريق محكوم برفعه فان الراوي يفتى على حسب مافع قلت إذا رجع إسحاق عن الرفع واعترف بخطائه ولم يرفعه غيره فكيف يحكم برفعه- ولو سلمنا كونه مرفوعا فالحديث لا يدل على إحصان الرجم خاصة وقد ذكرنا ان الإحصان استعمل في القرآن لمعان منها العفة فلعل معنى الحديث من أشرك فليس بعفيف فلا يحد قاذفه- فلا يثبت بهذا الحديث اشتراط الإسلام للرجم مع عموم لفظ الثيب بالثيب وشموله للمؤمن والكافر- وقد روى الشيخان في الصحيحين عن ابن عمران اليهود جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ان رجلا منهم وامراة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التورية في شأن الرجم قالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم ان فيها الرحم- فاتوا بالتورية فنشروها فوضع أحدهم يده على اية الرجم فقرا ما قبلها وما بعدها فقال عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع فاذا فيها اية الرجم فقالوا صدق يا محمّد فيها اية الرجم فامر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما- فهذا الحديث حجة للشافعى واحمد وأجاب عنه صاحب الهداية بانه كان ذلك بحكم التورية ثم نسخ قلت شرائع من قبلنا واجب العمل على اصل ابى حنيفة ما لم يظهر نسخه في شريعتنا لا سيّما إذا عمل به النبي صلى الله عليه وسلم فان عمله صلى الله عليه وسلم دليل صريح في كون ذلك الحكم باق في شريعتنا لانه محال

ان يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بحكم منسوخ في شريعتنا على خلاف ما انزل الله عليه وليس شيء من الآيات والأحاديث دالّا على نسخه فان لفظ الزاني والزانية والشيخ والشيخة والثيب والبكر يعم المؤمن والكافر جميعا وحديث من أشرك فليس بمحصن لا يدل على اشتراط الإسلام في الرجم بل هو محمول على إحصان القذف- (مسئلة) وزاد ابو حنيفة رحمه الله في شرائط إحصان الرجم كون كلا الزوجين عند الدخول بنكاح صحيح حرين مسلمين عاقلين بالغين وكذا قال احمد سوى الإسلام حتى لو تزوج الحر المسلم العاقل البالغ امة او ضبية او مجنونة او كتابية ودخل بها لا يصير محصنا بهذا الدخول فلو زنى بعده لا يرجم وكذا لو تزوجت الحرة البالغة العاقلة عبدا او مجنونا او صبيّا ودخل بها لا تصير محصنة فلا ترجم لو زنت بعده- ولو تزوج مسلم ذمية فاسلمت بعد ما دخل بها ولم يدخل بها بعد إسلامها ثم زنت لا ترجم- وكذا لو اعتقت الامة الّتي تحت حر مسلم عاقل بالغ بعد ما دخل بها ولم يدخل بها بعد اعتاقها ثم زنت لا ترجم- احتجت الحنفية بما رواه الدار قطنى وابن عدىّ عن ابى بكر بن عبد الله بن ابى مريم عن على بن ابى طلحة عن كعب بن فالك انه أراد تزوج يهودية او نصرانية فسال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنهاه وقال انها لا تحصنك- قال الدار قطنى ابو بكر بن ابى مريم ضعيف جدّا وعلى بن ابى طلحة لم يدرك كعبا- وقال ابن همام ورواه بقية ابن الوليد عن عتبة بن تميم عن على بن ابى طلحة عن كعب وهو منقطع- قلت بقية بن الوليد ايضا ضعيف مدلس قال ابن همام الانقطاع عندنا داخل في الإرسال والمرسل- عندنا حجة بعد عدالة الرجال- قلت ولا شك ان هذا ليس في قوة حديث الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهودي واليهودية فلا يجوز العمل به- وهذا الحديث

فصل - مسئلة

لا يصلح حجة لاحمد لان الإسلام ليس بشرط للاحصان عنده- وقد روى البيهقي من طريق ابى وهب عن يونس عن ابن شهاب انه سمع عبد الملك يسئل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن الامة هل تحصن الحرّ قال نعم قيل عمن قال أدركنا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك وقال البيهقي بلغني عن محمد بن يحيى انه قال وحدثت عن الأوزاعي مثله وروى البيهقي من طريق عبد الرزاق عن عمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مثله- (مسئلة) «1» وإذا كان أحد الزانيين محصنا والاخر غير محصن رجم المحصن وجلد الاخر اجماعا لحديث زيد بن خالد وابى هريرة في قصة عسيف حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما ابنك فعليه جلد مائة وتغريب عام واما أنت يا أنيس فاغد على امراة هذا فان اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها- متفق عليه- (مسئلة) وان كان أحدهما محنونا والاخر عاقلا فقال مالك والشافعي واحمد يجب الحد على العاقل منهما وقال ابو حنيفة يجب الحد على العاقل دون العاقلة مع المجنون قال ابو حنيفة فعل الزنى انما يتحقق من الرجال وانما المرأة محل وانما سميت زانية مجازا فتعلق الحد في حقها بالتمكين من قبيح الزنى وهو فعل من هو مخاطب بالكف عنه- وقال الجمهور ان العذر من جانبها لا يسقط الحد من جانبه اجماعا فكذا العذر من جانبه ولا نسلم ان الزانية اطلق عليها بالمجاز ولو سلمنا فمعناه المجازى وهو التمكين من الزنى موجب للحد في حقها والقول بان فعل الصبى والمجنون ليس بزنى ممنوع بل هو زنى لغة وشرعا وعدم المأثم لاجل عدم التكليف والله اعلم- فصل- مسئلة الزنى في الشرع واللغة وطى الرجل المرأة

_ (1) قد مر هذه المسألة فيما سبق- ابو محمّد.

فى القبل من غير الملك واما الوطي في الدبر رجلا كان المفعول به او امراة فليس بزنى لغة ولا شرعا وقد ذكرنا اختلاف العلماء في حد اللواطة في سورة النساء في تفسير قوله تعالى وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فمن وطى زوجته الحائض او الصائمة او المحرمة او أمته قبل الاستبراء او الامة المشتركة بينه وبين غيره او الامة المشركة او المنكوحة لغيره او الامة المحرّمة برضاع لا يكون زنى ولا يوجب الحدّ لوجود الملك لكنه يأثم- وشبه الملك ملحق بالملك شرعا يسقط به الحد عند الائمة الاربعة وجمهور العلماء- خلافا للظاهرية لقوله صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات وهو في مسند ابى حنيفة عن مقسم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات- وروى الترمذي والحاكم والبيهقي من طريق الزهري عن عروة عن عائشة بلفظ ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فاذا كان له مخرج فخلوا سبيله فان الامام ان يخطئى في العفو خير من ان يخطئى في العقوبة- وفي اسناده يزيد بن زياد الدمشقي وهو ضعيف وقد قال فيه البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك ورواه وكيع عنه موقوفا وهو أصح قاله الترمذي قال وقد روى عن غير واحد من الصحابة انهم قالوا ذلك وقال البيهقي في السنن رواية وكيع اقرب للصواب. قال ورواه رشدين عن عقيل عن الزهري ورشدين ضعيف ايضا وروينا عن على مرفوعا ادرءوا الحدود بالشبهات ولا ينبغى ... للامام ان يعطل الحدود وفيه المختار بن نافع وهو منكر الحديث قاله البخاري وأصح ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن ابى وائل عن عبد الله بن مسعود قال ادرءوا الحدود بالشبهات ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم رواه ابن ابى شيبة وروى عن عقبة بن عامر ومعاذ ايضا موقوفا رواه ابن ابى شيبة وروى منقطعا وموقوفا على عمر ورواه ابن حزم في كتاب الإيصال من حديث عمر موقوفا عليه بإسناد صحيح وأسند ابن ابى شيبة من طريق ابراهيم النخعي عن عمر

لان أخطئ الحدود بالشبهات أحب الىّ من ان أقيمها بالشبهات- وقالت الظاهرية ان الحد بعد ثبوته لا يجوز ان يدرأ بشبهة إذ ليس في درء الحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء بل عن بعض الصحابة من طرق لا خير فيها واعلّوا حديث ابن مسعود الموقوف بالإرسال وما رواه عبد الرزاق عنه وهو غير رواية ابن ابى شيبة فانها معلولة بإسحاق بن ابى فروة- قال ابن همام الحديث تلقته الامة بالقبول وفي تتبع المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ما يوجب القطع في المسألة الا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لما عز لعلك قبلت لعلك لمست لعلك غمزت ليلقنه الرجوع بعد الإقرار وانما فائدته انه إذا قال نعم ترك وكذا قال للسارق الّذي جيئ به لا إخاله سرق وللغامدية مثل ذلك وكذا قال علىّ لسراحة لعله وقع عليك وأنت نائمة لعله استكرهك لعل مولاك زوجك وأنت تكتمينيه وتتبع مثله عن كل واحد يوجب طولا في الكلام- فالحاصل من هذا كله كون الحد يحتال في درئه بلا شك فمعنى الحديث والآثار مقطوع به والله اعلم- (مسئلة) الشبهة اما شبهة اشتباه اى شبهة في حق من اشتبه عليه دون من لم يشتبه عليه- وذلك فيما لم يكن هناك دليل حل أصلا لكن الفاعل ظن غير الدليل دليلا كجارية أبيه وامه وزوجته والمعتدة بعد ثلاث تطليقات او طلاق على مال وأم ولد أعتقها مولاها وهى في العدة وجارية المولى في حق العبد والجارية المرهونة- حيث لا دليل هناك تدل على الحل لكن الفاعل لو ظن حلها لاجل اتصال الاملاك لاجل الولاد والزوجية باعتبار عدم قبول الشهادة لهم او لاجل بقاء حقوق النكاح من وجوب النفقة ومنع الغير من النكاح في العدة والملك يدا في الرهن لا يحد ولو علم الحرمة يحد لعدم الحل بدليل أصلا- واما شبهة للملك وذلك حيث وجد دليل يوجب الحل في ذاته كجارية ابنه نظرا الى قوله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لابيك- رواه ابن ماجة من حديث جابر

فى جواب من قال يا رسول الله ان لى مالا وولدا وابى يريد ان يحتاج مالى- قال ابن القطان والمنذرى سنده صحيح ورواه الطبراني في الأصغر والبيهقي في الدلائل في قصة والمعتدة بالكنايات لاختلاف الصحابة في كونها رواجع والجارية المبيعة والممهورة في حق البائع والزوج لكونها في ضمانه وكذا كل جهة أباحها عالم كنكاح بلا شهود- ففى هذه الصور لا يحد وان كان الواطى يعتقد الحرمة وكذا من زفت اليه غير امرأته في أول وهلة وقالت النساء انها زوجتك لاحد عليه اجماعا وعليه المهر قضى بذلك علىّ رضى الله عنه وبالعدة لانه اعتمد دليلا وهو الاخبار في موضع الاشتباه إذ الإنسان لا يتميز بين امرأته وغيرها في أول وهلة- بخلاف من وجد على فراشه امراة فوطيها فانه يجب عليه الحد عند ابى حنيفة خلافا لمالك والشافعي واحمد فعندهم لا يحد قياسا على المزفوفة بجامع ظن الحل- لنا انه لا اشتباه بعد طول الصحبة فلم يكن الظن مستندا الى دليل- وكذا إذا كان أعمى لانه يمكنه التمييز بالسؤال وغيره الا إذا دعاها فاجابته اجنبية قالت انا زوجتك فواقعها لان الاخبار دليل وجاز تشابه النغمة خصوصا لو لم يطل الصحبة والله اعلم (مسئلة) ومن الشبهة عند ابى حنيفة وزفر وسفيان الثوري شبهة عقد فمن نكح امراة لا يحل نكاحها لا يجب عليه حد الزنى عند ابى حنيفة لكن يجب عليه العقوبة البليغة الشديدة- قلت والاولى ان يقال فيه القتل حدّا اتباعا بالحديث- وعند مالك والشافعي واحمد وابى يوسف ومحمد يجب عليه حد الزنى ان كان عالما بذلك لانه وطى في فرج مجمع على تحريمه من غير ملك ولا شبهة ملك والواطى اهل للحد عالم بالتحريم فيجب الحد كما لو لم يوجد العقد إذ العقد ليس لشبهة لانه لم يصارف محله لانه في نفسه خيانة يوجب عقوبة انضمت الى زنى فلم يكن شبهة كما لو أكرهها وعاقبها وزنى بها- ولو سلمنا ان العقد شبهة والوطي بالشبهة لم يكن زنى فهو اغلظ من الزنى فاحرى ان يجب فيه

ما يجب في الزنى- ولابى حنيفة انه عقد صادف محلا لمطلق النكاح لكونها أنثى من بنى آدم وان لم يكن محلا لهذا النكاح المخصوص حتى صار باطلا فاورث شبهة فان الشبهة ما يشابه الثابت ولا شك ان مشابه الثابت ليس بثابت فالشبهة لا يقتضى ثبوت الحل بوجه من الوجوه وإذا ثبت فيه شبهة الملك لم يكن زنى وكونه اغلظ من الزنى لا يقتضى كونه موجبا للحد- لان امر الحدود توقيفى الا ترى انه من قذف محصنا بالزنى وجب عليه حدّ القذف ثمانون سوطا ومن قذفه بالكفر لا يجب عليه حدّ القذف مع ان الكفر اغلظ من الزنى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغيبة أشد من الزنى رواه البيهقي في شعب الايمان عن ابى سعيد وجابر والمراد بما لا يحل نكاحها ما لا يحل نكاحها على التأييد باتفاق العلماء كالمحرمات بنسب او رضاع او صهرية- واما ان كان النكاح مختلفا فيه كالنكاح بلا ولى وبلا شهود فهو مسقط للحد اتفاقا لتمكن الشبهة عند الجميع وان كان النكاح متفقا على تحريمه لكن حرمتها غير موبدة كما إذا تزوج امة على حرة او تزوج مجوسية او امة بلا اذن سيدها او تزوج العبد بلا اذن سيده او تزوج منكوحة الغير او معتدته او المطلقة ثلاثا او خامسة او اخت زوجته او في عدتها فعند ابى حنيفة لا يحدّ وعند صاحبيه في رواية عنهما يحدّ وفي اخرى لا يحدّ ويؤيد قول ابى حنيفة ما رواه الطحاوي ان رجلا تزوج امراة في عدتها فرفع الى عمر فضربها دون الحد وجعل لها الصداق وفرق بينهما وقال لا يجتمعان ابدا قال وقال على ان تابا وأصلحا جعلهما مع الخطاب- وفي مسئلة المحارم روى عن جابر انه يضرب عنقه وكذا نقل عن احمد وإسحاق واهل الظاهر وقصر ابن حزم قتله على ما إذا كانت المرأة امراة أبيه قصرا للحد على مورده وفي رواية اخرى لاحمد يضرب عنقه ويؤخذ ماله لبيت المال لحديث البراء بن عازب قال لقيت خالى ومعه رأية فقلت له اين تريد- قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم الى رجل نكح امراة أبيه ان اضرب

عنقه وأخذ ماله «1» رواه ابو داود والترمذي وقال حديث حسن ورواه الطحاوي بطرق ولم يذكر فيه أخذ المال وفي بعض طرقه أخذ المال ايضا وروى ابن ماجة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وقع على ذات محرم منه فاقتلوه- وعن معاوية بن قرة عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث جده معاوية الى رجل عرس بامراة أبيه ان يضرب عنقه ويخمس ماله- قالت الحنفية هذه الأحاديث لا حجة فيها لمن قال بوجوب الحد من الجلد والرجم لعدم ذكر الجلد والرجم في الحديث وايضا ليس في الحديث ذكر الدخول بالمرأة المحرمة بل ذكر النكاح بالمحرمة ونفس النكاح ليس بموجب للحد اجماعا- فوجب ان يقال ان النبي صلى الله عليه وسلم انما امر بالقتل وأخذ المال اما سياسة واما لان المتزوج بامراة أبيه فعل ما فعل مستحلا كما كانوا يفعلون في الجاهلية فصار بذلك مرتدا ولعله صار محاربا ولذلك امر بقتله وأخذ ماله وتخميسه- (مسئلة) ومن شبهة العقد ما إذا استأجر امراة ليزنى بها ففعل لاحد عليه عند ابى حنيفة رحمه الله ويعزر وقال ابو يوسف ومحمد ومالك والشافعي واحمد يحدّ لان عقد الاجارة لا يستباح به البضع كما لو استأجرها للطبخ ونحوه من الأعمال ثم زنى بها يحد اتفاقا له ان المستوفى بالزنى المنفعة وهى المعقود عليه في الاجارة لكنه في حكم العين بالنظر «2» الى الحقيقة بكونه محلّا لعقد الاجارة فاورث شبهة- بخلاف الاستيجار للطبخ لان العقد لم يضف الى المستوفى بالوطى والعقد المضاف الى محل يورث شبهة فيه لا في محل اخر والله اعلم- (مسئلة) اتفق العلماء على ان الزنى يثبت بشهادة اربعة من الرجال ولا يثبت بشهادة ما دونها- ولا بشهادة النساء لقوله تعالى فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ- وقوله تعالى لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ-

_ (1) كذا في سنن ابى داود وليس في الأصل لفظة ماله- الفقير الدهلوي- (2) وفي الأصل فبالنظر- الفقير الدهلوي-

(مسئلة) لو شهد اربعة متفرقين يثبت الزنى ويحد عند الشافعي لوجود النصاب- وعند الثلاثة هم قذفوه «1» لعدم النصاب في أول الوهلة فيرد شهادتهم ثم لا تصير شهادتهم مقبولة بعد كونها مردودة ولو جاءوا متفرقين فاجتمعوا وشهدوا معا قبلت شهادتهم عند احمد وعند مالك وابى حنيفة يشترط مجئى الشهود الاربعة مجتمعين واداؤهم الشهادة معا- (مسئلة) هل يشترط العدد في الإقرار فقال ابو حنيفة واحمد واكثر العلماء انه لا يثبت الزنى بالإقرار الا إذا أقر العاقل البالغ على نفسه بذلك اربع مرات واختلفوا في اشتراط كونها في اربعة مجالس فقال ابو حنيفة لا بد من اربعة مجالس لان المجلس جامع للمتفرقات وباب الزنى باب الاحتياط- وقال احمد وابو ليلى يكتفى ان يقر أربعا في مجلس واحد لحديث رواه الشيخان في الصحيحين عن ابى هريرة قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو في المسجد فناداه يا رسول الله انى زنيت فاعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فتنحى لشق وجهه الّذي اعرض قبله فقال انى زنيت فاعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فلما شهد اربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابك جنون قال لا فقال أحصنت قال نعم يا رسول الله فقال اذهبوا به فارجموه الحديث واحتج ابو حنيفه بما رواه مسلم عن بريدة ان ماعرا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فرده ثم أتاه الثانية من الغد فرده ثم أرسل الى قومه هل تعلمون بعقله بأسا فقالوا ما نعلمه الا وفي العقل من صالحينا فاتاه الثالثة فارسل إليهم ايضا فسألهم فاخبروه انه لا بأس به ولا بعقله فلمّا كان الرابعة حفر له حفيرة فرجم- واخرج احمد وإسحاق بن راهويه وابن ابى شيبة في المصنف عن ابى بكر قال اتى ما عز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف وانا

_ (1) وفي الأصل هم قذفه إلخ ولا يستقيم ولعل الصحيح هو قذفه والغلط من الناسخ والله تعالى اعلم- الفقير الدهلوي-[.....]

عنده مرّة فرده ثم جاء فاعترف عنده الثانية فرده- ثم جاء فاعترف عنده الثالثة فرده- فقلت له ان اعترفت الرابعة رجمك قال فاعترف الرابعة فجلسه ثم سال عنه فقال لا نعلم الا خيرا فرجم- هذا الحديث ايضا صريح في تعدد المجيء وهو يستلزم غيبته كل مرة ومن هاهنا قالت الحنفية إذا تغيب ثم عاد فهو مجلس اخر- وروى ابن حبان في صحيحه من حديث ابى هريرة قال جاء ماعز بن مالك الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال انّ الأبعد زنى «1» فقال له ويلك ولا يدريك ما الزنى فامر به قطرد واخرج ثم أتاه الثانية فقال مثل ذلك فامر به فطرد واخرج ثم أتاه الثالثة فقال مثل ذلك فامر به فطرد واخرج ثم أتاه الرابعة فقال مثل ذلك فقال ادخلت وأخرجت فقال نعم فامر به ان يرجم- فهذه وغيرها مما يطول ذكره ظاهر في تعدد المجالس فوجب ان يحمل الحديث الاول عليها وان قوله فتنحى تلقاء وجهه معدود مع قوله الاول إقرارا واحدا لانه في مجلس واحد وقوله حين بين ذلك اربع مرات اى في اربعة مجالس لانه لا ينافى ذلك وقال مالك والشافعي وابو ثور والحسن وحماد بن ابى سليمان انه يثبت الزنى بإقراره مرة لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد وابى هريرة في قصة العسيف اغد يا أنيس الى امراة هذا فان اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها قالوا وليس في قصة الامرأة الغامدية الا ذكر الإقرار مرة- قلنا قوله ان اعترفت فارجمها معناه ان اعترفت اعترافا مقبولا في حد الزنى- وانما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على قوله ان اعترفت لعلمه بان الصحابة كانوا يعلمون لقصة ما عز وغيره ان الإقرار المعتبر في الزنى انما هو اربع اقرارات في اربعة مجالس- وقولهم ليس في قصة الغامدية الا ذكر الإقرار فممنوع بل

_ (1) وفي مجمع البحار ص 103 ان الأبعد قد زنى اى المتباعد عن الخير والعصمة بعد بالكسر فهو باعد اى هلك والبعد الهلاك والأبعد الخائن ايضا انتهى والحاصل ان سيدنا ما عزا رضى الله عنه عنى بقوله ان الأبعد زنى نفسه اى انا الّذي تباعد عن الخير والعصمة إلخ- الفقير الدهلوي.

قد روى ابو داود والنسائي انه كان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تتحدث ان الغامدية وما عز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما وانما رجمهما بعد الرابعة- فهذا نص في إقرارها أربعا غاية ما في الباب انه لم ينقل تفاصيلها والله اعلم- وقد روى البزار في مسنده عن زكريا بن سليم ثنا شيخ من قريش عن عبد الرحمن بن ابى بكرة عن أبيه فذكره وفيه انها أقرت اربع مرات وهو يردها ثم قال لها اذهبي حتى تلدى غير ان فيه مجهولا ينجبر جهالته بما يشهد له من حديث ابى داود والنسائي. (مسئلة) يستحب للامام ان يلقنه الرجوع عن الإقرار كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عز لعلك قبّلت او لمست- (مسئلة) لو أقر أربعا بالزنى ثم رجع قبل ان يحد او في اثنائه يقبل رجوعه وسقط عنه الحد عند الائمة الثلاثة وعن مالك فيه روايتان- لنا ان الرجوع خبر يحتمل الصدق كالاقرار وليس أحد يكذبه فيه فيتحقق الشبهة في الإقرار والحدود تندرئ بالشبهات- بخلاف ما فيه حق العبد وهو القصاص وحد القذف لوجود من يكذّبه- ويؤيده قصة ماعز روى ابو داود عن يزيد بن نعيم قصته فذكر انه لما رجم فوجد مس الحجارة فجزع فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله- ثم اتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عنه- وروى الترمذي وابن ماجة في حديث ابى هريرة نحوه- (فصل- مسئلة) إذا زنى المريض وحدّه الرجم رجم لان الاتلاف مستحق فلا يمتنع بسبب المرض- وان كان حدّه الجلد لا يجلد حتى يبرا كيلا يفيض الى الهلاك- وان كان مرضا لا يرجى البرء منه كالسل او كان خديجا اى ضعيف الخلقة فعند ابى حنيفة والشافعي يضرب بعتكال فيه مائة شمراخ فيضرب به دفعة ولا بد من وصول كل شهر أخ الى بدنه كما روى

البغوي في شرح السنة وابن ماجة نحوه عن ابى امامة بن سهل بن حنيف عن سعيد بن سعد بن عبادة قال كان بين امائنا رجل مخدج ضعيف فلم يرع الا وهو على امة من إماء الدار يحنث بها فرفع شأنه سعد بن عبادة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اجلدوه مائة سوط- قال يا نبى الله هو أضعف من ذلك لو ضربنا مائة سوط لمات قال فخذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه واحدة وخلوا سبيله- ورواه ابو داود عن ابى امامة بن سهل عن رجل من الأنصار ورواه النسائي عن ابى امامة بن سهل عن أبيه ورواه الطبراني عن ابى امامة بن سهل.............. عن ابى سعيد الخدري قال الحافظ ان كان الطرق كلها محفوظة فيكون ابو امامة قد حمله عن جماعة من الصحابة ورواه البيهقي عن ابى امامة مرسلا- (مسئلة) ان زنت الحامل لا تحدّ حتى تضع حملها كيلا يؤدى الى هلاك الجنين وهو نفس محترمة- وان كان حدّها الجلد لا تجلد حتى تطهر من النفاس عن علىّ رضى الله عنه قال يا ايها الناس اقيموا على ارقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن فان امة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فامرنى ان اجلدها فاذا هى حديث عهد بنفاس ... فخشيت ان انا جلدتها ان اقتلها فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت رواه مسلم وفي رواية ابى داود قال دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد واقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم وان كان حد النفساء الرجم رجمت لانفصال الولد عنها واستحقاقها الهلاك وعن ابى حنيفة انه يؤخر حتى يستغنى عنها ولدها إذا لم يكن أحد يقوم يتريبته لصيانة الولد من الضياع- روى مسلم عن بريدة في قصة الغامدية ان النبي صلى الله عليه وسلم أخرجها حتى تضع فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت فقال قد وضعت الغامدية قال إذا لا ترجمها وتدع ولدها صغيرا ليس له من ترضعه فقام رجل من الأنصار فقال الىّ رضاعها يا نبى الله قال فرجمها

وفي رواية انه قال لها اذهبي حتى تلدى فلما ولدت قال اذهبي فارضعيه حتى تفطيه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت هذا يا نبى الله قد فطمته وأكل الطعام فدفع الصبى الى رجل من المسلمين فحفر لها الى صدرها وامر الناس فرجموها (مسئلة) قوله تعالى فاجلدوا خطاب للائمة فلا يجوز عند ابى حنيفة اقامة الحدود للمولى الا ان يأذن له الامام وقال مالك والشافعي واحمد يقيم المولى بلا اذن الامام وفي رواية عن مالك انه يقيم المولى الا في الامة المزوجة واستثنى الشافعي من المولى ذميّا ومكاتبا وامراة- وهل يجرى ذلك على العموم حتى لو كان قتلا بسبب الردة او قطع الطريق او قطعا للسرقة ففيه خلاف عند الشافعي قال النووي الأصح المنصوص انه يعم لاطلاق الخبر- وفي التهذيب الأصح ان القتل والقطع الى الامام- لهم ما في الصحيحين من حديث ابى هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الامة إذا زنت ولم تحصن قال ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فبيعوها ولو بضفير- وقال النبي صلى الله عليه وسلم اقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم- رواه النسائي والبيهقي من حديث علىّ وأصله في مسلم موقوفا على علىّ وغفل الحاكم فاستدرله- وروى الشافعي ان فاطمة رضى الله عنها جلدت امة لها زنت- وروى ابن وهب عن ابن جريج عن عمرو بن دينار ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تجلد وليتها خمسين إذا زنت- وروى الشافعي عن مالك عن نافع ان عبد العبد الله بن عمر سرق فارسل به عبد الله الى سعيد بن العاص وهو امير المدينة ليقطع يده فابى سعيد ان يقطع يده وقال لا يقطع يد العبد إذا سرق فقال له ابن عمر في اىّ كتاب وجدت هذا فامر به ابن عمر فقطعت يده ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن أيوب عن نافع ان ابن عمر قطع يد غلام له سرق وجلد عبد الله زنى

من غير ان يدفعهما الى الوالي- ورواه ابن ماجة وفيه قصة لعائشة ورواه سعيد بن منصور عن هشيم عن ابن ابى ليلى عن نافع نحوه وروى مالك في الموطإ والشافعي عنه قال خرجت عائشة الى مكة ومعها غلام لبنى عبد الله بن ابى بكر الصديق فذكر قصة فيها انه سرق واعترف فامرت به عائشة فقطعت يده وروى مالك في الموطإ ان حفصة قتلت امة لها سحرت ورواه عبد الرزاق وزاد فانكر ذلك عثمان بن عفان فقال ابن عمر ما تنكر على أم المؤمنين امراة سحرت فاعترفت- ولابى حنيفة ما رواه اصحاب السنن في كتبهم عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير موقوفا ومرفوعا اربع الى الولاة الحدود والصدقات والجمعات والفيء- وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ اى رحمة قرأ ابن كثير رافة بفتح الهمزة ولم يختلفوا في سورة الحديد انها ساكنة لمجاورة ورحمة فِي دِينِ اللَّهِ اى في طاعته يعنى لا تعطلوا الحدود بان لا تقيموها رحمة على الناس كذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي روى الشيخان في الصحيحين- عن عائشة ان قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية الّتي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومن يجترئى عليه الا اسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه اسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب ثم قال انما أهلك الذين قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها- وقال جماعة معناها لا تأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب ولكن اوجعوهما ضربا وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن قال ابو حنيفة يجتهد في حد الزنى ثم في حد الشرب ويخفف في حد القذف لان سببه محتمل لاحتمال كونه صادقا بخلاف حد الشرب فان سببه متيقن وجناية الزنى أعظم منه- وقال قتادة يخفف في حد الشرب والفرية ويجتهد

[سورة النور (24) : آية 3]

فى الزنى- وقال الزهري يجتهد في حد الزنى والقذف لثبوتهما بكتاب الله ويخفف في حد الشرب لثبوتها بالسنة- قال البغوي روى ان عبد الله بن عمر جلد جارية له زنت فقال للجلاد اضرب ظهرها ورجليها فقال له ابنه لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ فقال يا بنى ان الله لم يأمرنى بقتلها وقد ضربت وأوجعت إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ شرط مستغن عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنتم تؤمنون بالله فسادعوا الى امتثال امره واجتهدوا في اقامة حدوده فان الايمان يقتضى ذلك وَلْيَشْهَدْ اى ليحضر عَذابَهُما اى حدهما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) زيادة في التنكيل فان التفضيح قد ينكل اكثر ما ينكل التعذيب والطائفة فرقة يمكن ان يكون حافة حول من الطوف وأقلها قيل اربعة للجوانب الأربع- وقيل ثلاثة لانها ادنى فهو جمع طائف- وقيل جاز إطلاقها على واحد او اثنين قال الله تعالى وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا- قال في القاموس الطائفة من الشيء القطعة منه او الواحد فصاعدا او الى الالف او أقلها رجلان او رجل فيكون بمعنى النفس- قلت فيصح ان يكون جمعا يكنى به عن الواحد ويصح ان يجعل كزاوية او علامة- قال النخعي ومجاهد اقله رجل فما فوقه وهو المروي عن ابن عباس وبه قال احمد وقال عطاء وعكرمة وإسحاق رجلان فصاعدا وقال الزهري وقتادة ثلثة فصاعدا وقال مالك وابن زيد اربعة بعدد الشهداء في الزنى وقال الحسن البصري عشرة فصاعدا- قلت وهذا القول اولى بالصواب إذ المقصود بالآية التشهير. الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ اخرج ابو داود والترمذي والنسائي والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان رجل يقال له مرثد يحمل الأسارى من مكة حتى يأتى بهم المدينة وكانت امراة بمكة صديقة له يقال لها عناق فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ان ينكحها فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت

هذه الاية- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا مرثد الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فلا تنكحها- واخرج النسائي عن عبد الله بن عمرو قال كانت امراة يقال لها أم مهزول وكانت تسافح فاراد رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان يتزوجها فنزلت- واخرج سعيد بن منصور عن مجاهد قال لمّا حرم الله الزنى فكان زوانى عندهن جمال فقال الناس لننطلقنّ فلنتزوجهنّ فنزلت- وقال البغوي قال قوم قدم المهاجرون المدينة ومنهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر وفي المدينة نساء بغايا يكرين انفسهن وهن يومئذ اخصب اهل المدينة فرغب ناس من فقراء المهاجرين في نكاحهن لينفقن عليهم فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ان يتزوجوا تلك البغايا لانهن كن مشركات- وهذا قول عطاء بن ابى «1» رباح ومجاهد وقتادة والزهري والشعبي وفي رواية العوفى عن ابن عباس قلت اخرج ابن ابى شيبة في مصنفه من مراسيل سعيد بن جبير- وقال البغوي قال عكرمة نزلت في نساء بمكة والمدينة منهن تسع لهن رأيات كرأيات البيطا يعرفن بها منهن أم مهزول جارية السائب بن ابى السائب المخزومي وكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة فاراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة فاستأذن رجل من المسلمين نبى الله صلى الله عليه وسلم في نكاح أم مهزول اشترطت له ان تنفق عليه فانزل الله تعالى هذه الاية- ولهذه الاية والأحاديث المذكورة احتج احمد على انه لا يجوز نكاح الزاني ولا الزانية حتى يتوبا فاذا تأبا فلا يسميان زانيين- وعند الائمة الثلاثة نكاح الزاني والزانية صحيح ففى لفسير هذه الاية قال بعضهم معناه الاخبار كما هو ظاهر الصيغة- والمعنى ان الزاني لاجل فسقه لا يرغب غالبا في نكاح الصالحات والزانية

_ (1) وفي الأصل عطاء بن رباح إلخ ابو محمد عفا عنه.

لا يرغب فيها الصلحاء فان المشاكلة علة الالفة والتضام والمخالفة سبب للنفرة والافتراق- وكان حق المقابلة ان يقال والزانية لا تنكح الا من زان او مشرك لكن المراد بيان احوال الرجال في الرغبة فيهن لما ذكرنا انها نزلت في استيئذان الرجال من المؤمنين- وعلى هذا التأويل المراد بالتحريم في قوله تعالى وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) التنزيه عند اكثر العلماء عبّر عنه بالتحريم مبالغة يعنى ان المؤمنين لا يفعلون ذلك ويتنزهون عنه تحاميا عن التشبه بالفساق وسوء المقابلة والمعاشرة والطعن في النسب وغير ذلك من المفاسد وقال مالك يكره كراهة تحريم- وقال البغوي قال قوم المراد بالنكاح الجماع ومعنى الاية الزاني لا يزنى الا بزانية او مشركة والزانية لا تزنى الا بزان او مشرك وهو قول سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم ورواية الوالبي عن ابن عباس وقال زيد بن هارون يعنى الزاني ان كان مستحلا فهو مشرك وان جامعها وهو محرم فهو زان وعلى هذا ايضا مبنى الكلام على الاخبار- وقال جماعة النفي هاهنا بمعنى النهى وقد قرئ به والحرمة على ظاهرها لكن التحريم كان خاصّا في حق أولئك الرجال من المهاجرين الذين أرادوا نكاح الزانيات دون سائر الناس- وهذا القول بعيد جدّا لان الممنوع في الاية ابتداء الزاني عن نكاح الصالحات غير الزانيات وكان حق الكلام حينئذ المؤمن لا ينكح الا مؤمنة صالحة وايضا عموم قوله تعالى وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ينافى تخصيص الحكم برجال مخصوصين- وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول إذا تزوج الزاني بالزانية فهما زانيان ابدا- وقال الحسن الزاني المجلود لا ينكح الا زانية مجلودة والزانية المجلودة لا ينكحها الا زان مجلود- وروى ابو داود بسنده عن عمرو بن شعيب عن ابى سعيد المقبري عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح الزاني المجلود الا مثله مبنى هذين القولين ان التحريم عام والاية غير منسوخة وقال سعيد بن المسيب وجماعة

فائدة

ان حكم الاية منسوخ وكان نكاح الزانية حراما بهذه الاية فنسخها قوله تعالى وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ فدخلت الزانية في أيامي المسلمين- ويدل على جواز نكاح الزانية ما روى البغوي عن جابر ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان امراتى لا تدفع يد لامس قال طلقها قال اتى أحبها وهى جميلة قال استمتع بها وفي رواية فامسكها إذا- كذا روى الطبراني والبيهقي عن عبيد الله بن عمر عن عبد الكريم بن مالك عن ابى الزبير عن جابر وقال ابن ابى جابر سالت ابى عن هذا الحديث فقال حدثنا محمد بن كثير عن معتمر عن عبد الكريم حدثنى ابو الزبير عن مولى لبنى هاشم فقال جاء رجل فذكره ورواه الثوري فسمى الرجل هشاما مولى لبنى هشام ورواه ابو داود والنسائي من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عمير عن ابن عباس وقال النسائي رفعه أحد الرواة الى ابن عباس واحدهم لم يرفعه قال وهذا الحديث اى الموصول ليس بثابت والمرسل اولى بالصواب ورواه الشافعي مرسلا ورواه النسائي وابو داود من رواية عكرمة عن ابن عباس نحوه قال الحافظ اسناده أصح واطلق النووي عليه الصحة وأورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات مع انه أورده بإسناد صحيح وذكر عن احمد بن حنبل انه لا يثبت في الباب شيء وليس له اصل- فائدة قال الحافظ اختلف العلماء في معنى قوله لا تدفع يد لامس فقيل معناه لا تمنع ممن يطلب منها الفاحشة وبهذا قال ابو عبيدة والنسائي وابن الاعرابى والخطابي والفريابي والنووي وهو مقتضى استدلال البغوي والرافعي وغيرهما في هذه المسألة- وقيل معناه التبذير يعنى لا تمنع أحدا طلب منها شيئا من مال زوجها وبهذا قال احمد والأصمعي ومحمد بن نصر وعلى هذا التأويل لا استدلال بالحديث في هذه المسألة- قال البغوي وروى ان عمر بن الخطاب ضرب رجلا وامراة في زنى وحرص ان يجمع بينهما فابى الغلام- واخرج الطبراني والدار قطنى من حديث عائشة

[سورة النور (24) : آية 4]

قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامراة وأراد ان يتزوجها فقال الحرام لا يحرم الحلال- وفي مصنفى عبد الرزاق وابن ابى شيبة سئل ابن عباس عن الرجل يصيب من المرأة حراما ثم يبدوله ان يتزوج بها قال اوله سفاح وآخره نكاح. وَالَّذِينَ يَرْمُونَ اى يقذفون بصريح الزنى بنحو زنيت او يا زانى اجمع على هذا التقييد علماء التفسير والفقه بقرينة اشتراط الاربعة في الشهادة فمن قذف بغير الزنى من المعاصي لا يجب عليه حد القذف اجماعا ولكن يعزره الحاكم على ما يرى وكذا لورمى بالزنى تعريضا كما إذا قال لست انا بزان فانه لا يحد وبه قال ابو حنيفة والشافعي واحمد وسفيان وابن سيرين والحسن بن صالح وقال مالك وهو رواية عن احمد انه يحد بالتعريض لما روى الزهري عن سالم عن ابن عمران عمر كان يضرب الحد بالتعريض- وعن علىّ انه جمد رجلا بالتعريض ولانه إذا عرف مراده كان كالتصريح- قلنا التعريض ليس كالتصريح ولذا جاز خطبة النساء في العدة تعريضا ولا يجوز تصريحا قال الله تعالى وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ المحصنات او المحصنين بدلالة هذا النص للقطع بالفاء الفارق وهو صفة الأنوثة واستقلال دفع عارما نسب اليه بالتأثير بحيث لا يتوقف فهمه على اهلية الاجتهاد وعليه انعقد اجماع الامة- وتخصيص المحصنات بالذكر لخصوص الواقعة او لان قذف النساء اغلب واشنع- والمراد بالاحصان هاهنا بإجماع العلماء ان يكون حرّا عاقلا بالغا مسلما عفيفا غير متهم بالزنى وهذا محمل قوله صلى الله عليه وسلم من أشرك بالله فليس بمحصن عند الجمهور كما ذكرنا فيما سبق- فمن زنى في عمره مرة ثم تاب وحسن حاله وامتد عمره فقذفه قاذف بالزنى لا يحد لكون القاذف صادقا فيما رمى به لكنه يعزر لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له وكذا لا يحد قاذف رقيق او صبى او مجنون وحكى

عن داود ان قاذف الرقيق يحد ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ بعد انكار المقذوف فلو أقر المقذوف على نفسه بالزنى او اقام القاذف اربعة من الشهود على الزنى سقط الحد عن القاذف- ولو شهد اربعة على الزنى متفرقين غير مجتمعين لا يجب حد الزنى على المقذوف عند ابى حنيفة كما ذكرنا فيما سبق لكن يسقط حد القذف عن القاذف لوجود النصاب والاجتماع انما شرط احتياطا لدرء حد الزنى لا لايجاب حد القذف وكذا لو أقر المقذوف مرة لا يجب عليه الحد ولا على قاذفه- والمراد بالشهداء في هذه الاية الذين كانوا أهلا للشهادة فلو شهد اربعة على رجل بالزنى وهم عميان او محدودون في قذف او أحدهم عبد او محدود في قذف فانهم يحدون ولا يحد المشهود عليه لانهم ليسوا من اهل أداء الشهادة فوجودهم كعدمهم والعبد ليس باهل للتحمل والأداء لعدم الولاية فلم يثبت شبهة الزنى لان الزنى يثبت بالأداء- ولو شهدوا وهم فساق لم يحدوا ولا يحد المقذوف لانهم من اهل الأداء والتحمل لكن في ادائهم نوع قصور لاجل الفسق فيثبت بشهادتهم شبهة الزنى فلا يحدّوا حدّ القذف ولا المقذوف حد الزنى وعند الشافعي يحدّ الفسقة حد القذف لانهم كالعبيد ليسوا من اهل الشهادة ومن هذه الاية يثبت انه لو نقص عدد الشهود عن الاربعة حدوا لانهم قذفوه لانه لا حسبة عند نقصان العدد وخروج الشهادة عن القذف انما هو باعتبار الحسبة- روى الحاكم في المستدرك والبيهقي وابو نعيم في المعرفة وابو موسى في الدلائل من طرق انه شهد عند عمر على المغيرة بن شعبة بالزنى أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد (ولم يصرح به زياد وكان رابعهم فجلد عمر الثلاثة وكان بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد- وعلق البخاري طرفا منه ورواه عبد الرزاق عن الثوري عن سليمان التيمي عن ابى النهدي نحوه وفيه لما نكل زياد قال عمر هذا رجل لا يشهد الا بحق ثم جلدهم الحدّ

فَاجْلِدُوهُمْ بعد مطالبة المقذوف اجماعا لان فيه حق العبد وان كان مغلوبا ثَمانِينَ جَلْدَةً ان كان القذفة أحرارا واما ان كانوا ارقاء جلد كل واحد منهم أربعين سوطا بإجماع الفقهاء وسند الإجماع القياس على حد الزنى الثابت تنصيفه بقوله تعالى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ- روى البيهقي بسنده عن عبد الله بن عامر بن ربيعة انه قال أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء فلم أرهم يضربون المملوك إذا قذف الا أربعين سوطا وروى مالك بهذا في الموطإ الا انه ليس فيه ذكر ابى بكر- وقال الأوزاعي حدّ العبد مثل حدّ الحرّ وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً عطف على الأمر بالجلد جزاء لما تضمن المبتدا معنى الشرط فهو من تتمة الحد عندنا لانهما اخرجا بلفظ الطلب مفوضين الى الائمة بخلاف قوله تعالى وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) فانه كلام مستانف جملة اسمية أخرجت بطريق الاخبار لا مناسبة لها بالطلب بل هى دفع توهم استبعاد صيرورة القذف سببا لوجوب الحدّ الّذي يندرئ بالشبهات فان القذف خبر يحتمل الصدق والكذب وربما يحتمل ان يكون حسبة- وجه الدفع بيان انهم فاسقون عاصون بهتك ستر العفة من غير فائدة حين عجزوا عن اقامة اربعة شهداء فلهذا استحقوا العقوبة- وقال الشافعي رحمه الله جملة لا تقبلوا كلام مستأنف غير داخل في الحدّ لانه لا يناسب الحد لان الحدّ فعل يلزم الامام إقامته لا حرمة فعل وقوله تعالى وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ في مقام التعليل لرد الشهادة- قلنا بل هو مناسب للحدّ فان الحدّ للزجر والزجر في رد الشهادة ابدا اكثر من الضرب ويدل على ذلك قوله ابدا فان الفسق لا يصلح سببا لرد الشهادة ابدا بل لرد الشهادة مادام فاسقا- لا يقال قوله لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً المراد منه ما دام هو مصر على القذف فاذا تاب قبل شهادته كما يقال لا تقبل شهادة الكافر ابدا ويراد به مادام كافرا- لانا نقول عدم قبول الشهادة

[سورة النور (24) : آية 5]

للكافر ما دام كافرا يفهم من قوله لا تقبل شهادة الكافر ولا حاجة فيه الى قوله ابدا الا ترى ان اضافة الحكم الى المشتق يدل على علية المأخذ وعلية الكفر لعدم قبول الشهادة يقتضى دوامه ما دام الكفر- فقوله ابدا في هذا المثال لغو لا يحتمل ان يكون كلام الله تعالى نظيرا له. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ اى من بعد القذف وَأَصْلَحُوا أحوالهم وأعمالهم بالتدارك فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) قال ابو حنيفة رحمه الله هذا الاستثناء راجع الى الجملة الاخيرة ومحله النصب لما تقرر في الأصول من مذهبه ان الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفة بعضها على بعض يرجع الى الاخيرة مالم يكن هناك قرينة صارفة عنها الى الكل لكونها قريبة من الاستثناء متصلة به ولان الجملة الاخيرة هاهنا منقطعة عما سبقها من الجمل نظرا الى حكمه لاختلاف نسقها وان اتصلت بما سبق باعتبار ضمير او اسم اشارة- ولان الجملة الاخيرة بسبب انقطاعها عما سبق حائل بين المستثنى وبين ما سبق من الجملتين الأوليين فلا يستحقق الاتصال الّذي هو شرط الاستثناء- ولان الاستثناء يعود الى ما قبله لضرورة عدم استقلاله وقد اندفعت الضرورة بالعود الى جملة واحدة وقد عاد الى الاخيرة بالاتفاق فلا ضرورة في العود الى ما قبلها ولانه لما ورد الاستثناء في الكلام لزم توقف صدر الكلام عليه ضرورة انه لا بد له من مغير والضرورة تندفع بتوقف جملة واحدة فلا يتجاوز الى الأكثر- لا يقال ان الواو للعطف والتشريك فيفيد اشتراك الجمل في الاستثناء لانا نقول العطف لا يفيد شركة الجملة التامة في الحكم مع ان وضع العاطف للتشريك في الاعراب والحكم فلان لا يفيد التشريك في الاستثناء وهو يغير الكلام وليس بحكم له اولى ولان التوبة تصلح منهيا للفسق ولا تصلح منهيّا للحدود فان الحدود لا تندفع بالتوبة والله اعلم وقال الشعبي ان الاستثناء يرجع الى الكل ومحله النصب فيسقط عنده حدّ القذف بالتوبة- وجمهور العلماء على انه

لا يسقط بالتوبة- وقال مالك والشافعي الاستثناء راجع الى الجملتين الأخريين دون الاولى ومحله الجر- ومبنى لهذين القولين ما ذكر في الأصول من مذهب الشافعي وغيره ان الاستثناء عند عدم القرينة يرجع الى الجمل المتعاطفة كلها- غير ان الشافعي يقول ان جملة لا تقبلوا منقطع عما سبق غير داخلة في الحد فلا يرجع الاستثناء الى الجملة الاولى لاجل الانقطاع ويرجع الى الأخريين- وقال البيضاوي ما حاصله ان الاستثناء راجع الى الكل ولا يلزم منه سقوط الحد بالتوبة كما قيل لان من تمام التوبة الاستسلام للحد او الاستحلال من المقذوف- قلت التوبة هو الندم والاستغفار فلو فرض سقوط الحد به لا يجب عليه الاستسلام فبناء على هذا قال الشافعي ان القاذف نزد شهادته بنفس القذف وان لم يطالب المقذوف حدّه لاجل فسقه- وإذا تاب وندم على ما قال وحسنت حاله قبلت شهادته سواء تاب بعد اقامة الحدّ عليه او قبله وبعد التوبة يقبل شهادته ويزول عنه اسم الفسق- قال البغوي يروى ذلك عن عمرو ابن عباس وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاؤس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والشعبي وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري قال البغوي قال الشافعي وهو يعنى القاذف قبل ان يحد شر منه حين يحد لان الحدود كفارات فكيف ترد شهادته في احسن حاليه وتقبل في شر حاليه- قلنا نحن ايضا نقول ان القاذف ترد شهادته بنفس القذف لاجل فسقه فان لم يطالب المقذوف الحدّ لا يحدّ ولا يقبل شهادته مالم يتب- روى عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم الّا الّذين تابوا وأصلحوا قال توبتهم إكذابهم أنفسهم فان كذبوا أنفسهم قبلت شهادتهم ولهذا الحديث ان صح كان حجة للشافعى الكن قلت أحاديث الآحاد لا تصلح معارضا لنص الكتاب اى لا تقبلوا لهم شهادة ابدا فان تاب قبلت شهادته لزوال فسقه وان طالب المقذوف يحد فيجلد ثمانين

فائدة

سوطا ولا يقبل شهادته ابدا سواء تاب اولم يتب لان رد الشهادة حينئذ لحق العبد وحق العبد لا يسقط بالتوبة فلا يلزمنا ما قال الشافعي انه ترد شهادته في احسن حاليه وتقبل في شر حاليه- فائدة لا خلاف في ان حد القذف اجتمع فيه الحقان حق الله تعالى وحق العبد فانه شرع لدفع العار عن المقذوف وهو الّذي ينتفع به على الخصوص فمن هذا الوجه هو حق العبد ثم انه شرع زاجرا ولذا سمى حدا والمقصود من شرع الزواجر اخلاء العالم عن الفساد وهذا اية حق الله تعالى فمن أجل كونه حقّا للعبد يشترط فيه مطالبة المقذوف ولا يبطل الشهادة بالتقادم ويجب على المستأمن- ويقيمه القاضي بعلمه إذا علمه في ايام قضائه لا إذا علم قبل ولايته حتى يشهد به عنده- ويقدم استيفاؤه على حد الزنى والسرقة إذا اجتمعا ولا يصح الرجوع عنه بعد الإقرار به- ومن أجل كونه حقا لله تعالى لا يجوز للمقذوف استيفاؤها بنفسه بل الاستيفاء للامام ويندرئ بالشبهات ولا ينقلب مالا عند سقوطه ولا يستخلف عليه القاذف وينتصف بالرق كسائر العقوبات الواجبة حقا لله تعالى- بخلاف حق العبد فانه يتقدر بقدر التالف ولا يختلف باختلاف المتلف ولهذه الفروع كلها متفقة عليها- واختلفوا في تغليب أحد الحقين على الاخر فمال الشافعي الى تغليب حق العبد باعتبار حاجته وغنى الله تعالى- ومال ابو حنيفة الى تغليب حق الله تعالى لان ما للعبد يتولاه مولاه فيصير حق العبد مرعيّا به ولا كذلك عكسه إذ لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الله تعالى إلا بنيابته- ويتفرع على هذا الاختلاف فروع اخر مختلف فيها- منها الإرث فعند الشافعي حدّ القذف يورث وعند ابى حنيفة لا يورث إذ الإرث لا يجرى في حقوق الله ويجرى في حقوق العباد بشرط كونه مالا او ما يتصل بالمال كالكفالة او ما ينقلب الى المال كالقصاص والحد ليس شيئا منها فيبطل بموت المقذوف- إذ لم يثبت

بدليل شرعى استخلاف الشرع وارثا جعل له حق المطالبة الّتي جعل شرطا لظهور حقه- فمن قذف أحدا فمات المقذوف قبل اقامة الحد او بعد ما أقيم بعضه بطل الباقي عندنا خلافا للشافعى- ومنها العفو فلو عفا المقذوف بعد ثبوت الحد لا يسقط عندنا وعند الشافعي وهو رواية عن ابى يوسف يسقط- لكن لو قال المقذوف لم يقذفنى وكذب شهودى فحينئذ يسقط اتفاقا لما ظهر ان القذف لم يوجد فلم يجب الحد لا انه وجب فسقط بخلاف القصاص فانه يسقط بالعفو بعد وجوبه لان الغالب فيه حق العبد- ومنها انه لا يجوز الاعتياض عن حد القذف عند ابى حنيفة وبه قال مالك وعند الشافعي واحمد يجوز- ومنها انه يجرى فيه التداخل عند ابى حنيفة رحمه الله وبه قال مالك حتى لو قذف شخصا واحدا امرأة او قذف جماعة كان فيه حدّا واحدا إذا لم يتخلل الحد بين القذفين- ولو ادعى بعضهم فحد ففى أثناء الحد ادعى اخر كمل ذلك الحد وعند الشافعي لا يجرى فيه التداخل- قلت لمّا ثبت ان حد القذف اجتمع فيه حق الله وحق العبد كما يشهد به المسائل المتفقة عليها وثبت ايضا ان الحدود تندرئى بالشبهات- فالاولى ان يقال انه إذا اقتضى أحد الحقين وجوب الحد والآخر سقوطه فلا بد ان يفتى بالسقوط فانه ان يخطئى في العفو خير من ان يخطئى في العقوبة- فلا يقال بجريان الإرث فيه كما قال ابو حنيفة ويقال بسقوطه بعفو المقذوف لسقوط المطالبة الّتي هى شرط لاستيفائه كما قال الشافعي ويجرى فيه التداخل كما قال ابو حنيفة- ولو صالحا على الاعتياض يعنى بسقوط الحد فحصول الرضاء من المقذوف ولا يجب المال على القاذف لاحتمال كونه حقا لله تعالى والله اعلم- روى البخاري في الصحيح عن ابن عباس ان هلال بن امية قذف امرأته.... عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سمحا فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا وجد أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة والأحد في

[سورة النور (24) : آية 6]

ظهرك فقال هلال والّذي بعثك بالحق انى لصادق فلينزلن الله ما يبرئى ظهرى من الحد فنزل جبرئيل وانزل الله عليه. وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ الاية فقرأ حتى بلغ إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فجاء هلال فشهد يعنى لا عن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ان الله يعلم ان أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت يعنى لاعنت فلمّا كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا انها موجبة قال ابن عباس فتلكات «1» ونكصت حتى ظننا انها ترجع ثم قالت لا افضح قومى سائر اليوم فمضت- وقال النبي صلى الله عليه وسلم ابصروها فان جاءت به اكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سمحا فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لى ولها شأن- وفي الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي قال ان عويمر العجلاني قال يا رسول الله ارايت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتلونه أم كيف يفعل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا في المسجد وانا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا فان جاءت به اسحم «2» أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج الساقين فلا احسب عويمرا إلا قد صدق عليها وان جاءت به احمر كانه وحرة فلا احسب عويمرا إلا قد كذب عليها فجاءت به على النعت الّذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر فكان بعد ينسب الى امه

_ (1) فتلكأت اى توقفت وتبطأت ان يقولها ونكصت النكوص هو الرجوع الى وراء وسابغ الأليتين اى تامهما وعظيمهما من سبوغ النعمة والثوب وخدلج الساقين اى عظيمهما من مجمع البحار- الفقير الدهلوي. (2) اسحم الأسحم الأسود وقوله أدعج العينين الدعجة السواد في العين وغيرها يريد ان سواد عينيه كان شديدا مجمع البخار- الفقير الدهلوي.

واخرج احمد عن عكرمة عن ابن عباس انه لما نزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار هكذا نزلت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار الا تسمعون ما يقول سيدكم قالوا يا رسول الله لا تلمه فانه رجل غيور والله ما تزوج امراة قط الا بكرا ولا طلق امراة له فاجتر ارجل منّا ان يتزوجها من شدة غيرته قال سعد يا رسول الله بابى أنت وأمي والله انى لا عرف انها حق وانها من الله ولكنى تعجبت انى لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لى ان أهيجه ولا أحركه حتى اتى باربعة شهداء فو الله لا اتى بهم حتى يقضى حاجته- قال فما لبثوا الا يسيرا حتى جاء هلال بن امية رو هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم فجاء من ارضه عشاء فوجد عند اهله رجلا فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا فرايت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه واجتمعت الأنصار فقالوا قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الان يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن امية ويبطل شهادته في الناس فقال هلال والله انى لارجو ان يجعل الله لى منهما مخرجا فو الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد ان يأمر بضربه انزل الله عليه الوحى فامسكوا عنه حتى فرغ من الوحى فنزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ الآية- واخرج ابو يعلى مثله عن انس وذكر البغوي هذا الحديث وقال في آخره ابشر يا هلال فان الله قد جعل لك فرجا قال قد كنت أرجو ذلك من الله- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا إليها فجاءت فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها فكذّبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يعلم ان أحدكما كاذب فهل منكما تائب فقال هلال يا رسول الله بابى أنت وأمي قد صدقت

وما قلت الا حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عنوا بينهما فقيل لهلال اشهد فشهد أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ فقال له عند الخامسة يا هلال اتق الله فان عذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة وان عذاب الله أشد من عذاب الناس وان لهذه الخامسة هى الموجبة الّتي توجب عليك العذاب فقال هلال والله لا يعذبنى الله عليها كما لا يجلدنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد الخامسة أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ- ثم قال للمرءة اشهدي فشهدت أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ فقال لها عند الخامسة (ووقفها) اتقى الله فان الخامسة موجبة وان عذاب الله أشد من عذاب الناس فتنكات ساعة وهمت بالاعتراف ثم قالت والله لا افضح قومى فشهدت الخامسة أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى ان الولد لها ولا يدعى لاب ولا يرمى ولدها- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها وان جاءت به كذا وكذا فهو للذى قيل منه فجاءت به غلاما كانه أجمل أورق على الشبه المكروه- وكان بعد أميرا بمصر لا يدرى من أبوه- قال البغوي انه قال ابن عباس في سائر الروايات ومقاتل انه لما نزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الاية قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقام عاصم بن عدى الأنصاري فقال جعلنى الله فداك ان راى رجل منا مع امرأته رجلا فاخبر بما راى جلد ثمانين سوطا وسماه المسلمون فاسقا ولا يقبل شهادته ابدا فكيف لنا بالشهداء ونحن إذا التمسنا الشهداء كان الرجل فرغ من حاجته ومرّ- وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له عويمر وله امراة يقال لها خولة بنت قيس بن محصن فاتى عويمر عاصما وقال لقد رايت شريك بن السمحا على بطن امراتى خولة- فاسترجع عاصم واتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة الاخرى- فقال يا رسول الله ما ابتليت بالسؤال الّذي سالت

فى الجمعة الماضية في اهل بيتي وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بنى عم لعاصم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم جميعا- وقال لعويمر اتق الله في زوجتك وابنة عمك فلا تقذفها بالبهتان فقال يا رسول الله اقسم بالله اننى رايت شريكا على بطنها وانى ما قربتها منذ اربعة أشهر وانها حبلى من غيرى- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرءة اتقى الله ولا تخبريني الا بما صنعت فقالت يا رسول الله ان عويمرا رجل غيور وانه رانى وشريكا نستطيل السهر ونتحدث فحملته الغيرة على ما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لشريك ما تقول فقال ما تقوله المرأة- فانزل الله عزّ وجلّ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ الاية فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نودى الصلاة جامعة فصلى العصر ثم قال لعويمر قم فقام فقال اشهد بالله ان خولة زانية وانى لمن الصادقين ثم قال في الثانية اشهد بالله انى رايت شريكا على بطنها وانى لمن الصادقين ثم قال في الثالثة اشهد انها حبلى من غيرى وانى لمن الصادقين ثم قال في الرابعة اشهد بالله ما قربتها منذ اربعة أشهر وانى لمن الصادقين ثم قال في الخامسة لعنة الله على عويمر (يعنى نفسه) ان كان من الكاذبين فيما قال- ثم امره بالقعود وقال لخولة قومى فقامت فقالت اشهد بالله ما انا بزانية وان عويمر المن الكاذبين ثم قالت في الثانية اشهد بالله ما راى شريكا على بطني وانه لمن الكاذبين ثم قالت في الثالثة اشهد بالله انا حبلى منه وانه لمن الكاذبين ثم قالت في الرابعة انه ما رانى قط على فاحشة وانه لمن الكاذبين ثم قالت في الخامسة غضب الله على خولة (تعنى نفسها) ان كان من الصادقين- ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال لولا هذه الايمان لكان في أمرها رأى ثم قال تحينوا بها الولادة فان جاءت باصيهب «1» ابيلج يضرب الى السواد فهو لشريك بن السمحا وان جاءت باورق جعدا جماليا «2» فهو لغير الّذي رميت به- قال ابن عباس

_ (1) اصيهب هو من يعلو لونه صهبة وهى كالشقرة- مجمع البحار- الفقير الدهلوي- (2) وفي مجمع البحار حمّاليا هو بالتشديد الضخم الأعضاء التام الأوصال كانه الحمل- الفقير الدهلوي.

فجاءت بأشبه خلق لشريك- قال الحافظ ابن حجر اختلف الائمة في هذا الموضع فمنهم من رجح انها نزلت في شأن عويمر ومنهم من رجح انها في شأن هلال واحتج «1» القرطبي الى تجويز نزول الاية مرتين ومنهم من جمع بينهما بان أول من وقع ذلك هلال وصادف مجئى عويمر ايضا فنزلت في شأنهما معا والى هذا اجنح النووي وسبقه الخطيب- وقال الحافظ ابن حجر يحتمل ان النزول سبق بسبب هلال فلما جاء عويمر ولم يكن له علم بما وقع لهلال علمه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم ولهذا قال في قصة هلال فنزل جبرئيل- وفي قصة عويمر قد انزل الله فيك اى فيمن وقع له مثل ما وقع لك وبهذا أجاب ابن الصباغ في الشامل- (مسئلة) وبناء على عموم قوله تعالى الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ قال مالك والشافعي واحمد كل زوج صح طلاقه صح لعانه سواء كانا حرين او عبدين عدلين او فاسقين او أحدهما حرّا عدلا والاخر عبدا او فاسقا- وكذا سواء كانا مسلمين او كافرين او أحدهما خلافا لمالك فان عنده انكحة الكفار فاسدة لا يصح طلاقه فلا يصح لعانه- وقال ابو حنيفة لا يجوز اللعان مالم يكن الزوج أهلا للشهادة- يعنى حرا عاقلا بالغا مسلما وتكون الزوجة ممن يحد قاذفها يعنى حرة عاقلة بالغة مسلمة غير متهمة بالزنى- فلا يجرى اللعان عنده إذا كان الزوج عبدا او كافرا او محدودا في قذف بل يحد حد القذف ان كانت المرأة ممن يحد قاذفها والا يعزّر ان رأى الامام- لكن ان كان الزوج أعمى او فاسقا يجوز لعانه لان الفاسق يجوز للقاضى قبول شهادته وان لم يجب قبوله- والأعمى انما لا تقبل شهادته لعدم تميزه بين المشهود له والمشهود عليه وهاهنا هو يميز بين نفسه وبين امرأته فكان أهلا لهذه الشهادة دون غيرها وروى ابن المبارك عن ابى حنيفة ان الأعمى لايلا عن- وكذا لا يجرى اللعان عند ابى حنيفة

_ (1) واحتج إلخ لعله من غلط الناسخ والصحيح وجنح إلخ- الفقير الدهلوي-

إذا كانت الزوجة امة او كافرة او صبية او مجنونة او تزوجت بنكاح فاسد ودخل بها فيه او كان لها ولد ليس له اب معروف او زنت في عمرها ولو مرة ثم تابت او وطئت وطيا حراما بشبهة ولو مرة فحينئذ لاحد ولا لعان بل تعزران رأى الامام- ووجه قول ابى حنيفة في اشتراط كون المرأة ممن يحد قاذفها ان اللعان انما شرع لدفع حد القذف من الزوج كما يدل عليه الأحاديث في سبب نزول الاية حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابشر يا هلال فان الله قد جعل لك فرجا فهو بدل عن حدّ القذف في حق الزوج- ولذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اتق الله فان عذاب الدنيا يعنى الحد أهون من عذاب الاخرة فاذا لم يتصور المبدل منه لا يتصور البدل وفي اشتراط كون الرجل من اهل الشهادة قوله تعالى وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ حيث جعل الأزواج أنفسهم شهداء لان الاستثناء من النفي اثبات ولو جعل الشهداء مجازا من الحالفين كما قالوا كان المعنى ولم يكن لّهم حالفون الا أنفسهم وهو غير مستقيم لانه يفيد انه إذا لم يكن للذين يرمون أزواجهم من يحلف لهم يحلفون هم لانفسهم وهذا فرع تصور الحلف لغيره وهو لا وجود له أصلا فلو كان اليمين معنى حقيقيا للفظ الشهادة كان هذا صارفا عنه الى مجازه فكيف وهو معنى مجازى لها ولو لم يكن هذا كان إمكان العمل بالحقيقة موجبا لعدم الحمل على اليمين فكيف وهذا صارف عن المجاز ويدل على اشتراط اهلية الشهادة في الرجل وكون المرأة ممن يحد قاذفها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رواها بن ماجة والدار قطنى بوجوه الاول ما رواه الدار قطنى بسنده عن عثمان بن عبد الرحمان الزهري عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعة ليس بينهم لعان ليس بين الحر والامة لعان وليس بين العبد والحرة لعان وليس بين المسلم واليهودية لعان وليس بين المسلم والنصرانية لعان- قال يحيى والبخاري وابو حاتم الرازي و

ابو داود عثمان بن عبد الرحمان الزهري ليس بشيء وقال يحيى مرة كان يكذب وقال ابن حبان كان يروى عن الثقات الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به وقال النسائي والدار قطنى متروك الحديث- والثاني ما رواه الدار قطنى وابن ماجة بسندهما عن عثمان بن عطاء الخراسانى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربع من النساء لا ملاعنة بينهن النصرانية تحت المسلم واليهودية تحت المسلم والمملوكة تحت الحر والحرة تحت المملوك وعثمان بن عطاء ضعفه يحيى والدار قطنى وقال ابو حاتم الرازي وابن حبان لا يجوز الاحتجاج به وقال على بن الجنيد متروك قال الدار قطنى وقد تابعه يزيد بن زريع عن عطاء وهو ضعيف ايضا- وقد روى الدار قطنى من طريق اخر عن عماد بن مطر قال حدثنا حماد بن عمر عن زيد بن رفيع عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عتاب بن أسيد ثم ذكر نحوه قال ابو حاتم الرازي عماد بن مطر كان يكذب وقال ابن عدى أحاديثه بواطيل وهو متروك الحديث وقال احمد حماد بن عمرو كان يكذب ويضع الحديث وقال الساجي اجمعوا على انه متروك الحديث وقد ضعف النسائي والدار قطنى زيد بن رفيع- قال ابن الجوزي وقد روى هذا الحديث الأوزاعي وابن جريج وهما امامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قوله ولم يرفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن همام وأنت علمت ان الضعيف إذا تعدد طرقه كان حجة وهذا كذلك وقد اعتضد برواية الإمامين إياه موقوفا على جد عمود بن شعيب- وقال الشافعي قاله تعالى فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) يدل على انها ايمان وليس بشهادات لان كلمة بالله محكم في اليمين وكلمة الشهادة يحتمل اليمين الا ترى انه لو قال اشهد ينوى اليمين كان يمينا فحملنا المحتمل على المحكم وحمل الشهادة على الحقيقة

متعذر لان المعلوم في الشرع عدم قبول شهادة الإنسان لنفسه بخلاف يمينه وكذا المعهود شرعا عدم تكرر الشهادة في موضع بخلاف اليمين فانه معهود في القسامة- ولان الشهادة محلها الإثبات واليمين للنفى فلا يتصور تعلق حقيقتها بامر واحد فوجب العمل بحقيقة أحدهما ومجاز الاخر فليكن المجاز لفظ الشهادة لما قلنا من الوجهين المذكورين- وإذا كان الشهادة بمعنى اليمين لم يكن اهلية الشهادة شرطا للعان- قلنا كما ان الشهادة لنفسه وتكرار أداء الشهادة غير معهود في الشرع كذلك الحلف لغيره والحلف لايجاب الحكم ايضا غير معهود في الشرع بل اليمين لدفع الحكم فكما ان جاز لمن له ولاية الإيجاد والاعدام والحكم كيف ما اراده شرعية هذين الامرين في محل بعينه ابتداء جاز له شرعية ذلك ابتداء والشهادة لنفسه قد ورد في محكم التنزيل حيث قال الله تعالى شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع المؤذن يقول اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان محمدا رسول الله وانا اشهد وانا اشهد فشهادته بالرسالة شهادة لنفسه- وتكرار الشهادة في هذا المحل انما شرع بدلا عما عجز عنه من اقامة شهود الزنى وهم اربعة وعدم قبول الشهادة لنفسه عند التهمة- ولهذا يثبت عند عدمها أعظم ثبوت كما ذكرنا من شهادة الله وشهادة رسوله فلا يبعد ان يشرع الشهادة لنفسه في موضع بواسطة تأكيدها باليمين والزام اللعنة والغضب ان كان كاذبا والله اعلم جملة ولم يكن لّهم شهداء اما عطف على الصلة او حال من فاعل يرمون- والّا أنفسهم بدل من الشهداء او صفة ان كان الا بمعنى غير والموصول مع الصلة مبتدأ خبره ما بعده- قرأ حفص وحمزة والكسائي اربع شهدت بالرفع على انه خبر شهادة أحدهم وقرأ الباقون على المصدر لبيان عدد المصدر- والتقدير فالواجب شهادة أحدهم او فعليهم شهادة أحدهم اربع شهدت- وقيل شهادة أحدهم مبتدأ خبره محذوف تقديره فشهادة أحدهم اربع شهدت تدفع عنه حد القذف

[سورة النور (24) : آية 7]

وبالله متعلق بشهدت لكونها اقرب وقيل بشهادة لتقدمها- وقوله إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ أصله على انّه من الصّادقين فيما رماها من الزنى او نفى الولد او منهما فحذفت الجار وكسرت انّ وعلق اللام عنه باللام تأكيدا- وقيل هو جواب قسم محذوف والجملية القسمية بيان للشهادة. وَالْخامِسَةُ اتفق القراء على رفعه فهو على قراءة حفص وحمزة والكسائي عطف على اربع شهادات- وعلى قراءة الباقين عطف على قوله فشهادة أحدهم يعنى فالواجب شهادة أحدهم اربع شهادات والواجب الشهادة الخامسة وجاز ان يكون الخامسة مبتدأ وما بعده خبره والجملة الاسمية حال أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ قرا نافع ويعقوب ان مخففة من الثقيلة واسمه ضمير الشأن ورفع اللعنة على الابتداء والباقون انّ مشددة ونصب اللعنة على انها اسم انّ وانّ مع ما في حيزه بتقدير حرف الجر متعلق بالشهادة يعنى والشهادة الخامسة بانّ لعنة الله عليه إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) شرط مستغن عن الجزاء بما مضى (مسئلة) إذا قذف الرجل امرأته بالزنى او بنفي الولد وهما من اهل اللعان على ما ذكرنا من الخلاف وطالبته بموجب القذف وجب عليه اللعان فان امتنع منه حبسه الحاكم عند ابى حنيفة رحمه الله حتى يلاعن او يكذّب نفسه فيحدّ حدّ القذف وعند مالك والشافعي واحمد إذا امتنع من اللعان يحدّ حدّ القذف ولا يحبس لان موجب القذف الحد واللعان حجة صدقه والقاذف إذا قعد عن اقامة الحجة حد ولا يحبس- الا ان الشافعي يقول إذا نكل فسق وقال مالك لا يفسق- وجد قول ابى حنيفة ان النكول دليل على الإقرار لكن فيه شبهة والحد لا يثبت مع الشبهة- فيحبس حتى يلاعن او يكذب نفسه لانه حق مستحق عليه وهو قادر على ايفائه فيجلس به حتى يأتى بما هو عليه- وإذا لاعن الزوج وجب على المرأة اللعان عند ابى حنيفة فان امتنعت حبسها الحاكم حتى تلا عن او تصدقه لانه حق مستحق عليها وهى قادرة على ايفائه فتحبس فيه وعند الشافعي إذا لاعن الزوج وقعت الفرقة بينه وبين زوجته وحرمت عليه على التأييد وانتفى عنه النسب لقوله صلى الله عليه وسلم

[سورة النور (24) : آية 8]

المتلاعنان لا يجتمعان ابدا- قلنا انما يصدق التلاعن الا بعد لعان المرأة ايضا- فلا يقع الفرقة ولا يجوز التفريق الا بعد تلا عنهما- ويجب على المرأة بلعان الرجل حد الزنى عند مالك والشافعي واحمد ويسقط عنها حد الزنى عندهم إذا لاعنت لقوله تعالى. وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ يعنى حد الزنى كما في قوله تعالى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ولقوله صلى الله عليه وسلم لامراة هلال بن امية اتقى الله فان الخامسة موجبة وان عذاب الله أشد من عذاب الناس أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ منصوب بالإجماع على المصدرية ... شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ اى الزوج لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) فيما رمانى به من الزنى او من نفى الولد او منهما. وَالْخامِسَةَ قرا الجمهور بالرفع على الابتداء وما بعده خبره او على العطف على ان تشهد وقرا حفص بالنصب عطفا على اربع شهادات أَنَّ قرأ نافع ويعقوب مخففة على انها مصدرية والباقون مشددة غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها قرأ نافع ويعقوب «1» بكسر الضاد على انه فعل ماض من باب علم يعلم والله مرفوع على انه فاعل للفعل والباقون بفتح الضاد بالنصب على انه اسم ان والله بالجر على انه مضاف اليه إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) فيما رمانى به من الزنى او نفى الولد او منهما قال الشافعي لا يتعلق بلعانها الا حكم واحد وهو سقوط حد الزنى- ولو اقام الزوج بينة على زناها لا يسقط عنها الحد باللعان فان امتنعت من اللعان حدت عندهم- خلافا لابى حنيفة رحمه الله فانه يقول بل تحبس دائما ما لم تلاعن او تصدقه فان صدقته ارتفع سبب وجوب لعانها فلا لعان ولاحد لان التصديق ليس بإقرار قصدا بالذات فلا يعتبر في وجوب الحد بل في درئه فيندفع به اللعان ولا يجب به الحد ولو كان إقرارا ... فالاقرار مرة لا يوجب حد الزنى عند ابى حنيفة رحمه الله كما مرّ فيما سبق ولم يتعين ان المراد بالعذاب في قوله تعالى وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ الحدّ لجواز ان يكون المراد به الحبس والحدود تندرئى بالشبهات

_ (1) والصحيح قرا يعقوب غضب بفتح الضاد ورفع الباء وجرهاء الجلالة- ابو محمد عفا الله عنه-

(مسئلة) ولو صدقت المرأة الزوج في نفى الولد فلاحد ولا لعان عند أبي حنيفة رحمه الله وهو ولدهما لان النسب انما ينقطع حكما للعان ولم يوجد وهو حق الولد فلا يصدقان في ابطاله والله اعلم قلت والعجب من الشافعي ومن معه ان اللعان عندهم يمين ولذا لا يشترطون في الرجل اهلية الشهادة ويجوزون اللعان من العبد والكافر والمحدود في القذف واليمين هو لا يصلح لايجاب المال فكيف يوجب لعان الرجل عند امتناع المرأة عنه عليها الرجم وهو اغلظ الحدود- والعجب من ابى حنيفة رحمه الله انه قال اللعان شهادات ولذا اشترط في الرجل اهلية الشهادة وقال تكرار الشهادة في هذا المحل انما شرع بدلا عما عجز عنه من اقامة شهود الزنى وهم اربعة وقد جعل الشارع شهادات الأربع مقام شهادة اربعة من الرجال بواسطة تأكد باليمين والزام اللعنة- وانه قال ان اللعان قائم مقام حد القذف في حقه ومقام حد الزنى في حقها فلم لم يقل بايجاب حد الزنى عليها بشهاداته الأربع وقد قال الله تعالى وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ والدرء لفظ خاص صريح في معنى السقوط والسقوط يقتضى الوجوب عند عدم موجبه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاب الله أشد من عذاب الناس يعنى الحد ولا معنى لكون اللعان في حقها قائما مقام حد الزنى الا انه إذا لاعنت سقط عنها الحدّ وان امتنعت من اللعان وجب عليها الحدّ- لا يقال ان شهاداته وحده وان كانت قائمة مقام شهادة اربعة من الرجال لكن لا يحصل به القطع بتحقق الزنى- وفي قيام شهادته مقام شهاداتهم شبهة فيندرئ بها حد القذف ولا يثبت بها حد الزنى لانها يندرئ بالشبهات لانا نقول لا شبهة في قيام شهاداته مقام شهاداتهم لثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع والقطع بتحقق الزنى كما لا يحصل بشهاداته الأربع كذلك لا يحصل بشهادة اربعة من الرجال لجواز تواطئهم على الكذب والخبر لا يوجب القطع ما لم يبلغ درجة التواتر او يكون المخبر معصوما- والحكم بعد شهادة رجلين او اربعة امر تعبدى ليس

مبناه على القطع بل على غلبة الظن- وغلبة الظن هاهنا فوق غلبة الظن في شهادة اربعة من الرجال بواسطة تأكد شهاداته باليمين والتزام اللعنة مع كونه عدلا جائز الشهادة وبامتناع المرأة من اللعان- الا ترى ان توافق الاربعة على الكذب اقرب عند العقل من امتناع المرأة عن اللعان على تقدير كذب الزوج مع اعتقادها بسقوط الرجم عنها ودفع العذاب باللعان- والمراد بالشبهة الّتي تندرئ به الحدّ شبهة سوى هذه الشبهة الّتي لم يعتبرها الشرع من احتمال كذب الشهود الاربعة وكذب الزوج مع لعانه وامتناعها من اللعان- فالراجح عندى في اشتراط اهلية الشهادة في الزوج وكون المرأة ممن يحد قاذفها قول ابى حنيفة رحمه الله- وفي وجوب حد الزنى بعد امتناع المرأة من اللعان قول الشافعي ومن معه والله اعلم (مسئلة) قد مر فيما سبق ان بلعان الرجل وحده يقع الفرقة بين الزوجين عند الشافعي وهذا امر لا دليل عليه- وقال زفروبه قال مالك وهو رواية عن احمد انه يقع الفرقة بتلا عنهما من غير قضاء القاضي وعند ابى حنيفة وصاحبيه واحمد لا تقع بعد تلاعنهما حتى يفرق الحاكم بينهما ويحب على الحاكم تفريقهما- والفرقة تطليقة بائنة عند ابى حنيفة ومحمد وعند ابى يوسف وزفر ومالك والشافعي واحمد فرقه فسخ وجه قولهم جميعا ان بالتلاعن يثبت الحرمة المؤبدة كحرمة الرضاع- كما في الصحيحين عن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين حسابكما على الله أحد كما كاذب لا سبيل لك عليها- قال يا رسول الله مالى قال لا مال لك ان كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وان كنت كذبت عليها فذلك ابعدوا بعد لك منها- وما رواه ابو داود في حديث سهل بن سعد مضت السنة في المتلاعنين ان يفرق بينهما ثم لا يجتمعان ابدا وكذا روى الدار قطنى عن على وابن مسعود- قال الحافظ ابن حجر وفي الباب عن على وعمر وابن مسعود في مصنف عبد الرزاق وابن ابى شيبة وروى ابو داود في حديث ابن عباس في اخر قصة هلال بن امية انه صلى الله عليه وسلم فرق بينهما

وقضى بان لا ترمى ولا ولدها - وفي الصحيحين عن ابن عمران رجلا لا عن امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرق عليه السلام بينهما والحق الولد بامه- واصرح دليل على قول الجمهور ان الفرقة ليست فرقة طلاق ما أخرجه ابو داود في سننه عن ابن عباس في قصة هلال بن امية انه قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ليس لها عليه قوت ولا سكنى من أجل انهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها قالوا إذا ثبت بعد التلاعن الحرمة المؤبدة فلا حاجة الى تفريق القاضي وايضا الحرمة المؤبدة تنافى النكاح كحرمة الرضاع فتنفسخ- وقال ابو حنيفة ان ثبوت الحرمة لا يقتضى فسخ النكاح الا ترى انه بالظهار يثبت الحرمة ولا ينفسخ النكاح غير انه إذا ثبت الحرمة عجز الزوج عن الإمساك بالمعروف فيلزمه التسريح بالإحسان فاذا امتنع منه ناب القاضي منا به دفعا للظلم دل عليه ما رواه الشيخان في حديث سهل بن سعد انه قال عويمر بعد ما تلاعنا كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في التطليق- وروى الدار قطنى بسنده من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان ابدا- وقد طعن الشيخ أبو بكر الرازي في ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن قال صاحب التنقيح اسناده جيد ومفهوم شرطه يستلزم انهما لا يفترقان بمجرد اللعان وهو حجة على الشافعي على مقتضى رأيه وما قال ابن عباس قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ليس لها قوت ولا سكنى من أجل انهما يفترقان بغير طلاق فهذا زعم من ابن عباس وانما المرفوع القضاء بعدم النفقة والسكنى- قلت الحرمة بعد التلاعن ثبتت بالإجماع اما عند الشافعي وزفر ومن معهما فظاهر وامّا عند ابى حنيفة فلانه لولا الحرمة فلا وجه لتفريق النبي صلى الله عليه وسلم ولا موجب لقول ابى حنيفة ثم يفرق القاضي وهذه الحرمة ليست كحرمة الظهار نكونها منتهية بالكفارة بل هى حرمة مؤبدة كحرمة الرضاع ولا شك ان الحرمة

المؤبدة تنافى النكاح بخلاف المؤقتة فينفسخ ولا يحتاج الى قضاء القاضي يدل عليه ما قال ابن همام انه يلزم على قول ابى يوسف انه لا يتوقف على تفريق القاضي لان الحرمة ثابتة قبله اتفاقا- وقوله امتنع عن الإمساك بالمعروف فينوب القاضي منابه في التسريح- يقتضى ان يأمر القاضي الزوج بعد اللعان ان يطلقها فان امتنع من التطليق بفرق القاضي بينهما ولم يقل به أحد ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم امره بالتطليق وقول ابن عباس في حكم الرفع لكونه عالما بكيفية قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واما قول عويمر فمحمول على عدم علمه بوقوع الفرقة باللعان ومفهوم الشرط وان كان حجة عند الشافعي لكن يترك العمل به للقطع على ثبوت الحرمة المؤبدة- او يقال معنى قوله المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان ابدا إذا افترقا من التلاعن اى فرغا كما قال ابو حنيفة في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم المتبايعان بالخيار مالم يتفرقا حيث قال المراد بالتفرق تفرق الأقوال مسئلة إذا أكذب الزوج نفسه بعد التلاعن هل يجوز له ان يتزوجها قال الشافعي ومالك واحمد إذا أكذب نفسه يقبل ذلك فيما عليه لا فيماله فيلزمه حد القذف ويلحقه الولد ولا يرتفع التحريم المؤبد فلا يجوز له التزوج- وقال ابو حنيفة وهو رواية عن احمد انه جلد وجاز له ان يتزوجها لانه لمّا حد لم يبق أهلا للعان فارتفع حكمه المنوط به وكذلك ان قذف غيرها فحدّ به وكذا إذا زنت فحدت لانتفاء اهلية اللعان من جهتها- قلنا زوال اهلية اللعان لا يقتضى نفى اللعان من أصله الا ترى انه من قذف غيره فحدّ حدّ القذف ثم زنى المقذوف وحدّ حدّ الزنى لا يقبل شهادة القاذف بعد ذلك مع زوال اهلية المقذوف لان يحد قاذفه- قالت الحنفية معنى قوله صلى الله عليه وسلم المتلاعنان لا يجتمعان ابدا لا يجتمعان ماداما متلاعنين كما هو مفهوم العرفية قلنا معنى العرفية لا يتصور الا إذا كان العنوان وصفا قارّا والتلاعن وصف غير قار فلا يمكن الحكم بشرط الوصف بل المراد الذان صدر منهما اللعان في وقت من الأوقات لا يجتمعان

بعد ذلك ابدا- والقول بان معنى الحديث لا يجتمعان ماداماهما على تكاذبهما مصادرة على المطلوب والله اعلم (مسئلة) ولو كان القذف بنفي الولد نفى القاضي نسبه عنه والحقه بامه ويتضمنه القضاء بالتفريق عند من يشترط له القضاء ويقول في اللعان اشهد بالله انى لمن الصادقين فيما رميتك به من نفى الولد وكذا في جانب المرأة ولو قذفها بالزنى ونفى الولد ذكر في اللعان أمرين ثم ينفى القاضي نسب الولد ويلحقه بامه لحديث ابن عمران النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين الرجل وامرأته فانتفى من ولدها ففرق بينهما والحق الولد بالمرأة متفق عليه (مسئلة) وإذا قال الزوج ليس حملك منى فلا لعان عند ابى حنيفة وزفر واحمد لعدم تيقن الحمل عند نفيه فلم يصر قاذفا وقال مالك والشافعي يلاعن لنفى الحمل وقال ابو يوسف ومحمد إذا جاءت بالولد لاقل من ستة أشهر وجب اللعان- ومقتضى هذا القول انه يؤخر الأمر الى ان تلد فان ولدت لاقل من ستة أشهر وجب اللعان والا فلا وقد ورد في بعض طرق قصة هلال ما يدل على ان اللعان كان بعد الولادة روى الشيخان في الصحيحين عن ابن عباس في قصة هلال فقال عليه السّلام اللهم بين ووضعت شبيها بالذي ذكر زوجها انه وجد عند اهله فلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وجه قول مالك والشافعي ان النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين هلال وزوجته وقضى ان لا يدعى ولدها لاب ولا ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها او رمى ولدها فعليه الحد قال عكرمة وكان ولدها بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعى لاب- وهذا لفظ ابى داود وفي اكثر الطرق ان امراة هلال كانت حاملا حين لاعنت وروى النسائي عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته وكانت حبلى- واخرج عبد الرزاق هكذا ايضا وقال زوجها ما قربتها منذ عفار النخل وعفار النخل انها لا تسقى بعد الآبار شهرين فقال عليه السّلام

اللهم بيّن فجاءت بولد على الوجه المكروه وبهذا يظهر جواز اللعان بنفي الحمل وأجيب بان اللعان انما ثبت لان هلالا رماها بالزنى لا بنفي الحمل وما ورد في رواية وكيع عند احمد انه لاعن هلال بالحمل فقد أنكره احمد وقال انما وكيع اخطأ فقال لاعن بالحمل وانما لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء فشهد بالزنى ولم يلاعن بالحمل قلت والظاهر انه رماها بكلا الامرين كما يدل عليه ما ذكر البغوي عن ابن عباس وقتادة- ولو كان رماها بالزنى فحسب لم ينف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه الولد مع احتمال كون العلوق بوطي اخر من هلال غير وطى الزاني فبحديث هلال لا يثبت جواز اللعان بنفي الحمل فقط- وكذا قول ابن عباس لاعن بين العجلاني وامرأته وكانت حبلى لا يدل على ان الرمي كان بنفي الحمل فقط- بل ما روى ابن سعد في الطبقات في ترجمة عويمر عن عبد الله بن جعفر قال شهدت عويمر بن الحارث العجلاني وقد رمى امرأته بشريك بن سمحا وأنكر حملها فلا عن بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى حامل فرايتهما يتلاعنان قائمين عند المنبر ثم ولدت فالحق الولد بالمرأة وجاءت به أشبه الناس بشريك بن سمحا- وكان عويمر قد لامه قومه وقالوا امراة لا نعلم عليها الا خيرا فلما جاءت بشبه بشريك عذر الناس- وعاش المولود سنتين ثم مات وعاشت امه بعده يسيرا وصار شريك بعد ذلك عند الناس بحال سوء يدل على انه رمى امرأته بالزنى وأنكر حملها مع ذلك- ووجه قول ابى يوسف ومحمد انه إذا نفى الحمل وجاءت بالولد لاقل من ستة أشهر ظهر وجود الحمل عند الرمي فتحقق القذف عنده فيلاعن عليه- قال ابو حنيفة إذا لم يكن قذفا في الحال صار كالمعلق بالشرط كانه قال ان كنت حاملا فليس حملك منى والقذف لا يصح تعليقه بالشرط- (مسئلة) ولو قال زنيت وحملك من الزنى تلاعنا اجماعا لوجود القذف حيث ذكر الزنى صريحا ولا ينفى القاضي الحمل عند ابى حنيفة رحمه الله- وقال الشافعي ينفيه لان النبي صلى الله عليه وسلم نفى الولد عن هلال وقد قذفها حاملا

قال ابو حنيفة الاحكام لا يترتب عليه الا بعد الولادة فتمكن الاحتمال قبله والحديث محمول على ان النبي صلى الله عليه وسلم عرف وجود الحمل بطريق الوحى- قلت وهذا القول بعيد جدّا لان النبي صلى الله عليه وسلم انما كان يحكم على ظاهر الأمر حتى يقتدى به ولم يكن يحكم بالحكم الحاصل بالوحى والا لم يقل أحد كما كاذب ويحكم بكذب واحد معين بالوحى. (مسئلة) إذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة فعند الشافعي ان نفى حين سمع الولادة فورا صح نفيه ولاعن به وان سكت ثم نفى لاعن وثبت النسب وقال ابو حنيفة صح نفيه حالة التهنئة ولم يعين لها مدة في ظاهر الرواية وذكر ابو الليث عن ابى حنيفة تقديرها بثلاثة ايام وروى الحسن عنه سبعة ايام وقال ابو يوسف ومحمد صح نفيه في مدة النفاس وكان القياس ان لا يجوز النفي الا فورا لان السكوت دليل الرضا الا انا استحسّنا جواز تأخيره مدة يقع فيها التأمل لئلا يقع في نفى ولده عن نفسه او استلحاق ولد غيره بنفسه وكلاهما حرام- عن ابى هريرة انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لما نزلت اية الملاعنة ايّما امراة ادخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته وايّما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رءوس الأولين والآخرين- رواه ابو داؤد والنسائي والشافعي وابن حبان والحاكم وصححه الدار قطنى وفي الصحيحين عن سعد بن ابى وقاص وابى بكرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه وهو يعلم انه غير أبيه فالجنة عليه حرام (مسئلة) لو كان الزوج غائبا يعتبر المدة الّتي ذكرناها على الأصلين بعد قدومه فعندهما قدر مدة النفاس وعنده قدر مدة قبول التهنية (مسئلة) جاز للزوج قذف زوجته علم زناها او ظنه ظنّا مؤكدا كشياع زناها بزيد مع قرينة بان راهما في خلوة لو أتت بولد علم انه ليس منه بان- لم يطأها- او

[سورة النور (24) : آية 10]

ولدت لدون ستة أشهر من وقت وطيها او فوق سنتين- ولو ولدت لما بينهما ولم تستبرئى بحيضة حرم النفي- ولو ولدت لفوق ستة أشهر من الاستبراء حل النفي- (مسئلة) ولو وطى وعزل او علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزنى حرم النفي والله اعلم. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يا امة محمّد وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ يعود بالرحمة على من يرجع من المعاصي بالندم والاستغفار حكيم (10) فيما فرض عليكم من الحدود وفي غيرها جواب لولا محذوف لتعظيمه اى لفضحكم وعاجلكم بالعقوبة والله اعلم اخرج الشيخان وغيرهما عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها اهل الافك ما قالوا فبرّاها الله مما قالوا وكلّ حدثنى طائفة من الحديث وبعض حديثهم يصدق بعضا وان كان بعضهم اوعى له من بعض- الّذي حدثنى عروة ان عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا اقرع بين نسائه فايّتهن خرج سهمها خرج بها فاقرع بيننا في غزوة «1» غزاها فخرج سهمى فخرجت وذلك بعد ما نزل الحجاب فكنت احمل في هودجى وانزل فيه- فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل دنونا من المدينة قافلين اذن ليلة بالرحيل فقمت فمشيت حتى جاوزت الجيش- فلمّا قضيت شأنى أقبلت الى رحلى فلمست صدرى فاذا عقد من جزع اظفار «2» قد انقطع فرجعت فالتمست عقدى فجسنى ابتغاؤه

_ (1) هى غزوة بنى المصطلق في السنة السادسة- الفقير الدهلوي- (2) الأظفار جنس من الطيب لا واحد له من لفظه وقيل واحده ظفر وقيل هو من العطر اسود والقطعة منه شبهة بالظفر وجزع اظفار هكذا روى وأريد به العطر المذكور كان يؤخذ ويثقب ويجعل في العقد والقلادة- والصحيح في الروايات انه من جزع ظفار بوزن قطام وهى اسم مدينة لحمير باليمن- والجزع ظفار الخرز اليماني- نهاية- حاصل انكه جزع ظفار ظفار الطيبة يعنى وجزع اظفار عقيق يمانى- 12 منه رحمه الله-

واقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لى فحملوا هودجى فرحلوه على بعيري الّذي اركب عليه وهم يحسبون انى فيه- وكان النساء إذ ذك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم انما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا- ووجدت عقدى بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيمت منزلى الّذي كنت فيه فظننت ان القوم سيفقدونى فيرجعون الىّ- فبينما انا جالسة في منزلى غلبتنى عينى فنمت- وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكوانى قد عرس وراء الجيش فادلج فاصبح عند منزلى فراى سواد انسان نائم فعرفنى حين راتى وكان رانى قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفنى فخمرت وجهى بجلبابي- والله ما كلمنى كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وقد أناخ راحلته فوطى على يدها فقمت إليها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى اتينا الجيش بعد ما نزلوا موعرين «1» فى نحر الظهيرة فهلك من هلك في شأنى وكان الّذي تولّى كبر الافك عبد الله بن أبيّ بن سلول فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرا والناس يفيضون في قول اهل الافك ولا أشعر بشيء من ذلك- وهو يريبنى في وجعي ان لا اعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الّذي كنت ارى منه حين اشتكى انما يدخل علّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول كيف يتكم ثم ينصرف فذلك يريبنى ولا أشعر بالسرّ حتى خرجت حين نقهت فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وكان متبرزنا وكنا لا نخرج الا ليلا وذلك قبل ان يتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا امر العرب الاول في البرية قبل الغائط فكنا نتاذّى بالكنف ان نتخذها عند بيوتنا- قالت فانطلقت انا وأم مسطح (وهى ابنة ابى دهم بن عبد مناف

_ (1) وفي الصحيح للبخارى رحمه الله موغرين بالغين المعجمة لا بالعين المهملة قال في مجمع البحار موغرين من وغرت الهاجرة وأوغر الرجل دخل في ذلك الوقت ووغر صدره إذا اغتاظ او حمى واوغره غيره قال وروى موعرين بعين مهملة على ضعف انتهى الفقير الدهلوي-

وأمها بنت صخر بن عامر خالة ابى بكر الصديق وابنها مسطح بن اثاثة) فاقبلت انا وأم مسطح قبل بيتي قد فرغنا من شأننا- فعثرت أم مسطح في من طها قبل المناصع فقالت تعس «1» مسطح فقلت لها بئس ما قلت اتسبين رجلا شهد بدرا قالت ابى بنتاه الم تسمعى ما قال قلت ماذا قال فاخبرتنى بقول اهل الافك فازددت مرضا الى مرضى- فلما رجعت الى بيتي ودخل علّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال كيف تيكم قلت أتأذن لى ان اتى ابوىّ- وانا أريد ان أتيقن الخبر من قبلهما فاذن لى فجئت أبوي وقلت لامّى يا أماه ماذا يتحدث الناس- فقالت يا بنية هونى عليك فو الله لقل ما كانت امراة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر الا أكثرن عليها قلت سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لايرقألى دمع ولا اكتحل بنوم ثم أصبحت ابكى- ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ بن ابى طالب واسامة بن زيد حسين استلبث الوحى يستشيرهما في فراق اهله- فامّا اسامة فاشار عليه بالذي يعلم من براءة اهله وفي رواية وبالذي يعلم بهم في نفسه من الود فقال اسامة يا رسول الله «2» أهلك ولا نعلم الا خيرا- واما علىّ فقال لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثيرة وان تسئل الجارية تصدقك- فدعا بريرة فقال اى بريرة هل رأيت من شيء يربيك من عائشة قالت له بريرة والّذي بعثك بالحق ما رايت عليها امرا قط أغمصه عليها اكثر من انها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتاكله قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر «3» من عبد الله بن أبيّ فقال يا معشر المسلمين من يعذرنى «4» من رجل قد بلغني أذاه في اهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي الا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خيرا وما يدخل على أهلي الا معى قالت فقام سعد بن معاذ رضى الله عنه (أخو بنى عبد الأشهل) يا رسول الله انا عذرك «5»

_ (1) فى مجمع البحار تعس مسطح اى عثروا نكب لوجهه هو بفتح عين وكسرها انتهى الفقير الدهلوي- (2) أهلك بالنصب اى امسك أهلك او بالرفع اى هم أهلك- الفقير الدهلوي- (3) فاستعذر. [.....] (4) من يعذرنى من رجل. (5) انا أعذرك- يعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقوم يعذرى ان كافاته على سوء صنيعه فلا يلومنى فقال سعد انا- نهاية منه رحمه الله تعالى-

فان كان من الأوس اضرب عنقه وان كان من إخواننا من الخزرج امرتنا ففعلنا أمرك- قالت وقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج- قالت وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد كذبت لعمر «1» الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من أهلك ما احسب ان تقتله- فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين- فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ان يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر- قالت فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت- قالت فبكيت يومى ذلك لا يرقألى دمع ثم بكيت تلك الليلة لا يرقألى دمع ولا اكتحل بنوم وأبواي يظنان ان البكاء فالق كبدى- فبينماهما جالسان عندى وانا ابكى استأذنت علىّ امراة من الأنصار فاذنت لها فجلست تبكى معى- ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس قالت ولم يجلس عندى منذ قيل لى ما قيل قبلها وقد لبث شهرا لا يوحى اليه في شأنى شيء- قالت فتشهد ثم قال اما بعد يا عائشة فانه قد بلغني عنك كذا وكذا فان كنت بريّة فسيبرئك الله وان كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله ثم توبى اليه فان العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه- فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعى حتى ما أحس منه قطرة فقلت لالى أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال فقال والله ما أدرى ما أقول فقلت لامى أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله ما أدرى ما أقول فقلت (وانا جارية حديثة السن لا اقرأ كثيرا من القرآن) والله لقد عرفت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم انى بريّة والله يعلم انى برية لا تصدقونى ولان اعترفت لكم بامر والله يعلم انى منه بريّة لتصدقونى والله لا أجد لى ولكم مثلا الا كما قال ابو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون

_ (1) لعمر الله قال القسطلاني هو بفتح العين اى وبقاء الله انتهى الفقير الدهلوي.

[سورة النور (24) : آية 11]

ثم تحولت فاضطجعت على فراشى- قالت وانا حينئذ اعلم انى بريّة وان الله مبرئنى ببراءتي ولكن ما كنت أظن ان الله منزل في شأنى وحيا يتلى ولشأنى في نفسى كان احقر من ان يتكلم الله فيّ بامر يتلى ولكن أرجو ان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رويا يبرئنى الله بها- فو الله ما رام «1» رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من اهل البيت أحد حتى انزل الله على نبيه فاخذه ما كان يأخذه من برحاء الوحي حتى انه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات من ثقل القول الّذي ينزل عليه- فلمّا سرى عنه سرى عنه وهو يضحك وكان أول كلمة تكلم بها ان قال أبشري يا عائشة اما الله فقد براك- فقالت لى أمي قومى اليه فقلت والله لا أقوم اليه ولا احمد الا الله وهو الّذي انزل براءتي- وانزل الله. إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عشر آيات والافك ابلغ ما يكون من الكذب وهو في الأصل الصرف والقلب وذلك ان عائشة كانت تستحق الثناء والدعاء لما كانت عليه من الحصانة والشرف ولما كانت بنتا للصديق زوجا للرسول صلى الله عليه وسلم امّا للمؤمنين واجبة الإكرام والاحترام فمن رماها بسوء قلب الأمر عن وجهه غاية القلب عُصْبَةٌ وهى جماعة من الناس من العشرة الى الأربعين لا واحد لها من لفظها كذا في النهاية مِنْكُمْ يعنى من المؤمنين روى البخاري وغيره عن عائشة كانت تقول اما زينب بنت جحش فعصمها الله بدينها لم تقل الا خيرا واما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك- وكان الّذي يتكلم مسطح وحسان بن ثابت وعبد الله بن ابى المنافق وهو الّذي كان يستوشيه ويجمعه- وقال البغوي قال عروة لم يسم من اهل الافك إلا حسان بن ثابت ومسطح بن اثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لى بهم غير انهم عصبة كما قال الله تعالى- قال عروة وكانت عائشة تكره ان يسب عندها حسان وتقول انه الّذي قال شعر. فانّ ابى وأمي وأولادي وعرضى ... لعرض محمد منكم وفاء «2»

_ (1) ما رام اى ما فارق مجلسه- قسطلانى- الفقير الدهلوي. (2) الصحيح من الرواية فان ابى ووالدتي وغرضى ... لعرض محمّد منكم وقاء - الفقير الدهلوي.

لا تَحْسَبُوهُ خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين غير العصبة فان شتم عائشة كان راجعا الى النبي صلى الله عليه وسلم فيسوءه ويسوع جميع المؤمنين فانه كان أبوهم صلى الله عليه وسلم يعنى لا تزعموه شَرًّا لَكُمْ حيث يأمركم على ذلك ويظهر كرامتكم على الله وينزل على رسوله في براءتها وتعظيم شأنها وتهويل الوعيد لمن تكلم بالإفك ما يتلى في المحاريب الى يوم القيامة- وجملة لا تَحْسَبُوهُ مستأنفة كانّه في جواب ما شأن هذا الافك- او معترضة للتسلية لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ اى من العصبة الكاذبة مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ اى جزاء إثمه على مقدار خوضه فيه كان بعضهم افترى وأحب ان يشيع وبعضهم تكلم به بعد ما سمع من غيره وبعضهم ضحك ولم يتكلم وبعضهم سكت من غير رد- الموصول واعل للظرف او مبتدا خبره الظرف المقدم عليه والجملة صفة لعصبة وخبر ثان لان- قال البغوي روى ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بالذين رموا عائشة فجلدوا الحدود جميعا تمانين ثمانين- قلت فالحد والفضيحة جزاؤهم في الدنيا وجزاؤهم في الاخرة على ما أراد الله تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ قرا يعقوب بضم الكاف والعامة بكسرها قال الكسائي هما لغتان اى تحمّل معظمه يعنى بدأ به واذاعه عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعييرا للمؤمنين- قال البغوي روى الزهري عن عائشة وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11) قالت هو عبد الله بن ابى ابن سلول والعذاب العظيم هو النار في الاخرة- وروى ابن ابى مليكة عن عروة عن عائشة في حديث الافك قالت ثم ركبت وأخذ صفوان بالزمام فمررنا بملأ من المنافقين وكانت عادتهم ان ينزلوا منتبذين من الناس فقال عبد الله بن أبيّ رئيسهم من هذه قالوا عائشة قال والله ما نجت منه وما نجا منها وقال امراة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقود بها- وقيل المراد بالّذى تولّى كبره عبد الله بن أبيّ بن سلول وحسان ومسطح وحمنة وهذا القول ضعيف ولو كان كذلك لقال الله تعالى والّذين تولّوا

[سورة النور (24) : آية 12]

كبره وايضا كان مسطح وحسان ممن شهد بدرا وقد غفر الله لاهل بدر ما تقدم من ذنبهم وما تأخر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل بدر اعملوا ما شئتم فان الله قد غفر لكم وقد قال الله تعالى في حق جميع الصحابة وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى يعنى الجنة- وهذه الاية لا ينافى العذاب لان دخول الجنة قد يكون بعد التعذيب- وقال قوم هو حسان بن ثابت روى البخاري عن مسروق قال دخلت على عائشة وعندها حسان بن ثابت ينشرها شعرا يشبب بأبيات له شعر حصان «1» رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل فقالت له عائشة لكنك لست كذلك قال مسروق فقلت لها لم تأذني «2» له ان يدخل عليك وقد قال الله وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ- قالت واىّ عذاب أشد من العمى وقد كان يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى كان يهجو المشركين إذا كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم- وعلى هذا المراد بالعذاب العظيم عذاب الدنيا ولكن الصواب هو الاول-. لَوْلا هلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ اى حديث الافك من المنافقين ايها العصبة المؤمنة ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ اى باهل دينهم من المؤمنين والمؤمنات يعبر من اهل الدين بالأنفس كما في قوله تعالى لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وقوله تعالى لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وقوله تعالى لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وقوله تعالى فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ- لان المؤمنين واهل كل دين من الأديان كنفس واحدة خَيْراً كان حق الكلام لولا إذ سمعتموه ظننتم بانفسكم خيرا فعدل من الخطاب

_ (1) الحصان المرأة العفيفة- الرزان امراة ذات ثبات ووقار وسكون- والرزانة في الأصل الثقل لا تزن اى لاتتهم والزنة التهمة- غرثى المرأة الجائعة- يعنى زنيست عفيفه با وقار وسكينه تهمت كرده نميشود بچيزى كه موجب شك باشد وصبح مى كند در حاليكه خاليست شكم او از گوشت زنان غافلات يعنى غيبت هيچكس نميكند- 12 منه رحمه الله (2) وفي الصحيح للبخارى قلت (اى قال مسروق قلت لعائشة) تدعين (بحذف همزة الاستفهام اى اتتركين) فما قاله المفسر رحمه الله تعالى لا يستقيم بوجه لان لم الاستفهامية لا تجزم المضارع وعلى جعل قوله لم تأذني نهيا لا يمكن ان تقام لم الجازمة مقام لا للنهى فالاولى ان يقال ان الصحيح من المفسر رحمه الله تعالى لم تأذنين استفهام والغلط من الناسخ والله تعالى اعلم- الفقير الدهلوي.

[سورة النور (24) : آية 13]

الى الغيبة مبالغة في التوبيخ واشعارا بان الايمان يقتضى حسن الظن بالمؤمنين والكف عن الطعن فيهم وذب الطاعنين عنهم كما يذبون عن أنفسهم- وانما جاز الفصل بين لولا وفعله بالظرف لانه نازل منزلته من حيث انه لا ينفك عنه ولذلك يتسع فيه ما لا يتسع في غيره- وانما قدم الظرف لان ذكر الظرف أهم فان التخصيص على ان لا يخلوا باوله وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) كما يقول المستيقن المطلع على الحال لان الايمان سبب للمدح والتعظيم- فمن اتى بالسبّ والطعن فقد افك الأمر وقلّبه وصار عاصيا فاسقا بالافتراء او الغيبة وشهادة الفاسق غير مقبولة- (مسئلة) من لههنا يظهران حسن الظن بالمؤمنين واجب لا يجوز تركه ما لم يظهر بدليل شرعى خلاف ذلك. لَوْلا هلا جاؤُ عَلَيْهِ اى على ما زعموا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ حتى يجب الحد على المقذوف فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ الاربعة فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (13) فى ادعائهم الحسبة فان من رمى أحدا بالفاحشة فان اتى بالشهداء (حتى حد المقذوف) يحتمل كون إرادته بالرمي الزجر عن المعاصي وان لم يأت بالشهداء فلا وجه لقذفه الا اشاعة الفاحشة على المسلم دون اقامة حد شرعى فهو كاذب في دعواه الحسبة- وقيل معنى الاية فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ اى في حكمه وشريعته كاذبون حتى أوجب عليهم حد القذف فعلى هذا الظرف متعلق بمضمون قوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ والمعنى فاذ لم يأتوا باربعة شهداء يقام عليهم الحد لكونهم من الكاذبين حكما- قال البغوي روى عن عائشة انه لما نزلت هذه الآيات حدّ النبي صلى الله عليه وسلم اربعة نفر عبد الله بن أبيّ وحسان بن ثابت ومسطح بن اثاثة وحمنة بنت جحش.

[سورة النور (24) : آية 14]

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ايها المؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا بانواع النعم الّتي من جملتها التوفيق للاسلام وادراك صحبة النبي صلى الله عليه وسلم الّتي هى مانعة من نزول العذاب والامهال والتوبة وَلولا فضله ورحمته في الْآخِرَةِ حتى وعدكم فيها بالعفو والمغفرة والحسنى الى الجنة لَمَسَّكُمْ ايها العصبة في الدنيا والاخرة فِيما أَفَضْتُمْ اى لاجل ما خضتم فِيهِ من الافك قيل الافاضة بمعنى الاشاعة يقال خبر مستفيض اى شائع عَذابٌ عَظِيمٌ (14) كما مس عادا وثمود وقوم لوط والمؤتفكات في الدنيا ما أوجب الاستيصال وفي الاخرة ما لا انقطاع له ولا عذاب فوقه- لهذه الاية في شأن المؤمنين من اهل الافك وبهذا يظهر ان قوله تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ محض باهل النفاق منهم وهو عبد الله بن أبيّ ومن كان معه من المنافقين كزيد بن رفاعة فان لولا لامتناع الشيء لوجود غيره- فهذه الاية تدل على امتناع العذاب لوجود الفضل والرحمة وقوله تعالى والّذي تولى كبره يدل على ثبوت العذاب لهم. إِذْ ظرف لمسكم او أفضتم تَلَقَّوْنَهُ حذفت احدى التاءين من تتلقونه بِأَلْسِنَتِكُمْ اى يأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه قال الكلبي وذلك ان الرجل منهم يلقى الرجل فيقول بلغني كذا وكذا يعنى فماذا شأنه فيتلقونه تلقيا- وقال مجاهد يرويه بعضهم من بعض وقال الزجاج تلقه بعضكم من بعض وقرات عائشة إذ تلقونه بكسر اللام وتخفيف القاف من ولق يلق ولقا بمعنى الكذب وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ اى تقولون كلاما مختصّا بالأفواه لا مصداق لها في الخارج وليس لكم به علم لان العلم فرع الوجود في الخارج وَتَحْسَبُونَهُ اى خوضكم في الافك هَيِّناً سهلا لا تبعة له وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) يعنى والحال انه عند الله عظيم في الوزر واستجرار العذاب فان قذف المحصنات من كبائر الذنوب وعامة العذاب بما صدر من الألسن لا سيما ما فيه هتك هرمة الرسول- عن معاذ بن جبل قال قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلنى الجنة

[سورة النور (24) : آية 16]

ويباعدنى من النار قال لقد سالت عن عظيم وانه ليسير على من يسر الله عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكوة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال الا ادلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلوة الرجل في جوف الليل ثمّ تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون ثم قال ألا أدلك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه قلت بلى يا رسول الله قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال الا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله فاخذ بلسانه وقال كف عليك هذه قلت يا نبىّ الله وانّا مواخذون بما نتكلم به قال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم او على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم رواه احمد والترمذي وابن ماجة-. وَلَوْلا هلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ايها المؤمنون هذا الافك والكلام الباطل من المنافقين قُلْتُمْ ردّا عليهم فصل بين لولا وفعله بالظرف لانه يتسع فيه ما لا يتسع في غيره وفائدة تقديم الظرف بيان ان الواجب هذا القول على فور الاسماع بالإفك فلما كان ذكر الوقت أهم قدم به ما يَكُونُ لَنا اى ما يصح ولا ينبغى لنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا يجوز ان يكون الاشارة بهذا الى المخصوص وان يكون الى نوعه- فان تعرض «1» الصديقة بنت الصديق حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد على النفوس السليمة مع ان قذف أحد من المحصنين محرم شرعا يوجب الفسق والجلد ورد الشهادة ابدا سُبْحانَكَ اللهم يعنى تنزه لله تعالى من ان يكون حرم نبيه فاجرة فان فجورها يرجع بالسوء والسباب الى الزوج- والنبي مبعوث الى الكفار ليدعوهم فيجب ان لا يكون معه ما ينفرهم عنه فجاز ان يكون امراة النبي كافرة كما كانت امراة نوح وامراة لوط عليهما السّلام ولا يجوز ان يكون فاجرة فهذا تقرير لما قبله وتمهيد لقوله هذا بُهْتانٌ اى زور يبهت من يسمع عَظِيمٌ (16) لعظمة المبهوت عليه

_ (1) هكذا في الأصل ولعل الأحسن فان التعريض او التعرض بالصديقة إلخ الفقير الدهلوي.

[سورة النور (24) : آية 17]

فان حقارة الجنايات وعظمها باعتبار المجنى عليه. يَعِظُكُمُ اللَّهُ الوعظ زجر مقترن بتخويف وقال الخليل هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب يعنى يذكركم الله عقابه ويخوفكم في أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ لمثل هذا القول القبيح واستماعه أَبَداً ما دمتم احياء او المعنى يزجركم ويخوفكم من مثل هذا القول كراهة ان تعودوا لمثله ابدا وقال مجاهد ينهاكم الله ان تعود والمثلة ابدا وجملة يعظكم صفة لبهتان عظيم او معترضة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) شرط مستغن عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنتم مؤمنين فاتعظوا ولا تعود والمثلة ابدا فان الايمان يمنع عنه فمن سبّ عائشة وهم الروافض ليسوا مؤمنين. وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ الدالة على الشرائع من الأوامر والنواهي ومحاسن الآداب والأخلاق وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالمحاسن والمقابح فيأمر بالمحاسن وينهى عن المقابح او عليم بالأحوال كلها بامر عائشة وبراءتها وامر القاذفين وكذبهم حَكِيمٌ (18) فى تدابيره لا يجوز نسبة السوء الى نبيه ولا يقرره عليها. إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ وهى ما قبح جدّا فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا بالحد وَالْآخِرَةِ بالنار وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما في الضمائر من الحسبة او اشاعة الفاحشة فيعذب من يريد اشاعة الفاحشة وَأَنْتُمْ ايها الناس لا تَعْلَمُونَ (19) ذلك فعليكم اتباع ظاهر الأمر فمن قذف وكان له شهود اربعة فاحسنوا الظن به واعلموا انه انما اظهر امر الزنى حسبة لاقامة حد من حدود الله واخلاء العالم عن الشر- ومن لم يجد الشهود فاعلموا انه يحب اشاعة الفاحشة حيث لا يمكنه اقامة الحد فعذبوه بحدّ القذف وهو في حكم الله من الكاذبين حتى أوجب عليه حدّ المفترين وان كان صادقا في الواقع. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ايها المؤمنون الخائضون في امر عائشة وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20) بكم لعذبكم في الدنيا بالاستيصال وفي الاخرة بالنار- المؤبدة لكن الله غفركم ببركة صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم مع الايمان حذف جواب لولا استغناء بذكره مرة وكرر التخويف والامتنان للدلالة على

[سورة النور (24) : آية 21]

عظم الجريمة- قال ابن عباس أراد الله سبحانه بقوله إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ الاية عبد الله بن ابى وأصحابه من المنافقين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا الحد وفي الاخرة النار المؤبدة وأراد بقوله. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ مسطحا وحسان وحمنة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ اى اثاره باشاعة الفاحشة قرا نافع والبزي وابو عمرو وأبو بكر وحمزة خطوات بسكون الطاء والباقون بضمها وقرئ بفتح الطاء وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ اى ما أفرط قبحه عقلا ونقلا وَالْمُنْكَرِ اى ما أنكره الشرع- بيان لعلة النهى عن اتباعه وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ايها المؤمنون من العصبة بتوفيق التوبة الماحية للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها ما زَكى ما طهر من معصية الافك مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ ... من زائدة ومحله الرفع أَبَداً اخر الدهر وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ بحمله على التوبة وقبولها وَاللَّهُ سَمِيعٌ لمقالهم عَلِيمٌ (21) بنياتهم روى الشيخان وغيرهما في حديث الافك قال أبو بكر الصديق (وكان ينفق على مسطح بن اثاثة لقرابته منه وفقره) والله لا أنفق على مسطح شيئا ابدا بعد الّذي قال لعائشة ما قال فانزل الله تعالى. وَلا يَأْتَلِ اى لا يحلف افتعال من الالية بمعنى القسم او المعنى لا يقصر من الألو بمعنى التقصير- والاولى هاهنا معنى القسم لما ذكرنا ان أبا بكر كان قد اقسم ويؤيده قراءة ابى جعفر ولا يتالّ بتقديم التاء وتأخير الهمزة من التفعيل «1» من الالية أُولُوا الْفَضْلِ في الدين وهو الظاهر كيلا يلزم التكرار بقوله والسّعة ولان النهى انما هو لاهل الفضل في الدين نظرا الى منزلتهم وفضلهم وإلا فترك بذل ماله في مقابلة الإيذاء ليس بمحرم موثم مِنْكُمْ يعنى أبا بكر وأمثاله وفيه دليل على فضل ابى بكر وشرفه او المعنى ولا يترك أولوا الفضل منكم وَالسَّعَةِ يعنى الغنا في الدنيا فان النفقة عن ظهر غنى

_ (1) بل من التفعل كالتجلى والتمني- الفقير الدهلوي.

[سورة النور (24) : آية 23]

أَنْ يُؤْتُوا اى على ان يؤتوا او في ان يؤتوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعنى مسطحا وأمثاله فهى صفات لموصوف واحد اى ناسا جامعين لهذه الصفات او الموصوفين أقيمت الصفات مقام موصوفيها فيكون ابلغ في تعليل المقصود لان مسطحا كان مسكينا مهاجرا بدريّا ابن خالة ابى بكر وَلْيَعْفُوا ما فرط منهم وَلْيَصْفَحُوا بالإغماض عنه أَلا تُحِبُّونَ يا اولى الفضل والسعة أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ما فرطتم في جنب الله لاجل عفوكم وصفحكم وإحسانكم الى من أساء إليكم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) مع كثرة آلائه وحقوقه وكمال قدرته على الانتقام فتخلقوا بأخلاقه روى الشيخان وغيرهما في ذلك القصة انه لما نزل هذه الاية قال أبو بكر والله انى أحب ان يغفر الله لى ورجع الى مسطح النفقة الّتي كان ينفق عليه قال والله لا انزعها منه ابدا عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الواصل المكافي ولكن الواصل الّذي إذا قطعت رحمه وصلها- رواه البخاري قال ابن عباس والضحاك اقسم ناس من الصحابة منهم أبو بكر ان لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من الافك ولا ينفعوهم فانزل الله هذه الاية. إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ العفيفات الْغافِلاتِ عن الفاحشة اللائي لا تقع الفاحشة في قلوبهن الْمُؤْمِناتِ بالله ورسوله لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لما طعنوا فيهن كذبا وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) فى نار جهنم ولهذا حكم كل قاذف قذف محصنة مؤمنة غافلة وقوله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ الاية حكم كل قاذف محصنة غافلة كانت اولا- فالجلد وعدم قبول الشهادة حكم كل قاذف سواء كان في قذفه صادقا لم يجد الشهود او كان كاذبا واللعن يختص بمن قذف كاذبا فان المقذوفة غافلة عما افترى عليها فان جريمته أعظم واكبر لكنه لا يستلزم الكفر إذ اللعن منها ما يستحقه بعض من ارتكب الكبائر دون الكفر كقاتل النفس عمدا- وقال مقاتل هذا الحكم خاص في عبد الله بن ابى ومطمح نظره

[سورة النور (24) : آية 24]

ان اللعن يختص بالكفار اخرج الطبراني عن خصيف قال قلت لسعيد بن جبير أيهما أشد الزنى او القذف قال الزنى قلت ان الله يقول إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ قال ذلك لعائشة خاصة- وفي اسناده يحيى الحماني ضعيف وكذا ذكر البغوي عن خصيف وروى عن العوام بن حوشب عن شيخ من بنى كاهل عن ابن عباس قال هذه في شأن عائشة وازواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ليس فيها توبة- ومن قذف امراة مؤمنة فقد جعل الله له توبة ثم قرا وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ الى قوله إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لاولئك توبة- وكذا اخرج الطبراني عن الضحاك بن مزاحم ان الاية في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وقال الآخرون نزلت هذه الاية في ازواج النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك كذلك حتى نزلت الاية الّتي في أول السورة وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ الى قوله تعالى فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- فانزل الله الجلد والتوبة- قلت ومبنى هذه الأقوال أمران أحدهما ان سبب نزول الاية كان قصة الافك وثانيهما ان اللعن لم يرد في شيء من المعاصي غير الكفر لكن خصوص السبب لا يقتضى تخصيص عموم الاية والعبرة لعموم اللفظ- واللعن قد ورد على بعض الكبائر كقتل النفس عمدا وعدم ذكر التوبة والمغفرة في هذه الاية لا يقتضى عدم قبول التوبة وعدم المغفرة مطلقا- وقد قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فلا وجه لتخصيص عموم الاية والله اعلم. يَوْمَ تَشْهَدُ قرا حمزة والكسائي بالياء التحتانية لتقدم الفعل والفصل والباقون بالتاء الفوقانية والظرف متعلق بما في لهم من معنى الاستقرار لا للعذاب لانه موصوف عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) روى ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابى موسى الأشعري قال يدعى المؤمن للحساب

يوم القيامة فيعرض عليه ربّه عمله فيما بينه وبينه فيعترف ويقول اى رب عملت عملت فيغفر الله ذنوبه ويستره منها قال فما على الأرض خليقة يرى من تلك الذنوب شيئا وتبدوا حسناته فرووا الناس كلهم يرونها- ويدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض عليه ربّه عمله فيجحده فيقول اى رب وعزتك لقد كتب علىّ هذا الملك ما لم اعمل فيقول الملك اما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا فيقول لا وعزتك فاذا فعل ذلك ختم على فيه قال ابو موسى فانى احسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى ثم تلا اليوم نختم على أفواههم الاية واخرج ابو يعلى والحاكم وصححه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه واخرج احمد بسند جيد والطبراني عن عقبة بن عامر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال- واخرج احمد والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية بن جيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجيئون يوم القيامة على أفواههم الفدام فاول ما يتكلم من الآدمي فخذه وكفه- وروى مسلم عن ابى هريرة حديثا طويلا في روية الله «1» سبحانه وفيه فينطق فخذه ولحمه وعظمه بعمله وذلك المنافق الّذي يسخط الله عليه- فان قيل قال الله سبحانه هاهنا تشهد عليهم ألسنتهم وقال في موضع اخر الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ فما وجه التطبيق قلنا المراد بقوله نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ انهم لا ينطقون بإرادتهم وذلك لا ينافى شهادة الالسنة عليهم من غير اختيارهم والله اعلم- قال القرطبي وانما يشهد الأعضاء على من قرا كتابه ولم يعترف بما فيه وجحد وخاصم فيشهد عليه جوارحه بسيئاته- قلت فهذه الاية تدل على ان ما سبق من الاية في عبد الله بن أبيّ كما قال قتادة والله اعلم

_ (1) وقد راجعت الصحيح لمسلم ولم أحده في باب روية الله سبحانه وتعالى والحديث المذكور في كتاب الزهد في فصل في بيان ان الأعضاء منطقة شاهدة يوم القيامة في المجلد الثاني من الصحيح لمسلم رحمة الله تعالى- الفقير الدهلوي. .

[سورة النور (24) : آية 25]

يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ اى جزاءهم الواجب وقيل حسابهم العدل وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) اى الثابت الموجود بذاته موجد الأشياء كلها جواهرها واعراضها قيوم الحقائق بأسرها وجودات ما سواه كانها ظلال لوجوده المتأصل الظاهر ألوهيته لا يشاركه في ذلك غيره ولا يقدر على الثواب والعقاب سواه او ذو الحق البين اى الظاهر عدله او المبين ما كان يعدهم في الدنيا- قال ابن عباس وذلك ان عبد الله بن أبيّ كان يشك في الدين فيعلم يوم القيامة أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ- قلت لعل معنى قول ابن عباس رضى الله عنهما ان الناس لا سيما الكفار منهم يزعمون لله وجودا موهوما حتى ليسندون الحوادث الى الدهر او الكواكب او نحو ذلك ويحسبون النفع والضر من العباد لا يخافون الله كما يخافون سلاطين الدنيا- فاذا كان يوم القيامة يبدأ لهم ما لم يكونوا يحتسبون ويعلمون انّ الله هو الحقّ المبين-. الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ قال اكثر المفسرين معناه الخبيثات من الكلمات يعنى كلمات الذم والتحقير والشتم ونحو ذلك يستحقها الخبيثون من الناس والخبيثون من الناس يستحقون الذم ونحو ذلك والطيبات من الكلمات من المدح والثناء والدعاء يستحقها الطيبون والطيبون يستحقون الطيبات فعائشة تستحق الثناء والصلاة والسلام والدعاء دون ما قيل فيه من الافك أُولئِكَ يعنى عائشة وأمثالها مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ فيهم اهل الافك من الكلمة الخبيثة وقال الزجاج الخبيثات من الكلمات ككلمة الكفر والكذب وسبّ الصحابة واهل البيت وقدف المحصنات وأمثال ذلك للخبيثين من الناس نحو عبد الله بن ابى لا يتكلم بها الطيبون والخبيثون خلقوا وجبلوا لتلك الكلمات الخبيثة والطيبات من الكلمات كذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة والسلام على النبي واهل بيته والدعاء بالمغفرة للمؤمنين والمؤمنات ميسر للطيبين من الناس والطيبون

من الناس خلقوا مستعدين للطيبات من الكلمات- أولئك يعنى الطيبين من الناس مبرءون من ارتكاب ما قاله اهل الافك ونحو ذلك فهو ذم للقاذفين ومدح للذين برّاهم الله- وقال ابن زيد الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال يعنى غالبا والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء- والطيبات من النساء للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من النساء يعنى في الأغلب ... فعائشة طيبة ولذلك اختارها الله تعالى لازدواج رسوله الطيب الطاهر صلى الله عليه وسلم أولئك يعنى عائشة وأمثالها مبرءون مما يقول فيهم اهل الافك ولو لم تكن عائشة طيبة لما صلحت لمصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم فكانّ هذه الاية بمنزلة البرهان على كذب اهل الافك- عن هند بن ابى هالة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ابى ان أتزوج او أزوج الا اهل الجنة رواه ابن عساكر لَهُمْ يعنى لعائشة وأمثالها من المؤمنين الطيبين مَغْفِرَةٌ من الذنوب وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) يعنى الجنة قال البغوي روى ان عائشة رضى الله عنها كانت تفتخر بأشياء أعطيتها ولم تعط امراة غيرها منها ان جبرئيل اتى بصورتها في خرقة من حرير وقال هذه زوجتك- قلت رواه الترمذي عن عائشة وروى انه اتى بصورتها في راحته وان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجرها ودفن في بيتها وكان ينزل عليه الوحى وهو معها في لحافه ونزلت براءتها من السماء وانها ابنة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصديقة طيبة ووعدت مغفرة ورزقا كريما- وكان مسروق إذا روى عن عائشة قال حدثتنى الصديقة ابنة الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبراة من السماء قال البيضاوي ولو فتشت وعيدات القران لم تجدا غلظ مما نزل في افك عائشة رضى الله عنها في الصحيحين عن عائشة قالت قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اريتك في المنام ثلاث ليال يجئى بك الملك في سرقة «1» من حرير فقال لى هذه امرأتك فكشفت عن ومهك

_ (1) فى سرقة من حرير اى قطعة من جيد الحرير وجمعها سرق مجمع البحار- الفقير الدهلوي

الثوب فاذا أنت هى فقلت ان يكن هذا من عند الله يمضيه- وفي الصحيحين عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة هذا جبرئيل يقرؤك السلام قلت وعليه السلام ورحمة الله قالت وهو يرى ما لا ارى- وعنها قالت ان الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقالت ان نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الاخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه حزب أم سلمة فقلن لها كلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس فيقول من أراد ان يهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليهد اليه حيث كان- فكلمته فقال لا تؤذيني في عائشة فان الوحى لم يأتنى وانا في ثوب امراة الا عائشة قالت أتوب الى الله من اذاك يا رسول الله- ثم انهن دعون فاطمة رضى الله عنها وعنهن فارسلن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال يا بنيه الا تحبين ما أحب قالت بلى قال فاحبى هذه متفق عليه وفي الصحيحين من حديث ابى موسى وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام- وعن ابى موسى قال ما أشكل علينا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسالنا عائشة الا وجدنا عندها منه علما- رواه الترمذي وعن موسى بن طلحة قال ما رايت أحدا افصح من عائشة- رواه الترمذي قال البيضاوي برّا الله اربعة باربعة برّا يوسف بشاهد من اهل زليخا وموسى من قول اليهود فيه بالحجر الّذي ذهب بثوبه ومريم بانطاق ولدها وعائشة بهذه الآيات مع تلك المبالغات وما ذلك الا لاظهار منصب الرسول صلى الله عليه وسلم وإعلاء منزلته قلت واظهار منزلتها من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والله اعلم- اخرج الفرياني وابن جرير عن عدى بن ثابت قال جاءت امراة من الأنصار فقالت يا رسول الله انى أكون في بيتي على حال لا أحب ان يرانى عليها أحد وانه لا يزال يدخل علىّ رجل من أهلي وانا على تلك الحال فكيف اصنع فنزلت.

[سورة النور (24) : آية 27]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ الّتي تسكنونها وليست الاضافة للملك فان المؤجر والمعير ايضا لا يدخلان الا بإذن الساكن حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا يعنى حتى تستأذنوا يدل على ما روى انه كان ابن عباس يقرا حتّى تستأذنوا وكذلك كان يقرا أبيّ بن كعب والانس في اللغة ضد الوحشة والابصار والاحساس والعلم- واخرج ابن ابى حاتم عن ابى سورة ابن أخي ابى أيوب قال قلت يا رسول الله هذا السلام فما الاستيناس قال يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح فيؤذن اهل البيت- قال في القاموس أنسه ضد الوحشة وانس الشيء أبصره وعلمه واحسه والصوت سمعه- وقال الخليل الاستيناس الاستبصار من قوله آنَسْتُ ناراً اى أبصرت وانما عبر الاستيذان بالاستيناس لان المستأذن متوحش خائف ان لا يؤذن له فاذا اذن استأنس لان المستأذن مستعلم للحال مستكشف انه هل يراد دخوله اولا- او استفعال من الانس يعنى متعرف هل ثمه انسان وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها اى على ساكنيها يعنى ان يقولوا السلام عليكم عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بنى إذا دخلت على أهلك فسلم تكون بركة عليك وعلى اهل بيتك- رواه الترمذي واختلفوا في انه هل يقدم الاستيذان او السلام فقال قوم يقدم الاستيذان لتقدمها في الاية ولا دليل فيه لان الواو لمطلق الجمع دون الترتيب وفي مصحف ابن مسعود حتّى تسلّموا على أهلها وتستأذنوا- والأكثرون على انه يقدم السلام لحديث كلدة بن حنبل قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم اسلم ولم استأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فقل السلام عليكمء ادخل- رواه ابو داود والترمذي وعن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نأذنوا لمن لم يبدا بالسلام- رواه البيهقي في شعب الايمان قال البغوي عن ابن عمران رجلا استأذن عليه فقالء أدخل فقال ابن عمر لا فامر بعضهم الرجل ان يسلّم فسلّم

[سورة النور (24) : آية 28]

فاذن له- وقال بعضهم ان وقع بصره على انسان قدم السلام والا قدم الاستيذان ثم سلّم- وقال ابو موسى الأشعري وحذيفة يستأذن على ذوات المحارم- ومثله عن الحسن عن عطاء بن يساران رجلا سال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال استأذن «1» على أمي فقال نعم فقال الرجل انى معها «2» فى البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها فقال الرجل انى خادمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها أتحب ان تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها- رواه مالك مرسلا (مسئلة) إذا دعى أحد فجاء مع الرسول فلا حاجة الى الاستئذان بحديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دعى أحدكم فجاء مع الرسول فان ذلك له اذن- رواه ابو داود وفي رواية له رسول الرجل الى الرجل اذنه ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ من ان تدخلوا بغتة او من تحية الجاهلية عن عمران بن حصين قال كنافى الجاهلية نقول أنعم الله بك عينا وأنعم صباحا فلمّا كان الإسلام نهينا عن ذلك- رواه ابو داود لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) . فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها اى في البيوت أَحَداً يأذن لكم فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ يعنى حتى يأتى ساكنها ويأذن لكم في الدخول فان المانع من الدخول ليس الاطلاع على العورات فقط بل وعلى ما يخفيه الناس من الناس- مع ان التصرف في ملك الغير بغير اذنه محظور واستثنى ما إذا عرض فيه حرق او غرق او كان فيه منكر ونحوها وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ولا تلحوا في الدخول هُوَ أَزْكى لَكُمْ اى الرجوع ازكى لكم من الإلحاح في الدخول والوقوف على الباب لما فيه من الكراهة وترك المروة- وفي حكم الأمر بالرجوع ان لا يأذن له صاحب البيت بعد الاستيذان ثلاث مرات لحديث ابى سعيد الخدري قال أتانا

_ (1) استاذن بتقدير همزة الاستفهام- الفقير الدهلوي. (2) انى معها إلخ كانه يعنى ان الاستيذان انما يكون لاجنبى يدخل أحيانا 12 الفقير الدهلوي.

ابو موسى فقال ان عمر أرسل الىّ ان اتيه فاتيت بابه فسلمت ثلاثا فلم يرد على فرجعت فقال ما منعك ان تأتينا فقلت الى أتيت فسلمت على بابك ثلاثا فلم ترد علىّ فرجعت وقد قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع فقال عمر أقم عليه البيّنة قال ابو سعيد فقمت معه فذهبت الى عمر فشهدت متفق عليه وعن ابى أيوب الأنصاري مرفوعا التسليم ان يقول السلام عليكمء أدخل ثلاث مرات فان اذن له دخل والا رجع- رواه ابن ماجة قال البغوي ورواه بشر بن سعيد عن ابى سعيد الخدري وفيه قال قال ابو موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع- قال الحسن الاول اعلام والثاني مؤامرة والثالث استئذان بالرجوع وعن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال السلام عليكم ورحمة الله فقال سعد وعليكم السّلام ورحمة الله ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا ولم يسمعه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه سعد فقال يا رسول الله بابى أنت وأمي ما سلمت تسليمة الا هى بأذنى ولقد رددت عليك ولم أسمعك أحببت ان استكثر من سلامك ومن البركة- ثم دخلوا البيت فقرب له زبيبا فاكل النبي صلى الله عليه وسلم- فلمّا فرغ قال أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون- رواه البغوي في شرح السنة (مسئلة) إذا حضر أحد على باب أحد فلم يستأذن وقعد على الباب منتظرا حتى يخرج جاز كان ابن عباس يأتى باب الأنصاري لطلب الحديث فيقعد على الباب حتى يخرج ولا يستأذن فيخرج الرجل ويقول يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أخبرتني فيقول هكذا أمرنا ان نطلب العلم- قلت ويدل على هذا قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (مسئلة) إذا وقف أحد على باب أحد للاستئذان لا يستقبل الباب من

[سورة النور (24) : آية 29]

تلقاء وجهه إذا لم يكن هناك ستر ولا ينظر من شق الباب إذا كان مردودا لحديث عبد الله بن بسر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الايمن او الأيسر فيقول السّلام عليكم السّلام عليكم وذلك ان الدور لم يكن يومئذ عليها ستور- رواه ابو داؤد وعن سهل بن سعد الساعدي ان رجلا اطلع على النبي صلى الله عليه وسلم من ستر الحجرة وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم مدرى «1» فقال لو اعلم ان هذا ينظرنى لطعنت بالمدرى في عينه وهل جعل الاستيذان إلا من أجل البصر- رواه البغوي وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو ان امرا اطلع عليك بغير اذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح رواه احمد والشيخان في الصحيحين وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) فيعلم ما تأتونه وما تذرونه مما خوطبتم به اخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل بن حيان قال لما نزلت اية الاستئذان في البيوت قال أبو بكر يا رسول الله فكيف بتجار قريش الذين يختلفون بين مكة والمدينة والشام ولهم بيوت معلومة على الطريق فكيف يستأذنون ويسلمون وليس فيها سكان فانزل الله عزّ وجلّ. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا اى في ان تدخلوا متعلق بجناح لتضمنه معنى المؤاخذة او بعليكم بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ من غير استئذان فِيها مَتاعٌ اى منفعة لَكُمْ حال من بيوتا قال البغوي اختلف في هذه البيوت قال قتادة هى الخانات والبيوت والمنازل المبنية للسايلة ليأووا إليها ويأووا إليها أمتعتهم جاز دخولها بغير استئذان فالمنفعة فيها النزول وإيواء المتاع والاتقاء من الحرّ والبرد- وقال ابن زيد هى بيوت التجار وحوانيتهم الّتي بالأسواق يدخلها الناس

_ (1) مدرى إلخ في مجمع البحار المدرى والمدراة شيء يعمل من حديد او خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه 12 الفقير الدهلوي. [.....]

[سورة النور (24) : آية 30]

للبيع والشراء وهو المنفعة- وقال ابراهيم النخعي ليس على حوانيت السوق اذن وكان ابن سيرين إذا جاء الى الحانوت الّتي في السوق يقول السّلام عليكمء أدخل ثم يلج وقال عطاء هى البيوت الخربة والمتاع هى قضاء الحاجة فيها من البول والغائط- وقيل هى جميع البيوت الّتي لا ساكن لها لان الاستئذان انما شرع لئلا يطلع على عورة أحد فاذا لم يخف ذلك فله الدخول من غير استئذان وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29) وعيد لمن دخل لفساد او اطلاع على عورات الناس. قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ عن النظر الى ما لا يحل النظر اليه عن الحسن مرسلا قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن الله الناظر والمنظور إليها رواه البيهقي في شعب الايمان يغضوا صيغة امر بحذف اللام ومن زائدة على قول الأخفش فانه يجوز زيادة من في كلام الموجب عنده وعند سيبويه من للتبعيض لان المؤمنين غير مأمورين بغض الابصار مطلقا بل بالغض عما لا يحل النظر اليه بل المنهي عنه النظرة الثانية الّتي يكون بالارادة دون الاولى الّتي لا تكون بالارادة لحديث بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى يا على لا تتبع النظرة النظرة فان لك الاولى وليس لك الاخرة- رواه احمد والترمذي وابو داود والدارمي وعن جرير بن عبد الله قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاة فامرنى ان اصرف رواه مسلم وعن ابى امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم ينظر الى محاسن امراة أول مرة ثم يغض بصره الا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها- رواه احمد وَيَحْفَظُوا اى ليحفظوا فُرُوجَهُمْ الّا على أزواجهم او ما ملكت ايمانهم فانّهم غير ملومين ولمّا كان الاستثناء معلوما بالضرورة عقلا ونقلا حذف من اللفظ- قال ابو العالية كل ما وقع في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنى والحرام الا في هذا الموضع فانه أراد به الاستتار حتى لا يقع البصر عليه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

[سورة النور (24) : آية 31]

احفظ عورتك الا من زوجتك او ما ملكت يمينك قلت يا رسول الله أفرأيت إذا كان الرجل خاليا قال فالله أحق ان يستحيى منه- رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والتعري فان معكم من لا يفارقكم الا عند الغائط وحين يفضى الرجل الى اهله فاستحيوهم وأكرموهم- رواه الترمذي ذلِكَ اى غض البصر وحفظ الفرج أَزْكى لَهُمْ اى انفع لهم او اطهر لما فيه من التباعد عن الزنى إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) لا يخفى عليه اجالة أبصارهم واستعمال سائر حواسهم وتحريك جوارحهم وما يقصدون بها فليكونوا على حذر منه اخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل قال بلغنا ان جابر بن عبد الله حدث ان اسماء بنت مرثد كانت في نخل لها فجعل النساء يدخلن عليها غير متازّرات فيبدو ما في أرجلهن يعنى الخلاخل وتبدو صدورهن وذوائبهن فقالت اسماء ما أقبح هذا فانزل الله في ذلك. وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ اى ليغضضن عمّا لا يحل النظر اليه وهذه الاية تدل على انه لا يجوز للمرءة النظر الى الرجل الأجنبي مطلقا وبه قال الشافعي- وقال ابو حنيفة جاز لها ان ينظر من الرجل الى ما ينظر الرجل اليه إذا امنت الشهوة- احتج الشافعي بحديث أم سلمة انها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة رضى الله عنهما إذا قبل ابن أم مكتوم فدخل عليه (وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجبا منه فقلت يا رسول الله اليس هو أعمى لا يبصرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افعميا وان أنتما ألستما تبصر انه- رواه احمد وابو داود والترمذي واحتج ابو حنيفة بحديث ابن عباس قال جاءت امراة من خثعم عام حجة الوداع قالت يا رسول الله ان فريضة الله على عباده في الحج أدركت ابى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستوى على الراحلة فهل يقضى عنه ان أحج عنه قال نعم قال ابن عباس كان الفضل ينظر إليها و

تنظر اليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل الى الشق الاخر الحديث- رواه البخاري ورواه الترمذي من حديث علىّ نحوه وزاد فقال العباس لوّيت عنق ابن عمك فقال رايت شابّا وشابة فلم أمن عليهما الشيطان صححه الترمذي واستنبط ابن القطان من هذا الحديث جواز النظر عند الامن من الفتنة من حيث انه لم يأمرها بتغطية وجهها ولو لم يفهم العباس ان النظر جائرة ما سال ولو لم يكن ما فهم لما أقرّه عليه وبحديث فاطمة بنت قيس ان زوجها طلقها فبتّ طلاقها فامرها النبي صلى الله عليه وسلم ان تعتد في بيت ابن أم مكتوم وهذا يدل على جواز نظر المرأة الى الأعمى ونحوه يعنى عند الامن من الشهوة- (مسئلة) ولا يجوز للمرءة النظر الى عورة المرأة يعنى تحت السرة الى الركبة ولا للرحل النظر الى عورة الرجل لحديث ابى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الرجل الى عورة الرجل ولا المرأة الى عورة المرأة- ولا يفضى الرجل الى الرجل في ثوب واحد ولا يفضى المرأة الى المرأة في ثوب واحد- رواه مسلم وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ كالحلى والثياب والاصباغ فضلا عن مواضعها إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها عند مزاولة الأشياء كالثياب والخاتم فان في سترها حرجا وقيل المراد بالزينة مواضع الزينة على حذف المضاف او ما يعم المحاسن الخلقية والتزينية- والمستثنى هو الوجه والكفان وابى حنيفة ومالك واحمد والشافعي لما روى الترمذي من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الوجه والكفان ومن طريق عطاء عن عائشة نحوه وفي رواية المستثنى الوجه والكفان والقدمان والمشهور عن الشافعي الوجه فقط لما روى الطبراني من طريق مسلم الأعور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال هى الكحل وتابعه خصيف عن عكرمة عن ابن عباس عند البيهقي فالوجه مستثنى باتفاق العلماء الاربعة والكفان

عند ابى حنيفة ومالك وفي رواية للشافعى واحمد- لكن في مختلفات قاضى خان ان ظاهر الكف وباطنه ليسا عورتين الى الرسغ وفي ظاهر الرواية ظاهره عورة كذا قال ابن همام- والقدمان عورة الا في رواية عن ابى حنيفة والحجة على كون القدمين عورة حديث أم سلمة انها سالت النبي صلى الله عليه وسلم اتصلي المرأة في درع وخمار وليس لها إزار فقال لا بأس إذا كان الدرع سابغا يغطى ظهور قدميها رواه ابو داود والحاكم وأعله عبد الحق بان مالكا وغيره رووه موقوفا وهو الصواب وقال ابن الجوزي في رفعه مقال لانه من رواية عبد الرحمان بن عبد الله وقد ضعفه يحيى وقال ابو حاتم الرازي لا يحتج به- وايضا قوله تعالى وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ يدل على ان الخلخال من الزينة الباطنة فموضعه يعنى القدم عورة- قال البيضاوي الأظهر ان هذا في الصلاة لا في النظر فان كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر الى شيء منها الا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة- وفي كتب الحنفية كون وجه الحرة خارجا عن العورة غير مختص بالصلوة قال في الهداية لا يجوز ان ينظر الرجل الى الاجنبية الا وجهها وكفيها لقوله تعالى وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الا ما ظهر منها ولان في إبداء الكف والوجه ضرورة لحاجتها الى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء وغير ذلك- فان كان الرجل لا يأمن من الشهوة لا ينظر الى وجهها الا لحاجة كتحمل الشهادة وأدائها والقضاء- ولا يباح إذا شك في الاشتهاء كما إذا علم او كان اكبر زأيه ذلك قلت ومذهب ابى حنيفة يؤيده ما رواه ابو داؤد مرسلا الجارية «1» إذا حاضت لم يصلح يرى منها الا وجهها ويدها الى المفصل- قلت إبداء المرأة زينتها الخفية لغير اولى الاربة من الرجال جائز اجماعا ثابت بنص الكتاب لعدم خوف الفتنة فابداء

_ (1) وفي النسخة الّتي بايدينا ان المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها ان يرى منها الا هذا وهذا وأشار (اى النبي صلى الله عليه وسلم) الى وجهه وكفيه قال ابو داود هذا مرسل 12 الفقير الدهلوي.

زينتها الظاهرة لهم اولى بالجواز ونظر الرجل الى وجه امرأة اجنبية إذا شك في الاشتهاء لا يجوز على ما قال صاحب الهداية ايضا- وقال ابن همام حرم النظر الى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة ويلزم هذا الحكم الحكم بان لا تبدو المرأة وجهها لرجل اجنبى إذا شك منه الشهوة والا لكان تعرضا للفساد وزوال احتمال الشهوة من الرجل الأجنبي ذى الاربة للمرءة الاجنبية غير متصور فيلزمنا القول بانه لا يجوز للمرءة الحرة إبداء وجهها لرجل ذى اربة غير الزوج والمحرم فان عامة محاسنها في وجهها فخوف الفتنة في النظر الى وجهها اكثر منه في النظر الى سائر اعضائها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة عورة فاذا خرجت استشرفها الشيطان- رواه الترمذي عن ابن مسعود فان هذا الحديث يدل على انها كلها عورة غير ان الضرورات مستثناة اجماعا- والضرورة قد تكون بان لا تجد المرأة من يأتى بحوائجها من السوق ونحو ذلك فتخرج متقنعة كاشفة احدى عينيها لتبصر الطريق- فان لم تجد ثوبا سائغا تخرج فيما تجد من الثياب ساترة ما استطاعت وقد تكون إذا احتاجت الى الطّبيب او الشهود او القاضي- فالمراد بالزينة في الاية ان كان نفس الزينة كما فسرناه تبعا لما قال البيضاوي بالحلى والثياب والاصباغ- ويكون حينئذ تحريم إبداء مواضع الزينة بدلالة النص بالطريق الاولى فلا خفاء على هذا في تأويل الاستثناء- حيث يقال معنى إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها الا ثيابها الظاهرة قال البغوي قال ابن مسعود هى الثياب بدليل قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وأراد به الثياب- وان كان المراد بها مواضع الزينة فمعنى الاستثناء الّا ما ظهر منها عند الضرورات ضرورة الخروج لقضاء الحوائج او ضرورة الاستشهاد او نحو ذلك يعنى من غير قصد الى ابدائها فاستثناء الوجه والكفين من عورة الحرة ليس الا لاجل الصلاة- ويدل على عدم جواز إبداء المرأة وجهها قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ

يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ الاية- قال ابن عباس وابو عبيدة أمرت نساء المؤمنين ان يغطين رءوسهن ووجوههن بالجلابيب الا عينا واحدا يعلم انهن حرائر- وما ذكرنا من حديث جاءت امراة من خثعم عام حجة الوداع سائلة مسئلة قضاء الحج عن أبيها محمول على جواز خروجها لضرورة السؤال عن المسألة وما ذكر من ان الفضل كان ينظر إليها وتنظر اليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل الى الشق الاخر صريح في المنع عن النظر الى وجه المرأة الاجنبية لعدم الا من عليهما من الشيطان- (مسئلة) هذه الاية مختص حكمها بالحرائر من النساء اجماعا- واما الإماء سواء كن قنات او مكاتبات او مدبرات او أمهات أولاد فيجوز لهن ابدأ الرأس والوجه والساقين والساعدين فان عورة الامة عند مالك والشافعي واحمد كعورة الرجل من السرة الى الركبة وزاد ابو حنيفة بطنها وظهرها- وقال اصحاب الشافعي كلها عورة الا مواضع التقليب منها وهى الرأس والساعدات والساق روى الشيخان في الصحيحين في قصة صفية ان حجبها فهى زوجة وان لم يحجبها فهى أم ولد- وهذا الحديث يدل على ان الامة تخالف الحرة فيما تبديه وقال انس مرت بعمر بن الخطاب رضى الله عنه جارية متقنعة فعلاها بالدرة وقال يا لكاع «1» أتشتبهين بالحرائر القى القناع- وايضا قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ايضا بمفهومه يدل على ان حكم الامة غير حكم الحرة قلت وجاز ان يكون حكم هذه الاية شاملة للاماء ايضا وانما جاز لها إبداء الراس والساعدين والساق للاستثناء- فان خروجها لخدمة المولى كثير وثياب مهنتها قصيرة فهذه الأعضاء تظهر منها غالبا بالضرورة والله اعلم

_ (1) والرواية الصحيحة يا لكعاء أتشبهين بالحرائر قال في مجمع البحار والمرأة لكاع كقطام واكثر مجيئه في النداء وهو اللئيم 12 الفقير الدهلوي.

وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ اى يضعن خمرهن من ضرب يده على الخائط اى وضعها عَلى جُيُوبِهِنَّ سترا لشعورهن وصدورهن وأعناقهن وقرطهن- قال البغوي قالت عائشة رضى الله عنها رحم الله النساء المهاجرات الاول لمّا انزل الله تعالى وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهن فاختمرن به قرأ نافع وعاصم وهشام بضم الجيم والباقون بكسرها وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الاضافة للعهد يعنى زينتهن المستثناة منها ما ظهر منها كرره لبيان من يحل له الإبداء ومن لا يحل له إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ فلهم هم المقصودون بالزينة ولهم ان ينظروا الى جميع أبدانهن حتى فروجهن لكنه يكره النظر الى الفرج لقوله صلى الله عليه وسلم إذا اتى أحدكم اهله فليستتر ولا يتجردان تجرد العيرين- رواه الشافعي والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود عن عتبة بن عنبر والنسائي عن عبد الله بن سرجس والطبراني ايضا عن ابى امامة وروى ابن ماجة عن عائشة قالت ما نظرت او ما رايت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أَوْ آبائِهِنَّ وكذا اباء الآباء واباء الأمهات وان علوا بدلالة النص والإجماع أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ كذلك أَوْ أَبْنائِهِنَّ وأبناء الأبناء وأبناء البنات وان سفلوا بدلالة النص والإجماع أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ كذلك أَوْ إِخْوانِهِنَّ سواء كانوا من اب او من أم أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ وبنى أبنائهم وأبناء بناتهم وان سفلوا أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ او أبناء أبنائهن او أبناء بناتهن وان سفلوا أباح الله تعالى للنساء إبداء محاسنهن لهؤلاء لكثرة مداخلتهم عليهن واحتياجهن الى مداخلتهم وعدم توقع الفتنة من قبلهم الا نادرا لما في الطباع من النفرة عن مماسة القرابة والغيرة في انتسابهن الى الفاحشة وأباح لهم ان ينظروا منهن ما يبدو عند المحنة والخدمة وهو الوجه والرأس والصدر والساقان والعضدان ولا يجوز لهم النظر الى ظهورهن ولا الى بطونهن ولا الى ما بين السرة الى الركبة لانها لا تنكشف عادة فلا ضرورة في النظر إليها- وهذا حكم جميع من لا يجوز المناكحة بينه وبينها على التأييد بنسب كان او برضاع او مصاهرة- وانما لم يذكر الأعمام

والأخوال في الاية لانهم في معنى بنى الاخوان وبنى الأخوات بدلالة النص والإجماع فانه لما جاز للعمة إبداء زينتها لابن أخيها جاز لبنت الأخ إبداء زينتها لعمها بطريق المساوات ولما جاز للخالة إبداء زينتها لابن أختها جاز لبنت الاخت إبداء زينتها لخالها- ويحتمل ان يكون ترك ذكر الأعمام والأخوال في الاية للاشارة الى ان الأحوط ان يتسترن عنهم حذرا ان يصفوهن لابنائهم- (مسئلة) لا بأس للرجل ان يمس ما جاز اليه النظر من ذوات محارمه لتحقق الحاجة الى ذلك في المسافرة- وقلة الشهوة للحرم المؤبدة الا إذا كان يخاف عليها او على نفسه الشهوة فحينئذ لا ينظر ولا يمس لقوله صلى الله عليه وسلم العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش- وفي رواية العينان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان والفرج يزنى- رواه احمد والطبراني عن ابن مسعود مرفوعا وحرمة الزنى بذوات المحارم اغلظ فيجتنب أَوْ نِسائِهِنَّ يعنى جاز للمرءة ان تنكشف للمرءة مؤمنة كانت او كافرة حرة كانت او امة الا ما بين سرتها وركبتها وجاز لها النظر إليها بوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا وعن ابى حنيفة ان نظر المرأة الى المرأة كنظر الرجل الى محارمه- وقيل المراد بنسائهنّ النساء المؤمنات فلا يجوز للمرءة المسلمة ان تنكشف للمرءة الكافرة لانها ليست من نسائنا لكونها اجنبية في الدين وذلك لانهن لا يتحرجن عن وصفهن للرجال- عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها كانه ينظر إليها- متفق عليه قال البغوي كتب عمر بن عبد العزيز الى ابى عبيدة بن الجراح ان يمنع نساء اهل الكتاب ان يدخلن الحمام مع المسلمات أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ عن ابن جريج انه قال المراد بنسائهنّ المؤمنات الحرائر منهن وبما ملكت ايمانهنّ الإماء دون العبيد فلا يحل لامراة مسلمة ان تتجرد بين يدى امراة مشركة الا إذا كانت المشركة امة مملوكة لها فعلى هذا التأويل لا يجوز لها الانكشاف بين يدى عبدها- ولا يجوز للعبد ان ينظر

الى سيدته الا الى ما يجوز للاجنبى النظر اليه منها وبه قال ابو حنيفة رحمه الله وبه قال بعض اصحاب الشافعي قال الشيخ ابو حامد من الشافعية الصحيح عند أصحابنا ان العبد لا يكون محرما لسيدته- قال النووي هذا هو الصواب بل لا ينبغى ان يجرى فيه خلاف بل يقطع بتحريمه- والقول بانه محرم لها ليس له دليل ظاهر فان الصواب في الاية انها في الإماء قال صاحب الهداية لنا انه فحل غير محرم ولا زوج والشهوة متحققة لجواز النكاح في الجملة يعنى بعد زوال ملكها والحاجة قاصرة لانه يعمل خارج البيت والمراد بالنص يعنى بهذه الاية الإماء قال سعيد بن المسيب والحسن وغيرهما لا تغرنكم سورة النور فانها في الإناث دون الذكور- وهذا التأويل لا يصح الا على تقدير كون المراد بنسائهن المسلمات الحرائر دون عامتهن والا لزم التكرار والخلو من الفائدة- فيلزم على مذهب ابى حنيفة عدم جواز الانكشاف للمرءة المسلمة عند الكافرة- وقال مالك ما ملكت ايمانهن يعم العبيد والإماء فيجوز للسيدة- الانكشاف عند عبده كسائر المحارم ويجوز له النظر إليها ما يجوز من النظر الى محارمه- والشافعي ايضا نص على ذلك وهو الأصح عند جمهور أصحابه لان الحاجة متحققة لدخوله عليها من غير استيئذان قال البغوي وروى ذلك عن عائشة وأم سلمة ويؤيده حديث انس ان النبي صلى الله عليه وسلم اتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها فلمّا راى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال انه ليس عليك بأس انما هو أبوك وغلامك- رواه ابو داؤد لكن يمكن ان يكون العبد صغيرا كما يدل عليه اطلاق لفظ الغلام ويؤيده ايضا حديث أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت عند مكاتب أحدا كن وفاء فلتحجب منه- رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة لكن الاستدلال به بمفهوم المخالفة أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ اى غير اولى الحاجة الى النساء وهم الشيوخ الهرم سماهم بالتابعين لانهم لا يقدرون على الاكتساب فيتبعون القوم ليصيبوا

فضل طعامهم- قال الحسن هو الّذي لا ينتشر ذكره ولا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن وعن ابن عباس انه العنين وقال سعيد بن جبير المعتوه وقال عكرمة المجبوب وقيل هو المخنث وقال مقاتل هو الشيخ الهرم والعنين والخصى والمجبوب والصحيح ان الخصى والمجبوب في النظر الى الاجنبية كالفحل قال في الهداية لان الخصى فحل يجامع يعنى يحتمل المجامعة وكذا المجبوب لانه يسحق وينزل وكذا المخنث في الردى من الافعال لانه فحل فاسق يؤخذ فيه بمحكم كتاب الله يعنى قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم فانه محكم يشتمل المجبوب والخصى والمخنث وقوله تعالى أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ غير قطعى الشمول لهؤلاء فلا بد فيهم الحكم بغض البصر قال في الكفاية قيد في الهداية المخنث بالردى من الافعال وهو ان يمكّن غيره من نفسه احترازا عن المخنث الّذي في أعضائه لين وفي لسانه انكسار باهل الخلقة لا يشتهى النساء- ولا يكون مخنثا في الردى من الافعال فانه قد رخص بعض مشائخنا في ترك مثله في النساء لانه من غير اولى الاربة من الرجال- قلت واما الخنثى الأصلي يعنى الّذي له ذكر وفرج فان ظهر له علامات النساء وهو ان يكون له ثدى كثدى المرأة او نزل له لبن في ثديه او حاض او حبل او أمكن الوصول اليه من الفرج فحكمه حكم الأنثى وإلا فله حكم الذكر لا يجوز للنساء الانكشاف عنده ولا يجوز له النظر إليهن- وان كان مشكلا يوخذ فيه بالأحوط فلا ينكشف هو عند الرجال ولا تنكشف النساء عنده والله اعلم روى الشيخان في الصحيحين عن أم سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي البيت مخنث فقال لعبد الله بن ابى امية (أخي أم سلمة) يا عبد الله ان فتح الله لكم غدا الطائف فانى أدلكم على ابنة غيلان فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم- احتج بعض العلماء بهذا الحديث على منع المخنثين من الدخول

على النساء وفي الاحتجاج به نظر بل يمكن الاحتجاج بهذا الحديث على جواز دخول المخنثين على النساء لان النبي صلى الله عليه وسلم أقره في البيت ولم يمنعه من الدخول الا بعد ما وصف ابنة غيلان بانها تقبل بأربع وتدبر بثمان وهذا امر اخر منع النبي صلى الله عليه وسلم لاجله عن دخول المرأة على المرأة كما مر في حديث ابن مسعود والله اعلم قرأ أبو بكر وابن عامر وابو جعفر غير اولى الاربة بالنصب على الحال او على انه بمعنى الّا للاستثناء معناه يبدين زينتهن للتابعين الا ذا الاربة منهم فانهن لا يبدين زينتهن لمن كان منهم ذا اربة وقرأ الباقون بالجر على انه صفة للتابعين- أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ الطفل جنس وضع موضع الجمع اكتفاء بدلالة الوصف يعنى لم يبلغوا او ان القدرة على الوطي من ظهر على فلان إذا قوى وقدر عليه- او المعنى لم يظهروا اى لم يكشفوا عن عورات النساء بالجماع من الظهور بمعنى الغلبة ولذلك عدّى بعلى او من الظهور بمعنى الاطلاع فان الكشف يستلزم الاطلاع والمراد بعدم الظهور وعدم الكشف ايضا عدم صلاحية ذلك فالحاصل انهم لم يبلغوا حد الشهوة وقال مجاهد معناه لم يعرفوا العورة من غيرها لاجل الصغر وعدم التميز- والاولى هو الاول فان الطفل ان كان مميزا لكنه لم يبلغ حد الشهوة جاز للنساء الانكشاف عنده الا من السرة الى الركبة- ولا يجوز لها بحضرته كشف ما تحت السرة كما يدل عليه قوله تعالى لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ- وان كان طفلا غير مميز بالكلية فهو كالجمادات والبهائم لا بأس لو كشفت عنده ما تحت الإزار ايضا- وان كان مراهقا يشتهى فحكمه حكم الرجال لانه استعد للظهور على عوراتهن- اخرج ابن جرير عن حضرمى ان امراة اتخذت صرتين من فضة واتخذت جذعا فمرت على قوم وضربت برجليها فوقع الخلخال على الجذع فصوتت فانزل الله تعالى

وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ قال البغوي كانت المرأة إذا مشت ضربت برجلها لتسمع صوت خلخالها فنهيت عن ذلك لانه يورث في الرجال ميلا إليها- قال البيضاوي وهو ابلغ من النهى عن إبداء الزينة وادل على المنع من رفع الصوت لها ولذا صرح في النوازل بان نغمة المرأة عورة وبنى عليها ان تعلمها القرآن من المرأة أحب الىّ لان نغمتها عورة ولذا قال عليه السّلام التسبيح للرجال والتصفيق للنساء- متفق عليه من حديث سهل بن سعد فلا يحسن ان يسمعها الرجل قال ابن همام وعلى هذا لو قيل إذا جهرت المرأة بالقراءة في الصلاة فسدت كان متجها- ولذا منعها عليه السلام من التسبيح بالصوت لاعلام الامام بسهوه الى التصفيق وهذه الاية تدل على ان القدم عورة- وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فانه لا يكاد يخلو أحد منكم في إتيان أوامره والانتهاء عن مناهيه من التفريط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون- رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي قيل معناه راجعوا الى طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في هذه السورة وقيل معناه توبوا عما كنتم تفعلونه في الجاهلية وان جب بالإسلام لكن يجب الندم عليه والعزم على الكف عنه كلما تتذكروا قرأ ابن عامر ايّه المؤمنون هاهنا وفي الزخرف يآيّه السّاحر وفي الرحمان ايّه الثّقلان بضم الهاء في الثلاثة وصلا ويقف بلا الف- والباقون بفتح الحاءات على الأصل ووقف ابو عمرو والكسائي ايها بالألف والباقون بغير الف لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) فان سعادة الدارين بالتوبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا- وعن ابن عمر انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا ايها الناس توبوا الى ربكم فانى أتوب الى ربى كل يوم مائة مرة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله انى لاستغفر الله وأتوب اليه في اليوم اكثر من سبعين

[سورة النور (24) : آية 32]

مرة- رواه البخاري وعن الاعرابى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله وأتوب اليه في اليوم مائة مرة- رواه مسلم وعن ابن عمر قال انا كنا نعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول رب اغفر لى وتب علىّ انك أنت التواب الغفور مائة مرة- رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة. وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ لمّا نهى الله تعالى عما يفضى الى السفاح غالبا امر بالنكاح فانه اغض للبصروا منع من السفاح فقال وانكحوا ايّها الأولياء والسادة الأيامى منكم- والأيامى جمع ايّم مقلوب ايايم كيتافى أصله يتايم وهو من لا زوج له رجلا كان او امراة وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ وهذا امر استحباب وتخصيص الصالحين بالذكر ليس للاحتراز بل لان إحصان دينهم والاهتمام بشأنهم أهم وقيل المراد به الصالحون للنكاح والقيام بحقوقه- (مسئلة) النكاح واجب عند غلبة الشهوة إذا خاف الوقوع في الحرام وفي النهاية ان كان له خوف وقوع الزنى بحيث لا يتمكن من التحرز عنه كان فرضا قال ابن همام ليس الخوف مطلقا يستلزم بلوغه الى عدم التمكن فليكن عند ذلك فرضا والا فواجب ما لم يعارضه خوف الجور فان عارضه خوف الجور كره- وايضا قال ابن همام انه ينبغى تفصيل خوف الجور كتفصيل خوف الزنى فان بلغ ما افترض فيه النكاح حرم وإلا كره كراهة تحريم- وفي البدائع قيد الافتراض في التوقان بملك المهر والنفقة فان من تاقت نفسه بحيث لا يمكنه الصبر عنهن وهو قادر على المهر يعنى على ما لا بد من تعجيله وعلى النفقة ولم يتزوج يأثم- واما في حالة الاعتدال فقال داود وأمثاله من اهل الظواهر انه فرض عين على الرجل والمرأة في العمر مرة ان كان قادرا على الوطي والانفاق لقوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ وأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وحديث سمرة ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل- رواه الترمذي وابن ماجة وقوله صلى الله عليه وسلم

لعكاف هل لك من زوجة قال لا قال ولا جارية قال لا قال وأنت موسر بخير قال وانا موسر قال أنت اذن من اخوان الشياطين- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان سنتنا النكاح شراركم عزابكم واراذل موتاكم عزابكم أبا لشيطين يحرسون- رواه احمد وقد مرّ هذا الحديث وحديث انس كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود الولود انى مكاثر بكم الأتقياء يوم القيامة- رواه احمد وابو داود والنسائي ونحوه في سورة النساء في تفسير قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ- وقال بعض الحنفية واجب على الكفاية وادلة الوجوب على الكل لا ينفى كونه على الكفاية والمعرف لكونه يسقط بفعل البعض عن الباقين ان سبب شرعيته ابقاء المسلمين وعدم انقطاعهم وذلك يحصل بفعل البعض والإجماع على عدم كونه فرضا على الأعيان- ولا عبرة بقول داود وأمثاله وقيل واجب على الكفاية لان قوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مسوق لبيان العدد- وهذه الاية خطاب للاولياء موجب لعدم ممانعتهم إذا أراد الأيامى النكاح وأحاديث الآحاد لا توجب الفرضية وقيل سنة مؤكدة وقيل مستحب إذا كان قادرا على الوطي والانفاق ولا يخاف الجور والا فهو حرام او مكروه- وجه كونه سنة فعله صلى الله عليه وسلم وقوله يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فان الصوم له وجاء- متفق عليه من حديث ابن مسعود وما روى ابن ماجة من حديث عائشة النكاح من سنتى فمن لم يعمل بسنتى فليس منى تزوجوا فانى مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصوم «1» في اسناده عيسى بن ميمون ضعيف وفي الصحيحين من حديث انس لكنى أصوم وأفطروا تزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى- وروى الترمذي

_ (1) وفيه فان الصوم له وجاء 12 الفقير الدهلوي.

عن ابى أيوب اربع من سنن المرسلين الحياء والتعطر والسواك والنكاح- وروى ابن ماجة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من أراد ان يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر ما ذكرنا كله بمذهب علماء الحنفية رحمهم الله تعالى وبه قال احمد وقال الشافعي النكاح مستحب على كل حال ان كان قادرا على الوطي والانفاق ولا يخاف الجور لكن تركه لاجل الانقطاع للعبادة أفضل وان خاف الجوار ولم يكن قادرا على الانفاق او الوطي فعليه حرام او مكروه- وفي حالة التوقان وخوف الوقوع في الحرام يتاكد في حقه ويكون أفضل من نوافل الصلاة والصوم والجهاد والحج وبه قال مالك- فحاصل كلام الفريقين انه من خاف ان لا يقدر على أداء حقوق النكاح او وقع بالنكاح في امر حرام فالنكاح في حقه مكروه او حرام- ومن كان تائقا يخاف على نفسه الزنى ان لم ينكح وهو قادر على أداء حقوق النكاح فالنكاح في حقه واجب على ما قال ابو حنيفة ومتأكد على ما قال الشافعي- قلت لا أشك في ان ضد الحرام يعنى الزنى واجب فلا بد من القول بالوجوب عند خوف الزنى- بقي الكلام في انه من كان في حالة الاعتدال لا يخاف على نفسه الزنى ان لم ينكح ولا يخاف الجور وهو قادر على أداء حقوق النكاح فالنكاح في حقه وان كان مستحبّا سنة لكن ترك النكاح لاجل التخلّي للعبادة في حقه أفضل أم النكاح أفضل- قال ابو حنيفة النكاح أفضل من التقبل والتخلي للعبادة وقال الشافعي التخلي والتبتل أفضل وجه قول الشافعي ان الله سبحانه مدح يحيى بن زكريا عليهما السّلام بعدم إتيان النساء مع القدرة عليه حيث قال سَيِّداً وَحَصُوراً ايضا وهذا معنى الحصور وقال ابن همام في جوابه ان حال يحيى ذلك كان أفضل في شريعتهم وقد نسخت الرهبانية في شريعتنا وإذا تعارض حال يحيى بحال نبينا صلى الله عليه وسلم وجب تقديم حال النبي صلى الله عليه وسلم الا ترى ان حال النبي صلى الله عليه وسلم الى الوفاة كان النكاح ومحال ان يقرر الله تعالى أفضل أنبيائه على ترك

الأفضل مدة حياته- روى الشيخان في الصحيحين ان نفرا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواجه عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله واثنى عليه وقال ما بال أقوام قالوا كذا ولكنى أصلي وأنام وأصوم وأفطروا تزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى وروى البخاري عن ابن عباس انه قال تزوجوا فان خير هذه الامة كان أكثرهم نساء يعنى النبي صلى الله عليه وسلم- وقد مر نهيه صلى الله عليه وسلم عن التبتل نهيا شديدا- وتحقيق المقام عندى ان من راى من نفسه ان النكاح واشتغاله بامر الأهل والعيال لا يمنعه عن الإكثار في الذكر والانقطاع الى الله من غيره وتعمير الأوقات بالطاعات فالنكاح في حقه أفضل من تركه وكان هذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وكثير من الأنبياء والصالحين من عباد الله وكيف لا يكون أفضل فان مجاهدته أشد واكثر من مجاهدة العزب فان القيام على العبادة مع الموانع اكثر ثوابا منه مع عدم الموانع ومن أجل ذلك كان خواص البشر أفضل من خواص الملائكة وعوامهم أفضل من عوامهم ومن عط راى من نفسه ضعفا وراى ان النكاح واشتغاله بامور الأهل والعيال يمنعه من الإكثار في الذكر والانقطاع الى الله وتعمير الأوقات ولا يخاف من نفسه الوقوع في الزنى فترك النكاح في حقه أفضل قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وقال الله تعالى قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وقال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا

لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ - وكيف يكون النكاح أفضل من الاشتغال بعبادات الله النافلة مع ان النكاح في نفسه امر مباح ليس بعبادة وضعا واستحبابه انما هو بالنظر الى ما يترتب عليه من المصالح ولو كان النكاح في نفسه عبادة لكان الإسلام شرطا لاتيانها كما هو شرط لسائر العبادات وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه- متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب ولو كان النكاح في نفسه عبادة لكانت الهجرة لاجل النكاح هجرة لله تعالى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب الىّ من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عينى في الصلاة- رواه النسائي وكذا روى الطبراني واسناده حسن وهو صريح في ان النكاح من الأمور الدنيوية المباحة كالطيب وتسميته سنة في قوله صلى الله عليه وسلم اربع من سنن المرسلين النكاح والتعطر الحديث بمعنى كونه سنة زائدة من السنن العادية لا انه من سنن الهدى فان سنة الهدى ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العبادة لا يقال ان قوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتى فليس منى- يدل على كونه من سنن الهدى لانا نقول لا يدل هذا على ذك لان الرغبة عما فعله النبي صلى الله عليه وسلم واستحسنه قبيح يوجب الإنكار والعتاب لكن تركه لا يوجب العتاب كما يوجب ترك سنة الهدى- فان قيل ورد في الحديث حبب الىّ من الدنيا ثلاثة الطيب والنساء وجعلت قرة عينى في الصلاة- فهذا اللفظ يدل على كون الصلاة ايضا من الأمور الدنيوية- قلنا قال الحافظ ابن حجر لم نجد لفظة ثلاث في شيء من الطرق المسندة وحديث الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة- رواه مسلم عن عمرو بن العاص مرفوعا وهذا ايضا يدل على كون النكاح من الأمور الدنيوية المباحة فكل امر وقع في باب النكاح في الكتاب او السنة محمول على الإباحة او الاستحباب واما حديث عكاف أنت اذن

من اخوان الشياطين واقعة حال محمول على حالة شدة التوقان وخوف الفتنة- ثم النكاح يكون عبادة باقتران حسن النية بان يريد كثرة اهل الإسلام وغض البصر ونحو ذلك- وهذا شيء غير مختص بالنكاح بل الاكل والشرب والبيع والشراء والاجارة وسائر المعاملات المباحة كلها مع اقتران حسن النية تصير عبادات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب الحلال فريضة بعد الفريضة رواه الطبراني والبيهقي عن ابن مسعود ورواه الطبراني عن انس بن مالك بلفظ طلب الحلال واجب على كل مسلم- وكما ان النكاح فرض على الكفاية لبقاء النسل كذلك الاكل والشرب بقدر ما يسد الرمق فرض عين والتجارة وسائر انواع الحرف فرض على الكفاية ايضا لو تركها الناس أجمعون اختل امر معاشهم ومعادهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التاجر الصدوق الامين مع النبيين والصديقين والشهداء- رواه الترمذي عن ابى سعيد الخدري وحسنه ورواه ابن ماجة من حديث ابن عمر نحوه والبغوي في شرح السنة عن انس نحوه لكن حسن تلك الأشياء انما هو بالغير واما حسن الذكر والانقطاع الى الله فانما هو بذواتهما فاين هذا من ذك عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله سبحانه لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحببته الحديث رواه البخاري ولم يقل الله سبحانه لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنكاح او بالأكل والشرب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اوحى الىّ ان اجمع المال وأكون من التاجرين ولكن اوحى الىّ ان اسبح بحمد ربك وأكن من الساجدين- رواه البغوي في تفسير سورة الحجر- وما قيل في جواب حال يحيى انه كان أفضل في شريعتهم وقد نسخت الرهبانية في شريعتنا فليس بشيء بل النكاح كان أفضل من العزوبة في كل دين كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم اربع من سنن المرسلين

فائدة

وعد منها النكاح- وقد كان آدم ونوح وابراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وأيوب وداود وسليمان وزكريا كلهم كانوا متزوجين وكانوا أفضل من يحيى عليه السّلام فلعل يحيى عليه السلام راى التزوج في حقه مخلّا ببعض امور أفضل منه وايضا كون الرهبانية مشروعة في دين عيسى ويحيى ومنسوخة في ديننا ممنوع بل الرهبانية الّتي كانت النصارى تفعلها كانت مبتدعة حيث قال الله تعالى وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها- وما ورد في الأحاديث ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل وعن الرهبانية فليس المراد منه انه صلى الله عليه وسلم نهى عن التخلي للذكر والانقطاع عن الخلق الى الله تعالى كيف وقد قال الله تعالى وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مال المسلم الغنم يتبعها شعف الجبال يفر بدينه عن الفتن- رواه البخاري بل المراد انه صلى الله عليه وسلم نهى عن ترك الأمور المباحة الّتي لا مثوبة عند الله في تركها كالنكاح والنوم على الفراش وأكل اللحم والكلام مع الناس كما كانت الرهبان من النصارى تفعلها قال الله تعالى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ فالممنوع هو الرهبانية المبتدعة دون الرهبانية المشروعة وقد وقع في الحديث في مدح اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم رهبان بالليل ليوث بالنهار والله اعلم- فائدة قال البغوي تائيد المذهب الشافعي ان في الاية دليلا على ان تزويج النساء الأيامى الى الأولياء- لان الله تعالى خاطبهم به كما ان تزويج العبيد والإماء الى السادة لقوله تعالى وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ- أراد البغوي ان الاية تدل على انه لا يجوز نكاح الحرة العاقلة البالغة بعبارتها من غير ولى وقد ذكرنا هذه المسألة واختلاف العلماء فيها وأدلتهم في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ- والاستدلال بهذه الاية في هذه المسألة لا يصح لان الايم يعم الرجل والمرأة الصغيرين والكبيرين والبكر

والثيب وقد اجمعوا على ان نكاح الرجال البالغين ليس الى الأولياء وعلى ان النكاح الباكرة الصغيرة الى الأولياء فتخصيص هذه الاية بالنساء ليس اولى من تخصيصها بالصغار والصغائر- وايضا يحتمل التجوز في لفظ الانكاح ولعله أراد بالانكاح عدم منعهم من النكاح وتائيدهم فيه وفي الاية دليل على ان المملوك إذا طلب من المولى ان يزوجه وجب عليه تزويجه وكذلك المرأة البالغة إذا طلبت من الولي تزويجها وجب على الولي انكاحها- هذا على اصل الشافعي ومن يقول بعدم جواز النكاح بعبارة النساء واما على اصل ابى حنيفة فمعنى الوجوب على الولي انه يحرم عليه منعها من النكاح فهذه الاية في هذه المسألة نظيرة لقوله تعالى فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ان لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض- رواه الترمذي وعن عمر بن الخطاب وانس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التورية مكتوب من بلغت ابنته اثنتي عشرة سنة ولم يزوجها فاصابت اثما فاثم ذلك عليه- وعن ابى سعيد وابن عباس قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه فاذا بلغ فليزوجه فان بلغ ولم يزوجه فاصاب اثما فانما إثمه على أبيه روى الحديثين البيهقي في شعب الايمان- إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) رد لما عسى ان يمنع من النكاح يعنى لا يمنعنكم من النكاح الفقر «1» فان الله متكفل لارزاق العباد كلهم والمال غاد ورائح وقيل المراد بالغنى هاهنا القناعة وقيل اجتماع الرزقين رزق الزوج ورزق الزوجة والاول أصح فهو وعد من الله بالاغناء

_ (1) عن ابى بكر الصديق قال أطيعوا الله فيما أمركم من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغناء قال الله تعالى إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وعن قتادة قال ذكر لنا ان عمر بن الخطاب قال ما رايت كرجل لم يلتمس الغناء من الباءة وقد وعد الله فيها ما وعد- وعن عمر بن الخطاب انه قال ابتغوا الغناء في الباءة واطلبوا الفضل في الباءة وتلا ان يكونوا فقراء يغنهم الله الاية 12 منه برد الله مضجعه

[سورة النور (24) : آية 33]

للناكح- قال البغوي قال عمر عجب لمن يبتغى الغناء بغير النكاح والله تعالى يقول إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وقال إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ- وروى البزار والخطيب والدار قطنى من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تزجوا النساء فانهن يأتين بالمال- رواه ابو داود في مراسيله عن عروة مرسلا وروى الثعلبي والديلمي صاحب مسند الفردوس من حديث ابن عباس التمسوا الرزق بالنكاح- قلت ولعل لهذا الوعد لمن أراد التعفف بالنكاح وتوكل على الله في الرزق يدل على ذلك قوله تعالى. وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً يعنى من لا يجد اسباب النكاح وما لا بد منه للناكح من المهر المعجل والنفقة ومنعه فقره من ان ينكح خوفا من الجور وفوات حقوق النكاح فعليه ان يجتهد في العفة ودفع الشهوة بالصوم وقلة الطعام ونحو ذلك حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لم يستطع يعنى النكاح فعليه بالصوم فانه له وجاء حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ اى يوسع عليهم من رزقه والله اعلم- اخرج ابن السكن في معرفة الصحابة عن عبد الله بن صبيح عن أبيه قال كنت مملوكا لحويطب بن عبد العزى فسالته الكتابة فابى فنزلت وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ اى يطلبون المكاتبة مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ عبدا كان او امة- الموصول مع صلته مبتدا خبره فَكاتِبُوهُمْ جئ بالفاء لكون المبتدا متضمنا لمعنى الشرط او الموصول منصوب بفعل مضمر يفسره قوله فكاتبوهم والفاء زائدة- قال البغوي لما نزلت هذه الاية كاتب حويطب عبده على مائة دينار ووهب له عشرين فادّاها فقتل يوم حنين في الحرب- وهذا امر استحباب عند جمهور العلماء حتى قال صاحب الهداية وهذا ليس بامر إيجاب بإجماع بين الفقهاء وانما هو امر ندب وهو الصحيح يعنى القول

بانه امر اباحة كما قال بعض مشائخنا ... غير صحيح إذ في الحمل على الإباحة الفاء الشرط إذ هو مباح بدونه واما الندبية فمعلق به- وأجيب بان الشرط خرج مخرج العادة لان المولى لا يكاتب عبده عادة الا إذا علم فيه خيرا- وروى عن بعض المتقدمين بانه للوجوب وهو قول عطاء وعمرو بن دينار وقال احمد في رواية عنه بوجوبها إذا طلب العبد من سيده مكاتبته على قدر قيمته او اكثر لما روى ابن سيرين سأل انس بن مالك ان يكاتبه فتلكا عنه فشكى الى عمر فعلاه بالدرة فامره بالكتابة فكاتبه كذا ذكر البغوي في تفسيره- والكتابة عقد معاوضة يدل عليه صيغة المفاعلة يبتاع العبد من سيده نفسه بما يؤديه من كسبه واشتقاقه من الكتابة بمعنى الإيجاب فيشترط فيه الإيجاب والقبول من الجانبين وليس هو إعتاقا معلقا بأداء المال فيجوز كتابة العبد الصغير إذا كان يعقل البيع والشراء لتحقق الإيجاب والقبول إذ العاقل من اهل القبول والتصرف نافع في حقه- ولا يجوز كتابة مجنون وصبى لا يعقل لعدم تحقق القبول منه فلو ادى عنه غيره لا يعتق ويستردّ ما دفع- وصفته عند ابى حنيفة ان يقول المولى لعبده كاتبتك على مال كذا ويقول العبد قبلت فيعتق بادائه وان لم يقل المولى إذا أديتها فانت حر لانه موجب العقد فيثبت من غير تصريح كما في البيع وبه قال مالك واحمد وقال الشافعي يشترط ان يقول المولى كاتبتك على كذا من المال منجما إذا أديته فانت حر فان ترك لفظ التعليق ونواه جاز- ولا يكفى لفظ الكتابة بلا تعليق ولا نية ويقول قبلت كذا في المنهاج- (مسئلة) ويجوز في الكتابة ان يشترط المال حالا ويجوز مؤجلا ومنجما وقال الشافعي واحمد لا يصح حالا ولا بد من نجمين لانه عاجز عن التسليم في زمان قليل لعدم الاهلية قبله للرق- ولنا الإطلاق في الاية من غير شرط التنجيم وقد ذكرنا انه عقد معاوضة والبدل معقود به فاشبه الثمن في البيع في عدم اشتراط القدرة على التسليم- حتى جاز للمفلس اشتراء اموال عظيمة

ومن الجائز ان يرزق العبد على فور الكتابة أموالا عظيمة بطريق الهبة او الزكوة فان كانت الكتابة حالا وامتنع من الأداء جاز للمولى رده الى الرق- (مسئلة) وإذا صحت الكتابة خرج المكاتب عن يد المولى ليتحقق مقصود الكتابة وهو أداء البدل فيملك البيع والشراء والخروج الى السفر وان نهاه المولى ولا يخرج عن ملكه اجماعا لانه عقد معاوضة فلا يخرج عن ملك المولى ما لم يدخل البدل في ملكه- (مسئلة) والكتابة عقد لازم من جهة المولى اتفاقا فلا يجوز للمولى فسخه الا برضاء العبد لانها موجب للعبد استحقاق العتق والعتق لا يحتمل الفسخ فكذا استحقاقه- ولانه عبادة كالعتق ففسخه يوجب ابطال العمل وقد قال الله تعالى وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ- لكنه غير لازم من جهة العبد فلا يجبر العبد على الاكتساب بل تفسخ الكتابة برضائه عند ابى حنيفة والشافعي واحمد غير انه ان كان بيد المكاتب مال يفى بما عليه يجبر على الأداء عند ابى حنيفة وليس له حينئذ فسخ الكتابة لانه حينئذ متعنّت- وقال مالك ليس للعبد تعجيز نفسه مع القدرة على الاكتساب فيجبر على الاكتساب حينئذ- (مسئلة) وإذا لم يخرج المكاتب عن ملك المولى جاز للمولى ان يعتقه فيعتق مجانا ويسقط بدل الكتابة عن ذمته لانه ما التزم الا مقابلا بالعتق وقد حصل له دونه فلا يلزمه والكتابة وان كانت لازمة من جانب المولى لكنها يفسخ برضاء العبد والظاهر رضاؤه توسلا الى عتقه بغير بدل- (مسئلة) وإذا لم يخرج من ملكه جاز للمولى بيع رقبة المكاتب عند احمد ولا يكون البيع فسخا للكتابة بل يقوم المشترى فيه مقام البائع وهو القول القديم للشافعى وقال ابو حنيفة ومالك لا يجوز بيع رقبة المكاتب الا برضاه فهو فسخ للكتابة وهو القول الجديد للشافعى- لكن عند مالك جاز بيع المكاتبة والدين المؤجل بثمن حال ان كان عينا فيعرض او عرضا فتعين- وجه قول

ابى حنيفة ومن معه ان المكاتب استحق يدا على نفسه لازمة في حق المولى ولو ثبت الملك بالبيع للمشترى لبطل ذلك وقد علمت ان ثبوت الملك للمشترى لا يقتضى فسخ الكتابة عند احمد ولا يبطل استحقاق المكاتب يدا على نفسه بل يقوم المشترى فيه مقام البائع وقد رضى المشترى بذلك ان علم كونه مكاتبا وان لم يعلم كان للمشترى حق فسخ البيع- احتج احمد بحديث عائشة ان بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتاعي فاعتقى فانما الولاء لمق أعتق- رواه احمد وأصله في الصحيحين انها قالت جاءت بريرة عائشة فقالت انى كاتبت على تسع أواق في كل عام اوقية فاعينينى فقالت عائشة ان أحب أهلك ان أعدها لهم عدة واحدة واعتقك فعلت ويكون الولاء لى- فذهبت الى أهلها فابوا ذلك عليها فقالت انى قد عرضت ذلك عليهم فابوا الا ان يكون الولاء لهم- فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسالنى فاخبرته فقال خذيها فاعتقيها واشترطى لهم الولاء فان الولاء لمن أعتق الحديث- وروى النسائي هذه القصة عن بريره نفسها وفي هذا الحديث ليس حجة لاحمد فان النزاع فيما إذا كان بيع المكاتب بغير رضاه واما ان كان برضاه فاظهر الروايتين عن ابى حنيفة جواز البيع حينئذ وقد كان بيع بريرة برضاها- ولذلك عقد البخاري باب بيع المكاتب إذا رضى- (مسئلة) لا يعتق المكاتب الا بأداء كل البدل لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المكاتب عبد ما بقي من مكاتبته درهم- رواه ابو داود والنسائي والحاكم من طرق ورواه النسائي وابن ماجة من وجه اخر من حديث عطاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص في حديث طويل ولفظه ومن كان مكاتبا على مائة اوقية وقضاها الا اوقية فهو عبد قال النسائي هذا حديث منكر وقال ابن حزم عطاء هذا هو الخراسانى لم يسمع

من عبد الله بن عمرو ورواه الترمذي وابو داود وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كاتب عبده على مائة اوقية فاداها الا عشر أواق او قال عشرة دنانير ثم عجز فهو رقيق- وروى مالك في الموطإ عن نافع عن ابن عمر موقوفا المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ورواه ابن قانع من طريق اخر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا وأعله قال صاحب الهداية في هذه المسألة اختلاف الصحابة قال في الكفاية قال زيد بن ثابت مثل قولنا وقال علىّ يعتق بقدر ما ادى- وقال ابن مسعود إذا ادى قدر قيمته يعتق وفيما زاد ذلك يكون المولى غريما من غرمائه- وقال ابن عباس يعتق بنفس الكتابة ويكون المولى غريما من غرمائه- وانما اخترنا قول زيد للحديث المرفوع- قلت وقد روى ابو داود والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال إذا أصاب المكاتب حدا او ميراثا ورث بحساب ما عتق منه- وفي رواية له قال يؤدى المكاتب بحصة ما ادى دية حر وما بقي دية عبد- وضعفه وعن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عند مكاتب أحدا كن وفاء فليحتجب منه- رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة (مسئلة) وإذا عجز المكاتب عن نجم نظر الحاكم في حاله فان كان له دين يقتضيه او مال يقدم عليه لم يعجل بتعجيزه وانتظر ثلاثة ايام ولا يزاد عليه وان لم يكن له وجه وطلب المولى تعجيزه عجزه وفسخ الكتابة عند ابى حنيفة ومحمد وقال ابو يوسف لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان- ولا يجوز للمولى تعجيزه الا بالقضاء او برضاء العبد- (مسئلة) ما ادى المكاتب من الصدقات الى مولاه ثم عجز فهو طيب للمولى وان كان غنيا او هاشميّا لتبدل الملك فان العبد يتملك صدقة والمولى عوضا عن العتق واليه وقعت الاشارة النبوية في حديث عائشة رضى الله عنها- حيث قالت دخل رسول الله

صلى الله عليه وسلم والبرمة تفور بلحم- فقرب اليه خبز وآدم من آدم البيت- فقال الم أر برمة فيها لحم قالوا بلى ولكن ذلك لحم تصدق على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة قال هو عليها صدقة ولنا هدية متفق عليه بخلاف ما إذا أباح للغنى او الهاشمي لان المباح له يتناوله على ملك المبيح فلم يتبدل الملك فلم يتطيب ونظيره المشترى شراء فاسدا إذا أباح لغيره لا يطيب له ولو ملّكه يطيب له- (مسئلة) إذا مات المكاتب قبل أداء بدل الكتابة مات رقيقا عند الشافعي واحمد ويرتفع الكتابة سواء ترك مالا او لم يترك كما لو تلف المبيع قبل القبض يرتفع البيع- قال البغوي وهو قول عمر وابنه وزيد بن ثابت وعمر بن عبد العزيز وقتادة- وقال ابو حنيفة ومالك والثوري وعطاء وطاؤس والحسن البصري والنخعي ان ترك ما يفى بدل الكتابة فهو حرّ وبدل الكتابة للمولى والزيادة لورثته الأحرار- إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً قال ابن عمر يعنى قوة على الكسب وهو قول مالك والثوري وقال الحسن والضحاك ومجاهد يعنى مالا لقوله تعالى في الوصية ان ترك خيرا اى مالا- روى ان عبدا ... لسلمان قال له كاتبنى قال لك مال قال لا قال تريد ان تطعمنى من أوساخ الناس ولم يكاتبه- وهذا القول ضعيف لان العبد وما في يده من المال ملك المولى إذ هو ليس أهلا لمالكية المال ... للمنافاة بين المالكية والمملوكية والواجب عليه الأداء مما يملكه بعد ما صار أهلا لمالكيه المال يدا- وقال الزجاج لو أراد المال لقال ان علمتم لهم خيرا وقال ابراهيم بن زيد وعبيد صدقا وامانة- واخرج البيهقي عن ابن عباس قال امانة ووفاء وقال الشافعي اظهر معانى الخير في العبد الاكتساب مع الامانة فاحب ان لا يمتنع من كتابته إذا كان كذا- وقال صاحب الهداية المراد بالخير ان لا يضرّ بالمسلمين وان كان يضرّبهم بان كان كافرا يعين الكفار

او نحو ذلك يكره كتابته ولكن تصح لو فعله- وحكى عن عبيدة في قوله تعالى إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً اى أقاموا الصلاة وقيل وهو ان يكون العبد عاقلا بالغا فاما الصبى والمجنون فلا يصح كتابتها لان الابتغاء منهما لا يصح- قلت رتب الله سبحانه الأمر بالكتابة على قوله وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ فاشتراط العقل فهم منه فيكون هذا الشرط على هذا التقدير لغوا واشتراط البلوغ لا وجه له لان الصبى العاقل يتحقق منه الابتغاء- (مسئلة) العبد الّذي لا كسب له لا يكره كتابته عند ابى حنيفة ومالك والشافعي واحمد في رواية عنه وفي رواية عن احمد يكره بناء على ارادة قدرة الاكتساب من الخير قلت لو سلمنا كون قدرة الاكتساب شرطا لاستحباب الكتابة فانعدام شرط الاستحباب لا يقتضى الكراهة- كيف ويمكنه الوصول الى المال بقبول الصدقات- (مسئلة) يكره كتابة الامة الغير المكتسبة اتفاقا لانها عسى ان تكتسب المال بالزنى والله اعلم- وأتوهم من مال الله الّذى أتاكم حثّ لجميع الناس على اعانتهم بالتصدق عليهم فريضة كانت او نافلة- وقيل المراد سهمهم الّذي جعل الله لهم من الصدقات المفروضات بقوله وفي الرّقاب وهو قول الحسن وزيد بن اسلم- ولفظ الاية لا يقتضى تخصيص الصدقات بالمفروضة فان هذا الأمر ايضا للاستحباب كالامر بالكتابة- وقيل هذا خطاب للسادة فقيل يستحب للمولى ان يحط «1» من بدل الكتابة شيئا وقيل يجب عليه ذلك قال البغوي وهو قول عثمان وعلّى والزبير وجماعة وبه

_ (1) روى عن عمر انه كاتب عبد الله يكنى أبا امية فجاء بنجمه حين حلّ قال يا أبا امية اذهب فاستعن به في مكاتبتك قال يا امير المؤمنين لو تركته حين يكون من اخر نجم قال أخاف ان لا أدرك وكدت ثم قرا وأتوهم من مال الله الّذى أتاكم- منه رحمه الله

قال الشافعي ثم اختلفوا في قدره فقال قوم حط عنه ربع الكتابة وهو قول على أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردوية والبيهقي من طريق ابن عبد الرحمان السلمى ورواه بعضهم عن علىّ مرفوعا- وعن ابن عباس يحط عنه الثلث وقيل يحط عنه ما شاء وهو قول الشافعي قال نافع كاتب عبد الله بن عمر غلاما له على خمسة وثلاثين الف درهم فوضع في اخر كتابته خمسة آلاف درهم وقال سعيد بن جبير كان ابن عمر إذا كاتب لم يضع عن مكاتبه من أول نجومه مخافة ان يعجز فيرجع اليه صدقته ووضع في اخر كتابته ما احبّ- قلت تفسير الإيتاء بالحط غير صحيح لان الإيتاء يدل على التمليك ولا تمليك في الحط ومن هاهنا قال ابو حنيفة لا يجب على المولى قط شيء من البدل اعتبارا بالبيع فانه عقد معاوضة ولا يجب الحط في سائر المعاوضات فكذا فيها وهذا لان الكتابة سبب لوجوب مال الكتابة على العبد فلا يجوز ان يكون بعينه سببا لاستحقاق الحط الّذي هو ضد الوجوب كالبيع قلت بدل الكتابة غير مقدر اجماعا فلو كان حط شيء من بدل الكتابة واجبا على المولى لكان للمولى ان يكاتبه على الالف إذا أراد كتابته على سبعمائة فيحط عنه ثلاثمائة ويخرج عن العهدة ولا فائدة في ذلك- اخرج مسلم من طريق ابى سفيان عن جابر بن عبد الله قال كان عبد الله بن ابى بن سلول يقول لجارية له اذهبي فابغينا شيئا فانزل الله تعالى وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ يعنى إمائكم عَلَى الْبِغاءِ يعنى على الزنى عطف على قوله وانكحوا الأيامى عطف النهى على الأمر وما بينهما معترضات واخرج مسلم من هذا الطريق ان جارية لعبد الله بن ابى يقال لها مسيكة واخرى يقال لها اميمة فكان يريدهما على الزنى فشكتا ذلك الى النبي صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى هذه الاية- واخرج الحاكم من طريق ابى الزبير عن جابر قال كانت مسيكة لبعض الأنصار فقالت ان سيدى يكرهنى على البغاء فنزلت- واخرج

البزار والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال كانت لعبد الله بن أبيّ جارية تزنى في الجاهلية فلما حرم الزنى قالت والله لا ازنى فنزلت- واخرج البزار بسند ضعيف عن انس نحوه وسمى الجارية معاذة- واخرج سعيد بن منصور عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة ان عبد الله بن أبيّ كانت له امتان مسيكة ومعاذة فكان يكرههما على الزنى فقالت إحداهما ان كان خيرا فقد استكثرت منه وان كان غير ذلك فانه ينبغى ان ادعه فانزل الله- قال البغوي وروى انه جاءت احدى الجاريتين يوما ببرد وجاءت الاخرى بدينار فقال لهما فارجعا فازنيا قالتا والله لا نفعل قد جاء الإسلام وحرم الزنى فاتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكتا فانزل الله تعالى هذه الاية واخرج الثعلبي من حديث مقاتل انه كان لعبد الله بن أبيّ ست جوار الحديث فنزلت وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً اى تعففا قال البيضاوي ليس هذا شرطا قيدا للاكراه فانه لا يوجد بدونه وان جعل شرطا للنهى لم يلزم من عدمه جواز الإكراه لجواز ان يكون ارتفاع النهى بارتفاع المنهي عنه يعنى عند عدم ارادة التحصن يمتنع الإكراه بل يتحقق الزنى طوعا- قلت ان هاهنا بمعنى إذا وهو ظرف ليس بشرط والكلام خرج كذلك لمطابقة سبب النزول واختير ان موضع إذا للدلالة على ان ارادة التحصن من الإماء كالشاذ النادر وفي هذا التقييد توبيخ للموالى وتشنيع لهم على إكراههم وتنبيه على انهن مع قصور عقلهن واشتهاء انفسهن لما أردن تحصنا فانتم ايها السادة مع انكم رجال غيور أحق بذلك- وقال الحسين وفضيل في الاية تقديم وتأخير تقديرها وانكحوا الأيامى منكم ان أردن تحصّنا ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء لِتَبْتَغُوا اى لتطلبوا ايها السادة باكراههن عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعنى كسبهن وبيع أولادهن وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) يعنى للمكروهات والوزر على المكره لما كان الحسن إذا قرا

هذه الاية قال لهن والله لهن والله ولما في مصحف ابن مسعود من بعد إكراههنّ كهنّ غفور رّحيم- اخرج هذه القراءة عبد بن حميد وابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن مسعود وعلى هذا التأويل قوله مَنْ يُكْرِهْهُنَّ مبتدأ خبره محذوف لان الجملة التالية لا تصلح ان تكون خبرا له لعدم العائد الى المبتدأ تقديره ومن يكرههنّ فعليه وزرهن فانّ الله من بعد إكراههنّ لهنّ غفور رّحيم- ولو قيل تأويل الاية فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ له اى لمن اكره ان تاب جاز كونه خبرا للمبتدأ لكنه بعيد لان سياق الكلام للتوبيخ لمن اكره وذا لا يناسب الوعد بالمغفرة والرحمة كيف والاية نزلت في عبد الله بن أبيّ المنافق وقد نزل فيه قوله تعالى سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ «1» . فان قيل المكرهة غير آثمة فلا حاجة الى المغفرة قلنا الإكراه بجملته لا ينافى اهلية الأداء لوجود الذمة والعقل ولا يوجب وضع الخطاب بحال لان المكره مبتلى والابتلاء يحقق الخطاب ولذلك حرم على المكره بالقتل ونحوه الزنى ان كان رجلا اتفاقا- وكذا حرم قتل النفس على المكره بالفتح مطلقا اتفاقا ووجب عليه القصاص عند زفر خلافا لابى حنيفة على ما حقق في موضعه غير انه تعالى رفع الإثم ورخص في مواضع كاجراء الكفر على اللسان إذا كان قلبه مطمئنا بالايمان- وإفساد الصلاة والصوم والإحرام وإتلاف مال الغير- إذا كان الإكراه كاملا ورفع الإثم والرخصة انما هو اثر الرحمة والمغفرة الم تسمع الى قوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ حيث ذكر المغفرة والرحمة مع رفع الإثم- ويمكن ان يقال ان رفع الإثم انما هو في الإكراه الملجئ وهو ما يخاف منه المكره تلف نفس او عضو ممن

_ (1) وفي الأصل استغفر لهم او لا تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ان الله لا يهدى القوم الفاسقين- وليس في القران هكذا 12 الفقير الدهلوي-

[سورة النور (24) : آية 34]

يقدر على إيقاعه والكلام هاهنا في اكراه عبد الله بن ابى على أمتيه والظاهر ان ذلك لم يكن ملجيا فلم يرتفع الإثم والله اعلم-. وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ يا محمد في هذه السورة جواب قسم محذوف آياتٍ مُبَيِّناتٍ قرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بالكسر على صيغة اسم الفاعل يعنى آيات بينت الاحكام والحدود او من بين بمعنى تبين يعنى واضحات تصدقها الكتب المقدمة والعقول السليمة- وقرأ الباقون بالفتح على صيغة اسم المفعول يعنى آيات بينت في هذه السورة وأوضحت فيها الاحكام والحدود وَمَثَلًا مِنَ جنس أمثال الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ يعنى قصة عجيبة مثل قصصهم وهى قصة عائشة فانها كقصة يوسف ومريم- او المعنى شبيها من حالهم بحالكم ايها القاذفون ان يلحقكم مثل ما لحق من قبلكم من المفترين وَمَوْعِظَةً وعظ بها في تلك الآيات لِلْمُتَّقِينَ (34) فانهم هم المنتفعون بها وقيل المراد بالآيات القران وهو موصوف بالصفات المذكورة. اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ النور في الأصل كيفية يدركها الباصرة اوّلا ويدرك بها سائر المبصرات كالكيفية الفائضة من النيرين على الأجسام الكثيفة المحاذية لهما وهو بهذا المعنى لا يصح إطلاقه على الله تعالى فهو ليس على ظاهره ويدل عليه إضافته الى ضميره تعالى في قوله مثل نوره- فالمعنى اما بتقدير المضاف او على المبالغة كقولك زيد كرم اى ذو كرم او كريم غاية الكرم كانه نفس الكرم مبالغة او هو مصدر بمعنى الفاعل يعنى منور السموات والأرض بالشمس والقمر والكواكب وبالأنبياء والملائكة والمؤمنين كذا قال الضحاك ويقال منور الأرض بالنبات والأشجار وقيل معناه الأنوار كلها منه يقال فلان رحمة اى منه الرحمة- وقد يذكر هذا اللفظ على طريق المدح يقول القائل إذا سار عبد الله من مرو ليلة- فقد سار منها نورها وجمالها- وقيل المعنى مدبرها من قولهم للرئيس الفائق في التدبير نور القوم لانهم يهتدون به في الأمور- وقيل معناه موجدها فان النور

ظاهر لذاته مظهر لغيره واصل الظهور الوجود كما ان اصل الخفاء العدم والله سبحانه موجود بذاته موجد لكل ما عداه- او الّذي به يدرك او يدرك أهلها من حيث انه يطلق على الباصرة لتعلقها به او لمشاركتها له في توقف الإدراك عليه- ثم على البصيرة لانها افوق إدراكا فانها يدرك نفسها وغيرها من الكليات والجزئيات الموجودة والمعدومة وتغوص في بواطنها ويتصرف فيها بالتركيب والتحليل- ثم ان هذه الإدراكات لبست لاهلها لذواتها ولا لما فارقتها فهى اذن من سبب يفيضها عليه- وهو الله سبحانه ابتداء او بتوسط من الملائكة والأنبياء ولذلك سموا أنوارا ويقرب من هذا القول ما ذكر البغوي من قول ابن عباس ان معناه هادى اهل السموات والأرض فهم بنوره يعنى بهدايته الى الحق يهتدون وبهداه من حيرة الضلالة ينجون فاضافته إليهما للدلالة على سعة اشراقه- او لاشتمالها على الأنوار الحسية والعقلية وقصور الإدراكات البشرية عليها وعلى المتعلق والمدلول بهما- مَثَلُ نُورِهِ اى صفة نور الله في قلب المؤمن الّذي يهتدى به الى ذاته تعالى وصفاته وتصديق ما قال مما لا يستبد في إدراكه عقول الفحول ويرى به الحق حقّا والباطل باطلا قال الله تعالى فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ قال البغوي كان ابن مسعود يقرا مثل نوره في قلب المؤمن- وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس مثل نوره الّذى اعطى المؤمن- وقال بعضهم الضمير عائد الى المؤمن وكان ابى يقرأ مثل نور قلب من أمن وهو عبد جعل الله الايمان والقران في صدره- وقال الحسن وزيد بن اسلم أراد بالنور القران- وقال سعيد بن جبير والضحاك هو محمد صلى الله عليه وسلم- وقيل أراد بالنور الطاعة سمى طاعة الله نورا وأضاف هذه الأنوار الى نفسه كَمِشْكاةٍ وهى الكوة الّتي لا منفذ لها فان كان لها منفذ فهى الكوة- قيل هى حبشية وقال مجاهد هى القنديل والمضاف مقدر والمعنى مثل نوره كمثل نور مشكوة

فِيها مِصْباحٌ اى سراج مفعال من الصبح بمعنى الضوء ومنه الصبح بمعنى الفجر الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ اى في قنديل من الزجاج قال الزجاج انما ذكر الزجاجة لان النور وضوء النار فيها أبين من كل شيء وضوؤه يزيد في الزجاج وهذه الجملة صفة للمصباح والعائد المظهر الموضوع موضع المضمر ثم وصف الزجاجة بقوله الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ الجملة صفة لزجاجة والعائد فيها ايضا المظهر الواقع موضع الضمير- قرأ ابو عمرو والكسائي بكسر الدال والمد والهمزة فهو فعّيل من الدرء وقرا أبو بكر وحمزة بضم الدال والمد والهمزة وهذا الوزن شاذ قال اكثر النحاة ليس في كلام العرب فعّيل بضم الفاء وكسر العين وقال ابو عبيدة أصله فعول من دراأت مثل سبوح- ثم استثقلوا كثرة الضمات فردوا بعضها الى الكسرة كما قالوا عتيّا بضم العين من العتو- وعلى هذين القرائتين هو مشتق من الدرء بمعنى الدفع فانه يدفع الظلام بضوئه او يدفع بعض ضوئه بعضا من لمعانه او يدفع الشياطين من السماء وشبّهه بحالة دفعة الشياطين لانه يكون في تلك الخالة أضوء وأنور ويقال هو من درأ الكوكب إذا اندفع فيتضاعف ضوؤه في ذلك الوقت وقيل درا بمعنى طلع يقال درأ النجم إذا طلع وارتفع ويقال درأ علينا فلان اى طلع وظهر والمعنى كانها كوكب طالع وقرأ الآخرون بضم الدال وتشديد الراء والياء منسوب الى الدّر في صفائه وحسنه- فان قيل الكوكب اكثر ضوءا من الدّرّ فما وجه نسبته اليه قلنا معناه انه أضوء واحسن من سائر الكواكب كما ان الدر أضوء واحسن من سائر الحبوب- وقيل الكوكب الدري واحد من الكواكب الخمسة العظام وهى الرخل والمريخ والمشترى والزهرة وعطارد قلت لعل ذلك الكوكب هى الزهرة لكونها أضوء من غيرها- قيل شبه بالكوكب ولم يشبه بالشمس والقمر لان الشمس والقمر يلحقهما الخسوف والكسوف بخلاف الكواكب قلت بل وجه ذلك ان المصباح يشبّه بالشمس حيث قال الله تعالى وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً فشبّه

الزجاجة بالكوكب ليدل على انحطاط رتبة الزجاجة من رتبة المصباح ولو قال كانها شمس لزم فضل الزجاجة على المصباح وهو مخل بالمقصود- يُوقَدُ خبر ثان للمصباح او حال من الضمير المستكن في الظرف المستقر اعنى في زجاجة العائد الى المصباح- قرأ ابن كثير «1» وابو عمرو وابو جعفر ويعقوب بفتح الماء الفوقانية وفتح الواو والقاف المشددة والدال على صيغة الماضي من التفعل بمعنى توقد المصباح اى اتقدت يقال توقدت النار اى اتقدت والباقون على صيغة المضارع المجهول من الافعال فابوبكر وحمزة والكسائي بالتاء الفوقانية على ان الضمير راجع الى الزجاجة بحذف المضاف والتقدير توقد نار الزجاجة لان الزجاجة لا توقد- والباقون بالياء التحتانية على ان الضمير للمصباح اى يوقد المصباح مِنْ شَجَرَةٍ من للابتداء يعنى ابتداء يوقد المصباح من شجرة او للسببيّة على حذف المضاف اى من دهن شجرة- أبهم الشجرة ثم وصفها بقوله مُبارَكَةٍ ثم أبدلها وبينها بقوله زَيْتُونَةٍ تعظيما لشأنها وتفخيما لامرها لانها كثيرة البركة وفيها منافع كثيرة فان الزيت يسرج به وهو اصقى وأضوء الادهان وهو ادام وفاكهة ولا يحتاج في استخراجه الى عصّار بل كل واحد يستخرجه قال البغوي جاء في الحديث انه مصحح من الناسور وهى شجرة توقد من أعلاها الى أسفلها- ذكر البغوي عن أسيد بن ثابت او أسيد الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا الزيت وادهنوا به فانه شجرة مباركة ورواه الترمذي عن عمر مرفوعا واحمد والترمذي والحاكم عن ابى أسيد مرفوعا ورواه ابن ماجة والحاكم وصححه عن ابى هريرة مرفوعا كلوا الزيت وادهنوا به فانه طيب مبارك- ورواه ابو نعيم في الطب عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا الزيت وادهنوا به فانه شفاء من سبعين داء منها الجذام- لا شَرْقِيَّةٍ صفة لزيتونة وحرف النفي جزء من المحمول

_ (1) وفي الأصل ابن ذكوان- وهو من زلة القلم- ابو محمّد عفا الله عنه.

قيل معناه ليس بمضحى تشرق عليها الشمس دائما فتحرقها وَلا غَرْبِيَّةٍ ولا في مقناة تغرب وتغيب عنها الشمس دائما فتتركها نيا وهو قول السدى وجماعة وقيل معناه لا شرقية تقع عليها الشمس عند طلوعها فقط ولا غربية تقع عليها الشمس عند غروبها دون طلوعها بل هى نابتة على قلة او في صحراء واسعة تقع عليها الشمس دائما فيكون ثمرها انضج وزيتها أصفى- قال البغوي وهذا كما يقولون فلان لا بأبيض ولا بأسود يريدون ليس بأبيض خالص ولا باسور خالص بل اجتمع فيه الأمران يقال هذا الرمّان ليس بحامض ولا حلواى بل اجتمع فيه الحموضة والحلاوة وهو قول ابن عباس في رواية عكرمة والكلبي والأكثرين- وقيل معناه غير نابتة في مشرق الأرض ولا في مغربها بل في وسطها وهو الشام فان زيتون الشام يكون أجود- وقال الحسن ليست هذه من أشجار الدنيا ولو كانت في الدنيا كانت شرقية او غربية وانه مثل ضربه الله لنوره- قلت وعلى هذا القول لعل الله سبحانه أراد شجرة من أشجار الجنة ومثّل نوره بنور زيتون الجنة يَكادُ زَيْتُها اى دهنها يُضِيءُ بنفسه لتلألؤه وفرط وبيصه وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ يعنى قبل ان يصيبه النار هذه الجملة صفة اخرى لزيتونة وفيه مبالغة في بيان صفاء ... زيت الزيتون وبياضه- وكلمة يكاد موجب لتصحيح المقال نُورُ به عَلى نُورٍ بالنار فهو نور متضاعف فان نور المصباح زاد في إنارته وصفاء الزيت وزهرة القنديل وضبط مشكوة لا منفذ فيه- قال البغوي اختلف اهل العلم في معنى هذا التمثيل قال بعضهم وقع التمثيل لنور محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس لكعب الأحبار أخبرني عن قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ قال كعب هذا مثل ضربه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فالمشكوة صدره والزجاجة قلبه والمصباح فيها النبوة يكاد نور محمد صلى الله عليه وسلم وامره يتبين للناس ولو لم يتكلم انه نبى كما كان يكاد

ذلك الزيت ان يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور- ولنعم ما قال كعب فها انا اذكر فصلا في ظهور امر نبوته قبل ان يبعث وقبل ان يتكلم انه نبى- (فصل) (فى معجزاته الّتي ظهرت قبل بعثته صلى الله عليه وسلم) ذكر في خلاصة السير انه قالت أم النبي صلى الله عليه وسلم رايت في المنام حين حملت به انه خرج منى نور أضاء له قصور بصرى من الشام ثم وقع حين ولدته انه لواضع.... بالأرض رافع رأسه الى السماء- وقال الحافظ ابن حجران أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت لها قصور الشام وقال صححه ابن حبان والحاكم وعند ابى نعيم في الدلائل انه صلى الله عليه وسلم لما ولد ذكرت امه ان الملك غمسه في ماء انبعه ثلاث مرات ثم اخرج صرة من حرير ابيض فاذا فيها خاتم فضرب على كتفه كالبيضة المكنونة تضيء كالزهرة وروى البيهقي وابن ابى الدنيا وابن السكن ان ليلة ميلاده صلى الله عليه وسلم ارتجس ايوان كسرى وسقطت منه اربع عشرة شرافة وأفزع كسرى وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغارت بحيرة سلوة- وفي حديث عائشة كان يهودىّ سكن مكة يتجر فيها قال ليلة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر قريش ولد في هذه الليلة نبىّ هذه الامة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كانهن عرف الفرس فخرجوا باليهودى حتى أدخلوه على امه فقالوا اخرجى المولود ابنك فاخرجته وكشفوا عن ظهره فراى تلك الشامة فوقع اليهودي مغشيا عليه قالوا مالك مالك قال ذهبت والله النبوة من بنى إسرائيل- رواه الحاكم وفي المواهب اللدنية قصة عميصا الراهب كان يقول لاهل مكة يوشك ان يولد منكم يا اهل مكة مولود يدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه- فلمّا ولد قال لعبد المطلب قد ولد لك المولود الّذي كنت احدّثكم عنه- وعن العباس بن عبد المطلب قال قلت يا رسول الله دعانى الى الدخول في دينك امارة لنبوتك رايتك في المهد

تناغى «1» القمر وتشير اليه بإصبعك فحيث أشرت اليه مال- قال كنت أحدثه ويحدثنى ويلهينى عن البكاء واسمع وجبته حين يسجد تحت العرش وعد من الخصائص ان مهده صلى الله عليه وسلم كان يتحرك بتحريك الملائكة- وروى انه صلى الله عليه وسلم تكلم أوائل ما ولد- وروى ابو يعلى وابن حبان عن عبد الله بن جعفر عن حليمة مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما وضعته في حجرى اقبل عليه ثدياى بما شاء «2» من لبن فشرب حتى روى وشرب معه اخوه تعنى ضمرة وناما- وما كان ينام قبل ذلك وما كان في ثديى ما يرويه ولا في شارفنا ما يغذيه- وقام زوجى الى شارفنا تلك فنظر إليها فاذا انها لحافل فحلب منها ما شرب وشربت حتى انتهينا ريا وشبعا فبتنا بخير ليلة- ولما رجعنا ركبت أتاني وحملته عليها فو الله لقد قطعت «3» مالا يقدر عليها شيء من حمرهم- حتى ان صواحبى ليقلن لى ويحك يا بنت ابى ذويب اربعى علينا أليس هذه أتانك الّتي كنت خرجت عليها- فاقول بلى وكانت قبل ذلك قد اذمت بالركب حتى شق عليهم ضعفا وعجفا- وعن ابن عباس قال كانت حليمة تحدث انها أول ما فطمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فقال الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.... فلما ترعرع «4»

_ (1) تناغى اى تجادل ناغت الام صبيها لا طفته وشاغلته بالمحادثة والملاعبة 12 منه رحمه الله. هكذا في حاشية الأصل من يد المفسر رحمه الله تعالى والغالب انه تحادث لان المناغاة المحادثة فلعله من زلة القلم 12 الفقير الدهلوي- (2) بما شاء اى بما شاء الله من لبن إلخ كذا في الزرقانى 12 الفقير الدهلوي. (3) هكذا في الزرقانى وفي الأصل فو الله تقطعت إلخ الفقير الدهلوي- (4) فى الأصل تزعزع بالزاءين المعجمتين وليس بشيء وفي مجمع البحار ترعرع الصبى بالرائين المهملتين إذا نشاء وكبر 12 الفقير الدهلوي-

كان يخرج فينظر الى الصبيان يلعبون فيجتنبهم الحديث- وعنه قال كانت حليمه لا تدعه يذهب مكانا بعيدا فغفلت عنه فخرج مع أخته الشيماء في الظهيرة الى البهم فخرجت حليمة تطلبه فوجدته مع أخته فقالت في هذا الحرّ فقالت أخته يا امه ما وجد أخي حرا رايت غمامة تظلّه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت معه وفي الشمائل المجدية قالت حليمة ما كنا نحتاج الى السرّاج من يوم أخذناه لان نور وجهه كان أنور من السراج فاذا احتجنا الى السراج في مكان جئنا به فتنورت الامكنة ببركته صلى الله عليه وسلم- وروى ان حليمة لمّا أخذته دخلت على الأصنام فنكس الهبل رأسه وكذا جميع الأصنام من أماكنها تعظيما له- وجاءت به الى الحجر الأسود ليقبّله فخرج الحجر الأسود من مكانه حتى التصق بوجهه الكريم صلى الله عليه وسلم- وروى انه لمّا ارضعته حليمة درّ لبنها وانهمر فكانت ترضع معه عشرة او اكثر- وكانت حليمة إذا مشت به على واد يابس اخضر في الوقت- وكانت تسمع الأحجار تنطق بسلامها عليه والأشجار تحن بأغصانها اليه- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج.... هو واخوه يرعيان الغنم فقال اخوه ان أخي الحجازي إذا وقف بقدميه على الوادي يخضر لوقته- وإذا جاء الى البئر ونحن نسقى الأغنام يعلو الماء الى فم البئر وإذا قام في الشمس ظلته الغمامة- وتأتى الوحوش اليه وهو قائم فتقبّله- وفي خلاصة السير أن مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم قالت بينما هو في بهم لنا إذ جاء اخوه يشتد فقال أخي القرشي قد اخذه رجلان عليهما ثياب بيض فاضجعاه فشقا بطنه قالت فخرجنا نحوه فوجدناه قائما متقنعا وجهه فالتزمناه وقلنا مالك- قال جاءنى رجلان عليهما ثياب بيض فاضجعانى فشقا بطني فالتمسا فيه شيئا لا أدرى ما هو- وفي رواية من حديث شداد بن أوس عند ابى يعلى وابى نعيم وابن عساكر فاذا انا برهط ثلاث

معهم طست من ذهب ملئى ثلجا فعمد أحدهم فاضجعنى على الأرض ثم اخرج أحشاء بطني ثم غسلها بذلك الثلج فانعم غسلها ثم أعادها مكانها- ثم قام الثاني واخرج قلبى وانا انظر اليه فصدعه ثم اخرج منه مضغة سوداء فرمى به- ثم قال بيده يمنة ويسرة كانه يتناول شيئا فاذا بخاتم في يده من نور يحار الناظر دونه- فختم به قلبى فامتلا نورا وذلك نور النبوة والحكمة ثم أعاد مكانه فوجدتّ برد ذلك الخاتم في قلبى دهرا- ثم قال الثالث لصاحبه تنح فامرّ يده بين مفرق صدرى الى منتهى عانتى فالتام ذلك الشق- وفي حديث انس قال لقد كنت ارى اثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم- واخرج ابن عساكر ان أبا طالب حين أقحط الوادي استسقى ومعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام فاخذ ابو طالب النبي صلى الله عليه وسلم والصق ظهره بالكعبة ولاذ النبي صلى الله عليه وسلم بإصبعه وما في السماء قزعة- فاقبل السحاب من هاهنا وهاهنا واغدق واغدق وانفجر له الوادي- وفي ذلك قال ابو طالب شعر وابيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل «1» وفي خلاصة السير انه لمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة خرج مع عمه ابى طالب الى الشام فلما بلغ بصرى راه بحيرا الراهب فعرفه بصفته فجاء فاخذ بيده وقال هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين- فقيل وما علمك بذلك قال انكم أقبلتم من العقبة فلم يبق حجر ولا شجر إلا خرّ ساجدا ولا يسجد ان الا للنبى وانا نجده في كتبنا- وقال لابى طالب لئن قدمت به الشام ليقتلنه اليهود فرده خوفا عليه- ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية الى الشام وهو ابن خمسة وعشرين سنة مع ميسرة غلام خديجة في تجارة لها قبل ان يتزوجها-

_ (1) اى المساكين من الرجال والنساء- وهو بالنساء أخص الّتي مات زوجها- منه رح.

فائدة

فلما قدم الشام نزل تحت ظلّ شجرة قريبا من صومعة راهب فاطلع الراهب الى ميسرة فقال من هذا الرجل قال ميسرة رجل من قريش من اهل الحرم فقال ما نزل تحت هذه الشجرة قط الا نبى- وفي بعض الروايات ان الراهب دنا الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال امنت وانا اشهد انك الّذي ذكره الله في التورية فلما راى الخاتم قبّله وقال اشهد انك رسول الله النبي الأمي الهاشمي العربي المكي صاحب الحوض والشفاعة ولواء الحمد وقيل ان ميسرة قال كان إذا كانت الهاجرة واشتد الحرّ نزل ملكان يظلانه من حر الشمس وهو يسير على بعيره- ولما سمعت خديجة ذلك من ميسرة اشتاقت الى ان يتزوجها صلى الله عليه وسلم- فائدة قال السهيلي في توجيه قول الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة قط الا نبى انه يريد ما نزل تحتها هذه الساعة ومبنى قوله هذا بعد العهد بالأنبياء واستبعاد بقاء الشجرة تلك المدة الطويلة واستبعاد وجود شجرة على الطريق تخلو من ان ينزل تحتها أحد قط لكن لفظة قط في الخبر يمنع هذا التوجيه- ولا شك ان المعجزات انما تكون بخرق العادات فلا وجه للاستبعاد فان الله قادر على ابقاء الشجرة وصرف الناس عن النزول تحتها زمانا طويلا على خلاف العادة والله اعلم- رجعنا الى التفسير روى سالم عن ابن عمر في هذه الاية قال المشكوة جوف محمّد صلى الله عليه وسلم والزجاجة قلبه والمصباح النور الّذي جعل الله فيه لا شرقية ولا غريبة اى لا نصرانى ولا يهودى توقد من شجرة مباركة يعنى ابراهيم عليه السّلام نور على نور نور قلب ابراهيم على نور قلب محمّد صلى الله عليه وسلم وقال محمد بن كعب القرظي المشكوة ابراهيم والزجاجة إسماعيل والمصباح محمد صلى الله عليه وسلم سماه الله مصباحا كما سماه سراجا حيث قال وسراجا مّنيرا- توقد من شجرة مباركة وهى ابراهيم

عليه السّلام سماه مباركا لان اكثر الأنبياء من صلبه لا شرقية ولا غربية يعنى ابراهيم لم يكن يهوديّا ولا نصرانيّا ولكن كان حنيفا مسلما لان اليهود يصلّون قبل المغرب والنصارى قبل المشرق- يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار يكاد محاسن محمد صلى الله عليه وسلم تظهر للناس قبل ان يوحى اليه نور على نور نبى من نسل نبى نور محمد على نور ابراهيم عليهما الصلاة والسّلام- وقال بعضهم وقع هذا التمثيل لما نور به قلب المؤمن من العلوم والمعارف بنور المشكوة المثبت فيها من مصباحها ويؤيده قراءة أبيّ وابن مسعود روى ابو العالية عن ابى بن كعب قال هذا مثل المؤمن فالمشكوة نفسه والزجاجة صدره والمصباح ما جعله الله من الايمان والقران في قلبه يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ وهى الإخلاص لله وحده فمثله كمثل الشجرة الّتي التفت بها الشجر وهى خضراء ناعمة لا يصيبها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت- وكذلك المؤمن قد احترس من ان يصيبه شيء من الفتن فهو بين اربع خلال إذا اعطى شكر وإذا ابتلى صبر وإذا حكم عدل وإذا قال صدق- يكاد زيتها يضئ اى يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل ان يتبين له لموافقته إياه نور على نور قال ابى وهو ينقلب بين خمسة أنوار قوله نور وعلمه نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره الى النور يوم القيامة- وقال ابن عباس هذا مثل نور الله وهذا في قلب المؤمن يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى فاذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور قلت يعنى قلب الصوفي ينشرح بالحق قولا وفعلا واعتقادا فيقبله وينقبض بالباطل فلا يقبله ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استفت نفسك وان أفتاك المفتون- رواه البخاري في التاريخ عن وابصة بسند حسن فاذا جاءه العلم بالكتاب والسنة ازداد هدى ويقينا وقال الكلبي يعنى ايمان المؤمن وعمله وقال السدى نور الايمان ونور القران- وقال الحسن وابن زيد هذا مثل للقران فالمصباح

هو القران فانه كما يستضاء بالمصباح يهتدى بالقران والزجاجة قلب المؤمن والمشكوة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحى يكاد زيتها يضئ اى يكاد حجة القران يتضح وان لم يقرأ- يعنى القران نور من الله عزّ وجلّ لخلقه مع ما اقام لهم من الدلالات والاعلام قبل نزول القران فازدادوا بذلك نورا على نور- وقيل هو تمثيل للهدى الّذي دل عليه الآيات المبينات في جلاء مدلولها وظهور ما تضمنته من الهدى بالمشكاة المنعوتة- او تشبيه للهدى من حيث انه محفوف بظلمات أوهام الناس وخيالاتهم بالمصباح وانما دخل الكاف على المشكوة لاشتمالها عليه- او تمثيل لما منح الله على عباده من القوى الدراكة الخمس المترتبة الّتي ينط بها المعاش والمعاد وهى الحساسة الّتي يدرك المحسوسات بالحواس الخمس والخيالة الّتي تحفظ صور تلك المحسوسات لتعرضها على القوة العقلية متى شاءت- والعاقلة الّتي تدرك الحقائق الكلية والمتفكرة الّتي تؤلف المعقولات لتستنتج منها علم مالم يعلم والقوة القدسية الّتي يتجلى فيها لوائح الغيب واسرار الملكوت المختصة بالأنبياء والأولياء المعنيّة بقوله تعالى وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا بالأشياء الخمسة المذكورة في الاية وهى المشكوة والزجاجة والمصباح والشجرة والزيت- فان الحساسة كالمشكوة لان لها محلها كالكوى ووجهها الى الظاهر لا يدرك ما وراءها واضاءتها بالمعقولات لا بالذات- والخيالية كالزجاجة في قبول صور المدركات من الجوانب وضبطها للانوار العقلية وانارتها بما يشتمل عليها من العاقلة- والعاقلة كالمصباح لاضاءتها بالإدراكات الكلية والمعارف الالهية- والمتفكرة كالشجرة المباركة لتأديتها الى ثمرات لا نهاية لها الزيتونة المثمرة للزيت الّذي هو مادة المصباح الّتي لا تكون شرقية ولا غربية لتجردها عن اللواحق الجسمية او لوقوعها بين الصور والمعاني متصرفة

فى القبيلتين منتفعة من الجانبين- والقوة القدسية كالزيت فانها لصفائها وذكائها يكاد يضئ بالمعارف من غير تفكر ولا تعلم- او تمثيل للقوة العقلية فانها في بدء أمرها خالية عن العلوم مستعدة لقبولها كالمشكوة ثم تنتقش بالعلوم الضرورية بتوسط احساس الجزئيات بحيث يتمكن من تحصيل النظريات فتصير كالزجاجة متلالية في نفسها...... فاذا حصل له العلوم فان كان بفكر واجتهاد فكالشجرة الزيتونة وان كان بالحدث فكالزيت وان كان لقوة قدسية فكالذى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ لانها تكاد تعلم ولو لم يتصل بملك الوحى والإلهام الّذي مثله النار من حيث ان العقول تشتعل عنها- ثم إذا حصلت لها العلوم بحيث يتمكن من إحضارها متى شاءت كان كالمصباح فاذا استحضرها كان نورا على نور ولى في هذه الاية تأويلان آخران مبتنيان على كشف المجدد للالف الثاني رضى الله عنه أحدهما اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى موجدها ومظهرها من كتم العدم في الخارج الظلي مثل نوره اى وجوده الّذي انبسط على ماهيات الممكنات- والاضافة للتشريف كما في بيت الله وناقة الله او لانه صادر منه كما يقال نور الشمس والقمر لما انبسط على الأرض من النور لاجل مقابلتهما كمشكوة اى كنور مشكوة على حذف المضاف فيها مصباح تنورت المشكوة بذلك المصباح فكما ان المشكوة استفادت النور وتنورت بالمصباح كذلك ماهيات الممكنات استفادت نور الوجود ووجدت بمصباح صفات الله سبحانه وأسمائه الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ نعت الله سبحانه المصباح بكونها في الزجاجة لكمال التصوير- فان المجدد رضى الله عنه قال ان مبادى تعينات عامة الممكنات (سوى الأنبياء والملائكة) ظلال الأسماء والصفات وذلك ان الله سبحانه كما يعلم صفات كماله كذلك يعلم نقائضها الّتي هى مسلوبة عنه تعالى كالموت نقيض الحيوة والجهل نقيض العلم والعجز نقيض القدرة والصمم نقيض السمع والعمى نقيض البصر والبكم نقيض الكلام والجبر نقيض الارادة

والتعطل نقيض التكوين- وإذا اجتمعت في مرتبة العلم صفاته تعالى مع نقائضها انتقشت وتلونت صور تلك النقائض بعكوس الصفات فصارت مخلوطات حقائقها الاعدام وعوارضها عكوس الصفات- فتلك المخطوطات تسمى في اصطلاح الصوفية بظلال الصفات والأعيان الثابتة في مرتبة العلم ومبادى تعينات الممكنات وحقائقها ومربيات لها وهى كالزجاجة الّتي تنورت بنور المصباح والظرفية من حيث التجلّى فان الصفات تجلّت في الظلال.... فتنوّرت الظلال بانوارها كما ان الزجاجة تنوّرت بنور المصباح الكائن فيها والظلال تجلّت واعطت نورها المقتبس من الصفات على ماهيات الممكنات- فتنوّرت ووجدت وظهرت الماهيات بنور الظلال كما ان المشكوة تنورت بنور الزجاجة المقتبس من المصباح- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه رواه مسلم في حديث ابى موسى لعل المراد بالنور في هذا الحديث هى مرتبة الظلال وسبحات الوجه صفات الله سبحانه- فان ماهيات الممكنات لدنو رتبتها وضعف استعداداتها غير صالح للاقتباس عن الصفات من غير توسط الظلال فلولاها لانعدم الممكنات بأسرها- لكن الأنبياء والملائكة لقوة استعداداتهم اقتبسوا من الصفات كما ان الظلال اقتبسوا منها ولاجل ذلك خلقوا معصومين لانعدام الشر في أصولهم الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يعنى انها لا معة بانوار المصباح بحيث تشتبه بالمصباح على الناظرين حتى لا يكادون يميزون بينها وبين المصباح قال الشاعر رق الزجاج ورقت الخمر ... فتشابها وتشاكل الأمر فكانّما خمر ولا زجاج ... وكانّما زجاج ولا خمر ومن أجل هذا التشابه والتشاكل بين الظلال والصفات زعم كثير من العرفاء (وهم الصوفية الوجودية) الظلال صفات لله تعالى ولم تتميّز عندهم

المرتبتان وقالوا الصفات عين الذات- وزعموا ماهيات الممكنات عين ما يتجلّى فيها من مربياتها- فقالوا ليس في الكون الا الله وليس في جبتى سوى الله وقال شاعرهم شعر لا ملك سليمان ولا بلقيس ... ولا آدم في الكون ولا إبليس والكل صور وأنت المعنى ... يا من هو للقلوب مقناطيس وما هى الا هفوات نشات من السكر وغلبة العشق فلم يتميزوا بين المتجلّى وبين ما تجلّى فيه رحمهم الله- يوقد ذلك المصباح من شجرة مّبركة زيتونة يعنى من زيتها اعلم ان الصفات تنوّرت اى وجدت وظهرت في الخارج الحقيقي بذات الله سبحانه فهى ممكنة في نفسها واجبة بذات الله تعالى وهى من جهة إمكانها مربيات لتعينات الأنبياء والملائكة وهى موجودة بوجود قديم مستفاد من الذات فالذات شبّهت بشجرة مّباركة زيتونة- ولاجل ذلك نعتت الشجرة بكونها لا شرقية ولا غربية لمتنزه الذات عن جميع الجهات- وهذه الصفات الّتي شبّهت بالمصباح زائدة على الذات على ما هو مستفاد من الكتاب والسنة وعليه انعقد اجماع اهل الحق من الامة- واما قول الأشعري انها لا عين الذات ولا غيرها معناه انها زائدة على الذات فليست عينها غير منفكة عنها وهو المعنى بلا غيرها وأنكر الفلاسفة والمعتزلة الصفات الزائدة وقالوا لو كانت الصفات غير الذات زائدة عليها لزم احتياج الذات إليها في ترتب الآثار- فقال المتكلمون الممتنع الاحتياج الى شيء اجنبى واما الاحتياج الى الصفات فغير ممتنع- وقال المجدد رضى الله عنه ان صفات الله تعالى الزائدة على الذات موجودة في الخارج على ما اقتضته الحكمة الخفية ودلت عليه النصوص والإجماع لكن ذاته تعالى في حد ذاته مستغن عن الصفات غير محتاجة إليها في ترتب الآثار حتى لو فرضنا عدم الصفات لكفى الذات في ترتب الآثار- فالذات كاف

والتأويل الثاني

فى الاستماع ولو فرضنا عدم زيادة وصف السمع وكذلك كاف في الابصار ونحو ذلك فالذات باعتبار انها صالحة لترتب اثار الاستماع تسمى شأن السمع واعتباره وباعتبار انها صالحة للابصار تسمى شأن البصر وهكذا فالشيون اصول للصفات كما ان الصفات اصول للظلال- وهذه الاعتبارات والشيون الكائنة في الذات شبيهة بالزيت في الشجرة المباركة الزيتونة فتم التشبيه بقوله تعالى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ حيث جاز ترتب الآثار على اعتبارات الذات ولو لم تكن هناك صفات شبيهة بنار المصباح- نور على نور- يعنى نور المصباح المنور للزجاج والمشكوة زائد على نور زيت الشجرة كما ان نور الصفات في ترتب الآثار عليها واضاءة الماهيات وإيجاد الممكنات زائد على نور اعتبارات في الذات يهدى اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يعنى لا يعلم هذه المعارف الخاصة الا من يشاء الله من خواص العرفاء والله اعلم- وعلى هذا التأويل في هذه الاية اشارة الى الإيجاد والولادة الاولى من كتم العدم الى الوجود الخارجي الظلي المستلزم لا قربية الذات بسائر الموجودات عامة المكنى بقوله تعالى وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وقد ذكرنا تحقيق الاقربية في تفسير تلك الاية في سورة قاف- والتأويل الثاني على ما قاله السلف الله نور السّموت والأرض اى هادى اهل السموات والأرض فهو بنوره يهتدون الى معرفة الذات والصفات ويرتقون الى مدارح القرب الخاص المكنى عنه بقوله تعالى قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وقوله تعالى الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وقوله عليه السّلام حكاية عن الله سبحانه لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أجبته فاذا أجبته كنت سمعه الّذي يسمع به الحديث- وهذا القرب هو المسمى بالولاية الخاصة مثل نوره في قلب المؤمن كمشكوة اى كنور مشكوة فيها مصباح فالمشكوة حينئذ مثال لقلب المؤمن والمصباح الموقد من شجرة مباركة

زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار شبيه بما يتجلّى في قلب المؤمن من صفات الله سبحانه المنشعبة من الذات المندمج فيها الشيون والاعتبارات الذاتية على ما مرّ تقريره- وقوله الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ اشارة الى ان عامة الناس من الأولياء ليس حظهم من تجليات الصفات الا من وراء حجب الظلال فان مبادى تعينات غير الأنبياء انما هى ظلال الصفات ففاية ارتقائهم بالاصالة الى أصولهم وهى الظلال الّتي يقتبسون بتوسطها أنوار الصفات فيحصل لهم فيها الفناء والبقاء ويتقربون الى الله بقرب يسمى ولاية الأولياء وهى الولاية الصغرى لكن بعض الآكلين منهم قد يحصل لهم الترقي من هذا المقام بتبعية صاحب الشريعة الى مقام الصفات بل الى الشيون والاعتبارات ويحصل فيها الفناء والبقاء فمقام الصفات من حيث الظهور يعنى من حيث قيامها بالذات يسمى الولاية الكبرى ولاية الأنبياء ومن حيث البطون يسمى الولاية العليا ولاية الملائكة- ثم الصديقون منهم (وهم ثلّة من الاوّلين يعنى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقليل من الآخرين) يرتقون من مقام الصفات والشيون الى مرتبة الذات المتعالي من الشيون والاعتبارات حتى يتجلّى الذات بلا حجب الصفات والاعتبارات فتبارك الله رفيع الدرجات- وليس في هذه الاية اشارة الى الفريقين الأخيرين غير ان قوله تعالى نُورٌ عَلى نُورٍ جاز ان يكون اشارة الى تفاوت درجات الأولياء في مراتب وصولهم الى الله تعالى- يعنى ان هناك نور على نور بعضها فوق بعض يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ على حسب ما شاء عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله خلق خلقه في ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضلّ فلذلك أقول جف القلم على علم الله- رواه احمد والترمذي

يعنى خلق الله خلقه في ظلمة اى جهل وضلال ناش من العدم الذاتي الكائن في مبادى تعيناتهم فالقى عليهم من نوره اى من النور الّذي اقتبس الظلال من الصفات فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن اخطأه ضل وطريق الاصابة ان يقتبس ذلك النور ممن بعثه الله رحمة للعالمين وشرح صدره وملأ قلبه نورا وحكمة وايمانا ويجعل قلبه مرءاة لقلبه عليه السّلام فيتنور قلبه بقدر الاقتباس والاقتفاء فمنهم من اكتسب صورة الايمان ونجا من الكفر في الدنيا والنيران في الاخرة ومنهم من اكتسب حقيقة الايمان على تفاوت الدرجات ومنهم من لم يقتبس أصلا فاخطأه النور وضلّ- عن ابى عنبسة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لله تعالى آنية من اهل الأرض وانية ربكم قلوب عباد الله الصالحين واحبّها اليه ألينها وأرقها- رواه الطبراني وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ يعنى يبين في القران للامور الّتي لا سبيل للحواس إليها بالأمثال المحسوسة ليحصل للناس بها علم ويزداد وضوحا- وجاز ان يكون معنى الاية ان الله يرى أولياءه في عالم المثال أمثالا لما لا مثل له حتى يتبين لهم الحق- وذلك ان القرب الى الله سبحانه ثابت بالكتاب والسنة لا يزال العبد يتقرب اليه بالنوافل لكن ذلك القرب امر غير متكيف لا يمكن دركه بالحواس ولا بالعقل ولا يتعلق به علم حصولى ولا حضورى ولكن يدرك بعلم مفاض من الله تعالى سوى ما ذكر وهو المكنى بقوله حتى كنت سمعه الّذي يسمع به- وجعل الله تعالى لدركه وجها اخر وهو ان الأمور الّتي لا مثل لها يتمثل في عالم المثال بصورة الأجسام فيرى الصوفي في عالم المثال دائرة للظلال ودائرة للصفات ونحو ذلك- وكلّما يتقرب العبد الى الله بالنوافل والانابة والاجتباء يرى الصوفي نفسه سائرا الى دائرة الظلال حتى يصلها ويضمحل فيها ويتلون بلونها- ثم يرى نفسه سائرا الى الصفات حتى يصلها ويضمحل فيها ويتلون بلونها- وذكر التلون انما هو لقصور العبارة والّا فلا لون هناك قال الله تعالى

[سورة النور (24) : آية 36]

سنريهم ايتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم انّه الحقّ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) هذه الجملة حال من فاعل يضرب. فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ صفة لبيوت وان بتقدير الباء متعلق بإذن اى اذن الله بان ترفع تلك البيوت والمراد بها المساجد قال سعيد بن جبير عن ابن عباس المساجد بيوت الله في الأرض وهى تضيء لاهل السماء كما تضيء لاهل الأرض النجوم- ومعنى ان ترفع قال مجاهدان تبنى نظيره قوله تعالى وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة متفق عليه من حديث عثمان وقال الحسن معناه ان تعظم يعنى لا يذكر فيها القبيح من القول قال الله تعالى أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ- قال البغوي روى صالح ... بن حبان عن بريدة في هذه الاية قال انما هى اربع مساجد لم يبنها الا نبى الكعبة بناها ابراهيم وإسماعيل وبيت المقدس بناها داود وسليمان ومسجد المدينة ومسجد قبا اسّس على التّقوى من اوّل يوم بناهما رسول الله صلى الله عليه وسلم- قلت ولا وجه لتخصيص هذه المساجد وان كن هى أفضل المساجد البتة- قوله في بيوت متعلق بما قبله اى كمشكوة في بعض بيوت كذلك او توقد في بيوت كذلك فيكون تقييدا للممثل به- وهذا التأويل عندى ضعيف لان الله سبحانه شبّه نوره بنور المشكوة وقيدها بقيود تدل على قوة النور وشدة لمعانه ولا مدخل في ذلك لهذا القيد أصلا- والقول بان قناديل المساجد تكون أعظم ممنوع بل قناديل مجالس الأغنياء يكون أقوى نورا وأشد لمعانا من قناديل المساجد- فالاولى ان يقال انه متعلق بقوله تعالى يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ فان الهداية غالبا يكون للعاكفين في المساجد والمصلين حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة معراج المؤمن «1» وقال

_ (1) هكذا بياض في الأصل 12.

[سورة النور (24) : آية 37]

اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء- رواه مسلم وابو داود والنسائي عن ابى هريرة وجاز ان يكون متعلقا بمحذوف يعنى سبحوا امر بالتسبيح لجلب هداية الله المذكور فيما سبق وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ في الصلاة وخارجها قال ابن عباس يتلى فيها كتابه يُسَبِّحُ صفة اخرى لبيوت او جملة مستأنفة او خبر اخر لله يعنى الله نور السّموت والأرض والله يسبح له- قرأ أبو بكر وابن عامر بفتح الباء على البناء للمفعول مسندا الى احدى الظروف الثلاثة المذكورة بعدها والوقف على هذا على الآصال والباقون بكسر الباء على البناء للفاعل لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) قال اهل التفسير أراد به الصلوات المكتوبات فان المساجد بنيت لاجلها فصلوة الفجر تؤدّى بالغدو والاربعة الباقية بالآصال- والغدو في الأصل مصدر اطلق للوقت ولذلك حسن اقترانه بالآصال وهو جمع «1» اصل اى العشى وقيل أراد صلوة الصبح والعصر لكمال الاهتمام فان الصبح وقت النوم والعصر وقت الاشتغال بالسوق ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى البردين دخل الجنة- رواه مسلم من حديث ابى موسى وقال الله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى قال البغوي روى عن ابن عباس قال التسبيح بالغدو وصلوة الضحى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشى الى صلوة مكتوبة وهو متطهر فاجره كاجر الحاج المحرم ومن مشى الى صلوة الضحى لا ينصبه الا إياه فاجره كاجر المعتمر وصلوة على اثر صلوة كتاب في عليين- ذكره البغوي من حديث ابى امامة وروى الطبراني عنه بلفظ من مشى الى صلوة مكتوبة في الجماعة فهى كحجة ومن مشى الى صلوة تطوع فهى كعمرة نافلة-. رِجالٌ فاعل يسبح على قراءة الجمهور وفاعل لفعل محذوف دل عليه يسبح على قراءة ابن عامر وابى بكر في جواب سوال مقدر كانّه قيل

_ (1) وفي مجمع البحار الآصال جمع اصل (بضمتين) جمع اصيل وقيل غير ذلك 12 الفقير الدهلوي. [.....]

من يسبح له فقال يسبح له رجال- خص الرجال بالذكر لانه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المسجد او لان الغالب في النساء الجهل والغفلة لا تُلْهِيهِمْ اى لا تشغلهم تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ أفرد البيع بالذكر مع شمول لفظ التجارة إياه لانه أهم من قسمى التجارة فان الربح يتوقع بالاشتراء ويتحقق بالبيع- وقيل أراد بالتجارة الاشتراء (وان كان اسم التجارة يقع على البيع والاشتراء) يدل عطف البيع عليه- وانما ذكر لفظ التجارة موضع الاشتراء لان الاشتراء مبدأ التجارة وقيل أراد بالتجارة المعاملة الرابحة ثم ذكر البيع مبالغة بالتعميم بعد التخصيص- وقال الفراء التجارة لاهل الجلب والبيع ما باعه الرجل على يديه عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ يعنى عن حضور المساجد لا قام الصلاة قال البغوي روى سالم عن ابن عمر انه كان في السوق فاقيمت الصلاة فقام الناس فاغلقوا حوانيتهم فدخلوا المسجد فقال ان فيهم نزلت لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ او المراد لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ودوام الحضور وهذا يعم من ترك المعاملات واستغرق أوقاته بالطاعات واعتزل الناس ومن لم يترك المعاملات وهو مع اشتغاله بالتجارات لا يشغل التجارة قلبه عن ذكر الله فهو في الناس كائن بائن ظاهره مع الخلق وباطنه مع الله غافل عما سواه وَإِقامِ الصَّلاةِ عوض فيه الاضافة من التاء المعوضة من العين الساقط بالاعلال- قال البغوي أراد الله سبحانه أداءها في أوقاتها لان من اخّر الصّلوة عن وقتها ليس هو مقيما للصلوة وَإِيتاءِ الزَّكاةِ المفروضة قال ابن عباس إذا حضر وقت الزكوة لم يحبسوها- وقيل هى الأعمال الصالحة كلها- يَخافُونَ حال من فاعل يسبح او من مفعول لا تلهيهم يعنى انهم مع ما هم عليه من الذكر والطاعة يخافون يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ صفة ليوما والعائد ضمير فيه يعنى تضطرب وتتغير من الهول الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) وقيل

[سورة النور (24) : آية 38]

معناه تتقلّب قلوب الكفار عمّا كانت عليه في الدنيا من الكفر والشك وتنفتح أبصارهم من الاغطية فتبصر ما لم تكن تبصر ولم تحتسب وتتقلب قلوب المؤمنين وأبصارهم عما كانوا عليه من القناعة بمشاهدة المثال فيرون الله سبحانه كالقمر ليلة البدر وكالشمس في رابعة النهار- وقيل معناه تتقلب القلوب يوم القيامة من الخوف والرجاء يخشى الهلاك ويطمع النجاة وتتقلب الابصار حولهم من اى ناحية يؤخذا من ذات اليمين أم من ذات الشمال ومن اين يؤتون كتبهم أمن قبل اليمين أم من قبل الشمال- وقيل تتقلب القلوب من الخوف فترجع الى الحنجرة فلا تنزل ولا تخرج وتتقلب الابصار اى تشخص من هول الأمر وشدته. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ متعلق بيسبح او بلا تلهيهم وجاز ان يكون متعلقا بيخافون ويكون اللام حينئذ للعاقبة إذا لخوف ليس من الافعال الاختيارية- والعلة الغائية يختص بالافعال الاختيارية- أَحْسَنَ جزاء ما عَمِلُوا الموعود لهم من الجنة فهو منصوب على المصدر او المعنى يجزيهم أعمالهم الحسنة فاحسن بمعنى حسن وهو منصوب على المفعولية وَيَزِيدَهُمْ على الجزاء الموعود او على جزاء أعمالهم مالم يخطر ببالهم مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) تقرير للزيادة وتنبيه على كمال القدرة ونفاذ المشية وسعة الإحسان يعنى يرزق الله ما لا نهاية له يقال فلان ينفق بغير حساب اى يوسع كانه لا يحسب ما ينفقه-. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ وهو اللامع في المفازة من لمعان الشمس عليها وقت الظهيرة يظن انه ماء يسرب اى يجرى- الجملة معطوفة على مضمون الكلام السابق تقديره المهتدون بنور الله يجزيهم الله احسن ما عملوا ويزيدهم والذين كفروا لا ينفعهم أعمالهم فانها كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ القيعة والقاع المستوي من الأرض وجمعه قيعان وتصغيره قويع وقيل هى جمع قاع كحيرة وحار

[سورة النور (24) : آية 40]

يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ اى يتوهمه العطشان ماءً تخصيص الظمآن بالذكر لتشبيه الكافر به في شدة الخيبة عند مسيس الحاجة حَتَّى إِذا جاءَهُ اى جاء ما توهمه ماءا وموضعه لَمْ يَجِدْهُ شيئا مما ظنه وَوَجَدَ اللَّهَ اى وجد عذاب الله عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ اى أعطاه جزاء اعماله وافيا كاملا على حسب عمله- فان قيل وجد الله معطوف على لم يجده وعلى جاءه والضمير المرفوع في كل منهما راجع الى الظمآن فما معنى وجد الظمآن عذاب الله عند السراب- قلت هذا الكلام عندى يحتمل التأويلين أحدهما ان الكافر إذا كان يوم القيامة اشتد عطشه فيرى النار سرابا يحسبه ماء فيسرع اليه حتى إذا جاءه لم يجده شيئا مما توهمه ووجد عذاب الله يعنى النار عنده وثانيهما ان المراد بعذاب الله ما يلحق الظمآن في الدنيا من الشدة واليأس ومبناه سيئات اعماله حيث قال الله تعالى ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ- والاولى ان يقال ان حتى ابتدائية يتصل بقوله أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ- والمعنى حتى إذا جاء الكافر عمله في الاخرة لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فالضمير المرفوع في جاءه راجع الى أحد من الكفار لا الى الظمآن والمنصوب الى عمله لا الى السراب وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (39) لا يشغله حساب عن حساب يحاسب عباده في قدر نصف يوم من ايام الدنيا-. أَوْ كَظُلُماتٍ عطف على كسراب واو للتخيير كانه يخير المخاطب في التشبيه فان أعمالهم لكونها غير نافعة موجبة للياس والتحسر كائنة كالسراب ولكونها خالية عن نور الحق كائنة كالظلمات المتراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب- او للتنويع فان أعمالهم ان كن حسنات كالصدقة وصلة الرحم ونحوها فهى كالسراب وان كن قبيحات فكالظلمات او للتقسيم باعتبار الوقتين فانها كالظلمات في الدنيا وكالسراب في الاخرة فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ عميق

كثير الماء منسوب الى اللج قال البيضاوي هو معظم الماء كذا في النهاية والقاموس وقيل هو تردد أمواجه يَغْشاهُ اى البحر مَوْجٌ يغشاه صفة اخرى للبحر والموج ما يعلو من الماء باضطراب الرياح مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ يعنى امواج مترادفة متراكمة مِنْ فَوْقِهِ اى من فوق الموج الثاني سَحابٌ يحجب أنوار النجوم قرأ البزي بغير تنوين مضافا الى ظُلُماتٌ بالجر وبرواية القواس سحاب بالرفع والتنوين والظلمات بالجر على البدل من قوله كظلمات وقرأ الباقون سحاب ظلمت كلاهما بالرفع والتنوين فيكون تمام الكلام عند قوله سَحابٌ وظُلُماتٌ خبر لمبتدأ محذوف اى هى ظلمات بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لينظر إليها وهى اقرب ما يرى لَمْ يَكَدْ يَراها اى لم يقرب ان يراها فضلا ان يراها والضمائر للواقع في البحر وان لم يجز ذكره لدلالة الكلام عليه كذلك اعمال الكفار ظلمات على قلبه بعضها فوق بعض مانعة لهم من الاهتداء وادراك الحق فالكفر الّذي هو من اعمال القلوب كالبحر اللجى المظلم يغشاه ظلمات المعاصي بعضها فوق بعض كالامواج الّتي بعضها فوق بعض والختم والطبع على قلبه كالسحاب على الأمواج- فاذا أراد الكافر التفكر في امور الدين وان يدرك ما هو اجلى البديهيات لم يكد يريها الا ترى انه ينكر الأنبياء مع تواتر معجزاتهم الباهرة ويعتقد الوهية الحجارة مع انحطاط رتبتها عن سائر المخلوقات وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (40) يعنى ان الهداية امر وهبى بل حصول العلم بالنتيجة بعد العلم بالمقدمتين امر عادى وهبى ليس على سبيل الوجوب عند اهل الحق فكم من بله في امور الدنيا أكياس في امور الاخرة وكم من كيس جربز في الدنيا هم عن الاخرة غافلون وهم في امور الدين كالانعام- وهو المعنى من قوله صلى الله عليه وسلم ان الله خلق خلقه في ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله-

[سورة النور (24) : الآيات 41 إلى 42]

وقد مرّ فيما سبق قال البغوي قال مقاتل نزلت هذه الاية في عتبة بن ربيعة بن امية كان يلتمس الدين في الجاهلية وليس المسوح فلما جاء الإسلام كفر. أَلَمْ تَرَ الم تعلم علما يشبه المشاهدة في اليقين والوثاقة الحاصل بالوحى والاستدلال والكشف الصريح أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ اى يشهد على تقدسه وتنزهه عن المناقص مَنْ فِي السَّماواتِ من الملائكة وما في علم الله من جنوده وَمن في الْأَرْضِ من الانس والجنّ وغيرهم والمراد جميع المخلوقات وانما أورد كلمة من تغليبا لذوى العقول- والدليل على ارادة العموم قوله تعالى وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ اى باسطات أجنحتهن في الهواء قيد الطير بالصافات لئلا يلزم التكرار فان الطير الكائنة على وجه الأرض دخلت في من في الأرض كُلٌّ اى كل واحد من المسبحة قَدْ عَلِمَ الله صَلاتَهُ اى دعاءه وَتَسْبِيحَهُ وقيل معناه علم كل من المسبحة صلوة نفسه وتسبيحه بتعليم الله تعالى وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فانه مالكهما وخالقهما ولما فيها من الذوات والصفات والافعال وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) مرجع الجميع فيجازى كلهم على حسب عمله حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً اى يسوق من التزجية وهو دفع الشيء- ومنه البضاعة المزجاة فانها يدفعها كل أحد ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ اى يجمع بين قطع متفرقة بعضها الى بعض ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً اى بعضها فوق بعض فَتَرَى الْوَدْقَ اى المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ اى من فتوقه وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها بدل اشتمال من السماء ومن في الموضعين لابتداء الغاية وجاز ان تكون الثانية للتبعيض واقعا موقع المفعول مِنْ بيانية بَرَدٍ بيان للجبال فالمعنى على الاول ينزل من جبال كائنة في السماء كائنة تلك الجبال من برد وعلى هذا قال ابن عباس اخبر الله تعالى ان في السماء جبالا من برد وعلى الثاني ينزل من السماء بعض جبال يعنى قطعا عظاما تشبه بالجبال في عظمها وجمودها كائنة تلك الجبال من برد

[سورة النور (24) : آية 44]

وجاز ان تكون من هذه للتبعيض واقعا موقع المفعول فَيُصِيبُ بِهِ اى بذلك البرد مَنْ يَشاءُ فيهلك زرعه وأمواله وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ فلا يضره يَكادُ سَنا اى ضوء بَرْقِهِ اى برق السحاب يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) قرأ ابو جعفر يذهب بضم الياء وكسر الهاء من الافعال فالياء على هذا زائدة. يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ اى يأتى بالليل بعد النهار وبالنهار بعد الليل او يزيد في أحدهما ما ينقص من الاخر او بتغير أحوالهما بالحرّ والبرد والظلمة والنور او ما يعم ذلك عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى يؤذينى ابن آدم يسب الدهر وانا الدهر بيدي الأمر اقلب الليل والنهار متفق عليه إِنَّ فِي ذلِكَ المذكور لَعِبْرَةً اى دلالة على وجود الصانع الواجب وجوده وكمال قدرته واحاطة علمه ونفاذ مشيته وتنزهه عن الاحتياج الى غيره لِأُولِي الْأَبْصارِ (44) اى لمن أعطاه الله بصيرة وعقلا سليما. وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ قرأ حمزة والكسائي خالق كلّ دابّة باضافة اسم الفاعل الى مفعوله حاملا لضمير الفاعل والباقون خلق على صيغة الماضي ونصب كلّ على المفعولية يعنى خلق كل من يدب على الأرض من الحيوانات مِنْ ماءٍ هو جزء مادية او ماء مخصوص يعنى النطفة فيكون تنزيلا للغالب منزلة الكل إذ من الحيوانات مالا يتولد من النطفة- وقيل من ماء صفة لدابة وليس صلة لخلق ولا يدخل في الدابة الملائكة والجن- وقيل الماء اصل لجميع الخلائق قال البغوي وذلك ان الله خلق الماء ثم جعل بعضه ريحا فخلق منها الملائكة وبعضه نارا فخلق منها الجن وبعضه طينا فخلق منه آدم وسائر الحيوانات فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ كالحيات والديدان وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ كالانسان والطير وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ كالبهائم والسباع ولم يذكر من يمشى على اكثر من اربع كالعناكب وبعض الحشرات لانها في صورة من يمشى على اربع وتذكير الضمير لتغليب العقلاء والتعبير عن الأصناف ليوافق التفصيل الإجمال يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ مما ذكر وممّا لم

[سورة النور (24) : آية 46]

يذكر من البسائط والمركبات على اختلاف الصور والهيئات والحركات والطبائع والافعال مع اتحاد المادة على مقتضى مشيته وحكمته إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) فيفعل ما يشاء. لَقَدْ أَنْزَلْنا فى القران آياتٍ او أنزلنا في عالم الوجود الظلي دلائل مُبَيِّناتٍ مظهرات للحق شواهد على وجود الصانع العليم الحكيم القدير بانواع الدلالات وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ هدايته إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) يعنى دين الإسلام الموصل الى مراتب القرب والفوز الى الجنة والنجاة من النار يعنى ان الايمان امر وهبى لا يحصل بالنظر في الدلائل الا بتوفيق من الله وهدايته والله اعلم- ذكر البغوي ان بشر المنافق كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة في ارض فقال اليهودي نتحاكم الى محمد وقال المنافق نتحاكم الى كعب بن اشرف فان محمدا يحيف علينا فنزلت. وَيَقُولُونَ يعنى بشرا وأمثاله من المنافقين آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا اى إياهما ثُمَّ يَتَوَلَّى عن الايمان وعن طاعتهما بالامتناع عن قبول حكمه إذا كان حكمه على خلاف هواه فَرِيقٌ مِنْهُمْ الذين لم يكونوا في الخصومة على الحق مِنْ بَعْدِ ذلِكَ اى بعد قولهم هذا وَما أُولئِكَ اشارة الى المنافقين كلهم وفيه اعلام بان جميعهم وان أمنوا بلسانهم لم يؤمن قلوبهم او الى الفريق المتولى منهم بِالْمُؤْمِنِينَ (47) التعريف للدلالة على انهم ليسوا من المؤمنين الذين عرفتهم ويعلم الله صدقهم وإخلاصهم- اخرج ابن ابى حاتم من مرسل الحسن قال كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة فدعى الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محق إذ عن وعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم سيقضى له بالحق وإذا أراد ان يظلم فدعى الى النبي صلى الله عليه وسلم اعرض وقال انطلقوا الى فلان فانزل الله. وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ اى الى حكم الله ورسوله وقيل معنى قوله إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ دعوا الى رسوله فقوله ورسوله منزلة التفسير لما سبق كما في قوله أعجبني زيد وكرمه- وجملة إذا دعوا الى آخره

[سورة النور (24) : آية 49]

عطف على ما أولئك بالمؤمنين او على يقولون لِيَحْكُمَ الرسول بحكم الله بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) يعنى فاجأ فريق منهم الاعراض عن الحكم او عن الايمان يعنى من كان منهم يعلم انه على الباطل. وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ على من يخاصمهم يَأْتُوا إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مُذْعِنِينَ (49) منقادين لحكمه ليقينهم انه يحكم بالحق. أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اى كفر وميل الى الظلم أَمِ ارْتابُوا بان راؤا منك تهمة فزال ثقتهم ويقينهم بك أَمْ يَخافُونَ يقينا أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ فى الحكومة بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) على أنفسهم بالكفر وعدم الانقياد لله ورسوله وعلى الناس الناس يريدون ان يأكلوا أموالهم بالباطل إضراب عن القسمين الأخيرين لتحقيق القسم الاول وجه التقسيم ان امتناعهم اما لخلل فيهم او في الحاكم والثاني اما ان يكون محققا عندهم او متوقعا وكلاهما باطل لان منصب نبوته وفرط أمانته يمنعه فتعين الاول- ويشهد على ذلك إتيانهم للحكم اليه مذعنين إذا كان لهم الحق- أورد ضمير الفصل ليدل على نفى ذلك عن غيرهم لا سيما المدعو الى حكمه- ثم عقب الله تعالى ذكر المؤمنين المخلصين وما ينبغى لهم على ما هو عادته في المثاني والقران العظيم فقال. إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ المخلصين إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ قول منصوب على انه خبر لكان واسمه أَنْ يَقُولُوا يعنى قولهم سَمِعْنا الدعاء وَأَطَعْنا بالاجابة وَأُولئِكَ يعنى من كان هذا قوله هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) دون غيرهم. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قال ابن عباس فيما ساءه وسرّه وَيَخْشَ اللَّهَ على ما عمل من الذنوب وفي مخالفة أحكامه وَيَتَّقْهِ اى يتقى عذابه بامتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه ومحافظة أحكامه وحدوده- قرأ حفص بإسكان القاف واختلاس كسرة الهاء لسكون ما قبلها وهذا لغة إذا سقط اليا- للجزم يسكنون ما قبلها يقولون لم اشتر طعاما بسكون الراء والجمهور بكسر القاف على الأصل و

[سورة النور (24) : آية 53]

يسكن الهاء وصلا ووقفا أبو بكر وابو عمرو وخلاد في رواية عنه عن حمزة والباقون يكسرون الهاء فيختلسها ابو جعفر وقالون ويعقوب ويشبعها الباقون لاجل تحرك ما قبلها فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) بالنعيم المقيم ورضوان الله تعالى-. وَأَقْسَمُوا يعنى المنافقين بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ جهد منصوب على انه مصدر يعنى مضاف الى مصدر اقسموا من غير لفظه او حال من فاعل اقسموا بالله جاهدين بايمانهم يعنى بالغين غايتها- وجهد اليمين مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها او ظرف يعنى وقت جهدهم ايمانهم اى المبالغة فيه انكار للامتناع لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ يا محمد بالخروج عن ديارهم وأموالهم او بالخروج للجهاد لَيَخْرُجُنَ جواب لاقسموا على الحكاية وجزاء للشرط معنى- قال البغوي ذلك ان المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أينما كنت نكن معك لان خرجت خرجنا وان أقمت أقمنا وان امرتنا بالجهاد جاهدنا قال الله تعالى قُلْ لهم لا تُقْسِمُوا على الكذب طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ قال مجاهد اى هذه طاعة بالقول باللّسان دون الاعتقاد وهى معروفة اى امر عرف منكم انكم تكذبون وتقولون ما لا تفعلون- وقيل معناه طاعة معروفة بينة خالصة أفضل وأمثل من الخلف بالقول وقال مقاتل بن سليمان ليكن منكم طاعة معروفة وقيل معناه المطلوب منكم طاعة معروفة لا اليمين بالطاعة نفاقا إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (53) لا يخفى عليه سرائركم. قُلْ كرد الأمر تأكيدا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ امر بتبليغ ما خاطبهم الله تعالى على الحكاية مبالغة في تبكيتهم فَإِنْ تَوَلَّوْا صيغة مضارع حذفت احدى التاءين بقرينة ان تطيعوه يعنى ان تتولوا ايها المنافقون عن الطاعة فيه التفات من الغيبة الى الخطاب فَإِنَّما عَلَيْهِ اى على محمد ما حُمِّلَ من التبليغ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ من الامتثال جزاء الشرط محذوف أقيم علته مقامه والتقدير فان تتولوا تخسروا أنفسكم ولا تضرون الرسول شيئا لانه انما

[سورة النور (24) : آية 55]

عَلَيْهِ ما حُمِّلَ عليه وقد ادى ما كان عليه وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وأنتم تتولون عنه فتخسرون وَإِنْ تُطِيعُوهُ عطف على ان تولوا اى ان تطيعوا محمدا في حكمه تَهْتَدُوا الى الحق والى سبيل الجنة وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) اى التبليغ الموضح لما كلفتم به بيان لما حمل- اخرج الحاكم وصححه والطبراني عن أبيّ بن كعب قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة فكانوا لا يبيتون الا بالسلاح ولا يصبحون الا فيه فقالوا ترون انا نعيش حتى نبيت امنين مطمئنين لا نخاف الا الله فنزلت وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ يا اهل المدينة الذين هم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزول الاية وليس المراد من المؤمنين عامة لانه يلزم حينئذ الاستدراك فان كلمة الذين أمنوا مغن عنه. وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ جواب قسم محذوف تقديره وعد الله واقسم اى قال والله ليستخلفنّهم او الوعد في تحققه نزل منزلة القسم اى لنورثنهم ارض الكفار من العرب والعجم فنجعلهم يعنى نجعلن منهم خلفاء ملوكا واجب الطاعة سياسة- او المعنى لنجعلهم بأجمعهم متصرفين في الأرض تصرف الملوك في مماليكهم كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ صفة لمصدر محذوف اى استخلافا كاستخلاف الذين من قبلهم من الأنبياء داود وسليمان وغيرهما كذا قال قتادة او كاستخلاف بنى إسرائيل حيث أهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم ارضهم وديارهم وأموالهم يعنى كما كان الله تعالى وعد موسى عليه السلام في التورية بفتح بلاد الشام ولم يتحقق انجاز الوعد في حياته عليه السّلام كما قال الله تعالى فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فاستخلف الله بعده يوشع بن نون وأنجز ذلك الوعد على يديه حتى فتح الشام وقسم البلاد في بنى إسرائيل

بوصية موسى- كذلك وعد الله محمدا صلى الله عليه وسلم ليظهره على الدين كله ووعد بفتح الشام على ما قرئ غلبت الرّوم على البناء للفاعل في ادنى الأرض وهم من بعد غلبهم اى بعد ما غلبوا على الفارس سيغلبون على البناء للمفعول اى سيغلبهم المسلمون في بضع سنين وعد الله لا يخلف الله وعده ولم يتيسر ذلك في حيوة النبي صلى الله عليه وسلم- فاستخلف الله أبا بكر وعمر وأنجز وعده حين قاتل أبو بكر ببني حنيفة ومن ارتد من العرب وفتح الشام في خلافة عمر حين غزاهم في السنة التاسعة من غلبة الروم الّذي كان يوم الحديبية في سنة ست من الهجرة- وكون الوعد منجزا في خلافة عمر مروى عن على حين استشار عمر اصحاب النبي في المسير الى العراق للجهاد فاشار علىّ بالجهاد متمسكا بهذه الاية- روى هذا القول عن علىّ بطرق متعددة في كتبنا وفي النهج البلاغة من كتب الروافض قول علىّ رضى الله عنه ان هذا الأمر لم يكن نصرته ولا خذلانه بكثرة ولا قلة وهو دين الله الّذي أظهره وجنده الّذي أعزه وايّده حتى بلغ ما بلغ وطلع من حيث طلع ونحن على موعود من الله حيث قال وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ الاية- فالله منجز وعده وناصر جنده الى اخر ما قال قرأ أبو بكر استخلف بضم الهمزة والتاء وكسر اللام على البناء للمفعول والباقون بكسر الهمزة وفتح التاء واللام على البناء للفاعل لقوله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ... وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى اى اختار لَهُمْ قال ابن عباس يوسّع لهم في البلاد حتى يملكوها ويظهر دينهم الإسلام على سائر الأديان وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ قرأ ابن كثير وأبو بكر ويعقوب بالتخفيف وسكون الباء من الابدال والباقون بالتشديد وفتح الباء من التبديل مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً جملة يعبدوننى حال من الّذين أمنوا منكم لتقييد الوعد بالثبات على التوحيد او استيناف لبيان المقتضى للاستخلاف وقوله لا يُشْرِكُونَ حال من فاعل يعبدوننى او حال مرادف

ليعبدوننى من الموصول- قال ابو العالية فاظهر الله نبيه على جزيرة العرب فامنوا ووضعوا السلاح ثم ان الله قبض نبيه فكانوا كذلك امنين في زمان ابى بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما وقعوا وكفروا النعمة قال ابو العالية مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الوحى عشر سنين مع أصحابه وأمروا بالصبر على أذى الكفار ثم أمروا بالهجرة الى المدينة وأمروا بالقتال وهم على خوفهم لا يفارق أحد منهم سلاحه- فقال رجل منهم ما يأتى علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فنزلت هذه الاية- واخرج ابن ابى حاتم عن البراء قال فينا نزلت هذه الاية ونحن في خوف شديد فانجز الله وعده وابدلهم بعد الخوف أمنا وبسط لهم في الأرض- وفيه دليل على صحة النبوة لكونه اخبارا عن الغيب على ما صار الأمر اليه وصحة خلافة الخلفاء الراشدين إذ لو لم يكن المراد خلافة الخلفاء الراشدين لزم الخلف في وعد الله إذ لم يجتمع الموعود والموعود لهم الا في زمنهم وصحة مذهب اهل السنة وكونه دينا ارتضاه الله- وبطلان مذهب الروافض حيث قالوا الائمة خائفون الى اليوم حتى لم يظهر المهدى وهو مختف لخوف الأعداء- وقولهم انه سينجز الله وعده حين يظهر المهدى باطل يأباه كلمة منكم في الاية واىّ ظهور للدين ان ظهر بضع سنين بعد الف ومائة ما اجهلهم عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكا ثم قال يعنى سفينة امسك خلافة ابى بكر سنتين وخلافة عمر عشر او خلافة عثمان اثنتي عشر وخلافة علىّ ستة- وعن عدى بن حاتم قال بينا انا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكى اليه الفاقة واتى اليه اخر فشكى اليه قطع السبيل فقال يا عدى هل رايت الحيرة قلت لم ارها وقد انبئت عنها قال فان طالت بك الحيوة فلترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف أحدا الا الله (قلت فيما بينى وبين نفسى فاين وعارطى قد سعروا البلاد)

ولئن طالت بك الحيوة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسر بن هرمر قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك الحيوة ترين الرجل يخرج ملاكفه من ذهب او فضة يطلب من يقبله منه ولقين أحدكم ربه يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقول الم ابعث إليك رسولا ليبلّغك فيقول بلى فيقول الم أعطك مالا وأفضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا يرى الا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى الا جهنم- قال عدى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اتق النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة قال عدى فرايت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف الا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بك الحيوة لتربن ما قال النبي صلى الله عليه وسلم يخرج الرجل ملاكفه فلا يجد أحدا يقبله وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ اى ارتد او كفر النعمة ولم يشكر بعد تمكين المؤمنين واستخلافهم وتائيد دينهم الّذي ارتضى لهم فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) الخارجون عن الايمان او عن حد الطاعة قال البغوي قال اهل التفسير أول من كفر بهذه النعمة وجحد بها الذين قتلوا عثمان رضى الله عنه فلمّا قتلوه غير الله ما بهم وادخل عليهم الخوف حتى صاروا يقتتلون بعد ما كانوا إخوانا- روى البغوي بسنده عن حميد بن هلال قال قال عبد الله بن سلام في عثمان رضى الله عنه ان الملائكة لم تزل محيطة بمدينتكم هذه منذ قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اليوم فو الله لئن قتلتموه ليذهبون ثم لا يعودون ابدا فو الله لا يقتله رجل منهم الا لقى الله أجذم لا يد له وان سيف الله لم يزل مغمودا والله لئن يسلنه الله لا يغمده عنكم (اما قال ابدا واما قال الى يوم القيامة) فما قتل نبى قط الا قتل به سبعون الفا ولا خليفة الا قتل به خمسة وثلاثون الفا. قلت ثم كفر..... باستخلاف الخلفاء طوائف الروافض والخوارج ويمكن ان يكون قوله تعالى وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ اشارة الى يزيد بن معاوية

[سورة النور (24) : آية 56]

حيث قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من اهل بيت النبوة وأهان عترته وافتخر به وقال هذا يوم بيوم بدر- وبعث جيشا على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل ما فعل في وقعة الحرة بالمدينة وبالمسجد الّذي اسّس على التّقوى من اوّل يوم وهو روضة من رياض الجنة ونصب المجانيق على بيت الله تعالى وقتل ابن الزبير ابن بنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل ما فعل حتى كفر بدين الله وأباح الخمر قوله تعالى. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ في سائر ما أمركم به لَعَلَّكُمْ اى لكى تُرْحَمُونَ (56) جملة اقيموا مع ما عطف عليه معطوف على قوله وأطيعوا الله فان الفاصل وعد على المأمور به وتكرير الأمر بطاعة الرسول للتأكيد وتعليق الرحمة بها. لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ اى معجزين الله عن ادراكهم في الأرض وإهلاكهم- قرا ابن عامر وحمزة لا يحسبنّ بالياء على الغيبة والموصول فاعل له اى لا يحسبن الكافرون أنفسهم معجزين والباقون بالتاء على الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم والموصول مفعوله الاول يعنى لا تحسبنهم معجزين وَمَأْواهُمُ النَّارُ حال من الموصول او عطف على لا تحسبن من حيث المعنى كانّه قيل الذين كفروا لا يفوتون الله ومأويهم النّار وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) النار جملة لا تحسبن وعيد متصل بقوله وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ- اخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل بن خبان انه كان لاسماء بنت مرثد غلاما وكثيرا ما يدخل عليها في وقت تكره دخوله عليها فيه فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ان خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في وقت نكرهها فانزل الله عزّ وجلّ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ رجوع الى تتمة الاحكام السابقة بعد ذكر ما يوجب الطاعة فيما سلف من الاحكام وغيرها والوعد عليها- والوعيد

على الاعراض عنها والمراد بالخطاب الرجال والنساء جميعا غلّب فيه الرجال وقال البغوي قال ابن عباس وجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو الى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه فدخل وراى عمر بحالة كره عمر رؤية ذلك الحال فانزل الله هذه الاية وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ يعنى الذين لم يقربوا الحلم من الأحرار كما في قوله تعالى وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ يعنى قار بن البلوغ فدخل في حكم المنع عن الدخول المراهق فانه في حكم البالغ ثَلاثَ مَرَّاتٍ اى ليستأذنوا في ثلاثة اوقات مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ لانه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ الّتي كانت لليقظة عند القيلولة مِنَ الظَّهِيرَةِ بيان للحين وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ لانه وقت التجرد عن اللباس والالتحاف باللحف ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر ثلث بالنصب بدلا من قوله ثَلاثَ مَرَّاتٍ والباقون بالرفع على انه خبر مبتدا محذوف اى هى ثلث عورت لّكم وجاز ان يكون مبتدأ خبره ما بعده- وقيل تقديره ثلاث ساعات انكشاف عورات لكم على حذف المضافين فالعورة على هذا بمعنى السوءة- وقال البيضاوي تقديره هى ثلاث اوقات تخيّل فيها تستّركم واصل العورة الخلل وقيل اصل العورة من العار فتكنى بالعورة عن سوءة الإنسان لما يلحق من ظهوره العار اى المذمّة ولذلك سمى النساء عورة ولذلك يقال العورة للكلمة القبيحة ويقال للشق من الثوب ويقال للخلل في البيت عورة للحوق العار به قال الله تعالى إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ اى منخرقة- فعلى هذا سميت الأوقات الثلاث عورات للحوق العار برؤية الإنسان فيهن غير مستنر- وفي القاموس العورة الخلل في الثغر وغيره وكل مكمن للستر والسوءة والساعة الّتي هى قمن من ظهور العورة

فيها وهى ثلاث ساعات قبل صلوة الفجر وعند نصف النهار وبعد العشاء الاخيرة وكل امر يستحيى منه ومن الجبال شعوفها- (مسئلة) - مقتضى هذه الاية انه لا يجوز لعبد وان كان صغيرا عاقلا ان يدخل على سيده ولا لامة ان تدخل على سيدتها واما دخول العبد البالغ او المراهق على سيدته فممنوع في جميع الأوقات لقوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ... وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ الاية- والمماليك المستشهاة منها قد ذكرنا ان المراد به الإناث دون الذكور واما دخول الامة على سيدها الّتي يجوز له وبها فجائز في كل وقت كالزوجة- ولا يجوز لصغير عاقل ان يدخل في أحد هذه الأوقات بغير استئذان- ويجوز لهم ان يدخلوا بغير الاستيذان في غير هذه الأوقات كما قال الله تعالى- لَيْسَ عَلَيْكُمْ ايها الذين تسكنون البيوت وَلا عَلَيْهِمْ اى المملوكين والأطفال الداخلين عليكم للخدمة ونحو ذلك جُناحٌ بَعْدَهُنَّ بعد هذه الأوقات الثلاث في ترك الاستئذان لدفع الحرج لمخالطتهم وكثرة دخولهم كما يدل عليه قوله تعالى طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ اى هم اى الأطفال والعبيد طوافور عليكم يدخلون ويخرجون كثيرا استيناف لبيان المرخص في الدخول بلا استئذان بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ يعنى بعضكم طائف على بعض او يطوف بعضكم على بعض بدل من الجملة السابقة وبيان له جعل الله سبحانه العبيد والأطفال من جنس أنفسهم لكثرة مخالطتهم فجعلهم بعض المخاطبين كَذلِكَ اى تبيّنا مثل ذلك التبين يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ اى آيات الاحكام وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوالكم حَكِيمٌ (58) فيما شرع لكم قال البغوي اختلف العلماء في حكم هذه الاية فقال قوم هو منسوخ قال ابن عباس لم يكن للقوم ستور ولا حجاب وكان الولائد والخدم يدخلون فربما يرون مالا يحبون فامروا بالاستئذان ثم بسط الله الرزق واتخذوا الستور

[سورة النور (24) : آية 59]

فراى ان ذلك اغنى عن الاستئذان- وذهب قوم الى انها غير منسوخة روى سفيان عن موسى بن عائشة قال سالت الشعبي عن هذه الاية أمنسوخة هى قال لا والله قلت ان الناس لا يعملون بها قال الله المستعان- وقال سعيد بن جبير في هذه الاية ان ناسا يقولون نسخت والله ما نسخت ولكنها مما تهاون به الناس قلت والصحيح انها غير منسوخة لكن الحكم بالاستئذان معلول باختلال التستر في تلك الأوقات كما يدل عليه قوله تعالى ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ وهو الفارق بين تلك الأوقات وغيرها وعدم الحكم عند عدم العلة لا يكون نسخا- فما وقع في كلام ابن عباس انها منسوخة مبنى على التجوز فعلم انه إذا كان من شأن الناس عدم اختلال التستر في تلك الأوقات لا يستلزمهم الاستئذان والله اعلم. وَإِذا بَلَغَ اى قارب البلوغ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فى الأوقات كلها لزوال المبيح للدخول بغير استئذان وهو المخالطة وكثرة الدخول- وحكم هذه الاية يعم كل من يريد الدخول على الرجال او النساء محرمات كن او اجنبيات ويؤيده ما روى عن ابى سعيد الخدارى قال أتانا ابو موسى فقال ان عمر رضى الله عنه أرسل الىّ ان اتيه فاتيت بابه فسلمت ثلاثا فلم يرد علىّ فرجعت وقد قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع- قال عمر أقم عليه البينة قال ابو سعيد فقمت معه فذهبت الى عمر فشهدت- متفق عليه وعن عطاء بن يسار ان رجلا سال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال استأذن على مى فقال نعم فقال الرجل انى معها في البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها فقال الرجل انى خادمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استاذن عليها أتحب ان تراها عريانة قال لا قال فاستاذن

[سورة النور (24) : آية 60]

عليها- رواه مالك مرسلا قال البغوي قال سعيد بن المسيب يستأذن الرجل على امه فانما أنزلت هذه الاية في ذلك وسئل حذيفة أيستأذن الرجل على والدته قال نعم ان لم يفعل راى منها ما يكره- قلت لعل الأمر بالاستئذان في هذه الاية للاستحباب دون الوجوب فمن أراد الدخول في بيت نفسه وفيه محرماته يكره له الدخول فيه من غير استئذان تنزيها لاحتمال رؤيته واحدة منهن عريانة وهو احتمال ضعيف ومقتضاه التنزه عنه- واما الدخول في بيت غيره من غير استئذان فمحرم لا يجوز لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وكذا في بيت فيه نساء اجنبيات لا يجوز للرجل الدخول عليهن من غير استئذان لقوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ والله اعلم- وقال البيضاوي استدل بهذه الاية من أوجب استئذان العبد البالغ على سيدته وجوابه ان المراد بهم المعهودون الذين جعلوا قسيما للمماليك فلا يندرجون فيهم- وكلام البيضاوي هذا يشعر باختلاف العلماء في وجوب استئذان العبد البالغ على سيدته بناء على اختلافهم في ان العبد هل هو محرم لسيدته كما قال به مالك والشافعي اولا كما قال به ابو حنيفة فمن قال بكونه محرما فالاستئذان عنده مستحب كالاستئذان على غيرها من المحرمات- ومن لم يقل بكونه محرما قال بوجوبه والله اعلم كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (49) كرره تأكيدا ومبالغة في الأمر بالاستئذان-. وَالْقَواعِدُ مبتدا مِنَ النِّساءِ حال من ضمير الفاعل جمع قاعد وهى المرأة الّتي يئست عن الحيض والحمل ولاجل اختصاصها بالنساء جاء قاعد بغير هاء كالحائض والحامل اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً صفة للقواعد اى لا يطمعن فيه لكبرهن قال ربيعة يعنى العجائز اللاتي إذا راهن الرجال استقذروهن فاما من كانت فيها بقية

[سورة النور (24) : آية 61]

جمال وهى محل للشهوة فلا تدخل في هذه الاية فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ خبر للمبتدا جئ بالفاء لتضمن المبتدا معنى الشرط أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ اى في ان يضعن بعض ثيابهن يدل عليه قراءة ابن مسعود وأبيّ بن كعب ان يّضعن من ثيابهنّ فلا يجوز لها كشف ظهرها وبطنها وما تحت سرتها لكن جاز لها كشف رأسها ووجهها وذراعيها ونحو ذلك غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ واصل البرج الظهور ومنه يقال البرج للركن والحصن وكواكب السماء والتبرج التكلف في اظهار ما يخفى من قولهم سفينة بارجة لا غطاء عليها- والبرج سعة العين بحيث يرى بياضها محيطا بسوادها كله لا يغيب منه شيء الا انه خص في الاستعمال بتكشف المرأة زينتها وجمالها للرجال وقع في الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال منها التبرج بالزينة لغير محلها- قال صاحب الهداية التبرج اظهار الزينة للناس الا جانب وهو المذموم واما للزوج فلا وهو معنى قوله عليه السلام لغير محلها- وقوله تعالى غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ حال من فاعل يضعن يفيد تقييد عدم الجناح في وضع ثياب العجائز ان يكون ذلك من غير ارادة اظهار الزينة للرجال فمن كانت منهن أرادت بها التبرج فذلك عليها حرام وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ اى يطلبن من انفسهن العفة وهى كف النفس عمالا يحل كذا في القاموس- والمراد وان يكففن انفسهن عن وضع الثياب عند الرجال خَيْرٌ لَهُنَّ من وضعها لانه قد يفضى الى الفتنة والتستّر ابعد من التهمة وَاللَّهُ سَمِيعٌ لمقالتهن للرجال عَلِيمٌ (60) بمقصود هن في وضع الثياب. لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ قال البغوي قال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مواكلة الأصحاء لان الناس يتقذرونهم ويكرهون مواكلتهم فيقول الأعمى ربما أكل اكثر ويقول الأعرج

ربما أخذ مكان اثنين فنزلت هذه الاية يعنى ليس عليهم حرج في مواكلة الأصحاء- قال البغوي وكذا اخرج ابن جرير عن ابن عباس انه لما انزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ تحرج المسلمون عن مواكلة المرضى والأعمى والأعرج وقالوا الطعام أفضل الأموال وقد نهانا الله تعالى عن أكل المال بالباطل والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب والأعرج لا يتمكن من الجلوس ولا يستطيع المزاحمة على الطعام والمريض يضعف عن التناول فانزل الله هذه الاية الى قوله مفاتحه وعلى هذا التأويل يكون على بمعنى في يعنى ليس عليكم حرج في الأعمى اى في مواكلته- وقال سعيد بن المسيب كان المسلمون إذا غزوا خلفوا زمناهم ويدفعون إليهم مفاتيح بيوتهم ويقولون قد أحللنا لكم ان تأكلوا ممّا في بيوتنا فكانوا يتحرجون ويقولون لا ندخلها وهم غيب فانزل الله عزّ وجلّ هذه الاية رخصة لهم- وقال الحسن نزلت هذه الاية رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد- وقد تم الكلام هاهنا وما بعده كلام منقطع عنه وهو قوله وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ اى البيوت الّتي فيها أزواجكم وعيالكم ودخل فيها بيوت الأولاد لان بيت الولد كبيته حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لابيك- أخرجه الستة وابن حبان والحاكم عن عائشة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه- رواه ابو داود والدارمي من حديث عائشة وروى الترمذي والنسائي وابن ماجة نحوه والمعنى ليس عليكم حرج ان تأكلوا من اموال أزواجكم وأولادكم كذا قال ابن قتيبة- أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ قال ابن عباس عنى بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته لا بأس عليه ان يأكل من ثمر

ضيعته ويشرب من لبن ماشيته ولا يحمل ولا يدخر- وقال الضحاك يعنى بيوت عبيدكم ومماليككم وذلك ان السيد يملك منزل عبده والمفاتح الخزائن لقوله تعالى وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ- ويجوز ان يراد به ما يفتح به قال عكرمة إذ ملك الرجل المفتاح فهو خازن فلا بأس ان يطعم الشيء اليسير- وقال السدى الرجل الّذي يولى طعامه غيره ليقوم فلا بأس ان يأكل منه- واخرج البزار بسند صحيح عن عائشة قالت كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدفعون مفاتحهم الى زمناهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم ان تأكلوا مما احببتم فكانوا يقولون انه لا يحل لنا انهم أذنوا من غير طيب أنفسهم فانزل الله هذه الاية- واخرج ابن جرير عن الزهري انه سئل عن قوله تعالى لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ما بال الأعمى والأعرج والمريض ذكروا هاهنا قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله قال ان المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم وكانوا يدفعون مفاتيح أبوابهم ويقولون قد أحللنا لكم ان تأكلوا مما في بيوتنا وكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وهم غيب فانزلت هذه الاية رخصة لهم- وقال قوم أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ما خزنتموه عندكم وقال مجاهد وقتادة من بيوت أنفسكم مما خزنتموه وملكتم أَوْ صَدِيقِكُمْ يعنى بيوت صديقكم الّذي صدقكم في المودة فانه ارضى بالتبسط في أموالهم واسر وهو يقع على الواحد والجمع كالخليط- قال البغوي قال ابن عباس نزلت في الحارث بن عمرو خرج غازيا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف مالك بن زيد على اهله فلما رجع وجده مجهودا فساله عن حاله فقال تحرجت ان أكل من طعامك بغير اذنك فانزل الله تعالى هذه الاية- واخرج الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس نحوه وذكر خالد بن زيد بدل مالك بن زيد- قال البغوي وكان الحسن وقتادة يريان دخول بيت الصديق والتمتع بطعامه من غير استئذان منه

فى الاكل بهذه الاية- والمعنى فليس عليكم جناح ان تأكلوا من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وان لم يحضروا من غير ان تتزودوا وتتحملوا- قيل هذا الحكم كان في اوّل الإسلام فنسخ والصحيح انه ليس بمنسوخ لكنه محمول على ان هذا الحكم مختص بما إذا علم رضاء صاحب البيت بإذن صريح او قرينة ولذلك خصص هؤلاء بالذكر فانه يعتاد التبسط بينهم- فالتخصيص بهؤلاء خارج مخرج العادة والا فمن دخل بيت اجنبى وعلم رضاء صاحب البيت يأكل طعامه بإذن صريح او دلالة جاز له ذلك- (مسئلة) وبهذه الاية الدالة على جريان العادة بالانبساط بين المحارم احتجت الحنفية على انه لا قطع على من سرق من بيت ذى رحم محرم منه سواء كان المسروق ماله او مال غيره ويجب القطع على من سرق من بيت اجنبى مال ذى رحم محرم منه اعتبارا للتحرز وعدمه- فان قيل فعلى هذا لزم عدم القطع على من سرق من بيت صديقه ايضا بهذه الاية بعينها قلنا الصداقة امر عارض يوجد ويزول وقد عاداه بالسرقة فلم يبق الصداقة بخلاف القرابة فانها لا تزول والله اعلم وقال البغوي كانت العميان والعرجان والمرضى يدخلون على الرجل لطلب الطعام فاذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم الى بيوت ابائهم وأمهاتهم او بعض من سمى الله في هذه الاية- فكان اهل الزمانة يتحرجون من ذلك الطعام ويقولون ذهب بنا الى بيت غيره فانزل الله هذه الاية- فعلى هذا معنى الاية ليس على الأعمى وأمثاله حرج ولا عليكم ان تأكلوا أنتم مع الأعمى وأمثالهم من بيوت أنفسكم وأولادكم وأزواجكم او بيوت ابائكم الى قوله او صديقكم- وقال البغوي قال عطاء الخراسانى عن ابن عباس قال كان الغنى يدخل على الفقير من ذوى قرابة او صداقة يدعوه الى طعامه فيقول والله انى لاجنح اى اتحرج ان أكل معك وانا

غنى وأنت فقير فنزلت هذه الاية- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً اى مجتمعين او متفرقين قال البغوي نزلت في بنى ليث بن بكر وهم حى من كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده حتى يجد ضيفا يأكل معه فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح الى الرواح وربما كانت معه الإبل الحفل فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه فاذا امسى ولم يجد أحدا أكل هذا قول قتادة والضحاك وابن جريج واخرج ابن جرير عن عكرمة وابى صالح وذكر البغوي عنهما ايضا انهما قالا كانت الأنصار إذا نزل بهم الضيف لا يأكلون حتى يأكل الضيف معهم فنزلت رخصة لهم ان يأكلوا كيف شاءوا جميعا او أشتاتا فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً من هذه البيوت او من غيرها فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ اى ليسلم بعضكم على بعض فانه يطلق الأنفس على جماعة متحدة دينا وقرابة قد قال الله تعالى لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ... لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ... ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً- وقيل معناه فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً لكم لا اهل بها فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ يعنى قولوا السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين فان الملائكة ترد عليهم تَحِيَّةً مصدر من غير لفظة تسلموا فان التحية هو التسليم روى الشيخان في الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلمّا خلقه قال اذهب فسلّم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيوك فانها تحيتك وتحية ذريتك فقال السّلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله الحديث مِنْ عِنْدِ اللَّهِ اى كائنة من عنده مشروعة من لدنه وجاز ان يكون صلة للتحية فانه طلب الحيوة وهى من عند الله مُبارَكَةً يعنى مقرونة بذكر البركة وهى الزيادة في الخيرات فيقول السّلام عليكم والبركة وقيل وصف تحية السّلام بالبركة لانه يرجى بها زيادة الخير والثواب طَيِّبَةً اى لا رياء فيها ولا نفاق صادرة من

طيب النفس وقيل معناه تطيب بها نفس المستمع قال ابن عباس معنى مباركة طيبة حسنة جميلة- عن انس رضى الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم متى لقيت أحدا من أمتي فسلم عليه يطل عمرك فاذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك وصل صلوة الضحى فانها صلوة الأوابين- أخرجه البيهقي في شعب الايمان والثعلبي وحمزة بن يوسف الجرجاني في تاريخ جرجان وسنده ضعيف- قال البغوي هذه الاية في دخول الرجل في بيت نفسه فانه يسلم على اهله ومن في بيته وهو قول جابر وطاءوس والزهري والضحاك وقتادة وعمرو بن دينار قال قتادة إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهم أحق ممن سلمت عليهم- وإذا دخلت بيتا لا أحد فيها فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين حدثنا ... ان الملائكة يرد عليهم- وروى البيهقي في شعب الايمان عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا إذا دخلتم بيتا فسلموا على أهلها وإذا خرجتم فاودعوا اهله بسلام- وروى الترمذي عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بنى إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى اهل بيتك- وعن ابن عباس قال ان لم يكن في البيت أحد فليقل السلام علينا من ربنا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام على اهل البيت ورحمة الله- وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس في هذه الاية قال إذا دخلت المسجد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين- وعن عبد الله بن عمرو ان رجلا سال رسول الله صلى الله عليه وسلم اىّ الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف- متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمن على المؤمن ست خصال يعوده إذا مرض ويشهده إذا مات ويجيبه إذا دعا ويسلمه إذا لقيه ويشمته إذا عطس وينصح له إذا غاب او شهد- رواه النسائي وروى الترمذي والبزار نحوه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابّوا اولا

أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم- رواه مسلم وعن ابى هريرة مرفوعا يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير متفق عليه وعنه عند البخاري يسلم الصغير على الكبير الحديث- وعن عمران بن حصين ان رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم فرد عليه ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر ثم جاء اخر فقال السّلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس فقال عشرون ثم جاء اخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال ثلاثون رواه الترمذي وابو داود وروى ابو داود عن معاذ بن انس مرفوعا بمعناه وزاد ثم اتى اخر فقال السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال أربعون قال وهكذا تكون الفضائل- وعن ابى امامة مرفوعا ان اولى الناس بالله من بدا بالسلام وعن ابى هريرة مرفوعا إذا انتهى أحدكم الى مجلس فليسلم فان بدا له ان يجلس فليجلس ثم إذا قام فليسلم فليست الاولى بأحق من الاخرة- رواه الترمذي وابو داود وعن علّى بن ابى طالب تجزئ عن الجماعة إذا مروا ان يسلم أحدهم وتجزى عن الجلوس ان يرد أحدهم ذكره البغوي في المصابيح موقوفا ورواه البيهقي في شعب الايمان مرفوعا كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ كرره ثالثا لمزيد التأكيد وتفخيم الاحكام المختتمة به وفصل الأولين بما هو المقتضى لذلك وهو علم الله وحكمته وهذا بما هو المقصود منه فقال لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) الحق والخير في الأمور- اخرج ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن عروة ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما قالوا لمّا أقبلت قريش عام الأحزاب نزلوا بمجمع الاسيال من رومة بئر بالمدينة قائدها ابو سفيان وأقبلت غطفان حتى نزلوا بنقبين «1» الى جانب أحد- وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فضرب الخندق على المدينة وعمل فيه وعمل المسلمون فيه وابطأ رجال من المنافقين وجعلوا يزورون بالضعيف من العمل فيتسللون الى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) النقب هو الطريق بين الجبلين- مجمع البحار- الفقير الدهلوي-

[سورة النور (24) : آية 62]

ولا اذن وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة الّتي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق لحاجته فياذن له فاذا قضى به بشر فانزل الله تعالى. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الآيات الى اخر السورة الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ من صميم قلوبهم دون من قالوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ... وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ وصف الأمر بالجامع مجازا للمبالغة والمراد على امر يقتضى ان يجمع الناس لذلك الأمر كحفر الخندق والمشاورة والجهاد ونحو ذلك كالجمعة والأعياد لَمْ يَذْهَبُوا اى لم يتفرقوا عنه ولم ينصرفوا عمّا اجتمعوا له من الأمر حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ اى الرسول صلى الله عليه وسلم فيأذن لهم ولا حاجة هاهنا الى القول بان المراد بالمؤمنين الكاملون لانه حكاية واخبار عن حال المؤمنين الموجودين في ذلك الوقت وما به كانوا يمتازون عن المنافقين وقد كانوا كلهم كاملين في الايمان وكان شأنهم ذلك دون المنافقين- ولما كان عدم التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواضع الشدة دليلا واضحا على صدق ايمانهم إعادة مؤكدا على اسلوب ابلغ فقال إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ لاجل ضرورة أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ بصميم قلوبهم يعنى ان المستأذن مؤمن لا محالة دون الذاهب بغير اذن فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ الّذي نابهم ودعاهم الى الانصراف فيه مبالغة وتضييق للامر يعنى لا ينبغى للمؤمنين ان يستأذنوا لكل ما نابهم من النوائب بل لبعض ضرورى منها لا بد له من الانصراف فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ قيد الأمر بالاذن بالمشية للدلالة على ان هذا امر للاباحة وليس للوجوب ولو كان الاذن بعد الاستئذان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم بطل فائدة الاستئذان لانه لا يعجز أحد عن الاستيذان- وفيه دليل على ان بعض الاحكام كان مفوضا الى رأيه صلى الله عليه وسلم وكذا الى رأى الامام ومن منع ذلك قيد المشيّة بان

[سورة النور (24) : آية 63]

يكون تابعة لعلمه بصدقه فكان المعنى فاذن لّمن علمت ان له عذرا او يكون الأمر الجامع قاصرا في اقتضاء الاجتماع او كان المستأذن مستغنى عنه وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ يعنى بعد الاذن فان الاستئذان ولو بعذر قصور لان فيه تقديما لامر الدنيا على امر الدين إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لفرطات العباد رَحِيمٌ (62) بالتيسير عليهم وقال البغوي قال المفسرون في سبب نزول هذه الاية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد الرجل ان يخرج من المسجد أحد لحاجة او عذر لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يراه فيعرف انه انما قام ليستأذن فاذن لمن شاء منهم قال مجاهد واذن الامام يوم الجمعة ان يشير بيده- قال اهل العلم وكذلك كل امر اجتمع عليه المسلمون مع الامام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه الا باذنه وإذا استأذنوا الامام ان شاء اذن له وان شاء لم يأذن هذا إذا لم يكن سبب يمنعه من المقام- فان حدث سبب يمنعه من المقام مثل ان يكون امراة في المسجد فتحيض فيه او يجنب رجل او عرض له مرض فلا يحتاج الى الاستئذان-. لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً يعنى إذا دعاكم الرسول الى امر جامع او غير ذلك فاجيبوا دعوته وامتثلوا امره ولا تجعلوا دعوته إياكم كدعوة بعضكم بعضا في جواز الاعراض والمساهلة في الاجابة والرجوع بغير اذن- فان المبادرة الى اجابته واجبة والمراجعة بغير اذنه حرام بخلاف غير ذلك- فهذه بهذا التأويل نظيرة لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ- والاضافة في دعاء الرسول اضافة المصدر الى فاعله والمفعول محذوف- وقال مجاهد والقتادة معنى الاية لا تجعلوا دعاءكم الرسول كدعاء بعضكم بعضا يعنى لا تدعوه باسمه كما يدعو بعضكم بعضا ولكن فخموه وشرفوه- اخرج ابو نعيم في الدلائل من طريق الضحاك عن ابن عباس انه قال كانوا يقولون يا محمد يا أبا القاسم فانزل الله تعالى هذه الاية فقالوا

يا نبى الله يا رسول الله- لكن هذا التأويل لا يناسب ما سبق وما يتلوه فان الكلام في الخروج باستئذان وبغير استئذان وايضا لا يناسبه نفس هذا الكلام لان المشبه به هو الدعاء المضاف الى الفاعل لكون المفعول به بعده منصوبا فلا بد ان يكون في المشبه ايضا الرسول فاعلا للدعاء لا مفعولا- وقال البغوي قال ابن عباس معنى الاية احذروا عن دعاء الرسول عليكم إذا اسخطتموه فان دعاءه موجب ليس كدعاء غيره- روى البخاري في الصحيح عن عائشة قالت ان اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك قال وعليكم فقالت عائشة السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك العنف والفحش قالت اولم تسمع ما قالوا قال اولم تسمعى ما قلت رددتّ عليهم فيستجاب لى فيهم ولا يستجاب لهم فيّ- قلت على هذا كان حق الكلام لا تجعلوا دعاء الرّسول عليكم كدعاء بعضكم على بعض- لكن يمكن على هذا معنى الاية لا تجعلوا دعاء الرّسول ربه كدعاء صغيركم كبيركم يجيبه مرة ويرده اخرى- فان دعاءه مستجاب لا يرد لا محالة- قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ السل انتزاع الشيء من الشيء وإخراجه في اختفاء ولذلك يطلق على السرقة الخفية يقال سلّ البعير في جوف الليل وانسل واستل اى انطلق وخرج في اختفاء كذا في القاموس والمعنى الذين يخرجون مِنْكُمْ اى من بينكم مختفيا لِواذاً مصدر لاوذ يلاوذ ملاوذة ولو إذا وليس من لاذ يلوذ فان مصدره لياذوا للياذ الالتجاء بغيره والانضمام اليه ورد في الدعاء المأثور اللهم الوذ بك- واللو أذان يلوذ كل واحد منهم بالاخر والمعنى انهم يخرجون مستترين يلوذ ويستتر بعضهم ببعض يخرج او يلوذ بمن يؤذن في الخروج فيخرج معه كانه تابعه في القاموس اللوذ بالشيء الاختفاء والاحتضان به كاللواذ مثلثة

وكان هذا حال المنافقين في حفر الخندق على ما قال ابن إسحاق والبيهقي عن عروة ومحمد بن كعب القرظي كانوا.... ينصرفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مختفين- وقال ابن عباس كان المنافقون يثقل عليهم المقام في المسجد يوم الجمعة واستماع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يلوذون ببعض أصحابه فيخرجون من المسجد في استتار- ولو إذا منصوب على الحال ومعنى قوله قد يعلم انه يجازيهم فان الجزاء فرع العلم- فَلْيَحْذَرِ تفريع على قوله قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ ... الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ قيل عن زائدة والمعنى يذهبون سمتا خلاف سمته وقيل أورد عن لتضمن يخالفون معنى الاعراض- او المعنى يصدون عن امره دون المؤمنين من خالفه عن الأمر إذا صد عنه دونه وحذف المفعول لان المقصود بيان المخالف والمخالف عنه- وجاز ان يكون عن امره في محل النصب على الحال والمفعول محذوف تقديره الذين يخالفون الرسول ويخالفون المؤمنين عن امره وضمير امره اما راجع الى الله او الى الرسول صلى الله عليه وسلم أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ اى محنة وبلاء في الدنيا كذا قال مجاهد أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) في الاخرة ان مع صلته في محل النصب على انه مفعول ليحذروا يعنى ليحذروا إصابة الفتنة او إصابة العذاب الأليم وذلك بسبب المخالفة عن امره- وجاز ان يكون المفعول محذوفا تقديره فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ عن المخالفة لئلا يصيبهم فتنة او عذاب اليم- وهذه الاية حجة للقائلين بان مطلق الأمر يعنى مالا قرينة على كونه للوجوب او للندب او غير ذلك يكون للوجوب فحسب وليس مشتركا بين الوجوب والندب على ما نقل عن الشافعي او بينهما وبين الإباحة او بين الثلاثة وبين التهديد على ما ذهب اليه الشيعة ونقل عن ابن شريح- فان خوف

[سورة النور (24) : آية 64]

الفتنة والعذاب لا يتصور الا في ترك الواجب او ارتكاب المحرم-. أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقا وملكا قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ من الايمان والنفاق والموافقة والمخالفة فهو خطاب لجميع المكلفين وجاز ان يكون خطابا للمنافقين خاصة على سبيل الالتفات من الغيبة الى الخطاب وجملة قد يعلم تقرير لما سبق لان الّذي هو خالق ومالك لكل شيء لا بد ان يعلم احوال مخلوقاته ومملوكاته وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ اى يوم يرجع الناس للجزاء الى الله تعالى فيه التفات من الخطاب الى الغيبة فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من الخير والشر بايفاء الجزاء والظرف يعنى يوم يرجعون متعلق بقوله ينبئهم والفاء زائدة كما في قوله تعالى لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا وجاز ان يكون الظرف معطوفا على ظرف محذوف متعلق بقوله قد يعلم ما أنتم عليه تقديره قد يعلم ما أنتم عليه اليوم ويوم يرجعون اليه فينبّئهم بما عملوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64) لا يخفى عليه منكم خافية- روى البغوي عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن بالمغزل وسورة النور- صدق الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنهم أجمعين تمّت سورة النور سادس والعشرين من رمضان من السنة الرابعة بعد الف سنة 1204 ومائتين ويتلوه سورة الفرقان إنشاء الله تعالى بتصحيح: مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى.

الجزء السابع

الجزء السابع [فهرس السور القرآنية من التفسير المظهري] فهرس سورة الفرقان مضمون صفحه ما ورد فى حشر الكافر على وجهه 25 مسائل الماء وما يتنجس منه وما لا يتنجس منه والماء المستعمل 32 ما ورد فى فضل قيام الليل 46 ما ورد فى الخوف والرجاء 47 حديث اى الذنب أعظم 48 مضمون صفحه ما ورد فى الغىّ والأثام 48 ما ورد فى تبديل السيئات بالحسنات- 50 ما ورد فى شهادة الزور- 53 تعزير شهادة الزور- 53 ما ورد فى الغرفة وأهلها- 55 فهرس سورة الشعراء لا يجوز أخذ الاجرة على الطاعة 77 لا يجوز صرف المال فى البناء فوق الحاجة وما ورد فيه 77 مسئلة يكره طول الأمل ويستحب قصره- 78 مسئلة جاز للجنب قراءة ترجمة القران ومسه وأجاز ابو حنيفة القراءة بالفارسي فى حق جواز الصلاة خاصة والفتوى على عدم الجواز 84 اباء النبي صلى الله عليه وسلم وأمهاته كلهم كانوا مؤمنين- 89 ما ورد فى استراق الشياطين السمع من الملائكة- 90 ما ورد فى ذم الشعر والشعراء- 92 ما ورد فى اباحة الشعر ومدحه- 93 الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح- 94 كتاب ابى بكر فى الوصية 95 فهرس سورة النّمل يجوز نقل الحديث بالمعنى والنكاح بغير لفظ النكاح والتزويج بما يؤدى معناه- 98 ما ورد فى فضل العلماء- 103 ويل للروافض لم يشعروا شعور نملة 106 الاشتغال بغير ذكر الله هلاك 106

فهرس سورة القصص

ما ورد فى تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم- 107 يجوز النظر الى الاجنبية عند ارادة خطبة النكاح- 120 حديث كنت اوّل الناس فى الخلق وآخرهم فى البعث- 124 ما ورد فى دابّة الأرض- 132 فصل فى اشراط الساعة- 134 ما ورد فى نفخة الفزع والصعق والبعث- 136 ما ورد فى ان الساعة لا تقوم الا على شرار الناس- 138 فهرس سورة القصص مسئلة أخذ الاجرة على الطاعة 157 مسئلة النكاح على رعى الغنم- 159 مسئلة البكاء شوقا للقاء الرحمان- 160 حديث الكبرياء ردائى- 166 حديث ثلاثة لهم أجران- 172 ما ورد فى وفات ابى طالب- 173 ما ورد فيمن جر ثوبه خيلاء- 179 ما ورد فى الفرح من المدح والذم- 181 حديث اغتنم خمسا قبل خمس- 181 ما نظر أحد الى نفسه فافلح- 182 فهرس سورة العنكبوت ما ورد فى ان الصّلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر- 205 ما ورد فى فضل الذكر- 206 ما ورد فى التوكل- 214 فهرس سورة الرّوم ما ورد فى كون السماع فى الجنة- 226 ما ورد فى ثواب التسبيح والتحميد 228 حديث ما من مولود الا يولد على الفطرة- 232 حديث ان خلق أحد كم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة الحديث 233 حديث إذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوه- 233 حديث تفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة- 234

فهرس سورة لقمان

حديث أصبح من عبادى مؤمن وكافر من قال مطرنا بفضل الله الحديث- 235 ما ورد فى ان دخول الجنة بمحض فضل الله دون الأعمال- 239 حديث ما من مسلم يردّ عن عرض أخيه الا كان حقّا على الله ان يردّ عنه نار جهنم- 241 حديث يقول الله لاهل الجنة هل رضيتم- 244 فهرس سورة لقمان مسئلة اتخاذ المعازف والمزامير حرام- 248 مسئلة الغناء حرام عند الفقهاء وقالت الصوفية منها ما لا بأس فيه 248 وما ورد فى الغناء تحريما واباحة 249 مسئلة يجب الانفاق على الأبوين الفقيرين الكافرين- 256 مسئلة لا يجب إطاعة الأبوين فيما لا يجوز شرعا ويجب إطاعتهما فى امور مباحة وهل يجب إطاعتهما إذا امرا بترك الإكثار فى الذكر والزهد فى الدنيا وترك مصاحبة الصالحين- 256 ما ورد فى المشي المتوسط والاسراع فيه- 259 حديث الايمان نصفان نصف شكر ونصف صبر- 263 حديث خمسة لا يعلمها الا الله 264 فهرس سورة السّجدة حديث يقول ملك الموت ايها العبد كم خبر بعد خبروكم رسول بعد رسول الحديث- 270 حديث ملك الموت لا يعلم بوقت موت أحد ما لم يؤمر- 270 ملك الموت يظهر للمؤمن بأحسن صورة وللكافر باقبحها- 270 كيف يكون موت سوى الآدميين 271 ما ورد فى القضاء والقدر- 272 ما ورد فى الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع قيل هم المتهجدون وقيل غير ذلك- 274

فهرس سورة الأحزاب

حديث اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت الحديث 276 ما ورد فى لقاء موسى- 278 ما ورد فى فضل الم تنزيل وسورة الملك 280 فهرس سورة الأحزاب ما ورد فى النهى عن الانتساب الى غير أبيه- 285 الكلام فى التبنّي وفى قول الرجل لمملوكه هذا ابني- 285 ما ورد فى وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وكونه اولى بالمؤمنين- 286 حديث كنت أول الناس فى الخلق وآخرهم فى البعث- 288 قصة غزوة الخندق- 289 ذكر ما فات لرسول الله صلى الله عليه وسلم صلوات وقضائها 300 مسئلة إذا فاتت صلوات وقضيت يؤذّن للاولى ويقيم لكل صلوة والاولى ان يؤذن ويقيم لكل صلوة- 300 نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يسمى المدينة بيثرب- 306 ما ورد فى مناقب انس بن النضر ومصعب بن عمير وطلحة بن عبيد الله 310 قصة غزوة بنى قريظة- 313 مسئلة لا اثم على المجتهد ان اخطأ- 314 اعتراف اليهود بكون محمد صلى الله عليه وسلم نبيّا- 317 مسئلة الغنيمة لمن شهد الوقعة وان مات قبل الاحراز 325 مسئلة يعطى للنساء الّتى يحضرن القتال ولا يسهم لهن 325 مسئلة لا يجوز ان يفرق بين صغيرين او صغير وكبير بينهما رحم ومحرمية- 326 مسئلة من فرق بين والدة وولدها يأثم وهل يبطل البيع او يفسد او ينفذ 327 مسئلة يجوز التفريق بينهما ان كانا بالغين- 328

مسئلة إذا كان مع الصغير جماعة من أرحامه- 328 مسائل تفويض الطلاق وقول الزوج لامراته اختاري- 331 ما ورد فى فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم وفضل فاطمة ومريم وآسية- 336 مسئلة لا يجوز لرجل وامراة أجنبيين ان يتكلما كلاما لينا فيطمع أحدهما من الاخر وهى مندوبة الى الغلظة فى المقال- 337 حديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكلم النساء الا بإذن أزواجهن- 337 الكلام فى اهل البيت- 339 مسئلة الأمر المطلق للوجوب- مسئلة العالم ومن له فضل فى الدين كفو للعلوى ونحوه- 345 ما ورد فى الحياء- 348 ما ورد فى اسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكونه خاتم الأنبياء 351 حديث إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال ربك يقرأك السلام- 353 مسئلة تعليق طلاق الاجنبية بالنكاح وما ورد فيه من اختلاف العلماء وأدلتهم- 356 مسئلة الطلاق قبل المسيس لا يستعقب العدة- 359 مسئلة إذا طلق ذمى ذمية وهم لا يعتقدون العدة فلا عدة عليها- 359 الحربية إذا خرجت إلينا مسلمة فلا عدة عليها الا ان يكون حاملا 359 مسئلة هل يجوز النكاح بلفظ الهبة او البيع او نحوهما- 362 مسئلة يجوز النظر الى امراة يريد نكاحها وما ورد فيه- 368 حديث من صلى علىّ عند قبرى سمعته ومن صلى غائبا بلغته- 373 مسئلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فريضة قيل فى العمر مرة وقيل فى القعدة الاخيرة من كل صلوة وقيل كلما جرى ذكره- 375 فصل فى فضل الصلاة وكيفيتها- 377 حديث قال الله تعالى كذّبنى ابن آدم وشتمنى- 380

حديث قال الله تعالى يؤذينى ابن آدم يسب الدهر- 380 ما ورد فى التصاوير- 380 حديث قال الله تعالى من عادى لى وليّا فقد بارزني بالمحاربة 381 ما قيل ان إيذاء الرسول إيذاء لله تعالى وكذا إيذاء اولياء الله 381 مسئلة ما حكم من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم- 381 مسئلة سبّ الصحابة إيذاء للنبى صلى الله عليه وسلم- 382 حديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من امنه الناس على دمائهم وأموالهم- 382 ما ورد فى اذن النساء للخروج لحاجتهن- 383 ما ورد فى ما أوذي موسى وأوذي محمد صلى الله عليهما وسلم- 386 الأبحاث الواردة فى عرض الامانة على السموات والأرض والجبال وابائهنّ وحملها الإنسان واقوال العلماء والصوفية فيه- 387 حديث ان فى جسد بنى آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله- 392.

سورة الفرقان

«1» سورة الفرقان مكّيّة وهى سبع وسبعون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَبارَكَ «2» تفاعل من البركة وهى كثرة الخير يعنى تكاثر خيره وهذه الصيغة لا يتصرف فيه ولا يستعمل الا لله تعالى قال ابن عباس معناه جاء كل بركة من قبله كذا قال الحسن وقيل معناه تزايد عن كل شىء وتعالى عنه فى صفاته وأفعاله فان البركة تتضمن معنى الزيادة ومن هاهنا قال الضحاك معناه تعظم الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ مصدر فرّق بين الشيئين إذا فصل بينهما سمّى به القران لفصله بين الحق والباطل بتقريره والمحق والمبطل باعجازه او لكونه مفصولا بعضه عن بعض فى الانزال رتب الله سبحانه قوله تبارك على إنزال القران لما فيه من كثرة الخير ولدلالته على تعظمه سبحانه وتعاليه عَلى عَبْدِهِ محمد صلى الله عليه وسلم لِيَكُونَ

_ (1) يس فى الأصل عنوان السورة. (2) اخرج مالك والشيخان عن عمر بن الخطاب رض قال سمعت هشام بن الحكيم يقرأ سورة الفرقان فى حيوة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاستمعت لقراءته فاذا هم يقرا على حروف كثيرة لم يقرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدتّ اساوره فى الصّلوة فتصبرت حتى سلم فلبيته بردائه فقلت له من اقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرا فقال اقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرات فانطلقت به أقوده الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت انى سمعت هذا يقرا سورة الفرقان على حروف لم تقرانيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ يا هشام فقرأ عليه بقراءة سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كذلك أنزلت ثم قال لى اقرأ فقرات القراءة التي أقرأنيها صلى الله عليه وسلم فقال هكذا أنزلت ان هذا القران انزل على سبعة أحرف فاقرء واما تيسر منه 12 منه برد الله مضجعه.

[سورة الفرقان (25) : آية 2]

اى العبد او الفرقان لِلْعالَمِينَ اى للانس والجن عامة وعموم الرسالة من خصائصه صلى الله عليه وسلم نَذِيراً اى منذرا او انذارا كالنكير بمعنى الإنكار وهذه الجملة وان كانت فى حيز الإنكار لاهل مكة المخاطبين بها ولا بد من ان تكون الصلة معلومة لكنها لقوة دليلها أجريت مجرى المعلوم. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى سلطانه والموصول بدل من الاول وجاز الفصل بين البدل والمبدل منه بقوله ليكون لان المبدل منه اى الموصول مع الصلة وقوله ليكون من متعلقات الصلة تعليل له فكان المبدل منه لم يتم الا به وجاز ان يكون الموصول مرفوعا بتقدير المبتدا اى هو او منصوبا بتقدير اعنى او امدح وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً كما زعم النصارى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ كما يقول المجوس والثنوية اثبت له الملك مطلقا ونفى ما يقاومه فيه ثم نبّه على ما يدل عليه فقال وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ يعنى أحدث كل شىء مراعى فيه التقدير كخلقه لانسان من مواد مخصوصة على صور وإشكال معينة فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً فسواه وهيأه لما أراد منه من الخصائص والافعال كتهية الإنسان للادراك الفهم والنظر والتدبير واستنباط الصنائع المتنوعة وفراولة الأعمال المختلفة او المعنى فقدره للبقاء الى أجل مسمى وقد يطلق الخلق لمجرد الإيجاد من غير نظر الى وجه الاشتقاق فيكون المعنى وأوجد كل شىء فقدره فى إيجاده حتى لا يكون متفاوثا وقيل قدر لكل شىء تقديرا من الاجل والعمل والرزق فجرت المقادير على ما خلق ولمّا تضمّن الكلام اثبات التوحيد والنّبوة أخذ فى البرد على من انكرهما فى بيان نقص الهتهم الباطلة فقال. وَاتَّخَذُوا اى المنذرون «1» يدل عليه قوله نذيرا والمراد كفار مكة والجملة معطوفة على قوله تبارك مِنْ دُونِهِ اى غير الله من زائدة وهو فى محل النصب على الحال من قوله آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً من الجواهر والاعراض والأعمال والأحوال صفة لالهة وَهُمْ يُخْلَقُونَ حيث خلق الله كل شىء وهذا المعنى يعم الالهة الباطلة كلها وان كان المراد بالالهة الأصنام فجاز ان يكون المعنى وهم ينحتون ويصورون اى حصلت لهم صورهم يكسب عبدتهم والجملة معطوفة على ما سبق او حال أورد صيغة المضارع والمعنى على الماضي للاستحضار وَلا يَمْلِكُونَ اى لا يقدرون لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا اى دفع ضراريد بهم ان يّسلبهم الذّباب شيئا لا يستنقذوه منه وَلا نَفْعاً

_ (1) وفى الأصل اى المنذر بن يدل عليهم إلخ الفقير الدهلوي.

[سورة الفرقان (25) : آية 4]

ولا جلب نفع وهذا حال الأصنام بل حال كل شىء سوى الله تعالى فان عيسى وعزيرا والملائكة مع علوم تبتهم لا يملكون لانفسهما نفعا ولا ضرّا الّا ما شاء الله قال الله تعالى قل لا املك لنفسى نفعا ولا ضرّا الّا ما شاء الله ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّنى السّوء وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً يعنى لا يملكون اماتة أحد ولا إحياءه اوّلا ولا بشبه ثانيا وهذا الأمور من لوازم الالوهية فكل من ليس كذلك فليس باله وفيه اشارة الى ان الإله يجب ان يكون قادرا على البعث والجزاء. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على اتخذوا وضع الظاهر موضع الضمير للاشعاريان انكار النبوّة كفر كانكار التوحيد وذلك لان التوحيد على ما ينبغى لا يتاتى بمجرد العقل بل حقيقة التوحيد ما ورد به الشرع الا ترى الى الفلاسفة وأمثالهم كيف خبطوا فى الالهيّات حتى ضلوا وأضلوا فى الصحيحين عن ابن عباس رض فى قصة وفد عبد القيس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ما الايمان بالله وحده قالوا الله ورسوله اعلم قال ان تشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله الحديث إِنْ هَذا اى القران الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إِلَّا إِفْكٌ اى كذب مصروف عن وجهه يعنى ليس هذا من كلام الله كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم بل افْتَراهُ يعنى اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم وَأَعانَهُ اى محمدا صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ اى على اختلاق القران قَوْمٌ آخَرُونَ قال مجاهد يعنون اليهود وقال الحسن عبيد بن الحصر الحبشي الكاهن وقيل جبر ويسار وعداس عبيد كانوا بمكة من اهل الكتاب زعم المشركون ان محمدا صلى الله عليه وسلم يأخذ منهم فَقَدْ جاؤُ يعنى قابلى هذه المقالة ظُلْماً حيث حكموا على الكلام المعجز بكونه إفكا مختلقا متلفقا من اليهود وَزُوراً حيث نسبوا الافتراء الى من هو برئ منه قال البيضاوي اتى وجاء ليطلقان بمعنى فعل فيعديان تعديته وقيل هذان منصوبان بنزع الخافض تقديره فقد جاءوا بظلم وزور. وَقالُوا عطف على قال الّذين كفروا اى قال بعضهم يعنى النصر بن الحارث فانه كان يقول القران ليس من الله انما هو أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعنى ممّا سطره اى كتبه الأولون اى المتقدمون مثل قصة رستم وإسفنديار اكْتَتَبَها اى استكتبها محمد صلى الله عليه وسلم من جبر ويسار وعداس وأمثالهم فَهِيَ اى تلك الأساطير تُمْلى اى تقرا عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ليحفظها فانه امىّ لا يقدر ان يكتب ولا ان يكرر من الكتاب. قُلْ استيناف فانّه فى جواب ماذا أقول لهم يعنى قل لهم ردّا عليهم

[سورة الفرقان (25) : آية 7]

ليس الأمر كما قلتم بل أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كما يدل على ذلك اعجازه البلخاء عن آخرهم عن معارضته وكونه مشتملا على علوم لا يعلمها الا عالم السر والخفيات فكيف تحكمون عليه بكونه من كلام البشر من المتأخرين لو المتقدمين إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً فلذلك لا يعجلكم بالعقوبة على ما تقولون مع كمال قدرته عليها واستحقاقكم إياها. وَقالُوا عطف على قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعنى وقالوا فى مقام الاستدلال على انكارهم النبوة مالِ هذَا الرَّسُولِ اى ما لهذا الذي يدعى الرسالة وفيه استهانة وتهكم يَأْكُلُ الطَّعامَ كما يأكل أحدنا حال من المشار اليه والعامل فيه معنى الاشارة وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ كما يمشى أحدنا يعنى لو كان نبيا لامتاز عن غيره من الناس و «1» ليس فليس قال البغوي كانوا يقولون لست أنت بملك لانك تأكل والملك لا يأكل ولست أنت بملك لان الملك لا يتسوق وأنت تتسوق وتتبدل قلت كلامهم هذا فاسد لانه صلى الله عليه وسلم لم يدع الملكية ولا السلطان بل قال إنّما انا بشر مثلكم يوحى الىّ وادعاؤه النبوة غير مناف لاكل الطعام والمشي فى الأسواق الذي هو مقتضى البشرية التي هى من لوازم النبوة لان النبي لا يكون الا بشرا لان المجانسة شرط للافاضة والاستفاضة قال الله تعالى لو كان فى الأرض ملئكة يمشون مطمئنّين لنزّلنا عليهم من السّماء ملكا رسولا لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ نراه فَيَكُونَ جواب لولا معنى هلا منصوب بتقدير ان بعد الفاء مَعَهُ نَذِيراً فنعلم صدقه بتصديق الملك جملة لولا مع جوابه بدل اشتمال من الجملة السابقة يعنى ما لهذا الرسول بشرا ليس ملكا قويا بذاته ولا مؤيدا بأحد الأمور الثلاثة المذكورة انزل اليه ملك. أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ من السماء كَنْزٌ ينفقه فلا يحتاج الى المشي فى الأسواق لطلب المعاش أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها صفة لجنة قرأ حمزة والكسائي نأكل بالنون على صيغة المتكلم مع الغير ذكروا كلا من الثلاثة على سبيل التنزل يعنون انه ان كان رسولا كان ملكا وان لم يكن ملكا كان معه ملك يصدقه وان لم يكن كذلك كان يلقى اليه من السماء كنز وان لم يكن كذلك فلا اقل ان يكون له بستان كما يكون الدهاقين والمياسير فيعيش بربحه وَقالَ الظَّالِمُونَ وضع الظالمين موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالظلم فيما قالوا إِنْ تَتَّبِعُونَ ايها المسلمون أحدا حين تتبعون محمدا صلى الله عليه وسلم إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً يعنى سحر فغلب على عقله وقيل اى مخدوعا وقيل مصروفا عن الحق وقيل مسحورا اى ذا سحر وهو الرئة

_ (1) الاولى وإذ ليس فليس 12 الفقير الدهلوي

[سورة الفرقان (25) : آية 9]

اى بشرا وقيل هو مفعول بمعنى الفاعل. انْظُرْ يا محمد كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ كيف ظرف متعلق بضربوا قدم عليه لتضمنه صدر الكلام والجملة بتأويل المفرد مفعول لانظر اى انظر الى كيفية ضربهم الأمثال اى الأشباه يعنى جعلوك مثل المفترين والقاصين حتى حكموا عليك بالافتراء واستكتاب القصص ومثل المسحورين ومثل من يدعى الملكية او السلطنة حتى حكموا عليك باستحالة الاكل والتسوّق واستلزام لوازم الأغنياء والسلاطين من الكنز والجنة فَضَلُّوا عطف على ضربوا اى كيف ضربوا وكيف ضلوا عن الطريق الموصل الى الحق ومعرفة نبوتك بمعرفة خواص الأنبياء من كونه بشرا معصوما يوحى اليه من ربه ومعرفة ما يميّز بينه وبين المتنبّى من المعجزات الدالّة على نبوته فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا الى الرشد والهدى عطف على ضلوا او المعنى ضربوا لك أمثالا متناقضة فلا يستطيعون سبيلا الى القدح فى نبوتك لان الكلام المتناقض ساقط والله اعلم. اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف وابن جرير وابن ابى حاتم عن خيثمة قال قيل للنبى صلى الله عليه وسلم ان شئت أعطيناك مفاتيح الأرض وخزائنها لا ينقص ذلك عند ناشيئا فى الاخرة وان شئت جمعتها لك فى الاخرة قال لا اجمعهما لى فى الاخرة فنزلت. تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ فى الدنيا خَيْراً مِنْ ذلِكَ الّذى قالوا من الكنز والبستان ولكن اخّره للاخرة لانه خير وأبقى خيرا مفعول أول لجعل ولك مفعول ثان له قال البغوي وروى عن عكرمة عن ابن عباس قال يعنى خيرا من المشي فى الأسواق والتماس المعاش ثم بين ذلك الخير بقوله جَنَّاتٍ فهو بدل من خيرا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ صفة لجنات وَيَجْعَلْ لَكَ عطف على جعل قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم برواية ابى بكر بالرفع والباقون بالجزم لان الشرطان كان ماضيا جاز فى جزائه الجزم والرفع ويجوز ان يكون الرفع على الاستيناف على انه وعد بما يكون له فى الاخرة قُصُوراً اى بيوتا مشيدة والعرب تسمى كل بيت مشيد قصرا روى احمد والترمذي وحسنه عن ابى أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عرض علىّ ربى ان يجعل لى بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما وفى رواية عند البغوي او قال ثلاثا ونحو هذا فاذا جعت تضرعت إليك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو شئت لسارت معى جبال الذهب جاءنى ملك ان حجزته لتساوى الكعبة فقال ان ربك يقرأ عليك السلام ويقول ان شئت نبيّا عبدا وان شئت نبيّا

[سورة الفرقان (25) : آية 11]

ملكا فنظرت الى جبرئيل فاشار الىّ ان ضع نفسك فقلت نبيّا عبدا قالت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئا ويقول أكل كما يأكل العبيد واجلس كما يجلس العبيد. بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ عطف على قالوا يعنى قالوا ذلك بل قالوا اعجب من ذلك او متصل بما يليه يعنى بل قصرت انظارهم على الحطام الدنيوية وظنوا ان الكرامة انما هى بالمال فكذبوك وطعنوا فيك بالفقر وبما تمحّلوا من المطاعن الفاسدة او المعنى بل كذبوا بالساعة فكيف يلتفتون الى هذا الجواب ويصدقونك بما وعد الله لك فى الاخرة او فلا تعجب تكذيبهم إياك فانه اعجب منه وَأَعْتَدْنا عطف على كذبوا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً نارا شديدا لاسعار وقيل اسم لجهنم فيكون صرفه باعتبار المكان. إِذا رَأَتْهُمْ اى إذا رات النار الكفار حمل بعض المحققين اسناد الرؤية الى النار على الحقيقة لما قال البغوي انه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كذب علىّ متعمدا فليتبوا مقعده بين عينى النار قالوا وهل لها من عينين قال الم تسمع قول الله تعالى إذا راتهم من مكان بعيد وقيل الاسناد مجازى فقيل والتقدير إذا راتهم زبانيتها على حذف المضاف وقيل بعيني إذا كانت بمرئ منها كقوله صلى الله عليه وسلم لا تتراى نارهما اى لا يتقاربان بحيث يكون أحدهما بمرئى من الاخرى مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ قال الكلبي من مسيرة مائة عام وقيل من مسيرة خمس مائه سنة سَمِعُوا اى الكفار لَها اى للنار تَغَيُّظاً اى صورت تغيظ هى صوت غليانها شبيها بصوت المتغيظ وَزَفِيراً وهو صوت يسمع من جوقه والجملة الشرطية صفة لسعير وتأنيث ضمير راتهم لانه بمعنى النار او جهنم. وَإِذا أُلْقُوا يعنى الكفار عطف على الشرطية الاولى مِنْها اى من جهنم حال مما بعده مكانا ظرف لالقوا ضَيِّقاً لزيادة العذاب فان الكرب مع الضيق والرّوح مع السعة قرا ابن كثير بسكون الياء والباقون بتشديدها اخرج ابن ابى حاتم عن يحيى بن أسيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الاية قال والّذى نفسى بيده ليستكرهون فى النّار كما يستكره الوتد فى الحائط واخرج عن ابن عمر فى الاية قال مثل الزّج فى الرمح وقال ابن المبارك من طريق قتادة قال ذكر لنا ان عبد الله كان يقول ان جهنم لتضيق على الكافرين كضيق الزّجّ على الرمح واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال إذا القى فى النار من يخلد فى النار جعلوا فى توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت فى توابيت من حديد ثم قذفوا فى أسفل جهنم فما يرى أحدهم انه يعذب

[سورة الفرقان (25) : آية 14]

غيره واخرج ابو نعيم والبيهقي عن سويد بن غفلة نحوه مُقَرَّنِينَ حال من الضمير المرفوع فى القوا يعنى وقد قرئت أيديهم الى أعناقهم بالسلاسل وقيل مقرنين مع الشياطين دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً جزاء للشرط قال ابن عباس يعنى ويلا وقال الضحاك هلاكا اخرج احمد والبزار وابن ابى حاتم والبيهقي بسند صحيح عن انس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يكسى حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من بعده وذريته من بعده وهو ينادى يا ثبوراه ويقولون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فيقال لهم. لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً استيناف كانّه فى جواب ماذا يقال لهم حين يدعون ثبورا يعنى هلاككم اكثر من ان تدعوا مرة واحدة فادعوا ادعية كثيرة وذلك لان عذابكم انواع كثيرة كل نوع منها ثبور لشدته او لانه يتجدد كقوله تعالى كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب او لانه لا ينقطع فهو فى كل وقت ثبورا قال الله تعالى. قُلْ يا محمد استيناف أَذلِكَ الذي ذكرت لك من صفة النار وأهلها او أذلك الكنز والجنة التي فى الدنيا خَيْرٌ من جنة الخلد أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ خير من ذلك استفهام تقرير للتقريع مع التهكم والتوبيخ للكفار واضافة الجنة الى الخلد للمدح او للدلالة على خلودها او للتميز عن جنات الدنيا الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ العائد الى الموصول محذوف والمراد بالمتقين من يتقى الشرك والتكذيب بدلالة مقابلة الكفار وان الجنة يكون جزاء لكل مؤمن كانَتْ لَهُمْ فى علم الله او اللوح المحفوظ او لان ما وعد الله فى تحققه كالواقع جَزاءً ثوابا على أعمالهم وَمَصِيراً مرجعا ينقلبون اليه التنكير فيها للتعظيم وجزاء ومصيرا حالان من الضمير المرفوع فى كانت او خبر ثان له وجملة كانت لهم حال من المفعول المقدر لوعد اى جنّة الخلد الّتى وعد المتّقون إياها وقد كانت لهم جزاء ومصيرا او حال من المتّقون والرابط ضمير لهم. لَهُمْ فِيها اى فى الجنة ما يَشاؤُنَ العائد محذوف اى ما يشاءونه من النّعيم يعنى على ما يليق برتبته إذا الظاهر ان الناقص لا يدرك ما يدركه الكامل بالتشهى وفيه تنبيه على ان جميع المرادات لا يحصل الا فى الجنة خالِدِينَ حال من أحد ضمائرهم كانَ الضمير الراجع الى ما يشاءون عَلى رَبِّكَ وَعْداً اى موعودا من الله وكلمة على للوجوب استعمل لاستحالة الخلف فى الموعود ولا يلزم منه الا لجاء لان تعلق الارادة بالموعود مقدم على الوعد الموجب للانجاز وهو تحقق الاختيار مَسْؤُلًا اى

[سورة الفرقان (25) : آية 17]

حقيقا بان يسئل ويطلب او مسئولا ساله الناس فى دعائهم ربّنا اتنا ما وعدتنا على رسلك قال محمد بن كعب القرظي كان مسؤلا من الملائكة بقولهم ربّنا وأدخلهم جنّت عدن الّتى وعدتهم. وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ متعلق بقالوا سبحانك وجملة قالوا سبحانك مع متعلقاتها عطف على واتّخذوا من دون الله الهة. قرأ ابن كثير وابو جعفر ويعقوب وحفص بالياء على الغيبة والباقون بالنون على التكلم والتعظيم وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى كل معبود سواه عبد بالباطل عاقلا كان او غير عاقل لان كلمة ما يعمهما على الأصح وقال مجاهد رض يعنى من الملائكة والجن وعيسى ع وعزير ع خص لهؤلاء بقرينة السؤال والجواب. وقال عكرمة والضحاك والكلبي يعنى الأصنام لان ما لغير ذوى العقول وهذا القول محمول على ان الله سبحانه يجعلها فى الاخرة ذات حيوة ونطلق فتنطق كما تنطق الجوارح والامكنة ونحو ذلك فَيَقُولُ للمعبودين بالباطل عطف على يحشر قرأ ابن عامر بالنون على التكلم والتعظيم والباقون بالياء على الغيبة اى يقول الله سبحانه لهم أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ بدل من عبادى يعنى أضللتم إياهم بدعوتكم إياهم الى عبادة أنفسكم أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ اى معرفة الحق لاخلالهم بالنظر الصحيح واعراضهم عن المرشد النصيح الفصيح وهو استفهام تقريع وتبكيت للعبيد وأصلهء أضللتم أم ضلّوا فغير النظم ليلى حرف الاستفهام المقصود بالسؤال وهو المتولى للفعل دون نفس الفعل لانه قطعى لا شبهة فيه والا لما توجه العتاب. قالُوا أورد صيغة الماضي للمستقبل لتحقق الوقوع سُبْحانَكَ تعجبا لما قيل لهم لعصمتهم ان كانوا ملائكة او أنبياء او لعدم قدرتهم على الإضلال ان كانوا جمادات او غير ذلك. او اشعارا بانهم الموسومون بتسبيحه وتحميده حيث قال الله تعالى وان من شىء الّا يسبّح بحمده فكيف يليق بهم إضلال عبيده او تنزيها لله تعالى من ان يكون له شريك ما كانَ يَنْبَغِي لَنا جملة ينبغى خبر كان واسمه ضمير الشان أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ من مزيدة لتأكيد النفي اى ما يصح لنا ان نوالى أحدا غيرك للعصمة وعدم القدرة فكيف يصح لنا ان ندعو غيرنا الى ان يتخذ وليا دونك وهذا جواب صحيح للانبياء والملائكة وكذا للجمادات واما من ادعى فى الدنيا الوهيّة باطلة من شياطين الجن والانس فهذا الجواب منهم كقولهم والله ربنا ما كنّا مشركين وكقول الشيطان لمّا قضى لامر انّ الله وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان

[سورة الفرقان (25) : آية 19]

الاية وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ بطول العمر والصحة وانواع النعم فاستغرقوا فى الشهوات حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ عطف على متّعتهم يعنى حتى غفلوا عن ذكرك وتذكّر آلائك والتّدبّر فى آياتك المنصوبة الدالّة على ذلك وعن احتياجهم إليك او تركوا الموعظة والايمان بالقران فهو نسبة للضلال إليهم من حيث انه يكسبهم واسناد له الى ما فعل الله بهم فحملهم عليه فهذه الاية حجة لنا على المعتزلة لا لهم علينا وَكانُوا فى قضائك عطف على نسوا قَوْماً بُوراً اى هلكا مصدر وصف به ولذلك يستوى فيه الواحد والجمع وقيل جمع بائر كعائذ وعوذ. فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ خطاب مع المشركين فى الدنيا يعنى فسيكذبكم فى الاخرة الهتكم التي تعبدونها أورد صيغة الماضي للقطع بوقوعها كما فى قوله تعالى إذا السّماء انشقّت. وجاز ان يكون بتقدير القول يعنى فنقول حينئذ للمشركين فقد كذبكم المعبودون بِما تَقُولُونَ الباء بمعنى فى اى فى قولكم انهم الهة او هؤلاء أضلونا وجاز ان يكون بما تقولون بدل اشتمال من الضمير المنصوب فى كذّبوكم يعنى كذبوا قولكم فَما تَسْتَطِيعُونَ عطف على فقد كذّبوكم قرأ حفص بالتاء على الخطاب للعابدين والباقون بالياء على ان الضمير راجع الى المعبودين صَرْفاً اى لا يستطيع المعبودون صرف العذاب عنكم وَلا نَصْراً لكم اولا تستطيعون أنتم صرف العذاب عن أنفسكم ولا نصر أنفسكم. وقيل الصرف الحيلة ومنه قول العرب انه يتصرف اى يحتال وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ ايها الناس نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً ان كان المراد بالظلم الشرك فالجزاء لازم اجماعا وان كان يعم الكفر والفسق فاقتضاء الجزاء مقيد بعدم المزاحم وفاقا وهو التوبة والإحباط بالطاعة اجماعا وبالعفو عندنا اخرج الواحدي من طريق جويبر والبغوي عن الضحّاك رض عن ابن عبّاس رض وابن جرير رض نحوه من طريق سعيد او عكرمة عند انه لما عيّر المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة وقالوا ما لهذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشى فى الأسواق حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل. وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ يعنى الا رسلا انهم لياكلون فحذف الموصوف لدلالة المرسلين عليه وأقيمت الصفة مقامه والمعنى الا رسلا آكلين الطعام والماشين فى الأسواق كقوله تعالى وما منّا الّا له مقام معلوم اى ما منّا من أحد الا من له مقام معلوم وجاز ان يكون حالا اكتفى منها بالضمير يعنى ما أرسلنا قبلك أحد من المرسلين فى حال من الأحوال الّا والحال انّهم لياكلون وجملة ما أرسلنا معترضة لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً

اى بلية فالغنى فتنة للفقير يقول الفقير مالى لم أكن مثله والصحيح فتنة للمريض والشريف للوضيع وقال ابن عباس اى جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا على ما تسمعون فيهم وترون من خلافهم وتتبعوا الهدى وقيل نزلت فى ابتلاء الشريف بالوضيع وذلك ان الشريف إذا أراد ان يسلم فراى الوضيع قد اسلم قبله انف وقد اسلم بعده. فيكون له على الشريف السابقة والفضل فيقيم على الكفر ويمتنع عن الإسلام فذلك افتتان بعضهم ببعض وهذا قول الكلبي وقال مقاتل نزلت فى ابى جهل والوليد بن عتبة والعاص بن وائل والنضر بن الحارث وذلك انهم إذا راوا أبا ذر رض وابن مسعود رض وعمّارا رض وبلالا رض وصهيبا رض وعامر بن فهيرة قالوا نسلم ونكون مثل هؤلاء. وقال قتادة رض نزلت فى ابتلاء المؤمنين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون انظروا الّذين اتبعوا محمدا من موالينا ورذالتنا فقال الله تعالى لهؤلاء المؤمنين أَتَصْبِرُونَ على هذه الحالة من الفقر والشدة والأذى فتؤجروا أم لا تصبرون فتزدادوا غمّا الى غمكم وحاصل المعنى اصبروا وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً بمن صبر وجزع عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر أحدكم الى من فضل عليه فى المال والجسم فلينظر الى من هو أسفل منه. رواه الشيخان فى الصحيحين واحمد.

[سورة الفرقان (25) : آية 21]

الجزء التّاسع والعشر. وَقالَ عطف على قال الّذين كفروا الَّذِينَ لا يَرْجُونَ اى لا يأملون لِقاءَنا بالخير لانكارهم البعث ولا لقاءنا بالشر اما مجازا واما على لغة تهامة قال الفراء ان الرجاء بمعنى الخوف على لغة تهامة ومنه قوله تعالى ما لكم لا ترجون لله وقارا اى لا يخافون لله عظمة واصل اللقاء الوصول الى الشيء ومنه الرؤية فانه وصول الى المرئي والمراد به الوصول الى جزائه لَوْلا اى هلّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ فيخبروننا بصدق محمد او يكونون رسلا من الله إلينا أَوْ نَرى رَبَّنا فيامرنا باتباعه لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا جواب قسم محذوف فى شأن أَنْفُسِهِمْ حيث طلبوا لانفسهم ما ينفق لافراد من الأنبياء الّذين هم أكمل خلق الله فى أكمل أوقاتها وما هو أعظم من ذلك وَعَتَوْا تجاوزوا الحد فى الظلم وقال مجاهد طغوا وقال مقاتل علوا فى القول وقال البغوي العتو أشد الكفر وأفحش الظلم عُتُوًّا كَبِيراً بالغا أقصى مراتبه حيث طلبوا رؤية الله ولا شىء فوق ذلك وقيل عتوهم انهم عاينوا المعجزات الباهرة فاعرضوا عنها وطلبوا لانفسهم الخبيثة ما تقطعت دونه أعناق الطالبين الكاملين. يَوْمَ يَرَوْنَ اى الكفار الْمَلائِكَةَ يعنى حين الموت او يوم القيامة جملة معترضة والظرف امّا متعلق باذكر ويقولون حجرا محجورا عطف على يرون وجملة لا بشرى يومئذ لّلمجرمين معترضة اخرى واما متعلق بقوله تعالى لا بشرى بتقدير القول يعنى يوم يرون الملئكة يقولون اى الملائكة لا بُشْرى للمجرمين قال عطية ان الملائكة يبشرون المؤمنين يوم القيامة ويقولون للكافرين لا بشرى لكم. وقيل معناه يوم يرون الملائكة لا يبشرون كما يبشرون المؤمنين بالجنة يَوْمَئِذٍ تكرير او خبر للا او ظرف لما تعلق به اللام فى للمجرمين لِلْمُجْرِمِينَ اما متعلق بالظرف المستقر اعنى يومئذ او خبر للا او متعلق بالبشرى ان قدرت منونة غير مبنية مع لا فانها لا تعمل وللمجرمين أمّا عام يتناول حكمه حكمهم واما خاص وضع موضع ضميرهم تسجيلا على جرمهم واشعارا بما هو المانع للبشرى والموجب لما يقابله وَيَقُولُونَ اى الملائكة عطف

[سورة الفرقان (25) : آية 23]

على يقولون لا بشرى حِجْراً مَحْجُوراً كذا قال البغوي عن عطاء عن ابن عباس انه تقول الملئكة حراما محرما ان يدخل الجنة الا من قال لا اله الا الله محمد رسول الله وعن مقاتل انه إذا خرج الكفار من قبورهم قالت الملائكة لهم حراما محرما عليكم ان تكون لكم الجنة وقال بعضهم معنى الاية يقولون اى المجرمون حين يخرجون من قبورهم ويرون الملائكة حجرا محجورا قال البغوي قال ابن جريح كانت العرب إذا نزلت بهم شدة وراوا ما يكرهون قالوا حجرا محجورا فهم يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة ومعناه عوذا معوذا قال مجاهد يستعيذون من الملائكة يعنى يوم يرون الملائكة وتقول الملائكة لا بشرى ويقول المجرمون حجرا محجورا اى يطلبون من الله ان يمنع لقاءهم. وَقَدِمْنا اى عمدنا ذلك اليوم عطف على ويقولون إِلى ما عَمِلُوا اى الكفار مِنْ عَمَلٍ صالح كقرى الضيف وصلة الرحم واغاثة الملهوف ونحوها فَجَعَلْناهُ عائد الى ما عملوا هَباءً مَنْثُوراً اى باطلا لا ثواب له لفوات شرط الثواب عليه من الايمان والإخلاص لله تعالى قال على الهباء ما يرى فى الكوى إذا وقع الشمس فيها كالغبار ولا يمس منها بالأيدي ولا يرى فى الظل وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد- والمنثور المفرق صفة لهباء وقال ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير هو ما تسفه الريح وتذريه من التراب وحطام الشجر وقال مقاتل هو ما يطير من حوافر الدّواب عند السير وقيل الهباء المنثور ما يرى فى الكوة والهباء المنبتّ ما يطيره الريح من سنابك الخيل شبه عملهم المحبط فى حقارته وعدم نفعه بالهباء ثم بالمنثور منه فى انتثاره بحيث لا يمكن نظمه او فى تفرقه نحوا عراضهم التي كانوا يتوجهون نحوها او مفعول ثالث من حيث انه كالخبر كقوله تعالى كونوا قردة خسئين. أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ اى يوم يرون الملئكة خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا اى مكانا يستقر فى اكثر الأوقات وَأَحْسَنُ مَقِيلًا مكانا يؤوى اليه للاسترواح بالأزواج وهو التمتع بهن ويجوز ان يراد به مكان القيلولة على التشبيه إذ لا نوم فى الجنة وقال الأزهري القيلولة والمقيل الاستراحة نصف النهار وان لم يكن مع ذلك نوم لان الله تعالى قال واحسن مقيلا والجنة لا نوم فيها وفى احسن رمز الى ما يتزين به مقيلهم من حسن الصور وغيره من المحاسن ويحتمل ان يراد بالمستقر والمقيل المصدر او الزمان واشارة الى ان مكانهم وزمانهم أطيب ما يتخيل من الامكنة والازمنة والتفضيل اما لارادة الزيادة مطلقا او بالاضافة الى ما للمترفين فى الدنيا اخرج ابن المبارك فى الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن ابى حاتم والحاكم وصححه

[سورة الفرقان (25) : آية 25]

عن ابن مسعود رض قال لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء وذكر البغوي عن ابن مسعود رض لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل اهل الجنة فى الجنة واهل النار فى النار وقرأ ثمّ انّ مقيلهم لالى الجحيم هكذا كان يقرأه- واخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابو نعيم فى الحلية عن ابراهيم النخعي قال كانوا يرون انه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة نصف النهار فيقيل اهل الجنة فى الجنة واهل النار فى النار وقال البغوي كان ابن عباس رض يقول فى هذه الاية الحساب ذلك اليوم فى اوله وقال القوم حين قالوا فى منازلهم فى الجنة قال البغوي ويروى ان يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون كما بين العصر الى غروب الشمس. وَيَوْمَ تَشَقَّقُ عطف على يوم يرون قرأ اهل الكوفة وابو عمرو بتخفيف الشين هاهنا وفى سورة ق بحذف احدى التاءين والباقون بالتشديد بإدغام التاء فى الشين السَّماءُ بِالْغَمامِ اى بسبب طلوع الغمام وهو الغمام المذكور فى قوله تعالى هل ينظرون الّا ان يأتيهم الله فى ظلل من الغمام والملئكة وقد مر فى سورة البقرة. وهو غمام ابيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن الا لبنى إسرائيل فى تيههم وقال البغوي الباء بمعنى عن يتعاقبان يقال رميت السهم بالقوس وعن القوس فالمعنى تشقق السماء عن الغمام وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ قرأ العامة بنون واحدة وتشديد الزاء وفتح اللام على صيغة الماضي المبنى للمفعول ورفع الملائكة على انه مسند اليه وقرأ ابن كثير بنونين وتخفيف الزاء وضم اللام على صيغة المضارع المبنى للفاعل المتكلم على التعظيم من الانزال ونصب الملائكة على المفعولية تَنْزِيلًا اخرج الحاكم وابن ابى حاتم وابن جرير وابن ابى الدنيا فى كتاب الأهوال عن ابن ابى عباس انه قرأ يوم تشقّق السّماء بالغمام قال يجمع الله الخلق يوم القيمة فى صعيد واحد الجن والانس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق فتشقق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم اكثر ممّن فى الأرض من الجن والانس وجميع الخلق فيحيطون بالجن وو الانس وجميع الخلق فيقول اهل الأرض أفيكم ربنا فيقولون لا ثم ينزل اهل السماء الثانية وهم اكثر من اهل السماء الدنيا واهل الأرض فيقولون أفيكم ربنا فيقولون «1» لا فيحيطون بالملائكة الّذين نزلوا قبلهم وبالجن والانس وجميع الخلائق ثم ينزل اهل السماء الثالثة وهم اكثر من اهل السماء الثانية والاولى واهل الأرض فيقولون أفيكم ربنا فيقولون لا ثم ينزل اهل السماء الرابعة وهم اكثر من اهل السماء الثالثة والثانية والاولى واهل الأرض فيقولون أفيكم ربنا فيقولون لا ثم

_ (1) وليس فى الأصل فيقولون لا 12 الفقير الدهلوي.

[سورة الفرقان (25) : آية 26]

ينزل اهل السماء الخامسة وهم اكثر ممن تقدم ثم اهل السماء السادسة كذلك ثم اهل السماء السابعة وهم اكثر من اهل السماوات واهل الأرض فيقولون أفيكم ربنا فيقولون لا ثم ينزل ربّنا فى ظلل من الغمام وحوله الكروبيون وهم اكثر من اهل السماوات السبع والأرضين وحملة العرش لهم قرون ككعوب القنا ما بين قلام أحدهم كذا وكذا ومن أخص قدمه الى كعبه خمس مائة عام ومن كعبه الى ركبته خمس مائة عام ومن ركبته الى ارنبه خمس مائة عام ومن ارنبه الى ترقوته مقدم الحلق مسيرة خمس مائة ومن ترقوته الى موضع القرط خمس مائة عام وقد مرّ هذا الحديث «1» واقوال فى أعلى الصيد وحيث تترقى النفس منه رح العلماء فى تاويل نزوله تعالى فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى هل ينظرون الّا ان يأتيهم الله فى ظلل من الغمام. واخرج ابن جرير وابن المبارك عن الضحاك قال إذا كان يوم القيامة امر الله السّماء فتشققت باهلها فيكون الملائكة على حافتها حين يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فصفّوا صفّادون صف ثم ينزل ملك الا على مجنبته اليسرى جهنم فاذا راها اهل الأرض ندوا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض الا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فرجعوا الى المكان الذي كانوا فيه وذلك قوله تعالى انّى أخاف عليكم يوم التّناد يوم تولّون مدبّرين وقوله تعالى وجاء ربّك والملك صفّا صفّا وجئ يومئذ بجهنّم وقوله تعالى يمعشر الجنّ والانس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السّموت والأرض فانفذوا وقوله تعالى وانشقّت السّماء فهى يومئذ واهية والملك على أرجائها يعنى ما تشقق منها فبينما كذلك إذا سمعوا الصوت واقبلوا الى الحساب. الْمُلْكُ مبتدا يَوْمَئِذٍ اى يوم إذ تشقق السماء متعلق بالملك الْحَقُّ صفة للملك لِلرَّحْمنِ خبر للمبتدا يعنى الملك الثابت المتحقق الّذى لا زوال له يومئذ ثابت للرحمن دون غيره وجاز ان يكون يومئذ خبرأ للمبتدا وللرحمان متعلق به وَكانَ يَوْماً خبر كان واسمه ضمير مستتر عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً صفة ليوم وعلى الكافرين متعلق به يعنى كان ذلك البوم يوما شديدا على الكافرين وجاء فى الحديث عن ابى سعيد قال سئل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن يوم كان مقداره خمسين الف سنة ما أطول هذا اليوم فقال والّذى نفسى بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا والله اعلم قال البغوي كان عقبة بن ابى

_ (1) قال ابن كثير بعد سطر هذه الرواية فمداره على على بن زيد بن جدعان وفيه ضعف فى سباقاته غالبا وفيها نكارة شديدة أه الفقير الدهلوي.

[سورة الفرقان (25) : آية 27]

معيط لا يقدم من سفر الا صنع طعاما يدعو اليه اشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم فقدم ذات يوم من سفر فصنع الطعام فدعا الناس ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا قرب الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انا بأكل طعامك حتى تشهد ان لا اله الّا الله وانى رسول الله فقال عقبة اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله فاكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامه- وكان عقبة صديقا لابى بن خلف فلمّا اخبر أبيّ بن خلف قال له يا عقبه صبأت قال لا والله ما صبأت ولكن دخل على رجل فابى ان يأكل طعامى الا ان اشهد له فاستحييت ان يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له فطعم فقال ما انا بالّذى ارضى منك ابدا الا ان تأتيه فتبزق فى وجهه ففعل ذلك عقبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا القان خارجا من مكة الا علوت رأسك بالسيف فقتل عقبة يوم بدر صبرا واما أبيّ بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بيده وكذا اخرج ابن جرير مرسلا وفيه وقال أبيّ لعقبة ارضى منك الا ان تأتيه فتطأ قفاه وتبزق فى وجهه فوجده ساجدا فى دار الندوة ففعل ذلك فقال عليه السلام لا ألقاك خارجا من مكة الا علوت راسك بالسيف فاسر يوم بدر فامر عليا بقتله وطعن ابيّا بأحد فى المبارزة فرجع الى مكة فمات ففى شأن عقبة وأبيّ نزلت. وَيَوْمَ يَعَضُّ عطف على يوم تشقّق الظَّالِمُ يعنى عقبة بن ابى معيط عَلى يَدَيْهِ من فرط الحسرة اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان ابى بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم فزجره عقبة بن ابى معيط فسنزلت هذه الاية الى قوله خذولا واخرج مثله عن الشعبي ومقسم قال البيضاوي عض اليدين وأكل البنان وحرق الأسنان ونحوها كنايات عن الغيظ والحسرة. قال الضحاك لما بزق عقبة فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه فى خده فاحترق خداه وكان اثر ذلك فيه حتى الموت وقال الشعبي كان عقبة بن ابى معيط خليل امية بن خلف فاسلم عقبة فقال امية وجهى من وجهك حرام ان بايعت محمدا فكفر وارتدّ فانزل الله عزّ وجلّ ويوم يعضّ الظّالم يعنى عقبة بن ابى معيط بن امية بن عبد الشمس بن عبد مناف على يديه ندما وأسفا على ما فرط فى جنب الله واوبق نفسه بالمعصية والكفر لطاعة خليله الّذى صده عن سبيل ربه قال عطاء يأكل يديه حتى يبلغ مرفقيه ثم تنبتان ثم يأكل هكذا كلّما نبتت يده أكلها تحسرا على ما فعل يَقُولُ يا لَيْتَنِي تقديره يا قوم ليتنى قرا ابو عمرو رض بفتح الياء والآخرون بإسكانها خال من فاعل يعض اتَّخَذْتُ فى الدنيا مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يليتنى اتبعت محمدا او اتخذت معه سبيلا الى الهدى

[سورة الفرقان (25) : الآيات 28 إلى 29]

والنجاة طريقا واحدا وهو طريق الحق ولم ينشعب بي طريق الضلالة. يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً يعنى ابى بن خلف وفلان كناية عن الاعلام خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي فلان عَنِ الذِّكْرِ اى عن ذكر الله او كتابه او موعظة الرسول او كلمة الشهادة جواب قسم محذوف بَعْدَ إِذْ جاءَنِي اى الذكر مع الرسول وَكانَ الشَّيْطانُ يعنى الخليل المضلّ فان كل متمر دعات من الانس والجن وكل من صد عن سبيل الله فهو شيطان لِلْإِنْسانِ خَذُولًا فعول من الخذلان وهو ترك الاعانة والنصر يعنى لا يواليه حتى يؤديه الى الهلاك ثم يتركه ولا ينفعه وهذه الآيات وان كان موردها خاصا لكنها عامة من حيث العمارة يشتمل حكمه كل متحابين اجتمعا على معصية عن ابى موسى رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك اما ان يجديك واما ان تبتاع منه او تجد ريحا طيبة ونافخ الكير اما ان يحرق ثيابك واما ان تجد ريحا خبيثة رواه البخاري وعن ابى سعيد الخدري انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصاحب الا مؤمنا ولا يأكل طعامك الا تقى رواه احمد وابو داود والترمذي وابن حبان والحاكم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء على دين خليله فلينظر من يخالل- رواه البغوي وفى الصحيحين وعند احمد واصحاب السنن عن انس وفى الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المرء مع من أحب. وَقالَ الرَّسُولُ محمد صلى الله عليه وسلم يومئذ عطف على يعضّ الظّالم يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي قرا نافع وابو عمرو والبزي بفتح الياء والباقون بإسكانها يعنى قريشا اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً اى متروكا فاعرضوا عنه ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه وقيل معناه جعلوه بمنزلة الهجر والهذيان والقول السيء فزعموا انه شعر او سحر او كهانة وهو قول النخعي ومجاهد وقيل معناه قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فى الدنيا يشكوا قومه الى ربه انّ قومى اتّخذوا لهذا القران مهجورا وعلى هذا قال الرسول عطف على قال الّذين لا يرجون ولما شكى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه الى ربه عزاه الله تعالى بقوله. وَكَذلِكَ اى جعلا مثل ما جعلنا لك اعداء من مشركى قريش جَعَلْنا عطف على قال الرّسول لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا لفظ العدو يحتمل للواحد والجمع مِنَ الْمُجْرِمِينَ اى من المشركين فاصيركما صبروا فانى ناصرك وهاديك وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً الى طريق قهرهم وَنَصِيراً عليهم هاديا ونصيرا حال من فاعل كفى او تمييز من النسبة مثل قوله تعالى وكفى بالله شهيدا والله دره فارسله جملة كفى بربّك عطف على كذلك جعلنا.

[سورة الفرقان (25) : آية 32]

واخرج ابن ابى حاتم والحاكم وصححه والضياء فى المختار عن ابن عباس انه قال المشركون ان كان محمد (كما يزعم) نبيّا فلم يعذبه ربه الا ينزل عليه القران جملة واحدة فانزل الله تعالى. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على قال الّذين لا يرجون لَوْلا هلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ اى انزل عليه كخبّر بمعنى اخبر كيلا يناقض قوله جُمْلَةً واحِدَةً دفعة واحدة حال من القران كما أنزلت التورية على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود عليهم الصلاة والسلام. قال البيضاوي هذا اعتراض لا طائل تحته لان الاعجاز لا يختلف بنزوله جملة او مفرقا مع ان التفريق قوائد منها ما أشار اليه بقوله كَذلِكَ متعلق بمحذوف اى أنزلناه كذلك مفرقا لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ اى لنقوى بتفريقه قلبك على حفظه وفهمه ولان نزوله بحسب الوقائع يوجب بصيرة فى المعنى ولانه إذا نزل منجما وهو يتحدى كل نجم فيعجزون عن معارضة ذلك زاد ذلك قوة قلبه ولانه إذا نزل به جبرئيل حالا بعد حال يثبت به فواده ومن فوائد التفريق فى النزول معرفة الناسخ من المنسوخ ومنها انضمام القرائن الحالية الى الدلالات اللفظية فانه يعين على البلاغة وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا عطف على أنزلناه المقدر الّذى تعلق به لنثبت قال ابن عباس رض بيّنّه بيانا والترتيل القراءة فى ترسل وتثبت وقال السدى فصلناه تفصيلا وقال مجاهد بعضه فى اثر بعض وقال النخعي والحسن فرقناه تفريقا واصل الترتيل فى الأسنان وهو تفليجها. وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ اى سوال عجيب كانه مثل يريدون به القدح فى نبوتك إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ يعنى الّا جئنا لك فى جواب سوالهم بما يحق لرد ما جاءوك وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً عطف على الجار والمجرور اى بما هو احسن بيانا يزيل اشكالهم او المعنى لا يأتونك بحال عجيب يقولون هذا كان حاله الا أعطيك من الأحوال ما يحق لك فى حكمتنا وما هو احسن كشفا لما بعثت له والفسر الا بانة وكشف المغطى كذا فى القاموس. الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ ذم منصوب او مرفوع او مبتدا خبره أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا والمفضل عليه هو الرسول على طريقة قوله تعالى قل هل أنبئكم بخير من ذلك متوبة عند الله من لّعنه الله وغضب عليه كانّه قيل ان حالهم على هذه الاسئلة تحقير مكانه بتضليل سبيله ولا يعلمون حالهم ليعلموا انهم هم شرّ مّكانا واضلّ سبيلا وقيل انه متصل بقوله تعالى اصحاب الجنّة يومئذ خير مستقرّا واحسن مقيلا فالمفضل عليه عام كما كان هناك يعنى أولئك شر مكانا من كل مكين وأضل سبيلا من كل سالك ضالّ فكلمتا

[سورة الفرقان (25) : آية 35]

مكانا وسبيلا تميزان من النسبة ووصف السبيل بالضلال من الاسناد المجازى للمبالغة عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة اصناف ركبانا ومشاة وعلى وجوههم فقال رجل يا رسول الله او يمشون على وجوههم قال الّذى أمشاهم على أقدامهم قادر على ان يمشيهم على وجوههم. رواه ابو داود والبيهقي وعن انس رض سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحشر الكافر على وجهه قال أليس الّذى أمشاه على رجليه فى الدنيا قادرا على ان يمشيه على وجهه يوم القيامة متفق عليه وعن معاوية بن حيدة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انكم تحشرون رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم. رواه الترمذي وحسنه وعن ابى ذر قال حدثنى الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ان الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج فوج طاعمين كاسين راكبين وفوج يمشون ويسعون وفوج يسحبهم الملائكة على وجوههم. رواه النسائي والحاكم والبيهقي.. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ اى التورية وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً يوارده ويعينه فى الدعوة وإعلاء كلمة الله ولا ينافى ذلك مشاركته فى النبوة لان المتشاركين فى الأمر متوازران عليه. فَقُلْنَا لهما اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فادعواهم الى الايمان بالله وآياته الدالّة على وجوده ووحدته وصفاته الكاملة فانهم كانوا ينكرون الصانع او يشركون به غيره ويعبدون الأصنام وجاز ان يكون المراد بالآيات معجزات موسى عليه السلام وعلى هذا قوله تعالى الّذين كذّبوا بايتنا صادق بالنسبة الى زمان الحكاية يعنى حين نزول القران ولا يجوز ان يكون المراد بالآيات آيات التوراة لانها ما نزلت الا بعد هلاك فرعون وقومه فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً فى الكلام حذف للايجاز تقديره فذهبا إليهم فدعواهم الى الايمان بالله وآياته فكذّبوهما فدمّرناهم تدميرا اقتصر على ما هو المقصود من القصة وهو الزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم. وَقَوْمَ نُوحٍ منصوب باذكر او بفعل مضمر يفسره قوله أغرقناهم يعنى أغرقنا قوم نوح ولا يجوز ان يكون معطوفا على هم فى دمّرناهم إذ لو كان كذلك لزم تعقيب تدمير قوم نوح بإتيان موسى وقد كان قبل ذلك لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ ظرف لفعل مضمر ناصب لقوم نوح او ظرف لما بعده والمراد بتكذيب الرسل تكذيب نوح ومن قبله من الرسل عليهم السلام او تكذيب نوح وحده وأورد صيغة الجمع لان تكذيب واحد من الرسل كتكذيب الكل او المعنى كذبوا بعثة الرسل أَغْرَقْناهُمْ بالطوفان وَجَعَلْناهُمْ اى جعلنا إغراقهم

[سورة الفرقان (25) : آية 38]

او قصتهم لِلنَّاسِ آيَةً عبرة وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ على أنفسهم بالكفر عَذاباً أَلِيماً وَعاداً وَثَمُودَ عطف على هم فى جعلنهم وجاز ان يكون منصوبا بفعل محذوف دلّ عليه سياق الكلام يعنى أهلكنا عادا وثمودا وباذكر وقد مرّ قصتهما فيما سبق من سورة الأعراف وغيرها. وَأَصْحابَ الرَّسِّ فى القاموس الرسّ ابتداء الشيء ومنه رسّ الحمى ورسيسها والبئر المطوية بالحجارة والإصلاح والإفساد ضد وواد بآذربيجان عليه الف مدينة والحفر ودفن الميت. ولعل اطلاق اصحب الرس على قوم معهودين لكونهم بلدين بالشر والكفر مفسدين فى الأرض او لكونهم اهل بئر او ساكنى تلك الوادي او لانهم قتلوا نبيهم ودفنوه والمراد هاهنا قوم كانوا اهل بئر قعود عليها اصحب مواش يعبدون الأصنام فوجه الله عليهم شعيبا عليه السلام يدعوهم الى الإسلام فتمادوا فى طغيانهم وفى أذى شعيب عليه السلام فبينما هم حول البئر فى منازلهم انهارت البئر فخسف الله بهم وبديارهم ورباعهم فهلكوا جميعا كذا قال وهب بن منبه وأخرجه ابن جرير وابن عساكر عن قتادة قال البغوي قال قتادة والكلبي الرس بئر بفلح اليمامة قتلوا نبيهم فقتلهم الله عزّ وجلّ وقال بعضهم هم بقية ثمود قوم صالح وهم اصحب البئر التي ذكرها الله تعالى فى قوله وبئر معطّلة وقصر مشيد وكذا اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن ابى حاتم عن قتادة وقال البغوي قال سعيد بن جبير كان لهم نبى يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوه فاهلكهم الله. قيل ابتلاهم الله بطير عظيم كان فيها من كل لون وسموها عنقا لطول عنقها وكانت تسكن جيلهم الذي يقال له فتح ادمخ وتنقضّ على صبيانهم فتخطفهم فدعا عليها حنظلة فاصابتها الصاعقة ثم انهم قتلوه واهلكوا- وقال البغوي قال كعب ومقاتل والسدى الرس بئر بانطاكية قتلوا فيها حبيب النجار وهم الّذين ذكرهم الله فى سورة يس وقيل هم اصحاب الأخدود الذي حفروه وقال عكرمة هم رسّوا نبيهم فى البئر اى دفنوه وقيل الرسّ المعدن وجمعه رساس وَقُرُوناً عطف على اصحب الرّس يعنى وأهلكنا قرونا وهو جمع الكثرة لقرن وهو قوم مقترنون من زمن واحد- القرن إذا كان مضافا الى شخص معين او جمع معلوم يراد به من يقترن ويلاقى ذلك الشخص او تلك الجماعة يعنى أكثرهم او واحدا منهم ومنه ما يقال القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير بقوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرنى ثم الّذين يلونهم ثم الّذين يلونهم فقرن النبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة الّذين راوا النبي صلى الله عليه وسلم والقرن الثاني الّذين راوا واحدا من الصحابة او اكثر والثالث الّذين راوا واحدا منهم او اكثر وان كان غير مضاف يراد به قوم مقترنون فى زمن واحد

[سورة الفرقان (25) : آية 39]

ولا شك فى انه إذا اقترن جماعة فى زمان فكبارهم تقترن فى صغرهم بكبار سبقوا وصغارهم تفترن فى كبرهم بصغار تلحقهم- فوضعوا لاطلاق القرن مدة فقيل أربعون او عشرة او عشرون او ثلاثون او خمسون او ستون او سبعون او تسعون او مائة او مائة وعشرون والاصحّ انها مائة سنة بقوله صلى الله عليه وسلم لغلام عش قرنا فعاش مائة سنة والمعنى على هذا وأهلكنا اهل اعصار كثيرة كافرة بَيْنَ ذلِكَ اى بين ماد وثمود واصحاب الرّسّ وقوم موسى كَثِيراً صفة لقرون. وَكُلًّا منصوب بفعل مضمر يدل عليه ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ والتنوين عوض من المضاف اليه تقديره وأنذرنا كل واحد من تلك القرون ضربنا له الأمثال اى بيّنّا له القصص العجيبة من القصص الأولين ليعتبروا بها وَكُلًّا اى كل واحد منهم تَبَّرْنا تَتْبِيراً اى أهلكنا إهلاكا لما لم يعتبروا بالأمثال وكذبوا المنذرين قال الأخفش معناه كسرناه تكسيرا قال الزجاج كل شىء كسرته وفتنه فقد تبّرته ومنه التبر لفتات الذهب والفضة. وَلَقَدْ أَتَوْا جواب لقسم محذوف معطوف على ولقد اتينا موسى الكتاب والضمير راجع الى اهل مكة أسند فعل البعض الى الكل كما فى قوله فكذّبوه فعقروها يعنى والله لقد مرّ اهل مكة يعنى أكثرهم مرّوا مرامرا فى أسفارهم الى الشام عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ يعنى سدوم عظمى قريات قوم لوط أمطرت عليها الحجارة لما كانوا يعملون الخبائث إتيان الرجال فى ادبارهم قال البغوي قريات قوم لوط كانت خمسا فاهلك الله تعالى منها أربعا ونجت واحدة وهى صغيرة وكان أهلها لا يعملون الخبيث وكانت تلك القرى على طريق اهل مكة عند ممرهم الى الشام أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات وتقرير يعنى لقد كانوا يرونها فما لهم لم يعتبروا بها ولم يتذكروا بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً يعنى ليس عدم اتعاظهم لاجل عدم رؤيتهم بل لعمه فى قلوبهم لا يتوقعون نشورا ولا عاقبة او لا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون علما فى الثواب او لا يخافونه على لغة تهامة.. وَإِذا رَأَوْكَ يعنى كفار قريش عطف على لا يرجون إِنْ يَتَّخِذُونَكَ اى ما يتخذونك إِلَّا هُزُواً استثناء مفرغ منصوب على انه مفعول ثان ليتخذونك مصدر بمعنى المفعول اى مهزوّا به قال البغوي نزلت فى ابى جهل وأصحابه مرّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا استهزاء أَهذَا يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم مبتدا خبره الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ اى بعثه الله رَسُولًا جملة أهذا معمول لفعل محذوف تقديره يقولون أهذا الّذى بعثه الله

[سورة الفرقان (25) : آية 42]

رسولا والاستفهام للتعجب والإنكار وكلمة هذا للتحقير وجملة يقولون بيان لما سبق يعنى يتخذونك مهزوّا به يقولون فيك كذا. إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا اى ليصرفنا عن عبادتها بفرط اجتهاده فى الدعاء الى التوحيد وكثرة إتيانه بما يسبق الى الذهن انها حجج ومعجزات- ان مخففة من الثقيلة واللام فارقة وفيه دليل على فرط اجتهاده صلى الله عليه وسلم وفى دعوتهم وعرض المعجزات المتكاثرة المتوافرة عليهم حتى شارفوا بزعمهم ان يتركوا دينهم المعوج الى دينه القويم لولا فرط لجاجهم واستمساكهم بعبادة الهتهم ومن هذا شأنه ان لا يتذكر بمشاهدة المعجزات المتوافرة الباهرة فكيف يعتبر برؤية حجارة القرى الحالية لَوْلا أَنْ صَبَرْنا اى ثبتنا عَلَيْها واستمسكنا بعبادتها وجواب لولا محذوف دل عليه ما قبله تقديره لولا صبرنا ثابت او لولا ثبت صبرنا لاضلّنا. ولولا فى مثله تفيد الحكم المطلق من حيث المعنى دون اللفظ ولمّا كان كلامهم هذا مشعرا بنسبة الضلال الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال الله سبحانه ردا عليهم وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا أهم أضل سبيلا أم المؤمنون وفيه وعيد ودلالة على انه لا يهملهم الله. أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ بان أطاع هواه وبنى عليه دينه لا يسمع حجة ولا يتبصر دليلا قدم المفعول الثاني للعناية به قال البغوي قال ابن عباس ارايت من ترك عبادة الله خالقه وهوى حجرا فعبده من شرطية جزاؤه أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا حفيظا يمنعه عن ذلك والجملة الشرطية قائم مقام المفعولين لرايت والاستفهام الاول للتقرير والتعجيب والثاني للانكار يعنى لست عليهم حفيظا قال الكلبي نسختها اية القتال. أَمْ تَحْسَبُ أم منقطعة يعنى بل أتحسب أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ كلام الله منك أَوْ يَعْقِلُونَ ما يستفاد منه والاستفهام للانكار يعنى انهم لا يسمعون ولا يعقلون حيث ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم والمراد بالسمع هاهنا سمع قلوبهم فهم لا ينتفعون بالمواعظ والحجج وفيه دليل على ان إفادة البرهان العلم بالنتيجة امر عادى منوط بمشية الله تعالى وتخصيص الأكثر لانه كان منهم من أمن ومنهم من تعقل الحق وكابر استكبارا او خوفا على الرياسة إِنْ هُمْ اى ما هم الضمير راجع الى أكثرهم إِلَّا كَالْأَنْعامِ حيث يسمعون بآذانهم كالانعام ولا يسمعون بقلوبهم فلا ينتفعون به ولا يتدبرون فيما شاهدوا من الدلائل والمعجزات بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا من الانعام فان الانعام ان لم يدركوا الحق حقّا والباطل باطلا فهم لا يزعمون الحق باطلا والباطل حقا فالانعام فى جهل بسيط والكفار فى جهل مركب ولا شك ان الجاهل بالجهل المركب أضل

[سورة الفرقان (25) : آية 45]

وابعد من الحق من الجاهل بالجهل البسيط فالانعام لا يميزون بين الحق والباطل والكفار يحكمون بحقيقة الشرك ويعبدون الحجارة بلا دليل بل مع ظهور بطلانها وينكرون الرسل مع شواهد الحجج والمعجزات وسطوع برهانها. وقيل لان البهائم تنقاد من يتعهدها وتميز من يحسن إليها ممن يسئ إليها وتطلب ما ينفعها وتهرب ممّا يضرها وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه من اساءة الشيطان ويمكن ان يقال ان الانعام تعرف خالقها وتسجد له وتسبح له بحمده وتعقل وان كان تعقلهم غير مدرك للعوام. وقد روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال بينما رجل يسوق بقرة إذ عيى فركبها فقالت لم نخلق لهذا انما خلقنا لحراثة الأرض فقال الناس سبحان الله بقرة تكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانى او من به وابو بكر وعمر رض وما هما «1» ثمه وقال بينما رجل فى غنم له إذ عدا الذئب على شاة منها فاخذها فادركها صاحبها فاستنقذها فقال له الذئب فمن له يوم السبع إذ لا راعى لها غيرى فقال سبحان الله ذئب يتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم او من به انا وابو بكر رض وعمر رض وماهما ثمّ. فائدة: للملائكه روح وعقل وللبهائم نفس وهوى والآدمي مجمع للجميع فان غلب نفسه وهواه على الروح والعقل كان اضلّ من البهائم وان غلب عقله وروحه على النفس والهوى كان أفضل من الملائكة-. أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ الم تنظر الى صنعه كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ كيف بسطه او المعنى الم تنظر الى الظل كيف مده ربك فغير النظم اشعار ابان المعقول من هذا الكلام لوضوح برهانه هو «2» دلالة حدوث الظل وتصرفه على الوجه النافع بأسباب ممكنة علا ان ذلك فعل للصانع الحكيم كالمشاهد المرئي فكيف بالمحسوس او المعنى الم ينته علمك الى ربك كيف مد الظل وهو ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس جعله ممدودا لانه ظل لا شمس معه كما قال فى ظل الجنة وظلّ ممدود او المراد بالظل ما يقع للجدران والأشجار بعد طلوع الشمس قال ابو عبيدة الظل ما نسخته الشمس والفيء ما نسخ الشمس فقبل الزوال يسمى ظلا وبعد الزوال فيا لانه فاء من جانب المشرق الى جانب المغرب ويمكن ان يقال ان الظل هو ظلمة الليل تنسخه الشمس بطلوعها وَلَوْ شاءَ ربك لَجَعَلَهُ ساكِناً اى ثابتا مسنقرا من سكن بمعنى قرّبان جعل اللّيل سرمدا الى يوم القيمة او عير متقلص من السكون

_ (1) قوله وما هما ثمه اى لم يكن ابو بكر رض وعمر رض حاضرين وانما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقة بهما لعلمه بصدق إيمانهما وقوة يقينهما وكمال معرفتهما بقدرة الله تعالى فقوله وما هما ثمه قول راوى الحديث 12 الفقير الدهلوي (2) وفى الأصل وهو دلالة إلخ ولم يستقم 12 الفقير الدهلوي.

[سورة الفرقان (25) : آية 46]

بان يجعل الشمس مقيمة على وضع واحد وجملة ولو شاء اما حال من ربك او معترضه ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ اى على الظل دَلِيلًا يعنى لو لم تكن الشمس لما عرف الظل ظلا ولولا النور لما عرف الظلمة ظلمة فان الأشياء تعرف بأضدادها وايضا لا يوجد الظل ولا يتفاوت الا بسبب حركات الشمس وفيه التفات من الغيبة الى التكلم. ثُمَّ قَبَضْناهُ اى أزلناه بطلوع الشمس وارتفاعها ووقوع شعاعها موقع الظل لمّا عبر احداثه بالمد عبر عن إزالته بالقبض إِلَيْنا اى الى حيث ما أردنا وقيل القبض الى نفسه كناية عن الكف قَبْضاً يَسِيراً سهلا غير عسيرا وقليلا قليلا حيثما ترتفع الشمس تنقص الظل وان كان المراد بالظل ظلمة الليل فقبضه اليسير ازالة الظلمة قليلا قليلا حين طلوع الفجر تقل الظلمة انا فانا حتى تسفر جدّا ثم إذا طلعت الشمس تزول الظلمة عن مواضع تقع فيها شعاع الشمس وتقل الظلمة عن مواضع تقع فيها أنوارها مع الحجب على حسب تفاوت الحجب- وثمّ فى الموضعين لتفاضل اوقات ظهورها شبّه تباعد ما بينهما فى الفضل بتباعد ما بين الحوادث فى الوقت. ولى هاهنا تأويل اخر وهو ان يراد بالظلّ عالم الإمكان فانه ظلّ لمرتبة الوجوب موجود بوجود ظلّى فى خارج ظلّى ويراد بالشمس مراتب صفات الله سبحانه وأسمائه- والمعنى الم تر الى صنع ربّك كيف أوجد عالم الإمكان ومدّ الوجود المنبسط على هياكل الماهيات الممكنة الّذى هو ظل للوجود الحق ولو شاء لجعله ساكنا مستقرّا على حالة واحدة ولكن لم يشأ ذلك بل جعله محلا للحوادث مستعدا للتغير والفناء حتى يتضح إمكانه وافتقاره انى ماهية متاصلة الوجود ذات الوجوب والبقاء قال الله تعالى ثمّ جعلنا الشّمس عليه دليلا وذلك حين يتجلّى على الصوفي اسماء الله تعالى وصفاته وشاهد ببصيرة القلب لوجود الحق فحينئذ ظهر له كون عالم الإمكان ظلّا من ظلاله وكان يزعم قبل تلك التجلّيات والمشاهدات ان عالم الإمكان هو الموجود على الحقيقة دون غيره ثم يعنى بعد تلك التجليات والمشاهدات قبضناه إلينا يعنى اجتبيناه وقربناه قربا غير متكيف إلينا اى الى مرتبة الصفات والذات قبضا يسيرا- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه صلى الله عليه وسلم لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحببته فاذا أحببته كنت سمعه الّذى يسمع به الحديث وقالت الصوفية من استوى يوماه فهو مغبون.. وَهُوَ يعنى ربك الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً شبه ظلمة الليل باللباس فى ستره وَالنَّوْمَ سُباتاً اى راحه للابد ان يقطع المشاغل واصل السبت القطع او موتا كقوله تعالى

[سورة الفرقان (25) : آية 48]

وهو الّذى يتوفّيكم باللّيل ومنه المسبوت للميت وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً اى ذا نشور وانتشار ينتشر فيه الناس لاكتساب المنافع الدينية والدنيوية. وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ قرا ابن كثير الرّيح على التوحيد ارادة للجنس والباقون على الجمع ملاحظة للافراد بُشْراً قرا الجمهور بضم النون والشين من النشور وابن عامر بضم النون وسكون الشين على التخفيف وأصله ضم الشين جمع ناشرة يعنى ناشرات للسحاب وقرا حمزة وخلف ابو محمد والكسائي بفتح النون على انه مصدر وصف به وقرا عاصم بضم الباء التحتانية وتخفيف الشين تخفيف بشر جمع بشير بمعنى مبشرين بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ اى قدام المطر وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً عطف على أرسل على سبيل الالتفات من الغيبة الى التكلم والطهور اما اسم لما ينطهر به كالسحور لما يتسحر به والفطور لما يفطر به كما فى قوله صلى الله عليه وسلم ان الصعيد الطيب طهور المسلم ما لم يجد الماء ولو الى عشّر حجج رواه احمد وابو داود والترمذي عن ابى ذر وصححه وقوله صلى الله عليه واله وسلم جعل لنا الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا واما مصدر كالقبول ومنه قول صلى الله عليه وسلم طهور اناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب ان يغسل سبع مرات أولهن بالتراب رواه مسلم وابو داود عن ابى هريرة وانما وصف الماء به مبالغة وما صفة للمبالغة كالصبور والشكور والقطوع والضحوك بمعنى الكامل فى الطاهرية قال البغوي ذهب قوم الى ان الطهور ما يتكرر به التطهير كالصبور اسم لما يتكرر منه الصبر والشكور اسم لما يتكرر منه الشكر وهو قول مالك حتى جوز والوضوء بالماء الّذى استعمل فى الوضوء مرة. قلت وهذا ليس بشئ لان الفعول ليس من التفعيل فى شىء وايضا لا دلالة فيه على التكرار بل على المبالغة الا ان يقال الكمال فى الطاهرية اما بان يكون طاهرا فى نفسه مطهرا لغيره وقد ثبت كون الماء على هذه الصفة بالنصوص والإجماع والنقل المتواتر واما بان كان طاهرا بحيث لا ينجسه شىء وبه قال مالك محتجا بقوله صلى الله عليه وسلم الماء لا ينجسه شىء رواه احمد وابن خزيمة وابن حبان عن ابن عباس رض وروى اصحب السنن الاربعة بلفظ ان الماء لا يخبث ورواه الدار قطنى عن عائشة رض والطبراني فى الأوسط وابو يعلى والبزار وابو على بن السكن فى صحاحه من حديث شريك وروى احمد والترمذي وابو داود والنسائي عن ابى سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله أنتوضا من بئر بضاعة وهى بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الماء طهور لا ينجسه شىء. وروى ابن ماجة عن ابى سعيد قوله صلى الله عليه وسلم فى الحياض تردها السباع والكلاب والحمر لها ما حملت فى بطونها

ولنا ما غير طهور. فان قيل هذه الأحاديث متروكة بالإجماع حتى ان مالكا يقول ان الماء إذا تغير أحد أوصافه يتنجس بوقوع النجاسة فيه قلنا إذا تغير أحد أوصاف الماء فهو ليس بماء مطلق وكلامنا فى الماء المطلق. والجواب عن هذا الاحتجاج ان المراد بالماء هاهنا الماء المعهود يعنى الماء الكثير المستقر فى الحياض وفى بئر بضاعة ونحو ذلك حتى يندفع التعارض بين هذه الأحاديث وأحاديث اخر تدل على تنجس الماء بوقوع النجاسة فيه وان لم يتغير أحد أوصافه منها قوله صلى الله عليه وسلم طهور اناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه ان يغسل سبع مرات أولهن بالتراب. رواه مسلم وابو داؤد ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم فى الماء الدائم الّذى لا يجرى ثم يتوضا منه متفق عليه وهذا لفظ البخاري ومنها قوله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده فى الإناء حتى يغسلها ثلاثا فان أحدكم لا يدرى اين باتت يده. رواه مالك والشافعي واحمد والبخاري ومسلم واصحاب السنن الاربعة عن ابى هريرة رض وقد روى نحو هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر رض وجابر رض وعائشة رض فحملنا أحاديث تنجس الماء على القليل وأحاديث عدم التنجس على الكثير فاختلف العلماء فى حد الكثير فقال الشافعي واحمد الماء إذا بلغ القلتين (وهى خمسمائة رطل بالبغدادي وبالمساجة ذراع وربع ذراع طولا وعرضا وعمقا) فهو كثير لا يتنجس الا إذا تغير بالنجاسة طعمه او لونه او ريحه وما دونه قليل يتنجس. وقال ابو حنيفة ما لا يصل فيه النجاسة من جانب الى جانب اخر على اكبر رأى المبتلى به فكثير والا فقليل وقدّره بعض المتأخرين بعشر فى عشر وقيل خمسة عشر فى خمسة عشر وقيل اثنى عشر فى اثنى عشر وقيل ثمان فى ثمان وقيل سبع فى سبع بذراع الكرباس وهى سبع قبضات كل قبضة اربع أصابع والتقدير غير منقول عن ابى حنيفة ولا عن صاحبية. وجه قول ابى حنيفة ان التقدير لم يرد من جهة الشارع وحديث القلتين ضعيف فيجب تفويضه الى رأى المبتلى به. واحتج الشافعي واحمد بحديث القلتين والحق انه حديث صحيح رواه الشافعي واحمد والاربعة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدار قطنى والبيهقي من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر رض بن الخطاب عن أبيه ولفظ ابى داود سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ولفظ الحاكم إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شىء. وفى رواية لابى داود وابن ماجة فانه لا بنجس قال الحاكم صحيح على شرطهما وقد احتجا بجميع رواته

وقال ابن مندة اسناده على شرط مسلم وقد اعترف الطحاوي بصحة الحديث ايضا فان قيل مدار هذا الحديث على الوليد بن كثير فقيل عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير وقيل عنه عن محمد بن عباد بن جعفر تارة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر رض وتارة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر رض قلنا قال الحافظ هذا الاضطراب ليس بقادح فانه على تقدير كون الجميع محفوظا انتقال من ثقة الى ثقة وعند التحقيق الصواب عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر المكبر وعن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر ومن رواه على غير هذا الوجه فقد وهم وقد رواه جماعة عن الوليد بن كثير على الوجهين قال الدار قطنى القولان صحيحان عن الاسامة عن الوليد وله طريق ثالث رواه الحاكم وغيره من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر سئل ابن معين عن هذا الطريق فقال اسناده جيد فان قيل قد روى لم يحمل خبثا وقد روى لم ينجسه شىء وقد روى لا يتنجس قلنا هذا مبنى على الرواية بالمعنى وهى صحيحة والاضطراب فى المتن لا يقال الا عند التعارض فان قيل قد روى بالشك قلتين او ثلاثا روى احمد عن وكيع والدار قطنى عن يزيد بن هارون كلاهما عن حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا إذا بلغ الماء قلتين او ثلاثا لم ينجسه شىء قلنا قال ابن الجوزي قد اختلف عن حماد فروى عنه ابراهيم بن الحجاج وهذبه وكامل بن طلحة فقالوا قلتين او ثلاثا وروى عنه عقان ويعقوب بن إسحاق الحضرمي وبشر بن السرى والعلاء بن عبد الجبار وموسى بن اسمعيل وعبيد الله بن موسى العبسي إذا كان الماء قلتين ولم يقولوا ثلاثا واختلف عن يزيد بن هارون فروى عنه ابن السباح بالشك وروى عنه ابن مسعود رض بغير شك فوجب العمل على قول من لم يشك قلت ويمكن ان يقال ان كلمة او ليس للشك بل للترديد والتخبير والمعنى اى المبلغين بلغ الماء لا يتنجس فلا يتنجس إذا بلغ القلتين كما لا يتنجس إذا بلغ ثلاثا. فان قيل قد روى أربعين قلة رواه الدار قطنى وابن عدى والعقيلي عن القاسم بن عبد الله العمرى عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء أربعين قلة فانه لا يحمل الخبث قلنا قال احمد المقاسم كان يكذب ويضع الحديث وكذا قال يحيى بن معين وابو حاتم الرازي وابو زرعة فلا يضطرب بروايته الحديث الصحيح فان قيل روى الدار قطنى بإسناد صحيح من طريق روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن ابن عمر موقوفا إذا بلغ الماء أربعين قلة لم يتنجس. ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن ابن المنكدر عنه نحوه ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن المنكدر عنه نحوه وقول

الراوي على خلاف ما رواه طعن الحديث قلنا اولا ان مفهوم الشرط ليس بحجة عند ابى حنيفة مطلقا وكذا عند الشافعي وغيره إذا خرج على طبق السؤال وثانيا بان القلة لفظ مشترك ليطلق على الكوز والجرة ايضا صغرت او كبرت فيحمل حديث الأربعين على الصغيرة التي تساوى عشرون منها قلة واحدة كبيرة لدفع التعارض. فان قيل إذا كان القلة لفظا مشتركا بين الجرة والقربة والدلو ورأس الجبل وغير ذلك قال فى القاموس القلّة بالضم أعلى الرأس والسنام والجبل او كل شىء والجب العظيم والجرة العظيمة او عامة او من الفخار والكوز الصغير ضد. والتقييد بقلال هجر لم يثبت فى الحديث الصحيح المرفوع وما رواه ابن عدى من حديث ابن عمر رض إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شىء ففى اسناده مغيرة بن صقلان وهو منكر الحديث فلا بد ان يترك العمل بالحديث ما لم يتبين المراد منه كما هو الحكم فى المجمل ومن ثم قال الطحاوي هذا حديث صحيح لكنا تركنا العمل به لعدم علمنا بالقلتين قلنا قد ترجح أحد معانيه وهى قلال هجر بوجوه فوجب العمل به لان رأس الجبل وكذا أعلى الرأس والسنام غير مراد بالإجماع لان وصول الماء الى رأس الجبلين فى الارتفاع لا يتصور الا فى البحر المحيط او عند الطوفان وأعلى الرأس والسنام ايضا غير مراد للاجماع علا ان الماء اقل من ذلك القدر يصير كثيرا فوجب الانصراف الى الأواني وبعد الانصراف الى آلاء انى ترجح قلال هجر بوجوه أحدها كثرة استعمال العرب لفظ القلة بهذا المعنى فى أشعارهم كذا قال ابو عبيدة فى كتاب الطهور قال البيهقي قلال هجر كانت مشهورة عندهم ولهذا شبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما راى ليلة المعراج من سدرة المنتهى فاذا ورقها مثل أذان الفيلة وإذا نبقها مثل قلال هجر. ثانيها ان قلال هجر أكبرها كذا قال الأزهري فجعل الشارع الحد مقدرا بالعدد يدل على ان المراد بها أكبرها لانه لا فائدة فى تقديرها لقلتين صغيرتين مع القدرة على تقديره بواحدة كبيرة. ثالثها ان الكبيرة ان كانت مرادة فذاك وان كانت الصغيرة مرادة فعدم تنجس الماء عند البلوغ قدر القلتين الكبيرتين اولى للقطع لوجود الصغيرة فى الكبيرة فحملنا القلتين على الكبيرتين احتياطا وبه يحصل التقن والله اعلم فان قيل قد ضعّف حديث القلتين الحافظ ابن عبد البر والعاصي إسماعيل بن اسحق وابو بكر بن الولي المالكيون قال ابن عبد البر ما ذهب اليه الشافعي مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة الأثر لانه حديث تكلم فيه جماعة من اهل العلم ولان القلتين لم يوقف على مبلغهما فى اثر ثابت والا اجماع قلنا أقوالهم اجمالات للاسولة المتقدمة ولم يقل أحد بتضعيف واحد من رواته فانهم

رجال الصحيحين فاذا ظهر لك اجوبة الأسئلة اندفع ما قالوا والله اعلم. (مسئلة) : - لا يجوز الوضوء والغسل بغير الماء من المائعات الطاهرة اجماعا لقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيّبا وهل يجوز التطهير من النجاسة الحقيقية بغير الماء من المائعات الطاهرة أم لافعال الجمهور لا يجوز وقال ابو حنيفة يجوز احتج البغوي للجمهور بهذه الاية وقال الطهور فى الاية بمعنى المطهر لما قال فى اية اخرى وينزّل عليكم من السّماء ماء ليطهّركم فثبت ان التطهير مختص بالماء ولو جاز ازالة النجاسة بها لجاز ازالة الحدث بها. وهذا الاستدلال غير صحيح لان كون الماء مطهرا لا يدل على حصر التطهير فيه كما ان كونه طاهرا لا يدل على حصر الطهارة فيه والفرق لابى حنيفة فى الأحداث والأنجاس ان الحدث نجاسة حكمية غير مرئية لا يدركه وجوده ولا زواله الا من الشرع وزواله باستعمال الماء ثابت بالنص والإجماع واما باستعمال غير الماء فلم يثبت بنص ولا اجماع ولا يجوز إثباته بالقياس لان الأصل معدول عن سنن القياس- والنجاسة الحقيقية امر مرئى وإزالته بالماء معقول لكونه طاهرا مزيلا فيقاس عليه سائر المائعات لاجل هذا المعنى قلت لكن يرد عليه ان الماء إذا صب على النجس تنجس باول الملاقات فحصول الطهارة بالغسل ثلاثا او سبعا امر تعبدى وبالعصر لا يخرج الماء يجمع اجزائه فكان القياس ان لا يتطهر الثوب ونحوه بالغسل ومن ثم كان فى شرائع من قبلنا قطع موضع النجاسة من الثوب ولما كان حصول الطهارة بالغسل ثابتا بالشرع على خلاف القياس فلا يجوز قياس المائعات على الماء. (مسئله) الماء كما يتنجس بورود النجاسة عليه يتنجس بوروده على النجاسة عندنا لان المنجس انما هو اختلاط النجاسة بالماء ولا فرق فى الوجهين. وذكر ابن الجوزي مذهب احمد ان غسالة النجاسة إذا انفصلت غير متغيرة بعد طهارة المحل فهى طاهرة وكذلك البول على الأرض ونحوه إذا كوثر بالماء ولم يتغير الماء يحكم بطهارة الماء والمكان قال وهو قول مالك والشافعي واحتج على ذلك بحديث انس رض بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا فى المسجد إذ جاء أعرابي قبال فى المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم قم فأتنا بدلو من الماء فشنه عليه. رواه احمد والبخاري ومسلم فى الصحيحين وروى البخاري عن ابى هريرة نحوه قلنا هذا الحديث مخالف للقياس الصحيح فهو محمول على انه صلى الله عليه وسلم امر بصب الماء بعد نقل التراب من ذلك المكان ورواية بعض الحديث شائع من الصحابة والتابعين وغيرهم وقد روى ذلك بوجوه منها ما روى الدار قطنى من طريق عبد الجبار عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد

عن انس ان أعرابيا بال فى المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم احفر وإمكانه ثم صبرا عليه ذنوبا من ماء- قال الحافظ رجاله ثقات فان قيل قال الدار قطنى وهم عبد الجبار على ابن عيينة لان اصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه عنه عن يحيى بن سعيد ولم يذكروا الحفر قلنا عبد الجبار ثقة والزيادة من الثقة مقبولة ومنها ما رواه الدار قطنى عن ابن مسعود نحوه وسنده ضعيف لكن أحد من رواته لم يتهم بالكذب. ومنها ما رواه الدار قطنى وابو داود عن عبد الله بن مغفل بن مقرن المزني قال الدار قطنى عبد الله بن مغفل تابعي ورواته ثقات غير ان من رواته جرير بن حازم قال الذهبي ثقة امام تغير قبل موته فحجبه ابنه وهب فما حدث حتى مات قال ابن معين هو فى قتادة ضعيف قلت وهذا الحديث ليس من قتادة بل هو عن عبد الملك بن عمير وعبد الملك ثقة مخرج فى الصحيحين فان قيل قال احمد هذا حديث منكر قلت هذا جرح اجمالى وهو غير مقبول وانما قال ذلك احمد لعدم وقوع الحفر فى الرواية المشهورة وذا ليس بجرح لان الزيادة من الثقة مقبولة- ومنها ما اخرج الطحاوي من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس وكذا روى سعيد بن منصور عن ابن عيينة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال احفروا مكانه. وهذا ايضا مرسل والمرسل عند ابى حنيفه رح أقوى من المرسل وعند مالك رح واحمد رح دونه لكنه حجة مطلقا وعند الشافعي لا يقبل المرسل الا بأحد امور خمسة ان يسند غيره او يرسله غيره وعلم ان شيوخهما مختلفة او يعضده قول صحابى او قول اكثر اهل العلم أو يعلم من حاله انه لا يرسل الا برواية عن عدل وهاهنا مرسل طاءوس صحيح أيده مرسل عبد الله بن مغفل وهو حسن ومسند انس رض صحيح او حسن ومسند ابن مسعود ضعيف. فان قيل رواية انس التي فى الصحيحين أقوى وأرجح من تلك الروايات قلنا اولا ان حديث الصحيحين صحيح من حيث السند ضعيف من حيث المعنى لتعارضه بالأحاديث التي تكاد ان تكون مقواترة الدلالة على نجاسة الماء باختلاط النجاسة وثانيا ان الترجيح انما يعتير عند التعارض ولا تعارض هاهنا بل ما ذكرنا من الأحاديث ناطق. بحفر التراب وحديث انس ساكت عنه فلا يترك العمل بشئ منها. (مسئلة) : - الماء المستعمل فى ازالة الحديث او اقامة القرية طاهر عند الجمهور وروى الحسن عن ابى حنيفة انه نجس نجاسة غليظة وروى ابو يوسف عنه انه نجس نجاسة خفيفة لمكان الاختلاف وروى محمد عن ابى حنيفة مثل قول الجمهور وبه قال محمد- احتج الحنيفية على نجاسة الماء بالنص والقياس اما النص فما رواه مسلم من حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله

عليه وسلم لا يغتسل أحدكم فى الماء الدائم وهو جنب- وروى ابو داود بلفظ لا يبولن. أحدكم فى الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة- والنهى للتحريم يدل على تنجس الماء قلنا لا بل النهى للتنزيه لاحتمال تلوث بدن المجنب من المنى غالبا فهو كالنهى. للمستيقظ عن إدخال يده فى الإناء لاحتمال كون اليد نجسا بالنجاسة الحقيقية كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم فانه لا يدرى اين باتت يده واما القياس فقياسهم على ما يزيل النجاسة الحقيقية بجامع الاستعمال فى النجاسة. قلنا هذا قياس مع الفارق فان استعمال الماء فى ازالة النجاسة الحقيقية يوجب اختلاط الماء بأجزاء النجاسة وذلك سبب لتنجس الماء ولا اختلاط فى ازالة النجاسة الحكمية لان الحدث امر حكمى لا يتجزى زوالها فكل ماء استعمل فى عضو من الأعضاء لا يرقع به الحدث بل استعمال الماء فى جميع البدن للمجنب وفى الأعضاء الاربعة كلها للمحدث شرط لزوال الحدث يزول الحدث بعد ذلك فكل جزء من اجزاء ماء الوضوء طاهر فكذا جميعه لان انضمام ما ليس بنجس الى ما ليس بنجس لا يوجب التنجس اجماعا. واستدلوا على تنجس الماء باقامة القربة بقوله صلى الله عليه وسلم من توضأ فاحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره متفق عليه عن عثمان وعن ابى هريرة نحوه رواه مسلم قالوا هذا الحديث يدل على ان الخطايا تخرج من بدنه مع الماء ولا شك ان الخطايا قاذورات فيتنجس الماء باختلاطها كما يتنجس باختلاط سائر القاذورات وهذا ليس بشئ فان الخطايا ليست بأجسام ولا اعراض تقوم بالماء وليست مثل النجاسة الحقيقية من كل وجه وليس خروجها من البدن كخروج النجاسة الحقيقية حتى يلزم به تنجس الماء بل هو عبارة عن العفو والمغفرة ولو كانت الخطايا قاذورات لما جازت صلوة العصاة من المؤمنين وهى جائزة اجماعا بل هى مكفرة الخطايا قال الله تعالى ان الحسنات يذهبن السّيّئات وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر- رواه مسلم عن ابى هريرة وحديث ابن مسعود فى رجل أصاب من امراة قبلة فاخبر النبي صلى الله عليه واله وسلم فانزل الله وأقم الصّلوة طرفى النّهار الاية متفق عليه ولنا على طهارة الماء المستعمل أحاديث منها حديث جابر قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودنى وانا مريض لا عقل فتوضا وصبّ وضوءه علىّ فعقلت وقلت يا رسول الله انما يرثنى كلالة فنزلت اية الفرائض متفق عليه ومنها حديث السائب بن يزيد قال ذهبت بي خالتى الى النّبى صلى الله عليه واله وسلم فقالت يا رسول الله

ان ابن أختي وجع فدعا بالبركة ثمّ توضا فشربت عن وضوئه فنظرت الى خاتم النبوة بين كتفيه مثل ذر الحجلة. متفق عليه ومنها حديث المسور بن مخرمة ذكر فى صلح الحديبية قال فو الله ما تتخم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخامة إلا وقع فى كف رجل منهم فذلك بها وجهه وصدره وإذا توضا كادوا يقتتلون على وضوئه- رواه البخاري (مسئلة) : - ازالة النجاسة الحقيقية بالماء المستعمل فى ازالة الحدث او اقامة القربة جائز اتفاقا الا عند من يقول بكونه نجسا وهل يجوز به الغسل او الوضوء اختلفوا فيه فقال محمد الماء المستعمل فى اقامة القربة لا يجوز به التوضي والغسل فهو طاهر غير مطهر وقال زفر والشافعي المستعمل فى ازالة الحدث طاهر غير مطهر وقال ابو حنيفة كل ماء استعمل فى ازالة الحدث او اقامة القربة لا يجوز به التوضي والاغتسال فهو طاهر غير مطهر- استدلوا على كونه غير مطهر بالنص والقياس أمّا النص فقوله صلى الله عليه وسلم لا يغتسل أحدكم فى الماء الراكد قالوا هذا نهى مقتضاه أحد الامرين اما نجاسة الماء بالاستعمال واما سلب طهوريته لكن الاول لا يتصور فتعين الثاني قلنا ليس الأمر كذلك بل النهى للتنزيه يقتضى احتمال النجاسة بالنجاسة الحقيقية واحتمال النجاسة لا يوجب التنجس فان الطهارة اليقينية لا يزول بالشك وايضا كون الماء مطهرا وصف لازم للماء المطلق واما القياس فالقياس على مال الزكوة بجامع اقامة القربة وإسقاط الفرض تقريره ان من المعلوم ان إسقاط الفرض واقامة القرية يوجب فى الآلة تدنسا لا يصل الى التنجس كما فى مال الزكوة حيث حرّم على الهاشمي ولم يتنجس فكذا يوجب الاستعمال للقربة او إسقاط الفرض تدنسا يسلب عنه وصف التطهير ولا يصل الى التنجس. والجواب انا لا نسلم ان اقامة القربة او إسقاط الفرض موجب للتدنس مطلقا وحرمة مال الزكوة على الهاشمي امر تعبدى الا ترى ان الجسد والثوب يتادى بهما الصلاة ويسقط الفرض ويقام القربة ولا يتدنس منها شىء وكذا الاضحية يسقط بها الواجب ولا يتدنس لحمها حيث أكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وايضا كون الماء مطهرا وصف لازم للماء المطلق الطاهر لقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمّموا علّق التيمم يفقد الماء المطلق ولا شك ان الماء المستعمل ماء مطلق فلا يجوز التيمّم مع وجوده فيجب به الوضوء لا محالة- فان قيل هو ليس بماء مطلق لان الماء المطلق ما لم يقم به خبث ولا معنى يمنع جواز التوضي به للصلوة فخرج الماء المقيد والماء المتنجس

والماء المستعمل قلنا اولا انا لا نسلم ان الماء المستعمل قام به معنى يمنع جواز التوضي به فهو مصادرة على المطلوب وثانيا ان الماء المطلق ما يطلق عليه اللغوي لفظ الماء بلا تقييد ولا شك ان اللغوي لا يفرق عند اطلاق لفظ الماء بين الماء الطاهر والمتنجس الذي لم يتغير أحد أوصافه والمستعمل فى قربة والمستعمل فى تبرد ومن ثم قال الزهري إذا ولغ الكلب فى اناء أحدكم وليس له وضوء غيره يتوضا به وقال سفيان هذا الفقه بعينه يقول الله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمّموا وهذا ماء ذكره البخاري تعليقا. لكنّا نقول لمّا منع الشارع عن استعمال النجاسات وأمرنا بالاجتناب عنها حيث قال وثيابك فطهّر والرّجز فالهجر وقال فى اية الوضوء ولكن يريد ليطهّركم وقال عليه السلام إذا ولغ الكلب فى اناء أحدكم فلبرقه ثم ليغسله سبع مرات. رواه مسلم عن ابى هريرة وقال عليه السلام من ابتلى منكم بشئ من هذه القاذورات فليستتر بستر الله وقال الله تعالى يحلّ لكم الطيّبات ويحرّم عليكم الخبائث فمن كان قادرا على الماء المتنجس فهو غير واجد للماء حكما لكونه ممنوعا عن استعماله شرعا كالقاعد على شفير البئر من غير دلو ونحوه ممنوع عن استعمال الماء طبعا فان الطبع يمنعه عن السقوط فى البئر وكذا المريض الواجد للماء منوع عن استعماله طبعا وشرعا فان الممنوع شرعا كالممنوع طبعا واما الماء المستعمل فليس بواجب الاجتناب عنه شرعا لكونه طاهرا فواجده واجد للماء حقيقة وحكما فلا يجوز له التيمم ويجب عليه الوضوء فثبت ان كون الماء مطهرا لازم لكونه طاهرا. (مسئلة) : - إذا وقع فى الماء شىء طاهر فان لم يتغير به أحد أوصافه ولم يزد على الماء اجزاء جازيه الوضوء اجماعا- وان تغير به أحد أوصافه او اكثر فان كان الاحتراز عنه متعذرا كالطين والأوراق فى الخريف جاز به الوضوء اجماعا ما لم يخرجه عن طبع الماء اى رقته كما إذا تغير الماء بطول المكث وان لم يكن الاحتراز عنه متعذرا كالخل والزعفران والأشنان فان تغير به أحد أوصاف الماء لا يجوز به الوضوء عند الشافعي لانه ماء مقيد والوظيفة عند فقد الماء المطلق التيمم وعند ابى حنيفة رحمه الله يجوز به الوضوء الا إذا اختلط الماء جامد أزال رقته او غيّر اكثر أوصافه من الطعم او اللون او الريح كالانبذة او مائع غلب عليه بالاجزاء او غيّر اكثر أوصافه او طبخ فى الماء غيره فغيّره كالمرق وماء الباقلا الا ما يقصد به النظافة كالاوس والسدر والأشنان ولا بأس لو تغير الماء باختلاط الطاهر تغييرا

[سورة الفرقان (25) : آية 49]

يسير المادوى ابن خزيمة والنسائي من حديث أم هانى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة فى قصعة فيها اثر العجين. وما روى البخاري عن أم عطية الانصارية قالت دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال اغسلها ثلاثا او خمسا او اكثر من ذلك ان رايتن ذلك بماء وسدر واجعلن فى الاخرة كافورا وشيئا من كافور. وما رواه البزار من حديث ابى هريرة ان ثمامة بن أثال اسلم فامره النبي صلى الله عليه وسلم ان يغتسل بماء وسدر- وحديث قيس بن عاصم انه اسلم فامره النبي صلى الله عليه وسلم ان يغتسل بماء وسدر. لِنُحْيِيَ بِهِ اى بالماء بَلْدَةً مَيْتاً ذكر ميتا لان البلدة بمعنى البلد او بتأويل المكان او لان تأنيثه غير حقيقى او لانه غير جار على الفعل كسائر ابنية المبالغة فاجرى مجرى الجامد وَنُسْقِيَهُ سقى وأسقي لغتان بمعنى واحد مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً يعنى اهل البوادي الّذين يعيشون بالمطر ولذلك نكر الانعام والاناسىّ وتخصيصهم لان اهل المدن والقرى يقيمون بقرب الأنهار والآبار والمنابع فيستغنون لانفسهم ولانعامهم عن سقى السماء ولان سياق الاية لتعداد النعم على الإنسان وعامة منافعهم وغالب معائشهم منوط بالانعام ولذلك قدم سقيها «كقطران دويبة كالهرة منتنة جمع طرابين وظرابى- قاموس منه رح» على سقيهم كما قدم عليها احياء الأرض فانه كقطران دوسية كالهرة منتنة جمع قطرابين وظرابى قاموس منه رح سبب لحياتها وتعيشها. واناسىّ جمع انسى او جمع انسان كظرابى جمع ظربان علا ان أصله أناسين كبساتين جمع بستان فقلبت النون ياء. وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ يعنى المطر بَيْنَهُمْ مرة ببلد ومرة ببلد اخر قال البغوي قال ابن عباس ما من عام بامطر من عام ولكن الله يصرفه فى الأرض وقرا هذه الاية وروى مرفوعا ما من ساعة من ليل ولانهار الا السماء يمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء وذكر ابن إسحاق وابن جرع ومقاتل وبلغوا ابن مسعود يرفعه قال ليس من سنة بامطر من اخرى ولكن الله قسم هذه الأرزاق فجعلها فى السماء الدنيا فى هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ووزن معلوم وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك الى غيرهم فاذا عصوا جميعا صرف ذلك الى الفيافي والبحار وقيل المراد بتصريف المطر تصريفه وابلا وطلّا «كسحاب المطر الضعيف 12 قاموس منه رح» ورذاذا ونحوها وقيل المراد تصريفه فى الأنهار او فى المنابع كسحاب المطر الضعيف 12 قاموس منه رح وقيل التصريف راجع الى القول يعنى صرفنا هذا القول بين الناس فى القران وسائر الكتب لِيَذَّكَّرُوا اى ليتفكروا ويعرفوا كمال القدرة وحق النعمة فى ذلك ويقوموا بشكره او ليعتبروا بالصرف عنهم وإليهم فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً اى الا كفر ان النعمة إذا مطروا قالوا

[سورة الفرقان (25) : آية 51]

مطرنا بنوء كذا عن زيد بن خالد الجهني رضى الله عنه قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية فى اثرة سماء كانت بالليل فلمّا انصرف اقبل على النّاس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال قال أصبح من عبادى مؤمن بي وكافه فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مومن بي وكافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب. متفق عليه. وَلَوْ شِئْنا بعث الرسول فى كل قرية لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً نبيّا ينذر أهلها فيخف عليك اعياء التبليغ ولكن بعثناك الى الناس كافة إجلالا لك وتعظيما لشأنك وتفضيلا لك على سائر الرسل. فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ فيما يدعونك اليه من موافقتهم ومداهنتهم ولكن اشكر إنعامنا عليك بالرسالة العامة فاثبت على ما أنت عليه من الدعوة واظهار الحق وَجاهِدْهُمْ بِهِ اى يا لله يعنى بعونه وتوفيقه او بالقران او بترك طاعتهم الّذى يدل عليه فلا تطع والمعنى انهم يجتهدون فى ابطال الحق فقابلهم بالاجتهاد فى مخالفتهم واحقاق الحق جِهاداً كَبِيراً شديدا بالقلب واللسان والسيف والسنان. وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ اى خلاهما متجاورين متلاصقين يقال مرجت الدابة وامرجتها إذا أرسلتها فى المرعى وخلّيتها تذهب حيث تشاء عطف على قوله وهو الّذى أرسل الرّياح وما بينهما معترضات هذا عَذْبٌ فُراتٌ قامع للعطش من قرط عذريته وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ اى مرّ شديد الملوحة من تأجّح النار إذا تلهب فانه يريد فى العطش هذان الجملتان بتقدير القول حال من البحرين او صفة له على طريقة ولقد امرّ على اللئيم يسبنى او بحذف الموصول مع الصلة والتقدير مرج البحرين الّذين يقال فى شأنهما هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وَجَعَلَ بَيْنَهُما عطف على مرج يعنى جعل بينهما بقدرته بَرْزَخاً حاجزا مانعا لاختلاط بعضها ببعض وَحِجْراً مَحْجُوراً اى سترا ممنوعا فلا يبغيان ولا يفسد الملح العذب. قال البيضاوي وذلك كدخيلة تدخل البحر فتشقه فتجرى فى خلاله فراسخ لا يتغير طعمها وقيل المراد بالبحر العذب النهر العظيم مثل النيل وبالبحر الملح البحر الكبير وبالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض فيكون القدرة فى الفصل واختلاف الصفة مع ان مقتضى طبيعة اجزاء كل عنصر ان تضامت وتلاصقت وتشابهت فى الكيفية. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ اى من النطفة بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً اى قسّمه قسمين

[سورة الفرقان (25) : آية 55]

ذوى نسب اى ذكورا ينسب إليهم وذوات صهر اى إناثا يصاهر بهن فهو كقوله تعالى وجعل منه الزّوجين الذّكر والأنثى وقيل جعله نسبا وصهرا اى ذا نسب «1» منسوب الى الأباء ذكرا كان او أنثى وذا مهربان يتزوج ذكرا او أنثى وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً اى قادرا على ما يشاء حيث خلق من مادة واحدة بشرا إذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة وجعله قسمين متقابلين وربما يخلق من نطفة واحدة توأمين ذكرا وأنثى. وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ ان عبدوه عطف على الجملة السابقة او حال بتقدير المبتدا يعنى وهم يعبدون ما لا ينفعهم وَلا يَضُرُّهُمْ ان هجروه وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً اى معينا للشيطان على ربه بالمعاصي وقيل معناه كان الكافر على ربه هيّنا ذليلا يقال جعلنى ظهيرا اى ذليلا من ظهرت الشيء إذا جعلته خلف ظهرك ولم يلتفت اليه. وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً للمومنين بالجنة وَنَذِيراً للكافرين من النار جملة معترضة. قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على تبليغ الرسالة بدل عليه قوله مبشّرا ونذيرا مِنْ أَجْرٍ حتى يشق عليكم اتباعى خوف الغرامة جملة مستانفه الّا فعل مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا ليتقرب اليه ويطلب الزلفى عنده جعل طاعة الرسول فى امتثال أوامر الله والانتهاء عن مناهيه اجرا على الرسالة من حيث انه مقصود منه واستثناه من الاجر المنفي سواله قلعا لشبهة الطمع واظهار الغاية المشفقة حيث جعل ما ينفعهم اجرا لنفسه وافيا مرضيّا به مقصودا عليه. واشعارا بان طاعتهم يعود عليه بالثواب من حيث انها بدلالته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله رواه البزار عن ابن مسعود والطبراني عن سهل بن سعد وعن ابى مسعود ورواه احمد واصحب الكتب الستة والضياء بزيادة والله يحب اغاثة اللهفان عن بريدة وابن ابى الدنيا فى قضاء الحوائج عن انس نحوه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنّ فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها من غير ان ينقص من أجورهم شىء- رواه مسلم فى حديث طويل عن جرير وقيل هذا استثناء منقطع ولكن من شاء ان يتّخذ الى ربّه سبيلا بالإنفاق من ماله فى سبيله فليتخذ يعنى لا اسئلكم لنفسى اجرا ولكن لا منع من انفاق المال فى سبيل الله وطلب مرضانه واتخاذ السبيل الى جنته ولعل الله سبحانه دفعا لتهمة سوال الاجر فى الأمر بأداء الزكوة وغيرها من الصدقات حرّم الصدقات على نبيه واهل بيته.

_ (1) وعن عبد الله بن المغيرة انه سئل عمر بن الخطاب عن نسب وصهر فقال أراكما لا وقد عرفتم النسب فاما الصهر فالاختان والصحابة- منه رح.

[سورة الفرقان (25) : آية 58]

(مسئله) : - يستنبط من هذه الاية انه لا يجوز الاستيجار للطاعة كتعليم القران والاذان والامامة ونحو ذلك وقوله الى ربه اى الى ثواب ربه حال من سبيلا وهو مفعول ليتخذ. وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ فى دفع شرهما والاستغناء عن أجورهم فانه الحقيق بان يتوكل عليه من الاحياء الّذين يموتون فانهم إذا ما تواضاع من توكّل عليهم عطف على قل لا اسئلكم وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ونزّلهه عن صفات النقصان مثنيا عليه بصفات الكمال طالبا لمزيد الانعام فقل سبحان الله وبحمده وقيل معناه صل لله شكرا على نعمه وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً اى عالما فيجازيهم بها جملة كفى به حال من الحي. الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ لعل ذكره زيادة تقرير لكونه حقيقا بان يتوكل عليه من حيث انه الخالق للكل والمتصرف وفيه اشارة الى الثبات والثاني فى الأمور فانه تعالى مع كمال قدرته وسرعة نفاذ امره فى كل مراد خلق الأشياء على تود رو تدرج الموصول مبتدا وخبره الرَّحْمنُ او الموصول صفة للحى او منصوب على المدح بتقدير اعنى او امدح والرحمان خبر مبتدأ محذوف اى هو الرحمان او بدل من فاعل استوى فَسْئَلْ بِهِ اى بما ذكر من الخلق والاستواء خَبِيراً اى عالما يخبرك بحقيقته كذا قال الكلبي والخبير هو الله او جبرئيل او من قرأ فى الكتب المتقدمة ليصدقك فيه وقيل الضمير للرحمن والمعنى ان أنكروا اطلاقه على الله فسئل عنه من يخبرك من اهل الكتاب ليعرفوا مجئ ما يرادفه فى كتبهم وعلى هذا يجوز ان يكون مبتدأ والخبر ما بعده والسؤال كما يعدى بعن يعدى بالباء وقيل معناه فسئل إليها الإنسان بالرحمن خبيرا يخبرك بصفاته. وَإِذا قِيلَ لَهُمُ عطف على قوله الّذى خلق السّموت والأرض فى ستّة ايّام ثمّ استوى على العرش الرَّحْمنُ او على جملة هو الرّحمان اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ لانهم ما كانوا يطلقونه على الله وكانوا يقولون لا نعرف الرحمان الا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب يسمونه حمن اليمامة أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا أنت يا محمد كذا قرأ الجمهور بصيغة المخاطب خطابا للنبى صلى الله عليه وسلم وقرأ حمزة والكسائي لما يأمرنا بصيغة الغائب يعنون لما يأمرنا محمد صلى الله عليه وسلم وَزادَهُمْ عطف على قالوا يعنى وزادهم الأمر بالسجود للرحمان نُفُوراً عن الايمان. تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً قال الحسن ومجاهد وقتادة البروج هى النجوم الكبار سميت بروجا لظهورها وقال عطية العوفى بروجا اى قصورا فيها الحرس وَ

[سورة الفرقان (25) : آية 62]

جَعَلَ فِيها سِراجاً يعنى الشمس لقوله تعالى وجعل الشّمس سراجا وقرأ حمزة «وخلف ابو محمد» والكسائي سرجا على الجمع وهى الشمس وسائر الكواكب سوى القمر فانه ليس بسراج لان السراج ما يضئ بنفسه والقمر نوره مستفاد من نور الشمس كما يدل عليه كماله ونقصانه على حسب مقابلة الشمس ويدل عليه العطف بقوله وَقَمَراً مُنِيراً مضيئا بالليل. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً اى ذوى خلفة يخلف كل واحد منهما الا خربان يقوم أحدهما مقام صاحبه فمن فاته عمله فى أحدهما قضاه فى «1» الاخر قال البغوي جاء رجل الى عمر رض بن الخطاب قال فاتتنى صلوة الليلة قال أدرك ما فاتك من ليلك فى نهارك قال الله تعالى لجعل اللّيل والنّهار خلفة لّمن أراد ان يذّكّر وقال مجاهد يعنى كل واحد منهما مخالف للاخر هذا اسود وهذا ابيض لِمَنْ أَرادَ متعلق بجعل أَنْ يَذَّكَّرَ قرأ حمزة والكسائي بتخفيف الذال والكاف وضمها مع سكون الذال من المجرد اى يذكر الله سبحانه والباقون بتشديد الذال والكاف وفتحهما من التفعل بإدغام التاء فى الذال يعنى لمن أراد ان يتذكر آلاء الله ويتفكر فى صنعه فيعلم انه لا بد له من صانع حكيم واجب لذاته رحيم على العباد او المعنى أراد ان يذكر ما فاته فى أحد الملوين من خير يفعله فى الاخر أَوْ أَرادَ شُكُوراً اى شكر نعمة ربه عليه يعنى ان خلق الليل والنهار وما اظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار وما فيها من المنافع لاجل ان يتذكر فيهما المتذكرون ويشكر على نعمائه الشاكرون فمن خلا وقته عن الذكر والشكر والتذكر والتفكر فقد ضاع وقته وهلك رأس ماله. وَعِبادُ الرَّحْمنِ مبتدا خبره أولئك يجزون الغرفة أضاف الى نفسه تشريفا لهم وإظهارا لفضلهم أو لأنهم هم الراسخون فى عبادته على ان عابد وعباد كتاجر وتجار وذكر من أسمائه اسم الرحمن اشعارا بانهم موصوفون بكمال الرحمة على الخلق وموعودون بكمال رحمة الله عليهم الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً هينين او مشيا هيّنا مصدر وصف به والمعنى انهم يمشون على الأرض بالسكينة والوقار متواضعين غير أشرين ولا متكبرين «2» والهون فى اللغة الرفق وألين وفى القاموس الهون الوقار ومنه قوله صلى الله عليه وسلم

_ (1) عن الحسن ان عمر أطال صلوة الضحى فقيل له صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعة فقال انه يقى على من وردى شىء فاحببت ان أتمه او قال أقضيه وتلا وهو الّذى جعل اللّيل والنّهار خلفة الآية- منه رح (2) عن عمر انه راى غلاما يتبختر فى مشية فقال له ان التبختر به مشية مكروهة الّا فى سبيل الله وقد مدح الله أقواما فقال وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونا فاقصد فى مشيك- منه رح

[سورة الفرقان (25) : آية 64]

المؤمن هين لين حتى تخاله من اللين أحمق. رواه البيهقي بسند ضعيف عن ابى هريرة وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ عطف على يمشون يعنى إذا خاطهم السفهاء بما يكرهون قالُوا سَلاماً قال مجاهد يعنى سدادا من القول ما يسلمون فيه من الإيذاء والإثم كذا قال مقاتل بن حبان قال الحسن لو جهل عليهم جاهل حملوا ولم يجهلوا وروى عن الحسن معناه سلموا عليهم دليله قوله عزّ وجلّ وإذا سمعوا اللّغو اعرضوا عنه وقالوا لنا اعمالنا ولكم أعمالكم سلم عليكم قال الكلبي وابو العالية هذا قبل ان يؤمر بالقتال ثم نسختها اية القتال والحق ان لاية محكمة غير منسوخة فانما الأمر بالقتال انما هو لا علاء كلمة الله حقا لله سبحانه وهو منته يقول لا اله الا الله او إعطاء الجزية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله وان محمدا رسول الله- الحديث متفق عليه عن ابن عمر وقال الله سبحانه قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله الى قوله حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وهذا بيان لحال المؤمنين فى مقابلة السفهاء واعراضهم عن انتقامهم وعدم مواخذتهم لاجل أنفسهم عن ابى هريرة ان رجلا قال يا رسول الله ان لى قرابة أصلهم ويقطعونى واحسن إليهم ويسيؤن الىّ واحلم عنهم ويجهلون علىّ فقال لئن كنت كما قلت فكانها تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك رواه مسلم روى عن الحسن البصري انه إذا قرا هذه الاية قال هذا وصف نهارهم ثم قرا. وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً فقال هذا وصف ليلهم وخص البيتوتة لان العبادة بالليل أشق وابعد من الرياء وأوفق للقلب باللسان ولان النهار خص لنوع اخر من العبادة وهو انهم يجاهدون فى سبيل الله لا يخافون فى الله لومة لائم ويصاحبون خيار الناس للتعليم والتعلم والإرشاد والاسترشاد قوله لربهم متعلق بسجّدا وهو جمع ساجد وقياما جمع قائم او مصدر اجرى مجراه وتأخير القيام المروي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشراف أمتي حملة القران واصحاب الليل- رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أفضل الصلاة بعد المفروضة صلوة فى جوف الليل- رواه احمد وعن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل فانه داب الصالحين قبلكم وهو قربة الى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم. رواه الترمذي وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة يضحك الله إليهم الرجل إذا قام بالليل يصلى والقوم إذا صفوا فى الصلاة والقوم

[سورة الفرقان (25) : آية 65]

إذا صفوا فى قتال العدو- رواه البغوي فى شرح السنة قال البغوي قال ابن عباس من صلى بعد العشاء الاخرة ركعتين او اكثر فقد بات لله ساجدا وقائما. وعن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء فى جماعة كان كقيام تصف ليلة ومن صلى الفجر فى جماعة كان كقيام ليلة. رواه احمد ومسلم فى الصحيح. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ يعنى انهم مع حسن معاشرتهم مع الخلق واجتهادهم فى عبادة الحق خائفون من عذاب الله مبتهلون الى الله فى صرفه عنهم لعدم اعتذارهم بأعمالهم وعدم وثوقهم على استمرار حالهم عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تبارك وتعالى اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا اناصب عند الحساب يوم القيامة أشاء ان أعذبه إلا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك لا يلقوا بايديهم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي- رواه ابو نعيم إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً اى لازما ومنه الغريم للملازمة وقال البغوي الغرام أشد اللازم وقيل غراما يعنى هلاكا وقيل الغرام ما يصيب الإنسان من شدة ومصيبة قال محمد بن كعب القرظي سال الله الكفار عن شكر نعمه فلم يؤدوا فاغرمهم الله فبقوا فى النار- قال الحسن كل غريم يفارق غريمه الا جهنم. إِنَّها يعنى جهنم ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً ساءت فعل ذم بمعنى بئست وفيها ضمير مبهم يفسره الضمير والمخصوص بالذم ضمير محذوف اى هى به يرتبط باسم انّ ومستقرّا حال او تمييز والجملة تعليل للجملة الاولى او تعليل ثان وكلاهما يحتملان الحكاية والابتداء من الله- وجاز ان يكون ساءت من الافعال المتصرفة من ساء يسوء سوءا ومساءة بمعنى مضاد لحسنت ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى فى وصف الجنة حسنت مستقرّا ومقاما وعلى هذا فى ساءت ضمير مستتر راجع الى اسم انّ ومستقرّا حال او تمييز عن النسبة بمعنى ساء الاستقرار والاقامة فيها. وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا قرا ابن كثير واهل البصرة يقتروا بفتح الياء وكسر التاء وقرا اهل المدينة وابن عامر بضم الياء وكسر التاء وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم التاء وكلها لغات يقال اقتر يقتر وقتّر بالتشديد وقتر يقتر ويقتر على وزن ينصر ويضرب. والإسراف الانفاق فى معصية الله وان قلّت والاقتار منع حق الله تعالى وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج وبه قال الحسن فى هذه الاية ان معناه لم ينفقوا فى معاصى الله ولم يمسكوا عن فرائض الله وقال قوم الإسراف مجاوزة الحد فى الانفاق حتى يدخل فى حد التبذير. والاقتار التقتير عما لا بد منه وهذا معنى قول

[سورة الفرقان (25) : الآيات 68 إلى 69]

ابراهيم لا يجيعهم ولا يعريهم ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف قلت وهذا القول راجع الى القول الاول بل هو أخص منه فانه مجاوزة الحد المشروع فى الانفاق المباح حتى دخل فى حد التبذير وذلك حرام معصية حيث قال الله تعالى انّ المبذّرين كانوا اخوان الشّياطين وكان الشّيطن لربّه كفورا وانفاق من وجب نفقته عليه بحيث لا يجيعهم ولا يعريهم فريضة والإمساك عنه إمساك عن فريضة الله وَكانَ اى الانفاق بَيْنَ ذلِكَ اى بين الإسراف والاقتار قَواماً قصدا وسطا حسنة «1» بين السيئتين سمى الوسط قواما لاستقامة الطرفين كما سمى سواء لاستوائهما وهو خبر ثان او حال مؤكدة وجاز ان يكون خبرا لكان وبين ذلك ظرفا لغوا وقيل انه اسم كان مبنى لاضافته الى غير متمكن وهو ضعيف لانه بمعنى القوام فيكون كالاخبار بالشيء عن نفسه اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن مسعود قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم اىّ الذنب أعظم قال ان تجعل لله ندّا وهو خلقك قلت ثمّ اىّ قال ان تقتل ولدك مخافة ان يطعم معك قلت ثم اىّ قال ان تزنى حليلة جارك فانزل الله تصديقها. وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ متعلق بمحذوف اى لا يقتلون قتلا الا قتلا بالحق او متعلق بلا يقتلون اى لا يقتلون بسبب الا بالحق يعنى بقود او رجم او نحو ذلك وَلا يَزْنُونَ نفى عنهم أمهات المعاصي بعد ما اثبت لهم اصول الطاعات إظهارا لكمال ايمانهم واشعارا بان الاجر موعود للجامع بين ذلك وتعريضا للكفرة من الاتصاف بأضدادها كانه قال والذين طهّرهم الله عما أنتم عليه من الشرور والسيئات ولذلك عقبه بالوعيد تهديدا لهم فقال وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى أشياء من هذه الأمور يَلْقَ أَثاماً يعنى جزاء اثم كذا قال ابن عباس وقال ابو عبيده الأثام العقوبة وقال مجاهد الأثام واد فى جهنم قال البغوي يروى ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص ويروى فى الحديث الغىّ والأثام بئران يسيل فيهما صديد اهل النار قلت اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عمر فى هذه الاية قال واد فى جهنم واخرج هناد عن سفيان مثله واخرج ابن جرير والطبراني والبيهقي «2» قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ان صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت سبعين خريفا

_ (1) قال ابن زيد بن حبيب أولئك (يعنى مصداق هذه الاية) اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون الطعام للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوبا للجمال ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدّ الجوع ويقويهم على عبادة ربهم ومن الثياب ما يستر عوراتهم وما يكفهم من الحر والبرد. وقال عمر رض بن خطاب رضى الله عنه كفى سرفا ان لا يشتهى الرجل شيئا الا اشتراه فاكله 12 رحمه الله. (2) هكذا بياض فى الأصل. [.....]

[سورة الفرقان (25) : آية 70]

ثم تنتهى الى غىّ واثام قلت وما غىّ واثام قال نهران فى أسفل جهنم يسيل فيهما صديد اهل النار وهما اللذان ذكرهما الله تعالى فى كتابه فسوف يلقون غيّاء وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ قرأ ابن كثير «ابو جعفر ويعقوب ابو محمد» وابن عامر يضعّف من التفعيل والباقون من المفاعلة لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ لانضمام المعصية الى الكفر وَيَخْلُدْ قرا ابن عامر وابو بكر يضاعف «1» ويخلد بالرفع على الاستيناف او الحال والباقون بجزمهما بدلا من بلق فِيهِ قرا ابن كثير على أصله وحفص هاهنا خاصة بصلة الضمير المجرور مبالغة فى الوعيد والباقون على ما هو الأصل فى الضمير المجرور إذا سكن ما قبله باختلاس كسرتها مُهاناً اى ذليلا حال اخرج الشيخان عن ابن عباس ان ناسا من اهل الشّرك قتلوا فاكثروا وزنوا فاكثروا ثم أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا ان الّذى تقول وتدعو اليه لحسن لو تخبرنا ان لعملنا كفارة فنزلت والّذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النّفس الّتى حرّم الله الّا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما لّضعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا الّا من تاب عن الشرك. وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً الى قوله تعالى غفورا رحيما ونزلت قل يعبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم الاية قال ابن عباس الّا من تاب من ذنبه وأمن بربه وعمل عملا صالحا فيما بينه وبين ربه واخرج البخاري وخيره عن ابن عباس قال لما انزل فى الفرقان والّذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس الّتى الاية قال مشركوا مكة قد قتلنا النفس بغير الحق ودعونا مع الله الها اخر واتينا الفواحش فنزلت الّا من تاب وقال البغوي أخبرنا عن ابن عباس قال قرانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين والّذين لا يدعون مع الله الها اخر الاية ثم نزلت الا من تاب وأمن فما رايت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشئ فرحه بها وفرحه بانّا فتحنا لك فتحا مّبينا لّينفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تاخّر. فان قيل لا يجوز الاستثناء مفصولا فكيف يقال بنزوله بعد سنتين قلنا نزلت هذه الاية أول مرة بغير الاستثناء ثم نزلت تلك الآيات مع الاستثناء فهذه الاية ناسخة للاولى فى المقدار المستثنى فان قيل تقرر فى الأصول ان محل النسخ الاحكام دون الاخبار وهذه الاية اخبار فكيف يمكن نسخه قلنا عدم جواز النسخ فى الاخبار لعدم احتمال التخلف فيها كيلا يلزم الكذب واية الوعيد يجوز نسخه لانه إنشاء للوعيد يحتمل التخلف فيه تفضلا ومغفرة هذه الاية تدل على ان الاستثناء من الإثبات نفى وبالعكس كما يدل على ذلك الاستثناء المفرغ وليس كما قالوا ان

_ (1) اى قرا ابن عاد يضعّف ويخلد وابو بكر يضاعف ويخلد ابو محمد عفى عنه. -

المستثنى فى حكم المسكوت عنه والاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا إذ لو كان كذلك لما جاز نسخ المنطوق بالمسكوت وقوله عملا صالحا منصوب على المفعولية او المصدرية فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ فذهب جماعة الى ان المراد ان يمحو الله سوابق معاصيهم بالتوبة وثبت مكانها لواحق طاعتهم او يبدل الله فى الدنيا ملكة المعصية فى النفس بملكة الطاعة ويوفقه لاضداد ما سلف منهم من المعاصي وهذا معنى ما قال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك والسدى يبدل الله بقبائح ما عملوا فى الشرك محاسن الأعمال فى الإسلام فيبدل الله لهم بالشرك التوحيد وبقتل المؤمنين قتل المشركين المحاربين وبالزنى عفة واحصانا وذهب جماعة الى ان المراد ان الله تعالى يبدل سيئاتهم التي عملوها فى الإسلام حسنات يوم القيامة تفضلا وهو قول سعيد بن المسيب ومكحول وعائشة وابى هريرة وسلمان رضى الله عنهم أجمعين ويؤيده حديث ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا صغائر ذنوبه فتعرض عليه صغائرها وتخبأ كبائرها فيقال أعملت كذا وكذا وهو يقرّ ليس ينكر وهو مشفق من الكبائر فيقال أعطوه مكان كل سيئة حسنة فيقول ان لى ذنوبا لا أراها هاهنا فلقد رايت رسول الله ضحك حتى بدت نواجذه رواه مسلم واخرج ابن ابى حاتم عن سلمان قال يعطى رجل يوم القيامة صحيفة فيقرا أعلاها فاذا يكاد ليسوء ظنه نظر فى أسفلها فاذا حسناته ثم ينظر فى أعلاها فاذا هى قد بدّلت حسنات واخرج ايضا عن ابى هريرة رضى الله عنه قال ليأتينّ الله بناس يوم القيامة ودوا انهم أكثروا من السيئات قيل من هم قال الذين يبدل الله سيأتهم حسنات فان قيل كيف يتصور تبديل السيئة على هذا المعنى بالحسنة وكيف يثاب على السيئة فان السيئة امر مكروه غير مرضى الله تعالى فكيف يتصور كونه مرضيّا له تعالى فان الله لا يرضى لعباده الكفر والعصيان قلت توجيه ذلك عندى بوجهين أحدهما ان عباد الله الصالحين كلما صدر عنهم ما كتب الله عليهم من العصيان ندموا غاية الندم واستحقروا أنفسهم غاية الاستحقار والتجئوا الى الله تعالى كمال الالتجاء وخافوا عذاب الله مع رجاء المغفرة فاستغفروه حتى صاروا مهبطا لكمال الرحمة بحيث لو لم يذنبوا لم يصيروا بهذه المثابة فعلى هذا صار عصيانهم الذي كان سببا للعقاب سببا للثواب ولو بتوسط الندم والتوبة من هاهنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والّذى نفسى بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء يقوم يذنبون فيستغفرون الله ويغفر لهم

رواه مسلم من حديث ابى هريرة وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم استغفروا لماعز بن مالك لقد تاب توبة لو قسمت بين امة لوسعتهم- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد حين سبّ الامرأة الغامدية مهلا يا خالد فو الذي نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس «1» لغفر له- رواه مسمر فى قصة ماعز والغامدية عن بريدة وهذا ما قيل معصية أولها غفلة وآخرها ندامة خير من طاعة أولها عجب وآخرها رؤية ثانيهما ان الغائصين فى بحار المحبة قد يصدر منهم امور لا يتزن بميزان الشرع ككلمات الشح والسماع والوجد ورهبانية ابتدعوها يجعل الله تعالى هذه الأمور الصادرة منهم كلها حسنات لصدورها عن محبة صرفة ومن هاهنا قال العارف الرومي مثنوى هر چهـ گيرد علتى علت شود ... كفر گيرد كاملى ملت شود كار پاكان را قياس از خود مگير ... گر چهـ ماند در نوشتن شير شير او بدل گشت وبدل شد كار او ... لطف گشت ونور شد هر نار او ولعل ما ورد فى حديث ابى ذر انه يقال اعرضوا صغائر ذنوبه فيعرض عليه صغائرها ويخبأ عنه كبائرها اشارة الى هذا فان هذه الأمور التي تصدر من الكاملين لغلبة المحبة انما هى بميزان الشرع صغار الذنوب دون كبائرها يجعلها الله تعالى لهم حسنات لكونها ناشية من منابع المحبة واما كبار الذنوب التي صدرن عنهم على سبيل الندرة لما كتب الله تعالى صدورها عنهم فيخبأ عنهم ويغفر ويستر ولا يذكر كما أشير اليه بقوله تعالى وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يغفر الذنوب جميعا صغائرها وكبائره ابالتوبة وو بلا توبة قلت لعل قوله تعالى والّذين لا يدعون مع الله الها اخر اشارة الى فناء القلب فان المرء بعد فناء قلبه لا يقصد شيئا غير الله ولا يرجوا شيئا الا منه ولا يخاف غيره وكل ما هو مقصود لك فهو معبود لك بل لا يرى غيره موجودا بوجود متاصل والا له هو الموجود بوجود بوجود متاصل يقتضى ذاته وجوده فان قيل أليس المؤمنون عامه قبل الفناء يعتقدون بان الله موجود بوجود يقتضيه ذاته وغيره ليس كذلك قلت بلى يعتقدون ذلك لكن بالاستدلال دون الرؤية والشهود ويشهد على

_ (1) قوله صاحب مكسوم اى من يأخذ من التجار إذا مر وامسا اى ضريبه باسم العشر (مجمع البحار) وفيه ان المكس أعظم الذنوب وذلك لكثرة مطالبات الناس ومظلماتهم وصرفها فى غير وجهها وفى الحاشية المكس لنقصان وللماكس من العمال من ينقص من حقوق المساكين ولا يعطيها بتمامها قالد البيهقي 12 الفقير الدهلوي

[سورة الفرقان (25) : آية 71]

ذلك بداهة الوجدان وخوفهم وطمعهم من الخلق. وقوله تعالى ولا يقتلون النّفس الّتى حرّم الله الّا بالحقّ ولا يزنون اشارة الى فناء النفس وان النفس الامارة بالسوء إذا فنيت واطمأنت بمرضاة الله تعالى انسلخ عن دواعى العصيان والدليل على هذه الاشارة وصفهم بهذه الصفات بعد وصفهم بصفات الكمال بقوله وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ الى آخره ولو كان المراد به التوحيد المجازى والتقوى الظاهري لقدم ذلك على الصفات المذكورات فيما سبق. وَمَنْ تابَ عن الشرك والمعاصي بتركها والندم عليها والاستغفار وَعَمِلَ صالِحاً بتلافى ما فرط او خرج عن الشرك والمعاصي ودخل فى الطاعة فَإِنَّهُ يَتُوبُ اى يرجع إِلَى اللَّهِ مَتاباً لا الى غيره فحق عليه تعالى ان يثيبه ويبدل سيئاته بالحسنات وهذه الجملة معترضة معطوفة على معترضة سابقة وهى قوله تعالى ومن يفعل ذلك يلق أثاما والجملتان وقعتا بين الموصولات التي هى صفات مارحة لعباد الرحمان الاولى منهما لبيان عقاب المسيئين المفهومين من قوله تعالى والّذين لا يدعون الى آخره والثانية منهما لبيان عاقبة التوابين للذكورين فى الاستثناء قيل التنكير فى متابا للتعظيم والترغيب الى التوبة لئلا يتحد الشرط يعنى انه يتوب الى الله متابا مرضيا عند الله ماحيا للعقاب محصلا للثواب وقيل معناه فانه يرجع الى الله اى الى ثوابه مرجعا حسنا وهذه تعميم بعد تخصيص- وقال البغوي قال بعض اهل العلم هذه الاية فى التوبة عن غير ما ذكر فى الاية الاولى من القتل والزنى يعنى من تاب ورجع عن الشرك وادي الفرائض فمن لم يقتل ولم يزن فانه يتوب الى الله اى يعود اليه بعد الموت متابا حسنا يفضل على غيره ممن قتل وزنى ثم تاب. فالتوبه الاولى اى الشرط اعنى قوله ومن تاب معناها رجع عن الشرك والثانية اى الجزاء اعنى فانّه يتوب الى الله متابا معناها رجع الى الله للحزاء والمكافاة فافترقا. وقال بعضهم هذه الاية فى التوبة عن جميع المعاصي ومعناه ومن أراد التوبة وعزم عليها فليتب لوجه الله فقوله يتوب الى الله متابا خبر بمعنى الأمر اى ليتب الى الله وقيل معناه فليعلم ان توبته ومصيره الى الله. قلت وعلى تقدير كون المراد بقوله تعالى يبدّل الله سيّئاتهم التائبين الذين صدر عنهم بعض الأمور التي لم يتزن بميزان الشرع لغلبة السكر والمحبة فبدل الله سيئاتهم حسنات لاجل مجبتهم جاز ان يكون المراد بالتائبين فى هذه الاية عباد الله الصالحين الذين لم يصدر عنهم شىء من تلك الأمور يعنى من رجع عن جميع ما كره الله ولم يعملوا شيئا منها ولو يغلبة المحبة والسكر فانه يتوب الى الله متابا احسن من الأولين وهم اصحاب الصحو من الأولياء كالنقسبندية الذين هم على هيئة اصحاب رسول الله

[سورة الفرقان (25) : آية 72]

صلى الله عليه واله وسلم فى اتباع السنة والله اعلم.. وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ قال البغوي قال الضحاك واكثر المفسرين يعنى الشرك فانه شهادة بالزور قلت ويلزم على ذلك التكرار لما مر من قوله تعالى والّذين لا يدعون مع الله الها اخر وقال على بن طلحة يعنى لا يشهدون على الناس شهادة الزور (مسئله) : - قال البغوي قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه يجلد شاهد الزور أربعين جلدة ويسخمّ «1» وجهه ويطاف به فى السوق. وروى ابن ابى شيبة ثنا ابو خالد عن حجاج عن مكحول عن الوليد عن عمر انه كتب الى عماله بالشام فى شاهد الزور يضرب أربعين سوطا ويسخم وجهه ويحلق رأسه ويطال حبسه وروى عبد الرزاق فى مصنفه عن مكحول ان عمر ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وقال أخبرنا يحيى بن العلا أخبرني الأحوص بن الحكيم عن أبيه ان عمر امر بشاهد الزور ان يسخم وجهه ويلقى عمامته فى عنقه ويطاف به فى القبائل ومن هاهنا قال مالك والشافعي وابو يوسف ومحمد انه يعزر شاهد الزور بالضرب ويوقف فى قومه حتى يعرفون انه شاهد الزور وزاد مالك فقال ويشهد فى الجوامع والأسواق قالوا انه كبيرة من الكبائر على ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم فى حديث انس رواه الشيخان فى الصحيحين وفيها رواه البخاري انه صلى الله عليه وسلم قال الا أخبركم بالكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال الشرك بالله وعقوق الوالدين (وكان متكيا فجلس فقال) الا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت وقرن الله تعالى بينها وبين الشرك حيث قال فاجتنبو الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور وإذا كان كبيرة وليس فيها تقدير شرعى فى الحد ففيها التعزير- وقال ابو حنيفة يكتفى فى تعزيره بالتشهير ولا يضرب ولا يحبس فان المقصود الانزجار ويحصل ذلك بالتشهير واما الضرب وغير ذلك فمبالغة فى الزجر لكنه يقع مانعا من الرجوع وشهادة الزور لا يظهر الا بالإقرار والرجوع فوجب التخفيف نظرا الى هذا الوجه واثر عمر محمول على السياسة ومثل مذهب ابى حنيفة روى عن شريح روى محمد بن الحسن فى كتاب الآثار من طريق ابى حنيفة عن ابى الهيثم عمن حدثه عن شريح انه كان إذا أخذ شاهد الزور فان كان من السوق قال للرسول قل لهم اى لاهل السوق ان شريحا يقراكم السلام ويقول لكم انا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه فان كان من العرب أرسل الى مسجد قومه اجمع ما كانوا فقال للرسول مثل ما قال فى المرة والاولى وكذا روى ابن ابى شيبة عن شريح وقال ابن جريح المراد

_ (1) قوله يسخّم وجهه اى سود والسخام الفحم (مجمع البحار الفقير الدهلوي

[سورة الفرقان (25) : آية 73]

بشهادة الزور الكذب مطلقا وقيل معنى الاية لا يحضرون مجالس الكذب فان مشاهدة الباطل شركة فيه فلا يجوز ان يسمع قصة فيها أباطيل او يقرأ شعرا كذلك قال مجاهد يعنى لا يحضر أعياد المشركين وقيل المراد به النوح وقال قتادة لا يساعدون اهل الباطل على باطلهم وقال محمد بن الحنفية لا يشهدون اللغو والغناء قال ابن مسعود العناء ينبت النفاق فى القلب كما ينبت الماء الزرع قال البغوي واصل الزور تحسين الشيء ووضعه على خلاف صفته فهو تمويه الباطل بما يوهم انه حق قلت الزور فى اللغة الليل قال الله تعالى تزاور عن كهقهم وفى الكذب ميل من الحق الى الباطل وكذا فى كل لغو وفى القاموس الزور بالضم الكذب والشرك بالله وأعياد اليهود والنصارى والرئيس ومجلس الغناء وما يعبد من دون الله والقوة قلت وهذه الاية يصلح كل ما ذكر من المعاصي الا الرئيس والقوة وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً عطف على لا يشهدون الزّور فهما صلتان لموصول واحد والأظهر فى وجه اشتراكهما ان يراد بالزور المعاصي كلها وبالشهود الحضور وباللغو ايضا المعاصي كلها كما قال الحسن والكلبي والمعنى الّذين لا يحضرون مجالس المعاصي باختيارهم وإذا مروا هناك اتفاقا مروا كراما مسرعين معرضين غير مقبلين عليه يقال كرم فلان عما يشينه إذا تنزّه وأكرم نفسه عنه وقال مقاتل معنى الاية وإذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى اعرضوا واصفحوا وهو رواية ابن جريج عن مجاهد نظيره وإذا سمعوا اللّغو اعرضوا عنه قال السدى هى منسوخة باية القتال قلت بل هى غير منسوخة إذ القتال منته بإعطاء الجزية ولا يجوز القتال بالشتم والأذى. وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ بالوعظ والقراءة او بالدلالة على دلائل التوحيد والتنزيه لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً اى لم يقيموا غير وأعين لها وغير متبصرين بعيون داعية متغافلين عنها كانهم صم لم يسمعوها وعمى لم يروها بل يسمعون ما يذكرون به سماع قبول فيفهمونه ويرون الحق فيتبعونه والمراد نفى الحال دون الفعل كقولك لا يلقانى زيد راكبا ويقول الهاء للمعاصى المدلول عليها باللغو. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي وابو بكر وذرّيّتنا بغير الف والباقون بالألف على الجمع قُرَّةَ أَعْيُنٍ تنكير الأعين لارادة تنكير القرة تعظيما وأورد الأعين بصيغة جمع القلة لان المراد أعين المتقين وهى قليلة بالاضافة الى عيون غيرهم ومن ابتدائية يعنى هب لناقرة أعين كائنة من أزواجنا وذرياتنا يعنى اجعلهم صالحين تقربهم أعيننا قال القرطبي ليس شىء أقر لعين

[سورة الفرقان (25) : آية 75]

المؤمن من ان يرى زوجته وأولاده مطيعين لله عزّ وجل قال الحسن وحّد القرة لانها مصدر وأصلها من البرد لان العرب تتاذى من الحر وتستريح من البرد وتذكر قرة العين عند السرور وسخنة الأعين عند الحزن ويقال دمع العين عند السرور بارد وعند الحزن حاد وقال الأزهري معنى قرة الأعين ان يصادف قلبه من يرضاه وتقر عينه عن النظر الى غيره وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً تأكيد للجملة السابقة فان أزواجهم وذرياتهم إذا كانوا متقين وهم ائمة لازواجهم وذرياتهم صاروا للمتقين اماما وحّد اماما للدلالة على الجنس وعدم اللبس كما فى قوله تعالى ثمّ يخرجكم طفلا وانّهم عدوّ لّى الّا ربّ العلمين وقيل لانه مصدر كالقيام والصيام يقال امّ اماما كما يقال قام قياما وصام صياما او لان المراد اجعل كل واحد منا للمتقين اماما كما فى قوله تعالى انّا رسول ربّ العلمين او لكون كلهم كنفس واحدة لاتحاد طريقتهم واتفاق كلمتهم وقيل هى جمع امّ كصائم وصيام والمعنى قاصدين للمتقين سالكين سبيلهم. أُوْلئِكَ اى عباد الله الصالحين الموصوفين بتلك الصفات يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ اى يثابون أعلى مواضع الجنة روى الشيخان فى الصحيحين واحمد عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه والترمذي عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان اهل الجنة يتراءون اهل الغرف فوقهم كما ترون الكوكب فى السماء الغابر من أفق المشرق او المغرب لتفاصل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى والذي نفسى بيده رجال أمنوا بالله وصدقوا المرسلين وروى عن سهل بن سعد مثله واخرج احمد والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر والترمذي والبيهقي عن على واحمد عن ابى مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ان فى الجنة غز برى ظاهرها من باطنها من ظاهرها قالوا لمن يا رسول الله قال لمن أطاب الكلام واطعم الطعام او بات فانتا والناس نيام. كذا فى حديث ابن عمر وفى حديث علىّ لمن أطاب الكلام وأفشى السلام ويطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام. وفى حديث ابى مالك لمن اطعم الطعام والان الكلام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام. واخرج البيهقي وابو نعيم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم الا أخبركم بغرف الجنة قلنا بلى يا رسول الله قال ان فى الجنة غرفا من اصناف الجواهر يرى ظاهرها من باطنها من ظاهرها فيها من النعيم واللذات والشرف مالا عين رأت ولا اذن سمعت قلنا يا رسول الله لمن هذه الغرف قال لمن أفشى السلام واطعم الطعام وادام لصّيام وصلى بالليل والناس نيام قلنا يا رسول الله ومن يطيق ذلك قال أمتي يطيق ذلك وساخبركم عن ذلك من

[سورة الفرقان (25) : آية 76]

لقى أخاه وسلم عليه ورد عليه فقد أفشى السلام ومن اطعم اهله وعياله من الطعام حتى يشبعهم فقد أطعمهم الطعام ومن صام رمضان ومن كل شهر ثلاثة فقد ادام الصيام ومن صلى العشاء الاخيرة وصلى الغداة فى جماعة فقد صلى بالليل والناس نيام اليهود والنصارى والمجوس. واسناده غير قوى واخرج ابن عدى والبيهقي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فى الجنة لغرفا فاذا كان ساكنها فيها لم يخف عليه ما خلفها وإذا كان خلفها لم يخف عليه ما فيها فقيل لمن هى يا رسول الله قال لمن أطاب الكلام وواصل الصيام واطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام قيل وما طيب الكلام قال سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر فانه يأتي يوم القيمة وهن مقدمات ومنجّيات ومعقّبات قيل وما وصال الصوم قال من صام شهر رمضان فصامه قيل فما اطعام الطعام قال من قات عياله قيل فما افشاء السلام قال مصاحبة أخيك وتحيته قيل وما الصلاة والناس نيام قال صلوة العشاء الاخرة- واخرج الحكيم الترمذي عن سهل بن سعد مرفوعا فى هذه الاية قال الغرفة من ياقوتة حمراء وزبرجد خضراء ودرة بيضاء ليس فيها قصم ولا وصم بِما صَبَرُوا اى بصبرهم على المشاق من مضض الطاعات ورفض الشهوات وعلى تحمل المجاهدات وعلى أذى المشركين واخرج ابو نعيم عن ابى جعفر قال بما صبروا على الفقر فى دار الدنيا وَيُلَقَّوْنَ قرأ حمزة والكسائي وابو بكر بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف والباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف فِيها اى فى تلك الغرفة تَحِيَّةً وَسَلاماً اى يحييهم الملائكة ويسلمون عليهم اى يدعون الله لهم او يبشرهم بالبقاء والسلامة من كل آفة وقال الكلبي يحيى بعضهم على بعض بالسلام ويرسل الرب إليهم السلام اخرج احمد والبزار وابن حبان عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء المهاجرين الذين تسربهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملئكته ايتوهم فحيوهم فيقول الملائكة ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك فتأمرنا ان نأتى هؤلاء ونسلم عليهم قال انهم كانوا يعبدوننى لا يشركون بي شيئا وتسربهم الثغور وتتقى بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته فى صدرة لا يستطيع لها قضاء قال فتاتيهم الملئكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كلّ باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار وقيل معناه يلقون فيها تحية اى بقاء دائما وسلاما من الآفات. خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً اى موضع قرار واقامة واخرج مسلم عن ابى سعيد الخدري وابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ينادى

[سورة الفرقان (25) : آية 77]

مناد ان لكم ان تصحوا فلا تسقنوا ابدا وان لكم ان تحيوا فلا تموتوا ابدا وان لكم ان تشبوا فلا تهرموا ابدا وان لكم ان تنعموا فلا تيئسوا ابدا.. قُلْ يا محمد ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي جملة مستأنفة من عبأت الجيش عبوا اى رتبتهم وهيئتهم كذا فى النهاية يعنى ما يهييكم لدخول الجنة لَوْلا دُعاؤُكُمْ أباه بالاستغفار وقيل لولا عبادتكم وقيل لولا ايمانكم وقيل لولا دعاؤه إياكم اى الإسلام فاذا أمنتم هياكم لدخول الجنة وقيل ما يعبؤا من العبا بمعنى الثقل يعنى ما يرى ربكم لكم وزنا وقدرا ولا يعتد بكم لولا دعاؤكم اى عبادتكم وطاعتكم إياه فان شرف الإنسان وكرامته بالمعرفة والطاعة والا فهو كالانعام بل هو أضل سبيلا او لولا دعاؤه إياكم الى الإسلام فاذا أمنتم ظهر لكم قدر وقيل معناه ما يعبؤكم ولا يعتدبكم اى يخلقكم لولا عبادتكم وطاعتكم يعنى انه خلقكم لعبادته كما قال ما خلقت الجنّ والانس الّا ليعبدون وقال البغوي هذا قول ابن عباس ومجاهد وقيل معناه ما يبالى بكم وهذا المعنى ماخوذ من الثقل والوزن والقدر فان الشيء الثقيل ذا القدر والوزن يبالى به فقيل معناه ما يبالى بمغفرتكم ربى لولا دعاؤكم معه الهة وما يفعل بعذابكم لولا شرككم كما قال الله تعالى ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وأمنتم وقيل معناه ما يبالى بعذابكم لولا دعاؤكم إياه فى الشدائد كما يدل عليه قوله تعالى فاذا ركبوا فى الفلك دعو الله مخلصين له الدّين وقيل معناه ما خلقكم ربكم وله إليكم حاجة وليس لكم فى جنبه تعالى قدر الا ان تسئلوه فيعطيكم وتستغفروه فيغفر لكم فما على هذه الوجه نافية وان جعلتها استفهامية فحلها النصب على المصدر كانّه قيل اى عبا يعبؤا بكم فَقَدْ كَذَّبْتُمْ خطاب لكفار مكة يعنى ان الله دعاكم بالرسول الى توحيده وعبادته فقد كذّبتم الرسول فلم تجيبوا فكيف يهيكم لدخول الجنة او فكيف يكون لكم عنده وزن وقدر او فكيف يبالى بعذابكم او فكيف لا يبالى بمغفرتكم فَسَوْفَ يَكُونُ تكذيبكم لِزاماً اى لازما لكم فلا ترزقون التوبة حتى تجازى أعمالكم او المعنى يكون جزاء تكذيبكم لازما لكم يحيق بكم لا محالة او اثره لازما بكم حتى يكبكم فى النار وقال ابن عباس لزاما يعنى موتا وقال ابو عبيدة هلاكا وقال ابن زيد قتالا وقال ابن جرير عذابا دائما لازما وهلاعا مفنيا يلحق بعضكم ببعض قال البغوي اختلفوا فيه فقال قوم هو يوم بدر قتل منهم سبعون وهو قول ابن مسعود وأبيّ بن كعب ومجاهد يعنى انهم قتلوا يوم بدر واتصل به عذاب الاخرة لازما روى البخاري فى الصحيح عن ابن مسعود رض قال خمس قد قضين الدخان

والقمر والروم والبطشة واللزام وقيل اللزام هو عذاب الاخرة والله اعلم. الحمد لله رب العلمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين قد تم تفسير سورة الفرقان بعون لله تعالى وحسن توفيقه سادس عشر صفر من السنة الخامسة بعد الف ومائتين ويتلوه ان شاء الله تعالى تفسير سورة الشعراء.

سورة الشعراء

سورة الشّعراء مكيّة الّا اربع آيات من اخر السّورة من قوله والشّعراء يتّبعهم الغاوون وهى مائتان وسبع وعشرون اية روى الحاكم فى المستدرك عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت طه والطواسين والحواميم من الواح موسى ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طسم قرأ حمزة «وخلف- ابو محمد» والكسائي وابو بكر هاهنا وفى القصص والنمل بامالة الطاء واهل المدينة بين بين والباقون بالفتح واظهر النون عند الميم هاهنا وفى القصص ابو «1» جعفر وحمزة «بل قرأ هل المدينة بابا الفتح ابو محمد» وادعمها الباقون- قال البغوي روى عكرمة عن ابن عباس انه قال طسمّ عجزت العلماء عن تفسيرها وروى على بن طلحة الوالبي عن ابن عباس انه قسم وهو اسم من اسماء الله عز وجل وقال قتادة اسم من اسماء القران وقال مجاهد اسم للسورة وقال محمد بن كعب القرظي اقسم الله بطوله وسنانه ومجده والحق انه رمز بين الله وبين رسوله. تِلْكَ اشارة الى السورة او القران آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ الظاهر اعجازه وصحته او المظهر للاحكام وسبيل الهدى. لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ اى قاتل نفسك غمّا يقال بخع نفسه كمنع قتلها غمّا واصل البخع ان يبلغ الذبح البخاع بالفتح وهو عرق فى الصلب ويجرى فى أعظم الرقبة وذلك حد الذبح وهو غير النخاع بالنون فيما زعم الزمخشري ثم استعمل فى كل مبالغة أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ اى لئلا يومنوا او كراهة الا يكونوا مومنين نزلت هذه الاية حين كذّبه اهل مكة وشق ذلك عليه لما كان يحرص على ايمانهم وجاز ان يكون شدة غمه صلى الله وسلم على عد

_ (1) قرأ ابو جعفر بالسكت على المقطعات فى جميع القران والا لمار فى السكت لازم. ابو محمد عفا الله عنه

[سورة الشعراء (26) : آية 4]

ايمانهم خوفا من الله تعالى ان يعاقب لاجل انكار قومه فهذه الاية تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم وكلمة لعل للترجى وهاهنا للاشفاق يعنى اشفق على نفسك ولا تغتم فانّك ان تغنم فلعلك تقتل نفسك غمّا فانا لم نشأ ايمانهم فانه. إِنْ نَشَأْ ايمانهم نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً اى دالة ملجئة الى الايمان او بلية قاصرة عليه فَظَلَّتْ عطف على تنزل ومعناه فنظل أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ او منقادين قال قتادة لو شاء الله لانزل عليهم اية يذلّون بها فلا يلوى أحد منهم بعده معصية لا نزول عليهم وقال ابن جريح معناه لو شاء الله لانزل بهم امرا من أموره لا يعمل أحد منهم بعده معصية أورد خاضعين موضع خاضعة لوفاق رؤس الاى وقيل أصله فظلوا لها خاضعين فزيدت الأعناق مقحما لبيان موضع الخضوع وترك الخبر على أصله وقيل أصله ظلت اصحاب الأعناق لها خاضعين فحذف الاصحاب واقام الأعناق مقامهم لان الأعناق إذا خضعت فاربابها خاضعون فجعل الفعل اولا للاعناق ثم جعل خاضعين للرجال وقال الأخفش رد الخضوع على المضمر الّذى أضاف الأعناق اليه وقيل لما وصفت الأعناق بالخضوع وهو من صفات العقلاء أجريت مجراهم وقال قوم ذكر الصفة لمجاورتها المذكر وهو قوله هم على عادة العرب فى تذكير المؤنث إذا أضافوه الى المذكر وتأنيث المذكر إذا أضافوه الى المؤنث وقيل أراد بالعنق جميع البدن كما فى قوله تعالى ذلك بما قدّمت يداك وألزمناه طائره فى عنقه والمعنى فظلوا خاضعين وقال مجاهد أراد بالأعناق الرؤساء الكبراء والمعنى فظلت كبراؤهم لها خاضعين وقيل أراد بالأعناق الجماعات يقال جاء القوم عنقا عنقا اى جماعات وطوائف. وَما يَأْتِيهِمْ اى كفار مكة عطف على مضمون جملة سابقة او حال مِنْ ذِكْرٍ موعظة او طائفة من القران يذكر الله سبحانه من زائدة فى محل الرفع مِنَ الرَّحْمنِ من الابتداء صفة للذكر اى منزل منه على نبيه مُحْدَثٍ انزاله وان كان قديما فى الوجود إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ استثناء مفرغ حال من الضمير المنصوب فى يأتيهم او المرفوع يعنى ما يأتيهم فى حال الا فى حال اعراضهم عن الايمان به. فَقَدْ كَذَّبُوا بالذكر بعد اعراضهم وأمعنوا فى تكذيبه بحيث ادى بهم الى الاستهزاء المخبر به عنهم ضمنا فى قوله تعالى فَسَيَأْتِيهِمْ إذا نزل بهم العذاب يوم بدر او يوم القيامة أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من انه كان حقا او باطلا كان حقيقا بان يصدّق ويعظم قدره او يكذب فيستخف امره ويستهزا به. أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ الاستفهام للانكار وابو او للعطف على محذوف والتقدير أيطلبون اية على ما يدعيه

[سورة الشعراء (26) : آية 8]

محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والبعث بعد الموت ولم ينظروا الى الأرض يعنى لا ينبغى لهم طلب الاية وقد نظروا الى الأرض وهى اية فان انكار النفي اثبات كَمْ أَنْبَتْنا فِيها بدل اشتمال من الأرض وكم خبرية يعنى الم ينظروا الى كثرة أنبأتنا فيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صنف من النبات كَرِيمٍ حسن محمود كثير المنفعة غذاء للناس او الدواب ودواء مفيدة فائدة ما اما وحده او مع غيره وايضا كرم كل زوج من نبات الأرض دلالته على قدرة الخالق على إيجاده وإعادته بعد الاعدام وتوحده وصفات كماله وكل لاحاطة الافراد وكم لكثرتها. إِنَّ فِي ذلِكَ اى فى إنبات تلك الأصناف او فى واحد منها لَآيَةً حوالة على فاعل واجب لذاته تام القدرة والحكمة سابغ النعمة والرحمة وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ فى علم الله وقضائه فلذلك لم ينفعهم تلك الآيات العظام وقال سيبويه كان هاهنا زائدة والمعنى وما كان أكثرهم مؤمنين بعد مشاهدة الآيات. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على انتقام من الكفرة الرَّحِيمُ حيث امهلهم او العزيز فى انتقامه ممن كفر الرحيم لمن تاب وأمن.. وَاذكر إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى حين راى الشجرة والنار معطوف على مضمون قوله لعلّك باخع نفسك فان التقدير لا تحزن على كفر قومك ولا تبخع نفسك واذكر وقت نداء ربك موسى وفيه تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم وجاز ان يكون كلاما مستانفا والظرف متعلق بقوله قال رب ان ائت ان مفسرة لنادى او مصدرية اى ايت او بان ايت الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ بالكفر واستعباد بنى إسرائيل وسومهم سوء العذاب من ذبح الأبناء وغير ذلك. قَوْمَ فِرْعَوْنَ بدل او عطف بيان لما سبق ولعل الاقتصار على القوم للعلم بان فرعون كان اولى بذلك أَلا يَتَّقُونَ استفهام للانكار والتّوبيخ ومعناه الأمر اى ليتقوا أنفسهم عن عذاب الله بطاعته ويحتمل ان يكون التقدير ألا يا قوم اتقون فهو بتقدير القول حال من فاعل ايت يعنى ايت قائلا لهم من الله الا يا قوم اتقون نظيره الا يسجدوا بتقدير الا يا قوم اسجدوا. قالَ موسى رَبِّ إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي قرأ الجمهور بالرفع عطفا على أخاف ويعقوب بالنصب عطفا على يكذّبون وكذا الخلاف فى قوله وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي لاجل عقدة كانت فيه ويضيق صدرى لاجل عدم مساعدة اللسان لبيان المرام فى اقامة الحجة الدافعة

[سورة الشعراء (26) : آية 14]

للتكذيب وقال البغوي اى يضيق صدرى من تكذيبهم فَأَرْسِلْ الوحى او أرسل جبرئيل بالوحى إِلى هارُونَ الفاء للسببيّة قال البيضاوي رتّب استدعاء ضم أخيه اليه واشراكه له فى الأمر على الأمور الثلاثة خوف التكذيب وضيق القلب انفعالا عنه اى عن التكذيب وازدياد الحبسة فى اللسان بانقباض الروح الى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق لانها إذا اجتمعت الأمور مست الحاجة الى معين يقوى قلبه ويتوب منابه متى يعتريه الحبسة حتى لا يحمل دعوته وليس ذلك تعللا منه وتوقفا فى امتثال الأمر بل طلبا لما يكون معونة على امتثاله. وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ على حذف المضاف اى تبعه ذنب او دعوى ذنب والمراد قتل القبطي سماه ذنبا عمل زعمهم والا فهو كان مباح الدم غير معصوم لاجل كفره وهذا اختصار قصة مبسوطة فى غير هذا الموضع فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ اى أخاف ان يقتلونى قبل أداء الرسالة وهذا ايضا ليس تعللا وعدم امتثال الأمر بالتبليغ لخوف القتل بل استدفاعا للبلية المتوقعة المانعة من التبليغ. قالَ الله تعالى كَلَّا فَاذْهَبا اجابة الى الطلبين بوعده للدفع اللازم لروعة وضم أخيه اليه فى الإرسال والخطاب فى فاذهبا على تغليب الحاضر وهو معطوف على الفعل الذي دل عليه كلّا كانه قال ارتدع يا موسى عن توهم قتلك فاذهب أنت ومن طلبت ضمه إليك بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ يعنى مع موسى وهارون ومن تبعهما بالنصر او معكما ومن عاداكما بالعلم مُسْتَمِعُونَ اى سامعون ما جرى بينكم من الكلام فاظهر كما عليهم خبر ثان او هو الخبر وحده ومعكم ظرف لغو. ْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أفرد الرسول لانه هاهنا بمعنى الرّسالة وهو مشترك بين المرسل والرسالة فى القاموس الاسم الرسالة بالكسر والفتح وكصبور وامير والرسول ايضا المرسل قال البيضاوي لذلك ثنى تارة وأفرد اخرى يعنى إذا أريد به المرسل مثنى وإذا أريد به الرسالة أفرد والمعنى هاهنا انا ذو رسالة رب العلمين او لان الفعول يطلق على الواحد والجمع قال فى القاموس لم يقل انّا رسل ربّ العالمين لان مفعولا وفعيلا تستوى فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع وقال ابو عبيدة يجوز ان يكون الرسول بمعنى اثنين والجمع يقول العرب هذا رسولى ووكيلى وهذان رسولى ووكيلى كما قال الله تعالى وهم لكم عدوّ وقيل أفرد لاتحادهما للاخوة او لوحدة المرسل به او أراد ان كل واحد منا رسول رب العلمين. أَنْ مفسرة لتضمن الرسول معنى الإرسال المتضمن معنى القول أَرْسِلْ اى خل مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ تذهب الى الشام ولا تستعبدهم قال البغوي كان فرعون استعبدهم اربع مائة

[سورة الشعراء (26) : آية 18]

سنة وكانوا فى ذلك الوقت سة مائه وثمانين الفا- فانطلق موسى الى مصر وهارون بها فاخبره وفى القصة ان موسى رجع الى مصر وعليه جبة صوف وفى يده عصاه والمكتل معلق فى راس العصا وفيه زاده فدخل وار نفسه واخبر هارون بان الله أرسلني الى فرعون وأرسل إليك حتى ندعو فرعون فخرجت أمهما وصاحت وقالت ان فرعون يطلبك ليقتلك ولو ذهبتما اليه تقصا فلم يمتنع لقولها وذهبا الى باب فرعون ليلا ودقا الباب ففزع البوابون وقالوا من بالياب وروى انه اطلع البواب عليهما فقال من أنتما فقال موسى انّا رسول ربّ العالمين فذهب البواب الى فرعون وقال ان مجنونا بالباب ويقول انه رسول ربّ العالمين فترك حتى أصبح ثم دعاهما وروى انهما انطلقا جميعا الى فرعون فلم يوذن لهما سنة فى الدخول وليه فدخل البواب وقال لفرعون هاهنا انسان يزعم ان رسول ربّ العالمين فقال فرعون ايذن له لعلنا نضحك منه فدخلا عليه واد يا رسالة الله عزّ وجلّ فعرف فرعون موسى لانه نشأ فى بيته و. قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا فى منازلنا وَلِيداً طفلا سمى به لقربه من الولادة وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ قيل لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج الى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم ودعاهم الى الله ثلاثين سنة ثم بقي بعد الغرق خمسين سنة. وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ يعنى قتل القبطي وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ اى من الجاحدين بنعمتي وحق بزبيتى حتى عمدتّ الى قتل خواصى كذا روى العوفى عن ابن عباس رض وهو قول اكثر المفسرين وقال ان فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالله وقال الحسن والسدى أراد وأنت كنت من الكافرين بإلهك الذي تدعو اليه الان وتعبده حيث كنت معنا على ديننا والجملة وحال من احدى التاءين ويجوز ان يكون حكما مبتدا عليه بانه من الكافرين بالوهيته او بنعمته لما عاد عليه بالمخالفة او من الذين كانوا يكفرون فى دينهم. قالَ فَعَلْتُها إِذاً يعنى إذا فعلتها وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ الجملة حال من التاء فى فعلت يعنى فعلت ما فعلت وانا من الضّالّين إذا فعلت من الجحلين لم يأتنى من الله شىء او الجاهلين بان ذلك يؤدى الى قتله لانه أراد به التأديب دون القتل وقيل من الضّالين عن طريق الصواب من غير تعمد يعنى من المخطئين وقيل من الفاعلين فعل اولى الجهل والسفه وقيل من الناسين من قوله ان تضلّ أحدهما فتذكّر إحداهما الاخرى. فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ الى مدين لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً اى حكمة علما وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ مبتدا اشارة الى تربيته وليدا نِعْمَةٌ بدل من اسم الاشارة او خبر منه تَمُنُّها عَلَيَّ سفة لنعمة أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ مرفوع على انه خبر مبتدا محذوف اى هى او على انه بدل من

[سورة الشعراء (26) : آية 23]

نعمة او مجرور بإضمار الباء وهو خبر المبتدا يعنى بمقابلة جفائك او بسبب جفائك والتي هى ان عبدت او النصب بحذف الباء او على الظرف بتقدير الوقت او على الحال وقيل تلك اشارة الى خصلة شنعاء صهمة وان عبّدتّ عطف بيان لها ومعنى عبّدتّ اتخذتهم عبيدا لك يقال عبّدت فلانا وأعبدته استعبدته وتعبّدته اتخذته عبدا اختلف المفسرون فى تاويل هذه الاية قال بعضهم هو اقرار عدّها موسى نعمة منه عليه حيث رباه ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بنى إسرائيل فكانّه قال بلى وتلك نعمة تمنّها علىّ ان عبّدتّ بنى إسرائيل وتركتنى ولم تستعبد فى وقال بعضهم هو اقرار ظاهرا وانكار معنى رد موسى اولا ما وبّخه به قدحا فى نبوته ثم كر على ما عدّه من النعمة ولم يصرح بانكاره لانه كان صادقا فى دعواه بل نبه على انه كان فى الحقيقة نعمة لكونه فى مقابلة الجفاء او مسببا عنه فقال وتلك نعمة تمنّها علىّ ان عبّدتّ بنى إسرائيل فتلك النعمة مقابلة بالجفاء او بسبب الجفاء فانه بسبب استعبادك بنى إسرائيل وقتلك أبناءهم رفعت إليك حتى ربّيتنى وكفلتنى ولو لم نستعبد هم كان لى من أهلي من يربينى ولم يلقونى فى اليم فتضمن هذا الإقرار الإنكار. وقيل هو انكار وهمزة الاستفهام للانكار مقدرة تقديره أتلك التربية نعمة لك على ان عبّدتّ بنى إسرائيل يعنى أتربيتك ايّاى نعمة وقت تعبدك بنى إسرائيل او الحال انك عبدّتّ بنى إسرائيل فتعبيدك قومى بنى إسرائيل اهبط إحسانك الىّ- وانما وحّد الخطاب فى تمنها وجمع فيما قبله لان المنة كانت منه وحده والخوف والفرار منه ومن قومه ولمّا سمع فرعون جواب ما طعن فى موسى وراى انه ثم يرعو بذلك شرع فى الاعتراض على دعواه فبدا بالاستفسار عن حقيقة المرسل و. قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ولمّا كان بيان حقيقة الواجب تعالى مستحيلا بما هو داخل فيه لاستحالة التركيب فى ذاته والامتناع تعريف الافراد الا بذكر الخواص والافعال ذكر موسى اظهر خواصه واثاره و. قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا خبر مبتدأ محذوف اى يعنى ربّ العالمين ربّ السّموت والأرض وما بينهما من الكائنات إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ بثبوت حقائق الأشياء فاستدلوا بها على خالقها فانها إحرام محسوسة ممكنة لتركمها وتعددها وتغير أحوالها فلا بد لها من مبدا واجب لذاته وذلك المبدا لا بد ان يكون مبد السائر الممكنات ما يمكن ان يحس بها وما لا يمكن وإلا لزم تعدد الواجب او استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محالان اما التعدد فلا ستلزامه تركبهما مما فيه اشتراكهما وما به امتياز كل منهما عن الاخر والتركب دليل الحدوث مناف للوجوب واما الاستغناء فهو مناف للامكان. ثم ذلك لا يمكن تعريفه

[سورة الشعراء (26) : آية 25]

الا بلوازمه الخارجية لامتناع التعريف بنفسه وبما هو داخل فيه لاستحالة التركيب فى ذاته وهذا شرط مستغن عن الجزاء بما مضى ولمّا كان فرعون غبيّا لم يدرك حسن الجواب. قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ تعجبا أَلا تَسْتَمِعُونَ جوابه يعنى انّى سالته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله او يزعم ان للسموت ربّا وهى قديمة واجبة لذواتها كما هو مذهب الدهرية او غير معلوم افتقارها الى مؤثر. فحينئذ. قالَ موسى رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ عدولا الى ما لا يمكن توهم القدم والوجوب ولا يشك فى افتقارها الى مصور حكيم ويكون اقرب للناظر وأوضح عند التأمل. قالَ فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ اسئله عن شىء يعنى عن حقيقته ويجيبنى عن اخر وسماه رسولا على السخرية. قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما تشاهدون كل يوم انه يأتي بالشمس من المشرق ويحركها على مدار غير المدار اليوم الذي قبله حتى يبلغها الى المغرب على وجه نافع ينتظم به امور الكائنات إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ يعنى ان كان لكم عقل أدركتم انه لا جواب لكم فوق ذلك لاينهم اولا ثم لما راى شكيمتهم «1» اى شدتهم خاشنهم وعارضهم بمثل مقالهم. قالَ فرعون عدولا عن المحاجة بعد الانقطاع الى التهديد كما هو دأب الجاهل المحجوج لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي جواب قسم محذوف لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ اى من المحبوسين واللام للعهد اى ممن عرفت حالهم فى سجنى قال الكلبي كان سجنه أشد من القتل لانه كان يأخذ الرجل يطرجه فى مكان وحده فردا لا يسمع ولا يبصر فيه شيئا يهوى به فى الأرض- استدل فرعون بقدرته على التعذيب على ألوهيته وإنكاره للصانع وكان قوله الا تستمعون صادرا منه تعجبا من نسبة الربوبية الى غيره ولعله كان دهريا يعتقد ان من الملك قطرا من الأرض وتولى امره بقوة طالعه استحق العبادة من اهله. قالَ موسى فى جواب تهديده أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ الهمزة للاستفهام للتوبيخ والإنكار والواو للحال بعد حذف الفعل تقديره أتجعلني من المسجونين ولو جئتك بشئ مبين توبيخ على الاساءة حال فجيئة بالحجة الواضحة على صدقه وقيل الواو للعطف على شرطية محذوفة والشرطيتان حال من فاعل فعل محذوف تقديره أتجعلني من المسجونين لو لم أجبك لى دعوائى بحجة ولو جئتك بشئ مبين حجة والمال واحد. قالَ فرعون فَأْتِ بِهِ اى بشئ مبين إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى ان ذلك بينة او فى دعواك فان مدعى

_ (1) الشكيمة الانفة يقال فلان شديد الشكيمة انف ابى قاموس منه رح

[سورة الشعراء (26) : آية 32]

النبوة لا بد له من حجة. فَأَلْقى موسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ظاهر ثعبانيته او مبين اى مظهر لصدق دعواه عطف على قال. وَنَزَعَ موسى يَدَهُ إذا قال فرعون وهل غيرها فَإِذا هِيَ اى يدها بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ لها شعاع يكاد يغشى الابصار ويسد الأفق فتحير فرعون وعجز. وقالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ اى مستقرين حوله ظرف وقع موقع الحال إِنَّ هذا يعنى موسى لَساحِرٌ عَلِيمٌ فائق فى علم السحر. يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ لمّا غلب عليه سلطان للمعجزة حطة عن دعوى الربوبية الى الاستظهار من القوم وجعلهم أمراء على نفسه وتنفيرهم عن موسى واظهار الخوف عن ظهوره واستيلائه على ملكه. قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ يعنى اخر أمرهما وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ناسا يحشرون اى يجمعون السحرة. يَأْتُوكَ مجزوم فى جواب الأمر بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ يفضلون عليه فى السحر امال سحّار ابن عامر «1» وابو عمرو والكسائي. فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ عطف على جمل محذوفة تقديره فبعث حشرين فذهبوا فحشروا السحرة لما وقت به من ساعات يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة قال البغوي روى عن ابن عباس قال وافق ذلك يوم السبت فى أول يوم السنة وهو النيروز. وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ استفهام بمعنى الام وفيه استبطاء لهم فى الاجتماع حثّا على عدم الاستبطاء والمبادرة اليه. لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ يعنون موسى وهارون وقومهما اى نتبعهم فى دينهم قلت وجاز انهم يعنون به السحرة الذين طلبهم اى لعلنا نتبع السحرة فى ابطال امر موسى إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ والترجي يناسب التأويل الثاني واما على التأويل الاول فالترجى باعتبار الغلبة المقتضية للاتباع ومقصودهم الأصلي ان لا يتبعو امر موسى. فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ استفهام للتقرير. قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ عطف على مضمون نعم يعنى ان لكم اجرا وانكم إِذاً اى إذا كان لكم الغلبة متعلق بما بعده لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ التزم لهم القربة زيادة على ما طلبوا من الاجر عند الغلبة- فقال السحرة لموسى امّا ان تلقى وامّا ان نكون نحن الملقين كما مرّة فى الأعراف فحينئذ. قالَ لَهُمْ

_ (1) والصحيح امال سحّار ابو عمرو والدوري عن الكسائي والصوري عن ابن ذكوان وقال الأزرق عن ورش واما لاخفش عن ابن ذكوان فبا الفتح بلا خلاف وهى طريق التيسر والشاطبية وقرا هشام وابو الحارث بالفتح بلا خلاف- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة الشعراء (26) : آية 44]

مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ لم يرد به الأمر بالسحر بل أراد به الاذن فى تقديم ما هم فاعلون لا محالة توسلا الى اظهار امره فلا يرد عليه ان الأمر بالمعصية حرام او يقال هذا الأمر للتحقير اى لتحقير سحرهم فى مقابلة المعجزة فليس من باب الطلب فى شىء. فَأَلْقَوْا اى السحرة حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ تبرّكوا بعزة فرعون لفرط اعتقادهم انه من السعداء او اقسموا بعزته على إتيانهم بأقصى ما يمكن ان يؤتى به من السحر. فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ اى تبتلع قرأ حفص بالتخفيف والباقون بالتشديد ما يَأْفِكُونَ ما موصولة يعنى ما يقلبونه عن وجهه بتمويههم وتزويرهم فيخيّل حبالهم وعصيهم انها حيات تسعى او مصدرية اى تبتلع إفكهم تسمية للمافوك به مبالغة. فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ يعنى انهم لمّا راو ما راوا لم يتمالكوا أنفسهم لعلمهم بان مثله لا يتاتى بالسحر فطرحوا على وجوههم وانه تعالى ألقاهم بما وفقهم للتوبة وفيه دليل على ان منتهى السحر تمويه وتزوير يخيّل شيئا لا حقيقة له. قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ بدل من القى بدل اشتمال او حال بإضمار قد. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ابدال للتوضيح ودفع التوهم والاشعار على ان الموجب لايمانهم ما اجرى على أيديهما من المعجزة. قالَ فرعون تعنتا ليلبس على قومه كيلا يعتقدوا انهم أمنوا عن بصيرة وظهور حق آمَنْتُمْ لَهُ قرأ حمزة والكسائي وابو بكر وروح ءامنتم بالهمزتين والباقون بهمزة واحدة «1» وحذف همزة الاستفهام الإنكاري قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فعلّمكم شيئا دون شىء ولذلك غلبكم او المعنى انه وادعكم ذلك وتواطئتم عليه فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ تهديد اجمالا ثم فصله بقوله لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ. قالُوا لا ضَيْرَ اى لا ضرر علينا فى ذلك لاستلزامه الشهادة والاجر الجزيل الذي يتلاشى فى مقابلته المصائب الدنيوية إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ بما توعّدنا به او بسبب اخر من اسباب الموت وقتلك أنفعها وارجلها تعليل لنفى الضير. إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا اى لان كنّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ من اتباع فرعون او من اهل المشهد قلت والظاهر ان معناه ان كنّا

_ (1) والصحيح انه قرأ فالون والأزرق عن ورش وابن كثير وابو عمرو وابن ذكوان وابو جعفر وهشام بخلف عنه ءامنتم بهمزة محققة فمسهلة ثم الف وقرأ ابو بكر وحمزة والكسائي وخلف وروح وهشام بوجهه الثاني بهمزتين محققتين ثم الف وقرأ الباقون وهم الاصبهانى عن ورش وحفص ورويس بهمزة واحدة محققة والف على الخبر 12 ابو محمد عفا الله عنه

[سورة الشعراء (26) : آية 52]

من أول المؤمنين وأول المؤمنين هم الذين يقتدى بهم غيرهم والجملة تعليل ثان لنفى الضير او تعليل للعلة المتقدمة او بدل اشتمال لها. وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى بعد ما اقام بين أظهرهم سنين يدعوهم الى الحق ويريهم الآيات فلم يزيدوا الا عتوّا وفسادا أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ يتبعكم فرعون وقومه ليحولوا بينكم وبين الخروج من مصر تعطيل للاسراء قال البغوي روى عن ابن عباس قال اوحى الله الى موسى عليه السلام ان اجمع بنى إسرائيل اهل كل اربعة أبيات فى بيت ثم اذبحوا أولاد الضأن فاضربوا بدمائها على أبوابكم فانى سامر الملائكة فلا تدخل بيننا على بابه دم وسامرها فيقتل أبكار ال فرعون من أنفسهم وأموالهم. ثم اخبزوا خبزا فطيرا فانه اسرع لكم ثم اسر بعبادي حتى تنتهى الى البحر فيأتيك امرى ففعل ذلك فلمّا أصبحوا قالوا لفرعون «اى طرى قريب حديث العمل- نهاية منه رح» هذا عمل موسى واتباعه قتلوا ابكارنا من أنفسنا وأموالنا فارسل فى اثره الف الف وخمس مائة الف ملك سود مع كل ملك الف وخرج فرعون فى الكرسي العظيم لكن قلت عدد جنوده بهذه للمثابة مما يستبعده العقل ولم يرو من النقل ما يوجب العلم به. فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ معطوف على محذوف تقديره فاسرى موسى قومه فبلغ الخبر فرعون وأراد ان يتبعهم فارسل فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يعنى الشرط ليحشروا اى ليجمعوا الجيش قلت لعله بعث ناسا ليجمعوا اهل المدائن المتصلة بمصر بحيث يمكن اجتماعهم فى تلك الليلة الى الصباح قائلا لهم. إِنَّ هؤُلاءِ يعنى بنى إسرائيل لَشِرْذِمَةٌ بالكسر القليل من الناس كذا فى القاموس ثم أكده بقوله قَلِيلُونَ لاشعاره غاية القلة فهذه الاية تدل على بطلان ما روى انهم كانوا ست مائة وسبعين الفا وانما استقلهم بالاضافة الى جنوده على ما قيل فى عدد جنوده انه كانت مقدمته سبع مائة الف والساقة والجناحين والقلب على قياس ذلك فانه لا يجوزه العقل نظرا الى أجياد ملوك الأرض لا سيما ملك مصر. قلت لعل إيراد الشرذمة لبيان قلتهم بالنسبة الى جنود فرعون وإيراد قليلون لبيان قلتهم فى نفس الأمر. وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ لنا متعلق بغائظون والمغني انهم اصحاب غيظ وعداوة لنا يعنى مبغضون لنا او المعنى انهم لفاعلون بنا ما يغيظنا. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ قرأ اهل الحجاز والبصرة حذرون وفرهين بغير الف ووافقهم هشام فى حذرون والباقون خاذرون وفارهين بالألف فيهما والاول للثبات والثاني للتجدد وهذا معنى ما قال الفراء الحاذر الذي يحذرك الان والحذر المخاوف وقيل حاذرون مؤدون مفوّون اى ذووا ازاءة وقوة اى مستعدون شاوا السلاح كذا قال الزجاج ومعنى حذرون خائفون مستيقظون اى غير غافلين.

[سورة الشعراء (26) : آية 57]

فَأَخْرَجْناهُمْ تقديره فاجتمعوا واتفقوا على الاتباع فاخرجناهم يعنى انهم خرجوا بتقديرنا ومشيتنا مِنْ جَنَّاتٍ اى بساتين وَعُيُونٍ انهار. وَكُنُوزٍ اى اموال من الذهب والفضة وَمَقامٍ كَرِيمٍ اى منازل حسنة ومجالس بهيّة يعنى مجالس الأمراء والرؤساء تحفها الاتباع. كَذلِكَ اى الأمر كذلك وَأَوْرَثْناها يعنى تلك الجنات والعيون والكنوز والمقام الكريم بَنِي إِسْرائِيلَ وذلك بان الله تعالى ردّ بنى إسرائيل الى مصر بعد ما أغرق فرعون وقومه وأعطاهم جميع ما كان لفرعون وقومه من الأموال والمساكن. فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ اى داخلين فى وقت شروق الشمس. فَلَمَّا تَراءَا قرأ حمزة بامالة فتحة الراء فاذا وقف اتبعها الهمزة فاما لها مع جعلها بين بين على أصله فيصير بين الفين ممالتين الاولى أميلت لامالة فتحة الراء والثانية أميلت لامالة فتحة الهمزة وهذا بحكم المشابهة غير ان هذا حقيقته على مذهبه والباقون يخلصون فتحة الراء والهمزة فى حال الوصل فاما الوقت فالكسائى يقف بامالة فتحة الهمزة فيميل الالف التي بعدها المنقلبة من الباء لامالتها وورش يجعلها فيه بين بين على أصله فى ذوات الياء والباقون يقفون بالفتح الْجَمْعانِ اى تقاربا بحيث يرى كل فريق من قوم موسى وقوم فرعون آخرين قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ يعنى سيد ركنا قوم فرعون ولا طاقة لنا بهم. قالَ موسى ثقة بوعد الله كَلَّا لن يدركونا إِنَّ مَعِي قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها رَبِّي بالعون والحفظ سَيَهْدِينِ اى يدلنى على طريق النجاة-. فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ مفسرة لاوحينا لما فيه معنى القول اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ عطف على محذوف تقديره فضرب موسى عصاه على البحر فانفلق البحر اى النيل فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ من الماء كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ كالجبل الضخم الثابت فى مقره فدخل كل سبط فى شعب من شعابها. وَأَزْلَفْنا اى قربنا ثمّ فى ذلك المكان الْآخَرِينَ يعنى قوم فرعون. وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ بحبس البحر عن الجريان الى ان عبروا. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ يعنى قوم فرعون. إِنَّ فِي ذلِكَ اى إنجاء موسى ومن معه وإهلاك فرعون وقومه لَآيَةً حجة واضحة على صدق موسى عليه السلام وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ اى اكثر اتباع فرعون مُؤْمِنِينَ قيل لم يكن أمن لموسى من ال فرعون الا آسية امراة فرعون وحزئيل مومن ال فرعون الذي يكتم إيمانه وامرأته ومريم بنت ناموسيا التي دلت على قبر يوسف عليه السّلام. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ فى الانتقام

[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 إلى 70]

من أعدائه الرَّحِيمُ باوليائه.. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ اى على اهل مكة عطف قوله إذ نادى ربّك موسى لكونه مقدرا باذكر نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ ابراهيم متعلق بمحذوف اى اذكر إذ قال بدل من قوله اتل عليهم لِأَبِيهِ آزر سماه الله أبا لكونه عما ومربيا له وَقَوْمِهِ «1» ما تَعْبُدُونَ سالهم ليريهم ان ما يعبدونه لا يستحق العبادة. قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ أطالوا فى الجواب تبجحا به وافتخارا ونظلّ هاهنا بمعنى ندوم وقال البغوي كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل. قالَ ابراهيم هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ اى هل يسمعون دعاءكم وقال ابن عباس معناه هل يسمعون لكم إِذْ تَدْعُونَ أورد صيغة المضارع مع إذ على حكاية الحال الماضية. أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ على عبادتكم لها أَوْ يَضُرُّونَ من اعرض عنها. قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ يعنون انها لا تسمع قولا ولا تنفع نفعا ولا تدفع ضرّا بل اقتدينا بآبائنا يفعلون مفعول ثان لوجدنا وكذلك صفة لمصدر محذوف ليفعلون يعنى بل وجدنا آباءنا يفعلون فعلا كذلك الفعل اى كفعلنا ذلك. قالَ ابراهيم أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ همزة الاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب على الإقرار والفاء للعطف على محذوف وما استفهامية والجملة الاستفهامية قائمة مقام مفعولى رايتم او موصولة وهى مع صلتها أول مفعولى رايتم والثاني مقدر وتقدير الكلام أتأملتم فرايتم اىّ شىء تعبدون يعنى تعبدون ما لا ينفعكم ولا يضركم تقليدا لابائكم عبثا. او تقديره أتأملتم فرايتم الذي تعبدونه شىء لا ينفعكم ولا يضركم ووصف الآباء بالتقدم للاشعار بان التقدم لا يدل على الصحة ولا ينقلب به الباطل حقا. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي قرأ نافع وابو عمره وورش «2» بفتح الياء والباقون بإسكانها يعنى ان عبدتهم فانهم عدولى أسند عداوتهم الى نفسه تعريضا واشعارا بانهم اعداء لكم حيث يتضررون بعبادتها فوق ما يتضرر الرجل من عدوه. وهذا دأب الناصح الكريم يبدأ بنفسه والتعريض انفع من التصريح ونظيره قوله تعالى وما لى لا اعبد الّذى فطرنى يعنى ما لكم لا تعبدونه واطلاق العدو على الجمادات مبنى على التجوز اما لوصول الضرر من جهتها او باعتبار ما يؤل الأمر اليه يوم القيامة قال الله سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدّا وافراد العدو لانه فى الأصل مصدر على

_ (1) وليس فى الأصل وقومه (2) لا وجه لذكر الورش بعد ذكر نافع لعله من سباق القلم- ابو محمد

[سورة الشعراء (26) : آية 78]

وزن فعول كالقبول او على معنى ان كل معبود لكم فهو عدولى وقيل يجوز اطلاق العدو والصديق على الواحد والجمع لان كلّ صفة على وزن فعول او فعيل يستعمل كذلك يقال رجل عدو وقوم عدو قال الله تعالى فان كان من قوم عدوّ لّكم وهو مؤمن وقال الله تعالى وكذلك جعلنا لكلّ نبىّ عدوّا شياطين الانس والجنّ إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ استثناء منقطع كانه قال فانّهم عدوّ لّى لكن ربّ العلمين وليّي وقيل انهم كانوا يعبدون الأصنام مع الله تعالى فقال ابراهيم كل من تعبدونه عدوّ لّى الّا ربّ العلمين او يقال كان من ابائهم من يعبد الله. الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ فانه يهدى كل مخلوق لما خلق له من امور المعاش والمعاد قال الله والّذى قدّر فهدى هداية مدرجة من مبدا الإيجاد الى منتهى اجله يتمكن بها من جلب المنافع ودفع المضار مبداها بالنسبة الى الإنسان هداية الجنين الى امتصاص دم الطمث من سرة ومنتهاها الى طريق الجنة ولذائذها الموصول مع صلتها صفة لرب العلمين او خبر مبتدا محذوف اى هو الّذى خلقنى او منصوب على المدح والفاء للعطف واختلاف النظم لتقدم الخلق واستمرار الهداية وللموصولات الثلاثة معطوفات عليه او الموصول مبتدا خبره فهو يهدين والفاء للسببيه وقوله. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ على هذا مبتدا محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه وكذا الذان بعده وتكرير الموصول على الوجوه كلها للدلالة على ان كل واحد من الصلات مستقلة لاقتضاء الحكم. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ عطفه على يطعمنى ويسقين لكونها من روادفها فان الصحة والمرض فى الغالب يتبعان المأكول والمشروب ولم ينسب المرض الى الله تعالى مع ان المرض والشفاء كلّا منهما بخلقه سبحانه رعاية لحسن الأدب كما قال خضر فاردت ان أعيبها وقال فاراد ربّك ان يّبلغا أشدّهما وأسند الى نفسه هضما ونظرا ال ان ما أصاب الإنسان من مصيبة فيما كسبت يداه ولان المقصود تعديد النعم. وأسند الموت الى الله سبحانه لان الموت من حيث انه لا يحس به لا ضرر فيه وانما الضرر فى مقدماته وهى المرض ولان الموت لاهل الكمال خلاص من انواع المحن ووصلة الى نيل النعم التي يستحقر دونها الحيوة الدنيوية كما قيل الموت جسر يوصل الحبيب الى الحبيب وفى الحديث موت الفجاءة راحة للمؤمن واخذة الأسف للفاجر. رواه احمد والبيهقي بسند حسن عن عائشة مرفوعا وفى الحديث الموت كفارة لكل مسلم. رواه ابو نعيم فى الحلية والبيهقي بسند ضعيف عن انس ولان المريض فى الغالب يحدث بتفريط الإنسان فى مطاعمه ومشاربه ولما بين الاخلاط والأركان من التنافي والتنافر

[سورة الشعراء (26) : آية 81]

والصحة انما يحصل باستحفاظ اجتماعها والاعتدال المحفوظ عليها قهرا بقدرة العزيز الحكيم. وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ فى الاخرة. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ذكر ذلك «1» هضما لنفسه او تعليما لامته ان يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر منها ويطلبوا المغفرة لما صدر عنهم او استغفارا لما فات منه العزيمة وعمل بالرخصة شفقة على أمته كيلا يضيق عليهم نطاق الأمر وحمل الخطيئة على كلماته الثلاث قوله انّى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم وقوله لسارة هذه أختي كما قال به مجاهد وقوله للكوكب هذا ربى كما قال الحسن زائدا على الثلاث ضعيف لانها معاريض وليست بخطايا والله اعلم روى البغوي عن مسروق عن عائشة انها قالت يا رسول الله ابن جدعان فى الجاهلية كان يصل الرحم ويطعم المساكين فهل كان نافعه قال لا ينفعه ان لم يقل يوما ربّ اغفر لى خطيئتى يوم الدّين- وهذا كله احتجاج من ابراهيم على قومه واشعار بانه من لا يستطيع ان يفعل هذا لا يصلح للالوهية. رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً اى كمالا فى العلم والعمل بحيث يستعد خلافة الحق ورياسة الخلق وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ووفقني الكمال فى العمل حتى انتظم فى سلك الصالحين الّذين لا يشوبهم فساد أصلا وهم الأنبياء المعصومون. وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ يعنى ثناء حسنا وذكرا جميلا مطابقا للواقع وقبولا

_ (1) قال الامام فخر الدين الرازي فى التفسير الكبير هذا ضعيف لانه ان كان صادقا فى هذا التواضع لزم الاشكال يعنى كون النبي غير معصوم وان كان كاذيا يرجع الجواب الى الحاق المعصية به لاجل تنزهه عن المعصية وايضا لا يجوز ان يكذب نعرض تعليم الامة- قلت قول الرازي هذا ضعيف لانه انما يلزم الكذب والمعصية إذا يرى نفسه بريّا من الذّنب ويقول بلسانه انى مذنب خاطئى وليس كذلك بل الأمر ان الصوفي إذا تم فقره وفناؤه يرى وجوده وكمالاته مستعارة من الله ويرى نفسه عدما محضا منشا للشر حيث قال الله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك فحينئذ إذا قال انى مذنب لا يسمى كاذبا سهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم على رأس الركعتين من الظهر فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسمت يا رسول الله قال كل ذلك لم يكن قال ذو اليدين بعض ذلك قد كان فحاشا ان يكون قوله صلى الله عليه وسلم كل ذلك لم يكن كذبا او ذنبا لما كان على نسيان فكذا قال المعصوم ربّ اغفر لى خطيئتى بل اولى لانه إنشاء لا يحتمل الكذب ومعنى قولنا هضما لنفسه اى لاجل انهضام نفسه وحال كون نفسه منهضما منكسرا عند شعسعان جلال ربه لا انه يقول ذلك تواضعا مع ما يرى نفسه غير مذنب فيكون كذبا وسنذكر بعض هذا المقال فى سورة محمد صلى الله عليه وسلم فى تفسير قوله تعالى واستغفر لذنبك 12 منه برد الله مضجعه-

[سورة الشعراء (26) : آية 85]

عامّا فى الأمم اللاتي يأتين من بعدي والمعنى يكون لسان الآخرين فى ثنائى صادقا. وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ فى الآخرين. وَاغْفِرْ لِأَبِي قرأ نافع وابو عمرو وورش «1» بفتح الياء والباقون بإسكانها يعنى اغفره بالهداية والتوفيق للايمان. إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ عن طريق الحق وكان هذا الدعاء قبل ان يتبين له انه عدو لله ولم يقدر له الهداية والايمان قال الله تعالى وكان استغفار ابراهيم لابيه الّا عن مّوعدة وّعدها ايّاه فلمّا تبيّن له انّه عدوّ لله تبرّا منه او لانه لم يمنع بعد الاستغفار للكفار. وَلا تُخْزِنِي اى لا تفضحنى بمعاتبتي على ما فرطت او ينقص مرتبتى عن مرتبة الصالحين من الخزي بمعنى الهوان او من الخزاية بمعنى الحياء يَوْمَ يُبْعَثُونَ الضمير للعباد لكونهم معلومين او للضالين اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر انه سئل كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى النجوى قال يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول عملت كذا وكذا فيقول نعم ثم يقول نعم ثم يقول انى سترتها عليك فى الدنيا وانا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه واما الكافر والمنافق فينادى به على رؤس الاشهاد هؤلاء الّذين كذّبوا على ربّهم الا لعنة الله على الظّالمين. يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ اى خالص من الشرك والشك فاما الذنوب فليس يسلم منها أحد قال البغوي هذا قول اكثر المفسرين قال سعيد بن جبير القلب السليم قلب المؤمن وقلب الكافر والمنافق مريض قال ابو عثمان النيشابوري هو القلب الخالي عن البدعة المطمئن الى السنة يعنى اهل السنة والجماعة يعنى لا ينفع مال ولا بنون أحدا الا مؤمنا فالمستثنى مفرغ فى محل النصب اولا ينفع مال ولا بنون الآمال مومن وبنوه فالمستثنى فى محل الرفع على البدلية والحاصل ان الكافر وان بذل ماله فى صلة الرحم واطعام المساكين لا ينفعه لعدم إسلامه وكذا بنوه وان كانوا صلحاء او أنبياء لا ينفعون آباءهم بالشفاعة او الاستغفار ما كان للنّبىّ والّذين أمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولى قربى روى البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يلقى ابراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له ابراهيم الم اقل لك لا تعصنى فيقول له أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول ابراهيم يا رب انك وعدتني ان لا تخزنى يوم يبعثون فاى خزى اخزى من ابى الأبعد فيقول الله انى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا ابراهيم انظر ما تحت رجليك فينظر فاذا بذيخ «2»

_ (1) ذكر الورس هنا ايضا من سياق قلم. ابو محمد عفا الله عنه- (2) قوله بذيخ بكسر المعجمة وسكون التحتانية والمعجمة ذكر الضبع الكثير الشعر 12 الفقير الدهلوي.

[سورة الشعراء (26) : آية 90]

متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى فى النار فيتبرا منه يومئذ انتهى. واما المؤمن فينفعه ماله الذي أنفقه فى الطاعة وولده بالشفاعة والاستغفار وقيل الاستثناء منقطع والمعنى ولكن سلامة من اتى الله بقلب سليم ينفعه. وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ بحيث يرونها من الموقف فيتججون بانهم للمحشورون. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ فيرونها مكشوفة ويرون انهم يساقون إليها قال البيضاوي وفى اختلاف القولين ترجيح لجانب الوعد. وَقِيلَ لَهُمْ اى للغاوين أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ يعنى اين الذين كنتم تعبدونها وترجون شفاعتها. مِنْ دُونِ اللَّهِ حال من الضمير المنصوب هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ الاستفهام للانكار والتوبيخ اى هل يمنعونكم من العذاب أَوْ يَنْتَصِرُونَ اى يدفعون العذاب عن أنفسهم بل هم وما يعبدون من دون الله حصب جهنم. فَكُبْكِبُوا فِيها قال البغوي قال ابن عباس اى جمعوا وقال مجاهد دهوروا وقال مقاتل قذفوا وقال الزجاج طرح بعضهم على بعض وقال القتيبي القوا على رؤسهم وفى القاموس كبه اى قلّبه وصرحه كاكّبه وكبكبه فاكب وهو لازم يعنى كبّ وكبكب بمعنى واحد وقال البيضاوي كبكب تكرير الكب لتكرير معناه كانّ من القى فى النار ينكب مرّة بعد اخرى حتى يستقر فى قعرها هم يعنى الالهة الباطلة وَالْغاوُونَ اى عابدوها. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ اى متبعوه من عصاة الثقلين ويقال ذريته أَجْمَعُونَ تأكيد للجنود ان جعل مبتدا خبره ما بعده او للضمير المرفوع فى كبكبوا مع ما عطف عليه. قالُوا يعنى الغاوون للشياطين والمعبودين وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ حال من فاعل قالوا والضمير المرفوع المنفصل يعود الى العابدين والمعبودين جميعا ينطق الله الأصنام فيخاصمون العبدة. تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ان مخففة من الثقيلة واللام فارقة والجملة مقولة قالوا. إِذْ نُسَوِّيكُمْ ايها المعبودون فى استحقاق العبادة بِرَبِّ الْعالَمِينَ إذ نسوّيكم متعلق بقوله كنا ويجوز ان يكون الضمير المنفصل وما يعود اليه راجعا الى العبدة فحسب كما فى قالوا بناء على عدم صلاحية الاختصام فى الأصنام والخطاب الى الأصنام وفائدة الخطاب المبالغة فى التحسر والندامة والمعنى انهم مع تخاصمهم فى مبدا ضلالهم معترفون بانهماكهم فى الضلالة فيتحسرون عليها. وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ قال مقاتل يعنون الشياطين وقال الكلبي الأولين الذين اقتدو بهم فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ كما ان للمؤمنين شفعاء من النبيين والملائكة وإخوانهم الصالحين. وَلا صَدِيقٍ اى صادق فى المؤدة جمع الشافع ووحّد الصديق لكثرة الشفعاء فى العادة وقلة الصديق ولان الصديق الواحد يسعى اكثر مما يسعى الشفعاء ولاطلاق الصديق على الجمع كالعدو

[سورة الشعراء (26) : آية 102]

كما ذكرنا ان وزن فعول وفعيل يجىء فى الجمع والواحد ولانه فى الأصل مصدر كالجنين والصهيل حَمِيمٍ اى قريب فى القاموس حميم كامير القريب جمعه احماء وقد يكون الحميم للجمع والمؤنث يعنون انه ليس لنا صديق ولا قريب يشفع لنا فان الاخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ الّا المتّقين روى البغوي عن جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الرجل ليقول فى الجنة ما فعل صديقى فلان وصديقه فى الجحيم فيقول الله تعالى اخرجوا له صديقه الى الجنة فيقول من بقي فما لنا من شافعين ولا صديق حميم قال الحسن استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فان لهم شفاعة يوم القيامة فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً اى رجعة الى الدنيا بتمني للرجعة أقيم فيه لو مقام ليت لاشتراكهما فى معنى التقدير او شرط حذف جوابه يعنى لكان خيرا فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ جواب للتمنى او عطف على كرّة إِنَّ فِي ذلِكَ اى فيما ذكر من قصة ابراهيم لَآيَةً اى لحجة واضحة لمن أراد ان يستبصر بها ويعتبر فانها جاءت على الظم ترتيب واحسن تقرير يتفطن المتأمل فيها لغزارة علمه لما فيها من الاشارة الى اصول العلوم الدينية والتنبيه على دلائلها وحسن دعوته للقوم وحسن مخالفته معهم وكمال اشفاقه عليهم وتصوير الأمر فى نفسه واطلاق الوعد والوعيد على سبيل الحكاية تعريضا وايقاظا ليكون ادعى لهم الى الاستماع والقبول وايضا فيه حجة واضحة على صدق دعوى محمد صلى الله عليه وسلم وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ اى اكثر قومه مُؤْمِنِينَ به وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ القادر على الانتقام الرَّحِيمُ باهمال الكفار لكى يؤمنوا به هم او واحد من ذريتهم. وانعام المؤمنين. كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ القوم مؤنث ولذلك تصغر على قويمة أورد المرسلين بصيغة الجمع والمراد به الجنس يقال يركب فلان الخيل وان لم يكن له إلا فرس واحد او لانهم كانوا ينكرون بعث الرسل وروى عن الحسن البصري انه قيل له يا أبا سعيد ارايت قوله تعالى كذّبت قوم نوح ن المرسلين كذّبت عاد ن المرسلين كذّبت ثمود المرسلين وانما أرسل إليهم رسول واحد قال ان الاخر جاء بما جاء الاول فاذا كذّبوا واحدا كذّبوا الرسل إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ فى النسب لا فى الدين نُوحٌ عطف بيان للاخ أَلا تَتَّقُونَ الله فتتركون عبادة غيره إِنِّي لَكُمْ لهدايتكم الى ما هو خير لكم رَسُولٌ من الله أَمِينٌ على وحيه مشهور فيكم بالصدق والامانة فَاتَّقُوا اللَّهَ اجتنبوا من عذابه وَأَطِيعُونِ فيما أمركم به من التوحيد والعبادة لله وحده وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على دعائكم الى الله والنصح مِنْ أَجْرٍ حتى تتّهمونى

[سورة الشعراء (26) : آية 111]

فى النصح بالطمع إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع وابن عامر وابو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ كرره للتاكيد والتنبيه على ان دلالة كل واحد من أمانته وعدم طبعه مستقلة على وجوب طاعته فيما يدعوهم اليه فكيف إذا اجتمعا قالُوا يعنى قومه إنكارا عليه أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ حال بتقدير قد قرأ يعقوب اتباعك جمع تابع كشاهد وإشهاد او تبع كبطل وابطال الْأَرْذَلُونَ جمع أرذل على وزن اعور على السلامة فى القاموس وهو الدون الخسيس قال البيضاوي الأقل جاها ومالا قال البغوي السفالة وعن ابن عباس الصاغة قال عكرمة الحاكة والاساكفة وهذا من سخافة عقلهم وقصور رأيهم على حطام الدنيوية حتى جعلوا اتباع المقلين فيها مانعا عن اتباعهم وايمانهم بما يدعوهم اليه ودليلا على بطلانه واشاروا بذلك الى ان اتّباعهم ليس عن نظر وبصيرة وانما هو لتوقع مال ورفعة فلذلك قالَ نوح وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يعنى انى لا اعلم انهم عملوا ذلك الاتباع إخلاصا لله او طمعا فى رفعة فى الدنيا وما علىّ الا اعتبار الظاهر إِنْ حِسابُهُمْ يعنى ما حسابهم على بواطنهم إِلَّا عَلى رَبِّي فانّه المطلع عليها لَوْ تَشْعُرُونَ يعنى لو كان لكم شعور لادركتم ذلك ولكن الله عطل مشاعركم عن درك الحق وأعمى بصائركم قال البغوي يعنى لو علمتم ذلك عبدتم لصنائعهم قال الزجاج الصناعات لا يضر فى الديانات وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ جواب لما او هم قولهم من استدعاء طردهم إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ كالعلة لعدم الطرد يعنى ما انا الا مبعوث لانذار الناس من عذاب الله ومنعهم عن الكفر والمعاصي ودعوة الخلق الى الله تعالى سواء كانوا أعزاء او أذلاء فكيف يسوغ لى طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء إذ ما علىّ الا انذاركم قال الضحاك انذارا بينا بالبرهان الواضح فلا علىّ ان اطردهم لاسترضائكم قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ عما نقول لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ من المشتومين كذا قال الضحاك او من المقتولين بالحجارة كذا قال مقاتل والكلبي قالَ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ اظهار لما يدعو الى دعائه عليهم وهو تكذيب الحق لا تخويفهم إياه واستخفافهم به فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً من الفتاحة وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ قرا ورش وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ من قصدهم او شوم عملهم فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ المملو ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ اى بعد انجائه والمؤمنين الْباقِينَ من قومه وهم الكافرون إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً شاعت وتواترت وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ

[سورة الشعراء (26) : آية 123]

مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ انثه باعتبار القبيلة وهو فى الأصل اسم أبيهم إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ فى النسب لا فى الدين هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ عذاب الله بالتوحيد وترك الإشراك إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ أمين على الرسالة قال الكلبي أمين فيكم قبل الرسالة يعنى ما كنتم تتهمونى قبل ذلك فكيف تتهمونى اليوم فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وابن عامر وابو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ فان أداء الرسالة طاعة لله تعالى فاجره عليه مسئله لا يجوز أخذ الاجرة على الطاعة والا لا يكون الطاعة طاعة لله تعالى ولا يستحق الاجر من الله تعالى أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ الاستفهام للتوبيخ او التقرير والاستغراق فى كل ريع غير حقيقى بل المراد به الكثير بالكثرة فى نفسها دون الكثرة بالاضافة قال الوالبي عن ابن عباس اى بكل شرف يعنى بكل مكان مرتفع وريع الأرض لنمائها وقال الضحاك ومقاتل بكل طريق وهو رواية العوفى عن ابن عباس وعن مجاهد هو الفج بين الجبلين وعنه ايضا المنظر وفى القاموس الريع بالكسر والفتح المرتفع من الأرض او الطريق المنفرج فى الجبل او الجبل المرتفع او مسيل الوادي من كل مكان مرتفع وبالكسر الصومعة وبرج الحمام آيَةً اى علامة مذكرة للبساتى تَعْبَثُونَ اى تفعلون فعلا لا يفيدكم فى الاخرة بل فى الدنيا ايضا او معنى الاية علامة للمارّة تعبثون ببنائها إذ كانت المارّة يهتدون بالنجوم فى أسفارهم فلا يحتاجون إليها وقيل انهم كانوا يبنون المواضع المرتفعة ليشرفوا على المارّة والسابلة فيسخرون منهم ويعبثون بهم وعن سعيد بن جبير هذا فى بروج الحمام أنكر عليهم هود اتخاذها بدليل قوله تعبثون اى تلعبون وهم كانوا يلعبون بالحمام قلت والظاهر انهم كانوا يبنون قصورا وبروجا وقلاعا تبقى على وجه الأرض بمر الدهور تكون ذلك علامة مذكرة لمن بناه كما هو داب اهل الدنيا يدل عليه قوله تعالى الم تر كيف فعل ربّك بعاد ارم ذات العماد الّتى لم يخلق مثلها فى البلاد وكل ذلك عبث فانكر عليهم هود عليه السلام كما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال إذا أراد الله بعبد شرّا حصر له فى اللبن والطين حتى يبنى. رواه الطبراني بسند جيد من حديث جابر ورواه فى الأوسط من حديث ابى البشر الأنصاري بلفظ إذا أراد الله بعبد هوانا أنفق ماله فى البنيان وقال صلى الله عليه وسلم كل بنيان وبال على صاحبه الا ما كان هكذا. وأشار بكفه رواه الطبراني بسند حسن عن واثلة بن الأسقع وعن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما ونحن معه فراى قبة مشرفة فقال ما هذه قال أصحابه هذه لفلان رجل من الأنصار فكت وحملها

[سورة الشعراء (26) : آية 129]

فى نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه واله وسلّم سلّم عليه فى الناس فاعرض عنه صنع ذلك مرارا حتى عرف الرجل الغضب منه والاعراض عنه فشكى ذلك الى أصحابه فقال والله انى لانكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالو اخرج فراى قبتك فرجع الرجل الى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلم يرها قال ما فعلت القبة قالوا شكى إلينا صاحبها اعراضك عنه فاخبرناه فهدمها فقال اما ان كل بناء وبال على صاحبه الا مالا الا مالا- رواه ابو داود واللفظ له يعنى الا ما لا بد منه وروى احمد وابن ماجة عن انس عنه صلى الله عليه وسلم اما ان كل بناء فهو وبال على صاحبه يوم القيامة الا ما كان فى مسجد او دار ويدل على ما ذكرت قوله تعالى وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ ماخذ الماء وقصورا مشيدة وحصونا عطف على تبنون لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ كانكم تبقون فيها ابدا فتحكمون بنائها (مسئلة) يكره طول الأمل ويستحب قصره عن ابن عمر قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدى فقال كن فى الدنيا كانك غريب او عابر سبيل وعدّ نفسك من اصحاب القبور رواه البخاري وعن عبد الله بن عمرو قال مرّ بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا وأمي نطين شيئا فقال ما هذا يا عبد الله قلت شىء نصلحه قال الأمر اسرع من ذلك- رواه احمد والترمذي وقال هذا حديث غريب وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهريق الماء فيتيمم بالتراب فاقول يا رسول الله ان الماء منك قريب فيقول ما يدرينى لعلى لا أبلغه. رواه البغوي فى شرح السنة وابن الجوزي فى كتاب الوفاء وَإِذا بَطَشْتُمْ أخذتم أخذا بالعنف تعذيبا الظرف متعلق بقوله بَطَشْتُمْ معطوف على تبنون جَبَّارِينَ قتّالين فى غير حق بلا رأفة فى القاموس الجبار المتكبر وقلب لا يدخله رحمة والقتال فى غير حق فَاتَّقُوا اللَّهَ بترك هذه الأشياء وَأَطِيعُونِ فيما أدعوكم اليه فانه انفع لكم وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ كرر الأمر بالتقوى مرتبا على امداد الله إياهم بما يعرفونه من انواع النعم تعليلا له وتغبيها على الواعد بدوام الامداد والوعيد على تركه بالانقطاع ثم فصّل بعض تلك النعم كما فصل بعض مساويهم المدلول عليها اجالا بالإنكار فى الا تتّقون مبالغة فى الاتعاظ والحث على التقوى فقال أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ بدل من امدّكم السابق ثمّ أوعدهم فقال إِنِّي فتح الياء حرميان وابو عمرو والباقون يسكنونها أَخافُ عَلَيْكُمْ ان عصيتمونى كذا قال ابن عباس عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فى الدنيا او الاخرة فان القادر على الانعام قادر على الانتقام والجملة فى مقام التعليل.

[سورة الشعراء (26) : آية 136]

قالُوا يعنى قوم هود فى جوابه سَواءٌ عَلَيْنا مصدر بمعنى المفعول غير مقدم لقوله أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ مبتدا بتأويل المصدر يعنى مستو عندنا وعظك إيانا وعدمه لا نترك ما نحن عليه بوعظك والوعظ كلام يلين القلب بذكر الوعد والوعيد غيّر شق النفي عما يقتضيه المقابلة حيث لم يقل او عظت أم لم تعظ للمبالغة فى عدم اعتدادهم لوعظه إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ قرأ ابو جعفر وابو عمرو والكسائي ويعقوب بفتح الخاء وسكون اللام يعنى ما هذا الذي جئتنا به من الوعظ الا كذب الأولين واختلاقهم كما فى قوله تعالى وتخلقون إفكا او المعنى ما خلقنا هذا الا خلق الأولين نحيى ونموت مثلهم لا بعث ولا حساب وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وابن كثير «1» بضمتين اى ما هذ الّذى جئتنا به إلا عادة الأولين كانوا يكذبون مثله او ما هذا الّذى نحن عليه من الدين الا خلق الأولين وعادتهم ونحن بهم مقتدون او ما هذا الذي نحن عليه من الحيوة والموت الا عادة قديمة لم يزل الناس عليها وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ على ما نحن عليه فَكَذَّبُوهُ تأكيد وتقرير لما سبق من قوله ان هذا الّا خلق الأولين على بعض التأويلات فَأَهْلَكْناهُمْ السبب التكذيب بريح صرصر كما ذكر فى غير هذا الموضع إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ فيه اشارة الى انه لو أمن أكثرهم او شطرهم لما أخذوا بالعذاب وان قريشا انما عصموا عن مثله ببركة من أمن منهم قال الله تعالى ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنت الى قوله لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابا أليما وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع وابن عامر وابو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا انكار لتركهم فيما انعموا فى الدنيا او تذكير بالنعمة فى تخلية الله إياهم فى اسباب التنعم آمِنِينَ غير خائفين من العذاب ثم فسر ما هاهنا بقوله. فِي جَنَّاتٍ مع ما عطف عليه بدل من قوله فيما هاهنا وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها اى ثمرتها هَضِيمٌ قال ابن عباس اى لطيف ومنه هضيم الكشح إذا كان لطيفا وروى عطية عنه نافع نضيج وقال عكرمة هو اللين وقال الحسن هو الرخو وقال مجاهد منهشم متفمّت إذا يبس وذلك انه مادام رطبا فهو هضيم فاذا يبس فهو هشيم وقال الضحاك ومقاتل قد ركب

_ (1) قرأ ابن كثير بفتح الخاء وسكون اللام فعدها فى هذه القراءة سهو 12 ابو محمد عفا الله عنه

[سورة الشعراء (26) : آية 149]

بعضها بعضا اى كثير وقال اهل اللغة هو المنضم بعضه الى بعض فى دعائه قبل ان يظهر قال الأزهري هو الداخل بعضه فى بعض وقيل هضيم اى هاضم يهضم الطعام وكل هذا للطافة وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً عطف على قوله امنين لتضمنه معنى الفعل على طريقة فالق الإصباح وجعل اللّيل سكنا والتقدير تأمنون وتنحتون او حال من ضمير امنين بتقدير وأنتم تنحتون فارِهِينَ قرأ نافع «وابو جعفر ويعقوب- ابو محمد» وابن كثير وابو عمرو فرهين وهو ابلغ لانه صفة مشبهة يدل على الدوام والباقون فارهين يعنى حاذقين بنحتها من قولهم فره الرجل فراهة فهو فاره وقال عكرمة معناه ناعمين وقال قتادة معجبين بصنيعكم وقال السدىّ متحيرين وقال الأخفش فرحين والعرب يعاقب بين الحاء والهاء مثل مدحته ومدهته وقال اى شرهبين يعنى حريصين والشّره غلبة الحرص وقال ابو عبيدة مرحين أشرين بطرين وهو الطغيان بالنعمة وعدم قبول الحق تكبرا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ قال ابن عباس اى المشركين وقال مقاتل هم التسعة الذين عقر والناقة الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بالمعاصي وَلا يُصْلِحُونَ ولا تطيعون الله فيما أمرهم به- قالُوا يعنى ثمود إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ اى من المسحورين المخذوعين كذا قال مجاهد وقتادة وقال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب يقال سحره اى علله بالطعام والشراب يعنى انك تأكل الطعام والشراب ولست بملك بل ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فلا أنت بنبي او المعنى انك ذو سحر وهى الرية اى انسان فحينئذ ما أنت الّا بشر مثلنا تأكيد له فَأْتِ بِآيَةٍ دليل على صحة قولا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى دعواك- فاخرج الله سبحانه ناقة من الصخرة بدعائه على ما اقترحوا اية على صدقه حتى. قالَ صالح هذِهِ ناقَةٌ اية صدقى لَها شِرْبٌ اى حظ ونصيب من الماء صفة لناقة وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ فاقتصروا على شربكم ولا تزاحموها فى شربها والجملة حال عن الضمير المستكن فى لها شرب. فكانت الناقة تشرب الماء كله فى يوم نوبتها ولا تشرب أصلا فى يوم نوبتهم وهذا دليل على جواز المهاياة وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ اى بضرب وعقر عطف على هذه ناقة فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ اى يوم عظيم عذابه وهو ابلغ من تعظيم العذاب لان الوقت إذا عظم بسببه كان وقعه من العظمة أشد فَعَقَرُوها عطف على قال نسب العقر الى الكل مع صدوره من بعضهم لامرهم ورضائهم به وكذلك أخذوا فى العذاب كلهم فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ على عقرها خوفا من نزول العذاب لا توبة او عند معائنة العذاب حين لا ينفعهم فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ الموعود

[سورة الشعراء (26) : آية 166]

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع وابو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها «1» إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ جملة أتأتون بيان او بدل لقوله الا تتقون يعنى أتأتون من دون من عداكم من العلمين الذكر ان تجامعونهم لا يشارككم فيه غيركم او اتأتون الذكر ان بالجماع دون النساء من العلمين من أولاد آدم عليه السلام مع كثرتهم وغلبة النساء فيهم فالمراد بالعلمين على الاول كل من ينكح وعلى الثاني الناس وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ لاجل استمتاعكم مِنْ أَزْواجِكُمْ من للبيان ان أريد بما جنس الإناث وللتبعيض ان أريد به العضو المباح منهن فانهم كانوا يفعلون ذلك بنسائهم ايضا كما تفعله الرافضة- وفيه دليل على حرمة ادبار الزوجات وللملوكات بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ مجاوزون من حد الحلال الى الحرام فى قضاء الشهوة زدتم فى قضائها على سائر الناس بل على الحيوانات او مفرطون فى المعاصي وهذا من جملة ذلك او أحقاء بان توصفوا بالعدوان لارتكاب هذه اللائمة- قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ جواب قسم محذوف يلوط عما تدعيه او عن فهينا بقبيح أمرنا لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ من قريتنا قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ من المبغضين فابة البغض لا أبالي من الإخراج وهو ابلغ من ان يقول انّى لعملكم قال لدلالته على انه معدود فى زمرتهم مشهور بانه من جملتهم وكذلك قوله بل أنتم قوم عادون مكان تعدون ثم لمّا ظهر عند لوط عدم تأثير دعوته فيهم دعا ربه ان ينجوه من مصاحبتهم ويعافيهم عما يلحقهم من العذاب فقال رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ اى من شومه وعذابه فَنَجَّيْناهُ عطف على قال المقدر قبل قوله ربّ نجّنى وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ اى اهل بيته ومتبعيه فى دينه بإخراجهم من بينهم وحلول العذاب بهم دونه إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ مقدرة فى الباقين فى العذاب والهلاك أصابها حجر فى الطريق فاهلكها لانها كانت مائلة الى القوم راضبة بفعلهم وقيل كانت فيمن بقي فى القرية ولم يخرج مع لوط عليه السلام ثُمَّ دَمَّرْنَا اى أهلكنا الْآخَرِينَ وَ

_ (1) وفى الأصل بياض لقدر ربع الصفحة بعد الا تتّقون وكذا بعد وما اسئلكم وكذا بعد بإسكانها 12 [.....]

[سورة الشعراء (26) : آية 173]

أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً قال وهب بن منبه الكبريت والنار فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ اللام فيه للجنس حتى يصح وقوع المضاف اليه فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف وهو ممطرهم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ قرأ ابو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي الأيكة هاهنا فى سورة ص بالهمزة وسكون اللام وكسر التاء والحرميان وابن عامر ليكة بفتح اللام والتاء غير مهموز وهو اسم بلد غير منصرف ولم يختلفوا فى سورة الحجر «1» وق فانهما مهموزتان مكسورتان مع سكون اللام غير ان ورشا يلقى حركة الهمزة على اللام على أصله والايكة الغيضة من الشجر الملتف كانت غيضة بقرب مدين يسكنها طائفة فبعث الله تعالى إليهم شعيبا كما بعثه الى مدين وكان شعيب من اهل مدين ولم يكن من اصحاب الايكة وكذلك قال إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ولم يقل أخوهم شعيب كما قال فى ذكر مدين أخاهم شعيبا لانه كان منهم نسبا أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وابو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ انما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء كلهم فيما حكى الله عنهم على صيغة واحدة لاتفاقهم على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص فى العبادة والامتناع من طلب الاجر على الدعوة وتبليغ الرسالة ومن ثم قال الله تعالى انّا أوحينا إليك كما أوحينا الى نوح والنّبيّين من بعده وقال الله تعالى اقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه أَوْفُوا الْكَيْلَ يعنى اتموه الجملة مع ما عطف عليه بيان للتقوى وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ الناقصين لحقوق الناس بالتطفيف وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ قرا مرّة «وحفص وخلف ابو محمد» والكسائي بكسر القاف والباقون بضمها وهو الميزان وهو ان كان عربيا فان كان من القسط بمعنى العدل ففعلاع بتكرير العين والا فهو فعلال رباعى الْمُسْتَقِيمِ المستوي الذي لا تطفيف فيه وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ اى لا تنقصوا شيئا من حقوقهم وَلا تَعْثَوْا اى لا تفسدوا فِي الْأَرْضِ بالقنل والغارة وقطع الطريق والنهب وغير ذلك مُفْسِدِينَ يعنى قاصدين الفساد فمن وقع منه نوع فساد بنية الإصلاح كمن رمى كافرا (تترّس بأسير مسلم) بنية الكافر وأصاب الأسير المسلم فلا غرم عليه ومن وقع منه فساد خطأ من غير قصد فهو غير مفسد وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ اى ذوى الجبلة الأولين

_ (1) وفى للاصل فى سورة الحج وف وهو من سبق قلم لا شك فيه- ابو محمد عفا الله عنه-

[سورة الشعراء (26) : الآيات 185 إلى 186]

يعنى من تقدمهم من الخلائق. قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا الواو للعطف على ما سبق للدلالة على انه جامع بين وصفين متنافيين للوسلة مبالغة فى تكذيبه وجاز ان يكون حالا مما سبق وَإِنْ نَظُنُّكَ يعنى وانا فظنك لَمِنَ الْكاذِبِينَ فى دعواك فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً قرأ حفص هاهنا وفى سبأ بفتح السين والباقون بسكونها اى قطعة مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى دعواك قالَ شعيب رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ من نجس الكيل والوزن وغير ذلك وهو يجازيكم عليه إنشاء وليس العذاب الىّ وما علىّ الا الدعوة فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ وذلك انه أخذهم حر شديد وكانوا يدخلون الا سراب فاذا دخلوها وجدوها أشد حرّا فاظلهم سحابة وهى الظلة فاجتمعوا إليها فامطرت عليهم نارا فاحترقوا وقد ذكر القصة فى سورة هود إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ هذا اخر القصص السبع المذكورة على الاختصار تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديدا للمكذبين به. وَإِنَّهُ اى القران لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ مصدر بمعنى المفعول يعنى منزل من رب العالمين عطف على قوله تلك آيات الكتاب المبين نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ حال بتقدير قد او تأكيد لما سبق او علة لكونة تنزيلا من الله قرأ اهل الحجاز وابو عمرو وحفص نزل بالتخفيف والرّوح الامين بالرفع على الفاعلية يعنى نزل بالقران الرّوح الامين يعنى جبرائيل عليه السلام وهو أمين الله على الوحى الى الأنبياء وقرأ ابن عامر وابو بكر «خلف ويعقوب ابو حمد» وحمزة والكسائي بتشديد الزاء ونصب الروح الامين على المفعولية يعنى نزّل الله جبرئيل بالقران عَلى قَلْبِكَ يا محمد حتى وعيته والمراد بالقلب هو القلب الصنوبري دون اللطيفة الربانية اللامكانية التي أصلها فوق العرش وبرزتها فى القلب الصنوبري لانه من عالم الأمر وهو لا يحتمل اعياء الوحى والنبوة بل الحامل لها هو القلب الصنوبري الجامع للعناصر والنقش وبرزات عالم الأمر ومن ثم لم يوجد الإيحاء الا بعد كمال البدن او بلوغه أشدّه عند أربعين سنة لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ اى المخوفين عمّا يؤدى الى العذاب من فعل او ترك بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ واضح المعنى قال ابن عباس يعنى بلسان قريش لئلا يكون لهم عذر بانا لم نفهم ما اوحى إلينا متعلق بنزل او بالمنذرين قيل معناه

[سورة الشعراء (26) : آية 196]

نزل به على قلبك بلسان عربى ولو كان اعجميّا لكان نازلا على سمعك دون قلبك لانك حينئذ تسمع صوتا لا تضهم معناه وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات فاذا كلمه أحد بلغة نشا عليها أحاط قلبه اولا بمعاني الكلام وان كلمه بغيرها كان قلبه اولا متوجها الى ألفاظها ثم فى معانيها فيقول بلسان عربىّ تقرير لقوله نزل على قلبك وَإِنَّهُ اى ذكر إنزال القران كذا قال اكثر المفسرين وقال مقاتل اى ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وقيل معناه اى القران لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ اى كتبهم وهذه الجملة معطوفة على ما سبق او حال وعلى التأويل الأخير قال بعض الحنفية القران اسم للمعنى فقط لانه لم يكن فى الزبر السابقة بهذا اللفظ العربي قطعا ومن أجل ذلك أجاز ابو حنيفة القراءة فى الصلاة بالفارسي وهذا القول مردود بل القران اسم للنظم والمعنى جميعا حيث قال الله تعالى قرءانا عربيّا فان العربي صفة للنظم ولان القران معجز والاعجاز من خواص النظم ومن أجل ذلك جاز للمجنب ان يقرا ترجمة القران بالفارسي وانما أجاز ابو حنيفة القراءة بالفارسي فى حق جواز الصلاة خاصة لجعله النظم ركنا غير لازم فى الصلاة خاصة رعاية للخضوع وقد رجع ابو حنيفة عن هذا القول وقال بعدم جواز القراءة بالفارسي كما قال صاحباه واكثر الائمة وبه يفتى أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم يعرفوا رسولهم ولم يكن لّهم اية على رسالته- قرا ابن عامر تكن بالتاء الفوقانية واية بالرفع على انه اسم كان وخبره لهم وان يعلمه بدل من اية او خبر مبتدا محذوف وجاز ان يكون لم تكن تامة فاعله اية ولهم حال منه وان يعلمه بدل من الفاعل او خبر مبتدا محذوف او يكون فى لم تكن ضمير القصة وان يعلمه مبتدا واية خبره مقدم عليه ولهم حال من اية والعامل معنى الثبوت المستفاد من الحمل والجملة خبر كان- وقرأ الباقون بالياء التحتانية واية منصوب على الخبرية واسمه ان يعلمه ولهم حال من اية أَنْ يَعْلَمَهُ يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم بنعته المذكورة فى التورية كما يعرفون أبناءهم او يعلمون القران انه منزل من الله عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ قال عطية كانوا خمسة عبد الله بن سلام وابن يامين وثعلبة واسد وأسيد وقال ابن عباس بعث اهل مكة الى اليهود وهم بالمدينة فسالوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا ان هذا لزمانه وانا لنجد فى التورية نعته وصفته وَلَوْ نَزَّلْناهُ اى القران عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ هو جمع أعجم وهو الّذى لا يفصح ولا يحسن العربية وان كان عربيّا فى النسب

[سورة الشعراء (26) : آية 199]

والعجمي هو المنسوب الى العجم وان كان فصيحا بالعربية ومعنى الاية ولو نزّلناه على رجل غير فصيح اللسان بالعربية وقال البيضاوي هو جمع أعجمي على التخفيف ولذالك جمع جمع السلامة يعنى لو كان جمع أعجم لما جاز جمعه للسلامة لان مؤنثه عجماء فان افعل فعلاء لا يجمع جمع السلامة ونظيره اشعرون جمع اشعرى على التخفيف أصله اشعريون والمعنى ولو نزّلنا القران عربيّا كما هو على بعض الأعجمين زيادة فى الاعجاز او بلغة العجم فَقَرَأَهُ اى الأعجمي عَلَيْهِمْ اى على اهل مكة ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ أفرط عنادهم واستكبارهم واستنكافهم من اتباع الأعجمي او لعدم فهمهم يقولون ما نفقه ما تقول نظيره قوله تعالى ولو جعلناه قرءانا اعجميّا لّقالوا لولا فصّلت آياته كَذلِكَ فى محل النصب بفعل مضمر يفسره ما بعده سَلَكْناهُ الضمير عائد الى الشرك التكذيب المدلول عليه بقوله ما كانوا به مؤمنين كذا قال ابن عباس والحسن ومجاهد يعنى أدخلنا الشرك والتكذيب فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ فيدل الاية على انه بخلق الله تعالى وقيل الضمير للقران اى أدخلنا القران فى قلوبهم فعرفوا معانيه واعجازه ومع ذلك لم يؤمنوا به عنادا لا يُؤْمِنُونَ بِهِ اى بالقران بيان لقوله كذلك سلكناه او حال او دليل على ما سبق وفى الاية اخبار بحال من علم الله موته على الشرك حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ الملجئ الى الايمان وذلك بعد الموت فى القبور فَيَأْتِيَهُمْ العذاب بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بإتيانه فَيَقُولُوا حينئذ تحسرا وناسف هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ الاستفهام للتمنى يتمنون الرجعة والنظرة قال مقاتل لمّا أوعدهم الله سبحانه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بالعذاب قالوا الى متى ما توعدنا به ومتى هذا العذاب قال الله تعالى أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره ابوعيدنا لا يستيقنون فبعذابنا يستعجلون وحالهم عند نزول العذاب طلب النظرة وقيل هذا كناية عن قولهم انزل علينا حجارة من السّماء او ائتنا بعذاب اليم وقولهم فاتنا بما تعدنا ولمّا كان استعجالهم العذاب بناء على اعتقادهم انه غير كائن وانهم يتمتعون أعمارا طوالا فى سلامة وأمن أنكر الله تعالى على استعجالهم ثم قال على تقدير التسليم أَفَرَأَيْتَ الاستفهام للتقرير والفاء للعطف على المحذوف تقديره أتفكرت فرايت يعنى فعلمت إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ كثيرة ولو مدة حيوة الدنيا.

[سورة الشعراء (26) : الآيات 206 إلى 207]

ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ والمعنى انهم إذا راوا العذاب الأليم حين يأتيهم بغتة يقولون هل نحن منظرون ولكنهم لا ينظرون اى لا يمهلون ولو سلمنا إهمالهم فلو تفكرت علمت انا ان متعناهم سنين كثيرة ثم جاءهم ما كانوا يوعدون به من العذاب ما اغنى عنهم تمتيعهم وإهمالهم المتطاول فى دفع العذاب وتخفيفه بل صار التمتع نسيا منسيّا كانهم لم يكونوا فى نعيم قط وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا قرية لَها مُنْذِرُونَ اى رسل انذروا أهلها فلم ير تدعوا ذِكْرى اى تذكرة ومحلها النصب على العلة او المصدرية لانها فى معنى الانذار او الرفع لانّها صفة منذرون بإضمار ذووا او بجعلهم ذكرى مبالغة لامعائهم فى التذكرة او خبر مبتدا محذوف والجملة اعتراضية وَما كُنَّا ظالِمِينَ وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ عطف على نزل به الرّوح الامين يعنى ليس كما زعمت المشركون ان الشياطين يلقون القران على محمد صلى الله عليه وسلم. وَما يَنْبَغِي لَهُمْ اى للشياطين ان يلقوا القران على محمد فان القران هداية والشياطين انماهم دعاة الى الضلال وَما يَسْتَطِيعُونَ ان يلقوا الاخبار بالمغيبات المذكورة فى القران إِنَّهُمْ اى الشياطين عَنِ السَّمْعِ لكلام الملائكة من السماء لَمَعْزُولُونَ اى محجوبون مرجومون بالشهب فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ تهييج لازدياد الإخلاص ولطف لسائر المكلفين قال ابن عباس رض يحذر به خيره يقول أنت أكرم الخلق علىّ ولو اتخذت الها غيرى لعذبتك وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الأقرب منهم فالاقرب فانهم اولى باهتمام شأنهم او لنفى التهمة فان الإنسان يساهل قرابته او ليعلموا انه لا يغنى عنهم من الله شيئا وان النجاة فى اتباعه- قال البغوي روى محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس رض عن على بن ابى طالب رضى الله عنهم انه قال لما نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا على ان الله أمرني ان انذر عشيرتى الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت انى متى انذرهم واناديهم بهذا الأمر ارى منهم ما اكره فصمتّ عليها حتى جاءنى جبرئيل فقال يا محمد ان لم تفعل ما تؤمر بعذبك ربك فاصنع لنا صاما من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن ثم اجمع لى بنى عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت

به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا او ينقصون فيهم أعمامه ابو طالب وحمزة والعباس وابو لهب فلمّا اجتمعوا له دعا بالطعام الذي صنعت فجئت به فلمّا وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم حذية «1» من اللحم فشقها بأسنانه ثم القاها فى نواحى الصحفة ثم قال خذوا بسم الله فاكل القوم حتى ما بهم حاجة وايم الله وان كان الرجل الواحد ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم ثم قال اسق القوم فجئتهم بذلك العش فشربوا حتى رووا جميعا وايم الله الرجل او أحد يشرب مثله فلما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكلمهم «اى سبقه- منه رح» بدره ابو لهب فقال سحركم صاحب كم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لغديا على ان هذا الرجل قد سبق الى ما علمت من القول فتفرق القوم قبل ان أكلمهم فعدلنا بمثل ما صنعت ثم اجمعهم ففعلت ثم جمعتهم ثم دعانى بالطعام فقربته ففعل كما فعل بالأمس فاكلوا وشربوا ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بنى عبد المطلب انى قد جئتكم بخير الدنيا والاخرة وقد أمرني الله ان أدعوكم اليه فأيّكم يوازرنى على امرى ويكون أخي ووصيي وخليفتى فاحجم القوم عنها جميعا فقلت وانا أحدثهم سنّا انا يا نبى الله انا وزيرك عليه فاخذ برقبتى ثم قال ان هذا أخي ووصيي وخليفتى فيكم فاسمعوا له وأطيعوا فقام القوم يضحكون أمرنا ان نسمع لعلى ونطيع وفى الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت وانذر عشيرتك الأقربين صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادى يا بنى فهر يا بنى عدى لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع ان يخرج أرسل رسولا فينظر ما هو فجاء ابو لهب وقريش فقال ارايتكم لو أخبرتكم ان خيلا بالوادي يريد ان يغير عليكم أكنتم مصدقى قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فانّى نذير لّكم بين يدى عذاب شديد قال ابو لهب تبّا لك سائر اليوم الهذا جمعتنا فنزلت تبّت يدا ابى لهب وتبّ ما اغنى عنه ماله وما كسب الى اخر السورة. وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انزل الله وانذر عشيرتك الأقربين قال يا معشر قريش او كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا اغنى عنكم من الله شيئا يا بنى عبد مناف لا اغنى عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا اغنى عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا اغنى عنك من الله

_ (1) وفى القاموس الحذية بالحاء المهملة المكسورة والذال المعجمة الساكنة فالياء ما قطع طولا او القطعة الصغيرة 12 الفقير الدهلوي

[سورة الشعراء (26) : آية 215]

شيئا يا فاطمة بنت محمد سلينى ما شئت من مالى لا اغنى عنك من الله شيئا. وذكر البغوي حديث ابن عباس بلفظ لما نزلت وانذر عشيرتك الأقربين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد على الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا فاجتمعوا اليه فقال ارايتم ان أخبرتكم ان خيلا يخرج من صفح هذا الجبل أكنتم مصدقى قالوا ما جربنا عليك كذبا قال انى نذير لّكم بين يدى عذاب شديد قال ابو لهب تبّا لك ما جمعتنا الا لهذا ثم قام فنزلت تبّت يدا ابى لهب قد تبّ هكذا قرأ الأعمش يومئذ. وروى البغوي عن عبد الله بن حمار المجاشعي رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله امر فى ان أعلمكم ما جهلتم عما علمنى يومى هذا وانه قال كل مال نحلته عبادى فهو لهم حلال وانى خلقت عبادى خفاء كلهم فاتتهم الشياطين فاحتالهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وامرتهم ان لا يشركوا بي ما لم انزل به سلطانا وان الله نظر الى اهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم الا بقايا من اهل الكتاب وان الله أمرني ان أخوف قريشا فقلت يا رب إذا يثلغوا رأسى حتى يدعوه خبزة فقال بعثت لابتليك وابتلى بك قد أنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقراه فى المنام واليقظة فاغزهم تغزك وأنفق تنفق عليك وابعث جيشا غددك بخمسة أمثاله وقاتل بمن أطاعك من عصاك ثم قال اهل الجنة ثلاثة امام مقسط ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذى قربى ومسلم ورجل غنى عفيف متعفف متصدق واهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر «1» له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون بذلك أهلا ولا مالا ورجل ان أصبح أصبح يخادعك «2» عن أهلك ومالك ورجل لا يخفى له طمع وان دق الا ذهب به والشنظير «3» وذكر البخل والكذب والله اعلم اخرج ابن جرير عن ابن جريح قال لما نزلت وانذر عشيرتك الأقربين بدا باهل بيته فشقّ ذلك على المسلمين فانزل الله تعالى وَاخْفِضْ جَناحَكَ اى لئنّ جانبك لِمَنِ اتَّبَعَكَ مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد ان ينحط مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بيان لمن اتّبعك لان من اتّبع أعم ممن اتبع الدين او غيره او للتبعيض على ان المراد بمن اتبعك كمال الاتباع وبالمؤمنين أعم منهم ومن عصاة المؤمنين كما يدل عليه قوله فَإِنْ عَصَوْكَ فى بعض الأمور فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ يعنى برئ مما تعملون من المعاصي والسيئات وليس فيه براءة من أنفسهم وَتَوَكَّلْ قرأ اهل المدينة والشام فتوكّل بالفاء وكذا فى مصاحفهم على انه بدل من قوله فقل انّى برئ ممّا تعملون والباقون بالواو عطفا على قوله واخفض جناحك والتوكل تفويض امره الى غيره

_ (1) لا زبر له اى لا عقل له يزبره وينهاه عن الاقدام على ما لا ينبغى وروى بعضهم لا زبر لهم بالياء المثناة من تحت فسرده انه لا راى له والمحفوظ بالباء الموحدة 12 منه رحمه الله (2) وفى الأصل ورجل ان أصبح مخادعك إلخ ولا يستقيم 12 الفقير الدهلوي؟. (3) وفى مجمع البحار الشنظير بكسر شين وسكون نون الفحاش وهو السيئ الخلق 12 الفقير الدهلوي

[سورة الشعراء (26) : آية 218]

وذالا يجوز عقلا وشرعا الا على من كان قادرا على نفعه ودفع الضرر عنه سميعا بأقواله بصيرا بأحواله عليما بعاقبة امره رقيبا عليه ولذلك قال عَلَى الْعَزِيزِ اى الغالب الذي يقدر على قهر أعدائه ونصر أوليائه الرَّحِيمِ الذي يرحم عليك وعلى اتباعك الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ داعيا للناس الى التوحيد ومجاهدا فى سبيل الله او المراد حين تقوم الى الصلاة كذا قال المفسرون وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ عطف على الضمير المنصوب فى يراك يعنى ويرى تقلبك فى صلاتك فى حال قيامك وركوعك وسجودك وقعودك او فى محل تقوم يعنى يراك حين تقوم وحين تقلبك وقال عطية وعكرمة عن ابن عباس فى الساجدين اى فى المصلين وقال مقاتل اى ومع المصلين فى الجماعة يعنى يراك حين تصلى وحدك وحين تصلى مع المصلين فى الجماعة وقال مجاهد يرى تقلب بصرك فى المصلين فانه كان يبصر من خلفه كما كان تبصر من امامه. روى البغوي عن ابى هريرة ان رسول الله صل الله عليه وسلم قال هل ترون قبلتى هاهنا فو الله لا يخفى على خضوعكم انى لاراكم من وراء ظهرى وقال الحسن تقلبك فى الساجدين اى تصرفك فى ذهابك ومجيئك فى أصحابك المؤمنين وقال سعيد بن جبير يعنى وتصرفك فى أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك والساجدون هم الأنبياء وقيل معناه ترودك فى تصفح احوال المتهجدين قال البيضاوي روى انه لما نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعتهم فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع لها من دندنتهم بذكر الله والتلاوة وانما ذكر تقلبه فى الساجدين من أحواله لكونه من اسباب الرحمة المقتضية للتوكل على من يتصف به- وقال عطاء عن ابن عباس أراد تقلبك فى أصلاب الآباء من نبى الى نبى لكن فى هذا التأويل ليس كمال المدح لاشتراك قريش بل جميع الناس فيه بل الاولى ان يقال المراد منه تقلبك من أصلاب الطاهرين الساجدين لله الى أرحام الطاهرات الساجدات ومن أرحام السجدات الى أصلاب الطاهرين اى الموحدين والموحدات حتى يدل على ان اباء النبي صلى الله عليه وسلم كلهم كانوا مؤمنين كذا قال السيوطي وقال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي (شعر) : - وينقل أحد نورا عظيما ... تلألا فى وجوه الساجدين تقلب فيهم قرنا فقرنا ... الى ان جاء خير المرسلين وممّا يؤيد هذا التأويل ما رواه البخاري فى الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه-

[سورة الشعراء (26) : آية 220]

وروى مسلم من حديث واثلة بن الا سقع قوله صلى الله عليه وسلم ان الله اصطفى من ولد ابراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة واصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفائى من بنى هاشم وروى البيهقي فى دلائل النبوة من حديث انس قال ما افترق الناس فرقتين الا جعلنى الله من خيرهما فاخرجت من بين ابوىّ ولم يصبنى شىء من عهد الجاهلية خرجت من نكاح لم اخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت الى ابى وأمي فانا خيركم نفسا وخيركم أبا- وقد صنف السيوطي رحمه الله فى اثبات ايمان اباء النبي صلى الله عليه وسلم اجمالا وتفصيلا كتابا وذكر فيه ما له وما عليه ولخصلت منه رسالة فليرجع إليها إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ بأقواله الْعَلِيمُ بأفعاله ونيّاته وعواقب أموره فهو الحقيق بالتوكل. هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ متصل بقوله وما تنزّلت به الشّياطين جوابا عن قولهم تنزل عليه شيطان. ثم بين فقال تَنَزَّلُ فى الموضعين مضارع من التفعل بإسقاط احدى التاءين عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ كثير الافك اى الكذب أَثِيمٍ كثير الإثم غير مطيع لله تعالى ففيه بيان ان محمدا لا يصح ان يكون من يتنزل عليه شيطان بوجهين أحدهما انه انما يتنزل على شرير كذاب كثير الإثم لاشتراط التناسب بين المفيض والمستفيض ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس كذلك وثانيهما قوله يُلْقُونَ السَّمْعَ الى الشياطين فيتلقون منهم أشياء فيضمون إليها أشياء على حسب تخيلاتهم لا يطابق أكثرها الواقع وذلك قوله تعالى وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس كذلك فانه يخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى وكلما يخبر بشئ يطابق الواقع لا محالة والجملة صفة لا ثيم او استيناف عن عائشة قالت سال أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم ليسوا بشئ قالوا يا رسول الله فانهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنّى فيقرها «1» فى اذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها اكثر من مائة كذبة متفق عليه وعنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الملائكة تنزل فى العنان وهو السحاب فيذكر الأمر الذي قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فيسمعه

_ (1) فيقرها قال فى مجمع البخار القرر وبدك الكلام فى اون المخاطب حتى يفهمه وقر الدجاجة صوتها إذا قطعته فان ردّدت قلت قرقرت 12 فهو مضاعف من باب النصر الفقير الدهلوي

[سورة الشعراء (26) : آية 224]

فيوحيه الى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري وعن ابى هريرة ان نبى الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا للذى قال الحقّ وهو العلىّ الكبير فسمعها مسترفوا السمع ومسترقا لسمع هكذا بعضه فوق بعض (ووصفه سفيان يكفه فحرفها وبدر بين أصابعه) فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الاخر الى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل ان يلقيها وربما يلقيها قبل ان يدركه فيكذب معها مائة كذبه فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا كذا ويوم كذا كذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء رواه البخاري وعن ابن عباس رض عن رجل من الأنصار انهم بيناهم جاوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بنجم واستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما كنتم تقولون فى الجاهلية إذا رمى مثل هذا قالوا الله ورسوله اعلم كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى امرا سبح جملة العرش ثم سالج اهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح اهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربّكم فيخبرونهم عمّا قال فيستخبر بعض اهل السماوات بعضا حتى يبلغ هذه السماء الدنيا فيخطف الجنّ السمع فيقذفون الى أوليائهم ويرمون فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقذفون فيه ويزيدون- رواه مسلم والله اعلم- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم من طريق العوفى عن ابن عباس قال تهاجا رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار والاخر من قوم آخرين وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فانزل الله تعالى وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ كذا ذكر البغوي عن الضحاك قال وهى رواية عطية عن ابن عباس واخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة نحوه وقال اكثر المفسرين أراد به شعراء الكفار الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر مقاتل أسماءهم فقال عبد الله بن زبير السهمي وهبيرة بن ابى وهب المخزومي وشافع بن عبد مناف وابو عزة عبد الله بن عمر الجمحي وامية بن ابى الصّلت الثقفي فتكلموا بالكذب والباطل وقالوا نحن نقول مثل ما يقول محمد ويقولون اشعار او يجمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجون نبى الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيروون عنهم فذلك قوله تعالى والشّعراء يتّبعهم الغاوون هم الرواة الذين يروون هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وقال قتادة ومجاهد الغاوون هم الشياطين وهذه الجملة مستانفة لابطال

[سورة الشعراء (26) : آية 225]

كون النبي صلى الله عليه وسلم شاعرا ويقرره قوله تعالى أَلَمْ تَرَ ايها المخاطب أَنَّهُمْ اى الشعراء فِي كُلِّ وادٍ من اودية الكلام كالمدح والذم والافتخار وبيان الحب والبغض وغيره الك- والوادي نوع من انواع الكلام يقال انا فى واد وأنت فى واد اخر يَهِيمُونَ جملة الم تر تعليل لما سبق والهائم الذاهب على وجهه بحيث لا يقف على حد يعنى يبالغون فى الكلام كل المبالغة لا يبالون الكذب واكثر مقدماتهم خيالية لا حقيقة لها قال قتادة يمدحون بالباطل ويهجون بالباطل وقيل فى كل واد يهيمون اى على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون القوافي. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ اى يكذبون كثيرا فى أشعارهم ولمّا كان اعجاز القران من جهة النظم والمعنى وكانوا يقدحون فى المعنى بانه ممّا تنزّلت به الشّياطين وفى اللفظ بانه من جنس الشعر رد الله سبحانه قولهم ببيان المباينة والمضادة بين حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال الكهنة والشعراء عن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لان يمتلى جوف قيحا حتى يفسده خيرا له من ان يمتلى شعرا رواه البخاري ومسلم واحمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وروى عن ابى سعيد الخدري قال بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج «1» إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا الشيطان او أمسكوا الشيطان لان يمتلى جوف رجل قيحا خير له من ان يمتلى شعرا عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون «2» قالها ثلاثا. رواه مسلم يعنى الغالون فى الكلام وعن ابى ثعلبة الخشتى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان أحبكم الى وأقربكم منى يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وان أبغضكم الىّ وأبعدكم منى مساويكم أخلاقا الثرثارون المتشدقون المتفيهقون. رواه البيهقي فى شعب الايمان قال فى النهاية الثرثارون الذين يكثرون الكلام تكلفا وخروجا عن الحق والمتشدقون المتوسعون فى الكلام من غير احتياط واحتراز قلت وهذا صفة الشعراء وروى الترمذي عن جابر نحوه وفى رواية قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتقيهقون قال المتكبرون وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت ليلاة اسرى بي بقوم يقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت يا جبرئيل من هؤلاء قال خطباء أمتك الّذى يقولون ما لا يفعلون رواه الترمذي

_ (1) بالعرج قال فى مجمع البحار العرج بفتح فسكون جبل بطريق مكة وهو أول تهامة 12 الفقير الدهلوي (2) المتنطعون قال فى مجمع البحار هم المتعمقون الغالون فى الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم من النطع وهو الغار الأعلى من الفم ثم استعمل فى كل تعمق قولا وفعلا 12 الفقير دهلوى

[سورة الشعراء (26) : آية 227]

وقال هذا حديث غريب والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن عروة قال لما نزلت والشّعراء يتّبعهم الغاوون الى قوله ما لا يفعلون قال عبد الله بن رواحة قد علم الله انى منهم فانزل الا الّذين أمنوا الى اخر السورة واخرج هو وابن جرير والحاكم عن ابى الحسن البراد «1» قال لما نزلت والشعراء يتّبعهم الغاوون الاية جاء عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت فقالوا يا رسول الله والله لقد انزل الله هذه الاية وهو يعلم انا شعراء هلكنا فانزل الله الّا الّذين أمنوا الاية فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا عليهم إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً «2» اى لم يشغلهم الشعر عن الإكثار فى الذكر ويكون اكثر أشعارهم فى الذكر والتوحيد والثناء على الله والحث على طاعته قال ابو يزيد الذكر الكثير ليس بالعدد لكنه بالحضور وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ولو كان فى كلامهم هجو لاحد أرادوا به الانتصار مما هجاهم ومكافحة هجاء المسلمين روى البغوي فى شرح السنة والمعالم عن كعب بن مالك انه قال للنبى صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى قد انزل فى الشعر ما انزل قال النبي صلى الله عليه وسلم ان المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والّذى نفسى بيده لكانّما ترمونهم به نضح النبل. وفى الاستيعاب لابن عبد البر انه قال يا رسول الله ماذا ترى فى الشعر قال ان المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه وروى البغوي عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة فى عمرة القضاء وابن رواحة يمشى بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفى حرم الله يقول الشعر فقال النبي صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلمى اسرع فيهم من نضح النبل وفى الصحيحين عن البراء بن عازب قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة لحسان بن ثابت اهج المشركين فان جبرئيل معك- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان أجب عنى اللهم أيده بروح القدس- وروى مسلم عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اهجوا قريشا فانه أشد عليهم من رشق النبل. وروى عنها ايضا قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان ان روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هجاهم حسان فشفا وأشفي. وروى البخاري عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا فى المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم او ينافح ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ان

_ (1) هكذا فى الأصل وفى تهذيب التهذيب ابو الحسن مولى بنى نوفل. ابو محمد عفا الله عنه (2) عن ابن عباس الّا الّذين أمنوا وعملو الصّلحت وذكروا الله كثيرا قال ابو بكر وعمر وعبد الله بن رواحة 14 منه رحمة الله

الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح او فاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وروى البغوي عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اهجوا قريشا فانها أشد عليهم من رشق النبل فارسل الى ابن رواحة فقال اهجهم وهاجهم فلم يرض فارسل الى كعب ثم أرسل الى حسان بن ثابت فلمّا دخل عليه حسان قال قد ان لكم ان ترسلوا الى هذا الأسد الضارب بذنبه ثمّ اولع لسانه يحركه فقال والذي بعثك بالحق لافرينهم بلساني فرى الأديم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل فان أبا بكر اعلم قريش بانسابها وان لى فيهم نسبا حتى يلخص لك فيهم نسبى فاتاه حسان ثم رجع فقال يا رسول الله قد لخص لى نسبك فالّذى بعثك بالحق لاسلنك كما يسلى الشعر من العجين قال حسان شعر هجوت محمّدا فاجبت عنه ... وعند الله فى ذاك الجزاء هجوت محمّدا برّا حنيفا «1» ... رسول الله شيمته الوفاء فان ابى ووالده وعرضى ... لعرض محمد منكم وفاء أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء وعن ابن سيرين مرسلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك هبه فانشده فقال لهو أشد عليهم عن وقع النيل. (فائدة) : - ثبت من هذه الأحاديث ان الشعر لا بأس به ما اجتنب الكذب وأشباهه من المحرمات روى الدار قطنى عن عائشة قالت ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح. ورواه الشافعي عن عروة مرسلا وذكر البغوي انه قالت عائشة الشعر كلام فمنه حسن ومنه قبيح فخذ الحسن ودع القبيح- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد الا كلّ شىء ما خلا الله باطل. متفق عليه وعن عمرو بن الشريد عن أبيه قال ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال هل معك من شعر امية بن الصلت شىء قال نعم قال هيه فانشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت. رواه مسلم وعن جندب ان النبي صلى الله عليه وسلم كان فى بعض المشاهد وقد دميت إصبعه فقال

_ (1) وفى تفسير البغوي تفيا 12 الفقير الدهلوي

هل أنت الا إصبع دميت. وفى سبيل الله ما لقيت متفق عليه وعن الشعبي قال كان ابو بكر يقول الشعر وكان عمر يقول الشعر وكان على أشعر الثلاثة- وروى عن ابن عباس انه كان ينشد الشعر فى المسجد ويستنشد فروى انه دعا عمرو بن ربيعة فاستنشده القصيدة أولها شعر أمن ال نعمى أنت غاد ومبكر ... غدة غدام رائح فمهجر فانشد ابن ابى ربيعة القصيدة الى آخرها وهى قريب من سبعين بيتا ثم ان ابن عباس أعاد القصيدة جميعا وكان يحفظها بمرة واحدة (فائده) : - الشعر طاعة ان كان فيه ذكر الله او علما من علوم الدين او نصحا ووعظا للمسلمين عن ابى بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من الشعر حكمة رواه البخاري وعن الصخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان من البيان سحرا وان من العلم جهلا وان من الشعر حكما واف من القول عيالا رواه ابو داؤد وعن ابن عباس انّ من البيان سحرا وانّ من الشّعر حكما. رواه ابو داود واحد وقد مرّ فيما سبق ان المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه- وروى ابو داود والنسائي والدارمي عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جاهدوا المشركين باموالكم وأنفسكم والسنتكم. وبعد ما ذكر الله سبحانه شعراء المشركين والمسلمين أوعد شعراء المشركين فقال وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا اى أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أَيَّ مُنْقَلَبٍ مصدر او ظرف منصوب بما بعده قدمه لاقتضاء الاستفهام صدر الكلام والجملة الاستفهامية قائم مقام المفعولين لسيعلم والاستفهام للتهديد يَنْقَلِبُونَ يعنى اى رجوع اى مرجع يرجعون بعد الموت قال ابن عباس الى جهنم والسعير قال البيضاوي تهديد شديد لما فى سيعلم من الوعيد البليغ وفى الّذين ظلموا من الإطلاق والتعميم وفى اىّ منقلب من الإيهام والتهويل- والمعنى ان الظالمين يطمعون ان ينقلبوا من عذاب وسيعلمون ان ليس لهم وجه من وجوه الانقلاب اخرج ابن ابى حاتم عن عائشة رضى الله عنها قالت كتب ابى فى وصية سطرين بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اوصى ابو بكر بن ابى قحافة عند خروجه من الدنيا حين يومن الكافر ويتقى الفاجر ويصدق الكاذب انى استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فان يعدل فذاك ظنى به ورجائى فيه وان يجر ويبدّل فلا اعلم الغيب

وسيعلم الّذين ظلموا اىّ منقلب ينقلبون 5 الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله أصحابه أجمعين. قد وقع الفراغ من تفسير سورة الشعراء من التفسير المظهرى يوم الخميس رابع رجب من السنة الخامسة بعد الف ومائتين من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام والتحية ونتلوه سورة النمل ان شاء الله تعالى.

سورة النمل

سورة النّمل مكّيّة وهى ثلاث وتسعون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طس تِلْكَ اشارة الى آيات السورة آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ اى اللوح المحفوظ وإبانته انه خط فيه ما هو كائن فهو تنبيه للناظرين فيه وتأخيره هاهنا باعتبار تعلق علمنا به وتقديمه فى الحجر باعتبار سبقه على القران فى الكتابة. او المراد به القران المبين للاحكام من الحلال والحرام وغير ذلك ومبين لصحته باعجازه وعطفه على القران كعطف احدى الصفتين على الاخرى وتنكيره للتعظيم. نكر الكتاب هاهنا وعرفه فى الحجر ونكر القران هناك وعرف هاهنا لان القران والكتاب اسمان علمان لما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ووصفان له لانه يقر او يكتب فحيث جاء بلفظ التعريف أريد به العلم وحيث جاء بالتنكير أريد به الوصف. هُدىً وَبُشْرى منصوبان حالان من القران والعامل فيهما معنى الاشارة او مجروران بدلان منه او مرفوعان خبران آخران لتلك او خبران لمحذوف اى هى هدى وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ متعلق بهدى وبشرى على سبيل التنازع او ببشرى فقط يعنى هدى لجميع الحلق فمن لم يهتد فبسوء اختياره وبشرى للمؤمنين خاصة. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ اى يحافظون على فرائضها وسننها وآدابها وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ من تمّة الصلة والواو للحال او للعطف وتغير النظم بتقديم المسند اليه على الفعل للدلالة على قوة يقينهم وثباته وقصد الحصر يعنى ما يوقنون بالاخرة

[سورة النمل (27) : آية 4]

حق الإيقان الا هؤلاء الجامعين بين الايمان والأعمال الصالحة فان الجهد فى الأعمال دليل على ايقانهم. وجاز ان يكون خارجا عن الصلة استينافا كما يدل عليه تغير النظم يعنى الّذين كذلك هم الموقنون لا غير. إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ القبيحة بتسليط النفس وجعلها مشتهاة لها فَهُمْ يَعْمَهُونَ لا يدركون عواقب أمرها جملة زيّنّا خبر لان وقولهم فهم يعمهون معطوف عليها او هذا خبر لان والفاء لتضمن الموصول معنى الشرط وزيّنّا حال من فاعل لا يؤمنون بتقدير قد وجملة انّ الّذين لا يؤمنون معترضة لبيان حال من نجاست المذكورين. أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ فى الدنيا اخبار بما يلحقهم يوم بدر من قتل واسر وذل وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ من غيرهم حيث أكرمهم الله من بين الناس حيث بعث فيهم رسولا من أنفسهم يريد ان يطهرهم ويزكيهم ويوصلهم الى أكرم الكرامات فى الدنيا والاخرة فاختاروا على هذا فى الدنيا القتل والاسر وفى الاخرة النار المؤيدة المؤصدة جملة أولئك الى آخرها وما عطف عليها استيناف لبيان عاقبة أمرهم. وَإِنَّكَ يا محمد لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ عطف على آيات القران وتنكير الحكيم والعليم للتعظيم يعنى من عند اىّ حكيم واىّ عليم لا يدرك كنه علمه ولا حكمته أحد والجمع بين الوصفين مع ان العلم داخل فى الحكمة لعموم العلم ودلالة الحكمة على إتقان الفعل والاشعار بان علوما منها ما هو حكمة كالعقائد والشرائع ومنها ما ليس كذلك كالقصص والاخبار بالمغيبات وهذا تمهيد لما يذكر فيه من القصص منها ما قال. إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ فى مسيره من مدين الى مصر الظرف متعلق باذكر وجاز ان يكون متعلقا بعليم إِنِّي قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها آنَسْتُ اى أبصرت ناراً سَآتِيكُمْ اى امكثوا مكانكم ساتيكم ذكر هاهنا ساتيكم على التيقن وفى القصص لعلىّ اتيكم على الترجي لان الراجي على تقدير حصول رجائه يعد بالإتيان قطعا اشعارا على غرفه وجزمه بما يعدبه وفيه دليل على جواز نقل الحديث بالمعنى وجواز النكاح بغير لفظ النكاح والترويح مما يؤدى معناه مِنْها بِخَبَرٍ عن الطريق لانه قد ضل الطريق والسين للدلالة على بعد المسافة الوعد بالإتيان وان ابطا أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قرأ الكوفيون «ويعقوب- أبو محمد» بالتنوين على ان قَبَسٍ بدل منه اوصف له فان الشهاب شعلة من نار ساطعة والقبس مشعلة يقتبس من معظم النار كذا فى

[سورة النمل (27) : آية 8]

القاموس. والباقون بلا تنوين باضافة الشهاب الى القبس والاضافة بيانية لجواز اطلاق القبس على الشهاب. وقال البغوي الشهاب والقبس متقاربان فى المعنى فان القبس هو العود الذي أحد طرفيه تار وليس فى طرفه الاخر نار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ افتعال من الصلى وهو الإيقاد بالنار اى راجيا ان تستدفئوا بها من البرد وكان فى شدة الشتاء. فَلَمَّا جاءَها يعنى لمّا قرب موسى من النار التي راها يقال بلغ فلان المنزل إذا قرب منه وان لم يبلغه بعد نُودِيَ أَنْ بُورِكَ ان مفسرة لما فى النداء معنى القول او التقدير بان بورك على انها مصدرية او مخففة من الثقيلة والتخفيف وان اقتضى التعويض بلا او قد او السين او سوف لكنه دعاء وهو يخالف غيره فى احكام كثيرة مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها روى عن ابن عباس رض وسعيد بن جبير والحسن معناه قدس من فى النّار وهو الله سبحانه على معنى انه تعالى نادى موسى وأسمعه كلامه قيل كان ذلك نوره عزّ وجلّ حسبه موسى نارا فلذلك ذكر موسى بلفظ النار روى مسلم عن ابى موسى قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال ان الله لا ينام ولا ينبغى له ان ينام يخفض القسط ويرفعه برفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفت لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه. وقال سعيد بن جبير كانت النار بعينها وهى احدى حجب الله تعالى كما ورد فى بعض الروايات حجابه النار لو كشفها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه وعلى هذا التأويل هذه الاية من المتشابهات كقوله تعالى هل ينظرون الّا ان يأتيهم الله فى ظلل من الغمام ولمّا كان فى هذا الكلام إيهام التحيز والتشبيه نزه الله سبحانه نفسه وهو المنزه من كل سوء وعيب فقال وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وروى مجاهد عن ابن عباس انه قال بوركت النار وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رض انه قال سمعت ابيّا يقول ان بوركت النار ومن حولها وكلمة من على هذا زائدة وبورك النار وبورك فى النار معناهما واحد فان العرب يقول بارك الله وبارك فيه وبارك عليه بمعنى واحد والمعنى بورك فى النار وفيمن حولها وهم الملائكة وموسى عليه السلام ويسمى النار مباركة كما يسمى البقعة مباركة قال الله تعالى فى البقعة المباركة وقيل معناه بورك من فى طلب النار او من فى مكان النار بحذف المضاف وهو موسى عليه السلام ومن حولها وهم الملائكة الذين حول النار حاضرين هناك فهذه تحية من الله لموسى بالبركة كما حيّا ابراهيم على السنة الملائكة حين دخلوا على ابراهيم فقالوا رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت وقيل من فى النار

[سورة النمل (27) : آية 9]

هم الملئكة وذلك ان النور الذي راه موسى كان فيه ملائكة لهم رجل بالتسبيح والتحميد والتقديس ومن حولها موسى لانه كان بالقرب منها وقيل من حولها عام شامل لكل من فى ذلك الوادي وحواليهما من ارض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء وتصدير الخطاب بذلك بشارة بانه قد قضى له امر عظيم ينتشر بركته فى أقطار الشام وعلى هذه التأويلات قوله تعالى وسبحن الله ربّ العلمين لدفع توهم التشبيه الناشي من سماع كلامه وللتعجيب من عظم ذلك الأمر. يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الضمير الشأن اسم ان وانا الله خبرها او الضمير للمنادى اسمها وانا خبرها والله عطف بيان له والعزيز الحكيم صفتان له ممهدتان لما أراد ان يظهره يعنى انا القوىّ القادر على ما يبعد من الأوهام كتقليب العصا حيّة الفاعل لكل ما يفعله بحكمة وتدبير. وَأَلْقِ عَصاكَ عطف على بورك داخل فى حيزان المفسرة يدل عليه قوله تعالى فى غير هذه السورة وان الق عصاك بعد قوله ان يا موسى انّى انا الله بتكرير ان والتقدير نودى هذا المقول وهذا المقول فهو من قبيل عطف المفرد على المفرد وليس من عطف الإنشاء على الخير فَلَمَّا رَآها اى راى موسى عصاه تَهْتَزُّ تتحرك بالاضطراب كَأَنَّها جَانٌّ اى حية خفيفة فى سرعة سيره وكثرة اضطرابه وَلَّى اى هرب موسى من الخوف مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ اى لم يرجع من عقّب المقاتل إذا كرّ بعد الفرار يا مُوسى لا تَخَفْ جملة النداء وما بعده فى محل النصب على تقدير القول يعنى قلنا يا موسى لا تخف من هذه الحية إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ يعنى لاجل قربهم بي واستقرارهم بحضرتي الْمُرْسَلُونَ الجملة فى مقام التعليل لعدم الخوف يعنى الذين يبلغون رسالاتى فانهم يخشوننى وحدي ولا يخشون أحدا غيرى فلا منافاة بين هذه الاية وبين قوله عليه السلام انا أخشاكم بالله او المعنى لا يخافون مطلقا عند نزول الوحى لفرط الاستغراق او المعنى انهم لا يكون لهم سوء عاقبة فيخافون. إِلَّا مَنْ ظَلَمَ قيل هذا استثناء متصل وفيه اشارة الى موسى حيث قتل القبطي والمعنى لا يخيف الله أنبياءه من أحد غيره الا بذنب أصابه أحدهم والمراد بالظلم الذنب الصغيرة او ترك الأفضل وعلى هذا قوله ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ يعنى توبة بعد ذنب عطف على ظلم داخل فى الصلة وانما قيد بهذا إيذانا بانه لا يحوز صدور ذنب من الأنبياء وان كانت صغيرة او قبل النبوة الا مستعقبا للتوبة فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ معطوف على بدل تقديره فانى اغفر له وارحمه وقيل قوله ثم بدل الى آخره كلام مبتدا معطوف على محذوف بيان لحال من ظلم من الناس كافة تقديره فمن ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فانّى غفور رّحيم. وقيل الاستثناء منقطع لان المرسلين

[سورة النمل (27) : آية 12]

لا يجوز منهم الظلم وعلى انقطاعه تقديره لكن من ظلم من الناس وهم غير المرسلين فانهم يخافون غير الله تعالى وقيل هو استدراك لما يختلج فى الصدور من نفى الخوف عن كلهم مع ان فيهم من فرطت منه صغيرة فالتقدير لكن من صدر منه صغيرة منهم فانه وان فعلها فقد اتبعها ما يبطلها واستحق به من الله مغفرة ورحمة فهو ايضا لا يخاف غير الله- لكن هذين التأويلين يقتضيان ان موسى لم يخف من الحية وذلك غير واقع لقوله فلمّا راها- ولّى يدبّرا ولم يعقّب وقوله تعالى فاوجس فى نفسه خيفة موسى الا ان يراد بنفي الخوف من الأنبياء ففى مطلق الخوف منهم لانتقاء سوء العاقبة نظيره قوله تعالى لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لكن سوق الكلام يأبى عنه إذ الموجود المنهي عنه انما هو الخوف من الحية وقال بعض العلماء الا هاهنا بمعنى ولا يعنى لا يخاف لدىّ المرسلون ولا المذنبون التائبون اى هم صلحاء المؤمنين فان غير المعصوم لا يخلو عن ذنب لكن من استدرك ذنبه بالتوبة صار كمن لا ذنب له وهذا التأويل ايضا يناسب نفى مطلق الخوف لا خوف غير الله فقط كالتأويلين السابقين «1» . وَأَدْخِلْ يَدَكَ عطف على الق عصاك فِي جَيْبِكَ اى جيب قميصك وهو طرقه كذا فى القاموس وقيل الجيب هو القميص لانه يجاب اى يقطع قال البغوي قال اهل التفسير كان عليه مدرعة من صوف لاكم لها ولا آزر تَخْرُجْ اى يدك مجزوم فى جواب الأمر بتقدير ان تدخل يدك تخرج بَيْضاءَ نيرة تغلب نور الشمس حال من الضمير المستتر فى تخرج مِنْ غَيْرِ سُوءٍ اى كائنا من غير برص صفة لبيضاء او حال مرادف له او حال من الضمير فى بيضاء فِي تِسْعِ آياتٍ يعنى هاتان آيتان لك فى تسع آيات اى فى جملتها او معها على التسع هى فلق البحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والذم والطمسة والجذب فى بواديهم والفقصان

_ (1) أقول هذا البحث الطويل لا يجدى شيئا ولا يشفى غليل الذكي للمتفطن والحق ما قاله حكيم الامة المحمدية خاتم المفسرين والمحدثين الولي الكامل الشيخ التهانوى نور الله مرقده فى تفسير المسمى ببيان القران فى تفسير قوله تعالى خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الاولى ما نصه. اور موسى عليه السلام كادر جانا بعض نى كما هى كه طبعى هى جو كسى طرح جلالت شاركى منافى نهين اور بعض نى كها هى كه جو حادثه مخلوق كى جانب سى هواس مين تونه درنا كمال هى جيسى ابراهيم عليه السلام اتش نمرودى سى نهين درى اورجو امر خالق كى طرف سى هواس مين درناهى كمال هى كه وه فى الحقيقة حق تعالى سى درنا هى جيسى هواتيز هونى كى وقت جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم كاگهبرا جانا حديثون مين أيا هى سو چونكه أس تبدل مين مخلوق كاواسطه نه تها أس سى درگئى كه يه كوئى قهر الهى نهو وقال رحمه الله تعالى فى رسالته المسماة بمسائل السلوك من كلام ملك الملوك فى تفسير هذه الآية قال العبد الضعيف فيه بقاء الطبائع فى الكاملين حيث خاف عليه السلام خوفا طبعيا وفيه الأمر بتعديل الطبعيات بالعقليات انتهى فالحاصل وفه عليه السلام كان من الله تعالى الا من غيره او كان طبعيا والمنتهى عنه هو الخوف العقلي فلا منافاة فلا حاجة الى الدفع 12 لفقير الدهلوي

[سورة النمل (27) : آية 13]

فى مضارعهم ومن عدّ العصا واليد مع التسع عدّ الأخيرين واحدا ولم يعد الفلق لانه لم يبعث به الى فرعون او التقدير اذهب فى تسع آيات على انه استيناف بالإرسال فيتعلق به قوله إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وعلى الأولين تقدير هاهنا مبعوثا او مرسلا على انه حال من فاعل الق وادخل على سبيل التنازع إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ تعليل للارسال.. فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا يعنى جاءهم موسى بها مُبْصِرَةً اى بينة واضحة اسم فاعل بمعنى اسم المفعول اشعارا بانها لفرط وضوحها للابصار صارت بحيث تكاد تبصر نفسها لو كانت مما يبصر او ذات بصر يبصر بها قالُوا يعنى فرعون وقومه هذا سِحْرٌ مُبِينٌ واضح سحريته وجملة لمّا جاءتهم معطوفة على جملة محذوفة معطوفة على نودى تقديره نودى ان الق عصاك وادخل يدك فى جيبك اذهب فى تسع آيات الى فرعون وقومه او مبعوثا إليهم اذهب إليهم فالقى موسى عصاه وادخل يده فى جيبه ثم ذهب الى فرعون قومه فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين. وَجَحَدُوا بِها اى أنكروا بايتنا انّها من عند الله «1» عطف على قالوا وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ اى وقد استيقنتها لان الواو الحال والاستيقان ابلغ من الإيقان ظُلْماً وَعُلُوًّا منصوبان على العلة او حالان من فاعل جحدوا يعنى لاجل الظلم والتكبر او ظالمين أنفسهم باستيجارهم النار المؤبدة متكبرين عن الايمان بما جاء به موسى فَانْظُرْ ايها المخاطب نظر استبصار كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ كيف خبر لكان قدم عليه لاقتضائه الصدارة والجملة مفعول لانظر يعنى انظر كيفية عاقبتهم حيث اغرقوا فى الدنيا فادخلوا نارا بعد الموت.. وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً بذات الله سبحانه على حسب الطاقة البشرية وبصفاته وأحكامه وبأحوال المبدا والمعاد ومنطق الطير والدواب وتسبيح الجبال ولانه الحديد وَقالا شكرا للنعمة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا بالنبوة والكتاب وغير ذلك عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عطفه بالواو اشعارا بان ما قالا بعض ما أتيا به فى مقابلة النعمة فهو معطوف على محذوف تقديره فعلا على حسب ما علما وعرفا حق النعمة وقالا هذا القول ولولا تقدير المحذوف لكان المناسب الفاء موضع الواو كما فى قولك أعطيته

_ (1) قال البيضاوي رحمة الله تعالى وحجدوا بها اى فى ظاهر أمرهم إلخ فلا يردان الجحود بعد اليقين مستبعد 12 الفقير الدهلوي

[سورة النمل (27) : آية 16]

نشكر وفى الاية دليل على شرف العلم وكونه موجبا للفضل وتقدم العلماء على من سواهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وان العلماء ورثة الأنبياء وان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما انما ورثوا العلم فمن اخذه أخذ يحظ وافر. رواه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجة من حديث كثير بن قيس وسماه الترمذي قيس بن كثير وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم الحديث رواه الترمذي عن ابى امامة الباهلي وفيها تحريض على الشكر على نعمة العلم وعلى ان يتواضع ويعتقد بانه وان فضل على كثير فقد فضل عليه كثير وفوق كلّ ذى علم عليم-. وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ نبوته وملكه وعلمه كذا اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن قتادة واحتجّت الروافض بهذه الاية على ان الأنبياء يورثون كغيرهم وهى حجة عليهم لا لهم لدلالتها على انه ورث سليمان دون سائر أولاد داود وقد كان لداود تسعة عشر ابنا- والإرث عبارة عن ان ينقل شىء الى أحد بعد ما كان لغيره من غير عقد جرى بينهم ولا ما يجرى مجرى العقد سواء كان بينهما قرابة اولا قال الله تعالى وأورثناها بنى إسرائيل وأورثكم ارضهم وديارهم- ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم لا نورث انه لا يملك أحد من الناس مال نبى بعد موته بل يكون ماله موقوفا محبوسا على ملك الله تعالى قال البغوي اعطى سليمان ما أعطي داؤد وزيد له تسخير الريح والشياطين وقال وقال مقاتل كان سليمان أعظم ملكا من داود وأقضي منه وكان داود أشد تعبدا من سليمان وكان سليمان شاكرا لنعم الله قلت وكذا داود وَقالَ سليمان يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ فيه شكر لنعمة الله عليه ودعاء للناس الى التصديق بذكر المعجزة. والنطق والمنطق عبارة عما يعبر به عما فى الضمير مفردا كان او مركبا فى القاموس نطق ينطق نطقا ومنطقا ونطوقا تكلم بصوت وحروف يعرف بها المعاني ولما كان فهم المعاني للناس منحصرا فيما يتلفظ به الإنسان زعموه من خواص الإنسان. ولمّا كان سليمان عليه السلام يفهم من صوت الطير ما فى ضميرها كما كان يفهم من كلام الإنسان سماه منطقا قال البغوي روى عن كعب قال صاح ورشان عند سليمان فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال انه يقول. لدوا للموت وابنوا للخراب. وصاحت فاختة فقال أتدرون ما تقول قالوا لا قال انها تقول ليت هذا الخلق لم يخلق وصلح طاءوس فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال انه يقول كما تدين تدان وصاح هدهد فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال انه يقول من لا يرحم لا يرحم وصاح صرد فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال انه يقول استغفروا

لله يا مذنبون قال وصاحت طيطوى «1» فقال أتدرون ما تقول قالوا لا قال فانها يقول كل هى ميّت وكل جديد بال وصلح خطاف فقال أتدرون ما تقول قالوا لا قال انه يقول قدموا خيرا تجدوه وهدرت حمامة فقال أتدرون ما تقول قالوا لا قال تقول سبحان ربى الا على ملأ سماواته وارضه وصاح قمرى فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال فانه يقول سبحان ربى الا على قال والغراب يدعوا على العشار والحدأة تقول كل شىء هالك الا الله والقسطاة تقول من سكت سلم والببغاء يقول ويل لمن الدنيا همه والضفدع يقول سبحان ربى القدوس والبازي يقول سبحان ربى وبحمده والضفدعة سبحان المذكور بكل لسان. وعن مكحول قال صاح دراج عند سليمان فقال أتدرون ما يقول قالوا لا قال فانه يقول الرحمان على العرش استوى. وعن فرقد السيحى قال مرّ سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه فقال أتدرون ما يقول هذا البلبل قالوا الله ونبيه اعلم قال انه يقول أكلت ونصف تمرة فعلى الدنيا العفا- وروى ان جماعة من اليهود قالوا لابن عباس انا سائلون عن سبعة أشياء فان اخبرتنا امنّا صدّقنا قال سلوا تفقها ولا تسئلوا تعنتا قالوا أخبرنا ما يقول القنبر «2» فى صفيره والديك فى صقيعه والضفدع فى نقيفه والحمار فى تهيقه والفرس فى صهيله وماذا يقول الزرزور والدراج. قال نعم اما القنبر فيقول اللهم العن مبغضى محمد ومبغضى ال محمد والديك يقول اذكروا الله يا غافلون والضفدع يقول سبحان المعبود فى لجج البحار واما الحمار فيقول اللهم العن الغشار واما الفرس يقول إذا التقى الصفان سبوح قدوس رب الملائكة والروح واما الزرزور يقول اللهم انى أسئلك قوت يوم بيوم واما الدراج يقول الرحمان على العرش استوى فاسلم اليهود وحسن إسلامهم. وروى عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عن الحسين بن على عليهم السلام قال إذا صاح النسر قال ابن آدم عشق ما شئت آخره الموت وإذا صاح العقاب قال السلامة فى البعد من الناس وإذا صاح القنبر قال الهى العن مبغضى ال محمد وإذا صاح الخطاف قرأ الحمد لله ربّ العالمين ويمد الضّالّين كما يمد القاري. قلت ما روى عن كعب شرح أصوات الطيور عن سليمان عليه السلام وكذا ما روى عن مكحول وعن فرقد عنه عليه السلام يحتمل حمله على ان كل واحد منها واقعة هان ولا يدل على انحصار نطقهم فى الكلمات المذكورة وما قص الله تعالى فى هذه السورة قصة النمل والهدهد صريح فى انها تتكلم بكل ماسخ لها لكن ما روى من سوال اليهود وعن ابن عباس رضى الله عنه وجوابه إياهم يدل على انحصار مقالهم فيما ذكر فان صح هذا

_ (1) طيطوى كنينوى ضرب من القطا او غيره كذا فى القاموس 12 الفقير الدهلوي [.....] (2) القنبر هكذا فى الأصل قال فى القاموس القبر كشكرّ وصرد طائر الواحدة بهاء ويقال القنبراءة قنابر 12 الفقير الدهلوي

[سورة النمل (27) : آية 17]

الرواية لزم تأويلها والله اعلم وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ المراد به كثرة ما اولى كما يقال فلان يقصد كل أحد ويعلم كل شىء ومثله وأوتيت من كلّ شىء والضمير فى علّمنا وأوتينا له ولابيه عليهما السلام اوله ولاتباعه فان اتباعه يأخذون منه ما علمه الله وأعطاه اوله وحده تعظيما على عادة الملوك لمراعاة قواعد السياسة. وقال ابن عباس المراد كل شىء من امر الدنيا والاخرة وقال مقاتل يعنى النبوة وو الملك وتسخير الشياطين والرياح إِنَّ هذا العطاء لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ يعنى ليس هذا باستحقاق منّا او جزاء لاعمالنا بل تفضل من الله تعالى او المعنى زيادة ظاهرة على من عدانا. وهذا القول وارد على الشكر كقوله صلى الله عليه واله وسلم انا سيد ولد آدم ولا فخر آدم ومن دونه تحت لوائى يوم القيامة امتثالا لقوله تعالى وامّا بنعمة ربّك فحدّث قال البغوي روى ان سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام ملك مشارق الأرض ومغاربها فملك سبع مائة سنة وستة أشهر جميع اهل الدنيا الجن والانس والطير والدوابّ والسباع واعطى مع ذلك العلم بمنطق كل شىء وفى زمنه صنعت الصنائع العجيبة. وَحُشِرَ اى جمع لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فى مسير له فَهُمْ يُوزَعُونَ اى يكفون ويحبسون اى يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا وفيه اشارة الى انهم مع كثرتهم لم يكونوا مبعدين. فى القاموس وزعته اى كففته ومنه الوزعة جمع وازع وهم المانعون من المحارم والكلب والزاجر والتوزيع القسمة والتفريق كالايزاع والتوزع وقال مقاتل يوزعون اى يساقون وقال السدىّ يوقضون قال محمد بن كعب كان معسكر سليمان عليه السلام مائة فرسخ خمسة وعشرون منها للجن وخمسة وعشرون منها للانس وخمسة وعشرون منها للطير خمسة وعشرون منها للوحش وكان له الف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاث مائة منكوحة وسبع مائة سرية يأمر الريح العاصف فترفعه ويأمر الرخاء فتسيره فاوحى الله اليه وهو يسير بين السماء والأرض انى قد زدتّ فى ملكك انه لا يتكلم أحد من الخلائق الا جاءت به الريح وأخبرتك. حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ وقف الكسائي بالياء فقال وادي والباقون بغير ياء النَّمْلِ تعدية الإتيان بعلى اما لان إتيانهم كان من عال واما لان المراد قطعه من قولهم اتى على الشيء إذا أنفده وبلغ آخره روى عن وهب بن منبه عن كعب كان سليمان إذا ركب حمل اهله وخدمه وحشمه وقد أخذ مطابخ ومخابز فيها تنانير الحديد وقدور عظام تسع فى قدر منها عشر جزائر وقد اتخذ ميادين الدواب له امامه فيطبخ الطباخون ويخبز الخيارون ويجرى الدواب من بين يديه بين السماء والأرض والريح تهوى فسار من إصطخر الى اليمن فسلك مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذه دار هجرة

[سورة النمل (27) : آية 19]

نبى اخر الزمان طوبى لمن أمن به وطوبى لمن اتبعه وراى حول البيت أصناما تعبد من دون الله فلما جاوز سليمان البيت بكى البيت فاوحى الله الى البيت ما يبكيك فقال يا رب أبكاني ان هذا نبى من أنبيائك وقوم من أوليائك مرو ابى ولم يصلّوا عندى والأصنام تعبد حولى من دونك فاوحى الله اليه ان لاتبك فانى سوف املؤك وجوها سجدا وانزل فيك قرأنا جديدا او ابعث منك نبيا فى اخر الزمان أحب انبيائى واجعل فيك عمارا من خلقى يعبدوننى وافرض على عبادى فريضة يدفون إليك دفيف «الدّفيف السير الغير الشديد كذا فى النهاية منه رح» النسور الى وكرها ويجنون إليك حنين الناقة الى ولدها والحمامة الى بيضها وأطهرك من الأوثان وعبده الشياطين ثم مضى حتى مرّ بواد السدير واد من الطائف فاتى على واد النمل هكذا قال كعب انه واد بالطائف وقال مقاتل وقتادة هو ارض بالشام وقيل هو واد كان يسكنه الجن وأولئك النمل مراكبهم قال فرق الحميرى كان نمل ذلك الوادي أمثال الذباب وقيل كالبخاتى والمشهور انه النمل الصغير قالَتْ نَمْلَةٌ قال الشعبي كانت تلك النملة ذات جناحين وقيل كانت نملة عرجا وقال الضحاك كان اسمها طاحية وقال مقاتل كان اسمها حذمى يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لم يقل ادخلن لان الإنسان إذا تكلم وهو يرى غيره من الحيوانات غير عاقلة فيجعل لها ضمائر الجمادات كما يجعل للنساء ضمائرها الحاقا اياهن بغير ذوى العقول لضعف عقولهن واما الحيوانات إذا تكلم بعضها بعضا ترى أنفسها من ذوى العقول فتخاطب العقلاء فحكى الله سبحانه قول النملة كما قالت لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ نهى لهم عن الحطم والمراد نهيهن عن التوقف والبروز كيلا يؤدى الى حطمهم اياهن كقولهم لا ارينك هاهنا اى لا تقف هاهنا فهو استيناف او بدل من الأمر لا جواب له فان النون لا تدخله فى السعة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ انهم يحطمونكم ولو شعروا لم يفعلوا كانها شعرت عصمة سليمان وأصحابه من الإيذاء عمدا. فويل للروافض لم يشعروا شعور النملة حتى نسبوا الظلم الى اصحاب سيد الأنبياء- فان قيل كيف يتصور الحطم من سليمان وجنوده وكانت الريح تحمل سليمان وجنوده على نساط بين السماء والأرض قيل كان بعض جنوده ركبانا ومنهم مشاة على الأرض تطوى لهم وقيل يحتمل ان يكون هذا قيل تسخير الريح لسليمان. وقال بعض اهل العرفان معناه لا يحطمنكم اشتغالكم بروية جنود سليمان وطمكه وما أعطاه الله من زهرة الحيوة الدنيا فيشغلكم عن ذكر الله ويهلككم فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال كذا قال مقاتل وذلك لما انه كلما كان يتكلم خلق الا حملت الريح فالقته فى مسامع سليمان. فَتَبَسَّمَ سليمان عطف على محذوف تقديره فسمع سليمان مقالها وأدرك معناها ففرح بما سمع وأدرك ما لا يسمع ولا يدرك غيره وبوصفها إياه وجنوده بالعدل او تعجب

[سورة النمل (27) : آية 20]

من حذرها وتحذيرها واهتدائها الى مصالحها فتبسم سرورا او تعجبا ضاحِكاً حال من فاعل تبسم يعنى تبسم مبالغا فى التبسم وأصلا الى الضحك وجاز ان يكون مصدرا اى تبسم تبسما شديدا كانه ضحك على طريقة قمت قائما قال الرجاج اكثر ضحك الأنبياء التبسم وقيل كان اوله التبسم وآخره الضحك. عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ضاحكا مستجمعا حتى ارى لهواته انما كان يتبسم رواه البخاري وعن عبد الله بن الحارث بن جزء ما رايت أحدا اكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي مِنْ قَوْلِها اى لاجل قول النملة فحبس جنوده حتى دخل النمل مساكنهم وَقالَ شكر الله وهضما لنفسه من أداء الشكر واستعانة من الله على شكره رَبِّ أَوْزِعْنِي قرأ ورش والبزي بفتح الياء والباقون بإسكانها والمعنى الهمنى قيل هذا ايضا بمعناه الحقيقي كما ان معناه الحبس والمنع كذا فى القاموس وقال البيضاوي معناه اجعلنى أزع شكر نعمتك عندى اى اكفه وارتبطه لا ينفلت عنى بحيث لا انفك عنه وقال بعض المحققين معناه اجعلنى بحيت أزع اى احبس نفسى عن الكفر وقيل معناه احبس نفسى عن كل شى غيرك أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ فان الانعام على الوالدين وجعل أحد ولدا الخيار الناس نعمة عليه قال الله تعالى الحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شىء وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ فى بقية عمرى وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي زمرة عِبادِكَ الصَّالِحِينَ قال ابن عباس يريد مع ابراهيم واسمعيل واسحق ويعقوب ومن بعدهم من الأنبياء. وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ اى طلبها وبحث عنها والتفقد طلب ما فقد فلم يجد فيها الهدهد وكان سبب تفقده ان سليمان كان إذا نزل منزلا تظله جنده الطير من الشمس فأصابته من موضع الماء تحت الأرض كما يرى فى الزجاجة ويعرف قربه وبعده فينقر الأرض فتجئ الشياطين فيسلخونه ويستخرجون الماء. كذا اخرج ابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم والحاكم وصححه عنه قال سعيد بن جبير لما ذكر ابن عباس هذا قال له نافع بن ازرق يا وصاف انظر ما يقول ان الصبى يضع الفخ ويحثو عليه التراب فيجئ الهدهد ولا يبصر الفخ حتى يقع فى عنقه فقال له ابن عباس ويحك ان القدر إذا جاء حال دون البصر. وفى رواية إذا جاء القضاء والقدر ذهب وعمى البصر. فنزل سليمان منزلا فاحتاج الى الماء فطلبوا فلم يجدوا فتفقد الهدهد ليدل على الماء فلم ير الهدهد وظن انه حاضر ولم يره لساتر او غير ذلك فَقالَ هذه الجملة معطوفة على تفقّد الطّير وهى معطوفة على محذوف معطوف على وحشر لسليمان جنوده تقديره وامر الطيور بالاظلال فوقع الشمس على

[سورة النمل (27) : آية 21]

سريره فنظر وتفقّد الطّير او يقال حشر لسليمان جنوده فنزل منزلا فلم يجد الماء فطلب الهدهد وتفقّد الطّير فقال ما لِيَ قرأ عاصم وابن كثير والكسائي وهشام «وابن وردان بخلاف عنه. ابو محم» بفتح الياء والباقون بإسكانها لا أَرَى الْهُدْهُدَ الاستفهام للتعجب وجملة لا ارى حال من الضمير للمتكلم والعامل فيه معنى التعجب فلما لم يره بعد التفقد ولاح له انه غائب فاضرب عن ذلك وسال عن صحة ما لاح له فقال أَمْ كانَ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة يعنى بل أكان الهدهد مِنَ الْغائِبِينَ ولمّا ثبت انه غائب قال. لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً ليعتبر به أبناء جنسه قيل العذاب الشديد ان ينتف ريشه وذنبه ويلقيه فى الشمس ممعطا لا يمتنع من النمل ولا من هو أم الأرض وقال مقاتل لاطلينّه بالقطران ولاشمسنّه وقيل لاودعنه القفص وقيل لافرقنّ بينه وبين الفه وقيل لاحبسته مع ضده وقيل اولا لزمنه خدمة اقرانه وكان التعذيب جائزا له عليه السلام أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي قرأ ابن كثير بنونين الاولى مشددة مفتوحة والثانية نون الوقاية والباقون بنون واحدة مشيددة مكسورة بِسُلْطانٍ مُبِينٍ اى بحجة بينة فى غيبته وعذر ظاهر والحلف فى الحقيقة على أحد الاقرين بتقدير عدم الثالث لكن لمّا اقتضى ذلك وقوع أحد الثلاثة ثلّث المحلوف عليه بعطفه عليهما وجاز ان يكون او فى او لياتينّى بمعنى الّا ان كما فى قولك لالزمنك او تعطينى حقى يعنى الا ان تعطينى حقى.. فَمَكَثَ الهدهد قرا عاصم «اى روح ابو محمد» ويعقوب بفتح الكاف والباقون بضمها وهما لغتان غَيْرَ بَعِيدٍ اى مكثا غير طويل او زمانا غير مديد يريد به الدلالة على سرعة رجوعه خوفا من سليمان على نفسه وكان سبب غيبة الهدهد على ما ذكره العلماء ان سليمان لمّا فرغ من بناء البيت المقدس عزم على الخروج الى ارض الحرم وامام هناك ما شاء الله ان يقيم وكان ينحر كل يوم طول مقامه بمكة خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين الف كبش وقال لمن حضره من اشراف قومه ان هذا مكان يخرج منه نبىّ عربىّ صفته كذا يعطى النصر على جميع من ناداه ويبلغ هيبته مسيرة شهر القريب والبعيد عنده سواء لا تأخذه فى الله لومة لائم قالوا باىّ دين يدين يا نبى الله قال بدين الحنيفة فطوبى لمن أدركه وأمن به فقالوا كم بيننا وبين خروجه قال مقدار الف عام فليبلّغ الشاهد منكم الغائب فانه سيد الأنبياء وخاتم الرسل. قال فاقام بمكة حتى قضى نسكه ثم خرج من مكة وسار صباحا نحو اليمن ووافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فراى أرضا حسنا تزهر خضرتها فاحب النزول بها ويصلى ويتغدّى فلمّا نزل قال الهدهد ان سليمان قد اشتغل بالنزول فارتفع نحو السماء فانظر الى طول الدنيا وعرضها ففعل ذلك

فنظر يمينا وشمالا فراى بستانا لبلقيس فسال الى الخضرة فوقع فيه فاذا هو بهدهد فهبط اليه وكان اسم هدهد سليمان يعفور واسم هدهد اليمن عنفير فقال عنفير اليمن ليعفور سليمان من اين أقبلت واين تريد قال أقبلت من الشام مع صاحبى سليمان بن داود فقال من سليمان قال ملك الجن والانس والشياطين والطير والوحوش والرياح فمن اين أنت قال من هذه البلاد قال ومن ملكها قال امراة يقال لها بلقيس وان لصاحبكم ملكا عظيما ولكن ليس ملك بلقيس دونه ملكة اليمن كلها وتحت يدها اثنى عشر الف قائد تحت يد كل قائد مائة الف مقاتل فهل منطلق معى حتى تنظر الى ملكها قال أخاف ان تفقدنى سليمان فى وقت الصلاة إذا احتاج الى الماء قال الهدهد اليماني ان صاحبك يسره ان تأتيه بخير هذه الملكة فانطلق معه ونظر الى بلقيس وملكها وما رجع الى سليمان الا وقت العصر قال فلمّا نزل سليمان ودخل عليه وقت الصلاة وكان نزل على غير الماء فسال الجن والانس والشياطين عن الماء فلم يعلموا فتفقّد الطير ففقد الهدهد فدعا عريف الطير وهو النسر فساله عن الهدهد فقال أصلح الله الملك انا لا أدرى اين هو وما أرسلته فغضب عند ذلك ثم قال لاعذّبنّه عذابا شديدا او لاذبحنّه او لياتينّى بسلطان مبين ثم دعا العقاب سيد الطير فقال علىّ بالهدهد الساعة فرفع العقاب دون السماء حتى التزق بالهواء فنظر الى الدنيا كالقصعة بين يدى أحدكم ثم التفت يمينا وشمالا فاذا هو بالهدهد مقبلا من نحو اليمن فانقض العقاب نحوه يريده فلما راى الهدهد ذلك علم ان العقاب يقصده بسوء فناشده الله الذي قواك وأقدرك علىّ الا رحمتنى ولم تتعرض لى بسوء قال قولى عنه العقاب فقال له ويلك ثكلتك أمك ان نبى الله قد حلف ان يعذبك او يذبحك ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلمّا انتهيا الى العسكر تلقاه المنسر والطير فقالوا له ويلك اين غبت فى يومك هذا لقد توعدك نبى الله وأخبره بما قال فقال الهدهد ما استثنى رسول الله قالوا بلى قال او ليايتينّى بسلطان مبين قال فنجوت إذا ثمّ طار العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان وكان قاعدا على كرسيه فقال العقاب قد أتيتك به يا نبى الله فلما راه الهدهد رفع راسه وارخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا لسليمان فلما دنى منه أخذ برأسه فمده اليه فقال له اين كنت لا عذبنك عذابا شديدا فقال الهدهد اذكر وقوفك بين يدى الله عزّ وجلّ فلمّا سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه ثم ساله فقال ما الّذى ابطاك عنى فَقالَ الهدهد عطف على محذوف تقديره فانى فقال أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ الإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته واستعماله فى غير علم الله سبحانه اما بطريق المجاز او المبالغة والمعنى علمت مستيقنا ما لم تعلم وفى مخاطبته إياه بذلك تنبيه

[سورة النمل (27) : آية 23]

على ان فى ادنى خلق الله تعالى من أحاط علما ما لم يحط به سليمان ليتحاقر اليه نفسه ويتصاغر لديه علمه وفيه دليل على بطلان قول الروافض ان الامام لا يخفى عليه شىء ولا يكون فى زمانه اعلم منه وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ اسم بلد باليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة ايام قرأ ابو عمرو والبزي من سبا وبسبا فى سورة سبأ مفتوحة الهمزة بلا تنوين غير منصرف على تأويل البلدة او المدينة وقرأ قنبل ساكنة الهمزة على نية الوقف والباقون بكسر الهمزة والتنوين منصرفا لما كان فى الأصل اسم رجل. قال البغوي جاء فى الحديث ان النبي صلى الله عليه واله وسلم سئل عن سبا فقال كان رجلا له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشام اربعة يعنى ستة منهم أخذوا اليمن وطنا والباقون أخذوا الشام وطنا بِنَبَإٍ يَقِينٍ اى بخبر متيقن قال سليمان وماذك قال. إِنِّي وَجَدْتُ اى أصبت امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ صفة لامراة كان اسمها بلقيس بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان وكان أبوها ملك عظيم عظيم الشأن قد ولده أربعون ملكا وهو فى آخرهم وكان يملك ارض اليمن كلها وكان يقول لملوك الأطراف ليس أحد منكم كفوا لى وابى ان يتزوج فيهم فزوجوه امراة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن فولدت له بلقيس ولم يكن له ولد غيرها. وورد فى الحديث ان احدى أبوي بلقيس كان جنيّا فلمّا مات ابو بلقيس طمعت فى الملك فطلبت من قومها ان يبايعوها فاطاعها قوم وعصاها آخرون فملّكوا عليهم رجلا وافترقوا فرقيتن كل فرقة استولت على طرف من اليمن ثم ان الرجل الّذى ملّكوه أساء السيرة فى اهل مملكته حتى كان يمديده الى حرم رعيته ويفجر بهن فاراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه فلما رات بلقيس ذلك أدركتها الغيرة فارسلت اليه تعرض نفسها عليه وأجابها الملك وقال ما منعنى ان ابتداك بالخطبة الا الياس منك فقالت لا ارغب عنك كفو كريم فاجمع رجال قومى فاخطبنى إليهم فجمعهم وخطبها إليهم فقالوا لا نراها تفعل ذلك فقال لهم انما ابتدأت وانا أحب ان تسمعوا قولها فجاءوها فذكرو لها فقالت نعم أحببت الولد فزوجوها فلمّا زفت اليه خرجت فى أناس كثير من جيشها فلما راته سقته الخمر حتى سكر ثم جزت رأسه وانصرفت من الليل الى منزلها فلمّا أصبح الناس راوا الملك قتيلا ورأسه منصوب على باب داره فطموا ان تلك المناكحة كانت مكرا وخديعة منها فاجتمعوا إليها وقالوا أنت بهذا الملك أحق من غيرك (حديث) : - روى احمد والبخاري فى الصحيح والترمذي والنسائي عن ابى بكرة رضى الله عنه قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اهل فارس ملّكوا عليهم بنت كسرى قال لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امراة قوله تعالى وَأُوتِيَتْ حال بتقدير قد من فاعل تملكهم مِنْ كُلِّ شَيْءٍ

[سورة النمل (27) : آية 24]

يحتاج اليه الملوك من الآلة والعدة او المراد به الكثرة كما سبق وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ حال بعد حال اى سرير ضخم كان مضروبا من الذهب مكللا بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر وقوائمه من الياقوت والزمرد عليه سبعة أبيات على كل بيت باب يغلق. روى ابن ابى حاتم عن زهير بن محمد قال سرير من ذهب وصفحتاه موصول بالياقوت والزبرجد طوله ثمانون ذراعا فى عرض أربعين ذراعا وقال ابن عباس كان عرش بلقيس ثلاثون ذراعا فى ثلاثين ذراعا وطوله فى السماء ثلاثون ذراعا وقال مقاتل كان طوله ثمانين ذراعا وارتفاعه ثلاثين ذراعا. وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ظرف متعلق بيسجدون وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ القبيحة من عبادة الشمس وغيرها جملة وزين مع ما عطف عليه حال من فاعل يسجدون بتقدير قد فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ المستقيم فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ اليه عطف على يسجدون. أَلَّا يَسْجُدُوا قرأ ابو جعفر والكسائي «رويس ابو محمد» الا بالتخفيف على انه حرف تنبيه ويا للنداء ومناداه محذوف تقديره الا يا هؤلاء اسجدوا قال ابو عبيدة امر مستأنف من الله تعالى وجاز كونه امرا من سليمان لمن حضره وعلى هذا حذفت همزة الوصل فى الدرج والالف من حرف النداء لالتقاء الساكنين فى اللفظ وفى خط مثبتان وإذا قف وقف على الا او على يا وابتدا بقوله اسجدوا وقرأ الباقون الّا يسجدوا بالتشديد لاجل ادغام نون ان المصدرية فى اللام من حرف النفي الداخلة على المضارع وان مع صلته بتقدير حرف الجر متعلق بزين لهم او بصدهم- والمعنى زيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم لئلا يسجدوا لله او يقال ان لا يسجدوا بدل من أعمالهم يعنى زين لهم الشيطان ان لا يسجدوا وجاز ان يكون لا زائدة وان مع صلتها متعلق بلا يهتدون تقديره فهم لا يهتدون ان يسجدوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الخبء بمعنى المخبؤ وهو ما خفى غيره وإخراجه إظهاره قال اكثر المفسرين خبء السماوات المطر وخبء الأرض النبات وقيل يريد علم غيب السموات والأرض واللفظ يعم اشراق الكواكب وإنزال المطر وإنبات النبات وإخراج ما فى الشيء من القوة الى الفعل وإخراج ما فى الإمكان والعدم الى الوجوب والوجود ومعلوم انه يختص بالواجب لذاته فهو يستحق بالاستحقاق للسجود دون غيره وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ فى سرائركم وَما تُعْلِنُونَ فيجب الحذر من اشراكه غيره فى العبادة سرّا وعلانية قرأ الكسائي وحفض بالتاء فيهما على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ

[سورة النمل (27) : آية 27]

الْعَظِيمِ بدل من الضمير او خبر ثان الله والجملة تعليل لا سجدوا يعنى فهو المستحق للسجود لا غير. قالَ سليمان للهدهد سَنَنْظُرُ اى سنستعرف مشتق من النظر بمعنى التأمل أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ غيّر النظر ولم يقل أم كذبت للمبالغة (حيث جعلها منسلكا فى الكاذبين معدودا فيهم ويلزمه كونها كاذبا البتة) ورعاية الفواصل. فدلهم الهدهد على الماء فاحتفر والركايا وروى الناس والدواب ثم كتب كتابا. من عبد الله سليمان بن داود الى بلقيس ملكة سبا بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى اما بعد فلا تعلوا علىّ وأتوني مسلمين قال ابن جريج لم يزد سليمان على ما قص الله فى كتابه وقال قتادة كذلك الأنبياء يكتب جملا لا يطيلن ولا يكثرون فلما كتب الكتاب وطبقه بالمسك وختمه بخاتمه قال للهدهد. اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ قرأ ابو عمرو وعاصم وحمزة بإسكان الصاد وابو جعفر ويعقوب باختلاسها كسرا والباقون بإشباع الكسرة إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ اى تنح عَنْهُمْ الى مكان قريب فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ اى ماذا يرجع بعضهم الى بعض من القول وأخذ الهدهد الكتاب واتى به بلقيس وكانت بأرض يقال لها مارب من صنعاء الى ثلاثة ايام فوافاه فى قصرها وقد غلقت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها فاتاها الهدهد وهى نائمة مستلقية قفاها فالقى الكتاب على نحرها كذا اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن قتادة- وقال مقاتل حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرة وحولها القادة والجنود فرفرف ساعة والناس ينظرون اليه حتى رفعت المرأة راسها فالقى الكتاب فى حجرها وقال ابن منبه وابن زيد كانت كوة مستقبلة الشمس تقع فيها حين تطلع فاذا نظرت إليها سجدت لها فجاء الهدهد الكوة فسدها بجناحيه فارتفعت الشمس فلم تعلمها فلما استبطأت الشمس قامت تنظر فرم الصحيفة إليها. فاخذت بلقيس الكتاب وكانت قارية فلما رات الخاتم ارتعدت وخضعت لان ملك سليمان كان فى خانمه وعرفت ان الّذى أرسل الكتاب أعظم ملكا منها فقرأت الكتاب وتأخر الهدهد غير بعيد فجاءت ففعدت على سرير ملكها وجمعت الملأ من قومها وهم اثنا عشر الف قائد مع كل قائد مائة الف مقاتل وقال ابن عباس كان مع بلقيس مائة الف قيل مع كل قيل مائة الف والقيل الملك دون الملك الأعظم وقال قتادة ومقاتل كان اهل مشورتها ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا كل رجل منهم على عشرة الان قال فجاءوا فاخذوا مجالسهم. قالَتْ لهم بلقيس يا أَيُّهَا الْمَلَأُ وهم اشراف الناس وكبراؤهم

[سورة النمل (27) : الآيات 30 إلى 31]

إِنِّي أُلْقِيَ قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ قال عطاء والضحاك سمته كريما لانه كان مختوما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كرامة الكتاب ختمه رواه الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس واخرج ابن مردوية فى القى الىّ كتاب كريم قال مختوم وروى عن ابن جريح كريم اى حسن وهو اختيار الزجاج وروى عن ابن عباس كريم اى شريف لشرف صاحبه قيل سمته كريما لغرابة شانه إذ كانت مستلقية فى بيت مغلقة الأبواب فدخل الهدهد من كوة وألقاه على نحرها بحيث لم تشعر به وقيل سمته كريما لكونه مصدرا ببسم الله الرحمان الرحيم ثم بينت ممن الكتاب فقالت. إِنَّهُ اى الكتاب او العنوان مِنْ سُلَيْمانَ ثم بينت ما فيها فقالت وَإِنَّهُ اى المكتوب او المضمون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ ان مفسرة او مصدرية وهو لصلته خبر محذوف اى هو او المقصود ان لا تعلوا او بدل من كتاب والمعنى لا تتكبروا ولا تمتنعوا من الاجابة فان ترك الاجابة من العلو والتكبر وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ مؤمنين او منقادين وهذا كلام فى غاية الوجازة مع كمال الدلالة على المقصود لاشتماله على البسملة الدلالة على ذات الصانع وصفاته صريحا والتزاما والنهى عن الترفع الذي هى أم الرذائل والأمر بالإسلام الجامع لامهات الفضائل وليس فيه الأمر بالانقياد قبل اقامة الحجة على رسالته حتى يكون استدعاء للتقليد فان إلقاء الكتاب إليها على تلك الحالة من أعظم الدلائل.. قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي اى أشيروا الىّ فيما عرض لى واجيبونى فيما أشاوركم فيه والفتيا والفتوى الجواب عما يشكل من الاحكام ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً اى حاكمة بامر حكما قطعيّا يقطع اختيار المحكوم عليه حَتَّى تَشْهَدُونِ اى حتى تحضروني وتشيرونى او تشهدوا على كونه صوابا جملة قالت مع ما فى حيزها بدل اشتمال من قالت السابقة. قالُوا مجيبين لها نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ فى القتال وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ 5 عند الحرب قال مقاتل أرادوا بالقوة كثرة العدد وبالبأس شدة الشجاعة. لما ان الاستشار منها دائرا بين الصلح والقتال وكان القتال أصعب الامرين أجابوا بامتثال أمرها فى القتال على خلاف ما قالت اليهود اذهب أنت وربّك فقاتلا انّا هاهنا قاعدون وهذا يدل على اجابة أمرها فى الصلح بالطريق الاولى ولذلك خيروها فى الامرين حيث قالوا وَالْأَمْرُ فى الصلح والقتال وفى كل شىء موكول إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ من المقاتلة والصلح ما استفهامية والجملة بتأويل المفرد مفعول لا نظرى يعنى فانظرى وتاملى حتى يتعين لك أمرك الّذى ينفعك

[سورة النمل (27) : آية 34]

نطيعك ونتبع رأيك. قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً قهرا وعنوة أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً بتهب أموالهم وتخريب ديارهم حتى يستقيم لهم أمرهما حذرتهم من دخول سليمان عليهم قهرا ثم صرحت بالتحذير وقالت وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ يعنى سليمان وجنوده وقيل هذا تأكيد لما وصف من حال الملوك وتقرير بان ذلك من عادتهم الثابتة المستمرة او تصديق من الله لقولها وفى هذا الكلام اشعار بانها ترى الصلح أصلح. وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ بيان لما يرى تقديمه فى المصالحة والمعنى اتى مرسلة إليهم رسلا بهدية ادفعه بها عن ملكى والهدية اسم لما يهدى به كالعطية اسم لما يعطى قال البغوي أرادت بلقيس بإرسال الهدية اختيار سليمان املك هو أم نبى تعنى ان كان ملكا قبل الهدية وانصرف وان كان نبيّا لم يرض الا بأتباعه على دينه فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فاهدت اليه وصفا ووصائف قال ابن عباس ألبستهم لباسا واحدا لئلا يعرف ذكر من أنثى وقال مجاهد ومقاتل البس الغلمان لباس الجواري والبس الجواري لباس الغلمان واختلفوا فى عددهم قال ابن عباس مائة وصف ومائه وصيفة وقال مجاهد مائتى غلام ومائتى جارية وقال سعيد بن جبير أرسلت اليه بلبنة فى حرير وديباج وقال ثابت البناني أهدت له صعاع الذهب فى اوعية الديباج وقيل كانت اربعة لبنات من ذهب وقال وهب وغيره عمدت بلقيس الى خمس مائة غلام وخمس مائة جارية فالبست الجواري لباس الغلمان الاقبية والمناطق وألبست الغلمان لباس الجواري وجعلت فى سواعدهم أساور من ذهب وفى أعناقهم اطواقا من ذهب وفى آذانهم أقراطا وشنوفا مرصعات بانواع الجمال وحملت الجواري على خمس مائة رمكة والغلمان على خمس مائة برذون على كل فرس لجام من ذهب مرصع بالجواهر وغواشيها من الديباج الملونة وبعثت اليه خمس مائة لبنة من فضة وتاجا مكلّلا بالدّر والياقوت المرتفع وأرسلت اليه المسك والعنبر والعود الألنجوج وعمدت الى حقة فجعلت فيها درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معوّجة الثقب ودعت رجلا من اشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو وضمت اليه رجالا من قومها اصحاب رأى وعقل وكتبت معه كتابا بنسخة الهدية وقالت ان كنت نبيّا فميز بين الوصفة والوصائف واخبر بما فى الحقة قبل ان تفتحها واثقب الدرة ثقبا مستويّا وادخل خيط الخرزة المثقوبة من غير علاج انس ولا جن وأمرت بلقيس الغلمان إذا تكلم لكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء وأمرت الجواري ان تكلمينه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال

ثم قالت للرسول انظر الى الرجل فان نظر إليك نظر غضب فاعلم انه ملك ولا يهو لئك منظره فانا أعز منه وان رايت الرجل بشاشا لطيفا فاعلم انه نبى مرسل فتفهم قوله ورد الجواب فانطلق الرسل بالهدايا واقبل الهدهد مسرما الى سليمان فاخبره كله فامر سليمان الجن ان يضربو البنات الذهب والفضة ففعلوا ثم أمرهم ان يبسطوا من مرضعه الذي هو فيه الى تسع فراسخ ميدانا واحد البنات الذهب والفضة وان يجعلوا حول الميدان حائطا مشرفها من الذهب والفضة ففعلوا ثم قال اى الدواب احسن ممّا رايتم فى البحر والبر قالوا يا نبى الله انا راينا دوابّا فى بحر كذا منقطعة مختلفة ألوانها لها اجنحة واعراف ونواص قال علىّ بها الساعة فاتوا بها قال شددوها عن يمين الميدان وعن يساره على لبنات الذهب والفضة والقوا علوفها ثم قال للجن علىّ باولادكم فاجتمع خلق كثير فاقام على يمين الميدان ويساره ثم قعد سليمان فى مجلسه على سريره ووضع له اربعة آلاف كرسى عن يمينه ومثله عن يساره فامر الشياطين ان يصفوا صفوفا فراسخ عن يمينه ويساره فلما دنا القوم ونظروا الى ملك سليمان وراوا الدواب التي لم تر أعينهم مثلها قط تروث على لبن الذهب والفضة تقاصرت أنفسهم ورموا ما معهم من الهدايا. وفى بعض الروايات ان سليمان لما امر بفرش لبنات الذهب والفضة أمرهم ان يتركوا على طريقهم موضعا على قدر اللبنات التي معهم فلما را الرسل موضع اللبنات خاليا وكل الأرض معروضة خافوا ان يتهموا بذلك فطرحوا ما معهم فى ذلك المكان فلمّا راوا الشياطين نظروا الى منظر عجيب ففزعوا فقال لهم الشياطين جوزوا فلا بأس عليكم فكانوا يمرّون على كردوس كردوس من الجن والانس والطير والسباع والوحوش حتى وقفوا بين يدى سليمان فنظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق قال ما وراءكم فاخبره رئيس القوم بما جاءوا به وأعطاه كتاب الملكة فنظر فيه فقال اين الحقة فاتى بها فحركها وجاءه جبرئيل فاخبره بما فى الحقة فقال ان فيها درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة مثقوبة معوجة الثقب فقال الرسول صدقت فاثقب الدرة وادخل الخيط فى الخوزة فقال سليمان من لى بثقبها فسال سليمان الانس ثم الجن فلم يكن عندهم علم بذلك ثم سال الشياطين فقالوا ترسل الى الارضة فاخذت شعرة فى فيها فدخلته فيها حتى خرجت من الجانب الاخر فقال لها ما حاجتك فقالت تصير رزقى فى الشجرة فقال لك ذلك وروى انها جاءت رودة فى الصفصاف فقالت انا ادخل الخيط فى الثقب على ان أيكون رزقى فى الصفصاف فجعل لها ذلك فاخذت الخيط فى فيها ودخلت فى الثقب وخرجت من الجانب الاخر فقال سليمان ما حاجتك قالت ان يجعل رزقى فى الفواكه قال لك ذلك ثم

[سورة النمل (27) : آية 36]

ميّزه بين الجواري والغلمان بان أمرهم ان يغسلوا وجوههم وأيديهم فجعلت الجارية تأخذ الماء من الانية بإحدى يديها ثم تجعل على اليد الاخرى ثم تضرب بها الوجه والغلام كما يأخذ من الانية يضرب به وجهه وكانت الجارية نصب على باطن ساعدها والغلام على ظهر الساعد وكانت الجارية تصب صبّا وكان الغلام يحدر الماء على يده حدرا فميّز بيهن ثم رد سليمان الهدية كما قال الله عزّ وجل هذا ما ذكره البغوي وهو مأخوذ من روايات مختلفة اخرج بعضها ابن ابى حاتم عن السدىّ وبعضها ابن المنذر وابن ابى حاتم عن يزيد بن رومان-. فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ الرسول او ما أهدت اليه قالَ أَتُمِدُّونَنِ قرأ حمزة ويعقوب تمدّونّى بنون واحدة مشددة واثبات ياء المتكلم فى الحالين والباقون بنونين خفيفتين واثبت ابن كثير الياء فى الحالين وأثبتها فى الوصل فقط نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وابو عمرو والباقون يحذفو لها فى الحالين بِمالٍ تنوين مال للتحقير والخطاب للرسول ومن معه او للرسول والمرسل على تغليب المخاطب والاستفهام للانكار يعنى لا حاجة لى الى امدادكم ايّاى بالهدية ولا وقع لها عندى فَما آتانِيَ اللَّهُ من الدين والنبوة والحكمة والملك لا مزيد عليه قرأ قالون وحفص وابو عمرو «وقفا ابو محمد» بخلاف عنهم بإثبات الباء مفتوحة فى الوصل «بلا خلاف» ساكنة فى الوقف وورش «وابو جعفر- ابو محمد» بالياء المفتوحة وصلا وحذفها وقفا والباقون بحذف الياء فى الحالين «1» خَيْرٌ اى أفضل مِمَّا آتاكُمْ تطيل الإنكار المذكور بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ لانكم لا تعلمون الا ظاهرا من الحيوة الدنيا فتفرحون بما اهديتم حبّا لزيادة أموالكم او بما تهدونه الى غيركم افتخارا على أمثالكم إضراب عن مفهوم ما سبق من الإنكار يعنى لا افرح بل أنتم تفرحون وبيان لما حملهم عليه وهو قياس حاله على حالهم فى قصور الهمة بالدنيا والزيادة فيها. ثم قال للمنذر بن عمرو. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ يعنى الى بلقيس وقومها فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ جواب قسم محذوف والفاء للسببية بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لا طاقة لَهُمْ بِها اى بمقاومتها الجملة صفة لجنود وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها اى من ارضهم أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ اى ذليلون تأكيد لقوله اذلّة وقيل اذلة ضدا عزة وذلك بذهاب عزهم وملكهم والصغار وقوعهم فى الاسر يعنى لنخرجنهم منها ان لم ياتونى مسلمين قال وهب وغيره انه لما رجع رسل بلقيس إليها من عند سليمان قالت قد عرفت والله ما هذا بملك وما لنا به من طاقة فبعثت الى سليمان انى قادمة إليك بملوك قومى حتى انظر إليك وما تدعوننا اليه من دينك ثم أمرت بعرشها فجعل فى اخر سبعة أبيات بعضها فى بعضها او فى قصر من

_ (1) قرأ يعقوب وقفا بإثبات الياء الساكنة وقرأو يس وصلا بفتح الياء وروح بالحذف ابو محمد رح.

[سورة النمل (27) : آية 38]

سبع قصور لها ثم أغلقت دونه الأبواب ووكلت به حرسا يحفظونه ثم قالت لمن خلفت على سلطانها احتفظ بما فى قبلك وسرير ملكى لا يخلص اليه أحد ولا برينه حتى اتيك. ثم أمرت مناديا ينادى فى اهل مملكتها يؤذّنهم بالرحيل وشخصت الى سليمان فى اثنى عشر الف قيل من مملوك اليمن تحت يدى كل قيل ألوف كثيرة قال ابن عباس كان سليمان رجلا مهيبا لا يبتدا بشئ حتى يكون هو الذي يسئل عنه فخرج يومه فجلس على سرير مملكته فراى «الغبار. منه رح» رهجا قريبا منه فقال ما هذا قالو بلقيس قد نزلت منها بهذا المكان وكان على مسيرة فرسخ من سليمان قال ابن عباس وكان بين الحيرة والكوفة قدر فرسخ فاقبل سليمان حينئذ على جنوده و. قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها أراد بذلك ان يريها قدرة الله وعظم سلطانه فى معجزة يأتى بها فى عرشها ويختبر عقلها بان ينكّر عرشها فينظرا تعرفه أم تنكره قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ فانها إذا أتت مسلمة لم يحل اخذه الا برضاها. قالَ عِفْرِيتٌ قال الضحاك هو الخبيث وقال الفراء هو القوىّ الشديد قال ابن قتيبة العفريت الموثق الخلق وأصله من العفر اى التراب يقال عاقره إذا صارعه فالقاه على العافر اى التراب مِنَ الْجِنِّ قال وهب اسمه لوذى وقيل ذكمان وقيل صخر الجنى وكان بمنزلة الجبل يضع قدمه عند منتهى طرف أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ اى مجلسك الّذى تقضى فيه قال ابن عباس له كل غداة مجلس يقضى فيه الى نصف النهار وَإِنِّي عَلَيْهِ على حمله لَقَوِيٌّ أَمِينٌ على ما فيه من الجواهر هذه الجملة حال من فاعل اتيك قال سليمان انا أريد اسرع من هذا. قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ اخرج ابن ابى حاتم عن ابن لهيعة انه خضر وقال بعضهم هو جبرئيل عليه السلام وقيل هو ملك من الملائكة أيد الله به نبيه سليمان عليه السلام وقال اكثر المفسرين هو اصف بن برخيا وكان صدّيقا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به اعطى روى جرير ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ان اصف قال لسليمان حين صلى مدّ عينيك حتى ينتهى طرفك فمد سليمان عينيه فنظر نحو اليمن ودعا اصف فبعث الله الملائكة فحملوا السرير تحت الأرض تخد «اى تشق الأرض منه الأخدود. منه رح» خدّا حتى تخرقت الأرض بالسرير بين يدى سليمان وقال الكلبي خرّ اصف ساجدا فدعا باسم الله الأعظم فمال عرشها تحت الأرض حتى نبع عند كرسى سليمان قيل كانت مقدار شهرين واختلفوا فى الدعاء الذي دعا به اصف فقال مجاهد ومقاتل يا ذا الجلال والإكرام وقال الكلبي يا حى يا قيوم وروى ذلك عن عائشة رضى الله

[سورة النمل (27) : آية 41]

عنها وروى عن الزهري قال دعاء الذي عنده علم الكتاب يا الهنا واله كل شىء الها واحدا لا اله الا أنت ايتني بعرشها. وقد بحثنا عن اسم الله الأعظم فى صدر سورة ال عمران وقول الزهري يوافق ما اخترت وقال محمد بن المنكدر الّذى عنده علم من الكتاب هو سليمان عليه السلام نفسه أتاه الله علما وفهما فيكون التعبير عنه بذلك للدلالة على شرف العلم وان هذه الكرامة كانت بسببه والخطاب فى أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ للعفريت كانه أراد اظهار معجزة فنحدّاهم اولا فلمّا قال عفريت ما قال استبطأه فقال له ذلك وأراد به انه يتاتى له ما لا يتهيا لعفاريت عن الحسن فضلا عن غيرهم والمراد بالكتاب جنس الكتب المنزلة او اللوح واتيك فى الموضعين صالح للفعلية والاسمية والطرف تحريك الأجفان للنظر ولمّا كان الناظر يوصف بإرسال الطرف وصف بردّ الطرف والطرف بالارتداد والمعنى انك ترسل طرفك نحو شىء فقيل ان ترده احضر عرشها وهذا غاية الاسراع ومثّل فيه. فَلَمَّا رَآهُ سليمان معطوف على محذوف تقديره فامره سليمان بالإتيان بالسرير فدعا باسم الله الأعظم فمال عرشها تحت الأرض فنبع عند سرير سليمان فلما راه مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ شكرا للنعمة كما هو دأب المخلصين من عباد الله هذا اى التمكن من إحضار العرش فى مدة ارتداد الطرف من مسيرة شهرين بنفسه او غيره مِنْ فَضْلِ رَبِّي اى بعض افضاله علىّ لِيَبْلُوَنِي قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمّد» بفتح الياء والباقون بإسكانها اى فضل علىّ لاجل ابتلائى أَأَشْكُرُ نعمة فاراه فضلا من الله من غير حول منى ولا قوة وأقوم بحقه أَمْ أَكْفُرُ بان أجد نفسى أهلا لها او اقصر فى أداء موجبه ومحلهما النصب على البدل من الضمير المنصوب فى ليبلونى وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ لانه به يستحب دوام النعمة ومزيدها فان الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة وبه يفرغ ذمته عن الواجب ويرتفع درجته عند الله تعالى ويستحق اجرا فى دار الجزاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر- رواه احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم بسند صحيح عن ابى هريرة ورواه احمد وابن ماجة بسند صحيح عن سنان بن سنة بلفظ الطاعم الشاكر له مثل اجر الصائم الصابر وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ عن شكره كَرِيمٌ ينعم على الشاكر والكافر جواب الشرط محذوف أقيم دليله مقامه تقديره ومن كفر فلا يضر ربى لانه غنى كريم. قالَ سليمان نَكِّرُوا لَها اى لبلقيس عَرْشَها يعنى اجعلوها بحيث لا تعرفها إذا رأت روى

[سورة النمل (27) : آية 42]

انه جعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله وجعل مكان الجوهر الأحمر الأخضر ومكان الأخضر الأحمر نَنْظُرْ مجذوم على جواب الأمر أَتَهْتَدِي الى معرفته او للجواب الصواب أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ وانما حمل سليمان على ذلك (على ما ذكره كعب ووهب وغيرهما) ان الشياطين خافت ان يتزوجها سليمان فتفشى اليه اسرار الجن لان أمها كانت جنيّة وإذا ولدت ولدا لا ينفكون من تسخير ولده وذريته من بعده فاساء والثناء عليها ليزهدوه فيها وقالوا ان فى عقلها شيئا وان رجليها كحافر الحمار وانها شعراء الساقين فاراد سليمان ان يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر الى قدمها ببناء الصرح. فَلَمَّا جاءَتْ عطف على قوله فلمّا جاء سليمان قال أتمدّونن بمال وما بينهما معترضات قِيلَ لها أَهكَذا عَرْشُكِ شبّه الأمر عليها زيادة فى امتحان عقلها قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ قال مقاتل عرفته ولكنها شبّهت عليهم كما شبّهوا عليها وقيل اشتبه الأمر عليها فلم يقل نعم ولا لاخوفا من الكذب فعرف سليمان عقلها حيث لم تقر ولم تنكر. وقيل لها فانه عرشك فما اغنى عنك إغلاق الأبواب والحرس فقالت وَأُوتِينَا الْعِلْمَ بكمال قدره الله وصحة نبوة سليمان مِنْ قَبْلِها اى قبل اية العرش بايات اخر من إلقاء هدهد الكتاب وامر الهدية والرسل وقيل انه من كلام سليمان عليه السلام وقومه عطفه على جوابها لما فيه من الدلالة على إيمانها بالله تعالى ورسله جوّزت ان يكون ذلك عرشها تجويزا غالبا وإحضاره ثمه من المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله ولا يظهر الا على أيدي الأنبياء عليهم السلام والمعنى وأوتينا العلم بالله تعالى وقدرته وصحة ما جاء من عنده قبلها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ منقادين لحكمه لم نزل على دينه ويكون غرضهم فيه التحدث بما أنعم الله عليهم من التقدم فى ذلك شكرا له وقيل معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين طائعين لله عزّ وجلّ. وَصَدَّها اى منعها سليمان عليه السلام ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعنى عن عبادة الشمس فما فى محل النصب بحذف حرف الجر وإيصال الفعل اليه وقيل ما فى محل الرفع والمعنى وصدّها عن التوحيد ما كانت تعبد من دون الله لا نقصان عقلها كما قالت الجن ان فى عقلها شيئا إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ استيناف اخبر الله تعالى انها كانت من قوم تعبد الشمس فنشات فيهم ولم تعرف الا عبادة الشمس. ثم أراد سليمان ان ينظر الى قدميها وساقيها من غير ان يسئلها كشفها لما قالت الشياطين

[سورة النمل (27) : آية 44]

ان رجليها كحافر الحمار وهى شعراء الساقين فامر الشياطين ان يبنوا له صرحا اى قصرا من زجاج وقيل بيتا من زجاج كانه الماء بياضا وقيل الصرح صحن الدار والحضري تحته الماء والقى فيه كل شىء من دوابّ البحر السمك والضفادع وغيرهما. ثم وضع سريره على صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والانس والجن وقيل اتخذ صحنا من قوارير وجعل تحتها تماثيل الحيطان والضفادع فكان إذا راه أحد ظنّه الماء. فلما جلس على السرير دعا بلقيس فلمّا جاءت. لَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ عطف على محذوف تقديره فدخلته يعنى من الباب ورأته اى الصرح بلا حجاب قبل ورودها فلمّا راته سِبَتْهُ لُجَّةً من ماء كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها لتخوضه قرا قنبل عن ساقيها هاهنا وفى ص بالسّؤق وفى الفتح على سؤقه بالهمزة فى الثلاثة- والباقون بغير همزة اخرج ابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم فى حديث طويل عن ابن عباس ان سليمان امر قبل قدومها ببناء قصر صحنه من زجاج ابيض واجرى من تحته الماء والقى فيه حيوانات البحر ووضع سريره فى صدره فجلس عليه فلما بصرته ظنته ماء راكدا فكشف عن ساقيها لتخوضه وتخلص الى سليمان فنظر سليمان فاذا هى احسن الناس ساقا وقد ما الا انها شعراء الساقين فلمّا راى سليمان ذلك صر بصره عنها ومن هاهنا يظهر ان النظر الى الاجنبية على ارادة خطبة النكاح جائز قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع ان ينظر الى ما يدعوه الى نكاحها فليفعل- رواه ابو داود عن جابر وروى احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والدار هى عن مغيرة بن شعبة قال خطبت امراة فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نظرت إليها قلت لا قال فانظر إليها فانه أحرى ان يؤدم بينكماالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ اى مملس ومنه الأمرنْ قَوارِيرَ من زجاج الَتْ حين رات المعجزة من سليمان بِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بالكفر وعبادة الشمس فتبت عنه الان أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ اى أخلصت له التوحيد وقيل انها لما بلغت الصرح وظنته لجة قالت فى نفسها ان سليمان يريد ان يغرقها وكان القتل أهون من هذا فقالت انّى ظلمت نفسى بذلك الظن لسليمان عليه السلام فتبت عنه وأسلمت- واختلفوا فى أمرها بعد إسلامها فقال عون بن عبد الله سال رجل عبد الله بن عيينة هل تزوجها سليمان قال انتهى أمرها الى قولها وأسلمت مع سليمان لله ربّ العلمين يعنى لا علم لنا وراء ذلك وقال بعضهم تزوجها أخرجه ابن عساكر عن عكرمة ولما أراد ان يتزوجها كره ما راى من كثرة شعر ساقيها فسال الانس

[سورة النمل (27) : آية 45]

ما يذهب هذا قالوا الموسى فقالت المرأة لم تمسنى حديدة قط فكره سليمان الموسى وقال انه يقطع فسال الجن فقالوا لا ندرى ثم سال الشياطين فقالوا انا نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا النورة والحمام فكانت النورة والحمامات من يومئذ فلمّا تزوجها سليمان أحبها حبّا شديدا فاقرها على ملكها وامر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا وهى سلحون وسنون وعمد ان ثم كان سليمان يزورها كل شهر مرة بعد ان ردها الى ملكها يقيم عندها ثلاثة ايام يبتكر من الشام الى اليمن ومن اليمن الى الشام وولد له منها ذكر وروى عن وهب قال زعموا ان بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان اختاري رجلا من قومك أزوجكه قالت ومثلى يا نبى الله تنكح الرجال وقد كان لى فى قومى من الملك والسلطان ما كان قال نعم انه لا يكون فى الإسلام الا ذلك ولا ينبغى لك ان تحرمى ما أحل الله لك فقالت زوجنى ان كان لا بد ذلك من ذى تبع ملك همدان فزوجها إياه ثم ردها الى اليمن وسلط زوجها ذا تبع على اليمن ودعا رديعه امير جن اليمن فقال اعمل لذى تبع ما استعملك فيه فلم تزل ملكا يعمل له فيه ما أراد حتى مات سليمان فلما ان حال الحول وتبينت الجن موت سليمان اقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى إذا كان فى جوف اليمن صرخ بأعلى صوته يا معشر الجن ان ملك سليمان قد مات فارفعوا ايديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا وانقضى ملك ذى تبع وملك بلقيس مع ملك سليمن- قلت نظر سليمان الى ساق بلقيس يؤيد قول من قال انه نكحها ويأبى قول من قال انه انكحها ذا تبع والله اعلم قيل ان الملك وصل الى سليمان وهو ابن ثلاث عشر سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة سبحان الله من لا زوال لملكه- شعر لا ملك سليمان ولا بلقيس ... لا آدم فى الكون ولا إبليس والكل فصورة وأنت المعنى ... يا من هو للقلوب مقناطيس والله اعلم. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً جواب قسم محذوف وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى ولقد اتينا داود وسليمان وقوله صالحا بدل من أخاهم أَنِ مفسرة لارسلنا او مصدرية بتقدير الباء اى بان اعْبُدُوا اللَّهَ وحده فَإِذا هُمْ مبتدا خبره فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ صفة لفريقين اى ففاجرا التفرق والاختصام فامن فريق وكفر فريق والواو فى يختصمون لمجموع الفريقين قال اختصامهم ما ذكر فى سورة الأعراف قال الّذين استكبروا من قومه للّذين استضعفوا الى قوله ان كنت من المرسلين. قالَ لهم صالح يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ اى بالعقوبة حيث تقولون يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين قَبْلَ الْحَسَنَةِ اى قبل التوبة حيث

[سورة النمل (27) : آية 47]

تاخرونها الى نزول العذاب الاستفهام للانكار والتوبيخ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ بالتوبة من كفركم قبل نزول العذاب لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ اى لكى ترحموا بقبولها فانها لا تقبل بعد ما ترون العذاب. قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ اى تشامنا بكم إذ وقع بيننا الافتراق حين اخترعتم دينا او تتابع علينا الشدائد وامسك عنا المطر قالوا هذه الضراء والشدة من شومك وشوم أصحابك قالَ طائِرُكُمْ اى شومكم يعنى سبب شومكم الذي جاء منه شر عِنْدَ اللَّهِ وهو قضاؤه او عملكم المكتوب عنده سمى القضاء طائرا لسرعة نزوله بالإنسان فانه لا شىء اسرع من قضاء مختوم وسمى العمل طائرا لسرعة صعوده الى السماء وقال ابن عباس طائركم عند الله يعنى شومكم أتاكم من عند الله لكفركم وقيل سمى الشوم طائرا لان اهل الجاهلية كانوا يتشامون بصوت الطائر ومروره على تهج معين معروف عندهم إذا سافروا المستعير لفظ الطائر للشوم لذلك العرف بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ إضراب عن مفهوم الكلام السابق يعنى ليس طائركم منى ومن أصحابي بل أنتم تفتنون اى تعذبون بكفركم كذا قال محمد بن كعب وقال ابن عباس تختبرون بالخير والشر نظيره قوله تعالى ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنة. وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ اى مدينة ثمود وهى الحجر تِسْعَةُ رَهْطٍ اى تسعة انفس وقع الرهط تميز للتسعة باعتبار المعنى فان معناه الجماعة من الثلاثة او السبعة الى العشرة كما ان النفر من الثلاثة الى التسعة يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ خبر لكان واسمه تسعة رهط وفى المدينة حال منه او ظرف وَلا يُصْلِحُونَ يعنى كان شانهم الإفساد الخالص عن شوب الصلاح وهم أبناء الشر افهم الذين اتفقوا على عقر الناقة وهم غواة قوم صالح واشقياهم وأشقاهم قزار بن سالف وهو الذي تولى عقرها. قالُوا استيناف او حال بتقدير قد يعنى قال بعضهم لبعض تَقاسَمُوا يعنى تحالفوا بالله هو امر مقولة قالوا او فعل ماضى وقع بدلا من قالوا او حال بإضمار قد من فاعل قالوا لَنُبَيِّتَنَّهُ اى لنقتلن صالحا بياتا اى ليلا وَأَهْلَهُ اى قومه الذين اسلموا به ثُمَّ لَنَقُولَنَّ قرأ الأعمش و «خلف- ابو محمد و» حمزة والكسائي لتبيّننّه ولتقوّلنّ بالتاء للخطاب فيما بينهم فيهما وضم التاء الثانية فى الاولى وضم اللام فى الثانية لدلالتها على الواو المحذوفة للجمع والباقون بالنون للتكلم وفتح التاء واللام لِوَلِيِّهِ لولى دمه ما شَهِدْنا اى ما حضرنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ قرأ الجمهور بضم الميم وفتح اللام من الإهلاك يحتمل للمصدر والزمان والمكان وكذا على قراءة حفص بفتح الميم وكسر اللام من الهلاك فان مفعلا قد جاء مصدرا لمرجع وقرأ ابو بكر بالفتح فيكون مصدرا وَإِنَّا لَصادِقُونَ يعنى ونحلف

[سورة النمل (27) : آية 50]

انّا لصادقون او والحال انّا لصادقون فيما ذكر لان الشاهد للشئ غير المباشر له عرفا او لانا ما شهدنا مهلكهم وحده بل مهلكه ومهلكهم كقولك ما رايت ثم رجلا بل رجلين.. وَمَكَرُوا مَكْراً اى غدروا غدرا حيث قصدوا تبييت صالح وَمَكَرْنا مَكْراً بان جعلناها سببا لاهلاكهم وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ حال من فاعل مكرنا. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ عاقبة اسم كان وكيف خبره مقدم عليه لصدارته والاستفهام للتعجب. والجملة الاستفهامية بتأويل المفرد مفعول لانظر أَنَّا دَمَّرْناهُمْ قرأ الكوفيون ويعقوب انّا بفتح الهمزة على انه خبر مبتدا محذوف او بدل من اسم كان او خبر له وكيف حال او التقدير لانّا دمّرناهم والباقون بكسر الهمزة على الاستيناف وعلى هذا ان كان كان ناقصة فخبرها كيف وان كان تامة فكيف حال ولا يجوز ان يكون انّا دمّرناهم خبر كان لعدم العائد- اختلفوا فى كيفية إهلاكهم قال ابن عباس أرسل الله الملائكة تلك الليلة الى دار صالح يحرسونه فاتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم فرمتهم الملائكة بالحجارة من حيث يرون الحجارة ولا يرون الملائكة فقتلهم وقال مقاتل جلسوا فى سفح الجيل ينتظرون بعضهم ليأتوا دار صالح فحثم عليهم الجبل فاهلكهم الله تعالى اخرج عبد الرزاق وعيد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن قتادة قال مكر الله بهم رماهم بصخرة فاخذتهم وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ اهلكهم الله تعالى بالصيحة. فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً اى خالية من خوى البطن إذا خلا او ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط منصوب على الحال والعامل فيه معنى الاشارة بِما ظَلَمُوا اى خاوية بسبب كفرهم وظلمهم إِنَّ فِي ذلِكَ اى فيما فعل يثمود لَآيَةً على كمال قدر تناء صدق الأنبياء لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فيتعظون به. وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي وهم صالح ومن معه وكانوا اربعة آلاف. وَلُوطاً منصوب بفعل مضمر يدل عليه قوله لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ تقديره وأرسلنا لوطا وجاز ان يكون منصوبا باذكر إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ ظرف لفعل مقدر وهو اذكر او متعلق بأرسلنا على تقدير كونه عاملا فى لوطا او بدل من لوط على تقدير كونه منصوبا باذكر أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ اى الفعلة البالغة فى القبح الاستفهام للانكار والتوبيخ وكذا الاستفهام الثاني وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ اى تعلمون فخشها من بصر القبائح مع ان اقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح وقيل معناه ويبصر بعضكم بعضا فانهم كانوا يعلنون بها ويفعلونها بمشهد القوم فيكون افحش او المعنى وأنتم تبصرون اثار من قبلكم من العصاة وما نزل بهم. أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ

[سورة النمل (27) : آية 56]

الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ اللائي خلقن لذلك بيان لاتيانهم الفاحشة وشهوة منصوب على العلية للدلالة على قبحه والتنبيه على ان الحكمة فى المواقعة طلب النسل لاقتضاء الشهوة بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ اى تفعلون فعل من يجهل بقبحها او يكون سفيها لا يميز بين الحسن والقبح او تجهلون العاقبة والتاء فى تجهلون لكون الموصوف به فى معنى المخاطب قيل اجتمع هاهنا الخطاب بقوله أنتم والغيبة بقوله قوم فغلب الخطاب على الغيبة. وهذه الآيات تدل على ان حسن الافعال وقبحها ثابتة لها فى أنفسها قبل ورود الشرع وان كانت معرفة بعضها متوقفة على الشرع. فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ اى يتنزهون عن أفعالنا او عن الاقذار وجملة انهم أناس فى مقام التعليل للاخراج. فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها اى قدرنا كونها مِنَ الْغابِرِينَ اى الباقين فى العذاب. وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ. قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى امر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ناقص عليه القصص الدالة على كمال قدرته وعظمة شأنه وما خص به رسله من الآيات والتشريفات ان يحمد الله على إهلاك الكفار من الأمم الخالية وعلى جميع نعمه وعلى اعلامه ما جهل من أحوالهم وان يسلم على من اصطفاه من عباده عرفانا بفضلهم وحق تقدمهم واجتهادهم فى الدين وقوله الَّذِينَ اصْطَفى قال مقاتل هم الأنبياء والمرسلون بدليل قوله تعالى وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وقال ابن عباس فى رواية مالك هم اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن سفيان الثوري انها نزلت فى اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقال الكلبي هم امة محمد صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ الاية وقيل هم المؤمنون كلهم السابقون واللاحقون- وقيل هذا من تمام قصة لوط عليه السلام وخطاب للوط عليه السلام بتقدير القول يعنى وقلنا له قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلخ امره بان يحمد الله على هلاك كفار قومه ويسلّم على من اصطفاه بالعصمة عن الفواحش والنجاة من الهلاك او على محمد وأمته فان ما وصل بالأنبياء والأمم من الكرامات ودفع البليّات كان ببركة نوره صلى الله عليه واله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أول الناس فى الخلق وآخرهم فى البعث. رواه ابو سعد عن قتادة مرسلا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نبيّا وآدم بين الروح والجسد

رواه ابن سعد بسند صحيح عن ميسرة بن سعد عن ابى الجدعاء والطبراني عن ابن عباس آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ متصل بما سبق فى صدر السورة إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ الى قوله هُمُ الْأَخْسَرُونَ وهذا الزام وهكم بهم وتسفيه لرأيهم بعد ما ذكر من القصص الدالة على قدرته تعالى على إكرام عباده الصّلحين وكبت أعدائه يعنى من هذا شانه هو مستحق للعبادة والخوف والرجاء خير من غيره امّا يشركونه من الأصنام وغيرها مما لا يضر ولا ينفع وضره اقرب من نفعه خير من الله القادر القاهر لمن يعبد- قرأ ابو عمرو وعاصم ويعقوب يشركون بالياء التحتانية على الغيبة والباقون بالتاء الفوقانية خطابا لاهل مكة اتيسوان پاره ختم.

[سورة النمل (27) : آية 60]

(الجزء العشرون) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أم متصلة وما عطف عليه بأم محذوف تقديره ءالهتكم التي لم يخلقوا شيئا وهم يخلقون خير أم من خلق. وقيل منقطعة بمعنى بل والهمزة قيل للاضراب عن الاستفهام السابق لبداهة كون الله تعالى مبدا لكل خير وعدم الخيرية رأسا فيما اشركوه فكيف يمكن الموازنة والاستفهام عنه والهمزة للتقرير اى حمل المخاطب على الإقرار بخيرية من خلق السّموات والأرض وَأَنْزَلَ لَكُمْ اى لاجل انتفاعكم مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ اى بساتين جمع حديقة قال الفراء الحديقة البستان المحاط عليها فان لم يكن عليه حائط فليس بحديقة قال البيضاوي من الاحداق وهو الإحاطة ذاتَ بَهْجَةٍ اى حسن المنظر يبتهج به صفة لحدائق وافراد بهجة لتأويل حدائق بجماعة حدائق وفى الكلام التفات من الغيبة الى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته تعالى والتنبيه على ان اثبات الحدائق البهية المختلفة الأنواع المتباعدة الطباع من المواد المتشابهة لا يقدر عليه غيره كما صرح بقوله ما كانَ اى ما يمكن لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها اى شجرة من أشجارها والاضافة للجنس والجملة ما كان لكم إلخ صفة لحدائق أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ أعانه على ذلك الاستفهام للانكار يعنى ليس أحد أعانه على ذلك فلا مستحق للعبادة غيره معه لانفراده بالخلق بَلْ هُمْ يعنى كفار مكة قَوْمٌ يَعْدِلُونَ من لا يخلق بمن يخلق فيشركون به او المعنى بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ عن الحق الذي هو التوحيد فيه التفات من الخطاب الى الغيبة-. أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً بدل من أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ إلخ والكلام فى أم فى هذا وفى ما بعدها مثل ما سبق وجعلها قرارا إبداء بعضها من الماء وتسويتها بحيث يمكن الاستقرار عليها

[سورة النمل (27) : آية 62]

وَجَعَلَ خِلالَها وسطها ظرف مستقر وقع ثانى مفعول جعل وكذا فى الجملة التاليتين أَنْهاراً جارية وَجَعَلَ لَها اى للارض رَواسِيَ جبالا ثابتة منعها من الحركة واتبع منها الأنهار وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ العذاب والملح حاجِزاً مانعا من الاختلاط أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ ليس كذلك بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ انه لا اله الا هو لاهمالهم النظر الصحيح مع الادلة القاطعة فيشركون به جهلا وبعضهم يعلمون ذلك ولكن ينكرونه تعنتا وعنادا. أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ اسم فاعل من الاضطرار وهو افتعال من الضر يعنى من ابتلى بضر أحوجه شدته الى الجاء الى الله تعالى يجيبه إِذا دَعاهُ بفضله إنشاء فان اللام فى المضطر للجنس دون الاستغراق فلا يلزم منه اجابة كل مضطر وَيَكْشِفُ اى يدفع السُّوءَ الّذى ألجأه الى الدعاء وَيَجْعَلُكُمْ عطف على يجيب خُلَفاءَ الْأَرْضِ اى خلفاء من قبلكم فى الأرض بان ورّثكم سكناها والتصرف فيها او سلطانها- وقيل يعنى جعلكم خلفاء الجن فى الأرض قلت ويمكن ان يقال معناه جعل منكم خلفاء الله تعالى فى ارضه بدليل قوله تعالى إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ... أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ الذي خلقكم بهذه النعم العامة والخاصة يعنى ليس كذلك قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ الا الله ما مزيدة وقليلا منصوب يتذكرون على المصدرية او على الظرفية والمراد بالقلة العدم او الحقارة المزيحة للفائدة قرأ ابو عمرو وهشام يذّكّرون بالياء للغيبة والباقون بالتاء للخطاب وقرأ حمزة «خلف- ابو محمد» والكسائي وحفص بتخفيف الذال والباقون بتشديدها.. أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ بالنجوم وعلامات الأرض فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ إذا سافرتم فى الليالى أضاف الظلمات الى البحر والبرّ للملابسة وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يعنى المطر أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يقدر مثل ذلك تَعالَى اللَّهُ القادر الخالق عَمَّا يُشْرِكُونَ عن اشراك العاجز المخلوق-. أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد الاماتة والكفار وان أنكروا الاعادة فهم محجوجون بالحجج الدالة عليها من النقل المشهود عليه بالمعجزات مع إمكانها عقلا وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ اى من اسباب سماوية واسباب ارضية أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يقدر على ذلك قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ على ان مع الله الها اخر يقدر على شىء من ذلك إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى الإشراك فان كمال القدرة من لوازم الالوهية قال البغوي ولمّا سال

[سورة النمل (27) : آية 65]

المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة نزلت. قُلْ يا محمد فى جوابهم لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ من الملئكة وَمن فى الْأَرْضِ من الجن والانس ومنهم الأنبياء عليهم السلام من موصول او موصوف الْغَيْبَ يعنى ما غاب عن مشاعرهم ولم يقم عليه دليل عقلى إِلَّا اللَّهُ لكن الله يعلم ما غاب عنهم وغيره تعالى لا يعلم الا بإعلامه فالاستثناء منقطع لانه تعالى منزه عن الاستقرار فى السموات والأرض ورفعه على لغة بنى تميم فانهم يجيزون النصب والبدل فى المنقطع كما فى المتصل وعليه قول الشاعر- شعر وبلدة ليس بها أنيس ... الا اليعافير والا العيس وقيل الاستثناء متصل ودخول المستثنى فى المستثنى منه على سبيل فرض المحال وفرض المحال ليس بمحال وقال فى البحر المواج المستثنى منه محذوف وفى الكلام حذف تقديره لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ لا يعلمه أحد الّا الله فهذه الجملة تعليل لنفى العلم قلت ويمكن ان يكون التقدير لا يعلم من فى السّموات والأرض الغيب بشئ الّا بالله اى بتعليمه وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ اى متى يحشرون يعنى وقت حشرهم ممّا لا يدرك بالمشاعر فهو من الغيب الذي لا يمكن العلم به والاطلاع عليه الا بتعليم من الله تعالى وانه تعالى لم يطلع على ذلك أحدا بل استأثر علمه لنفسه فلا يتصور لهم العلم به وهذا تخصيص بعد تعميم وفائدته التأكيد ومطابقة الجواب السؤال وحتم احتمال التخصيص فانه قوله تعالى لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ يفيد نفى علمهم بالغيب وذلك مخصوص بما حصل لهم بتعليم من الله تعالى بتوسط الرسل-. بَلِ ادَّارَكَ كذا قرأ ابو جعفر وابن كثير وابو عمرو بهمزة القطع على وزن أكرم من الافعال اى بلغ ولحق عِلْمُهُمْ فاعل لادرك فِي الْآخِرَةِ ظرف لادرك والمفعول محذوف دلّ عليه ما سبق والمعنى انهم لا يدركون وقت قيام الساعة فى الدنيا قط بل يدرك علمهم ذلك فى الاخرة إذا عاينوه او المعنى بل أدرك علمهم اليوم بتعليم الرسل صلى الله عليه وسلم إياهم فى شأن الاخرة أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ لكنهم لا يعلمون وقت مجيئها وفرأ الباقون بل ادّرك أصله تدارك يعنى تدارك وتكامل علمهم وحصل لهم اليوم بتعليم الرسول صلى الله عليهم وسلم فى شأن الاخرة او يحصل لهم العلم بذلك إذا عاينوه يقال تدارك الفاكهة إذا تكاملت نضجا وحصول العلم القطعي للمؤمنين فى الدنيا ظاهر وللكافرين باعتبار قيام الادلة الموجبة للقطع مقامه بَلْ هُمْ يعنى كفار مكة فِي شَكٍّ مِنْها اى من قيام الساعة بعد وجود ما يوجب القطع

[سورة النمل (27) : آية 67]

من اخبار الرّسول صلى الله عليه وسلم المؤيد بالمعجزات وقيل قوله بل ادّرك على طريقة الاستفهام معناه هل تدارك وتتابع علمهم فى الاخرة يعنى لم يتتابع وضل وغاب علمهم به فلم يبلغوه ولم يدركوه لان فى الاستفهام ضربا من الجحد يدل هذا التأويل قراءة ابن عباس بلى بإثبات الالف المكتوب بصورة الياء ءادّرك بفتح الهمزة للاستفهام وسقوط همزة الوصل اى لم يدرك وفى قراءة أبيّ أم تدارك علمهم والعرب يضع بل موضع أم وأم موضع بل وذكر على بن عيسى وإسحاق ان بل فى بل ادّرك بمعنى لو والمعنى لو أدركوا فى الدنيا ما أدركوه فى الاخرة لم يشكوا بل هم اليوم فى شك من الساعة بَلْ هُمْ مِنْها اى من الساعة عَمُونَ جمع عمى وهو عمى القلب نفى الله عنهم علم الغيب اولا ثم أكّد ذلك بنفي شعورهم بما هو ما لهم لا محالة ثم بالغ فيه بان اضرب عنه وبيّن ان منتهى علمهم وما تكامل فيه اسباب العلم من الحجج والآيات مقصور على ان القيامة كائنة لا محالة وهم لا يعلمونها كما ينبغى ثم اضرب عنه وقال بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ منها بعد تكامل الادلة كمن يتحير فى امر لا يجد عليه دليلا فهم لا يستطيعون ازالة الشك ثم اضرب عنه وقال بل هم فى أسوأ حال منه فانهم عمون لا يدركون دليلهم لاختلال بصيرتهم وهذا او ان اختص بالمشركين فمن فى السموات والأرض نسب الى جميعهم كما يسند فعل البعض الى الكل وقيل الاضراب الاول عن نفى الشعور بوقت القيامة عنهم بوضعهم باستحكام علمهم فى امر الاخرة تهكما وقيل أدرك بمعنى انتهى واضمحل من قولهم أدرك الشمرة لانها تلك غايتها التي عندها يعدم وما بعدها إضراب عن علمهم بامر الاخرة مبالغة فى نفيه ودلالة على ان شعورهم بها انهم شاكون فيها ثم اضرب عنه وقال هُمْ مِنْها عَمُونَ ليس لهم صلاحبة العلم أصلا-. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على مضمون قوله تعالى بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ وكالبيان له وضع المظهر هاهنا موضع الضمير ولم يقل وقالوا لكون ذكر الكافرين مجملا فيما سبق أإذا قرأ «وابو جعفر- ابو محمد» نافع إذا بغير همزة الاستفهام على صيغة الخبر وهمزة الاستفهام على هذا مقدرة والباقون بهمزتين على الاستفهام كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا قرأ ابن عامر والكسائي بنونين أحدهما للوقاية وبهمزة واحدة على صيغة الخبر وتقدير همزة الاستفهام والباقون بنون واحدة وهمزتين على الاستفهام وضمير أإنّا راجع إليهم والى ابائهم غلبت الحكاية على الغائب لَمُخْرَجُونَ من القبور أحياء ومن حال الموت الى الحيوة وهذا كالبيان لعمهم والعامل فى إذا محذوف دل عليه مخرجون تقديره انخرج إذا كنا ترابا أنحن مخرجون حينئذ والاستفهام للانكار- والجملة الاستفهامية

[سورة النمل (27) : آية 68]

الثانية تأكيد للاولى تكرير للانكار مبالغة له ولا يجوز ان يكون مخرجون عاملا فى إذا لان كلام من الهمزة وانّ واللام مانعة من عمله فيما قبله. لَقَدْ وُعِدْنا هذا اى البعث جواب قسم محذوف نَحْنُ على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وَآباؤُنا على لسان غيره من الأنبياء مِنْ قَبْلُ وعد محمد صلى الله عليه وسلم وتقديم هذا على نحن هاهنا لان المقصود بالذكر هاهنا هو البعث وحيث اخّر فالمقصود هو المبعوث إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعنى أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها كالاسمار. قُلْ يا محمد سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ تهديد لهم على التكذيب وتخويف بان ينزل بهم مثل ما نزل بالمكذبين قبلهم والتعبير عنهم بالمجرمين ليكون لطفا بالمؤمنين فى ترك الجرائم. وَلا تَحْزَنْ يا محمد عَلَيْهِمْ اى على تكذيبهم واعراضهم وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ قرأ ابن كثير بكسر الضاد والباقون بالفتح وهما لغتان يعنى لا تكن فى ضيق صدر وغم مِمَّا يَمْكُرُونَ من للسببية وما مصدرية اى بسبب مكرهم قال البغوي نزلت فى المستهزئين الّذين عقاب مكة يعنى ان الله بالغ أمرك الى الكمال.. وَيَقُولُونَ عطف على قال الَّذِينَ كَفَرُوا وما بينهما معترضات مَتى هذَا الْوَعْدُ اى الموعود من العذاب إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ان العذاب نازل. قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ اى ردفكم واللام مزيدة للتاكيد يعنى عسى ان يتبعكم ويلحقكم بلا مهلة بَعْضُ تنازع فيه الفعلان يكون وردف اعمل أحدهما وأضمر فى الاخر الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ حلوله وهو عذاب يوم بدر قال البيضاوي عسى ولعل وسوف فى مواعيد الملوك كالجزم بها وانما يطلقونه إظهارا لوقارهم واشعارا بان الرمزة منهم كالتصريح من غيرهم وعليه جرى وعد الله ووعيده وهذا المعنى قول من قال ان عسى ولعل فى كلام الله واجبة الوقوع يعنى واما فى الوعيد فيجوز العفو بشرط الايمان واما الكافر فلا يستحق العفو وقوله تعالى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ليس من هذا الباب ومن ثم لم يوجد من فرعون تذكر ولا خشية. وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ فيغفر المؤمن ان شاء ولا يستعجل الكافر بالعذاب وكذلك لم يعجل على اهل مكة بالعذاب كذا قال المقاتل هذه الجملة اما حال او معترضة وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ولا يعرفون حق النعمة فيستعجلون العذاب بحملهم. وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ اى ما نخفى صدور الناس وَما

[سورة النمل (27) : آية 75]

يُعْلِنُونَ اى الناس من عداوتك فيجازيهم عليه وليس تأخير العذاب عنهم لخفاء حالهم وهذه الجملة معطوفة على عسى فان عسى فى كلام الله كالتحقق. وَما مِنْ غائِبَةٍ اسم ما ومن زائدة اى ما من شىء غائب عن أبصار الناس وهى من الصفات الغالبة كالخافية والتاء فيهما للمبالغة كما فى الرواية او اسمان لما يغيب ويختفى فالتاء فيه كالتاء فى عافية وعاقبة وقال البغوي هى صفة لمحذوف اى جملة غائبة من مكتوم سر وخفى امر وشىء غائب كائنة فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ ظرف لغو متعلق بغائبة إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ مستثنى مفرغ خبر ما اى بين او مبين ما فيه لمن يطالعه وهو اللوح المحفوظ. إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ اى يبيّن لهم أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من امر الدين قال الكلبي ان اهل الكتاب اختلفوا بينهم وصاروا أحزابا يطعن بعضهم فنزل القران ببيان ما اختلفوا فيه هذه الجملة مع ما عطف عليه متصل بقوله تعالى وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ واقعة عنها مقام التعليل وما بينهما معترضات. وَإِنَّهُ اى القران لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فانهم هم المنتفعون به دون الكفار من اهل الكتاب وغيرهم. إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي اى يحكم بَيْنَهُمْ اى بين المختلفين فى امر الدين يوم القيامة بِحُكْمِهِ متعلق بيقضى فان قيل قوله يقضى معناه يحكم فكيف يتعلق به بحكمه فانه نظير ينصره بنصره وذالا يجوز قلنا المراد الحكم هذا بمعنى المحكوم والمعنى يحكم بما حكم به فى القران او المراد بحكمته وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا رادّ لقضائه الْعَلِيمُ بحقيقة ما يقضى فيه وحكمته. فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ولا تبال بمن عاداك متصل بقوله إِنَّ رَبَّكَ يقضى بينهم إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ البين حقيقة علل التوكل بانه على الحق الظاهر الّذى لا مساغ فيه اشارة الى ان صاحب الحق حقيق بالوثوق على الله ونصره. إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى اى الكفار شبّههم بالموتى لعدم الانتفاع لهم بتسامع ما يتلى عليهم كما شبهوا بالأصم فى قوله تعالى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ والدعاء مفعول للفعلين على التنازع قرا ابن كثير لا يسمع بالياء وفتحها وفتح الميم على صيغة الغائب من المجرد والصّمّ بالرفع على الفاعلية وكذلك فى سورة الروم والباقون بالتاء وضمها وكسر الميم على صيغة المخاطب من الاستماع ونصب الصّمّ على المفعولية إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ فان قيل ما معنى لهذا القيد فان الأصم الذي لا يسمع سواء عليه ان يولّى او لا قيل ذكره على التأكيد والمبالغة وقيل الأصم إذا كان حاضرا قد يسمع برفع الصوت او يفهم

[سورة النمل (27) : آية 81]

بالاشارة او الكتابة فاذا ولى لم يسمع ولم يفهم رأسا يعنى ان الكفار لفرطا عراضهم عما يدعون اليه كالميت الّذى لا سبيل الى استماعه وكالاصم المدبر الذي لا سبيل الى افهامه قيل الظرف متعلق بالفعلين على سبيل التنازع ويرد عليه ان نسبة التولي الى الأصم جائز والى الموتى لا يجوز فكيف يتصور التنازع والجواب ان الموتى والأصم كلا منهما مستعار للكافر وهو من اهل التولي ويسمى هذه الاستعارة استعارة مجروة وهى ان يوصف المستعار بوصف ملائم للمستعار له والله اعلم-. وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ قرأ الأعمش وحمزة هاهنا وفى الروم تهدى بالتاء المفتوحة واسكان الهاء بغير الف على صيغة المضارع والعمى بالنصب وإذا وقف اثبت ياء تهدى فى السورتين والباقون بالياء المكسورة وصيغة اسم الفاعل مضافا والعمى بالجر ووقفوا هاهنا بالياء وفى الروم بغير ياء اتباعا للمصحف عَنْ ضَلالَتِهِمْ يعنى ما أنت بمرشد من أعمى الله قلبه عن الايمان إِنْ تُسْمِعُ يعنى لا تسمع ولا ينفع اسماعك القران أحدا إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا يعنى من قدّرنا إيمانه فَهُمْ مُسْلِمُونَ مخلصون من اسلم وجهه لله-. وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ يعنى إذ دنا وقوع معنى ما قيل عليهم اى ما وعدوا به من البعث والعذاب أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً قال البغوي روى عن على رضى الله عنه ليس بدابة لها ذنب ولكن لها لحية كانه يشير الى انه رجل والأكثر على انها دابة ذات اربع قوائم. اخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال الدابة ذات وبر وريش مولفة فيها من كل لون لها اربع قوائم ثم يخرج بعقب من الحاج وروى عن جريح عن ابى الزبير انه وصف الدابة فقال رأسها رأس الثور وعينها عين الخنزير واذنها اذن الفيل وقرنها قرن ابل وصدرها صدر اسد ولونها لون تمر وخاصرتها خاصرورة وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنى عشر ذراعا معها عصا موسى وخاتم سليمان فلا يبقى مومن الا نكتت فى مسجده بعصا موسى نكتة بيضاء يضئ بها وجهه ولا يبقى كافر الا نكتت وجهه بخاتم سليمان نكتة سوداء فيسود بها وجهه حتى ان الناس يتبايعون فى الأسواق بكم يا مؤمن بكم يا كافر ثم تقول لهم الدابة يا فلان أنت من اهل الجنة يا فلان أنت من اهل النار وذلك قوله عزّ وجلّ وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ متعلق باخرجنا روى البغوي عن ابن عمر رضى الله عنهما قال تخرج من صدع فى الصفا كجرى الفرس ثلاثة ايام وما خرج ثلثا وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قرع الصفا بعصاه وهو محرم وقال ان الدابة تسمع قرع عصاى. وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال تخرج الدابة من شعب فيمس رأسها السحاب ورجلاها فى الأرض

ما خرجتا فتمرّ بالإنسان يصلى فتقول ما الصلاة من حاجتك فتخطمه. وذكر البغوي حديث ابى شريحة الأنصاري رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر فتخرج خروجا باليمن فيفشو ذكرها فى البادية ويدخل ذكرها القرية يعنى مكة ثم بينا الناس يوما فى أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها على الله عزّ وجل يعنى المسجد الحرام لم تر عنهم الا هو فى ناحية المسجد يدنو ويدنو كذا قال عمرو ما بين الركن الأسود الى باب بنى مخزوم فى وسط من ذلك فارفض الناس عنها وثبت لها عصابة عرفوا انهم لم يعجزوا الله مخرجت عليهم تنفض راسها من التراب فمرّت بهم فجلّت عن وجوههم حتى تركتها كانها الكواكب الدرية ثم دكت فى الأرض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب حتى ان الرجل ليقوم فيعود منها بالصلوة فيأتيه من خلفه فتقول يا فلان الان تصلى فتقبل بوجهه وتسمه فى وجهه فتجاوز الناس فى ديارهم وتصطحبون فى أسفارهم وتشتركون فى الأموال ويعرف الكافر من المؤمن فيقال للمؤمن يا مؤمن وللكافر يا كافر وعن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة قلت يا رسول الله من اين تخرج قال من أعظم المساجد هرمة على الله تعالى بينهما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض تحتهم تحرك القنديل وتنشق الصفا مما يلى المشرق وتخرج الدابّة من الصفا أول ما يبدو منها رأسها بلمعة ذات وبر وريش لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب وتسم الناس مومنا وكافرا اما المؤمن فتترك وجهه كانه كوكب درى ونكتت بين عينيه مومن واما الكافر فنكتت بين عينيه نكتة سوداء ونكتت بين عينيه كافر. رواه البغوي وكذا اخرج ابن جرير وروى البغوي عن سهل بن صالح عن أبيه عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بئس الشعب شعب حناد مرتين او ثلاثا قيل ولم ذلك يا رسول الله قال تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات يسمعها بين الخافقين قال وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير فتخبر من راها ان اهل مكة كانوا محمد والقران لا يوقنون- تُكَلِّمُهُمْ صفة لدابة يعنى تكلم الدابة الناس قال السدىّ تكلمهم ببطلان سائر الأديان سوى دين الإسلام وقال بعضهم كلامها ان تقول لواحد هذا مؤمن ولاخر هذا كافر كما مرّ فى الأحاديث وقيل كلامها ما قال الله تعالى أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ قال مقاتل تكلمهم بالعربية فتقول عن الله تعالى أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا

لا يُوقِنُونَ تخبر الناس ان اهل مكة لم يؤمنوا بالقران والبعث- قرأ الكوفيون «ويعقوب- ابو محمد» انّ بالفتح وهو حكاية عن قول الدابة او على تقدير الجار تقديره بان او حكاية قول الله الّذى قيل عليه ودنا وقوعه او علة خروجها على حذف اللام على قول غيره وقرأ الآخرون انّ بالكسر على الاستيناف اى انّ الناس كانوا بايتنا لا يوقنون قبل خروجها قيل أراد بايتنا خروجها اى خروج دابة الأرض وسائر اشراط الساعة وأحوالها فانها من آيات الله تعالى- قال البغوي قرا ابن جبير وعاصم الجحدري وابو رجاء العطاردي تكلّم بفتح التاء وتخفيف اللام من الكلم بمعنى الجرح وقال ابن الحوراء سألت ابن عباس عن هذه الاية تكلمهم او تكلّمهم فقال كل ذلك تفعل تكلم المؤمن وتكلّم الكافر قال ابن عمر رضى الله عنهما وذلك يعنى خروج الدابة حين لا يؤمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر قال الشيخ جلال الدين المحلى ومن خروج الدابة ينقطع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولا يؤمن كافر بعد ذلك كما اوحى الله الى نوح أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ قلت وهذا يستنبط من الأحاديث والآثار- (فصل) عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بادروا بالأعمال ستّا الدخان والدجال ودابّة الأرض وطلوع الشمس من مغربها وامر العامة وخويصة أحدكم- رواه مسلم وعن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابّة على النّاس ضحى وأيتهما كانت قيل صاحبتها فالاخرى على اثرها قريبا- رواه مسلم وعن حذيفة بن اسد الغفاري قال اطلع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال ما تذكرون قالوا نذكر الساعة قال انها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر ايت فذكر الدخان والدجال والدّابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم ويأجوج وثلث خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب واخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الى محشرهم. وفى رواية نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس الى المحشر- وفى رواية فى العاشرة وريح يلقى الناس فى البحر رواه مسلم وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تخرج الدّابة ومعها خاتم سليمان وعصا موسى فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتختم انف الكافر بالخاتم حتى ان اهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا ... يا كافر. رواه احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن ابى امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تخرج الدابّة قسّم الناس على خراطيمهم ثم يعمرون فيكم حتى يشترى الرجل الدابّة فيقال ممّن اشتريت فيقول من الرجل المختم رواه احمد

[سورة النمل (27) : آية 83]

عن ابن عمر رضى الله عنهما قال تخرج الدابّة ليلة جمع والناس يشيرون الى منى- واخرج ابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن الحسن ان موسى عليه السلام سال ربه ان يريد الدّابّة فخرجت ثلاثة ايام ولياليهن يذهب فى السماء لا يرى واحد من طرفيها قال فراى منظرا فظيعا فقال رب ردها فردها قلت والأحاديث المذكورة تدل على ان الدابة تميّز بين المؤمنين الصادقين فى ايمانهم وبين المنافقين الذين أظهروا الايمان وابطنوا الكفر والمراد بالكفر اما ضد الإسلام المجازى الّذى قلوب أهاليهم غير مصدقة بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم واما ضد الإسلام الحقيقي الّذى قلوب أهاليهم وافقت ألسنتهم فى التصديق لكن لم يؤمن نفوسهم ولم تطمئن فان كان المراد بالكافر هذا المعنى فقول الدّابة يا فلان أنت من اهل النار يراد به دخولها لا خلودها ولا يجوز ان يكون المراد بالكفر المجاهر بالكفر لان المجاهر بالكفر لم يبق بمكة بعد الفتح وايضا المجاهر بالكفر ممتاز عن المسلمين قبل خروج الدابة لا حاجة فى امتيازهم الى الدابة والله اعلم. وَيَوْمَ نَحْشُرُ يعنى يوم القيامة مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً اى من كل قرن جماعة كلمة من هاهنا للتبعيض وفوجا مفعول لنحشر ومن كل امة حال منه قلت وذلك حين يقول الله تعالى لادم ابعث بعث النار من ذريتك وقد مرّ الحديث فى صدر سورة الحج مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا صفة لفوج ومن هاهنا للبيان اى فوجا مكذبين فَهُمْ يُوزَعُونَ اى يجلس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا قال البيضاوي هو عبارة عن كثرة عددهم وتباعد أطرافهم. حَتَّى ابتدائية داخلة على الشرطية إِذا جاؤُ الى المحشر قالَ الله تعالى لهم أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي الاستفهام للتوبيخ وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً الواو للحال يعنى أكذبتم بها بادى الرأى غير ناظرين فيها نظرا يحيط علمكم بكنهها وانها حقيقة بالتصديق او التكذيب او للعطف يعنى أجمعتم بين التكذيب بها وعدم النظر والتأمل فى حقيقتها أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تقديره أم لم تكذّبوا فان لم تكذّبوا فماذا كنتم ودع يعنى اىّ شىء كنتم تعملون غير التكذيب وهذا ايضا توبيخ وتبكيت إذ لم يفعلوا غير التكذيب من الجهل فلا يقدرون ان يقولوا فعلنا ذلك. وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ عطف على قال فى حيز جزاء الشرط اى وجب عليهم العذاب الموعود لهم بِما ظَلَمُوا اى بسبب ظلمهم اى تكذيبهم بايات الله فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ باعتذار إذ ليس لهم عذر فى نفس الأمر او لما لا يؤذن لهم فيعتذرون وقيل لا ينطقون لان أفواههم مختومة وقيل لا ينطقون لشغلهم بالعذاب والظاهر هو الاول يدل عليه قوله. أَلَمْ يَرَوْا يعنى كيف يعتذرون على الكفر بعد رؤية الادلة الموجبة للايمان والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات يعنى قد رئوا

[سورة النمل (27) : آية 87]

أَنَّا جَعَلْنَا اى خلقنا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ بالنوم والقرار وَالنَّهارَ مُبْصِراً كان أصله ليبصروا فيه فبولغ فيه يجعل الابصار حالا من أحواله المجعول عليه بحيث لا ينفك عنه وجملة انّا جعلنا قائم مقام المفعولين لقوله الم تروا فان الرؤية بمعنى العلم يعنى الم يعلموا بتعاقب النور والظلمة على وجه مخصوص نافع مناط لمصالح معاشهم ومعادهم انّ لها خالقا حكيما قادر قاهرا وان من كان قادرا على ذلك قادر على بعثة الرسل ليدعوا الخلق الى عبادته وقادر على الانعام والانتقام على اطاعته وعصيانه وقادر على ابدال الموت بالحياة كما هو قادر على ابدال الظلمة بالنور واليقظة بالنوم وقد دلت المعجزات على صدق الرسل وما جاءوا به إِنَّ فِي ذلِكَ الأمور لَآياتٍ دالة على التوحيد وصدق الرسول فاىّ عذر للمكذب بعده وقيد ثبوت الآيات بقوله لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لانهم هم المنتفعون بها قيل جملة الم يروا الى آخرها دليل للحشر فان تعاقب اليقظة النوم يدل على جواز تعاقب الحيوة الموت-. وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ معطوف على قوله ويوم نحشر عن ابن عمر ان أعرابيا سال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور قال قرن ينفخ فيه. رواه ابو داود والترمذي وحسّنه والنسائي وابن حبان والحاكم وعن ابن مسعود نحوه رواه مسدد بسند صحيح وعن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن واحنى جبهته وأصغى بالسمع متى يؤمر فسمع بذلك اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل- وروى احمد والحاكم والبيهقي والطبراني عن ابن عباس رض نحوه والترمذي والحاكم والبيهقي عن ابى سعيد نحوه وابو نعيم عن جابر نحوه واخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وهو صاحب الصور يعنى اسرافيل قال القرطبي علماء الأمم مجمعون على ان ينفخ فى الصور اسرافيل فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ من الملائكة وأرواح المؤمنين وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من الانس اختلف العلماء فى هذه النفخة هل هى الصعق او غير ذلك فقيل النفخات ثلاث أولها نفخة الفزع تفزع منها الخلائق ثانيتها نفخة الصعق تصعق اى تموت بها الخلائق ثالثتها نفخة البعث فهذه الاية تدل على نفخة الفزع وقوله تعالى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون تدل على نفخة الصعق ونفخة البعث وهذا اختيار ابن العربي. وقد صرّح بالنفخات الثلاث فى حديث طويل لابى هريرة وسنذكره من قريب. وقيل هما نفختان فقط ونفخة

الفزع هى نفخة الصعق قالوا الأمر ان متلازمان اى فزعوا فزعا ماتوا منه وهذا ما صححه القرطبي واستدل بانه استثنى من نفخة الفزع كما استثنى من نفخة الصعق حيث قال الله تعالى فيهما إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ فدلّ على انهما واحد- وهذا الاستدلال غير صحيح لان الاستثناء منهما بقوله الا ما شاء الله لا يدل على اتحاد النفختين ولا على اتحاد المستثنى فيهما وان كان المستثنى منه فى الكلامين واحد قال البغوي واختلفوا فى هذا الاستثناء روى عن ابى هريرة رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قال هم الشهداء لانهم احياء عند ربهم لا يصل الفزع إليهم ثم ذكر البغوي قول الكلبي ومقاتل وذكر الحديث كما سنذكر من بعد لكن قول البغوي بالاختلاف فى هذه الاية مبنى على اتحاد نفخة الفزع ونفخة الصعق والظاهر انهما متغائران. فلنذكر الأحاديث والآثار الواردة فى الاستثناء روى ابو يعلى والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال سالت جبرئيل عن هذه الاية وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ من الّذين لم يشاء الله ان يصعقهم قال هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول عرشه قالوا وانما صح استثناء الشهداء لانهم احياء عند ربهم قال البغوي وفى بعض الآثار الشهداء ثنية الله عزّ وجل اى الذين استثناهم الله تعالى كذا روى هناذ بن السرى والبيهقي والنحاس فى معانى القران عن سعيد بن جبير فى قوله تعالى الا من شاء الله قال هم الشهداء مقلدون السيوف حول العرش وقال الكلبي ومقاتل يعنى جبرئيل واسرافيل وملك الموت عليهم السلام وذلك لما اخرج الفريابي فى تفسيره عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفخ فى الصّور فصعق من فى السّموات ومن فى الأرض الّا من شاء الله قالوا يا رسول الله من هولاء الذين استثنى الله قال جبرئيل وميكائيل وملك الموت واسرافيل وحملة العرش فاذا قبض الله أرواح الخلائق قال لملك الموت من بقي قال سبحانك ربى تبارك تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام بقي جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت فيقول خذ نفس اسرافيل فياخذ نفس اسرافيل فيقول يا ملك الموت من بقي فيقول سبحانك تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام بقي جبرئيل وميكائيل وملك الموت فيقول خذ نفس ميكائيل فيأخذ نفس ميكائيل فيقع كالطود العظيم فيقول يا ملك الموت من بقي فيقول بقي جبرائيل وملك الموت فيقول مت يا ملك الموت فيموت- فيقول يا جبرائيل من بقي فيقول وجهك الكريم الباقي الدائم وجبرئيل الميت الفاني قال فلا بد من موته فيقع ساجدا يخفق جناحيه قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم ان فضل خلقه على خلق ميكائيل كالطود العظيم على ظرب من الظراب. واخرج البيهقي عن

انس رفعه فى قوله فنفخ فى الصور الاية قال فكان ممن استثنى الله ثلاثة جبرئيل وميكائيل وملك الموت فيقول الله وهو اعلم يا ملك الموت من بقي فيقول وجهك الباقي الكريم وعبدك جبرئيل وميكائيل وملك الموت فيقول توف نفس ميكائيل فيقول وهو اعلم من بقي فيقول بقي وجهك الباقي الكريم وعبدك جبرئيل وملك الموت فيقول توف نفس جبرئيل ثم يقول وهو اعلم يا ملك الموت من بقي فيقول بقي وجهك الباقي الكريم وعبدك ملك الموت وهو ميت فيقول مت ثم يقول انا بدأت والخلق ثم أعيده فاين الجبارون المتكبرون فلا يجيبه أحد ثم ينادى لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول هو الله الواحد القهار ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ- واخرج البيهقي عن زيد بن اسلم قال الذي استثنى اثنا عشر جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت وحملة العرش ثمانية وقال البغوي يروى انه يقبض روح جبرئيل وميكائيل ثم روح حملة العرش ثم روح اسرافيل ثم روح ملك الموت واخرج البيهقي عن مقاتل بن سليمان يقبض روح ميكائيل ثم روح جبرئيل ثم روح اسرافيل ثم يأمر ملك الموت فيموت. واخرج ابو الشيخ فى كتاب العظمة عن وهب قال هؤلاء الاربعة جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت أول من خلقهم الله واخر من يميتهم وأول من يحييهم هم المدبّرات امرا والمقسّمات امرا. قال السيوطي لا تنافى بين هذه الروايات يعنى روايات الاستثناء لامكان الجمع بان الجميع من المستثنى. قلت الأحاديث والآثار المذكورة كلها واردة فى بيان الاستثناء الواقع فى نفخة الصعق لا ما وقع فى نفخة الفزع وعندى المستثنى فى نفخة الفزع ما دل عليه قوله تعالى فيما بعد مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ فانه نص فى ان المؤمنين الّذين لا يدخلون النار ويدخلون الجنة لا ينحقهم الفزع لكن عند نفخة الفزع لا يكون من الناس الا الكفار لقوله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة الا على الأشرار- رواه احمد ومسلم عن ابن مسعود وقوله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض الله الله. رواه احمد ومسلم والترمذي عن انس وقوله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت- رواه عبد الرزاق فى الجامع وقوله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يرفع الركن والقران. رواه السنجري عن ابن عمر ويدل على ذلك غيرها من الأحاديث ولهذا حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم المستثنى على أرواح الشهداء فانهم احياء عند ربهم واما الملائكة وأرواح الأنبياء عليهم السلام فهم ايضا داخلون فى المستثنى ولا يفزعون البتة والله اعلم

روى ابن جرير فى تفسيره والطبراني فى المطولات وابو يعلى فى مسنده والبيهقي فى البعث وابو موسى المديني فى المطولات وعلى بن معبد فى كتاب الطاعة والعصيان وعبد بن حميد وابو الشيخ فى كتاب العظمة حديثا طويلا عن ابى هريرة ذكر فيه فينفخ ثلاث نفخات الاولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العلمين فيأمر الله اسرافيل بالنفخة الاولى فيقول الله انفخ نفخة الفزع فينفخ فيفزع اهل السماء والأرض الا من شاء الله. الى ان قال فتذهل المراضع وتضع الحوامل ويشيب الولدان وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتى أقطار الأرض فتتلقاهم الملائكة فتضرب وجوهها فترجع وتولى الناس مدبرين ينادى بعضهم بعضا والذي يقول الله يوم التّناد الى ان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والأموات يومئذ لا يعلمون بشئ من ذلك قلت يا رسول الله فمن استثنى الله فى قوله الا من شاء الله قال أولئك الشهداء وانما يصل الفزع الى الاحياء وهم أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ وقاهم الله من فزع ذلك اليوم وامنهم منه وهو عذاب يبعثه على اشرار خلقه يقول الله يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ الاية فيمكثون فى ذلك ما شاء الله ثم يأمر الله اسرافيل بنفخة الصعق فصعق اهل السموات والأرض الا من شاء الله فيقول ملك الموت قد مات اهل السموات والأرض الا من شئت فيقول وهو اعلم فمن بقي ثم ذكر موت جبرئيل وميكائيل وحملة العرش وموت ملك الموت نحو ما تقدم من حديث انس ثم ذكر الحديث بطوله الى دخول اهل الجنة الجنة وبقاء اهل الخلود فى النار. فان قيل هذا الفزع لا يكون الا على شرار خلق الله من شياطين الانس والجن وليس أحد منهم فى السماء فما معنى قوله تعالى فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ قلت لعل ذلك على سبيل الفرض او يقال ان الشياطين قد يذهبون الى السماء لاستراق السمع او يقال المراد بالسماء السحاب ونحو ذلك فانه قد يطلق السماء على كل ما بفوقك قال الله تعالى فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ يعنى سقف بيتك او يقال المراد بمن يفزع من اهل السماء أرواح بعض المؤمنين ويكون المراد بمن سبقت لهم الحسنى الأنبياء والمقربون الصديقون- واما المستثنى من نفخة الصعق فالقول فيه ما قال صاحب المفهم التحقيق ان المراد بالصعق

[سورة النمل (27) : آية 88]

ما هو أعم من الموت فلمن لم يمت الموت ولمن مات الغشية وهذا من قبيل عموم المجاز وهذه الغشية يعم الأنبياء عليهم السلام الا موسى عليه السلام فانه حصل فيه تردد- روى الشيخان فى الصحيحين والترمذي وابن ماجة واللفظ له عن ابى هريرة قال قال رجل من اليهود بسوق المدينة والذي اصطفى موسى على البشر فرفع رجل من الأنصار يده فلطمه وقال أتقول هذا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قال الله تعالى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ فاكون أول من رفع رأسه فاذا انا بموسى أخذ بقائم من قوائم العرش فلا أدرى ارفع راسه قبلى او كان ممن استثنى الله ولمّا كان الصعق بمعنى الموت او الغشية يعم الأنبياء فيعم الشهداء بالطريق الاولى والملائكة ايضا والمستثنى منهم جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت وحملة العرش فانهم لا يموتون بالنفخة ويموتون بعد ذلك كما مرّ فى الأحاديث والله اعلم. وَكُلٌّ اى كل واحد من اهل السماوات والأرض أَتَوْهُ اى حاضرون الموقف بعد نفخة البعث او راجعون الى امره كذا قرأ الجمهور بالمد وضم التاء على صيغة اسم الفاعل وقرأ حفص وحمزة «خلف ابو محمد» مقصورا وفتح التاء على صيغة الماضي ومعناه الاستقبال لتحقيق وقوعه عطف على فزع داخِرِينَ صاغرين. وَتَرَى الْجِبالَ اى تبصرها ايها الناظر وقت نفخة الفزع عطف على يوم ينفخ او على يوم نحشران يقدر هنا ترى ما ترى تَحْسَبُها جامِدَةً اى وافقه مكانها الجملة حال من فاعل ترى ومفعوله اى تظنها قائمة غير متحركة وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ حال من الضمير المنصوب فى تحسبها يعنى تسير الجبال كسير السحاب فى السرعة حتى تقع على الأرض فتستوى بها وذلك لان الاجرام الكبار إذا تحركت فى سمت واحد لا تكاد يتبين حركتها صُنْعَ اللَّهِ مصدر مؤكد لمضمون جملة متقدمة لا محتمل لها غيره ويسمى تأكيدا لنفسه معنى صنع الله صنعا الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ احكم خلقه وسواه على ما ينبغى إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ قرأ ابن كثير وابو عمرو بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب اى يجازى كلّا من العاصي والمطيع على خسب فعله ثم بينه فقال. مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ قال ابو معشر كان ابراهيم يحلف ولا يستثنى ان الحسنة لا اله الا الله وقال قتادة بالإخلاص وقيل هى كل طاعة فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قيل من للسببية وليس للتفضيل إذ لا شىء خير من قول

[سورة النمل (27) : آية 90]

لا اله الا الله فالمعنى يحصل له خير وهو الثواب والامن من العذاب من جهة تلك الحسنة وبسبيها وقال محمد بن كعب وعبد الرحمان ابن زيد من تفضيلية والمعنى فله عشر أمثالها الى سبعمائة ضعف الى ما شاء الله نظيره قوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ اى يوم ينفخ فى الصور آمِنُونَ قرأ الكوفيون فزع بالتنوين للتنكير ويومئذ بالنصب على الظرفية والتنكير يفيد الاستغراق لان الجملة فى قوة النفي لان قوله امنون بمعنى لا يخافون ولا يفزعون والنكرة فى حيز النفي يفيد الاستغراق وقرأ الآخرون بلا تنوين باضافة فزع الى يومئذ والاضافة أول على الاستغراق او هى للعهد لتقدم ذكر الفزع فقرأ أكثرهم يومئذ بالجر للاضافة ونافع بفتح الميم على انه مبنى اكتسب البناء ممّا أضيف اليه. وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ اى الشرك فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ الفاء للعطف على محذوف لا للجزاء لا تدخل على الماضي بغير قد تقديره من جاء بالسّيئة فله جزاء السّيئة او استحق العذاب فكبّت وجوههم اى فكبوا على وجوههم فِي النَّارِ او المراد بالوجوه أنفسهم هَلْ تُجْزَوْنَ يعنى ما تجزون إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى إلا جزاؤه وفاقا لما عملوا فان الشرك أعظم الجرائم لا شىء فوقه فى السوء وجهنم أشد الاجزية فيه التفات من الغيبة الى الخطاب والتقدير ويقول لهم خزنة جهنّم هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ-. إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ يعنى مكة أضاف الرّب الى البلدة تشريفا لها واشعارا بما فى الكعبة الحسناء من التجليات المختصة بها الَّذِي حَرَّمَها صفة للرب اى جعلها حرما أمنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا ينفر صيدها ولا يختلا خلاها ذكر هذا الوصف منة على قريش حيث جعل مسكنهم أمنا من الفتن الشائعة فى العرب وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ خلقا وملكا مع تلك البلدة عطف على حرمها او حال من الضمير المرفوع المستكن فيها وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بتقدير الباء اى أمرت بان أكون من المنقادين لله تعالى او ثابتين على ملة الإسلام عطف على أمرت ان اعبد. وَأَنْ أَتْلُوَا تلاوة الدعوة الى الايمان او هو من التلو بمعنى الاتباع والمعنى ان اتبع الْقُرْآنَ عطف على ان أكون وجملة انّما أمرت متصلة بقوله تعالى إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ وإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وقال البيضاوي امر الله سبحانه لرسوله ان يقول لهم ذلك بعد ما بين لهم المبدا والمعاد وشرح احوال القيامة اشعارا بانه قد أتم الدعوة وادى

[سورة النمل (27) : آية 93]

ما كان عليه فلم يبق عليه الا الاشتغال بشأنه والاستغراق فى عبادة ربه والتقدير قل انما أمرت بكذا فَمَنِ اهْتَدى بدعوتك وعيد ربه وحده كما أمرت فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ فان منافعه تعود اليه فليس له ان يمن عليك وَمَنْ ضَلَّ اى أخطأ طريق الحق يتبعك بعد تمام الدعوة منك فَقُلْ له إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ يعنى لست عليكم بوكيل ولا علىّ من وبال ضلالك أصلا إذ ليس علىّ الا البلاغ-. وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على نعمة النبوة وعلى ما وفقك من تمام التبليغ والدعوة الواجبة عليك سَيُرِيكُمْ الله ايها الضالون آياتِهِ القاهرة على حقيقة ما دعوتكم اليه فى الدنيا كما وقع يوم بدر من قتل وسبى وضرب الملائكة وجوههم وادبارهم وكما راوا من انشقاق القمر وتسبيح الحصا ونحو ذلك وكما يجئ من خروج الدابّة وغير ذلك نظيره قوله تعالى سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ او المعنى سيريكم آياته فى الاخرة وقال سيريكم آياته فى السماء وفى الأرض وفى أنفسكم كما سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم فَتَعْرِفُونَها اى فتعرفون انها آيات الله ولكن لا ينفعكم حينئذ المعرفة وَما رَبُّكَ يا محمد ص بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فيجازى كلّا على حسب عمله لوقتهم- تم تفسير سورة النمل من التفسير المظهرى فى التاريخ الثاني والعشرون من شعبان سنة الخامسة بعد الف ومائتين (سنه 1205 هـ) ويتلوه تفسير سورة القصص ان شاء الله تعالى.

سورة القصص

سورة القصص سورة القصص مكية الا قوله تعالى الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ الى قوله لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ وفيها آيات نزلت بين مكة والمدينة وهى قوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ وهى ثمان وثمانون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ابان لازم ومتعد يعنى ظاهر فى كونه من عند الله لاعجازه او مظهر لاحكامه ومواعيده وما فيها من القصص. نَتْلُوا اى نقراه بقراءة جبرئيل عَلَيْكَ ويجوز ان يكون نتلوا بمعنى ننزل مجازا مِنْ نَبَإِ اى بعض نبا مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ ظرف مستقر حال من نبا اى مقرونا بالصدق او من فاعل نتلوا اى محقين او ظرف لغو متعلق بنتلوا لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فانهم هم المنتفعون به. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا اى استكبر وتجبر وتعظم استيناف بيان لذلك البعض فِي الْأَرْضِ اى ارض مصر وَجَعَلَ أَهْلَها اى اهل تلك الأرض شِيَعاً اى فرقا يشيعونه فيما يريد من الخدمة او يشيع بعضهم بعضا او فرقا أكرم منهم طائفة وهم القبط وأهان آخرين وهم بنوا إسرائيل او أصنافا فى الخدمة استعمل كل صنف فى عمل او أحزابا اغرى بينهم العداوة كيلا يتفقوا عليه وفى القاموس شيعة الرجل اتباعه وأنصاره والفرقة على حدة يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ وهم بنوا إسرائيل الجملة حال من فاعل جعل او استيناف يُذَبِّحُ

[سورة القصص (28) : آية 5]

أَبْناءَهُمْ لان كاهنا قال يولد مولود فى بنى إسرائيل يذهب ملكك على يديه كذا اخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ اى يترك بناتهم احياء بدل من قوله يستضعف سمى ذلك استضعافا لانهم عجزوا وضعفوا عن دفعه عن أنفسهم إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ولذلك اجترأ على قتل خلق كثير من أولاد الأنبياء لتخيل فاسد إذ لا ينفعه القتل سواء صدق الكاهن او كذب-. وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ اى نتفضّل عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ بانقاذهم من بأسه جملة نريد حكاية حال ماضية معطوفة على انّ فرعون علا من حيث انهما واقعان تفسيرا للنبأ- او حال من فاعل يستضعف بتقدير ونحن نريد او عطف على يستضعف والرابط بالموصوف وضع المظهر اى الذين استضعفوا موضع الضمير ولا يلزم من مقارنة الارادة للاستضعاف مقارنة المراد له لكون تعلق الارادة حينئذ تعلقا استقباليا مع ان منة الله بخلاصهم لمّا كانت قرينة الوقوع منه جاز ان يجرى مجرى المقارن وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً يقتدى بهم فى امر الدين دعاة الخير كذا قال مجاهد وقال قتادة ولاة وملوكا بدليل قوله تعالى وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ لما كان فى ملك فرعون وقومه. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ اى ارض مصر والشام واصل التمكن ان يجعل للشئ مكانا يستقر فيه ثمّ استعير للتسليط ونفاذ الأمر وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما قرأ الأعمش والحمزة والكسائي يرى بالياء ومفتوحة وفتح الراء وامالة فتحها ورفع الأسماء الثلاثة على الفاعلية والباقون بالنون مضمومة وكسر الراء وفتح الياء بعدها ونصب الأسماء الثلاثة على المفعولية مِنْهُمْ اى من بنى إسرائيل ما كانُوا يَحْذَرُونَ والحذر هو التوقي عن الضرر وذلك انهم أخبروا ان هلاكهم على يد رجل من بنى إسرائيل وكانوا على وجل منه فاراهم الله ما كانوا يحذرون.. وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى وهى يوخابذ بنت لاوى بن يعقوب عليه السلام كذا ذكر البغوي اجمعوا على انه ليس بوحي نبوة وان النبي لا يكون الا رجلا قال قتادة قذف فى قلبها وهو الإلهام فى اصطلاح الصوفية ومن جنسه المنام الصادق الموجب لليقين واطمينان القلب وهو ايضا من قبيل الإلهام وهذه الاية تدل على ان الإلهام

ايضا من اسباب العلم وان كان علما ظنّيا والمعتبر الهام القلوب الزاكية والنفوس المطمئنة والفرق بين الوسوسة والإلهام بحصول اليقين واطمينان القلب أَنْ أَرْضِعِيهِ ان مفسرة لاوحينا لان فيه معنى القول او مصدرية يعنى ارضعى موسى ما أمكنك اخفاؤه قال البغوي اختلفوا فى مدة إرضاع موسى عليه السلام امه قيل هى ثمانية أشهر وقيل اربعة أشهر وقيل ثلاثة أشهر كانت ترضعه فى حجرها وهو لا يبكى ولا يتحرك فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ بان يحس به فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ فى البحر يريد النيل وَلا تَخافِي عليه الضياع وَلا تَحْزَنِي لفراقه إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ من قريب بحيث تامنين عليه وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ روى عطاء والضحاك عن ابن عباس ان بنى إسرائيل لما كثروا بمصر واستطالوا على الناس وعملوا بالمعاصي ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر فسلط الله عليهم النبط فاستضعفوهم الى ان نحاهم الله على يدى نبيه- موسى عليه السّلام- قال ابن عباس رض ان أم موسى لما دنى ولادتها وكانت قابلة من قوابل اللاتي وكّلهن فرعون بحبالى بنى إسرائيل مصافية لام موسى فلمّا ضربها الطلق أرسلت إليها وقالت قد نزل بي ما نزل فلينفعنى حبك إياي اليوم قال فعالجت قابلتها فلما ان وقع موسى عليه السلام بالأرض هالها نور بين عينى موسى عليه السّلام فارتعش كل مفصل منها ودخل حب موسى عليه السلام فى قلبها ثم قالت يا هذه ما جئت إليك حين دعوتنى الا ومن ورائي قتل مولودك ولكن وجدت لابنك حبّا ما وجدت حب شىء مثل حبه فاحفظى ابنك فانى أراه مدونا. فلمّا خرجت القابلة من عندها ابصر بعض العيون فجاءوا الى بابها ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب قلفّت موسى فى خرقة فوضعته فى التنور وهو مسجور وطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع فدخلوا فاذا التنور مسجور وراوا أم موسى ع لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن فقالوا لها ما ادخل عليك القابلة قالت هى مصافية لى فدخلت علىّ زائرة فخرجوا من عندها ورجع إليها عقلها فقالت لاخت موسى عليه السلام فاين الصبى قالت لا أدرى فسمعت بكاء الصبى من التنور فانطلقت اليه وقد جعل الله سبحانه وتعالى النار عليه بردا وسلاما فاحتملته. قال ثم ان أم موسى لما رات الحاج فرعون فى طلب الولدان خافت على ابنها فقذف

الله فى نفسها ان تتخذ له تابوتا ثم تقذف التابوت فى اليم وهو النيل فانطلقت الى رجل من قوم فرعون نجار فاشترت منه تابوتا صغيرا فقال لها النجار ما تصنعين بهذا التابوت قالت ابن لى أخبؤه فى التابوت وكرهت الكذب قال ولم قالت أخشى عليه كيد فرعون فلما اشترت التابوت وحملته فانطلقت انطلق النجار الى الذبّاحين ليخبرهم بامر أم موسى فلمّا هم بالكلام امسك الله تعالى فلم يطق الكلام وجعل يشير بيده فلم يدر الأمناء ما يقول فلما أعياهم امره قال كبيرهم اضربوه وأخرجوه فلمّا انتهى النجار الى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم فانطلق ايضا يريد الأمناء فاتاهم ليخبرهم فاخذ لسانه وبصره فلم يطلق الكلام ولم يبصر شيئا فضربوه وأخرجوه ووقع فى واد يهوى فيه حيران فجعل عليه ان رد لسانه وبصره ان لا يدل عليه وان يكون معه ويحفظه حيث ما كان فعرف الله منه الصدق فرد الله عليه بصره ولسانه فخر لله ساجدا فقال يا رب دلّنى على هذا العبد الصالح فدله الله عليه فخرج من الوادي وأمن به وصدقه وعلم ان ذلك من الله عزّ وجلّ. وقال وهب بن منبه لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها من جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله وذلك شىء ستره الله لما أراد ان يمن على بنى إسرائيل فلمّا كانت السنة التي يولد فيها بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن ففتش النساء تفتيشا لم يفتش قبل ذلك وحملت أم موسى ع بموسى فلم ينت بطنها ولم يتغير لونها ولم يظهر لبنها وكانت القوابل لا تتعرض لها فلمّا كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة ولم يطلع عليها أحد الا أخته مريم واوحى الله إليها أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ الآية فكتمته امّه ثلاثة أشهر ترضعه فى حجرها لا يبكى ولا يتحرك فلمّا خافت عليه عملت له تابوتا مطبقا قيل وضعته فى تابوت مطلّى بالقارّ من داخل ممهدا له فيه وأغلقته ثم ألقته فى البحر ليلا- قال ابن عباس وغيره فكان لفرعون يومئذ بنت ليس له ولد غيرها وكانت أحب الناس عليه وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها الى فرعون وكان بها برص شديد وكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة فنظروا فى أمرها فقالوا لها أيتها الملكة لا تبرئى الا من قبل البحر يوجد فيه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيطلح به برصها فتبرا من ذلك وذا يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس- فلما كان يوم الاثنين غدا فرعون الى مجلس كان له على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم وأقبلت ابنة فرعون فى جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها حتى تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن إذ اقبل النيل بالتابوت

[سورة القصص (28) : آية 8]

يضربه الأمواج فقال فرعون ان هذا الشيء فى النيل قد تعلق بالشجرة ايتوني به فابتدروا بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه فدنت آسية فرات فى جوف التابوت نورا لم يره غيرها فعالجت ففتحت الباب فاذا هى بصبىّ صغير فى مهدة وإذا نور بين عينيه وقد جعل الله رزقه فى ابهاميه يمصهما لبنا فالقى الله تعالى المحبة لموسى فى قلب آسية وأحبه فرعون وعطف عليه- وأقبلت ابنة فرعون فلمّا اخرجوا الصبىّ من التابوت عمدت بنت فرعون الى ما كان من ريقه فلطخت ببرصها فبرات فقبّلته وضمته الى صدرها فقالت الغواة لفرعون ايها الملك انا نظنّ ان ذلك المولود الّذى تحذر منه من بنى إسرائيل هو هذا رمى به فى البحر خوفا منك ان تقتله فهمّ فرعون بقتله قالت آسية قرّة عين لّى ولك لا تقتلوه عسى ان ينفعنا او نتّخذه ولدا وكانت لا تلد فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها وقال فرعون اما انا فلا حاجة لى فيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قال يومئذ هو قرة عين لى كما هو لك لهداه الله كما هدها فقيل لاسية سميه فقالت سميته موسى لانا وجدناه بين الماء والشجر؟ " فمو" هو الماء- و" سا" هو الشجر.. فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ اللام للعاقبة تشبها لعاقبة الأمر ومواده بالغرض الباعث على الفعل لتحقق وقوعها لَهُمْ عَدُوًّا يقتل رجالهم وَحَزَناً يستعبد نساءهم قرأ «وخلف- ابو محمد» حمزة والكسائي بضم الحاء وسكون الزاء والباقون بفتحهما وهما لغتان فى المصدر وهو هاهنا بمعنى الفاعلي إِنَّ فِرْعَوْنَ وَوزيره هامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ فى كل شىء فليس بمبدع منهم ان قتلوا الوفا لاجله ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون او المعنى كانوا مذنبين فعاقبهم الله تعالى بان ربّى عدوهم على أيديهم فالجملة اعتراض لتأكيد خطاءهم او لبيان الموجب لما ابتلوا به. وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ لفرعون عطف على فالتقطه ال فرعون قال وهب بن منبه لما وضع التابوت بين يديه وفتحوه وجدوا فيه موسى فلما نظر اليه قال عبرانى من اهل الأعداء فغاظه ذلك وقال كيف أخطأ هذا الغلام- وكان فرعون قد استنكح امراة من بنى إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم وكانت من خيار النساء وكانت من بنات الأنبياء وكانت امّا للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم قالت لفرعون وهى قاعدة الى جنبه هذا الوليد اكبر من ابن

[سورة القصص (28) : آية 10]

سنة وانما أمرت بذبح الولد لهذه السنة فدعه يكن قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ خبر مبتدا محذوف لا تَقْتُلُوهُ خطاب بلفظ الجمع على التعظيم. وروى انها قالت أتانا من ارض اخرى ليس من بنى إسرائيل عَسى أَنْ يَنْفَعَنا علة لقوله تعالى لا تَقْتُلُوهُ فان فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك لما رات من نور بين عينيه وارتضاعه إبهامه لبنا وبرء البرصاء بريقه أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً او نتبناه فانه اهل له فاطاعوها وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ حال من الملتقطين يعنى هم لا يشعرون ان هلاكهم على يديه فاستحياه فرعون فالقى الله عليه محبته اخرج ابن جرير عن محمد بن قيس مرفوعا انه قال فرعون قرّة عين لّك لالى ولو قال قرة عين لى كما هو لك لهداه الله كما هداها وقال ابن وهب قال ابن عباس لو ان عدو الله قال فى موسى كما قالت آسية عسى ان يّنفعنا لنفعه الله ولكن ابى للشقاء الذي كتبه الله عليه-. وَأَصْبَحَ يعنى صار عطف على قالت امراة فرعون فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً اى خاليا من العقل لشدة الخوف والحزن حين سمعت وقوعه فى يد فرعون كقوله تعالى وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ اى خلاء لا عقول فيها وقال اكثر المفسرين اى خاليا من كل شىء سوى ذكر موسى وهمّه وقال الحسن فارغا اى ناسيا للوحى الذي اوحى الله إليها حين أمرها ان تلقيه فى البحر وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فجاءه الشيطان وقال كرهت ان يقتل فرعون ولدك فيكون لك اجره وثوابه وتوليت أنت قتله فالقيته فى البحر وأغرقته- فلمّا جاءها الخبر بان فرعون أصابه فى النيل قالت انه وقع فى يد عدوه فانساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها- قلت لعل حزنها لمّا كان الهام الأولياء دليلا ظنيّا فافزعته احتمال الخطاء فى الإلهام وقال ابو عبيدة معناه فارغا من الحزن لعلمها بصدق وعد الله تعالى وأنكر القتيبي هذا وقال كيف يكون هذا والله يقول إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ان مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن واللام فارقة اى انها كادت ليظهر به اى بموسى يعنى بامره انه ابنها من شدة جزعها كما قال عكرمة عن ابن عباس رض انها كادت تقول وا ابناه وقال مقاتل لما رات التابوت يرفعه موج ويضعه اخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها وقال الكلبي كادت تظهر انه ابنها وذلك حين سمعت الناس يقولون لموسى بعد ما شبّ موسى بن فرعون فشق عليها فكادت تقول هو ابني فقيل معنى الاية وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً من الحزن حين سمعت ان فرعون تبنّاه فكادت لتبدى به اى بانه ابنها حيث لم تملك نفسها من شدة الفرح وروى ابن جرير وابن ابى حاتم

[سورة القصص (28) : آية 11]

عن السدىّ انه قالت اخت موسى هل أدلكم الى آخره وجاءت بامها فاخذ موسى ثديها فكادت تقول هو ابني فعصمها الله وقال ابو عبيدة معنى الاية أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً من الخوف والحزن لقوله تعالى لا تخافي ولا تحزنى وان كادت لتبدى به يعنى انها لشدة وثوقها بوعد الله كادت ان تظهر انه ابنها او تظهر بالوحى إليها بان الله وعدني برده الىّ وجعله من المرسلين لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها ظرف لغو متعلق بقوله رَبَطْنا وهى بتأويل المصدر مبتدا خبره محذوف يعنى لولا ربطنا على قلبها موجود او ظرف مستقر خبر للمبتدا اى لولا ربطنا ثابت على قلبها يعنى لولا ربطنا بالصبر على الجزع او على كتمان الفرح على التأويل الاول والثاني او بالصبر على كتم اسرار الله تعالى على تاويل ابى عبيدة وجواب لولا محذوف ايضا دل عليه ما قبله يعنى لابدت به لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ متعلق بربطنا يعنى ربطنا على قلبها بالصبر على الجزع او على كتم الفرح لتكون من المصدقين بوعد الله او متعلق باصبح والمعنى أصبح فؤاد امّ موسى فارغا من الخوف والحزن لتكون من المؤمنين الموقنين بوعد الله وعلى ما ذكرنا من التأويل اندفع انكار القتيبي على تاويل ابى عبيدة وجملة لولا ان رّبطنا معترضة حينئذ قال يوسف بن حسين أمرت أم موسى بشيئين ونهيت عن شيئين وبشرت ببشارتين فلم ينفعها الكل حتى تولى الله حفظها فربط على قلبها وسكن قلقها الذي وجدت من شدة الحزن او القرح لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد الله لا بتبنّى فرعون-. وَقالَتْ أم موسى عطف على أصبح لِأُخْتِهِ مريم بنت عمران قُصِّيهِ اى اتبعى اثره وتبتغى خبره فَبَصُرَتْ بِهِ عطف على محذوف معطوف على قالت تقديره فقضت فبصرت له عَنْ جُنُبٍ اى عن بعد حال من أحد الضميرين المرفوع او المجرور وفى القصة انها تمشى جانبا وننظر اختلاسا ترى انها لا تنظر وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ انها أخته وانها ترقبه. وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ عطف على بصرت والمراد بالتحريم المنع التكويني دون التكليفي والمراضع اما جمع مرضع بالضم يعنى منعنا عنه لبن كل مرضعة فلم يرتضع من أحدا هن واما جمع مرضع بالفتح على انه مصدر ميمى بمعنى الرضاع او ظرف وهو الثدي مِنْ قَبْلُ قصصها قال ابن عباس رض ان امراة فرعون كان همها من الدنيا ان تجد له مرضعة وكانوا كلما أتوا بمرضعة لم تأخذ موسى ثديها حتى راته اخت موسى فى ذلك الحال وفى القصة ان موسى مكث ثمانى ليال لا يقبل ثديا ويصيح فَقالَتْ عطف على حرمنا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ اى

[سورة القصص (28) : آية 13]

لاجلكم صفة لاهل بيت وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ اى لا يقصرون فى ارضاعه وتربيته والنصح ضد الغش وهو تصفية العمل عن شوب الفساد حال من فاعل يكفلونه قال ابن جريح والسدىّ لمّا قالت اخت موسى وهم له ناصحون أخذوها وقالوا انّك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على اهله قالت ما أعرفه وقلت وهم للملك ناصحون كذا اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن السدى وقيل انها قالت انما قلت هذا وغبة فى سرور الملك واتصالنا به وقيل انها لمّا قالت هل أدلكم على اهل بيت قالوا لها من قالت لامى قالوا لامك ابن قالت نعم هارون (وكان هارون ولد فى سنة لا يقتل فيها الوالدان) قالوا صدقت فأتينا به فانطلقت الى أمها فاخبرتها بحال ابنها وجاءت بها إليهم فلمّا وجد موسى ريح امه قبل ثديها وجعل يمصه حتى امتلأ جنباه قال السدىّ كانوا يعطونها اجرة كل يوم دينارا قيل انما أخذتها لانها كانت مال حربى وذلك قوله عزّ وجلّ. فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ عطف على جمل محذوفة معطوفة بعضها على بعض معطوفة على فقالت هل ادلّكم تقديره فقالوا دلّنى فدلت على أمها فقالوا اتى بها فانطلقت فانت بها فوضعوه فى حجرها فارضعته فرضعته فسلموه إليها للارضاع فرددناه الى امه كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها برد موسى إليها وَلا تَحْزَنَ لفراقه عطف على تقرّ وَلِتَعْلَمَ أم موسى عطف على لا تخزن أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ برده إليها حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ اى اكثر الناس لا يَعْلَمُونَ ان وعد الله حق ولو علموا ذلك لما ارتكبوا منهيات الله خوفا من وعيده وما تركوا أوامره طمعا فى وعده وفيه تعريض على أم موسى لما فرط منها حين جزعت على تأويل أصبح فؤاد امّ موسى فارغا بمعنى خاليا من الصبر وقيل يعنى لا يعلمون بهذا الوعد ولا بان هذه أخته وهذه امه فمكث عندها الى ان فطمته فاتت به الى فرعون فتربى عنده كما قال الله تعالى حكاية عنه فى سورة الشعراء أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً-. وَلَمَّا بَلَغَ موسى أَشُدَّهُ جمع شدة بمعنى القوة كالنعم جمع نعمة يعنى مبلغه الذي لا يزيد اليه نشوه قال الكلبي الأشد ما بين ثمانى عشرة سنة الى ثلاثين سنة وقال مجاهد وغيره ثلاث وثلاثون سنة وَاسْتَوى عقله اى بلغ أربعين سنة كذا روى سعيد بن جبير عن ابن عباس وقيل استوى اى انتهى شبابه آتَيْناهُ حُكْماً اى النبوة وَعِلْماً اى معرفة بالله وباحكامه قيل ليس المراد به الاستنباء لانه يكون بعد الهجرة فى المراجعة من هذين بل المراد به الفقه والعلم بالشرائع قلت العطف بالواو للجمع المطلق لا دليل فيه على الترتيب فالاستنباء وان كان بعد الهجرة لكن ذكره هاهنا لبيان انجاز الوعد بتمامه حيث قال إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَكَذلِكَ صفة المصدر محذوف

[سورة القصص (28) : آية 15]

تقديره نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ جزاء كذلك اى مثل ذلك الذي جزينا موسى وامه على إحسانهما.. وَدَخَلَ موسى الْمَدِينَةَ عطف على لمّا بلغ أشدّه قال السدىّ هى مدينة مدين من ارض مصر وقال مقاتل كان قرية تدعى خانين على رأس فرسخين من مصر وقيل مدينة عين الشمس وقال المحلى مدينة منف دخله بعد ان غاب عنه مدة عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها وهو وقت القائلة واشتغال الناس بالقيلولة وقال محمد بن كعب القرظي دخلها فيما بين المغرب والعشاء قال السدى وذلك ان موسى يسمى ابن فرعون فكان يركب مراكب فرعون ويلبس ملابسه فركب فرعون يوما وليس عنده موسى فلمّا جاء موسى قيل له ان فرعون قد ركب فركب فى اثره فادركه المقيل بأرض منف قد خلها نصف النهار وليس فى طرقها أحد. وقال ابن إسحاق كان لموسى شيعة من بنى إسرائيل يستمعون منه ويقتدون به فلمّا عرف ما هو عليه من الحق راى فراق فرعون وقومه فخالفهم فى دينه حتى ذكر ذلك منه وأخافوه وخافوه وكان لا يدخل قرية الا خائفا مستخفيا فدخلها حين غفلة من أهلها- وقال ابن زيد لما عدا موسى فرعون بالعصا فى صغره وأراد فرعون قتله فقالت امراة فرعون هو صغير فترك قتله وامر بإخراجه من مدينته فلم يدخل الا بعد ان كبر وبلغ أشده ف دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها يعنى حين غفلة عن ذكر موسى من بعد نسائهم خبره وامره لبعد عهدهم به قال البغوي وروى عن على رضى الله تعالى فى قوله تعالى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ صفة لرجلين اى يختصمان ويتنازعان هذا مِنْ شِيعَتِهِ يعنى من بنى إسرائيل هذه الجملة مع ما عطف عليها حال من رجلين بترك الواو على طريقة كلمته فوه الى لىّ بتقدير تقديره فوجد رجلين يقال فيهما هذا من شيعته وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ اى من القبط وجاز ان يكون هذا وهذا بدلا من رجلين وقوله من شيعته ومن عدوه حال من المشار اليه والعامل فيه معنى الاشارة فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عطف على وجد عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ والاستغاثة طلب الغوث استغاث الاسرائيلى على الفرعوني فغضب موسى واشتد غضبه لانه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بنى إسرائيل وحفظه لهم ولا يعلم الناس الا من قبل الرضاعة من أم موسى فقال للفرعونى خل سبيله فقال انما ناخذه ليحمل الحطب الى مطبخ أبيك فتنازعه فقال الفرعوني لقد هممت ان احمله عليك وكان موسى قد اوتى بسطة فى الخلق وشدة القوة والبطش فَوَكَزَهُ مُوسى قرأ ابن مسعود فلكزه

[سورة القصص (28) : آية 16]

موسى ومعناهما واحد وهو الضرب بجمع الكف وقيل الوكز الضرب فى الصدر واللكز فى الظهر وقال الفراء معناهما الدفع وقال ابو عبيدة الوكز الدفع باطراف الأصابع وفى بعض التفاسير عقد موسى ثلاثا وثمانين فضربه فى صدره فَقَضى عَلَيْهِ اى قتله ودفنه فى الرمل كذا قال المحلى ومعناه فرغ من امره فكل شىء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه ولم يكن الموسى قتله فندم عليه موسى وقالَ إلخ الجملة مستأنفة هذا اى القتل مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ انما قال ذلك لانه لم يكن مأمورا حينئذ بقتل الكفار او لانه كان مأمونا فيهم فلم يكن له اغتيالهم وهذا لم يكن مناف لعصمته لكونه خطأ وانما عدّ ذلك الأمر من عمل الشيطان وسماه ظلما واستغفر عنه على عادة المقربين فى استعظام محقرات صدرت منهم إِنَّهُ اى الشيطان عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ اى ظاهر العداوة-. قالَ جملة مستانفة رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بقتل نفس من غير أمرك فَاغْفِرْ لِي خطيئتى فَغَفَرَ لَهُ عطف على قال اى غفر الله لموسى حقه ولم يكن القبطي معصوم الدم حتى لا يتصور المغفرة من غير قصاص او عفو من المقتول او ورثته إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الذنوب عباده الرَّحِيمُ بهم. قالَ مستانفة اخرى رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ الباء فى بما أنعمت للقسم وجوابه ما بعده وقوله فلن أكون معطوف على محذوف تقديره اقسم بانعامك علىّ بالنبوة والمغفرة وغير ذلك تبت فلن أكون او الباء متعلق بمحذوف تقديره ربّ اعصمني من الزلات بحق إنعامك علىّ وعلى هذا قوله فلن أكون جواب للدعاء اى ليكن منك اعصامى فعدم كونى ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ قال ابن عباس اى للكافرين وهذا لو صح لدلّ على ان الاسرائيلى، كان كافرا وهو قول مقاتل وقال قتادة معناه لن أعين بعد هذا على خطيئة وقيل معناه لن أكون معينا لمن أدت معاونته الى جرم-. فَأَصْبَحَ موسى فِي الْمَدِينَةِ التي قتل فيها القبطي عطف على فقضى عليه خائِفاً على نفسه يَتَرَقَّبُ الانتقام من ورثة المقتول او يترقب النصر من ربه حالان من فاعل أصبح فَإِذَا للمفاجاة الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ اى يستغيثه مشتق من الصراخ قال ابن عباس اتى فرعون فقيل له ان بنى إسرائيل قتلوا منّا رجلا فخذلنا بحقنا فقال انجوا الى قاتله ومن يشهد عليه فلا يستقيم ان يقضى بغير بينة نميناهم يطوفون لا يجدون ثبتا إذ مر موسى من الغد فراى ذلك الاسرائيلى يقاتل فرعونيّا فاستغاثه على الفرعوني

[سورة القصص (28) : آية 19]

فصادف موسى وقد ندم ما كان منه بالأمس من قتل القبطي قالَ لَهُ اى للاسرائيلى مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ بيّن الغواية حيث تسبّبت قتل رجل بالأمس وتقاتل اليوم رجلا اخر وتستغيثنى وقيل انما قال للفرعونى انّك لغوىّ مبين بظلمك ثم أدرك موسى الرقبة الاسرائيلى لمّا راى ظلم الفرعوني عليه فمديده لبطش الفرعوني. فَلَمَّا أَنْ أَرادَ موسى أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما اى لموسى والاسرائيلى لانه لم يكن على دينهما ولان القبط كانوا اعداء بنى إسرائيل ظن الاسرائيلى انه يريد بطشه لما راى من غصته وسمع قوله انّك لغوىّ مبين قالَ الاسرائيلى يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ او قال ذلك القبطي لما توهم من قوله انه الّذى قتل القبطي بالأمس لهذا الاسرائيلى والاول اظهر إِنْ تُرِيدُ اى ما تريد إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً قتالا بالغضب فِي الْأَرْضِ اى فى ارض مصر حيث تطاول على الناس ولا تنظر العواقب وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ بين الناس فتدفع التخاصم بالتي هى احسن فلمّا سمع القبطي قول الاسرائيلى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ علم ان قاتل القبطي بالأمس كان موسى انطلق الى فرعون وأخبره بذلك فامر فرعون بقتل موسى او سمع الناس مقالاتهم واشتهر ان موسى قتل القبطي وارتفع الى فرعون وملئه فهموا بقتله. وَجاءَ رَجُلٌ عطف على قال يا موسى قال اكثر اهل التأويل هو حزئيل مومن ال فرعون وقيل اسمه شمعون وقيل سمعا مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ ظرف مستقر صفة لرجل وليس متعلقا بجاء لان تخصيصها الحقه بالمعارف فصح ان يكون قوله يَسْعى حالا منه يعنى جاء ذلك الرجل يسرع فى مشيه فاخذ طريقا قريبا حتى سبق الى موسى فاخبره وأنذره وقالَ يا موسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ اى يأمر بعضهم بعضا متلبسا ذلك الأمر بِكَ لِيَقْتُلُوكَ اى لكى يقتلوك او يأمر بعضهم بعضا بقتلك واللام زائدة وقيل معناه يتشاورون بك سمى التشاور ايتمار الان كلا من المتشاورين يأمر الاخر لكى يقتلوا فَاخْرُجْ من المدينة إِنِّي لَكَ متعلق بمحذوف خبر لان يعنى انى نافع لك مِنَ النَّاصِحِينَ خبر ثان ولا يجوز ان يكون لك متعلقا بناصحين لان معمول الصلة لا يتقدم على الموصول وقيل متعلق بناصحين والكلام محمول على التقديم والتأخير وقيل لك بيان لمبهم كانه قال انّى من النّاصحين ثم أراد ان يبيّن

[سورة القصص (28) : آية 21]

فقال لك اى انصح لك واللام فيه لتقوية عمل فعل محذوف. فَخَرَجَ موسى مِنْها من تلك القرية خائِفاً على نفسه يَتَرَقَّبُ اى ينتظر الطالب من خلفه وقيل يترقب النصر من ربه فان قيل هذه الاية تدل على جواز الخوف للانبياء من غير الله سبحانه وقد قال الله تعالى فيهم وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ فما التوفيق قلنا الخوف على نفسه من مقتضيات الطبعية لا ينافى النبوة والمراد بقوله تعالى لا يخشون أحدا الّا الله انّهم لا يبالون فى إتيان أوامره تعالى والانتهاء عن مناهيه لحوق مضرة بهم من أحد سوى الله تعالى بخلاف سائر الناس فانهم يخشون النّاس كخشية الله او أشدّ خشية وإذا أوذي فى الله جعل فتنة النّاس كعذاب الله قالَ موسى استيناف او حال بتقدير قد من فاعل خرج رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى الكافرين يعنى خلصنى منهم واحفظني من لحوقهم وفى القصة ان فرعون بعث فى طلبه حين اخبر بهربه فقال اركبوا بينات الطريق فانه لا يعرف كيف الطريق-. وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قال الزجاج اى سلك الطريق التي يلقى فيها مدين وهى قرية سميت باسم مدين بن ابراهيم عليه السلام وكان موسى قد خرج بلا ظهر وبلا زاد وكان مدين على مسافة ثمانية ايام من مصر ولم يكن فى سلطنة فرعون ولمّا ظرف فيه معنى الشرط متعلق بقوله قالَ يعنى موسى توكلا على الله وحسن ظن به عَسى رَبِّي قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وابن كثير وابو عمرو بالفتح والباقون بالإسكان أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ والجملة معطوفة على قال ربّ نجّنى واضافة سواء الى السبيل اضافة صفة الى موصوفه والمعنى ان يهدينى السبيل السوي الّذى لا زحمة فيه ولم يكن موسى يعرف الطريق إليها فلما قال هذا جاءه ملك بيده عنزة فانطلق به قال المفسرون خرج موسى من مصر ولم يكن معه الأورق الأشجار والبقل حتى يرى خضرته فى بطنه وما وصل الى مدين حتى وقع خف قدميه. قال ابن عباس رض هو أول ابتلاء من الله لموسى عليه السّلام.. وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ اى وصل اليه وهو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم وَجَدَ عَلَيْهِ اى على الماء يعنى جانب البئر أُمَّةً اى جماعة كثيرة مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ مواشيهم وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ اى فى مكان أسفل من مكانهم امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ

[سورة القصص (28) : آية 24]

حال من امرأتين او صفة لهما ان تمنعان أغنامها عن الماء لئلا تختلط باغنامهم قالَ موسى للمرءتين- ما خَطْبُكُما اى ما شأنكما حيث تمنعان مواشيكما من الماء والخطب بمعنى الشان كذا فى القاموس قيل هو مصدر بمعنى المفعول يعنى ما مخطوبكما يعنى ما مطلوبكما من هذا المنع قالَتا لا نَسْقِي أغنامنا حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ قرأ ابو جعفر وابو عمرو وابن عامر يصدر بفتح الياء وضم الدال على انه فعل لازم بمعنى يرجع والباقون بضم الياء وكسر الدال من الافعال يعنى حتى يصرف الرعاء مواشيهم عن الماء حذف المفعول من يسقون وتذودان ولا تسقى لان الغرض هو الفعل دون المفعول الا ترى انه انما رحمهما لانهما كانتا على الزود مع الحاجة الى السقي لاجل ضعفهما والناس على السقي ولم يرحمهما لان مزودهما غنم وسقيهم ابل وايضا الغرض بيان ما يدل على عفتهما واحترازهما عن مزاحمة الرجال وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ السنّ لا يقدر ان يسقى مواشيه ولذلك احتجنا الى سقى المواشي والجملة حال من فاعل لا نسقى ووجه مطابقة جوابهما سواله انه سالهما عن سبب الذور فقالتا السبب فى ذلك انا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ونستحيى من اختلاطهم فلا بد لنا من الذور وتأخير السقي كيلا يختلط الغنم قال البغوي اختلفوا فى اسم أبيهما فقال مجاهد والضحاك والسدى والحسن هو شعيب عليه السلام وقال وهب وسعيد بن جبير هو ثيرون بن أخي شعيب وكان شعيب قد مات قبل ذلك بعد ما كف بصره فدفن بين المقام والزمزم وقيل رجل ممن أمن بشعيب عليه السلام فلما سمع موسى قولهما رحمهما. فَسَقى لَهُما غنمهما قال ابن عباس زاحم القوم ونحاهم عن رأس البئر فسقى غنم المرأتين وقيل اقتنع موسى صخرة من رأس بئر اخرى كانت بقربها لا يطيق رفعها الا الجماعة من الناس قيل عشرة انفس ويقال انه نزع دلوا واحدا ودعا فيه بالبركة فروى منه جميع الغنم ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ظل شجرة فجلس فى ظلها من شدة الحرّ ولمّا طال البلاء بموسى انس بالشكوى الى مولاه ولا بأس فى الشكوى إذا كان الى المولى دون غيره فَقالَ موسى رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ قال اهل العلم اللام بمعنى الى يقال فقير له وفقير اليه والمراد بالانزال الإعطاء

[سورة القصص (28) : آية 25]

يقال انزل الله تعالى نعمه او نعمته على الخلق اى أعطاهم إياه وذلك قد يكون بانزال الشيء نفسه كانزال القران وإنزال المطر وقد يكون بانزال أسبابه والهداية اليه كما فى قوله تعالى وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ... وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ وأَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً. وأنزلت هاهنا صيغة ماض أريد به المستقبل او بمعنى قدرت انزاله الىّ والمعنى انى ما تعطينى او قدرت إعطاءه ايّاى مِنْ خَيْرٍ اى طعام قليل او كثير فَقِيرٌ محتاج «1» سائل يعنى أعطني ما شئت قليلا او كثيرا ولتضمنه معنى السؤال عدى باللام موضع الى قال ابن عباس سال الله لقمة يقيم بها صلبه قال الباقر عليه السلام لقد قالها وانه لمحتاج الى شق تمرة وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس لقد قال موسى عليه السلام رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ وهو أكرم على الله وقد افتقر الى شق تمرة قال مجاهد ما ساله الا الخير وقيل معناه انى لما أنزلت اى بسبب ما أنزلت الىّ من خير اى الدين والحكمة فقير اى صرت فقيرا فى الدنيا لاجل مخالفة فرعون فى الدين فانه كان فى سعة عند فرعون والغرض منه اظهار التبهج والشكر على ذلك- قلت وجاز ان يكون المعنى وانى الى ما أنزلت الىّ من خير اى الدين والحكمة فقير سائل منك المزيد فيه كانه قال رب زدنى علما. قلت وجاز ان يكون أنزلت مشتقا من النزل بضم النون والزاء وهو ما يعدّ للنازل من الزاد يقال أنزلت فلانا اى أضفته والمعنى الى فقير محتاج سائل لما تعدلى من الطعام.. فَجاءَتْهُ عطف على محذوف تقديره فرجعتا الى أبيهما سريعا قبل الناس واغناهما «احنك البعرين أشدهما أكلا منه رح» حنك بطان فقال لهما أبوهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى أغنامنا فقال لاحدهما اذهبي فادعيه لى فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ الظرف حال من فاعل تمشى وجملة تمشى حال من فاعل جاءت قال البغوي قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه ليست بسلفع من النساء خرّاجة دلّاجة ولكن جاءت مستترة وضعت كم درعها على

_ (1) وعن عمر بن الخطاب ان موسى لمّا ورد ماء مدين وجد عليه امّة من النّاس يسقون فلمّا فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ولا يطيق رفعها الا عشرة رجال فاذا هو بامراتين قال ما خطبكما فحدثناه فاتى الحجر فرفعه وحده ثم استقى فلم يسق الا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم فرجعت المرأتان الى أبيهما فحدثناه وتولى موسى الى الظل وقال رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ الى اخر القصة 12 منه بزد الله مضجعة

وجهها استحياء قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا اخرج ابن عساكر وكذا ذكر البغوي انه قال ابو حازم سلمة بن دينار لما سمع موسى ذلك أراد ان لا يذهب ولكن كان جائعا فلم يجد بدّا من الذهاب فمشت المرأة ومشى موسى خلفها فكانت الريح تضرب ثوبها فتكشف ساقها فكره موسى ان يرى ذلك منها فقال لها امشى خلفى ودلّنى على الطريق ان اخطأت ففعلت كذالك فلمّا دخل على شعيب إذا هو قد تهيّا للعشاء فقال اجلس يا شابّ فتعشّ فقال موسى أعوذ بالله فقال شعيب ولم ذلك الست بجائع قال بلى ولكن أخاف ان يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وانا من اهل بيت لا نطلب على عمل من اعمال الاخرة عوضا من الدنيا فقال شعيب لا والله يا شابّ ولكن عادتى وعادة ابائى نقرئ الضيف وو نطعم الطعام فجلس موسى فاكل قلت قوله تعالى قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا صريح فى انها دعت موسى الى إعطاء الاجر وموسى أجاب دعوتها ومشى معها ولم يكن ذلك بعد ما أراد ان لا يذهب على ما قال ابو حازم فالاية تدل على بطلان هذه القصة فانها تدل على الإنكار بعد الدعوة وايضا هذه القصة يعارض قول موسى فى قصة الخضر لو شئت لتّخذت عليه اجرا وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت يا رسول الله قال كنت أرعى على قراريط لاهل مكة- رواه البخاري وسنذكو قوله صلى الله عليه وسلم ان موسى اجر نفسه ثمان سنين او عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه- والحق ان المكروه انما هو أخذ الاجر واشتراطه على عمل هو عبادة مقصودة بنفسها او شرط لعبادة مقصودة كالاذان والامامة وتعليم القران لا على ما هو مباح فى نفسه يصير طاعة بنية صالحة وقد أجاز الشافعي أخذ الاجرة على الاذان ونحو ذلك وأجاز المتأخرون من الحنفية أخذ الاجرة على تعليم القران والله اعلم. فَلَمَّا جاءَهُ معطوف على جمل محذوفة تقديره فلما جاءته وقالت ما ذكر جاء موسى شعيبا عليه السّلام فلمّا جاءه اى جاء موسى عنده اى عند شعيب حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وَقَصَّ موسى عليه السلام عَلَيْهِ الْقَصَصَ مصدر بمعنى المفعول فى القاموس قص اثره قصّا وقصصا تتبعه وقص الخبر اعمل

[سورة القصص (28) : آية 26]

معنى الاية اخبر موسى خبره اجمع من قتله القبطي وقصد فرعون قتله قالَ شعيب لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعنى من فرعون وقومه وانما قال ذلك لان فرعون لم يكن سلطانه على مدين وجملة نجوت تعليل لقوله لا تخف. قالَتْ إِحْداهُما يعنى التي استدعته يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ اى اتخذه أجيرا ليرعى أغنامنا إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ اى خير من استعملت من قوىّ على العمل وادي الامانة تعليل سائغ تجرى مجرى الدليل على انه حقيق بالاستيجار وللمبالغة فيه جعل خير اسم انّ وذكر الفعل بلفظ الماضي وان كان المعنى على الاستقبال للدلالة على انه مجرب معروف- اخبر الخطيب فى تاريخه عن ابى ذر يرفعه انه قال لها أبوها وما أعلمك بقوته وأمانته قالت اما قوته فانه رفع حجرا من رأس البئر لا يرفعها الا عشرة وقيل أربعون رجلا واما أمانته فانه قال لى امشى خلفى حتى لا تصف الريح بدنك- روى عن ابن مسعود قال افرس الناس ثلاثة بنت شعيب وصاحب يوسف حيث قال عَسى أَنْ يَنْفَعَنا وابو بكر رض فى عمر رض حيث جعله خليفة فى حياته. قالَ شعيب عند ذلك إِنِّي «ابو جعفر- ابو محمد» قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ اسمهما صفورة وليّا فى قول شعيب الجبائي وقال ابن إسحاق صفورة وشرقا وقال غيرهما الكبرى صفراء والصغرى اصغيرا قال وهب بن منبه زوجه الكبرى وذهب أكثرهم الى انه زوجه الصغرى واسمها صفورة وهى التي ذهبت لطلب موسى كذا روى البزار والطبراني من حديث ابى ذر مرفوعا وكذا اخرج البخاري عن انس قال البغوي روى ابو ذر مرفوعا إذا سئلت اىّ الامرأتين انكحها إياه فقل الصغرى منهما وهى التي جاءت فقالت يابت استاجره فتزوج صغراهما عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي اى تأجر نفسك منى وتكون لى أجيرا وقال الفراء ان تجعل ثوابها من تزويجها يقول العرب أجرك يأجرك اى أثابك والمعنى على ان تثيبنى من تزويجها ان ترعى غنمى ثَمانِيَ حِجَجٍ ظرف على التأويلين الأولين ومفعول به على تأويل الفراء بإضمار مضاف والحجج السنون واحده حجة فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً اى عشر سنين فى رعى الغنم فَمِنْ عِنْدِكَ اى فذلك تفضل من عندك وتبرع وليس بواجب عليك وهذا استدعاء لعقد النكاح لانفسه

[سورة القصص (28) : آية 28]

إذ لو كان عقدا لقال قد أنكحتك هذه تبعين إحداهما فالظاهر انه جرى بعد ذلك العقد على واحدة معينة منهما لكن هذه الاية تدل على ان رعى الغنم ثمان سنين جعل تمام المهر او بعضه بانضمام مال اخر معه ويدل عليه ما رواه احمد وابن ماجة عن عتبة بن المنذر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ طسم حتى بلغ قصة موسى فقال ان موسى عليه السلام اجر نفسه ثمان سنين على عفة فرجه وطعام بطنه. (مسئلة) : - بهذه الاية والحديث استدل الفقهاء على انه من نكح امراة على ان يرعى الزوج غنمها جاز حيث ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة موسى من غير بيان نفيه فى شريعتنا وبه قال ابو حنيفة رحمة الله فى رواية ابن سماعة عنه ولا يجوز ذلك عند ابى حنيفة فى رواية الأصل والجامع وجه قول ابى حنيفة ان الاستدلال بهذه الاية والحديث المذكور فى هذه المسألة لا يجوز الا إذا ثبت كون العتم ملكا للبنت للاجماع على ان المهر فى شريعتنا يكون للزوجة لا لوليها والغنم كانت لشعيب عليه السلام فالاجماع دل على ان هذا الحكم كان فى شريعتهم لا فى شريعتنا وقد ذكرنا هذه المسألة فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ... وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ بالزام تمام العشرة او المناقشة فى مراعات الأوقات واستيفاء الأعمال- المشقة مشتقة من الشق بمعنى الفرق فان ما يصعب عليك يشق اى يفرق عليك اعتقادك فى اطاقته ورأيك فى مزاولته سَتَجِدُنِي «ابو جعفر- ابو محمد» قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قال عمر فى حفظ الصحبة والوفاء بما قلت وهذه الجملة تأكيد لقوله ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ والمراد بالاشتراط بمشية الله فيما وعد من الصلاح الاتكال على توفيقه فيه ومعونته وعدم الاتكال على نفسه لا التردد فى الوعد.. قالَ موسى ذلِكَ الشرط ثابت بَيْنِي وَبَيْنَكَ مما شرطتّ علّى فلك وما شرطتّ لى من تزويج إحداهما فلى أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ اىّ منصوب بقضيت وما زائدة مؤكدة للابهام والمعنى اى الأجلين أطولهما او اقصرهما قَضَيْتُ اى وفيتك فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ جزاء لما تضمن ايّما معنى الشرط والجملة الشرطية بدل من قوله ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يعنى لا تعتدى علّى بطلب الزيادة فكما لا أطالب

بالزيادة عند قضاء عشر سنين كذلك لا أطالب بالزيادة عند قضاء ثمان- او فلا أكون معتديا بترك الزيادة عليه كقولك لا اثم علىّ وهو ابلغ فى اثبات الخيرة وتساوى الأجلين فى القضاء من ان يقال ان قضيت الا قصر فلا عدوان على وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ من المشارطة وَكِيلٌ قال ابن عباس فيما بينى وبينك والجملة حال ممّا سبق والوكيل هو من وكل اليه الأمر واستعمل هاهنا موضع الشاهد والرقيب ولذلك عدى بعلى وروى شداد بن أوس مرفوعا بكى شعيب النبي صلى الله عليه واله وسلم حتى عمى فرد الله بصره ثم بكى حتى عمى فرد الله بصره فقال الله ما هذا البكاء اشوقا الى الجنة أم خوفا من النار فقال لا يا رب ولكن شوقا الى لقائك فاوحى الله اليه ان يكن ذلك فهنيئا لك لقائى يا شعيب لذلك اخدمتك موسى- ولمّا تعاقدا هذا العقد بينهما امر شعيب ابنته ان تعطى موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه واختلفوا فى تلك العصا قال عكرمة خرج بها آدم من الجنة فاخذها جبرئيل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقى بها موسى ليلا فدفعها اليه. وقال آخرون كانت من أس الجنة حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء وكان لا يأخذها غير نبى الا كلمته فصار من آدم الى نوح ثم الى ابراهيم ثم وصلت الى شعيب وكانت عصا الأنبياء عنده فاعطاها موسى. وقال السدى كانت تلك العصا أودعها ملك فى صورة رجل فامر ابنته ان تأتيه بعصا فاتته بها فلما راها شعيب قال لها ردى هذه العصاء واتيه بغيرها فالقتها وأرادت ان تأخذ غيرها ولا تقع فى يدها الا هى حتى فعلت ذلك ثلاث مرات فاعطاها موسى فاخرجها موسى معه ثم ان الشيخ ندم وقال كانت وديعة فذهب فى اثره وطلب ان يرد العصا فابى موسى ان يعطيه وقال هى عصاى فرضيا ان يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما فاتاهما ملك فى صورة رجل فحكم ان يطرح العصا فمن حملها فهى له فطرح فعالجها ليأخذها فلم يطقها فاخذها موسى فرفعها فتركها له الشيخ- ثم ان موسى لما أتم الاجل وسلّم شعيب ابنته قال موسى للمرءة اطلبى من أبيك ان يجعل لنا بعض الغنم فطلبت من أبيها فقال شعيب لكما كلما ولدت هذا العام على غير شيتها «كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره. منه رح» قيل أراد شعيب ان يجازى موسى على حسن رعيته إكراما له ووصلة لابنته فقال انى قد وهبت لك من الجدايا التي تضع اغنامى هذه السنة كل أبلق وبلقاء فاوحى

[سورة القصص (28) : آية 29]

الله الى موسى فى المنام ان اضرب بعصاك الماء الذي فى مسقى الأغنام فضرب بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحد منها الا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم شعيب ان ذلك رزق ساقه الله عز وجلّ الى موسى فامره فوفى له بشرطه وسلم الأغنام اليه-. فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ اى أتمه وفرغ منه روى البغوي عن سعيد بن جبير قال سالنى يهودى من اهل الحيرة اىّ الأجلين قضى موسى قلت لا أدرى حتى اقدم على خبر العرب فاسئله فقدمت فسالت ابن عباس فقال قضى أكثرهما واطيبهما ان رسول الله إذا قال فعل- قال البغوي روى ابو ذر إذا سئلت اىّ الأجلين قضى موسى فقل خيرهما وأبرهما- رواه البزار وقال مجاهد لما قضى موسى الاجل مكث بعد ذلك عند صهره عشرا اخر فاقام عنده عشرين سنة ثم استأذنه فى العود الى مصر فاذن له فخرج الى مصر وَسارَ بِأَهْلِهِ حتى إذا بلغ برية قريبا من طور سيناء فى ليلة مظلمة شديدة الشتاء وأخذ امرأته الطلق آنَسَ اى ابصر مِنْ جانِبِ الطُّورِ اى من جهة التي تلى الطور ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا مكانكم وجمع الضمير ان صح ان لم يكن معه غير امرأته لما كنى عنها بالأهل إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون باسكانه آنَسْتُ ناراً الجملة فى مقام التعليل لامكثوا لَعَلِّي قرا الكوفيون بإسكان الياء والباقون بفتحها آتِيكُمْ مِنْها اى من النار لاجل اضاءتها الطريق بِخَبَرٍ الطريق وكان قد أخطأ الطريق أَوْ جَذْوَةٍ قرأ عاصم بفتح الجيم «وخلف- ابو محمد» وحمزة بضمها والباقون بكسرتها ثلاث لغات قال البغوي قال قتادة ومقاتل هى العود الذي قد احترق بعضها وجمعها جذى وفى القاموس الجذوة مثلثة القبسة من النار والجمرة مِنَ النَّارِ اى نتخذه من النار ومن للابتداء او للتبعيض وقال البيضاوي هى عود غليظ سواء كان فى راسه نارا ولم يكن ولذلك بينه بقوله من النار فمن للبيان لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ اى نستدفؤن بها.. فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ اى جانب الْوادِ الْأَيْمَنِ اى الوادي الذي عن يمين موسى فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ متعلق بنودى يعنى مباركة لموسى حيث

[سورة القصص (28) : آية 31]

كلمه الله تعالى هناك وبعثه نبيّا وقال عطاء يريد المقدسة مِنَ الشَّجَرَةِ بدل اشتمال من الشاطئ لانها كانت نابتة على الشاطئ قال ابن مسعود كانت شجرة اخضر تبرق وقال قتادة ومقاتل والكلبي كانت عوجة وقال وهب من العليق وعن ابن عباس انها العذب أَنْ مفسرة لنودى يا مُوسى إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وقال فى طه انّى انا ربّك وفى النمل انّه انا الله العزيز الحكيم والمقصود واحد فهو اما رواية بالمعنى او ذكر الله سبحانه فى المحكي بالصفات المذكورة كلها واقتصر فى الحكاية على بعضها كما اقتصر على بعض ما تكلم به فى كل موضع فانه ذكر فى طه فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً إلخ وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى وقال فى النمل بورك من فى النّار ومن حولها وسبحان إلخ. وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها عطف على محذوف تقديره فالقاها فصارت ثعبانا واهتزت فلمّا راها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ يعنى كانها حية صغيرة فى سرعة حركتها وشدة اضطرابها وَلَّى مُدْبِراً هاربا منها وَلَمْ يُعَقِّبْ اى لم يرجع فنودى يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ عن المخاوف فانّه لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ-. اسْلُكْ اى ادخل يَدَكَ فِي جَيْبِكَ اى جيب قميصك تَخْرُجْ مجزوم فى جواب الأمر بَيْضاءَ حال من المفعول المحذوف لتخرج اى تخرجها بيضاء ذات شعاع مِنْ غَيْرِ سُوءٍ متعلق ببيضاء وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ قرأ الكوفيون غير حفص واهل الشام بضم الراء وسكون الهاء وحفص بفتح الراء وسكون الهاء والباقون بفتحهما وكلها لغات بمعنى الخوف قال عطاء عن ابن عباس امره الله ان يضم يده اليه ليذهب عنه الخوف وقال ما من خائف بعد موسى الا إذا وضع يده على صدره زال خوفه وقال مجاهد كل من فزع فضم جناحيه اليه ذهب عنه الفزع والجناح اليد كلها وقيل العضد وقيل المراد من ضم الجناح السكون والتجلد والثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر فانه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمان ضمهما اليه قال البغوي اى اسكن روعك واخفض عليك جانبك لان من شأن الخائف ان يضطرب قلبه ويرتعد بدنه ومثله قوله تعالى وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وقوله تعالى وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ يريد

[سورة القصص (28) : آية 33]

رفق بهم وقال الفراء أراد بالجناح عصا معناه اضمم إليك عصاك وقيل الرهب الكم بلغة حمير قال الأصمعي سمعت بعض العرب يقول أعطني ما فى رهبك اى ما فى كمك معناه اضمم إليك يدك مخرجا من الكم لانه تناول العصا ويده فى كمه حين قال له الله تعالى خُذْها وَلا تَخَفْ والظاهر عندى ان هذا عطف تفسيرى لقوله اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ واضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ اى أدخلها فى جيبك والغرض من التكرير ترتب الامرين عليه أحدهما التجلد وضبط النفس ودفع الخوف واظهار الجراءة وهو المراد بقوله اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ اى يديك المبسوطتين اللتين تتقى بهما الحية فى جيبك من الرهب اى من أجل دفع الرهب وثانيهما ظهور معجزة اخرى وهو المراد بقوله تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ويدل على هذا قوله تعالى فى سورة طه وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ... آيَةً أُخْرى ... فَذانِكَ اشارة الى العصا واليد قرأ ابن كثير وابن عمرو بتشديد النون والباقون بتخفيفها بُرْهانانِ اى حجتان قال فى القاموس البرهان بالضم الحجة وبرهن عليه اقام البرهان فهو فعلال وقيل هو فعلان من البرة يقال بره الرجل إذا ابيض ويقال برهاء وبرهرهة للمرءة البيضاء وفى القاموس ابره اتى بالبرهان او بالعجائب وغلب الناس مِنْ رَبِّكَ اى كائنان من ربك صفة لبرهانان إِلى فِرْعَوْنَ متعلق بمحذوف اى مرسلا بهما الى فرعون وَمَلَائِهِ فهو صفة بعد صفة لبرهانان او استيناف متعلق بمحذوف اى اذهب بهما الى فرعون وملائه إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فى مقام التعليل اى لانهم كانوا أحقاء بان يرسل إليهم. قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ضمير المفعول محذوف اى يقتلونى. وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً وانما قال لعقدة كانت فى لسانه من وضع الجمرة فى فيه فَأَرْسِلْهُ يعنى هارون مَعِي قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها رِدْءاً اى معينا يقال اردأته اى أعنته حال من الضمير المنصوب وهو فى الأصل اسم مايعان به كالدفء. قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح «1» الدال من

_ (1) قرأ نافع وابو جعفر بنقل حركة الهمزة على الدال فنافع وصلا بالتنوين ووقفا بالألف بدل التنوين وابو جعفر فى الحالين بالألف 12 ابو محمد عفا الله عنه-

[سورة القصص (28) : آية 35]

غير همزة والباقون بإسكان الدال والهمزة وحمزة على مذهبه فى الوقف يُصَدِّقُنِي قرأ عاصم وحمزة بالرفع صفة لردا اى ردا مصدقا لى وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الدعاء والضمير المرفوع عائد يعنى ان أرسلته معى يصدقنى بتقرير الحجة وازاحة الشبهة وفصاحة اللسان وقيل المراد تصديق القوم لتقريره وتوضيحه لكنه أسند اليه الفعل اسناده الى المسبب وقال مقاتل الضمير المرفوع عائد الى فرعون والمعنى ان أرسلت معى هارون يصدقنى فرعون بحسن تقرير هارون إِنِّي قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قرأ الجمهور بحذف الياء وأثبتها «ويعقوب فى الحالين- ابو محمد» ورش فى الوصل فقط يكذبونى يعنى فرعون وقومه حيث لا يطاوعنى لسانى عند المحاجة. قالَ الله تعالى سَنَشُدُّ عَضُدَكَ اى سنقويك فان شدة العضد مستعار للتقوية فان قوة الشخص بشدة اليد على مزاولة الأمور ولذلك يعبر عنه باليد وشدتها بشدة العضد بِأَخِيكَ اى بإرسال أخيك هارون معك وكان هارون يومئذ بمصر وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً اى غلبة او حجة فَلا يَصِلُونَ اى فرعون وقومه إِلَيْكُما بمكروه بِآياتِنا متعلق بمحذوف اى اذهبا باياتنا او بنجعل يعنى نجعل لكما بايتنا اى بالمعجزات التي نعطيكما سلطانا على الأعداء او بمعنى لا يصلون والمعنى نمتنعون اى فرعون وقومه بايتنا اى بسبب المعجزات او قسم جوابه لا يصلون او بيان للغالبون فى قوله تعالى أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ بمعنى انه صلة لما بنيه او صلة له على ان اللام فيه للتعريف لا بمعنى الذي.. فَلَمَّا جاءَهُمْ معطوف على محذوف تقديره فجاء موسى الى فرعون وقومه بالآيات البينات وهى العصا واليد فلما جاءهم مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا اى العصا ونحوه إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً اى مختلق لم يفعل قبله مثله او سحر يعمله موسى ثم يفتريه على الله او سحر موصوف بالافتراء كسائر انواع السحر وَما سَمِعْنا بِهذا السحر او دعاء النبوة فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ كائنا فى ايامهم. وَقالَ مُوسى رَبِّي قرأ «ابو جعفر- ابو محمد» نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعْلَمُ منكم بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ فيعلم انى محق وأنتم مبطلون تجحدون بالحق بعد وضوح الآيات وبعد ما استيقنت به أنفسكم ظلما وعلوّا معطوف على قالوا والمراد حكاية القولين حتى ينظر فيهما فيميز

[سورة القصص (28) : آية 38]

الصحيح من الفاسد وقرأ ابن كثير قال موسى بغير واو العطف كذلك هو فى مصاحفهم لانه فى جواب كلامهم فهو استيناف فى جواب ما قال موسى فى جواب قولهم وَمَنْ تَكُونُ قرأ حمزة «وخلف ابو محمد» والكسائي بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية لكون المسند اليه مؤنثا غير حقيقى يجوز فيه الأمران لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ عطف على من جاء بالهدى يعنى اعلم بمن تكون له عاقبة محمودة فى الدار الاخرة وقال البيضاوي المراد بالدار الدنيا وعاقبتها الاصلية هى الجنة لان الدنيا خلقت مزرعة للاخرة مجازا إليها والمقصود منها الثواب والعقاب انما قصد بالعرض وقال المحققون العقبى والعاقبة يطلفان على ما يعقب الحسنات من الثواب- والعقاب والعقوبة والمعاقبة يختص بما يعقب السيّئات ويترتب عليها من العذاب قال الله تعالى خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً وقال لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ وفَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ وقال الله تعالى فَحَقَّ عِقابِ وقال شديد العقاب وقال وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ يعنى لا يفوزون بالهدى فى الدنيا وحسن الثواب فى الاخرة. وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي نفى علمه باله غيره دون وجوده إذ لم يكن عنده ما يقتضى الجزم بعدمه ولذلك قال فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ وهو كان وزير فرعون قال له فاطبخ لى الاجر قيل هو أول من اتخذ الاجر وبنى به عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً قصرا عاليا فان التنكير للتعظيم لَعَلِّي قرأ الكوفيون «ويعقوب- ابو محمد» بإسكان الياء والباقون بفتحها أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى توهم انه لو كان لكان فى السماء ويمكن الترقي اليه وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ يعنى موسى عليه السلام مِنَ الْكاذِبِينَ فيما يقولون ان للارض والسماء خالقا كان فرعون دهريا لم يعتقد وجوب استناد الممكنات الى الواجب ويزعم انه من كان سلطانا متغلبا كان الها مستحقا للعبادة- قال البغوي قال اهل التفسير جمع هامان العملة والفعلة حتى اجتمع خمسون الف بناء سوى الاتباع والاجراء ومن يطبخ الاجر والجص ومن ينجر الخشب ويضرب المسامير فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق أراد الله عزّ وجلّ ان يفتنهم فيه فلمّا فرغوا منه ارتقى فرعون وقومه فامر بنشابة «النشاب النبل الواحدة بها- قاموس منه رح» فرمى بها فى السماء فردت اليه وهى متلطخة دما فقال قد قتلت اله موسى وكان

[سورة القصص (28) : آية 39]

فرعون يصعده على البرازين- فبعث الله جبرئيل حين غروب الشمس فضربه بجناحه وقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم الف الف رجل ووقعت قطعة فى البحر وقطعة فى المغرب ولم يبق من عمل بشئ الا هلك.. وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ اى بغير الاستحقاق فان الاستكبار بالحق لمن لا يكون فوقه كبير ولا مثله ولا دونه وما هو الا الله سبحانه خالق كل ما سواه فهو المتكبر على الحقيقة المبالغ فى الكبرياء ومن ثم قال الله تعالى الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى فى واحد منهما قذفته فى النار رواه احمد وابو داود وابن ماجة بسند صحيح عن ابى هريرة وابن ماجة عن ابن عباس ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابى هريرة بلفظ الكبرياء ردائى فمن نازعنى فى ردائى قصمته- ورواه سمويه عن ابى سعد وابى هريرة بلفظ الكبرياء ردائى والعزّ إزاري فمن نازعنى فى شىء منهما عذبته وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ قرأ نافع ويعقوب وحمزة والكسائي بفتح الياء وكسر الجيم على البناء للفاعل من المجرد والباقون بضم الياء وفتح الجيم على البناء للمفعول من الإرجاع. فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ اى القيناهم فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ احذر قومك عن مثلها. وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً قدوة لاهل الضلال بالحمل على الإضلال او قدوة ورؤساء فى الدنيا بإعطاء المال والجاه يَدْعُونَ الناس إِلَى النَّارِ الى موجباتها من الكفر والمعاصي جملة يدعون صفة لائمة وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ يعنى لا يدفع أحد عنهم عذاب الله تعالى عطف على يدعون. وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً طردا عن الرحمة او لعن اللاعنين يلعنهم الله والملائكة والمؤمنون عطف على جعلنا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ متعلق بمقبوحين هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ اى المبعدين الملعونين قال ابو عبيدة من المهلكين وعن ابن عباس من المشوهين لسواد الوجه وزرقة العين يقال قبحه الله وكذا يقال شوهه الله إذا جعله قبيحا ويقال قبحه قبحا وقبوحا إذا أبعده من كل خير-. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التورية جواب قسم محذوف مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا ما مصدرية الْقُرُونَ الْأُولى قوم نوح وهود وصالح ولوط وغيرهم

[سورة القصص (28) : آية 44]

بَصائِرَ لِلنَّاسِ حال من الكتاب اى حال كونه موجبا للبصائر جمع بصيرة وهى نور فى القلوب يبصر به قلوبهم حقائق الأشياء من الواجب والممكن على ما هى عليه بقدر الطاقة البشرية ويميز الحق من الباطل والرشد من الغى وَهُدىً يهتدوا به الى طريق النجاة وما فيه صلاح المعاش والمعاد وَرَحْمَةً اى حال كون الكتاب سبيلا لنيل رحمة الله ان جعلوا بها او حال كونه مقتضى لرحمة الله الازلية عليهم لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ اى لكى يتذكروا او يكونوا على حال يرجى منهم التذكر فان التذكر والخشية من ثمرات العلم إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ-. وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ من مقام موسى وهو الطور قال قتادة والسدى اى بجانب الجبل الغربي وقال الكلبي بجانب الوادي الغربي عنوا انه ليس من باب اضافة الصفة الى الموصوف بل الموصوف محذوف قال ابن عباس يريد حيث ناجى موسى ربه والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى ما كنت يا محمد حاضرا إِذْ قَضَيْنا اى أوحينا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ بالرسالة الى فرعون وقومه وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ للوحى اليه او على الوحى اليه وهم السبعون الذين اختاره من قومه لميقات ربه- يعنى اخبارك بقصة موسى اخبار بالغيب لا يمكن الاطلاع عليه الا بالوحى فهو معجزة لك وبرهان على دعواك النبوة ولذلك استدرك بقوله. وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً اى رجالا مقارنين فى كل عصر او اهل قرون بحذف المضاف ان كان القرن بمعنى الزمان فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ يعنى ولكنا أوحينا إليك لبعد الفترة واندراس العلوم وتغير الشرائع والاضطراب والتعارض فى الاخبار لما انا انشأنا قرونا مختلفة بعد موسى فتطاولت عليهم المدد ووقع التكاذب والتخالف فيما بينهم فحذف المستدرك وأقيم سببه مقامه- وقال البغوي ان الله قد عهد الى موسى وقومه عهودا فى محمّد صلى الله عليه وسلم والايمان به فلما طال عليهم العمر وخلقت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها فمعنى الاية ما كنت حاضرا حين عهدنا الى موسى فى أمرك ولم يكن ذلك باستدعائك ولكنا فعلنا ذلك تفضلا ابتدائيّا حسما لاعتذار من خالفك إذا نشأنا قرونا فتطاول عليهم نظيره قوله تعالى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ الى قوله أَنْ تَقُولُوا ... إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ وَما كُنْتَ

[سورة القصص (28) : آية 46]

ثاوِياً اى مقيما فِي أَهْلِ مَدْيَنَ كمقام موسى وشعيب فيهم تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا تذكرهم بالوعد والوعيد خبر ثان لكنت او حال من الضمير فى ثاويا قال مقاتل يعنى لم تشهد فى اهل مدين فتقرأ على اهل مكة خبرهم وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ إياك الى اهل مكة وسائر الناس بالمعجزات واخبار المغيبات ولولا ذلك لما تلوت قصصهم على هؤلاء. وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ اى بناحية الجبل الذي كلم الله عليه موسى إِذْ نادَيْنا موسى ان خذ الكتاب بقوّة فالمراد بهذا وقت إعطائه التوراة وبالأول وقت استنبائه وقال وهب قال موسى يا رب أرني محمدا صلى الله عليه وسلم قال انك لن تصل الى ذلك وان شئت ناديت أمته وأسمعتك صوقهم قال نعم يا رب قال الله تعالى يا امة محمد فاجابوا من أصلاب ابائهم وقال ابو زرعة بن عمرو بن جرير نادى يا امة محمد ص قد أجبتكم قبل ان تدعونى وأعطيتكم قبل ان تسئلونى وروى عن ابن عباس قال الله تعالى يا امة محمد فاجابوا من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك قال الله تعالى يا امة احمد ان رحمتى سبقت غضبى وعفوى عقابى قد أعطيتكم من قبل ان تسئلونى وقد أجبتكم من قبل ان تدعونى وقد غفرت لكم من قبل ان تعصونى من جاء يوم القيامة بشهادة ان لا اله الّا الله وان محمدا عبدى ورسولى دخل الجنة وان كان ذنوبه اكثر من زبد البحر وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ اى لكن رحمناك رحمة من ربّك بإرسالك والوحى إليك واطلاعك على المغيبات او أرسلناك او علمناك رحمة من ربك لِتُنْذِرَ متعلق بمحذوف وهو الفعل الناصب لقوله تعالى رحمة يعنى رحمناك وأرسلناك او علمنك لتنذر قَوْماً ما أَتاهُمْ صفة لقوم مِنْ نَذِيرٍ فاعل أتاهم بزيادة من مِنْ قَبْلِكَ والمراد بالقوم اهل مكة لم يبعث نبى بمكة بعد إسماعيل عليه السّلام وكانت دعوة موسى وعيسى وغيرهما فى بنى إسرائيل لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ اى لكى يتذكروا ويتعظوا متعلق بقوله لتنذر. وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ اى عقوبة ونقمة بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ اى بسبب ما أتوا به من الكفر والمعاصي ولما كان اكثر الأعمال بتزاول الأيدي نسبت الأعمال الى الأيدي تغليبا وان كان بعضها من افعال القلوب فَيَقُولُوا منصوب لكونه معطوفا على تصيبهم والعطف بالفاء للسببية المنبهة بان يكون سببا لانتفاء ما يجاب به لولا الامتناعية وانه لا يصدر عنهم هذا القول

[سورة القصص (28) : آية 48]

الا بعد ما أصابهم العقوبة رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ منصوب فى جواب لولا التحضيضية تشبيها له بالأمر تقديره هلا كان منك إرسال رسول إلينا فاتباعا منا آياتِكَ وَنَكُونَ عطف على نتبع مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وجواب لولا الامتناعية محذوفة والمعنى لولا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم ربّنا هلّا أرسلت إلينا رسولا يبلغنا آياتك فنتبعها ونكون من المصدقين لما بعثناك إليهم رسولا وعاقبناهم بكفرهم من غير إنذار سابق على العقاب ولكن بعثناك إليهم قطعا لاعتذارهم وإلزاما للحجة عليهم نظير قوله تعالى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بعد الرّسل. فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ يعنى القران او محمدا صلى الله عليه واله وسلم رسولا مصدقا بالكتاب المعجز مِنْ عِنْدِنا قالُوا يعنى كفار مكة تعنتا واقتراحا لَوْلا هلا أُوتِيَ محمّد صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى من الآيات كالعصا واليد البيضا او الكتاب جملة واحدة وهذه الجملة معطوفة على مضمون جملة سابقة ولكن بعثناك إليهم قطعا لاعتذارهم وإلزاما للحجة فلمّا جاءهم الحق إلخ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ القران الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والواو للعطف على محذوف تقديره الم يكذبوا موسى ولم يكفروا بما اوتى موسى يعنى قد كذّبوا موسى وكفروا بما اوتى موسى من قبل هذا فكيف يطلبون منك مثل ما اوتى موسى يعنى ان أبناء جنسهم فى الرأى والمذهب وهم كفرة زمان موسى كفروا بما اوتى موسى وقال الكلبي لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم اهل مكة الى الإسلام بعثوا رجالا الى أحبار اليهود بالمدينة فسالوهم عن امر محمد صلى الله عليه وسلم فاخبروهم ان نعته فى كتابهم التورية فرجعوا فاخبروهم بقول اليهود فكفروا يعنى اهل مكة بموسى وبما اوتى به قالوا ساحران كذا قرأ اهل الحجاز والبصرة والشام على وزن اسم الفاعل يعنون محمدا وموسى صلى الله عليهما وسلم وقرأ الكوفيون سِحْرانِ بكسر السين واسكان الحاء على المصدر على حذف المضاف او جعلهما سحرين مبالغة او عنوا بالسحرين التوراة والفرقان وعلى قول غير الكلبي قالوا يعنى كفرة زمان موسى ساحران يعنون موسى وهارون تَظاهَرا اى تعاونا يعنى محمدا وموسى بتوافق الكتابين او موسى وهارون وَقالُوا اى كفار مكة او كفار زمن معسى إِنَّا بِكُلٍّ اى بكل منهما او بكل

[سورة القصص (28) : آية 49]

واحد من الأنبياء كافِرُونَ والظاهر قول الكلبي على ما يقتضيه السياق وبدليل قوله تعالى-. قُلْ يا محمد فَأْتُوا يا اهل مكة والفاء فى جواب شرط مقدر يعنى ان كفرتم بالكتابين القران والتورية وقلتم انهما سحران فأتوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما اى مما اوتى محمد وموسى من القران والتورية واضمارهما لدلالة المعنى أَتَّبِعْهُ مجزوم فى جواب الأمر يعنى ان تأتوا باهدى منهما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى دعواكم انهما سحران ومن جاءا بهما ساحران وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله اعنى فأتوا وهذا من الشروط التي يراد بها الإلزام والتبكيت ومجئى حرف الشك التهكم بهم. فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ دعاءك الى الإتيان بالكتاب الاهدى حذف المفعول للعلم به ولان فعل الاستجابة يعدى بنفسه الى الدعاء وباللام الى الداعي فاذا عدى اليه حذف الدعاء غالبا والمعنى انه ان لم يأتوا بكتاب اهدى فَاعْلَمْ انهم الزموا ولم يبق لهم حجة وأَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ إذ لو اتبعوا حجة لا توابها عند الحاجة إليها وَمَنْ أَضَلُّ يعنى لا أحد أضل مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ فى موضع حال للتوكيد او التقييد فان هواء النفس قد يوافق الحق إذا كمل ايمان المرء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يومن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به- رواه البغوي فى شرح السنة عن عبد الله بن عمرو وقال النووي حديث صحيح إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك فى اتباع الهوى-. وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ قال الفراء يعنى أنزلنا آيات القران يتبع بعضها بعضا قال البيضاوي يعنى فى الانزال ليتصل التذكير او فى النظم ليتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصائح بالعبر قال فى المدارك التوصيل تكثير الوصل وتكريره وقال ابن عباس معناه بيّنا قلت يعنى بيّن بعض الكتاب ببعض وقال قتادة وصّل لهم القول فى هذا القران كيف صنع بمن مضى وقال مقاتل بيّنا لكفار مكة بما فى القران من اخبار الأمم الماضية كيف عذبوا بتكذيبهم وقال ابن زيد وصّلنا لهم خبر الدنيا بخبر الاخرة حتى كانهم عاينوا الاخرة فى الدنيا لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ اى لكى يتذكرون

[سورة القصص (28) : آية 52]

متعلق بوصّلنا. اخرج ابن جرير والطبراني عن رفاعة القرظي قال نزلت وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ فى عشرة انا أحدهم- واخرج ابن جرير عن على بن رفاعة قال خرج عشرة رهط من اهل الكتاب منهم رفاعة يعنى أباه الى النبي صلى الله عليه وسلم فامنوا قاوذوا فنزلت. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل من قبل القران هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ اخرج ابن جرير عن قتادة قال كنا نحدث انها نزلت فى أناس من اهل الكتاب كانوا على الحق حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فامنوا به منهم عثمان وعبد الله بن سلام رض وكذا ذكر البغوي وكذا اخرج ابن مردويه عن ابن عباس واخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس ان أربعين من اصحاب النجاشي قدموا فشهدوا وقعة خيبر فكانت فيهم جراحات ولم يقتل منهم- فلمّا راوا ما بالمؤمنين من الحاجة قالوا يا رسول الله انّا اهل ميسرة فائذن لنا نجئى باموالنا نواسى بها المسلمين فانزل الله فيهم الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ- واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال لما اتى جعفر وأصحابه النجاشي أنزلهم واحسن إليهم فلما أرادوا ان يرجعوا قال من أمن من اهل مملكته ايذن لنا فلنخدم هؤلاء فى البحر ونأتى هذا النبي فنحدث به عهدا فانطلقوا وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه أحدا وحنينا وخيبر ولم يصب أحد منهم فقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم ايذن لنا فلنأت ارضنا فان لنا أموالا فتجئ بها فننفقها على المهاجرين فانّا نرى بهم جهدا فاذن لهم فانطلقوا فجاءوا باموالهم وأنفقوها على المهاجرين فانزل الله فيهم الاية- وذكر البغوي عن سعيد بن جبير نحوه قال فانزل الله فيهم الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ الى قوله وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وذكر البغوي عن ابن عباس ان الاية نزلت فى ثمانين من اهل الكتاب أربعون من نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من الشام- ثم وصفهم الله تعالى فقال. وَإِذا يُتْلى يعنى القران عَلَيْهِمْ الظرف متعلق بقوله قالُوا آمَنَّا بِهِ اى بانه كلام الله عطف على يؤمنون إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا استيناف لما أوجب إيمانه إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل نزوله مُسْلِمِينَ مخلصين لله فى التوحيد مؤمنين

[سورة القصص (28) : آية 54]

بمحمد صلى الله عليه وسلم انه نبى وذلك لما بشر به عيسى عليه السلام حيث قال مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ وكان ذكره فى التورية والإنجيل. وهذا استيناف اخر للدلالة على ان ايمانهم به ليس مما أحدثوه حينئذ وانما هو امر تقادم عهده وجاز ان يكون هذه الجملة بيان لقوله آمَنَّا فانه يحتمل البعيد والقريب وبهذه الآية حمل على البعيد واندفع احتمال القريب.. أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ مرة على ايمانهم بكتابهم وبالقران قبل نزوله بشهادة نبيهم وكتابهم ومرة على ايمانهم بالقران بعد نزوله بِما صَبَرُوا اى بصبرهم وبقائهم على الايمان بالقران بعد نزوله كما كان قبل نزوله بخلاف غيرهم من اهل الكتاب الذين كانوا يؤمنون به قبل نزوله ويستفتحون به على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به حسدا ولم يصبروا على الايمان روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى موسى الأشعري رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لهم أجران رجل من اهل الكتاب أمن بنبيه وأمن بمحمد والعبد المملوك إذا ادى حق الله وحق مواليه ورجل كانت عنده امة يطاها فادّبها فاحسن تأديبها وعلمها فاحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ قال ابن عباس يدفعون بشهادة ان لا اله الا الله الشرك وقال مقاتل يدفعون ما سمعوا من الأذى والشتم من المشركين بالصفح والعفو قلت وجاز ان يقال يدفعون عداوة من عاداهم بالإحسان إليهم فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وقيل معناه يدفعون بالطاعة المعصية قال الله تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبع الحسنة السيئة يمحها وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فى سبيل الخير. وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ اى القبيح من القول أَعْرَضُوا عَنْهُ قال البغوي كان المشركون يسبون مؤمنى اهل الكتاب ويقولون (تبّا لكم) تركتم دينكم فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ اى لنا ديننا ولكم دينكم سَلامٌ عَلَيْكُمْ ليس المراد التحيّة ولكنه سلام المتاركة معناه سلمتم منا لا نردكم بالشتم والقبيح لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ اى لا نطلب دين الجاهلين ولا نجب دينكم الذي أنتم عليه قيل معناه لا نطلب صحبة الجاهلين

[سورة القصص (28) : آية 56]

وقيل معناه لا نريد ان نكون من الجاهلين يعنون انه ان صدر منا شتمكم وسبّكم فى مقابلة ما صدر منكم شتمنا فنكون حينئذ مثلكم ونحن لا نريد ذلك نعوذ بالله ان نكون من الجاهلين والجملة الشرطية اعنى إذا سمعوا اللّغو الى آخره معطوف على قوله وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قال البغوي وهذا كان قبل ان يؤمر المسلمون بالقتال قلت وهذا القول من البغوي لا يطابق ما ذكر من سبب نزول الاية فان الاية نزلت امّا فى عبد الله بن سلام وأصحابه وكان إسلامهم بعد الهجرة واما فى اصحاب النجاشي حين قدموا مع جعفر بن ابى طالب وذلك فى غزوة خيبر سنة ست من الهجرة واما فى أربعين من اهل نجران وثمانية من اهل الشام وكل ذلك كان بعد الهجرة بعد ما أمرنا بالقتال والله اعلم- اخرج مسلم وغيره عن ابى هريرة قال رسول الله صلّى الله عليه واله وسلم لعمه ابى طالب قل لا اله الا الله اشهد لك يوم القيامة قال لولا تعير فى نساء قريش يقلن انه حمله على ذلك الجزع لا قررت بها عينك فانزل الله تعالى. إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ هدايته او من أحببته لقرابته وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ هدايته وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ قال مجاهد ومقاتل بمن قدر له الهدى واخرج النسائي وابن عساكر فى تاريخ دمشق بسند جيد عن ابى سعيد بن رافع قال سالت ابن عمر عن هذه الاية إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ فى ابى جهل وابى طالب قال نعم واخرج الشيخان والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية والبيهقي من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن ابى امية بن المشيرة فقال اى عم قل لا اله الا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله فقال ابو جهل وعبد الله بن ابى امية أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد انه بتلك المقالة حتى قال ابو طالب اخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب وابى ان يقول لا اله الا الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستغفرن لك ما لم انه عنك فانزل الله ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الاية وانزل الله فى ابى طالب إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ.

[سورة القصص (28) : آية 57]

اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس ان أناسا من قريش قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم ان نتبعك يتخطفنا الناس فانزل الله. وَقالُوا يعنى اهل مكه عطف على قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى وما بينها اعتراضات إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا قال البغوي نزلت فى الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف انه قال للنبى صلى الله عليه وسلم انا لنعلم ان الّذى تقول حق ولكنا ان اتبعناك خفنا ان تخرجنا العرب من ارض مكة وهو معنى قوله نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا- كذا اخرج النسائي وابن المنذر عن ابن عباس واخرج النسائي عن ابن عباس ان الحارث بن عامر بن نوفل الّذى قال ذلك والاختطاف الانتزاع بسرعة فرد الله عليهم ذلك وقال أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ الاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم نسكنهم بمكة ولم نمكّن لّهم حَرَماً آمِناً وذلك ان العرب فى الجاهلية كان يغير بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضا وكان اهل مكة امنون حيث كانوا لحرمة الحرم ومن المعروف انه كان يأمن فيه الظباء من الدّياب والحمام من الحداة يُجْبى إِلَيْهِ قرأ نافع ويعقوب «وابو جعفر ابو محمد» بالتاء الفوقانية لاجل الثمرات والباقون بالياء التحتانية للحائل بين الاسم المؤنث والفعل ولان التأنيث غير حقيقى اى يجلب ويجمع اليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ من كل جانب رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا فاذا كان هذا حالهم وهم عبدة الا يوثان فكيف يعرضهم للتخويف والتخطف إذا ضموا الى حرمة البيت حرمة التوحيد وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ جهلة لا يَعْلَمُونَ لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعلموا وقيل انه متعلق بقوله مِنْ لَدُنَّا اى قليل منهم يتدبرون فيعلمون ان ذلك رزق من عند الله إذ لو علموا لما خافوا غيره وانتصاب رزقا على المصدر من معنى يجبى فان معناه يرزق رزقا او على الحال من الثمرات لتخصيصها بالاضافة ثم بيّن ان الأمر بالعكس فان الواجب ان يخافوا من بأس الله على ما هو عليه من الكفر والمعاصي بقوله. وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ اى من اهل قرية كانت حالهم كحالكم بَطِرَتْ اى أشرت وطغت وصفت القرية بوصف أهلها يعنى طغى أهلها بنعم الله ولم يشكروها قال عطاء عاشوا فى البطر فاكلوا رزق الله وعصوه وعبدوا الأصنام مَعِيشَتَها منصوب على الظرفية يعنى طغت مدة معيشتها فدمّر الله وخرّب ديارهم فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ خربة وهى حجر وقرى قوم لوط تعليل لما سبق من إهلاك القرى لَمْ تُسْكَنْ حال من مساكنهم والعامل

[سورة القصص (28) : آية 59]

فيه معنى الاشارة مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد ما اهلكوا إِلَّا قَلِيلًا منصوب على المصدرية او الظرفية يعنى الا سكونا قليلا او زمانا قليلا قال ابن عباس لم يسكنها الا مسافرا ومار طريقا يوما او ساعة وقيل معناه لم يبق من يسكنها الا قليلا من شوم معاصيهم وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ إذ لم يخلفهم أحد يتصرف بصرفهم فى ديارهم وسائر متصرفاتهم. وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ اى لم يكن عادته إهلاك الْقُرى الكافر حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها يعنى أكبرها وأعظمها رَسُولًا ينذرهم خص الأعظم ببعثة الرسل فيها لان الرسل يبعث الى الاشراف فان الاتباع يتبعهم فى الايمان والكفر. ومن أجل ذلك كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى هرقل اسلم تسلم والا فعليك اثم الأريسين والاشراف يسكنون المدائن والمواضع التي هى أم ما حولها يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا قال مقاتل يخبرهم ان العذاب نازل بهم ان لم يؤمنوا فيه التفات من الغيبة الى الخطاب وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ بتكذيب الرسل والعتو بالكفر. وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ من زخارف الدنيا فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها تتمتعون وتتزينون بها مدة حياتكم المنقضية وَما عِنْدَ اللَّهِ من الجنة ومراتب قربه تعالى خَيْرٌ فى نفسه من ذلك لانه لذة خالصة وبهجة كاملة وَأَبْقى لانه أبدى أَفَلا تَعْقِلُونَ الاستفهام للانكار والفاء للعطف والتعقيب على محذوف تقديره الا تتفكرون فلا تعقلون. أَفَمَنْ وَعَدْناهُ عطف على قوله وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى والهمزة لانكار تعقيب المعطوف للمعطوف عليه يعنى ابعد هذا التفاوت الجلى جعلتم من وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً اى بالجنة فان حسن الوعد بحسن الموعود فَهُوَ لاقِيهِ اى مدركه لا محالة لامتناع الخلف فى وعد الله سبحانه ولذلك عطف بالفاء المفيدة للسببية كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا المشوب بالآلام المكدر بالمتاعب المستعقب للتحسر على الانقطاع ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ للحساب او العذاب وثم للتراخى فى الزمان او الرتبة قرأ نافع «1» وابن عامر فى رواية والكسائي ثمّ هو بسكون الهاء تشبيها للمنفصل بالمتصل قال قتادة يعنى المؤمن والكافر لا يستويان بل المؤمن احسن حالا قال البغوي وكذا اخرج ابن جرير انه قال مجاهد نزلت فى النبي صلى الله

_ (1) والصحيح قرا قالون عن نافع والكسائي وابو جعفر بخلف عنه ثمّ هو بسكون الهاء إلخ ابو محمد عفا الله عنه

[سورة القصص (28) : آية 62]

عليه وسلم وابى جهل. واخرج من وجعه اخر عنه انها نزلت فى حمزة وابى جهل وقال البغوي قال مقاتل ومحمد بن كعب نزلت فى حمزة او على وفى ابى أجهل وقيل نزلت فى عمار ووليد بن المغيرة. وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ عطف على يوم القيامة او منصوب باذكر فَيَقُولُ الله سبحانه للمشركين أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ اى تزعمونهم فى الدنيا شركائى حذف مفعولى تزعمون لدلالة الكلام عليه قلت لعل المراد بالشركاء رؤساء الكفرة الذين ترك الاتباع عبادة الله واختاروا عبادتهم واتباعهم وتسميتهم شركاء على سبيل الاستهزاء. قالَ الَّذِينَ حَقَّ اى وجب عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ لوجوب مقتضاه والمراد بالقول لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وغيره من آيات الوعيد يعنى قال رؤساء الكفار رَبَّنا هؤُلاءِ اى الاتباع مبتدا خبره الَّذِينَ أَغْوَيْنا الضمير المنصوب العائد الى الموصول محذوف يعنى أغويناهم أَغْوَيْناهُمْ فغووا كَما غَوَيْنا الكاف صفة لمصدر فعل محذوف دل عليه أغويناهم تقديره فغووا غيّا كما غوينا اى مثل ما غوينا وهو استيناف للدلالة على انهم غووا باختيارهم مثل ما غوينا باختيارنا وانا لم نفعل بهم الا وسوسة وتسويلا وتسويلنا وان كان داعيا لهم الى الكفر فقد كان دعاء الله تعالى لهم باقامة الحجج وبعث الرسل وإنزال الكتب اولى بالاتباع من تسويلنا وهذا كقوله تعالى وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الاية ويجوز ان يكون الموصول صفة وأغويناهم الخبر لاجل ما اتصل به من المقدر والملفوظ أعتى فغووا كما غوينا فافاد زيادة على الصفة وهو وان كان فضلة لكنه صار من اللوازم تَبَرَّأْنا منهم ومما اختاروا من الكفر هوى منهم إِلَيْكَ متعلق بتبرّأنا بتضمين معنى التوجه يعنى تبرأنا منهم متوجهين إليك ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ اى ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم وقيل ما مصدرية متصلة بتبرأنا اى تبرأنا من عبادتهم إيانا. وَقِيلَ يعنى للكفار عطف على قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ... ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ لتخلصكم من العذاب والمراد بالشركاء هاهنا الأصنام ونحوها المعبودون بالباطل فَدَعَوْهُمْ من فرط الحيرة او لاجل ما كانوا يزعمون انهم يشفعون عند الله فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ لعجزهم عن الاجابة والنصرة وَرَأَوُا يعنى الكفار الْعَذابَ لانفسهم ولالهتهم لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ جواب لو محذوف تقديره لو انهم يهتدون فى الدنيا لم يروا العذاب والأظهر ان لو للتمنى اى تمنوا انهم كانوا مهتدين. وَيَوْمَ

[سورة القصص (28) : آية 66]

يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ عطف على الاول فانه تعالى يسئلهم اولا سوال توبيخ عن اشراكهم وثانيا عن تكذيبهم الرسل. فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ اى فصارت الانباء عليهم كالعميان لا يهتدى إليهم وأصله فعموا عن الألباء الكنه عكس مبالغة ودلالة على ان ما يحضر الدهر انما يغيض ويرد عليه من خارج فاذا أخطأه لم يكن حيلة الى استحضاره والمراد بالانباء الاعذار فى تكذيب الرسل وقال مجاهد الحجج والمعنى انهم لا يجيبون بشئ ولا يأتون بحجة أم لم يكن عندهم حجة يَوْمَئِذٍ تأكيد لقوله يَوْمَ يُنادِيهِمْ قال البيضاوي وإذا كانت الرسل ينتعنون فى الجواب عن مثل ذلك من الهول ويفوضون الى علم الله تعالى فما ظنك بالكفار وتعدية الفعل بعلى لتضمنه معنى الخفاء فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ اى لا يسئل بعضهم بعضا عن الجواب لفرط الدهشة او العلم بانه مثله. فَأَمَّا مَنْ تابَ من الشرك وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً اى جمع بين الايمان والعمل الصالح فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ عند الله وعسى تحقيق على عادة الكرام او ترجى من النائب والمعنى فليتوقع للفلاح.. وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ من يشاء لما يشاء فاختار محمدا صلى الله عليه وسلم للنبوة من بين سائر الناس قال البغوي نزلت جوابا للمشركين حين قالوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ يعنون الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ الخيرة اسم من الاختيار قائم مقام المصدر ويطلق بمعنى المفعول ايضا يقال محمد خيرة الله من خلقه ومعنى الاية ليس للعباد الاختيار فى ذلك حتى يقولوا لولا أرسل إلينا فلان فهذا بمنزلة التأكيد نما سبق ولذلك خلا من العاطف ويؤيده سياق القصة انها نزلت جوابا لما قال المشركون ويناسبه قوله تعالى سُبْحانَ اللَّهِ اى تنزيها له ان ينازعه أحدا ويزاحم اختياره اختيار غيره وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ اى عن اشراكهم او مشاركة ما يشركونه به وقيل ما فى قوله ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ موصولة فى محل النصب على المفعولية ليختار والعائد محذوف والمعنى وربك يختار ما كان لهم اى للعباد فيه الخيرة اى الخير والصلاح يعنى كان إرسال محمد صلى الله عليه واله وسلم لهم خيرا دون إرسال غيره وعلى هذا التأويل مع ما فيه من التكلف لا حجة المعتزلة على وجوب الأصلح على الله تعالى بل المراد انه يفعل بفصلا ما هو خير لهم غالبا وقيل ما كان لهم الخيرة نفى لاختيار العباد رأسا ودليل على كون العباد مجبورين فى أفعالهم وهذا

[سورة القصص (28) : آية 69]

ايضا باطل إذ لو كان المراد ذلك لنكر الخيرة ولم يورد بلام العهد المشير الى اختيار معين وهو اختيار الرسل كما يدل عليه سبب النزول. وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ كعداوة الرسول وحقده وَما يُعْلِنُونَ كالطعن فيه. وَهُوَ اللَّهُ المستحق للعبادة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا يستحقها غيره تقرير لما سبق لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ لانه الجميل على الإطلاق وجمال غيره مستعار منه هو المولى للنعم كلها عاجلها وأجلها يحمده المؤمنون فى الاخرة كما حمدوه فى الدنيا يقولون الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ ابتهاجا بفضله والتذاذا بحمده لاجل التكليف وَلَهُ الْحُكْمُ القضاء النافذ فى كل شىء قال ابن عباس حكمه لاهل طاعته بالمغفرة ولاهل معصيته بالشقاء وَإِلَيْهِ اى الى حكمه تُرْجَعُونَ بالنشور بعد الموت. قُلْ يا محمد ص أَرَأَيْتُمْ أخبروني يا اهل مكة إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً اى دائما من السرود وهو المبالغة والميم زائدة إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا تطلع عليكم الشمس مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ تطلبون فيه المعيشة ومن للاستفهام للانكار والمعنى لا اله غير الله يأتيكم به قال البيضاوي كان حقه هل اله فذكر بمن على زعمهم ان غيره الهة أَفَلا تَسْمَعُونَ موعظتى سماع تدبرو استبصار. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً بإسكان الشمس فى وسط السّماء إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ استراحة عن تعب الاشغال أَفَلا تُبْصِرُونَ ايتنا ولعله لم يصف الضياء بما يقابل السكون لان الضوء نعمة بذاته مقصودة بنفسه ولا كذلك الليل ولان منافع اليوم اكثر من ان يذكر ولذلك قرن به أفلا تسمعون وبالليل أفلا تبصرون لان استفادة العقل من السمع اكثر من استفادته من البصر. وَمِنْ رَحْمَتِهِ من للسببية متعلق بجعل لكم قدم عليه للحصر جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ اى فى الليل وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ اى من منافع الدنيا والاخرة فى النهار فهو لف ونشر مرتب وقال الزجاج يجوز ان يكون معناه لتسكنوا فيهما ولتبتغوا من فضله فيهما قلت وعلى هذا انما ذكر بالليل والنهار ولم يقل وجعل لكم الزمان لتغائر أنحاء السكون والابتغاء فيهما وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اى لكى تشكروا على نعماء الله تعالى. وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ

[سورة القصص (28) : آية 75]

الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ انهم يشفعون لكم وينجركم من عذاب الله تقريع بعد تقريع للاشعار بانه لا شىء اجلب لغضب الله من الإشراك به وكان الاول توبيخ على اتباعهم رؤساءهم وترك عبادة الله باتباعهم وهذا بيان لفساد رأيهم ورجائهم الشفاعة من الحجارة ونحوها. وَنَزَعْنا اى أخرجنا عطف على يقول على سبيل الالتفات او اعتراض مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يشهد عليهم بما كانوا عليه وهو نبيهم فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ اى حجتكم على صحة ما كنتم تدينون به فَعَلِمُوا حينئذ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ فى الالوهية لا يشاركه فيها أحد وَضَلَّ عَنْهُمْ غاب عنهم غيبة الضائع ما كانُوا يَفْتَرُونَ فى الدنيا من الباطل-. إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى قال البغوي كان ابن عمه لانه كان قارون بن يصهر بن قاهت بن لاوى بن يعقوب عليه السّلام وموسى بن عمران بن قاهت بن لاوى بن يعقوب عليهما السلام كذا اخرج ابن المنذر عن ابن جريح- وقال ابن إسحاق كان قارون عم موسى ع كان أخا عمران وهما ابنا يصهر بن قاهت ولم يكن فى بنى إسرائيل اقرأ للتورية من قارون ولكنه نافق كما نافق السامري وقال جلال الدين المحلى كان ابن عمه وابن خالته فَبَغى عَلَيْهِمْ قيل كان عاملا لفرعون على بنى إسرائيل فكان يبغى عليهم اى يظلمهم وقال الضحاك بغى عليهم بالشرك وقيل بغى عليهم بالكبر والعلو وقيل معناه حسدهم وطلب الفضل عليهم واخرج عبد بن حميد وابن ابى حاتم عن قتادة قال كان قارون ابن عم موسى أخي أبيه وكان قطع البحر مع بنى إسرائيل وكان يسمى «1» من حسن صوته بالتوراة لكن عدو الله نافق كما نافق السامرىّ ما هلكه الله ليغيه وانما بغى الكثرة ماله ولده- لكن قوله تعالى فى سورة المؤمن وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ يدل على ان قارون لم يؤمن بموسى قط لا طاهرا ولا باطنا- قال شهر بن حوشب زاد قارون فى طول ثيابه شبرا عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله الى من جرثوبه خيلأ- رواه البغوي وروى مسلم عن ابى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم ان الله لا ينظر الى من يجر رداءه بطرا وروى احمد والنسائي بسند صحيح عن ابن عباس مرفوعا قال ان الله لا ينظر الى مسبل إزاره وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ اى الأموال المدخرة ما إِنَّ مَفاتِحَهُ اى مفاتح صناديقه جمع مفتح بكسر الميم وهى التي يفتح بها وهذا قول قتادة ومجاهد وجماعة وقيل مفاتحة اى خزائنه

_ (1) هكذا البياض في الأصل.

كما قال الله تعالى وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ اى خزائنه وقياس واحدها الفتح لكن على هذا التأويل قوله تعالى لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ لا يدل على كثرة خزائنه غاية الكثرة فان ما يحمله أربعون من الرجال لا يبلغ غالبا اربع مائة الف درهم. وقال جرير عن منصور عن خيثمة قال وجدت فى الإنجيل مفاتح خزائن قارون وقرستين بغلا ما يزيد مفتاح منها على إصبع لكل مفتاح كنز ويقال ان قارون اين ما ذهب يحمل معه مفاتيح كنوزه وكانت من حديد فلمّا ثقلت عليه جعل من خشب فثقلت عليه فجعلت من جلود البقر على طول إصبع وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلا- وهذه الروايات لا يساعدها القران إذا لعصبة لا يطلق الا على الرجال دون البغال قال البغوي واختلفوا فى العصبة قال مجاهد ما بين العشرة الى خمسة عشر وقال الضحاك عن ابن عباس ما بين الثلاثة الى العشرة وقال قتادة ما بين العشرة الى الأربعين وكذا فى القاموس وقيل سبعون وروى عن ابن عباس رض انه قال كان يحمل مفاتحه أربعون رجلا أقوى ما يكون من الرجال- ومعنى قوله لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ اى تنتقلهم وتميل بهم إذا حملوها لثقلها وقال ابو عبيدة هذا من المقلوب تقديره ما ان العصبة لتنوء بها يقال ناء فلان بكذا إذا نهض به مثقلا والجملة خبر ان وهى مع جملتها صلة ما وهى ثانى مفعولى اتيناه ومن الكنوز حال مقدم عليه إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ ظرف لتنوء لا تَفْرَحْ الفرح السرور وانكشاف الصدر بوجدان المرغوب والفرح المنهي عنه هو البطر بمعنى الطغيان والتكبر عن قبول الحق عند ما يرى نفسه غنيّا قال الله تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى فى القاموس الفرح السرور والنظر وفسر البغوي لا تفرح بقوله لا تبطر ولا مأشر ولا تمرح وانما ذلك لان الفرح بمعنى السرور عند وجدان المرغوب امر طبغى لا اختيار للعبد فيه فلا يتصور عنه النهى. وقال البيضاوي والفرح بالدنيا مذموم مطلقا لانه يحبسه حبها والرضاء بها والذهول عن ذهابها فان العلم بان ما فيها من اللذات مفارقة لا فحاله توجب التبرج ولذلك قال الله تعالى لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وعلل النهى هاهنا بكونه مانعا من محبة الله إيانا فقال إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ بزخارف الدنيا المتكبرين بها غير شاكرين عليها قال بعض المحققين قد ورد ذم الفرح فى مواضع عديدة من القران قال الله تعالى فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما

[سورة القصص (28) : آية 77]

عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وقال وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وقال ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بغير الحق وقال حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا- ولم يرخص فى الفرح الا فى قوله تعالى فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا وقوله وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ. وعندى ان الفرح فى الدنيا بما يفيد فى الاخرة محمود مطلقا ومامور به فى قوله تعالى فَبِذلِكَ فليفرحوا والفرح بلذّات الدنيا ان كان مقرونا بالشكر فمحمود ايضا حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعم الشاكر كالصائم الصابر. والفرح ان كان مقرونا بالطغيان والكفران فمذموم حقّا فالمدح والذم انما يتوجه الى ما يتعلق به الفرح او ما معه من الشكر او الكفران واما نفس الفرح والسرور بدرك المرغوب فامر طبعى لا اختيار للعبد فيه فلا يتوجه اليه التكليف غير انه إذا أحب العبد الله صادقا لا يفرح الا بما يرضى به ربه ولا يحب الله الا من يحبه فلا يحب الله من يفرح بمرغوبه من حيث هو مرغوبه لا من حيث هو مرغوب ربه والله اعلم-. وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ من نعماء الدنيا الدَّارَ الْآخِرَةَ يعنى الجنة بان تقوم بشكرها وتنفقها فى مرضاة الله وَلا تَنْسَ اى لا تترك ترك المنسي نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا يعنى ما تحصل بها آخرتك فان حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا ان يعمل للاخرة فان الدنيا مزرعة الاخرة كذا قال مجاهد وابن زيد وقال السدى نصيبك من الدنيا الصدقة وصلة الرحم وقال على رضى الله عنه لا تنس صحتك وقوتك وشبابك وغناك ان تطلب الاخرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك- رواه الحاكم والبيهقي بسند صحيح واحمد فى الزهد وروى البغوي وابن حبان وابو نعيم فى الحلية عن عمر بن ميمون الأودي مرسلا نحوه وقال الحسن أمران يقدم الفضل ويمسك ما يغنيه يعنى ما يكفيه وقال منصور بن زاذان لا تنس نصيبك من الدنيا قوتك وقوة أهلك وَأَحْسِنْ الى عباد الله كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ او احسن عبادة الله بدوام الذكر والشكر والطاعة كما احسن الله إليك بانعام متواتر غير منقطع بحيث لا تعدو لا تحصى وَلا تَبْغِ اى لا تطلب الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ قال البيضاوي نهى له مما كان عليه من الظلم والبغي وقال البغوي كل من عصى الله فقد طلب الفساد فى الأرض إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ بسوء أعمالهم..

[سورة القصص (28) : آية 78]

قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ الظرف منصوب على الحال من الضمير المرفوع عِنْدِي قرا نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وابن كثير بخلاف عنه وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها ظرف مستقر صفة لعلم او لغو متعلق باوتيته كقولك هذا عندى اى فى ظنى واعتقادي وفيه رد لقولهم أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ يعنى لم يحسن الىّ الله من غير استحقاق منى تفضلا محضا حتى يجب علىّ شكره والإحسان الى عباده بل أوتيت الجاه والمال والتفوق على الناس حال كونى على علم كائن عندى او فى اعتقادي- قيل المراد به علم الكيميا قال سعيد بن المسيب كان موسى يعلم الكيميا فعلّم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلّم كالب بن يوقنّا ثلثه وعلّم قارون ثلثه فخذعهما قارون حتى أضاف علمهما الى علمه وكان ذلك سبب أمواله- وقيل عَلى عِلْمٍ عِنْدِي بالصرف فى التجارات والزراعات وانواع المكاسب قال سهل ما نظر أحد الى نفسه فافلح والسعيد من صرف بصره عن أفعاله وأقواله وفتح له سبيل رؤية منة الله فى جميع الافعال والأقوال والشقي من زين فى عينيه أقواله وأفعاله وأحواله فافتخر بها وادعاها لنفسه فسوف يهلك يوما كما خسف بقارون لما ادعى لنفسه فضلا أَوَلَمْ يَعْلَمْ جملة معترضة والاستفهام للتعجب والتوبيخ والواو للعطف على محذوف تقديره الم يتفكر قارون ولم يعلم أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً ولو علم ذلك لما اغتر بماله ولم تتكبر ولو علم ان الله هو المهلك فهو المعطى وهو المانع لا اله غيره ولا استحقاق لاحد عليه وفيه رد لا دعائه العلم وتعظمه به بنفي هذا العلم الحلي فان الله قد أهلك عاد للاولى وكان أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً فان شداد بن عاد ملك الأرض كلها وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ فانه تعالى مطلع عليها لا يحتاج الى السؤال والاستعلام فيعاقبهم فى الدنيا باهلاك وفى الاخرة بإدخال النار- لمّا هدوا لله قارون بذكر إهلاك من كان قبله ممن كانوا أقوى منه واغنى أكد ذلك بانه لم يكن ذلك ما يخصهم بل الله مطلع على ذنوب المجرمين كلهم متقدميهم ومتاخريهم معاقبهم عليها لا محالة قال قتادة يدخلون النار بغير سوال ولا حساب وقال مجاهد يعنى لا يسئل الملائكة عنهم لانهم يعرفونهم بسيماهم وقال الحسن لا يسئلون سوال استعلام بل يسئلون سوال تقريع وتوبيخ. فَخَرَجَ قارون يوم اعطف

[سورة القصص (28) : آية 80]

على قال عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال ابراهيم النخعي خرج هو وقومه فى ثياب خضر وحمرو قال ابن زيد خرج فى سبعين الف عليهم المعصفرات وقال مجاهد خرج على براذين بيض عليها سروح الأرجوان عليهم المعصفرات وقال مقاتل خرج على بغلة شهباء عليها سروح من ذهب عليه الأرجوان ومعه اربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلاث مائة جارية بيض عليهن الحلي والثياب الحمر على البغال الشهب قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا على ما هو عادة الناس فى الرغبة فى الدنيا يا لَيْتَ يعنى يا قوم ليت لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ تمنوا مثله لا عينه حذرا من الحسد وذلك لما كان بنوا إسرائيل مؤمنين إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ من الدنيا تعليل للتمنى. وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بما وعد الله للمومنين فى الاخرة للذين تمنوا كذا قال مقاتل وقال ابن عباس هم الأحبار من بنى إسرائيل وَيْلَكُمْ الويل مصدر بمعنى الهلاك منصوب على المصدرية يعنى هلكتم هلاكا او على المفعولية تقديره ألزمكم الله هلاكا فهو فى الأصل دعاء استعمل للزجر عما لا يرتضى ثَوابُ اللَّهِ فى الآخرة خَيْرٌ مما اوتى قارون بل من الدنيا وما فيها لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً متعلق بخير او بثواب الله يعنى ثواب الله لمن أمن خير او متعلق ب قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعنى قالوا ذلك لمن أمن وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ كلام مستأنف او حال من الضمير فى خير والضمير للكلمة التي تكلم بها الأحبار او للثواب فانه بمعنى المثوبة او للجنة او للايمان والعمل الصالح فانهما فى معنى السيرة والطريقة يعنى لا يتاتى تلك الكلمة او الثواب او الجنة او السيرة الا الصابرون على الطاعات وعن المعاصي الزاهدون فى الدنيا. فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ اى أعوان يفئى إليهم الرجل عند المصيبة الفاء للتعليل يَنْصُرُونَهُ فيدفعون عنه عذاب الله مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ اى الممتنعين مما نزل به من الخسف يقال نصره من عدوه فانتصر إذا منعه فامتنع عطف على فما كان- قال اهل العلم بالأخبار كان قارون اعلم بنى إسرائيل بعد موسى وهارون واقرأهم للتورية وأجملهم وأغناهم وكان حسن الصوت فبغى وطغى وكان أول طغيانه وعصيانه ان الله اوحى الى موسى ان يأمر قومه يعلّقوا فى أرديتهم خيوطا اربعة فى كل طرف خيطا اخضر كلون السماء يذكرون به السماء إذا نظروا إليها ويعلمون

اله منزل منها كلامى فقال موسى يا رب أفلا تأمرهم ان يجعلوا أرديتهم خضرا كلها فان بنى إسرائيل تحقر هذه الخيوط فقال له ربه يا موسى ان الصغير من امرى ليس بصغير فاذا هم لم يطيعونى فى الأمر الصغير لم يطيعونى فى الأمر الكبير. فدعاهم موسى وقال ان الله يأمركم ان تعلقوا على أرديتكم خيوطا حضرا كلون السماء لكى تذكروا ربكم إذا رايتموها ففعلت بنوا إسرائيل ما أمرهم به موسى واستكبر قارون فلم يطعه وقال أخا يفعل هذه الأرباب بعبيدهم لكى يتميزوا عن غيرهم وهذا بدو عصيانه وبغير فلمّا قطع موسى ببني إسرائيل البحر جعل الحبورة لهارون وهى رياسة الذبح فكان بنوا إسرائيل يأتون بهديهم الى هارون فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتاكله فوجد قارون من ذلك فى نفسه واتى موسى فقال يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست فى شىء من ذلك وانا اقرأ للتورية لا صبر لى على هذا فقال موسى ما انا جعلتها فى هارون بل الله جعلها له فقال قارون والله لا أصدقك حتى ترينى بيانه فجمع موسى رؤساء بنى إسرائيل فقال هاتوا عصيكم فخرجها والقاها فى القبة التي كان يعبد الله فيها فجعل يحرسون عصيهم حتى أصبحوا فاصبحت عصا هارون قد اهتز لهم ورق اخضر فقال قارون والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر واعتزل قارون موسى باتباعه وجعل موسى يداديه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه فى كل وقت ولا يزيد الا عتوا وتجبرا ومعاداة حتى بنى دارا وجعل بابها من الذهب وضرب على جدرانها صفائح الذهب وكان الملا من بنى إسرائيل يغدون ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه- قال ابن عباس فلمّا نزلت الزكوة على موسى أباه قارون فصالحه عن كل الف دينار على دينار وكل الف درهم على درهم وعن كل الف شاة على شاة وعن كل الف شىء على شىء ثم رجع الى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم يسمح بذلك نفسه فجمع بنى إسرائيل فقال لهم يا بنى إسرائيل ان موسى قد أمركم بكل شىء فاطعتموه وهو الان يريد ان يأخذ أموالكم قالوا أنت كبيرنا فأمرنا بما شئت فقال أمركم ان تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها مجعلا حتى نقذف موسى بنفسها فاذا فعلت ذلك خرج بنو إسرائيل فرفضوه. فدعوها فجعل لها قارون الف درهم وقيل الف دينار وقيل طستا من ذهب وقيل قال أمولك

واخلطك بنسائى على ان تقذنى موسى بنفسك غدا إذا حضر بنوا إسرائيل فلمّا كان من الغد جمع قارون بنى إسرائيل ثم اتى موسى فقال ان بنى إسرائيل ينتظرون خروجك فتأمرهم وتنهاهم فخرج إليهم موسى وهم فى براح من الأرض فقام فيهم فقال يا بنى إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة ومن زنى وله امراة رجمناه حتى يموت- فقال له قارون وان كنت أنت قال وان كنت انا فقال ان بنى إسرائيل يزعمون انك فجرت بفلانة قال ادعوها فان قالت فهو كما قالت فلما ان جاءت قال لها موسى يا فلانة انا فعلت بك ما يقول هؤلاء وعظم عليها وسال بالّذى فلق البحر لبنى إسرائيل وانزل التورية الا صدقت فتداركها الله تعالى فقالت فى نفسها أحدث اليوم توبة أفضل من ان أوذي رسول الله فقالت لا كذبوا ولكن جعل لى قارون جعلا على ان أقذفك بنفسي- فخر موسى ساجدا يبكى ويقول اللهم ان كنت رسولك فاغضب لى فاوحى الله الى موسى انى أمرت الأرض ان تطيعك فمرها بما شئت فقال موسى يا بنى إسرائيل ان الله بعثني الى قارون كما بعثني الى فرعون فمن معه فليلث ومن كان معى فليعتزل فاعتزلوا فلم يبق مع قارون الا رجلان ثم قال موسى يا ارض خذيهم فاخذت الأرض باقدامهم وفى رواية كان سريره وفرشه فاخذته حتى غيبت سريره ثم قال خذيهم فاخذتهم الى الركب ثم قال يا ارض خذيهم فاخذتهم الى الأوسط ثم قال بأرض خذيهم فاخذتهم الى الأعناق وقارون وأصحابه فى كل ذلك يتضرعون يناشده قارون الله تعالى والرحم حتى انه ناشده سبعين مرة وموسى فى كل ذلك لا يلتفت اليه لشدة غضبه ثم قال يا ارض خذيهم فانطبت عليهم الأرض- واوحى الله الى موسى ما اغلظ قلبك له استغاث بك سبعين مرة فلم تغثه اما وعزتى وجلالى لو استغاث بي مرة لاعنته وفى بعض الآثار قال لا اجعل الأرض بعدك طوعا لاحد. قال قتادة خسف به الأرض فهو يتجلجل «1» فى الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قعرها الى يوم القيامة وأصبحت بنوا إسرائيل يتناسقون فيما بينهم ان موسى انما دعا على قارون ليسيد بداره وبكنوزه وبامواله فدعا الله موسى حتى خسف بداره وبكنوزه وأمواله الأرض فذلك قوله تعالى فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما

_ (1) اى يفوض فيها والجلجلة حركة مع صوت. نهايه منه رح

[سورة القصص (28) : آية 82]

كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ. وَأَصْبَحَ اى صاد الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ اى منزلته بِالْأَمْسِ اى منذ زمان قريب يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ هذه اللفظة عند البصريين من وى للتعجب وكأنّ للتشبيه ومعناه ما أشبه الأمران اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ يعنى الأمران سيئان مرتبطان بمشية الله لا لكرامة يقتضى البسط ولا لهو ان يوجب القبض. وقال الخليل وى اسم فعل للتعجب والتندم فان القوم تندموا فقالوا متندمين على ما سلف وكانّ معناه أظن ذلك وأقدره كما يقول كانّ الفرح قد أتاك اى أظن ذلك واقدره- وقال قطرب ويك بمعنى ويلك حذف منه اللام وانّ منصوب بفعل مقدر تقديره ويلك اعلم انّ الله يبسط ويقدر اى يوسع ويضيق وقيل ويكانّ حرف تنبيه بمنزلة الا وعن الحسن انه قال كلمة ابتداء تقديره وان الله وقال مجاهد معناه الم تعلم وقال قتادة الم تر وقال الفراء هى كلمة تقرير كقول الرجل اما ترى الى صنع الله وإحسانه وذكر انه سمع اعرابية تقول لزوجها اين ابنك فقال ويكانّه وراء البيت يعنى اما ترينه وراء البيت لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا فلم يعطنا ما عنينا لَخَسَفَ قرأ حفص ويعقوب بفتح الخاء والسين على البناء للفاعل والعامة بضم الخاء وكسر السين على البناء للمفعول بِنا كما خسف بقارون وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ لنعمة الله او المكذبون برسله وبما وعدوا لهم من ثواب الاخرة- لا يصلح هاهنا معنى ما أشبه فى ويكانّه ويصلح غير ذلك من المعاني-. تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ صفة بعد صفة لتلك اشارة تعظيم كانّه قال تلك الدّار الاخرة التي سمعت خبرها وبلغك وصفها نَجْعَلُها خبر لتلك لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ قال الكلبي ومقاتل اى استكبارا عن الايمان وقال عطاء غلبة وقهرا على الناس وتهاونا بهم وقال الحسن يطلبون الشرف والعز عند ذى السلطان وعن علّى كرم الله وجهه انها نزلت فى اهل التواضع من الولاة واهل القدرة يعنى من كان من الولاة واهل القدرة متواضعا فهو لا يريد علوّا فى الأرض وَلا فَساداً قال الكلبي هو الدعاء الى عبادة غير الله وقال عكرمة هو أخذ اموال الناس بغير حق وقال ابن جريج ومقاتل العمل بالمعاصي وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قال قتادة اى الجنة قلت العاقبة يستعمل فيما يعقب الحسنات ويتاب

[سورة القصص (28) : آية 84]

عليها كما ان العقاب يستعمل فيما يعقب السيئات وتنقم بها. مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها اى عشر اضعافها الى سمع مائة ضعف والى ما شاء الله وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ وضع المظهر موضع المضمر تهجينا لحالهم بتكرير اسناد السيئة إليهم إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى الّا مثل ما كانوا يعملون حذف المثل واقام ما كانوا يعملون مقامه مبالغة فى المماثلة-. إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ يعنى أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل به كذا قال عطاء وقال البغوي قال اكثر المفسرين يعنى انزل عليك القران لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ يعنى الى مكة وقدرده يوم الفتح وانما نكّره لانه فى ذلك اليوم له شأن ومرجعا له اعتداد لغلبة رسول الله وقهره اعداء الله وظهور الإسلام وذل الشرك وهى رواية العوفى عن ابن عباس وهو قول مجاهد قال القتيبي معاد الرجل بلده لانه ينصرف ثم يعود الى بلده. ذكر البغوي ان النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من الغار مهاجرا الى المدينة سار فى غير الطريق مخافة الطلب فلمّا أمن ورجع الى الطريق نزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق الى مكة اشتاق إليها فقال له جبرئيل عليه السلام أتشتاق الى بلدك ومولدك قال نعم قال فان الله يقول إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ فرده الله يوم الفتح كذا اخرج ابن ابى حاتم عن الضحاك والاية نزلت بحجفة بين مكة والمدينة وروى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس رض المعاد الموت قلت لانه عود الى الحالة الاصلية قال الله تعالى كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ وقال الزهري وعكرمة يعنى الى القيامة وقيل الى الجنة كانه لما حكم ب إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ أكّد ذلك بوعد المحسنين ووعيد المسيئين ووعده بالعاقبة الحسنى فى الدارين. ولمّا قال كفار مكة للنبى صلى الله عليه وسلم انّك لفى ضلل مبين انزل الله سبحانه قُلْ رَبِّي قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وابو عمرو وابن كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها وروى ابو ربيعة عن قنبل وعن البزي ايضا بالإسكان «فهو غير ماخوذ- ابو محمد» أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وما يستحقه من الثواب والنصر يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم من منصوب بفعل يدل عليه

[سورة القصص (28) : آية 86]

اعلم تقديره ربى اعلم الكائنات يعلم من جاء بالهدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وما يستحقه من العذاب والاذلال يعنى به المشركين وفى هذه الاية تقرير للوعد السابق ولذا عقبه وكذا قوله. وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ اى يوحى إليك الْكِتابُ اى القران إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ قال الفراء الاستثناء منقطع معناه لكن ألقاه ربك رحمة منه ويجوز ان يكون الاستثناء منفصلا مفرغا محمولا على المعنى كانه قال ما القى إليك ربك الكتاب لشئ الا رحمة اى الا لاجل الرحمة فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ بمداراتهم والتحمل عنهم والاجابة الى طلبهم قال مقاتل وذلك حين درعى الى دين ابائه فذكّر الى نعمه ونهاة عن مظاهرتهم على ما هم عليه. وَلا يَصُدُّنَّكَ يعنى كفار مكة عَنْ آياتِ اللَّهِ اى عن قراءتها والعمل بها بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ اى الى معرفته وتوحيده وعبادته وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بمظاهرتهم. وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ هذا وما قبله يقطع اطماع المشركين عن مساعدته لهم لا إِلهَ إِلَّا هُوَ تعليل للنهى كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ يعنى الا ذاته فان ما عداه ممكن هالك معدوم فى حد ذاته لا شىء الا ووجوده مستفاد مستعار منه تعالى قيل معناه كل عمل لغو باطل الا ما أريد به وجهه وجملة كلّ شىء تعليل لَهُ الْحُكْمُ اى القضاء النافذ فى الخلق وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ تردونّ فى الاخرة فيجازيكم بأعمالكم. تمت سورة القصص ويتلوه سورة العنكبوت ان شاء الله تعالى 28 ربيع الاول سنة 146 هجرى.

سورة العنكبوت

سورة العنكبوت مكّيّة وهى تسع وستون اية وقال الشعبي عشر آيات من أولها مدنيّة ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج ابن ابى حاتم عن الشعبي ان ناسا كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة انه لا يقبل منكم اقرار بالإسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين الى المدينة فتبعهم المشركون فردوهم فنزلت فيهم. الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ فكتبوا إليهم انه قد انزل فيكم كذا وكذا فقالوا نخرج فان اتبعنا أحد قاتلنا فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فانزل الله فيهم ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا الاية واخرج ايضا عن قتادة قال نزلت فى ناس من اهل مكة خرجوا يريدون النبي صلى الله عليه وسلم فعرض لهم المشركون فرجعوا فكتب إليهم إخوانهم بما نزل فيهم فخرجوا فقتل من قتل وخلص من خلص فنزل فيهم وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا الاية وذكر البغوي عن ابن عباس قال أراد بالناس الّذين أمنوا بمكة سلمة بن هشام وعياش بن ربيعة والوليد بن الوليد وعمار بن ياسر وغيرهم واخرج ابن سعيد وابن جرير وابن ابى حاتم عن عبيد الله بن عمير قال نزلت فى عمار بن ياسر إذ كان يعذب فى الله احسب النّاس الاية وكذا ذكر البغوي قول ابن جريح وقال قال مقاتل نزلت فى مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب وهو أول من يدعى الى باب الجنة من هذه الامة قلت وهو أول من خرج من المسلمين مبارزا يوم بدر فقتله عامر بن الحضرمي بسهم وكان أول من قتل كذا فى سبيل الرشاد ولمّا جزع عليه أبواه وامرأته

[سورة العنكبوت (29) : آية 3]

انزل الله تعالى فيهم هذه الاية- وقوع الاستفهام بعد الم دليل على استقلاله والمراد بالحسبان الظنّ وهو متعلق بمضمون جملة للدلالة على جهة ثبوتها ولذلك يقتضى مفعولين او ما يسدّ مسدهما كقوله ان يتركوا والاستفهام للانكار والتوبيخ وان يّقولوا تقديره لان يقولوا وهم لا يفتنون حال من فاعل يقولوا والمعنى أظنوا أتركهم غير مفتونين لقولهم آمنّا فالترك اوّل مفعوليه وغير مفتونين من تمامه ولقولهم هو الثاني كقولك حسبت ضربه للتأديب او المعنى احسبوا أنفسهم متروكين غير مفتونين لقولهم أمنا يعنى لا يحسبوا ذلك بل يمتحتهم الله بالمشاق كالمهاجرة والمجاهدة وانواع المصائب فى الأنفس والأموال والأولاد ليتميز المخلص من المنافق والثابت فى الدين من المضطر فيه ولينالوا بالصبر عليها عوالى الدرجات. وذكر البغوي ان الله تعالى أمرهم فى لابتداء بمجرد الايمان ثم فرض عليهم الصلاة والزكوة وسائر الشرائع فشق على بعضهم فانزل الله هذه الاية فالمعنى احسبوا ان يتركوا على مجرد الايمان وهم لا يفتنون بالأوامر والنواهي فان مجرد الايمان وان كان مانعا عن الخلود فى العذاب لكن نيل الدرجات يترتب على وظائف الطاعات ورفض الشهوات. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأنبياء والمؤمنين فمنهم من نشر بالمناشير ومنهم من قتل وابتلى بنوا إسرائيل بفرعون يسومهم سوء العذاب الجملة متصل بقوله احسب او بقوله لا يفتنون يعنى ذلك سنة قديمة جارية فى الأمم كلها فلا ينبغى ان يتوقع خلافه او معترضة لتسلية المؤمنين فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا فى قولهم أمنا معطوف على قوله ولقد فتنّا وفيه التفات من التكلم الى الغيبة وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ الله عالم ازلا ومعنى الاية ليتعلقن علمه حاليا يتميز به الذين صدقوا فى الايمان من الذين كذبوا فيه وينوط به ثوابهم وعقابهم وقيل معناه ليظهرن الله الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلومه وقال مقاتل ليرين الله وقيل لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ اى الكفر والمعاصي فان العمل يعم افعال القلوب والجوارح أَنْ يَسْبِقُونا ان يفوتنا فلا نقدر على الانتقام منهم وان مع صلتها ساد مساد مفعولى حسب معطوف على احسب وأم منقطعة بمعنى بل والهمزة

[سورة العنكبوت (29) : آية 5]

والاضراب لان هذا الحسبان ابطال من الحسبان الاول لان فى الحسبان الاول يقدران لا يمتحن لايمانه وفى هذا ان لا يجازى بمساويه وقالوا الاول فى المؤمنين وهذا فى الكافرين قلت وجاز ان يكون أم متصلة والإنكار ورد على أحد الحسبانين المتردد فيهما بالهمزة وأم والنكرة فى حيز النفي المستفاد من الإنكار يعم فالمعنى كلا الحسبانين باطلان فلا تحسبوا ايها المؤمنون ان لا تمتحنوا بل تمتحنون بالمصائب لتنالوا الدرجات الرفيعة ولا يحسب أعداؤكم ان لا يعذبهم الله فى الدنيا والاخرة بل يعذبهم الله فى الدنيا بايدى المؤمنين وفى الاخرة بعذاب من عنده والحاصل ان المؤمنين يمتحنون بالمصائب ثم يكون الغلبة لهم فى اخر الأمر ساءَ ما يَحْكُمُونَ ما موصولة مرفوعة على الفاعلية او موصوفة منصوبة على التميز من الضمير المبهم المرفوع والمخصوص محذوف اى بئس الذي يحكمونه حكمهم هذه او بئس حكما يحكمونه حكمهم هذا. مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ قال ابن عباس الرجاء بمعنى الخوف اى من يخشى البعث والحساب وعذاب الله وقال سعيد بن جبير من كان يطمع فى ثواب الله قلت وجاز ان يكون المعنى من كان يرجوا رؤية الله فيستدل بهذه الاية ان رؤية الله فى الدنيا غير واقع الا ما قيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم راى ربه ليلة المعراج وكان ذلك خارجا من الدنيا فمن ادعى رؤية الله فى الدنيا برأى العين فقد كذب فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ يعنى أجل لقائه يحذف المضاف ووقته الموعود له لَآتٍ لا محالة قال مقاتل يعنى يوم القيامة لكائن فليبادر الى ما يحقق رجاءه وينجوه عما يخاف عنه وهذا كقوله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ... وَهُوَ السَّمِيعُ لاقوال العباد الْعَلِيمُ. بعقائدهم وأفعالهم وَمَنْ جاهَدَ اعداء الله يعنى الكفار فى الحرب او نفسه فى الكف عن الشهوات المنهية والترفع والصبر على الطاعات والشيطان فى دفع وساوسه عطف على الشرطية السابقة فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ لان منفعته راجعة إليها إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ لا حاجة له الى طاعتهم وانما كلف عبادة رحمة عليهم ومراعاة لمصالحهم الجملة تعليل لما سبق. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ يعنى نذهب سيئاتهم

[سورة العنكبوت (29) : آية 8]

بحسناتهم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر رواه مسلم وقد مر فى تفسير قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ... وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ منصوب بنزع الخافض الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ اى بأحسن أعمالهم وهو الطاعة يعنى لا نضيعها وقيل معناه نعطهم اكثر مما عملوا عشر أمثالها الى سبع مائة ضعف الى ما شاء الله وقيل احسن بمعنى حسن-. وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ الوصية التقدم الى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ بِوالِدَيْهِ حُسْناً أمرناه بإتيان فعل ذا حسن او كانه فى ذاته حسن تفرط حسنه متلبسا ذلك الفعل بوالديه اى يبرهما ويعطف عليهما وقيل معناه ووصّينا الإنسان ذا حسن بان يبرهما اخرج مسلم والترمذي والبغوي وابن ابى حاتم وابن مردويه عن سعد بن ابى وقاص وهو سعد بن مالك ابو إسحاق الزهري أحد العشرة المبشرة رضى الله عنه كان من السابقين الأولين وكان بارّا بامه انه لما اسلم قالت امه وهى حمنة بنت ابى سفيان بن امية بن عبد الشمس (قد امر الله بالبر وفى رواية) قالت ما هذا الّذى أحدثت والله لا اطعم طعاما ولا اشرب شرابا حتى أموت او تكفر وفى رواية حتى ترجع الى ما كنت عليه او أموت فتعير بذلك ابد الدهر يقال قاتل امه فنزلت وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي بإضمار القول اى وقلنا له وان جاهداك لتشرك بي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ بالوهيته عبر عن نفيها بنفي علم بها اشعارا بان ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه وان لم يعلم بطلانه فضلا عما علم بالادلة القطعية بطلانه فَلا تُطِعْهُما فى ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق رواه احمد والحاكم وصححه عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري وفى الصحيحين وسنن ابى داؤد والنسائي عن على رضى الله عنه لا طاعة لاحد فى معصية الله انما الطاعة فى المعروف. قال البغوي ثم انها اى أم سعد مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب وقيل لبثت ثلاثة ايام كذلك فجاء سعد وقال يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت دينى ان شئت كلى وان شئت فلا تأكلى فلمّا أيست منه أكلت وشربت إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ

[سورة العنكبوت (29) : آية 9]

بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالجزاء عليه ونزلت ايضا فى قصة أم سعد التي فى لقمان والتي فى الأحقاف. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ من الأنبياء والشهداء والأولياء اى نجعلهم فى جملتهم ونحشر معهم او فى مدخلهم وهى الجنة والكمال فى الصلاح منتهى درجات المؤمنين ومتمنى أنبياء الله المرسلين فان كمال الصلاح عبارة عن عدم شىء الفساد فى الاعتقاد والأعمال والأخلاق والاشغال عطف على وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ وما بينهما اعتراض- اخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة عن ابن عباس قال كان قوم من اهل مكة قد اسلموا وكانوا يخفون الإسلام فاخرجهم المشركون معهم يوم بدر فاصيب بعضهم فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين فاكرهوا فاستغفر لهم فنزلت إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ الاية فى سورة النساء فكتبوا بها الى من بقي بمكة منهم وانه لا عذر لهم فخرجوا فلحقهم المشركون فردوهم فنزلت. وَمِنَ النَّاسِ عطف على ما سبق ذكر المؤمنين اولا ثم ذكر المنافقين مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ بان عذبهم الكفار على الإسلام جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ الأذى الذي لحقهم من الكفار كَعَذابِ اللَّهِ فى الاخرة اى جزع من عذاب الناس ولم يصبر فاطاع الناس وترك الإسلام كما يترك المسلمون الكفر والمعاصي بخوف عذاب الله فى الاخرة والجملة الشرطية عطف على صلة من قال ابن عباس رض فكتب إليهم المسلمون بذلك فتحزّبوا فقالوا نخرج فان اتبعنا أحد قاتلناه فنزلت ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا الاية فكتبوا بذلك فخرجوا فلحقهم فنجا من نجا وقتل من قتل- واخرج عن قتادة انها نزلت فى القوم الذين ردهم المشركون الى مكة وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ اى فتح وغنيمة للمؤمنين لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ فى الدين جواب قسم محذوف فى اللفظ وفى المعنى جزاء للشرط وهذه الشرطية معطوفة على شرطية سابقه اعنى فاذا أوذي وقيل الاية نزلت فى المنافقين ويؤيده قوله تعالى أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ الهمزة للانكار والواو للحال والإنكار راجع الى الحال والمعنى ليس الحال انهم يقولون ذلك وليس الله

[سورة العنكبوت (29) : آية 11]

لعالم بما فى صدورهم بل الحال ان الله عالم بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ من الإخلاص والنفاق فيجازى المنافقين على نفاقهم او للعطف على مضمون ما سبق يعنى نافقوا ولا يخفى ذلك على الله. وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ جواب قسم محذوف والجملة معترضة وعدا للمؤمنين ووعيدا للمنافقين او معطوف على مضمون انكار نفى علمه تعالى تأكيد له الَّذِينَ آمَنُوا مخلصين وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ فيجازى كلا على حسب ما أضمر قال الشعبي هذه الآيات العشر من أول السورة الى هنا مدنية وما بعدها مكية. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى كفار مكة كذا قال مجاهد لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا قال الكلبي ومقاتل قاله ابو سفيان لمن أمن من قريش اتبعوا ديننا وملة ابائنا عطف على ما سبق من ذكر المنافقين وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ اى ان كان ذاك خطيئة او ان كان ذاك خطيئة ان كان بعث ومواخذة أمروا أنفسهم بالحمل عاطفين على أمرهم بالاتباع مبالغة فى تعليق الحمل بالاتباع والوعد بتخفيف الأوزار عنهم تشجيعا لهم وقال الفراء لفظه امر ومعناه جزاء مجازه ان اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم كقوله تعالى فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ولمّا كان فى كلامهم تشجيعا على الكفر والمعاصي ردّ الله عليهم قولهم وكذبهم بقوله تعالى وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ الجملة حال من فاعل قال إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فى الاخبار بالحمل عنهم المستفاد من قولهم ولنحمل خطاياكم من الاولى للتبيين والثانية مزيدة والتقدير وما هم بحاملين شيئا من خطاياهم. وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ اى أوزار أعمالهم التي عملوا بانفسهم جواب القسم المقدر وهو حكاية قسم لا انشائية فهو خبرية معطوفة على ما هُمْ بِحامِلِينَ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ لما تسببوا له بالإضلال وهو الحمل على المعاصي من غير ان ينقص من أوزار اتباعهم وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ سوال تقريع وتبكيت عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ من الأباطيل التي أضلوا بها-. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ عطف على قوله وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ وفيه التفات من الغيبة الى التكلم فَلَبِثَ عطف على أرسلنا فدل على انه بعد الإرسال فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ طوفان الماء يقال لما طاف بكثرة من سيل ظلام او نحوها طوفان يعنى فغرقوا وَهُمْ

[سورة العنكبوت (29) : آية 15]

ظالِمُونَ بالكفر حال من مفعول أخذهم قال ابن عباس بعث نوح لاربعين سنة وبقي فى قومه يدعوهم الف سنة الا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا وكان عمره الفا وخمسين سنة- أخرجه ابن ابى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردوية وذكره البغوي. وعن وهب انه عاش الفا واربع مائة سنة فقال له ملك الموت يا أطول الأنبياء عمرا كيف وجدت الدنيا قال كدار لها بابان دخلت وخرجت لم يقل تسع مائة وخمسين عاما لان اللفظ اخصر ولان المقصود بيان طول مصابرته على مكايد أمته فكان ذكر الالف افخم. فَأَنْجَيْناهُ يعنى نوحا وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ الذين ركبوها معه من أولاده واتباعه وكانوا ثمانين وقيل ثمانية وسبعين وقيل عشرة نصفهم ذكور ونصفهم إناث وقد مر فى سورة هود وسورة الأعراف تمام القصة وَجَعَلْناها اى السفينة او الحادثة آيَةً لِلْعالَمِينَ يتعظون ويستدلون بما. وَإِبْراهِيمَ عطف على نوح يعنى وأرسلنا ابراهيم او منصوب بإضمار اذكر إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ ظرف لارسلنا اى أرسلناه حين كمل عقله وتم نظره بحيث عرف الحق وامر الناس به او بدل اشتمال منه ان قدّرا ذكر وَاتَّقُوهُ اى خافوا واحذروا عذابه ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مما أنتم عليه تعليل للامر بالعبادة والتقوى إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ جزاؤه محذوف والتقدير ان كنتم تعملون الخير والشر وتتميزون بينهما او كنتم تنظرون بنظر العلم دون نظر التعصب والجدال او كنتم من اولى العلم والتميز لا يخفى عليكم ان ذلكم خير لكم مما أنتم عليه. إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً حجارة لا تضر ولا تنفع وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً منصوب على المصدر اى تكذبون كذبا او تقولون قولا ذا افك فى تسميتها الهة وادعاء شفاعتها عند الله او على العلية اى تخلقونها وتنحتونها للافك او على المفعولية على ان المعنى تخلقون شيئا ذا افك والجملة معترضة لبيان شناعة حالهم وكذا ما بعده او استدلال على شرارة ما هم عليه من حيث انه زور وباطل إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الأوثان وغيرها لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً دليل اخر على شرارة ذلك من حيث انه لا يجدى نفعا ورزقا يحتمل المصدر اى لا يستطيعون ان يرزقوكم ويحتمل ان يراد به المرزوق وتنكيره

[سورة العنكبوت (29) : آية 18]

للتعميم والتحقير اى لا يملكون شيئا من الرزق فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ كله فانه المالك لا غير وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ متوسلين الى مطالبكم مقيدين لما اعطاكم من النعم بشكره مستعدين للقائه بهما فانه إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ حال مقدرة من فاعل اشكروا-. وَإِنْ تُكَذِّبُوا اى تكذبونى فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ رسلا من قبلى فلم يضرهم تكذيبهم إياهم وانما أضر أنفسهم حيث تسبب لمّا حلّ بهم من العذاب فكذا تكذيبكم وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ الذي يزيل الشك يعنى لا يضره تكذيب من كذّبه وليس الواجب عليه هداية الخلق إذ ليس ذلك فى وسعه- هذه الاية وما بعدها الى قوله فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ جاز ان يكون من كلام ابراهيم من جملة قصته وجاز ان يكون اعتراضا بذكر شأن النبي صلى الله عليه وسلم وقريش وهدم مذهبهم والوعيد على سوء صنيعهم توسط بين طرفى القصة من حيث ان مساقها تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بان أباه خليل الله كان فى مثل حالك من مخالفة القوم وتكذيبهم إياه. أَوَلَمْ يَرَوْا قرأ ابو بكر «وخلف- وابو محمد» وحمزة والكسائي بالتاء الفوقانية خطابا والباقون بالياء التحتانية غيبة الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم ينظروا ولم يروا او الواو للحال والإنكار انكار لحال عدم الرؤية عند التكذيب تقديره فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ والحال انهم قد رأوا- كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ اى كيفية بدء خلقهم قلم يعتبروا به خلقهم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم يخرج طفلا ثم يتحول أحوالا حتى يموت ثُمَّ يُعِيدُهُ الى الحيوة بعد الموت معطوف على او لم يروا لا على يبدئ فان الرؤية غير واقعة عليه ويجوز ان يأوّل الاعادة بأن ينشئ فى كل سنة مثل ما كان فى السنة السابقة من النبات والثمار ونحوها فحينئذ يعطف على يبدئ ويجوز ان يعطف على يبدئ ويجعل وقوع الرؤية على ما يدل على إمكان الاعادة رؤية عليها مجازا إِنَّ ذلِكَ الاعادة او ما ذكر من الامرين عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ إذ لا يفتقر فى فعله الى شىء ولا يتعب فيه. قُلْ سِيرُوا حكاية خطاب من الله تعالى لابراهيم عليه السّلام بتقدير القول يعنى قلنا لابراهيم قل سيروا او خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا

[سورة العنكبوت (29) : آية 21]

كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ على اختلاف الأجناس والأحوال ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ كان القياس ان يقول (فانظروا كيف بدا الله الخلق ثمّ ينشئ النّشاة الآخرة) فغيره على هذا النمط لان المقصود اثبات جواز الاعادة- فلمّا قررهم فى الإبداء بانه من الله احتج بان الاعادة مثل الإبداء فمن كان قادرا على الإبداء لا يعجزه الاعادة فكانه قال ثم الذي أنشأ النشأة الاولى هو الذي ينشئ النّشاة الاخرة فللتنبيه على هذا المعنى ابرز الله اسمه وأوقعه مبتدا- قال بعض المحققين ثمّ ينشئ النّشاة الآخرة معطوف على محذوف مفهوم ممّا سبق تقديره قل سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ فقد أنشأ الله النشاة الاولى ثم الله الذي أنشأ النشاة الاولى ينشئ النشاة الاخرة. قرأ ابن كثير وابو عمرو النّشأة بفتح الشين ممدودا هاهنا وفى النجم والواقعة والباقون بإسكان الشين من غير الف ووقف حمزة على وجهين فى ذلك أحدهما ان يلقى الحركة على الشين ثم يسقطها طردا للقياس والثاني ان يفتح الشين ويبدّل الهمزة الفا اتباعا للخط قال الداني ومثله قد يسمع من العرب إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لان قدرته مقتضى ونسبة ذاته الى الممكنات بأسرها سواء فيقدر على النشاة الاخرى كقدرته على الاولى. يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ تعذيبه فى الاخرة بالنار وفى الدنيا بالخذلان او بالحرص او بسوء الخلق او بالاعراض عن الله او اقتراف البدعة وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ رحمته بإدخال الجنة فى الآخرة وفى الدنيا بالتأييد والقناعة وحسن الخلق والإقبال على الله واتباع السنة وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ تردون. وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ربكم عن ادراككم فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ان فزرتم من قضائه بالتواري فى الأرض او الهبوط فى مهاريها او بالتحصن فى السّماء او القلاع الذاهبة فيها وجاز ان يكون ولا فى السماء تقديره ولا من فى السّماء عطفا على اسم ما كقول حسان فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ يحرسكم عن بلاء يظهر فى الأرض او ينزل من السماء ويدفعه عنكم-. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ بدلائل وحدانيته او باياته المنزلة فى كتبه وَلِقائِهِ اى بالبعث أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي اى ييئسون منها يوم القيامة

[سورة العنكبوت (29) : آية 24]

او المراد بالرحمة الجنة وهم آيسون فى الدنيا منها لانكارهم البعث وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ هذه ان كان من كلام ابراهيم فالتقدير قال الله وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وان كان معترضا من الله تعالى فمعطوف على قوله قل سيروا لا على مقولة قل ثم رجع الى قصة ابراهيم فقال. فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ عطف على أرسلنا ابراهيم إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ قال ذلك بعضهم لبعض او قاله واحد منهم وأسند الفعل الى كلهم لرضائهم به فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ معطوف على محذوف تقديره فاتفقوا على تحريقه فقذفوه فى النار فانجاه الله منها بان جعله بردا وسلاما إِنَّ فِي ذلِكَ الانجاء لَآياتٍ هى حفظه من أذى النار وإخمادها مع عظمها فى زمان يسيرو إنشاء روض فى مكانها لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فانهم هم المنتفعون بها-. وَقالَ ابراهيم لقومه عطف على قال يقوم اعبدوا الله إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ مصدر بمعنى المفعول يعنى مودودا او على تقدير المضاف اى سبب مودة قرأ ابن كثير وابو عمرو والكسائي «اى الايس- ابو محمد» ويعقوب بالرفع «بلا موييل- ابو محمد» مضافا الى بَيْنِكُمْ بالجر على انه خبر مبتدا محذوف اى هى مودودة او سبب مودة بينكم يعنى يود بعضكم بعضا ويتواصلون بسبب اجتماعكم على عبادتها- والجملة صفة أوثانا او خبر ان على ان ما مصدرية او موصولة والعائد محذوف وهو المفعول الاول اى انما اتخذتموه من دون الله أوثانا سبب للمودة منكم وقرأ «وروح- ابو محمد» حفص وحمزة مودّة مضافا الى بينكم منصوبا على العلية اى لتتودوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادة الأوثان وأوثانا المفعول الاول لاتخذتم ومفعوله الثاني محذوف اى اتخذتم أوثانا معبودين من دون الله وجاز ان يكون مودة مفعوله الثاني بتقدير مضاف او بتأويلها بالمودودة اى اتخذتم أوثانا سبب المودة بينكم او مودودة وقرأ نافع وابن عامر وابو بكر مودّة منونة ناصبة بينكم منصوبا على ما ذكرنا فى قراءة حفص فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلق بمودة يعنى مودة بينكم تنحصر فى الدنيا وتنقطع بعده ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ حين يكون الاخلّاء بعضهم لبعض عدوّ يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا اى يقع التناكر والتلاعن بين الكفار او بينهم وبين الأوثان والجملة معطوفة

[سورة العنكبوت (29) : آية 26]

على مقولة قال وَمَأْواكُمُ جميعا ايها العابدون والمعبودون النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ يخلصونكم منها. فَآمَنَ عطف على قال لَهُ اى لابراهيم لُوطٌ لكونه معصوما عن تكذيب الأنبياء وهو أول من صدق ابراهيم وكان ابن أخيه هاران وَقالَ ابراهيم إِنِّي مُهاجِرٌ من قومى إِلى رَبِّي اى الى حيث أمرني ربى او الى حيث يتيسّر لى هناك عبادة ربى. او المعنى انى مهاجر من قومى معرض عنهم متوجها الى ربى وهى السفر فى الوطن على اصطلاح الصوفية قال المفسرون هاجر ابراهيم من كوثى (وهو من سواد كوفة) الى حران ثم اتى الشام ومعه لوط وامرأته سارة وهو أول من هاجر «1» فنزل ابراهيم فلسطين ولوط السدوم قالوا كان ابراهيم حين هاجر ابن خمس وسبعين سنة إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الذي يمنعنى من أعدائي الْحَكِيمُ الذي لا يأمرنى الا بما فيه صلاحى. وَوَهَبْنا لَهُ بعد إسماعيل إِسْحاقَ بعد ما ايس من الولادة لكبر سنه وكبر امرأته وكونها عاقرا وَيَعْقُوبَ ولد الولد نافلة وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ اى ابراهيم النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ من التورية والإنجيل والزبور والفرقان وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ على هجرته إلينا فِي الدُّنْيا ج بإعطاء الولد فى غير او انه والذرية الطّيّبة كذا قال السدىّ واستمرار النبوة فيهم وانتماء اهل الملل اليه والثناء والصلاة عليه الى اخر الدهر كذا قالوا- قلت لعل اجره فى الدنيا اللذة فى الذكر والفكر والعبادة لله فوق ما يستلذون بها اهل الدنيا من المستلذات الحسنة نظيره قوله تعالى هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ اى فى عداد الكاملين فى الصلاح عطف على اتيناه اجره فى الدّنيا وغير الأسلوب من الفعلية الى الاسمية للدلالة على استمرار الاخرة دون الدنيا. وَلُوطاً عطف على ابراهيم إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي بالهمزتين على الاستفهام للانكار والتوبيخ والباقون بهمزة واحدة على الخبر لَتَأْتُونَ جواب قسم محذوف الْفاحِشَةَ الفعلة البالغة فى القبح ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ هذه الجملة صفة

_ (1) عن اسماء بنت ابى بكر قالت هاجر عثمان الى الحبشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم انه أول من هاجر بعد ابراهيم ولوط وعن ابن عباس قال اوّل من هاجر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان كما هاجر لوط الى ابراهيم. وعن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان بين عثمان ورقية وبين لوط من مهاجر 12 منه رحمه الله.

[سورة العنكبوت (29) : آية 29]

للفاحشة على طريقة ولقد امر على اللّئيم يسبّنى او حال او مستأنفة لكونه فاحشة. أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ بيان للفاحشه وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وذلك انهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن مرّ بهم من المسافرين فترك الناس الممرّ بهم وقيل معناه تقطعون سبيل النساء بايثار الرجال على النساء وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ اى فى مجالسكم ولا يقال النادي النادي الا لما فيه اهله روى البغوي عن ابى صالح مولى أم هانى بنت ابى طالب رضى الله عنها قالت سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ قلت ما المنكر الذي كانوا يأتون قال كانوا يحذفون اهل الطرق ويسخرون بهم رواه احمد والترمذي وغيرهما قوله يحذفون اهل الطريق اى يرمونهم بالبنادق قال البغوي ويروى انهم كانوا يجلسون فى مجالسهم عند كل رجل منهم قصعة فيها حصى فاذا مر بهم عابر سبيل قيل خذوهم فايّهم أصابه فهو اولى به وقيل كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرنه ثلاثة دراهم ولهم قاض بذلك وقال القاسم بن محمد كانوا يتضارطون فى مجالسهم وقال مجاهد كان يجاهد بعضهم بعضا فى مجالسهم وعن عبد الله بن سلام كان يبزق بعضهم على بعض وعن مكحول قال كان من اخلاق قوم لوط مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء وحل الإزار والصغير والحذف واللوطية فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ عطف على قال إِلَّا أَنْ قالُوا استهزاء ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيما اوعدتنا به من نزول العذاب او فى استقباح تلك الافعال او فى دعوى النبوة المفهوم من التوبيخ. قالَ لوط رَبِّ انْصُرْنِي بانزال العذاب عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ بابتداع الفاحشة واستبانها لما بعدهم وصفهم بذلك مبالغة فى استنزال العذاب واشعارا بانهم أحقاء بان يعجل لهم العذاب-. وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى بالبشارة بالولد والنافلة اعنى إسحاق ويعقوب قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ قرية سدوم والاضافة لفظية لان معناه الاستقبال إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ تعليل لاهلاكهم بإصرارهم وتماديهم فى ظلمهم الذي هو الكفر والمعاصي. قالَ ابراهيم إِنَّ فِيها لُوطاً اعتراض عليهم بان فيها من لم يظلم او معارضة للموجب بالمانع وهو كون النبي بين أظهرهم قالُوا اى

[سورة العنكبوت (29) : الآيات 33 إلى 35]

الرسل وهم الملائكة نَحْنُ أَعْلَمُ منك بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ قرأ حمزة والكسائي بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل وَأَهْلَهُ تسليم لقوله مع ادعاء مزيد العلم وجواب عنه بتخصيص اهل القرية بمن عداه وعدى اهله او تأقيت الإهلاك بإخراجهم عنها وفيه تأخير البيان عن الخطاب وذلك جائز وانما لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة إِلَّا امْرَأَتَهُ زق كانَتْ فى علم الله تعالى مِنَ الْغابِرِينَ الباقين فى العذاب او فى القرية تعليل للاستثناء-. وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ اى الحقه المساءة والغم بِهِمْ اى بسبب الرسل مخافة ان يقصدهم قومه بسوء وان صلة لتأكيد الفعلين واتصالهم وَضاقَ لوط بِهِمْ بسبب الرسل ذَرْعاً تميز من النسبة والذرع الطاقة يقال فلان طويل الذراع اى شديد القوة لان طويل الذراع ينال ما لا يناله قصيرها والمعنى ضاق طاقته بشأنهم وتدبير أمرهم فى الحفظ عن قومه وَقالُوا اى الرسل لما راوا فيه اثر الغم والمساءة لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ على تمكّنهم منّا او لا تخف تمكّنهم منا ولا تحزن باهلاكنا إياهم إِنَّا مُنَجُّوكَ تعليل للنهى قرأ ابن كثير «ويعقوب وخلف ابو محمد» وحمزة والكسائي وابو بكر بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل وموضع الكاف نصب عند الكوفيين ويؤيده عطف وَأَهْلَكَ بالنصب وعند البصريين محل الكاف جر ونصب أهلك بإضمار فعل اى وننجى أهلك او بالعطف على المحل البعيد للكاف فان الاضافة اللفظية فى حكم الانفصال وهو فى الأصل منصوب إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ إِنَّا مُنْزِلُونَ قرأ ابن عامر بالتشديد من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال. عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً اى عذابا سمّى بذلك لانه يقلق المعذب من قولهم ارتجز إذا ارتجس اى اضطرب مِنَ السَّماءِ قال مقاتل الخسف والحصب بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها اى من قريات لوط آيَةً بَيِّنَةً قال ابن عباس هى اثار منازلهم الخزية وقال قتادة هى الحجارة الممطورة التي اهلكوا بها أبقاها الله حتى أدركها أوائل هذه الامة وقال مجاهد هى ظهور الماء الأسود على وجه الأرض وقيل هى حكايتها الشائعة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يتدبرون فى الآيات تدبر ذوى العقول.. وَإِلى مَدْيَنَ متعلق بمحذوف تقديره وأرسلنا الى مدين معطوفا على ولقد أرسلنا

[سورة العنكبوت (29) : آية 37]

نوحا أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ قيل الرجاء هاهنا بمعنى الخوف يعنى خافوا عذاب اليوم الاخر او المعنى افعلوا فعلا ترجون به ثواب الاخرة فاقيم المسبب مقام السبب وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ حال موكدة لعاملها وجاز ان يكون الحال منتقلة والمعنى لا تفسدوا فى الأرض على قصد الإفساد احتراز عما إذا أفسدوا على قصد الإصلاح كالقتل والجرح وتخريب الديار وقطع الأشجار فى حرب الكفار من اهل الحرب. فَكَذَّبُوهُ فى دعوى النبوة فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ الزلزلة الشديدة وقيل صيحة جبرئيل لان القلوب ترجف فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ باركين على الركب ميتين والمراد من دارهم بلدهم او دورهم ولم يجمع للامن من اللبس. وَعاداً وَثَمُودَ منصوبان بإضمار اذكر او فعل دل عليه ما قبله مثل أهلكنا معطوف على قوله فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قرأ حمزة وحفص ويعقوب ثمود غير منصرف على تأويل القبيلة وَقَدْ تَبَيَّنَ مع ما عطف عليه جملة معترضة لَكُمْ يا اهل مكة مِنْ مَساكِنِهِمْ اى بعض مساكنهم او المعنى قد تبين لكم إهلاكهم من مساكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ من الكفر والمعاصي فَصَدَّهُمْ الشيطان عَنِ السَّبِيلِ اى سبيل الّذى بيّن لهم الرسل الموصل الى الجنة وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ قال مقاتل وقتادة والكلبي كانوا معجبين فى دينهم وضلالتهم يحسبون انهم على الهدى والمعنى انهم كانوا عند أنفسهم مستبصرين- وقال الفراء كانوا عقلاء ذوى البصائر متمكنين من النظر والاستبصار لكنهم لم يفعلوا وقيل معناه كانوا مبينين ان العذاب لاحق بهم بأخبار الرسل لكنهم ألحوا حتى هلكوا. وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ معطوفون على عاد قيل قدم قارون لشرف نسبه وفيه اشعار بان الكفر والعصيان من شريف النسب أقبح وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ اى فائتين بل أدركهم امر الله بالتعذيب. من سبق طالبه إذا فاته. فَكُلًّا اى كل واحد منهم منصوب بقوله أَخَذْنا اى عاقبناه بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً اى الريح التي تحمل الحصباء وهى الحصى الضعيف وهم قوم لوط وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ يعنى ثمود ومدين وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ يعنى قارون

[سورة العنكبوت (29) : آية 41]

وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا يعنى قوم نوح وفرعون وقومه وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ اى يعاملهم معاملة الظالم فيعاقبهم بغير جرم إذ ليس ذلك من عادته وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالتعريض للعذاب. مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ يعنى مثل الكفار فيما اتخذوه معتمدا ومتكلا من الأصنام كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ فيما اتَّخَذَتْ بَيْتاً فى الوهن والخوار بل ذاك اوهن فان لهذا حقيقة وانتفاعا ما يعنى مثل دينهم كمثل بيت العنكبوت او المعنى مثل الكفار الذين اتخذوا من دون الله اولياء بالنسبة الى الموحد كمثل العنكبوت بالنسبة الى رجل بنى بيتا من حجر وجصّ والعنكبوت «1» يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث والتاء فيه كتاء الطاغوت ويجمع على عناكيب وعكاب واعكب وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لا بيت اوهن واقل وقاية للحر والبرد منه هذه الجملة حال او مستانفة لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يرجعون الى علم لعلموا ان هذا مثلهم وان دينهم اوهن من ذلك. إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ على إضمار القول اى قل للكفرة انّ الله يعلم ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ قرأ ابو عمرو «ويعقوب- ابو محمد» وعاصم يدعون بالباء على الغيبة حملا على ما قبله من ذكر الأمم والباقون بالتاء للخطاب الى كفار مكة وما استفهامية منصوبة بيدعون فيعلم معلقة منها ومن للتبيين او نافيه ومن مزيدة وشىء مفعول يدعون والكلام تجهيل لهم وتأكيد للمثل او مصدرية وشىء مصدر او موصولة مفعول ليعلم ومفعول يعلم عائده المحذوف والكلام وعيد لهم وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تعليل لما سبق فان من فرط الغباوة اشراك ما لا يعدل شيئا بمن هذا شأنه وان الجماد بالاضافة الى القادر على كل شىء البالغ فى العلم وإتقان الفعل كالمعدوم وان من هذا صفته قادر على مجازاتهم. وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها اى ما يعقل حسن تلك الأمثال وفائدتها إِلَّا الْعالِمُونَ الّذين يتدبرون فى الأشياء على ما ينبغى فيعقلون عن الله سبحانه روى البغوي عن عطاء وابى الزبير عن جابر رض انه تلى هذه الاية وَتِلْكَ

_ (1) عن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت انا وابو بكر العار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب فلا تقتلوهن 12

[سورة العنكبوت (29) : آية 44]

الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ قال العالم من عقل عن الله فعمل بطاعنه واجتنب معصية وكذا روى الثعلبي والواحدي وروى ابو داود بن الحرمي كتاب العقل من طريق الحارث بن اسامة وأورده ابن الجوزي فى الموضوعات. خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ فان المقصود بالذات من خلقها افاضة الخير والدلالة له على ذاته وصفاته كما أشار اليه بقوله إِنَّ فِي ذلِكَ الخلق لَآيَةً دالة على وجود الله تعالى وعلمة وقدرته وإرادته ووحدته وتنزهه عن المناقص لِلْمُؤْمِنِينَ فانهم هم المنتفعون بها.

[سورة العنكبوت (29) : آية 45]

(الجزء الحادي والعشرون) . اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ اى القران تقربا الى الله بتلاوته وتحفظا لاتعاظه وأحكامه واعتبارا بامثاله واستكشافا لمعانيه فان القاري المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لا ينكشف له أول مرة حتى يتمثل لاوامره وينتهى عن مناهيه وَأَقِمِ الصَّلاةَ المفروضة إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى هذه الجملة تعليل للامر باقامة الصلاة عَنِ الْفَحْشاءِ اى ما ظهر قبحه شرعا وعقلا وَالْمُنْكَرِ للانتهاء عن المعاصي من حيث انها تذكر الله وتورث للنفس خشية قال البغوي روى عن انس رضى الله عنه قال كان فتى من الأنصار يصلى الصلوات الخمس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يدع شيئا من الفواحش الا ركبه فوصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان صلاته تنهاه يوما فلم يلبث ان تاب وحسن حاله- وفى مسند إسحاق والبزار وابى يعلى عن ابى هريرة قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم قال ان فلانا يصلى بالليل فاذا أصبح سرق قال ان صلاته تنهاه. قال البغوي قال ابن عباس رض وابن مسعود فى الصّلوة منتهى ومزدجر عن معاصى فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم يزدد صلاته من الله الا بعدا- وقال الحسن وقتادة من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه- وقيل المراد بالصلوة القران كما فى قوله تعالى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ يعنى بالقران فى الصلاة ولا شك ان القران ينهى عن الفحشاء والمنكر- روى البغوي عن جابر قال قال رجل للنبى صلى الله عليه وسلم انّ رجلا يقرأ القران بالليل كله فاذا أصبح سرق قال ستنهى قراءته- وفى رواية قيل يا رسول الله ان فلانا يصلى بالنهار ويسرق باللّيل قال ان صلاته ستردعه وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ قال ابن عطاء ولذكر الله اكبر من ان يبقى معصية والمراد بذكر الله الصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر. وانما غير عنها بالذكر

للتعليل بان اشتمالها للذكر هو السبب لكونها مفضية الى الحسنات ناهية عن السيئات- وقد ورد فى فضل الذكر أحاديث منها حديث ابى الدرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أنبئكم بخير أعمالكم وأذكاها عند مليككم وارفعها فى درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله- رواه مالك واحمد والترمذي وابن ماجة الا ان مالكا وقفه على ابى الدرداء وعن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل اى العباد أفضل وارفع درجة عند الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات قيل يا رسول الله ومن الغازي فى سبيل الله فقال لو ضرب بسيفه الكفار حتى تنكسر وتخضب دما لكان الذاكرون الله كثيرا أفضل منه درجة رواه احمد والترمذي وقال الترمذي حديث غريب وعن عبد الله بن بسر قال جاء أعرابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اى الناس خير قال طوبى لمن طال عمره وحسن عمله قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اى الناس خير قال طوبى لمن طال عمره وحسن عمله قال يا رسول الله اى الأعمال أفضل قال ان تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله- رواه احمد والترمذي وعن ابى هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير فى طريق مكة فمر على جبل يقال له حمدان فقال سيروا هذا حمدان سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات- رواه مسلم وعن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت. متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ملائكة يطوفون فى الطرق يلتمسون اهل الذكر فاذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا الى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم الى السماء قال فيسئلهم ربهم (وهو اعلم بهم) ما يقولون عبادى قال يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجّدونك قال فيقول هل راؤنى قال فيقولون لا والله ما راوك قال فيقول كيف لو راونى قال يقولون لو راوك كانوا أشدّ لك عبادة وأشدّ لك تمجيدا واكثر لك تسبيحا قال فيقول فما يسئلون قالوا يسئلونك الجنة قال يقول هل راوها فيقولون لا والله ما راوها قال يقول كيف لو راوها قال يقولون لو انهم راوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد طلبا وأعظم فيها رغبة قال فلم يتعوذون قال يقولون من النار قال يقول فهل راوها قال يقولون لا والله يا رب ما راوها قال يقول

[سورة العنكبوت (29) : آية 46]

فكيف لوراوها قال يقولون لو راوها كانوا أشد لها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول فاشهدكم انى قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم انما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى جليسهم- رواه البخاري وروى مسلم نحوه وفيه قال يقولون رب فيهم عبد خطاء انما مرّ فجلس معهم قال فيقول ولغفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم- وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا امررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال قال حلق الذكر. رواه الترمذي وروى مسلم من حديث معاوية رض ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال وما اجلسكم هاهنا قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للاسلام ومنّ به علينا قال ان الله عزّ وجلّ يباهى بكم الملائكة- وعن مالك قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ذاكر الله فى الغافلين كالمقاتل خلفه الفارين وذاكر الله فى الغافلين كغصن اخضر فى شجر يابس وذاكر الله فى الغافلين مثل مصباح فى بيت مظلم وذاكر الله فى الغافلين يريه مقعده من الجنة وهو حى وذاكر الله فى الغافلين يغفر له بعدد كل فصيح وأعجم من بنى آدم والبهائم- رواه رزين وعن معاذ بن جبل قال ما عمل آدمي عملا انجاله من عذاب الله من ذكر الله- رواه مالك والترمذي وابن ماجه وعن ابى سعيد شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لا يقعد قوم يذكرون الله الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده ورواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا عند ظن عبدى بي وانا معه إذا ذكرنى فان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وان ذكرنى فى ملاء ذكرته فى ملاء خير منهم متفق عليه وقال قوم معنى قوله تعالى ولذكر الله اكبر لذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه ويروى ذلك عن ابن عباس رض وهو قول مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير قال البغوي ويروى ذلك مرفوعا عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى انه لا تقصروا فى ذكر الله فان ذكركم إياه يفضى الى ذكره إياكم ولذكره إياكم أفضل من ذكركم إياه وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ لا يخفى عليه شىء كذا قال عطاء. وَلا تُجادِلُوا يعنى لا تخاصموا عطف على أقم الصّلوة اى ولا تجادل أنت والمؤمنون أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي اى بالخصلة التي هِيَ أَحْسَنُ الخصال يعنى بالقرءان والدعاء الى الله

[سورة العنكبوت (29) : آية 47]

باياته والتنبيه على حججه فالمستثنى مفرغ او المعنى الا بالتي هى احسن مما يفعله الكافرون يعنى معارضة الخشونة باللين والغضب بالكظم والمشاغبة بالنصح فالمستثنى منقطع لان النصح ليس بمجادلة إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ بنبذ العهد او عدم قبول الجزية فقاتلوهم حتى يسلموا او يعطوا الجزية عن يدوّهم صاغرون كذا قال سعيد بن جبير ان المستثنى اهل الحرب والباقي بعد الثنيا اهل الذمة والظاهر انه كان الحكم بحسن المجادلة قبل الأمر بالقتال لان الاية مكية فالمراد حينئذ بالذين ظلموا المفرطون فى الاعتداء والعناد والقائلون بإثبات الولد وبان يد الله مغلولة وبانّ الله فقير ونحن اغنياء فحينئذ جاز مجادلتهم بالعنف وعلى هذا قال قتادة ومقاتل هذه الاية منسوخة باية السيف وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ بيان لحسن المجادلة. ويحتمل ان يكون المعنى ولا تجادلوا اهل الكتاب إذا أخبروا مما ذكر فى كتبهم يعنى لا تكذبوهم الّا الّذين ظلموا منهم يعنى الا من اخبر بشئ معلوم قطعا انه كاذب فيه كقولهم بتأبيد دين موسى او قتل عيسى او كون عيسى ابن الله ونحو ذلك فحينئذ يجب تكذيبه والمباهلة عليه وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ اى مطيعون له خاصة وفيه تعريض باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله عن ابى هريرة رضى الله عنه قال كان اهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لاهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنّا بالله وما انزل إلينا وما انزل إليكم الاية- رواه البخاري وعن ابى نملة الأنصاري انه بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من اليهود ومر بجنازة فقال يا محمد هل يتكلم هذا الميت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا اعلم فقال اليهودي انها تتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثكم اهل الكتب لا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا امنّا بالله وكتبه ورسله فان كان باطلا لم تصدقوهم وان كان حقّا لم تكذبوهم. وَكَذلِكَ اى كما أنزلنا على من قبلك أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ وحيا مصدقا لسائر الكتب الالهية وهو تحقيق لقوله فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ به يعنى مومنى اهل الكتب عبد الله بن سلام وأمثاله او المعنى الذين آتَيْناهُمُ الْكِتابَ كانوا يؤمنون به قبل مبعث

[سورة العنكبوت (29) : آية 48]

النبي صلى الله عليه وسلم وَمِنْ هؤُلاءِ اى من اهل مكة او من العرب او ممن فى عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم من الكتابين مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ اى بالقران وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا الاضافة للعهد يعنى بايات القران إِلَّا الْكافِرُونَ يعنى الكافرون بالله وبالكتب كلها يعنى من كذب بالقران فقد كذب بالتوراة والإنجيل ايضا لانهما مصدقان للقران فتكذيبه تكذيب بهما فمن أنكر القران وادعى الايمان بالتورية فدعواه باطل قال قتادة الجحود انما يكون بعد المعرفة عرفوا ان محمدا حق والقران حق فجحدوا. وَما كُنْتَ تَتْلُوا يا محمد ص عطف على كَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل ما انزل إليك الكتاب مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ ولا تكتبه بِيَمِينِكَ ذكر اليمين زيادة تصوير للمنفى ونفى للتجوز فى الاسناد إِذاً يعنى إذا كنت قاريا للكتب المتقدمة كاتبا لها لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ اى الكافرون يعنى اهل مكة وقالوا لعله التقطه من كتب الأقدمين كذا قال قتادة وانما سماهم مبطلين لكفرهم او لارتيابهم بانتفاء وجه واحد مع وجود المعجزات المتكاثرة وقيل معناه لا ارتياب اهل الكتاب لوجدانهم نعتك فى كتبهم بالامى كذا قال مقاتل فيكون على هذا ابطالهم باعتبار الواقع دون المقدر. بَلْ هُوَ اى القران آياتٌ بَيِّناتٌ واضحة الدلالة على صدقها إضراب عما فهم فيما سبق يعنى ما هذا القران مختلقا من عندك ولا مخطوطا بيمينك بل هو آيات بينات فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعنى المؤمنين الذين حملوا القران يحفظونه لا يقدر أحد على تحريفه وهى من خصائص القران كونه آيات بينات الاعجاز وكونه محفوظا عن التحريف والاسقاط لقوله تعالى وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وكونه محفوظا فى الصدور بخلاف سائر الكتب فانها لم تكن معجزة فكانوا يحرفون الكلم منها عن مواضعها وما كانت تقرا الا من مصحف وقال ابن عباس بل هو يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم ذوايات بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ من اهل الكتاب لانهم يجدون نعته ووصفه فى كتبهم وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ الظلم وضع الشيء فى غير موضعه يعنى آياتنا معجزة واضحة الدلالة على صدقها لظما ومعنى فمن جحد بها بعد وضوح اعجازها فهو الظالم المكاير للحق. وَقالُوا عطف على قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وما بينهما معترضات لَوْلا هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ

[سورة العنكبوت (29) : آية 51]

كما انزل على الأنبياء من قبل مثل ناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى قرأ نافع وابن عامر والبصريان وحفص آيات على الجمع والباقون اية على التوحيد قُلْ يا محمّد ص إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ اى فى قدرته مربوطا بإرادته لست أملكها فاتيكم بما تقرحون وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ليس من شأنى الا الانذار وابانة بما أعطيت من الآيات. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ الهمزة للانكار والتوبيخ والواو للحال من فاعل فعل مقدر تقديره أتطلبون منك اية والحال انه لم يكفهم اية قوية مغنية عما اقترحوه أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ وأنت امّىّ الْكِتابَ المعجز الجامع لانواع العلوم الشريفة مطابقا لما قبله من الكتب يُتْلى عَلَيْهِمْ يدوم تلاوته عليهم متحدين به لم يقترن بزمان وهى تخبرنا ... عن المعاد وعن عاد وعن ارم دامت لدنيا ففاقت كل معجزة ... من النبيّين إذ جاءت ولم تدم إِنَّ فِي ذلِكَ الكتاب الّذى هو اية مستمرة مبينة لَرَحْمَةً لنعمة عظيمة وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ اى تذكرة لمن همه الايمان دون التعنت هذه الاية تعليل للتوبيخ- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم والدارمي فى مسنده وابو داود فى المراسيل من طريق عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة مرسلا قال جاء ناس من المسلمين بكتف كتب فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم كفى بقوم ضلالة ان يرغبوا عما جاء به نبيهم الى ما جاء به غيره الى غيرهم فنزلت أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ. روى ان كعب بن الأشرف قال يا محمد من يشهد بانك رسول الله فنزلت. قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يخفى عليه شىء الجملة صفة لشهيدا او تعليل لكفى وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ قال ابن عباس يعنى بغير الله وقال مقاتل يعنى الذين عبدوا الشيطان وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ فى تجارتهم حيث اختاره الباطل على الحق واشتروا النار بالجنة هذه الجملة معطوفة على كفى. وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ عطف على قالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ نزلت الاية حين قال النضر بن الحارث فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ... وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى قال ابن عباس يعنى ما وعدتك ان لا أعذب قومك ولا استأصلهم وأؤخر عذابهم الى يوم

[سورة العنكبوت (29) : آية 54]

القيامة كما قال بل الساعة موعدهم والسّاعة أدهى وامرّ وقال الضحاك مدة أعمارهم لانهم إذا ماتوا صاروا الى العذاب وقيل يوم بدر لَجاءَهُمُ الْعَذابُ عاجلا وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ العذاب وقيل الاجل بَغْتَةً فجاة فى الدنيا كوقعة بدر او فى الاخرة عند نزول الموت بهم وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بإتيانه. يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ إعادة تأكيدا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ عطف على لياتينّهم بغتة يعنى سيحيط بهم يوم يأتيهم العذاب. او هى الان كالمحيطة لاحاطة الكفر والمعاصي التي يوجبها لهم واللام للعهد على وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على موجب الإحاطة او للجنس فيكون استدلالا بحكم الجنس على حكمهم. يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ ظرف لمحيطة او لمقدر مثل كان كيت وكيت مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ اى من جميع جوانبهم وَيَقُولُ قرأ نافع والكوفيون بالياء يعنى ويقول الله او بعض ملائكته بامره والباقون بالنون على التكلم ذُوقُوا ما كُنْتُمْ اى جزاء ما كنتم تَعْمَلُونَ يا عِبادِيَ قرأ ابو عمرو «ويعقوب وخلف- ابو محمد» وحمزة والكسائي بحذف الياء فى الوصل وفتحها الباقون فى الوصل وأثبتوها ساكنه فى الوقف الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي قرأ ابن عامر بفتح الياء والباقون بإسكانها بإسكانها واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ايّاى منصوب بفعل مضمر يفسره الشرطية الواقعة بعدها والفاء جزاء شرط محذوف تقديره ان لم تستطيعوا ان تعبدونى فى الأرض التي كنتم فيها فاعبدونى فى ارض غيرها فحذف الشرط وعوض من حذفه تقديم المفعول حتى صار الضمير المتصل منفصلا وأفاد تقديمه معنى الاختصاص وصار فاياى اعبدوا ثم أضمر الفعل الناصب وفسره بقوله فاعبدونى ليفيد التأكيد كانّه قال فاعبدونى فاعبدونى قال مقاتل والكلبي نزلت فى ضعفاء المسلمين بمكة يقول ان كنتم بمكة فى ضيق من اظهار الايمان فاخرجوا الى ارض غيرها يمكن لكم فيها اظهار الايمان كالمدينة ف إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ وقال مجاهد إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فهاجروا وجاهدوا فيها وقال سعيد بن جبير إذا عمل فى ارض بالمعاصي فاخرجوا منها ف إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ وقال عطاء إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا ف إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ وكذلك يجب على كل من كان فى بلده يعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك ان يهاجر الى حيث يتهيا له العبادة وقيل نزلت فى قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة وقالوا نخشى من الجوع ان هاجرنا فانزل الله هذه الاية لم يعذرهم بترك الخروج

[سورة العنكبوت (29) : آية 57]

قال مطرف بن عبد الله إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ اى رزقى لكم واسع فاخرجوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرّ بدينه من ارض الى ارض ولو شبرا استوجب الجنة وكان رفيق ابراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم رواه الثعلبي من حديث الحسن مرسلا. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ اى واجد حرارته وكربه لا محالة كما يجد الذائق طعم المذوق فلا تقيموا دار الشر اى خوفا من الموت بل لا بد لكم من الاستعداد لها بعبادة الله ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ فنجازيكم بأعمالكم فهاجروا فى سبيل الله نجازيكم عليه قرأ ابو بكر باليا على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب ففيه الالتفات من الغيبة الى الخطاب. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ قرأ حمزة والكسائي لنثوينّهم بالتاء المثلثة ساكنة وتخفيف الواو وبالياء من غير همزة يقال ثوى الرجل وأثويته إذا أنزلته منزلا والباقون بالباء الموحدة وفتحها وتشديد الواو وهمزة بعدها اى لننزلهم مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً أعالي قال صاحب البحر المواج لنبوّئنّهم بالباء الموحدة فعل متعد الى مفعول واحد ومجرده لازم وغرفا منصوب بنزع الخافض ليس مفعولا ثانيا له الا على تضمينه معنى لننزلن تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ المخصوص بالمدح محذوف دل عليه ما قبله تقديره عرف الجنة او أجرهم. الَّذِينَ صَبَرُوا على ذية المشركين والهجرة للذين الى غير ذلك من المحن والشاق لاجل مرضاة الله وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ يعتمدون على ان يرزقهم من حيث لم يحتسبوا- قال البغوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة وقنا اذاهم المشركون هاجروا الى المدينة فقالوا كيف نخرج الى المدينة وليس لنا بها دار ولا مال فمن يطعمنا ويسقينا فنزلت. وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ محتاجة الى الغذاء من البهائم والطيور لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا معها ولا تدخر لغد قال سفيان بن على بن أرقم ليس شىء من خلق الله يدخر الا الإنسان والفارة والنمل اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ حيثما كنتم يعنى انها مع ضعفها وعدم ادخار أرزاقها وإياكم مع قوتكم واجتهادكم سواء فى انه لا يرزقها وإياكم الا الله تعيشون كما تعيشون وتموتون كما تموتون فاجتهادكم عبث فلا تخافوا على معاشكم بالهجرة وَهُوَ السَّمِيعُ لاقوالكم سمع

[سورة العنكبوت (29) : آية 61]

قولكم لا نجد ما ننفق بالمدينة الْعَلِيمُ بما فى قلوبكم من ضعف اليقين اخرج عبد بن حميد وابن ابى حاتم والبيهقي وابن عساكر بسند ضعيف وكذا ذكر البغوي عن ابن عمر قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حوائط الأنصار فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقط الرطب بيده ويأكل فقال يا ابن عمر كل فقلت لا أشتهيها يا رسول الله قال لكنى أشتهيها وهذه صبح رابعة منذ لم اطعم طعاما ولم أجده فقلت انا لله المستعان قال يا ابن عمر لو سالت ربى لاعطانى مثل ملك كسرى وقيصر أضعافا مضاعفة ولكن أجوع يوما وأشبع يوما فكيف بك يا ابن عمر رض إذا عمرت وبقيت فى قوم يحيئون رزق سنة ويضعف اليقين قال فو الله ما برحنا ولارمنا حتى نزلت وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ الاية. عن انس قال ان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئا لغد. رواه الترمذي وصححه وعن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغذ وخماصا وتروح بطانا- رواه الترمذي وابن ماجة وعن ابن مسعود- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من شىء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار الا قد أمرتكم به وليس من شى يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة الا قد نهيتكم عنه وان روح القدس نعت فى روعى ان نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها الا فاتقوا الله واجملوا فى الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق ان تطلبوا بمعاصي الله فانه لا يدرك ما عند الله الا بطاعته- رواه البغوي فى شرح السنة وذكره فى المعالم-. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعنى اهل مكة شرط فى جواب قسم محذوف مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ جملة استفهامية واقعة بتأويل المفرد فى محل النصب على المصدرية لقوله سالتهم تقديره سالتهم هذا السؤال لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فاعل لفعل محذوف تقديره ليقولنّ خلقهن الله وقوله ليقولن جواب للقسم لفظا وجزاء للشرط بمعنى يعنى والله لا يقولن الا هذا الجواب لما تقرر فى العقول من انتهاء الممكنات الى واحد واجب لذاته فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ يعنى فكيف يصرفون عن توحيدهم بعد إقرارهم بذلك. اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ يحتمل ان يكون الموسع له والمضيق عليه واحدا على التعاقب فى الزمان وان يكون على

[سورة العنكبوت (29) : آية 63]

وضع الضمير موضع من يشاء اى ويقدر لمن يشاء منهم لان من يشاء منهم غير معين وكان الضمير مبهما مثله إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) يعلم مصالح كل شىء ومفاسده قال الله تعالى ان من عبادى المؤمنين لمن يسئلنى الباب من العبادة فاكفه عنه لا يدخله عجب فيفسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الغناء ولو أفقرته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الفقر ولو أغنيته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الصحة ولو أسقمته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لا يصلح إيمانه الا السقم ولو اصححته لافسده ذلك انى أدبر امر عبادى بعلمي فى قلوبهم انى عليم خبير- رواه البغوي فى حديث طويل عن انس وسنذكره فى سورة الشورى إنشاء الله تعالى. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعنى اهل مكة عطف على لان سالتهم والكلام فيه مثل ما مرّ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ يعنى اهل مكة معترفون بان موجد الأشياء كلها بسائطها ومركباتها أصولها وفروعها هو الله لا غير ومع ذلك يشركون به فى العبادة بعض مخلوقاته الذي لا يقدر على شى قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على ما عصمك عن مثل هذه الضلالة او على تصديقك واظهار حجتك بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ «1» قبح صنيعهم وتناقض أقوالهم حيث يقرون بانه المبدأ لكل ما عداه ومع ذلك يشركون به اخس الموجودات وأعجزها. وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا اشارة تحقير إِلَّا لَهْوٌ وهو ما يشغله عما يغنيه فان اشتغال المرء بالدنيا يشغله عما يفيده فى الحيوة المؤبدة وَلَعِبٌ اى عبث سميت بها لانها فانية وما يفعل المرء فى الحيوة الدنيا من الطاعات فهى ليست من الدنيا بل هى من امور الاخرة لظهور ثمرتها فيها وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ اى دار الحيوان يعنى ليس فيها الا الحيوة لامتناع طريان الموت عليها او جعلت ذاتها حيوة للمبالغة والحيوان مصدر بمعنى الحيوة أصله حييان قلبت الياء الثانية واو او هو ابلغ من الحيوة لما فى بناء فعلان من الدلالة من الحركة والاضطراب اللازم للحيوة ولذلك اختير عنها هاهنا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فناء الدنيا وبقاء الاخرة لم يؤثروا الدنيا على الاخرة. فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ وخافوا الغرق متصل بما دل عليه شرح حالهم اى هم على ما وضعوا من الشرك والعناد إذا ركبوا فى الفلك دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اى يدعون

_ (1) وفى الأصل لا يعلمون-

[سورة العنكبوت (29) : آية 66]

كائنين فى صورة من أخلص دينه من المؤمنين حيث لا يذكرون الا الله ولا يدعون سواه لعلمهم بانه لا يكشف الضر الا الله فَلَمَّا نَجَّاهُمْ الله إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ اى فاحبؤا المعاودة الى الشرك عطف على الشرطية السابقة- قال عكرمة كان اهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام فاذا اشتدت بهم الريح ألقوها فى البحر وقالوا يا رب يا رب وعلى قوله مخلصين له الدين على الحقيقة يعنى كانوا عند الشدائد يخلصون الدين لله ويتركون الشرك وعند النجاة يعودون الى الشرك. لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ هذا لام الأمر ومعناه التهديد والوعيد كقوله تعالى اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ اى ليجحدوا نعمة الله فى انجائه إياهم وقيل هى لام كى اى يشركون ليكونوا كافرين بشركهم نعمة الانجاء او المعنى لا فائدة لهم فى الإشراك الا الكفر والتمتع بما يستمتعون به فى العاجلة من غير نصيب فى الاخرة على خلاف عادة المؤمنين المخلصين فانهم يشكرون نعمة الله إذا أنجاهم ويجعلون نعمة النجاة ذريعة الى ازدياد الطاعة وَلِيَتَمَتَّعُوا قرأ ابن كثير «وخلف- ابو محمد» وحمزة والكسائي وقالون عن نافع بسكون اللام فهو لام الأمر على قراءتهم والباقون بكسر اللام نسقا على قوله ليكفروا وحينئذ يحتمل لام الأمر ولام كى فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقبة ذلك حين يعاقبون. أَوَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم ينظروا ولم يروا اهل مكة أَنَّا جَعَلْنا مكة حَرَماً مصونا عن النهيب والتعدي آمِناً اهله عن القتل والسبي وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ عطف على جملة محذوفة مفهومة عما سبق تقديره انّا جعلنا مكّة حرما آمنا لا يغار ولا يتعرض أهلها وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ- وقد كان العرب يختلسون الناس قتلا وسبيا ولا يتعرضون اهل مكة أَفَبِالْباطِلِ الهمزة للانكار والفاء للتفريع على مضمون ما سبق يعنى أنعم الله على اهل مكة هذه النعمة وهم بعد هذه النعمة الظاهرة وغيرها مما لا يقدر عليه الا الله سبحانه بالباطل يعنى بالأصنام او بالشيطان وجاز ان يكون المراد بالباطل كل شىء سوى الله لقوله صلى الله عليه وسلم الا ان احسن القول قول لبيد الا كلّ شىء ما خلا الله باطل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ حيث أشركوا به غيره وتقديمه للاهتمام او الاختصاص على طريق

[سورة العنكبوت (29) : آية 68]

المبالغة وقيل المراد بنعمة الله محمد صلى الله عليه وسلم والقران. وَمَنْ أَظْلَمُ يعنى لاحد اظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بان زعم ان له شريكا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ اى الرسول والقران لَمَّا جاءَهُ فى كمّا تشفيه لهم بانهم لم يتوقفوا ولم يتاملوا حين مجئ الرسول بل سارعوا الى التكذيب أول ما سمعوا أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ استفهام تقرير للثواء يعنى الا يستوحبون الثواء اى القرار فى جهنم وقد افتروا على الله وكذّبوا بالحق مثل هذا التكذيب او تقرير لاجترائهم يعنى الم يعلموا ان فى جهنم مثوى للكافرين حتى اجترءوا هذه الجراءة. وَالَّذِينَ جاهَدُوا الجهاد بذل الوسع والطاقة والمراد الذين بذلوا وسعهم بطاقتهم فى محاربة الكفار ومخالفة النفس والهوى فِينا اى فى ابتغاء مرضاتنا ونصرة ديننا وامتثال او أمرنا والانتهاء عن مناهينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا اى سبل السير إلينا والوصول الى جنابنا وصولا بلا كيف او لنرينهم سبل الخير ونوفّقهم سلوكها قال الله تعالى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وعن ابى الدرداء انه قال معناه والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم الى ما لم يعلموا. وعن عطاء والّذين جاهدوا فى رضائنا لنهدينّهم سبل ثوابنا وعن الجنيد الَّذِينَ جاهَدُوا فى التوبة لنهدينهم سبل الإخلاص وقال سفيان بن عيينة إذا اختلف الناس فانظروا الى ما عليه اهل الثغور فان الله قال وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وقال الحسن أفضل الجهاد مخالفة الهوى وقال الفضيل بن عياض وَالَّذِينَ جاهَدُوا فى طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به. وقال سهيل بن عبد الله والّذين جاهدوا فى اقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة وقال ابن عباس رض والّذين جاهدوا فى طاعتنا لنهدينّهم سبل ثوابنا وفى الحديث من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم قوله لنهدينهم سبلنا جواب قسم محذوف والجملة القسمية خبر للموصول والموصول المبتدا مع خبره عطف على الّذين أمنوا وعملوا الصّلحت وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ بالنصر والاعانة فى الدنيا والثواب والمغفرة فى العقبى وقالت الصوفية ان الله لمع

المحسنين معية غير متكيفة يدركها بصائر اهل البصائر- هذه الجملة عطف على والّذين جاهدوا وجاز ان يكون حالا من فاعل لنهدينّهم والعائد وضع الظاهر موضع الضمير تقديره وانّا لمع المحسنين والتصريح باسمه تعالى لمزيد التأكيد والله اعلم تم تفسير سورة العنكبوت من التفسير المظهرى (ويتلوه تفسير سورة الروم ان شاء الله تعالى) فى التاسع من رجب من السنة السادسة بعد الف ومائتين سنة 1206 هج والله اعلم.

سورة الروم

سورة الرّوم مكيّة وهى ستون اية رب يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج ابن ابى حاتم عن ابن شهاب واخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة ويحيى بن يعمر وقتادة قال ابن شهاب بلغنا ان المشركين كانوا يجادلون المسلمين وهم بمكة قبل ان يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون تشهدون «اى الروم- ابو محمد» انهم اهل الكتاب وقد غلبتهم المجوس وانكم تزعمون ستغلبوننا بالكتاب الذي انزل على نبيكم فكيف غلبت المجوس الروم وهم اهل الكتاب فستغلبكم كما غلبت فارس الروم «1» . الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ اى ادنى ارض العرب منهم لانها الأرض المعهودة عندهم او فى ادنى ارضهم من العرب واللام بدل من الاضافة قال عكرمة هى أذرعات وكسكر وقال مجاهد ارض الجزيرة وقال مجاهد «2» الأردن وفلسطين وَهُمْ اى الروم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ مصدر مبنى للمفعول اى من

_ (1) اخرج الترمذي والحاكم وصححه عن ابن عباس فى هذه الاية انه قال كان المشركون يحبون ان يظهر فارس على الروم لانهم كانوا اصحاب أوثان- وكان المسلمون يحبون ان يظهر الروم على فارس لانهم كانوا اصحاب كتاب فلمّا غلبت الروم ذكروه لابى بكر فذكره ابو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امام انهم سيغلبون فذكره أبو بكر لهم فقالوا اجعل بيننا وبينك أجلا فان ظهرنا كان لنا كذا وان ظهرتم كان لكم كذا وكذا وكذا فجعلا بينهم خمس سنين فلم يظهروا فذكر ذلك ابو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الا جعلته (أراه قال) دون العشرة فظهرت الروم بعد ذلك فذلك قوله الم غُلِبَتِ الرُّومُ- قال سفيان سمعت انهم ظهروا عليهم يوم بدر- ولهذا الحديث طرق متعددة مستفيضة عن ابن مسعود والبراء بن عازب وينار بن مكرم الأسلمي 12 منه نور الله مضجعه- (2) هكذا فى الأصل لعلهم نقلوا عن مجاهد قولين او صدر هذا من سبق قلم- ابو محمد عفا الله عنه-

[سورة الروم (30) : الآيات 4 إلى 5]

بعد ان غلبوا على صيغة المجهول سَيَغْلِبُونَ على فارس. فِي بِضْعِ سِنِينَ البضع ما بين الثلاث الى السبع وقيل ما بين الثلاث الى التسع وقيل ما دون العشرة وقال الجوهري تقول بضع وبضعة عشر رجلا فاذا جاوزت العشرين لا تقول بضع وعشرون ولهذا يخالف ما جاء فى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الايمان بضع وسبعون شعبة قال البغوي كان بين فارس والروم قتال فكان المشركون يودّون غلبة فارس على الروم لان اهل فارس كانوا مجوسا أميين والمسلمون يودّون غلبة الروم على فارس لانهم كانوا اهل كتاب فبعث كسرى يعنى پرويز بن هرمز بن نوشيروان جيشا الى الروم واستعمل عليهم رجلا يقال له شهريزاد وبعث قيصر جيشا وامّر عليهم رجلا يقال له يحيس فالتفتا ما ذرعات الشام وبصرى (وهواد فى الشام الى ارض العرب والعجم) فغاب فارس الروم فبلغ ذلك المسلمين بمكة فشق ذلك عليهم وفرح به كفار مكة وقالوا للمسلمين انكم اهل كتاب والنصارى اهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا اهل فارس على إخوانكم من الروم فان قاتلتمونا لنظهرن عليكم فانزل الله تعالى هذه الاية فخرج ابو بكر الصديق رضى الله عنه الى الكفار فقال فرحتم بظهور إخوانكم فو الله ليظهرن الروم على فارس على ما أخبرنا بذلك نبينا فقال أبيّ بن خلف الجمحي كذبت فقال أنت أكذب يا عدو الله فقال اجعل بيننا وبينك أجلا انا جئك (والمناحبة المراهنة) على عشر قلائص منى وعشر قلائص منك فان ظهر الروم على فارس غرمت وان ظهر فارس على الروم غرمت ففعلوا وجعل الاجل ثلاث سنين فجاء ابو بكر الى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره بذلك (وذلك قبل تحريم القمار) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هكذا ذكرت انما البضع ما بين الثلاث الى التسع فزائده فى الخطر وماده فى الاجل فخرج ابو بكر فراى ابيّا فقال لعلك ندمت قال لا أزايدك فى الخطر وامادك فى الاجل فجعل مائة قلوص ومائة قلوص الى تسع سنين وقيل الى سبع سنين قال قد فعلت- فلمّا خشى أبيّ بن خلف ان يخرج ابو بكر من مكة أتاه فلزمه وقال انى أخاف ان تخرج من مكة فاقسم لى كفيلا فكفل له عبد الله بن ابى بكر ابنه فقال لا والله لا أدعك حتى تعطينى كفيلا فاعطاه- ثم خرج الى أحد فرجع أبيّ بن خلف الى مكة فمات بمكة من جراحته التي جرحه النبي حين بارزه- فظهرت

الروم على فارس يوم الحديبية وذلك عند رأس سبع سنين من مناجئتهم وقيل كان يوم بدر قال الشعبي لم يمض تلك المدة مدة عقد المناحبة بين اهل مكة وصاحب قمارهم أبيّ بن خلف والمسلمين وصاحب قمارهم ابى بكر الصديق (وكان ذلك قبل تحريم القمار) حتى غلبت الروم فارس وربطوا خير لهم بالمدائن وبنوا للرمية فقمر ابو بكر ابيّا وأخذ مال الخطر من ورثته وجاء به وحمله الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تصدق به واخرج الترمذي من حديث ابى بكر نحوه. (مسئلة) : - قال ابو حنيفة العقود الفاسدة كعقد الربوا وغيرها جائزة فى دار الحرب بين المسلمين والكفار مستدلا بقصة ابى بكر ولان اموال الكفار غير معصوم يجوز أخذها ما لم يكن غدرا بعد الاستيمان. قال البغوي وكان سبب غلبة الروم على فارس على ما قال عكرمة ان شهريزاد بعد ما غلب الروم لم يزل يطيئهم ويخرّب مدائنهم حتى بلغ الخليج- فبينا اخوه فرخان جالس على سريره يشرب فقال لاصحابه لقد رأيت انى جالس على سرير كسرى فبلغت حكمته كسرى فكتب الى شهريزاد إذا أتاك كتابى فابعث الىّ راس فرخان فكتب اليه ايها الملك انك لن تجد مثل فرخان وان له نكابة وصوتا فى العدو فلا تغفل- فكتب اليه ان فى رجال فارس خلقا منه فعجل الىّ برأسه فكتب فغضب كسرى ولم يجبه وبعث بريدا الى اهل الجيش انى قد نزعت منكم شهريزاد واستعملت عليكم فرخان ثم دفع الى البريد صحيفة صغيرة امر فيها بقتل شهريزاد فقال إذا ولّى فرخان الملك وانقاد له اخوه فاعطه الصحيفة- فلمّا قرأ شهريزاد الكتاب قال سمعا وطاعة ونزل عن سريره وجلس فرخان ودفع الصحيفة فقال ايتوني بشهريزاد فقدمه ليضرب عنقه فقال لا تعجل علىّ حتى اكتب وصيتي قال نعم فدعى بالسقط وأعطاه ثلاث صحائف وقال كل هذا راجعت فيك لسرى وأنت تريد ان تقتلنى بكتاب واحد فرد الملك الى أخيه فكتب شهريزاد الى قيصر ملك الروم ان لى إليك حاجة لا يحملها البريد ولا يبلغها الصحف فالقنى ولا تلقنى الا فى خمسين روميا فانى ألقاك فى خمسين فارسيّا فاقبل قيصر فى خمسين روميا «1» وجعل يضع العيون بين يديه فى الطريق وخاف ان يكون قد مكر حتى أتاه عيون له انه ليس معه الا خمسون

_ (1) وفى الأصل خمسين الف روميا 12

رجلا ثم سقط لهما والقيافى قبة ديباج ثم ضربت لهما ومع كل واحد منهما سكين فدعوا بترجمان بينهما فقال شهريزاد ان الذين خربوا مدائنك انا وأخي بكيدنا وشجاعتنا وان كسرى حسدنا وأراد ان اقتل أخي فابيت ثم امر أخي ان يقتلنى فقد خلقنا جميعا فنحن تقاتله معك فقال قد أصبتما ثم استأثر أحدهما على صاحبه ان السر بين اثنين فاذا جاوزهما فشا فقتلا الترجمان معا بسكينهما فادليت الروم على فارس عند ذلك فابتغوهم فقتلوهم ومات كسرى وجاء الخبر الى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ففرح هو ومن معه فذلك قوله الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ الاية- وقرئ غلبت بالفتح على صيغة المعروف وسيغلبون بالضم ومعناه ان الروم غلبوا على ارض فارس والمسلمون سيغلبونهم- وفى السنة التاسعة من غلبة الروم غذاهم المسلمون وفتحوا بعض بلادهم وعلى هذا يكون الغلب مصدرا مبنيّا للفاعل مضافا الى الفاعل ويؤيد هذه القراءة ما اخرج الترمذي عن ابى سعيد قال لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فاعجب ذلك المؤمنين فنزلت الم غُلِبَتِ الرُّومُ.... بِنَصْرِ اللَّهِ بفتح الغين واخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه وهذه قراءة شاذة والاولى هى المتواترة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم لما غلب الروم على فارس علم بالوحى الغير المتلو انه غلبت اليوم الروم على فارس فى ادنى الأرض وهم اى الروم من بعد ان غلبوا على الفارس سيغلبهم المؤمنون فقرأ على ما رواه الترمذي عن ابى سعيد بفتح الغين من غلبت على البناء وسيغلبون على البناء للمفعول والله اعلم لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ اى قبل غلبة الروم على فارس حين كونهم مغلوبين وَمِنْ بَعْدُ اى بعد غلبهم عليهم حين كونهم غالبين ليس شىء منهما الا بقضائه وقدره هذه الجملة تعليل لقوله سيغلبون وَيَوْمَئِذٍ اى يوم إذا كان الغلبة للروم يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ من له كتاب على من ليس له كتاب وظهور صدقهم فيما أخبروا به المشركين وغلبتهم فى رهانهم وازدياد يقينهم وثباتهم فى دينهم. قال السدى فرح النبي صلى الله عليه وسلم بظهورهم على المشركين يوم بدر وظهور اهل الكتاب على اهل الشرك- قال جلال الدين المحلى فرح المسلمون بذلك وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر بنزول جبرئيل بذلك فيه مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه- هذه الجملة معطوفة

[سورة الروم (30) : آية 6]

على قوله وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء اخرى وَهُوَ الْعَزِيزُ ينتقم من عباده بتسليط غيرهم عليهم تارة الرَّحِيمُ ويرحمهم ويتفضل عليهم بتضرهم اخرى. وَعْدَ اللَّهِ اى وعد الله وعدا مصدر مؤكد لنفسه لا ما قبله وهو قوله وهم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فى معنى الوعد لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ لامتناع الكذب عليه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعنى كفار مكة لا يَعْلَمُونَ وعده ولا صحة وعده لجهلهم وعدم تفكرهم. يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعنى امور معاشهم كيف يكتسبون وكيف يتجرون وكيف يزرعون ونحو ذلك وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ التي هى المستقر ابدا هُمْ غافِلُونَ لا تخطر ببالهم هم الثانية تكرير للاولى او مبتدا وغافلون خبره والجملة خبر الاولى والرابطة إعادة لفظ المبتدا نحو الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وهو على الوجهين مناد على تمكن غفلتهم عن الاخرة وهذه الجملة محققة لمضمون الجملة السابقة بدل من قوله لا يَعْلَمُونَ تقريرا وتشبيها لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدنيا ببعض ظاهرها دون العلم بجميعها فان من العلم بظاهر معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وافعالها وأسبابها وكيفية صدورها منها وكيفية التصرف فيها ولذلك نكر ظاهرا واما باطنها انها مجاز الى الاخرة ووصلة الى نيلها وأنموذج لاحوالها واشعارا بانه لا فرق بين عدم العلم والعلم الذي يختص بظاهر الدنيا. أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا الهمزة للتوبيخ والواو للعطف على محذوف تقديره اقصروا نظرهم على ظاهر من الحيوة الدنيا ولم يتفكروا فِي أَنْفُسِهِمْ اى لم يحدثوا التفكر فيها حتى يظهر لهم بعض بواطنها او المعنى او لم يتفكروا فى امر أنفسهم فانها اقرب إليهم من غيرها وامراة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له فى الممكنات بأسرها فان الإنسان عالم صغير حتى يعلموا ويقولوا ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ اى ما خلقها باطلا عبثا بغير حكمة بالغة بل خلقها مقرونة مصحوبة بالحكمة وَأَجَلٍ مُسَمًّى يعنى ما خلقها للخلود بل لاجل معين ينتهى عنده وبعده قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب قال الله أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ يدل على ان تركهم غير راجعين عبث فمن تفكر فى نظام السموات والأرض

[سورة الروم (30) : آية 9]

وما بينهما يحكم ان خالقه حكيم والحكيم لا يفعل العبث والحكمة فى خلقها معرفة الخالق وصفاتها ولولا البعث والنشور والثواب والعقاب يستوى العارف والكافر فمن تفكر فيها يكتسب العلم بالاخرة فلا يكون من الغافلين وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يعنى كفار مكة لاجل غباوتهم وعدم تفكرهم بِلِقاءِ رَبِّهِمْ اى بجزائه عند انقراض الدنيا لَكافِرُونَ اى لجاحدون يحسبون ان الدنيا ابدية ولا بعث ولا حساب. أَوَلَمْ يَسِيرُوا الهمزة للانكار والتوبيخ وانكار النفي اثبات وتقرير والواو للعطف على محذوف تقديره الم يخرج اهل مكة من ديارهم ولم يسيروا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا منصوب فى جواب النفي كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم كيف فى محل النصب على انه خبر كان قدم عليه لما له صدر الكلام والجملة فى محل النصب على انه مفعول لينظروا يعنى انهم قد ساروا فى أسفارهم ونظروا الى اثار الّذين كذّبوا الرسل من قبلهم فدمروا على تكذيبهم كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً كعاد وثمود وغيرهم فان القرون الماضية كانوا أشد قوة وأطول أعمارا واكثر اثارا من القرون التالية- هذه الجملة مع ما عطف عليه مستأنفة فى جواب كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَأَثارُوا الْأَرْضَ مع ما عطف عليه عطف على كانوا اى قلّبوا وجهها لاستنباط المياه واستخراج المعادن وكربوها للزرع وغير ذلك وَعَمَرُوها اى الأرض عمارة أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها منصوب على انه صفة مصدر محذوف يعنى عمروها عمارة اكثر من عمارة اهل مكة إياها فانهم فى واد غير ذى زرع لا تبسط لهم فى غيرها وفيه تهكم بهم حيث كانوا مفترين بالدنيا مفتخرين بها وهم أضعف حالا فى الدنيا فان مدارها على التبسط فى البلاد والتسلط على العباد والتصرف فى أقطار الأرض بانواع العمارة وهم ضعفاء يلجئون الى واد لا نفع لها ولولا رحلتى الشتاء والصيف لهم الى اليمن والشام لماتوا جوعا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ عطف على كانوا أشدّ منهم قوة فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ معطوف على جملتين محذوفتين معطوفتين على جاءتهم تقديره جاءتهم رسلهم بالبينات فكذبوهم فدمرهم الله فى الدنيا فما كان الله ليظلمهم اى ما كان صفة الله ظلمهم فان اللام لام الجحود وان بعدها مقدرة يعنى ما كان صفة الله ان يفعل بهم

[سورة الروم (30) : آية 10]

ما يفعل الظلمة من التعذيب بغير جرم ولا تذكير وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ حيث فعلوا ما ادى الى تدميرهم. ثُمَّ اى بعد التدمير فى الدنيا عطف على جملة مقدرة وهى فدمرهم الله ثم كانَ عاقِبَةَ قرأ اهل الحجاز والبصرة بالرفع على انه اسم كان وخبره ما بعده او محذوف كما سنذكر واهل الكوفة والشام بالنصب على انه خبر كان والاسم ان كذّبوا الَّذِينَ أَساؤُا من الأعمال تقديره ثم كان عاقبتهم فوضع المظهر موضع المضمر للدلالة على بعض ما يقتضى تلك العاقبة السُّواى تأنيث أسوأ كالحسنى تأنيث احسن يعنى الخصلة التي تسؤهم او عقوبة هى أسوأ العقوبات او هو مصدر كالبشرى نعت به مبالغة قيل السّوآء اسم من اسماء جهنم كما ان الحسنى اسم من اسماء الجنة أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ عطف على كذّبوا وان كذّبوا مع ما عطف عليه منصوب على العلية لقوله ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا- السُّواى تقديره لان كذبوا وجاز ان يكون بدلا او عطف بيان السّواى يعنى ثم كان عاقبة المسيئين التكذيب يعنى حملهم تلك السيئات على ان كذبوا بايات الله. عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء فى قلبه فان تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها وان زاد زادت حتى تعلو قلبه ذلكم الران الّذى ذكر الله فى كتابه كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ رواه احمد والترمذي والنسائي وغيرهم وجاز ان يكون ان كذبوا مع ما عطف عليه خبر كان والسواى مصدر أساءوا او مفعوله والمعنى ثم كان عاقبة الذين اقترفوا الخطيئة ان طبع الله على قلوبهم حتى كذبوا بايات الله ويجوز ان يكون السّواى مصدرا ومفعولا للفعل وان كذّبوا تابعا لها بدلا او عطف بيان والخبر محذوف للابهام والتهويل تقديره ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ فعلوا السيئات اى التكذيب جهنم وما لا يعرف ما أعد لهم من العذاب فيها وجاز ان يكون مفسرة للاساءة فان الاساءة إذا كانت مفسرة بالتكذيب والاستهزاء كانت متضمنة لمعنى القول-. اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ اى يخلقهم ابتداء ثُمَّ يُعِيدُهُ اى الخلق يبعثهم بعد الموت ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فيجزيهم بأعمالهم قرأ ابو بكر بالياء للغيبة لان الضمير عائد الى الخلق والباقون بالتاء التفاتا من الغيبة الى الخطاب للمبالغة

[سورة الروم (30) : آية 12]

فى المقصود. وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ظرف متعلق بقوله يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ والجملة معطوفة على قوله اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قال قتادة والكلبي اى ييئسون من كل خير وقال مجاهد يغتضحون وقال الفراء ينقطع كلامهم وحجتهم فى القاموس البلس محركة من لا خير عنده والمبلس الساكت على ما فى نفسه وابلس يئس وتحير ومنه إبليس او هو أعجمي وقال الجزري فى النهاية المبلس الساكت من الحزن او الخوف والإبلاس الحيرة. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ اى من الذين اشركوهم بالله سبحانه فى العبادة على زعم انهم يشفعون لنا عند الله فهم لا يكونون لهم شُفَعاءُ يجيرونهم من عذاب الله أورد بصيغة الماضي لتحقق وقوعه وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ اى يحجدون بآلهتهم حين يئسوا منهم- وقيل معناه كانوا فى الدنيا بسبب شركائهم كافرين بالله تعالى. وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ظرف متعلق بيتفرّقون يَوْمَئِذٍ بدل من يوم تقوم الساعة او تأكيد له اى يوم إذا كانوا مبلسين وكانوا بشركائهم كافرين يَتَفَرَّقُونَ قال مقاتل يتفرقون بعد الحساب سيق المؤمنون الى الجنة والكافرون الى النار ثمّ لا يجتمعون ابدا ثم فصله بقوله. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ اى ارض ذات ازهار وانهار من رياض الجنة يُحْبَرُونَ قال ابن عباس رض يكرمون وقال مجاهد وقتادة ينعمون وقال ابو عبيدة يسرون والحبرة السرور وقيل الحبرة كل نعمة حسنة والتخبير التحسين وفى النهاية للجزرى الحبرة بالفتح النعمة وسعة العيش والحبرة بالكسر وقد يفتح الجمال والهيئة الحسنة وفى القاموس نحوه وفى حديث ابى موسى لو علمت انك يا رسول تسمع لقراءتى لحبرتها لك تحبيرا اى حسنت صوتى بها- قال البغوي وقال الأوزاعي عن يحيى بن كثير يحيرون هو السّماء فى الجنة وكذا اخرج هناد والبيهقي عن يحيى بن كثير فى هذه الاية وقال الأوزاعي إذا أخذ فى السماع لم تبق شجرة فى الجنة الا ورفت وقال ليس أحد من خلق الله احسن صوتا من اسرافيل فاذا أخذ فى السماع قطع على اهل سبع سموت صلاتهم وتسبيحهم- واخرج ابن عساكر عن الأوزاعي فى هذه الاية قال هو السماء إذا أراد اهل الجنة ان يطربوا اوحى الله تعالى الى رياح يقال لها العفافة

فدخلت فى اجام قصيب اللؤلؤ الرطب فحركته فضرب بعضه بعضا فتطرب الجنة فاذا طربت لم يبق شجرة فى الجنة الا ورقت- واخرج الطبراني والبيهقي عن ابى امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد يدخل الا ان تجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين يغنيان بأحسن صوت سمعه الانس والجن وليس بمزمار الشيطان ولكن بتحميد الله وتقديسه واخرج البيهقي عن ابن عباس رض انه سئل فى الجنة غناء قال الكرار من مسك عليها يمجدون الله تعالى بصوت لم يسمع الاذن مثله قط- قلت الطرب بالشعر والغناء فى الدنيا لا يحصل الا بذكر المحبوب بكلام موزون فى صوت حسن موزون ولا شك ان الناس إذا فازوا يرؤية جمال الله سبحانه ولاجمال فوق جماله فلا محبوب لهم غيره فيطربون بسماع ذكره بصوت حسن موزون وفى بعض الأحاديث ان الحور العين يغنّين لازواجهن بأصوات ما سمعها أحد قط فيكون ممّا يغنّين نحن الخيرات الحسان ... ازواج قوم كرام ومما يغنّين نحن الخالدات فلا نموتن ... نحن الامنات فلا نخافن نحن المقيمات فلا نطحن كذا اخرج الطبراني عن ابن عمر رض مرفوعا واخرج الطبراني والبيهقي وابن ابى الدنيا عن انس نحوه وعن مالك بن دينار عند احمد فى الزهد يقول الله لداؤد عليه السلام مجدنى بذلك الصوت الحسن فيندفع داود بصوت ستقرع نعيم اهل الجنة وعن ابى هريرة عند الاصبهانى مرفوعا ان الله تعالى ليوصى الى شجرة الجنة ان اسمعي عبادى الذين شغلوا أنفسهم عن المعازف والمزامير بذكرى فيسمعهم بأصوات ما سمع الخلائق مثلها قط بالتسبيح والتقديس. وفى الباب أحاديث كثيرة واخرج الحكيم فى نوادر الأصول عن ابى موسى رض قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استمع الى صوت غناء لم يؤذن له ان يسمع صوت الروحانيين قال يا رسول الله ما الروحانيون قال قراء اهل الجنة واخرج دينورى عن مجاهد قال ينادى مناد يوم القيامة ان الذين كانوا ينزهون أصواتهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان قال فيحلهم الله فى رياض من مسك فيقول للملائكة اسمعوا عبادى تحميدي و

[سورة الروم (30) : آية 16]

تمجيدى واخبروهم ان لا خوف عليهم ولا هم يحزنون- وروى الديلمي عن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ اى البعث والقيامة فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ مدخلون لا يغيبون عنه. فَسُبْحانَ اللَّهِ مصدر لفعل محذوف تقديره فسبحوا لله سبحانا حذف الفعل وأضيف المصدر الى المفعول والفاء للسببية والتفريع على ما سبق من صفاته تعالى من الإبداء والاعادة وغيرها والمراد بالتسبيح الصلاة يعنى صلوا لله حِينَ تُمْسُونَ اى حين تدخلون فى المساء صلوة المغرب شكرا لما أنعم الله من تمام النهار بالسلامة والنعمة والدخول فى الليل للسكون والراحة- بدا بذكر صلوة المغرب لتقدم الليل على النهار فى اعتبار الشهور والأيام وَحِينَ تُصْبِحُونَ شكرا لما أنعم الله عليه من تمام الليل بالسلامة والراحة والدخول فى النهار لكسب المعاش والمعاد ذكر صلوة الصبح بعد المغرب لمقابلة الصباح بالمساء. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال ابن عباس اى يحمدون اهل السموات والأرض ويصلون له الجملة حال من الله او معترضة وَعَشِيًّا اى اخر النهار عن عشى العين إذا نقص نورها عطف على يصبحون يعنى صلوا صلوة العصر صلوة الوسطى- ولما كان ذلك وقت اشتغال الناس بامور الأسواق قدم ذكرها على ذكر الظهر اهتماما يعنى لا بد لكم من الاشتغال بالصلوة حين اشتغال الناس بامور الدنيا كيلا تكونوا من الذين لا يلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وَحِينَ تُظْهِرُونَ اى تدخلون فى الظهيرة يظهر عليكم صولة الشمس ويذكركم حر نار جهنم وحر ذكائها يوم القيامة- خص هذه الأوقات لما تظهر فيها قدرته وتتجدد نعمته ولما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزيهه واستحقاقه الحمد والشكر ممن له نميز من اهل السموات والأرض ذكر فى هذه الاية أربعا من الصلوات الخمس وقيل حين تمسون اشارة الى المغرب والعشاء جميعا اخرج ابن جرير والطبراني والحاكم قول ابن عباس ان الاية جامعة للصلوات الخمس حين تمسون كناية عن المغرب والعشاء جميعا-

[سورة الروم (30) : آية 19]

وقال البغوي قال نافع بن الأزرق لابن عباس هل تجد الصلوات الخمس فى القران قال ابن عباس نعم وقرأ هاتين الآيتين وقال جمعت هذه الاية الصلوات الخمس ومواقيتها. عن ابن عباس رض قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قال حين يصبح وحين يمسى سبحان اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ الى قوله. وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ أدرك ما فاته فى يومه ذلك ومن قالهن حين يمسى أدركه ما فاته فى الليلة- رواه ابو داؤد وعنه عليه السّلام من سره ان يكتال له بالقفيز الا وفى فليقل فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ الاية- رواه الثعلبي من حديث انس بسند ضعيف جدا عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح وحين يمسى سبحان الله ويحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به الا أحد قال مثل ما قال او زاد عنه متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم- متفق عليه وعن جويرية بنت الحارث بن ابى ضرار رضى الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات غداة من عندها (وكان اسمها برة) فخرج وهى فى المسجد فرجع بعد ما تعالى النهار وقال مازلت فى مجلسك هذا منذ خرحت بعد قالت نعم فقال لقد قلت بعدك اربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بكلماتك لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته- رواه مسلم وعن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الكلام اربع سبحان «1» الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وفى رواية أحب الكلام الى الله اربع

_ (1) عن ابن عباس رض قال قال عمر رض بن الخطاب اما الحمد لله فقد عرفناه فقد يحمد الخلائق بعضهم بعضا واما لا اله الا الله فقد عرفناها فقد عبدت الالهة من دون الله واما الله اكبر فقد يكبر المصلى واما سبحان الله فما هو فقال رجل من القوم الله اعلم فقال لقد شقى عمر ان لم يكن يعلم ان الله اعلم فقال على رض يا امير المؤمنين هو اسم ممنوع ان ينتحله أحد من الخلائق واليه مفزع الخلق واجب ان يقال له فقال هو كذلك. منه رحمه الله-[.....]

[سورة الروم (30) : آية 20]

سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر لا يضرك بايتهن بدأت- رواه مسلم وعن ابى ذر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم اىّ الكلام أفضل قال ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده- رواه مسلم وعن جابر رض قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة فى الجنة رواه الترمذي. يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ كالانسان من النطفة والطائر من البيضة وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ النطفة والبيضة من الحيوان او يعقب الحيوة بالموت وبالعكس وَيُحْيِ الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها اى يبسها وَكَذلِكَ اى مثل ذلك الإخراج تُخْرَجُونَ من قبوركم احياء بعد الموت فلم تنكرونه بعد ما تشاهدون نظيره فهى تعليل للبعث قرأ «وخلف وابن ذكوان بخلاف عنه ابو حمد» حمزة والكسائي بفتح التاء وضم الراء على البناء للفاعل والباقون يضم التاء وفتح الراء على البناء للمفعول.. وَمِنْ آياتِهِ اى من آيات قدرته تعالى على البعث أَنْ خَلَقَكُمْ اى خلق أصلكم آدم مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ إذا للمفاجاة مضاف الى الجملة والعامل فيه معنى المفاجاة والمعنى ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين فى الأرض بعد ما كنتم جمادا بلا حس وحركته. وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ من للابتداء لان حواء خلقت من ضلع آدم وسائر النساء من نطف الرجال او للبيان لانهن من جنسهم لا من جنس اخر أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها لتميلوا إليها وتألفوا لها فان الجنسية علة الضم والاختلاف سبب التنافر وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ اى بين الرجال والنساء او بين افراد الجنس مَوَدَّةً وَرَحْمَةً بواسطة الزواج حال الشبق وغيرها بخلاف سائر الحيوانات نظما لامر المعاش او بان تعيّش الإنسان موقوف على التعاون المحوج الى التواد والتراحم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فى عظمة الله وقدرته فيعلمون ما فى ذلك من الحكم ومن التناسل. وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ اى لغاتكم بان علّم كل صنف لغة وألهمه واقدره عليها او أجناس نطقكم واشكاله وكيفيات أصواتكم بحيث لا يكاد يلتبس صوت أحد بغيره وَأَلْوانِكُمْ اى ألوان الجلد من السواد والبياض وغيرها

[سورة الروم (30) : آية 23]

او مشخصات الأعضاء وهياتها وألوانها وحلاها بحيث لا يلتبس أحد بغيره إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ لا يكاد يخفى على عاقل من ملك او انس او جن وقرا حفص بكسر اللام خصهم بالذكر لانهم أحقاء بالمعرفة قال الله تعالى. وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ منامكم فى زمانين لاستراحة القوى النفسانية وقوة القوى الطبيعية وَابْتِغاؤُكُمْ المعاش والمعاد مِنْ فَضْلِهِ فى كلا الزمانين او المعنى منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف وضم بالزمانين والفعلين بعاطفين اشعارا بان كلّا من الزمانين وان خص بأحدهما فهو صالح للاخر عند الحاجة ويؤيده سائر الآيات الواردة فيه إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع تفهم واستبصار فان الحكمة فيه ظاهرة. وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ مقدر بان او الفعل فيه نزل منزلة المصدر كقوله تسمع للمعيدى خير من ان تراه او صفة لمحذوف تقديره اية يريكم بها البزق خَوْفاً من الصاعقة وفى حالة السفر وَطَمَعاً فى الغيث إذا كنتم فى منازلكم ونصبهما على العلة لفعل يلزم المذكور فان إراءتهم يستلزم رؤيتهم الى البرق للخوف او الطمع او الفعل مذكور بحذف المضاف اى لاراءة خوف وطمع او بتأويل الخوف والطمع بالاخافة والاطماء كقولك فعلته رغما للشيطان او على الحال مثل كلمته شفاها وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً مطرا فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بالانبات بَعْدَ مَوْتِها اى يبسها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ اى يستعملون عقولهم فيدركون كمال قدرة الصانع وحكمته. وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ اى يبقيان فى حيزيهما بِأَمْرِهِ اى بإقامته لهما وإرادته ببقائهما ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ الجملة معطوفة على ان تقوم بتأويل المفرد كانّه قال ومن آياته قيام السماء والأرض ثم خروجكم من القبور إذا دعاكم دعوة واحدة وثم لتراخى زمانه او لعظم ما فيه وقوله مِنَ الْأَرْضِ قال البغوي اكثر العلماء على انه متعلق بتخرجون وقال البيضاوي هذا لا يجوز لان ما بعد إذا لا يعمل فيما قبله بل متعلق بقوله دعاكم كقوله دعوته من أسفل الوادي- اخرج ابن عساكر عن زيد بن جابر الشافعي فى قوله تعالى وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ قال يقف اسرافيل على صخرة بيت المقدس فيقول يا ايها العظام النخرة والجلود المتمزقة والاشعار المتقطعة ان الله يأمرك ان تجتمع لفصل الحساب- وإذا الثانية للمفاجاة ولذلك ناب مناب الفاء فى جواب الاولى ظرف مضاف الى الجملة والعامل فيه معنى المفاجاة تقديره ففاجأتم وقت خروجكم. وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ملكا وخلقا كُلٌّ اى كل واحد منها

[سورة الروم (30) : آية 27]

لَهُ قانِتُونَ مطيعون قال الكلبي هذا خاص بمن كان منهم مطيعا والصحيح انه عام لبيان قهرمانه والمراد الانقياد فى الأوامر التكوينية قال ابن عباس كل مطيع له فى الحيوة والموت والبعث ونحو ذلك وان عصوا فى العبادة اخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة قال تعجب الكفار من احياء الموتى فنزلت. وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد الإهلاك وَهُوَ الاعادة وتذكير الضمير لتذكير الخبر او الاعادة بمعنى ان يعيد أَهْوَنُ عَلَيْهِ الجملة حال من فاعل يعيد او معطوفة على ما سبق قال الربيع بن خيثم والحسن وقتادة والكلبي أهون بمعنى هين ولا شىء على الله بعزيز ويجئ افعل بمعنى الفعيل وهو رواية العوفى عن ابن عباس. وقال مجاهد وعكرمة وهو أهون على طريق ضرب المثل اى هو أيسر عليه على ما يقع فى عقر لكم فان فى عقول الناس الاعادة أهون من الإنشاء وقيل هو أهون عليه عندكم وقيل هو يعنى العود أهون على الخلق فانهم فى العود يقومون بصيحة واحدة فيكون أهون عليهم من ان يكونوا نطفا ثم علقا ثم مضغا الى ان يصيروا رجالا ونساء وهذا معنى رواية حبان عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى اى الوصف الأعلى الذي ليس لغيره ما يساويه او يدانيه كالقدرة العامّة والحكمة التامّة قال ابن عباس هى انه ليس كمثله شىء- واخرج عبد الرزاق وابن ابى حاتم انه قال قتادة فى قوله تعالى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى قال شهادة ان لا اله الا الله قلت أراد به الوصف بالوحدانية فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يصف به ما فيهما نطقا ودلالة وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب فى ملكه وخلقه لقادر على كل شىء لا يعجزه شىء من الإبداء والاعادة الْحَكِيمُ الذي يجرى الافعال على ما يقتضيه الحكمة- اخرج الطبراني عن ابن عباس قال كان اهل الشرك يكبّون اللهم لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك تملكه وما ملكت فنزلت. ضَرَبَ الله اى بيّن لَكُمْ ايها المشركون مَثَلًا كائنا مِنْ أَنْفُسِكُمْ اى شبها منتزعا من أحوالكم فانها من اقرب الأمور إليكم وهو هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ اى من ممّا ليككم مِنْ شُرَكاءَ لكم فِي ما رَزَقْناكُمْ من الأموال وغيرها فَأَنْتُمْ وهم فِيهِ سَواءٌ فى التملك والتصرف يتصرفون فيه كتصرفكم تَخافُونَهُمْ ان تتصرفون فيها دونهم

[سورة الروم (30) : آية 29]

كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ اى أمثالكم فى الحرية- والاستفهام للانكار يعنى ليس الأمر كذلك وانها معارة لكم مع انهم بشر مثلكم فكيف تجوزون كون الحجارة التي هى أعجز المخلوقات شركاء لخالق الأرض والسموات كَذلِكَ اى تفصيلا مثل ذلك التفصيل نُفَصِّلُ الْآياتِ نبيّنها فان التمثيل ما يكشف المعاني ويوضحها لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ اى يستعملون عقولهم فى تدبر الأمثال واخرج جويبر مثل ما اخرج الطبراني فى سبب نزول الاية عن داود بن ابى هند عن ابى جعفر محمد بن على عن أبيه عليهم السّلام. بَلِ اتَّبَعَ إضراب من مضمون الكلام السابق يعنى ليس الله شريك بل اتبع الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بتعريضها للعذاب بالاشراك بالله أَهْواءَهُمْ فى الشرك بِغَيْرِ عِلْمٍ حال من فاعل اتبعوا يعنى جاهلين بما يجب عليهم فَمَنْ يَهْدِي اى إياه الفاء للسببية والاستفهام للانكار إذا اتبعوا أهواءهم ولم يقبلوا هدى الله فلا أحد يهديهم وضع المظهر يعنى قوله مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ موضع الضمير اشعارا بان الله أضلهم فمن يقدر على هدايته وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ يخلصونهم عن آفاتها. فَأَقِمْ الفاء للسببية يعنى لما ثبت وحدانيته تعالى وظهر ان المشركين انما اتبعوا أهواءهم جاهلين فاقم أنت وَجْهَكَ اى أخلص بوجهك لِلدِّينِ اى للاسلام حَنِيفاً مائلا اليه مستقيما عليه غير ملتفت عنه الى غيره فِطْرَتَ اللَّهِ منصوب على الإغراء اى الزموا فطرة الله اى خلقته والمراد به دينه يعنى الإسلام كذا قال ابن عباس رض وجماعة من المفسرين فالاية خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ولامته بتبعيته فالاية بمنزلة التأكيد او التفسير لما قبله سماه فطرة لكونه لازما لكل مخلوق كما يدل عليه قوله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها خلقهم مستعدين لها متمكنين على إدراكها وقيل المراد به العهد المأخوذ من آدم وذريته بقوله أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى قالوا كل مولود فى العالم مولود على ذلك الإقرار وهو الحنيفة التي وقعت الخلفة عليها وقد مرّ ما ورد فى هذا الباب فى تفسير هذه الاية فى سورة الأعراف عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهود انه او ينصرانه او يمحبسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاع هل تحسون فيها من جدعاء ثم قرأ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ متفق عليه يعنى كل مولود يولد فى مبدا الخلقة على الجبلة السليمة والطبع المهيا لقبول الحق فلو ترك عليها لاستمر على

لزومها لان هذا الدين مركوز فى العقول السليمة حسنه وانما يعدل عنه من يعدل لافة من الآفات كتقليد الآباء قوله تعالى لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ الظرف المستقر خبر الله والجملة الخبرية معناه النهى يعنى لا تبدلوا دين الله قال مجاهد وابراهيم النخعي الزموا فطرة الله واتبعوه ولا تبدلوا التوحيد بالشرك- وقيل فطرة الله منصوب على المصدرية لفعل دل عليه ما بعده يعنى فطر الله الناس فطرة التي فطرهم عليها حكى عن عبد الله بن مبارك قال معنى الحديث كل مولود يولد على الفطرة اى على خلقته التي جبل عليها فى علم الله من السعادة او الشقاوة وكل منهم صائر فى العاقبة الى ما فطر الله عليها وعامل فى الدنيا بالعمل المشاكل لها وعلى هذا معنى قوله تعالى لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ يعنى ما جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاوة لا يتبدل فلا يكون الشقي سعيدا ولا السعيد شقيّا عن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله اليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله واجله ورزقه وشقى او سعيد ثم ينفخ فيه الروح فو الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها وان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الاذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها. متفق عليه وعن ابى الدرداء قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر ما يكون إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوه وإذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوه فانه يصير الى ما جبل عليه. رواه احمد والمعنى على هذا التأويل ان الله فطر كلّا على فطرة لا يتبدل وقد فطرك ومن معك سعداء فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ كانه تعليل وتشجيع على الإخلاص وجاز ان يكون فطرة الله على هذا التأويل منصوبا بتقدير ملتزمين فطرة الله التي فطركم عليها فوضع الظاهر يعنى لفظ الناس موضع الضمير اشعارا بان الناس كلهم مغطورون على فطرة غير تاركوها فانتم اقيموا وجوهكم للدين قال عكرمة ومجاهد يعنى لا تبدلوا خلق الله والمراد منه تحريم اخصاء البهائم ذلِكَ اشارة الى الدين المأمور بالإقامة او الفطرة على التأويل الاول الدِّينُ الْقَيِّمُ المستقيم الذي لا اعوجاج

[سورة الروم (30) : الآيات 31 إلى 32]

فيه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعنى كفار مكة لا يَعْلَمُونَ استقامة لعدم تدبرهم. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ اى راجعين اليه من أناب إذا رجع مرة بعد اخرى وقيل معناه منقطعين اليه من غيره من الناب منصوب بفعل مقدر وهو كونوا بدليل عطف لا تكونوا عليه او حال من الضمير فى الزموا او ملتزمين الناصب المقدر لفطرت الله او فى أقم لان الاية خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وأمته صدّرت بخطاب الرسول لتعظيمه كما فى قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ يدل عليه قوله وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ بدل من المشركين يعنى تقرقوا واختلفوا فيما يعبدونه على اختلاف اهوائهم قرأ حمزة والكسائي فارقوا يعنى تركوا دينهم الّذى أمروا به وَكانُوا شِيَعاً فرقا تشايع كل امامها الذي اخترع لهم دينا قيل المراد به اهل البدع من هذه الامة حيث تركوا دين الحق واتبعوا أهواءهم واطلق عليهم لفظ المشركين لكونهم ممن اتخذ الهه هواه عن عبد الله بن عمرو رض قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة كلهم فى النار الا واحدة قيل من هى يا رسول الله قال ما انا عليه وأصحابي- رواه الترمذي كُلُّ حِزْبٍ منهم بِما لَدَيْهِمْ من الاعتقاد فَرِحُونَ مسرورون ظنّا بانهم على الحق روى الدارمي عن ابراهيم بن إسحاق عن ابن المبارك عن الأوزاعي قال قال إبليس لاوليائه من اى شىء تأتون بنى آدم فقالوا من كل شىء فقال فهل تأتونهم من قبل الاستغفار فقالوا هيهات ذاك شىء قرن بالتوحيد قال لابثن فيهم شيئا لا يستغفرون منه قال فبث فيهم الأهواء. وَإِذا مَسَّ النَّاسَ يعنى كفار مكة ضُرٌّ قحط وشدة دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ راجعون اليه من دعاء غيره ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً خلاصا من الشدة او خصبا ورحمة إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ فاجاء فريق منهم بالاشراك بربهم الذي عافاهم ونسبوا معافاتهم الى غيره- عن زيد بن خالد الجهتى قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة الصبح بالحديبية على اثر سماء كانت من الليل فلما انصرف اقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال قال أصبح من عبادى مؤمن وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب واما

[سورة الروم (30) : آية 34]

من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب متفق عليه وعن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما انزل الله من السماء بركة الا أصبح فريق من الناس بها كافرين ينزل الله الغيث فيقول بكوكب كذا وكذا. رواه مسلم. لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ اللام فيه للعاقبة وقيل للامر بمعنى التهديد لقوله تعالى فَتَمَتَّعُوا غير ان فيه التفات من الغيبة الى الخطاب فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة تمتيعكم. أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً أم منقطعة بمعنى بل والهمزة والاستفهام للانكار عطف على كلّ حزب بما لديهم فرحون وجاز ان يكون متصلة معطوفة على مقدر تقديره أيشركون بلا حجة أم أنزلنا عليهم سلطانا قال ابن عباس يعنى حجة وعذرا وقال قتادة كتابا وقيل ذو سلطان يعنى ملكا معه برهان او رسولا مؤيدا بالمعجزة فَهُوَ يَتَكَلَّمُ نطقا او دلالة كقوله تعالى كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ اى باشراكهم وصحته او بالأمر الذي بسببه يشركون به وبالوهيته والاستفهام فى أم أنزلنا للتقرير يعنى حمل المخاطب على الإقرار بانهم يشركون بلا حجة. وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً نعمة من صحة وسعة فَرِحُوا بطروا بِها بسببها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ اشدة بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ اى بشوم معاصيهم إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ فاجاءوا القنوط من رحمته وهذا خلاف وصف المؤمن فانه يشكر عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة ويصبر ويحتسب. أَوَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم يتفكروا ولم يعلموا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ اى يضيق فما لهم بطروا فى السراء ولم يشكروا وقنطوا فى الضراء ولم يرجعوا الى الله راجين مغفرته بالندم والتوبة وترك المعصية ولم يصبروا ولم يحتسبوا كالمؤمنين إِنَّ فِي ذلِكَ القبض والبسط لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يستدلون بهما على كمال القدرة والحكمة. فَآتِ الفاء للسببية يعنى إذا عرفت ان قبض الرزق والبسط من الله تعالى فات ذَا الْقُرْبى مصدر بمعنى القرابة حَقَّهُ من البر والصلة والنفقة الواجبة بقوله تعالى وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ وقد مرّ بحث نفقة المحارم فى تفسير تلك الاية فى سورة البقرة وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ المسافر الّذى ليس معه ما له وكان له مال فى وطنه اتهم حقوقهم من مال الزكوة ابتغاء مرضات

[سورة الروم (30) : آية 39]

الله ورجاء من فضله فى الدنيا والاخرة ذلِكَ الإيتاء خَيْرٌ من إيثار اللذات لانفسهم لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ اى ذاته او جهته يعنى يقصدون به رضاءه ويرجون ثوابه دون من يؤتى رياء وسمعة وَأُولئِكَ عطف على الموصول او على ذلك هُمُ الْمُفْلِحُونَ دون غيرهم فانهم اشتروا بالدنيا الفانية العقبى الباقية. وَما آتَيْتُمْ بالمد عند الجمهور يعنى ما أعطيتم أكلة الربوا مِنْ رِباً زيادة محرمة فى المعاملة او عطية مباحة من هدية او هبة يتوقع بها مزيد مكافاة وعلى هذا التأويل سمى العطية بالربا باسم المطلوب وهو الزيادة- وقرأ ابن كثير ما آتيتم فى الموضعين مقصورا اى ما جئتم به من إعطاء زيادة محرمة او عطية مباحة يتوقعون بها مزيد مكافاة لِيَرْبُوَا قرأ اهل المدينة ويعقوب بالتاء للخطاب مضمومة والباء المضمومة واسكان الواو اى لتربوا أنتم وتصيرون ذا زيادة فِي أَمْوالِ النَّاسِ اى اموال المعطين او المعطى لهم وقرأ الباقون ليربوا بالياء التحتانية المفتوحة وفتح الواو اى ليزيدوا فى أموالهم فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ فلا يزيدوا عنده ولا يبارك فيه. قال البغوي اختلفوا فى معنى الاية فقال سعيد بن جبير رض ومجاهد وطاءوس وقتادة واكثر المفسرين هو الرجل يعطى غيره العطية ليثيب اكثر منها وهذا جائز حلال ولكن لا يثاب عليه يوم القيامة وهو معنى قوله فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وكان هذا حراما على النّبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وقال الضحاك هو الرجل يعطى قريبه او صديقه لتكثير ماله ولا يريد به وجه الله وقال الشعبي هو الرجل يلتزق بالرجل فيخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح ماله التماس عونه لا لوجه الله فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ لانه لا يريد به وجهه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى الدنيا يصيبها او امراة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ اى ما أعطيتم من صدقة او فعلتم أداء الزكوة تُرِيدُونَ به وَجْهَ اللَّهِ ذاته او ثوابه ورضاءه فَأُولئِكَ يعنى الذين يؤتون الزّكوة هُمُ الْمُضْعِفُونَ اى الذين يضاعف لهم الثواب فيعطون بالحسنة عشرة أمثالها الى سبع مائة ضعف الى ما لا نهاية له ويضاعف لهم أموالهم ببركة الزكوة او المعنى هم ذووا

[سورة الروم (30) : آية 40]

الأضعاف من الثواب نظيره المقوي والموسر لذى القوة واليسار- وتغييره عن سنن المقابلة عبارة ونظما للمبالغة والالتفات فيه للتعظيم كانه خاطب به الملائكة وخواص الخلق تعريفا لحالهم او للتعميم كانه قال من فعل ذلك فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ والراجع منه محذوف ان جعلت ما موصولة تقديره المضعفون به وقال الزجاج تقديره تاهلها هم المضعفون. اللَّهُ مبتدا وما بعده خبره الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ... هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ اى ممن اشركتموها بالله من الأصنام وغيرها والاستفهام للانكار اى ليس شىء منها مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ذكر الله سبحانه لوازم الالوهية وأثبتها لنفسه ونفاها عن غيره مؤكدا بالإنكار على ما دل عليه البرهان والعيان ووقع عليه الوفاق ثم استنتج من ذلك تقدسه عن ان يكون له شريكا فقال سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ قرا «وخلف ابو محمد» حمزة والكسائي بالتاء الفوقانية والباقون بالياء التحتانية وجاز ان يكون الَّذِي خَلَقَكُمْ صفة لله وهَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ خبره والرابط من ذلكم لانه بمعنى من أفعاله تقديره الله الّذى خلقكم هل من شركائكم من يفعل شيئا من أفعاله. من الاولى والثانية تفيد ان شيوع الحكم فى جنس الشركاء والافعال والثالثة مزيدة لتعميم النفي وكل منها مستقلة لتعجيز الشركاء. ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ كالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق والقتال والجدال ومحق البركات والظلم وكثرة المضار والأمراض والضلال والرياح المفسدة فى البحار ومصادمة الدواب فى البحار. وقال البغوي أراد بالبر البوادي والمفاوز وبالبحر المدائن والقرى التي على المياه الجارية واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن عكرمة انه قال العرب يسمى المصر يحرا يقول احدبت البر وانقطعت مادة البحر وقال عطية وغيرها البر ظهر الأرض من الأمصار وغيرها والبحر هو البحر المعروف وقلة المطر كما تؤثر فى البر تؤثر فى البحر فتخلوا جواف الاصداف لان الصدف إذا جاء المطر ترتفع الى وجه البحر وتفتح فاه فما يقع فى فيه من المطر صار لؤلؤا وقال ابن عباس ومجاهد الفساد فى البر قتل ابن آدم أخاه وفى البحر غصب الملك الجابر السفينة اخرج الفريابي وابن المنذر رض وابن ابى حاتم عن مجاهد انه قال ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ بقتل قابيل أخاه وفى البحر بان ملك عمان جلندى كان يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً وقال الضحاك كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتى ابن آدم شجرة «اى ذات أفق اى ذات كلاء وأنيق حسن معجب»

[سورة الروم (30) : آية 42]

الا وجد عليها ثمرة وكان ماء البحر عذبا وكان لا يقصد الأسد البقر والغنم فلمّا قتل قابيل هابيل اقشرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحا أجاجا وقصد الحيوان بعضه بعضا بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ اى بشوم معاصيهم او بكسبهم إياه يعنى وقع القحط والجدب بمكة بشوم معاصى أهلها حتى أكلوا العظام والجيف لِيُذِيقَهُمْ قرأ قنبل بالنون على التكلم والباقون بالياء بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا اى بعض جزائه فان تمام الجزاء فى الاخرة واللام للعلة او العاقبة لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ اى لكى يرجعوا من أعمالهم الخبيثة متعلق بقوله لِيُذِيقَهُمْ قال قتادة امتلأت الأرض ظلما وضلالة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلمّا بعث رجع راجعون من الناس-. قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ اى من قبلكم لتروا منازل الذين ظلموا خاوية كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ الجملة حال بتقدير قد او استيناف للدلالة على ان سوء عاقبتهم كان لظهور الشرك وغليته فيهم او كان الشرك فى أكثرهم وما دونه من المعاصي فى قليلهم فاهلكوا جميعا بشوم الجار السوء او بتركهم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر جملة قل سيروا تأكيد من حيث المعنى ليذيقهم لدلالة على اذاقة العذاب. فَأَقِمْ وَجْهَكَ حذرا عما لحق بمن قبلك فالفاء للسببية لِلدِّينِ الْقَيِّمِ البليغ فى الاستقامة وهو دين الإسلام مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ اى لا يقدر أحد ان يرده مِنَ اللَّهِ متعلق بيأتي او بمردّ لانه مصدر على معنى لا يرده الله لتعلق إرادته بمجيئه يمكن ان يكون المراد بذلك اليوم يوم يأتيهم العذاب فى الدنيا والظاهر ان المراد به يوم القيامة يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ أصله يتّصدّعون اى يتضرفون فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فى السّعير او فريق يعذب فى الدنيا وفريق لا يعذب كيوم بدر. مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ اى وباله فى الدنيا والاخرة وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ اى يسوون منازل حسنة فى القبور وفى الجنة. لِيَجْزِيَ الله متعلق بيمهدون الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ظاهر موضع الضمير لبيان مناط جزائهم مِنْ فَضْلِهِ متعلق بيجزى قال ابن عباس رض ليثيبهم الله اكثر من ثواب أعمالهم اقتصر على جزاء المؤمنين للاشعار بانه المقصود بالذات وان الله انما يريد الاثابة الا من ابى وظلم على نفسه واختار النار

لاجل كفرهم كما يدل عليه قوله إِنَّهُ اى الله لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ فهم بكفرهم لم يستحقوا تفضله وقال الشيخ جلال الدين قوله ليجزى متعلق بيصّدّعون وقد ذكر جزاء الفريقين فان قوله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ معناه انه يعاقبهم والله اعلم. وقوله من فضله دالّ على ان الاثابة تفضل محض وتأويله بالعطاء او الزيادة على الثواب عدول عن الظاهر قلت ويؤيده ما اخرج احمد فى الزهد عن ابى الحارث قال اوحى الله تعالى الى داود انذر عبادى الصالحين فلا يعجبوا بانفسهم ولا يتكلوا على أعمالهم فانه ليس عبد من عبادى أنصبه للحساب وأقيم عليه عدلى الا عذبته واخرج ابو نعيم عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تبارك وتعالى اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا اناصب عبدا لحساب يوم القيامة أشاء أعذبه الا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك لا يلقوا بايديهم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي- واخرج الطبراني عن واثلة بن الأسقع رضى الله عنه يبعث الله يوم القيامة عبدا لا ذنب له فيقول الله تبارك وتعالى باىّ الامرين أحب إليك ان اجزى بعملك او بنعمتي عليك قال اى رب أنت اعلم انى لم اعصك قال خذوا عبدى بنعمة من نعمى فما يبقى له حسنة الا استغرقتها تلك النعمة فيقول بنعمتك ورحمتك. واخرج البزار عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح وديوان فيه ذنوبه وديوان فيه النعم من الله تعالى يقول الله تعالى لاصغر نعمة من ديوان النعم خذى منك من العمل الصالح فتستوعب العمل الصالح فيقول وعزتك ما استوعبت ويبقى الذنوب وقد ذهب العمل الصالح كله فاذا أراد الله تعالى ان يرحم عبدا قال يا عبدى قد ضاعفت ولك حسناتك وتجاوزت عن سياتك ووهبت لك نعمتى واخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال لا اله الا الله كان له بها عهدا عند الله ومن قال سبحان الله كتب له بها مائة الف حسنة فقال رجل يا رسول الله كيف نهلك بعد هذا قال والّذى نفسى بيده ان الرجل ليجىء يوم القيامة بعمل لو وضع على جبل لاثقله فتقوم نعمة من نعم الله تعالى فكان كله يستنفد ذلك كله يوما يتفضل الله به من رحمته

[سورة الروم (30) : آية 46]

واخرج الشيخان عن عائشة وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سددوا وقاربوا وابشروا فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى الله بمغفرته ورحمته- وعند مسلم عن جابر نحوه وقد ورد هذا ايضا من حديث ابى سعيد أخرجه احمد ومن حديث ابن ابى موسى وشريك بن طارق أخرجهما البزار ومن حديث شريك بن طريف واسامة بن شريك واسد بن كرز أخرجها الطبراني. وهاهنا إشكالان أحدهما انه لا يبقى حينئذ فائدة فى الطاعة وترك المعصية فان الله تعالى لو لم يتفضل عذّب اهل الطاعة ولو تفضل غفر اهل المعصية وادخل الجنة وثانيهما انه معارض لقوله تعالى ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فانه يدل على ان دخول الجنة مسبب بالأعمال- والجواب عن الاول ان الطاعة يقتضى محبة الله عبده حيث قال الله تعالى إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله سبحانه ما يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحببته رواه البخاري عن ابى هريرة فى حديث طويل والمحبة يقتضى التفضل والتفضل سبب لجلب كل خير ودفع كل ضرر وعن الثاني بان للجنة منازل تنال فيها بالأعمال فان درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال واما اصل دخولها والخلود فيها فبفضل الله ورحمته يؤيده ما أخرجه هناد فى الزهد عن ابن مسعود قال تجوزون الصراط بعفو الله وتدخلون الجنة برحمة الله وتقسمون المنازل بأعمالكم واخرج ابو نعيم عن عون بن عبد الله مثله والله اعلم.. وَمِنْ آياتِهِ دلائل قدرته أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ من الشمال الى الجنوب وبالعكس ومن المشرق الى المغرب وبالعكس على حسب إرادته من غير محرك كما يشهد به الحس قرا حمزة «1» والكسائي الرّيح على ارادة الجنس مُبَشِّراتٍ بالمطر حال من الرياح وَلِيُذِيقَكُمْ المذوقات من الحبوب والثمار وغيرها معطوف على معنى مبشرات كانّه قال ليبشركم وليذيقكم او على محذوف تقديره يرسل

_ (1) هذا وهم لانهم جمعوا على قراءته بالجمع والمختلف فيه الرّيح فتثير والذي وقع بعد هذا فقرأه بالتوحيد ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف- ابو محمد عفاء الله عنه-

[سورة الروم (30) : آية 47]

الرياح ليذهب عنكم الحر والسموم وليذيقكم مِنْ رَحْمَتِهِ من للابتداء وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بالرياح بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا الأرباح بالتجارة فى البحر مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اى ولتشكروا نعم الله فيها فتجلبوا ثمراته فى الدنيا والاخرة جملة من آياته متصل بقوله اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ الاية.. لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالدلالات الواضحات على صدقهم فامن بهم قوم وكفر بهم آخرون يدل عليه قوله انْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا اى عذبنا الذين كفروا بهم كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ معطوف على جملة محذوفة تقديره ونصرنا الذين أمنوا كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ وفيه اشعار بان الانتقام من الكفار كان لاجل نصر المؤمنين واظهار كرامتهم. فان قيل هذه الاية تدل على وجوب نصر المؤمنين تفضلا فيلزم منه ان لا يغلب الكفار عليهم قط وقد يرى خلاف ذلك- قلنا اللام والاضافة فى نصر المؤمنين للعهد والمراد ان المؤمنين الذين جاهدوا الكفار خالصا لاعلاء كلمة الله والموعود من الله ان ينصرهم ولو بعد حين وعن ابى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم يرد عن عرض أخيه الا كان حقّا على الله.. ... ان يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا هذه الاية كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ . أخرجه الترمذي وحسنه وأخرجه إسحاق بن راهويه والطبراني وغيرهما من حديث اسماء بنت يزيد وقد يوقف على حقّا على انه متعلق بالانتقام. اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ متصلا تارة فِي السَّماءِ اى فى سمتها كقوله تعالى وفرعها فى السماء كَيْفَ يَشاءُ حال من مفعول يبسط اى سائرا او واقعا مطبقا او غير مطبق من جانب دون جانب الى غير ذلك وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً قطعا تارة اخرى «بخلاف عن وهب وابو جعفر- ابو محمد» قرأ ابن عامر بسكون السين على انه مخففا او جمع كسقة او مصدر وصف به فَتَرَى الْوَدْقَ المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فى التارتين فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يعنى بلدهم إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ يفرحون بمجئى الخصب. وَإِنْ كانُوا مخففة من الثقيلة يعنى وانهم كانوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ المطر خفف المكي و «بضريان- ابو محمد و» البصري ينزل مِنْ قَبْلِهِ

[سورة الروم (30) : آية 50]

تكرير للتأكيد والدلالة على تطاول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم وليس فى قراءة ابن مسعود كلمة من قبله لَمُبْلِسِينَ اللام فارقة وقيل ان نافية واللام بمعنى الا والمعنى وما كانوا من قبله الا آيسين. فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ يعنى اثار الغيث من النبات والأشجار والحبوب والثمار ولذلك جمعه ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي وقرأ الجمهور اثر رحمت الله مفردا على ارادة الجنس كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بالانبات بَعْدَ مَوْتِها اى يبسها إِنَّ ذلِكَ الذي قدر على احياء الأرض بعد موتها لَمُحْيِ الْمَوْتى يحييهم بعد ما يميتهم فما وجه انكاركم ايها الكفار بعد ما تشاهدون ما يماثله وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ان نسبة قدرته الى جميع الممكنات على السواء. وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً موجبا ليبس الأرض فَرَأَوْهُ اى راوا الأثر او الزرع فانه مدلول عليه بما تقدم مُصْفَرًّا واللام جواب قسم مقدر لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ بنعمة الله جواب للقسم سدّ مسد الجزاء مبنية حال الكفار لقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم- والنظر السوي يقتضى ان يتوكلوا على الله ويلتجئوا اليه بالاستغفار إذا احتبس المطر عنهم ولا ييئسوا من رحمة الله. وان يبادروا الى الشكر والاستدانة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولا يفرطوا فى الاستبشار وان يصبروا على بلائه إذا ضرب بزرعهم آفة ولا يكفروا نعمه. فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى «1» وهم مثلهم لسدهم عن الحق مشاعرهم وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ قرأ ابن كثير لا يسمع بالياء على الغيب على البناء للفاعل من المجرد ورفع الصم والجمهور على صيغة الخطاب من الافعال ونصب الصم الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ

_ (1) اخرج مسلم عن انس رض بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثة ايام حتى جيفوا ثم أتاهم فقام يناديهم فقال يا امية بن خلف يا أبا جهل بن هشام يا عتبة بن ربيعة هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا فسمع عمر صوته فجاء فقال يا رسول الله تناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون يقول الله إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى فقال والّذى نفسى بيده ما أنتم باسمع منهم ولكنهم لا يطيقون ان يجيبوا- وروى مثله عن ابن عمر قلت إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الموتى تسمع كلام الحي فمعنى قوله تعالى إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى باختيارك وقدرتك كما أنت تسمع الحىّ على ما جرى به عادة الله تعالى لكن الله تعالى يسمع الموتى كلام الاحياء إذا شاء او انك لا تسمع الموتى سماعا تترتب عليه الفائدة 12 منه نور الله مرقده-

[سورة الروم (30) : آية 53]

قيد الحكم به ليكون أشد استحالة فان الأصم المقبل وان لم يسمع الكلام يفطن منه بواسطة الحركات شيئا. وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ اى الكفار قرأ حمزة تهدى بصيغة المضارع سماهم عميا لفقدهم المقصود الحقيقي من الابصار او لعمى قلوبهم عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ سماع إفهام وقبول إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فان ايمانهم يدعوهم الى تلقى اللفظ وتدبر المعنى ويجوز ان يراد بالمؤمن المشارف للايمان او من قدر الله له الايمان فَهُمْ مُسْلِمُونَ لما تأمرهم به.. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ اى ابتداؤكم ضعف اى ضعف الطفولية او جعل الضعف أساس أمركم كقوله تعالى خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ او المعنى خلقكم من اصل ضعيف وهو النطفة اى ذى ضعف كقوله تعالى أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ اى ضعف الطفولية قُوَّةً اى شبابا ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً هرما وَشَيْبَةً قرأ ابو بكر وحمزة من ضعف فى المواضع الثلاثة بفتح الضاد وكذلك روى حفص عن عاصم فيهن غير انه ترك ذلك واختار الضم اتباعا منه لرواية حدثه بها الفضل بن مرزوق عن عطية العوفى عن عبد الله بن عمر رض انه صلى الله عليه وسلم اقرأ ذلك بالضم وردّ عليه الفتح- كذا اخرج ابو داؤد والترمذي عن ابن عمر رض وهذه الرواية ضعيفة كذا قال الداني وما رواه حفص عن عاصم عن ائمته أصح والباقون بضم الضاد فيهن كذا قال الداني وقال البغوي فى التفسير قرأ حفص بضم الضاد وفتحها والآخرون بفتحها وهما لغتان فالضمة لغة قريش والفتح لغة تميم وفى القاموس الضعف بالفتح فى الرأي وبالضم فى البدن يَخْلُقُ ما يَشاءُ من الضعف والقوة والشباب والشيب وَهُوَ الْعَلِيمُ بتدبير خلقه الْقَدِيرُ على كل ما يشاء. وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ اى القيامة سميت بها لانها تقوم فى اخر ساعة من ساعات الدنيا او لانها يقع بغتة وصارت علما لها بالغلبة كالكواكب للزهرة يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ يحلف المشركون ما لَبِثُوا فى الدّنيا والقبور بدليل قوله تعالى. لَقَدْ لَبِثْتُمْ ... إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ ... غَيْرَ ساعَةٍ من الزمان استقلوا مدة لبثهم اضافة الى مدة عذابهم فى الاخرة او نسيانا او لان ما مضى صار كان لم يكن قال الله تعالى كَذلِكَ اى مثل ذلك الصرف عن الصدق والتحقيق كانُوا فى الدنيا يُؤْفَكُونَ يصرفون عن الحق حيث

[سورة الروم (30) : آية 57]

كانوا يشركون بالله ويقولون ان لا بعث وَقالَ عطف على يقسم المجرمون الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ اى الملائكة والأنبياء والمؤمنون ردّا لقولهم لَقَدْ لَبِثْتُمْ زمانا كتب الله لكم لبثه فِي كِتابِ اللَّهِ او زمانا كائنا فى كتاب الله اى مكتوبا فيه مدة لبثكم او لبثتم لبثا كائنا فى كتاب الله اى اللوح المحفوظ او صحف الملائكة الموكلين بالأرحام حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثمّ يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله اليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله واجله الحديث- او القران وهو قوله تعالى وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ متعلق بقوله لبثتم فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ الّذى كنتم تنكرونه فى الدنيا جملة معترضة او جواب شرط محذوف تقديره ان كنتم تنكرون البعث فهذا يوم البعث اى فانتم مبطلون وقد تبين بطلان انكاركم وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ انه حق لتفريطكم فى النظر. فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ قرأ الكوفيون لا ينفع بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية لتأنيث الفاعل لكنه غير حقيقى ومفصول وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ اى لا يطلب منهم العتبى اى الرضاء كذا فى القاموس يعنى لا يطلب منهم موجبات رضاء الله منهم من التوبة والطاعة كما طلب منهم فى الدنيا من قولهم استعتبني فلان فاعتبته اى استرضانى فارضية او المعنى لا يطلب رضاؤهم بالله كما يطلب من المؤمنين رضاؤهم عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يقول لاهل الجنة هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من الخلق فيقول اما أعطيكم أفضل من ذلك قالوا وما أفضل من ذلك فيقول احلّ لكم رضوانى فلا أسخط بعده- متفق عليه وقال الله تعالى وَلَسَوْفَ يَرْضى.. وَلَقَدْ ضَرَبْنا اى بيّنّا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ اى انواع الحكايات التي هى فى الغرابة كالامثال مثل صفة المبعوثين من الكفار يوم القيامة وما يقولون وما يقال لهم وما لا يكون لهم من الانتفاع بالمعذرة وعدم استغنائهم. او بينّا لهم من كل مثل ينبّههم على التوحيد والبعث وصدق الرسول وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ

[سورة الروم (30) : آية 59]

جواب قسم محذوف بِآيَةٍ من آيات القران او معجزة كعصا موسى لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا من فرط غباوتهم وقساوة قلوبهم إِنْ أَنْتُمْ يعنون الرسول والمؤمنين إِلَّا مُبْطِلُونَ اى قائلون بالأباطيل. كَذلِكَ اى طبعا مثل ذلك الطبع الذي طبعنا على قلوب كفار مكة الّذين قالوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ توحيد الله او لا يطلبون العلم ويصرون على خرافات اعتقدوها فان الجهل المركب يمنع عن ادراك الحق ويوجب تكذيب المحق. فَاصْبِرْ على اذاهم إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بنصرتك واظهار دينك على سائر الأديان حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ اى لا يجملنك على الخفة والقلق او لا يحملنك على الجهل واتباعهم فى الغى الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ بتكذيبهم وإيذائهم- تم تفسير سورة الروم خامس عشر رجب سنة الف ومائتين وست والحمد لله رب العالمين ويتلوه إنشاء الله تعالى سورة لقمان والحمد لله.

سورة لقمان

سورة لقمان مكّية وهى اربع «1» وثلاثون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ذى حكمة او وصف الكتاب بصفة الله عز وجلّ على الاسناد المجازى والاضافة بمعنى من. هُدىً وَرَحْمَةً قرأ حمزة بالرفع على انه خبر بعد خبر لتلك او خبر لمحذوف اى هى هدى ورحمة والحمل على المبالغة كزيد عدل او بحذف المضاف اى ذات هدى والباقون بالنصب على الحال من الآيات والعامل فيه معنى الاشارة لِلْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ بيان لاحسانهم او تخصيص بهذه الثلاثة من شعبه لفضل اعتداد بها وتكرير الضمير للتؤكيد ولما جعل بينه وبين خبره. أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فائزون مقاصدهم لاستجماعهم العقيدة والعمل الصالح. اخرج جويبر عن ابن عباس قال اشترى النضر بن الحارث قينة فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام الا انطلق به الى قينة فيقول أطعميه واسقيه وغنيه هذا خير مما يدعوك اليه محمد من الصلاة والصيام وان تقاتل بين يديه فنزلت. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ اى ما تلهى وتشتغل عما يفيد من الأحاديث التي لا اصل لها والأساطير التي لا اعتبار فيها والمضاحيك وفضول الكلام- والاضافة بيانية بمعنى من ان أراد بالحديث المنكر او تبعيضية ايضا بمعنى من ان أراد به الأعم منه. واخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس انها نزلت فى رجل من قريش اشترى

_ (1) وفى الأصل تسع وثلاثون صدر هذا من سبق قلم لا شك فيه. لان آياتها ثلاث وثلاثون عند اهل الحجاز واربع وثلاثون للباقى- ابو محمّد عفا الله عنه

جارية مغنية وروى البغوي عن ابى سلمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل تعليم المغنيات وأثمانهن حرام وفى مثل هذا نزلت وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الاية وما من رجل يرفع صوته بالغناء الا بعث الله شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب ولا يزالان يضربان بارجلهما حتى يكون هو الذي يسكت- اخرج الترمذي وغيره عن ابى امامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير فى تجارة فيهن وثمنهن حرام وفى مثل هذا أنزلت وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ- وقال البغوي قال مقاتل والكلبي نزلت فى النضر بن الحارث بن كلدة كان يتّجر فيأتى الحيرة ويشترى بها اخبار الأعاجم ويحدث بها قريشا ويقول ان محمدا يحدنكم بحديث عاد وثمود وانا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار واخبار الاكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القران فانزل الله هذه الاية- وكذا اخرج البيهقي فى شعب الايمان عن ابن عباس رض وقال مجاهد يعنى القينات والمغنين ومعنى الاية على هذا مَنْ يَشْتَرِي ذات لهو او ذا لهو الحديث او المعنى من يشتري لهو الحديث اى يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القران- قال مكحول من اشترى جارية ضرابة لتمسكها لعنائها وضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصلّ عليه لان الله تعالى قال وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الاية- وعن ابن مسعود رض وابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا لهو الحديث الغناء والاية نزلت فيه وقال ابو الصهباء البكري سالت ابن مسعود عن هذه الاية قال هو الغناء والله الذي لا اله الا هو يردّدها ثلاث مرات- وقال ابن جريج هو الطبل قلت مورد النص وان كان خاصّا وهو الغناء او قصص الأعاجم لكن اللفظ عام والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ومن اقال قتادة هو كل لهو ولعب وقال الضحاك هو الشرك. (مسئلة) : - اتخاذ المعازف والمزامير حرام باتفاق فقهاء «1» الأمصار عن ابى

_ (1) فى المتفق ضرب المزامير واستماعها حرام وفى الفتاوى الكبرى يحرم ضرب الطبل واستماعه لانه من الملاهي الا طبول الحراب والقافلة لان فيها اعلاما للغزاة والرفقاء وانه طاعة وفى الملتقط ومن الناس من يقول لا بأس بالغناء فى الأعراس والوليمة الا ترى انه لا يأس بضرب الدف فى الأعراس والوليمة وان كان فى ذلك نوع لهو وانما لم يكن به بأس لانه فيه اظهار النكاح واعلانيه وبه امر صاحب الشرع حيث قال أعلنوا النكاح ولو بالدّف وكذلك الفتوى- وفى الذخيرة ومنهم من قال لا بأس بالدّفّ فى الأعياد روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا فى بيته يوم العيد وفى دهليزه جاريتان تغنيان بالدّف فجاء ابو بكر وقال لهما أتغنّيان فى دهليز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السّلام دعهما فان هذا اليوم يوم عيد 12 قدس سره-

هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وكسب الزمارة- رواه البغوي وعن ابى مالك الأشعري انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يشربون الناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ويضرب على رؤسهم المعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير رواه ابن ماجة وصححه ابن حبان وأصله فى صحيح البخاري وعن على بن ابى طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء قيل وما هى يا رسول الله قال إذا كان المغنم دولا والامانة مغنما والزكوة مغرما وأطاع الرجل زوجته وعقّ امه وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الأصوات فى المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شرة وشربت الخمر ولبست الحرير واتخذت القينات والمعازف ولعن اخر هذه الامة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وخسفا ومسخا- رواه الترمذي وقال غريب- (مسئله) : - قالت الفقهاء الغناء حرام بهذه الاية لكونه لهو الحديث وبما ذكرنا من الأحاديث. وقالت الصوفية كان من الرجال ذى قلب مطمئن بذكر الله فارغا عن غيره لا يلتفت الى ما سوى الله ولا يكون المغنى محلّا للشهوة وكان المجلس خاليا عن الأغيار ولا يكون وقت صلوة او نحوها جاز له السماع بل يستحب لان فى السماع خاصية انه يستعمل به نار المحبة الجامدة المستورة فى القلب وذلك هو السبب لحرمته فى حق العامة فان العوام قلوبهم مشغولة بحب النساء او الغلمان فعند السماع يشتعل ذلك المحبّة ويشغلهم عن ذكر الله فكان فى حقهم لهو الحديث ومن كان قلبه مشغولا بمحبة الله وذكره فارغا عن غيره يكون السماع فى حقه موجبا لاشتغال

محبة الله فيكون فى حقه مستحبا «1» - والجواب عن النصوص ان الاية ناطقة بالحرمة لما هو لهو الحديث وسماع الصوفية ليس منه والأحاديث الموجبة لحرمة الغناء مخصوصه بالبعض لورود أحاديث اخر دالة على الإباحة فحملنا أحاديث حرمة الغناء على ما كان منه على قصد اللهو لا لغرض مشروع داعيا الى الفسوق- فلنذكر الأحاديث الدالة على اباحة الغناء بل على اباحة ضرب الدف ايضا منها حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بنى علىّ فجلس على فراشى كمجلسك منى فجعلت جويريات لنا يضر بن بالدف ويندبن من قتل من ابائى يوم بدر إذ قالت إحداهن. وفينا نبى يعلم ما فى غد فقال دعى هذه وقولى ما كنت تقولين رواه البخاري وروى ابن ماجة نحوه وفيه اما هذا فلا تقولوه لا يعلم ما فى غد الا الله- وعن عائشة قالت زفت امرأة الى رجل من الأنصار فقال نبى الله صلى الله عليه وسلم ما كان معكم لهو فان

_ (1) فى شرح الكافي واعلم ان المكروه من السماع عند علمائنا ما يكون على سبيل اللهو وارادة العصيان بان يجتمع الفساق على ذلك ويتركون الصلاة وقراءة القران- واما ما كان من اهل الصلاة واهل القران من جملة الصالحين فسماع هؤلاء حلال بلا خلاف بين علمائنا إذ لا يريدون بذلك الا وجه الله وحضوره ويذكرون الله فى خوف الاخرة وكل ذلك محمود غير مذموم والتواجد والرقص ايضا غير مذموم لهذا المعنى- وفى شرح البزدوى المسمى بالنوري صنفه ابو القاسم بن محمد بن عبد الله الدمشقي- اعلم ان السماع انما يختلف علماءنا فى حقه فهو ما كان على سبيل اللهو واللعب يجتمع الفساق وشاربوا الخمر وتركوا الصلاة- فاما من سمع السماع وهو صالح دائم الصلاة لا تارك الورد وقراءة القران فهو حلال بلا خلاف بين علمائنا وكذلك الرقص والتواجد وفى الاقناع ان السماع يحصل به رقة القلب والخشوع واثارة الشوق الى لقاء الله تعالى والخوف من سخطه وعذابه والمفضى الى ذلك قربة فاذا كان السماع هكذا فكيف يكون فيه شائبة اللهو والهواء وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي فى العوارف والسماء يستجلب الرحمة من الله الكريم والله اعلم- وفى فتاوى الخلاصة يجب ان يعلم ان التغنّى لا يناس الغير مكروه عند عامة المشايخ ومنهم من جوز ذلك فى العرس والوليمة واما التغنّى لدفع الوحشة عن نفسه لا يكره عند البعض وبه أخذ الامام السرخسي والمكروه عندهم ما يكون على سبيل اللهو ومنهم من يقول جميع ذلك مكروه وبه أخذ الامام خواهر زاده وفى الجامع المضمرات قال ذكر فى النافع والذخيرة ان المتغني إذا لم يسمع غيره ولكن يسمع نفسه لازالة الوحشة فلا بأس به وقال سمعت الشيخ الامام الاجل نجم الدين رحمه الله انه قال لو سمعه من جاريته يباح له ذلك واحاله الى واقعات الحسانيته وفى العوارف او زوجته كذا فى فتاوى ابراهيم شاهى- وفى المحيط ذكر محمّد فى السير الكبير عن انس بن مالك انه دخل على أخيه البراء بن مالك وكان يتغنى 12 منه برد الله تربته

الأنصار يعجبهم اللهو- رواه البخاري وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلنوا هذا النكاح واجعلوا فى المساجد واضربوا عليه بالدّفوف رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن عائشة قالت كانت عندى جارية من الأنصار زوجتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة الا تغنين فان هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء رواه ابن حبان فى صحيحه وعن ابن عباس قال أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اهديتم الفتاة قالوا نعم قالوا أرسلتم معها من تغنّى قالت لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الأنصار قوم فيه غزل فلو بعثتم معها من يقول اتيناكم فحيانا وحياكم. رواه ابن ماجة وعن عامر ابن سعد قال دخلت على قرظ بن كعب وابى مسعود الأنصاري فى عرس وإذا جوار تغنين فقلت اى صاحبى رسول الله واهل بدر يفعل هذا عندكم فقالا اجلس ان شئت فاستمع معنا وان شئت فاذهب فانه قد رخص لنا فى اللهو عند العرس- وعن عائشة ان أبا بكر رضى الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان فى ايام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متفس بثوبه فانتهرهما ابو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فانها ايام عيد (تلك ايام منى) رواه البخاري وعند ابن ماجة ان لكل قوم عيدا وهذا عيدنا وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان امرأة قالت يا رسول الله انى نذرت ان اضرب على رأسك بالدف قال او فى بنذرك- رواه ابو داود وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وفاء لنذر فى معصية الله رواه مسلم وروى ان النبي صلى الله عليه وسلم لمّا قدم المدينة ونزل فى بنى نجارا صبرن جوار من بنى النجار يتغنين ويقلن نحن جوار من بنى نجار ... يا حبذا محمدا من جار رواه ابن ماجة عن انس وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله يعلم انى لاحبكن- وروى البيهقي عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة جعل النساء والولاية والصبيان يقلن شعر طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ... وجب الشكر علينا ما دعى الله داع ايها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع

[سورة لقمان (31) : آية 7]

وروى احمد عن انس اما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة بحرابها فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم وعن محمد بن حاطب الجمحي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدّف فى النكاح- رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة فظهر ان المحرم من الغناء ما يدعوا الى الفسق ويشغل عن ذكر الله وما ليس كذلك فليس بحرام «1» غير انه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضى الله عنهم استماع الغناء تقربا الى الله تعالى ولاجل ذلك ما اختار الكرام من النقشبندية وغيرهم ارتكابه وان لم يرتكبوا الإنكار عليه والله اعلم- لِيُضِلَّ الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى عن دينه او ذكره وقراءة كتابه قرأ ابن كثير وابو عمرو «ورويس يخلف عنه- ابو محمد» ليضلّ بفتح الياء على صيغة المجرد بمعنى يلبث على ضلاله ويزيد فيه بِغَيْرِ عِلْمٍ بحال ما يشتريه او بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القران وقال قتادة بحسب المؤمن الضلالة ان يختار حديث الباطل على حديث الحق وَيَتَّخِذَها اى آيات الله قرأ حمزة «وخلف- ابو محمد» والكسائي ويعقوب «2» وحفص بالنصب عطفا على قوله ليضل والباقون بالعطف على قوله يشترى بالرفع هُزُواً مهزوّا به سخرية أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) ذو اهانة. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى لا يتوجه اليه مُسْتَكْبِراً متكبرا الجملة الشرطية عطف على يشترى كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها حال من المستكن فى ولّى او مستكبرا او استئناف كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ قرأ نافع اذنه «3» بلفظ المفرد على ارادة الجنس وَقْراً ثقلا مانعا من السماع بدل من كان لّم يسمعها او حال من المستكن فى لم يسمعها او استئناف فَبَشِّرْهُ اى أخبره وذكر البشارة على التهكم بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) يحيق به. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) اى نعيم الجنات عكس للمبالغة. خالِدِينَ فِيها حال مقدر من الضمير فى لهم او من جنات والعامل ما تعلق به اللام اى مقدرا خلودهم فيها إذا دخلوها وَعْدَ اللَّهِ اى وعد الله وعدا

_ (1) فى الاحياء السماع فى اوقات السرور تأكيدا للسرور وتهيجا له مباح ان كان ذلك السرور مباحا كالغناء فى ايام العيد وفى العرس وفى وقت قدوم الغائب وفى الوليمة والعقيقة وعند ولادة الولد وختانه وعند حفظ القران- قلت وكذا عند تفويض الولد للمقرى لاجل التعليم 12 عنه أنار الله برهانه (2) هذا سهو لان يعقوب قرأ بالرفع بلا خلاف كابى عمرو- 12 ابو محمد عفا الله عنه (3) هذا ليس بشئ قرأ نافع اذنيه بإسكان الذال لا بالإفراد. 12 ابو محمد عفا الله عنه-

[سورة لقمان (31) : آية 10]

مصدر مؤكد لنفسه لكون ما قبله وعد حَقًّا اى حق ذلك الوعد حقا مصدر موكد لغيره لان كون الوعد حقا امر مغائر لنفس الوعد وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب على كل شىء لا يمنعه شىء من انجاز وعده ووعيده الْحَكِيمُ (9) الذي لا يفعل الا ما يقتضيه الحكمة. خَلَقَ السَّماواتِ صفة للحكيم بحذف الموصول تقديره الذي خلق او حال من الضمير المستتر فيه بتقدير قد او استئناف فى محل التعليل بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها جملة ترونها صفة لعمد والضمير راجع اليه وهو صادق بان لا عمد لها أصلا او الضمير راجع الى السموات والجملة لا محل لها من الاعراب وقد سبق فى الوعد وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ جبالا راسخات كراهة أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ او لان لا تميد بكم وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) اى من كل صنف حسن كثير المنفعة فيه التفات من الغيبة الى التكلم كانه استدل به على عزته التي هى كمال قدرته وحكمته التي هى كمال العلم ومهّد به قاعدة التوحيد وقررها بقوله. هذا اى ما ذكرت مما تعاينون خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ الفاء للسببية يعنى كل ما ترونه مخلوق لله تعالى فماذا خلق الهتكم حتى استحقوا مشاركته فى العبادة ماذا منصوب بخلق او ما استفهام انكار مبتدا وذا بمعنى الذي مع صلته خبره فارونى معلق عن العمل وما بعده سد مسدّ المفعولين بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) إضراب عن تبكيتكم الى التسجيل عليهم بالضلال الذي لا يخفى على من له ادنى تأمل ووضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على انهم ظالمون. وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ بن باعور بن ناخور بن تارخ وهوازر كذا قال البغوي وقال قال وهب كان ابن اخت أيوب عليه السلام وقال مقاتل ذكر انه كان ابن خالة أيوب عليه السّلام- وذكر البيضاوي وغيره انه عاش حتى أدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم وكان يفتى قبل مبعثه ثم ترك الفتيا بعد مبعثه وقال الا اكتفى إذا كفيت وقال الواقدي كان قاضيا فى بنى إسرائيل وفى الدر المنثور اخرج ابن ابى شيبة واحمد فى الزهد وابن ابى الدنيا فى كتاب المملوكين وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس كان لقمان عبدا حبشيا نجارا وكذا ذكر البغوي عن خالد الربعي وقال قال مجاهد كان عبدا اسود عظيم الشفتين متشقق القدمين وقال قال سعيد بن المسيب كان خياطا

وقيل كان رعى غنم والله اعلم الْحِكْمَةَ فى القاموس وهى العدل والعلم والحلم والنبوة والقران والإنجيل والمراد بالحكمة فى قوله صلى الله عليه وسلم ان من الشعر لحكمة هو العلم وما ورد فى قوله صلى الله عليه وسلم الا وفى رأسه حكمة المراد به العقل وكل من المعاني المذكورة يحتمل المقام قال البغوي اتفق العلماء على انه كان حكيما اى فقيها عليما ولم يكن نبيّا الا عكرمة فانه قال كان نبيّا وتفرد بهذا القول واخرج ابن ابى حاتم عن وهب بن منبه انه سئل أكان لقمان نبيّا قال لا لم يوح اليه وكان رجلا حكيما وكذا اخرج ابن جرير عن مجاهد- وقال بعضهم خيّر لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة قال البغوي وروى انه كان نائما فى نصف النهار فنودى يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة فى الأرض فتحكم بين الناس بالحق فاجاب الصوت فقال ان خيرنى ربى قبلت العافية وان عزم على فسمعا وطاعة فانى اعلم ان فعل ذلك أعانني وعصمنى فقالت الملائكة بصوت (لا يراهم) لم يا لقمان قال لان الحكم باشد المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان ان أصاب لقمان فبالحرىّ ان ينجو وان أخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكن فى الدنيا ذليلا خير من ان يكون شريفا ومن يختار الدنيا على الاخرة تفته الدنيا ولا يصيب الاخرة- فعجبت الملائكة من حسن نطقه فنام نومه فاعطى الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها- ونودى داود عليه السّلام بعدها فقبلها ولم يشترط ما شرط لقمان فهوى فى الخطيئة غير مرة كل ذلك يعفو الله عنه وكان يوازره لقمان لحكمته وهذه الرواية تدل على انه ليس المراد بالحكمة العدل فى الحكم بين الناس ولنعم ما قال الجزري فى النهاية فى تفسير الحكمة انها عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم قلت أفضل الأشياء ذات الله تعالى قال الله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وقال عزّ وجلّ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قل الله وأفضل علم لا يعتريه الغفلة وهو العلم الحضوري فان العلم الحصولى لا ينفك عن غفلة وايضا لا يمكن درك الله سبحانه بالعلم الحصولى فانه حصول صورة الشيء فى الذهن وهو سبحانه منزه عن الصورة والتحيز بل العلم الذي يتعلق بذات الله سبحانه هو فوق العلم الحضوري والعلم الحضوري الذي يتعلق بذات العالم بالنسبة الى ذلك العلم كالحصولى بالنسبة الى الحضوري وهو من

خصائص قلب الإنسان ومن ثم وقع فى الحديث القدسي لا يسعنى ارضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن ويحصل ذلك لاخص الخواص من اولياء الله والله اعلم- اخرج الحاكم والبيهقي فى شعب الايمان عن انس ان لقمان كان عبدا لداود وهو يسرد الدروع فلم يسئله عنها فلمّا أتمها لبسها وقال نعم لبوس الحرب أنت فقال الصمة حكمة وقليل فاعله- وروى انه سئل اىّ الناس شر قال الذي لا يبالى ان راه الناس مسيئا- واخرج ابن ابى شيبة واحمد وابن جرير عن خالد الربعي قال كان عبدا حبشيّا نجارا فقال له سيده اذبح شاة وائتني بأطيب مضغتين منها فاتى باللسان والقلب ثم بعد ايام امر بان يأتى بأخبث مضغتين منهما فاتى بهما ايضا فسأله عن ذلك فقال هما أطيب شىء إذا طابا وأخبث شىء إذا خبثا- أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ الظاهر ان تقديره وقلنا له ان اشكر لله على ما اعطاك من الحكمة وقال اكثر المفسرين ان مفسرة فان فى إيتاء الحكمة معنى القول- قلت وتوجيه ذلك ان إيتاء الحكمة عبارة عن تعليمها والتعليم يكون بالقول غالبا فالمعنى اتيناه الحكمة اى أمرناه بالشكر وهذا يدل على ان الحكمة هو الشكر وإيتاء الحكمة الأمر بالشكر والمراد بالأمر الأمر التكويني دون التكليفي فان امر التكليفي يعم لقمان وغيره وهو لا يستلزم حصول الشكر بخلاف التكويني فانه يستلزمه كما يستلزم إيتاء الحكمة حصولها وتفسير الحكمة بالشكر مبنى على المجاز فان الشكر لازم للحكمة فيجوز اطلاق أحدهما على الاخر مبالغة مجازا والشكر عبارة عن اظهار النعمة وضده الكفران وهو ستر النعمة وفى القاموس الشكر بالضم عرفان الإحسان قيل هو مقلوب عن الكشر اى الكشف فانه اظهار النعمة وهو ثلاثة اضرب شكر القلب تصور النعمة وشكر اللسان الثناء على النعمة وشكر الجوارح مكافات النعمة بالطاعات- قيل أصله من عين شكر اى ممتلية فالشكر على هذا الامتلاء من ذكر النعم ونعمته ومن أجل هذا قال الله تعالى وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ووصف الله تعالى فى القران رجلين من عباده بالشكر أحدهما ابراهيم قال فيه شاكرا لّانعمه وثانيهما نوح حيث قال إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً قال فى النهاية الشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية فيثنى من المنعم بلسانه ويديب نفسه فى طاعته ويعتقد انه مولاها وهو من شكرت الإبل شكرا إذا أصاب مرعى فسمنت عليه- وجاز

[سورة لقمان (31) : آية 13]

ان يكون تقديره وقلنا له ان اشكر لله على ما اتيناك من الحكمة وغيرها وَمَنْ يَشْكُرْ الله فَإِنَّما يَشْكُرُ الله لِنَفْسِهِ اى لنفع نفسه فان الشكر قيد للموجود وصيد للمفقود وموجب تقرب الى الرب المعبود وثواب فى دار الخلود قال الله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ الاية وَمَنْ كَفَرَ نعمة الله فَإِنَّ وباله عليه واللَّهَ غَنِيٌّ عن شكره لا يحتاج اليه حَمِيدٌ (12) حقيق بالحمد وان لم يحمد ينطق بحمده جميع مخلوقاته بلسان الحال. وَاذكر إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ اسمه أنعم او اشكم او ماثان وَهُوَ يَعِظُهُ حال من لقمان يا بُنَيَّ تصغير اشفاق قرأ ابن كثير بإسكان الياء وحفص بفتح الياء والباقون بكسرها لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ متعلق بلا تشرك وجاز ان يكون قسما جوابه ما بعده قيل كان ابنه كافرا فلم يزل به حتى اسلم إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) تعليل للنهى الظلم وضع الشيء فى غير موضعه المختص به اما بنقصان او بزيادة واما بعدول عن وقته او مكانه- ويقال على التجاوز عن الحق قليلا كان التجاوز او كثيرا ولهذا يستعمل فى الذنب الصغير والكبير ولا شك إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فانه وضع العبادة فى موضع لا يحتمل صلاحيتها أصلا وتسوية من لا نعمة الا منه بمن لا يصلح الانعام مطلقا. وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ اى أمرناه ان يبرّهما ويشكرهما جملة معترضة بين قصة لقمان حَمَلَتْهُ أُمُّهُ معترضة فى معترضة مؤكدة للتوصية فى حق الام خاصة عن ابى هريرة قال قال رجل يا رسول الله من أحق بحسن صاحبتى قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فادناك متفق عليه وقال عليه السّلام ان الله حرم عليكم عقوق الأمهات متفق عليه فى حديث للمغيرة وَهْناً كائنا عَلى وَهْنٍ صفة لوهن وهو حال من فاعل حملته تقديره ذات وهن او يوهن وهنا قال ابن عباس معناه شدة على شدة وقال الضحاك ضعفا على ضعف وقال مجاهد مشقة على مشقة فان المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة الحمل ضعف والطلق ضعف والوضع ضعف والرضاع ضعف وَفِصالُهُ اى فطامه فِي عامَيْنِ اى فى انقضاء عامين وكانت ترضع فى تلك المدة واحتج بهذه الاية الشافعي وابو يوسف ومحمد ان أقصى مدة الرضاع حولان وقد ذكرنا مسئلة الرضاع فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى

[سورة لقمان (31) : آية 15]

وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ الاية وفى سورة النساء فى تفسير قوله وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ أَنِ اشْكُرْ لِي تفسير لوصينا او بدل من والديه بدل اشتمال وَلِوالِدَيْكَ قال سفيان بن عيينة فى هذه الاية من صلّى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه فى ادبار الصلوات الخمس فقد شكر لوالديه إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) المرجع فيه وعد ووعيد يعنى اجازيك على شكرك وكفرك. وَإِنْ جاهَداكَ عطف على قوله ان اشكر عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ باستحقاق الإشراك يعنى فكيف وأنت تعلم بطلان الإشراك بالادلة القاطعة فَلا تُطِعْهُما فى ذلك فان حق الله غالب على حق كل ذى حق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاطاعة للمخلوق فى معصية الخالق- رواه احمد والحاكم وصححه عن عمران والحكيم ابن عمرو الغفاري وفى الصحيحين وسنن ابى داؤد والنسائي عن علىّ نحوه وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا صحابا مَعْرُوفاً يرتضيه الشرع والعقل. (مسئلة) يجب بهذه الاية الانفاق على الأبوين الفقيرين وصلتهما وان كانا كافرين عن اسماء بنت ابى بكر قالت قدمت علىّ أمي وهى مشركة فى عقد قريش فقلت يا رسول الله ان أمي قدمت علىّ وهى راغبة أفأصلها قال نعم صليها- متفق عليه- وقد مرّ فى سورة العنكبوت ان هاتين الآيتين نزلتا فى سعد بن ابى وقاص وامه. وَاتَّبِعْ سَبِيلَ دين مَنْ أَنابَ اى اقبل إِلَيَّ وأطاعني وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال عطاء عن ابن عباس يريد الله سبحانه به أبا بكر وذلك حين اسلم أتاه عثمان وطلحة والزبير وسعد بن ابى وقاص وعبد الرحمان بن عوف وقالوا قد صدّقت هذا الرجل وامنت به قال نعم هو صادق فامنوا به ثم حملهم الى النبي صلى الله عليه وسلم حتى اسلموا فهؤلاء سالفة الإسلام اسلموا بإرشاد ابى بكر قال الله تعالى وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يعنى أبا بكر. (مسئلة) لا يجوز إطاعة الوالدين إذا امرا بترك فريضة او إتيان مكروه تحريما لان ترك الامتثال لامر الله والامتثال لامر غيره اشراك معنى ولما روينا من قوله عليه السّلام لاطاعة للمخلوق فى معصية الخالق- ويجب إطاعتهما إذا امرا بشئ مباح لا يمنعه العقل والشرع- وهل يجب إطاعتهما ان امرا بترك إكثار الذكر

[سورة لقمان (31) : آية 16]

والنوافل وكسب الأموال فوق الحاجة ونحو ذلك والظاهر عندى انه لا يجب ذلك لان الله سبحانه امر باتباع سبيل من أناب اليه وإكثار النوافل وترك ما لا يعنيه وترك الدنيا والتبتل الى الله سبيل المنيبين لا محالة- ولا شك ان الصحابة رضوان الله عليهم تركوا الأوطان وهاجروا وبذلوا أنفسهم وأموالهم على خلاف مرضاة ابائهم وأمهاتهم وقد قال الله تعالى قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ فكيف يجوز ترك المجاهدة فى سبيل الله مع النفس والشيطان لابتغاء مرضاة الآباء والأمهات- اخرج الحاكم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قال ابو قحافة لابى بكر أراك يعتق رقابا ضعافا فلو انك اعتقت رجالا اجلد يمنعونك ويقومون دونك فقال يا أبت انما أريد ما عند الله فنزلت وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى حين أعتق بلالا وعامر بن فهير وأم عميس وزبيرة ونحوهم- وهاجر أبو بكر مع اربعة آلاف درهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترك لاهله شيئا على خلاف مرضاة أبيه كما ذكرنا فى قصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فى سورة التوبة فى تفسير قوله تعالى إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ... ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ اى مرجعك ومرجعهما فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) فاجازيك على إسلامك واجازيهما على كفرهما هذان الآيتان معترضتان فى أثناء وصية لقمان تأكيدا لما فيها من النهى عن الشرك كانه قال ووصينا بمثل ما وصى لقمان وذكر الوالدين للمبالغة فى ذلك فانهما مع كونهما تلوا الباري فى استحقاق التعظيم والطاعة لا يجوز ان يستحقا الطاعة فى الإشراك فما ظنك بغيرهما. يا بُنَيَّ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بكسرها إِنَّها اى الخصلة من الاساءة او الإحسان وقال قتادة الضمير راجع الى الخطيئة وذلك ان ابن لقمان قال لابيه يا أبت ان عملت الخطيئة حيث لا يرانى أحد كيف يعلمها الله فقال انها إِنْ تَكُ فى الصغر مثلا مِثْقالَ وزن حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ اسم تك ضمير مستتر وخبره مثقال على قراءة الجمهور بالنصب وقرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» مثقال بالرفع على انه اسم تك وهى تامة وتأنيث الفعل

[سورة لقمان (31) : آية 17]

لاضافة المثقال الى الحبة وضمير انها للقصة على هذه القراءة فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يعنى فى أخفى مكان واحرزه كجوف صخرة او أعلاه كمحدب السموات او أسفله كمقعر الأرض وقال قتادة فى صخرة فى جبل وقال ابن عباس هى صخرة تحت الأرضين السبع وهى التي يكتب فيها اعمال الفجار وخضرة السماء منها وقال السدىّ خلق الله الأرض على حوت وهو النون الذي ذكره الله عزّ وجلّ فى القران ن والقلم والحوت فى الماء على ظهر صفاة «الصخرة والحجر الا ملس 12 نهاية منه رح» والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة (وهى الصخرة التي ذكرها لقمان ليست فى السماء ولا فى الأرض) والصخرة على الريح يَأْتِ بِهَا اللَّهُ يحضرها فيحاسب عليها إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ يصل علمه الى كل خفى ودقيق خَبِيرٌ (16) عليم بكنه كل شىء قال الحسن معنى الاية هو الإحاطة بجميع الأشياء صغيرها وكبيرها قال البغوي وفى بعض الكتب ان هذه الكلمة اخر ما تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها. يا بُنَيَّ قرأ حفص والبزي «وقتل باسكاء ابو محمد» بفتح الياء والباقون بكسرها أَقِمِ الصَّلاةَ تكميلا لنفسك وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ تكميلا لغيرك وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ من الشدائد والأذى بسبب الأمر والنهى او غير ذلك إِنَّ ذلِكَ اى الصبر او كل ما امره مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) اى من الأمور التي عزمه الله اى قطعه قطع إيجاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الأمور عوازمها اى فرائضها التي عزم الله عليك بفعلها والعزم فى الأصل عقد القلب على إمضاء امر فالعزم على هذا مصدر بمعنى المفعول او المعنى من الأمور التي يعزم عليها بجد لوجوبها. وَلا تُصَعِّرْ قرأ نافع وابو عمرو «وخلف- ابو محمد» وحمزة والكسائي ولا تصاعر من المفاعلة وابن كثير وابن عامر وعاصم وابو جعفر ويعقوب بتشديد العين من غير الف خَدَّكَ لِلنَّاسِ اى لا تمل عنهم ولا تولهم صفحة وجهك تكبرا قال ابن عباس تقول لا تتكبر فتحقر وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً اى فرحا وبطرا مصدر وقع موقع الحال اى يمرح مرحا او العلة اى لاجل المرح إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ متبختر فى مشيه فَخُورٍ (18) على الناس علة للنهى نشر على غير ترتيب اللف لرعاية القافية. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ اى توسط فيه فوق الدبيب

[سورة لقمان (31) : آية 19]

لانه دليل الخيلاء ومشى المتكبرين ودون الاسراع لانه مشى السفهاء ويذهب البهاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سرعة المشي يذهب بهاء المؤمن- أخرجه ابن عدى وابو نعيم فى الحلية من حديث ابى هريرة وأخرجه ابن عدى ايضا من حديث ابى سعيد وابن عمرو المراد بالاسراع المنهي ما يكون بجد فوق مشيه الطبعي واما الاسراع على عادته دون الخبب فمحمود روى ابن سعد عن يزيد بن مرثد انه صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى اسرع حتى يهرول الرجل وراءه فلا يدركه- وروى الطبراني والبيهقي عن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالسكينة عليكم ... بالقصد فى المشي بجنائزكم واخرج الستة قوله صلى الله عليه وسلم اسرعوا بالجنازة فان يك صالحة يتقدمونها وان يكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم- فهذه الأحاديث تدل على ان المراد بالاسراع ما ذكرت والمراد بالقصد هو الاسراع دون الخبب. وَاغْضُضْ قال مقاتل اى اخفض مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ يعنى أوحشها لَصَوْتُ الْحَمِيرِ تعليل لغضّ الصوت يعنى ان صوت الحمير منكر جدّا لكونه جهيرا جدّا فلا يكن صوتك مثل صوتها أول صوتها زفير وآخرها شهيق وهما صوت اهل النار قال موسى بن أعين سمعت سفيان الثوري يقول فى قوله تعالى إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ هى العطسة القبيحة المنكرة قال وهب تكلم لقمان باثنى عشر الف باب من الحكمة وأدخلها الناس فى كلامهم وقضاياهم.. أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ لاجل نفعكم ما فِي السَّماواتِ من الشمس والقمر والنجوم والبحار والجبال من الأرض وَما فِي الْأَرْضِ من المعادن والنباتات والحيوانات بان مكّنكم من الانتفاع بها بوسط او بغير وسط وَأَسْبَغَ اى أتم وأكمل عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ قرأ اهل المدينة وابو عمرو وحفص بفتح العين وضم الهاء على الجمع والاضافة والباقون بسكون العين وبالتاء منونة على صيغة الواحد بارادة الجنس ظاهِرَةً مع ما عطف عليه حال من نعمه والنعمة الظاهرة هى المحسوسة من حسن الصورة وتسوية الأعضاء والرزق والعافية وغيرها من نعماء الدنيا والإسلام والرسول والقران وتخفيف الشرائع وتوفيق اتباع الرسول وظهور الإسلام والنصر على الأعداء وَباطِنَةً من القلب والعقل والحواس الباطنة وحسن الأخلاق والامداد

[سورة لقمان (31) : آية 21]

بالملائكة والإلهام بالاعتقاد الحق وستر الذنوب وعدم التعجيل فى العقوبة ونور معرفة الله ونار عشقه ورسوله وشفاعة رسوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ النبي صلى الله عليه وسلم عطف على وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ وما بينهما معترضات فِي اللَّهِ فى توحيده وصفاته بِغَيْرِ عِلْمٍ مستفاد من الدليل قال البغوي نزلت فى النضر بن الحارث وابى بن خلف وأشباههما وَلا هُدىً راجع الى الرسول وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20) منزل من الله بل بالتقليد كما قال الله تعالى. وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا لانتبع ما انزل الله بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا فيه منع من التقليد فى اصول الدين قال الله تعالى أَيتبعون بتقدير يعنى قل ايتبعون آباءهم وَلَوْ كانَ الواو للحال او للعطف على مقدر يعنى لو لم يكن ولو كان الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ الضمير اما لهم او لابائهم إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (21) بإلقاء حسن التقليد او حسن الإشراك فى قلوبهم والاستفهام للانكار والتعجب. وَمَنْ يُسْلِمْ «1» وَجْهَهُ اى توجهه إِلَى اللَّهِ واقبل بشراشره عليه يعنى لا يفعل فعلا ولا يترك شيئا الا ابتغاء مرضاته ويفوض امره اليه وَهُوَ مُحْسِنٌ فى اعماله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه يعنى بالحضور التام فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى يعنى تمسك باوثق ما يتمسك به واعتصم باقوى ذريعة لا يحتمل انقطاعه تمثيل لطيف للمتوكل على المتشبث بالعروة الوثقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) إذا لكل صائر اليه. وَمَنْ كَفَرَ ولم يسلم وجهه الى الله فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ تقديره فقد أضرّ نفسه وأوبقه ولا يضرك شيئا لا فى الدنيا ولا فى الاخرة ولمّا كان عدم الضّرر موجبا لعدم الحزن أورده فى مورده قرأ نافع لا يحزنك بضم الياء وكسر الزاء من الأحزان إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فى الدارين فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا بالتعذيب إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (23) من الاعتقادات والخطرات فضلا عما فى الظاهر فيجازى كلّا على حسب اعتقاده وعمله. نُمَتِّعُهُمْ اى نملهم ليتمتعوا قَلِيلًا اى تمتيعا قليلا او زمانا قليلا فى الدنيا الى انقضاء اجالهم ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ اى نلجئهم ونردهم فى الاخرة إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ اى عذابا يثقلهم ثقل الاجرام الغلاظ وهو عذاب النار. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ

_ (1) في الأصل ومن أسلم.

[سورة لقمان (31) : آية 26]

وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لوضوح الدليل المانع من اسناد الخلق الى غيره بحيث اضطروا الى الإقرار به قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على ما الزمهم وألجأهم الى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25) ان ذلك يلزمهم وإذا نبهوا عليه لم يتنبهوا. لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ملكا وخلقا فلا يستحق العبادة غيره إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عن حمد الحامدين الْحَمِيدُ (26) المستحق للحمد وان لم يحمد اخرج ابن إسحاق عن عطاء بن يسار وكذا ذكر البغوي انه قال نزلت بمكة وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا- فلمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا الم يبلغنا عنك انك تقول وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا- إيانا تريد أم قومك فقال كلّا عنيت قالوا الست تتلو فيما جاءك انا أوتينا التورية وفيها تبيان كل شىء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هى فى علم الله قليل فانزل الله تعالى. وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ يعنى لو ثبت كون الأشجار كلها أقلاما وتوحيد شجرة لان المراد تفصيل الآحاد وَالْبَحْرُ المحيط يَمُدُّهُ اى يزيده وينصب فيه مِنْ بَعْدِهِ اى من خلفه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ فاعل يمدّه قرأ ابو عمرو يعقوب البحر بالنصب عطفا على اسم انّ او بإضمار فعل يفسره يمدّه والباقون بالرفع عطفا على انّ ومعمولها وعلى هذا يمدّه حال- وجاز ان يكون البحر مبتدأ وما بعده خبره والجملة مستانفة او فى محل النصب على انه حال فان قيل ليس فيه ضمير راجع الى ذى الحال قلت هو كقولك جئت الجيش قادم ونحو ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظرف وكان مقتضى الكلام ان يقال ولو ان الأشجار أقلام والبحر مداد يمده من بعده سبعة أبحر لكن اغنى عن ذكر المداد قوله يمدّه لانه من مد الدوات وأمدها- وقال البغوي فى الاية إضمار تقديره وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ يكتب بها كلمات الله ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ المعبر بها عن معلومات الله بتلك الأقلام وبذلك المداد ولا بأكثر من ذلك بالغا ما بلغ لان معلوماته تعالى غير متناهية لا يمكن نفادها ولذلك اختار صيغة جمع القلة للاشعار بان ذلك لا يفئ بالقليل فكيف بالكثير إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يعجزه شىء حَكِيمٌ (27) لا يخرج عن علمه وحكمته امر واخرج ابن جرير عن عكرمة قال سال اهل الكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح فانزل الله

[سورة لقمان (31) : آية 28]

تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا فقالوا تزعم انا لم نؤت من العلم الا قليلا وقد أوتينا التورية وهى الحكمة وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فنزلت هذه الاية فعلى ما ذكرنا من الروايات فى سبب النزول الاية مدنية وقيل الاية مكية وانما امر اليهود وفد قريش ان يسئلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولوا له ذلك وهو بعد بمكة- واخرج ابو الشيخ فى كتاب العظمة وابن جرير عن قتادة قال قال المشركون انما هذا الكلام يوشك ان ينفد فنزل وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ الاية. ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ أجمعين إِلَّا كَنَفْسٍ اى الا كخلق نفس واحِدَةٍ وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن ويكفى لوجود الكل تعلق إرادته مع قدرته الذاتية فلا يتعذر عليه خلق الكل كما لا يتعذر عليه خلق نفس واحدة إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يسمع كل مسموع بَصِيرٌ (28) يبصر كل شىء لا يشغله ادراك بعضها عن ادراك بعض اخر فكذلك الخلق او المعنى انّ الله سميع لاقوال المشركين ان لا بعث بصير بأعمالهم. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ عطف على يولج او حال بتقدير قد الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ واحد من النيرين يَجْرِي فى السماء إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى وقت معين وهو يوم القيامة الفرق بينه وبين قوله لِأَجَلٍ مُسَمًّى ان الاجل منتهى الجري وثمه غرضه حقيقة او مجازا وكلا المعنيين حاصل فى الغايات وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) عطف على قوله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ وجملة أَلَمْ تَرَ متصل بقوله أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ مقرر له. ذلِكَ الذي ذكر من سعة عمله وشمول قدرته وعجائب صنعه بِأَنَّ اى بسبب ان اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الثابت اى الواجب وجوده وجميع كمالاته او الثابت ألوهيته وَأَنَّ ما يَدْعُونَ قرأ ابو عمرو وحفص وحمزة «ويعقوب وخلف- ابو محمد» والكسائي بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب مِنْ دُونِهِ من الالهة الْباطِلُ المعدوم فى حد ذاته او الباطل دعوى الالوهية فيه وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ المترفع على كل شىء والمتسلط عليه الْكَبِيرُ (30) الظاهر الباهر كبرياؤه ومن كان هذا شأنه يجب ان يكون علمه وقدرته شاملا لجميع الأشياء.. أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ متصل بقوله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ ... بِنِعْمَتِ اللَّهِ اى بإحسانه فى تهية أسبابه وهو استشهاد اخر على باهر قدرته و

[سورة لقمان (31) : آية 32]

شمول انعامه والباء للصلة او للحال لِيُرِيَكُمْ الله مِنْ آياتِهِ اى بعض دلائل قدرته من عجائب البحر الذي أدركتموه إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) يعنى صبار على المشاق فيتعب نفسه بالتفكر فى الآفاق والأنفس ويعرف النعم ويشكر عليها مانحها- او المراد لايات للمؤمنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الايمان نصفان فنصف فى الصبر ونصف فى الشكر- رواه البيهقي فى شعب الايمان عن انس يعنى يشكر فى السراء ويصبر فى الضراء. وَإِذا غَشِيَهُمْ اى علاهم وغطاهم الظرف متعلق يدعوا الله فيه معنى الشرط والجزاء والجملة معطوفة على تجرى فى البحر خبر لانّ وضمير غشيهم راجع الى اهل الفلك رابط بين الاسم والخبر مَوْجٌ فى البحر كَالظُّلَلِ جمع الظلة شبّه بها الموج يأتى منه شىء بعد شىء قال مقاتل كالجبال وقال الكلبي كالسحاب دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ بان ينجيهم ولا يدعون غيره لما تقرر فى الأذهان انه لا كاشف لضر الا الله سبحانه ويزول بما غلبهم من الخوف الشديد ما ينازع الفطرة السليمة من الهوى والتقليد فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ متعلق بنجاهم بتضمين معنى أوصلهم وجملة فلمّا نجّاهم معطوفة على إذا غشيهم فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قيل هو جواب لمّا والظاهر ان جواب لمّا محذوف وهذا دليل عليه تقديره فلمّا نجاهم الى البرّ اختلفوا فمنهم شاكر لنعمة الله ومنهم كافر ومنهم مقتصد يعنى متوسط فى الكفر لانزجاره بعض الانزجار وكان بعض الكفار أشدّ افتراء وأشد قولا من بعض فذكر المقتصد لدلالته على جانبه كذا قال الكلبي معنى المقتصد وقال أكثرهم معنى المقتصد المقيم على الطريق القصد الذي هو التوحيد لما قيل ان الاية نزلت فى عكرمة بن ابى جهل هرب عام الفتح الى البحر فجاءهم ريح عاصف فقال عكرمة لان أنجانا الله من هذه لارجعن الى محمد ولاضعن يدى فى يده فسكنت الرياح فرجع الى مكة والنبي صلى الله عليه وسلم ثمه واسلم وحسن إسلامه والتقدير على هذا فمنهم مقتصد ومنهم كافر يدل عليه قوله وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا المنزلة اى بحقيقتها او بدلائل قدرتنا ومنها الانجاء من الموج إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ اى غدار فانه نقض العهد الفطري او العهد الذي عاهد فى الشدة والختر أسوأ الغدر كَفُورٍ (32) للنعم. يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ اى احذروا عذابه وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي اى لا يغنى والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ الراجع الى

[سورة لقمان (31) : آية 34]

الموصوف محذوف اى لا يجزى فيه والد مؤمن عن ولده الكافر وَلا مَوْلُودٌ مؤمن عطف على والد هُوَ جازٍ صفة لمولود يعنى ولا يجزى مولود مؤمن من شأنه ان يكون هو جاز عَنْ والِدِهِ الكافر متعلق بلا يجزى وانما قيدنا بالكافر لان المؤمن يشفع للمؤمن قال الله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وقال الله جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ شَيْئاً منصوب على المصدرية اى لا يجزى شيئا من الاجزاء وجاز ان يكون مولود مبتدأ خبره هو جاز عن والده وتغير النظم للتاكيد فان هذه الجملة واردة على نهج من التأكيد لم يرد عليه المعطوف عليه لان الجملة الاسمية أكد من الفعلية وقد انضم الى ذلك لفظ المولود وفيه تأكيد اخر لان المولود انما يطلق على من ولد بلا واسطة والولد يطلق عليه وعلى ولد الولد كما فى قوله تعالى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فاذا كان المولود لا ينفع أباه فلا ينفع أجداده بالطريق الاولى- ووجه إيراده على التأكيد ان الخطاب كان للمؤمنين فى ذلك الزمان وغالبا مات اباؤهم على الكفر فاريد حسم اطماعهم من ان ينفعوا آباءهم بالشفاعة فى الاخرة إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث والثواب والعقاب حَقٌّ لا يمكن تخلفه فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الفاء للسببية الْحَياةُ الدُّنْيا بزينتها فانها فانية ولذّاتها ضعيفة مشوبة بالمكاره وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ فى حلمه وامهاله الْغَرُورُ (33) الشيطان بان يرجيكم المغفرة فيجسركم على الذنوب. اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن مجاهد مرسلا قال جاء رجل من اهل البادية وسماه البغوي الحارث بن عمرو بن الحارث بن محارب بن حفصة فسال النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة اى وقتها وقال امراتى حبلى فاخبر ما تلد وبلادنا مجدبة فاخبرنى متى ينزل الغيث وقد علمت باىّ ارض ولدتّ فاخبرنى اين أموت فانزل الله تعالى. إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ اى علم وقت قيامها جملة مستأنفة فى جواب متى يكون ذلك اليوم وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ متى شاء لا يعلم نزولها الا هو وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ اذكر أم أنثى لا يعلمها غيره وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا الله لا يعلم أحد

ما يكون فى غد الا الله ولا يعلم ما فى الأرحام الا الله ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة الا الله ولا تدرى نفس باى ارض تموت الا الله ولا يدرى أحد متى يجئى المطر الا الله رواه احمد والبخاري وروى البغوي فى تفسير هذه الاية عن ابن عمر بهذا اللفظ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مفاتح الغيب خمس إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ وفى الصحيحين فى قصة سوال جبرئيل فى حديث ابى هريرة فى خمس يعنى انّ السّاعة لا يعلمهن الا الله ثم قرأ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الاية- واخرج ابن ابى شيبة فى المصنف عن خيثمة ان ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر الى رجل من جلسائه فقال الرجل من هذا قال ملك الموت فقال كانّه يريدنى فمر الريح ان يحملنى ويلقينى بالهند ففعل فقال الملك كان دوام نظرى اليه تعجبا منه إذ أمرت ان اقبض روحه بالهند وهو عندك والله اعلم. وانما جعل العلم لله والدراية للعبد لان فيها معنى الحيلة فيشعر بالفرق بين العلمين فى القاموس دريته علمته او لضرب من حيلة فعنه اشارة الى ان العبد ان عمل حيلة وبذل فيها وسعه لم يعرف ما هو لاحق به من كسبه وعاقبته فكيف بغيره ما لم يحصل له علم بتعليم من الله تعالى بتوسط الرسل او بنصب دليل عليه إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ يعلم الأشياء كلها خَبِيرٌ (34) يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها حكى ان منصورا راى فى منامه ملك الموت وسأله عن مدة عمره فاشار اليه بأصابعه الخمس فعبرها المعبرون بخمس سنين او بخمسة أشهر او بخمسة ايام فقال ابو حنيفة هو اشارة الى هذه الاية فان هذه العلوم الخمسة مختصة بالله تعالى والله اعلم. تم تفسير سورة لقمان من التفسير المظهرى ليلة الثانية والعشرين من رجب سنة الف ومائتين وست سنه 1206 هـ ويتلوه تفسير سورة السجدة ان شاء الله تعالى.

سورة السجدة

سورة السّجدة مكّيّة وهى ثلاثون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم (1) ان جعل اسما للسورة او القران فهو مبتدا خبره. تَنْزِيلُ الْكِتابِ على انه بمعنى المنزل والاضافة من قبيل اخلاق ثياب والا فهو خبر مبتدا محذوف اى هذا تنزيل او مبتدا خبره لا رَيْبَ فِيهِ فيكون مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) حالا من الضمير فى فيه لان المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر ويجوز ان يكون خبرا ثانيا او خبرا اولا ولا ريب فيه اعتراضا لا محل له والضمير فى فيه راجع الى مضمون الجملة كانّه قيل لا ريب فى كونه منزلا مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ او الخبر. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ولا ريب فيه حال من الكتاب او اعتراض ومن ربّ العلمين متعلق بتنزيل والضمير فى فيه لمضمون الجملة ويؤيده قوله تعالى بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فانه تقرير له ونظم الكلام على هذا انه أشار اولا الى اعجازه بقوله الم ثم رتب عليه ان تنزيله من رب العالمين وقور ذلك بنفي الريب عنه ثم اضرب عن ذلك الى ما يقولون فيه على خلاف ذلك إنكارا له وتعجبا منه فان أم منقطعة بمعنى بل والهمزة للانكار ثم اضرب عنه الى اثبات انه الحق المنزل من الله وبيّن المقصود من تنزيله فقال لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ يا محمد إذ كانوا اهل الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم وجملة ما اتهم صفة لقوم لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) بانذارك إياهم. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما الله مبتدا والموصول مع صلته خبره فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أولها يوم الأحد وآخرها الجمعة

[سورة السجده (32) : آية 5]

ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ عطف على خلق وقد بسطنا الكلام فى الاستواء على العرش فى سورة يونس وذكرنا فى سورة الأعراف ايضا ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ يعنى إذا جاوزتم مرضاته لا ينصركم فى مواطن النصر والشفيع متجوز به للناصر فاذا أخذ لكم لم يبق لكم ولى ولا ناصر استيناف او حال من فاعل استوى أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) بمواعظ الله الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره الا تتفكرون فلا تتذكرون. يُدَبِّرُ الْأَمْرَ استئناف او حال من فاعل استوى او خبر بعد خبر لله او خبر أول والموصول مع صلته صفة لله وما لكم حال يعنى يدبر امر الدنيا مِنَ السَّماءِ اى بأسباب سماوية نازلة اثارها إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ اى يصعد إِلَيْهِ ويثبت فى علمه موجودا او المعنى يدبر الأمر اى يحكم بالأمر وينزل الوحى مع جبرئيل او ينزل القضاء والقدر مع الملك المؤكل به من السماء الى الأرض ثم يعرج اى يصعد جبرئيل او غيره من الملائكة اليه اى الى الله يعنى الى حيث يرضاه فِي يَوْمٍ من ايام الدنيا والمراد باليوم هاهنا مطلق الوقت لا بياض النهار لان نزول الملائكة وصعودها غير مختص بالنهار كانَ مِقْدارُهُ حال بتقدير قد اى وقد كان مقدار عروجه ونزوله أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) يعنى لو سار أحد من بنى آدم لم يقطعه الا فى الف سنة لكن الله بكمال قدرته جعل نزوله وعروجه فى طرفة عين- قال البغوي هذا وصف عروج الملائكة ونزولها من السماء الى الأرض واما قوله تعالى تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مدة المسافة من الأرض الى سدرة المنتهى التي هى مقام جبرئيل يقول يسير جبرئيل والملائكة الذين معه من اهل مقامه مسيرة خمسين الف سنة فى يوم من ايام الدنيا اى برهة من الزمان هذا كله معنى قول مجاهد والضحاك- قلت وجاز ان يكون المراد فى الآيتين المسافة التي بين الأرض والسدرة المنتهى على اختلاف سير السائرين فانه ورد فى حديث العباس بن عبد المطلب عند الترمذي بعد ما بين السماء والأرض اما واحدة واما اثنتان او ثلاث وسبعون سنة وفى حديث ابى هريرة عند احمد والترمذي مسافة ما بينهما وبين كل سمائين خمس مائة سنة ولا وجه لتطبيقهما الا باعتبار اختلاف سير السائرين والله اعلم. وقيل معنى الاية يُدَبِّرُ الْأَمْرَ اى امر الدنيا مِنَ السَّماءِ اى بأسباب سماوية

كالملائكة وغيرها نازلة اثارها الى الأرض ثم يرجع الأمر والتدبير اليه وحده بعد فناء الدنيا وانقطاع امر الأمراء وحكم الحكام فى يوم كان مقداره الف سنة وهو يوم القيامة لما روى الترمذي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مائة عام ونصف يوم واما قوله تعالى تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ أراد به ايضا يوم القيامة- روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صاحب كنز لا يؤدى زكوة كنزه الا احمى عليه فى نار جهنّم فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار الحديث- ووجه التطبيق بين الحديثين ان يوم القيامة يختلف طوله بالنسبة الى الاشخاص يكون ذلك اليوم على بعض الناس مقدار خمسين الف سنة وعلى بعضهم مقدار الف سنة وعلى بعضهم أخف من ايام الدنيا اخرج الحاكم والبيهقي عن ابى هريرة مرفوعا وموقوفا طول ذلك اليوم على المؤمنين كمقدار بين الظهر والعصر- وكذا ذكر البغوي قول ابراهيم التيمي واخرج ابو يعلى وابن حبان والبيهقي بسند حسن عن ابى سعيد قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم كان مقداره خمسين الف سنة ما أطول هذا اليوم فقال والذي نفسى بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا- وقال البغوي قال ابن ابى مليكة دخلت انا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على ابن عباس فسأله عن هذه الاية وعن قوله تعالى خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فقال له ابن عباس ايام سماه الله تعالى لا أدرى ما هى واكره ان أقول فى كتاب الله ما لا اعلم- واخرج البيهقي من طريق ابن ابى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قال هذا فى الدنيا وقوله تعالى فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فهذا يوم القيمة جعله الله على الكافر مقدار خمسين الف سنة- واختار جلال الدين المحلى هذه الرواية فى تفسيره وقيل يقضى قضاء الف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الالف لالف اخر- وقيل يدبر الأمور به من الطاعات منزلا من السماء الى الأرض بالوحى ثم لا يعرج اليه

[سورة السجده (32) : آية 6]

خالصا كما يرتضيه الا فى مدة متطاولة لقلة المخلصين فى الأعمال. ذلِكَ المدبر الخالق للسموات والأرض وما بينهما مبتدا خبره عالِمُ الْغَيْبِ اى ما غاب عن الخلق وَالشَّهادَةِ اى ما حضر عندهم فيدبر الأمور على وفق الحكمة الْعَزِيزُ الغالب على امره الرَّحِيمُ (6) على العباد فى تدبيره وفيه ايماء بانه يراعى المصالح تفضلا وإحسانا صفتان لعالم الغيب والشهادة او خبر ثان وثالث لذلك. الَّذِي أَحْسَنَ الموصول مع الصلة صفة بعد الصفتين المذكورتين او خبر رابع لذلك كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ «وابو جعفر ويعقوب- ابو محمد» قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بسكون اللام فهو بدل اشتمال من كلّ شىء يعنى احسن خلق كل شىء موافرا عليه ما يستعده ويليق به على وفق الحكمة كذا قال قتادة وقال ابن عباس أتقنه وأحكمه اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ قال اما ان است القردة ليست بحسنة ولكنه احكم خلقها وقال مقاتل اى علم كيف يخلق كل شىء من قولك فلان يحسن كذا إذا كان يعلم- وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام على صيغة الماضي على انه صفة لشئ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ يعنى آدم عليه السلام مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ سميت به لانها تنسل منه اى تنفصل مِنْ سُلالَةٍ اى نطفة سميت سلالة لانها تسل من الإنسان مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8) ضعيف بدل من سلالة او بيان له. ثُمَّ سَوَّاهُ اى الإنسان قوّمه بتصوير أعضائه على ما ينبغى وَنَفَخَ فِيهِ اى فى الإنسان مِنْ رُوحِهِ الضمير اما راجع الى الإنسان او الى الذي احسن خلق كلّ شىء تشريفا وإظهارا بانه خلق عجيب له شأن عظيم ممكن له نسبة بما لا مثل له ولا كيف وَجَعَلَ لَكُمُ التفات من الغيبة الى الخطاب السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا بعد ما كنتم نطفا بغير سمع وبصر وتعقّل قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (9) ما زائدة مؤكدة للقلة اى شكرا قليلا او فى زمان قليل تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه وتعبدونه. وَقالُوا اى منكرى البعث عطف على جعل لكم السّمع وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ اى غبنا فيها يعنى صرنا ترابا مخلوطا بتراب الأرض بحيث لا يتميز بينهما وأصله من قولهم ضل الماء فى اللبن إذا اختلط به وغاب فيه قرأ ابن عامر «وابو جعفر- ابو محمد 3» إذا بهمزة واحدة على الخبر والعامل فيه ما دل عليه أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ

[سورة السجده (32) : آية 11]

جَدِيدٍ وهو نبعث ونجدّد خلقا قرأ نافع والكسائي ويعقوب انّا بهمزة واحدة على الخبر- والقائل ابى بن خلف والاسناد الى جميعهم لرضائهم به والاستفهام لانكار البعث استبعادا بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ اى بما بعد البعث من الجزاء كافِرُونَ (10) لمّا ذكر كفرهم بالبعث اضرب عنه الى ما هو ابلغ منه وهو انهم كافرون بجميع ما يكون فى الاخرة. قُلْ يا محمّد يَتَوَفَّاكُمْ اى يستوفى نفوسكم لا يترك منها شيئا او لا يبقى منكم أحدا والتفعل والاستفعال يستعمل أحدهما مقام الاخر يقال تقصّيته واستقصيته وتعجلته واستعجلته مَلَكُ الْمَوْتِ وهو عزرائيل عليه السلام روى البغوي عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراض والإرجاع كلها بريد الموت ورسول الموت فاذا حان الاجل اتى ملك الموت فقال ايها العبد كم خبر بعد خبروكم رسول بعد رسول وكم بريد بعد بريد انا الخبر ليس بعدي خبر وانا الرسول ليس بعدي رسول أجب ربك طائعا او مكرها ولمّا قبض روحه وتصارخوا عليه قال على من تصرخون وعلى من تبكون والله ما ظلمت له أجلا ولا أكلت له رزقا بل دعاه ربه فليبك الباكي على نفسه فو الله ان لى عودات وعودات حتى لا أبقى فيكم أحدا الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ اى وكل بقبض أرواحكم وله أعوان من الملائكة وقد ذكرنا الأحاديث الواردة فى ملك الموت وأعوانه فى تفسير سورة الانعام فى تفسير قوله تعالى حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ. (مسئلة) ملك الموت لا يعلم بوقت أحد ما لم يؤمر به اخرج احمد وابن ابى الدنيا عن معمر قال بلغنا ان ملك الموت لا يعلم متى يحضر أجل الإنسان حتى يؤمر بقبضه واخرج ابن ابى الدنيا عن ابن جريج قال بلغنا انه يقال لملك الموت اقبض فلانا فى وقت كذا فى يوم كذا. (مسئلة) ملك الموت يظهر للمؤمن بأحسن صورة وللكافر باقبحها اخرج ابن ابى الدنيا عن ابن مسعود وابن عباس قالا لمّا اتخذ الله ابراهيم خليلا سال ملك الموت ان يأذن له ان يبشر له بذلك فاذن له فجاء ابراهيم فبشره فقال الحمد لله ثم قال يا ملك الموت أرني كيف تقبض أنفاس الكفار قال يا ابراهيم لا تطيق ذلك قال بلى قال فاعرض فاعرض ثم نظر فاذا برجل اسود ينال رأسه السماء يخرج من فيه لهب النار وليس من شعرة فى جسده الا فى صورة رجل يخرج من فيه ومسامه لهب النار فغشى على ابراهيم ثم

أفاق وقد تحول ملك الموت فى الصورة الاولى- فقال يا ملك الموت لو لم يبق الكافر من البلاء والحزن الا صورتك لكفاه فارنى كيف تقبض أرواح المؤمنين قال فاعرض فاعرض ثم التفت فاذا هو برجل شاب احسن الناس وجها وأطيبهم ريحا فى ثياب بيض فقال يا ملك الموت لو لم ير المؤمن عند الموت من قرة عين والكرامة الا صورتك هذه يكفيه واخرج عن كعب ان ابراهيم أراه ملك الموت الصورة التي يقبض بها المؤمن قال فراه من النور والبهاء شيئا لا يعلمه الا الله والتي يقبض بها الكفار الفجار فرعب ابراهيم رعبا حتى أرعدت فرائصه والصق بطنه بالأرض وكادت نفسه تخرج. (مسئلة) كيف يكون الموت سوى الآدميين اخرج ابو الشيخ والعقيلي فى الصغاء والديلمي عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آجال البهائم وحشاش الأرض كلها فى التسبيح فاذا انقضى تسبيحها قبض الله أرواحها وليس الى ملك الموت من ذلك شىء وله طريق اخر أخرجه الخطيب من حديث ابن عمر مثله قال ابن عطية والقرضى معنى ذلك ان الله تعالى يعدم حياتها بلا مباشرة ملك الموت- قلت جعل ملك الموت وأعوانه للانسان إكراما للمؤمنين واهانة وتعذيبا للكافرين واخرج الخطيب فى تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال وكّل ملك الموت يقبض أرواح الآدميين فهو الذي يقبض أرواحهم وملك فى الجن وملك فى الشياطين وملك فى الوحش والطير والسباع والحيتان والنمل فهو اربعة املك والملائكة يموتون فى الصعقة الاولى وان ملك الموت يلى قبض أرواحهم ثم يموت فامّا الشهداء فى البحر فان الله يلى قبض أرواحهم لا يكل ذلك الى ملك الموت لكرامتهم عليه حيث ركبوا سيح البحر فى سبيله- وفيه جويبر ضعيف جدّا والضحاك عن ابن عباس منقطع ولاخره شاهد مرفوع أخرجه ابن ماجة عن ابى امامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله وكل ملك الموت بقبض الأرواح الا شهداء البحر فان الله يتولى قبض أرواحهم- قلت فشهداء بحر العشق والمعرفة اولى بذلك الكرامة والله اعلم. ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) يعنى بعد الموت يصعد بروح المؤمن ملائكة الرحمة الى السموات حتى ينتهى بها الى السماء السابعة وبروح الكافر ملائكة العذاب حتى ينتهى بها الى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له فيطرح روحه طرحا وقد مر الحديث فى سورة

[سورة السجده (32) : آية 12]

الانعام او المعنى ترجعون بعد الحشر احياء الى موقف الحساب فيجزى كل نفس بما عملت وقد مرّ ثم ذكر الله سبحانه حالهم بعد الحشر فقال. وَلَوْ تَرى يا محمّد إِذِ الْمُجْرِمُونَ اى المشركين الذين قالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ ... ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ حال من الضمير فى المجرمون عِنْدَ رَبِّهِمْ ندامة وحزنا يقولون حال من فاعل ناكسوا او حال مرادف له او استيناف فى جواب ما يقولون حينئذ رَبَّنا أَبْصَرْنا ما وعدتنا وكنا مكذّبيه وَسَمِعْنا منك تصديق رسلك فيما كذّبناهم وقيل معناه أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا فَارْجِعْنا الى الدنيا نَعْمَلْ عملا صالِحاً مجذوم فى جواب الدعاء إِنَّا مُوقِنُونَ (12) الان بما كنا شاكّين فيه قبل وجواب لو محذوف تقديره لرايت امرا فظيعا ويجوز ان يكون لو للتمنى والمضي فى لو وإذ لكون الثابت فى علم الله بمنزلة الواقع ولا يقدر لترى مفعول لان المعنى لو يكون منك رؤية فى هذا الوقت او يقدر ما دل عليه صلة إذ يعنى لو ترى نكوس رءوسهم. وَلَوْ شِئْنا ان نؤتى كل نفس هداها اى ما يهتدى به الى الايمان والعمل الصالح وخلق الانقياد للرسول باختياره قلبا وقالبا او المعنى لو شئنا هداية كل نفس لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ عاقلة من الجن والانس هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي اى ثبت قضائى بعدم هدايتهم وعدم اهتدائهم وكون مصيرهم الى النار او سبق وعيدى لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ اللام فيهما للعهد والمراد المجرمون من الفريقين الذين مرّ ذكرهم بدليل قوله أَجْمَعِينَ (13) عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب ابائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب ابائهم رواه مسلم وعن علىّ رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من اهل السعادة فسييسر لعمل اهل السعادة واما من كان من اهل الشقاوة فسييسر لعمل اهل الشقاوة ثم قرأ فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى الاية متفق عليه وعن عبد الله ابن عمرو قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى يده كتابان فقال أتدرون

[سورة السجده (32) : آية 14]

ما هذان الكتابان قلنا لا يا رسول الله الا تخبرنا فقال للذى فى يمينه هذا كتاب من رب العالمين فيه اسماء اهل الجنة واسماء ابائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ابدا ثم قال للذى فى شماله هذا كتاب من رب العالمين فيه اسماء لاهل النار واسماء ابائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ابدا فقال أصحابه ففيم العمل يا رسول الله ان كان امر قد فرغ منه فقال سددوا وقاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل اهل الجنة وان عمل اىّ عمل وان صاحب النار يختم له بعمل اهل النار وان عمل اىّ عمل ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما ثم قال فرغ ربّكم من العباد فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ- رواه الترمذي- وجملة لاملانّ جواب قسم محذوف وبيان للقول المذكور بتقدير هو او بدل عنه وجاز ان يكون حق القول فى حكم القسم يقال حقّا لافعلن كذا فعلى هذا يكون لاملانّ جوابا له وقال مقاتل المراد بالقول هو قوله تعالى لابليس لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ وفى هذه تصريح بان عدم ايمانهم مسبب بعدم المشيّة- وحق القول اما تقرير لعدم المشية والمعنى ولكن شئت كفرهم ومصيرهم الى النار او تعليل لعدم المشية بسبق القضاء ولا يدفعه جعل ذوق العذاب مسببا عن نسيانهم العاقبة وعدم تفكرهم فيها بقوله. فَذُوقُوا الفاء للسببية يعنى لما حقّ القول منّى كذلك فيقول لهم خزنة جهنم إذا دخلوها ذوقوا عذاب جهنم بِما نَسِيتُمْ اى بسبب نسيانكم لِقاءَ يَوْمِكُمْ يعنى البعث والرجوع الى الله اى الى موقف حسابه هذا صفة ليومكم حتى عملتم موجبات العذاب إِنَّا نَسِيناكُمْ اى تركناكم من الرحمة او فى العذاب ترك المنسى وفى استينافه وبناء الفعل على ان واسمها تشديد فى الانتقام منهم وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) كرر الأمر للتوكيد ولما نيط به من التصريح بمفعوله وتعليله بأعمالهم السيئة من الكفر والمعاصي كما علله بتركهم تدبر امر العاقبة والتفكر فيها دلالة على ان كل منهما يقتضى ذلك وهذه الاية حجة لنا على الجبرية والقدرية- اما على الجبرية فلقوله بما نسيتم حيث جعل سبب ذوق العذاب نسيانهم وتركهم الايمان والأعمال الصالحة باختيارهم واما على القدرية فانهم يقولون ان الله يشاء من عباده كلهم الايمان والأعمال الصالحة وهم تركوا الايمان بمشيتهم واختيارهم فالاية تدل على انه لا جبر ولا تفويض بل امر بين أمرين. إِنَّما يُؤْمِنُ

[سورة السجده (32) : آية 16]

بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها اى وعظوا خَرُّوا وقعوا على وجوههم خوفا من عذاب الله سُجَّداً اى ساجدين وَسَبَّحُوا اى نزهوا عما لا يليق به كالعجز عن البعث بِحَمْدِ رَبِّهِمْ متلبسين بحمده يعنى حامدين له شكرا على ما وفقهم للاسلام وأتاهم الهدى قائلين سبحان الله وبحمده وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) عن الايمان والطاعة. تَتَجافى حال من فاعل سبحوا اى ترتفع وتتنحى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ اى الفرش التي ينامون عليها يَدْعُونَ حال من الضمير المجرور فى جنوبهم وهو فاعل تتجافى على طريقة دابر هؤلاء مقطوع مصبحين رَبَّهُمْ خَوْفاً من سخطه وعذابه وَطَمَعاً فى رحمته وثوابه اخرج هناد عن اسماء بنت يزيد رضى الله عنها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الله يوم القيامة الناس فى صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيقوم مناد فينادى اين الذين كانوا يحمدون الله تعالى فى السراء والضراء فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يعود فينادى اين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يقوم سائر الخلق فيحاسبون- واخرج ابن راهويه وابو يعلى فى مسنديهما من حديثها نحوه وفيه ينادى اولا بصوت يسمع الخلائق سيعلم اهل الجمع من اهل الكرم قال الحسن ومجاهد ومالك والأوزاعي وجماعة العلماء هم المتهجدون الذين يقومون لصلوة الليل روى احمد والترمذي وابن ماجة وابن ابى شيبة وابن راهويه فى مسنديهما والحاكم عن معاذ قال قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلنى الجنة ويباعدنى من النار قال لقد سالت من عظيم وانه يسير على من يسره الله عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكوة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال الا ادلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلوة الرجل فى جوف الليل ثم تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتى بلغ يعملون ثم قال الا ادلّك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه قلت بلى يا رسول الله قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال الا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا نبى الله فاخذ بلسانه وقال كف عليك هذا فقلت يا نبى الله وانا لمواخذون بما نتكلم به قال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس فى النار على وجوههم او على

مناخرهم الا حصائد ألسنتهم. وعن ابى مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فى الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن الان الكلام واطعم الطعام وتابع الصيام وصلّى بالليل والناس نيام- رواه البيهقي فى شعب الايمان- وروى الترمذي عن على نحوه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلوة الليل- رواه مسلم وروى احمد الفصل الا خير بلفظ أفضل الصلاة بعد الفريضة صلوة فى جوف الليل وروى البغوي عن ابن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجب ربنا عن رجلين رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه واهله الى صلوته فيقول الله لملائكته انظروا الى عبدى ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه واهله رغبة فيما عندى وشفقة ممّا عندى ورجل غزا فى سبيل الله فانهزم مع أصحابه فعلم ما عليه فى انهزامه وماله فى الرجوع فرجع حتى أهريق دمه فيقول الله لملائكته انظروا الى عبدى رجع رغبة فيما عندى وشفقة عما عندى حتى أهريق دمه وروى البغوي عن ابى هريرة ما قال ابن «1» رواحة وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات انّ ما قال واقع يبيت يجافى جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع وقد ذكرنا ما ورد من الأحاديث فى فضائل صلوة الليل فى تفسير سورة المزّمّل واخرج الترمذي وصححه عن انس ان هذه الاية تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ نزلت فى انتظار الصلاة التي تدعى العتمة- وقال البغوي قال انس نزلت هذه الاية فينا معشر الأنصار كنا نصلى المغرب فلا نرجع الى رحالنا حتى نصلى العشاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقال عن انس ايضا قال نزلت فى أناس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون من صلوة المغرب الى صلوة العشاء- أخرجه ابن مردوية عن انس وأصله فى سنن ابى داؤد وهو قول ابى حاتم ومحمد بن المنكدر وقالا هى صلوة الأوابين روى ابن نصر عن محمد بن المنكدر مرسلا من صلى ما بين المغرب والعشاء فانها صلوة الأوابين واخرج البزار بسند ضعيف

_ (1) هذا فى كتب الرجال هو عبد الله بن رواحة الخزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الأصل ابن ابى رواحة 12

[سورة السجده (32) : آية 17]

عن بلال قال كنا نجلس فى المجلس وناس من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون بعد المغرب الى العشاء فنزلت هذه الاية تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ- وقال البغوي عن ابى الدرداء وابى ذر- وعبادة بن صامت هم الذين يصلون العشاء الاخرة والفجر فى جماعة وروى مسلم واحمد عن عثمان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء فى جماعة فكانما قام نصف الليل ومن صلى الصبح فى جماعة فكانما صلى الليل كله- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعلمون ما فى النداء والصف الاول ثم لم يجدوا الا ان يستهموا عليه لاستهموا عليه ولو يعلمون ما فى التهجير لاستبقوا اليه ولو يعلمون ما فى العتمة والصبح لاتوهما ولو حبوا- رواه الشيخان فى الصحيحين واحمد والنسائي. وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) قيل أريد به الصدقة المفروضة وقيل عام فى وجوه الخير. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ لا ملك مقرّب ولا نبى مرسل ما أُخْفِيَ لَهُمْ قرأ حمزة ويعقوب بياء ساكنة على انه مضارع أخفيت ويؤيده قراءة ابن مسعود نخفى بالنون والباقون بفتحها على انه ماض مبنى للمفعول مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ من زائدة وقرّة أعين فى محل النصب على قراءة حمزة وفى محل الرفع على قراءة الجمهور اى ممّا تقربه أعينهم عن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اقرءوا ان شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ متفق عليه قال هذا ما لا تفسير له جَزاءً منصوب على المصدرية او على العلية يعنى يجزون جزاء وأخفى للجزاء بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) ذكر البغوي واخرج الواحدي وابن عساكر من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه انه كان بين على بن ابى طالب رضى الله عنه والوليد بن عقبة بن ابى معيط تنازع وكلام فى شىء فقال الوليد لعلى عليه السلام اسكت فانّك صبى وانا والله ابسط منك لسانا وأشجع منك حبانا واملا منك حشوا فى الكتيبة فقال على اسكت فانك فاسق فانزل الله تعالى. أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً واخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار مثله واخرج الخطيب فى تاريخه وابن عدى من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس مثله واخرج الخطيب وابن عساكر من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس انها نزلت فى على بن ابى طالب وعقبة بن ابى معيط وذلك بسباب كان بينهما والاستفهام للانكار

[سورة السجده (32) : آية 19]

والفاء للعطف على محذوف تقديره أيستوي علىّ ولى الله المرتضى ووليد عدو الله أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كان كَمَنْ كانَ فاسِقاً يعنى خارجا عن اهل الايمان لا يكون ذلك لا يَسْتَوُونَ (18) فى الشوف والمثوبة أورد صيغة الجمع لان المراد جنس المؤمن والكافر والجملة تقرير لانكار الاستواء ولمّا كان الاستواء مجملا فصّله بقوله. أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى فانها المأوى الحقيقي والدنيا منزل مرتحل عنها لا محالة يأوى إليها المؤمنون ويأبى عن دخولها الكافرون باختيارهم الشرك بالله نُزُلًا وو هو ما يعد للضيف حال من جنات وهو فاعل للظرف بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) اى بسبب أعمالهم. وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا اى كفروا فَمَأْواهُمُ النَّارُ استبدلوها بجنات المأوى كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها عبارة عن خلودهم فيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) اهانة لهم وزيادة فى غيظهم. وَلَنُذِيقَنَّهُمْ عطف على ماوهم النّار مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى يعنى عذاب الدنيا قال أبيّ بن كعب والضحاك والحسن وابراهيم يعنى مصائب الدنيا وأسقامها وهو رواية الوالبي عن ابن عباس وقال عكرمة أراد بها الحدود وقال مقاتل الجوع سبع سنين بمكة حين أكلوا الجيف والعظام والكلاب وقال ابن مسعود هو القتل بالسيف يوم بدر وهو قول قتادة والسدىّ دُونَ اى قبل الْعَذابِ الْأَكْبَرِ يعنى العذاب الاخرة لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) الى الايمان يعنى من بقي منهم بعد القحط وبعد البدر. وَمَنْ أَظْلَمُ لا أحد اظلم مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها ولم يتدبر فيها وثم لاستبعاد الاعراض عن مثل هذه الآيات مع فرط وضوحها وإرشادها الى السعادة فى الدارين إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) فكيف بمن كان هو اظلم من كل ظالم. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ جواب قسم محذوف وهو مع ما عطف عليه معترضة بين قوله إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ وبين قوله إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يعنى كما اتيناك القرآن اتينا قبل ذلك موسى الكتب يعنى التورية فَلا تَكُنْ يا محمد فِي مِرْيَةٍ فى شك مِنْ لِقائِهِ اى الكتاب مصدر مضاف الى المفعول والفاعل محذوف يعنى من ان لقيت الكتاب الى القران فانه غير مبتدع ممّا لم يكن قبل حتى ترتاب فيه- او من ان لقى الموسى الكتاب بالرضاء والقبول كذا قال السدىّ واخرج

[سورة السجده (32) : آية 25]

الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ قال لقاء موسى ربه وقيل معناه لا تكن فى شك من لقائك موسى اى ليلة المعراج قاله ابن عباس وغيره- روى الشيخان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رايت ليلة اسرى بي موسى رجلا أدما طوالا جعدا كانّه من رجال شنوأة ورايت عيسى رجلا مربوع الخلق الى الحمرة والبياض سبط الراس ورايت مالكا خازن النار والدجال فى آيات أراهن الله إياه فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ- وعن ابن عباس قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا بواد فقال اىّ واد هذا فقالوا وادي الأزرق قال كانى انظر الى موسى فذكر من لونه وشعره واضعا إصبعيه فى اذنيه له جؤار «رفع الصوت والاستغاثة- منه رح» الى الله بالتلبية مارّا بهذا الوادي- قال ثم سرنا حتى اتينا على ثنية فقال اىّ ثنية هذه فقالوا مرشا او لغت فقال كانى انظر الى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف خطام ناقته حلبته مارّا بهذا الوادي ملبيا- رواه مسلم وقد ذكر فى سورة بنى إسرائيل فى حديث المعراج ان النبي صلى الله عليه وسلم راى موسى فى السماء السادسة ومراجعته فى امر الصلاة- وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا اسرى بي الى السماء رايت موسى يصلى فى قبره وَجَعَلْناهُ يعنى الكتاب الذي انزل على موسى وقال قتادة يعنى موسى كذا اخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جعل موسى هدى لبنى إسرائيل هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (24) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ اى من بنى إسرائيل أَئِمَّةً قادة فى الخير يقتدى بهم يعنى الأنبياء الذين كانوا فيهم وقال قتادة اتباع الأنبياء يَهْدُونَ النّاس الى ما فيه من الاحكام بِأَمْرِنا إياهم او بتوفيقنا لهم لَمَّا صَبَرُوا قرأ «ورويس- ابو محمد» حمزة والكسائي لما بكسر اللام وتخفيف الميم اى لصبرهم والباقون بفتح اللام وتشديد الميم اى حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمصر- وفيه دليل على ان الصبر يورث امامة الناس وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24) لامعانهم فيها بالنظر. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ يقضى بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فيميز المحق من المبطل متصل بقوله إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ وفيه التفات من التكلم الى الغيبة فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) من امر الدين. أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف والفاعل ضمير راجع الى ربّك او ما دل عليه قوله كَمْ أَهْلَكْنا تقديره الم يعتبروا بمن سبقهم ولم يهد لهم ربك او كثرة إهلاكه مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ

[سورة السجده (32) : آية 27]

الماضية بسبب كفرهم يَمْشُونَ اهل مكة فى أسفارهم فِي مَساكِنِهِمْ اى مساكن المهلكين إِنَّ فِي ذلِكَ الإهلاك لَآياتٍ دلالات على قبح ما فعلوا من الكفر والمعاصي وعلى قدرتنا على الانتقام أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أيعرضون عن ايتنا فلا يسمعون سماع تدبر واتعاظ. أَوَلَمْ يَرَوْا الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم يتفكروا ولم يروا اى لم يعلموا بل قد علموا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ التي جرز نباتها اى قطع وازيل فَنُخْرِجُ بِهِ اى بالماء زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ اى من الزرع أَنْعامُهُمْ كالتين والورق وَأَنْفُسُهُمْ كالحب والثمر أَفَلا يُبْصِرُونَ (27) الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره الا يلقون انظارهم فلا يبصرون ما ذكرنا فيستدلون به على كمال قدرتنا وفضلنا وعلى انا قادرون على بعثهم بعد الموت- اخرج ابن جرير وذكره البغوي عن قتادة قال قال الصحابة للمشركين ان لنا يوما او شك ان نستريح فيه ونتنعم ويحكم الله بيننا وبينكم- قلت لعلهم يعنون يوم القيامة الذي يحكم الله فيه بين العباد وقال الكلبي يعنون فتح مكة وقال السدىّ يوم بدر لان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون ان الله ناصرنا ومظهرنا عليكم فقال المشركون استهزاء متى هذا الفتح فنزلت. وَيَقُولُونَ يعنى كفار مكة عطف على مضمون أَفَلا يُبْصِرُونَ فان نفى أبصار آيات القدرة انكار للقدرة يعنى اينكرون القدرة ويقولون استهزاء مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (28) فيما تقولون فبينوا لنا وقته. قُلْ يا محمد جملة مستأنفة فى جواب ماذا أقول لهم حين قالوا ذلك يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ المتبادر منه ان المراد بيوم الفتح يوم القيمة لان ايمان ذلك اليوم لا ينفع البتة ومن حمل الفتح على فتح مكة او يوم بدر قال معناه لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقتلوا او ماتوا على الكفر ايمانهم حين راووا العذاب بعد موتهم وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) اى يمهلون ووجه تطبيق هذا الجواب بسوالهم عن يوم الفتح ان سوالهم ذلك كان استعجالا منهم على وجه التكذيب والاستهزاء فاجيبوا على حسب ما عرف من عرضهم فى سوالهم- فكانّ التقدير لا تستعجلوا به ولا تستهزءوا فكانّى بكم وأنتم فى ذلك اليوم وأمنتم به فلم ينفعكم ايمانكم واستنظرتم فى درك العذاب فلم تنظروا. فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ الفاء للسببية يعنى إذا عرفت حالهم

وما لهم فاعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم قال ابن عباس نسختها اية السيف وَانْتَظِرْ موعدى لك بالفتح إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30) بك حوادث الزمان وقيل انتظر عذابنا فيهم فانهم ينتظرون ذلك. عن ابى هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الفجر يوم الجمعة الم تَنْزِيلُ وهَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ- وعن جابر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الم تَنْزِيلُ وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ رواه احمد والترمذي والدارمي وقال الترمذي هذا حديث صحيح وعن خالد بن معدان قال بلغني فى الم تنزيل ومثله فى تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ان رجلا كان يقراهما ما يقرأ شيئا غيرهما وكان كثير الخطايا فنشرت جناحها عليه وقالت رب اغفر له فانه كان يكثر قراءتى فشفعها الرب تعالى فيه وقال اكتبوا له بكل خطيئة حسنة وارفعوا له درجة- وقال ايضا انها تجادل عن صاحبها فى القبر تقول ان كنت من كتابك فشفعنى فيه وان لم أكن من كتابك فامحنى عنه وانها تكون كالطير تجعل جناحها عليه فتشفع له فتمنعه من عذاب القبر وقال فضلتا على كل سورة فى القران بستين حسنة- رواه الدارمي وعن ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم من قرأ الم تنزيل وتبارك الملك اعطى من الاجر كانما احيى ليلة القدر- رواه الثعلبي وابن مردوية وروى ابن مردوية عن ابن عمر نحوه- قال السيوطي هذا حديث موضوع والله اعلم تم تفسير سورة الم تنزيل يوم الاثنين الرابع والعشرين من رجب من السنة السادسة بعد الف وماتين سنه 1206 ويتلوه ان شاء الله تعالى سورة الأحزاب.

سورة الأحزاب

سورة الأحزاب مدنيّة وهى ثلاث وسبعون اية قال أبيّ بن كعب لذرّكم تعدون سورة الأحزاب قال ثلاثا وسبعين اية قال فو الذي يحلف به أبيّ ان كانت لتعدل سورة البقرة او أطول ولقد قرأنا منها اية الرجم الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله والله عزيز حكيم- ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال ان اهل مكة منهم الوليد بن المغيرة وشيبة ابن ربيعة دعووا النبي صلى الله عليه وسلم الى ان يرجع عن قوله على ان يعطوه شطرا من أموالهم وخوّفه المنافقون واليهود بالمدينة ان لم يرجع قتلوه فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ الاية ناداه بالنبي ولم يقل يا محمد وامره بالتقوى تعظيما وتفخيما لشأن التقوى- وقال البغوي نزلت الاية فى ابى سفيان بن الحرب وعكرمة ابن ابى جهل وابى الأعور عمرو بن سفيان السلمى وذلك انهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين بعد قتال أحد وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الامان على ان يكلموه- فقام معهم عبد الله بن ابى سعد وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم (وعنده عمر بن الخطاب) ارفض ذكر الهتنا اللات والعزى ومناة وقل ان لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم فقال عمر يا رسول الله ايذن لى فى قتلهم فقال انى قد اعطيتهم الامان فقال اخرجوا فى لعنة الله وغضبه فامر النبي صلى الله عليه وسلم ان يخرجوهم من المدينة فانزل الله تعالى هذه الاية- قيل الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد به الامة وقال الضحاك معناه اتق ولا تنقض العهد الذي بينك وبينهم وقيل الخطاب للنبى صلى

[سورة الأحزاب (33) : آية 2]

الله عليه وسلم للامر بالثبات عليه ليكون مانعا عمّا نهى عنه بقوله وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ من اهل مكة يعنى أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور وَالْمُنافِقِينَ من اهل المدينة عبد الله ابن ابى وعبد الله بن سعد وطعمة بن أبيرق إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بخلقه ومصالحهم ومفاسدهم حَكِيماً (1) لا يحكم الا على وفق الحكمة. وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ من التوحيد والإخلاص لله هذه الجملة بمنزلة التأكيد للتقوى وعدم إطاعة الكفار إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) قرأ ابو عمرو بالياء فى يعملون خبيرا ... يعملون بصيرا للغيبة والضمير عائد للكافرين والمنافقين يعنى ان الله خبير بمكائدهم يجازيهم عليها وقرأ الباقون بالتاء خطابا للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فان الأمر بالتقوى وان كان بصيغة الواحد لكن المراد هو وأمته وعلى هذا الجملة تأكيد لامتثال الأمر طمعا فى حسن الجزاء وخوفا عن قبحه. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ اى ثق به وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) موكولا اليه الأمور كلها تذييل وقال الزجاج عطف على توكل لفظه خبر ومعناه امر اى اكتف بالله وكيلا تميز من النسبة اى اكتف بالله وكيلا يعنى اكتف بوكالته وفى صيغة الأمر اشعار على التعليل للامر بالتوكل والاكتفاء يعنى من كان الله مع كمال علمه وقدرته ورحمته موكولا اليه أموره لا يحتاج الى توكيل غيره فتوكيل أموره الى غيره سفه والله اعلم. ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ من زائدة وهو فى محل النصب على انه مفعول أول لجعل ولرجل مفعوله الثاني فِي جَوْفِهِ ظرف لغو او صفة لقلبين اعلم ان القلب معدن للروح الحيواني ومنبع للقوى بأسرها وذلك يمنع التعدد إذ لو كان لرجل قلبان فاما ان يفعل بكل واحد منهما شيئا واحدا من افعال القلوب فالثانى فضلة لا حاجة اليه واما ان يفعل بكل واحد غير ما يفعل به الاخر وحينئذ يفضى الى التناقض ذكر البغوي وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ وابن نجيح عن مجاهد انها نزلت فى ابى معمر جميل بن معمر الفهري كان رجلا لبيبا حافظا لما يسمع فقالت قريش ما حفظ ابو معمر هذه الا وله قلبان وكان يقول ان لى قلبين اعقل بكل واحد منهما أفضل مما عقل محمد- فلما انهزم قريش يوم بدر وانهزم فيهم ابو معمر لقيه ابو سفيان واحدي نعليه فى يده والاخرى برجله فقال له يا أبا معمر ما حال الناس قال انهزموا قال مالك احدى نعليك بيدك والاخرى

برجلك قال ابو معمر ما شعرت الا انهما فى رجلى فعلموا يومئذ انه لو كان له قلبان لما نسى نعله فى يده واخرج ابن ابى حاتم من طريق خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة قالوا كان رجل يدعى ذا القلبين فنزلت فيه واخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس مثله ومن طريق قتادة عن الحسن مثله وزاد وكان يقول نفسى يأمرنى ونفسى ينهانى- واخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطر خطرة فقال المنافقون الذين معه الا ترى ان له قلبين قلبا معكم وقلبا مع أصحابه فانزل الله تعالى هذه الاية- وقال الزهري ومقاتل هذا مثل ضربه الله عز وجل للمظاهر من امرأته وللمتبنّى ولد غيره يقول فكما لا يكون لرجل قلبان لامتناع اجتماعهما لا تكون امراة المظاهر امّا له لامتناع اجتماع النسبتين ولا يكون ولد غيره ولدا له لامتناع اجتماع النسبتين- وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي قرأ قالون «ويعقوب- ابو محمد» وقنبل اللّاء هنا وفى المجادلة والطلاق بالهمزة «الحقيقة- ابو محمد» من غير ياء «وابو جعفر- ابو محمد» وورش بياء مختلسة «اى بهمزة سلمة بغير ياء- ابو محمد» الكسرة خلفا من الهمزة وإذا وقف صيرها ياء ساكنة والبزي وابو عمرو «بخلاف عنه ما وصلا والوجه الثاني لها ورش ابو محمد» بياء ساكنة بدلا من الهمزة فى الحالين والباقون بالهمزة بعدها ياء فى الحالين وحمزة إذا وقف جعل الهمزة بين بين على أصله ومن همز منهم ومن لم يهمز أشبع التمكين للالف فى الحالين الا ورشا «ومن معه- ابو محمد» فان المد والقصر جائز ان عنه تُظْهِرُونَ قرأ عاصم بضم التاء وتخفيف الظاء والف بعدها وكسر الهاء من المفاعلة وحمزة و «خلف- ابو محمد» الكسائي بفتح التاء والهاء وبالألف مخففا من التفاعل بحذف احدى التاءين وقرأ ابن عامر بفتح التاء والهاء وتشديد الظاء وبالألف ايضا من التفاعل لكن بإدغام التاء بعد القلب بالظاء والإسكان فى الظاء والباقون بفتح التاء والهاء «المشددة- ابو محمد» وتشديد الظاء بغير الف من التفعل بإدغام التاء فى الظاء على ما بيّنّا مِنْهُنَّ عدى التظاهر بمن لتضمنه معنى التجنب لانه كان طلاقا فى الجاهلية فعدل فى الشرع الى الحرمة المنتهية بالكفارة أُمَّهاتِكُمْ صورة المظاهر ان يقول الرجل لزوجته أنت علىّ كظهر أمي وقد ذكرنا مسائل الظهار فى سورة المجادلة- قال البيضاوي ذكر الظهر فى الظهار للكناية عن البطن الذي هو عموده فان ذكره تقارب ذكر الفرج او للتغليظ فى التحريم فانهم كانوا يحرمون إتيان المرأة وظهرها الى السماء وَما جَعَلَ الله أَدْعِياءَكُمْ اى الذين تبنيتهم جمع دعى على الشذوذ وكان قياسه

[سورة الأحزاب (33) : آية 5]

دعوى كجرحى جمع جريح لانه فعيل بمعنى مفعول كانّه شبه بفعيل بمعنى فاعل فجمع جمعه كتقىّ وأتقياء وسخى وأسخياء وشقى وأشقياء أَبْناءَكُمْ فلا يثبت بالتبني شىء من احكام النبوة من الإرث وحرمة النكاح وغير ذلك- وفى الاية ردّ لما كانت العرب تقول من ان اللبيب الأريب له قلبان والزوجة المظاهر منها تبين من زوجها وتحرم عليه كالام ودعى الرجل ابنه يرثه ويحرّم بالتبني ما يحرم بالنسب وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعتق زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي وتبنّاه قبل الوحى وأخا بينه وبين حمزة بن عبد المطلب- فلما تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بعد ما طلقه زيد وكانت امرأته وقال المنافقون تزوج محمد امراة ابنه وهو ينهى عن ذلك انزل الله تعالى هذه الاية ذلِكُمْ اشارة الى كل ما ذكر قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ يعنى لا حقيقة لها فى الأعيان كقول الهاذىّ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ يعنى ماله حقيقة فى الأعيان تطابق قوله وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) اى يرشد الى سبيل الحق- روى الدارمي عن عائشة قالت جاءت سهلة بنت سهل بن عمرو (وكانت تحت ابى حذيفة بن عتبة ابن ربيعة) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ان سالما مولى ابى حذيفة يدخل علينا وانا فضل «1» وانما نراه ولدا وكان ابو حذيفة تبنّاه كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيدا فانزل الله تعالى. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ يعنى انسبوهم الى ابائهم الذين خلقوا من نطفهم افراد للمقصود من أقواله الحقة هُوَ الدعاء لابائهم أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ تعليل لقوله ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ واقسط اسم تفضيل أريد به الزيادة مطلقا من القسط بمعنى العدل ومعناه البالغ فى الصدق واخرج البخاري عن ابن عمر قال ما كنا نقول زيد بن الحارثة الا زيد بن محمد صلى الله عليه وسلم حتى نزل القران ادعوهم لابائهم هو اقسط عند الله فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ حتى تنسبوا اليه فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ اى فهم إخوانكم فى الدين وأولياءكم فقولوا هذا أخي فى الدين ومولائى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ اى اثم فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ اى فيما نسبتم المتبنّى الى المتبنّى مخطئين قبل النهى او بعده على النسيان او سبق اللسان وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ

_ (1) فضل اى مبتذلة فى ثياب مهنتها يقال تفضلت المرأة إذا لبست ثياب مهنتها او كانت فى ثوب واحد فهى فضل والرجل فضل ايضا 12 نهايه منه رحمه الله-

[سورة الأحزاب (33) : آية 6]

قُلُوبُكُمْ اى لكن الجناح فيما تعمّدت قلوبكم او لكن ما تعمّدت قلوبكم ففيه الجناح عن سعيد بن ابى وقاص وابى بكرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ادعى الى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام- رواه الشيخان فى الصحيحين واحمد وابو داؤد وابن ماجة وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ادعى الى غير أبيه او أنتما الى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة الى يوم القيامة- رواه ابو داؤد وقال السيوطي صحيح وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) يعفوا عن المخطئ قال البيضاوي اعلم ان التبنّي لا عبرة له عندنا (يعنى عند الشافعي رحمه الله) وعند ابى حنيفة رحمه الله يوجب عتق مملوكه ويثبت النسب لمجهوله الذي يمكن الحاقه به- وهذا سهو منه فان عند ابى حنيفة رحمه الله لا يعتق المملوك بقوله تبنيتك وجعلتك ابني وكذا لا يثبت النسب إذا قال لمجهول النسب تبنيتك وجعلتك ابني بل عنده ان السيد إذا قال لعبده هذا ابني يعتق عليه سواء كان يولد مثله لمثله اولا تصحيحا لكلامه وحملا له على المجاز كانّه قال هذا حرّ إطلاقا للسبب على المسبّب إذ النبوة سبب للحرية لقوله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه رواه احمد واصحاب السنن وقد خالف أبا حنيفة صاحباه فيما إذا قال لعبده هو اكبر سنا منه هذا ابني قانهما قالا لا يعتق بناء على خلافية فى الأصول ان المجاز عنده خلف عن الحقيقة فى التكلم دون الحكم فاذا صح التكلم بالحقيقة صح التجوز عنده وعتق عليه وعندهما خلف له فى الحكم فاذا لم يمكن الحكم بالحقيقة لم يصح التجوز خلفا ولم يعتق عليه ومن قال لمجهول النسب هذا ابني وهو بحيث يمكن ثبوت النسب منه يثبت نسبه لكونه ماخوذا بإقراره والتزام النسب خالص حقه ولاجل ذلك من قال لمجهول النسب هذا أخي لا يثبت نسبه من أبيه غير انه إذا مات المقر بالنسب على الغير مصرّا على إقراره ولم يكن له وارث اخر يرث المقر له منه لعدم المزاحم وهو مقدم على بيت المال عندنا لا على أحد من الورثة وان كانوا من ذوى الأرحام ولا على الموصى له بجميع المال والله اعلم. قال البغوي قيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس الى الجهاد فيقول قوم نذهب فنستأذن من ابائنا وأمهاتنا فنزلت. النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعنى من بعضهم لبعض فى نفوذ الحكم عليهم ووجوب طاعته عليهم فلا يجوز

إطاعة الآباء والأمهات فى مخالفة امر النبي صلى الله عليه وسلم وهو اولى بهم فى الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه- قال ابن عباس وعطاء يعنى إذا دعاهم النبي الى شىء ودعتهم أنفسهم الى شىء كانت طاعتهم للنبى اولى بهم من طاعتهم لانفسهم وذلك لانه عالم بمصالحهم ومفاسدهم بتعليم الله تعالى ولا يأمرهم ولا يرضى منهم الا ما فيه صلاحهم ونجاحهم قال الله تعالى حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ بخلاف أنفسهم فانّها امّارة بالسوء الا من رحم الله وهى ظلوم جهول فيجب عليهم ان يكون الله أحب إليهم من أنفسهم فامره انفذ عليهم من أمرها وشفقته أوفر من شفقتها عليها- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده وولده والناس أجمعين متفق عليه من حديث انس وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من مؤمن الا وانا اولى به فى الدنيا والاخرة اقرءوا ان شئتم النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فايما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ومن ترك دينا او ضياعا فليأتنى فانا مولاه- رواه البخاري وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ فى تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأبيد لا فى النظر إليهن والخلوة بهن فانه حرام فى حقهن كما فى حق الاجنبيات قال الله تعالى وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ولا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين ولا لاخوتهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم- قال الشافعي تزوج الزبير اسماء بنت ابى بكر وهى اخت أم المؤمنين عائشه ولم يقل هى خالة المؤمنين- قلت وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بناته بعلى وعثمان قال البغوي روى الشعبي عن مسروق ان امرأة قالت لعائشة يا امه فقالت لست لك بام انما انا أم رجالكم- وكذا اخرج البيهقي فى سننه فبان بهذا انه تعالى أراد تحريم النكاح وفى قراءة أبيّ بن كعب وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وهو اب لّهم يعنى فى الدين فان كل نبى اب لامته من حيث انه اصل فيما به الحيوة الابدية ولذلك صار المؤمنون اخوة وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ اى فى حكم الله او فى اللوح المحفوظ او فى القران وهو هذه الاية او اية المواريث يعنى فى التوارث ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فايما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ صلة لاولى ومن

[سورة الأحزاب (33) : آية 7]

تفصيلية والاية ناسخة لما كان فى ابتداء الإسلام التوارث بالهجرة والموالاة فى الدين قال البغوي ... قال قتادة كان المسلمون يتوارثون بالهجرة وقال الكلبي أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس وكان يواخى بين رجلين فاذا مات أحدهما ورثه الاخر عصبة حتى نزلت وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ- وهذه الاية بعمومه حجة لنا على الشافعي فى توريث اولى الأرحام ممن ليس بذي فرض ولا عصبة عنه عدم ذوى الفروض والعصبات وعند عدم أحد من اولى الأرحام يوضع المال فى بيت المال إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ اى اصدقائكم من المؤمنين والمهاجرين مَعْرُوفاً اى وصية فالموصى له من الأصدقاء اولى من الورثة وهذا عام خص منه البعض بالسنة والإجماع فهو اولى من الورثة فى ثلث المال دون كله وهذا استثناء من أعم ما يقدر الاولويّة فيه من النفع او منقطع وذلك ان الله لمّا نسخ التوارث بالحلف والهجرة أباح ان يوصى بمن يتولاه بما أحب من الثلث- وقيل من فى قوله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ بيانية والمعنى وَأُولُوا الْأَرْحامِ من المؤمنين بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ يعنى لا توارث بين المسلم والكافر ولا بين المهاجر وغير المهاجر إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ اى اقربائكم وصية وان كانوا من غير اهل الايمان والهجرة قال البغوي هذا قول قتادة وعكرمة وعطاء- قلت وعلى هذا يخلوا فعل من اللام والاضافة ومن التفضيلية ثم كون اولى الأرحام من المؤمنين والمهاجرين بعضهم اولى ببعض لا يقتضى نفى التوارث بين المسلم والكافر لا بالمنطوق وهو ظاهر ولا بالمفهوم لان كون المؤمن اولى لا يدل على نفى ميراث كافر من مؤمن عند عدم وارث مؤمن والله اعلم كانَ ذلِكَ اى ما ذكر فِي الْكِتابِ اى فى اللوح المحفوظ او القران وقيل فى التورية مَسْطُوراً (6) ثابتا مرقوما. وَاذكر إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ أجمعين مِيثاقَهُمْ عهودهم حين اخرجوا من صلب آدم قال أخذ الله ميثاقهم على ان يعبدوا الله ويدعوا الناس الى عبادته وينصر بعضهم بعضا وينصحوا لقومهم وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ خصهم بالذكر بعد التعميم لفضلهم لكونهم اصحاب الشرائع والكتب واولى العزم من الرسل وقدم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فى الذكر تعظيما له واشعارا بما اخبر عنه صلى الله

[سورة الأحزاب (33) : آية 8]

عليه وسلم حيث قال كنت أول الناس فى الخلق وآخرهم فى البعث رواه سعد عن قتادة مرسلا ورواه البغوي متصلا عن قتادة عن الحسن عن ابى هريرة وقال قال قتادة وذلك قول الله عزّ وجلّ وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ الاية فبدأ به صلى الله عليه وسلم قبلهم- وروى ابن سعد وابو نعيم فى الحلية عن ميسرة الفجر بن سعد عن ابى الجدعاء والطبراني فى الكبير عن ابن عباس بلفظ كنت نبيّا وآدم بين الروح والجسد وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً عهدا على الوفاء بما عهدوا غَلِيظاً (7) شديدا عظيم الشان او مؤكدا بالايمان والتكرير لبيان هذا الوصف. لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ اى فعلنا ذلك ليسئل الله يوم القيامة الأنبياء الذين صدقوا عهودهم عمّا قالوه لقومهم او عن تصديقهم إياهم تبكيتا لهم او المصدقين لهم عن تصديقهم فان مصدق الصادق صادق او المؤمنين الذين صدقوا عهودهم حتى اشهدهم على أنفسهم عن صدقهم عهدهم وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (8) عطف على أخذنا من جهة ان بعثة الرسل وأخذ الميثاق منهم لاثابة المؤمنين او على ما دل عليه قوله لِيَسْئَلَ كانّه قال فاثاب للمؤمنين وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً.... يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ ظرف لنعمة جُنُودٌ اى كفار قريش وغطفان ويهود قريظة كانوا زهاء اثنى عشر الف حتى حاصروا المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفر رسول الله صلى الله عليه وسلم خندقا حولهم فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً يعنى الصبا روى البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور أرسل الله عليهم ريحا باردة فى ليلة شاتية فقطعت الأوتاد واطناب الفساطيط واطفأت النيران واكفأت القدور وجالت الخيل بعضها فى بعض وَجُنُوداً من الملائكة لَمْ تَرَوْها حتى كثر تكبير الملائكة فى جوانب عسكرهم والقى الرعب فى قلوبهم حتى كان سيد كل قوم يقول يا بنى فلان هلموا الىّ فاذا اجتمعوا عنده قال النجا النجا أبيتم فانهزموا من غير قتال ولم تقاتل الملائكة يومئذ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ ايها المؤمنون من حفر الخندق والتهيؤ للقتال هذا على قراءة الجمهور واما على قراءة البصريين فالمعنى وكان الله بما يعمل المشركون من التحزب

والمحاربة بَصِيراً (9) رائيا وكان ذلك الوقعة فى شوال سنة اربع من الهجرة كذا فى مواهب اللدنية من قول موسى بن عقبة بعد ثمانية أشهر من اجلاء بنى النضير وكان اجلاؤهم وتفرقهم فى البلاد ولحوق سلام بن ابى الحقيق وكنانة بن الربيع وحيى بن اخطب وغيرهم بخيبر فى ربيع الاول سنة اربع والمشهور انه فى شوال سنة خمس من الهجرة كذا قال محمد بن إسحاق. قال البغوي قال محمد بن إسحاق حدثنى يزيد بن رومان مولى ال الزبير عن عروة بن الزبير وعن عبد الله بن كعب بن مالك وعن الزهري وعاصم بن عمرو بن قتادة وعن عبد الله بن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعن محمد بن كعب القرظي وغيرهم من علمائنا دخل حديث بعضهم بعضا ان نفرا من اليهود منهم سلام بن ابى الحقيق وحيى بن اخطب وكنانة بن الربيع بن ابى الحقيق وهودة بن قيس وابو عامر الوائىّ فى نفر من النضير ونفر من بنى وائل (وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم الى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا انا سنكون معكم عليه حتى نستأصله فقال لهم قريش يا معشر اليهود انكم اهل الكتاب الاول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد فديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم اولى بالحق منه (قال فهم الذين انزل الله فيهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الى قوله وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) فلمّا قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا ونشطو الى ما دعوهم اليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوا لذلك- ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان من قيس بن غيلان فدعوهم الى ذلك واخبروهم انهم سيكونون معهم عليه وان قريشا قد بايعوهم فاجابوهم. قلت روى انه كان رجال بنى نضير وبنى وائل نحوا من عشرين رجلا فقال لهم ابو سفيان بن حرب مرحبا بكم أحب الرجال عندنا من عاهدنا على عداوة محمد فقالوا لابى سفيان اختر لنا خمسين رجلا من بطون قريش وتكون منهم حتى ندخل نحن وأنتم فى أستار الكعبة ونلزق صدورنا بجدران الكعبة ثم نحلف على ان نتفق على عداوة محمد وتكون كلمتنا واحدة ونتعاهد على ان نحارب محمدا ما بقي منا رجل

واحد ففعلوا ذلك- ولما قدم اليهود على غطفان بعد المعاهدة مع قريش حرضوهم على القتال مع النبي صلى الله عليه وسلم ووعدوهم على ذلك بتمر سنة ما كان على نخيل خيبر وقيل بنصف ذلك فأجاب عيينة بن حصين الفزاري رئيس غطفان قولهم بذلك الشرط اى بشرط إعطاء تمر سنة وكتب عيينة الى حلفائه من بنى اسد فجاءوا عنده- قال البغوي فخرجت قريش قائدهم ابو سفيان بن حرب وغطفان وقائدها عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر فى بنى فزارة والحارث بن عوف بن ابى حارثة المزي فى بنى مرة ومسعر بن رحيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع. قلت روى ان أبا سفيان جمع العسكر اربعة آلاف رجل واعطى رأيته عثمان بن ابى طلحة وكان فى عسكرهم ثلاث مائة فرس والف بعير حين خرجوا من مكة ونزلوا مر الظهران واجتمع هناك اسلم وأشجع وبنو مرّة وبنو كنانة وفزارة وغطفان حتى صاروا عشرة آلاف وساروا بأجمعهم الى المدينة ولذلك سمى غزوة الأحزاب. قال البغوي فلمّا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة وكان الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان الفارسي وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ حر فقال يا رسول الله انا كنا بفارس إذا حصرنا خندقنا علينا فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحكموه قلت روى انه صلى الله عليه وسلم لما سمع الخبر قال حسبنا الله ونعم الوكيل وجمع أسراء المهاجرين والأنصار واستشارهم فى ذلك وأشار سلمان بضرب الخندق فاستحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وخرج غازيا واعطى لواء المهاجرين زيد بن حارثة ولواء الأنصار سعد بن عبادة وخرج معه ثلاثة آلاف من المهاجرين والأنصار- قلت روى ان معهم ستة وثلاثون فرسا وخرج معه صبيان لم يبلغوا الحلم فردهم الى المدينة من كان منهم لم يبلغ خمسة عشر سنة وأجاز منهم للقتال من كان منهم ابن خمسة عشر سنة منهم عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وابو سعيد الخدري وبراء بن عازب فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعا لاجل الخندق فى بعض أطراف المدينة فاختار موضعا بقرب جبل

سلع جعل جبل سلع على ظهر العسكر وخط خطّا للخندق بينه وبين الكفار- قال البغوي أخبرنا عن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم عامّ الأحزاب ثم قطع لكل عشر أربعين ذراعا- قال احتج المهاجرون والأنصار فى سلمان الفارسي وكان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا وقال الأنصار سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان منا اهل البيت. قال عمر بن عوف كنت انا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار فى أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا كنا بجنب ذى باب اخرج الله من بطن الخندق صخرة مردة كسرت حديدنا وشقت علينا فقلت يا سلمان ارق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره خبر هذه الصخرة فان راى ان نعدل عنها فان المعدل قريب واما ان يأمرنا بامره فانا لا نحب ان نجاوز خطه فرقى سلمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية- قال فخرجت صخرة بيضاء من مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيبك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها بامرك فانا لا نحب ان نجاوز خطك فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان الخندق والتسعة التي فى الخندق فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكانّ مصباحا فى بيت جوف مظلم فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبّر المسلمون ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكانّ مصباحا فى جوف بيت مظلم فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون ثم ضربها- فاخذ بيد سلمان ورقي فقال سلمان بابى أنت يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم الى القوم فقال رأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم قال ضربت ضربتى الاولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لى قصور الحيرة ومدائن كسرى كانها أنياب الكلاب وأخبرني جبرئيل عليه السّلام ان أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربة الثانية فبرق الذي رايتم أضاءت لى منها قصور الحمرة من الروم كانها أنياب الكلاب فاخبرنى جبرئيل ان أمتي

ظاهرة عليها فابشروا فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله الذي موعده صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون الا تعجبون من محمد يمنّيكم ويعدكم الباطل ويخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وانها تفتح لكم وأنتم انما تحفرون الخندق من الغرق لا تستطيعون ان تبرزوا قال فنزل القران وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وانزل فى هذه القصة قل اللهمّ مالك الملك الاية. روى البخاري فى الصحيح عن انس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الخندق فاذا المهاجرون والأنصار يحفرون فى غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك فلمّا راى ما بهم من النصب والجوع قال ان العيش عيش الاخرة ... فاغفر الأنصار والمهاجرة فقالوا مجيبين له نحن الذين بايعوا محمّدا ... هلى الجهاد ما بقينا ابدا وروى ايضا فى الصحيح عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته ينقل تراب الخندق حتى وارى على الغبار جلد بطنه وكان كثير الشعر فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من التراب يقول اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فانزل سكينة علينا ... وثبت الاقدام ان لاقينا ان الاولى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ثم يمدّ صوته بآخرها وفى رواية والله لولا الله ما اهتدينا الى آخره قلت وروى ان سلمان كان رجلا قويا يعمل فى الخندق عمل عشرة من الرجال ويروى انه كان يحفر الخندق كل يوم خمسة اذرع فى عمق خمسة اذرع فاصابه عين من قيس بن ابى صعصعة فصرع فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم قيسا ان يتوضأ لسلمان ويجعل وضوءه فى اناء ويضل به سلمان ويلقى الإناء خلفه منكوسا ففعلوا ذلك فبرئ سلمان.

وروى احمد والبخاري فى الصحيح عن جابر بن عبد الله قال كنا يوم الخندق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضت لنا كدبة «بضم الكاف القطعة الصلبة الصماء- منه رح» شديدة فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه كدية من الجبل عرضت فقال انا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة ايام لا نذوق ذواقا فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول فعادت كثيبا اهيل او اهيم فقلت يا رسول الله ايذن لى البيت فقلت لامراتى انى رايت من رسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديد اما فى ذلك صبر فعندك شىء فاخرجت لى جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن «1» فذبحتها وطحنت ففرغت الى فراغى وقطعتها فى برمتها «البرمة القدر- منه رح» والعجين قد انكسر «2» والبرمة بين الأثافي «الحجارة التي توضع عليها القدر- منه رح» فى قدر كادت ان تنضج ثم ولّيت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا تفضحنى برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه فجئته فساررته فقلت طعيم لى يا رسول الله فقم أنت ورجل او رجلان قال كم هو فذكرت له قال كثير طيب قل لها لا تنزع البرمة والخبز من التنور حتى اتيكم واستقر صحافا ثم صاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا اهل الخندق ان جابرا صنع لكم سورا «3» فحى «4» هلابكم- فقلت ويحك «5» جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم فقالت بك «6» وبك هل سألك فقلت نعم فقالت الله ورسوله اعلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ادخلوا ولا تضاغطوا «اى لا تزوحموا- منه رح» فاخرجت له عجينا فبسق فيه وبارك ثم عمد الى برمتنا فبسق فيها وبارك ثم قال يا جابر ادع خابزة فلتخبز معك واقدحى «اى اغرقى- منه رح» من برمتك ولا تنزلوها- وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم يخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ويقرب الى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف اللحم حتى شبعوا وهم الف- قال جابر فاقسم بالله لاكلوا حتى تركوه وانحرفوا وان برمتنا لتغط «7» كما هى وان عجيننا ليخبز كما هو ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلى واهدى فان الناس أصابتهم مجاعة فلم نزل

_ (1) الشاة التي يعلقها الناس فى منازلهم- نهاية منه رح (2) اى لان ورطب وتمكن من الخبز- منه رح (3) اى طعاما يدعو اليه الناس واللفظ فارسية- نهاية جزرى منه رح [.....] (4) حى هلا كلمة استدعاء فيها حث اى هلموا مسرعين- نهاية منه رح (5) ويح كلمة ترحم- منه رح (6) اى جعل الله بك كذا وكذا او فعل بك كذا وكذا والموحدة متعلق بمحذوف 12 نهاية منه رح (7) اى تفلى وتفور- منه رح-

نأكل ونهدى يومنا- قلت وقد صح انهم قد فرغوا من امر الخندق فى ستة ايام. قال البغوي رجعنا الى حديث ابن إسحاق فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش بمجتمع الاخبال من دومة الجرف والغابة فى عشر آلاف من أحابيشهم «1» ومن تابعهم من اهل التهامة وأقبلت غطفان ومن تابعهم من اهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمى الى جانب أحد- وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم الى سلع فى ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنا لك عسكره والخندق بينه وبين القوم وامر بالذراري والنساء فرفعوا الى الآطام. «الاجنبية المرتفعة كالحصون- نهادينه رح» وخرج عدو الله حيى ابن اخطب من بنى النضير حتى اتى كعب بن اسد القرظي صاحب عقد بنى قريظة وعهدهم وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعاهده ذلك فلما سمع كعب بحيي بن اخطب غلق دونه حصنه فاستأذن عليه فابى ان يفتح له فناداه حيى يا كعب افتح لى فقال ويحك يا حيى امر اشوم انى قد عهدتّ محمدا فلست بناقض ما بينى وبينه ولم أر منه الا الوفاء والصدق قال ويحك افتح أكلمك قال ما انا بفاعل قال والله ان غلقت دونى الا لخشيتك ان أكل معك منها فاحفظ الرجل ففتح له الباب فقال يا كعب جئتك بعز الدهر ببحر «اى مرتفع منه رح» طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى انزلتهم بمجتمع الاسبال من دومة وغطفان على قادتها وسادتها حتى امسى بذنب نقمى الى جانب أحد فتعاهدونى وتعاقدونى ان لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال كعب بن اسد جئتنى والله بذل الدهر وبجهام قد أهرق «اى صب 12 منه رح» ماؤه برعد وبرق ليس فيه شىء فدعنى ومحمدا وما انا عليه فانى لم ار من محمّد الا صدقا ووفاء فلم يزل حيى بن اخطب بكعب يقتله «2» فى الذروة والغارب حتى سمح له على ان أعطاه من الله عهدا وميثاقا لان رجعت قريش ولم يصيبوا محمدا ان ادخل معك فى حصنك حتى يصيبنى ما أصابك- فنقض كعب بن اسد عهده وبرئ ممّا كان

_ (1) احياء من القارة انضموا الى بنى ليث فى محاربتهم قريشا- نهاية منه رح (2) يفتله فى الذروة والغارب هذا مثل وأصله فى البعير يستصعب عليك فتأخذ القراد من ذروته وغاب سنامه وتفتل هناكه فيجد البعير مهرة فيستأنس عند ذلك فضرب هذا الكلام مثلا فى المراوضة والمخاتلة والذروة والغارب أعلى ظهر البعير يعنى لم يخل يخدعه 12 منه رحمه الله-

عليه فيما بينه وبين محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتهى الى رسول الله الخبر والى المسلمين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أحد بنى الأشهل وهو يومئذ سيد الأوس وسعد بن عبادة أحد بنى ساعدة وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله ابن رواحة أخو بنى الحارث بن الخزرج وخوّات بن جبير أخو بنى عمرو بن عوف فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغني عن هؤلاء القوم أم لا فان كان حقّا الحنوا الىّ لحنا «1» أعرفه لا تفتوا «اى لا تكسروا قوائهم بإدخال الرعب فى قلوبهم- منه رح» أعضاد الناس وان كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به الناس فخرجوا حتى أتوهم فوجدوا على أخبث ما بلغهم منهم ومالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا لا عقد بيننا وبين محمد فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه وكان رجلا فيه فقال سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم اربى «أزيد- منه رح» من المشاتمة ثم اقبل سعد وسعد ومن معهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه وقالوا عضل «2» والقارة لعذر عضل والقارة باصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الله اكبر ابشروا يا معشر المسلمين وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم «3» النفاق من بعض المنافقين حتى قال معتب بن قشير أخو بنى عمرو بن عوف كان محمد يعدنا ان ناكل كنوز كسرى وقيصر واحدنا لا يقدر ان يذهب الى الغائط ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وحتى قال أوس بن قبطى أحد بنى حارثة يا رسول الله إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وذلك على ملا من رجال قومه فاذن لنا فلنرجع الى ديارنا فانها خارجة من المدينة- قلت روى انه لما نقض كعب عهده الذي كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزم على ذلك جمع اشراف قومه منهم زبير بن بلطا ونباش بن قيس وعقبة بن زيد وغيرهم وأخبرهم بذلك لاموه أشد ملامة وكرهوا ذلك حتى ندم كعب على ذلك ولكن لم ينفعه لما كان ذهب عنان الأمر من يده وكان ذلك ما أراد الله إهلاك قريظة وروى الشيخان فى الصحيحين عن الزبير بن العوام رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتى بنى قريظة فيأتينى بخبرهم فانطلقت فلما رجعت جمع لى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال فداك ابى وأمي-

_ (1) اللحن قول يفهم المخاطب ويخفى على غيره- منه رح (2) العضل المنع والشدة- منه رح (3) اى ظهر النفاق- منه رح.

قلت وكان إرسال الزبير الى بنى قريظة قبل إرسال سعد وسعد إليهم روى انه لما جاء الزبير من بنى قريظة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بانهم يصلحون حصونهم ويسدون الطرق والثغور ويجمعون دوابهم ومواشيهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكل نبى حواريا وحواريى الزبير. قال البغوي فاقام رسول الله صلى الله عليه وسلم واقام المشركون عليه بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر ولم يكن بين القوم حرب الا الرمي بالنبل والحصى- فلمّا اشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل الى عيينة بن حصين وابى الحارث ابن عمرو وهما قائدا غطفان فاعطاهما ثلث ثمار المدينة على ان يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم يصنع الشهادة وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة واستشارهما فيه فقالا يا رسول الله أشيء أمرك الله به لا بد لنا من عمل به أم امر تحبه فتصنعه أم شىء تصنعه لنا قال بل لكم والله ما اصنع ذلك الا انى رايت العرب قدر منكم عن قوس واحدة وكالبوكم «1» من كل جانب فاردتّ ان اكسر عنكم شوكتهم فقال لهم سعد بن معاذ قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون ان يأكلوا تمرة الا قرى او بيعا فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ومالنا بهذا حاجة والله لا تعطهم الا السيف حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وبينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانت وذلك فتناول سعد الصحيفة فمحى ما فى الكتاب ثم قال ليجتهدوا علينا قلت وروى ان أسيد ابن حضير قال ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم اولا ثم قال مثله سعد وسعد وكان عيينة بن حصين أطال رجله فى ذلك المجلس فقال له أسيد يا عين الهجرس اطو رجلك ولولا مهابة مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لوضعت رمحى فى خاسرتك فانقلب عيينة والحارث خائبين وعلموا ان لا يكون لهم سلطان على المدينة وحيث راوا قوة الأنصار وشدتهم تزلزلوا- قال البغوي فاقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدوهم فحاصروهم ولم يكن

_ (1) اشتدوا عليكم وأصله من الكلب والصفار- منه رح

بينهم قتال الا فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود أخو بنى عامر بن لوى وعكرمة بن ابى جهل وهبيرة بن ابى وهب المخزوميان ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب ومرداس بن لوى أخو بني محارب بن فهر قد تلبسوا القتال وخرجوا على خيلهم ومروا على بنى كنانة وقالوا تهيئوا للحرب يا بنى كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان ثم اقبلوا نحو الخندق حتى وقفوا على الخندق فلما راوه قالوا والله ان هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا «اى قصدوا- منه رح» مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيولهم فاقتحمت فجالت بهم فى المسبحة بين الخندق والسلع- وخرج على بن ابى طالب رضى الله عنه فى نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعيق «اى لسرع منه رح» نحوهم وكان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى اثبت الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلمّا وقف هو وخيله قال له علىّ يا عمرو انك كنت تعاهد الله لا يدعوك رجل من قريش الى خلتين الا أخذت منه إحداهما قال أجل قال له على ابن ابى طالب فانى أدعوك الى الله والى رسوله والى الإسلام قال لا حاجة لى بذلك قال فانى أدعوك الى النزال قال لم يا ابن أخي فو الله ما أحب ان أقتلك قال على لكن والله أحب ان أقتلك فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره او ضرب وجهه ثم اقبل على علىّ فتناولا وتجادلا فقتله علىّ وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة وقتل مع عمرو رجلان منبه بن عثمان بن عبد السياق بن عبد الدار أصابه سهم فمات عنه بمكة ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وكان قد اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة فقال يا معشر العرب قتله احسن من هذه فنزل له علىّ فقتله فغلب المسلمون- فسالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبيعهم جسده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا فى جسده وثمنه فشأنكم فخلى بينهم وبينه. قالت عائشة أم المؤمنين كنا يوم الخندق فى حصن بنى حارثة وكان احرز حصون المدينة وكان سعد بن معاذ معنا فى الحصن وذلك قبل ان يضرب علينا الحجاب فخرج سعد ابن معاذ وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها وبيده حربقة «1» وهو يقول

_ (1) اى جعل لنفسه علامة تعرف بها البراز للحرب- منه رح

يا ليت قلاملا يدرك الهيجاء جمل ... لا بأس بالموت إذا حان الاجل فقالت امه الحق «1» يا بنى فقد والله أخرت فقلت لها يا أم سعد والله لوددتّ ان درع سعد كانت أسبغ مما هى وخفت عليه حيث أصاب السهم قالت امه يقضى الله ما هو قاض فرمى يومئذ بسهم قطع منه الا كحل رماه حيان بن قيس الغرفة أحد بنى عامر بن لوى فلما أصاب السهم قال خذها واما ابن الغرفة فقال سعد وجعك الله فى النار ثم قال سعد اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش فابقنى له فانه لا قوم أحب الىّ ان اجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه وان كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لى شهادة ولا تمتنى حتى تقر عينى من بنى قريظة وكانوا حلفاؤه ومواليه فى الجاهلية- قال مجاهد ومحمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال كانت صفية بنت عبد المطلب فى رقاع حصن حسان بن ثابت قالت وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان فمر بنا رجل من اليهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فى نحور عدوهم لا يستطيعون ان ينصرفوا إلينا عنهم إذ أتانا ات فقلت يا حسان ان هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وانى والله ما امنه ان يدخل عورتنا من ورائنا من اليهود وقد شغل عنّا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فانزل اليه فاقتله فقال يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب والله لقد عرفت وما انا بصاحب هذا فلمّا قال لى ذلك ولم ار عنده شيئا احتجزت «اى شدوت الميزر» ثم أخذت عمودا ثم نزلت عن الحصن اليه فضربت عنقه بالعمود حتى قتلته فلمّا فرغت منه رجعت الى الحصن فقلت يا حسان انزل عليه فاسلبه فانه لم يمنعنى من سلبه الا انه رجل قال مالى بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب- قلت روى ان بنى قريظة أرادوا ان يبيتوا على المدينة وطلبوا فى ذلك مددا من قريش فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن اسلم مع مائتى رجل وزيد بن حارثة مع ثلاث مائة رجل حتى يحرسوا بقاع المدينة وحصونها- وروى ان عباد بن بشر مع أصحابه كانوا يحرسون كل ليلة خيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) يعنى اى پسر بشتاب وبا رسول كريم ملحق شو وبخدا كه تو دير كردى- منه رح

وكان المشركون يريدون ان يجاوزوا الخندق والصحابة يمنعونهم برمى السهام والحجارة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس بنفسه الكريمة روى الشيخان فى الصحيحين عن عائشة قالت سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة المدينة ليلة فقال ليت لى رجلا صالحا يحرسنى إذ سمعنا صوت سلاح فقال من هذا قال سعد قال ما جاء بك قال وقع فى نفسى خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت احرسه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام وفى رواية قالت عائشة أحب سعدا من يوم كان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ايام الخندق كان من الخندق موضعا يخاف عبور الكفار من ذلك الموضع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس ذلك الموضع وإذا اشتد عليه البرد يأتينى ويستد فأبى ثم يذهب ويحرس ويقول لا أخاف على العسكر الا من هذا الموضع فجاءنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ليستد فأبى وقال ليت لى رجلا صالحا يحرسنى الليلة حتى أنام إذ سمعنا صوت سلاح فقال من هذا قال سعد قال احرسنا ذلك الموضع ففعل فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت صوت نفسه. وروى عن أم سلمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرس بنفسه الكريمة وكان البرد شديدا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ليلة من الليالى صلى فى خيمته ثم ذهب يحرس فقال هؤلاء فرسان المشركين حول الخندق فنادى عباد بن بشير فقال لبيك يا رسول الله فقال هل معك أحد فقال نعم رجال من قومى يحرسونك فقال اذهب برجال قومك فان رجالا من المشركين حول الخندق يريدون ان يبيتوا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ادفع عنا شرهم وانصرنا عليهم فذهب عباد بن بشير بأصحابه الى الخندق فاذا ابو سفيان ورجال من المشركين دخلوا فى مضيق الخندق والمسلمون يرمونهم بالسهام والحجارة فلحقهم عباد بن بشير قال عباد فرميتهم مع المؤمنين حتى انهزم المشركون فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فلمّا فرغ من الصلاة أخبرته الخبر فقالت أم سلمة فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت صوته ولم ينتبه حتى اذن بلال للصبح فخرج فصلى بالناس وكانت أم سلمة تقول اللهم ارحم عباد بن بشير وعن أم سلمة

رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما فى خيمته فاذا انتصفت الليل ارتفعت الأصوات وسمعت يقولون يا خيل الله اركبوا وكان هذا فى تلك الغزوة شعار المهاجرين (وفى رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا بيتوا اى الكفار فشعاركم حم لا ينصرون ووجه الجمع ان هذا كان شعار الأنصار وذلك شعار المهاجرين) فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النوم وخرج من خيمته على رجال كانوا يحرسون خيمته منهم عباد بن بشير فسأله ما تلك الأصوات وامر عبادا ان يأتي بالخبر فذهب عباد وانتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتى وقال يا رسول الله هذا عمرو بن عبد ود مع جمع من المشركين يحاربون مع المؤمنين يترامون بالسهام والحجارة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمته ورفع سلاحه فخرج وركب الفرس وسار الى المعركة بجمع من الصحابة ثم رجع بعد ساعة فرحان وقال قد ذهب الله بشرهم وانهزم بجراحات كثيرة- فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام حتى سمعت صوت نفسه ثم ارتفعت الأصوات مرة ثانية فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا عباد انظر ما تلك الأصوات فذهب عباد ثم رجع وقال يا رسول الله هذا إضرار بن الخطاب بجمع من المشركين يحارب المسلمين بالنبال والحجارة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه سلاح وذهب هناك وحاربهم حتى أصبحوا ثم رجع وقال انهزموا بجراحات كثيرة- قالت أم سلمة كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة مريسع وخيبر وحديبية وفتح مكة وحنين وما كان شىء منها أشد وأشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الخندق وأصاب المسلمون فى تلك الغزوة جراحات كثيرة وكان بردا شديدا وعشرة. وروى ان يوما من الأيام اجتمعت الكفار وأخذوا حوالى الخندق وحاربوا حربا شديدا حتى غابت الشمس ولم يجد النبي صلى الله عليه وسلم فرصة للصلوة حتى فات عنه صلوة الظهر والعصر والمغرب فصلاها فى وقت العشاء- روى الترمذي والنسائي عن ابى عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود انه قال ان المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فامر بلالا فاذّن ثم اقام فصلى الظهر ثم اقام فصلى العصر ثم اقام فصلى المغرب ثم اقام

فصلى العشاء قال الترمذي ليس بإسناده بأس الا ان أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فهو منقطع وروى النسائي فى سننه عن ابى سعيد الخدري قال حبسنا يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا ذلك فانزل الله تعالى وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقام فصلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك ثم اقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك ثم اقام فصلى المغرب كما كان يصليها قبل ذلك ثم اقام فصلى العشاء كما كان يصليها قبل ذلك وذلك قبل ان ينزل فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً ورواه ابن حبان فى صحيحه ولم يذكر فيه العشاء لانها كانت فى وقتها وذكرها فى الرواية الاخرى باعتبار انها تأخرت عن وقتها المعتاد واخرج البزار عن جابر بن عبد الله انه صلى الله عليه وسلم شغل يوم الخندق عن صلوة الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى ذهب ساعة من الليل فامر بلالا فاذّن واقام فصلى الظهر ثم امره فاذّن واقام فصلى العصر ثم امره فاذّن واقام فصلى المغرب ثم امره فاذّن واقام فصلى العشاء ثم قال ما على ظهر الأرض قوم يذكرون الله فى هذه الساعة غيركم- وفيه عبد الكريم بن ابى المخارق مضعف وفى الصحيحين عن جابر ابن عبد الله ان عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسبّ كفار قريش وقال يا رسول الله ما كدتّ ان أصلي حتى كادت الشمس تغرب قال النبي صلى الله عليه وسلم والله ما صليتها فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان فتوضأ للصلوة وتوضأ نالها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب وفى الصحيحين عن علىّ عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يوم الخندق ملا الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس- وفى رواية لمسلم ثم صلاها بين المغرب والعشاء- وهذه الأحاديث جاز ان يكون وقائع مختلفة لان ايام وقعة الخندق كانت كثيرة وجاز ان يكون واقعة حال واحد ويمكن الجمع بينها كما لا يخفى. (مسئلة) إذا فاتت صلوات يوذّن للاولى ثم يقيم لكل صلوة والاولى ان يؤذّن ويقيم لكل صلوة كما يدل عليه حديث البزار والله اعلم. ولمّا اشتد البلاء على المؤمنين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكفار فاستجاب الله دعاءه روى البخاري فى الصحيح عن عبد الله بن ابى اوفى قال

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب قال اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم- قلت وروى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه انه صلى الله عليه وسلم دعا على الأحزاب ثلاثة ايام متتابعات فى مسجد الفتح قيل هو يوم الاثنين والثلثاء والأربعاء فاستجاب الله دعاءه يوم الأربعاء بين الظهر والعصر فرايتا الفرح فى وجهه قال فما ناب لنا نائبة ودعانا الله تعالى فى تلك الساعة الا استجاب الله دعاءنا. قال البغوي ثم نعيم بن مسعود بن عامر بن غطفان اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى قد أسلمت وان قومى لم يعلموا بإسلامي فمرنا بما شئت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فان الحرب خدعة- قلت وفى رواية قال نعيم يا رسول الله ايذن لى ان أقول ما شئت فاذن له- فخرج نعيم بن مسعود حتى اتى بنى قريظة وكان لهم نديم فى الجاهلية فقال لهم يا بنى قريظة قد عرفتم ودى إياكم خاصة قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم ان قريشا وغطفان جاءوا للحرب قد ظاهرتموهم عليه وان قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم البلد بكدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم ولا تقدرون ان تتحولوا منه الى غيره وان قريشا وغطفان أموالهم وأولادهم ونساؤهم بعيدة ان راوا نهزة وغنيمة أصابوها وان راوا غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به ان خلا بكم فلا تقاتلوا القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من اشرافهم يكون بايديكم ثقة على ان تقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه «1» فقالوا لقد أشرت بنصح ثم خرج حتى اتى قريشا فقال لابى سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش قد عرفتم ودى إياكم وبرائى من محمد وقد بلغني امر رايت حقّا ان أبلغكم نصحا لكم فاكتموا علىّ قالوا نفعل قال لتعلمن ان معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا اليه انا ندمنا على ما صنعنا فهل يرضيكم عنا من القبيلتين قريش وغطفان رجالا من اشرافهم فنعطيكم فيضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم فارسل إليهم ان نعم فاذا بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا من رجالكم فلا تدفعوا

_ (1) المناجزة فى الحرب المبارزة نهاية منه رح

إليهم منكم رجلا واحدا- ثم خرج حتى اتى غطفان فقال يا معشر غطفان أنتم أهلي وعشيرتى وأحب الناس الىّ ولا أراكم تتهمونى قالوا صدقت قال فاكتموا علىّ قالوا نفعل ثم قال لهم مثل ما قال القريش وحذرهم ما حذرهم. فلمّا كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان ممّا صنع الله لرسوله ان أرسل ابو سفيان ورقة بن غطفان وعكرمة بن ابى جهل فى نفر من قريش وغطفان الى بنى قريظة وقالوا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاعدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ ممّا بيننا وبينه- فارسلوا إليهم اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فاصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكون بايدينا ثقة لنا حتى تناجز محمدا فانا نخشى ان ضرتكم الحرب واشتد عليكم القتال ترجعون الى بلادكم وتتركونا والرجال فى بلدنا ولا طاقة لنا بذلك من محمد- فلمّا رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان لتعلمن والله ان الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحق فارسلوا الى بنى قريظة والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا فان كنتم تريدون فاخرجوا فقاتلوا- فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا ان الذي ذكر نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم الا ان يقاتلوا فان وجدوا فرصة انتهزوها «اغتنموا ها منه رح» وان كان غير ذلك اشمأزوا «اجتمعوا- منه رح» الى بلادهم دخلوا بينكم وبين الرجل فى بلادكم فارسلوا الى قريش وغطفان اما والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فابوا عليهم فخذل الله بينهم وبعث عليهم الريح فى ليلة شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم. فلمّا بلغ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا روى محمد بن إسحاق عن زيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي وروى غيره عن ابراهيم التيمي عن أبيه قالا قال فتحا من اهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد الله رايتم رسول الله صلى الله عليه وصحبتموه قال نعم يا ابن أخي قال كيف تضعون قال والله لقد كنا نجهر قال الفتى والله لو أدركناه ما تركناه يمشى على الأرض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه وفعلنا فقال حذيفة يا ابن أخي والله لقد رايتنى ليلة الأحزاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من يقوم فيذهب الى هؤلاء

القوم فيأتينا خبرهم ادخله الله الجنة فما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويّا «1» من الليل ثم التفت إلينا فقال مثله فسكت القوم وما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويّا من الليل ثم التفت إلينا فقال من رجل فيقوم فينظر لنا ما فعل القوم على ان يكون رفيقى فى الجنة فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد- فلمّا لم يقم أحد دعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا حذيفة فلم يكن لى بد من القيام حين دعانى فقلت لبيك يا رسول الله وقمت حتى أتيته وان جنبىّ لتضطربان فمسح رأسى ووجهى ثم قال ايت هؤلاء القوم حتى تأتى بخبرهم فلا تحدثن شيئا حتى ترجع الىّ ثم قال اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته فاخذت سهمى وشددتّ علىّ اسلابى ثم انطلقت امشى نحوهم كانى امشى فى حمام فذهبت فدخلت فى القوم قد أرسل الله عليهم ريحا وجنودا وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء وابو سفيان قاعد يصطلى «2» فاخذت سهمى فوضعت فى كبد قوسى فاردتّ ان ارميه فلو رميته أصبته فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا تحدثن شيئا حتى ترجع الىّ" فرددتّ سهمى فلما راى ابو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم لا تقرّبهم قدرا ولا نارا ولا بناء فقام وقال يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم جليسه فلينظر من هو فاخذت بيد جليسى فقلت من أنت فقال سبحان الله اما تعرفنى انا فلان بن فلان فاذا برجل من هوازن فقال ابو سفيان يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام قد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنوا قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فانى مرتحل ثم قام الى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما اطلق عقاله الا وهو قائم وسمعت غطفان فعلت ما فعلت قريش فاستمروا راجعين الى بلادهم قال فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانّى امشى فى حمام فاتيته وهو قائم يصلى فلمّا سلم أخبرته بخبر القوم فضحك حتى بدت أنيابه فى سواد الليل قال فلمّا أخبرته وفرغت وزرت وذهب عنى الدفاء أدناني النبي صلى الله عليه وسلم فاتانى

_ (1) الهوى بالفتح الحين الطويل من الزمان وقيل هو مختص بالليل- منه رح [.....] (2) الاصطلاء الاستدفاء بالنار- منه رح

[سورة الأحزاب (33) : آية 10]

عند رجليه والقى علىّ طرف ثوبه والزق صدرى ببطن قدميه فلم ازل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال قم يا نومان. قلت وعند ابن جرير وابن ابى حاتم عن قتادة لما بعث الله على عسكر المشركين ريحا وكبّرت الملائكة فى جوانب العسكر قال طليحة بن خويلد الأسدي امّا محمد فقد بدأكم بالسحر فالنجا «1» النجا فانهزموا من غير قتال- قلت قال الشيخ عماد الدين بن كثير فى تفسيره انه لولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ما تركت الريح أحدا من الكفار الا جعلته كالرميم كما جعلت عادا الريح العقيم وفى رواية فى حديث حذيفة انه قال لما رجعت من عسكر الكفار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رايت فى أثناء الطريق عشرين فارسا بيضاء عمائمهم قالوا لى قل لصاحبك ان الله سبحانه كفاك ودفع عنك شر أعدائك. وروى الشيخان فى الصحيحين عن جابر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير انا ثم قال من يأتينا بخبر القوم قال الزبير انا ثم قال من يأتينا بخبر القوم قال الزبير انا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان لكل نبى حوارى وحوارى الزبير وروى البخاري فى الصحيح عن سليمان بن صرد يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين اجلى الأحزاب عنه الان نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم- وروى ايضا فى الصحيح عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا «رجع- منه رح» قفل من الغزو او الحج او العمرة ببلدة يكبر ثلاث مرات ثم يقول لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير آئبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده- قال محمد بن عمر استشهد فى غزوة الخندق ستة رجال من المسلمين وقتل من المشركين ايضا ستة.. إِذْ جاؤُكُمْ بدل من إذ جاءتكم مِنْ فَوْقِكُمْ اى من أعلى الوادي من قبل المشرق وهم اسد وغطفان عليهم مالك بن عوف النظري وعيينة بن حصين الفزاري فى الف من غطفان ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي فى بنى اسد وحيى بن اخطب فى يهود بنى قريظة وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعنى من بطن الوادي من قبل المغرب وهم كنانة

_ (1) النجا السرعة اى اسرعوا سرعة- نهاية منه رح

[سورة الأحزاب (33) : آية 11]

وقريش عليهم ابو سفيان بن حرب فى قريش ومن تبعهم وابو اعور عمرو بن سفيان السلمى من قبل الخندق وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ اى مالت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصا «1» من العدو وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ رعبا فان الرية تنتفخ من شدة الروع فترتفع القلب بارتفاعها الى رأس الحنجرة وهى طرف الحلقور وهذا مثل يعبر عنه عن شدة الخوف وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) أنواعا من الظن فظن المنافقون استيصال محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وظن المؤمنون النصر والظفر لما سبقهم من الوعد فى إعلاء دينه ولحق ضعاف القلوب التزلزل- قرأ ابو بكر واهل المدينة وابن عامر الظّنونا الرّسولا السّبيلا بإثبات الالف وصلا ووقفا لانها مثبة فى المصاحف وقرأ اهل البصرة وحمزة بغير الف فى الحالين على الأصل والباقون بالألف فى الوقف لموافقة رءوس الاى واتباع الخط وبغير الف فى الوصل على الأصل. هُنالِكَ اى فى ذلك الوقت ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ اى امتحنوا ليمتاز المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وهم معقب بن قشير وعبد الله بن أبيّ وأصحابه وإذ بدل من هنالك. وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ضعف اعتقاد وجبن ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) قال البغوي هذا قول اهل النفاق يعدنا محمد فتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع ان يجاوز رحله هذا والله الغرور وأخرجه ابن ابى حاتم عن السدىّ قال فقال رجل يعنى منافق من الأنصار يدعى بشير بن معتب فذكر نحوه. وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ اى من المنافقين وهو أوس بن قبطى وأصحابه يا أَهْلَ يَثْرِبَ يعنى المدينة وقال ابو عبيدة اسم ارض مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ناحية منها قال البغوي ورد فى بعض الاخبار ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى ان تسمى المدينة يثرب وقال هى طابة كانّه كره هذا اللفظ لانه مشتق من ثربه يثربه وثرّبه وعليه واثربه لامه وعيّره بذنبه والمثرب القليل العطاء كذا فى القاموس لا مُقامَ لَكُمْ قرأ الجمهور بفتح الميم اى لا موضع قيام لكم هاهنا وقرأ حفص بالضم على انه مكان او مصدر من اقام فَارْجِعُوا الى منازلكم عن القتال ورفاقة محمد صلى الله عليه وسلم او لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا

_ (1) شخوص البصر ارتفاع الأجفان الى فوق وتحديد النظر- منه رح

[سورة الأحزاب (33) : آية 14]

الى الشرك وأسلموه لتسلموا او لا مقام لكم بيثرب فارجعوا الى الشرك وأسلموه لتسلموا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ وهم بنو حارثة وبنو سلمة يَقُولُونَ حال من فاعل يستأذنون إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ اى غير حصينة يجئ عليها العدو والسارق فكذّبهم الله وقال وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ اى ما يريدون بذلك القول الكاذب إِلَّا فِراراً (13) من القتال. وَلَوْ دُخِلَتْ المدينة اى دخل هؤلاء الأحزاب عَلَيْهِمْ فى المدينة او فى بيوتهم وحذف الفاعل ايماء بان دخول هؤلاء الأحزاب وغيرهم فى اقتضاء الحكم المترتب عليه سواء مِنْ أَقْطارِها اى جوانبها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ اى الشرك او مقاتلة المسلمين لَآتَوْها قرأ اهل الحجاز بالقصر اى لجاءوها وفعلوها والباقون بالمد اى لاعطوا ما سئلوا من الفتنة وَما تَلَبَّثُوا بِها اى بالفتنة يعنى بإتيانها واعطائها إِلَّا يَسِيراً (14) اى زمانا يسيرا يعنى زمان السؤال والجواب كذا قال اكثر المفسّرين وقيل معناه ما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر الا زمانا قليلا ثم يهلكون او يجلون. وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ غزوة الخندق لا يُوَلُّونَ عدوهم الْأَدْبارَ اى لا ينهزمون قال يزيد بن رومان وهم بنو حارثة هموا يوم أحد ان يقتلوا بنى سلمة فلمّا نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله ان لا يعودوا لمثلها وقال قتادة هم أناس قد غابوا عن وقعة بدر ولمّا راوا ما أعطاه الله اهل بدر من الكرامة والفضيلة قالوا لئن أشهدنا الله قتالا فلنقاتلنّ فسلق الله إليهم ذلك وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا (15) عن الوفاء به يجازى عليه. قُلْ لهم يا محمّد لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ لانه من حضر اجله لا بد له من ان يموت سواء بالقتل او حتف انفه ومتى لا يحضر اجله لا يموت قطعا وَإِذاً اى إذا فررتم لا تُمَتَّعُونَ فى الدنيا حيّا إِلَّا قَلِيلًا (16) اى تمتيعا قليلا او زمانا قليلا وقيل معناه ان نفعكم الفرار فرضا فمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع الا قليلا لكون الدنيا فانية لا محالة. قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ اى من عذابه إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً اى عذابا أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً يعنى ومن ذا الذي يصيبكم بسوء ان أراد بكم رحمة فاختصر الكلام كما فى قوله متقلدا سيفا ورمحا وجاز ان يكون حمل الثاني على الاول لما فى العصمة من معنى المنع وَلا يَجِدُونَ

[سورة الأحزاب (33) : آية 18]

لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا قريبا ينفعهم وَلا نَصِيراً (17) يدفع عنهم الضر. قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ من التعويق بمعنى التصريف والعوق الصرف والعائق الصارف عن الخير والمراد الذين يصرفون الناس عن ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم وهم المنافقون وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ من ساكنى المدينة هَلُمَّ اى قربوا أنفسكم إِلَيْنا ودعوا محمدا فلا تشهدوا معه الحرب فانا نخاف عليكم الهلاك قال قتادة هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يثبّطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون لاخوانهم ما محمد وأصحابه الا أكلة رأس وكانوا لحما لالتقمه ابو سفيان وابو سفيان وأصحابه دعوا الرجل فانه هالك- وقال مقاتل ان اليهود أرسلت الى المنافقين وقالوا ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد ابى سفيان ومن معه فانهم ان قدروا فى هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا وانا مشفق عليكم أنتم إخواننا وجيراننا هلم إلينا فاقبل عبد الله بن أبيّ وأصحابه على المؤمنين يعوّقونهم ويخوّفونهم بابى سفيان ومن معه وقالوا لان قدروا عليكم لم يستبقوا منكم أحدا ما ترجون من محمد ما عنده خير ما هو الا ان يقتلنا هاهنا انطلقوا بنا الى إخواننا يعنون اليهود فلم يزدادوا المؤمنون بقول المنافقين الا ايمانا واحتسابا فنزلت تلك الاية قوله تعالى وَلا يَأْتُونَ اى المنافقون الْبَأْسَ اى الحرب إِلَّا قَلِيلًا (18) اى اتيانا قليلا او زمانا او بأسا قليلا فانهم كانوا يعتذرون ويثبّطون المؤمنين ما أمكن لهم او يخرجون مع المؤمنين ولكن لا يقاتلون الا قليلا رياء وسمعة من غير احتساب ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا وقيل انه تتمة كلامهم ومعناه ولا يأتى محمد وأصحابه حرب الأحزاب ولا يقادمونهم الا قليلا. أَشِحَّةً جمع شحيح ونصبها على الحال من فاعل يأتون او المعوّقين او على الذم يعنى بخلا عَلَيْكُمْ بالمعاونة او النفقة فى سبيل الله او الظفر والغنيمة فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ فى احداقهم من الخوف كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ اى كنظر المغشى عليه او كدوران عينيه او مشبهين وشبهة بعينيه وذلك ان من قرب موته وغشيه أسبابه يذهب عقله ويشخص أبصارهم لشدة الخوف فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ قال ابن عباس يعنى نقصوكم وتناولوكم بالنقص و

[سورة الأحزاب (33) : آية 20]

الغيبة وقيل آذوكم ورموكم فى حالة الا من وقال قتادة بسطوا ألسنتهم منكم وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا قد شهدنا معكم القتال فلستم أحق منا بالغنيمة أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ نصب على الحال او الذم وليس بتكرير لان كلا منهما مقيد من وجه أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا بقلوبهم فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ يعنى أبطل الله أعمالهم يعنى لم يعتد بها لعدم الإخلاص وحسن النية وانما الأعمال بالنيات كذا قال مجاهد وَكانَ ذلِكَ الإحباط عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) هيّنا لان تعلق الارادة يكفى لوجود كل ممكن لاراد لفعله. يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا اى هؤلاء لجبنهم يظنون ان الأحزاب لم يذهبوا ففروا الى داخل المدينة وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ كررة ثانية يَوَدُّوا تمنوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ يعنى لو ثبت انهم خارجون الى البد ويقال بدا يبدا بدوا وبداوة إذا خرج الى البادية فِي الْأَعْرابِ حال من الضمير فى بادون او خبر بعد خبر لان اى كائنون فى الاعراب يَسْئَلُونَ كل قادم من المدينة عَنْ أَنْبائِكُمْ اى عما جرى عليكم جملة يسئلون خبر بعد خبر او حال مترادف او متداخل وجواب لو محذوف يعنى لكان خيرا وَلَوْ كانُوا يعنى هؤلاء المنافقين فِيكُمْ ولم يفروا من عندكم فى هذه الكرة وكان قتال ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) رياء وخوفا من التعيير كذا قال مقاتل. لَقَدْ كانَ لَكُمْ ايها المؤمنون فِي رَسُولِ «1» اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الاسوة معناه القدوة وهو ما يقتدى به والمراد هاهنا ان لكم فى شان رسول الله خصلة حسنة من حقها ان يؤسى بها كالثبات فى الحرب ومقاساة الشدائد- او هو يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم قدوة يحسن التأسي به كقولك فى البيضة عشرون منّا حديد اى فى البيضة هذا القدر من الحديد وقيل هو فعلة من الايتساء كالقدوة من الاقتداء اسم وضع موضع المصدر

_ (1) عن ابن عباس ان عمر أكب على الركن فقال انى لاعلم انك حجر ولو لم ار حبيبى صلى الله عليه وسلم قبّلك واستلمك ما استلمتك ولا قبّلتك لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وعن يعلى بن منبه قال طفت مع عمر فلما كنت عند الركن الذي يلى الباب مما يلى الحجر أخذت بيده ليستلم قال ما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بلى قال فهل رايته يستلمه قلت لا قال فابعد عنك فان لك فى رسول الله أسوة حسنة- منه رح

[سورة الأحزاب (33) : آية 22]

اى لكم برسول الله اقتداء حسن اى تنصرون دين الله كما هو ينصر وتصبرون على ما يصيبكم كما هو يصبر كما فعل هو إذ كسرت رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه وأوذي بضروب الأذى فواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم ايضا كذلك واستنوا بسنته لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ اى يرجوا ثواب الله ولقائه ونعيم الاخرة كذا قال ابن عباس او ايام الله واليوم الاخر خصوصا وهذا كقولك أرجو زيدا وفضله وقال مقاتل اى يخشى الله ويخشى يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال وقوله لِمَنْ كانَ صلة لحسنة او صفة لها وقيل بدل من لكم والأكثر على ان الضمير المخاطب لا يبدل منه وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) فى السراء والضراء قرن بالرجاء كثرة الذكر المودي الى دوام الطاعة فان المؤسى بالرسول من كان كذلك.. وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ بقوله تعالى فى سورة البقرة أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ الى قوله أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ فان الاية يتضمن ان المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرهم بوقعة الأحزاب قبل وقوعه وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فيما اخبر به وَما زادَهُمْ تحزب الأحزاب إِلَّا إِيماناً اى تصديقا بما جاء به الرسول عليه السّلام وَتَسْلِيماً (22) لامره وقدره. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ اى قاموا بما عاهدوا رسول الله من الثبات معه فى القتال مع اعداء الدين من صدقنى إذا قال لك الصدق فان العاهد إذا وفى بعهده فقد صدق فيه فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ اى فرغ من نذره ووفى بعهده فلم يبق فى ذمته شىء ما عاهده يعنى صبر على الجهاد والطاعة حتى استشهد او مات والنحب النذر والنحب ايضا الموت يقال قضى نحبه اى اجله فقتل على الوفاء يعنى حمزة وأشباهه وقيل قضى نحبه اى بذل جهده فى الوفاء بالعهد من قول العرب نحب فلان فى مسيرة يومه وليلته اجمع وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الفراغ من نذره يرجو ان يموت على الوفاء وَما بَدَّلُوا العهد ولا غيروه تَبْدِيلًا (23) شيئا من التبديل روى الشيخان والترمذي وابن ابى شيبة والطيالسي وابن سعد والبغوي عن انس بن مالك ان انس بن النضر عم انس بن مالك غاب عن بدر فشق عليه

وقال أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه لان أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما اصنع فلمّا كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال انس بن النضر اللهم انى اعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء يعنى أصحابه وابرا إليك مما فعل هؤلاء يعنى المشركين فانتهى الى رجال من المهاجرين والأنصار قد القوا ما بايديهم فقال ما يجلسكم قالوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبل القوم فلقيه سعد بن معاذ دون أحد فقال سعد انا معك قال سعد فاستقبل انس القوم فلم أستطع ان اصنع ما صنع انس فقال يا سعد (وفى لفظ يا أبا عمرو) ها لريح الجنة ورب النضر إني لاجد ريحها دون أحد ثم تقدم فقاتل حتى قتل فوجدوا فى جسده بضعا وثمانين ضربة من بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم قال انس ووجدنا قد مثل به المشركون فما عرفه أحد منّا الا أخته بشامّة ببنانه فكنا نرى او نظنّ ان هذه نزلت فيه وفى أشباهه رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ- وروى البغوي عن خباب بن الأرت قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من مضى لم يأكل من اجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد شيئا نكفن فيه الا نمرة فكنا إذا وضعنا على رأسه خرجت رجلاه وإذا وضعنا على رجليه خرج رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوها مما يلى رأسه واجعلوا على رجليه الاذخر ومنا من انبعث له ثمرته فهو يهديها- وروى الترمذي عن جابر بن عبد الله قال نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى طلحة بن عبيد الله فقال من أحب ان ينظر الى رجل يمشى على وجه الأرض وقد قضى نحبه «1» فلينظر الى هذا-

_ (1) عن عيسى بن طلحة قال دخلت على عائشة أم المؤمنين وعائشة بنت طلحة وهى تقول لاسماء بنت ابى بكر انا خير منك وابى خير من أبيك فجعلت اسماء تشمها وتقول أنت خير منى فقالت عائشة الا أقضي بينكما قالتا بلى قال فان أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنت عتيق من النار قالت فمن يومئذ سمّى عتيقا ثم دخل طلحة فقال أنت يا طلحة ممن قضى نحبه- واخرج الترمذي عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول طلحة ممن قضى نحبه- منه رحمه الله-

[سورة الأحزاب (33) : آية 24]

وروى البخاري عن قيس بن حازم قال رايت يد طلحة شلاء وقى بها النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد- وروى الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم من حديث الزبير مرفوعا أوجب طلحة. لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ فى العهود بِصِدْقِهِمْ اى جزاء صدقهم او بسبب صدقهم وهو الوفاء بالعهد وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ ان يموتوا على الكفر والنفاق فيعذبهم أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ان تابوا وأخلصوا دينهم لله قوله لِيَجْزِيَ متعلق بقوله صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ تعليل للمنطوق والمعرض به كانّ المنافقين قصدوا بالتبديل التعذيب كما قصد المخلصون بالوفاء الثواب إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) لمن تاب. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا اى الأحزاب من قريش وغطفان بِغَيْظِهِمْ اى كائنين بغيظهم متغيظين لعدم نيلهم بما أرادوا لَمْ يَنالُوا خَيْراً اى ظفرا ولا مالا حال بعد حال يتداخل او يعاقب وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بالريح والملئكة وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا فى ملكه على احداث ما يريده عَزِيزاً (25) فى انتقامه. وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ اى عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وهم بنوا قريظة مِنْ صَياصِيهِمْ اى من حصونهم جمع صيصة وهى ما يحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبى وشوكة الديك والحائك صئصة وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ اى الخوف فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وهم الرجال فعند ابن إسحاق انهم كانوا ست مائة وبه جزم ابو عمرو فى ترجمة سعد بن معاذ وعند ابن عائذ من مرسل قتادة كانوا سبع مائة وقال السهيلي المكثر يقول انهم ما بين ثمان مائة الى تسع مائة وفى حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح انهم كانوا اربع مائة مقاتل فيحتمل فى طريق الجمع ان يقال ان الباقين كانوا اتباعا وقد حكى ابن إسحاق انه قيل انهم كانوا تسع مائة وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وهم النساء والذراري وكانوا سبع مائة وخمسين وقيل تسع مائة وذكر فى سبيل الرشاد ان السبي كان الفا من النساء والصبيان. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ مزارعهم وَدِيارَهُمْ حصونهم وَأَمْوالَهُمْ من النقود والأجناس والمواشي وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها بعد قال مقاتل وابن زيد يعنى خيبر وقال قتادة كنا نحدث انها مكة وقال الحسن فارس والروم وقال عكرمة

كل ارض يفتح الى يوم القيامة وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) فيقدر على ذلك (قصة غزوة بنى قريظة) قال محمد بن عمر عن شيوخه لما انصرف المشركون عن الخندق خاف بنوا قريظة خوفا شديدا وروى احمد والشيخان مختصرا والبيهقي والحاكم وصححه مطولا عن عائشة وابو نعيم والبيهقي من وجه اخر عنها وابن عابد عن حميد بن هلال وابن جرير عن ابن ابى اوفى والبيهقي عن عروة وابن سعد عن الماجشون وعن يزيد بن الأصم ومحمد بن عمر عن شيوخه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين لمّا رجعوا عن الخندق مجهودين وضعوا السلاح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت عائشة ودعا بماء فاخذ يغسل رأسه وذكر البغوي انه صلى الله عليه وسلم كان عند زينب بنت جحش وهى تغسل رأسه وقد غسلت شقه- قالت عائشة فسلّم علينا رجل ونحن فى البيت قال محمد بن عمر وقف موضع الجنائز فنادى عذيرك «1» من محارب فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فوثب وثبة شديدة فخرج اليه فقمت فى اثره انظر من خلل الباب فاذا هو دحية الكلبي فيما كنت ارى وهو ينفض الغبار عن رأسه (فقال ابن إسحاق معتجرا بعمامة) «الاعتجار لف العمامة دون التلحي- منه رح» فقال يا رسول الله ما اسرع ما حللتم عذيرك من محارب عفا الله عنك قد وضعتم السلاح ما وضعت الملئكة منذ نزل بك العدوّ وفى لفظ منذ أربعين ليلة وما رجعنا الان الا من طلب القوم حتى بلغنا حمراء الأسد يعنى الأحزاب وقد هزمهم ان الله يأمرك بقتال بنى قريظة وانا عامد إليهم بمن معى من الملائكة لا زلزل بهم الحصون فاخرج بالناس- قال حميد بن هلال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فى أصحابي جهدا فلو انظرتهم أياما فقال انتهض إليهم فو الله لادقنهم كدق البيض على الصفا «الحجارة- منه رح» ثم لاضغضفنّها- «اى لاحركن- منه رح» قالت عائشة فلمّا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من ذاك الرجل الذي كنت تكلمه قال ورايته قلت نعم قال بمن تشبهينه قلت بدحية الكلبي قال ذاك جبرئيل أمرني ان امضى الى بنى قريظة- قال حميد فادبر جبرئيل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار فى زقاق بنى غنم من الأنصار قال انس فيما رواه البخاري كانّى انظر الى الغبار ساطعا وقال قتادة فيما رواه ابن عابدان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يومئذ مناديا ينادى «يعنى يار كبان خيل اركبوا- منه رح» يا خيل الله اركبي وامر بلالا فاذّن

_ (1) يعنى هات من يعذرك فعيل بمعنى الفاعل- منه رح

فى الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر الا ببني قريظة- وروى الشيخان عن ابن عمر والبيهقي عن عائشة وابن عقبة والطبراني عن كعب بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه عزمت عليكم ان لا تصلوا صلوة العصر- ووقع فى مسلم فى حديث ابن عمر صلوة الظهر الا ببني قريظة فادرك بعضهم صلوة العصر وفى لفظ صلوة الظهر فى الطريق فقال بعضهم لا نصليها حتى نأتى بنى قريظة انا لفى عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علينا من اثم فصلوا العصر ببني قريظة حين وصلوها بعد غروب الشمس وقال بعضهم بل نصلى لم يرد منا ان ندع الصلاة فصلوا فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا من الفريقين. (فائدة) وجه الجمع بين حديث صلوة الظهر وصلوة العصر ان طائفة منهم راحت بعد طائفة قيل للطائفة الاولى لا يصلين الظهر الا ببني قريظة وقيل للطائفة الاخرى لا يصلين العصر- وقيل فى وجه الجمع انه صلى الله عليه وسلم قال لاهل القوة او لمن كان منزله قريبا لا يصلين أحد الظهر وقال لغيرهم أحد العصر. (مسئلة) هذا الحديث يدل على ان المجتهد لا اثم عليه ان اخطأ حيث لم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد من الفريقين من صلّى فى الطريق ومن لم يصل- قال فى زاد المعاد ما حاصله ان كلّا من الفريقين مأجور بقصده الا ان من صلّى فى الطريق جاز الفضيلتين فضيلة امتثال الأمر فى الاسراع فى المشي الى بنى قريظة لان المراد بامره صلى الله عليه وسلم- ان لا يصلوا الا فى بنى قريظة المبالغة فى الاسراع مجازا وفضيلة امتثال الأمر فى المحافظة على الوقت والله اعلم. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ بن ابى طالب فدفع اليه لواءه وكان اللواء على حاله لم يحل عن مرجعه من الخندق فابتدره الناس- «اى سارعوا اليه- منه رح» قال محمد بن عمرو بن سعد وابن هشام والبلاذري استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم قال محمد بن عمرو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع يقين من ذى القعدة قال البغوي سنة خمس من الهجرة ولبس السلاح والدرع والمغفر والبيضة وأخذ قناه «الرمح- منه رح» بيده وتقلد الترس وركب فرسه اللحيف وحف به أصحابه قد لبسوا السلاح وركبوا الخيل وكانت ستة وثلاثين فرسا فسار فى أصحابه

والخيل والرجال حوله قال ابن سعد وكان معه ثلاثة آلاف. (مسئلة) هذه القصة تدل على جواز البداية بالقتال فى الشهر الحرام لكن خطبته صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع وفيها المنع من القتال فى الأشهر الحرم متاخر عنه ولعل الله سبحانه أحل لرسوله ذلك القتال فى أشهر الحرم كما أباح له القتال فى حرم مكة ساعة من النهار عام الفتح- ويمكن ان يقال ان هذا ليس بداية بالقتال بل كانت البداية من بنى قريظة حيث ظاهروا قريشا ومن معهم والله اعلم روى الطبراني عن ابى رافع وابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اتى بنى قريظة ركب على حمار عرى يقال له يعفور والناس حوله- وروى الحاكم والبيهقي وابو نعيم عن عائشة ومحمد بن عمرو عن شيوخه وابن إسحاق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بنفر من بنى النجار بالصّورين «1» فيهم حارثة بن النعمان قد صفوا عليهم السلاح فقال هل مرّ بكم أحد قالوا نعم دحية الكلبي مرّ على بغلة عليها رحاله عليها من إستبرق وأمرنا بحمل السلاح فاخذنا سلاحنا فصففنا وقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم الان قال حارثة بن النعمان وكنا صفين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك جبرئيل بعث الى بنى قريظة لتزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب فى قلوبهم وسبق على بن ابى طالب فى نفر من المهاجرين والأنصار وفيهم ابو قتادة روى محمد بن عمر عن ابى قتادة قال انتهينا الى بنى قريظة فلمّا راينا أيقنوا بالشر وغرز علىّ الراية عند اصل الحصن فاستقبلونا فى صياصيهم يشتمون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه قال ابو قتادة وسكتنا وقلنا السيف بيننا وبينكم وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قريبا من حصنهم على بئرانا «2» بأسفل حرّة «ارض ذات حجارة- منه رح» بنى قريظة فلمّا راه على رضى الله عنه رجع اليه وأمرني ان الزم اللواء فلزمته وكره ان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذاهم وشتمهم فقال يا رسول الله لا عليك ان لا تدنوا من هؤلاء الاخابيث فقال أتأمرني بالرجوع فقال أظنك سمعت منهم أذى قال نعم فقال لوراونى لم يقولوا من ذلك شيئا- فسار

_ (1) تثنية صور بالفتح ثم السكون اسم للنخل المجتمع الصغار وموضع فى أقصى بقيع الغرقد مما على طريق بنى قوينمة 12 منه رحمه الله (2) بالضم وتخفيف النون وقيل بالفتح والتشديد كحتى- منه رح

رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدّمه أسيد بن حضير فقال يا اعداء الله لا نبرح عن حصونكم حتى تموتوا جوعا انما أنتم بمنزلة ثعلب فى جحر فقالوا يا ابن الحضير نحن مواليك دون الخزرج فقال لا عهد بينى وبينكم ولا إلّ ودنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وترسنا عنه ونادى بأعلى صوته نفرا من اشرافهم حتى أسمعهم فقال أجيبوا يا اخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت هل أخزاكم الله انزل بكم نقمته أتشتموني فجعلوا يحلفون ما فعلنا ويقولون يا أبا القاسم ما كنت جهولا وفى لفظ ما كنت فاحشا واجتمع المسلمون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء وبعث سعد بن عبادة بأحمال تمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان طعامهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الطعام التمر- وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرا وقدّم الرماة فاحاطوا بحصون يهود وراموهم بالنبل والحجارة وهم يرمون من حصونهم حتى امسوا فباتوا حول الحصون وجعل المسلمون يعتقبون يعقب بعضهم بعضا فما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم براميهم حتى أيقنوا الهلكة وتركوا رمى المسلمين فقالوا دعونا نكلمكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فانزلوا نباش بن قيس فكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان ينزلوا على ما نزلت عليه بنوا النضير من الأموال والحلقة ونخرج من بلادك بالنساء والذراري ولنا ما حملت الإبل الا الحلقة فابى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا تحقن دماءنا وتسلم لنا النساء والذرية ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل فابى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان ينزلوا على حكمه- وعاد نباش إليهم بذلك فلمّا عاد نباش الى قومه وأخبرهم الخبر قال كعب بن اسد يا معشر بنى قريظة والله قد نزل بكم ما ترون وانى اعرض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا ما شئتم منها قالوا وما هى قال نبائع هذا الرجل ونصدقه فو الله لقد تبين لكم انه نبى مرسل وانه الذي تجدونه فى كتابكم فتامنون به على دمائكم وأموالكم ونسائكم والله انكم لتعلمون ان محمدا نبى وما منعنا معه من الدخول الا الحسد للعرب حيث لم يكن نبيّا من بنى إسرائيل فهو حيث جعله الله تعالى- ولقد كنت كارها لنقض العهد والعقد ولكن البلاء والشوم من هذا الجالس يعنى حيى بن اخطب (وكان حيى دخل معهم فى حصنهم حين رجعت منهم قريش

وغطفان وفاء لكعب بن اسد بما كان عاهده عليه) أتذكرون ما قال لكم ابن جوّاس حين عليكم تركت الخمر والحمير والتأمير وحنت الى الشفاء والتمر والشعير قالوا وما ذاك- قال انه يخرج بهذه القرية نبى فان يخرج وانا حى اتبعه وانصره وان خرج بعدي فاياكم ان تخدعوا عنه فاتبعوه وكونوا أنصاره وأولياءه وقد أمنتم بالكتابين كلاهما الاول والاخر واقرءوه منى السّلام واخبروه انى مصدق به- قال فتعالوا فلنبايعه ولنصدقه فقالوا لا نفارق حكم التورية ابدا ولا نستبدل به غيره- قال فاذا أبيتم على هذه فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج الى محمد وأصحابه مصلّتين بالسيوف لم نترك ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فان نهلك نهلك ولم نترك ورائنا فصلا نخشى عليه وان نظهر فلعمرى لنجدن النساء والأبناء قالوا لا نقتل هؤلاء المساكين فما خير فى العيش بعدهم- قال فان أبيتم عن هذه فان الليلة ليلة السبت وانه عسى محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة «غفلة- منه رح» قالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان من قبلنا الا من قد علمت فاصابه ما لم يخف عليك من المسخ- فقال ما بات منكم منذ ولدته امه ليلة واحدة من الدهر جازما- فقال ثعلبة وأسيد ابنا سعية واسد بن عبيد ابن عمهم وهم نفر من هذيل ليسوا من بنى قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك وهو بنوا عم القوم يا معشر بنوا قريظة والله انكم لتعلمون انه رسول الله وان صفته عندنا حدثنا بها علماؤنا وعلماء بنى النضير هذا أولهم يعنى حيى بن اخطب مع خبر بن الهيّان اصدق الناس عندنا هو اخبر بصفته عند موته قالوا لا نفارق التورية فلما راى هؤلاء النفر آباءهم نزلوا تلك الليلة فى صبحها فاسلموا وأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم- وقال عمرو بن سعد يا معشر يهود انكم خالفتم محمدا على ما خالفتموه عليه فنقضتم عهده الذي كان بينكم وبينه ولم ادخل فيه ولم اشرككم فى غدركم فان أبيتم فاثبتوا على اليهودية واعطوا الجزية فو الله ما أدرى يقبلها أم لا قالوا فنحن لا نقر للعرب «خرج وخراج ما يؤذى كلّ سنة- منه رح» بخرج فى رقابنا يأخذونه القتل خير من ذلك قال فانى برئ منكم وخرج تلك الليلة مع ابني سعية فمرّ بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم محمد بن سمة فقال محمد من هذا قال عمرو بن سعد قال محمد اللهم لا تحرمنى

عشرة الكرام وخلّى سبيله فخرج حتّى اتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات حتى أصبح فلمّا أصبح غدا فلم يدر اين هو حتى الساعة فسئل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذاك رجل نجاه الله بوفائه. قال اهل المغازي ثم انهم بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابعث إلينا أبا لبابة (أحد بنى عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس) نستشير فى أمورنا فارسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما راوا قام اليه الرجال وجهش «اى اسرع متباليا 16 منه رح» اليه النساء والصبيان يبكون فى وجهه فرقّ لهم فقالوا يا أبا لبابة أترى ان ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده الى حلقه انه الذبح- قال ابو لبابة فو الله ما زالت قدماى حتى عرفت انى خنت الله ورسوله ثم انطلق ابو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط فى المسجد على عمود من عمده وقال لا أبرح من مكانى حتى أموت او يتوب الله على ما صنعت وعاهدتّ الله ان لا أطأ ارض بنى قريظة ابدا ولا ارى فى بلد خنت الله ورسوله فيه ابدا وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهابى وما صنعت فقال دعوه حتى يحدث الله فيه ما شاء لو كان جاءنى استغفرت فاذا لم يأتنى وذهب فدعوه وانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال ابو لبابة ثم ان الله انزل توبة ابى لبابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقلت بم تضحك يا رسول الله اضحك الله سنك قال تيب على ابى لبابة فقلت الا أبشره بذلك قال بلى ان شئت قالت فقمت الى باب حجرتى (وذلك قبل ان يضرب عليهن الحجاب) فقلت يا أبا لبابة ابشر فقد تاب الله عليك فثار «اى قاموا- منه رح» الناس ليطلقوه قال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقنى بيده فلمّا مرّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا الى الصبح أطلقه- روى حماد بن سلمة عن علىّ بن زيد بن جدعان عن على بن الحسين عليهما السلام ان فاطمة عليها السلام جاءت تحله فقال انى حلفت ان لا تحلني الا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فاطمة بضعة منى- على بن جدعان ضعيف ورواية على بن الحسين مرسلة قال ابو لبابة واذكر رؤيا رايتها فى النوم ونحن محاصرون بنى قريظة كانى فى حماة «طين اسود متغيرة- منه رح» أسنة فلم اخرج منها

حتى كدتّ أموت من ريحها ثم ارى نهرا جاريا فارانى اغتسلت فيه حتى استقيت وأراني أجد ريحا طيبا فاستعبرتها أبا بكر فقال لتدخلن فى امر تغتم له ثم يفرج عنك فكنت اذكر قول ابى بكر وانا مرتبط فارجو ان ينزل الله توبتى- قال فلم ازل كذلك حتى ما اسمع الصوت من الجهد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر قال ابن هشام اقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته وقت كل صلوة فتحله حتى يتوضأ ويصلى ثم ترتبط- (قال ابن عقبة زعموا انه ارتبط قريبا من عشرين ليلة قال فى البداية وهذا أشبه الأقاويل وقال ابن إسحاق اقام مرتبطا خمسا وعشرين ليلة وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة او أراد ان يذهب لحاجته فاذا فرغ أعادت الرباط والظاهر ان زوجته تحله مرة وابنته اخرى وانزل الله فى توبة ابى لبابة وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- قال البغوي وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله فى قلوبهم الرعب فلما جهدهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتفوا رباطا وجعل على كتافهم محمد بن سلمة ونحوا ناحية واخرج النساء والذرية من الحصون واستعمل عليهم عبد الله بن سلام وجمعت أمتعتهم ووجدوا فيها الفا وخمس مائة سيف وثلاث دروع والفى رمح والفا وخمس مائة ترس وجحفة وأثاثا كثيرا وآنية كثيرة وخمرا وسكرا فهريق ذلك كله ولم يخمسه ووجد من الجمال النواضح عدة ومن الماشية شيئا كثيرا فجمع هذا كله وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس- ودنت الأوس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله حلفاؤنا دون الخزرج وقد رأيت ما صنعت ببني قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبيّ وهبت لهم ثلاث مائة حاسر «من لا وزع له منه رح» واربع مائة دارع «صاحب درع- منه رح» وقد ندم حلفاءنا على ما كان من نقضهم العهد فهبهم لنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لم يكلم حتى أكثروا عليه وألحّوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما ترضون ان يكون الحكم فيهم الى رجل منكم قالوا بلى قال فذلك الى سعد بن معاذ وقال ابن عقبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اختاروا من شئتم من أصحابي فاختاروا سعد بن معاذ- وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم

فى خيمة امراة من المسلمين يقال لها رفيدة فى مسجده صلى الله عليه وسلم وكانت تداوى الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة «1» الذي ليس له من يقوم بامره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق اجعلوه فى خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب- فلمّا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم الى سعد خرجت الأوس حتى جاءوه فحملوه على حمار عربى بشنذة «2» من ليف وعلى الحمار قطيفة فوق الشنذة وخطامه «الخطام ما يقاد به الدابة- منه رح» من ليف وكان رجلا جسيما فخرجوا حوله يقولون يا أبا عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولّاك امر مواليك لتحسن فيهم فاحسن فيهم فقد رايت ابن أبيّ وما صنع فى حلفائه وأكثروا وهو ساكت لا يتكلم حتّى إذا أكثروا عليه قال قد ان «بالفتح والمد ونا وقرب- منه رح» لسعدان لا يأخذه فى الله لومة لائم فقال الضحاك بن خليفة بن ثعلبة الأنصاري وا قوماه وقال غيره نحو ذلك ثم رجع الضحاك الى الأوس فنعى بهم رجال بنى قريظة قبل ان يصل إليهم سعد كلمته التي سمع منه- وفى الصحيحين فلما دنا سعد من المسجد اى الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعده فى بنى قريظة ايام حصارهم للصلوة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا الى سيدكم وفى لفظ الى خيركم فاما المهاجرون من قريش فيقولون انما أراد الأنصار واما الأنصار فيقولون عم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وعند احمد قوموا الى سيدكم فانزلوه وكان رجال من بنى عبد الأشهل يقولون قمنا له على أرجلنا صفين وفى حديث جابر عند ابن عائذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احكم فيهم يا سعد فقال الله ورسوله أحق بالحكم قال عليه السلام أمرك الله ان تحكم فيهم- وقالت الأوس الذين بقوا عنده يا أبا عمرو ان رسول الله قد ولاك الحكم فى امر مواليك فاحسن فيهم فقال سعد أترضون حكمى لبنى قريظة قالوا نعم قد رضينا بحكمك وأنت غائب اختيارا منا لك ورجاء ان تمنّ علينا كما فعل غيرك بحلفائه بنى قينقاع واثرنا عندك اثرنا وأحوج ما كان اليوم الى مجازاتك فقال سعد ما أتوكم جهدا فقالوا ما يعنى بقوله هذا ثم قال سعد عليكم عهد الله وميثاقه ان احكم

_ (1) الضيعة ترك وضيع مصدر ضاع الشيء صيعا اى تركتهم الضائع الذي ليس له من يقوم بامره 12 منه رح (2) بشين معجمة فنون فذال مفتوحات شبه الا كاف يجعل لمقدمته اعوجاج 12 منه رحمه الله

فيهم ما حكمت قالوا نعم قال سعد وعلى من هاهنا للناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عنها إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال سعد فانى احكم فيهم ان يقتل كل من جرين عليه الموسى وتسبى النساء والذرية وتقسم أموالهم ويكون الديار للمهاجرين والأنصار- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة «السموات قال اى الأعز اتى سموما بالرقيع لانها مرقومة بالنجوم منه رح» ارقعة- وفى رواية قال عليه السلام بذلك طرقنى الملك سحرا- وكان سعد بن معاذ فى الليلة التي فى صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش فابقنى لها فانى لا قوم احبّ الىّ ان أقاتلهم من قوم كذبوا رسولك وآذوه وأخرجوه وان كانت الحرب قد وضعت أوزارها عنّا وعنهم فاجعله لى شهادة ولا تمتنى حتى تقر عينى من بنى قريظة فاقر الله سبحانه عينيه منهم. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لتسع ليال وقيل لخمس خلون من ذى الحجة وامر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسوا فى دار رملة بنت الحارث من بنى النجار- فلمّا أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا الى سوق المدينة التي هى سوقها اليوم فامر بأخدود فخذت فى السوق ما بين موضع دار ابى الجهم العدوى الى أحجار الزيت بالسوق فكان أصحابه يحضرون وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه ودعا برجال بنى قريظة فكانوا يخرجون يضرب أعناقهم فى تلك الخنادق فقالوا لكعب بن اسد وهم يذهب بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم إرسالا يا كعب ما ترى محمدا يصنع بنا قال ما يسوءكم ويلكم على كل حال لا تعقلون الا ترون الداعي لا ينزع وانه من ذهب منكم لا يرجع هو والله السيف قد دعوتكم الى غير هذا فابيتم قالوا ليس هذا بحين عتاب لولا انا كرهنا ان نرمى برأيك ما دخلنا فى نقض العهد الذي كان بيننا وبين محمد قال حيى بن اخطب اتركوا التلاوم فانه لا يرد عنكم شيئا واصبروا للسيف وكان الذي قتلهم على بن ابى طالب والزبير بن العوام رضى الله عنهما ثم اتى حيى بن اخطب مجموعة يداه الى عنقه عليه حلة فقاحية قد لبسها للقتل ثم عمد إليها فشقها انملة انملة

لئلا يسلبه إياها أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اطلع الم يمكنى الله منك يا عدو الله قال بلى والله انا ما لمت نفسى فى عداوتك وقد التمست العز فى مظانة فابى الله الا ان يمكنك منى ولقد قلقلت «حركت- منه رح» كل مقلقل ولكنه من يخذل الله يخذل ثم اقبل على الناس فقال ايها الناس لا بأس بامر الله كتاب الله وقدره ملجمة «القتل وموضعه- منه رح» على بنى إسرائيل ثم جلس فضرب عنقه- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنوا أساراهم وأقيلوهم واسقوهم حتى يبردوا فاقتلوا من بقي لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السيف وكان يوما صائفا فقيلوهم وسقوهم فلمّا أبرد وأراح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل من بقي واتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكعب بن اسد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تنفعتم بنصح ابن جوّاس لكم وكان مصدقا بي اما أمركم باتباعى وان رايتمونى ان تقرءونى منه السلام قال بلى والتورية يا أبا القاسم ولولا ان يعيرنى اليهود بالجزع من السيف لاتبعتك ولكنه على دين يهود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه فاضرب عنقه وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كل من أنبت منه روى احمد واصحاب السنن عن عطية القرظي قال كنت غلاما فوجدونى لم أنبت فخلّوا سبيلى وروى الطبراني عن اسلم الأنصاري قال جعلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسارى بنى قريظة فكنت انظر الى فرج الغلام فان رايته أنبت ضربت عنقه وان لم أره جعلته فى مغانم المسلمين وكان رفاعة بن شمول القرظي رجلا قد بلغ فلاذ بسلمى بنت قيس أم المنذر اخت سليط بن قيس وكانت احدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم يعنى خالة جده عبد المطلب فان امه كانت من بنى النجار وكانت سلمى قد صلّت للقبلتين فقالت يا نبى الله بابى أنت وأمي هب لى رفاعة فانه زعم سيصلّى ويأكل لحم الجمل فوهبه لها فاستحيته فاسلم بعد ولم تزل ذلك الداب حتى قتلوا الى ان غاب الشفق ثم رد عليهم التراب فى الخندق كل ذلك بعين سعد بن معاذ فاستجاب الله دعوته رضى الله عنه- ولم يقتل من نسائهم الا امرأة واحدة من بنى النضير يقال لها بنانة كانت تحت رجل من بنى قريظة يقال له الحكم وكان يحبها وتحبه فلما اشتد عليهم الحصار بكت اليه وقالت انك لمفارقى فقال هو والتورية ما ترين وأنت

امرأة فدلّى عليهم هذه الرحى فانا لم نقتل منهم أحدا بعد وأنت امرأة وان يظهر محمد علينا فانه لا يقتل النساء وانما اكره ان تسبى فاحبّ ان تقتل وكانت فى حصن الزبير بن باطا فدلّت الرحى من فوق الحصن وكان المسلمون ربما جلسوا تحت الحصن يستظلون فى فيئة فلمّا راها القوم انفضوا وتدرك خلاد بن سويد فتشدخ رأسه ومات- روى عروة عن عائشة انها قالت والله انها لعندى تحدث وتضحك ظهرا لبطن ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسيوف وفى رواية وهى تقول سراة بنى قريظة يقتلون إذ هتف هاتف باسمها اين فلانة قالت انا والله قلت ويلك مالك قالت اقتل قلت لم قالت حدث أحدثته قالت فانطلقت فضرب عنقها بخلاد بن سويد وكانت عائشة تقول لا انسى طيب نفس بنانة كثرة ضحكها وقد عرفت انها تقتل. (مسئلة) هذا الحديث حجة لمن حكم بالقصاص على القتل بالمثقل وعليه الجمهور وقال ابو حنيفة لا قصاص بالمثقل ولو رماه بابا قبيس لقوله صلى الله عليه وسلم لا تود فى النفس وغيره الا بحديدة وقد مرّ الخلاف فى هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ- وروى محمد بن إسحاق عن الزهري ان الزبير بن باطا القرظي وكان يكنى أبا عبد الرحمن قدم على ثابت بن قيس بن شماس فى الجاهلية يوم بعاث لاخذه فجر ناصية ثم خلّى سبيله فجاءه يوم قريظة وهو شيخ كبير فقال ثابت يا أبا عبد الرحمان هل تعرفنى قال وهل يجهل مثلى لمثلك قال انى أريد ان أجزيك بيدك عندى قال ان الكريم يجزى قال ثم اتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قد كان للزبير عندى يد وله على منة فاحببت ان أجزيه بها فهب لى دمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لك فاتاه فقال له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لى دمك قال شيخ كبير لا اهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة فاتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اهله وولده قال فهم لك فاتاه فقال له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني امرأتك وولدك فهم لك قال اهل بيت فى الحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فاتى ثابت رسول الله صلى

الله عليه وسلم فقال ما له يا رسول الله قال هو لك فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني مالك فهو لك- فقال اى ثابت ما فعل الذي كان وجهه مراة صينية «منسوبة الى الصين- منه رح» حسنة يتراى فيه عذار الحي كعب بن اسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادي سيد الحيّين كليهما يحملهم فى الحرب ويطعهم فى المحل حيى بن اخطب قال قتل قال فما فعل «مقدمته الحرب ادلة- منه رح» مقدمتنا إذا شددنا وحاشيتنا إذا كررنا عزّالة بن شمول قال قتل- قال فما فعل المجلسان يعنى بنى كعب بن قريظة وبنى عمرو ابن قريظة قال ذهبوا فقتلوا- قال فانى أسئلك بيدي عندك يا ثابت الا ما ألحقتني بالقوم فو الله ما فى العيش بعد هؤلاء من خير ارجع الى دار قد كانوا حلولا فيها فاخلد فيها بعدهم لا حاجة لى فى ذلك ولكنى يا ثابت انظر الى امراتى وولدي فاطلب الى صاحبك فيهم ان يطلقوا وان يردوا أموالهم فطلب ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم اهل الزبير وماله وولده فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم اهله وماله الا السلاح- قال الزبير يا ثابت أسئلك بيدك عندى الا ألحقتني بالقوم فما انا بصابر لله فتلة «1» دلو ناضح حتى القى الا حبة- قال ابن إسحاق فقدمه ثابت فضرب عنقه وقال محمد بن عمر قال ثابت ما كنت لا قتلك قال الزبير لا أبالي من قتلنى فقتله الزبير بن العوام رضى الله عنه- ولمّا بلغ أبا بكر الصديق رضى الله عنه قوله" القى الاحبة" قال يلقاهم فى نار جهنم خالدا مخلدا. ثم قسم اموال بنى قريظة ونساءهم وأموالهم على المسلمين وكان أول فئى وقع فيه السهمان وكان المسلمون ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثين وكان سهمان الخيل والرجال على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما للفرس سهمان ولصاحبه سهم وقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة افرس فلم يضرب السهم الا لفرس واحد- وهذا حجة لابى حنيفة ومالك والشافعي حيث قالوا لا سهم الا لفرس واحد وقال ابو يوسف ومحمد واحمد يسهم لفرسين ولا يسهم لاكثر من ذلك اجماعا وقد مرّ

_ (1) فتلة دلو ناضح قال ابن إسحاق بالفاء والتاء الفوقانية اى مقدار ما يأخذ الرجل الدلو الذي خرجت من البئر فيصبها فى الحوض ثم يفتلها اى يردها الى موضعها- وقال ابن هشام انما هو بالقاف والموحدة وقال بل الدلو هو الذي يأخذها من المستقى- ولفظ الخبر عند ابى عبيد فلست صابرا عنهم افراغه دلوا- 12 منه نور الله مرقده-

المسألة فى سورة الأنفال- وأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لخلاد بن سويد وقد قتل تحت الحصن وأسهم لسنان بن محصن ومات ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصرهم وكان يقاتل مع المسلمين- وهذا حجة للائمة الثلاثة حيث قالوا الغنيمة لمن شهد الوقعة وان مات قبل هزيمة الكفار وإحراز الغنيمة بدار الإسلام وقد روى ابن ابى شيبة بسند صحيح الغنيمة لمن شهد الوقعة موقوفا على عمر وأخرجه الطبراني مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح وروى الشافعي موقوفا على ابى بكر وفيه انقطاع وقال ابو حنيفة لا يتاكد الحق فى الغنيمة الا بالاحراز بدار الإسلام فمن مات او قتل قبل الاحراز لا سهم له ولا يورث منه- والمدد إذ الحق بدار الحرب بعد الوقعة قبل الاحراز بدار الإسلام يسهم لهم وقد مر مسئلة المدد فى سورة الأنفال. (مسئلة) وفى هذه القصة حجة للجمهور على ابى حنيفة حيث قالوا للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه وقال ابو حنيفة سهم له وسهم لفرسه وقد مرّ المسألة فى سورة الأنفال والله اعلم. (فائدة) أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من السبي خمسا فكان يعتق ويهب منه من أراد وكذلك النخل عزل خمسه وكل ذلك يسهم عليه خمسة اجزاء وصار الخمس الى محمية بن جز الزبيدي ثم قسم اربعة أخماس على الناس واعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء اللاتي حضرن القتال ولم يسهم لهن وهن صفية بنت عبد المطلب وأم عمارة نسية وأم سليط وأم العلاء الانصارية والسميرى بنت قيس وأم سعد بن معاذ وكبشة بنت رافع- وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة مع السبايا مع سعد بن عبادة يشترى بهم سلاحا وخيلا كذا قال محمد بن عمر وقال ابن إسحاق بعث سعد بن زيد الأنصاري الأشهلي بسبايا من بنى قريظة فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا- واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمان بن عوف طائفة فاقتسما يقال لما قسم جعل الشوابّ على حدة والعجائز على حدة ثم خير عبد الرحمان عثمان فاخذ العجائز فربح عثمان مالا كثيرا وذلك لانه كان يوجد عند العجائز من المال ولم يوجد عند الشواب- قال ابن سيرة وانما لم يؤخذ ما جاءت به العجائز فيكون فى الغنيمة لانه لم يوجد معهن الا بعد شهر او شهرين- وجعل عثمان على كل من اشتراه من سبيهم شيئا

موقتا فمن جاء منهن بالذي وقت لهن عتق فلم يتعرض لهن- ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يفرق فى القسم والبيع بين النساء والذرية وقال لا يفرق بين الام وولدها حتى يبلغ قيل يا رسول الله ما بلوغه قال تحيض الجارية- ويحتلم الغلام- رواه الحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت عنه صلى الله عليه وسلم قال لا تفرقوا بين الام وولدها فقيل الى متى قال الى ان يبلغ الغلام وتحيض الجارية- وقال ابن الجوزي قال الدار قطنى فى سنده عبد الله بن عمر بن حسان ضعيف الحديث رماه على بن المديني بالكذب وروى الترمذي عن ابى أيوب الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة- وقال الترمذي حديث حسن غريب وصححه الحاكم على شرط مسلم وفيه نظر لان فى سنده حيى بن عبد الله ولم يخرجه فى الصحيح واختلف فيه ولذا لم يصححه الترمذي وروى الحاكم فى المستدرك عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من فرق بين والدة وولدها- وقال اسناده صحيح وفيه طليق بن محمد يرويه تارة عنه عن عمران بن حصين وتارة عنه عن ابى بردة وتارة عن طليق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا- قلت ويمكن الجمع بان طليقا لعله سمعه عمران وعن ابى بردة كليهما فيرويه تارة عنه وتارة عنه وتارة مرسلا وقال ابن القطان لا يصح الحديث لان طليقا لا يعرف حاله قال ابن همام يريد خصوص ذلك والا فللحديث طرق كثيرة وشهرة وألفاظه توجب صحة المعنى المشترك وهو منع التفريق وروى الدار قطنى بسنده عن ميمون بن ابى شعيب عن على عليه السلام انه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فرد البيع- ورواه ابو داود ورده بالانقطاع بين ميمون ابن ابى شعيب وعلى قال ابن الهمام ان الإرسال عندنا لا يضر ورواه الحاكم وصحح اسناده ورجحه البيهقي. (مسئلة) ومن هاهنا قال ابو حنيفة لا يجوز ان يفرق بالبيع او الهبة او نحوهما بين مملوكين صغيرين وكذا بين صغير وكبير يكون بينهما رحم ومحرمية وكذا بين كبيرين كذلك عند احمد وقال مالك لا يفرق بين الام وولدها خاصة وقال الشافعي لا يفرق بين صغير وبين أبويه وان عليا- وجه قول مالك ان الحديث المذكور ورد

فى المنع من التفريق بين الام وولدها خاصة والحق الشافعي بالأم الأصول مطلقا- ووجه قول ابى حنيفة واحمد فى المنع من التفريق بين اثنين بينهما رحم ومحرمية ان فى بعض الأحاديث ورد المنع فى غير الأصول والفروع ايضا عن على عليه السّلام قال وهب لى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا على ما فعل غلامك فاخبرته قال رده رده قال الترمذي حديث حسن غريب وتعقبه ابو داود بانه من رواية ميمون بن ابى شعيب عن على وهو لم يدرك عليّا قلنا فهو مرسل والمرسل عندنا حجة وأخرجه الحاكم والدار قطنى من طريق اخر عن عبد الرحمان بن ابى ليلى عن على قال قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبىّ فامرنى ببيع أخوين فبعتهما وفرقت بينهما ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرته فقال أدركها فارتجعهما ولا تبعهما الا جميعا ولا تفرق بينهما وصححه الحاكم على شرط الشيخين ونفى ابن القطان العيب عنه وقال هو اولى ما اعتمد عليه فى هذا الباب ومن طريق اخر عند احمد والبزار قال ابن همام فيه انقطاع لكن لا يضر على أصلنا على ما عرف وروى الدار قطنى عن طليق بن عمران عن ابى بردة عن ابى موسى قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرق بين الوالدة وولدها وبين الأخ وأخيه وإذا ثبت المنع من التفريق بين أخوين ايضا ظهر ان علة المنع الرحم مع المحرمية ولا يمنع من التفريق المحرمية بالرضاع ونحو ذلك ولا رحم بلا محرمية كابن العم لانه ليس فى معناه. (مسئلة) من فرق بين والدة وولدها يأثم لكن ينعقد البيع وينفذ عند ابى حنيفة ومحمد وعند مالك والشافعي واحمد لا ينعقد بل هو باطل وكذا لا ينعقد البيع فى غير قرابة الولاد ايضا عند احمد وقال ابو يوسف يفسد البيع فى قرابة الولاد خاصة وعنه انه يفسد مطلقا سواء كان قرابة ولاد او غيرها ومبنى الخلاف على خلافية اصولية فان النهى عن الشرعيات بلا قرينة يوجب البطلان عندهم ويوجب الفساد عند ابى حنيفة وصاحبيه لكن أبا حنيفة ومحمدا قالا ان النهى فى هذا البيع انما هو لمعنى مجاور كالبيع وقت أذان الجمعة فلا يوجب الفساد بخلاف ما كان لوصف لازم- وجه قول ابى يوسف انه صلى الله عليه وسلم امر عليّا برد البيع والارتجاع وذا لا يمكن

الا عند فساد العقد وحمل ابو حنيفة الارتجاع على طلب الا قالة. (مسئلة) يجوز التفريق ان كانا بالغين كما يدل عليه حديث عبادة بن الصامت وقال احمد لا يجوز عملا بإطلاق الاخبار المذكورة وردّ ابن الجوزي حديث عبادة كما ذكرنا ولنا ايضا حديث سلمة بن الأكوع قال خرجنا مع ابى بكر فغزونا فزارة الى ان قال فجئت بهم الى ابى بكر وفيهم امرأة معها ابنة لها من احسن العرب فنفلنى ابو بكر ابنتها فقدمت المدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا سلمة هب لى المرأة قلت هى لك فقدى بها أسارى ثلاثة- وما روى انه صلى الله عليه وسلم فرق بين مارية القبطية أم ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرين أختها أهداهما المقوقس ملك الاسكندرية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرين لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمان بن حسان- ذكر الحديث ابن عبد البر فى الاستيعاب وذكر البزار ان هذا الحديث فى صحيح ابن خزيمة والله اعلم. (مسئلة) إذا كان مع الصغير أبواه لا يبيع واحدا منهم ولو كان أم وأخ او أم وعمة او خالة او أخ جاز البيع سوى الام فى ظاهر الرواية لان شفقة الام تغنى عمن سواه ولو كان له ستة اخوة ثلاثة كبار وثلاثة صغار فباع مع كل صغير كبيرا جاز ولو كان مع الصغير جدة وعمة وخالة جاز بيع العمة والخالة ولو كان معه عمة وخالة بدون جدة لا يباع الا معا- والأصل انه إذا كان معه عدد بعضهم ابعد من بعض جاز البيع سوى الأقرب وان كانوا فى درجة واحدة فان كانوا من جنسين مختلفين كالاب والام والخالة والعمة لا يفرق بل يباع الكل او يمسك الكل وان كانوا من جنس واحد كالاخوين والعمين جاز ان يمسك مع الصغير واحدا منهم ويبيع ما سواه والله اعلم. (مسئلة) ذكر فى سبيل الرشاد انه كان يباع الام وولدها الصغار من سبى بنى قريظة من اليهود ومن المشركين من العرب وإذا كان الولد صغيرا ليس معه أم لم يبع من المشركين ولا من اليهود الا من المسلمين وذا لان الصغير إذا سبى مع أحد أبويه يعتبر كافرا فيجوز بيعه من الكافر مشركا كان او يهوديا فان الكفر ملة واحدة-

وان سبى لا مع أحد أبويه يعتبر مسلما بتبعية الدار والله اعلم واستشهد يوم بنى قريظة خلاد بن سويد ومنذر بن محمد. (فائدة) اصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ريحانة بنت زيد بن عمرو بن حذافة من بنى النضير المتزوجة فى بنى عمرو بن قريظة وكانت جميلة فعرض عليها الإسلام فابت فعزلها ووجد فى نفسه فارسل الى ابن سعية فذكر له ذلك فقال ابن سعية فداك ابى وأمي هى تسلم فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها لا تبتغى قومك فقد رايت ما ادخل عليهم حيى بن اخطب فاسلمى يصطفيك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجابت الى ذلك فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال ان هاتين لنعلا ابن سعية يبشرنى بإسلام ريحانة فجاءه فقال يا رسول الله لقد أسلمت ريحانة فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفى عنها وهى فى ملكه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص عليها ان يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركنى فى ملكك فهو أخف علىّ وعليك فتركها والله اعلم. (فائدة) ولمّا انقضى شأن بنى قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ قالت عائشة فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر فو الذي نفس محمد بيده انى لا عرف بكاء ابى بكر من بكاء عمرو انى لفى حجرتى وكانوا كما قال الله تعالى رحماء بينهم. (مناقب سعد بن معاذ) عن انس قال لمّا حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون ما أخف جنازته وذلك لحكمه فى بنى قريظة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان الملائكة كانت تحمله- رواه الترمذي وعن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اهتز عرش الرحمان لموت سعد بن معاذ- متفق عليه وعن البراء ابن عازب قال أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة حرير فجعل أصحابه يمسونها ويتعجبون من لينها فقال أتعجبون من لين هذا لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة خير منها وألين- متفق عليه- ذكر البغوي وغيره ان ازواج النبي صلى الله عليه وسلم سالنه من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة فى النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن رسول الله

[سورة الأحزاب (33) : آية 28]

صلى الله عليه وسلم والى ان لا يقربهن شهرا ولم يخرج الى أصحابه فقالوا ما شأنه وكانوا يقولون طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقال عمر لا علمكم ما شأنه فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أطلّقت نساءك قال لا قلت يا رسول الله انى دخلت المسجد والمسلمون يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرهم انك لم تطلقهن قال نعم ان شئت فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتى لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ونزلت وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ فكنت انا استنبطت ذلك الأمر فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها اى السعة والتنعم فيها وزخارفها فَتَعالَيْنَ اصل تعال ان يقوله من كان فى مكان مرتفع لمن كان فى مكان دونه ثم كثر حتى استوت فى استعماله الامكنة كلها بمعنى اقبل الىّ والمعنى هاهنا اقبلن بارادتكن واختياركن لطلب الطلاق أُمَتِّعْكُنَّ اى اعطكن المتعة وَأُسَرِّحْكُنَّ اى أطلقكن سَراحاً طلاقا جَمِيلًا (28) من غير ضرار. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ اى مراتب القرب الى الله ومرضاته وَقرب رَسُولَهُ وَنعماء الدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ يعنى لمن أرادت رضوان الله ورسوله والدار الاخرة فانها هى المحسنة إذ الإحسان ان تعبد ربك بالحضور كانك تراه أَجْراً عَظِيماً (29) قال البغوي وكانت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ تسع نسوة خمس من قريش عائشة بنت ابى بكر وحفصة بنت عمرو أم حبيبة بنت ابى سفيان وأم سلمة بنت امية وسودة بنت زمعة واربع من غير قريش زينب بنت جحش الاسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيى بن اخطب الخيبرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية- ولمّا نزلت اية التخيير بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة وكانت أحبهن اليه فخيرها وقرأ عليها القران فاختارت الله ورسوله والدار الاخرة ورات الفرح فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعنها على ذلك- قال قتادة فلمّا اخترن الله ورسوله شكرهن على ذلك وقصره عليهن فقال لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ.

اخرج مسلم واحمد والنسائي من طريق ابى الزبير عن جابر قال اقبل ابو بكر ليستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يؤذن له ثم اقبل عمر فاستاذن فلم يوذن له ثم اذن لهما فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه واجما «1» ساكتا قال فقال عمر لا قولن شيئا اضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو رايت بنت خارجة سالنى النفقة فقمت إليها فوجأت «اى ضربت يحاء يضرب- منه رح» عنقها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هن حولى كما ترى يسئلننى النفقة فقام ابو بكر الى عائشة يجأء عنقها وقام عمر الى حفصة يجاء عنقها كلاهما يقولان لا تسئلنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابدا ما ليس عنده- ثم اعتزلهن شهرا وتسعا وعشرين ثم نزلت هذه الاية- قال فبدا بعائشة قال يا عائشة انى أريد ان اعرض عايك امرا احبّ ان لا تعجلى فيه حتى تستشير أبويك فقال وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآيات فقالت أفيك يا رسول الله استشير ابوىّ بل اختار الله ورسوله والدار الاخرة أسئلك ان لا تخبر امرأة من نسائك قال لا تسئلنى امراة منهن الا أخبرتها ان الله لم يبعثنى جحودا ولا مفتنا ولكنه بعثني مبشرا معلما وفى الصحيح عن الزهري ان النبي صلى الله عليه وسلم اقسم ان لا يدخل على أزواجه شهرا قال الزهري فاخبرنى عروة عن عائشة قالت فبدانى فقلت يا رسول الله انك أقسمت ان لا تدخل علينا شهرا فانك بتسع وعشرين اعدهن قال ان الشهر تسع وعشرون. (فائدة) قال البغوي اختلف العلماء فى هذا الخيار هل كان ذلك تفويض الطلاق حتى يقع الطلاق بنفس اختيارها نفسها أم لا فذهب الحسن وقتادة واكثر اهل العلم انه لم يكن تفويض الطلاق بل خيرهن فى طلب الطلاق فان اخترن الدنيا فارقهن بدليل قوله تعالى فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ- وذهب قوم الى انه كان تفويض الطلاق لو اخترن انفسهن كان طلاقا. (مسئلة) إذا قال الزوج لامراته اختاري ونوى بذلك ان تطلق نفسها ان شاءت فلها ان تطلق نفسها مادامت فى المجلس فان قامت منه او أخذت فى عمل

_ (1) الوجم ككتف صاحب العبوس المطرق لشدة الحزن وجم كوعد وجما ووجوما سكت على غيظه 12 قاموس منه رحمه الله

اخر خرج الأمر من يدها لانه تمليك الفعل منهيّا والتمليكات يقتضى جوابا فى المجلس كما فى البيع قال صاحب الهداية لها خيار المجلس بإجماع الصحابة رضى الله عنهم وقال ابن همام قال ابن المنذر اختلفوا فى الرجل يخير زوجته فقالت طائفة أمرها بيدها فى المجلس فان قامت من مجلسها فلا خيار لها روينا هذا القول عن عمر بن الخطاب وعثمان وابن مسعود رضى الله عنهم وفى أسانيدها مقال وبه قال جابر بن عبد الله وبه قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي ومالك وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وابو ثور واصحاب الرازي- وقالت طائفة أمرها بيدها فى المجلس وبعدها وهو قول الزهري وقتادة وابى عبيدة وابن نصر قال ابن المنذر وبه نقول لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لا تستعجلى حتى تستأمرى أبويك وحكى صاحب المغني هذا القول من الصحابة عن على رضى الله عنه وأجاب ابن الهمام عن قول ابن المنذر ان الرواية عن على لم يستقر فقد روى عنه قول الجماعة كذا نص محمد فى بلاغاته حيث قال بلغنا عن عمر وعثمان وعلى وابن مسعود وجابر رضى الله عنهم فى الرجل يخير امرأته ان لها الخيار مادامت فى مجلسها ذلك فاذا قامت من مجلسها فلا خيار لها ولم يرو عن غيره من الصحابة ما يخالف ذلك فكان اجماعا سكوتيا وقوله فى أسانيدها مقال لا يضر بعد تلقى الامة بالقبول مع ان رواية عبد الرزاق عن جابر وابن مسعود جيدة- واما التمسك بقوله صلى الله عليه وسلم لا تعجلى فضعيف لانه ليس فى الاية تخيير الطلاق وتفويضه كما يدل عليه قوله تعالى فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا. (مسئلة) لا بد من النية فى قوله اختاري لانه يحتمل تخيرها فى نفسها ويحتمل تخيرها فى تصرف اخر غيره. (مسئلة) إذا قال الزوج اختاري فقالت اخترت نفسى فالمروى عن عمرو ابن مسعود وابن عباس انها تقع واحدة رجعية وبه أخذ الشافعي واحمد لان قوله اختاري بمنزلة قوله طلقى نفسك وقولها اخترت نفسى بمنزلة قوله طلقت نفسى والواقع بها رجعى اجماعا وبان الكتاب دل على ان الطلاق يعقب الرجعة الا الثالث- وروى عن زيد بن ثابت انه يقع الطلقات الثلاث وبه أخذ مالك فى المدخول بها وفى غيرها

يقبل منه دعوى الواحدة وجه قول زيد ان اختيارها يقتضى ثبوت اختصاصها بها بحيث لا يكون لزوجها إليها سبيل من غير رضاءها والا لا يحصل فائدة التخيير إذا كان له ان يراجعها فى الحال شاءت او أبت وذلك الاختصاص لا يتصور الا فى البائن والطلاق يعقب الرجعة بالكتاب الا ان يكون ثلاثا فيقع الثلاث وثبت عن على رضى الله عنه ان الواقع به واحدة بائنة وبه قال ابو حنيفة رحمه الله لما ذكرنا ان اختصاصها بنفسها لا يتصور الا بالبينونة والبينونة قد يكون بواحدة اجماعا كالطلاق بمال والطلاق قبل الدخول فيحمل عليه لحصول المقصود ولا وجه لجعله ثلاثا بعد حصول المقصود بواحدة- وقد روى الترمذي عن ابن مسعود وعمر ان الواقع بها بائنة كما روى عنهما الرجعية فاختلف الرواية عنهما- قلت البينونة يتنوع الى غليظة وخفيفة فان نوى بها الزوج الغليظة لا بد ان يقع به ثلاثا- لكن أبا حنيفة رحمه الله يقول ان قوله اختاري لا يدل على البينونة بل يفيد الخلوص والصفاء والبينونة يثبت فيه اقتضاء فلا يعم بل يقدر بقدر الضرورة بخلاف أنت بائن ونحوه فلا يقع الثلاث بقوله اختاري وان نوى الثلاث لان النية انما تعمل فيما يحتمله اللفظ ويقع بقوله أنت بائن ثلاثا ان نوى الثلاث وبخلاف قوله اختاري اختاري اختاري لان تعدد اللفظ يدل على تعدد المقصود. (مسئلة) لو قالت اخترت زوجى بعد ما قال لها اختاري لا يقع شىء عند الجمهور لان الزوج لم يطلقها بل جعل أمرها باختيارها وهى لم تختر الطلاق بل اختارت ابقاء النكاح- وعن على رضى الله عنه انه يقع رجعية كانه جعل نفس اللفظ ايقاعا قال ابن همام لكن قول عائشة خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ولم يعدّه علينا شيئا- رواه الستة وفى لفظ الصحيحين فلم يعدد يفيد عدم وقوع شىء كما قاله الجمهور- قلت لما ذكرنا فيما سبق ان تخيير ازواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن تخييرا للطلاق بل كان تخييرا فى طلب انطلاق فلا يكون قول عائشة حجة على ما قاله الجمهور والله اعلم. (مسئلة) ولا بد من ذكر النفس فى كلامه او كلامها حتى لو قال اختاري فقالت اخترت لا يقع الطلاق لان هذا اللفظ ليس لفظا للطلاق فكان القياس

[سورة الأحزاب (33) : آية 30]

ان لا يقع بها شىء لان التمليك فرع ملك المملك والزوج لا يملك إيقاع الطلاق بهذا اللفظ لكنا تركنا القياس وقلنا بوقوع الطلاق باختيارها بإجماع الصحابة والإجماع انما هو فى المفسّر من أحد الجانبين بالنفس ولان قوله اختاري مبهم يحتمل تخيرها فى نفسها وتخيرها فى تصرف اخر غيره- والمبهم لا يصلح تفسيرا للمبهم ولا تعيين مع الإبهام- ولمّا كان وقوع الطلاق بقوله اختاري معدولا عن سنن القياس مقتصرا على مورد الإجماع لا يكتفى بالنية وان كان مع القرينة الحالية دون المقالية لعدم الإجماع هناك- وقال الشافعي واحمد يكتفى بالنية مع القرينة الحالية بعد ان نوى الزوج وقوع الطلاق به وتصادقا عليه وقال ابو حنيفة النية بدون احتمال اللفظ يلغوا والا لوقع بجرد النية مع لفظ لا يصلح له أصلا كاسقنى وانما تركنا القياس بموضع الإجماع. قلت لكن قوله النية بدون احتمال اللفظ يلغو ليس فى محله فان لفظ اختاري واخترت بدون ذكر النفس يحتمل تخيرها الطلاق واختارها إياه وغير ذلك وان لم تكن نصّا فيه ولذلك لو قال اختاري فقالت اخترت نفسى يقع الطلاق ان نوى الزوج لان كلامها مفسرة وما نواه الزوج من محتملات كلامه- وكذا لو قال اختاري اختيارة فقالت قد اخترت طلقت ايضا لان الهاء فى اختيارة ينبئ عن الاتحاد وو الانفراد واختيارها نفسها يتحد مرة ويتعدد اخرى فصار مفسرا من جانبه. (مسئلة) ولو قال الزوج اختاري فقالت انا اختار نفسى فهى طالق والقياس ان لا يطلق لان هذا مجرد وعد او يحتمله فصار كما إذا قال طلقى نفسك فقالت انا اطلق نفسى قال صاحب الهداية وجه الاستحسان قول عائشة لابل اختار الله ورسوله واعتباره صلى الله عليه وسلم جوابا منها- لا يقال ذكر فيما سبق ان قصة عائشة لم يكن تخييرا فى التطليق بل فى طلب الطلاق لانا نقول مقصودنا يحصل باعتباره صلى الله عليه وسلم جوابا للاختيار سواء كان الاختيار متعلقا بالتطليق او طلب التطليق- ولان قولها انا اختار نفسى حكاية عن حالة قائمة وهو اختيار نفسها بخلاف قولها- طلق نفسى لان جمله على الحال متعذر لانه ليس حكاية عن حالة قائمة والله اعلم. يا نِساءَ النَّبِيِّ التفات من الغيبة الى الخطاب مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ قال ابن عباس أراد بالفاحشة النشوز وسوء الخلق يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ

قرأ ابن كثير وابن عامر نضعّف بالنون على التكلم وكسر العين وتشديدها بغير الف من التفعيل والعذاب بالنصب على المفعولية- والباقون بالياء التحتانية على الغيبة وو فتح العين على صيغة المجهول والعذاب بالرفع على انه مفعول ما لم يسم فاعله فيقرأ ابو جعفر «ويعقوب- ابو محمد» وابو عمرو بتشديد العين بلا الف من التفعيل والباقون بالتخفيف والالف من الافعال ضِعْفَيْنِ اى ضعفى عذاب غيرهن والضعف من الألفاظ المتضائفة التي يتوقف فهمه على شىء اخر كالنصف والزوج وهو تركب قدرين متساويين ومعنى أضعفت الشيء وضعّفته واحد وهو ضمت اليه مثله وكذا ضاعفته- والضعفين المثلين الذين يضم أحدهما الى صاحبه كالزوجين فان أحدهما يضاعف الاخر ويزاوجه- وقد يطلق الضعف على مجموع المثلين كما فى قوله تعالى حكاية عن الاتباع من الكفار فاتهم عذابا ضعفا من النّار اى مثلى ما نحن فيه من العذاب لانهم ضلوا وأضلونا- وإذا أضيف الضعف الى عدد يراد به ذلك العدد مع مثله فضعف عشرة عشرون وضعف مائة مائتان وضعف الواحد اثنان وإذا أضيف الضعفين الى واحد يّثلثه وفى القاموس ضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاه او الضعف المثل الى ما زاد يقال لك ضعفه يريدون مثليه وثلاثة أمثاله لانه زيادة غير محصورة- وفسّر الجزري فى النهاية الضعف الواقع فى حديث ابى الدحداح بانه مثلى الاخر وقال يقال ان أعطيتني درهما فلك ضعفه اى درهمان وربما قالوا فلك ضعفاه وقيل ضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاه- وقال الزهري الضعف فى كلام العرب المثل فما زاد وليس بمقصور على مثلين فاقل الضعف محصور فى الواحد وأكثره غير محصور ومنه الحديث يضعف صلوة الجماعة على صلوة الفذ خمسا وعشرين درجة وقال الله تعالى فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً اى يزاد عليها يقال ضعّفت الشيء وأضعفته وضاعفته إذا زدته قال البغوي ضعّف وضاعف لغتان مثل بعّد وباعد قال ابو عمرو وابو عبيد ضعّفته إذا جعلته مثليه وضاعفته إذا جعلته أمثاله- وشدد ابو عمرو هاهنا لقوله تعالى ضعفين وقوله تعالى ضعفين منصوب على المفعولية لان التضعيف والمضاعفة يتضمنان معنى التصيير او على المصدرية من قبيل ضربته ضربتين او ضربته سوطين او على الحال من العذاب ووجه تضعيف العذاب ان الذنب منهن مع توافر النعمة أقبح ولذلك جعل حد الحر ضعف حد العبد ولان

[سورة الأحزاب (33) : آية 31]

فى صدور الذنب منهن هتك حرمة مصاحبة سيّد البشر صلى الله عليه وسلم وذلك أشد وأقبح وَكانَ ذلِكَ اى تضعيف العذاب عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) جملة معترضة. وَمَنْ يَقْنُتْ القنوت الطاعة قرأ يعقوب من تأت وتقنت بالتاء «1» الفوقانية فيهما نظرا الى المعنى والباقون بالياء التحتانية نظرا الى كلمة من يعنى من يدم على الطاعة مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ قرأ حمزة «وخلف- ابو محمد» والكسائي بالياء التحتانية حملا على لفظة من والباقون بالتاء الفوقانية نظرا الى المعنى صالِحاً منصوب على المصدرية او المفعولية نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ اى مثلى اجر غيرها مرة على الطاعة ومرة على طلبهن رضاء النبي صلى الله عليه وسلم بالقناعة وحسن المعاشرة قال مقاتل مكان كل حسنة عشر حسنات- قرأ حمزة «وخلف- ابو محمد» والكسائي يؤتها بالياء التحتانية على ان فيه ضمير اسم الله تعالى والباقون بالنون على التكلم وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) اى جليل القدر وهو الجنة زيادة على أجرها قلت وذلك لانهن يرزقن بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ما يرزق النبي صلى الله عليه وسلم.. يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ اى ليست كل واحدة منكن او المعنى لم توجد جماعة واحدة من جماعات النساء مثلكن فى الفضل كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ وجملة لستن تعليل لمضمون ما ذكر واصل أحد وحد بمعنى الواحد ثم وضع فى النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد والكثير قال ابن عباس اى ليس قدر كن عندى مثل قدر غير كن من النساء الصالحات أنتن أكرم علىّ وثوابكن أعظم لدىّ- هذه الاية تدل على فضلهن على سائر النساء ويعارضها قوله تعالى فى حق مريم ابنة عمران انّ الله اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ والقول بان المراد من نساء العالمين نساء زمانه يأباه ما رواه الترمذي عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وآسية امراة فرعون فالواجب ان يقال ان النساء فى قوله تعالى لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ من حيث انكن ازواج سيد البشر صلى الله عليه وسلم يعنى ليست أحد من النساء شريكة لكنّ فى هذا الفضل والجمهور على ان أفضل نساء

_ (1) هذا ليس بشئ بل قرأهما يعقوب بالياء كالجمهور- ابو محمّد رحمه الله

العالمين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة بنت خويلد خير نساء الرسول صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وعائشة الصديقة بنت الصديق الأكبر حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم روى الشيخان فى الصحيحين واحمد والترمذي وابن ماجة عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام- وفى الصحيحين عن على رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد- وفى رواية كريب وأشار وكيع الى السماء والأرض وفى الصحيحين من حديث عائشة عن فاطمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فاطمة الا ترضين ان تكونى سيدة نساء اهل الجنة او نساء المؤمنين- وعن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ان هذا ملك لم ينزل الى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه ان يسلم علىّ ويبشرنى بان فاطمة سيدة نساء اهل الجنة وان الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب إِنِ اتَّقَيْتُنَّ مخالفة حكم الله ورضاع رسوله شرط استغنى عن الجزاء بما مضى فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ الفاء للسببية يعنى إذا ثبت فضلكن على سائر النساء بشرط التقوى فلا بد ان لا يظهر منكن ما ينافى التقوى من الخضوع بالقول للرجال يعنى ان تكلم المرأة مع الرجل الأجنبي كلاما لينا بما تطمعه منها- وذكر الجزري فى النهاية نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يخضع الرجل لغير امرأته ان يلين لها بالقول بما يطمعها منه- والخضوع الانقياد والمطاوعة وذكر ايضا فى النهاية ان رجلا مرّ فى زمان عمر رضى الله عنه برجل وامراة قد خضعا بينهما حديثا فضربه حتى شجه فاهدره عمر رضى الله عنه اى ليّنا بينهما الحديث وتكلما بما يطمع كلّا منهما من الاخر وروى الطبراني بسند حسن عن عمرو بن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى ان يكلم النساء الا بإذن أزواجهن وروى الدار قطنى فى الافراد عن ابى هريرة انه صلى الله عليه وسلم نهى ان يتمطى الرجل فى الصلاة او عند النساء الا عند امرأته وجواريه فَيَطْمَعَ فى الفجور منصوب فى

[سورة الأحزاب (33) : آية 33]

جواب النهى بان المقدرة بعد الفاء الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ اى شائبة من النفاق فان المؤمن الكامل الذي مطمئن بالايمان ويرى برهان ربه لا يطمع فيما حرمه الله تعالى والذي إيمانه ضعيف كان فيه شائبة النفاق يشتهى الى ما حرم الله عليه- وفى غير المتواتر من القراءة فيطمع مجزوم عطفا على محل النهى فهو نهى لمريض القلب عن الطمع عقيب نهيهن عن الخضوع بالقول. (مسئلة) المرأة مندوبة الى الغلظة فى المقال إذا خاطبت الا جانب لقطع الاطماع وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) يعنى ما يعرفه حسنا بعيدا من الريبة. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» وعاصم بفتح القاف من قرّ يقرّ بكسر العين فى الماضي وفتحها فى الغابر أصله اقررن حذفت الراء الاولى ونقلت حركتها الى القاف واستغنى عن همزة الوصل والباقون بكسر القاف من قرّ يقرّ قرارا بفتح العين فى الماضي وكسرها فى الغابر وهما لغتان فيه ومعناهما واحد وكذا تعليلهما واحدة- امر بالقرار فى البيوت وعدم الخروج بقصد المعصية كما يدل عليه قوله تعالى وَلا تَبَرَّجْنَ فانه عطف تفسيرى وتأكيد معنى وليس فى الاية نهى عن الخروج من البيت مطلقا وان كان للصلوة او الحج او لحاجة الإنسان كما زعمه الذين فى قلوبهم مرض من الروافض حتى طعنوا فى الصديقة الكبرى بنت الصديق الأكبر حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم انها خرجت من بيتها الى مكة وذهبت منها الى البصرة فى وقعة الجمل وكان خروجها الى مكة للحج وبعد خروجها استشهد عثمان رضى الله عنه واظهر اهل المصر فتنة فى المدينة حتى هرب منها طلحة وزبير رضى الله عنهما ولحقا بعائشة وأشارا بالخروج للاصلاح ذات البين ولمّا أبت احتجا بقوله تعالى لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ فخرجت الى البصرة ووقع الصلح بين من كان معها ومن كان مع على رضى الله عنهما ثم اثار نار الفتنة عبد الله بن سبأ اليهودي المنافق الذي تزىّ بزى شيعة علىّ رضى الله عنه حتى وقع القتال بين المسلمين فى وقعة الجمل وقد ذكرنا القصة فى كتابنا السيف المسلول- والتبرج من البروج بمعنى الظهور والمراد بها اظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال وقال ابن نجيح التبرج «اى التكبر والاعجاب بنفسه- منه رح» التبختر قال البيضاوي فى تفسيره لا تبخترن فى مشيتكن تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى منصوب على المصدرية اى تبرجا مثل تبرج الجاهلية

الاولى والمراد بالجاهلية الاولى جاهلية الكفر قبل الإسلام والجاهلية الاخرى جاهلية الفسوق بعد الإسلام- قال الشعبي هى ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وقال ابو العالية هى زمن داود وسليمان عليهما السلام كانت المرأة تلبس قميصها من الدر غير مخيط للجانبين فيرى خلقها فيه وقال الكلبي كان ذلك فى زمن نمرود الجبار كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشى وسط الطريق ليس عليها شىء غيره وتعرض نفسها على الرجال وروى عكرمة عن ابن عباس الجاهلية الاولى فيما بين نوح وإدريس وكان الف سنة وكان سبطين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والاخر يسكن الجبل وكان رجال الجبل صباحا وفى النساء دمامة «بالفتح: القصر والقبح- نهايه رح» وكان النساء السهل صباحا وفى الرجال دمامة وان إبليس اتى رجلا من اهل السهل واجر نفسه منه فكان يخدمه واتخذ شيئا مثل الذي يدمو الرعاء فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يسمعون اليه واتخذوا عيدا يجتمعون اليه فتبرج النساء للرجال وتزين الرجال لهن وان رجلا من اهل الجبل هجم عليهم فى عيدهم ذلك فراى الرجال والنساء وصباحتهن فاتى أصحابه فاخبرهم بذلك فتحولوا إليهم فنزلوا معهم فظهرت الفاحشة فيهن فذلك قوله تعالى وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وقد تذكر الاولى وان لم يكن لها اخرى كقوله تعالى أَهْلَكَ عاداً الْأُولى ولم يكن لها اخرى او المعنى الجاهلية التي كانت قبل زمانكم وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى كل ما امرتنّ به ونهيتنّ عنه فان ذلك هو التقوى الذي هو شرط افضليتكن على سائر نساء العالمين إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ كلام مستأنف يعم حكمه نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من أولاده صلى الله عليه وسلم ولقصد التعميم أورد ضمير المذكر وقد أورد الله سبحانه هذا الكلام فى مقام التعليل لما سبق يعنى انما يريد الله سبحانه فيما امركن به ونهاكن عنه لاذهاب الرجس يعنى عمل الشيطان من الإثم والقبائح الشرعية والطبعية الذي ليس فيه مرضاة الله تعالى عنكن وعن غيركن من اهل البيت أَهْلَ الْبَيْتِ بيت النبي صلى الله عليه وسلم منصوب على النداء او المدح قال عكرمة ومقاتل أراد باهل البيت نساء النبي صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن لانهنّ فى بيته وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس وتلا قوله تعالى

وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ- رواه ابن ابى حاتم وروى ابن جرير عن عكرمة نحوه وهم استدلوا بسياق الاية وسباقها لكن القول بتخصيص الحكم يهن يأباه ضمير المذكرين وذهب ابو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة وغيرهما الى انهم على وفاطمة والحسن والحسين رضى الله عنهم لحديث عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مرط «يعنى عليه صورة الرجل- منه رح» يعنى عليه صورة الرجل- منه رح مرحل من شعر اسود فجاء الحسن ابن على فادخله ثم جاء الحسين بن على فدخل معه ثم جاءت فاطمة فادخلها ثم جاء على فادخله ثم قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً- رواه مسلم وحديث سعد بن ابى وقّاص قال لمّا نزلت هذه الاية نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهمّ هؤلاء اهل بيتي رواه مسلم وحديث واثلة بن الأسقع انه صلى الله عليه وسلم تلا هذه الاية إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ الاية وقال لعلى وفاطمة وابنيهما اللهم هؤلاء اهل بيتي وخاصتى فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا- واخرج الترمذي وغيره عن عمر بن ابى سلمة وابن جرير وغيره عن أم سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا لما نزلت هذه الاية إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ فحللهم بكساء فقال اللهم هؤلاء اهل بيتي فاذهب عنهم وطهرهم تطهيرا- وهذه الأحاديث ونحوها لا تدل على تخصيص الحكم بهؤلاء الاربعة رضى الله عنهم ويأباه ما قبل الاية وما بعدها ويأباه العرف واللغة لان الأصل فى استعمال اهل البيت لغة النساء واما الأولاد وغيرهم فانها يطلق عليهم تبعا لان لهم بيوتا متغائرة غالبا وقد قال الله تعالى حكاية عن قول الملائكة لسارة امرأة ابراهيم عليه السلام أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ والحق ما ذكرنا ان الاية يعم جميع اهل البيت وان كان سوق الكلام للنساء عن أم سلمة رضى الله عنها قالت فى بيتي أنزلت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ قالت فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى فاطمة وعلى والحسن والحسين فقال هؤلاء اهل بيتي فقلت يا رسول الله اما انا من اهل البيت قال بلى ان شاء الله- رواه البغوي وغيره هذا الحديث يدل على ان اهل البيت يعم

كلهم وكلمة ان شاء الله للتبرك وقال زيد بن أرقم اهل بيته من حرم عليه الصدقة ال على وال عقيل وال جعفر وال عباس وال الحارث بن عبد المطلب وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) من نجاسة الآثام بالحفظ فى الدنيا والمغفرة فى الاخرة- بين الله سبحانه انه انما نهاهن وامرهن ووعظهن لئلا يقارف اهل بيت رسوله المأثم وليتصفوا بالتقوى- استعار للذنوب الرجس وللتقوى الطهارة لان عرض المقترف بالمعاصي ملوث كما يتلوث بدنه بالنجاسة والمتقى نقى كالثوب الطاهر النقي- ولكمال المناسبة بين الآثام والارجاس قال ابو حنيفة يتنجس الماء المستعمل للقربة او لرفع الحدث ولما ثبت انه صلى الله عليه وسلم قال من توضأ فاحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره متفق عليه من حديث عثمان وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ العبد المسلم او المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء الحديث- رواه مسلم احتجت الروافض بهذه الاية على ان عليّا وفاطمة والحسن والحسين معصومون وهم الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرهم وعلى ان إجماعهم ومن دونهم من الائمة حجة قالوا إذا أراد الله تطهيرهم فهم معصومون لان مراد الله تعالى لا ينفك عن الارادة والأثيم غير طاهر والعصمة شرط للامامة وابو بكر وعمر وعثمان غير معصومين بالإجماع فهم الائمة لا غيرهم. وهذا الاستدلال باطل بوجوه الاول ان الاية غير مختص حكمها بعلى وفاطمة وابنيهما كما ذكرت بل هى نازلة فى أمهات المؤمنين لكن هؤلاء الكرام داخلون فى حكمهن والثاني ان الاية لا تدل على العصمة وقد ورد مثل ذلك فى اية الوضوء لجميع الامة حيث قال ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لا يقال مقتضى اية الوضوء ان الله يريد ان يطهر أبدانكم من الأنجاس والأحداث ان توضأتو ومقتضى هذه الاية يريد الله ان يطهركم من الآثام فاين هذا من ذلك لانا نقول انها من واد واحد فان الله كما يريد ان يطهر أبدان المؤمنين إذا توضؤا واستعملوا الماء فى مواضعه كذلك يريد ان يطهر اهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من الآثام ان اتقوا ولذلك بين لهم طريقة استعمال الماء لطهارة

[سورة الأحزاب (33) : آية 34]

الظاهر وبين لهم التقوى بقوله فَلا تَخْضَعْنَ لطهارة الباطن فكما ان طهارة ظاهر البدن يتوقف على اختيار العبد فى استعمال الماء كذلك الطهارة من الآثام يتوقف على اختياره التقوى والله اعلم والثالث ان العصمة ليست بشرط الامامة بل يجوز ان يكون الامام غير معصوم مع وجود المعصوم فيهم الم تر ان الله تعالى جعل الملك والامامة لطالوت مع وجود النبي المعصوم فيهم وهو اشموئيل وداود عليهما السّلام إذ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ انّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً الى قوله تعالى وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ والله اعلم.. وَاذْكُرْنَ عطف على اطعن الله ورسوله وما بينهما اعتراض للتعليل ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ يعنى القران وَالْحِكْمَةِ يعنى الوحى الغير المتلو وهو السنة وقال مقاتل يعنى احكام القران ومواعظه وقال البيضاوي يعنى اذكرن الكتاب الجامع بين الامرين وهو تذكير لما أنعم الله عليهن حيث جعلهن اهل بيت النبوة ومهبط الوحى وما شاهدن من برحاء الوحى مما يوجب قوة الايمان والحرص على الطاعة حثا على الايتمار والانتهاء فيما كلفن به إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً بكم يعظكم ويعلمكم ما يصلح فى الدين خَبِيراً (34) بكل شىء يعلم من يصلح لنبوته ومن يصلح ان يكون اهل بيته وفى صحبته قال الله تعالى الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ والله اعلم ذكر البغوي ان ازواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن يا رسول الله ذكر الله الرجال فى القران ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به انا نخاف ان لا يقبل منا طاعة الله فانزل الله تعالى. إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ الاية وروى الطبراني وابن مردوية عن ابن عباس نحوه واخرج ابن سعد عن قتادة نحوه واخرج الطبراني بسند لا بأس به عن ابن عباس قال قال النساء يا رسول الله ما باله يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات فنزلت ورواه ابن جرير من حديث قتادة مرسلا واخرج الترمذي وحسنه عن أم عمارة الانصارية انها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ما ارى كل شىء الا للرجال وما نرى النساء يذكرن بشئ فنزلت وذكر البغوي انه قال مقاتل قالت أم سلمة بنت ابى امية وأنيسة بنت الكعب الانصارية للنبى صلى الله عليه وسلم ما بال ربنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء فى شىء من كتابه نخشى ان لا يكون فيهن خيرا فنزلت هذه الاية وروى ان اسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها

جعفر بن ابى طالب فدخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت هل نزل فينا شىء من القران قلن لا فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان النساء فى خيبة وخسارة قال ومم ذلك قالت انهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال فانزل الله تعالى هذه الاية إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ اى المنقادين لحكم الله ورسوله المفوضين أمورهم الى الله المتوكلين عليه من الرجال والنساء وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ المصدقين بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أمن الناس من يوابقهم من الرجال والنساء وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ المداومين على الطاعة من الفريقين وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ فى القول والعمل اعنى عاملين أعمالا يصدق من يثنى عليها وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ فى المصائب وعلى الطاعات وعن المعاصي واتباع الشهوات وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ المتواضعين غير متكبرين من الرجال والنساء وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ مما رزقهم الله ابتغاء مرضاة الله وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ فرضا ونفلا وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ فروجهن عما لا يحل وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ الله تعالى بقلوبهم وألسنتهم «1» . قال البغوي قال مجاهد لا يكون العبد من الذّاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا يعنى لا يفتر ذكرهم فى حين من الأحيان- قلت وذلك لا يتصور الا بعد فناء القلب واستغراق القلب فى الذكر وحصول الحضور الدائم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات- رواه مسلم من حديث ابى هريرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من شىء أنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد فى

_ (1) عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رجلا ساله فقال اىّ المجاهدين أعظم اجرا فقال أكثرهم لله ذكرا قال فاىّ الصائمين أعظم اجزا قال أكثرهم لله ذكرا ثم ذكر الصلاة والزكوة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أكثرهم لله ذكرا فقال ابو بكر لعمر يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل 12 منه نور الله مرقده-[.....]

سبيل قال ولا الجهاد فى سبيل الله الا ان يضرب بسيفه حتى ينقطع رواه البيهقي فى الدعوات الكبير من حديث عبد الله بن عمرو عن ابى سعيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل اى العباد أفضل وارفع درجة عند الله يوم القيامة قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات قيل يا رسول الله ومن الغازي فى سبيل الله قال لو ضرب بسيفه فى الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما فان الذاكر لله أفضل منه درجة رواه احمد والترمذي وقال هذا حديث غريب وعن مالك قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ذاكر الله فى الغافلين كالمقاتل خلف الفارّين وذاكر الله فى الغافلين كغصن شجر اخضر فى شجر يابس وذاكر الله فى الغافلين مثل مصباح فى بيت مظلم وذاكر الله فى الغافلين يريه الله مقعده من الجنة وهو حىّ وذاكر الله فى الغافلين يغفر له بعدد كل فصيح وأعجم والفصيح بنوا آدم والأعجم بهائم- رواه رزين- قال البغوي قال عطاء بن ابى رباح من فرض امره الى الله فهو داخل فى قوله إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ومن أقر بأن الله ربه ومحمدا رسوله ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل فى قوله وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ومن أطاع الله فى الفرائض والرسول فى السنة فهو داخل فى قوله وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل فى قوله وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ ومن صبر على الطاعة وخاف من المعصية وصبر على الرزية فهو داخل فى قوله وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ ومن صلى ولم يعرف من عن يمينه وعن يساره فهو داخل فى قوله الْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ ومن تصدق فى كل أسبوع بدرهم فهو داخل فى قوله وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ ومن صام فى كل شهر ايام البيض (الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر) فهو داخل فى قوله وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ ومن حفظ فرجه عمالا يحل له فهو داخل فى قوله وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ ومن صلى الصلوات الخمس فهو داخل فى قوله وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ- قال البيضاوي عطف الإناث على الذكور ضرورى لاختلاف الجنسين وعطف الزوجين على الزوجين لتغائر الوصفين ليس بضرورى ولذلك ترك فى قوله تعالى مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ إلخ وفائدته الدلالة على ان الاعداد والموعود لهم للجمع بين هذه الصفات

[سورة الأحزاب (33) : آية 36]

أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً لما صدر منهم من الذنوب وَأَجْراً عَظِيماً (35) على طاعتهم والله اعلم- اخرج الطبراني بسند صحيح عن قتادة قال خطب النبىّ صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وهو يريد لزيد بن الحارثة فظنت انه يريدها لنفسه فلمّا علمت انه يريدها لزيد أبت فانزل الله تعالى. وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ الاية فرضيت وسلمت قال البغوي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى زيدا فى الجاهلية بعكاظ فاعتقه وتبناه فلمّا خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيت وظنت انه يخطبها لنفسه فلما علمت انه يخطبها لزيد أبت وكرهت وكذلك أخوها عبد الله بن جحش كره ذلك (وكانت أم زينب وأخيها اميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم) واخرج ابن جرير من طريق عكرمة ومثله من طريق العوفى عن ابن عباس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة فاستنكفت منه وقالت انا خير منه حسبا فانزل الله تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ يعنى عبد الله بن جحش وَلا مُؤْمِنَةٍ يعنى زينب بنت جحش يعنى لا يجوز لاحد إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً يعنى امر امرا على وجه التختم أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ يعنى ان يختاروا من أمرهم ما شاء وابل يجب عليهم ما أمرهم الله به وان يجعلوا اختيارهم تبعا لاختيار الله ورسوله- وجمع الضمير الاول لعموم مؤمن ومؤمنة لوقوعهما نكرتين فى حيز النفي وجمع الثاني للتعظيم قرأ الكوفيون وهشام يكون بالياء التحتانية لاجل الفصل بين الفعل وفاعله والباقون بالتاء الفوقانية لاجل التأنيث والخيرة والخيار بمعنى واحد وهذه الاية دليل على ان مطلق الأمر للوجوب ويستفاد من هاهنا ان العالم ومن له فضل من حيث الدين كفؤ للعلوى وغيره من الشرفاء- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن زيد قال نزلت الاية فى أم كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط وكانت أول من هاجرت من النساء فوهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم فزوّجها زيد بن حارثة فسخطت هى وأخوها وقالا انما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوّجنا غيره فنزلت وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36)

[سورة الأحزاب (33) : آية 37]

بين الانحراف عن الصواب فان كان عصيان ردّ وانكار فهو ضلال كفرون كان عصيان فعل مع قبول الأمر واعتقاد الوجوب فضلال فسق جملة فقد ضلّ تعليل لجزاء الشرط المحذوف تقديره يهلك فقد ضلّ. قال البغوي فلما نزلت هذه الاية وسمعت زينب بنت جحش وأخوها رضيا بذلك وسلما وجعلت أمرها بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أخوها فانكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فدخل بها وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها عشرة دنانير وستين درهما وخمارا ودرعا وإزارا وملحفة وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر ومكثت عنده حينا ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى ذات يوم لحاجة فابصر زينب قائمة فى درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش فوقعت فى نفسه وأعجبه حسنها فقال سبحان الله مقلب القلوب فانصرف فلمّا جاء زيد ذكرت له ذلك ففطن زيد فالقى فى نفسه كراهتها فى الوقت واتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى أريد ان أفارق صاحبتى فقال مالك ارايت منها شيئا قال لا والله يا رسول الله ما رايت منها إلا خيرا ولكنّها تتعظّم علىّ لشرفها وتؤذيني بلسانها فقال النبي صلى الله عليه وسلم امسك عليك زوجك واتّق الله فى أمرها كذلك روى ابن جرير عن ابى زيد فانزل الله تعالى. وَاذكر إِذْ تَقُولُ يا محمد الاية واخرج الحاكم عن انس قال جاء زيد بن حارثة يشكو الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش فقال النبي صلى الله عليه وسلم امسك عليك أهلك فنزلت وإذ تقول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ اى هداه للاسلام ورزقه مصاحبتك والقى فى قلبك محبته والرحمة عليه وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالإنفاق والاعتاق وهو زيد بن حارثة رضى الله عنه أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ يعنى زينب بنت جحش وَاتَّقِ اللَّهَ فى أمرها فلا تطلقها فان الطلاق من ابغض المباحات وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ قوله أَمْسِكْ مقولة تقول وجملة تخفى معطوف على قوله تَقُولُ يعنى وكنت تسرّ فى نفسك ما الله مظهره اخرج البخاري عن انس ان هذه الاية نزلت فى شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة قال الحسن أعجبه قول زيد وأخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فى نفسه حياء وكرما

وقيل وقع فى قلبه انه لو فارقها زيد تزوجها وقال ابن عباس حبها وقال قتادة ودّ انه طلقها. وقال البغوي روى سفيان بن عيينة عن على بن زيد بن جدعان قال سالنى على ابن الحسين زين العابدين عليهما السلام ما يقول الحسن فى قوله عزّ وجلّ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ قلت يقول لما جاء زيد الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله انى أريد ان أفارق زينب أعجبه ذلك فقال أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ قال على بن الحسين ليس كذلك كان الله تعالى قد اعلمه انها ستكون من أزواجه وان زيدا سيطلقها فلما جاء زيد وقال انى أريد ان أطلقها قال أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ فعاتبه الله وقال لم قلت امسك عليك زوجك وقد أعلمناك انها ستكون من أزواجك- وهذا هو الاولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لان الله تعالى اعلم ان يبدئ ويظهر ما أخفاه ولم يظهر الله غير تزويجها منه فقال زَوَّجْناكَها فلو كان الذي أضمره رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتها او ارادة طلاقها لكان يظهر ذلك وانما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم استحياء ان يقول لزيد التي تحتك وفى نكاحك ستكون امراتى- قال البغوي وهذا قول مرضى حسن وان كان القول الاخر وهو انه أخفى محبتها او نكاحها لو طلقها زيد لا يقدح فى حال الأنبياء لان العبد غير ملوم على ما يقع فى قلبه فان مثل هذه الأشياء ما لم يقصد لا اثم فيه لان الود وميل النفس من طبع البشر- وقوله أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ امر بالمعروف وهو حسنة لا اثم فيه- قلت بل هو أعظم اجرا فانه امر بالمعروف على خلاف طبعه قال الله تعالى وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- وما قال الحسن يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم حين راى زينب سبحان الله مقلب القلوب فانها تدل على انه تعالى قلّب قلب النبي صلى الله عليه وسلم الى ان يتزوجها بعد ما كان فى قلبه ان يزوجها زيدا وَتَخْشَى النَّاسَ عطف على تخفى يعنى تخاف لائمة الناس ان يقولوا امر رجلا ان يطلق امرأته وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ الجملة حال من فاعل تخشى قال عمرو ابن مسعود وعائشة رضى

الله عنهم ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم اية هى أشد من هذه الاية وروى عن مسروق قال قالت عائشة لو كتم النبي صلى الله عليه وسلم شيئا مما اوحى اليه لكتم وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ- قال البغوي لم يرد الله بهذه الاية انه صلى الله عليه وسلم لم يكن يخشى الله فانه صلى الله عليه وسلم قال انى أخشاكم وأتقاكم- قلت وقد قال الله تعالى فى شأن الأنبياء كلهم يَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ولكنه لما ذكر الخشية من الناس ذكر ان الله أحق بالخشية فى عموم الأحوال وفى جميع الأشياء قلت فمعنى الاية انك تخشى لائمة الناس وتخشى الله أشد خشية من خشية الناس فان الله أحق ان تخشاه فمن أجل خشية الناس والحياء منهم أخفيت ما أضمرت ومن أجل خشية الله أمرت بالمعروف ولم تترك شيئا مما أمرك الله به ولا منافاة بينهما ومعنى قوله تعالى لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ انهم لا يخشون أحدا فيما يفضى خشيتهم ترك امتثال امر الله تعالى واما خشية الناس حياء فيما عدا ذلك فحسن فان الحياء من الايمان متفق عليه مرفوعا من حديث ابن عمر وفى الصحيحين عن عمران بن حصين قوله صلى الله عليه وسلم الحياء خير كله- وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الحياء والايمان قرنا جميعا فاذا رفع أحدهما رفع الاخر- وفى رواية ابن عباس فاذا سلب أحدهما تبعه الاخر- رواه البيهقي فى شعب الايمان وروى مالك عن زيد بن طلحة مرسلا وابن ماجة والبيهقي فى شعب الايمان عن انس وابن عباس انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء والله اعلم- واخرج مسلم واحمد والنسائي وابو يعلى وابن ابى حاتم والطبراني وابن مردوية وذكره البغوي وهذا لفظ البغوي عن انس انه قال لمّا انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد اذهب فاذكرها علىّ فانطلق زيد حتى أتاها وهى تخمّر عجينها قال زيد فلمّا رايتها عظمت فى صدرى حتى ما أستطيع ان انظر إليها حين علمت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهرى ونكصت على عقبى فقلت يا زينب أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكرك قالت ما انا بصانعة حتى او امر ربى فقامت الى مسجدها ونزل القران فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً

[سورة الأحزاب (33) : آية 38]

الاية وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليها بغير اذن فقال لقد رايتنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حتى امتد النهار فخرج الناس وبقي رجلان يتحدثون فى البيت بعد الطعام فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته فجعل يتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويسلمن عليه ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك فقال ما أدرى انا أخبرت ان القوم قد خرجوا او أخبروني فانطلق حتى دخل البيت قال انس فذهبت ادخل معه فالقى السّتر بينى وبينه ونزل الحجاب- قوله تعالى فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها اى من اهله وهى زينب بنت جحش وطرا اى حاجة بحيث ملّها ولم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها قيل قضاء الوطر كناية عن الطلاق زَوَّجْناكَها اى جعلنها زوجتك روى البخاري واحمد والترمذي والحاكم وابن مردوية وعبد بن حميد والبيهقي فى سننه عن انس انه قال كانت زينب تفخر على ازواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول زوجكن اهاليكن وزوجنى الله من فوق سبع سماوات وفى لفظ ان الله تولّى نكاحى وانتنّ زوجكن اولياؤكن قال البغوي قال الشعبي كانت زينب تقول للنبى صلى الله عليه وسلم انى لادل عليك بثلاث ما من نسائك امراة تدل بهن جدى وجدك واحد وانى أنكحنيك الله فى السماء وان السفير لجبرئيل عليه السّلام وعن انس قال ما أولم النبي ما أولم بزينب أولم بشاة وعن انس قال أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ابتنى بزينب بنت جحش فاشبع المسلمين خبزا ولحما لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ اى ضيق بالتحريم فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ جمع دعىّ وهو المتبنى يعنى زوجناك زينب امرأة زيد الذي تبنيته ليعلم ان زوجة المتبنى حلال وان كان قد دخل بها المتبنى بخلاف امراة ابن الصلب فانها لا تحل للاب- وفيه دليل على ان حكم الرسول وحكم الامة واحد ما لم يقم دليل على تخصيص الحكم بالنبي صلى الله عليه وسلم إِذا قَضَوْا اى الأدعياء مِنْهُنَّ اى من أزواجهم وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ اى قضاؤه مَفْعُولًا (27) مكونا لا محالة كما كان تزويج زينب. ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ متعلق بمضمون من حرج لا من لفظه لان معمول المجرور لا يتقدم على الجار

[سورة الأحزاب (33) : آية 39]

مِنْ حَرَجٍ اى ضيق من زائدة وحرج اسم كان فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ اى فيما قسم له وقدر له من عدد النساء من قولهم فرض له فى الديوان ومنه فروض العسكر لارزاقهم وقيل معنا فيما أحل له سُنَّةَ اللَّهِ مصدر لفعل محذوف اى سنّ الله سنّة او منصوب بنزع الخافض اى كسنّة الله او على الإغراء اى التزموا سنة الله فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ من الأنبياء الماضين قال الكلبي أراد داؤد عليه السّلام حيث جمع بينه وبين المرأة التي هواها فكذلك جمع بين محمد صلى الله عليه وسلم وزينب وقيل أشار بالسنّة الى النكاح فانه سنّة الأنبياء وقيل أشار الى كثرة الأزواج مثل داود وسليمان عليه السّلام وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) اى قضاء ماضيا لا محالة. الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ صفة للذين خلوا من قبل او مدح لهم منصوب او مرفوع وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ كما أنت تخشى الله ولا تخشى غيره فيما أمرك الله به ونهاك عنه وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) كافيا للمخاوف او محاسبا فينبغى ان لا يخشى الا منه. اخرج الترمذي عن عائشة انها قالت لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب قال الناس تزوج حليلة ابنه فانزل الله تعالى. ما كانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ يعنى ليس محمد صلى الله عليه وسلم أبا لزيد ابن حارثة فيحرم عليه نكاح زوجته- فان قيل كان له أبناء القاسم والطيب والطاهر وابراهيم وكذلك الحسن والحسين فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للحسن ان ابني هذا سيد قلنا ان أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم ماتوا صغارا لم يبلغوا مبلغ الرجال واطلاق الابن على الحسنين عليهما السلام على التجوز وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وكل رسول اب لامته لكن لا من حيث النسب حتى يحرم عليه ما يحرم بالنسب بل من حيث الشفقة والنصيحة وَخاتَمَ قرأ عاصم بفتح التاء على الاسم بمعنى الاخر والباقون بكسر التاء على وزن فاعل يعنى الذي ختم النَّبِيِّينَ حتى لا يكون بعده نبى قال ابن عباس يريد الله سبحانه انه لو لم يكن اختم به النبيين لجعلت ابنه بعده نبيّا وروى عطاء عن ابن عباس ان الله تعالى

[سورة الأحزاب (33) : آية 41]

لما حكم ان لا نبى بعده لم يعطه ولدا ذكرا يعنى رجلا- اخرج ابن ماجة من حديث ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم قال فى ابراهيم حين توفى لو غاش لكان نبيّا- ولا يقدح فيه نزول عيسى بعده لانه إذا ينزل يكون على شريعته مع ان عيسى عليه السّلام صار نبيّا قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقد ختم الله سبحانه الاستنباء بمحمد صلى الله عليه وسلم وبقاء نبى سابق لا ينافى ختم النبوة وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) فيعلم من يليق به ختم النبوة وكيف ينبغى شأنه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلى ومثل الأنبياء كمثل قصر احسن بنيانه وترك منه موضع لبنة فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنيانه الا موضع تلك اللبنة فكنت انا سددتّ موضع اللبنة ختم بي البنيان وختم بي الرسل- وفى رواية فانا اللبنة وانا خاتم النبيين- متفق عليه وعن جبير بن مطعم رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان لى اسماء انا محمد وانا احمد وانا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وانا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمى وانا العاقب الذي ليس بعده نبى متفق عليه وعن ابى موسى الأشعري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى لنا نفسه اسماء فقال انا محمد واحمد والمقفى والحاشر ونبى التوبة ونبى الرحمة- رواه مسلم-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) قال ابن عباس لم يفرض الله على عباده فريضة الا جعل لها حدّا معلوما ثم عذّر أهلها فى حال العذر غير الذكر فانه لم يجعل له حدّا ينتهى اليه ولم يعذر أحدا فى تركه الا مغلوبا على عقله فامر به فى الأحوال كلها فقال فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ وقال اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً بالليل والنهار فى البر والبحر والصحة والسقم فى السر والعلانية- وقال مجاهد الذكر الكثير ان لا ينساه ابدا قلت وهذا لا يتصور الا بعد فناء القاب ودوام الحضور. وَسَبِّحُوهُ اى صلوا له بُكْرَةً يعنى صلوة الصبح وَأَصِيلًا (42) قال الكلبي يعنى صلوة الظهر والعصر والعشاءين وقال مجاهد يعنى قولوا سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العلىّ العظيم فعبر بالتسبيح عن أخواته وقيل المراد بالذكر الكثير هذه

[سورة الأحزاب (33) : آية 43]

الكلمات يقولها الطاهر والمحدث والجنب- قلت امر الله سبحانه اولا بتعميم الذكر ابدا بحيث لا ينساه ثم خصه باوقات مخصوصة فالمراد بالأول هو الذكر الخفي والحضور الدائم وبالثاني الذكر الجلى والعبادات الراتبة من الفرائض والسنن- وقيل خص اوّل النهار وآخره بالذكر لان ملائكة الليل والنهار يجتمعون فيها- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون فى صلوة الفجر وصلوة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسئلهم ربهم (وهو اعلم بهم) كيف تركتم عبادى فيقولون تركناهم وهم يصلون واتيناهم وهم يصلون- متفق عليه وقيل بُكْرَةً وَأَصِيلًا معمولان للفعلين على سبيل التنازع والفعلان كلاهما متوجهان إليهما يعنى اذكروه بكرة وأصيلا وسبّحوه بكرة وأصيلا يعنى أدوا الصلوات وسائر العبادات ذاكرا لله حاضرين غير غافلين عن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الله عزّ وجلّ مقبلا على العبد وهو فى صلاته ما لم يلتفت وإذا التفت انصرف عنه رواه احمد وابو داود والنسائي والدارمي- قال البغوي قال انس لما نزلت إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال ابو بكر ما خصك الله بشرف الا وقد أشركنا فيه فانزل الله تعالى. هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ واخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه قال البغوي الصلاة من الله رحمة ومن الملئكة استغفار وقيل الصلاة من الله على العبد اشاعة الذكر الجميل له فى العباد وقيل الثناء عليه- وفى القاموس الصلاة الدّعاء والرحمة والاستغفار وحسن الثناء من الله تعالى على رسوله وعبادة فيها ركوع وسجود- وهذه العبارة تقتضى كونها لفظا مشتركا فمن أجاز استعمال اللفظ المشترك فى الأكثر من معنى واحد أجاز ان يكون معناه ان الله يرحم عليكم وملائكته يستغفرونه لكم- واما عند الجمهور فلا يجوز عموم المشترك فيقال المراد بالصلوة هاهنا المعنى المجازى المشترك بين المعنيين الحقيقيين وهو العناية لصلاح أمركم وظهور شرفكم ويسمى عموم المجاز- وقال كثير من اهل اللغة الصلاة هو الدعاء يقال صليت عليه اى دعوت له قال عليه السّلام إذا دعى أحدكم الى طعام فليجب وان كان صائما فليصل اى ليدع لاهله وقال الله تعالى صَلِّ

[سورة الأحزاب (33) : آية 44]

عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وانما سميت الأركان المخصوصة صلوة لاشتمالها على الدعاء وهو قوله اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ تسمية الكل باسم الجزء والصلاة من الله تعالى على عباده ان يطلب من نفسه لاجل عباده الرحمة والمغفرة ويناسب الطلب من نفسه الإيجاب من نفسه على نفسه المستفاد من قوله تعالى كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فان الإيجاب والطلب بمعنى واحد فان الطلب حتما هو الإيجاب والمراد بالإيجاب الالتزام تفضلا وإذا أريد بالصلوة هاهنا الدعاء لا يلزم عموم المشترك- قال البغوي قال النبي صلى الله عليه وسلم قالت بنوا إسرائيل لموسى أيصلي ربنا فكبر هذا الكلام على موسى فاوحى الله اليه ان قل لهم انى أصلي وان صلاتى رحمتى وسعت كل شىء لِيُخْرِجَكُمْ يعنى انه برحمته ودعاء الملائكة يديم إخراجكم مِنَ الظُّلُماتِ اى ظلمات الكفر والمعاصي إِلَى النُّورِ اى نور الايمان والطاعة ويمكن ان يقال ليخرجكم ساعة بعد ساعة ابدا من ظلمات البعد الى نور القرب ومن استوى يوماه فهو مغبون وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) حيث اعتنى بصلاح أمرهم وإعلاء قدرهم واستعمل فى دعائهم الملائكة المقربين الجملة معطوفة على الصلة اى الّذى يصلّى عليكم والذي كان بالمؤمنين رحيما. تَحِيَّتُهُمْ اى تحية المؤمنين منه تعالى أضيف الصدر الى المفعول اى يجبون منه تعالى يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ يعنى يوم لقائهم إياه سبحانه يعنى عند الموت او الخروج من القنبر او دخول الجنة او عند رؤية الله سبحانه سَلامٌ اى يسلم الله عليهم تحية ويسلمهم الله من جميع المكاره قال البغوي روى عن البراء بن عازب قال تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ يعنى يوم يلقون ملك الموت سلام اى لا يقبض روح مسلم الأسلم عليه- وعن ابن مسعود قال إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال ربك يقرأك السلام وقيل يسلم عليهم الملائكة ويبشرهم حين اخرجوا من قبورهم وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) يعنى الجنة ورؤية الله ورضوانه. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً على أمتك اخرج ابن المبارك عن سعيد ابن المسيب قال ليس من يوم الا ويعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم ولذلك يشهد عليهم او شاهدا لامتك مصدقا لهم حين يشهدون للرسل على الأمم

[سورة الأحزاب (33) : آية 46]

بالتبليغ اخرج البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلّغت فيقول نعم فيدعى أمته فيقال لهم هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير ما أتانا أحد فيقال من يشهد لك فيقول محمد وأمته الحديث- وفى الباب أحاديث كثيرة فهو حال مقدرة كقولك مررت برجل معه صقر صائدا به غدا وَمُبَشِّراً بالجنة من أمن بالرسل وَنَذِيراً (45) بالنار لمن كذب الرسل. وَداعِياً إِلَى اللَّهِ اى الى توحيده وطاعته او الى جنته او لقائه الغير المتكيفة بِإِذْنِهِ اى بامره وتيسيره قيد به الدعوة إيذانا بانه امر صعب لا يتاتى الا بمعونة من جناب قدسه خصوصا الدعوة الى لقائه فان إيصال العبد اليه تعالى امر لا يمكن الا بفضله قال الله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ... إِلى «1» صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- عن ربيعة الجرشى قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له لتنم عيناك ولتسمع اذنك ولتعقل قلبك قال فنامت عينى وسمعت إذ ناى وعقل قلبى قال فقيل لى سيد بنى دارا وصنع مأدبة وأرسل داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد قال فالله السيد ومحمد الداعي والدار الإسلام والمأدبة الجنة- رواه الدارمي وَسِراجاً مُنِيراً (46) سماه سراجا لانه يستضاء به ويهتدى به كالسراج يستضاء به ويهتدى به فى ظلمة الليل يعنى انه صلى الله عليه وسلم كان بلسانه داعيا الى الله وبقلبه وقالبه كان مثل السراج يتلون المؤمنون بألوانه ويتنورون بانواره كالعالم يتنور بنور الشمس والبيت بالسراج- ولاجل ذلك اختصت الصحابة رضى الله عنهم بمزيد الفضل على الناس فان علومه التي تلقتها الامة من لسانه لم يتفاوت فيه الناس من الصحابة وغيرهم بل رب مبلغ اوعى من سامع- واما التنوّر بانواره فانه وان كان حاصلا للناس بتوسط أصحابه واصحاب أصحابه الى يوم القيامة لكن ليس النائب فيه كالشاهد بل مثله كمثل بيت تنوّر بنور الساحة

_ (1) هكذا فى الأصل وفى القران بعد مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ جمع المؤلف قدس سرّه جملتين من مقامين- ابو محمد عفا الله عنه

[سورة الأحزاب (33) : آية 47]

التي تنوّرت بنور الشمس لاجل مقابلتها واين هذا من ذلك والله اعلم- عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التورية قال أجل والله انه لموصوف فى التورية ببعض صفته فى القران يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزا للاميين أنت عبدى ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب فى الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بان يقولوا لا اله الا الله ويفتح به أعينا عمياء واذنا صماء وقلوبا غلقاء- رواه البخاري وكذا الدارمي عن عطاء بن سلام نحوه والله اعلم- اخرج البيهقي فى دلائل النبوة عن الربيع بن انس انه قال لما نزلت ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ثم نزل بعدها لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ قال رجال من المؤمنين هنيئا لك يا رسول الله قد علمنا ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت. وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) وكذا اخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن وقال انس الفضل الكبير الجنة والجملة معطوفة على انّا أرسلناك. وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ فيما يخالف شريعتك تحريض له على ما هو عليه من مخالفتهم وَدَعْ أَذاهُمْ قال ابن عباس وقتادة يعنى اصبر على إيذائهم إياك فالمصدر مضاف الى الفاعل والمعنى اجعل إيذاءهم إياك فى جانب ولا تبال به ولا تخف منه وقال الزجاج يعنى لا تجادلهم ولا تتصد على اذاهم يعنى لا تؤذهم فالمصدر مضاف الى المفعول وعلى هذا قيل انه منسوخ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فانه يكفيك وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) يعنى إذا جعلت الله موكولا اليه أمورك فهو يكفيك لا يدع حاجة لك الى غيره قال البيضاوي وصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بخمس صفات وقابل كلّا منها بخطاب يناسبه فحذف مقابل الشاهد وهو الأمر بالمراقبة لان ما بعده كالتفصيل له وقابل المبشر بالأمر ببشارة المؤمنين والنذير بالنهى عن مراقبة الكفار والمبالاة بأذاهم والداعي الى الله بتيسيره بالأمر بالتوكل عليه والسراج المنير بالاكتفاء به فانه من إنارة برهانا على جميع خلقه كان حقيقا ان يكتفى به عن غيره.

[سورة الأحزاب (33) : آية 49]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ خص المؤمنات بالذكر مع ان نكاح المؤمنين بالكتابيات ايضا جائز وحكمهن فى الطلاق قبل الدخول مثل حكم المؤمنات ايماء الى ان اللائق بالمؤمنين ان ينكح المؤمنة دون الكتابية ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ قال البغوي فيه دليل على ان الطلاق قبل النكاح غير واقع لان الله رتب الطلاق على النكاح حتى لو قال لامراة اجنبية إذا نكحتك فانت طالق او قال كل امرأة انكحها فهى طالق فنكحها لا يقع الطلاق وهو قول على وابن عباس ومعاذ وجابر وعائشة رضى الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وسعيد ابن جبير وعروة والقاسم وطاءوس والحسن وعكرمة وعطاء وسليمان بن يسار ومجاهد والشعبي وقتادة واكثر اهل العلم وبه قال الشافعي وكذا قولهم فى الاعتاق المعلق بالملك- وروى عن ابن مسعود انه يقع الطلاق وهو قول ابراهيم النخعي واصحاب الرأى اعنى أبا حنيفة وأصحابه وقال ربيعة والأوزاعي ومالك ان عين امراة يقع وان عمم امراة لا يقع وروى عن عكرمة عن ابن عباس انه قال كذبوا على ابن مسعود وان كان قالها فزلة من عالم وان قال فى الرجل ان تزوجت فلانة فهى طالق يقول الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن- واستدل البغوي بحديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاطلاق قبل النكاح- قلت أخرجه الحاكم فى المستدرك وصححه وقال انا متعجب من الشيخين كيف اهملاه وهو على شرطهما- وقال احمد ان علق طلاق الاجنبية بالنكاح ينعقد وان علق العتاق بالملك فعن احمد فيه روايتان- وقال مالك ان خص بلدا او قبيلة او صنفا او امرأة وعلق طلاقها بالنكاح ينعقد وان عمم مطلقا لا ينعقد- واحتج ابن الجوزي لمذهب احمد بستة أحاديث- أحدها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس على رجل طلاق فيما لا يملك ولاعتاق فيما لا يملك ولا بيع فيما لا يملك- رواه ابن الجوزي من طريق احمد ورواه اصحاب السنن وقال الترمذي هو احسن شىء روى فى هذا الباب ورواه البزار بلفظ لاطلاق قبل نكاح

ولا عتق قبل ملك- قال البيهقي فى الخلافيات قال البخاري هذا أصح شىء فى الباب- ثانيها حديث عمرو بن شعيب عن طاؤس عن معاذ بن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجوز طلاق ولا عتاق ولا بيع ولا وفاء نذر فيما لا يملك- رواه الدار قطنى وروى الدار قطنى من طريق اخر عن ابراهيم ابى إسحاق الضرير عن يزيد بن عياض عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق الا بعد نكاح وان سميت المرأة بعينها قال الحافظ ابن حجر منقطع ويزيد بن عياض متروك وذكر الذهبي فى استيعاب اسماء الرجال قال مالك يزيد بن عياض كذاب وقال يحيى بن معين ضعيف ليس بشئ وقال احمد بن صالح كان يضع للناس يعنى الحديث وقال البخاري ومسلم منكر الحديث وقال ابو داود ترك حديثه وقال النسائي متروك وقال فى موضع اخر كذاب- ثالثها ما رواه الدار قطنى قال حدثنا بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد ابن معدان عن ابى ثعلبة الخشني قال قال لى عم لى اعمل بي عملا حتى أزوجك لبنتى فقلت ان تزوجتها فهى طالق ثلاثا ثم بد الى ان أتزوجها فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسالته فقال لى تزوجها فانه لاطلاق الا بعد نكاح فتزوجتها فولدت لى اسعد وسعيدا- قال الذهبي فى الميزان قال النسائي وغيره بقية بن الوليد إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة قال غير واحد كان مدلسا فاذا قال عن فليس بحجة وثور بن يزيد ثقة صحيح الحديث مشهور بالقدر وهذا رواية بقية بلفظ عن وطعن ابن همام على هذا وقال فيه على بن قرين كذبه احمد قلت ما رواه ابن الجوزي ليس من طريق الدار قطنى وليس فيه على بن قرين والله اعلم. رابعها حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل عن رجل انه قال يوم أتزوج فلانة فهى طالق قال طلق ما لا يملك- رواه الدار قطنى وفيه ابو خالد الواسطي وهو عمرو بن خالد قال الذهبي ضعفه ابو حاتم وقال ابن همام قال احمد وابن معين كذاب ورواه ابن عدى عن نافع عنه بلفظ لا طلاق الا بعد نكاح قال ابن حجر اسناده ثقات. خامسها حديث طاؤس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

لا نذر الا فيما اطيع الله فيه ولا يمين فى قطعة رحم ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك رواه الدار قطنى ورواه الحاكم من طريق اخر وفيه من لا يعرف كذا قال ابن حجر وروى الحاكم عن ابن عباس ما قالها ابن مسعود وان كان قالها فزلة من عالم فى الرجل يقول ان تزوجت فلانة فهى طالق وقد قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن- وقيل لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لا طلاق قبل نكاح وأصح شىء فيه حديث المنكدر عن طاؤس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. سادسها حديث عائشة قالت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان ابن حرب على نجران اليمن فكان فيما عهد اليه ان لا يطلق الرجل ما لا يتزوج ولا يعتق ما لا يملك- قال ابن حجر قال ابن ابى حاتم فى العلل حديث منكر ورواه الحاكم من طريق الحجاج ابن منهال عن هشام الدستوائى عن عروة عن عائشة مرفوعا قال ابن الجوزي وقد روى نحو هذا من حديث على وجابر ولكنها طرق مجتنبة بمرة- قلت اما حديث على فرواه ابن ماجة عنه يرفعه لا طلاق قبل النكاح وفيه جويبر وهو ضعيف واما حديث جابر فقد ذكرنا من قبل وفى الباب حديث المسور بن مخرمة انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل الملك- وجه قول ابى حنيفة ان المعلق بالشرط ليس بطلاق فان التعليق بالشرط مانع من ان يكون السبب سببا دون الحكم فقوله ان دخلت الدار فانت طالق وكذا قوله ان نكحتك فانت طالق يمين مانع من دخول الدار ومن النكاح الذين هما شرطان لوجود الطلاق فهو مانع من الطلاق فلا يصلح ان يكون سببا موجبا للطلاق لتمانع الوصفين اعنى كونه مانعا وكونه سببا لكن له عرضة ان يصير طلاقا عند الحنث وهو وجود الشرط وإذا لم يكن طلاقا فلا يجوز الاحتجاج بالآية والأحاديث الناطقة بنفي الطلاق قبل النكاح واما حديث ابن عمر وحديث ابى ثعلبة الخشني فلا يصح شىء منهما وقد ذكرنا وجه القدح فيهما فان قيل إذا لم يكن المعلق بالشرط طلاقا فما وجه الفرق بين قوله للاجنبية ان دخلت الدار فانت طالق وان نكحتك فانت طالق حيث ينعقد الثاني دون الاول قلنا وجه الفرق ان اليمين ما يكون مانعا من الفعل اما بخوف الإثم كما فى اليمين بالله تعالى

واما بخوف الوقوع فيما لا يريد من الطلاق او العتاق او نحو ذلك ولا شك ان تعليق الطلاق والعتاق بالملك يصلح مانعا من التملك بخلاف تعليق الطلاق والعتاق للاجنبية بدخول الدار حيث لا يصلح ان يكون مانعا لها من دخول الدار فلا يصلح ان يكون يمينا كما لا يصلح ان يكون طلاقا فيلغو- قال ابن همام ومذهبنا مروى عن عمرو ابن مسعود وابن عمرو اخرج ابن ابى شيبة فى مصنفه عن سالم والقاسم ابن محمد وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي والزهري والأسود وابى بكر بن عبد الرحمان ومكحول الشامي فى رجل قال ان تزوجت فلانة فهى طالق او لو أتزوجها فهى طالق او كل امرأة أتزوجها فهى طالق قالوا هو كما قال وفى لفظ يجوز عليه ذلك وقد نقل مذهبنا ايضا عن سعيد بن المسيب وعطاء وحماد بن ابى سليمان وشريح رحمهم الله وقال الشافعي المعلق بالشرط تطليق والتعليق ليس مانعا من سببية السبب بل هو مانع من الحكم كالبيع بشرط الخيار وحديث ابى ثعلبة الخشني نص فيه مفسر وقد ذكره ابن الجوزي بسنده ولم يتعرض بالطعن عليه وهو غير متهم فى اظهار الحق وقوله صلى الله عليه وسلم لا طلاق قبل النكاح وما فى معناه الظاهر انه منع او نفى لتعليق الطلاق بالنكاح واما تنجيز الطلاق قبل النكاح فلا يتصور من عاقل وبطلانه ظاهر فلا يحمل عليه كلام الحكيم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فانه حينئذ فى قوة قول من يقول لا يجب الصلاة على من لم يولد بعد- مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ اى تجامعوهن فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ ايام يتربصن فيها تَعْتَدُّونَها تستوفون عددها هذا حكم اجمع عليه الامة وفى قوله تعالى فما لكم دلالة على ان العدة حق الرجال لانها لصيانة الماء وعدم وقوع الشك فى النسب والنسب الى الرجال- ومن هاهنا قال ابو حنيفة انه إذا طلق ذمى ذمية وكان معتقدهم انه لا عدة فلا عدة عليها واما إذا كان معتقدهم وجوب العدة يجب عليها العدة والحربية إذا خرجت إلينا مسلمة فلا عدة عليها وان تزوجت على الفور جاز نكاحها لان الحربي يلحق بالجمادات حتى كان محلا للتملك فلا حق له الا ان تكون حاملا لان فى بطنها ولد ثابت النسب- وعن ابى حنيفة انه يجوز النكاح ولا يطاها كالحبلى من الزنى والاول أصح فَمَتِّعُوهُنَّ اى أعطوهن

[سورة الأحزاب (33) : آية 50]

ما يستمتعن به قال ابن عباس هذا إذا لم يسم لها صداقا فلها المتعة فان كان قد فرض لها صداق فلها نصف الصداق ولا متعة لها فالاية على قول ابن عباس مخصوصة وقال قتادة هذه الاية منسوخة بقوله تعالى فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ومرجع القولين واحد يعنى لا متعة وجوبا ولا استحبابا لمن طلّقت قبل المسيس وقد سمى لها مهرا- وقيل هذا امر ندب فالمتعة لها مستحب مع نصف المهر وروى عن الحسن وسعيد بن جبير ان المتعة لها واجب بهذه الاية ونصف المسمّى بما فى البقرة وقد ذكرنا الخلاف فى وجوب المتعة واستحبابها ومقدارها فى سورة البقرة فلا نعيده وَسَرِّحُوهُنَّ اى اخرجوهن من بيوتكم وخلوا سبيلهن إذ ليس لكم عليهن من عدة سَراحاً جَمِيلًا (49) من غير ضرار.. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ يعنى مهورهن لان المهر اجر على البضع وتقييد الاحلال له بإعطائها انما هو خرج على حسب الواقع ومخرج عادة النبي صلى الله عليه وسلم فانه كان يعطهن مهورهن معجلة او لايثار الأفضل ولا مفهوم له اجماعا وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ يعنى رد الله عليك من الكفار بان تسبى فتملك مثل صفية وجويرية وهذا القيد ليس للاحتراز ايضا ولا مفهوم لها عند القائلين بالمفهوم لان مارية أم ابراهيم لم تكن مسبية بل كانت مما اهدى اليه مقوقس وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ يعنى نساء قريش وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ يعنى نساء بنى زهرة اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وكلمة مع للموافقة فى نفس الفعل لا بحسب الزمان كما فى قوله تعالى سْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ والمراد المهاجرات مطلقا قال البغوي فمن لم يهاجر منهن لم يجز نكاحها اخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه من طريق السدى عن ابى صالح عن ابن عباس عن أم هانى بنت ابى طالب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خطبنى فاعتذرت اليه فعذرنى فانزل الله هذه الاية فلم أحل له لانى لم أكن من المهاجرات وكنت من الطلقا «1»

_ (1) وعن ابى صالح مولى أم هانى قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هانى بنت ابى طالب فقالت يا رسول الله انى مرتمة وبنى صغار فلما أدرك بنوها عرضت نفسها عليه فقال اما الان فلا ان الله انزل علىّ يايّها النّبىّ انّا أحللنا لك أزواجك الى قوله الّتى هاجرن معك ولم تكن من المهاجرات- منه رحمه الله

وروى ابن ابى حاتم من طريق إسماعيل بن ابى خالد عن ابى صالح عن أم هانى قالت نزلت فىّ هذه الاية وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ أراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يتزوجنى فنهى عنى إذ لم أهاجر- قال البغوي ثم نسخ شرط الهجرة فى التحليل وقيل المراد بالهجرة الإسلام اى اسلمن معك قال رسول الله المهاجر من هجر ما نهى الله عنه- رواه البخاري وبتأويلهم ذلك يدل على انه لم يكن نكاح غير المسلمة من اليهودية والنصرانية حلالا له عليه الصلاة والسلام وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ قال البغوي فاما غير المؤمنة فلا تحل له إذا وهبت نفسها له واختلفوا فى انه هل كان حلالا له نكاح اليهودية والنصرانية بالمهر فذهب جماعة الى انه لا يحلّ له ذلك لقوله تعالى وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً وقد ذكرنا تأويل بعضهم قوله تعالى اللَّاتِي هاجَرْنَ معك بالإسلام شرط مستغن عن الجزاء بما مضى وقوله وامرأة منصوب بفعل فسره ما قبله يعنى ونحل لك امراة مؤمنة او عطف على ما سبق ولا يدفعه التقييد بان التي للاستقبال فان معنى الاحلال الاعلام بالحل اى أعلمناك حل امرأة مؤمنة تهب نفسها لك ولا تطلب مهرا ان اتفق ولذلك نكرها إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها شرط للشرط الاول معنى تقديره ان أراد النّبىّ ان يستنكح الواهبة نفسها أحللنا له ان وهبت نفسها فان هبتها نفسها شطر للنكاح فانها بمنزلة الإيجاب منها لا توجب له حلها ما لم يرد النبي نكاحها فانها جارية مجرى القبول بها يتم النكاح فالحل موقوف على كلا الشرطين وهما شطرا العلة اى النكاح والعدول من الخطاب الى الغيبة بلفظ النبي مكررا ثم الرجوع اليه بقوله خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ حيث يجب عليهم المهر بالوطى او الموت وان لم يذكر إيذان بانه مما خص به لشرف نبوته وتقرير لاستحقاق الكرامة لاجله وخالصة مصدر مؤكد على وزن عافية اى خلص إحلال ما أحللنا لك على القيود المذكورة خلوصا لك وهذا التأويل انما يتصور إذا كانت القيود احترازية والظاهر انه حال من الضمير فى وهبت والمعنى انه وهبت حال كونها خالصة لك بلا مهر او صفة لمصدر محذوف اى هبة خالصة- اخرج ابن سعد عن عكرمة

فى قوله تعالى وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً الاية قال نزلت فى أم شريك الدوسية واخرج ابن سعد عن منير بن عبد الله الدوسي ان أم شريك عزية بنت جابر بن حكيم الدوسي عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم وكانت جميلة فقبلها فقالت عائشة ما فى امراة حين تهب نفسها لرجل خير قالت أم شريك فانا تلك فسماها الله مؤمنة فقال وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ فلمّا نزلت هذه الاية قالت عائشة ان الله يسرع لك فى هواك. اخرج ابن سعد عن ابى رزين قال همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يطلق من نسائه فلمّا راين ذلك جعلنه فى حل من انفسهن يؤثر من يشاء على من يشاء منهن فانزل الله تعالى إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ الى قوله تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ الاية وقوله تعالى خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ يدل على انه كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ان ينعقد النكاح فى حقه بغير مهر وذلك هو المراد بقوله تعالى إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ يعنى ان زوجت نفسها بغير مهر كما ان الزيادة على اربع من النساء كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقيل هذه الاية تدل على ان انعقاد النكاح بلفظ الهبة كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز ذلك لغيره قال البغوي وهو قول سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء وبه قال ربيعة ومالك والشافعي قالوا لا ينعقد النكاح لغير النبي صلى الله عليه وسلم الا بلفظ النكاح والتزويج- قلت وبه قال احمد وذكر فى ترجمة الاية فى اختلاف الائمة قول احمد انه ينعقد النكاح بلفظ الهبة مع ذكر المهر- وقال ابو حنيفة رح انعقاد النكاح بلفظ الهبة ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم بل يجوز نكاح كل أحد بلفظ الهبة والبيع والصدقة والتمليك وكل لفظ وضع لتمليك العين مؤبدا ولا يجوز بلفظ الاجارة والاعارة وقال الكرخي يجوز بلفظ الاجارة والاعارة ايضا لان الثابت بهما تمليك المنفعة وذلك فى النكاح ايضا وقد اطلق الله سبحانه لفظ الاجرة على المهر حيث قال أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ قلنا الاجارة والاعارة ليسا سببين لملك المتعة فلا طريق للاستعارة هناك ولا بلفظ الوصية لانها توجب الملك مضافا الى ما بعد الموت وعن الطحاوي انه ينعقد به النكاح لانه يثبت به ملك الرقبة فى الجملة

وعن الكرخي انه قيد الوصية بالحال فان قال أوصيت لك بنتي هذه الان ينعقد لانه صاربه مجازا عن التمليك قلنا الاضافة ماخوذ فى مفهوم الوصية وعدمه فى النكاح فيتضادان- وقال قوم لا ينعقد النكاح الا بلفظ النكاح او التزويج فى حق النبي صلى الله عليه وسلم ايضا كما لا يصح فى حق الامة لقوله تعالى إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها وانما اطلق لفظ الهبة فى الاية على النكاح مجازا. قال البيضاوي محتجا بهذه الاية على مذهب الشافعي ان اللفظ تابع للمعنى وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى اجماعا وهذا القول غير سديد فان جواز اطلاق لفظ الهبة فى النكاح انما هو بطريق المجاز ولا وجه لتخصيص التكلم بالمجاز بحضرة الرسالة صلى الله عليه وسلم والنكاح يصلح ان يكون معنى مجازيا للفظ الهبة ولا اختصاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لمعناه المجازى- فان قيل معناه الحقيقي غير مراد فى الاية البتة لان المعنى الحقيقي للهبة تمليك العين وهو غير مراد بل المراد تمليك البضع بغير عوض فاذا اختص به معناه المجازى واللفظ تابع للمعنى فلا يجوز لغيره صلى الله عليه وسلم النكاح بلفظ الهبة مجازا- قلنا المعنى المجازى للهبة غير منحصر فى تمليك البضع بغير عوض بل يجوز ان يطلق لفظ الهبة وأريد به تمليك البضع مطلقا سواء كان بعوض او بغير عوض وقال ابن همام انما الكلام فى تحقق طريق المجاز فنفاه الشافعي بناء على انتفاء ما يجوز به التجوز اما اجمالا فلانه لو وجد لصح ان يتجوز بلفظ كل منهما عن الاخر بان يقال نكحتك هذا الثوب مرادا به وهبتك او ملكتك وليس فليس واما تفصيلا فلان التزويج هو التلفيق وضعا والنكاح الضم ولا ضم ولا ازدواج فى المالك والمملوك ولذا يفسد النكاح عند ورود ملك أحد الزوجين على الاخر ولو كان لم ينافه تأكد به- ولنا على الشافعي اولا النقض الإجمالي وهو انه لولا العلاقة المصححة للمجاز بين الهبة والنكاح لما جاز نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة وذلك جائز ولمّا ثبت العلاقة المصححة للمجاز بينهما وبين النكاح بلا عوض ثبت بينها وبين مطلق النكاح ايضا لوجود الأعم فى ضمن الأخص وثانيا ان معنى الحقيقي للهبة تمليك العين وتمليك العين سبب لملك المتعة فى محلها بواسطة ملك الرقبة وملك المتعة

[سورة الأحزاب (33) : آية 51]

فى محلها هو الثابت بالنكاح والسببية طريق المجاز- واما عدم جواز استعارة النكاح لتمليك العين فلما ذكر فى الأصول انه لا يجوز استعارة اسم المسبب للسبب عندنا الا إذا كان المقصود من السبب شرعيته كالبيع لملك الرقبة وليس ملك المتعة الذي هو موجب النكاح هو المقصود من التمليك بل ملك الرقبة- وقوله لا ضم ولا ازدواج بين المالك والمملوك ممنوع والله اعلم. قال البغوي اختلفوا فى انه هل كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له قال ابن عباس ومجاهد لم تكن عنده امراة الا بعقد نكاح او ملك يمين وقوله ان وهبت نفسها للنّبىّ على طريق الشرط والجزاء وقال آخرون كانت عنده منهن قال الشعبي هى زينب بنت خزيمة الانصارية يقال لها أم المساكين وقال قتادة ميمونة بنت الحارث وقال على بن الحسين عليهما السّلام والضحاك ومقاتل هى أم شريك بنت جابر من بنى اسد اخرج ابن سعد وابن ابى شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن على بن الحسين وابن سعد عن عكرمة انها أم شريك بنت جابر وقال عروة بن الزبير هى خولة بنت حكيم من بنى سليم. قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا اى ما أوجبنا عَلَيْهِمْ اى على المؤمنين فِي أَزْواجِهِمْ من شرائط النكاح ووجوب القسم والمهر بالوطى حيث لم يسم وان لا يتزوجوا اكثر من اربع وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ بالشراء وغيره بان يكون الامة ممن تحل لمالكها كالكتابية بخلاف المجوسية والوثنية وان يستبرا قبل الوطي وما وسع الله الأمر فيهن فى العدد وعدم وجوب القسم والجملة معترضة لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ متعلقة بقوله خالصة وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لما يعسّر التحرز عنه رَحِيماً (50) بالتوسعة فى مضانّ الحرج. اخرج الشيخان فى الصحيحين عن عائشة انها كانت تقول اما تستحيى المرأة ان تهب نفسها فانزل الله. تُرْجِي مَنْ تَشاءُ الاية فقالت عائشة ارى ربك ليسارع لك فى هواك وفى لفظ قالت عائشة كنت أعار على اللاتي وهبن انفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول أتهب المرأة نفسها فلما انزل الله تعالى تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ الاية قلت ما ارى ربك الا يسارع فى هواك- قرأ نافع وحمزة

والكسائي وحفص ترجى بإسكان الياء بغير همز والباقون بهمزة مضمومة اى تؤخر من تشاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ منهن قال البغوي اختلف المفسرون فى معنى الاية فاشهر الأقاويل انها فى القسم بينهن وذلك ان التسوية فى القسم بينهن كان واجبا عليه فلمّا نزلت هذه الاية سقط عنه فصار الاختيار اليه فيهن قال ابو زيد وابن زيد نزلت هذه الاية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب بعضهن زيادة النفقة فهجرهن النبي صلى الله عليه وسلم شهرا حتى نزلت اية التخيير فامره الله عزّ وجلّ ان يخيرهن بين الدنيا والاخرة وان يخلى سبيل من اختارت الدنيا ويمسك من اختارت الله ورسوله على انهن أمهات المؤمنين فلا ينكحن ابدا وعلى انه يؤوى اليه من يشاء منهن ويرجى من يشآء منهن فيرضين به قسم لهنّ او لم يقسم او قسم لبعض دون بعض او فضّل بعضهن فى النفقة والقسم فيكون الأمر فى ذلك اليه يفعل كيف يشاء وكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط- قلت وليس هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم بل الحكم كذلك فى الامة ايضا فمن كان تحته نساء وقال لهن من شاء منكن حقوق النكاح من النفقة والتسوية فى القسم فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا ومن رضى منكنّ ان تبقى فى نكاحى بلا مطالبة فى النفقة على ان أؤاوي الىّ من أشاء منكن وأرجى منكن من أشاء سواء اقسم لكن او لم اقسم او اقسم لبعض دون بعض او أفضل بعضكن على بعض فى النفقة والكسوة والقسم فقلن له نحن نختارك وتركنا حقنا فى النفقة والقسم يكون الأمر فى ذلك اليه يفعل كيف يشآء والله اعلم قال البغوي واختلفوا فى انه هل اخرج أحدا منهن عن القسم فقال بعضهم لم يخرج أحدا بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما جعل الله له من ذلك يسوى بينهن فى القسمة الاسودة فانها رضيت بترك حقها من القسم وجعل يومها لعائشة- وقيل اخرج بعضهن روى ابن جرير عن منصور عن ابى رزين قال لما نزل التخيير أشفقن ان يطلقهن فقلن يا رسول الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا فنزلت هذه الاية تُرْجِي مَنْ تَشاءُ منهن فارجى

رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهن وأوى اليه بعضهن وكان ممن أوى اليه عائشة وحفصة وزينب وأم سلمة فكان يقسم بينهن سواء وأرجى منهن خمسا أم حبيبة وسودة وصفية وميمونة وجويرية وكان يقسم لهن ما يشاء روى البخاري عن معاذة عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن فى يوم المرأة منّا بعد ان أنزلت هذه الاية تُرْجِي مَنْ تَشاءُ الاية فقلت لها ما كنت تقولين قالت كنت أقول له ان كان ذاك الىّ فانى لا أريد يا رسول الله ان اوثر عليك أحدا- وقال مجاهد معناه ترجى من تشاء منهن يعنى تعزل منهن من تشاء بغير طلاق وتردّ إليك من تشاء بعد العزل بلا تجديد عقد- وقيل معناه تطلّق منهن من تشاء وتمسك منهن من تشاء وقال الحسن معناه تترك نكاح من شئت وتنكح من تشاء من نساء أمتك وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لغيره ان يخطبها حتى يتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل معناه تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي وهبن انفسهن لك فتؤويها إليك وتترك من تشاء فلا تقبل روى البغوي عن هشام عن أبيه قال كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن انفسهن للنبى صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة اما تستحيى امراة ان تهب نفسها للرجل فلمّا نزلت هذه الاية تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ فقلت يا رسول الله ما ارى ربك الا يسارع فى هواك- وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ اى طلبت وأردت ان تؤوي إليك امراة ممن عزلتهن عن انفسهن فَلا جُناحَ اى لا اثم عَلَيْكَ فى شىء من ذلك ذلِكَ التفويض الى مشيتك أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ اى اقرب الى قرة أعينهن وعدم حزنهن ورضائهن جميعهن لان حكم كلهن فيه سواء ثم من أويت منهن إليك وجدت ذلك تفضلا ومن عزلت منهن علمت انه بحكم الله وعلمت منك تفضلا ايضا حيث أبقيت فى نكاحك من غير حاجة منك إليها وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ فاجتهدوا فى إحسانه وفيه وعيد لمن لم ترض منهن بمشية رسوله صلى الله عليه وسلم- وقيل معناه اللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ من امر النساء والميل الى بعضهن وانما خيرناك فيهن تيسيرا لك وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بذات الصدور حَلِيماً (51) لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق

[سورة الأحزاب (33) : آية 52]

بان يتقى اخرج ابن سعد عن عكرمة قال لما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه واخترن الله ورسوله انزل الله تعالى. لا يَحِلُّ قرأ ابو عمرو ويعقوب بالتاء الفوقانية والباقون بالياء التحتانية لان تأنيث الجمع غير حقيقى لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ اى بعد هذا اليوم حتى لو ماتت واحدة منهن لم يحل له نكاح اخرى وَلا أَنْ تَبَدَّلَ أصله تتبدل حذفت احدى التاءين من مضارع التفعل بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ من مزيدة لتأكيد النفي يعنى لا يجوز لك ان تطلق منهن واحدة وتنكح مكانها اخرى قال البغوي وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لما خيرهن واخترن الله ورسوله شكرهن الله وحرم على نبيه من النساء سواهن ونهاه عن تطليقهن والاستبدال بهن وهذا قول ابن عباس وقتادة- واختلفوا فى انه هل أبيح له من بعد اخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد واحمد وعبد بن حميد وابو داؤد فى ناسخه والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردوية والبيهقي من طريق عطاء عن عائشة قالت لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله ان يتزوج من النساء ما شاء الا ذات محرم بقوله تعالى تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ فان تلك الاية وان تقدمها قراءة مسبوق بها نزولا- واخرج ابن ابى حاتم عن أم سلمة مثله واخرج ابن سعد عن ابن عباس مثله وذكر البغوي قول انس مات رسول الله على التحريم- وقال البغوي قال عكرمة والضحاك معنى الاية لا يحل لك النساء بعد اللاتي أحللنا لك بالصفة التي تقدم ذكرها وقيل لابى بن كعب لو مات نساء النبي صلى الله عليه وسلم كان له ان يتزوج قال وما يمنعه من ذلك قيل قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ قال انما أحل الله له ضربا من النساء فقال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ الاية ثم قال لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ- قال ابو صالح أمران لا يتزوج اعرابية ولا عربية ويتزوج من نساء قومه من بنات العمّ وبنات العمّة وبنات الخال وبنات الخالة ان شاء ثلاث مائة وقال مجاهد لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات بعد المسلمات ولا ان تبدل بالمسلمات غيرهن يقول لا يكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية الا ما ملكت يمينك أحل له

ما ملكت يمينه من الكتابيات ان يتسرى بهن- وروى عن الضحاك معنى ان تبدّل بهن اى ولا ان تبدل بازواجك اللاتي فى حبالتك أزواجا غيرهن بان تطلقهن وتنكح غيرهن فحرم عليه طلاق النساء اللاتي كن عنده إذ جعلهن أمهات المؤمنين وحرمهن على غيره حين اخترنه فاما نكاح غيرهن فلم يمنع عنه وقال ابن زيد فى قوله وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ انهم كانوا يتبادلون فى الجاهلية بأزواجهم يقول الرجل للرجل بادلني بامرأتك وأبادلك بامرأتى بان تنزل لى عن امرأتك وانزل لك عن امراتى فانزل الله تعالى وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ يعنى لا تبادل بازواجك غيرك بان تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته الا ما ملكت يمينك فلا بأس بان تبدل بجاريتك ما شئت واما الحلائل فلا- عن ابى هريرة قال دخل عيينة بن حصين على النبي صلى الله عليه وسلم بغير اذن وعائشة رضى الله عنها عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاين الاستيذان قال يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مصر منذ أدركت ثم قال من هذه الحميرى الى جنبك قال هذه عائشة أم المؤمنين قال عيينة أفلا انزل لك عن احسن الخلق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى قد حرّم ذلك فلمّا خرج قالت عائشة من هذا يا رسول الله قال هذا أحمق مطاع وانه على ما ترين لسيد قومه وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ اى حسن الأزواج المستبدلة وهو حال من فاعل تبدل دون مفعوله وهو قوله من ازواج لتوغله فى التنكير وتقديره مفروضا إعجابك بهن قال البغوي يعنى ليس لك ان تطلق أحدا من نسائك وتنكح بدلها اخرى ولو أعجبك جمالها قال ابن عباس انها بنت عميس الخثعمية امراة جعفر بن ابى طالب رضى الله عنه فلمّا استشهد جعفر أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يخطبها فنهى عن ذلك إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ محل ما الرفع استثناء من النساء لانه يتناول الأزواج والإماء وقيل الاستثناء منقطع قال ابن عباس ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مارية يعنى أم ابراهيم وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52) فتحفظوا أمركم ولا تتجاوزوا عمّا حد لكم. (مسئلة) قال البغوي فى الاية دليل على جواز النظر الى من يريد نكاحها

[سورة الأحزاب (33) : آية 53]

من النساء عن جابر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خاطب أحدكم امرأة فان استطاع ان ينظر الى ما يدعوا الى نكاحها فليفعل رواه ابو داود وعن المغيرة بن شعبة قال خطبت امراة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل نظرت إليها قلت لا قال فانظر إليها فانه أحرى ان يؤدم بينكما- رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وعن ابى هريرة ان رجلا أراد ان يتزوج امرأة من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم انظر إليها فان فى أعين نساء الأنصار شىء- رواه مسلم قال الحميدي فان فى أعينهن صفرة والله اعلم. اخرج الشيخان فى الصحيحين عن انس قال لمّا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فاذا كانه يتهيؤا للقيام فلم يقوموا فلمّا راى ذلك قام فلمّا قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فاذا القوم جلوس ثم انهم قاموا فانطلقت فجئت فاخبرت النبي صلى الله عليه وسلم انهم انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت ادخل فالقى الحجاب بينى وبينه فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ الاية وذكر البغوي حديث ابن شهاب عن انس انه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال أمهاتي يواطينى على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم فخدمته عشر سنين وتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وانا ابن عشرين سنة وكنت اعلم الناس بشأن الحجاب حين نزل كان أول ما نزل فى مبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أصبح النبي صلى الله عليه وسلم بها عروسا فدعى القوم فاصابوا من الطعام الحديث- فذكر مثل رواية البخاري وفى رواية للبخارى قال انس كنت اعلم الناس بهذه الاية اية الحجاب لما أهديت زينب الى النبي صلى الله عليه وسلم كانت معه فى البيت صنع طعاما ودعا القوم فقعدوا يتحدثون فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون فانزل الله تعالى تلك الاية وضرب الحجاب وقام القوم- وفى رواية له قال انس او لم حين بنى النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بخبز ولحم فارسلت على الطعام داعيا فيجئ القوم فياكلون ويخرجون ثم يجئ قوم فيأكلون ويخرجون

فدعوت حتى ما أجد أحدا ادعوه فقلت يا نبى الله ما أجد أحدا ادعوه فقال ارفعوا طعامكم وبقي ثلاثة رهط يتحدثون فى البيت فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق الى حجرة عائشة فقال السلام عليكم اهل البيت ورحمة الله فقالت وعليك السّلام ورحمة الله كيف وجدت أهلك بارك الله لك فذهب الى حجر نسائه كلّهن يقول لهن كما قال لعائشة ويقلن له كما قالت ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فاذا ثلثة رهط فى البيت يتحدثون وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فخرج منعطفا نحو حجرة عائشة فما أدرى أخبرته او اخبر ان القوم خرجوا فرجع حتى إذا وضع رجله فى أسكفة الباب داخلة والاخرى خارجة ارخى الستر بينى وبينه ونزلت اية الحجاب- وفى رواية للبخارى قال انس او لم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بنى بزينب فاشبع الناس خبزا ولحما ثم خرج الى حجرات أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه فيسلم عليهن ويدعو لهن ويسلمن عليه ويدعون له فلمّا رجع هو الى بيته راى رجلين جرى بينهما الحديث فلمّا راهما رجع عن بيته فلمّا راى الرجلان نبى الله صلى الله عليه وسلم قاموا فرجع حتى دخل البيت وارخى الستر بينى وبينه. واخرج الترمذي وحسنه عن انس قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتى باب امراة عرس بها فاذا عندها قوم فانطلق ثم رجع وقد خرجوا فدخل وارخى بينى وبينه سترا فذكرته لابى طلحة فقال لان كان كما تقول لينزلن فى هذا شىء فنزلت اية الحجاب. واخرج الطبراني بسند صحيح عن عائشة قالت كنت أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فى قعب فمرّ عمر فدعاه فاكل فاصابت إصبعه إصبعي فقال اوّه لو أطاع فيكن ما راتكن عين فنزلت اية الحجاب- وكذا اخرج البخاري فى الأدب المفرد والنسائي واخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فاطال الجلوس فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ليخرج فلم يفعل فدخل عمر فراى الكراهية فى وجهه فقال للرجل ولعلّك آذيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قمت ثلاثا لكى يتبعنى فلم يفعل فقال له عمر يا رسول الله لو اتخذت حجابا فان نساءك لسن كسائر

النساء وذلك اطهر لقلوبهم فنزلت اية الحجاب- وقد مرّ فى سورة البقرة ما رواه البخاري وغيره عن عمر قال وأفقت «1» ربى فى ثلاث فقلت لو اتخذت من مقام ابراهيم مصلى فنزلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وقلت يا رسول الله ان نسائك يدخل عليهن البر والفاجر فلو امرتهن ان يحتجبن فنزلت اية الحجاب واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه من الغيرة فقلت لهن عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ فنزلت كذلك- وكذا اخرج النسائي من رواية انس وذكر البغوي نحوه عن ابن عباس وقال البغوي وقد صح فى سبب نزول اية الحجاب ان ازواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن الى المصانع وهو صعيد افيح وكان عمر يقول للنبى صلى الله عليه وسلم احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة ذات ليلة من الليالى عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ان قد عرفناك حرصا على ان ينزل الحجاب فانزل الله تعالى الحجاب- قال الحافظ ابن حجر يمكن الجمع بان ذلك وقع قبيل قصة زينب فلقربه منها اطلق نزول الاية بهذا السبب ولا مانع من تعدد السبب- إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ استثناء مفرغ منصوب على الظرف او على المصدر او على الحال يعنى لا تدخلوا فى وقت الا وقت ان يؤذن لكم او لا تدخلوا دخولا الا دخولا مأذونا لكم او لا تدخلوا فى حال الا حال ان يؤذن لكم إِلى طَعامٍ متعلق بيؤذن لتضمنه معنى يدعى وفيه اشعار بانه لا يحسن الدخول على الطعام من غير دعوة وان اذن كما هو اشعار فى قوله تعالى غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ اى غير منتظرين وقت نضجه حال من فاعل لا تدخلوا او المجرور فى لكم داخل فى الاستثناء اى لا تدخلوا الا بإذن والا غير ناظرين وهذا الاستثناء مختص بمن أراد الدخول لاجل

_ (1) عن ابن مسعود قال فضل على الناس عمر بن الخطاب بأربع بذكره الأسارى يوم بدر امر بقتلهم فانزل الله لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ الاية وبذكره الحجاب امر نساء النبي صلى الله عليه وسلم ان يحتجبن فقالت له زينب انك لتغار علينا يا ابن الخطاب والوحى ينزل فى بيوتنا فانزل الله تعالى وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أيد الإسلام بعمر وبرأيه فى ابى بكر كان أول الناس من بايعه- منه رح

الطعام لا مطلقا- امال حمزة «وهشام وخلف وقلله ورش من طريق الأزرق- ابو محمد» والكسائي اناه فهو حينئذ مصدر انى الطعام إذا أدرك يقال انى الحميم إذا انتهى حره وانى ان يفعل كذا اى حان وقال البغوي انى بكسر الهمزة مقصورة فاذ فتحتها مددتّ وقلت الإناء وفيه لغتان انى يأنى مثل رمى يرمى وان يئين مثل باع يبيع وفى القاموس انى الشيء يأنى أينا واناء وانا بالكسر فهو انى كغنى حان وأدرك وانى الحميم انتهى حره فهو ان وبلغ هذا اناه يعنى بالفتح وبكسر يعنى بلغ غايته او نضجه او إدراكه وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ يعنى أكلتم الطعام فَانْتَشِرُوا يعنى تفرقوا واخرجوا من منزله ولا تمكثوا بعد الاكل وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ مجرور معطوف على ناظرين او منصوب اى لا تدخلوها مستأنسين وقيل تقديره ولا تمكثوا مستأنسين فهو عطف جملة على جملة نهوا ان يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لاجل حديث يحدثه به إِنَّ ذلِكُمْ اللبث كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ لتضيق المنزل عليه وعلى اهله واشتغاله بما لا يعنيه تعليل لما سبق فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ولا يخرجكم عطف على الجملة الاسمية السابقة وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ عطف او حال او معترضة اى لا يترك الله تأديبكم حياء فان التأديب حق وقال البيضاوي يعنى إخراجكم حق فينبغى ان لا يترك حياء كما لا يترك الله الحق فيأمركم بالخروج وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ اى نساء النبي صلى الله عليه وسلم لدلالة بيوت النبي عليهن لان فيها نساؤه مَتاعاً اى شيئا ينتفع به استعارة او استيهابا او ردّا للعارية فَسْئَلُوهُنَّ المتاع مِنْ وَراءِ حِجابٍ اى الستر الجملة الشرطية معطوفة على قوله لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ قال البغوي فبعد اية الحجاب لم يكن لاحد ان ينظر الى امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم منتقبة كانت او غير منتقبة ذلِكُمْ اى السؤال من وراء الحجاب أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ من الخواطر الشيطانية الجملة تعليل لما سبق. اخرج ابن ابى حاتم عن ابن زيد قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ان رجلا يقول لو توفى النبي صلى الله عليه وسلم تزوجت فلانة من بعده فنزلت وَما كانَ اى ما صح لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ اى تفعلوا ما يكرهه وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد وفاته او فراقه أَبَداً واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس

[سورة الأحزاب (33) : آية 54]

قال نزلت فى رجل همّ ان يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده- قال سفيان ذكر انها عائشة واخرج عن السدىّ قال بلغنا ان طلحة بن عبيد الله قال أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا لان حدث حدث لنتزوجن نساءه من بعده فانزلت هذه الاية- واخرج ابن سعد عن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال نزلت فى طلحة بن عبيد الله لانه قال إذا توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة- واخرج جويبر عن ابن عباس ان رجلا اتى بعض ازواج النبي صلى الله عليه وسلم فكلمها وهو ابن عمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا فقال يا رسول الله انها ابنة عمى والله ما قلت لها منكرا ولا قالت لى قال النبي صلى الله عليه وسلم قد عرفت ذلك انّه ليس أحدا غير من الله وانّه ليس أحدا غير منى فمضى فقال يمنعنى من كلام ابنة عمى لا تزوجها من بعده فانزل الله تعالى هذه الاية- قال ابن عباس فاعتق ذلك الرجل رقبة وحمل عشرة ابعرة فى سبيل الله وحج ماشيا توبة من كلمته- قال البغوي روى معمر عن الزهري ان العالية بنت ظبيان التي طلقها النبي صلى الله عليه وسلم تزوجت رجلا وولدت له وذلك قبل تحريم ازواج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس قال البيضاوي خصت التي لم يدخل بها النبي صلى الله عليه وسلم- روى ان الأشعث بن قيس تزوج المستعيذة فى ايام عمر رضى الله عنه فهم عمر برجمها فاخبر انه صلى الله عليه وسلم فارقها قبل ان يمسها فتركه من غير نكير إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) اى ذنبا عظيما قلت وجاز ان يكون ذلك لاجل ان النبي صلى الله عليه وسلم حىّ فى قبره ولذلك لم يورث ولم يتئم أزواجه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى علىّ عند قبرى سمعته ومن صلّى علىّ نائيا أبلغته رواه البيهقي فى شعب الايمان. إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً من أذى النبي صلى الله عليه وسلم او من نكاحهن أَوْ تُخْفُوهُ فى أنفسكم قال البغوي نزلت فيمن أضمر نكاح عائشة رضى الله عنها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54) تعليل لجزاء محذوف أقيم مقامه تقديره يعلمه الله فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً فيجازيكم عليه وفى هذا التعميم

[سورة الأحزاب (33) : آية 55]

والبرهان على المقصود بعد التصريح بالنهى عن نكاحهن مزيد تهويل ومبالغة فى الوعيد ولذلك أعتق ذلك الرجل الذي هم بنكاح بعض ازواج النبي صلى الله عليه وسلم رقبة وحمل عشر ابعرة فى سبيل الله وحج ماشيا توبة من كلمته كما مر فى حديث ابن عباس قال البغوي ولما نزلت اية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب ونحن ايضا نكلمهن من وراء حجاب فانزل الله تعالى. لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ اى فى ترك الاحتجاب من ابائهن وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وانما لم يذكر العم والخال لانه لما ذكر أبناء اخوانهن وأبناء أخواتهن يظهر بدلالة النص حكم الأعمام والأخوال لانهن عمات بالنسبة الى أبناء الاخوة وخالات بالنسبة الى أبناء الأخوات والعم والعمة من جنس واحد كالخال والخالة روى البخاري عن عروة بن الزبير ان عائشة قالت استأذن أفلح أخ ابى القعيس بعد ما انزل الحجاب فقلت لا اذن حتى استأذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فان أخاه أبا القعيس ليس هو ارضعنى ولكن أرضعتني امرأة ابى القعيس فدخل علىّ النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ان أفلح أخا ابى القعيس استأذن فابيت ان اذن له حتى استأذنك فقال النبي صلى الله عليه وسلم تأذنين عمك قلت يا رسول الله ان الرجل ليس هو ارضعنى ولكن أرضعتني امرأة ابى القعيس فقال ائذني له فانه عمك تربت يمينك- قال عروة فلذلك كانت عائشة تقول حرموا من الرضاع ما تحرموا من النسب وَلا نِسائِهِنَّ يعنى مؤمنات حرائر وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ من العبيد والإماء وقيل من الإماء خاصة كما ذكرنا فى سورة النور وَاتَّقِينَ اللَّهَ هذه الجملة معطوفة على مضمون لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ يعنى وَاتَّقِينَ اللَّهَ فى البروز للاجانب وفى كل ما امرتن به وفيه التفات من الغيبة الى الخطاب لمزيد التأكيد إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من افعال العباد شَهِيداً (55) فيجازى عليه. إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال ابن عباس ان الله يرحم النبي صلى الله عليه وسلم والملائكة يدعون له- وعن ابن عباس ايضا يصلون اى يبركون وقيل الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار قال ابو العالية صلوة الله عليه ثناؤه عند الملائكة وصلوة الملائكة الدعاء وقد ذكرنا الكلام فى الصلاة

فى قوله تعالى هو الذي يصلّى عليكم وملئكته يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ادعوا له واسئلوا الله تعالى ان يرحمه وَسَلِّمُوا عليه تَسْلِيماً يعنى حيوة بتحية السّلام وقولوا السّلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته والاية تدل على وجوب الصلاة والسّلام فى الجملة ولو فى العمر مرة وبه قال ابو حنيفة ومالك رحمهما الله واختاره الطحاوي قال ابن همام موجب الأمر القاطع الافتراض فى العمر مرة لانه لا يقتضى التكرار وقلنا به- وقيل يجب فى كل صلوة بعد التشهد فى القعدة الاخيرة وبه قال الشافعي واحمد قال فى رحمة الامة فى اختلاف الائمة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فى التشهد الأخير عند ابى حنيفة ومالك سنة وفرض عند الشافعي وقال احمد فى أشهر روايتيه يبطل صلاته بتركها وقال ابن الجوزي فرض عند احمد وعنه انها سنة- وقيل يجب الصّلوة كلما جرى ذكره صلى الله عليه وسلم وبه قال الكرخي استدل من يقول بوجوبها فى الصلاة بحديث سهل بن سعد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا صلوة لمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم- رواه ابن الجوزي من طريق الدار قطنى وفيه عبد المهيمن ابن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال الدار قطنى عبد المهيمن ليس بالقوى وقال ابن حبان لا يحتج به ورواه ابن الجوزي بلفظ لا صلوة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ولا صلوة لمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ولا صلوة لمن لم يحب الأنصار- وفيه عبد المهيمن ضعيف لا يحتج به واخرج الطبراني عن أبيّ بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده مرفوعا نحوه قالوا حديث عبد المهيمن أشبه بالصواب مع ان جماعة قد تكلموا فى أبيّ بن عباس وبحديث ابى مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلّى صلوة لم يصل فيها علىّ ولا على اهل بيتي لم يقبل منه- رواه ابن الجوزي من طريق الدار قطنى قال ابن الجوزي وفيه جابر الجعفي ضعيف وقد اختلف فيه فوقفه على ابن مسعود تارة ورفعه اخرى وذكره ابن همام عن ابن مسعود قال قال ابن الجوزي فيه جابر ضعيف وقد اختلف فيه فوقفه تارة ورفعه اخرى وروى الحاكم والبيهقي عن يحيى بن السباق عن رجل من بنى الحارث عن ابن مسعود عنه عليه الصّلوة

والسّلام إذا تشهد أحدكم فليقل اللهم صل على محمد وعلى ال محمد وبارك على محمد وعلى ال محمد وارحم محمدا وال محمد كما صليت وباركت وترحمت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد- قال الحافظ ابن حجر رجاله ثقات الا هذا الرجل الحارثي فينظر فيه قال ابن همام حديث لا صلوة لمن لم يصل علىّ ضعفه اهل الحديث كلهم ولو صح فمعناه كاملة او لمن لم يصل علىّ فى العمر مرة. وقال الحافظ ابن حجر أقوى من هذا الحديث حديث فضالة بن عبيد انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو فى صلاته فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال عجّل هذا ثم دعاه ثم قال له ولغيره إذا صلّى أحدكم فليبدا بحمد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء رواه ابو داود والنسائي والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم قال ولفظ الترمذي بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال اللهم اغفر لى وارحمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجّلت ايها المصلى إذا صليت فقعدتّ فاحمد الله بما هو اهله وصل علىّ ثم ادعه قال ثم صلّى رجل اخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ايها المصلى ادع تجب- رواه الترمذي وروى ابو داؤد والنسائي نحوه قلت ويمكن الاستدلال على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه فى الصلاة بعد التشهد بان المراد بالأمر فى هذه الاية ان يصلى عليه صلى الله عليه وسلم فى الصلاة كما ان المراد بقوله تعالى وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ تكبير التحريمة وبقوله تعالى قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ وقوله تعالى واركعوا واسجدوا القيام والركوع والسجود فى الصلاة وبقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ القراءة فى الصلاة يدل على هذا ما رواه البخاري عن كعب بن عجرة وكذا فى حديث ابى سعيد الخدري قيل يا رسول الله اما السّلام عليك فقد عرفنا فكيف الصلاة قال قولوا اللهم صل على محمد الى آخره يعنى قد عرفنا السّلام فى التشهد وهو قوله السّلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته فكيف نصلى حينئذ فعلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله اللهم صل على محمد الى آخره وقد تلقته الامة بالقبول واجمعوا على جعلها بعد التشهد وان اختلفوا

فى كونها فريضة فعلم بهذا الحديث ان مراد الله سبحانه بالأمر فى هذه الاية جعلها بعد التشهد والله اعلم. واستدل من يقول بوجوب الصلاة كلّما جرى ذكره صلى الله عليه وسلم بحديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علىّ ورغم انف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل ان يغفر له ورغم انف رجل أدرك عنده أبواه الكبر او أحدهما فلم يدخلاه الجنة- رواه الترمذي وابن حبان فى صحيحه وحديث جابر بن سمرة عنه صلى الله عليه وسلم من ذكرت عنده فلم يصلّ علىّ فدخل النار فابعده الله عزّ وجلّ وحديث ابن عباس مرفوعا بلفظ أتاني جبرئيل من ذكرت عنده فلم يصل عليك فدخل النار فابعده الله عز وجل روى الحديثين الطبراني وروى ابن السنى عن جابر مرفوعا بلفظ من ذكرت عنده فلم يصل على فقد شقى- وعن علىّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علىّ- رواه الترمذي ورواه احمد عن الحسين ابن على رضى الله عنهما وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب وروى الطبراني بسند حسن عن الحسين بن على رضى الله عنهما مرفوعا من ذكرت عنده فخطى الصلاة علىّ خطى طريق الجنة- وروى النسائي بسند صحيح عن انس من ذكرت عنده فليصل علىّ فانه من صلى علىّ صلى الله عليه وسلم عشرا. (فصل) فى فضل الصلاة والسّلام على النبي صلى الله عليه وسلم وكيفيتها عن عبد الرحمن بن ابى ليلى قال لقينى كعب بن عجرة فقال الا اهدى لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت بلى فاهدها لى فقال سالنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم اهل البيت فان الله قد علّمنا كيف نسلم عليك قال قولوا اللهم صلّ على محمّد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد- متفق عليه الا ان مسلما لم يذكر على ابراهيم فى الموضعين وعن ابى حميد الساعدي قال قالوا يا رسول الله كيف نصلى عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا

اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صلّيت على ال ابراهيم وبارك على محمّد وأزواجه وذريته كما باركت على ال ابراهيم انك حميد مجيد- متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلّى علىّ واحدة صلى الله عليه عشرا رواه مسلم وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلّى علىّ صلوة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات- رواه احمد والبخاري فى الأدب والنسائي والحاكم وصححه وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم صلوة- رواه الترمذي وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغونى من أمتي السّلام- رواه النسائي والدارمي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يسلم علىّ الا ردّ الله علىّ روحى حتى أرد عليه السّلام- رواه ابو داود والبيهقي فى الدعوات الكبير وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبرى عيدا وصلوا علىّ فان صلاتكم يبلغنى حيث كنتم- وعن ابى طلحة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر فى وجهه فقال انه جاءنى جبرئيل فقال ان ربك يقول اما يرضيك يا محمد ان لا يصلى عليك أحد من أمتك الا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك الا سلمت عليه عشرا- رواه النسائي والدارمي. وعن أبيّ بن كعب قال قلت يا رسول الله انى اكثر الصلاة عليك فكم اجعل لك من صلاتى قال ما شئت قال الربع قال ما شئت وان زدتّ فهو خير لك قلت النصف قال ما شئت وان زدتّ فهو خير لك قلت فالثلثين قال ما شئت فان زدتّ فهو خير لك قلت اجعل لك صلاتى كلها قال إذا تكفى همك ويكفر لك ذنبك- رواه الترمذي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرّه ان يكتال بالمكيال الا وفى إذا صلّى علينا اهل البيت فليقل اللهم صل على محمد النبي الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته واهل بيته كما صليت على ابراهيم انك حميد مجيد- رواه ابو داؤد عن عبد الله بن عمرو قال من صلّى على النبي صلى

الله عليه وسلم واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين صلوة- رواه احمد وعن رويفع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صلّى على محمّد وقال اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتى- رواه احمد وعن عبد الرحمن ابن عوف قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل نخلا فسجد فاطال السجود حتى خشيت ان يكون الله توفاه قال فجئت انظر فرفع رأسه فقال مالك فذكرت ذلك له قال فقال ان جبرئيل عليه السلام قال لى الا أبشرك ان الله عزّ وجلّ يقول لك من صلّى عليك صليت عليه ومن سلّم عليك سلمت عليه- رواه احمد وعن عمر بن الخطاب قال ان الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شىء حتى تصلى على نبيك- رواه الترمذي وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من صلّى علىّ صلوة صلت عليه الملائكة ما صلى علىّ فليقلل العبد من ذلك او ليكثر- رواه البغوي وعن علىّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلّى علىّ صلوة كتب له قيراط والقيراط مثل أحد رواه عبد الرزاق فى الجامع بسند حسن وعن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلّى علىّ حين يصبح عشرا وحين يمسى عشرا أدركته شفاعتى يوم القيامة «1» - رواه الطبراني فى الكبير بسند حسن. (مسئلة) هل يجوز الصلاة والسّلام على غير الأنبياء والصحيح انه يجوز تبعا ويكره استقلالا كما يكره ان يقال محمد عزّ وجلّ مع كونه عزيزا جليلا لاختصاصه

_ (1) وعن ابى بكر الصديق قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فسلم فردّ النبي صلى الله عليه وسلم واطلق وجهه وأجلسه الى جنبه فلمّا قضى الرجل حاجته نهض فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر هذا الرجل يرفع له كل يوم كعمل اهل الأرض قلت ولم ذاك قال انه كلما أصبح صلى علىّ عشرة مرات كصلوة الخلق اجمع قلت وما ذاك قال يقول اللهم صلّ على محمد النبي عدد من صلّى من خلقك وصل على محمد النبي كما ينبغى لنا ان نصلى عليه وصل على محمد النبي كما امرتنا ان نصلى عليه وعن ابى بكر الصديق قال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم امحق للخطايا من الماء للنار والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عتق الرقاب وحب الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من مهج الأنفس او قال من ضرب السيف فى سبيل الله- منه نور الله مرقده

[سورة الأحزاب (33) : آية 57]

بالأنبياء عرفا كاختصاص ذلك بالله تعالى وقد ذكرنا هذه المسألة مبسوطا فى سورة التوبة فى تفسير قوله تعالى وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ.. إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ قال البغوي قال ابن عباس هم اليهود والنصارى والمشركون فاما اليهود فقالوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ويَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ- وقالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ- واما النصارى فقالوا الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ- وثالِثُ ثَلاثَةٍ- واما المشركون فقالوا الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمنى ولم يكن له اما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدانى وليس أول الخلق باهون علىّ من إعادته واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الأحد الصمد الذي لم الد ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد- وفى رواية ابن عباس واما شتمه إياي فقوله لى ولد فسبحانى ان اتخذ صاحبة او ولدا- رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى يؤذينى ابن آدم يسب الدهر وانا الدهر بيدي الأمر اقلب الليل والنهار متفق عليه وقيل معنى يوذينى يلحدون فى أسمائه وصفاته وقال عكرمة هم اصحاب التصاوير عن ابى زرعة انه سمع أبا هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى ومن اظلم ممن ذهب يخلق كخلقى فليخلقوا ذرة وليخلقوا حبة او شعيرة- متفق عليه وروى البخاري عن ابن عباس من صور صورة فان الله معذبه حتى ينفخ فيه الروح فليس بنافخ فيها ابدا- وقيل معنى الأذى مخالفة امر الله وارتكاب معاصيه وانما ذكر على ما يتعارف الناس بينهم والله منزه من ان يلحقه أذى من أحد ويؤذون رَسُولَهُ قال ابن عباس هو انه شج وجهه وكسرت رباعيته وقيل ساحر شاعر معلم مجنون- وهذا الذي ذكرنا انما يستقيم على قول من جوز اطلاق اللفظ الواحد على معنيين وعند الجمهور معناه ان الذين يرتكبون ما يكرهه الله ورسوله وجاز ان يكون معنى الاية الذين يؤذون رسول الله وذكر الله لتعظيم الرسول كانّ من أذى الرسول فقد أذى الله اخرج ابن ابى حاتم من طريق العوفى عن ابن عباس ان الاية نزلت فى الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم

حين اتخذ صفية بنت حيى- وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس انها نزلت فى عبد الله ابن أبيّ وناس معه قذفوا عائشة الصديقة الطيبة فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال من يعذرنى من رجل يؤذينى ويجمع فى بيته من يؤذينى فنزلت- عن انس وابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال قال الله تعالى من أهان ويووى من عادى وليّا فقد بارزني بالمحاربة وما رددتّ فى شىء انا فاعله ما رددت فى قبض نفس عبدى المؤمن يكره الموت وانا اكره مساية ولا بد له منه وما تقرب بي عبدى المؤمن بمثل الزهد فى الدنيا ولا يعبدنى بمثل ما افترضته عليه- رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى يقول يا ابن آدم مرضت فلم تعدنى قال يا ربّ كيف أعودك وأنت رب العالمين قال اما علمت ان عبدى فلانا مرض فلم تعده اما علمت انك لوعدتّه لوجدتنى عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمنى الحديث نحوه- رواه مسلم قلت ولا شك ان معاداة الأولياء لمّا كان معاداة ومحاربة مع الله تعالى وأسند الله سبحانه مرض أوليائه الى نفسه تعالى عن ذلك علوا كبيرا لاجل وصل غير متكيف فاسناد إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم الى الله تعالى اولى وقيل نظرا الى ما ذكرنا من الأحاديث معنى الاية الَّذِينَ يُؤْذُونَ اولياء الله على حذف المضاف كقوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ يعنى اهل القرية وهذا القول عندى غير سديد لان ذلك يفضى الى تقديم ذكر الأولياء على ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فان قيل هو تخصيص بعد تعميم فان الرسول داخل فى اولياء الله قلنا لو كان كذلك لزم التكرار فى قوله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ... لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57) جملة إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مستأنفة كانه فى جواب من سال انا أمرنا بالصّلوة والسّلام على النبي صلى الله عليه وسلم فما شان من أذاه فقال الله تعالى لَعَنَهُمُ اللَّهُ إلخ. (مسئلة) من أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعن فى شخصه او دينه او نسبه او صفة من صفاته او بوجه من وجوه الشين فيه صراحة او كناية او تعريضا او اشارة كفر ولعنه الله فى الدنيا والاخرة واعدّ له عذاب جهنم وهل يقبل توبته

[سورة الأحزاب (33) : آية 58]

قال ابن همام كل من ابغض رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلبه كان مرتدّا فالسباب بالطريق الاولى ويقتل عندنا حدّا فلا تقبل توبته فى إسقاط القتل قالوا هذا مذهب اهل الكوفة ومالك ونقل عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه ولا فرق بين ان يجئ تائبا بنفسه او شهدوا عليه بذلك بخلاف غيره من موجبات الكفر فان الإنكار فيها توبة ولا تعمل الشهادة معه حتى قالوا بقتل ان سبّ سكران ولا يعفى عنه ولا بد من تقييده بما إذا كان سكره بسبب محظور باشره باختياره بلا اكراه والا فهو كالمجنون وقال الخطابي لا اعلم أحدا خالف فى وجوب قتله واما قتله فى حق من حقوق الله تعالى فتعمل توبته فى إسقاط قتله ولا يحكم بارتداد من اتى بكلمة الكفر سكران فى غير سباب النبي صلى الله عليه وسلم وان كان السكر بسبب محظور باشره باختياره بلا اكراه.. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا اى من غير ان يعملوا ما يوجب إذا هم وقال يقعون فيهم ويرمون بغير جرم فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) تنكير البهتان والإثم للتفخيم قال مقاتل نزلت فى على بن ابى طالب رضى الله عنه وقيل نزلت فى شأن عائشة رضى الله عنها قلت اللفظ عام فى كل من يؤذى «1» مؤمنا او مؤمنة باىّ وجه كان وان كان المورد خاصّا عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من امنه الناس على دمائهم وأموالهم- رواه الترمذي والنسائي وسب عائشة هو سب النبي صلى الله عليه وسلم عرفا وعقلا ونقلا لما ذكرنا فى قول جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم من يعذرنى من رجل يؤذينى ويجمع فى بيته من يؤذينى يعنى عبد الله ابن أبيّ حين قذف عائشة فقول من قال هاهنا انها نزلت فى شأن عائشة معناه ان قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الى قوله إِثْماً مُبِيناً نزلت فى شأن عائشة لا الجملة الاخيرة وحدها وكذا من سبّ عليّا فقد أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) عن قتادة فى الاية قال إياكم وأذى المؤمنين فان الله يحوطه ويغضب له- منه رح

[سورة الأحزاب (33) : آية 59]

أنت منى وانا منك رواه الشيخان فى الصحيحين عن البراء بن عازب بل سب الصحابة عامتهم يفضى الى إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مغفل رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الله فى أصحابي الله الله فى أصحابي لا تتخذوهم غرضا من بعدي فمن أحبهم فبحبى أحبهم ومن ابغضهم فببغضى ابغضهم ومن اذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد أذى الله ومن أذى الله فيوشك ان يأخذه رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب والله اعلم. وقال الضحاك والكلبي نزلت الاية فى شأن الزناة الذين يمشون فى طرق المدينة وهم المنافقون يتبعون النساء إذا برزن فى الليل لقضاء حوائجهن فيغمزون المرأة فان سكتت اتبعوها وان زجرتهم انتهوا عنها- ولم يكونوا يطلبون الا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الامة لان زى الكل كان واحدا يخرجن فى درع وخمار الحرة والامة فشكون ذلك الى أزواجهن فذكروها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية ثم نهين الحرائر ان يتشبهن بالإماء فى الاية اللاحقة والله اعلم اخرج ابن سعد فى الطبقات عن ابى مالك واخرج نحوه عن الحسن ومحمد بن كعب القرظي قال كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن بالليل لحاجتهن وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين فشكون ذلك فقيل ذلك للمنافقين فقالوا انما نفعله بالإماء فنزلت. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ امر بتقدير اللام اى ليدنين عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ جمع جلباب وهى الملحفة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار روى البخاري عن عائشة قالت خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امراة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فراها عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال يا سودة اما والله ما تخفين علينا فانظرى كيف تخرجين قالت فانكفات «مالت ورجعت الى بيتها- منه رح» راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم- فى بيتي وانه ليتعشى وفى يده عرق فدخلت فقالت يا رسول الله انى خرجت لبعض حاجتى فقال عمر كذا وكذا قالت فاوحى الله تعالى اليه ثم رفع عنه وان العرق «1» فى يده ما وضعه فقال

_ (1) العرق بالسكون العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم يقال عرقت العظم واعترقته وتعرقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك 12 نهاية منه رح.

[سورة الأحزاب (33) : آية 60]

انه قد اذن لكن ان تخرجن لحاجتكن- قلت يعنى اذن لكن ان تخرجن متجلببات قال ابن عباس وابو عبيدة امر نساء المؤمنين ان يغطين رؤسهن ووجوههن بالجلابيب الا عينا واحدا ليعلم انهن الحرائر ومن للتبعيض لان المرأة ترخى بعض جلبابها ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ بإضمار الى متعلق بأدنى اى اقرب الى ان يعرفن او بتقدير المضاف اى ادنى اسباب معرفتهن انهن حرائر فَلا يُؤْذَيْنَ عطف على يعرفن اى فلا يتعرضهن اهل النفاق والفسق وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لما سلف رَحِيماً (59) بعباده حيث يراعى مصالحهم حتى الجزئيات منها- قال انس مرّت بعمر بن الخطاب رضى الله عنه جارية متقنعة فعلاها بالدرة وقال يا لكاع «1» أتشبهين بالحرائر القى القناع. لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ عن نفاقهم وعما يتعرضون للنساء وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اى ضعف ايمان وقلة ثبات عليه او فجور عن تزلزلهم فى الدين او فجورهم وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ الذين يوقعون فى المدينة الرجفة وهو الزلزلة والاضطراب الشديد وذلك ان أناسا من المنافقين كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقعون. فى الناس الاخبار الكاذبة يقولون انهم قتلوا وانهزموا ويقولون قد أتاكم العدو ونحوها وقال الكلبي يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ويفشون الاخبار يعنى الكاذبة لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ جواب لقسم محذوف لفظا وللقسم والشرط معا معنى اى لنأمرنك بقتالهم واجلائهم او ما يضطرهم الى طلب الجلاء او لنسلطنك عليهم ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ عطف على لنغرينّك لانه يجوز ان يجاب به القسم لصحة قولك لان لم ينتهوا لا يجاورونك ولمّا كان الجلاء عن الوطن من أعظم المصائب عطف بثم لبعد حاله عن حال المعطوف عليه اى لا يساكنونك فِيها اى فى المدينة إِلَّا قَلِيلًا (60) اى زمانا قليلا او جوارا قليلا حتى يخرجوا منها او يقتلوا. مَلْعُونِينَ منصوب على الذم والشتم او الحال والاستثناء شامل له

_ (1) اللكع عند العرب العبد ثم استعمل فى الحمق والذم يقال للرجل لكع وللمرءة لكاع واكثر ما يقع فى النداء وهو اللئيم وقيل الوسخ قد يطلق على الصغير 12 نهايه جزرى منه رح

[سورة الأحزاب (33) : آية 62]

ايضا اى لا يجاورنك الا ملعونين ولا يجوز ان ينتصب بقوله تعالى أَيْنَما ثُقِفُوا اى وجدوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) لان ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبله والتشديد فى قتّلوا يدل على التكثير. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ مصدر مؤكد اى سنّ الله ذلك فى الأمم الماضية وهو ان يقتل الذين نافقوا بالأنبياء وسعوا فى وهنهم بالارجاف ونحوه اين ما ثقفوا او منصوب بنزع الخافض اى كسنة الله وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) لان الله تعالى لا يبدل سنته وغيره لا يقدر على ان يبدلها. يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ اى عن وقت قيامها استهزاء او تعنتا او امتحانا فالمشركون كانوا يستهزءون ويسئلون عن الساعة إنكارا واستهزاء واليهود كانوا يسئلون اما تعنتا واما امتحانا لان الله عمى وقتها فى التورية وفى سائر الكتب قُلْ يا محمد إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ لم يطلع الله عليه أحدا من الأنبياء والملائكة وَما يُدْرِيكَ واى شىء يعلمك وقت قيامها إذا لم يطلع الله عليه أحدا من خلقه لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) اى شيئا قريبا او يكون الساعة عن قريب او انتصابه على الظرف ويجوز ان يكون تذكير قريب لان الساعة فى معنى اليوم- وكونه قريبا مبنى على ان كل ما هو ات قريب ولعل لوجوب الوقوع وفيه تهديد للمستعجلين وإسكات للمتعنتين. إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) نارا شديدا لا يقاد. خالِدِينَ حال من الضمير فى لهم اى مقدرين خلودهم فِيها اى فى السعير أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحفظهم وَلا نَصِيراً (65) يدفع العذاب عنهم. يَوْمَ تُقَلَّبُ ظرف لقوله لا يجدون او منصوب باذكر اى يوم تصرف وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ من جهة الى جهة كاللحم يشوى بالنار او من حال الى حال خصت الوجوه بالذكر لانها أكرم مواضع من الجسد او الوجه عبارة عن الجملة يَقُولُونَ حال من الضمير المجرور فى وجوههم والمضاف جزء من المضاف اليه وهو مسند اليه فيصح وقوع الحال عنه يا لَيْتَنا اى يا قومنا ليتنا وقيل يا للتنبيه أَطَعْنَا اللَّهَ فى الدنيا وَأَطَعْنَا فى الدنيا الرَّسُولَا (66) فلم نبتل بهذا العذاب فى الاخرة زيدت الالف فى الرَّسُولَا والسَّبِيلَا لرعاية الفواصل والدلالة على انقطاع الكلام واستيناف ما بعده. وَقالُوا رَبَّنا يا ربنا إِنَّا أَطَعْنا

[سورة الأحزاب (33) : آية 68]

سادَتَنا وَكُبَراءَنا يعنون قادتهم الذين سنوا لهم الكفر قرأ ابن عامر ويعقوب سادتنا بكسر التاء والف قبلها على جمع الجمع للدلالة على الكثرة والباقون بفتح التاء بلا الف قبلها فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) بما زيّنوه لنا. رَبَّنا اى يا ربنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ اى مثلى ما أتيتنا منه لانهم ضلوا وأضلونا وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) قرأ عاصم بالباء الموحدة اى أشد اللعن وأعظمه والباقون بالثاء المثلثة اى كثير العدد-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى يعنى قالوا فيه ما يشينه فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا فاظهر براءته قيل ذلك ما روى عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان موسى كان رجلا حييا كريما ستيرا لا يرى من جلده شىء استحياء منه فاذاه من أذاه من بنى إسرائيل فقال ما يستر هذا الستر الا من عيب بجلده اما برص واما ادرة واما آفة فاراد الله ان يبرئه مما قالوا فخلا وحده وخلع ثيابه ووضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلمّا فرغ اقبل على ثيابه ليأخذها فاذا الحجر عدا بثوبه فاخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبى يا حجر ثوبى يا حجر حتى انتهى الى ملأ من بنى إسرائيل فرأوه عريانا احسن ما خلق الله فابراه مما يقولون وقام الحجر فاخذ موسى ثوبه ولبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فو الله ان بالحجر لبقيا من اثر ضربه ثلاثا او أربعا او خمسا فذلك قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا- رواه البخاري والترمذي واحمد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية وعبد الرزاق وعبد بن حميد وقال ابو العالية هو ان قارون استأجر امرأة لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ فعصمه الله فبرأ موسى من ذلك وأهلك قارون وقد مر القصة فى سورة القصص- وقال قوم إذا هم موسى انه لما مات هارون فى التيه ادّعوا على موسى انه قتله فامر الله الملائكة حتى مروا به على بنى إسرائيل فعرفوا انه لم يقتله فبراه الله مما قالوا- أخرجه ابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والحاكم وصححه وابن مردوية عن ابن عباس عن على بن ابى طالب رضى الله عنهم والله اعلم روى البخاري عن عبد الله رضى الله عنه قال قسّم النبي صلى الله عليه وسلم قسما فقال رجل ان هذه القسمة ما أريد بها وجه الله فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرته فغضب حتى رايت الغضب فى وجهه فقال يرحم الله موسى قد أوذي

[سورة الأحزاب (33) : آية 70]

بأكثر من هذا فصبر وَكانَ موسى عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) اى كريما ذا جاه يقال وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه إذا كان ذو جاه وقدر قال ابن عباس كان عند الله بحيث لا يسئل شيئا الا أعطاه وكذا قال الحسن وقيل كان مجيبا مقبولا. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ فى ارتكاب ما يكرهه فضلا عما يؤذى رسوله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) قال ابن عباس صوابا وقال قتادة عدلا وقال الحسن صدقا وقيل مستقيما وقيل قاصدا الى الحق والمال واحد يعنى صدقا غير كذب ولا مجازفة فان الكذب يمحق والصدق يبقى قيل المراد منه نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل وما خاضوا فيه من حديث افك عائشة قال عكرمة هو قول لا اله الا الله. يُصْلِحْ مجزوم فى جواب الأمر وكذا ما عطف عليه لَكُمْ أَعْمالَكُمْ قال ابن عباس يقبل حسناتكم وقال مقاتل يزكى أعمالكم يعنى يصلحها للقبول والاثابة عليها وقيل معناه يوفقكم للاعمال الصالحة وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ اى يجعلها مكفرة باستقامتكم على القول والعمل وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) اى ظفر بالخير كله يعيش فى الدنيا حميدا ويبعث فى الاخرة سعيدا. إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ وهاهنا ابحاث الاول فى ان الامانة ما هى الثاني فى ان المراد بالسماوات والأرض والجبال ما هى أعيانها او أهلها كما فى قوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ يعنى أهلها والثالث ان المراد بالعرض الخطاب اللفظي او الحالي والرابع فى معنى الحمل والإباء عنه- قال ابن عباس الامانة الطاعة والفرائض التي فرض الله تعالى على عباده عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال يعنى على أعيانها بالخطاب اللفظي على ان أدتها اثابهن وان ضيعتها عذبهن- وقال ابن مسعود الامانة أداء الصلاة وإيتاء الزكوة وصوم رمضان وحج البيت وصدق الحديث والعدل فى الكيل والوزن وأشد من هذا كله الودائع- وقال مجاهد الامانة أداء الفرائض وحفظ الدين وقال ابو العالية ما أمروا به ونهوا عنه وقال زيد بن اسلم هى الصوم والغسل من الجنابة وما يخفى من الشرائع يعنى ما لا مدخل للرياء فيه وقال عبد الله بن عمرو بن العاص أول ما خلق الله من الإنسان فرجه وقال هذه امانة استودعكها فالفرج امانة والاذن امانة والعين امانة والرجل امانة ولا ايمان

لمن لا امانة له- وقال بعضهم هى أمانات الناس والوفاء بالعهود فحق على كل مؤمن ان لا يغش مؤمنا ولا معاهدا فى شىء قليل ولا كثير وهى رواية الضحاك عن ابن عباس- ومرجع هذه الأقوال ان الامانة هى التكليفات الشرعية والمراد بالسماوات والأرض أعيانها قال البغوي هذا قول ابن عباس وجماعة واكثر السلف والعرض بالخطاب اللفظي قال البغوي قال الله تعالى لهن أتحملن هذه الامانة بما فيها قلن وما فيها قال ان احسنتن جوزيتن وان عصيتن عوقبتن فقلن لا يا رب نحن مسخرات لامرك لا نريد ثوابا ولا عقابا- قلن ذلك خوفا وخشية وتعظيما لدين الله ان لا يتادى منهن حقه لا معصية ومخالفة وكان العرض عليهن تخييرا لا إلزاما ولو الزمهن لم يمتنعن من حملها- وقيل المراد بالعرض الخطاب اللفظي وبالسماوات والأرض والجبال أهلها كما فى قوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ اى أهلها دون أعيانها- وقيل المراد بالسماوات والأرض والجبال أعيانها وبالعرض اعتبارها بالاضافة الى استعدادهن وبآبائهن الآباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوما جهولا ما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية وعلى هذا يحسن ان يكون هذان الصفتان باعثتين للحمل عليه قال البيضاوي لعل المراد بالامانة العقل او التكليف ومن فوائد العقل ان يكون مهيمنا على القوتين حافظا لهما عن التعدّى ومجاوزة الحدود الشرعية ومعظم مقصود التكليف تعديلها وكسر شوكتها وايضا قال البيضاوي هذه الاية تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة وسماها امانة من حيث انها واجبة الأداء والمعنى انها لعظم شأنها بحيث لو عرضت على الاجرام العظام وكانت ذات شعور وادراك لابت ان تحملها وأشفقت منها وحملها الإنسان مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فاز الراعي بها والقائم بحقوقها بخير الدارين قلت ونظيره قوله تعالى لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فهذه الاية على هذا التأويل كانه مثل ضرب وهذان القولان يعنى قول من ارتكب التجوز فى لفظ السماوات ونحوها وقول من ارتكب التجوز فى العرض والخطاب مبنيان على استبعاد الخطاب مع الجمادات فقال بعضهم فى دفع هذا الاستبعاد انه تعالى لما خلق هذه الاجرام خلق فيها فهما وقال انى فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني ونارا لمن عصانى فقلن نحن مسخرات على ما خلقنا لا نحتمل فريضة ولا نبغى ثوابا- ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فتحمله وكان ظلوما لنفسه بتحمله

ما يشق عليه جهولا لو خامة عاقبته- اخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد نحوه وفيه فكان بين ان تحملها الى ان اخرج من الجنة قدر ما بين الظهر والعصر. وقيل فى دفع الاستبعاد ان الجمادات كلها وان كانت غير عاقلة بالنسبة إلينا لكنها بالنسبة الى الله تعالى عاقلة خاضعة مطيعة ساجدة له قال الله تعالى للسماوات والأرض ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ وقال الله تعالى وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ ... وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقال الله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ قيل المراد بالإنسان فى قوله تعالى وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ آدم عليه السّلام قال الله تعالى لادم انى عرضت الامانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها قال وأنت أخذ بما فيها قال يا رب وما فيها قال ان أحسنت جوزيت وان اسأت عوقبت فحملها آدم فقال بين اذنى وعاتقى فقال الله تعالى إذا قبلت فساعينك واجعل لبصرك حجابا فاذا خشيت ان تنظر الى ما لا يحل فضع عليه حجابه واجعل للسانك لحيين وغالقا فاذا خشيت فاغلق واجعل لفرجك لباسا فلا تكشف على ما حرمت عليك- قال مجاهد فما كان بين ان حملها وبين ما خرج من الجنة الا مقدار ما بين الظهر والعصر قلت لعل الحكمة فى إخراجه من الجنة بعد حمل الامانة ان الجنة ليست محلا لاداء الامانة بل هى محل للثواب على أدائها فاخرج الى الدنيا التي هى مزرعة الاخرة لاداء الامانة- قال البغوي حكى النقاش بإسناده عن ابن مسعود انه مثّلت الامانة كصخرة ملقاة ودعيت السماوات والأرض والجبال إليها فلم يقربن منها وقلن لا نطيق حملها وجاء آدم من غير ان دعى وحرك الصخر وقال لو أمرت بحملها لحملتها فقال له احملها فحملها الى ركبتيه ثم وضعها وقال والله ان أردت ان ازداد لزدتّ فقلن له احمل فحملها حتى وضعها على عاتقه فاراد ان يضعها فقال الله تعالى مكانك فانما هى فى عنقك وعنق ذريتك الى يوم القيامة وذكر الزجاج وغيره من اهل المعاني المراد بالامانة الطاعة التي يعم الطبيعية والاختيارية وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من الاختيار وارادة صدوره من غيره وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ومنه قولهم حامل لامانة ومحتملها لمن لا يؤديها فيبرأ ذمته فيكون الإباء عنه إتيانها بما يمكن ان يتأتى والظلم والجهالة للخيانة والتقصير قال الله تعالى لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وحكى عن الحسن على هذا التأويل انه قال وَحَمَلَهَا

الْإِنْسانُ يعنى الكافر والمنافق حملا الامانة اى خانا قال البغوي قول السلف هو الاول قلت ولمّا كان مقتضى سياق الاية اختصاص الإنسان بحمل الامانة دون غيره من المخلوقات فالقول بان الامانة هى التكليفات الشرعية غير مناسب لاشتراك الجن والملائكة فيها ويلزم منه فضل الملائكة على الإنسان لادائهم الامانة بكمالها لعصمتهم يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ بخلاف الإنسان لانّ منهم ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ- ومن ثم قالت الصوفية العلية المراد بالامانة نور العقل ونار العشق فنور العقل يحصل به معرفة الله سبحانه بالاستدلال ونار العشق يحصل بها معرفة الله سبحانه بحرق الحجب والملائكة وان كانوا عباد الله المقربين لكنهم مخلوقين فى مقام معلوم من القرب والعرفان قال الله تعالى حكاية عنهم وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ فالترقى الى المراتب الغير المتناهية بنار العشق انما هو من خصائص الإنسان- وعندى على ما استفدت من كلام المجدد للالف الثاني رضى الله عنه ان الامانة ما أودع الله سبحانه فى ماهية الإنسان من الاستعداد للتجليات الذاتية الدائمة فان الجن وان كان بعد الايمان والإتيان بالأعمال الصالحة يلحق بالملائكة وتستعد للتجليات الصفاتية لكن التجلي الذاتي لا يتحملها من لا مزاج له من الأرض وهذا الاستعداد هو المستوجب للخلافة وهذا العلم هو المعنى بقوله تعالى للملائكة فى حق آدم عليه السّلام إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ يعنى اعلموا ان التجلي الذاتي لا يتحملها من لا مزاج له من الأرض واليه الاشارة بقوله تعالى إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً يعنى مركبا للقوى السبعية الداعية الى التفوق والتعلى المقتضية للترقيات الى أعلى الشواهق جَهُولًا (72) مركبا للقوى البهيمية التي يطيق بها صاحبها تحمل رياضات ومشاق لا بد منها للعاشق فى طلب وصل المحبوب فهو تعليل ومنقبة له- وتلك القوتين جميعا ناشيتان من الأرض فان مادة الأرض لكمال كثافته يتحمل التجلي الذاتي كما ان الاجرام الارضية لكثافتها تتنور بنور الشمس دون الاجرام اللطيفة والملائكة المقربون منحصرون فى مقاماتهم وولاياتهم وان كانت ولايتهم فوق ولاية الأنبياء لكونها مستفادة من الصفات من حيث البطون اعنى من حيث قيامها بذات الله سبحانه وولاية الأنبياء من الصفات من حيث الظهور اعنى من حيث هى هى لا من حيث قيامها بالذات- ومن هذه الاعتبار

هى مباد لمبادى تعينات العالم لكن لاحظ للملائكة من التجلي الذاتي الذي هى كمالات النبوة ولاجل ذلك اختص النبوة بنوع البشر دون غيرهم وصار خواص البشر اى الأنبياء أفضل من خواص الملائكة وصارت الجنة للبشر والملائكة تدخلون عليهم من كل باب ومن قال ان المراد بالامانة التكليفات الشرعية وبتحملها قبولها بالاختيار فمعنى هذه الجملة عندهم انه كان ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليه جهولا بوخامة عاقبته وما يلحقه العذاب بترك ادائه وليس فيه مذمة للانسان بل هى بيان للواقع وقال البيضاوي حين قال هذه الاية تقرير للوعد السابق ما معنا ان الامانة مع عظم شأنها بحيث لا يطيق حملها الاجرام العظام لو فرضت ذات شعور وحملها الإنسان مع ضعف بنيته فاز الراعي لها بخير الدارين ان قوله إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً حيث لم يف بها ولم يراع حقها جهولا بكنه عاقبتها وصف للجنس باعتبار الأعم الأغلب وقال صاحب بحر المواج معناه ان الإنسان كان ظلوما حيث زعم نفسه قادرا على أداء ما أشفقت عنه السماوات وأمثالها ثم لم يؤدّها جهولا لعجزه عن أدائها- وهذا التأويل ليس عندى بمرضى لان تحمل الامانة كان من آدم عليه السّلام وهو المراد بالإنسان وهو كان نبيّا معصوما قد ادى ما حمل عليه وضمير انّه راجع الى من حمل وقالت الصوفية معنى الاية انه اى الإنسان باعتبار اكثر افراده كان ظلوما على نفسه حيث ضيع استعداده للمعرفة والتجليات الالهية الذي هو فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها جهولا يحسن ما فات عنه وقبح ما اكتسبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهوّدانه او ينصّرانه او يمجّسانه الحديث متفق عليه من حديث ابى هريرة قلت لما سمعت ان الظلم كناية عن القوة السبعية والجهل عن القوة البهيمية وحسن القوتين وقبحهما ليس الا بحسب متعلقهما ومصرفهما الا ترى ان القوة السبعية ان صرفت لدفع اعداء الدين من الشيطان وأمثاله وكسب التفوق والتعلى الى مدارج القرب كانت حسنة إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ وان الله يحب معالى الهمم- وان صرفت فى قهر المعصومين والتكبر والتعلى فى مقابله رب العالمين كانت قبيحة أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ- وكذا القوة البهيمية ان صرفت فى كسب السعادة كانت حسنة وان صرفت فى كسب اللذات كانت قبيحة لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ولا شك ان حسن تعلقهما موقوف على تزكية النفس والقلب والعناصر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فى

[سورة الأحزاب (33) : آية 73]

جسد بنى آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله الا وهى القلب رواه البخاري- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها- وامتثال التكليفات الشرعية سبب لتزكيتها فان كان المراد بالامانة التكليفات الشرعية فقوله إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا اشارة الى علة تحميل الإنسان وتحمله تلك الامانة فالمعنى إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا ولاجل ذلك عرضنا عليه الامانة وتحمله آدم عليه السّلام حتى يتزكى بها عن امر زائل ويستعد للفضائل ويكون محمودا فى الدارين وان كان المراد بالامانة التجليات الذاتية فهو اشارة الى انه كان أهلا لتلك الامانة دون غيره لان تلك الامانة لا يتصور حملها الا من كان جامعا لتلك الصفتين كما ذكرنا وغيرهما من الحواس والقوى. وعلى كلا التقديرين لمّا كانت الصفتان المذكورتان على تقدير عدم التزكية والخذلان من الله تعالى وكونهما مصروفتين فى الباطل موجبتين للعذاب وعلى تقدير التزكية والتأييد من الله وكونهما مصروفتين فى الحق موجبتين للرحمة والثواب حسن تعليل حمل الامانة وعرضها الذي هو مقتضى تلك الصفتين المركبتين فى الطبيعة الانسانية بقوله تعالى. لِيُعَذِّبَ اللَّهُ اللام للعاقبة كما فى قوله لدوا للموت وابنوا للخراب الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ المضيعين للامانة والمنهمكين فى الظلم واللذات وَيَتُوبَ اللَّهُ اى يرجع بالرحمة والمغفرة والجدب والاجتباء وإعطاء مراتب القرب عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ المؤدين للامانات المستغرقين فى التجليات- قال ابن قتيبة اى عرضنا الامانة يعنى التكليفات الشرعية او الاستعداد المودع ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهم الله ويظهر ايمان المؤمن (قلت وعرفان العارف) فيتوب عليه بالرحمة والمغفرة ان حصل منه تقصير فى بعض الطاعات قلت وبالتجليات الذاتية الدائمة والوصل بلا كيف من غير حجاب وذكر التوبة فى الوعد اشعار بان كونهم ظلوما جهولا فى جبلتهم فلا يخلوا عن فرطات وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً للمؤمنين حيث تاب على فرطا بقم رَحِيماً (73) بهم حيث أثابهم على طاعاتهم تفضلا وأفاض عليهم تجلياته وبركاته. تم تفسير سورة الأحزاب (ويتلوه سورة سبا ان شاء الله تعالى) غرة شهر المحرم من السنة السابعة بعد الف ومائتين سنة 1207 هـ وصلى الله على محمّد واله وأصحابه.

الجزء الثامن

الجزء الثامن فهرست السور القرآنية من التفسير المظهري فهرست سوره سبا مضمون/ صفحه/ ان الازمنة كلها وما فيها من الزمانيات الماضية والمستقبلة حاضرة عند الله سبحانه وهو خارج عن الزمان 5 (فائدة) وقد يأتى على بعض الأكابر حالة يخرج فيه من حيز الزمان فيرى الماضي او المستقبل موجودا عنده 5 كان الحديد فى يد داود كالشمع والعجين إلخ 11 حديث ما أكل أحد طعاما قط خيرا من ان يأكل من عمل يديه وان داود نبى الله كان يأكل من عمل يديه 11 كيفية بناء الجن البيت المقدس 13 حديث لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلثا 14 مسئله هل يجوز تزيين المساجد بالذهب والفضة ونحوهما 14 حديث كل مصور فى النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفسا فيعذبه فى جهنم 15 حديث يخرج عنق من النار يوم القيامة إلخ حديث ومن اظلم ممن ذهب يغلق كخلقى 16 مضمون/ صفحه/ قال سليمان عليه السلام اللهم أعم موتى على الجن بعلم الانس ان الجن لا يعلمون الغيب 17 حديث فروة بن مسيك الغطفاني قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله ان سبا قوم كان لهم فى الجاهلية عزوانى أخشى ان يرتدوا عن الإسلام أفأقاتلهم إلخ 18 قال رجل يا رسول الله أخبرني عن السبأ إلخ 19 تفصيل قصة سيل العرم 20 علمه تعالى قديم أكن تعلق العلم بالمعلوم حادث 24 ان نبى الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قضى الله الام فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها إلخ 26 كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام خمسمائة وخمسين سنة وقيل ستمأئة 27 حديث أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى إلخ 30 حديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده إلخ 37 حديث لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلخ 38 فهرست سورة الملائكة حديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلوة لا اله الّا الله وحده لا شريك له 42 حديث ما بين النفختين أربعون إلخ 36 حديث ابن مسعود ما من عبد يقول خمس كلمات إلخ 36 حديث لا يرد القضاء الّا الدعاء إلخ 45 حديث يجيئ ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال إلخ 51 حديث إذا كان يوم القيامة رفع الى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين إلخ 51 قال الشيخ العارف الاجل شهاب الدين السهروردي فى هذه الاية تعريض الى انه من لا خشية له فهو ليس بعالم 53 حديث ابى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا- 54 حديث ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوفيهم أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة إلخ 55 حديث سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له 56 حديث ابى ثابت ان رجلا دخل المسجد فقال اللهم ارحم غربتى إلخ 57 حديث ابى موسى يبعث الله العباد يوم القيامة ثم يميز العلماء فيقول يا معشر العلماء إلخ 57 حديث ابى هريرة يبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء إلخ 59.

سورة سبأ

سورة سبأ مكّيّة وهى اربع وخمسون اية ربّ يسّر بسم الله الرّحمن الرّحيم وتمّم بالخير الحمد لله الّذى له ما فى السّموت وما فى الأرض ملكا وخلقا وقمرا فهو الحقيق بالحمد سرّا وجهرا دون غيره وانما يحمد غيره لاجل اضافة بعض النعم الى غيره ظاهرا وبالمجاز. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ لان نعماء الاخرة ايضا له تعالى وليس هذا من قبيل عطف المقيد على المطلق بل المعطوف عليه مقيد بكونه فى الدنيا لما يدل الوصف بالموصول والصلة على انه المنعم بالنعم الدنيوية فله الحمد فى الدنيا لكمال قدرته وتمام نعمته وكذا فى الاخرة لان نعماء الآخرة ايضا له تعالى وتقديم الظرف فى الجملة الثانية للاشعار بان الحمد فى الدنيا قد يكون الله تعالى بواسطة من يستحق الحمد لاجلها ولا كذلك نعم الاخرة بل هى مختصة بالله تعالى قيل الحمد فى الاخرة هو حمد اهل الجنة كما قال الله تعالى وقالوا الحمد لله الّذى هدينا لهذا وما كنّا لنهتدى لولا ان هدينا الله وقالوا الحمد لله الّذى صدقنا وعده- والحمد لله الّذى اذهب عنّا الحزن وَهُوَ الْحَكِيمُ الذي احكم امور الدين الْخَبِيرُ (1) ببواطن الأشياء وظواهرها.

[سورة سبإ (34) : آية 2]

يَعْلَمُ حال او استيناف فى مقام التعليل ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ من المطر الذي ينفذ فى مسام الأرض والأموات والكنوز وَما يَخْرُجُ مِنْها من النبات والفلذات والأموات إذا حشروا والماء من الآبار والعيون وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من الأمطار والصواعق والملائكة والكتب والمقادير والأرزاق وانواع البركات واصناف البليات وَما يَعْرُجُ فِيها من الملائكة واعمال العباد والدعوات وَهُوَ الرَّحِيمُ فينزّل ما يحتاجون اليه الْغَفُورُ (2) للمفرطين فى شكر نعمته مع كثرتها هذه الجملة معطوفة على يعلم. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ انكار لمجيئها معطوف على جملة مقدرة مفهومة من قوله تعالى وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ... وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ فانه يفهم منه وعد الله بالرحمة والمغفرة للحامدين يوم تأتى الساعة قُلْ بَلى رد لكلامهم واثبات لما نفوه وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ تكرير لايجابه مؤكدا بالقسم وبتوصيف المقسم به بقوله عالِمِ الْغَيْبِ فان عظم المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم وفيه اشارة الى ان الساعة من الغيب وعلمه مختص بالله تعالى يكفى لاثباته شهادة تعالى ولا يجوز لاحد اثبات شيء من الغيب ولا نفيه الا بتعليم من الله تعالى. قرأ حمزة والكسائي علّام الغيب على وزن فعّال للمبالغة والباقون على وزن فاعل وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على انه خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره ما بعده والباقون بالجر على انه صفة للرب ففيه تأكيد للردّ على انكارهم فان انكار هم ليس الا مبنيّا على جهلهم واستبعادهم ممكنا مثل سائر الممكنات ثابتا إتيانه بأخبار عالم الغيب لا يَعْزُبُ قرأ الكسائي بكسر الزاء والباقون بضمها ومعناهما واحد اى لا يغيب عَنْهُ مِثْقالُ اى مقدار ثقل ذَرَّةٍ اى نملة صغيرة كائنة فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ موجهة فى شيء من الازمنة الماضية او المستقبلة او الحال والقول بان المعنى لا يعزب عنه مثقال ذرّة موجودة فى الزمان الحال كائنة فى السماوات او الأرض يأباه المقام لان الجملة واقعة تأكيدا لقوله

عالم الغيب بيانا لشمول علمه جميع الكائنات ماضيا كان او مستقبلا حتى يكون مؤكدا للاخبار بإتيان الساعة. وايضا حضور جميع الأشياء الموجودة فى الحال؟؟؟ لبعض من الخلائق كما ذكرنا فى سورة الانعام فى تفسير قوله تعالى تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا انه قيل يا رسول الله ملك الموت واحد والزحفان يلتقيان من المشرق والمغرب وما بين ذلك من السقط والهلاك انه حوى الدنيا الملك الموت حتى جعلها كالطست بين يدى فهل يفوته منها شيء فالظاهر من هذه الاية ان الازمنة كلها وما فيها من الزمانيات الماضية والمستقبلة حاضرة عند الله سبحانه وهو خارج عن الزمان كما ان الامكنة والمكانيات حاضرة عنده تعالى وهو خارج عن المكان لا يجرى عليه زمان كما لا يحويه مكان فالزمان مخلوق له تعالى حادث حدوثا ذاتيا كما ان المكان مخلوق له فالماضى والمستقبل بالنسبة اليه سواء كما ان الامكنة كلها بالاضافة اليه سواء وقد نبه على ذلك بعض الأكابر من علماء الظاهر قال الجلال الدواني رحمة الله عليه فى رسالته الزوراء إذا اعتبرت الامتداد الزمانى الذي هو محل التغيير والتبديل وعرض الحوادث الكونية بما يقارنه من الحوادث جملة واحدة وجدته شأنا من شيون العلة الاولى محيطا لجميع الشيون المتعاقبة- ثم ان أمعنت النظر وجدت التعاقب باعتبار حضور حدود ذلك الامتداد وغيبوبتها بالنسبة الى الزمانيات الواقعة تحت حيطته- واما المراتب العالية عليها فلا تعاقب بالنسبة إليها بل الجميع متساوية بالنسبة إليها متحاذية فى الحضور لذاتها فما ظنك ما على شواهق العوالي ليس عند ربك صباح والإمساء تنبيه إذا أخذت امتداد مختلف الاجزاء فى اللون كخشب اختلف اللون فى اجزائه ثم امررته فى محاذات ذرة او غيرها ممّا يضيق حدقته عن الإحاطة بجميع ذلك الامتدادات ليس تلك الألوان المختلفة متعاقبة فى الحضور لديها لضيق حدقتها متقاربة فى الحضور لديك لقوة احاطتك فاعتبروا يا أولى الابصار انتهى كلامه فائدة وقد يأتى على بعض الأكابر حالة يخرج فيه من حيز الزمان فيرى الماضي او المستقبل موجودا عنده ويشهد عليه ما رواه الشيخان فى الصحيحين عن عبد الله بن عباس قال انخسف الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم والناس فقام قياما طويلا فذكر الحديث بطوله حتى قال قالوا يا رسول الله رايناك تناولت شيئا فى مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت فقال انى رايت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لاكلتم منه ما بقيت الدنيا ورايت النار فلم ار كاليوم منظرا قط أفظع ورايت اكثر أهلها النساء الحديث- ولا شك ان دخول النساء فى النار لا يكون الا بعد القيامة وقد راه النبي صلى الله عليه وسلم موجودا لا يقال لعل النبي صلى الله عليه وسلم راى صورة النار والجنة فى عالم المثال مثل ما يرى النائم فى المنام لان قوله لو أخذته لا كلتم منه ما بقيت الدنيا صريح فى انه صلى الله عليه وسلم راى حقيقة الجنة والنار دون مثالهما وما روى مسلم عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رايت الجنة فرايت امراة ابى طلحة وسمعت خشخشة امامى فاذا بلال وما روى احمد وابو داود والضياء عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بي ربى عزّ وجلّ مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون فى اعراضهم وعن جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم عرضت علىّ النار فرايت فيها امراة من بنى إسرائيل تعذب فى هرة ربطها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى ماتت جوعا ورايت عمر بن عامر الخزاعي يجر قصبه فى النار وكان أول من سيب السوائب- رواه مسلم وقال اكثر المفسرين معنى قوله تعالى لا يَعْزُبُ عَنْهُ اى علمه مِثْقالُ ذَرَّةٍ ... وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ اى من الذرة وَلا أَكْبَرُ منه إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) حملة مؤكدة لنفى العزوب ان كان المراد بالعزوب العزوب عن علمه او المراد بالكتاب المبين علمه تعالى او اللوح المحفوظ الذي حاك عن بعض من علومه وان كان المراد عدم عزوب شيء من ذاته سبحانه فهذا تأسيس لا تأكيد وأصغر واكبر مرفوعان بالابتداء ويؤيده القراءة بالفتح على اعمال لا التي لنفى الجنس- ولا يجوز العطف مرفوعا على مثقال ومفتوحا على ذرة فى محل الجر لامتناعها من الصرف لان الاستثناء عنه؟؟؟ ولا يجوزان يكون الاستثناء منقطعا بمعنى لكن لان الاستدراك والاستثناء المنقطع

[سورة سبإ (34) : آية 4]

بعد النفي يكون اثباتا فيكون المعنى لا يعزب مثقال ذرة ولا أصغر منه ولا اكبر ولكن يعزب فى كتاب مبين وهذا فاسد- قال البيضاوي اللهم إذا جعل الضمير فى يعزب للغيب وجعل المثبت فى اللوح خارجا عنه لظهوره على المطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب إلا سطورا فى اللوح وهذا التوجيه ضعيف كما يشعر به كلام البيضاوي لان كونه فى اللوح لا يخرجه عن الغيب والكلام فى شمول علمه تعالى ولا مساس لهذا التوجيه بالمدعى على انه ورد فى سورة يونس بلفظ لا يعزب عن ربّك من مّثقال ذرّة فى الأرض ولا فى السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر الّا فى كتب مبين ولا يتاتى هذا التوجيه هناك وقيل هذا على طريقة المدح بما يشبه الذم كما فى قوله تعالى وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ كقولك فى زيد لا عيب فيه الّا انه عالم يعنى لا عيب فيه أصلا والمعنى لا يعزب عنه مثقال ذرة الا فى كتاب مبين حكمه فكيف يغب عنه. لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ علة لقوله لتأتينّكم وبيان لما يقتضى إتيانها أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لما قصروا فى أداء حقوق العبودية التي لا يمكن استيفاؤها وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) حسن فى الجنة لا تعب فيه ولا منّ عليه لما أتوا بها من الحسنات وتفضلا-. وَالَّذِينَ سَعَوْا عطف على الّذين أمنوا مفعول ليجزى اى ليجزى الذين سعوا فِي آياتِنا بالابطال وتزهيد الناس فيها مُعاجِزِينَ قرأ ابن كثير وابو عمرو معجّزين من التفعيل اى مثبطين عن الايمان من اراده والباقون من المفاعلة اى مقدرين عجزنا او سابقين لنا فيفوتنا لظنهم بأن لا بعث ولا عقاب أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ قال قتادة الرجز سوء العذاب فمن بيانية أَلِيمٌ (5) اى ذو الم يعنى مؤلم قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب بالرفع هنا وفى الجاثية على انه نعت للعذاب والباقون بالجر على انه نعت للرجز. وَيَرَى بمعنى يعلم مرفوع عطفا على مضمون بلى لتأتينكم وقيل منصوب معطوف على يجزى اى ليجزى الّذين أمنوا وليعلم الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعنى مؤمنى اهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه وقال قتادة

[سورة سبإ (34) : آية 7]

هم اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان اى يعلم عند مجيء الساعة انه الحق عيانا كما علموه الان برهانا الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعنى القران مفعول أول ليرى هُوَ الْحَقَّ بالرفع «1» مبتدا وخبر والجملة ثانى مفعولى يرى وقرئى بالنصب على انه ثانى مفعولى يرى والضمير للفصل وجملة يرى مستأنفة للاستشهاد باولى العلم على الجهلة الساعين فى الآيات وَيَهْدِي الله او الذي انزل إليك عطف على الحق إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) اى الإسلام. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا وبينهما معترضات ووضع المظهر موضع الضمير للتصريح على مناط الحكم يعنى قال منكروا البعث بعضهم لبعض متعجبين منه هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم يُنَبِّئُكُمْ صفة لرجل اى يخبركم بأعجب الأعاجيب وهو انه إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ كل منصوب على المصدرية لاضافته الى المصدر الميمى يعنى إذا متم وتمزق أجسادكم كل تمزق بحيث يصير ترابا او على الظرفية بمعنى إذا مزقتم وذهبت بكم السيول كل مذهب وطرحته كل مطرح إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) منصوب بقوله ينبئكم بتضمين معنى القول يعنى يقول انّكم لفى خلق جديد وتقديم الظرف يعنى إذا مزّقتم للدلالة على البعد والمبالغة وعامله محذوف دل عليه ما بعده يعنى ينبئكم بانكم تبعثون إذا مزّقتم كلّ ممزّق يقول انّكم لفى خلق جديد وذلك لان ما قبله لم يقارنه وما بعد انّ لا يعمل فيما قبله وذكروا النبي صلى الله عليه وسلم بالتنكير مع كونه مشهورا فى قريش شائعا انباؤه بالبعث تجاهلا به وبامره بناء على استبعاده وقصدا الى التحقير. أَفْتَرى همزة استفهام دخلت على همزة الوصل فسقطت من اللفظ للاستغناء عنها ولعدم اللبس بالخبر فان همزة الوصل هاهنا مكسورة بخلاف ما إذا كان همزة الوصل مفتوحة نحو ءالله والذكر وءائن فان هناك لا تحذف بل تسهل او تبدل الفا ويمد وسقطت من الخط ايضا على خلاف القياس عَلَى اللَّهِ

_ (1) اجمع القراء على النصب ولا خلاف بينهم فى ذلك- ابو محمد عفا الله عنهم-

[سورة سبإ (34) : آية 9]

كَذِباً منصوب على المصدرية بافترى إذا لافتراء نوع من الكذب وهو التعمد به أَمْ بِهِ جِنَّةٌ اى جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه وزعم بعضهم بجعل الجنون قسيما للافتراء ان بين الصدق والكذب واسطة وهى كل خبر لا يكون على بصيرة بالمخبر عنه وضعفه بيّن فان الافتراء ليس مساو للكذب بل هو أخص منه فان الكذب خبر لا يطابق الواقع سواء كان عمدا او خطا بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ إضراب من جملة مقدرة اى لم يفتر وليس به جنة بل الّذين لا يؤمنون بِالْآخِرَةِ المشتملة على البعث والعذاب فِي الْعَذابِ فيها وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) من الحق فى الدنيا رد الله سبحانه عليهم ترديد هم واثبت لهم ما هو أقبح من القسمين وهو البعيد من الضلال بحيث لا يرجى الخلاص منه وما هو مراده اى العذاب وجعل العذاب مقارنا للضلال فى الحكم مقدما عليه فى اللفظ للمبالغة فى استحقاقهم له والبعد فى الأصل صفة اتصال وصف به الضلال مجازا كقوله شعر شاعر.. أَفَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره اعموا فلم يروا اى لم ينظروا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ يعنى الى ما أحاط بجوانبهم مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ يعنى ان المشاهدات كلها تدل على كمال قدرة الصانع المختار وكمال قدرته يقتضى جواز البعث فكيف يحكمون باستحالته وكونه مكذبا فيه مفترى والمخبر على كمال صفات الكمال من العقل والصدق المعروف بينهم فكيف يحكمون عليه بالجنون والهزاء فما هو الإضلال بعيد- فهذه الجملة تعليل لقوله بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ ثم بعد شرح ضلالهم يخوفهم الله تعالى على ما هم عليه بقوله إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ قرأ الكسائي بإدغام الفاء فى الباء والباقون بالإظهار الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ قرأ حمزة والكسائي يشأ يخسف يسقط بالياء فيهن على الغيبة لذكر الله فيما قبل والباقون بالنون على التكلم عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات قرأ حفص كسفا بتحريك السين والباقون بإسكانها قيل قوله أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ

[سورة سبإ (34) : آية 10]

تمهيد للانذار والتخويف والمعنى اعمّوا فلم يروا ما أحاط بهم من السماء والأرض حيثما كانوا واين ما ساروا مقهورين لا يقدرون ان ينفذوا من أقطارهما ويخرجوا من ملكوتنا يعنى قد راوا ذلك فليخافوا ان يخسف الله بهم الأرض كما فعل بقارون او يسقط عليهم كسفا من السماء كما أرسلنا حجارة من السماء على قوم لوط لتكذيبهم رسولنا وكفرهم باياتنا إِنَّ فِي ذلِكَ الذي يرونه من السموات والأرض لَآيَةً دلالة واضحة على كمال القدرة وجواز البعث بعد الموت وجواز تعذيب من كفر بالله لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) راجع الى الله بقلبه لكونه كثير التفكر والتأمل. وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا على كثير من عباده المؤمنين يدل على ذلك قوله تعالى حكاية عن سليمان الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ويندرج فيه النبوة والكتاب والملك وحسن الصوت وتلين الحديد وغير ذلك وفضلا منصوب على المفعولية ومنّا حال منه يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ بدل من فضلا او من اتينا بتضمين القول اى قلنا يلجبال اوّبى معه اى سبح معه والإياب الرجوع اى ارجعي فى التسبيح كلما رجع داود فيه- او الإياب هو التسبيح يقال اوّب إذا سبح فان المسبح يرجع الى الله معرضا عن غيره وقال القتيبي أصله من التأويب فى السير وهو ان يسير النهار كله وينزل ليلا كانه قال إذا اتى النهار سيرى بالتسبيح معه وقال وهب نوحى معه وَالطَّيْرَ معطوف على الجبال قرأ يعقوب «1» بالرفع حملا على لفظه والباقون بالنصب حملا على محله وجازان يكون النصب عطفا على فضلا او على انه مفعول معه لاوّبى وجازان يكون بالعطف على ضميره قال البيضاوي كان اصل النظم ولقد اتينا داود منّا فضلا وهى تأويب الجبال والطير فبدل به هذا النظم لما فيه من الفخامة والدلالة على عظم شأنه وكبرياء وسلطانه حيث جعل الجبال والطيور كالعقلاء المنقادين لامره فى نفاذ مشيته فيها قال البغوي كان داود إذا نادى بالنياحة اجابته الجبال بصداها وعكفت الطير عليه من فوقه وقيل كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله

_ (1) والصحيح انه قرأ يعقوب بالنصب كالجماعة نعم روى الرفع عن روح ابن نهران ولا يؤخذ به ابو محمد عفا الله عنه

[سورة سبإ (34) : آية 11]

جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح وقيل كان داود إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطا له وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) حتى كان الحديد فى يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشأ من غير نار ولا ضرب مطرقة. قال البغوي كان سبب ذلك على ما روى فى الاخبار ان داود لمّا ملك بنى إسرائيل كان من عادته ان يخرج للناس متنكرا فاذا راى من لا يعرفه يقدم اليه ويسئله عن داود ويقول له ما تقول فى داود وإليكم هذا اىّ رجل هو فيثنون عليه ويقولون خيرا فقيض الله له ملكا فى صورة آدمي فلما راه داود تقدم اليه على عادته فساله فقال الملك نعم الرجل هو ولا خصلة فيه فراع داود ذلك وقال ما هى يا عبد الله قال انه يأكل ويطعم عياله من بيت المال قال فتنبه لذلك وسال الله ان يسبب له سببا يستغنى به عن بيت المال فيتقوت منه ويطعم عياله فالان الله له الحديد وعلّمه صنعة الدرع وانه أول من اتخذها ويقال انه كان يبيع كل درع باربعة آلاف درهم فيأكل ويطعم منها عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين ويقال انه كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم فينفق منها الفين على نفسه وعياله ويتصدق باربعة آلاف على الفقراء والمساكين عن المقدام بن معديكرب قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما أكل أحد طعاما قط خيرا من ان يأكل من عمل يديه وان نبى الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده- رواه البخاري واحمد وذكر البغوي هذا الحديث بلفظ كان داود لا يأكل الا من عمل يده. أَنِ اعْمَلْ اى أمرناه ان اعمل ان مصدرية او مفسرة سابِغاتٍ اى دروعا كوامل واسعات طوال يجرها لابسها على الأرض وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ السرد خرذ الجلد واستعير لنسج الدرع يعنى قدر فى نسجها بحيث تناسب حلقها ومساميرها فلا تجعلها رقاقا فتغلق ولا غلاظا فتكسر الحلق وَاعْمَلُوا يا داود واله صالِحاً خالصا لله صالحا لقبوله منصوب على المفعولية او المصدرية إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) فاجازيكم عليه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله طيب لا يقبل الا طيبا امر المؤمنين بما امر المرسلين

[سورة سبإ (34) : آية 12]

فقال يايّها الرّسل كلوا من الطّيّبات واعملوا صالحا الحديث- رواه مسلم. وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ قرأ ابو بكر عن عاصم بالرفع على انه مبتدا محذوف الخبر تقديره ولسليمان الرّيح مسخّرة أورد الجملة اسمية للدلالة على ان كونها مسخرة لسليمان امر ثابت عند العامة مذكور على الالسنة او على تقدير فعل مجهول يعنى سخّر لسليمان الريح والباقون بالنصب على انه مفعول لفعل محذوف تقديره وسخرنا لسليمان الريح والجملة معطوفة على مفهوم كلام سابق فانه يفهم من قوله تعالى يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ انه سخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وقد ورد بهذا اللفظ فى سورة الأنبياء غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ جملة مستأنفة اى جريها بالغد ويعنى من الصباح الى الزوال كان مسيرة شهر وبالعشي اى من الزوال الى الغروب كان كذلك قال الحسن كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر ثم يروح من إصطخر فيبيت ببابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل انه كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ النحاس عطف على سخرنا لسليمان الريح أسال الله تعالى له النحاس المذاب من معدنه فنبع منه بنوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا- قال البغوي قال اهل التفسير أجريت له عين النحاس ثلاثة ايام الى اليمن كجرى الماء وكان بأرض اليمن وانما ينتفع الناس اليوم ما اخرج الله لسليمان عليه السلام وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ على تقدير كون الريح مرفوعا الموصول مع الصلة مبتدا خبره محذوف اى مسخرة ومن الجن حال من الضمير المستكن فى يعمل عطف جملة اسمية على جملة اسمية وعلى تقدير كونه منصوبا الموصول معطوف على الريح ومن الجن حال منه مقدم عليه تقديره وسخرنا له من يعمل بين يديه من الجن بِإِذْنِ رَبِّهِ اى بامره وحكمه او بإرادته وتسخيره متعلق بيعمل وَمَنْ يَزِغْ اى من يعدل مِنْهُمْ اى من الجن عَنْ أَمْرِنا اى عما أمرنا به من طاعة سليمان واردنا ذلك نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) قيل المراد به عذاب الاخرة وقيل المراد به الإحراق بالنار فى الدنيا- قلت ان كان المراد بالاذن والأمر الأمر التكليفي

[سورة سبإ (34) : آية 13]

فالمناسب ان يفسر العذاب بالعذاب فى الاخرة لانها هى دار الجزاء على التكليفات وان كان المراد بالاذن الارادة والتسخير كما هو الظاهر فالظاهر ان المراد به عذاب الدنيا قال البغوي وذلك ان الله عزّ وجلّ وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منه عن امر سليمان ضربه صربة أحرقته- لا يقال ان كان الله أراد من الجن العمل فكيف يتصور من الجن العدول عنه لانه يلزم منه تخلف المراد عن الارادة وهو محال لان من فى قوله تعالى وَمِنَ الْجِنِّ للتبعيض فالمعنى ان الله تعالى أراد ان يعمل لسليمان بعض الجن اى أكثرهم ولذلك وكل ملكا يعذب من عدل من امر سليمان وذلك فى الظاهر سبب لان يعمل لسليمان اكثر الجن- او يقال معنى قوله من يرغ من أراد الزيغ منهم يضربه الملك حتى لا يزيغ. يَعْمَلُونَ لَهُ حال من فاعل يعمل او مستأنفة ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ قصورا حصينة ومساجد رفيقه ومساكن شريفة سميت بها لانها يدب عنها ويحارب عليها- قال البغوي فكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ودفعه قامة رجل فاوحى الله اليه انى لم اقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملّكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده فلمّا توفاه الله استخلف سليمان فاحب إتمام بيت المقدس فجمع الجن والشياطين وقسّم عليهم الأعمال فخصّ كل طائفة منهم بعمل يستصلحها له فارسل الجن والشياطين فى تحصيل الرخام الأبيض من معادنه- فامر ببناء المدينة بالرخام والصفاح وجعل اثنى عشر ربضا وانزل بكل ربض منها سبطا من الأسباط وكانوا اثنى عشر سبطا فلما فرغ من بناء المدينة ابتدا فى بناء المسجد وفرق الشياطين فرقا فرقا يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر وفرقا يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها وفرقا يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها فاتى بذلك التي لا يحصيها الا الله عزّ وجلّ- ثم احضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقب اللآلي واليواقيت- وبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده

بأساطين المينا الصافي وسقّفه بألواح الجواهر الثمينة وجصص سقوفه وحيطانه باللئالي واليواقيت وسائر الجواهر وبسط ارضها بألواح الفيروزج- فلم يكن يومئذ فى الأرض بيت ابهى وأنور من ذلك المسجد كان يضيء فى الظلة كانه القمر ليلة البدر- فلما فرغ منه جمع اليه أحبار بنى إسرائيل فاعلمهم انه بناه الله تعالى وان كل شيء فيه خالص لله واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمّا فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سال ربه ثلاثا فاعطاه اثنين وانا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة سال حكما يصادف حكمة فاعطاه إياه وسال ملكا لا ينبغى لاحد من بعده فاعطاه إياه وسال ان لا يأتى هذا البيت أحد يصلى فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه وانا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك- رواه البغوي وعن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة الرجل فى بيته بصلوة وصلوته فى مسجد القباء بخمس وعشرين صلوة وصلاته فى المسجد الذي يجمع فيه بخمس مائة صلوة وصلاته فى المسجد الأقصى بألف صلوة وصلاته فى مسجدى بخمسين الف صلوة وصلوته فى المسجد الحرام بمائة الف صلوة- رواه ابن ماجة وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تشد والرحال الا الى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا- متفق عليه مسئلة هل يجوز تزيين المساجد بالذهب والفضة ونحوهما قال بعضهم يكره ذلك لان فيه اضاعة المال وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اثر بشييد المساجد رواه ابو داود عن ابن عباس وقال ابن عباس لتذخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى وقال عليه السلام ان من اشراط الساعة ان تزين المساجد الحديث- وقال بعضهم هو قربة لما فيه من تعظيم المسجد وقصة سليمان عليه السلام فى تزيين مسجد بيت المقدس يؤيد هذا القول قال صاحب الهداية وهذا إذا فعل من مال نفسه واما المتولى فيفعل من مال الوقف ما يرجع الى احكام البناء دون ما يرجع الى النقش حتى لو فعل يضمن وقال ابن همام ولا شك ان الدفع الى الفقير اولى من تزيين المسجد وعند اكثر علمائنا لا بأس بأن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب وقوله لا بأس يشير الى انه لا يؤجر عليه

لكن لا يأثم به كذا فى الهداية قال ابن همام ومحل الكراهة التكلف فيه بدقائق النقوش ونحوه خصوصا فى المحراب او التزين مع ترك الصلاة او عدم إعطائه حقه من اللّفظ فيه والجلوس لحديث الدنيا ورفع الأصوات بدليل اخر الحديث وهو قوله وقلوبهم خاوية من الايمان- قلت حديث النبي صلى الله عليه وسلم اولى بالاتباع من قصة سليمان لان شرائع من قبلنا لا يجوز اتباعه الا إذا لم يثبت فى شريعتنا ما يخالفه- وايضا كان فيما فعل سليمان حكمة وهى ان يشتغل الشياطين عن إضلال الناس فى اعمال شاقة والله اعلم قال البغوي قالوا يعنى اهل الاخبار فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بخت نصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما كان فى سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر فحمله الى دار مملكته من ارض العراق. وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصونا كثيرة عجيبة من الصخرة وَتَماثِيلَ اى صورا من نحاس وصفر وشبه وزجاج ورخام قيل كانوا يصورون السباع والطيور وقيل كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين فى المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة وكانت مباحة فى شريعتهم قلت ولعل المراد به تماثيل غير ذى الروح لان تماثيل الإنسان كانت تعبد قبل ذلك حيث قال ابراهيم عليه السلام لابيه وقومه ما هذه التّماثيل الّتى أنتم لها عكفون وفى الصحيحين عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مصور فى النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفسا فيعذبه فى جهنم- قال ابن عباس فان كنت لا بدّ فاعلا فاصنع الشجر وما لا روح فيه- متفق عليه وهذا الحديث عام فى كل مصور غير مختص بمصورى هذه الامة وهو خبر لا يحتمل النسخ والتبديل وعنه مرفوعا من صور صورة عذّب وكلف ان ينفخ فيها وليس بنافخ- رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج عنق من الناس يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان يسمعان ولسان ينطق يقول انى وكلت بثلاثة بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع الله الها اخر وبالمصورين- رواه الترمذي وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

[سورة سبإ (34) : آية 14]

قال الله تعالى ومن اظلم ممن ذهب يخلق كخلقى فليخلقوا ذرة وليخلقوا حبة او شعيرة متفق عليه وسياق هذه الأحاديث يدل على ان حرمة التصوير غير مختص بهذه الامة لا يقال ان عيسى كان يتخذ صورة من الطين قلنا كان ذلك بإذن الله كان يخلق من الطّين كهيئة الطّير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وانما المحرم على من يتخذ صورة فلا يستطيع ان ينفخ فيه الروح فيكلف ان ينفخ فيها وهو ليس بنافخ ابدا وَجِفانٍ جمع جفنة بمعنى القصعة كَالْجَوابِ قرأ ابن كثير كالجوابى بإثبات الياء وصلا ووقفا وأثبتها ورش وابو عمرو فى الوصل- جمع جابية وهو حوض ضخم كذا فى القاموس مشتق من جبى الخراج يقال للحوض الكبير لما يجيء فيه الماء فهى من الصفات الغالبة قال البغوي كان يقعد على الجفنة الواحدة الف رجل يأكلون منها وَقُدُورٍ راسِياتٍ ثابتات لها قوائم لا يحركن عن أماكنها لعظمهن لا ينزلن ولا يعطلن وكان يصعد إليها بالسلاليم وكانت باليمن اعْمَلُوا اى قلنا له ولاتباعه اعملوا جملة مستانفة يا آلَ داوُدَ شُكْراً تنكيره للتقليل فان الشكر الكثير بالنسبة الى نعماء الله سبحانه خارج عن طوق البشر بل عن طوق كل مخلوق وهو منصوب على العلّية اى اعملوا بطاعتي لشكر نعمتى او على المصدرية لان العمل بالطاعة شكر او على انه وصف للمصدر اى اعملوا عملا شكرا او على الحال اى حال كونكم شاكرين او على المفعولية اى اعملوا شكرا- قال جعفر بن سليمان سمعت ثابتا يقول كان داود نبى الله قد جزّى ساعات الليل والنهار على اهله فلم تكن تأتى ساعة من ساعات الليل والنهار الّا والإنسان من ال داود قائم يصلى وَقَلِيلٌ «1» مِنْ عِبادِيَ قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها الشَّكُورُ (13) اى المتوفر على أداء الشكر بلسانه وجوارحه فى اكثر أوقاته وتقلبه دائما بلا فتور وذلك بعد فناء القلب ودوام الحضور- ومع ذلك لا يوفى حقه لان توفيقه للشكر نعمة ليستدعى شكرا اخر لا الى نهاية ولذلك قيل الشكور من يرى نفسه عاجزا عن الشكر. فَلَمَّا قَضَيْنا

_ (1) عن ابراهيم التميمي قال قال رجل عند عمر اللهم اجعلنى من القليل فقال ما هذا الدعاء الذي تدعو به قال انى سمعت الله يقول وقليل من عبادى الشّكور وذكر اية اخرى فقال عمر كل أحد افقه من عمر؟؟؟ برد الله تربته

اى حكمنا عَلَيْهِ اى على سليمان الْمَوْتَ قال البغوي قال اهل العلم كان سليمان عليه السلام يتحرز فى بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقلّ من ذلك واكثر يدخل فيه طعامه وشرابه فادخل فى المرة التي مات فيها وكان بدؤ ذلك انه كان لا يصبح يوما الا نبتت فى محراب بيت المقدس شجرة فيسئلها ما اسمك فتقول اسمى كذا فيقول لاىّ شيء أنت فتقول لكذا وكذا فيامر بها فتقطع فان كانت نبتت لغرس غرسها وان كانت لدوام كتب حتى نبتت الخروبة فقال لها ما أنت قالت الخروبة قال لاىّ شيء نبتّ قالت لخراب مسجدك فقال سليمان ما كان الله ليخرّبه وانا حىّ أنت التي على وجهك هلاكى وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها فى حائط كريم. وقال اللهم أعم موتى على الجن ليعلم الانس ان الجن لا يعلمون الغيب وكانت الجن تخبر الانس انهم يعلمون من الغيب ما شاء واو يعلمون ما فى الغد ثم دخل المحراب فقام يصلى متكئا على عصاه فمات قائما وكان للمحراب كوى بين يديه ومن خلفه وكانت الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملونها فى حياته وينظرون اليه يحسبون انه حىّ ولا ينكرون احتباسه عن الخروج الى الناس لطول صلاته فمكثوا يدابون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الارضة عصا سليمان فخر ميّتا فعلموا بموته قال ابن عباس فشكرت الجن الارضة فهم يأتونها بالماء والطين فى جوف الخشبة- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن يزيد قال قال سليمان لملك الموت إذا أمرت لى فاعلمنى فاتاه فقال يا سليمان قد أمرت بك قد بقيت سويعة فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلى متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكئ عليها فبقى كذلك حتى أكلها الارضة فخر ثم فتحوا عليه وأرادوا ان يعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة على العصا فأكلت يوما وليلا فحسبوا على ذلك فوجدوه قد مأت منذ سنة ما دَلَّهُمْ اى الجن او اله عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ اى الارضة التي يقال لها بالفارسية ديوك وهى دابة صغيرة تأكل الخشب والمراد بالأرض

[سورة سبإ (34) : آية 15]

الثرى أضيف إليها الدابّة وقيل الأرض مصدر ارضت الخشبة بالبناء للمفعول اى اكلتها ارضة فهو من قبيل اضافة الشيء الى فعله كما فى بقرة الحرث ورجل الحرب تَأْكُلُ حال من دآبة الأرض مِنْسَأَتَهُ اى عصاه من نسأت الغنم اى زجرتها وسقتها ومنه نسأ الله فى اجله اى أخره قرأ نافع وابو عمر وبألف ساكنة بدل الهمزة وابن ذكوان بهمزة ساكنة والباقون بهمزة مفتوحة على الأصل فانه مفعول تأكل وحمزة إذا وقف جعلها بين بين فَلَمَّا خَرَّ اى سقط سليمان على الأرض تَبَيَّنَتِ اى ظهرت الْجِنُّ أَنْ مخففة من الثقيلة اسمه ضمير الشان محذوف لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما غاب عنهم كموت سليمان ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14) اى فى التعب والمشقة مسخرين لسليمان وهو ميت يظنونه حيّا ان مع صلته بدل اشتمال من الجن يعنى ظهر عدم علمهم بالغيب على الناس لانهم كانوا يشبهون ذلك على الانس ويؤيد هذا التأويل قراءة ابن مسعود وابن عباس تبيّنت الانس اى علمت ان لّو كانوا اى الجن يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين- وقيل معنى الاية علمت الجنّ ان لّو كانوا يعلمون الغيب إلخ وهذا التأويل مستبعد جدّا فان الجن كانوا يعلمون جهلهم وانما كانوا يدّعون علمهم بالغيب عند الانس. قال البغوي ذكر اهل التاريخ ان سليمان كان عمره ثلاثا وخمسين سنة ومدة ملكه أربعون سنة وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وابتدأ فى بناء بيت المقدس لاربع سنين مضين فى ملكه. اخرج ابن ابى حاتم عن على بن رباح قال حدثنى فلان ان فروة بن مسيك الغطفاني قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بنى الله ان سبا قوم كان لهم فى الجاهلية عزو انى أخشى ان يرتدوا عن الإسلام أفأقاتلهم فقال ما أمرت فيهم بشيء بعد فنزلت. لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ اى دلالة على كمال قدرتنا ووجوب شكرنا قرأ البزي ابو عمر ولسبا بفتح الهمزة من غير تنوين لانه صار اسم قبيلة فمنع عن الصرف للتانيث مع العلمية وقنبل بإسكانها على نية الوقف والباقون بخفضها مع

[سورة سبإ (34) : آية 16]

التنوين لانه كان اسم رجل- قرا حفص وحمزة والكسائي مسكنهم بإسكان السين بغير الف على الافراد غير ان حمزة وحفص يفتحان الكاف على القياس والكسائي بكسرها حملا على ما شذّ من القياس كالمسجد والمطلع والباقون بفتح السين وكسر الكاف والف بينهما على الجمع قال البغوي روى ابو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك الغطيفى قال قال رجل يا رسول الله أخبرني عن سبا كان رجلا او امراة او أرضا قال كان رجلا من العرب ولد له عشرة من الولد تيامن منهم ستة وتشاءم منهم اربعة فاما الذين تيامنوا فكندة والأشعريون وأزد ومذحج وانمار وحمير فقال رجل وما انمار قال الذين منهم خثعم وبحيلة واما الذين تشاءموا فعاملة وجذام ولخم وغسان- وكذا اخرج احمد وغيره عن ابن عباس مرفوعا وسبا هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان جَنَّتانِ بدل من اية او خبر محذوف تقديره الاية جنتان والمراد جماعتان من البساطين جماعة عَنْ يَمِينٍ البلد وَجماعة عن شِمالٍ البلد او يكون بستان لكل رجل عن يمين مسكنه وشماله كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ يعنى من ثمار الجنتين وَاشْكُرُوا لَهُ على ما رزقكم من النعمة والمعنى اعملوا بالطاعة يعنى قال لهم لبيهم ذلك او لسان الحال يعنى دلّ الحال على انهم كانوا أحقاء ان يقال لهم ذلك بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ استئناف للدلالة على موجب الشكر يعنى بلدكم هذا بلدة طيبة كثيرة الثمر ليست بسبخة قال السدىّ ومقاتل كانت المرأة تحمل على رأسها المكتل وتمرّ بالجنتين فيمتلى المكتل بانواع الفواكه من غير ان تمس شيئا بيدها. وقال ابن زيد لم تكن ترى فى بلدتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية وكان الرجل يمر ببلدهم وفى ثيابه القبل فيموت القمل كلها من طيب الهواء فذلك قوله تعالى بلدة طيبة اى طيبة الهواء وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) قال مقاتل رب غفور للذنوب ان شكرتم فيما رزقكم قال وهب أرسل الله الى سبا ثلاثة عشر نبيا دعوهم الى الله وذكّروهم نعمه عليهم وانذرهم عقابه. فَأَعْرَضُوا عنهم وكذبوهم وقالوا ما نعرف لله علينا نعمة قولوا لربكم فليحبس هذه النعمة عنا ان استطاع قال الله تعالى فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ

اى سيل الأمر العرم اى الصعب من عرم الرجل فهو عارم إذا ساء خلقه وصعب او سيل المطر الشديد قيل كان ماء احمر أرسل الله عليهم من حيث شاء وقيل العرم الوادي وأصله من العرامة وهى الشدة والقوة وقيل العرم المسناة وقيل العرم الجراذ الذكر أضاف اليه السيل لانه نقب عليهم سكرا ضربت لهم بلقيس. وفى القاموس عرمة كفرحة سد يعترض به الوادي جمعه عرم أو هو جمع بلا واحد او هو الاحباس تبنى فى الاودية والجرذ الذكر والمطر الشديد وواد ولكل فسر قوله تعالى سيل العرم. قال البغوي قال ابن عباس وابن وهب وغيرهما كان ذلك يعنى العرم السد بنته بلقيس وذلك انهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم فامرت بواديهم فسد بالعرم وهو المسناة بلغة حمير فسدت بين الجبلين بالصخرة والقار وجعلت لها أبوابا ثلاثة بعضها فوق بعض وبنت من دونه بركة ضخيمة وجعلت فيها اثنى عشر مخرجا على عدة أنهارها يفتحونها إذا احتاجوا الى الماء وإذا استغنوا سدوها فاذا جاء المطر اجتمع ماء اودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد فامرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه فى البركة فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث.......... الأسفل فلا ينفد الماء حتى يثوب من السنة المقبلة فكان يقسم على ذلك فبقوا على ذلك بعد ذلك مدة فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جراذا يسمى الخلد فنقب السدّ من أسفله فغرق الماء جناتهم وخرّب ارضهم- قال وهب وكانوا فيما يزعمون ويجدون فى علمهم وكهانتهم انه يخرّب سدهم فارة فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة فلمّا جاء زمانه وما أراد الله عزّ وجلّ بهم من التغريق أقبلت فيما يذكرون فارة حمراء كبيرة الى هرة من تلك الهرر فساودتها حتى استأخرت منها الهرة فدخلت فى الفرجة التي كانت عندهما فتغلغلت فى السد فثقبت وحفرت حتى أوهنته للسيل وهم لا يدرون بذلك فلمّا جاء السيل وجد خللا فدخل فيه حتى قطع السد وفاض على أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم الرمل فغرقوا وتمزّقوا حتى صاروا مثلا عند العرب يقولون صار بنو فلان أيدي سبا وأيادي سبا اى تفرقوا وتبددوا فذلك قوله تعالى فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ.

[سورة سبإ (34) : آية 17]

وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ قرأ نافع وابن كثير بإسكان الكاف والباقون بضمها وهما لغتان قال فى القاموس الاكل بالضم وبالضمتين الثمر والرزق قرأ الجمهور أكل ويعقوب- ابو محمد وابو عمرو بالاضافة الى خَمْطٍ فعلى قراءة الجمهور خمط صفة له ومعناه حامض او مرّ او عطف بيان او بدل ومعناه ثمر الأراك وعلى قراءة ابي عمر والخمط كل نبت أخذ طعما مرّا او شجرة الأراك او نحو ذلك فهو لفظ مشترك- قال فى القاموس الخمط الحامض او المرّ من كل شيء وكل نبت أخذ طعما من مرارة وشجر رائحته كالسدر وشجر قاتل وكل شجر لا شوك له وثمر الأراك وقيل شجر الأراك وقال البيضاوي التقدير أكل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه فى كونه بدلا او عطف بيان يعنى على قراءة الجمهور وكون الخمط بمعنى الشجر وقال البغوي الاكل الثمر والخمط الأراك وثمره يقال له البرير هذا قول اكثر المفسرين- وقال المبرد كل نبت قد أخذ طعما من المرارة وقال ابن الاعرابى ثمر شجر يقال له فسوة الضبع على صورة الخشخاش يتفرك ولا ينتفع به وَأَثْلٍ اى الطرفا معطوف على أكل لا على خمط إذ لا ثمر له وقيل هو شجر يشبه بالطرفاء الا انه أعظم وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) وصف السدر بالقلة فان جناه وهو النبق ممّا يطيب أكله ولذلك يغرس فى البساتين- وقال البغوي لم يكن السدر ذلك بل كان سدرا برّيا لا ينتفع به ولا يصلح ورقه لشئ وتسمية البدل جنتين للمشاكلة والتهكم. ذلِكَ منصوب المحل على المصدرية يعنى جزيناهم ذلك الجزاء او مرفوع على انه مبتدا ما بعده خبره يعنى ذلك العقاب والتبديل جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا اى بكفرانهم النعمة او بكفرهم الرسل وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) قرأ حفص ويعقوب وخلف- ابو محمد وحمزة والكسائي نجازى بالنون وكسر الزاء على التكلم والبناء للفاعل والكفور بالنصب على المفعولية والباقون بالياء التحتانية وفتح الزاء على الغيبة والبناء للمفعول والكفور بالرفع على انه قائم مقام الفاعل يعنى ما يناقش الا هو وما نناقش الا إياه.. وَجَعَلْنا عطف على بدلنا يقال كان هذا سابقا على التبديل فكيف ذكر بعده لان

[سورة سبإ (34) : آية 19]

الواو لمطلق الجمع دون الترتيب فلا ينافى كونه سابقا عليه بَيْنَهُمْ اى بين اهل سبا وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها بالأنهار والأشجار والتوسعة على أهلها وهى قرى الشام قُرىً ظاهِرَةً اى متظاهرة تظاهر الثانية من الاولى لقربها منها وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ اى وقدّرنا سيرهم فيها يعنى كانوا يسيرون فيها وإذا ساروا كانوا يبيتون فى قرية ويقيلون فى اخرى وكانوا لا يحتاجون من حمل زاد من سبا الى الشام قيل كانت اربعة آلاف وسبع مائة قرية متصلة من سبا الى الشام قال قتادة كانت المرأة تخرج ومعها مغزلها وعلى رأسها مكتلها فتمتهن بمغزلها فلا تأتى بيتها حتى تمتلى مكتلها من الثمار وكان ما بين اليمن والشام كذلك سِيرُوا فِيها على ارادة القول يعنى قلنا بلسان المقال أو الحال فانهم لما مكنوا من السير كذلك كانوا كانهم أمروا به لَيالِيَ وَأَيَّاماً يعنى متى شئتم ليلا او نهارا آمِنِينَ (18) اى حال كونكم لا تخافون عدوّا ولا سبعا ولا جوعا ولا عطفا فبطروا وطغوا ولم يشكروا وقالوا لو كان بين جناتنا ابعد مما هى لكان أجدر ان تشتهيه. فَقالُوا عطف على جعلنا يا رَبَّنا باعِدْ قرأ ابن كثير وابو عمرو وهشام بعّد بتشديد العين من التفعيل والباقون بالألف من المفاعلة بَيْنَ أَسْفارِنا اى اجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوزات لنركب فيها الرواحل ونتزود الأزواد ونربح فى التجارات ونتفاخر على الناس فعجل الله لهم الاجابة قرأ يعقوب ربّنا بالرفع على الابتداء وبعد بفتح العين والدال على صيغة الماضي كانهم استبعدوا أسفارهم القريبة أشرا وبطرا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالبطر والطغيان عطف على قالوا فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ يتحدث الناس بهم تعجبا وضرب مثل فيقولون تفرقوا أيدي سبا وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ فرقناهم فى كل وجه من البلاد كل تفريق قال الشعبي لمّا غرقت قراهم تفرقوا فى البلاد اما غسان فلحقوا بالشام ومرّ الأزد الى عمان وخزاعة الى تهامة ومرّ ال خزيمة الى العراق والأوس والخزرج الى يثرب وهم ال أنمار وكان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر وهو جد الأوس والخزرج إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكر لَآياتٍ لعبر ودلالات لِكُلِّ صَبَّارٍ عن المعاصي وعلى البلاء والطاعة

[سورة سبإ (34) : آية 20]

شَكُورٍ (19) على النعم قال مقاتل يعنى مؤمنى هذه الامة صبور على البلاء شكور للنعماء وكذا قال مطرف قلت بل هو صبور وشكور دائما فان الدنيا دار البلاء حتى ان النعمة ايضا بلاء يبتلى به العبد هل يشكر عليه أم لا موته بلاء وحياته بلاء قال الله تعالى خلق الموت والحيوة ليبلوكم ايّكم احسن عملا فهو صبور دائما عن المعاصي وعلى المصائب والطاعات وكل بلاء ومصيبة مكفرة للذنوب فهى كما يوجب الصبر يوجب الشكر ثم توفيق الصبر ايضا نعمة من الله يوجب الشكر وقال المجدد رضى الله عنه إيلام المحبوب ألذ من انعامه فهو اولى بالشكر قال الشاعر فانى فى الوصال عبيد نفسى وفى الهجران مولى للموالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الايمان نصفان فنصف فى الصبر ونصف فى الشكر رواه البيهقي فى شعب الايمان قلت فالمؤمن تامّ الايمان جامع للنصفين دائما غير مقتصر على النصف دون النصف-. وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ اى على الناس كلهم كذا قال مجاهد وقيل المراد على اهل سبا اى على الكفار منهم إِبْلِيسُ ظَنَّهُ قرأ اهل الكوفة سدّق بالتشديد يعنى ظنّ فيهم ظنّا حيث قال فبعزّتك لاغوينّهم أجمعين. ولا تجد أكثرهم شكرين فصدّق ظنه وحققه بفعله ذلك بهم واتّباعهم إياه او وجده صادقا وقرأ الآخرون بالتخفيف اى صدق فى ظنه او صدق بظن ظنه مثل فعلته جدك ويجوز ان يعدى الفعل اليه بنفسه كما فى صدق وعده لانه نوع من القول قال ابن قتيبة لما سأل إبليس النظرة فانظره الله فقال لاضلّنّهم ولاغوينّهم ولم يكن مستقينا وقت هذه المقالة ان ما قاله فيهم يتم وانما قاله ظنّا فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) اى من اهل سبا او من الناس كلهم قال السدىّ عن ابن عباس يعنى ان المؤمنين كلهم لم يتبعوه فى اصل الدين قال الله تعالى انّ عبادى ليس لك عليهم سلطان يعنى المؤمنين فمن للبيان وقيل من للتبعيض يعنى بعض المؤمنين الذين يطيعون الله ولا يعصونه. وَما كانَ لَهُ اى لابليس عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ اسم كان ومن زائدة والظرف

المستقر اعنى له خبره وعليهم متعلق بالظرف يعنى لم يكن له قدرة على ان يوسوسهم ويعدهم ويمنّيهم الا بتسليطنا إياه عليهم حيث قلنا واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الأموال والأولاد وعدهم لشيء إِلَّا لِنَعْلَمَ اى لتميز مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ فنجازى كلّا منها على حسب ما عمل قال الحسن ان إبليس لم يسل عليهم سيفا ولا ضربهم بسوط وانما وعدهم ومنّاهم فاغتروا- فان قيل هذه الاية تدل على كون علمه تعالى حادثا وهو يقتضى الجهل سابقا تعالى الله عن ذلك أجيب بان علمه تعالى قديم لكن تعلق العلم بالمعلوم حادث والمراد هاهنا بحصول العلم حصول متعلقه مبالغة ويرد عليه ان العلم ما لم يتعلق بالمعلوم لا ينكشف المعلوم عند العالم فان العلم قبل التعلق بالمعلوم انما هو العلم بالقوة لا بالفعل فكون تعلق العلم حادثا يقتضى سبق الجهل فبقى المحذور فاجيب بان علمه تعالى قبل وجود الحادث كان متعلقا به كاشفا عنده تعالى كونه موجودا وهذا لا يقتضى سبق الجهل بل سبق علمه تعالى بكونه معدوما كما هو فى الواقع فلا محذور ومعنى الاية ليتعلق علمنا بذلك موجودا كما تعلق به معدوما لكن يلزم حينئذ كونه تعالى محلّا للتغير فالاولى ان يقال ان الزمان بجميع اجزائه وما فيها حاضر عند الله سبحانه متعلق علمه تعالى بها قديما سرمدا وانما التعاقب فيها بنسبة بعضها الى بعض فزيد الذي هو موجود فى وقت ومعدوم فى وقت حاضر عند الله بكلا الحالتين كما ان كونه فى مكان دون مكان حاضر عنده بلا تغير فى ذاته تعالى فمعنى الاية لنعلم قديما سرمدا من يؤمن ممن هو فى شك وهذا لا يقتضى مسبوقية علمه تعالى كيف وان السابقية والمسبوقية انما يتصور فيما يجرى عليه الزمان كما ان الفوقية والتحتية لا يتصور الا فيما يحويه المكان ومن هو خالق للزمان والمكان منزه عنها كلها- لكن هذه الاية تدل على ان العلم تابع للمعلوم وكون المعلوم حادثا لا يقتضى كون العلم به حادثا فان المعلوم محفوف بالزمان والعلم محيط به شتان ما بينهما قال الله تعالى وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الزمان والزمانيات

[سورة سبإ (34) : آية 22]

ومن المؤمن والكافر حَفِيظٌ (21) رقيب محافظ غير غافل عن شىء فيجازى كلّا على حسب عمله-. قُلِ يا محمد لكفار مكة ادْعُوا ايّها الكفار الَّذِينَ زَعَمْتُمْ اى زعمتموهم الهة هما مفعولان لزعمتم حذف الاول لطول الموصول بصلته والثاني لقيام صفته مقامه اعنى مِنْ دُونِ اللَّهِ ولا يجوز ان يكون هذا مفعوله الثاني لانه لا يحصل به كلاما مفيدا ولا يملكون لانهم لا يزعمونه والمعنى ادعوهم فيما يهمكم من جلب نفع او دفع ضر يستجيبون لكم ان صح دعواكم كانّ هذا الكلام يدل على الشرطية من القياس الاستثنائى تقديره ان صح دعواكم بانهم الهة من دون الله يستجيبون لكم إذا دعوتموهم لكنهم لا يَمْلِكُونَ فهذا جملة مستأنفة يدل على الاستثناء مِثْقالَ ذَرَّةٍ من خيرا وشركائه فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ فلا يستجيبون لكم فلا يصح دعواكم وذكرهما للعموم العرفي او لان الهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها ارضية كالاصنام او لان الأسباب الظاهرية للشر والخير سماوية وارضية وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ اى شركة ومن زائدة والجملة معطوفة على لا يملكون وَما لَهُ اى لله تعالى مِنْهُمْ اى من شركائكم مِنْ ظَهِيرٍ (22) يعينه على خلقها وتدبيرها-. وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ لاحد إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ان يشفع او اذن ان يشفع له واللام على الاول كما فى قولك الكرم له وعلى الثاني كما فى قولك جئتك لزيد قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي اذن بضم الهمزة على صيغة المجهول والباقون بفتحها على صيغة المعروف وهذا ردّ لما قالت الكفار على سبيل التنزل انه سلمنا ان الملائكة والأصنام لا يملكون شيئا وليسوا شركاء الله لكنهم يشفعون لنا عند الله فقال الله تعالى لا تنفع شفاعة أحد لاحد الّا لمن اذن له والأصنام ليسوا أهلا لان يؤذن الشفاعة لانحطاط رتبتها عنها والكفار لا يستحقون لان يؤذن لاحد فى شفاعتهم لطغيانهم وكفرهم ولا يؤذن للانبياء والملائكة الا لشفاعة المؤمنين-

حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قرأ ابن عامر ويعقوب فزّع بفتح الفاء والزاء على البناء للفاعل والضمير المستكن عائد الى الله والباقون بضم الفاء وكسر الزاء على البناء للمفعول والجار مع المجرور قائم مقام الفاعل والتفزيع ازالة الفزع كالتمريض ازالة المرض والضمير فى قلوبهم راجع الى الشافعين والمشفوع لهم المفهومين مما سبق وحتى غاية للجملة المقدرة المفهومة مما سبق اعنى قوله تعالى لا تنفع الشّفاعة عنده الّا لمن اذن له فانه يفهم منه ان الشفعاء والمشفوع لهم ينتظرون الاذن للشفاعة فزعين خائفين احتمال عدم الاذن او فزعين من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله عز وجل هيبة وجلالا حين يأذن لهم فى الشفاعة قلت وكذلك يأخذهم الغشية كلما قضى الله امرا روى البخاري عن ابى هريرة ان نبى الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العلىّ الكبير فسمعها مسترقوا السمع ومسترقوا السمع هكذا بعضهم فوق بعض (ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدر بين أصابعه) فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الاخر الى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل ان يلقيها وربما القاها قبل ان يدركه فيكذب معه مأته كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء وروى مسلم عن ابن عباس عن رجل من الأنصار انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث ربّنا تبارك اسمه إذا قضى امرا سبح حملة العرش ثم سبح اهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح اهل هذا السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربّكم فيخبرونهم ما قال فليستخبر بعض اهل السماوات بعضا حتى يبلغ هذه السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون الى أوليائهم فيرمون فما جاءوا به على وجهه فهو حق لكنّهم يقذفون ويزيدون- وروى البغوي عن النواس بن سمعان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله ان يوحى بالأمر تكلم بالوحى أخذت السماوات منه رجفة او قال رعدة شديدة خوفا من الله فاذا سمع ذلك اهل السماوات صعقوا وخروا لله

سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبرئيل فيكلم الله وحيه بما أراد ثم يمر جبرئيل على الملائكة كلما مرّ بسماء ساله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبرئيل فيقول جبرئيل قال الحقّ وهو العلىّ الكبير قال فيقولون كلهم مثل ما قال جبرئيل فينتهى جبرئيل بالوحى حيث امر الله. والظرف يعنى إذا فزّع عن قلوبهم متعلق بقوله قالُوا يعنى قال بعضهم لبعض حين ينكشف عنهم الفزع اللاحق بهم بالاذن فى الشفاعة ماذا قالَ رَبُّكُمْ فى الشفاعة قالُوا اى بعضهم لبعض الْحَقَّ مقول لقال المقدر يعنى قال ربنا الحقّ وهو الاذن فى الشفاعة التي هو الحق يعنى لمن هو أهلها وهم المؤمنون وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (22) اى ذو العلو والكبرياء لا يستطيع ملك مقرب ولا نبى مرسل ان يتكلم فيه الا باذنه. قال البغوي قال بعضهم انما يفزعون حذرا من قيام الساعة قال مقاتل والكلبي والسدى كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم خمس مائة وخمسين سنة وقيل ست مائة سنة لم يسمع الملائكة فيها وحيا فلمّا بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة وسمع الملائكة ظنوا انها الساعة لان محمدا صلى الله عليه وسلم عند اهل السماوات من اشراط الساعة فصعقوا ممّا سمعوا خوفا من قيام الساعة فلما انحدر جبرئيل يعنى فى بدء الوحى جعل يمر باهل كل سماء فيكشف عنهم فيرتفعون رءوسهم ويقول بعضهم لبعض ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ يعنون الوحى وهو العلىّ الكبير فان قيل على ما قال مقاتل وأمثاله كيف يرتبط قوله تعالى حتّى إذا فزّع عن قلوبهم بما سبق من الكلام قلت لعل وجه ارتباطه انه متصل بقوله تعالى ويرى الّذين أوتوا العلم الّذى انزل إليك من ربّك هو الحقّ ويهدى الى صراط العزيز «1» الحميد والمراد بالذين أوتوا العلم الملائكة وما بينهما اعتراض والمعنى ويرى الملائكة ما انزل إليك من ربك من القران هو الحق ولذلك افزعوا عند نزوله خوفا من قيام الساعة حيث كان نزوله عندهم من اشراط الساعة حتّى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العلىّ الكبير-

_ (1) وفى الأصل الى صراط مستقيم.

[سورة سبإ (34) : آية 24]

وقال جماعة الموصوفون بذلك المشركون قال الحسن وابن زيد حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت بهم اقامة للحجة عليهم قالت لهم الملائكة ماذا قال ربّكم على لسان رسله فى الدنيا قالوا الحقّ فاقرّوا حين لا ينفعهم الإقرار قلت وعلى هذا التأويل هذه الاية مرتبطة بقوله تعالى هو منها فى شكّ يعنى هم فى شك الى الموت حتّى إذا فزّع عن قلوبهم بعد الموت أقروا حين لا ينفعهم الإقرار-. قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ المطر مِنَ السَّماواتِ وَالنبات من الْأَرْضِ استفهام تقرير اى حمل المخاطب على الإقرار بان الله يرزق لا غير وفيه تأكيد لقوله لا يملكون وهذه الجملة متصلة بقوله قل ادعوا قُلِ اللَّهُ فاعل لفعل محذوف اى يرزقكم الله إذ لا جواب سواه وفيه اشعار بانهم ان سكتوا وتوقفوا فى الجواب مخافة الإلزام فهم مقرّون بقلوبهم ذلك وَإِنَّا اى الموحدين أَوْ إِيَّاكُمْ اى المشركين بالله لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (34) إذ التّوحيد نفى الاشتراك فهو نقيضه والضلال نفى البداية فهو نقيضه وارتفاع النقيضين وكذا اجتماعهما محال فهذه قضية منفصلة حقيقية عنادية والمفهوم مما سبق ان الله يرزق لا غير وهو يستلزم ان الموحد على هدى والمشرك فى ضلال مبين فانعقد القياس الاستثنائى بان الموحدين اما على الهدى او فى ضلال مبين لعدم الواسطة لكنهم على الهدى إذ لا يرزق الا الله فليسوا فى ضلال او لكنهم ليسوا على ضلال فهم على الهدى او يقال المشركون اما على الهدى او فى ضلال مبين لعدم الواسطة لكنهم ليسوا على هدى فهم فى ضلال او لكنهم فى ضلال او لا يرزق الا الله فليسوا على هدى فليس هذا الكلام مبنيا على الشك بل على حصر الاحتمالات وابطال احدى النقيضين لاثبات الاخر او اثبات أحدهما لابطال الاخر كما هو دأب المناظرة وخولف بين حرفى الجر الداخلين على الهدى والضلال لان صاحب المهدى كأنّه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء وصاحب الضلال كانه منغمس فى ظلام لا يدرى اين يتوجه.. قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) يعنى

[سورة سبإ (34) : آية 26]

ما أمركم به من التوحيد وترك الإشراك انما هو نصيحة لكم والا فلا مضرة لاحد بعمل غيره ففى هذا الكلام حث وترغيب على ما امر به من التوحيد وفى اسناد الاجرام الى نفسه والعمل الى المخاطب رعاية لحسن الأدب واظهار النصح دون التعصب والتعنت. قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا اى بينى وبينكم رَبُّنا يوم القيامة ثُمَّ يَفْتَحُ اى يحكم ويفصل بَيْنَنا بِالْحَقِّ اى بما يستحقه كل منابان يدخل المحق الجنة والمبطل النار وَهُوَ الْفَتَّاحُ اى الحاكم الفاصل فى القضايا المغلقة الْعَلِيمُ (26) بما ينبغى ان يقضى به فى الاية السابقة الزام للكفار على سبيل المناظرة وفيما بعدها على سبيل النصيحة وفى هذه الاية على طريقة التوبيخ بذكر حكم الله فيهم يوم القيامة.. قُلْ أَرُونِيَ اى أعلموني الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ الموصول مع صلته مفعول ثان لارونى وشركاء مفعوله الثالث يعنى الذين ألحقتموهم بالله فى استحقاق العبادة أعلموني كونهم شركاء يعنى باىّ صفة جعلتموهم شركاء هل يخلقون شيئا او يرزقون او ينفعون أحدا او يضرون يعنى لا سبيل الى القول بانهم شركاء الله. فى هذه الاية استفسار عن شبهتهم بعد الزام الحجة عليهم واقامة البرهان زيادة فى تبكيتهم كَلَّا ردع لهم عن الإلحاق بعد ظهور عدم المشاركة فى شىء من الصفات بَلْ هُوَ يعنى المستحق للعبادة ليس الا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) صاحب العزة القاهرة والحكمة البالغة لا شريك له شىء فى شىء من الصفات فكيف تلحقون به الجمادات النازلة فى ادنى مراتب الممكنات المتسمة بالزلة الآبية عن قبول العلم والقدرة رأسا فالضمير عائد الى المستحق للعبادة والله خبره والحصر مستفاد من هذا التركيب والعزيز والحكيم صفتان لله او خبران آخران وجاز ان يكون هو للشأن والله مبتدا والعزيز والحكيم صفتان له والخبر محذوف اى متوحد لاستحقاق العبادة.. وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً صفة لمصدر محذوف اى الا ارسالة كافة يعنى عامة شاملة لِلنَّاسِ فانها إذا عمتهم وقد كفتهم ان يخرجوا منها أحد منهم فعلى هذا قوله للناس متعلق بكافة وجاز ان يكون كافة حال من كاف الخطاب والتاء للمبالغة يعنى

[سورة سبإ (34) : آية 29]

يعنى وما أرسلناك الا جامعا لهم فى الإبلاغ عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لى الأرض كلها مسجد او طهورا فايّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل واحلّت لى الغنائم ولم يحل لاحد قبلى وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى النّاس عامة متفق عليه وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت الى الخلق كافّة وختم بي النبيون- وجاز ان يكون المعنى أرسلناك كافة اى كافّا تكفهم عن الكفر فى الدنيا وعن الوقوع فى النار فى الاخرة عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلى كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فانا أخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها- متفق عليه واللفظ للبخارى وقيل للناس متعلق بأرسلناك وكافة حال من الناس قدّم عليه للاهتمام يعنى أرسلناك لاجل ارشاد الناس كافة عامة أحمرهم وأسودهم واكثر النحويين لا يجوّزون ذلك لان ما فى حيز المجرور لا يتقدم على الجار. وجملة ما أرسلناك حال من فاعل قل أروني غير ذلك على سبيل التنازع يعنى قل هذه المقالات لالزام الكفار وإرشادهم والى كونك مرسلا إليهم كافتهم او كافا إياهم بَشِيراً للمؤمنين بالجنة وَنَذِيراً للكافرين من النار حالان من كاف الخطاب مترادفان لكافة على تقدير كونه حالان داخلان تحت الاستثناء بحرف واحد على طريقة ما ضربتك الا ضربا شديدا قائما وما حسبك الا راكبا مسرعا وجاز ان يكونان حالان من الضمير فى كافة على تقدير كونه حالا من الكاف وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ وهم الكفار لا يَعْلَمُونَ (28) اى لا يعتقدون ذلك بل يحملون إرشادك إياهم على العناد والمخالفة. وَيَقُولُونَ اى الكفار لفرط جهلهم استهزاء واستبعادا مَتى هذَا الْوَعْدُ اى المبشر به والمنذر عنه او متى هذا الموعود لقولك يجمع بيننا ربّنا ثمّ يفتح بيننا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (29) يخاطبون به الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين

[سورة سبإ (34) : آية 30]

والجزاء محذوف دلّ عليه ما قبله يعنى ان كنتم صدقين فى الوعد فانبؤنى عن وقته. قُلْ لهم فى الجواب لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ اى وعد يوم او زمان وعد والاضافة الى اليوم حينئذ للتبين لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (30) عليه والمراد بذلك اليوم يوم القيامة وقال الضحاك يعنى الموت لا تتقدمون ولا تتاخرون بان يزاد فى اجالكم او ينقص ولهذا جواب تهديد مطابق لما قصدوه بسوالهم من الاستهزاء والإنكار-. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ اى بما تقدمه وهو التورية والإنجيل قالوا ذلك حين سالوا اهل الكتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم فاخبروهم انا نجد نعته فى كتبنا فغضبوا وقالوا ذلك وجاز ان يكون المراد بالّذى بين يديه محمد صلى الله عليه وسلم وقيل المراد بالّذى بين يديه القيامة والجنة والنار وهذه الجملة معطوفة على ويقولون متى هذا الوعد وَلَوْ تَرى الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم او لكل مخاطب والمفعول محذوف يعنى ولو ترى الظالمين إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ محبوسون عِنْدَ رَبِّهِمْ للحساب الظرف متعلق بتري وجاز ان يكون الظرف مفعولا لترى والمعنى ولو ترى موضع محاسبتهم يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يعنى يتراجعون بينهم القول ويتجاورون والجملة حال من الضمير فى موقوفون او خبر بعد خبر للظالمون يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا اى الاتباع لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا اى الرؤساء لَوْلا أَنْتُمْ يعنى لولا صدكم إيانا عن الايمان بالله وبرسوله ودعاؤكم إيانا الى الكفر لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) بالنبي فانتم اوقعتمونا فى العذاب و. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فى جوابهم أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ استفهام انكار يعنى نحن لم نصدكم عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ الهدى بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) اثبتهم انهم هم الذين صدوا أنفسهم حيث اثروا التقليد ومتابعة الكفار بلا دليل وتركوا متابعة الرسول المؤيد بالمعجزات ولذلك أورد همزة الاستفهام على الاسم. وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا

[سورة سبإ (34) : آية 34]

لم نصد أنفسنا بَلْ صدنا عن الهدى مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ اى مكركم إيانا فى الليل والنهار وإضافة المكر الى الظرف للاتساع وقيل عنوا بمكر الليل والنهار طول السلامة وطول الأمل فهما صدنا إِذْ تَأْمُرُونَنا الظرف بدل من الليل والنهار أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً ان مفسرة للامر او مصدرية بتقدير الباء وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ اى أضمر الفريقان الندامة على الضلال والإضلال وأخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير او المعنى أظهروها والهمزة يصلح للاثبات والسلب كما فى أشكيته وَجَعَلْنَا عطف على راوا العذاب الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا فى النار أورد المظهر موضع الضمير تنويها للذم واشعارا بموجب الاغلال هَلْ يُجْزَوْنَ اى لا يجزون جزاء إِلَّا جزاء ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) فى الدنيا تعدية يجزى اما لتضمين فعل متعد نحو تؤتون او لنزع الخافض. اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم من طريق سفيان عن عاصم عن ابى رزين قال كان رجلان شريكين خرج أحدهما الى الشام وبقي الاخر فلمّا بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب الى صاحبه فكتب صاحبه يسئله ما عمل فكتب اليه انه لم يتبعه من قريش أحد الا رذالة الناس ومساكينهم فترك تجارته ثم اتى صاحبه فقال دلنى عليه وكان يقرأ بعض الكتب- فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الى ما تدعو فقال الى كذا وكذا فقال اشهد انك رسول الله فقال وما علمك بذلك قال انه لم يبعث نبى الا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم فنزلت. وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ الاية فارسل اليه النبي صلى الله عليه وسلم ان الله قد انزل تصديق ما قلت من زائدة ونذير فى محل النصب على المفعولية إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها حال بتقدير قد من نذير يعنى الّا وقد قال مترفوا تلك القرية اى متنعميها خص المتنعمين بالتكذيب لان الداعي الى التكذيب والإنكار غالبا التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا والانهماك فى الشهوات والاستهانة بالفقراء ولذلك ضموا التهكم والمفاخرة الى التكذيب فقالوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) مقابلة الجمع بالجمع. وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً

[سورة سبإ (34) : آية 36]

منكم فنحن اولى منكم ما تدعون ان أمكن لانا أحباء الله حيث أعطانا ذلك وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) اما لان العذاب لا يكون او لان الله أكرمنا فلا يهيننا. قُلْ يا محمد ردّا لحسبانهم إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ فى الدّنيا لِمَنْ يَشاءُ امتحانا وَيَقْدِرُ اى يضيق الرزق لمن يشاء ابتلاء وليس القبض والبسط فى الدنيا مبنيا على التوهين والتكريم لان الدنيا دار الابتلاء لا دار الجزاء ولذلك يختلف فيها احوال الاشخاص المتماثلة فى الخصائص والصفات وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ اى الكفار لا يَعْلَمُونَ (36) فيظنون ان كثرة الأموال والأولاد للكرامة-. وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي اى متلبسة بالخصلة التي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى قال الأخفش زلفى اسم مصدر كأنّه قال يقربكم عندنا تقريبا وجاز ان يكون الباء زائدة والتي محمولا على أموالكم بارادة جماعة أموالكم إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً الاستثناء منقطع يعنى لكن من أمن وعمل صالحا فايمانه وعمله يقربه عنى كذا قال ابن عباس وجاز ان يكون الاستثناء متصلا من مفعول يقربكم يعنى ان الأموال والأولاد لا يقرب الى الله أحدا الّا المؤمن الصالح الذي ينفق ماله فى سبيل الله ويعلّم ولده الخير ويربّيه على الصلاح- او من أموالكم وأولادكم على حذف المضاف يعنى الا اموال من أمن وأولاده فانها تقربه فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا قرء يعقوب جزاء منصوبا منونا على التميز او على انه مصدر لفعله الذي دل عليه والضّعف مرفوعا على انه مبتدا ولهم خبره والجملة خبر أولئك تقديره فاولئك لهم الضّعف يجزون جزاء وعن يعقوب رفعهما على ان الجزاء مبتدا والضعف بدل منه ولهم خبره وقرأ الجمهور جزاء بالرفع على انه مبتدا والضعف بالجر على انه مضاف اليه اضافة المصدر الى المفعول والمراد ان الله يضعف جزاء حسناتهم فيجزون بالحسنة الواحدة عشرا الى سبعمائة الى ما لا نهاية له وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) قرأ حمزة الغرفة على ارادة الجنس والباقون على الجمع

[سورة سبإ (34) : آية 38]

والغرف رفع الشيء وهى المنازل الرفيعة من الجنة وقد ذكرنا ما ورد فى الغرفات من الأحاديث فى تفسير سورة الفرقان فى تفسير قوله تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا. وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا اى فى ابطال آياتنا مُعاجِزِينَ مقدرين عجزنا او ظانّين انهم يفوتوننا أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (38) . قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ يعنى يوسع عليه تارة ويضيق عليه اخرى فهذا فى شخص واحد باعتبار وقتين وما سبق فى شخصين فلا تكرار وقال صاحب البحر المواج الاولى لرد فخرهم بالعباد وهذا لرد بخلهم حيث قال وَما أَنْفَقْتُمْ فى سبيل الله ما شرطية فى محل النصب وقوله مِنْ شَيْءٍ بيانه وجواب الشرط فَهُوَ الرب يُخْلِفُهُ اى يعطيه ما يخلفه اما بعجلة فى الدنيا واما بدخوله للاخرة فما لكم لا تنفقون أموالكم فى سبيل الله وتبخلون بها وتقديم المسند اليه على المسند الفعلى للتخصيص والتأكيد وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) فان غيره وسط فى إيصال رزقه واطلاق الرازق على غيره انما هو بالمجاز والرازق الحقيقي ليس الا الله فان قلت يلزم حينئذ الجمع بين الحقيقة والمجاز فى قوله الرّازقين قلنا المراد هاهنا عموم المجاز.. وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ اى الكفار جَمِيعاً المستكبرين والمستضعفين ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ عطف على يحشر قرأ يعقوب وابو جعفر وحفص يحشرهم ويقول بالياء والباقون بالنون فيهما أَهؤُلاءِ الكفار الذين كانوا يعبدون الملائكة ويقولون هم بنات الله إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) فى الدنيا يقول ذلك تبكيتا للمشركين وتقريعا لهم وإقناطا لهم من الشفاعة وتخصيص الملائكة لانهم اشرف لشركائهم والصالحون للخطاب منهم ولان عبادتهم مبدأ الشرك وأصله والظرف متعلق بقوله. قالُوا سُبْحانَكَ اى نلزهك تنزيها عن الشريك أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ يعنى أنت الذي خص موالاتنا به دونهم يعنى لا موالاة بيننا وبينهم كانّهم بينوا بذلك براءتهم عن الرضاء بعبادتهم بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ

[سورة سبإ (34) : آية 42]

اى الشياطين الذين زيّنوا لهم عبادة الملائكة وقيل كانت الشياطين يتمثلون لهم ويخيلون إليهم انهم الملائكة فيعبدونهم أَكْثَرُهُمْ يعنى اكثر الناس وهم المشركون او المراد بالأكثر الكل والضمير للمشركين بِهِمْ اى بالجن مُؤْمِنُونَ (41) . فَالْيَوْمَ اى فذلك اليوم لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا يعنى لا يملك بعض الخلائق من الجن والانس والملائكة لبعضهم نفعا اثابة او شفاعة ولا تعذيبا إذ الأمر كله لله وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا بوضع العبادة فى غير موضعه ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) فى الدنيا عطف على لا يملك.. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ اى على اهل مكة آياتُنا من القران بَيِّناتٍ واضحات على لسان محمّد صلى الله عليه وسلم قالُوا ما هذا يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا يعنون القرآن إِلَّا إِفْكٌ اى خير غير مطابق للمواقع مُفْتَرىً يعنون انه افترى محمد على الله انه كلامه وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ يعنى امر النبوة او الإسلام أو القرآن لَمَّا جاءَهُمْ يعنى بمجرد مجيئه عندهم من غير تدبر وتفكر إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) اى ظاهر سحريته فالاول باعتبار معناه وهذا باعتبار لفظه او اعجازه وفى تكرير الفعلى والتصريح بذكر الكفرة وما فى اللام من الاشارة الى القائلين والمقول فيه انكار عظيم له وتعجيب بليغ منه. وَما آتَيْناهُمْ يعنى كفار مكة مِنْ كُتُبٍ فيها دليل على صحة الإشراك هذه الجملة مع ما عطف عليه حال من فاعل قال الّذين كفروا يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) يدعوهم اليه وينذرهم على تركه فمن اين يدّعون بالشرك ويحكمون على القرآن بالإفك والسحر وعلى النبي بالكذب- وفيه تجهيل لهم وتسفيه لرأيهم ثم هددهم فقال. وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم رسلنا وهم عاد وثمود وقوم ابراهيم وقوم لوط واصحاب مدين واصحاب الايكة هذا ايضا حال بتقدير قد او معطوف على قال الّذين كفروا وَما بَلَغُوا يعنى هؤلاء الكفار اى كفار مكة مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ اى عشر ما أعطينا الأمم الخالية من العدة

[سورة سبإ (34) : آية 46]

والنعمة وطول العمر فَكَذَّبُوا رُسُلِي فحين كذبوا رسلى جاءهم نكيرى حيث دمّرناهم فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ لهم اى كيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك يعنى هو واقع موقعه استفهام توبيخ فليحذر هؤلاء من مثله ولا تكرير فى كذّب لان الاول للتكثير والثاني للتكذيب او الاول مطلق غير مقيد بالمفعول فانه نزل منزلة اللازم والثاني مقيد تفصيل بعد الإجمال ولذلك عطف عليه بالفاء وقال صاحب البحر المواج ضمير فكذبوا رسلى عائد الى كفار مكة عطف على ما بلغوا فلا تكرار- قرأ ورش نكيرى بإثبات الياء وصلا لا وقفا والجمهور بحذفها فى الحالين-. قُلْ يا محمد إِنَّما أَعِظُكُمْ اى أرشدكم وانصح لكم بِواحِدَةٍ اى بخصلة واحدة وهى ما دل عليه قوله أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ ليس المراد بالقيام ضد الجلوس والرقود بل المراد به الانتصاب فى الأمر والتصدي له كما فى قوله تعالى أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ والمعنى ان تنتصبوا فى التفكر خالصا لوجه الله معرضا عن التعصب والتقليد مَثْنى وَفُرادى يعنى اثنين اثنين وواحدا واحدا فان الازدحام يشوش الخاطر حالان من فاعل تقوموا ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا فى امر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به عطف على تقوموا يعنى قوموا اما اثنين اثنين فيتفكران ويعرض كل واحد منهما فكره على صاحبه وينظران بنظر الانصاف او يتفكر فرد فرد فى نفسه بعدل ونصفة حتى يتضح له الحق- وان مع صلته أما فى محل الجر بدلا من واحدة او بيانا له وأما فى محل الرفع بإضمار هو واما فى محل النصب بإضمار اعنى ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ متعلق بتتفكّروا بتضمين يعلموا ارشاد الى مواد التفكر والمراد ان هذا امر بديهي وهو ان صاحبكم محمدا صلى الله عليه وسلم ليس به جنون فانه ذو عقل سليم ولبّ عظيم وفهم مستقيم لا ينكره الا معاند او مجنون- وبديهي ان من له عقل سليم لا يتصدى الأمر عظيم عبث يعادى بسببه الخلائق مع كونه متوحدا صفر اليد من غير تحقيق ووثوق ببرهان من غير فائدة معتدة به من جلب نفع او دفع ضرر- وجلب نفع او دفع ضرر دنيوى غير موجود اما جلب النفع فمنفى حيث يقول. ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ وكذا دفع الضرر لان ضرر

[سورة سبإ (34) : آية 48]

معادات الخلائق موجود فما هذا الدعوى من محمد صلى الله عليه وسلم الا لجلب نفع متوقع فى غير هذا الدار الدنيا ودفع ضرر كذلك فيثبت بهذه المقدمات قوله إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) يلحق بكم فى غير هذا الدار فهذه المقدمات يرشد الى وجوب اتباعه لا سيما قد انضم ذلك الى معجزات كثيرة- قال ابن عباس لمّا نزلت وانذر عشيرتك الأقربين صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادى يا بنى فهر يا بنى عدى لبطون قريش حتى اجتمعوا فقال ارايتكم لو أخبرتكم ان خيلا تريد ان تغير عليكم أكنتم مصدقى قالوا ما جرّبنا عليك الا صدقا قال فانى نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ فقال ابو لهب تبّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ- متفق عليه- قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ على الرسالة فَهُوَ لَكُمْ يعنى لا اسئلكم شيئا وقيل معناه ما سألتكم من اجر بقولي ما اسئلكم عليه من اجر الّا من شاء ان يتّخذ الى ربه سبيلا وقوله لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ... فَهُوَ لَكُمْ اى لفائدتكم لان اتخاذ السبيل الى الله ينفعكم وقربائى قرباكم- قلت بل قربى النبي صلى الله عليه وسلم علماء الظاهر والباطن من اهل بيته وغيرهم ومودتهم يورث التقرب الى الله سبحانه إِنْ أَجْرِيَ قرأ ابن كثير وابو بكر ويعقوب وخلف- ابو محمد وحمزة والكسائي بإسكان الياء والباقون بفتحها إِلَّا عَلَى اللَّهِ فى غير هذا الدار الدنيا ولولا ذلك لم ارتكب تحمل تلك المشقة عبثا فلا بد لكم ان تتبعونى وتعملوا ما يوجب لكم الاجر على الله عزّ وجلّ تفضلا منه بناء على وعده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله قلت الله ورسوله اعلم قال حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ان لا يعذب من لا يشرك به شيئا- متفق عليه عن معاذ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (40) فيجازى كل امرئ على حسب عمله واعتقاده. قُلْ يا محمد إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ اى يلقيه وينزله على من يشاء ان يجتبيه من عباده او المعنى يرمى به الباطل فيدمغه او المعنى يرمى به الى أقطار الآفاق

[سورة سبإ (34) : آية 49]

فيكون وعدا بإظهار الإسلام روى احمد عن المقداد انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر الا ادخله الله كلمة الإسلام بعز عزيزا وذل ذليل اما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها او يذلهم فيدينون لها عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) بالرفع صفة محمولة على محل اسم انّ او بدل من المستكن فى يقذف او خبر ثان لان او خبر محذوف اى هو علّام الغيوب يعلم من هو اهل للاجتباء بالوحى ويعلم عاقبة امر الإسلام حيث يدفع به الكفر ويظهره فى الأقطار. قُلْ يا محمد جاءَ الْحَقُّ اى القران والإسلام والتوحيد وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (49) اى ذهب الباطل يعنى الشرك وزهق فلم يبق منه بقية تبدى شيئا او تعيده كما قال بل يقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق وقال قتادة الباطل إبليس اى ما يخلق إبليس أحدا ولا يبعثه وهو قول الكلبي ايضا وقيل الباطل الأصنام- قال البغوي ان كفار مكة كانوا يقولون للنبى صلى الله عليه وسلم انك قد ضللت حتى تركت دين ابائك فانزل الله تعالى. قُلْ يا محمد إِنْ ضَلَلْتُ يعنى ما تدينت به من الدين ان كان ضلالا كما تقولون فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي يعنى وبال ضلالى انما يعود الى نفسى فكيف اختار الوبال على نفسى مع انه لا جنون بي ولا منفعة دنيوية يعود الىّ وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي يعنى ان كان هذا هداية فليس من قبل نفسى ولا من عند أحد من اهل هذا البلد لظهور انى أمي ما كتبت ولا قرأت على أحد فليس هو الا مستفادا من الله وحيا فيجب عليكم ان تتبعونى فتهتدوا كما اهتديت فهذا استدلال على النبوة وهذا الوجه المقابلة بين الشرطين وقال البيضاوي فى وجه المقابلة ان معنى قوله ان ضللت فانّما اضلّ على نفسى فان وبال ضلالى عليها فانه بسببها فانها هى الضالة بالذات والامارة بالسوء وان أهديت فبهدايته تعالى فعلى هذا وزان هذه الاية قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك

[سورة سبإ (34) : آية 51]

إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) يدرك قول كل ضالّ ومهتد وفعله ان أخفاه-. وَلَوْ تَرى ايها المخاطب إِذْ فَزِعُوا وقت فزع الكفار عند الموت وقال قتادة عند البعث وجواب لو محذوف يعنى لرايت امرا فظيعا فَلا فَوْتَ لهم يعنى فلا يفوتون الله بهرب او تحصن او بإعطاء فداء عن نفسه وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (51) يعنى من ظهر الأرض الى بطنها كما قيل او من الموقف الى النار وقال الضحاك هو يوم بدر فزعوا وأخذوا من مكان قريب بعذاب الدنيا لكن لا يناسب هذا التأويل قوله. وَقالُوا آمَنَّا بِهِ اى بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد مر ذكره فى قوله ما بصاحبكم فانهم لم يقولوا يوم بدرا منّا به بل قال ابو جهل حين قتل وكان به رمق وأخذ ابن مسعود لحيته وقال الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله قال بماذا أخزاني هل زاد على رجل قتله قومه وهل كان الّا هذا. وانما يقولون امنّا به عند البأس إذا اخذه سكرات الموات وعند البعث من القبور إذا عاينوا العذاب وعند البعث الى النار وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص وابو جعفر ويعقوب وابو محمد بضم الواو بغير مد ومعناه التناول يعنى من اين لهم ان يتناولوا الايمان والتوبة والباقون التّناؤش بالمد والهمزة وإذا وقف حمزة جعلها بين بين لان ذلك من النئش بالهمزة وهو الحركة فى الإبطاء يعنى انى لهم ان يتحركوا ويطلبوا الايمان والتوبة وجاز ان يكون من النوش بمعنى التناوش فيكون أصله الواو ثم يهمز للزوم ختمها فعلى هذا يقف حمزة بضم الواو ورد ذلك الى أصله كذا قال الداني فى التيسير- قال فى القاموس النأش يعنى بالهمز التناول كالتناوش والاخذ والبطش والنهوض والتأخير ولا يستقيم التأخير هاهنا ويستقيم غير ذلك والنوش يعنى بالواو التناول والطلب والمشي والاسراع في النهوض مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (51) فان تناول الايمان انما هو فى حين التكليف انه بعد عنهم حين التكليف وهذا تمثيل حالهم فى الاستخلاص بعد ما فات عنهم وبعد عنهم مجال من يريد تناول الشيء من غلوة مثل تناوله على ذراع فى الاستحالة

[سورة سبإ (34) : آية 53]

وعن ابن عباس انه قال انهم يسئلون الرد الى الدنيا فيقال وانى لهم الرد من مكان بعيد اى من الاخرة الى الدنيا.. وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ اى بالله وقد مر ذكره او بمحمد وقد ذكر بقوله ما بصاحبكم او بالقرآن المذكور بقوله جاء الحقّ او بالعذاب المفهوم من قوله أخذوا والجملة حال من فاعل قالوا مِنْ قَبْلُ ذلك الوقت فى أوان التكليف وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53) اى من جانب بعيد من امر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الشّبه الذي تمحلوها فى امر الرسول صلى الله عليه وسلم وحال الاخرة كما حكاه من قبل ولعله تمثيل لحالهم فى ذلك بحال من يرمى شيئا لا يراه من مكان بعيد لا محال الظن فى لحوقه قال مجاهد يرمون محمدا صلى الله عليه وسلم بما لا يعلمون يقولون شاعر ساحر كذّاب بلا تحقيق هذا تكلم بالغيب وقال قتادة يرمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار وهذا معطوف على قوله وقد كفروا به على حكاية الحال الماضية او على قالوا فيكون تمثيلا لحالهم بحال القاذف فى تحصيل ما ضيعوه من الايمان فى الدنيا-. وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ من نفع الايمان والنجاة من النار او الرجوع الى الدنيا او كل ما يشتهيه الطبع من المأكولات والمشروبات وغيرها التي كانت لهم ميسرة فى الدنيا والظرف قائم مقام فاعل حيل او هو مسند الى مصدره اى حيل الحيلولة قرأ ابن عامر والكسائي حيل بإشمام الضم للحاء والباقون بإخلاص الكسر كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ اى باشباههم من كفار الأمم الخالية مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ من البعث ونزول العذاب بهم مُرِيبٍ (54) موقع للريبة او ذى الريبة منقول من المشكك او الشاك نعت به الشك للمبالغة- تم تفسير سورة السبا من التفسير المظهرى فى العشرين من المحرم من السنة السابعة بعد الف ومائتين سنة 1207 من الهجرة ويتلوه تفسير سورة الملائكة إنشاء الله تعالى وصلى الله على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.

سورة الملائكة

سورة الملائكة مكّية وهى خمس وأربعون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى خالقهما ومبدعهما من غير مثال سبق من الفطرة بمعنى الشق العدم بإخراجها منه والاضافة محضة لان فاطرا بمعنى الماضي فهو صفة للَّه جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وسائط بين اللَّه وأنبيائه والصالحين من عباده يبلَّغون إليهم رسالاته بالوحى او الإلهام او الرؤيا الصالحة او بينه وبين خلقه يوصلون إليهم اثار صنعه. واضافة جاعل الى الملائكة لفظية لان جاعلا قد عمل فى رسلا ولا يجوز اعماله فى المفعول الثاني الا ان يكون عاملا فى الاول لانه من ملحقات افعال القلوب لا يجوز اقتصارها على أحد المفعولين والمعنى يجعل الملائكة رسلا فى الحال او الاستقبال الى محمد صلى اللَّه عليه وسلم وخواص أمته فقوله جاعل بدل من اللَّه وليس بصفة أُولِي أَجْنِحَةٍ بدل من رسلا مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ صفات لاجنحة قال قتادة ومقاتل بعضهم له جناحان وبعضهم له ثلاثة اجنحة وبعضهم له اربعة اجنحة وليس هذا للحصر ولدفع توهم الحصر قال اللَّه تعالى يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ فى الملائكة وغيرها ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) روى مسلم فى الصحيح عن ابن مسعود فى قوله تعالى لقد راى من ايت ربّه الكبرى قال راى جبرئيل فى صورته له ست مائة جناح- ورواه ابن حبان بلفظ رايت جبرئيل عند سدرة المنتهى له سبع مائة جناح ينشر من ريشه الدر والياقوت- والجملة مستأنفة للدلالة على ان تفاوتهم فى ذلك انما هو مقتضى مشيته تعالى ومودى حكمته لا امر يستدعيه ذواتهم والاية متناولة لزيادات الصور والمعاني كملاحة الوجه وحسن الصوت وسماحة النفس والعقل والفهم وغير ذلك فما قال ابن شهاب ان المراد به حسن الصوت وقال قتادة الملاحة فى العينين وقيل هو العقل

[سورة فاطر (35) : آية 2]

والتميز كل ذلك على سبيل التمثيل.. ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ اى ما يعطى اطلق الفتح وهو الإطلاق وأراد به الإعطاء تجوزا إطلاقا للسبب على المسبب مِنْ رَحْمَةٍ نعمة دينية كالايمان والعلم والنبوة وتوفيق الحسنات او دنيوية كالمطر والرزق والامن والصحة والجاه والمال والولد فَلا مُمْسِكَ لَها اى لا أحد يحبسها ويمنع من اعطائها وَما يُمْسِكْ اى ما يمنعه فَلا مُرْسِلَ لَهُ واختلاف الضميرين لان الموصول الاول فسر بالرحمة فروعى معناه والثاني مطلق يتناولها والغضب فروعى لفظه وفيه اشعار بان رحمة سبقت غضبه مِنْ بَعْدِهِ اى بعد إمساكه وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب على ما يشاء لا يقدر أحد ان ينازعه الْحَكِيمُ (2) لا يفعل الا بعلم وإتقان روى الشيخان فى الصحيحين عن المغيرة بن شعبة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلوة لا اله الّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ولما بيّن الله سبحانه انه خالق لجميع الأشياء متصرف فيها على ما يشاء امر الناس بشكر انعامه فقال. يا أَيُّهَا النَّاسُ يا اهل مكة ودخل فى العموم غيرهم اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ حيث اسكنكم الحرم ومنع منكم الغارات وجعل الأرض كمهد ورفع السماء بلا عمد وخلقكم وزاد فى الخلق ما شاء وفتح أبواب الرزق ولا ممسك له- ثم أنكر ان يكون لغيره فى ذلك مدخل حتى يستحق الإشراك به فقال هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ المطر وَالْأَرْضِ النبات من الاولى زائدة فان الاستفهام للانكار بمعنى النفي وخالق مبتدا وغير الله فاعله على قراءة الرفع او خالق مبتدا محذوف الخبر تقديره هل لّكم من خالق غير الله او خبره غير الله ايضا على قراءة الرفع او خبره يرزقكم وغير الله وصف له او بدل منه قرأه حمزة والكسائي «وابو جعفر وخلف ابو محمد» بالجر حملا على لفظه والباقون بالرفع حملا على محله او خالق فاعل لفعل محذوف تقديره هل يرزقكم من خالق غير الله ويرزقكم فى محل الجر او الرفع صفة لخالق او فى محل النصب حال منه

[سورة فاطر (35) : آية 4]

او تفسير لما أضمر او استئناف لا محل له من الاعراب لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) فمن اىّ وجه تصرفون من التوحيد الى الإشراك مع اعترافكم بانه الخالق والرازق لا غير. وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فى البعث والتوحيد والعقاب فقاس بمن قبلك من الرسل يعنى اصبر ولا تحزن حذف الجزاء وأقيم مقامه فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ اقامة السبب مقام المسبب وتنكير الرسل للتعظيم المقتضى لزيادة التسلية والحث على الصبر يعنى كذبت رسل ذو عدد كثير وآيات واضحات وأعمار طوال واصحاب حزم وعزم وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) فيجازيك على الصبر بالنصر والثواب وإياهم على التكذيب فى الدارين بالعذاب- قرأ حمزة «ابو محمد وابن عامر» والكسائي وخلف ويعقوب بفتح التاء وكسر الجيم على البناء للفاعل والباقون بضم التاء وفتح الجيم على البناء للمفعول.. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث والجزاء حَقٌّ كائن لا يحتمل الخلف فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا اى لا يلهيكم الاشتغال بزخارف الدنيا من طلب الاخرة والسعى لها وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ فى حلمه وامهاله الْغَرُورُ (5) يعنى الشيطان بان ينسيكم عذاب الاخرة او يمنّيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية فانها وان أمكنت لكن ارتكاب الذنب بهذا الاحتمال يشبه تناول السم على احتمال الترياق او رفعه الطبيعة. إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ عداوة عامة قديمة حيث قال و «1» عزّتك لاغوينّهم أجمعين فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا يعنى استيقنوا بعداوته وكونوا على حذر من اتباع وسوسته فى مجامع أحوالكم ولا تطيعوه وأطيعوا الله على رغم انفه فان مقتضى المحبة ان يفعل ما يرضاه المحبوب ويرضيه منه ومقتضى العداوة ان يفعل ما لا يرضاه ويغيظه والجملة تعليل للنهى السابق إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ اى اتباعه من الانس الى المعاصي واتباع الهوى والركون الى الدنيا

_ (1) وفى القرآن فبعزّتك.

[سورة فاطر (35) : آية 7]

لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (6) متعلق بيدعو تقرير لعداوته وبيان لغرضه ثم بين حال موافقيه ومخالفيه فقال. الَّذِينَ كَفَرُوا بالله واتبعوا الشيطان لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا بالله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وخالفوا الشيطان لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) . أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ اى راى عمله السيئ حَسَناً معطوف على زين تقرير له يعنى من زين له قبح عمله يعنى خذله الله حتى غلب همه وهواه على عقله واختل رأيه ووسوس له الشيطان فراى السيئ حسنا والباطل حقّا كمن لم يزين له وهداه الله الى الحق ولم يجد الشيطان اليه سبيلا حتى عرف الحق من الباطل واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هى عليه فحذف الجواب لدلالة قوله فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ الهمزة فى أفمن زيّن للانكار والفاء للعطف على المحذوف تقديره أتطمع ان تهتدى كل رجل فيكون المخذول من الله والمهدى سواء لا تطمع ذلك فانّ الله يضلّ من يشآء ويهدى من يشاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ يعنى لا تهلك نفسك عَلَيْهِمْ اى على ضلالهم حَسَراتٍ منصوب على العلية اى للحسرات على غيّهم وضلالهم والحسرة شدّة الحزن على ما فات من الأمر وجمع الحسرات للدلالة على تضاعف اغتمامه على أحوالهم او كثرة مساوى أفعالهم المقتضية للتاسف وعليهم ليس صلة لها لان صلة المصدر لا تتقدمه بل صلة تذهب او بيان للمتحسر عليه وقيل تقدير الكلام اتغتم بكفرهم فمن زيّن له سوء عمله فاضله الله تذهب نفسك عليهم حسرة يعنى لا تغتم فلا تذهب عليهم حسرات فقوله تعالى فلا تذهب تدل على الجواب المحذوف وقوله تعالى فانّ الله يضلّ من يشاء ويهدى من يشاء معترضة فى مقام التعليل قال الحسين «1» بن الفضل فيه تقديم وتأخير مجازه افمن زيّن له سوء عمله فراه حسنا فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فانّ الله يضلّ من يشاء ويهدى من يشاء- قال البغوي قال ابن عباس نزلت الاية فى ابى جهل ومشركى مكة واخرج جويبر عن الضحاك عن ابن

_ (1) وفى البغوي الحسن بن الفضل. مصحح

[سورة فاطر (35) : آية 9]

عباس قال نزلت الاية حين قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أعزّ دينك بعمر بن الخطاب او بابى جهل بن هشام فهدى الله عمر وأضل أبا جهل ففيهما نزلت وقال سعيد بن جبير نزلت فى اصحاب الأهواء والبدع قال قتادة منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم واما اهل الكبائر فليسوا منهم فانهم لا يستحلون الكبائر بل يعتقدون الباطل باطلا وان كانوا مرتكبين به إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ فيجازيهم عليه. وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ عطف على انّ وعد الله حقّ يعنى وعد الله بالبعث حق والله أرسل الرياح واحيى الأرض بعد موتها كذلك نشوركم بالبعث قرا ابن كثير و «خلف- ابو محمد» وحمزة والكسائي الرّيح على ارادة الجنس والباقون بصيغة الجمع فَتُثِيرُ سَحاباً على حكاية الحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال الحكمة ولان المراد بيان إحداثها بهذه الخاصة ولذلك أسند إليها ويجوز ان يكون اختلاف الافعال للدلالة على استمرار الأمر فَسُقْناهُ فيه التفات من الغيبة الى التكلم لانه ادخل فى الاختصاص لما فيها من مزيد الصنع إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص و «ابو جعفر وخلف ابو محمد» بتشديد الياء والباقون بالتخفيف فَأَحْيَيْنا بِهِ اى بالمطر النازل منه وذكر السحاب كذكره او بالسحاب فانه سبب السبب الْأَرْضَ اى جعلناها مخضرة ذات نبات بَعْدَ مَوْتِها اى بعد اغبرارها ويبس نباتها أسند موت نباتها وحياتها إليها مجازا كَذلِكَ اى مثل احياء النبات بعد اليبس النُّشُورُ (9) للاموات من القبور لاستوائهما فى المقدورية إذ ليس بينهما الا اختلاف المادة فى المقيس عليه وذلك لا مدخل له فيها وقيل التمثيل فى كيفية الاحياء لما ورد فى حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم فى كيفية البعث حيث قال ثم يرسل الله مطرا كانّه الطل فينبت منه أجساد الناس الحديث واخرج ابو الشيخ فى العظمة عن وهب قال البحر المسجور اوله فى علم الله وآخره فى ارادة الله فيه ماء ثخين شبه ماء الرجل يمطر الله منه على الخلق أربعين يوما بين الراجفة والرادفة فينبتون نبات الجنّة

[سورة فاطر (35) : آية 10]

فى حميل السيل ويجمع أرواح المؤمنين من الجنان وأرواح الكافرين من النار فيجعل فى الصور يأمر الله اسرافيل فينفخ فيه فيدخل كل روح فى جسده الحديث واخرج الشيخان عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون عامّا قال أبيت ثم ينزّل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شيء الا يبلى الا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركّب الخلق يوم القيامة واخرج ابن المبارك عن سليمان قال يمطر الناس قبل البعث أربعين يوما ماء خاثرا- اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يسيل واد من اصل العرش من ماء فيما بين الصيحتين ومقدار ما بينهما أربعين عاما ينبت منه كل خلق بلى من انسان او طيرا ودابة ولو مرّ عليهم مارّ قد عرفهم قبل ذلك نعرفهم على وجه الأرض فينبتون ثم يرسل الأرواح فتزوج بالأجساد-. مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً اى فى الدنيا والاخرة قال الفراء من كان يريد ان يعلم لمن العزّة فلله العزّة جميعا والظاهر ان معناه من كان يطلب لنفسه العزة فليطلبها من عند الله وليتعزز بطاعة الله فان العزة كلها له ملكا وخلقا يؤتيها من يشاء وفيه رد على الكفار حيث طلبوا العزة بعبادة الأصنام قال الله تعالى واتّخذوا من دون الله الهة لّيكونوا لهم عزّا كلّا وعلى المنافقين حيث طلبوا العزة من الكفار قال الله تعالى ايبتغون عندهم العزّة فانّ العزّة لله جميعا......... ثم بين ان ما يطلب به العزة انما هو التوحيد والعمل الصالح فقال إِلَيْهِ اى الى الله يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وهى سبحان الله والحمد لله والله اكبر ولا إله إلّا الله وتبارك الله ونحو ذلك وصعودها مجاز عن قبوله ايّاها كذا روى عن قتادة او المراد بها صعود الكتبة بصحيفتها الى عرشه كما يدل عليه حديث ابن مسعود قال ما من عبد يقول خمس كلمات سبحان الله والحمد لله ولا اله الّا الله والله اكبر وتبارك الله

الا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة الا استغفروا لقائلهن حتى يجئ بها وجه رب العالمين ومصداقه من كتاب الله عزّ وجلّ اليه يصعد الكلم الطيب. رواه البغوي والحاكم وغيره وروى الثعلبي وابن مردوية حديث ابى هريرة نحوه مرفوعا وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قال الكلبي ومقاتل الضمير المستكن فى يرفعه راجع الى الكلم والمنصوب الى العمل المعنى ان العمل لا يقبل الا ان يكون صادرا عن التوحيد وقال سفيان بن عيينة ان المستكن راجع الى الله عزّ وجلّ يعنى ان العمل الصالح اى ما كان خالصا لوجه الله لا يكون مشوبا برياء وسمعة يرفعه الله اى يقبله فان الإخلاص سبب لقبول الأقوال والأعمال. والظاهر ان الضمير المستكن راجع الى العمل الصالح لقربه والمنصوب الى الكلم وهو مفرد ليس بجمع أريد به الجنس ولذا وصفه بالطيب او يقال تقديره اليه يصعد بعض الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وذلك البعض ما كان منه بالإخلاص وإرجاع الضمير هكذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وعكرمة واكثر المفسرين قال الحسن وقتادة الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء الفريضة فمن ذكر الله ولم يؤد الفريضة رد كلامه على عمله وليس الايمان بالتمني ولا بالتجلى ولكن ما وقرنى القلوب وصدقه الأعمال فمن قال حسنا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله ومن قال حسنا وعمل صالحا يرفعه القول ذلك بان الله يقول اليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصّالح يرفعه وجاء فى الحديث لا يقبل قولا الا بعمل ولا قولا ولا عملا الّا بنية- قلت ليس المراد بهذه الاية ان الايمان بغير عمل لا يعتد به كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان عيسى عبد الله ورسوله وابن أمته وكلمته القاها الى مريم وروح منه والجنة حقّ والنار حقّ ادخله الله الجنة على ما كان من عمل- رواه الشيخان فى الصحيحين عن عبادة بن الصامت بل المراد ان الكلم الطيب يصعد الى الله فان كان معه عمل يرفع شأن

[سورة فاطر (35) : آية 11]

تلك الكلمة ويزيد فى ثوابها ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله قولا الا بعمل يعنى قول المنافق بلا عمل من القلب والجوارح لا يعتد به وكذا القول المقرون بالعمل لا يعتد بهما الا بنية اى باعتقاد واخلاص من القلب وقيل معنى الاية والعمل الصالح يرفع القائل اى درجته. وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ صفة لمصدر محذوف لان الفعل لازم ليس بمتعد الى مفعول به اى يمكرون المكرات السيئات قال ابو العالية يعنى مكرات قريش للنبى صلى الله عليه وسلم فى دار الندوة كما مر فى سورة الأنفال فى قوله تعالى وإذ يمكر بك الّذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك وقال الكلبي معنى الاية الذين يعملون السيئات وقال مجاهد وشهر بن حوشب هم اصحاب الرياء لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ اى الله سبحانه يَبُورُ (10) اى يبطل حيث قال الله تعالى ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين او المعنى الله يبطل اعمال المرائين-. وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ معطوف على والله أرسل وهذا ايضا دليل على القدرة على البعث فان بدء الخلق ليس باهون من إعادته مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ يعنى أصلكم البعيد تراب حيث خلق آدم منه وأصلكم القريب نطفة ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً أصنافا ذكرانا وإناثا وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا متلبسا بِعِلْمِهِ حال يعنى الا معلوما له وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ يعنى ما يقدر عمر أحد وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ اى لا ينقضى من عمر أحد شىء إِلَّا فِي كِتابٍ يعنى كل ذلك مكتوب فى اللوح او فى الصحائف الكرام الكاتبين قال سعيد بن جبير مكتوب فى أم الكتاب عمر فلان كذا سنة ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة ايام حتى ينقطع عمره وقيل معناه لا يزاد فى عمر أحد ولا ينقص الا فى كتاب يعنى كتب فى اللوح المحفوظ ان عمر فلان كذا سنة ثم يزاد عمره ببعض الحسنات او ينقص ببعض السيئات كل ذلك مكتوب فى اللوح يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لا يرد القضاء الا الدعاء ولا يزيد فى العمر الا البرّ- رواه الترمذي عن سلمان الفارسي وقيل معناه لا يمد فى عمر من هو طويل

[سورة فاطر (35) : آية 12]

العمر ولا ينقص عمر غيره من عمره اى عمر طويل العمر بان يعطى له عمر ناقص من عمره او لا ينقص عمر المنقوص عمره بجعله ناقصا والضمير له وان لم يدكر لدلالة مقابله عليه وللمعمر على التسامح اعتمادا على السامع كقولهم لا يثبت الله عبدا ولا يعاقبه الا بحق إِنَّ ذلِكَ اى كتابة الآجال والأعمال عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) . وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا يعنى أحدهما عَذْبٌ فُراتٌ اى شديد العذوبة وقيل هو ما يكسر العطش سائِغٌ سهل الانحدار شَرابُهُ جملة هذا عذب فرات مع ما عطف عليه صفة للبحرين على طريقة ولقد امر على اللئيم يسبنى وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ شديد الملوحة وقيل هو ما يحرق بملوحته ضرب مثل المؤمن والكافر وبيان لكمال قدرته تعالى حيث خلق من جنس وأخذ شيئان مختلفان فى الخواص وَمِنْ كُلٍّ اى من كل واحد من البحرين تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا استطراد فى صفة البحرين وما فيهما من النعم اولا على سبيل الاستطراد بل لتمام التمثيل والمعنى انه كما انهما وان اشتركا فى بعض الفوائد لا يتساويان فيما هو المقصود بالذات من الماء كذلك المؤمن والكافر وان اشتركا فى بعض خواص الانسانية لا يتساويان فيما هو المقصود من خلق الإنسان وهو معرفة الله وعبادته حيث قال الله تعالى ما خلقت الجنّ والانس الّا ليعبدون او لتفضيل الأجاج على الكافر بما يشارك العذب فى المنافع وَتَسْتَخْرِجُونَ اى من الملح دون العذب حِلْيَةً يعنى اللؤلؤ والمرجان تَلْبَسُونَها قيل نسب اللؤلؤ الى البحرين لانه يكون فى بحر الأجاج عيون عذبة يمتزج بالملح فيكون اللؤلؤ من بين ذلك وَتَرَى الْفُلْكَ عطف على ومن كلّ تأكلون فِيهِ اى فى كل منهما مَواخِرَ جمع ماخرة على وزن فاعلة من المخر وهو الشق يعنى شاقات للماء تجريها مقبلات ومدبرات لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ اى من فضل الله بالتجارة فيهما واللام متعلق بمواخر ويجوز ان يكون متعلقا بفعل دلّ عليه الافعال المذكورة يعنى جعل الله البحر هكذا لتبتغوا من فضله وَلَعَلَّكُمْ اى ولكى تَشْكُرُونَ (12) الله على ذلك عطف على لتبتغوا لان حرف الترجي استعير لمعنى اللام وإيراد حرف الترجي باعتبار ما يقتضيه ظاهر الحال..

[سورة فاطر (35) : آية 13]

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ صيفا متصل بقوله والله خلقكم من تراب وبما فى سياقه وجملة ما يستوى معترضة وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ شتاء حيث يقصر النهار ويمد الليل وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ اى كل واحد منهما يَجْرِي فى السّماء لِأَجَلٍ مُسَمًّى هى مدة دوره او منتهاه او يوم القيامة حين ينقطع جريها وجملة كلّ يجري بيان للتسخير ذلِكُمُ مبتدا اى الذي فعل هذه الأشياء اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ اخبار مترادفة وكونه تعالى فاعلا لما ذكر موجب لثبوت تلك الاخبار ويحتمل ان يكون له الملك كلاما مبتدءا وَالَّذِينَ تَدْعُونَ اى الذين تعبدونها من الأصنام وغيرها كائنة مِنْ دُونِهِ تعالى ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) من زائدة على المفعول به فضلا ان يملك شيئا اخر وهو لفافة رقيقة على النواة فمن لم يملك كيف يستحق العبادة. إِنْ تَدْعُوهُمْ لقضاء حاجتكم لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ لانها جمادات الجملة الشرطية مع ما عطف عليه خبر ثان للموصول ولم يعطف للدلالة على استبداده لنفى الالوهية وَلَوْ سَمِعُوا على سبيل الفرض او على تقدير كون بعضهم ذا شعور كابليس مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ لعدم قدرتهم على الإنفاع او لتبرئهم منكم ومما تدّعون لهم من الالوهية كعيسى وعزير والملائكة وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ اى ينكرون باشراككم إياهم يقولون ما كنتم ايّانا تعبدون وَلا يُنَبِّئُكَ اى لا يخبرك بحقيقة الأمر مخبر مِثْلُ خَبِيرٍ (14) اى عالم وهو الله سبحانه فانه هو الخبير بكل شىء على ما هو عليه او المعنى ولا ينبّئك ايها المفتون بأسباب الغرور كما ينبئك الله الخبير بحقائق الأشياء.. يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ المحتاجون إِلَى اللَّهِ دائما فى الوجود وتوابعه وفى البقاء وفى النجاة من النار والاثابة بالجنة وغير ذلك وتعريف الفقراء نظرا الى افتقار سائر الخلائق بالاضافة الى فقرهم غير معتد به فانه حمل الامانة مع كونه ضعيفا ظلوما جهولا فهو أجوع من غيره وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ اللام للعهد اى المعروف بالاستغناء على الإطلاق والانعام العام على الموجودات الْحَمِيدُ (15) فى نفسه مستحق الحمد

[سورة فاطر (35) : آية 16]

من جميع خلقه. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ الى العدم دليل على كونه غنيّا عنكم وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) بقوم آخرين بدلكم أطوع منكم او بعالم اخر غير ما تعرفونه. وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) بمتعذر ولا متعسر. وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ اى لا تحمل نفس آثمة وِزْرَ اى ثقل يعنى اثم نفس أُخْرى اما قوله تعالى وليحملنّ اثقالهم وأثقالا مع اثقالهم ففى الضالّين المضلّين فانهم حملوا أثقال ضلالهم مع أثقال ضلال أنفسهم لانهم أضلّوهم فكل ذلك أوزارهم وليس شىء منها من أوزار غيرهم واماما رواه مسلم عن ابى موسى يرفعه انه يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها لهم ويضعها على اليهود والنصارى- وما روى ايضا من وجه اخر بلفظ إذا كان يوم القيامة رفع الله الى كل مسلم يهوديا او نصرانيا فيقول هذا فداك من النار- وروى الطبراني والحاكم وصححه ايضا عن ابى موسى نحو الرواية الاولى وابن ماجة والطبراني ايضا نحو الرواية الثانية واخرج ابن ماجة والبيهقي عن انس إذا كان يوم القيامة رفع الى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال هذا فداك من النار فتأويل هذه الأحاديث عندى ان المراد بالذنوب التي توضع على الكفار انهم ارتكبوا بتلك السيئات قبل امة محمد صلى الله عليه وسلم وسنّوا سنة سيئة واقتفى المتأخرون اثارهم فى ارتكاب السيئات فلما غفرت سيئات المؤمنين تفضلا من الله تعالى بقيت سيات الذين سنوا تلك السنة عليهم مضاعفة لاجل الارتكاب ولاجل إبداع السنة السيئة فالوضع كناية عن ابقاء ما لحق الكافر بما سنه من عمله السيئ الذي عمل بها فاقتفاه مسلم الله اعلم وَإِنْ تَدْعُ نفس مُثْقَلَةٌ أثقلها أوزارها أحدا غيرها إِلى حِمْلِها اى ليتحمل بعض أوزارها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ اى لم تجب تحمل شىء منه نفى الله سبحانه ان يحمل عنها غيرها ذنبه كما نفى ان يحمل عليها ذنب غيرها وَلَوْ كانَ اى المدعو دلّ عليه قوله ان تدع ذا قُرْبى اى ذا قرابتها قال البغوي قال ابن عباس يلقى الأب والام ابنهما فيقول يا بنى احمل عنى بعض ذنوبى فيقول لا أستطيع حسبى عملى إِنَّما تُنْذِرُ قال الأخفش معناه انما تنفع بانذارك

[سورة فاطر (35) : آية 19]

الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ غائبين عن عذابه او عن الناس فى خلواتهم او غائبا عنهم عذابه وَأَقامُوا الصَّلاةَ يعنى الذين اجتنبوا المعاصي وأتوا بالواجبات خشية من عذاب الله هم المنتفعون بانذارك واختلاف الفعلين للدلالة على استمرارهم على ذلك فى جميع الأزمنة وَمَنْ تَزَكَّى اى تطهر من دنس المعاصي فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ إذ نفعه لها جملة معترضة مؤكدة لخشيتهم وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) فيجازيهم على تزكيته.. وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى عن الهدى اى الكافر او الجاهل وَالْبَصِيرُ (19) اى المؤمن والعالم. وَلَا الظُّلُماتُ اى الكفر وَلَا النُّورُ (20) اى الايمان. وَلَا الظِّلُّ اى الجنة والثواب وَلَا الْحَرُورُ (21) اى النار والعقاب. وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ تمثيل اخر للمومنين والكافرين ابلغ من الاول ولذلك كرر الفعل وقيل مثل للجهال والعلماء إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ ان يهديه فيوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات ومبالغة فى الاقناط عنهم. إِنْ أَنْتَ يا محمد إِلَّا نَذِيرٌ (23) تخوفهم بالنار ولا تقدر على هدايتهم. إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ حال من الضمير المرفوع او المنصوب او صفة لمصدر محذوف اى محقين او محقّا إرسالا متلبسا بالحق ويجوز ان يكون صلة لقوله بَشِيراً للمؤمنين بالوعد الحق وَنَذِيراً للكافرين بالوعيد الحق وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ من الأمم السالفة إِلَّا خَلا اى مضى فِيها نَذِيرٌ (24) اى نبي او من ينوبه من العلماء والاكتفاء بالنذير للعلم بان النذارة قرينة للبشارة قد قرن به من قبل او لان الانذار لهم فان دفع الضرر أهم من جلب النفع. وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يا محمد فلا تغتم واصبر على اذاهم كما صبر قبلك من الأنبياء فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى كفار الأمم الخالية قبل كفار مكة جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ حال من فاعل كذب بتقدير قد بِالْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات الشاهدات على نبوتهم وَبِالزُّبُرِ كصحف ابراهيم وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25) كالتوراة والإنجيل على ارادة التفصيل دون الجمع او المراد بها واحد والعطف لتفائر الوصفين يعنى فصبروا على تكذيبهم. ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا

[سورة فاطر (35) : آية 27]

فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26) اى إنكاري بالعقوبة اى هو واقع موقعه قرأ ورش «ويعقوب وابو محمد فى الحالين بإثبات الياء فى الوصل فقط والباقون بحذفها وصلا ووقفا.. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا فيه التفات من الغيبة الى التكلم بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها أجناسها او أصنافها على ان كلا منها اصناف مختلفة او مختلفا هيئتها من الصفرة والخضرة والحمرة وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ اى ذو جدد اى خطط وطرائق جملة اسمية هى مع ما عطف عليه حال من فاعل أخرجنا على طريقة أتيتك والشمس طالعة بِيضٌ وَحُمْرٌ وصفر مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها بالشدة والضعف وَغَرابِيبُ سُودٌ (37) اى صخور شديدة السواد عطف على بيض اى جدد بيض وحمر وسود غرابيب فغرابيب تأكيد لسود مضمر يفسره ما بعده لانه تأكيد وحق التأكيد ان يتبع المؤكد وهذا نظير قوله والمؤمن عاندات الطير وفى مثله مزيد تأكيد باعتبار الإضمار والإظهار كذا قال البيضاوي وقال الجلال المحلى يقال كثيرا اسود غربيب وقليلا غربيب وسود قلت لعل ذلك القليل عند ارادة مزيد التأكيد وجاز ان يكون عطفا على حدد كانّه قيل من الجبال ذو جدر مختلف ألوانها ومنها غرابيب متحدة اللون. وَمِنَ النَّاسِ عطف على مِنَ الْجِبالِ ... وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ذكّر الضمير لاجل من وقيل تقديره ومن الناس والدّواب والانعام ما هو مختلف ألوانه كَذلِكَ صفة لمصدر محذوف اى اختلافا مثل اختلاف الثمار والجبال. ولمّا قال الم تر انّ الله انزل من السّماء الى آخره ذكر انواع المخلوقات المختلفة الأجناس والأنواع الدالّة على صانعها وصفاته اتبعه بقوله إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ- الْعُلَماءُ يعنى الذين تفكروا فى خلق الله واستدلوا به على ذاته وصفاته وأفعاله وآلائه بخلاف الجمال ككفار مكة والذين تجاهلوا ولم يخلص علومهم الى قلوبهم وأنفسهم كاحبار اليهود والنصارى. قال الشيخ العارف الاجل شهاب الدين السهروردي فى هذه الاية تعريض الى انه من لا خشية له فهو ليس بعالم قلت فان معرفة الخشى بعظمته

[سورة فاطر (35) : آية 29]

وجلاله والعلم بصفات كماله يستلزم الخشية وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم قال البغوي قال ابن عباس يريد انما يخافنى من خلقى من علم جبروتى وعزتى وسلطانى فكل من «الجبروت فعلوت من الجبر بمعنى القهر منه» كان اعلم بالله وصفاته كان أخشى منه روى الشيخان فى الصحيحين عن عائشة قالت صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله واثنى عليه ثم قال ما بال أقوام يتنزّهون عن الشيء اصنعه فو الله انى أعلمهم بالله وأشدهم له خشية وروى الدارمي عن مكحول مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم ثم تلا هذه الاية انّما يخشى الله من عباده العلماء وروى البخاري فى الصحيح عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا- فكمال الخشية للانبياء ثم للاولياء وهم علماء الحقيقة ثم الأمثل فالامثل قال مسروق كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار جهلا قال الشعبي العالم من يخشى الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) تعليل لوجوب الخشية لدلالة على انه عزيز فى ملكه معاقب للمصرّ على طغيانه غفور للتائب من عصيانه.. إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ اى يداومون على قراءته واتباع ما فيه حتى صارت عنوانا لهم والمراد بكتاب الله القران او جنس كتب الله فيكون ثناء على المصدقين من الأمم والقراء العلماء منهم بعد اقتصاص حال المكذبين وَأَقامُوا الصَّلاةَ اى اداموها مع رعاية حقوقها وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يعنى كيف ما اتفق من غير قصد إليهما وقيل السر فى النافلة والعلانية فى المفروضة يَرْجُونَ تِجارَةً اى يرجون تحصيل الثواب بالطاعة لَنْ تَبُورَ (29) اى لن تكسر ولن تهلك بالخسران صفة للتجارة. لِيُوَفِّيَهُمْ الله متعلق بمعنى لن تبور يعنى يرجون تجارة نافعة ليوفيهم بانفاقها أُجُورَهُمْ اى أجور أعمالهم او متعلق بفعل محذوف دل عليه ما عد من أعمالهم يعنى فعلوا ذلك ليوفّيهم او يبرجون واللام للعاقبة يعنى يرجون تجارة لن تبور حتّى يوفّيهم الله أجورهم وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ على ما يقابل

[سورة فاطر (35) : آية 31]

أعمالهم اخرج ابن ابى حاتم وابو نعيم عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوفّيهم أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجب له النار ممن صنع إليهم المعروف فى الدنيا إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) هذه الجملة فى مقام التعليل لما سبق ويرجون خبر ان وجاز ان يكون لهذا خبران بتقدير الرابط يعنى انه غفور لفرطاتهم شكور لطاعاتهم قال ابن عباس يغفر العظيم من ذنوبهم ويشكر القليل من أعمالهم اى يجازيهم عليه وعلى هذا يرجون حال من فاعل أنفقوا اخرج عبد الغنى ان هذه الاية نزلت فى حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف. وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ يعنى القران ومن للبيان او الجنس او للتبعيض هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ اى احقه مصدقا لما تقدمه من الكتب السماوية حال مؤكدة لان حقيقته يستلزم موافقته إياها فى العقائد واصول الاحكام والاخبار إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) عالم بظواهر الأشياء وبواطنها فهو عالم بانك حقيق لان يوحى إليك هذا الكتاب المعجز الذي هو عياد على سائر الكتب.. ثُمَّ أَوْرَثْنَا منك ذلك الْكِتابَ والإرث انتقال الشيء من أحد الى غيره وقيل معنى أورثنا آخرنا ومنه الميراث لانه اخر من سالف ومعنى الاية أخرنا القران من الأمم الماضية وأعطينا الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا من للتبعيض متعلق باصطفينا او بيان للموصول ظرف مستقر حال من الضمير المنصوب المحذوف الراجع الى الموصول يعنى الّذين اصطفيناهم من عبادنا واضافة العباد الى نفسه للتشريف والمراد بالموصول علماء امة محمد صلى الله عليه وسلم من الصحابة ومن بعدهم او الامة بأسرها كذا قال ابن عباس فان الله اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمته وسطا ليكونوا شهداء على الناس وخصم بكرامة الانتماء الى سيد الأنبياء طوبى لنا معشر الإسلام ان لنا من العناية ركنا غير منهدم لمّا دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم وقيل الجملة معطوفة على انّ الّذين يتلون

والّذى أوحينا اعتراض وعندى ان الجملة معطوفة على مضمون والّذى أوحينا إليك وهو الحق يعنى أنزلنا إليك الكتاب الحق ثم اورثناه منك الذين اصطفيناهم من عبادنا فَمِنْهُمْ من هو ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مقصر فى العمل قال الله تعالى فى حقهم وآخرون مرجون لامر الله امّا «1» يعذّبهم وامّا يتوب عليهم وقال الله تعالى يعبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة الله إن الله يغفر الذّنوب جميعا انّه هو الغفور الرّحيم وَمِنْهُمْ من هو مُقْتَصِدٌ يعمل على ظاهر الكتاب ولا يفوز الى حقيقته قال الله تعالى فيهم وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا واخر سيّئا عسى الله ان يتوب عليهم انّ الله غفور رّحيم وَمِنْهُمْ من هو سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ اى بإرادته فائز الى حقائق القران قال الله تعالى والسّابقون الاوّلون من المهاجرين «2» وو الأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وقال الله تعالى والسّبقون السّبقون أولئك المقرّبون والصنفان الأولان هم اصحاب الميمنة وقيل المقتصد من يعمل بالقران فى غالب الأوقات والسابق من ضم الى العمل التعليم والإرشاد. روى البغوي بسنده عن ابى عثمان النهدي قال سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأ هذا فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقنا سابق ومقتصدنا ناج ظالمنا مغفور له- قال ابو قلابة (من رواة الحديث)

_ (1) وفى الأصل امّا ان يعذّبهم وامّا ان يتوب عليهم [.....] (2) وعن صهيب سمعت يقول فى المهاجرين هم السابقون الشافعون المدلون على ربّهم والذي نفس محمد بيده انهم ليأتون يوم القيامة وعلى عواتقهم السلاح فيقرعون باب الجنة فيقول لهم الخزنة من أنتم فيقولون نحن المهاجرون فيقول لهم الخزنة هل حوسبتم فيجثون على ركبهم ويرفعون أيديهم الى السماء فيقولون اى رب ابهذا نحاسب وقد خرجنا و؟؟؟ الأهل والمال والولد- فيمثل لهم اجنحة من ذهب مجوصة بالزبرجد والياقوت فيطيرون فيدخلون الجنة فذلك قوله تعالى وقالوا الحمد لله الّذى اذهب عنّا الحزن الى قوله ولا يمسّنا فيها لغوب- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم بمنازلهم فى الجنة اعرف بمنازلهم فى الدنيا وعن عثمان بن عفان رضى الله عنه انه افرغ بهذه الاية ثم قال الا ان سابقنا اهل جهادنا الا وان مقتصدنا اهل عضدنا وظالمنا اهل بدونا- منه برد الله مضجعه 12 منه

فحدثت به يحيى بن معين فجعل يتعجب منه ورواه البغوي ايضا مرفوعا وأخرجه سعيد ابن منصور والبيهقي موقوفا على عمر وروى البغوي بسنده عن ابى ثابت ان رجلا دخل المسجد فقال اللهم ارحم غربتى وانس وحشتي وسق الىّ جليسا صالحا فقال ابو الدرداء رضى الله عنه لان كنت صادقا لانا اسعد بك منك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقال اما السابق فيدخل الجنة بغير حساب واما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا واما الظالم لنفسه فيحبس فى المقام حتى يدخله الهم ثم يدخله الجنة ثم قرا هذه الاية الحمد لله الّذى اذهب عنّا الحزن انّ ربّنا لغفور شكور- ورواه احمد وابن جرير والطبراني والحاكم والبيهقي وفيه فاما الذين ظلموا فاولئك الذين يحبسون فى طول المحشر ثم هم الذين تلا فاهم الله برحمته لهم الذين يقولون الحمد لله الّذى اذهب عنّا الحزن انّ ربّنا لغفور شكور قال البيهقي له ظرق عن ابى الدرداء قال وإذا كثرت طرق الحديث ظهر ان للحديث أصلا قال البغوي وروى عن اسامة بن زيد فى هذه الاية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم من هذه الامة وكذا اخرج البيهقي عن اسامة واخرج مثل ذلك عن كعب وعطاء ان الأصناف الثلاثة فى الجنة- واخرج ابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن عباس فى الاية قال هم امة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزله فظالمهم مغفور له ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب واخرج احمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم فى هذه الاية قال هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم فى الجنة واخرج الفريابي عن البراء بن عازب فى قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه الآية قال اشهد على الله انه يدخلهم الجنة جميعا واخرج ابن ابى عاصم والاصبهانى عن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الله العباد يوم القيامة ثم يميّز العلماء فيقول يا معشر العلماء انى لم أضع علمى فيكم الا لعلمى بكم ولم أضع علمى فيكم لاعذبكم انطلقوا قد غفرت لكم واخرج

الطبراني بسند رجاله ثقات عن ثعلبة بن الحكم قال قال رسول الله يقول الله تعالى للعلماء إذا قعد على كرسيه لفصل عباده انى لم اجعل علمى وحكمى الا وانا أريد ان اغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي. واخرج ابن عساكر عن ابى عمر الصنعاني (اسمه حفص بن ميسرة) قال إذا كان يوم القيامة عزلت العلماء فاذا فرغ الله تعالى من الحساب قال لم اجعل حكمتى فيكم الا بخير أريدكم اليوم ادخلوا الجنة بما منكم وقال عقبة بن صهبان سالت عن عائشة عن قوله تعالى أورثنا الكتب الّذين اصطفينا من عبادنا فقالت يا بنى كلهم فى الجنة اما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة واما المقتصد فمن اتبع اثره حتى لحق به واما الظالم لنفسه فمثلى ومثلكم فجعلت نفسها معنا قلت ويمكن حمل هذه الأصناف الثلاثة على المصطفين الأخيار من هذه الامة اى الأولياء فمنهم ظالم لّنفسه وهو من يمنع نفسه عن حقوقه كما يمنعه عن حظوظه كاهل الرياضات والمجاهدات الشاقة رهبانية ابتدعوها ومنهم مقتصد يمنع نفسه عن حظوظه ويعطيه حقوقه فيصوم ويفطر ويصلى ويرقد وينكح ويأكل ويشرب ما أبيح له على ما هو السنة هم الذين قال عائشة فيهم من اتبع اثره حتى لحق به- ومنهم سابق بالخيرات المستغرق فى كمالات النبوة وهم الصحابة رضى الله عنهم والصديقون كما قالت عائشة وزعمت عائشة نفسها من الظالمين هضما وزعمت المخاطبين منهم لاجل رياضاتهم- وبالجملة فالاحاديث كلها تدل على ان الأصناف الثلاثة من المؤمنين او من العلماء فمن قال أريد بالظالم الكافر او المنافق فقوله مردود سئل ابو يوسف عن هذه الاية فقال كلهم مؤمنون واما صفة الكفار فبعد هذا وهو قوله والّذين كفروا لهم نار جهنّم واما الطبقات الثلاث فمن الذين اصطفى من عباده لانه قال فمنهم ومنهم ومنهم والكل راجع الى الذين اصطفى من عباده وهم اهل الايمان وعليه الجمهور- وقدم الظالم فى الذكر لكثرة الظالمين وقلة السابقين وتوسط المقتصدين او لان الظلم بمعنى الميل الى الهوى مقتضى الجملة والاقتصاد والسبق عارضان لكن الاقتصاد متوسط بين المنزلتين ذلِكَ التوريث او الاصطفاء هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) .

[سورة فاطر (35) : آية 33]

جَنَّاتُ عَدْنٍ خير مبتدا محذوف اى هو او مبتدا خبره محذوف تقديره لهم جنات عدن وقوله يَدْخُلُونَها صفة لجنات او جنّات مبتدا ويدخلونها خبره قرأ ابو عمر وبضم الياء وفتح الخاء على البناء للمفعول من الافعال والباقون بفتح الياء وضم الخاء من المجرد والضمير المرفوع فى يدخلونها راجع الى الأصناف الثلاثة لما مرّ من الأحاديث يُحَلَّوْنَ فِيها حال مقدرة من فاعل يدخلونها او بدل اشتمال من يدخلون او مستأنفة او خبر بعد خبر لجنات عدن او صفة بعد صفة له مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً عطف على محل أساور وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) عطف على يحلون او على جنات عدن او حال من فاعل يحلون او معترضة عن ابى سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى جنّت عدن يدخلونها الاية فقال ان عليهم التيجان ان ادنى لؤلؤ منها ليضئ ما بين المشرق والمغرب رواه الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي قال القرطبي قال المفسرون ليس أحد من اهل الجنة الا وفى يده ثلاثة اسورة سوار من ذهب وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ- وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء- متفق عليه وعن حذيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا فى آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا فى صحافها فانها لهم فى الدنيا ولكم فى الاخرة متفق عليه وعن عمر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الاخرة- متفق عليه وروى الطيالسي بسند صحيح وابن حبان والحاكم عن ابى سعيد الخدري نحوه وفى آخره وان دخل الجنة لم يلبسه واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا عن كعب قال لو ان ثوبا من ثياب الجنة لبس اليوم فى الدنيا لصعق من ينظر اليه وما حملته أبصارهم-. وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ اى يقولون ذلك كما دل عليه ما تقدم من الأحاديث ودل عليه قوله تعالى الّذى احلّنا دار المقامة ويقولون ذلك ايضا عند البعث من القبور لحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على اهل لا اله

[سورة فاطر (35) : آية 35]

الّا الله وحشة فى الموت ولا فى القبور ولا فى النشور كانى انظر إليهم عند الصيحة ينفضون رءوسهم من التراب يقولون الحمد لله الّذى اذهب عنّا الحزن رواه الطبراني قال ابن عبّاس حزن النار وقال قتادة حزن الموت وقال مقاتل لانهم كانوا لا يدرون ما يفعل بهم وقال عكرمة خوف الذنوب والسيّئات وخوف رد الطاعات وقال الكلبي ما كان يحزنهم فى الدنيا من امر يوم القيامة وقال سعيد بن جبير همّ الخبز فى الدنيا وقيل همّ المعاش والمعاد والحق ان المراد به جنس الحزن مطلقا إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ للذين ظلموا على أنفسهم شَكُورٌ (34) للمقتصدين والسابقين. الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مصدر ميمى اى دار الاقامة مِنْ فَضْلِهِ اى من انعامه وتفضّله إذ لا واجب عليه شىء اخرج البيهقي فى البعث وابن ابى حاتم من طريق نقيع بن الحارث عن عبد الله بن ابى اوفى قال قال رجل يا رسول الله ان النوم مما يقر الله به أعيننا فى الدنيا فهل فى الجنة من نوم قال لا ان النوم شريك الموت وليس فى الجنة موت قال فما راحتهم فاعظم ذلك صلى الله عليه وسلم وقال ليس فيها لغوب كل أمرهم راحة فنزلت لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ اى تعب وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) كلال واعياء من التعب ذكر الثاني التابع للاول للتصريح بنفيه ومزيد التأكيد وجملة لا يمسّنا حال من مفعول احلّنا-. وَالَّذِينَ كَفَرُوا عطف على ثمّ أورثنا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ اى لا يحكم عليهم بالموت فَيَمُوتُوا ويستريحوا منصوب بان مقدرة فى جواب النفي تقديره لا يكون عليهم قضاء بالموت فيموتوا روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صار اهل الجنة الى الجنة واهل النار الى النار جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادى يا اهل الجنة لا موت ويا اهل النار لا موت فيزداد اهل الجنة فرحا الى فرحهم ويزداد اهل النار حزنا الى حزنهم- واخرج الشيخان عن ابى سعيد نحوه وفيه يجاء بالموت يوم القيامة كانه كبش أملح الحديث وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها طرفة عين بل كلّما نضجت جلودهم بدلوا بجلود غيرها ليذوقوا العذاب وكلّما خبث زيدوا سعيرا كَذلِكَ اى جزاء مثل ذلك الجزاء نَجْزِي كُلَّ

[سورة فاطر (35) : آية 37]

كَفُورٍ (36) اى كافر بالله تعالى فانه أشد كفرا ممّن كفر نعمة منعم غير الله تعالى قرأ ابو عمرو يجزى بضم الياء المثناة من تحت وفتح الزاء ورفع كلّ على غير تسمية الفاعل والباقون بالنون وفتحها وكسر الزاء ونصب كلّ على المفعولية. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها اى فى النار عطف على لهم نار جهنّم او حال من الضمير المجرور فى لهم يعنى يستغيثون بشدة وعويل يفتعلون من الصراخ وهو الصياح استعمل فى الاستغاثة لجهد المغيث صوته يا رَبَّنا أَخْرِجْنا من النار نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ بدل من صالحا الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ جملة ربنا الى آخره مقول ليقولون محذوف بيان ليصطرخون وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير صالح او الاعتراف به والاشعار بان استخراجهم لتلا فيه وانهم كانوا يحسبونه صالحا والان ظهر خلاف ذلك- يقول الله تعالى فى جوابهم أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم نترككم فى دار التكليف ولم نعمّركم ما يتذكّر اى عمرا يتذكر فيه من تذكر من المؤمنين قال البغوي قال قتادة وعطاء والكلبي يعنى ثمانى عشرة سنة وقال الحسن أربعون سنة وقال ابن عباس ستون سنة ويروى ذلك عن على وهو العمر الذي اعذر الله الى ابن آدم لحديث ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اعذر الله الى امرئ اخر اجله حتى بلغ ستين سنة رواه البخاري وكذا اخرج البزار واحمد وعبد بن حميد عن ابى هريرة رضى الله عنه واخرج الطبراني وابن جرير عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة قيل اين أبناء الستين وهو العمر الذي قال الله او لم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر- قلت الظّاهر ان ما يتذكر فيه من تذكر متناول لكل عمر يمكن للمكلف التفكر والتذكر فيه ولعل معنى الحديث سلب كل عذر لكل امرئ اخّر اجله حتى بلغ ستين سنة فانه لم يبق من عمره الطبيعي الأكثري شىء لما رواه الترمذي عن ابى هريرة وابو يعلى فى مسنده عن انس كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعمار أمتي ما بين الستين الى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك- والا فبعد البلوغ ليس له عذر معقول فى ترك الصلاة وغيرها من الفرائض لا سيما الايمان بالله ولولا كان

[سورة فاطر (35) : آية 38]

ما يتذكر متناولا لكل عمر يمكن فيه التفكر لما كان هذا القول جوابا لكل كافر بل لمن أدرك ستين سنة فما زاد والله اعلم. وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فما اجبتموه والنذير محمد صلى الله عليه وسلم كذا اخرج ابن ابى حاتم عن السدّى وابن ابى حاتم وابن جرير عن زيد وهو قول اكثر المفسرين وقيل القرآن والمراد من تفسيرهم ان النذير محمد صلى الله عليه وسلم والقران لهذه الامة وغيرهما من الأنبياء والكتب لغيرهم- وقيل العقل وهذا على رأى من قال ان مجرد العقل كاف لوجوب الايمان بالله حتى يحكمون بكفر شاهق الجبل إذا بلغ عاقلا ولم يبلغه دعوة نبى وهذه الجملة معطوفة على مضمون ما سبق يعنى عمرناكم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النّذير وهذا العطف يقتضى ان النذير ليس المراد به العقل لان العطف يقتضى المغائرة ولا مغائرة بين مجئ العقل وعمر يصلح للتفكر الا فى المفهوم فان العقل ماخوذ فى ذلك العمر وعديم العقل لم يعمر ما يتذكّر فيه من تذكّر وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع المراد بالنذير الشيب أخرجه عن عكرمة عبد بن حميد وابن المنذر وأخرجه ابن مردوية والبيهقي فى سننه عن ابن عباس يقال الشيب بريد الموت قال البغوي وفى الأثر ما من شعرة تبيض الا قالت لاختها استعدى فقد قرب الموت- وقيل النذير موت الأقارب والاقران فَذُوقُوا العذاب فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) يدفع عنهم العذاب.. إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فلا يخفى عليه أحوالهم جملة مستأنفة إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (38) تعليل له لانه إذا كان عالما بمضمرات الصدور وهى أخفى ما يكون كان اعلم بغيره. هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ يخلف بعضكم بعضا وعلى هذا خطاب لجميع الناس وقيل معناه لجعلكم امة خلفت من قبلها وراث فيمن قبلها ما ينبغى ان يعتبر به وقيل الخليفة بمعنى المستخلف يعنى جعلكم خلفاء فى ارض خليفة بعد خليفة وقد ملككم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها وخلائف جمع خليفة والخلفاء جمع خليف

[سورة فاطر (35) : آية 40]

فَمَنْ كَفَرَ منكم فَعَلَيْهِ وبال كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً اى أشد غضبا وبغضنا وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً (39) فى الاخرة والتكرير للدلالة على ان اقتضاء الكفر لكل واحد من الامرين مستقل باقتضاء قبحه ووجوب التجنب عنه. قُلْ يا محمد لكفار مكة أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعنى الأصنام أضاف الشركاء إليهم لانهم جعلوهم شركاء لله او لانفسهم فيما يملكونه أَرُونِي تأكيد او بدل اشتمال من ارايتم لانه بمعنى أخبروني ماذا خَلَقُوا مفعول ثان لرأيتم محمول على شركائكم مِنَ الْأَرْضِ اى من اجزاء الأرض بيان لما كانّه قال أخبروني عن لهؤلاء الشركاء أخبروني اى جزء من الأرض استبدوا بخلقه أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ اى شركة مع الله فِي خلق السَّماواتِ فاستحقوا بذلك شركة فى الوهية ذاتية أم منقطعة بمعنى بل والهمزة إضراب عن خلق بعض الأرض بالاستقلال واستفهام عن الشركة فى السّماوات ثم اضرب عنه واستفهم فقال أَمْ يعنى بل آتَيْناهُمْ قال مقاتلء أعطينا كفار مكة كِتاباً ينطق على ما اتخذناهم شركاء فَهُمْ الفاء فى جواب شرط محذوف تقديره ان كان الأمر كذلك فهم يعنى كفار مكة كائنون عَلى بَيِّنَةٍ قرأ ابن كثير وابو عمرو وحفص و «خلف ابو محمد» وحمزة على التوحيد والباقون بيّنات على الجمع يعنى على حجج واضحات مِنْهُ اى من ذلك الكتاب بَلْ إضراب عن الترديد السابق واثبات لما عدا ذلك كلها بقوله إِنْ يَعِدُ اى ما يعد الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (40) يعنى ليس عندهم علم على شركهم وكتاب ليستدل عليه به بل ما يعد الاسلاف الأخلاف الا غرورا باطلا ما يغرّهم الا بلا سند يشهد عليه يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله.. إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا اى لئلا تزولا او كراهة ان تزولا او يمنعهما ان تزولا فان الممكن حال بقائه لا بد له من علة تحفظه كما لا بد له فى إيجاده من علة وَلَئِنْ زالَتا بمقتضاء إمكانها ان لم يوجد من الله سبحانه

[سورة فاطر (35) : آية 42]

افاضة الوجود اللام للقسم إِنْ أَمْسَكَهُما يعنى ما أمسكهما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد الله اى سواه او بعد الزوال وجملة انّ الله يمسك الى آخره سدّ مسدّ الجوابين يعنى لم يخلق شيئا أحد غيره وليس لاحد شركة معه من الاولى زائدة والثانية للابتداء إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) فبحلمه أمهل الكفار ولم يستعجل فى عقوبتهم وبغفرانه غفر المسلمين ولولا امهاله وغفرانه لم يمسك السماوات والأرض فيسقط السماء عليهم وينخسف بهم الأرض بذنوبهم- اخرج ابن ابى حاتم عن ابن ابى هلال انه بلغه ان قريشا كانت تقول لو ان الله بعث منا نبيّا ما كانت امة من الأمم أطوع لخالقها ولا اسمع لنبيها ولا أشد تمسكا بكتابها منا فانزل الله تعالى «1» . وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ منصوب على المصدرية من اقسموا لان الايمان بمعنى الاقسام يعنى اقسموا اقساما بليغة او من المحذوف تقديره اقسموا بالله جهدوا جهد ايمانهم او حال من فاعل اقسموا يعنى جاهدين فى ايمانهم على طريقة مررت به وحده- قال البغوي بلغ قريشا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ان اهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا لعن الله اليهود والنصارى أتتهم رسلهم فكذبوهم فاقسموا لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ رسول من الله لَيَكُونُنَّ أَهْدى جواب قسم فى اللفظ وجواب شرط ايضا فى المعنى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ السالفة يعنى من كان من الأمم السالفة على هدى فنحن نكون اهدى منهم قالوا ذلك لما رأوا تكذيب اليهود والنصارى بعضهم بعضا قالت اليهود ليست النّصارى على شىء وقالت النّصارى ليست اليهود على شىء فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ من الله يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم ما زادَهُمْ مجيئه إِلَّا نُفُوراً (42) اى تباعدا من الحق وهذا اسناد مجازى. اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ عن الايمان بدل من نّفورا

_ (1) وفى الأصل اقسموا بغير واو

[سورة فاطر (35) : آية 44]

ومفعول له او حال وَمَكْرَ السَّيِّئِ اى العمل القبيح قال الكلبي هو اجتماعهم على الشرك قلت هو إرادتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ان يثبتوه او يقتلوه او يخرجوه أصله وان مكروا المكر السيئ فحذف الموصوف استغناء بوصفه ثم بدل ان مع الفعل بالمصدر ثم أضيف- قرأ حمزة السّيّئ ساكنة الهمزة فى الوصل لتوالى الحركات تخفيفا كما سكن ابو عمرو الهمزة فى بارئكم وإذا وقف أبدلها ياء ساكنة ايضا وهى قراءة الأعمش والباقون بخفض الهمزة ويجوز روعها وإسكانها فى الوقف وَلا يَحِيقُ اى لا يحل الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ يعنى بمن مكر وقد حاق بهم يوم بدر فقتلوا قال ابن عباس لا يحيق عاقبة الشرك الا بمن أشرك يعنى وبال شركهم راجع إليهم فَهَلْ يَنْظُرُونَ اى ما ينتظرون إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ اى سنة الله فيهم يعنى استيصالهم ان أصروا على الكفر فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا يعنى سنة الله لا يتبدل ولا يتغير فلم يبق من اهل مكة الا من أمن منهم وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) بان ينقله من المكذبين الى غيرهم-. أَوَلَمْ يَسِيرُوا الاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم يشاهدوا اثار الماضيين ولم يسيروا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا مجزوم بلم عطفا على يسيروا او منصوب بتقدير ان بعد النفي كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعنى قد شاهدوا فى مسيرهم الى الشام واليمن والعراق اثار الماضين وَكانُوا حال بتقدير قد يعنى والحال انه قد كان الذين قبلهم أَشَدَّ مِنْهُمْ اى من اهل مكة قُوَّةً ومع ذلك قد اهلكوا ولم يغنى عنهم قولهم شيئا فما لهم اى لاهل مكة لا يعتبرون بهم وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ اى ليسبقه ويفوته مِنْ شَيْءٍ من زائدة وشىء فى محل الرفع فاعل ليعجزه فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ظرف مستقر صفة لشئ او ظرف لغو متعلق بيعجزه إِنَّهُ كانَ عَلِيماً بالأشياء كلها وبما يستحقها قَدِيراً (44) على كل شىء بما يشاء- ولمّا سبق من ان كفرهم يقتضي استيصالهم كما هو سنة الله فى الذين من قبلهم

[سورة فاطر (35) : آية 45]

وقد كانوا أشدّ منهم قوة ذكر سبب إمهالهم فقال. وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ فى الدنيا عاجلا بِما كَسَبُوا من المعاصي ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها اى ظهر الأرض مِنْ دَابَّةٍ نسمة تدب عليها بشوم معاصيهم او من دابة عاصية وهو الأظهر لقوله تعالى وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ اى يؤخر مواخذتهم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وهو ما بعد الموت او يوم القيامة فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ قال ابن عباس يريد به جميع العباد اهل طاعته واهل معصيته بَصِيراً (45) فيجازيهم على حسب أعمالهم. تمت تفسير سورة الملائكة من تفسير المظهرى (ويتلوه سورة يس ان شاء الله تعالى) وصلى الله على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين حادى عشر شهر صفر من السنة السابعة بعد الف ومائتين من الهجرة سنة 1207 هـ.

فهرس السور القرآنية من التفسير المظهرى

فهرس السور القرآنية من التفسير المظهرى فهرس سورة يس من التفسير المظهرى مضمون/ صفحه ما ورد فى كثرة الخطو الى المساجد- 74 ما ورد فى استقرار الشمس وسجودها تحت العرش 83 تحقيق حركات الكواكب والافلاك حديث النهى عن قتل النساء والاتباع من اهل الحرب 87 ويل واد فى جهنم 90 شغل اهل الجنة فى الجنة- 91 السلام من الله على اهل الجنة- 93 مضمون صفحه حديث إذا القى فى النار من هو مخلد فيها 92 جعلوا فى توابيت من حديد الحديث ما ورد فى شهادة الأعضاء 95 لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل شيئا من الشعر 97 حديث انى والجن والانس فى نبا عظيم 98؟؟؟ وبعبد غيرى وارزق ويشكر غيرى- مسئلة عظم الميتة طاهر 100 ما ورد فى فضل يس- 103. فهرس سورة الصّافات من التفسير المظهرى مضمون صفحه حديث الا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها 105 الكوكب كلها فى السماء الدنيا- 106 ما ورد فى الشهاب ورجم الشياطين- 108 ما ورد فى السؤال عن العباد يوم القيامة 113 ما ورد فى الزقوم 117 ما ورد فى علم النجوم وتعليمه وتعلمه- 121 رؤيا الأنبياء وحي- 129 الياس والخضر يصومان شهر رمضان بيت المقدس ويوافيان الموسم 132 مسئلة لا يجوز ذكر ذلة الأنبياء ومن اعترض على أحد من الأنبياء فقد كفر- 135 مضمون صفحه ما ورد فى التفريق والتفضيل بين الأنبياء 145 ما ورد فى فضائل موسى وفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم- 146 ما ورد فى كثرة الملائكة فى السماء وان ما منهم الا له مقام معلوم لا يتجاوز عنه- 149 قول على رضى الله عنه من أحب ان يكتال بالمكيال الا وفى الاجر يوم القيامة فليكن اخر كلامه من المجلس سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون الى آخره- 152.

فهرس سورة ص من التفسير المظهرى

فهرس سورة ص من التّفسير المظهرى مضمون/ صفحه حديث أحب الصيام الى الله صيام داود وأحب الصلاة صلوة داود- 159 حديث صلوة الضحى 160 مسئلة أداء سجود التلاوة فى الركوع إذا نوى 168 مسئلة سقوط سجود التلاوة بسجود الصلاة ان كان على الفور- 168 مسئلة الاختلاف فى سجدة ص 169 ما ورد من الدعاء فى سجود التلاوة 170 من اتبع هواه اختل رايه وضل فى اجتهاده 173 حديث الخيل معقود فى نواصيها الخير الاجر والمغنم 175 حديث ان عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علىّ صلاتى فامكننى الله منه- 182 الشكوى الى الله والدعاء والتضرع لا ينافى الصبر 184 الارتقاء من مقام الصبر الى مقام الرضاء 184 حديث انا أخذ بحجزكم من النار 188 حديث رايت ربى فى احسن صورة قال فيم يختصم الملأ الأعلى 190 حديث رايت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها 190 ايّهم يكتبها يعنى ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا- فهرس تفسير سورة الزمر من التّفسير المظهرى ما ورد فى اجر الصبر 201 ما ورد فى غرف الجنة 205 ما ورد فى شرح الصدر 206 انكار البغوي على من يغشى عليه عند استماع القران وما ذكرت فيه وذكر تفسير الحال عند السماع 208 القران ليس بخالق ولا مخلوق وهو الكلام اللفظي العربي- 211 ما ورد فى اختصام الناس بعضهم بعضا يوم القيامة 212 الدعاء عند النوم- 218 دعاء الاستفتاح اللهم رب جبرئيل إلخ 220 الأحاديث الواردة فى عموم رحمة الله ومغفرة الذنوب كلها غير الشرك على خلاف مذهب القدرية 223 ابطال مذهب الجبرية 227 الردة يحبط كل حسنة عملها قبل ذلك فان اسلم بعد الردة فى الوقت يجب عليه إعادة الصلاة ويجب إعادة الحج على من حج قبلها- 231 ما ورد فى زيادة النبي صلى الله عليه وسلم فى الجنة 237 حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة بنى إسرائيل والزمر- 238.

فهرس سورة المؤمن من التفسير المظهرى

فهرس سورة المؤمن من التّفسير المظهرى مضمون صفحه ما ورد فى حملة العرش ودعائهم للمؤمنين 243 المشاركة فى الايمان يوجب النصح والشفقة 244 ما ورد فى الحاق الآباء والأبناء والأزواج مع الصلحاء فى الدرجة- 245 ما ورد فى تشقق السماوات ونزول الملائكة وقوله تعالى لمن الملك اليوم- 248 ما ورد فى يوم التناد- 255 ما ورد فى فضل الدعاء وفى وعد الاستجابة لمن يدعوا الله 270 فيمن لا يرد دعوته 271 فى شرائط اجابة الدعاء 271 فى سنن الدعاء 272 حديث لو ان رصاصة مثل هذا اى بجهة له الملك من السماء الحديث 276 ما ورد فى عدد الأنبياء والرسل 277 ذكر علم ينفع وعلم ما لا ينفع- 278 فهرس سورة حم السجدة من التفسير المظهرى ما ورد فى المريض يكتب له فى مرضه ما كان يعمل فى صحته من الحسنات- حديث شهادة الجوارح تفسير الاستقامة وانها لا يتصور الا بعد فناء النفس والقلب حديث بين كل أذانين صلوة- حديث لا يرد الدعاء بين الاذان والاقامة 295 فصل فى فضل الاذان 295 فصل فى جواب الاذان 296 فى تحقيق موضع السجود- 298. فهرس سورة الشّورى من التّفسير المظهرى حديث أطت السماء إلخ فى كثرة سجود الملائكة 308 حديث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه كتابان إلخ 309 حديث خطر رسول الله صلى الله خطا وقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا 312 ما ورد فى التمسك بالجماعة والنهى عن التفرق 313 حديث انما الأعمال بالنيات- 316 حديث من عمل عمل الاخرة للدنيا 316 ما ورد فى وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم فى محبة اله وعترته 318 وما ورد فى حب ابى بكر وعمر وأصحابه وأنصاره وقريش والعرب 319 ما ورد فى التوبة والعفو عن السيئات 322 حديث أفضل الدعاء الحمد لله- 323 ما ورد فى ان المرض والتعب يكفر لذنوب المؤمن 325 حديث الايمان نصفان نصف فى الصبر ونصف فى الشكر 326 حديث المستشار مؤتمن- 328 ما ورد فى المستبّين. 329 فى كيفية الوحى- 333.

سورة يس

سورة يس وتسمى معمة اخرج ابن مردوية والخطيب والبيهقي عن ابى بكر «1» الصدّيق عن النبي صلى الله عليه وسلم انّه قال يس تدعى معمة تعم صاحبها خير الدارين وتسمّى الدافعة لانها تدفع عن صاحبها كل سوء وتسمّى القاضية لانها تقضى كلّ حاجة مكّيّة وهى ثلاث وثمانون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. يس (1) اخرج ابو نعيم فى الدلائل عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى المسجد فيجهر بالقراءة حتى تاذى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه فاذا أيديهم مجموعة الى أعناقهم وإذا هم عمى لا يبصرون فجاءوا الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ننشدك بالله والرحم يا محمد. ولم يكن بطن من بطون قريش الا وللنبى صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت يس الى قوله أم لم تنذرهم لا يؤمنون فلم يؤمن من ذلك النفر أحد- قرأ حمزة وابو بكر «والكسائي وخلف وروح- ابو محمد» بامالة فتح الياء والباقون باخلاصها وورش وابو بكر وابن عامر والكسائي يدغمون نون الهجاء فى الواو ويبقون الغنة وكذلك فى ن والقلم غير ان عامة اهل الأداء من البصريين يأخذون فى مذهب ورش هناك بالبيان والباقون بإظهار النون فى السورتين- ويس كسائر المقطعات فى المعنى والاعراب وقيل معناه يا انسان بلغة طى يعنى به محمدا صلى الله عليه وسلم على ان أصله يا انيسين فاقتصر على شطره

_ (1) وفى رواية عن ابى بكر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس تدعى فى التوراة المعمة تعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة وتكائد عنه بلوى الدنيا والاخرة وتدفع عنه اطاويل الاخرة وتدعى الدافعة والقاضية تدفع عن صاحبها كل سؤ وتقضى له كل حاجة من قرأها عدلت عشرين حجة ومن سمعها عدلت الف دينار فى سبيل الله ومن كتبها ثم شربها ادخلت جوفه الف دواء والف نور والف يقين والف بر والف رحمة ونزعت عنه كل غل وداء- وعن ابى بكر الصديق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من زار قبر والديه او أحدهما فى كل جمعة فقرا عندهما يس غفر الله تعالى له بعدد كل حرف منهما» منه نور الله تربته

[سورة يس (36) : آية 2]

لكثرة النداء كما قيل من الله فى ايمن الله كذا روى عن ابن عباس وهو قول الحسن وسعيد بن جبير وجماعة وقال ابو العالية يا رجل وقال ابو بكر الوراق يا سيد البشر وروى عن ابن عباس انه قسم. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) اى المحكم بعجيب النظم وبديع المعاني الواو للقسم او العطف ان جعل يس مقسما به. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) جواب قسم فان قيل الغرض من الاخبار اما إفادة الحكم للمخاطب او إفادة لازم الحكم يعنى إفادة ان المتكلم عالم به وهاهنا لا يتصور شىء منهما فاىّ فائدة فى الاخبار قلنا الغرض هاهنا اعلام الكفار ورد انكارهم وإصرارهم حيث قالوا لست مرسلا. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) متعلق بالمرسلين اى لمن الذين أرسلوا على صراط مستقيم وهو التوحيد والاستقامة فى الأمور او ظرف مستقر خبر ثان لان أو حال من المستكن فى الجار والمجرور وفائدته المدح ووصف الشرع بالاستقامة صريحا وان دلّ عليه لمن المرسلين التزاما-. تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) قرأ حفص وابن عامر وحمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» بنصب تنزيل بإضمار اعنى بيان للصراط او بإضمار فعله تقديره نزّل يعنى القران تنزيل العزيز فى ملكه الرّحيم بخلقه حيث نزل الكتاب وأرسل الرسول فحذف الفعل وأضيف المصدر الى الفاعل وقرأ الباقون بالرفع على انه خبر مبتدا محذوف اى القران. لِتُنْذِرَ قَوْماً متعلق بتنزيل او بمعنى قوله لمن المرسلين ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ ما نافية والجملة صفة لقوم اى لتنذر قوما لم ينذر آباؤهم حيث لم يبعث بمكة نبى بعد إسماعيل عليه السلام فهم أشد احتياجا الى الرسالة من غيرهم فَهُمْ غافِلُونَ (6) اى لم ينذروا فبقوا غافلين وقيل ما موصولة او موصوفة والمعنى لتنذر قوما بالذي او بشئ انذر به آباؤهم الا بعدون فيكون مفعولا ثانيا لتنذر او مصدرية يعنى لتنذر قوما إنذار ابائهم اى مثل إنذارهم وعلى هذه الوجوه قوله فهم غافلون متعلق بقوله انّك لمن المرسلين اى أرسلناك إليهم لتنذرهم فانهم غافلون. لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ

[سورة يس (36) : آية 8]

عَلى أَكْثَرِهِمْ يعنى قوله تعالى لاملانّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين فَهُمْ اى ذلك الأكثر لا يُؤْمِنُونَ (7) اخرج ابن جرير عن عكرمة قال ابو جهل لان رايت محمدا لافعلن ولافعلن فنزلت. إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا الى قوله لا يبصرون فكانوا يقولون هذا محمد فيقول اين هو اين هولا يبصره وقال البغوي نزلت فى ابى جهل وصاحبه المخزوميين وذلك ان أبا جهل كان قد حلف لان راى محمدا يصلى ليرضخن رأسه فراه وهو يصلى ومعه حجر ليدمغه فلمّا رفعه انثنت يده الى عنقه ولزق الحجر بيده فلمّا عاد الى أصحابه وأخبرهم بما راى سقط قال رجل من بنى مخزوم انا اقتله بهذا الحجر فاتاه وهو يصلى ليرميه بالحجر فاعمى الله بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه فرجع الى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له ما صنعت فقال ما رايته ولقد سمعت صوته وحال بينى وبينه شىء كهيئة الفحل يخطر بذنبه ولو دنوت منه لاكلنى فانزل الله تعالى انّا جعلنا فى أعناقهم أغلالا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ اى الاغلال وأصله الى أذقانهم فلا يخليهم يطاطئون وقال البغوي هى كناية عن الأيدي وان لم يجر لها ذكر لان الغل يجمع اليد الى العنق معناه انّا جعلنا فى أيديهم وأعناقهم أغلالا فهى الى الأذقان فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) الفاء للسببية فان الاغلال سبب للاقحام يعنى هم رافعون رءوسهم غاضون أبصارهم لا يستطيعون النظر الى شىء واخرج البيهقي فى الدلائل من طريق السدّى الصغير عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ان ناسا من بنى مخزوم تواصوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه منهم ابو جهل والوليد بن المغيرة فبينا النبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلّى يسمعون قراءته أرسلوا اليه الوليد ليقتله فانطلق حتى اتى المكان الذي يصلى فيه فجعل يسمع قرائة ولا يراه فانصرف إليهم فاعلمهم فاتوه فلما انتهوا الى المكان الذي هو يصلى فيه سمعوا قرائة فيذهبون الى الصوت فاذا الصوت من خلفهم فيذهبون اليه فيسمعونه ايضا من خلفهم فانصرفوا ولم يجدوا اليه سبيلا فذلك قوله تعالى. وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ

[سورة يس (36) : آية 10]

سَدًّا قرأ حمزة والكسائي وحفص «وخلف- ابو محمد» بفتح السين والباقون بفتحها وهما لغتان فَأَغْشَيْناهُمْ اى فاعميناهم من التغشية وهى التغطية فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) الفاء للسببية قال اهل المعاني هذا على طريق التمثيل ولم يكن هناك غل ولا سد أراد الله سبحانه انا منعناهم عن الايمان بموانع فجعل الاغلال والسد مثلا لذلك فهو تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا يغنى عنهم الآيات والنذر مثلهم بالذين غلّت أعناقهم فهى الى الأذقان فهم مقمحون وبالذين جعل بينهم السد وبين ما يريدون رؤيته فى انهم لا يلتفتون الى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطاطئون رءوسهم له ولو طاطئوا رءوسهم فرضا يمنعهم السد عن الابصار فهم لا يبصرون سبيل الهدى او أراد انا منعناهم عن إيذاء الرسول بحفظنا إياه وجاز ان يكون جعلنا بمعنى نجعل أورد صيغة الماضي لتحقق الوقوع يعنى نجعل فى جهنم فى أعناقهم أغلالا ونجعل بين أيديهم سدّا وذلك بجعلهم الله تعالى فى توابيت من نار. وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) سبق تفسيره فى سورة البقرة-. إِنَّما تُنْذِرُ انذارا يترتب عليه الفائدة مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ اى القرآن بالتأمل فيه والعمل به وَخَشِيَ الرَّحْمنَ اى خاف عقابه او المعنى انما ينفع إنذارك لمن كان صالحا لاتباع الذكر والخشية مستعدا لذلك لم يقل وخشى القهار المنتقم للدلالة على ان الخشية مع ملاحظة صفة الرحمة كمال الخشية وعين الايمان وان الايمان بين الخوف والرجاء بِالْغَيْبِ حال من فاعل خشى يعنى غائبا عن عذابه قبل ان يعاينه او غائبا عن الناس فى خلوته فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ لذنوبهم وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) حسن وهو الجنة. إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى عند البعث او المراد انا نعطى العلم والهداية بعد الجهل والضلال وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ الحسنة كعلم علموه وحبس وقفوه وسنة حسنة سنوه والسيئة كاشاعة باطل وتأسيس ظلم وتائيد كفر وبدعة ابتدعوها قال النبي صلى الله عليه وسلم من سن فى الإسلام سنة حسنة يعمل بها من بعده فله أجرها ومثل اجر من عمل بها من غير ان ينقص من أجورهم شىء ومن

[سورة يس (36) : آية 13]

سن فى الإسلام سنة سيئة بعمل بها من بعده فان له وزرها ووزر من عمل بها من غير ان ينقص من أوزارهم شيء رواه مسلم عن حديث جرير وقال قوم معنى اثارهم فى قوله نكتب ما قدّموا واثارهم خطوهم الى المساجد عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس اجرا فى الصلاة ابعدهم فابعدهم ممشى والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الامام أعظم اجرا من الذي يصلى ثم ينام متفق عليه وعن جابر رضى الله عنه قال خلت البقاع حول المسجد فاراد بنو سلمة ان ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم انكم تريدون ان تنتقلوا قرب المسجد قالوا نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال يا بنى سلمة دياركم تكتب اثاركم دياركم تكتب اثاركم- رواه مسلم وروى البغوي عن انس نحوه واخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابى سعيد الخدري نحوه وَكُلَّ شَيْءٍ منصوب بفعل مضر يفسره أَحْصَيْناهُ يعنى كتبناه فِي إِمامٍ مُبِينٍ (12) اى فى اللوح المحفوظ.. وَاضْرِبْ لَهُمْ اى مثّل لكفار مكة من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد اى مثال واحد وهو يتعدى الى مفعولين لتضمنه معنى الجعل كانه قيل واجعل لهم مَثَلًا مفعول أول أَصْحابَ الْقَرْيَةِ مفعول ثان بحذف المضاف تقديره اجعل مثلهم اصحاب القرية وهى انطاكية أخرجه الفريابي عن ابن عباس وابن ابى حاتم عن بريدة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة يعنى قل حال اهل مكة مثل حال اهل انطاكية إِذْ جاءَهَا اى تلك القرية بدل اشتمال من اصحاب القرية الْمُرْسَلُونَ (13) يعنى رسل عيسى عليه السلام قال البغوي قال العلماء بأخبار القدماء بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين الى مدينة انطاكية فلما قربا من المدينة فاتيا شيخا يرعى غنمات له وهو حبيب صاحب عيسى عليه السلام فلمّا سلما عليه قال الشيخ لهما من أنتما فقالا رسول الله يدعوكم من عبادة الأصنام الى عبادة الرحمان فقال معكما اية قال نعم نشفى المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله فقال الشيخ ان لى ابنا مريضا منذ سنتين قالا فانطلق بنا نطلع حاله فاتى بهما الى منزله فسحا ابنه

فقام فى الوقت بإذن الله صحيحا ففشى الخبر فى المدينة وشفى الله على أيديهما كثيرا من المرضى وكان لهم ملك قال وهب اسمه انطفس وكان من ملوك الروم يعبد الأصنام قالوا فانتهى الخبر اليه فدعاهما فقال من أنتما قالا رسولا عيسى قال وفيم جئتما قالا ندعوك من عبادة من لا يسمع ولا يبصر الى عبادة من يسمع ويبصر قال ولكما اله دون الهتنا قالا نعم من أوجدك والهتك قال قوما حتى انظر فى أمركما فتبعهما الناس فاخذوهما وضربوهما فى السوق قال وهب بعث عيسى هذين الرجلين الى انطاكية فاتياها فلم يصلا الى ملكها وطال مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله فغضب الملك فامر بهما فحبسهما وجلد كل واحد منهما مائتى جلدة- قالوا فلمّا كذّب الرسولان وضربا بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على اثرهما لينصرهما فدخل شمعون البلد متنكرا فجعل يعاشر حاشية الملك حتى انسوا به فرفعوا خبره الى الملك فدعاه ورضى عشرته وانس به وأكرمه. ثم قال له ذات يوم ايها الملك بلغني انك حبست رجلين فى السجن وضربتهما حين دعواك الى غير دينك فهل كلمتهما وسمعت قولهما فقال الملك حال الغضب بينى وبين ذلك قال فان راى الملك دعاهما حتى نطلع ما عندهما فدعاهما الملك فقال لهما شمعون من أرسلكما الى هاهنا قالا الله الذي خلق كل شىء وليس له شريك فقال لهما شمعون صفاه وأوجزا فقالا لا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال شمعون وما آيتكما قالا ما تتمنّاه فامر الملك حتى جئ بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة فما زال يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر فاخذا بندقتين من الطين فوضعاهما فى حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما فتعجب الملك فقال شمعون للملك ان أنت سالت إلهك حتى يصنع صنعا مثل هذا فيكون لك الشرف فقال الملك ليس لى عنك من سران الهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع- وكان شمعون إذا دخل الملك على الأصنام يدخل ويصلى كثيرا ويتضرع حتى ظنوا انه على ملتهم فقال الملك للرسولين ان قدر إلهكم الذي تعبد انه على احياء ميت أمنا به قالا الهنا قادر على كل شىء فقال الملك ان هاهنا ميتا مات منذ سبعة ايام ابن لدهقان وانا أخرته فلم ادفنه حتى يرجع أبوه وكان غائبا فجاء وأبا لميت وقد تغيروا روح فجعلا يدعوان ربهما

[سورة يس (36) : الآيات 14 إلى 15]

علانية وجعل شمعون يدعو ربه سرّا فقام الميت وقال انى قدّمت منذ سبعة ايام ووجدت مشركا فادخلت فى سبعة اودية من النار وانا أحذركم مما أنتم فيه فامنوا بالله ثم قال فتحت أبواب السماء فنظرت فرايت شابّا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك ومن الثلاثة قال شمعون وهذان وأشار الى صاحبيه فتعجب الملك فلمّا علم شمعون ان قوله اثر بالملك أخبره بالحال فامن الملك وأمن قوم وكفر آخرون- وقيل ان ابنة الملك كانت توفيت ودفنت فقال شمعون للملك أطلب هذين الرجلين ان يحييا ابنتك فطلب منهما الملك ذلك مقاما وصليا ودعوا وشمعون معهما قرأ بسر فاحيا الله المرأة وانشق القبر عنها فخرجت وقالت اعلموا انهما صادقان ولا أظنكم تسلمون ثم طلبت من الرسولين ان يرداها الى مكانها فذرا ترابا على رأسها وعادت الى قبرها كما كانت وقال ابن إسحاق عن كعب ووهب بل كفر الملك واجمع هو وقوعه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة الأقصى فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم الى طاعة المرسلين فذلك قوله عزّ وجلّ. إِذْ أَرْسَلْنا بدل من إذ السابقة إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ قال وهب اسمهما يحيى ويونس فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا قرأ أبو بكر بالتخفيف والباقون بالتشديد ومعناهما واحد اى فقوينا بِثالِثٍ اى برسول ثالث وهو شمعون كذا اخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير ترك ذكر المفعول به لان المقصود ذكر المعزز به وما لطف فيه من التدبير حتى عز الحق وزهق الباطل وإذا كان الكلام لغرض يجعل سياقه له ويرفض ما سواه- واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن قتادة قال بلغني ان عيسى بعث الى اهل القرية رجلين من الحواريين وقال كعب الرسولان صادق وصدوق والثالث شلوم وانما أضاف الله الإرسال الى نفسه لان عيسى بعتهم بامره عزّ وجلّ فَقالُوا كلهم لاهل انطاكية إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قالُوا اى اهل انطاكية ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا مزية لكم علينا يقتضى اختصاصكم بالرسالة من الله وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ من وحي إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) فى دعوى الرسالة. قالُوا اى الرسل

[سورة يس (36) : آية 17]

رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) استشهدوا بعلم الله وهو يجرى مجرى القسم ولذلك من قال الله يعلم انى فعلت كذا وهو كاذب كان غموسا وزادوا اللام المؤكدة لانه جواب عن انكارهم دون الاول. وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) الظاهر البين بالآيات الشاهدة لصحته كابراء الأكمه والأبرص واحياء الموتى يعنون ان انكاركم لا يضرنا بعد ما كان علينا من أداء التبليغ وانما هو يعود عليكم بالمضرة. ولمّا حبس الله عنهم المطر بتكذيبهم الرسل قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ يعنون ان ما نزل بنا انما هو بشومكم وذلك لاستغرابهم ما ادعوه واستقباحهم له وتنفرهم عنه فان عادة الجهال ان يتمنّوا كل شىء مالت اليه طباعهم وتشاموا ما كرهوه. لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عما تقولون لَنَرْجُمَنَّكُمْ بالحجارة ونقتلنّكم وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (18) . قالُوا طائِرُكُمْ اى سبب شومكم مَعَكُمْ وهو كفركم وقال ابن عباس حظكم من الخير والشر معكم لا ينفك عنكم أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ وعظّم به وجواب الشرط محذوف والاستفهام للانكار يعنى أإن وعظتم تطيرتم بنا وتوعدتمونا بالرجم لا ينبغى ذلك بل كان ينبغى الاتعاظ والامتنان- قرأ ابو جعفر بفتح الهمزة الثانية وذكرتم بالتخفيف تقديره أتطيرتم وتوعدتم لان ذكرتم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) اى قوم عادتكم الإسراف فى العصيان ومنها التشاوم برسل الله والواجب التبرك بهم. وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى وهو حبيب النجار أخرجه عبد الرزاق وابن ابى حاتم عن قتادة وقال السدىّ كان قصارا وقال وهب كان حبيب رجلا يعمل الحرير وكان سقيما وقد اسرغ فيه الجذام وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة وكان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه إذا امسى فقسم نصفين فيطعم نصفا على عياله ويتصدق نصفه فلمّا بلغه ان قومه قصدوا قتل الرسل جاءهم وقالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً على تبلغ الرسالة الجملة تأكيد للاول او بدل يشتمل فائدة زائدة. وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) الى خير الدارين.

[سورة يس (36) : آية 22]

وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ما استفهامية مبتدا والظرف خبر له ولا اعبد حال من ضمير المتكلم والجملة معطوفة على قوله يا قوم اتّبعوا المرسلين وفيه التفات من الغيبة الى التكلم وفيه تلطف فى الإرشاد بايراده فى معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح حيث أراد لهم ما أراد لنفسه والمراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم الى عبادة غيره ولذلك قال وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) مبالغة فى التهديد ثم عاد الى السياق الاول فقال. أَأَتَّخِذُ الاية واخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم عن قتادة قال كان حبيب فى الغار يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم يعنى قومه فاظهر دينه وقال يا قوم اتّبعوا المرسلين اتّبعوا من لا يسئلكم اجرا وهم مهتدون فلما قال ذلك قالوا له وأنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل فقال وما لى لا اعبد الّذى فطرنى اى خلقنى واليه ترجعون- قرأ حمزة ويعقوب «وخلف- ابو محمد» ما لى بسكون الياء والباقون بفتحها قيل أضاف الفطرة الى نفسه والرجوع إليهم لان الفطرة اثر النعمة وكان عليه إظهاره وفى الرجوع معنى الزجر فكان أليق بهم قيل انه لمّا قال اتّبعوا المرسلين أخذوه فرفعوه الى الملك فقال له الملك أفأنت تتبعهم فقال وما لى لا اعبد الّذى فطرنى يعنى اىّ شىء لى إذا لم اعبد خالقى واليه ترجعون عند البعث فيجازيكم ءاتّخذ استفهام انكار اى لا اتخذ مِنْ دُونِهِ اى دون الذي فطرنى آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي اى لا تنفعنى شَفاعَتُهُمْ التي تزعمونها شَيْئاً من الإغناء وَلا يُنْقِذُونِ (23) قرأ ورش «ويعقوب فى الحالين- ابو محمد» بإثبات الياء فى الوصل والباقون بالحذف فى الحالين اى لا ينقذونى من عذاب الله ان عذبنى وفى نفى الإغناء عن الشفاعة فى دفع الضرر والانقاذ من العذاب مبالغة فى نفى النفع عن شفاعتهم مطلقا فان قبول الشفاعة لدفع الضرّ اقرب من قبولها لنيل الرحمة والجملة الشرطية صفة لالهة. إِنِّي قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها إِذاً اى إذا اتخذ ما لا ينفع ولا يضر بوجه ما الهة من دون من فطرنى وهو يقدر على النفع والضر لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) ظاهر لا يخفى على من له ادنى تميز كونه ضلالا- والجملة تعليل للانكار على اتخاذ الالهة. إِنِّي قرأ نافع «وأبو عمرو وأبو جعفر وأبو محمد» وابن

[سورة يس (36) : الآيات 26 إلى 27]

كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الذي خلقكم ايها القوم او ايها الملك فَاسْمَعُونِ (25) اى فاسمعوا إيماني فعلى هذا هذه الاية من تتمة النصح فان القوم إذا قيل لهم اتّبعوا المرسلين كانّهم قالوا هل امنت أنت بهم فقال انى امنت بربّكم فاسمعوا إيماني ولو لم يكن هذا خيرا ما استأثرت به لنفسه وأضاف الرب الى المخاطبين ولم يقل امنت بربي ليكون ادعى لهم الى الايمان. قال البغوي فلمّا قال ذلك وثب القوم وثبة رجل واحد فقتلوه «1» قال ابن مسعود وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره وقال السدىّ كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومى حتى قطعوه وقتلوه وقال الحسن خرقوا خرقا فى حلقه فعلقوه من سور المدينة وقبره بانطاكية فادخله الله الجنة وهو حى فيها يرزق يعنى حيوة الشهداء وقيل الخطاب للرسل فانه لمّا راى انه يقتل استشهد الرسل على إيمانه قبل ان يموت والتقدير فقال للرسل انّى امنت. قِيلَ يعنى قال الله تعالى لحبيب النجار رضى الله عنه لمّا استشهد إكراما واذنا فى دخول الجنة كسائر الشهداء ادْخُلِ الْجَنَّةَ وقيل قال الله تعالى ذلك له قبل موته يعنى ادخل قبرك الذي هو روضة من رياض الجنة وانما لم يقل وقيل له لان الغرض بيان المقول دون المقول له فانه معلوم والكلام فيه والجملة مستانفة فى حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصلبه فى نصر دينه والله اعلم ولما افضى حبيب الى الجنة قالَ يا رب لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) ما موصولة او مصدرية والباء متعلق بيعلمون اى يعلمون بالذي غفر لى ربى به او بغفران ربى إياي او استفهامية والباء متعلق بغفر اى باىّ شىء غفر لى يريد به الايمان والمصابرة على إيذاء الكافرين.

_ (1) روى انه قدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم ثم استاذن ليرجع الى قومه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم قاتلوك قال لو وجدوني نائما ما ايقفونى فرجع إليهم فدعاهم الى الإسلام فعصوه واسمعوه من الأذى فلمّا طلع الفجر قام على غرفة فاذّن بالصلوة وتشهد فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتله مثل عروة مثل صاحب يس دعا قومه الى الله فقتلوه» منه نور الله؟؟؟

[سورة يس (36) : آية 28]

وانما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم على اكتساب الايمان والطاعة على دأب الصالحين فى كظم الغيظ والترحم على الأعداء او ليعلموا انهم كانوا على خطأ عظيم فى امره وانه كان على حق. قال البغوي فلما قتل حبيب غضب الله عليهم وعجل لهم النقمة فامر جبرئيل فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم وذلك قوله تعالى. وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ اى قوم حبيب مِنْ بَعْدِهِ من زائدة اى بعد إهلاكه مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ من الاولى زائدة لتأكيد النفي والثانية للابتداء يعنى ما أنزلنا لاهلاكهم جندا من الملائكة كما أرسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك وفيه استحقار لإهلاكهم وايماء بتعظيم الرسول عليه السلام وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) ما نافية اى ما كان شأننا فى إهلاك قوم إنزال جند فان الأمر أيسر من ذلك وانما أنزلنا الأجناد لنصرك بشارة وإكراما لك وتسكينا لقلبك قال الله تعالى وما جعله الله إلّا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر الّا من عند الله- وقيل موصولة معطوفة على جند يعنى ما أنزلنا على قومه ما كنّا منزلين على من قبلهم من حجارة او ريح او امطار شديدة. إِنْ كانَتْ اى ما كانت الاخذة او العقوبة إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً صاح بها جبرئيل قرأ الجمهور بالنصب على انه خبر كان وابو جعفر بالرفع جعل الكون تامة بمعنى الوقوع- قال البغوي قال المفسرون أخذ جبرئيل بعضاوتي باب المدينة ثم صاح صيحة واحدة فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (29) اى ميتون شبّهوا بالنار لان الحيوة يتعلق بالحرارة الغريزية فاذا خمدت الحرارة الغريزية مات وجملة ما أنزلنا عطف على قوله وجاء من اقصا المدينة رجل «1» يسعى وجملة ما كنّا منزلين معترضة وجملة ان كانت الّا صيحة تعليل والفاء للسببية يعنى فاجئت الصيحة وقت خمودهم. يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ الظرف صفة للحسرة وجعلت الحسرة منادى تنبيها للمخاطبين على وجوب الحسرة عليهم وتنكيرها للتعظيم كانّه قيل يا حسرة اى حسرة تعالى فهذه من الأحوال التي من حقها ان تحضرى فيها وهى ما دل عليه ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (30) استثناء مفرغ حال من الضمير المنصوب او من رسول او منهما

_ (1) وفى الأصل من اقصا المدينة يسعى

[سورة يس (36) : آية 31]

والاستثناء يعنى الشرط والجزاء يعنى كلما يأتيهم رسول يستهزءون به والجملة تعليل للحسرة فان المستهزئين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء ان يتحسروا وان يتحسر عليهم المتحسرون ويتلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين ويجوز ان يكون تحسرا من الله عليهم على سبيل الاستعارة لتعظيم جنايتهم على أنفسهم ويؤيده قراءة يا بحسرتا- وقيل المنادى محذوف وحسرة منصوب بفعل مقدر تقديره يايها المخاطبون تحسروا حسرة على العباد- والحسرة شدة الحزن والندامة قال البغوي فيه قولان أحدهما يقول الله يا حسرة وندامة وكابة على العباد يوم القيامة لما لم يومنوا بالرسل والاخر انه من قول الهالكين قال ابو العالية لما عاينوا العذاب قالوا يا حسرة على العباد واللام فى العباد للعهد والمراد بهم اهل انطاكية او كل من لم يؤمن بالرسل واستهزأ بهم فهو تعريض لاهل مكة. أَلَمْ يَرَوْا الم يعلموا وهو معلق عن قوله كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ لان كم لا يعمل فيما قبلها وان كانت خبرية لان أصلها الاستفهام فهو يستدعى صدر الكلام والضمير فى لم يروا لاهل مكة أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) بدل اشتمال من كم على المعنى اى الم يروا كثرة إهلاكنا من قبلهم الم يروا انهم غير راجعين إليهم- ولمّا كان فى قوله انّهم إليهم لا يرجعون إيهاما الى ان الموتى لا يرجع ابدا ندفع ذلك الوهم قال. وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (32) يوم القيامة قرأ عاصم وحمزة «ابو محمد وابن جمار» لما بالتشديد هاهنا وفى الزخرف والطارق وأخفها ابن عامر الا فى الزخرف فى رواية ابن ذكوان ووافق ابو جعفر فى الطارق والباقون بالتخفيف فمن فرأ بالتشديد فان نافية ولمّا بمعنى الا ومن قرأ بالتخفيف فان مخففة من الثقيلة واللام هى الفارقة وما مزيدة للتأكيد وجميع فعيل بمعنى مفعول ولدينا ظرف له او لمحضرون.. وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» بالتشديد أَحْيَيْناها بالمطر خير للارض والجملة خير اية او صفة للارض إذ لم يرد بها معينة فهو كقوله ولقد امرّ على اللئيم يسبنى والأرض مبتدا خبرها اية او خبر لكونها نكرة والاية مبتدا والجملة معطوفة على قوله وان كلّ لّما- وجاز ان يكون أحييناها استئنافا لبيان كونها اية وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا

[سورة يس (36) : آية 34]

جنس الحب كالحنطة والشعير ونحو ذلك فَمِنْهُ اى من الحب يَأْكُلُونَ (33) قدم الصلة للدلالة على ان الحب معظم ما يؤكل ويعاش به. وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ بساتين مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ اى من انواع النخيل والعنب ولذلك جمعهما دون الحب فان الدال على الجنس مشعر بالاختلاف ولا كذلك وذكر النخيل دون التمر ليطابق الحب والأعناب لاختصاص النخيل بمزيد النفع واثار الصنع وَفَجَّرْنا فِيها فى الأرض مِنَ الْعُيُونِ اى شيئا من العيون فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه عند الأخفش من زائدة. لِيَأْكُلُوا متعلق بفجّرنا مِنْ ثَمَرِهِ اى ثمر ما ذكر وهو الجنات وقيل الضمير لله على طريقة الالتفات والاضافة اليه لإن الثمر بخلقه قرأ حمزة والكسائي «وخلف ابو محمد» ثمره بضمتين وهو لغة فيه او جمع ثمار وَما عَمِلَتْهُ قرأ حمزة والكسائي وابو بكر «وخلف- ابو محمد» عملت بغير هاء أيديهم عطف على ثمره وما موصولة والمراد ما يتخذ منه كالعصير والدبس ونحوهما وقيل ما نافية والمراد ان الثمر بخلق الله تعالى لا بفعلهم ويؤيد الاول قراءة الكوفيين بلا هاء فان حذفه من الصلة احسن عن غيرها أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أينكرون انعام الله فلا يشكرون وحيث كان إنكارا على ترك فهو امر بالشكر. سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ اى الأنواع والأصناف كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ من النبات والشجر وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ اى الذكر والأنثى وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) اى ما خلق الله فى البحر والبر ولم يطلع عليها أحدا-. وَآيَةٌ لَهُمُ على قدرتنا اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ اى ننزع ونكشط وذلك ان الأصل هى الظلمة والنهار داخل عليها بطلوع الشمس فاذا غربت فكانّه سلخ النهار من الليل وظهرت الظلمة فانسلخ هاهنا مستعار من سلخ الجلد- والكلام فى إعرابه مثل ما سبق فى قوله تعالى اية لّهم الأرض الميتة فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) عطف على نسلخ منه النّهار فغاصوا وقت كونهم داخلين فى الظلمة يعنى يذهب بالنهار ويجئ بالليل. وَالشَّمْسُ عطف على الليل تَجْرِي فى فلكها مثل جرى الحوت فى الماء صفة للشمس بناء على تنكيره او مبتدا وخبر والجملة معترضة لبيان سبب وجود الليل والنهار

لِمُسْتَقَرٍّ لَها مصدر ميمى او ظرف يعنى تجرى لاستقرار لها على نهج مخصوص او لموضع استقرارها وهى منتهى دورها تشبهت بالمسافر إذا قطع مسيره او مستقرها كبد السماء قبيل الزوال فان حركتها توجد ابطا بحيث يظن ان لها هناك وقفة او مستقرها نهاية ارتفاعها فى السماء فى الصيف ونهاية هبوطها فى الشتاء او لمنتهى مقدر بكل يوم من المشارق والمغارب فان لها فى دورها ثلث مائة وخمسا وستين مشرقا ومغربا تطلع كل يوم من مطلع وتغرب فى مغرب ثم لا تعود إليهما الى العام القابل او لمنقطع جريها عند خراب الدنيا وهذه التأويلات كلها مبنية على انها فى ظاهر الحال لا تستقر فى وقت من الأوقات ويدل عليه قراءة ابن مسعود ما رواه البغوي عن عمر بن دينار عن ابن عباس انه قرأ والشّمس تجرى لا مستقرّ لها لكن ورد فى الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال مستقرها تحت العرش- رواه البخاري فى الصحيح وروى البغوي عن ابى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال حين غربت الشمس أتدري اين تذهب هذه قلت الله ورسوله اعلم قال فانها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك ان تسجد ولا تقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها ويقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى والشّمس تجرى لمستقرّ لّها قال مستقرها تحت العرش- متفق عليه ومعنى الحديث والله اعلم ان الشمس بعد غروبها قبل طلوعها تسجد تحت العرش فيؤذن لها فى الطلوع من جانب المشرق فتطلع ويوشك ان لا يؤذن لها بالطلوع من المشرق بل يؤذن لها بالطلوع من المغرب فحينئذ تطلع من مغربها وهى اية من آيات الساعة- لا يقال ان مقدار الليل من وقت غروبها الى طلوعها يتفاوت بتفاوت الأقاليم حتى ان تحت القطب الشمالي من وراء بلغار إذا كانت الشمس عند رأس السرطان يكون الليل بحيث لا يكون هناك وقت العشاء بل بعد غروب الشمس إذا غاب الشفق من جانب طلع الصبح من جانب فاىّ وقت يتصور فيه الشمس ذاهبة تحت العرش ساجدة قلت ليس المراد ان الشمس تدوم ساجدة من وقت غروبها الى وقت طلوعها فجاز ان يكون وقت من الأوقات يكون ظلمة الليل شاملة لجميع الأقاليم وذلك عند منصفها وحينئذ يذهب الملائكة الموكلون

[سورة يس (36) : آية 39]

على الشمس بها الى تحت العرش فتخر هناك ساجدة ثم يؤذن لها بالطلوع واختلاف مقدار الليل باختلاف الأقاليم انما يتعلق باختلاف مبدء الليل ومنتهاه والله اعلم والقول بان الحديث من المتشابهات او ان المراد بالسجود هو الانقياد او نحو ذلك يأباه سياق الحديث ذلِكَ الجري على هذا التقدير المتضمن للحكمة التي يكل الفطن عن إحصائها تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الغالب بقدرته على كل مقدور الْعَلِيمِ (38) المحيط علمه بكل معلوم.. وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ اى قدرنا مسيره مَنازِلَ او قدرنا سيره فى منازله قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو «وروع- ابو محمد» والقمر بالرفع على انه معطوف على الشمس يعنى اية لهم الليل واية لهم الشمس واية لهم القمر والجملة الواقعة بعدها كالجملة الواقعة بعد الشمس وقرأ الباقون بالنصب بإضمار فعل فسره بقوله قدّرناه منازل- وهى ثمانية وعشرون منزلا- ينزل كل ليلة فى واحدة منها لا يتخطئه ولا يتقاصر عنه فاذا كان فى اخر منازله دقّ واستقوس حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ اى الشمراخ المعوج فعلون من الانعراج بمعنى الاعوجاج الْقَدِيمِ (3) العتيق قيل ما مر عليه حول فصاعدا ثم يكون القمر تحت شعاع الشمس فى المحاق. لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها اى يصح لها ويتيسر أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ قال البيضاوي اى فى سرعة سيره وهذا مبنى على ما قالت الفلاسفة ان القمر اسرع سيرا من الشمس فان دورها يتم فى شهر ودور الشمس يتم فى سنة وعندى الأمر بالعكس كما سنبين ان شاء الله تعالى فالاولى ان لا يقيد السير بالسرعة بل يقال الشمس لا تدرك القمر فى سيره المخصوص حتى يتحد سيدهما فان ذلك يخل بتكون النباتات وتعيش الحيوانات او فى اثاره ومنافعه او مكانه بالنزول الى محله او سلطانه فتطمس نوره قلت وجاز ان يكون المراد بالشمس النهار وبالقمر الليل وهذا يستقيم المقابلة يعنى لا ينبغى للنهار ان يدرك الليل اى يسبقها وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ اى هما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجئ أحدهما قبل وقته كذا تستفاد من كلام البغوي وَكُلٌّ التنوين عوض المضاف

اليه اى كل واحد منهما وقال البيضاوي تقديره كلهم والضمير للشموس والأقمار فان اختلاف الأحوال يوجب تعددا ما فى الذات ولو بالاعتبار او الى الكواكب فان ذكرهما مشعر بها فِي فَلَكٍ واحد من الافلاك وهى السماء الدنيا بدليل قوله تعالى انّا زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح يَسْبَحُونَ (40) كما يسبح السمك فى الماء. وهذا صريح فى ان الشمس والقمر والكواكب سائرة فى الفلك بقسر قاسر من الملائكة او بالارادة لا انها مرتكزة فى السماء كالمسامير لا تتحرك الا بتحرك السماء حركة وضعية كما يقول به الفلاسفة بناء على ان السباحة يستلزم الخرق والالتيام وزعموا انه محال فاستدلوا بتعدد الحركات للكواكب على تعدد السماوات على حسب تعدد الحركات فقالوا السماوات تسعة كلها منطبقة بعضها على بعض مثل قشور البصل وقالوا السماء التاسع الذي هو حاد للجميع يتحرك من المشرق الى المغرب على منطقة وقطبين بحيث يتم دائرة سيره فى كل يوم وليلة مرة تقريبا وسائر.... السماوات تسير بسيره قسرا ولكل منها حركة بالطبع من المغرب الى المشرق على منطقة اخرى وقطبين آخرين ويحصل التقاطع بين الاقطاب الاربعة قطبى فلك الثوابت وقطبى فلك الافلاك والشمس يلازم لمنطقة فلك الثوابت وينقسم منطقة فلك الثوابت الى اثنى عشر حصة يسمون كل حصة منها برجا ويسمون ذلك الفلك فلك البروج قالوا ذلك لمّا راوا ان الكوكب لا يتم دائرة سيرها فى يوم وليلة- ولما راوا ان الكواكب كلها غير السبعة التي يسمونها سيارات لا يختلف نسبة بعضها مع بعض قط وان سيرها ينقص من الدائرة فى اليوم والليلة قليلا غاية القلة جدا حكموا بان كلها مرتكزة فى فلك واحد وهى السماء الثامنة فلك البروج وان سيرها كان لا سير ولذا سموها ثوابت وفلكها فلك الثوابت ولمّا راوا السبعة ينقص سيرها فى اليوم والليلة من الدائرة نقصانا ظاهرا بحيث يرون القمر يسير فى ثلاثين يوما او تسعة وعشرين دائرة والشمس تسير فى ثلاث مائة وخمس وستين يوما ثلاث مائة وأربعا وستين دائرة وهكذا ان أفلاكها سبعة كلها سائرة من المغرب الى المشرق ولاجل ذلك يرى سيرها فى اليوم والليلة ناقصة من الدائرة وكلما راوا

نقصان سيرها من الدائرة أزيد حكموا بكون سيرها اسرع فقالوا فلك القمر اسرع سيرا فان سيرها الى المشرق بقطع الدائرة فى شهر وفلك الشمس يقطع فى سنة ثلاث مائة وخمس وستين يوما وهكذا حكموا فى سائر السيارات- ولمّا راوا خمسا من الكواكب العطارد والزهرة والمشترى والمريخ والزحل تارة سيرها أزيد من دائرة وتارة انقص من دائرة وتارة سيرها دائرة تامة لا زائد ولا ناقص سموها خمسة متحيرة واثبتوا لها تدويرات سير أعلاها يخالف سيرا سفلها كل ذلك بيّن فى علم الهيئة ولمّا دلّت النصوص القطعية على ان عدد السماوات سبع لا مزيد عليها بحيث يكفر جاحدها وعلى جواز الخرق والالتيام على الافلاك بحيث يكفر جاحدها ايضا بل على وقوعها حيث قال الله تعالى إذ السّماء انشقّت إذا السّماء انفطرت وانشقّ القمر ونحو ذلك- ودلت الأحاديث الصحيحة على ان السّماوات غير منطبقة ببعضها على بعضها بل بين كل منها مسافة بعيدة بحيث يفسق جاحدها روى احمد والترمذي عن ابى هريرة مرفوعا حديثا طويلا وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما بين الأرض والسّماء وبين كل سماءين خمس مائة سنة وروى الترمذي وابو داود عن العباس بن عبد المطلب مرفوعا حديثا طويلا ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما بين الأرض والسماء وبين كل سمائين اما واحدة واما اثنتان او ثلاث وسبعون سنة ولعل اختلاف ذلك باعتبار اختلاف سير السائرين سرعة وبطئا وجب القول ببطلان علم الهيئة وبان من اعتقدها يخاف عليه الكفر بالكتاب والسنة وإذا ظهر جواز الخرق والالتيام فى السماوات لا مانع من ان يقال ان الكواكب كلها فى السماء الدنيا كما ينطق به قوله تعالى وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وان كلا منها فى فلك يسبحون وان سير أكثرها على مقدار واحد قريبا من الدائرة التامة وسير سبعة فيها على مقادير مختلفة على حسب ما يرى ولا مانع من القول بان الخمسة تارة يسير زائدا وتارة ناقصا على حسب ارادة الله تعالى وهى الخنس الجواري الكنس والله اعلم بحقيقة الحال.

[سورة يس (36) : آية 41]

وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ قرأ اهل المدينة والشام ويعقوب ذرّيّاتهم بالجمع وكسر التاء والباقون ذرّيّتهم على الافراد بفتح التاء فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) اى المملو الظاهر ان المراد بالذرية أولادهم الذين يتبعونهم الى تجاراتهم او صبيانهم ونساؤهم الذين يستصحبونهم فان الذرية يطلق عليهن لانهن توارعها ورد فى الحديث انه صلى الله عليه وسلم راى امراة مقتولة فقال ما كانت هذه تقاتل الحق خالدا فقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفا- «العسيف الأجير او العبد منه ره» والمراد بالذرية فى هذا الحديث النساء لاجل الامرأة المقتولة وفى حديث عمر حجوا بالذرية لا تأكلوا أرزاقها وتذروا ارباقها «1» فى أعناقها اى حجوا بالنساء كذا فى النهاية والمراد بالفلك السفائن الصغار والكبار وتخصيص الذرية بالذكر لان استقرارهم فى السفن أشق وتماسكهم فيها اعجب وقال البغوي المراد به سفينة نوح عليه السلام والمراد بالذرية الآباء واسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد وقال البيضاوي على تقدير ان يراد بالفلك سفينة نوح عليه السلام معنى الاية ان الله تعالى حمل آباءهم وحملهم وذريتهم فى أصلابهم وتخصيص الذرية بالذكر لانها بلغ فى الامتنان وادخل فى التعجب مع الإيجاز. وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ اى مثل الفلك مطلقا او مثل فلك نوح ما يَرْكَبُونَ (42) من الإبل فانها سفائن البر او من الفلك والسفن والرواق على هيئة سفينة نوح. وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ مع اتخاذ السفائن فَلا صَرِيخَ لَهُمْ جزاء لشرط محذوف تقديره وان نغرقهم فلا صريخ اى لا مغيث لهم يحرسهم عن الغرق او فلا استغاثة كقولهم أتاهم الصريخ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) عطف على لا صريخ لهم اى لا ينجون من الغرق قال ابن عباس ولا أحد ينقذهم من عذابى. إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً استثناء مفرغ منصوب على العلية اى لا ينقذون لشئ الا لرحمة منا ولتمتيع إِلى حِينٍ (44) اى زمان قدّر لاجالهم.. وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ قال ابن عباس ما بين ايديكم يعنى الاخرة فاعملوا لها وما خلفكم يعنى الدنيا فاحذروها ولا تغتروا وقيل ما بين ايديكم يعنى وقائع الله فيما قبلكم من الأمم وما خلفكم عذاب الاخرة وهو قول قتادة وقيل المراد به نوازل السماء ونوائب الأرض كقوله تعالى او لم يروا الى ما بين أيديهم وما خلفهم من السّماء والأرض وقيل المراد به عذاب الدنيا وعذاب الاخرة وقيل عكسه وقيل ما تقدم من الذنوب وما تأخر

_ (1) ؟؟؟ أريد فريضة حج كه مثل ارباق است يعنى قلادها كه در گردن آنهاست يعنى واجب است منه رحمه الله.

[سورة يس (36) : آية 46]

لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) اى لتكونوا راجين رحمة الله وجواب إذا محذوف تقديره إذا قيل لهم اتقوا اعرضوا بقرينة قوله تعالى. وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ من الاولى زائدة لتأكيد النفي والثانية للتبعيض إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (46) استثناء مفرغ مثل قوله الّا كانوا به يستهزءون هذه الاية فى مقام التعليل لما سبق يعنى إذا قيل لهم اتّقوا اعرضوا لانهم اعتادوه وتمرنوه والجملة الشرطية اعنى قوله وإذا قيل لهم مع ما عطف عليه اعنى وما تأتيهم من اية عطف على قوله وما يأتيهم من رّسول. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ عطف على الشرطية السابقة يعنى كان المؤمنون يقولون لكفار مكة أَنْفِقُوا على المساكين مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من الأموال قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا فيه وضع المظهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بكفرهم لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ يعنى ان الله لم يرزقهم مع قدرته عليه فنحن نوافق مشية الله فلا نطعمهم (قيل قاله مشركوا قريش حين استطعمهم فقراء المؤمنين أخرجه ابن ابى حاتم عن الحسن وعبد بن حميد وابن المنذر عن إسماعيل بن خالد) وهذا قول باطل فان الله تعالى اغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء فمنع الدنيا من الفقير لا بخلا وامر الغنىّ بالإنفاق لا حاجة الى ما لهم ولكن ليبلو الغنى بالفقير فيما فرض له فى مال الغنى ولا اعتراض لاحد على مشية الله وحكمه فى خلقه ولا يدرك العقول كل حكمة فى أفعاله إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) حيث أمرتمونا ما يخالف مشية الله ويجوز ان يكون جوابا لهم من الله تعالى او حكاية لجواب المؤمنين لهم.. وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ اى القيامة والبعث عطف على الشرطية السابقة استفهام استبطاء إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) فى الاخبار بإتيانه جواب الشرط محذوف يعنى فانبئونا عن وقت إتيانه خطاب للرسول صلّى الله عليه وسلم وللمؤمنين. ما يَنْظُرُونَ حال من فاعل يقولون يعنى يقولون ذلك فى حال ما ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً استثناء مفرغ منصوب على المفعولية قال ابن عباس يريد به النفخة الاولى فان قيل ان الكفار لم يكونوا يعتقدون النفخة فكيف ينتظرونها قلنا هذه الاية كناية عن عدم تركهم المعاصي

[سورة يس (36) : آية 50]

ابدا حتى يموتون او تأتيهم السّاعة بغتة وهم لا يشعرون فانهم لمّا لم ينتهوا عمّا نهوا عنه قبل ذلك فكانّهم ينتظرون لاجل ترك المعاصي صيحة الصعق تَأْخُذُهُمْ صفة لصيحة واحدة والضمير راجع الى الناس المفهوم مما سبق وكذا كل ضمير بعده وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) حال من الضمير المنصوب فى تأخذهم اى يختصمون فى امور الدنيا من متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم شىء من إتيانها- أصله يختصمون فسكنت التاء وأدغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين على قراءة عاصم وابن ذكوان والكسائي «ويعقوب وخلف- ابو محمد» وقرأ ابن كثير وورش وهشام ويعقوب «لا بل هو مع عاصم ومن معه ابو محمد» بفتح الخاء بنقل حركت التاء الى الخاء والإدغام وقرأ قالون وابو عمرو باختلاس فتحة الخاء وتشديد الصاد وقرأ قالون ايضا وابو جعفر بإسكان الخاء «مع تشديد الصاد- ابو محمد» كانهما جوّزا التقاء الساكنين إذا كان الثاني مدغما. اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقومنّ «قرأ حمزة بإسكان الخاء وتخفيف الصاد- ابو محمد» الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومنّ الساعة وقد رفع أكلته الى فيه فلا يطعمها واخرج الفريابي عنه فى هذه الاية قال تقوم الساعة والناس فى أسواقهم يتبايعون ويذرعون الثياب ويحلبون اللقاح وفى حوائجهم. فَلا يَسْتَطِيعُونَ عطف على تأخذهم ورابط الموصوف محذوف تقديره فلا يستطيعون بعدها والفاء للسببية تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (51) واخرج عبد الله بن احمد فى زوائد الزهد عن الزبير بن العوام قال ان الساعة تقوم والرجل يذرع الثوب والرجل يحلب الناقة ثم قرا فلا يستطيعون توصية ولا الى أهلهم يرجعون يعنى لا يقدرون على ان يوصوا فى شىء من أمورهم ولا ان يرجعوا الى أهلهم فيروا حالهم بل يموتون حيث يسمعون الصيحة-. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ اى ينفخ ذكر صيغة الماضي لتيقن وقوعه عطف على مضمون فلا يستطيعون يعنى يموتون من ساعتهم وينفخ فى الصور مرة ثانية وبين النفختين أربعون سنة كذا روى ابن ابى حاتم عن ابن عباس وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون عاما قال أبيت الحديث. وروى ابن ابى داود

[سورة يس (36) : آية 52]

عن ابى هريرة حديثا مرفوعا وفيه بين النفختين أربعون عاما فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ جمع جدث وهو القبر إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) اى يخرجون والنسل فى الأصل الانفصال عن الشيء يقال نسل الوبر من البعير ومنه يقال للولد النسل لانفصاله عن والده وقيل معناه يسرعون فى القاموس الماشي ينسل بضم العين وكسره نسلا ونسيلا ونسلانا يسرع. قالُوا يعنى يقول الكفار حين يبعثهم أورد لفظ الماضي لتيقن وقوعه يا وَيْلَنا؟؟؟ دون الويل يعنى يا ويل احضر فان هذا أوانك او يقال ان المنادى محذوف تقديره يا ايها المخاطب ويلنا وهو مصدر لا فعل له من لفظه منصوب بفعل مقدر فى معناه قال فى القاموس معناه حلول الشر وقال بعض المحققين لم يرد فى اللغة ان ويلا وضع لهذا المعنى بل هو اسم لواد فى جهنم لما روى احمد والترمذي وابن جرير وابن ابى حاتم وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي وابن ابى الدنيا وهناد عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انه قال ويل واد فى جهنم يهوى به الكافر أربعين خريفا قبل ان يبلغ قعره- وروى سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال الويل واد فى جهنم يسيل من صديد اهل النار جعل للمكذبين- واخرج ابن جرير عن عثمان بن عفان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الويل جبل فى النار- واخرج البزار بسند ضعيف عن سعد بن ابى وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فى النار حجرا يقال له ويل يصعد عليه العرفاء وينزلون مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا سكت حفص هاهنا سكتة لطيفة والوقف عليها عند غيره احسن قال ابن عباس وقتادة انما يقولون هذا لان الله يرفع العذاب عنهم بين النفختين فيوقدون فاذا بعثوا بعد النفخة الاخرة عاينوا القيامة ودعوا بالويل وقول ابن عباس هذا دفع لما قالت المعتزلة ان هذه الاية تدل على نفى عذاب القبر فانها تدل على انهم كانوا كالنيام وقال اهل المعاني ان الكفار إذا عاينوا جهنم بانواع عذابها صارت عذاب القبر فى جنبها كالنوم فقالوا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) مبتدا وخبر وما مصدرية بمعنى المفعول او موصولة والرابط محذوف يعنى هذا ما وعد به

[سورة يس (36) : آية 53]

الرّحمن وصدق فيه المرسلون وجاز ان يكون صدق المرسلون جملة مستأنفة معطوفة على جملة فهذا اقرار منهم حين لا ينفعهم الإقرار وقيل هذا قول الملائكة جوابا لهم وقال مجاهد هذا قول المؤمنين فى جوابهم وانما عدل عن سنن الجواب تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه وتنبيها بان الذي يهمهم هو السؤال عن البعث دون الباعث كانّهم قالوا بعثكم الرحمان الذي وعدكم بالبعث وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم وليس الأمر كما تظنون انه بعث النائم فيهكم السؤال عن الباعث بل هو البعث الأكبر ذو الأهوال وجاز ان يكون هذا صفة لمرقدنا وما وعد خبر محذوف او مبتدا خبره محذوف يعنى ما وعد الرّحمان حق وصدق المرسلون وعلى هذا التأويل لا يلايم السكتة او الوقف على مرقدنا. إِنْ كانَتْ اى ما كانت الفعلة فى بعثهم إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هى النفخة الاخيرة فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ اى مجموعون لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (53) خبر بعد خبر وفى ذلك تهوين لامر البعث والحشر واستغنائهما عن الأسباب التي ينوطان بها فيما يشاهدونه. فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) حكاية لما يقال لهم تصويرا للموعود وتمكينا له فى النفوس وكذا قوله-. إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو بسكون الغين والباقون بضمها وهما لغتان مثل السّحت والسّحت- واختلفوا فى معنى الشغل قال ابن عباس فى افتضاض الابكار وقال وكيع بن الجراح فى السّماع وقال الكلبي فى شغل عن اهل النار وعمّا هم فيه لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم وقال الحسن شغلوا بما فى الجنة من النعيم عمّا فيه اهل النار من العذاب وقال ابن كيسان فى زيارة بعضهم بعضا وفى ضيافة الله تعالى والاولى ان يقال فى شغل ما يشتهونه؟؟؟ العلية الذين لا مقصود لهم الا الله تعالى شغلهم الانهماك والاستغراق فى التجليات الذاتية على حسب مدارجهم وغيرهم كان شغلهم بالسماع والرياح والاكل والشرب والجماع على حسب شهواتهم ورغباتهم- اخرج ابو نعيم عن شيخ طريقتنا ابى يزيد البسطامي انه قال ان لله خواصا من عباده لو حجبهم فى الجنة عن رؤيته لاستغاثوا كما يستغيث اهل النار

[سورة يس (36) : آية 56]

بالخروج من النار- وفى تنكير شغل وإبهامه تعظيم لما هم فيه من البهجة والتلذذ وتنبيه على انه أعلى ممّا يحيط به الافهام ويعرب عن كنهه الكلام فاكِهُونَ (55) خبر بعد خبر لان قرأ ابو جعفر فكهون بغير الف حيث كان ووافق حفص فى المطففين وفيه مبالغة والباقون بألف وهما لغتان مثل الحاذر والحذر يعنى ناعمون متلذذون فى النعمة من الفكاهة وقال مجاهد والضحاك معجبون بما هم فيه وعن ابن عباس قال هم فرحون. هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ قرأ حمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» ظلل بغير الف جمع ظلّة والباقون ظلال بالألف وكسر الظاء جمع ظلّ وهو موضع الذي لا يقع عليه الشمس كشعاب او ظلة وهو ما يسترك عن الشمس كقباب عَلَى الْأَرائِكِ يعنى السرر فى الحجال واحدتها اريكة قال البغوي قال ثعلب لا يكون اريكة حتى يكون عليها حجلة واخرج البيهقي عن ابن عباس قال لا يكون اريكة حتى يكون السرير فى الحجلة فان كان السرير بغير حجلة لا يكون اريكة وان كان حجلة بغير سرير لا يكون اريكة فاذا اجتمعا كانت اريكة واخرج البيهقي عن مجاهد قال الأرائك من لؤلؤ وياقوت الجار والمجرور متعلق بقوله مُتَّكِؤُنَ (56) هم مبتدا خبره فى ظلل وعلى الأرائك جملة مستأنفة او خبر ثان او الخبر متّكؤن والجار ان صلة له او هم تأكيد للضمير فى شغل او فاكهون وعلى الأرائك متّكؤن خبر آخر لانّ- وأزواجهم عطف على هم للمشاركة فى الاحكام او فى ظلال حال من المعطوف والمعطوف عليه-. لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (57) اى ما يطلبون لانفسهم يفتعنون من الدّعاء او يتمنون من قولهم ادّع علىّ ما شئت بمعنى منّه علىّ او ما يدّعون في الدنيا من الجنة ودرجاتها وما موصولة او موصوفة مبتدا وخبرها لهم. سَلامٌ بدل منها ويجوز ان يكون خبرا لهم او اخبر المحذوف اى هم سلام او مبتدا محذوف الخبر اى لهم سلام قَوْلًا يعنى يقول الله قولا او يقال لهم قولا كائنا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) والمعنى ان الله يسلّم عليهم بواسطة الملائكة او بغير واسطة تعظيما لهم وذلك مطلوبهم ومقناهم ويحتمل نصبه على الاختصاص اخرج ابن ماجة

[سورة يس (36) : آية 59]

وابن ابى الدنيا والدار قطنى والآجري عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم بينا اهل الجنة فى نعيمهم إذ سطع عليهم نور فرفعوا رءوسهم فاذ الرب تبارك وتعالى قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا اهل الجنة وذلك قوله تعالى سلام قولا من ربّ رّحيم فقال فينظر إليهم وينظرون اليه فلا يلتفتون الى شىء من النعيم ما داموا ينظرون اليه حتى يحجب عنهم ويبقى نوره وبركته فى ديارهم قال السيوطي اشرافه سبحانه واطلاعه منزه عن المكان والحلول قال البغوي يسلم عليهم الملائكة من ربهم وقال مقاتل يدخل الملائكة على الجنة من كل باب سلام عليكم يا اهل الجنة من ربكم الرحيم يعطيهم السلامة اسلموا السلامة الابدية-. وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) قال مقاتل والسديّ والزجاج يعنى اعتزلوا من الصالحين يعنى يساق المؤمنون الى الجنة والمجرمون الى النار عطف على مضمون ما سبق. وقال الضحاك ان لكل كافر فى النار بيتا يدخل ذلك البيت ويردم بابه بالنار فيكون فيه ابد الآبدين لا يرى ولا يرى- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا والبيهقي عن مسعود قال إذا القى فى النار من هو مخلد فيها جعلوا فى توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت فى توابيت من حديد ثم قذفوا فى أسفل الجحيم فما يرى أحدهم انه يعذب غيره- واخرج ابو نعيم والبيهقي عن سويد بن عفلة نحوه. أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ الم آمركم على لسان المرسلين استفهام للانكار وانكار النفي اثبات يعنى قد عهدتّ إليكم والجملة فى مقام التعليل لتميزهم من المؤمنين يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ اى لا تطيعوه فى معصية الله ان مفسرة للعهد فانه فى معنى القول إِنَّهُ اى الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) ظاهر العداوة تعليل للمنع عن طاعته فيما يحملهم عليه. وَأَنِ اعْبُدُونِي عطف على او لا تعبدوا هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) اشارة الى ما عهد إليهم او الى عبادته تعالى والجملة استيناف لبيان المقتضى للعهد بشقيه او بالشق الأخير والتنكير للمبالغة والتعظيم او للتبعيض فان التوحيد سلوك بعض الطريق المستقيم. وَلَقَدْ أَضَلَّ الشيطان مِنْكُمْ جِبِلًّا قرأ أهل المدينة وعاصم بكسر الجيم والباء وتشديد اللام ويعقوب بضم الجيم والباء وتشديد اللام

[سورة يس (36) : الآيات 63 إلى 64]

وابن عامر وابو عمرو بضم الجيم وسكون الباء «وتخفيف الباء ابو محمد» والباقون بضم الجيم والباء بغير تشديد وكلها لغات ومعناها الخلق والجماعة اى خلقا كَثِيراً جواب قسم محذوف رجوع الى بيان معادات الشيطان وظهور عداوته ووضوح إضلاله لمن له ادنى عقل فانه انما يأمر بالفحشاء والمنكر وترك عبادة الخالق الرازق الضارّ النافع الى عبادة من لا يضر ولا ينفع وترك اتباع النبي الناصح المؤيد بالمعجزات الى اتباع هوى النفس أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) عداوته مع وضوحها الاستفهام للتوبيخ وجملة ولقد أضل معترضة للتوبيخ ويقال لهم لما دنوا من النار. هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا ادخلوها وذوقوا حرها الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) اى بكفركم فى الدنيا. الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) جملة فيها التفات من الخطاب الى الغيبة اخرج مسلم عن انس قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال هل تدرون فيما اضحك قلنا الله ورسوله اعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب الم تجرنى من الظلم فيقول بلى فيقول فانى لا أجيز على نفسى الا بشاهد منى فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لاركانه انطقى فينطق بأعماله ثم يخلّى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ اناصل «أجادل منه» . واخرج مسلم عن ابى هريرة قال قالوا يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة قال هل تضارّون فى روية الشمس فى الظهيرة ليست فى سحابة قالوا لا قال فهل تضارون فى رؤية القمر ليلة البدر ليست فى سحابة قالوا لا قال فو الذي نفسى بيده لا تضارّون فى رؤية ربكم الا كما تضارّون فى رؤية اجرهما فياتى العبد فيقول اى فلان الم أكرمك الم اسودك «اى جعلتك سيدا- منه ره» الم أزوجك الم أسخر لك الخيل والإبل وأتركك تتراس «اى تكون راسا على قومك- منه ره» وتربغ «1» قال بلى يا رب فيقول أظننت انك ملاقى فيقول لا فيقول انى أنساك كما نسيتنى ثم يلقى الثاني فيقول له مثل ذلك ويقول هو مثل ذلك ثم يلقى الثالث

_ (1) اى تأخذ اربع مما يحصل لهم من الغانم والكب وكان ذلك عادة الأمر او فى الجاهلية. منه رحمه الله

[سورة يس (36) : آية 66]

فيقول له مثل ذلك فيقول امنت بك وبكتابك وبرسولك وصلّيت وصمت وتصدقت ويثنى ما استطاع فيقال أفنبعث عليك شاهدا فيتفكر فى نفسه من ذا الذي يشهد على فيختم على فيه ويقول لفخذه انطقى فتنطق فخذه ولحمه وعظمه بعمله ما كا ذلك قال وذلك المنافق وذلك بعذر عن نفسه وذلك الذي سخط الله عليه- واخرج احمد بسند جيد والطبراني عن عقبة بن عامر مرفوعا ان أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجر الشمال- وفي حديث معاوية بن حيدة عند احمد والنسائي والحاكم والبيهقي قال تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الغلام فاول ما يتكلم من الآدمي فخذه وكفه واخرج ابن جرير وابن الى حاتم عن ابى موسى الأشعري قال يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة فيعرض عليه ربه عمله فيما بينه وبينه فيعترف فيقول اى رب عملت عملت فيغفر الله ذنوبه وليستره فيها قال فما على الأرض حليقة يرى من تلك الذنوب شيئا وتبدو حسناته والناس كلهم يرونها ويدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض عليه ربه عمله فيحجده ويقول اى ربّ وعزتك كتب علىّ هذا الملك ما لم اعمل فيقول له عملت كذا فى يوم كذا فى مكان كذا فيقول لا وعزتك فاذا فعل ذلك ختم على فيه- قال ابو موسى فانى احسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى ثم تلا اليوم نختم على أفواههم الاية- اخرج ابو يعلى والحاكم وصححه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال إذا كان يوم القيامة غير الكافر بعمله فجحد وخاصم فيقال هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول كذبوا فيقال أهلك وعشيرتك فيقول كذبوا فيقال احلفوا فيحلفون ثم يصمتهم الله تعالى ويشهد عليهم ألسنتهم فيدخلهم النار. وَلَوْ نَشاءُ يعنى ولو شئنا طمس أعينهم لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ اى أذهبنا أعينهم الظاهرة بحيث لا يبدو لها جفن ولا شق وهو معنى الطمس فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ عطف على طمسنا اى الى الطريق اعتادوا سلوكهم وانتصابه بنزع الخافض او بتضمين الاستباق معنى الابتداء او جعل المسبوق اليه مسبوقا على الاتساع او على الظرفية فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) الفاء للسببية والاستفهام للانكار يعنى فكيف يبصرون

[سورة يس (36) : آية 67]

الطريق حينئذ اى لا يبصرون بسبب الطمس قال البغوي هذا قول الحسن والسدّى وقال ابن عباس وقتادة ومقاتل وعطاء ولو نشآء لفقانا أعين ضلالتهم فاعميناهم عن غيّهم وحولنا أبصارهم من الضلالة الى الهدى ابصر وارشدهم يعنى لم نشأ ذلك فانى يبصرون رشدهم. وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ قرأ ابو بكر مكاناتهم بصيغة الجمع والباقون بالإفراد يعنى ولو شئنا لجعلناهم قردة وخنازير فى منازلهم وقيل يعنى لو شئنا لجعلناهم حجارة وهم قعود فى منازلهم لا أرواح لهم فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا اى ذهابا وَلا يَرْجِعُونَ (67) اى ولا رجوعا وضع الفعل موضعه للفواصل- وقيل ولا يرجعون عن تكذيبهم الى التصديق ومعنى هذه الاية والاية السابقة على تأويل الحسن انهم لكفرهم ونقضهم العهد أحقاء ان يفعل بهم ذلك لكنا لم نفعل لشمول الرحمة لهم فى الدنيا واقتضاء الحكمة إمهالهم-. وَمَنْ نُعَمِّرْهُ اى من نطل عمره نُنَكِّسْهُ قرأ عاصم وحمزة بضم النون الاولى وفتح الثانية وكسر الكاف والتشديد من التنكيس والباقون بفتح النون الاولى وسكون الثانية وضم الكاف مخففا من المجرد والتنكيس ابلغ والنكس أشهر ومعناه نقلبه فِي الْخَلْقِ يعنى كان فى بدو الأمر لا يزال يتزايد قوة ونجعله فى الاخر بحيث لا يزال يتزايد ضعفا حتى يموت أَفَلا يَعْقِلُونَ (68) عطف على مضمون الشرطية السابقة والاستفهام للانكار يعنى ينبغى ان يعقلوا ويعلموا ان من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فانه مشتمل عليهما وزيادة غير انه على تدرج قرأ نافع «ابو جعفر ويعقوب وابو محمد» وابن ذكوان بالتاء على الخطاب لجرى الخطاب قبله فى قوله الم اعهد إليكم والباقون بالياء على الغيبة جريا على قوله لو نشآء لمسخناهم- قال البغوي قال الكلبي ان كفار مكة قالوا ان محمدا شاعر وما تقوله شعر فانزل الله تعالى. وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ عطف على قوله انّك لمن المرسلين وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة يعنى ما علّمناه الشّعر بتعليم القرآن فانه غير مقفى ولا موزون وليس معناه مثل معنى الاشعار من التخيلات المرغبة والمنفرة والأقوال الكاذبة

وَما يَنْبَغِي لَهُ اى ما يصح له ان يضيع وقته الشريف فى إنشاء الشعر ورعاية الوزن والقافية- واما ما روى الشيخان فى الصحيحين من حديث البراء بن عازب قوله صلى الله عليه وسلم انا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ومن حديث جندب بن ابى سفيان هل أنت الا إصبع دميت- وفى سبيل الله ما لقيت- فاتفاقى من غير تكلف وتصنع وقعت لغير قصد منه الى ذلك ومثله لا يعد شاعرا وقد يقع مثله كثيرا فى تضاعيف المنثورات على ان الخليل ما عدّ المسطور من الرجز شعرا هذا وقد روى انه صلى الله عليه وسلم حرك الباءين من كذب وعبد المطلب وكسر التاء من دميت بلا إشباع وسكن التاء من لقيت وقال البغوي ما كان يتزين له بيت شعر حتى إذا تمثل بيت شعر جرى على لسانه منكسرا «1» روى البغوي عن الحسن ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا فقال ابو بكر يا نبى الله قال الشاعر كفى الشيب والإسلام بالمرء ناهيا فاعاد كالاول فقال ابو بكر اشهد انك رسول الله يقول الله عزّ وجلّ وما علّمناه الشّعر وما ينبغى له- وروى عن المقدام بن شريح عن أبيه قال قلت لعائشة رضى الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل شيئا من الشعر قالت كان يتمثل من شعر عبد الله بن رواحة قالت وربما قال ويأتيك الاخبار من لم تزودى. وقال معمر عن قتادة بلغني ان عائشة سئلت هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشئ من الشعر قالت كان الشعر ابغض الحديث اليه قالت ولم يتمثل بشئ من الشعر الا ببيت أخي بنى قيس بن طرف تبدى لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزودى فجعل يقول ويأتيك من لم تزود بالأخبار قال ابو بكر ليس هكذا يا رسول الله فقال انى لست بشاعر وما ينبغى لي- وقيل الضمير للقرآن اى وما يصح للقرآن ان يكون شعرا إِنْ هُوَ اى القرآن إِلَّا ذِكْرٌ عظة وارشاد من الله تعالى وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) للفرائض والحدود والاحكام واخبار الغيب من الماضي والمستقبل التي لا يمكن إتيانها من الشاعر بل

_ (1) وعن عبد الرحمان بن ابى الزناد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن مرداس ارايت قولك أصبح نهيى ونهب العبيد بين الاقراع وعيينه فقال ابو بكر بابى أنت وأمي يا رسول الله ما أنت بشاعر ولا راويه ولا ينبغى لك انما قال بين عيينة والأقرع- منه رحمه الله-

[سورة يس (36) : آية 70]

من أحد من البشر. لِيُنْذِرَ قرأ نافع وابن عامر ويعقوب «وابو جعفر- ابو محمد» بالتاء للخطاب اى لتنذر يا محمد بالقران وكذلك فى الأحقاف ووافق ابن كثير فى الأحقاف والباقون بالياء للغيبة متعلق بمضمون ما سبق يعنى أنزلنا القران وأرسلنا محمدا لينذر القران او الرسول مَنْ كانَ حَيًّا اى مؤمنا فانه حى القلب يعقل الأشياء على ما هى عليه وايضا الحيوة الابدية بالايمان وتخصيص الابدية لانه هو المنتفع به دون الكافر فانه كالميت لا ينتفع به ولا يدرك الحسن من القبيح يحسب عبادة الأحجار واتباع الشيطان حسنا وعبادة الخالق واتباع الرسول الناصح المؤيد بالمعجزات قبيحا فيكون فى الاخرة بحيث لا يموت ولا يحيى وللاشعار بانهم أموات فى الحقيقة جعلهم فى مقابلة من كان حيّا وقال وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عطف على لينذر اى ليجب كلمة العذاب عَلَى الْكافِرِينَ (70) . أَوَلَمْ يَرَوْا الهمزة لاستفهام الإنكار والواو للعطف على محذوف تقديره اينكرون البعث او اينكرون خلق الله ولم يروا يعنى قد راو وأقروا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ اى تولينا احداثه دون غيرنا لانتفاعهم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا اسناد العمل الى الأيدي استعارة تفيد مبالغة فى الاختصاص والتفرد بالأحداث أَنْعاماً خصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) متملكون بتمليكنا إياهم او متمكنون من ضبطها والتصرف فيها بتسخيرنا إياها لهم. وَذَلَّلْناها اى سخرناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ اى مركوبهم يعنى الإبل وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) اى ما يأكلون لحمه. وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ من الجلود والاصواف والأدبار والنسق له واستعمالها فى الحرث وغير ذلك وَمَشارِبُ من ألبانها جمع مشربة بمعنى الموضع او المصدر أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره اينكرون فلا يشكرون لابل يعترفونه ويكفرون كما يدل عليه قوله. وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً أشركوها به فى العبادة بعد ما راوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة وعلموا انه المتفرد بها- عطف على مضمون خلقنا لهم يعنى أنعمنا عليهم وهم اتخذوا الهة غيرنا روى البيهقي والحكيم عن ابى الدرداء انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عزّ وجلّ انى والجن

[سورة يس (36) : آية 75]

والانس فى نبأ عظيم اخلق ويعبد غيرى وارزق ويشكر غيرى لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) حال من فاعل اتخذوا يعنى راجين ان ينصروهم فيما يهمّهم من الأمور- والأمر بالعكس لانها. لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ اى ان يمنعوهم من العذاب وَهُمْ اى الكفار لَهُمْ اى لالهتهم جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) معدون لحفظهم والذب عنهم فى الدنيا وهى لا يسوق إليهم خيرا ولا يدفنون عنهم شرّا وقيل معناه يؤتى يوم القيامة بكل معبود من دون الله ومعه أشياعه الذين عبدوهم كانهم جند محضرون فى النار- الجملة حال من فاعل لا يستطيعون. فَلا يَحْزُنْكَ الفاء للسببية يعنى إذا سمعت الوعيد للكافرين فلا يحزنك قَوْلُهُمْ فى الله بالإلحاد وفيك بالتكذيب والتهجين إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ من عداوتك والعقائد الباطلة وَما يُعْلِنُونَ (76) من الأعمال والأقوال الشنيعة فيجازيهم عليه وكفى ذلك ان تتلى به وجملة انا نعلم تعليل للنهى على الاستئناف- اخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال جاء العاص بن وائل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حامل محتة فقال يا محمد أيبعث هذا بعد ما ارى قال نعم يبعث الله هذا يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت. أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ يعنى العاص ابن وائل أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ الى اخر السورة واخرج ابن ابى حاتم من طرق عن مجاهد وعكرمة وعروة بن الزبير والسدىّ والبيهقىّ فى شعب الايمان عن ابى مالك وكذا ذكر البغوي انها نزلت فى ابى بن خلف الجمحي خاصم النبي صلى الله عليه وسلم فى انكار البعث وأتاه بعظم قد بلى ففتته بيده وقال اترى يحيى الله هذا بعد مادم فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم ويبعثك فيدخلك النار فانزل الله تعالى هذه الاية الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره أينكر الإنسان قدرتنا على الاعادة ولم ير يعنى قد علم انّا خلقناه من نطفة فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ الفاء للعطف وإذا للمفاجاة يعنى خلقناه من نطفة ففاجا وقت خصامه مُبِينٌ (77) ظاهر انه مجادل بالباطل لا يريد تحقيق الحق لظهوره حيث يعلم ويعترف ببدو خلقه وينكر ما هو أهون منه وهو الاعادة وفيه تسلّية ثانية بتهوين ما يقول له بالنسبة الى انكارهم الحشر وفيه تقبيح بليغ حيث اتى الكفر فى مقابلة

[سورة يس (36) : آية 78]

النعمة التي لا مزيد عليه وهى خلقه من اخس شىء وامهنه شريفا مكرما وقيل معنى فاذا هو خصيم مبين فاذا هو بعد ما كان ماء مهينا مميّز منطيق قادر على الخصام معرب عمّا فى نفسه وقيل فهو على مهانة أصله ودناءة اوله يتصدى مخاصمة ربه وينكر قدرته على احياء الميت وجملة او لم ير الإنسان الى آخره بدل من قوله او لم يروا انّا خلقنا لهم ممّا عملت أيدينا. وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا امرا عجيبا وهو نفى القدرة على احياء الموتى وتشبيهه بخلقه موصوفا بالعجز عمّا عجزوا عنه وَنَسِيَ خَلْقَهُ اى خلقنا إياه من منى وهو اغرب من احياء العظم قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) حال من العظام استئناف بيان للمثل والرميم ما بلى من العظام فعيل بمعنى فاعل من رم الشيء صار اسما بالغلبة فلذلك لم يؤنث او بمعنى مفعول من رممته- قال البيضاوي فيه دليل على ان العظم ذو حيوة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء يعنى بذلك ان عظم الميتة نجس وبه قال الشافعي وكذا ذكر ابن الجوزي مذهب احمد فى التحقيق وذكر صاحب رحمة الامة ان الصحيح من مذهب احمد طهارة السنّ والريش والعظم احتج القائلون بنجاسة عظم الميتة بهذه الاية وبقوله صلى الله عليه وسلم لا ينتفع من الميتة بشئ- رواه ابو بكر الشامي بإسناده عن ابى الزبير عن جابر قال صاحب المغني وصاحب تنقيح التحقيق اسناده حسن ورواه ابن وهب فى مسنده عن زمعة بن صالح عن ابى الزبير عن جابر ولفظه لا تنتفعوا من الميتة بشئ ولا تنتفعوا بالميت قال صاحب التنقيح زمعة فيه كلام وللحديث علة ذكرها ابن معور وغيره قال صاحب الهداية شعر الميتة وعظمها لا حيوة فيهما يعنى فلا يحلهما الموت فلا يشتملهما الحديث الوارد فى النهى عن الانتفاع بالميتة ويرد على هذا القول هذه الاية فانها تدل على كون الحيوة فى العظم فالاولى ان يقال ان المنجس انما هو الدم المسفوح ولادم فى العظم والعصب والشعر وان كانت فيها حيوة ولهذا موت ما لا دم له سائلا من الحيوانات فى الماء لا يفسده عن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل طعام او شراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فيه فهو حلال أكله وشربه ووضوؤه. رواه الدار قطنى

قال الدار قطنى لم يروه غير بقية عن سعيد بن سعيد الزبيدي وهو ضعيف وقال ابن عدى سعيد مجهول وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا وقع الذباب فى اناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فان فى أحد جناحيه شفاء وفى الاخر داء- رواه البخاري والحجة لنا حديث ابن عباس قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة فقال الا استمتعتم بجلدها فقالوا يا رسول الله انها ميتة قال انما حرم أكلها- متفق عليه وروى الدار قطنى عن ابن عباس انه قال انما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الميتة لحمها واما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به- وفيه عبد الجبار بن مسلم قال الدار قطنى ضعيف لكن ذكره ابن حبان فى الثقات قال ابن همام لا ينزل الحديث عن الحسن والعجب من ابن الجوزي انه احتج بهذا الحديث على طهارة صوف الميتة وشعرها ولم يحتج بها على طهارة العظم واحتج على نجاسة العظم بحديث لا تنتفعوا من الميتة بشئ ولم يحتج بها على نجاسة الصوف والشعر والحق ان المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة بشئ لا تنتفعوا من الميّت مما يؤكل لتنجسه باختلاط الدم المسفوح واما العظم والشعر والصوف مما لا يختلط بالدم فلا بأس به ولا بأس بالجلد بعد الدباغ وازالة الرطوبة وفى الباب أحاديث اخر منها ما روى الدار قطنى عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الا كل شىء من الميتة حلال الا ما أكل منها فاما الجلد والشعر والصوف والعظم فكل هذا حلال لانه لا يزكّى- وفيه ابو بكر الهذلي قال الدار قطنى متروك وقال غندر كذاب وقال يحيى وعلى ليس بشئ وروى الدار قطنى عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ولا بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل بالماء- قال الدار قطنى لم يأت به غير يوسف بن السفر وهو متروك يكذب وقال ابو ذرعة والنسائي هو متروك وقال دحيم ليس بشئ وقال ابن حبان لا يحل الاحتجاج به بحال وروى ابن الجوزي من طريق ابى يعلى عن حميد الشامي عن سليمان عن ثوبان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج- قال ابن الجوزي الحديث لا يصح حميد و

[سورة يس (36) : آية 79]

سليمان مجهولان قال احمد لا اعرف حميدا وقال يحيى بن معين لا اعرف سليمان- وايضا المراد بالعاج الزبل قال ابن قتيبة ليس العاج هاهنا الذي يعرفه العامة ويخرطه من العظم والناب ذلك ميتة منهى عنه فكيف يتخذ لها منه سوارا انما العاج الزبل قال ذلك الأصمعي قال ابن همام قول الأصمعي ليس العاج الذي يعرفه العامة. يوهم انه ليس من اللغة وليس كذلك قال فى المحكم العاج أنياب الفيلة ولا يسمى غير الناب عاجا وقال الجوهري العاج عظم الفيل الواحد عاجة فتاويل الأصمعي انما هو لاعتقاده نجاسة عظم الفيل قال ويظهر من القاموس ان العاج مشترك فى الزبل وعظم الفيل وكذا يظهر من النهاية للجزرى والزبل جلد السّلحفاة البحرية او البرية او عظام ظهر دابة بحرية يتخذ منها الا سورة والا مغاط كذا فى القاموس- واخرج البيهقي عن بقية عن عمرو بن خالد عن قتادة عن انس انه صلى الله عليه وسلم كان يمتشط بمشط من عاج قال البيهقي ورواية بقية عن شيوخه المجهولين ضعيفة قال ابن همام فهذه عدة أحاديث لو كانت ضعيفة حسن المتن فكيف ومنها ما لا ينزل عن الحسن وله الشاهد الاول من الصحيحين والله اعلم.. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ فان قدرته كما كان لامتناع التغير فيه والمادة على حالها فى القابلية اللازمة لذاتها جملة مستأنفة وقوله وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ اى مخلوق عَلِيمٌ (79) حال من فاعل يحيى اى يعلم تفاصيل المخلوقات وكيفية خلقها فيعلم اجزاء الاشخاص المتغيبة المتبددة أصولها وفصولها ومواقعها وطرق تميزها وضم بعضها الى بعض على النمط السابق وإعادة الاعراض والقوى التي كانت فيها او احداث مثلها. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً بدل من الّذى أنشأها او خبر مبتدا محذوف اى هو او منصوب على المدح بتقدير اعنى قال ابن عباس شجرتان يقال لاحداهما المرخ وللاخرى العفار فمن قطع منهما غصنين مثل السواكين وهما خضروان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ على العفار يخرج منها النار يقول العرب فى كل شجر نار و؟؟؟ المرخ والعفار وقال العلماء فى كل شجر نار الا العناب

[سورة يس (36) : آية 81]

فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) اى ففاجئتم وقت ايقادكم ولا تشكون فى انها نار خرجت منه فمن قدر على احداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته كان اقدر على إعادة العضاضة فيما كان عضا فيبس وبلى ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان فقال. أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الاستفهام للانكار والعطف على محذوف تقديره اخلق السماوات والأرض كما تعترفون به وليس الذي خلقهما مع كبر جرمهما وعظم شأنهما بِقادِرٍ قرأ يعقوب «اى رويس ابو محمد» يقدر على صيغة المضارع عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ فى الصغر والحقارة بالاضافة إليهما او مثلهم فى اصول الذات وصفاتها وهو المعاد بَلى جواب من الله لتقرير ما بعد النفي اى هو قادر على ان يخلق مثلهم وَهُوَ الْخَلَّاقُ يخلق خلقا بعد خلق الْعَلِيمُ (81) بجميع الممكنات عطف على مضمون بلى. إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً ان يوجد أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) اى فهو يكون نصبه ابن عامر والكسائي عطفا على يقول- قال البيضاوي هو تمثيل لتأثير قدرته فى مراده تعالى بامر المطاع للمطيع فى حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار الى مزاولة عمل واستعمال فمعز الدولة قطعا لمادة الشبهة وهو قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق.. فَسُبْحانَ مصدر فعل محذوف والفاء للسببية يعنى إذا علمتم انه تعالى خلق الإنسان من نطفة وهو قادر على ان يحيى العظام وانه إذا أراد شيئا انما يقول له كن فيكون فسبحوا سبحان الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ اى الملك بمعنى القدرة زيدت الواو والتاء للمبالغة كُلِّ شَيْءٍ اى تنزيه له عما ضربوا وتعجيب عمّا قالوا فيه معللا بكونه مالكا للملك كله قادرا على كل شىء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) عطف على قوله بيده وفيه وعد للمقرين ووعيد للمنكرين. عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا على موتاكم يس- رواه احمد وابو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم وفى لفظ يس قلب القران لا يقرأها رجل يريد الله والدار الاخرة الا غفر له اقرءوها على موتاكم- وذكره الجزري فى الحصن

الحصين بلفظ يس لا يقرأها رجل يريد الله والدار الاخرة الا غفر له اقرءوها على موتاكم. وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل شىء قلبا وقلب القران يس من قرأ يس «1» كتب الله له بقراءتها قراءة القران عشر مرات- سنده ضعيف رواه الترمذي

_ (1) وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ يس كل ليلة غفر له- رواه البيهقي بسند ضعيف وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرا يس فى ليلة أصبح مغفورا له- رواه ابو نعيم فى الحلية بسند ضعيف وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرا يس مرة فكانّما قرأ القران مرتين- رواه البيهقي بسند ضعيف وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ يس مرة فكانّما قرأ القران عشر مرات- رواه البيهقي بسند ضعيف وعن معقل بن يسار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ يس ابتغاء وجه الله غفر له ما تقدم من ذنبه فاقرءوها عند موتاكم- رواه البيهقي بسند ضعيف واخرج الطبراني من حديث انس من دوام على قراءة يس كل ليلة ثم مات مات شهيدا- واخرج الدارمي والطبراني من حديث ابى هريرة من قرأ يس ابتغاء وجه الله غفر له- اخرج الديلمي وابو الشيخ بن حبان فى فضائله من حديث ابى ذر ما من ميت يموت فيقرا عنده يس الا هوّن الله عليه- واخرج المحاملي فى اماليه من حديث عبد الله بن الزبير من جعل يس امام حاجته قضيت له- وله شاهد مرسل عند الدارمي وفى المستدرك عن ابى جعفر محمد بن على قال من وجد فى قلبه قسوة فليكتب يس فى جام من زعفران ثم يشربه- واخرج ابن الضريس عن سعيد بن جبير انه قرأ على رجل مجنون سورة يس فبرئ- واخرج ايضا عن يحيى بن ابى كثير قال من قرأ يس حين أصبح لم يزل فى فرح حتى يمسى ومن قرأها إذا امسى لم يزل فى فرح حتى يصبح اخبر به من جرّب ذلك. منه قدس الله سره تمّت تفسير سورة يس من التفسير المظهرى (ويتلوه سورة الصافات ان شاء الله تعالى) سلخ ربيع الاول سنة سبع بعد المائتين سنة 1207 هـ والف وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.

سورة والصافات

سورة والصّافّات مكّيّة وهى مائة واثنان وثمانون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) اقسم بالملائكة الذين يصفون فى مقام العبودية كصفوف المصلين عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها فقلنا يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها قال يتمون الصفوف ويتراصون فى الصف- كذا قال ابن عباس والحسن وقتادة وقيل هم الملائكة تصف بأجنحتها فى الهواء واقفة حتى يأمر الله بما يريد وقيل هى الطير قال الله تعالى وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ.... فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) يعنى الملائكة تزجر السحاب وتسوقه وقيل الملائكة تزجر الناس عن المعاصي بإلهام الخير او الشياطين عن التعرض لهم. وقال قتادة هى زواجر القران تنهى وتزجر عن القبيح. فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) هم الملائكة الذين يتلون ذكر الله او آيات من الكتب السماوية على الأنبياء وذكرا منصوب على المفعولية وجاز نصبه على المصدرية من معنى التاليات. او اقسم بنفوس العلماء الصافّين أقدامهم فى الصلاة الزاجرين عن الكفر والسيئات بالحجج والنصيحات التالين آيات ربهم رفيع الدرجات- او بنفوس الغزاة المقاتلين فى سبيل الله صفّا كانّهم بنيان مرصوص الزاجرين الخيل والعدو التالين لذكر الله لا يشغلهم مبارزة العدو عن ذكر الله- والعطف لاختلاف الدوات او الصفات والفاء لترتيب الوجود فان الصف كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر او الاساقة الى الخير والتلاوة افاضة او الرتبة كما فى قوله تعالى ثمّ كان من الّذين أمنوا- ادغم حمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فانها من طرف اللسان واصول الثنايا وابو عمر وعلى أصله فى الإدغام الكبير. جواب القسم. إِنَّ إِلهَكُمْ يا اهل مكة لَواحِدٌ (4) رد لما قال كفار مكة اجعل الالهة الها وّاحد لانّ هذا لشئ عجاب. رَبُّ السَّماواتِ

[سورة الصافات (37) : آية 6]

وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (5) خبر بعد خبر لانّ او خبر مبتدا محذوف اى هو والمراد بالمشارق مشارق الكواكب كلها او مشارق الشمس فى السنة فانها ثلاث مائة وخمس وستون تطلع كل يوم من واحد وبحسبها يختلف المغارب ولذلك اكتفى بذكرها مع ان الشرق أدلّ على القدرة وابلغ فى النعمة.. إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا اى القربى منكم فيه التفات من الغيبة الى التكلم بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (6) قرأ الجمهور بالاضافة وهى بيانية اى بزينة هى الكواكب او اضافة المصدر الى المفعول اى بان زينا الكواكب فانها كما جاءت اسما كالليقة جاء مصدرا كالنسبة او الى الفاعل اى بان زينها الكواكب وقرأ حمزة ويعقوب وحفص «لا بل هو كالجمهور- ابو محمد» بتنوين زينة وجر الكواكب على ابدا لها منه اى بزينة هى الكواكب او بزينة هى لها كاضوائها وأوضاعها قال ابن عباس اى بضوء الكواكب وهذه القراءة يؤيد كون الاضافة فى قراءة الجمهور بيانية وقرأ ابو بكر بتنوين زينة ونصب الكواكب على المفعولية فيؤيد كون الاضافة الى المفعول او منصوب بتقدير اعنى او على البدل من محل زينة. وَحِفْظاً منصوب على المصدرية بإضمار فعله اى وحفظناها حفظا او بالعطف على زينة بحسب المعنى كانّه قال انا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظا اى لاجل الحفظ مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (7) خارج من الطاعة برمى الشهب من الكواكب وهذه الاية تفيد ان الكواكب كلها فى السماء الدنيا وقول البيضاوي ان كون الثوابت فى الكرة الثامنة وما عدا القمر من السيارات فى الست المتوسطة بينها وبين سماء الدنيا ان تحقق لم يقدح فى ذلك فان اهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة متلالية على سطحها الأزرق باشكال مختلفة مبنى على تجويز قول الفلاسفة والحق ان قول الفلاسفة باطل بالكتاب والسنة والإجماع فان كون السماوات سبعا منصوص عليه بالكتاب فلا يجوز القول بالكرة الثامنة وتسميتها باسم غير السماء لا يفيد كتسمية الخمر بغير اسمها لا يفيد الحل وايضا الدّنيا صفة للسماء ومفهوم الصفة يقتضى حصر زينتها فى السماء الدنيا ولولا ذلك الحصر لما وجه لتقييد السماء بالدنيا وايضا قوله تعالى وحفظا من كلّ شيطان مارد يرد القول بكون الكواكب فى سماء غير سماء الدنيا

[سورة الصافات (37) : آية 8]

فان رجم الشيطان ليس الا من السماء الدنيا ولا سبيل للشياطين فوق سماء الدنيا والقول بان الشهاب تخرج من الكواكب الثابتة فى السماء الثامنة نافذة من السماوات السبع الى سارق السمع من الشياطين يأباه العقل والنقل والله اعلم. لا يَسَّمَّعُونَ قرأ حفص وحمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» بتشديد السين والميم أصله يتسمّعون فادغمت التاء فى السين والمعنى يطلبون السماع وفيه مبالغة فى نفى السماع والباقون بسكون السين وتخفيف الميم من المجرد- وهذا كلام مبتدا لبيان حالهم بعد ما حفظ السماء عنهم ولا يجوز جعله صفة لكلّ شيطان فانه يقتضى حفظها من الشياطين الذين لا يسمعون ولا علة للحفظ على حذف اللام كما فى جئتك ان تكرمنى ثم حذف ان واهدار عملها فان اجتماع ذلك منكر إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى متعلق بلا يسمعون بتضمين معنى الاصفاء مبالغة لنفيه وتهويلا لما يمنعهم عنه والمراد بالملا الأعلى الملائكة او اشرافهم مدبرات الأمور وَيُقْذَفُونَ اى يرمون عطف على لا يسمعون مِنْ كُلِّ جانِبٍ (8) اى من آفاق سماء الدنيا بالشهب إذا قصدوا المكث والإصغاء. دُحُوراً مصدر بمعنى الطرد منصوب على المصدرية لان القذف والدحور متقاربان او على الحال بمعنى مدحورين او بنزع الخافض اى بدحور وهو ما يطرد به وَلَهُمْ عَذابٌ اخر واصِبٌ (9) اى دائم او شديد وهو عذاب الاخرة وقال مقاتل لهم عذاب فى الدنيا دائم الى النفخة الاولى يحرقون. إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ استثناء من فاعل لا يسمعون وبدل منه وقيل استثناء منقطع والخطفة الاختلاس يعنى من اختلس كلمة من كلام الملائكة مسارقة ولذلك عرّف الخطفة فَأَتْبَعَهُ اتبع بمعنى تبعه اى لحقه شِهابٌ ثاقِبٌ (10) وهو ما يرى كانّ كوكبا انقض وهو شعلة تخرج من كوكب لرجم مسترقى السمع من الشياطين. وليس كما قالت الفلاسفة انه بخار يصعد الى الأثير ويشتعل فان هذا قول باطل مبنى على الظن والتخمين وانّ الظّنّ لا يغنى من الحقّ شيئا وهذا كقولهم فى المطر انه بخار يصعد من الأرض ويصل الى الطبقة الزمهريرية من الهواء فيجمد ويكون غماما ثم يصل اليه الحرارة من الشمس فيذوب ويقطر ماء وهذه الأقوال الباطلة التي لا دليل عليها يأباه

العقل فان الابخرة قد يصعد كثيرا لاجل شدة الحر ولا يكون مطرا الى سنين وقد يكون امطارا متوالية متكاثرة فى البرد من غير ان يدرك حينئذ صعود الابخرة وايضا لو كان كذلك لذاب فى بعض الأحيان الغمام كله ولم ير ذلك قط وايضا البخارات لا تزال تتصاعد دائما فرؤية الشهاب فى بعض الأحيان لا معنى له- وهذه الأقوال باطلة بالكتاب والسنة قال الله تعالى وأنزلنا من السّماء ماءّ وقال الله تعالى وأنزلنا من السّماء من جبال فيها من برد وهذه الاية وزيّنا السّماء الدّنيا بزينة الكواكب الى قوله شهاب ثاقب وروى البخاري عن قتادة قال خلق الله تعالى هذه النجوم لثلاث جعلها زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى فمن تأول فيها غير ذلك اخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا يعلم- وروى ايضا عن ابى هريرة ان نبى الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا للذى قال الحقّ وهو العلىّ الكبير فسمعها مسترقوا السّمع ومسترقوا السمع هكذا بعضهم فوق بعض (ووصف سفيان بكفه فحركها وبدر بين أصابعه) فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الاخر الى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل ان يلقيها وربما القاها قبل ان يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعها من السماء- وروى مسلم عن ابن عباس ربنا تبارك اسمه إذا قضى امرا سبح حملة العرش ثم سبح اهل السماء الذين يلونهم حتى تبلغ التسبيح اهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربّكم فيخبرونهم ما قال فيستخبر بعض اهل السماوات بعضا حتى تبلغ اهل هذه السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون الى أوليائهم ويرمون فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم تعرفون فيه و «اى يكذبون منه ره» يزيدون- وروى البخاري عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الملائكة تنزل فى العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضى فى السماء فيسترق الشياطين السمع فيستمعه فيوحيه الى الكهان فيكذبون معه مائة كذبة من عند أنفسهم- قال

[سورة الصافات (37) : آية 11]

البيضاوي واختلف فى المرجوم يتاذى فيرجع او يحترق به لكن قد يصيب الصاعد مرة وقد لا يصيب كالموج لراكب السفينة ولهذا لا يرتدعون.. فَاسْتَفْتِهِمْ الضمير المنصوب لمشركى مكة أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً ممن خلقناهم أَمْ مَنْ خَلَقْنا هم أشد خلقا منهم والمراد بمن خلقنا ما سبق ذكره من السماوات والأرض وما بينهما من الخلائق والمشارق والمغارب والكواكب والشهب الثواقب ومن لتغليب العقلاء والاستفهام للتقرير- وقيل المعنى أم من خلقنا من غيرهم من الأمم السالفة كعاد وثمود قد أهلكناهم بذنوبهم فما لكم تأمنون من العذاب والتأويل الاول يوافق قوله تعالىء أنتم «1» أشدّ خلقا أم السّماء ويدل على إطلاقه قوله تعالى إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) اى لاصق يتعلق باليد وقال مجاهد والضحاك اى منتن فانه فارق بين خلقهم وخلق السماوات والأرض فان خلقها بلا مادة سبق وهذه الجملة متضمنة للسوال المذكور على طريقة عن النّبإ العظيم بعد قوله عمّ يتسآءلون والغرض من هذا الكلام الرد على منكر البعث فانه شهادة عليهم بالضعف لان ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة فمن قدر على خلق السماوات وغيرها قادر البتة على ما لا يعتد به بالاضافة إليها واحتجاج عليهم بان خلقهم الاول من الطين اللازب فمن اين ينكرون ان يخلقوا ثانيا من تراب حيث قالوا أإذا كنّا ترابا أإنّا لفى خلق جديد وان الطين اللازب يحصل بضم الجزء المائى الى الجزء الأرضي وهما باقيان قابلان للانضمام والفاعل لا تغير فى قدرته فعلى ما ينكرون.. بَلْ ابتدائية للانتقال من غرض الى اخر وهو الاخبار بحاله وحالهم وليست للاضراب عَجِبْتَ العجب حالة يعترى للانسان عند رؤية امر لم يعهد مثله فيعبر عن تلك الحالة بقوله عجبت وبصيغة التعجب منه قوله صلى الله عليه وسلم عجب ربك من قوم يساقون الى الجنة فى السلاسل- وقوله سبحانه ما أعظم شأنه ويطلق ايضا على الشيء الذي لم يعهد

_ (1) وفى الأصل أهم أشدّ 12

مثله انه عجب قال الله تعالى أكان للنّاس عجبا ان أوحينا الى رجل منهم وكثيرا يستعمل العجب فيما يراه الرجل حسنا غاية الحسن يقال أعجبني كذا ومنه قوله تعالى ومن النّاس من يعجبك قوله وقوله عليه السلام عجب ربكم من شابّ ليست له صبوة وقوله صلى الله عليه وسلم عجب ربكم من الكم وقنوطكم وقد يستعمل فيما يراه قبيحا غاية القبح يقال عجبت من بخلك وشرهك وقال الشاعر شيئان عجيبان هما أبرد من يخ شيخ يتصبى وصبى يتشيخ- وفيما يراه كثيرا غاية الكثرة يقال ما أكرمه وما أطفاه وما أشد استخراجه وما أجهله وما اشر بياضه فالمعنى ان هذا الشيء بهذا الحسن او بهذا القبح او بهذا الكرام او الجهل او البياض لم يعهد مثله- وقيل هى حالة يعرض للانسان عند الجهل بسبب الشيء وبناء على ذلك قالوا لا يصح على الله العجب لاحاطة علمه بكل شىء وقيل هى حالة يعترى للانسان عند استعظامه الشيء والصحيح ان مال هذين التفسيرين الى ما ذكرنا لان الإنسان يستعظم ما لم يعهد مثله وكذا ما يجهل بسببه يراه غير معهود مثله فلا حاجة الى الصرف عن الظاهر فى قراءة حمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» عجبت بضم التاء على صيغة المتكلم رنال البيضاوي العجب من الله اما على الفرض والتخييل او على معنى الاستعظام اللازم وقيل انه مقدر بالقول يعنى قل يا محمد بل عجبت وقال البغوي والعجب من الله إنكاره وتعظيمه والعجب من الله قد يكون بمعنى الإنكار والذم كما فى هذه الاية وقد يكون بمعنى الاستحسان كما فى الحديث عجب ربكم من شابّ ليست له صبوة- وسئل جنيد عن هذه الاية فقال ان الله ما يعجب من شىء ولكن الله وافق رسوله فقال وان تعجب فعجب قولهم اى هو كما تقوله- وقرأ الجمهور على صيغة المخاطب بفتح التاء يعنى عجبت أنت يا محمد من تكذيبهم إياك مع اعترافهم بكونك أمينا صدوقا وشهادة المعجزات على صدقك وكون القرآن معجزا او عجبت من انكارهم قدرة الله على البعث مع ظهور قدرته تعالى على كل شىء فان هذا الأمر لم يعهد مثله قال قتادة عجب نبى الله صلى الله عليه وسلم من هذا القران حين انزل وضلال بنى آدم بعده وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يظن ان من سمع لهذا القران يؤمن به فلمّا سمع المشركون وسخروا منه ولم يؤمنوا به عجب

[سورة الصافات (37) : آية 13]

من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى بل عجبت يا محمد وَيَسْخَرُونَ (12) حال من فاعل عجبت بتقدير المبتدا يعنى وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث. وَإِذا ذُكِّرُوا اى وعظوا بالقران لا يَذْكُرُونَ (13) لا يتعظون او المعنى إذا ذكرهم ما يدل على صحة الحشر لا ينتفعون به لبلادتهم وقلة فكرتهم. وَإِذا رَأَوْا آيَةً معجزة تدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس ومقاتل هو انشقاق القمر يَسْتَسْخِرُونَ (14) يبالغون فى السخرية او يستدعى بعضهم بعضا ان يسخر منها. وَقالُوا اى ويقولون إِنْ هذا يعنون ما يرونه من المعجزة إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) ظاهر سحريته وقالوا. أَإِذا مِتْنا قرأ نافع وحمزة والكسائي بكسر «1» الميم وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أصله أنبعث إذا متنا فبدل الفعلية بالاسمية وقدم الظرف وكرر الهمزة مبالغة في الإنكار واشعارا بان البعث مستنكر فى نفسه وفى هذا الحال اولى بالإنكار فهذا ابلغ من قراءة ابن عامر بطرح الهمزة الاولى وقراءة نافع والكسائي ويعقوب «وابى جعفر- ابو محمد» بطرح الثانية. أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) عطف على محل اسم ان بعد مضى الخبر او على الضمير فى مبعوثون فانه مفصول عنه بهمزة الاستفهام والاستفهام لانكار الجمع بين بعثهم وبعث ابائهم لزيادة الاستبعاد لبعد زمانهم- وسكن نافع «اى قالون عنه والاصبهانى عن ورش وابو جعفر وابو محمد» وابن عامر الواو على معنى الترديد وعلى هذه «2» القراءة لا يجوز العطف قل يا محمد. نَعَمْ تبعثون أنتم وآباؤكم قرأ الكسائي بالكسر وهو لغة فيه وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (18) الدخور أشد الصغار حال من فاعل المقدر. فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ جواب شرط مقدر يعنى إذا كانت البعث فانّما هى اى البعثة وقيل هى ضمير مبهم موضحها خبرها يعنى زجرة واحِدَةٌ اى صيحة واحدة اى نفخة الثانية والزجر الطرد والمنع بالصوت يقال زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها وأمرها فى الاعادة كما امر فى الإبداء ولذلك

_ (1) هذا هو الصحيح وهكذا فى الأصل فى المتن لكن كتبه على الحاشية بالضم. وهو وهم كما «وبال عمران فى ص 161 ابو محمد (2) وفى الأصل هذا القراءة

[سورة الصافات (37) : آية 20]

رتب عليها فَإِذا هُمْ قيام من مراقدهم احياء يَنْظُرُونَ (19) عطف على فانّما هى زجرة يعنى انما البعثة زجرة ففاجت وقت كونهم احياء ينظرون اى يبصرون او ينتظرون ما يفعل بهم. وَقالُوا يا للتنبيه وَيْلَنا اى هلاكنا مصدر لا فعل له من لفظه وجملة قالوا عطف على ينظرون ويقولون يا ويلنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (20) اى يوم نجازى فيه بأعمالنا. هذا يَوْمُ الْفَصْلِ اى يوم القضاء او الفرق بين المحسن والمسيء الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) قيل هذا جواب الملائكة وقد تم كلامهم على يوم الدّين وقيل هذا ايضا من كلامهم بعضهم لبعض- فحينئذ يقول الله سبحانه للملائكة. احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا يعنى أشركوا فانّ الشّرك لظلم عظيم يعنى اجمعوهم الى الموقف للحساب والجزاء وَأَزْواجَهُمْ يعنى نظراءهم وأشياعهم واتباعهم اخرج البيهقي من طريق النعمان بن بشير قال سمعت عمر بن الخطاب يقول احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم يعنى ضرباءهم الذين هم مثلهم يجيئ اصحاب الربوا مع اصحاب الربوا واصحاب الزنى مع اصحاب الزنى واصحاب الخمر مع اصحاب الخمر ازواج فى الجنة وازواج فى النار- واخرج البيهقي عن ابن عباس يعنى أشباههم- وقال البغوي قال قتادة والكلبي يعنى من عمل مثل عملهم فاهل الخمر مع اهل الخمر واهل الربوا مع اهل الربوا وقال الضحاك قرناؤهم من الشياطين كل كافر مع شيطانه فى سلسلة وقال الحسن أزواجهم من المشركات وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فى الدنيا يعنى الأوثان والطواغيت وقال مقاتل يعنى إبليس واحتج بقوله ان لا تعبدوا الشّيطان واللفظ مخصوص بقوله تعالى انّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون. فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) قال ابن عباس دلوهم الى طريق النار وقال ابن كيسان قدموهم الى النار والعرب يسمى السائق هاديا. وَقِفُوهُمْ اى احبسوهم قال المفسرون لمّا سيقوا الى النار حبسوا عند الصراط فيقول الله تعالى قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24) تعليل بقفوا قال ابن عباس يسئلون عن جميع أفعالهم وأقوالهم وروى عنه عن لا اله الا الله اخرج

[سورة الصافات (37) : آية 25]

مسلم عن ابى برزة الأسلمي رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزول قد ما عبد عن الصراط حتى يسئل عن اربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وعن ماله من اين اكتسبه وفيم أنفقه. واخرج الترمذي وابن مردوية مثله عن ابن مسعود واخرج الطبراني مثله عن معاذ بن جبل وابى الدرداء وابن عباس واخرج ابن المبارك فى الزهد عن ابى الدرداء قال ان أخوف ما أخاف إذا وقعت الحساب ان يقال لى قد علمت فما عملت واخرج احمد فى الزهد عنه قال أول ما يسئل عنه العبد يوم القيامة يقال ما عملت فيما علمت واخرج ابن ابى حاتم عن ابقع بن عبد الله الكلاعى قال ان لجهنم سبع قناطير والصراط عليها فيحبس الخلائق عند القنطرة الاولى فيقولون قفوهم انّهم مسئولون فيحاسبون عن الصلاة ويسئلون منها فيهلك فيها من هلك وينجو من نجا فاذا بلغوا الثانية حوسبوا عن الامانة كيف أدوها وكيف خانوها فيهلك من هلك وينجو من نجا فاذا بلغوا القنطرة الثالثة سئلوا عن الرحم كيف وصلوها وكيف قطعوها فيهلك من هلك وينجو من نجا قال والرحم يومئذ متدلية الى الهواء يقول اللهم من وصلني فصله ومن قطعنى فاقطعه. ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) اى يقال لهم توبيخا ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا تحريض على التناصر والغرض منه التهكم والتعجيز. بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) قال ابن عباس اى خاضعون وقال الحسن منقادون يقال استسلم لشئ إذا انقاده وخضع-. وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يعنى الرؤساء والاتباع او الكفرة والقرناء يَتَساءَلُونَ (27) حال من الفاعل والمفعول يعنى يسئل بعضهم بعضا توبيخا ولذلك فسر بقوله يتلاومون ويتخاصمون. قالُوا اى يقول الاتباع للرؤساء او الكفرة للقرناء إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28) اى عن أقوى الوجوه وأيمنها او عن الدين او عن الخير كذا قال الضحاك ومجاهد مستعار عن يمين الإنسان الذي هو أقوى الجانبين وأشرفهما وأنفعهما ولذلك سمى يمينا- وقال بعضهم المراد باليمين الحلف يعنى كنتم تحلفون ان ما تدعوننا اليه من الدين هو الحق- وقيل معناه القوة

[سورة الصافات (37) : آية 29]

والقهر يعنى كنتم تكرهوننا وتقسروننا على الضلال هذه الجملة وما بعدها بيان للتساؤل. قالُوا اى يقول الرؤساء او الشياطين ما اضللناكم بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) يعنى كنتم كافرين ضآلين باختياركم. وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ من قهر وغلبة تقرير لما سبق بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30) اى مختارين الطغيان. فَحَقَّ اى وجب عَلَيْنا عطف على محذوف مفهوم ممّا سبق تقديره كنتم قوما طاغين كما كنا طاغين فحقّ علينا جميعا قَوْلُ رَبِّنا لاملانّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين إِنَّا لَذائِقُونَ (31) العذاب. فَأَغْوَيْناكُمْ اضللناكم عن الهدى ودعوناكم الى ما كنا عليه عطف على فحقّ علينا إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (32) ضالين يعنون ان ضلال الفريقين ووقوعهم فى العذاب كان امرا مقضيا علينا وانه غاية ما فعلنا بكم انا دعونا الى الغيّ لانا كنا على الغى فاحببنا ان تكونوا مثلنا قال الله تعالى. فَإِنَّهُمْ الفا للسببية يعنى لمّا كان كلهم من الرؤساء والاتباع والكفرة والقرناء على الغى فهم يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذلِكَ انا مبتدا والجملة خبر وكذلك فى محل النصب على المصدرية اى فعلا مثل ما نفعل بهؤلاء نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) اى بكل مشرك والمجرم هو المشرك لقوله تعالى. إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ عطف على يستكبرون أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) يعنون النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ردّا عليهم. بَلْ جاءَ النبي صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ اى التوحيد الذي قام عليه البرهان وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) يعنى ليس هذا دعوى مبتدعا بل ادعاه الأولون من الرسل وهذا يصدقهم ويطابق دعواه دعواهم. إِنَّكُمْ ايها المجرمون فيه التفات من الغيبة الى الخطاب لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (38) بالإشراف وتكذيب المرسلين. وَما تُجْزَوْنَ جزاء إِلَّا جزاء ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) فى الدنيا من الشرك. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) الموحدين استثناء منقطع الا ان يكون الضمير

[سورة الصافات (37) : آية 41]

فى تجزون لجميع المكلفين فيكون استثناؤهم عما سبق باعتبار المماثلة فان ثوابهم يضاعف الى سبع مائة ضعف الى ما شاء الله والمنقطع ايضا بهذا الاعتبار. أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) خصائصه من الدوام وتمحض اللذة ولذلك فسره بقوله. فَواكِهُ جمع فاكهة بدل او بيان للرزق وهى ما يقصد به التلذذ دون التغذي والقوت ما يقصد به التغذي دون التلذذ والرزق يعمهما واهل الجنة لمّا كان خلقهم محفوظة عن التحلل كان أرزاقهم فواكه خالصة وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فى نيله يصل إليهم من غير تعب وسوال بخلاف أرزاق الدنيا الجملة عطف على الجملة او حال او خبر بعد خبر. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) متعلق بالظرف المستقر يعنى لهم رزق معلوم فى جنت ليس فيها الا النعيم او متعلق بمكرمون او حال من المستكن فيه او خبر اخر لاولئك. عَلى سُرُرٍ يحتمل الحال والخبر فيكون مُتَقابِلِينَ (44) حالا من المستكن فيه او فى مكرمون ويحتمل ان يتعلق على سرر بمتقابلين فيكون متقابلين حالا من ضمير مكرمون. يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ اى باناء فيه خمر او خمر كقول الشاعر وكأس شربت على لذة. وعن الأخفش كل كأس فى القرآن فهى الخمر والجملة حال او خبر مِنْ مَعِينٍ (45) اى خمر جارية فى الأنهار ظاهرة تراها العيون او خارج من العيون وهو صفة الماء من عان الماء إذا نبع وصف به خمر الجنة لانها تجرى كالماء او للاشعار بان ما يكون لهم بمنزلة الشراب جامع لما يطلب من انواع الاشربة لكمال اللذة. بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) بخلاف خمر الدنيا فانها كريهة عند الشرب وبيضاء ولذّة صفتان لكأس قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن ووصفها بلذة للمبالغة او لانها تأنيث لذ بمعنى لذيذ كطب ووزنه فعل-. لا فِيها غَوْلٌ اى غائلة من غاله يغوله إذا أفسده ومنه الغول يعنى ليس فيها شىء من انواع الفساد كما فى خمر الدنيا من المفاسد من ذهاب العقل ووجع البطن والصداع والقيء والبول وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (47) قرأ حمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» بكسر الزاء من الانزاف ووافقها حفص فى الواقعة والباقون بفتح الزاء فيهما ولا خلاف

[سورة الصافات (37) : آية 48]

فى ضم الياء يقال نزف الشارب على البناء للمفعول فهو نزيف ومنزوف إذا ذهب عقله وانزف الشارب إذا نفد عقله او شرابه وأصله النفاد ونزف لازم ومتعد كذا فى القاموس وانزفت والشيء ابلغ من نزفته وأفرد النزف بالنفي وعطف على ما يعمه لانه من أعظم فساده ذهاب عقله وأشد على الشارب نفاد شرابه. وَعِنْدَهُمْ عطف او حال قاصِراتُ الطَّرْفِ اى ازواج قصرن عيونهن على أزواجهن لا ينظرن الى غيرهم لحسنهم عندهن عِينٌ (40) خبر مبتدا محذوف اى هن عين اى حسان الأعين يقال رجل أعين وامراة عيناء ورجال ونساء عين. كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ للنعام اخرج ابن جرير عن أم سلمة عنه صلى الله عليه وسلم العين الضخام العيون شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر وعنه صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى كانّهنّ بيض مكنون قال رقتهن كرقة الجلدة فى داخل البيضة التي على القشر مَكْنُونٌ (49) بريشه لا يصل اليه غبار والبيض جمع بيضة لعوده على لفظه قال الحسن شبههن ببيض النعامة لانها تكفها بريشها من الريح والغبار فلونها ابيض فى صفرة ويقال هذا احسن ألوان النساء ان يكون بيضاء بصفرة والعرب تشبهها ببيض النعامة-. فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ اى بعض اهل الجنة عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (50) عما مضى عليه فى الدنيا حال والجملة معطوفة على يطاف عليهم اى يشربون فيتحادثون على الشراب قال الشاعر وما بقيت من اللذات الا أحاديث الكرام على المدام. فانه ألذ تلك اللذات الى العقل والتعبير بالماضي للتأكيد. قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ اى من اهل الجنة بيان للتساؤل إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (51) فى الدنيا ينكر البعث قال مجاهد كان شيطانا وقال الآخرون كان من الانس وقال مقاتل كانا أخوين وقال الباقون كانا شريكين أحدهما كافر اسمه مطروس والاخر مؤمن اسمه يهودا وهما الذان قص الله خبرهما فى سورة الكهف واضرب لهم مثل الرجلين. يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) البعث استفهام للتوبيخ. أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) مجزيون بعد البعث كرر الاستفهام لغاية الاستبعاد والإنكار. قالَ

[سورة الصافات (37) : آية 55]

ذلك القائل هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) اى اهل النار لاراكم ذلك القرين وقيل القائل هو الله او بعض الملائكة يقول لهم هل تحبون ان تطلعوا على اهل النار لاراكم ذلك القرين ولتعلموا اين منزلتكم من منزلتهم قال ابن عباس ان فى الجنة كوى ينظر أهلها منها الى النار. فَاطَّلَعَ هذا المؤمن على اهل النار فَرَآهُ اى قرينه فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (55) اى وسطه يسمى وسط الشيء سواء لاستواء الجوانب منه اخرج هنا وعن ابن مسعود فى الاية قال فاطّلع ثم التفت الى أصحابه فقال رايت جماجم القوم تغلى «الجمجمة كاسه سر- منه ره» . قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) قرأ يعقوب بإثبات الياء فى الحالين وورش وصلا فقط والباقون بحذفها فى الحالين يعنى كدتّ لتهلكنى بالإغواء ان مخففة من الثقيلة واللام فارقة. وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي بالهداية والعصمة لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) معك فى النار. أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى يعنى لسنا ممن شأنه الموت الا التي كانت فى الدنيا فالمستثنى مفرغ منصوب على المصدرية من اسم الفاعل او المعنى فما نحن نموت ابدا الا التي كانت فى الدنيا فالاستثناء منقطع والفاء للعطف على محذوف تقديره أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين والاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب على اقرار ما كان ينكره فى الدنيا بقوله اإنّا لمدينون وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) وذلك تمام كلامه لقرينه تقريعا له وجاز ان يكون هذا معاودة الى كلامه مع جلسائه تحدثا بنعمة الله وتعجبا منها وتعريضا للقرين بالتوبيخ وقال بعضهم يقول اهل الجنة للملائكة حين تذبح الموت استبشارا وتبجحا أفما نحن بميّتين فيقول الملائكة لا فيقولون. إِنَّ هذا الخلود فى النعيم لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) ويحتمل ان يكون هذا من كلام الله كقوله تعالى. لِمِثْلِ هذا المنزل او لمثل هذا النعيم لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام سريعة الزوال فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (61) . أَذلِكَ الذي ذكر لاهل الجنة خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) التي هى نزل اهل النار وهى شجرة مرة خبيثة كريهة الطعم يكره اهل النار على تناولها يزقّمونه على أشد كراهية ومنه قولهم تزقّم الطعام إذا تناوله على كره ومشقة وانتصاب نزلا على التميز

[سورة الصافات (37) : آية 63]

والحال وفى ذكره دلالة على ان ما ذكر من النعيم لاهل الجنة بمنزلة ما يقدم للنازل ولهم ما وراء ذلك ما يقصر عنه الافهام وكذلك الزقوم لاهل النار اخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن ابى حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقي عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو ان قطرة من الزقوم قطرت فى بحار الدنيا لافسدت على اهل الأرض معاشهم فكيف من يكون طعامه- واخرج عبد الله بن احمد فى زوائد الزهد وابو نعيم عن ابى عمران الخولاني فى شجرة الزقوم قال بلغنا ان ابن آدم لا ينهش منها نهشة الا نهشت منه مثلها. إِنَّا جَعَلْناها اى شجرة الزقوم فِتْنَةً اى محنة وعذابا فى الاخرة او ابتلاء فى الدنيا لِلظَّالِمِينَ (63) اى الكافرين كانوا يقولون كيف يكون فى النار شجرة والنار تحرق الشجر وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش ان محمدا يخوفنا بالزقوم والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر فادخله ابو جهل فى بيته وقال يا جارية زقّمينا فاتتهم بالزبد والتمر فقال تزقموا هذا ما يوعدكم به محمد واخرج ابن جرير عن قتادة قال قال ابو جهل زعم صاحبكم هذا ان فى النار شجرة والنار تأكل الشجر وانّا والله ما نعلم الزقوم الا التمر والزبد فانزل الله حين عجبوا ان يكون فى النار شجرة. إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) اى قعر النار واخرج نحوه عن السدى قال الحسن أصلها فى قعر جهنم وأغصانها ترفع الى دركاتها. طَلْعُها اى ثمرها سمى طلعا لطلوعه كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (65) قال ابن عباس هم الشياطين بأعيانهم شبّه بها لقبحه فان الناس إذا وضعوا شيئا بغاية القبح قالوا كانه شيطان وان كانت الشياطين لا ترى لان قبح صورتها يتصور فى النفس وقال بعضهم الشياطين حيات هائلة قبيحة المنظر لها اعراف ولعلها سميت بها لذلك وقيل هى شجرة قبيحة مرة منتنة تكون فى البوادي تسميها العرب رؤس الشياطين. فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها اى من الشجرة او من طلعها الفاء للسببية تعليل لكونه فتنة فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) لغلبة الجوع او الإكراه على أكلها والملأ حشو الإناء بما لا يحتمل المزيد عليه. ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها اى على أكلها بعد ما ملئوا بطونهم وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم ويجوز ان يكون ثم لما فى شرابهم من مزيد الكراهة لَشَوْباً خلطا ومزجا مِنْ حَمِيمٍ (67) متعلق

[سورة الصافات (37) : آية 68]

بشوبا وحميم ماء حار شديدة الحرارة يعنى يشربون الحميم فيصير فى بطونهم شوبا له. ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) قال البغوي وذلك انهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج من الجحيم كما يورد الإبل الى الماء ثم يردّون الى الجحيم يدل عليه قوله تعالى يطوفون بينها وبين حميم ان وقرأ ابن مسعود انّ مقيلهم لالى الجحيم-. إِنَّهُمْ أَلْفَوْا اى وجدوا آباءَهُمْ ضالِّينَ (69) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) اى يسرعون الجملة فى مقام التعليل اى استحقوا تلك الشدائد تقليدا للاباء فى الضلال مسرعين من غير نظر وبحث. وَلَقَدْ ضَلَّ عطف على انّهم الفوا قَبْلَهُمْ اى قبل مشركى مكة أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) من الأمم الخالية. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) اى أنبياء انذروهم من العواقب. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) الاستفهام للتعجب والاستعظام والجملة الاستفهامية بتأويل المفرد مفعول لانظر والغرض منه التحقيق اى كان عاقبتهم العذاب فى الدنيا والاخرة. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) استثناء من مضمون الجملة السابقة اى الا الذين تنبهوا بانذارهم فاخلصوا دينهم لله فانهم نجوا من العذاب وقرئ بالفتح اى الذين أخلصهم لدينه- والخطاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمقصود خطاب قومه فانهم ايضا سمعوا اخبارهم وراوا اثارهم- ثم شرع فى تفصيل القصص بعد اجمالها فقال. وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ عطف على قوله ولقد أرسلنا فيهم منذرين من قبيل ذكر الخاص بعد العام يعنى ولقد ضلّ قبلهم قوم نوح فارسلنا فيهم نوحا منذرا فدعاهم الى الإسلام فلم يؤمنوا حتى ايئس من إسلامهم واوحى اليه انّه لن يؤمن من قومك الّا من قدا من فنادانا اى دعانا باهلاك قومه فاجبناه احسن الاجابة فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) اى فو الله لنعم المجيبون نحن فحذف ما حذف لقيام ما يدل عليه. وَنَجَّيْناهُ عطف على فاجبناه المقدر وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) اى من أذى قومه. وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) يعنى لم يبق لاحد من قومه ذرية الا لنوح اخرج الترمذي وغيره عن سمرة

[سورة الصافات (37) : آية 78]

عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله وجعلنا ذرّيّته هم الباقين قال حام وسام ويافث. واخرج من وجه اخر قال سام ابو العرب وحام ابو الحبش ويافث ابو الروم- روى الضحاك عن ابن عباس انّه لمّا خرج نوح من السفينة مات كل من كان معه من الرجال والنساء الا ولده «1» ونساؤهم- الظاهر من قصة نوح فى القران انه غرق فى الطوفان كل من كان فى الأرض الا من أمن بنوح وركب السفينة ثم لم يبق لاحد ذرية الا لنوح متناسلين الى يوم القيامة قال سعيد بن المسيب كان ولد نوح ثلاثة سام وحام ويافث فسام ابو العرب والروم والفارس وحام ابو السودان ويافث ابو الترك والخوز ويأجوج وماجوج وما هنالك يعنى وما فى بلاد الشرق من الهند وغير ذلك. قلت وعندى ان نوحا لم يكن مبعوثا الى كافة الناس فان الإرسال الى الناس كافة كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم بل كان مبعوثا الى قومه خاصة فلم يؤمنوا فدعا عليهم فاهلكوا بالطوفان والمراد بالأرض فى قوله تعالى ربّ لا تذر على الأرض من الكفرين ديّارا ارضه المعهود فعلى هذا الحصر فى هذه الاية إضافي يعنى جعلنا ذرّيته هم الباقين من قومه. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) من الأمم هذا الكلام. سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) جيء به على الحكاية والمعنى يسلمون عليه تسليما ويقولون هذا القول وقيل هو سلام من الله ومفعول تركنا محذوف تقديره تركنا عليه الثناء والذكر الجميل وفى العالمين متعلق بالظرف المستقر اى عليه. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) يعنى انا نجزى كل محسن جزاء كذلك الجزاء او الذي جزينا نوحا بإبقاء الذكر الجميل والسلام قولا من ربّ العلمين. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) يعنى انما جزيناه ذلك الجزاء بايمانه وإحسانه وفيه بشارة للمحسنين من امة محمد صلى عليه وسلم. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) يعنى غير المحسنين من قومه عطف على نجّينا-

_ (1) قلت الظاهر عندى ان كل من كان فى السفينة كانوا من ذرية نوح عليه السلام عن أولاد سام او حام او يافث فان لبثه فى قومه الف سنة الّا خمسين عامّا يقتضى ان يكون أولاده فى هذه المدة الطويلة كثيرة جدّا فلم يؤمن حام الأشر ذمة قليلة وهم ركبوا السفينة- منه نور الله مرقده .

[سورة الصافات (37) : آية 83]

وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ عطف على قوله انّه من عبادنا المؤمنين يعنى ممن شايعة فى الايمان واصول الدين او فى الفروع ايضا جميعها او أكثرها لَإِبْراهِيمَ (83) وكان بين نوح وابراهيم الفان وست مائة وأربعون سنة وكان بينهما هود وصالح عليهم السلام. إِذْ جاءَ رَبَّهُ يعنى توجه اليه والظرف متعلق بما فى الشيعة من معنى المشائعة يعنى تابعه وقت مجيئه او بمحذوف وهو اذكر بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (83) من الاشتغال بغير الله تعالى خاليا عن الغير وحبه كما يدل عليه قصة ذبح ابنه لامتثال امر ربه. إِذْ قالَ بدل من إذ السابقة او ظرف لجاء او لسليم لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) استفهام توبيخ على عبادة الحجارة. أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) هذا الاستفهام ايضا توبيخ بعد توبيخ الهة مفعول به لتريدون ودون الله صفة لالهة وإفكا مفعول له قدم المفعول على الفعل للعناية وقدم عليه المفعول له لان الأهم ان يقرر ان مبنى أمرهم على الافك والباطل وجاز ان يكون إفكا مفعولا به والهة بدل منه على انها افك فى أنفسها مبالغة وان يكون إفكا حالا بمعنى افكين. فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) اى بمن هو حقيق لكونه ربّا للعالمين حتى تركتم عبادته او أشركتم به غيره ءامنتم من عذابه والمعنى انكار ما يوجب الظن فضلا عن موجب القطع الذي يصد عن عبادته او يجوّز الإشراك به او يقضى الامن من عقابه على طريقة الإكرام وهو كالحجة على ما قبله.. فَنَظَرَ عطف على قال نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) اى فى مواقعها واتصالاتها او فى علمها او فى كتابها وهذا يدل على ان النظر فى علم النجوم وتعليمه وتعلمه كان جائزا فى شريعته لكن صار منسوخا فى شريعتنا حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد- رواه احمد وابو داود وابن ماجة من حديث ابن عباس ورواه رزين وزاد المنجم كاهن والكاهن ساحر والساحر كافر والمعنى ان ثلاثتهم فى الكفر بمنزلة واحدة ويمكن ان يقال انما يحرم النظر فى علم النجوم إذا أسند الحوادث الى الكواكب واما إذا أسندها الى الله سبحانه وجعل اتصالات النجوم علامات حسب جرى عادة الله على خلق بعض الأشياء عند تلك الاتصالات كما ان الله تعالى يخلق الشفاء غالبا عند شرب الدواء

ويخلق الموت عند شرب السم ويخلق افعال العباد عند القصد المصمم منهم فلا بأس به- ولعل النبي صلى الله عليه وسلم انما نهى عن اقتباس علم النجوم لئلّا يسند الناس الحوادث الى الكواكب عن زيد بن خالد الجهني قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية على اثر سماء كانت من الليل فلمّا انصرف اقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال قال أصبح من عبادى مؤمن بي وكافر بي فامّا من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنؤ كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب- متفق عليه وعن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما انزل الله من السماء من بركة الا أصبح فريق من الناس بها كافرين ينزّل الغيث فيقولون بكوكب كذا وكذا- رواه مسلم وقد ذكر الامام محمد الغزالي رحمه الله فى كتابه المنقذ من الضلال ان علم الطب والنجوم انزلهما الله تعالى على بعض الأنبياء ثم بقي العلمان بايد الكفرة- ويدل على إفادة علم النجوم علما ظنيا (مثل الطب) اخبار المنجمين فرعون بولادة موسى وزوال ملكه على يديه- وروى البخاري فى الصحيح بسنده عن الزهري انه كان ابن الناطور (صاحب ايليا وهرقل) اسقفا على نصارى الشام «اسقف رئيس دين النصارى وعالمهم- منه ره» يحدث ان هرقل لما قدم ايليا أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته «هم خواص دولة الروم- منه ره» قد استنكرنا هيئتك (قال ابن الناطور وكان هرقل حزّاء «اى كاهنا- منه» ينظر «1» فى النجوم) فقال لهم حين سالوه انى رايت الليلة حين نظرت فى النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الامة قالوا ليس يختتن الا اليهود فلا يهمنك شأنهم واكتب الى مدائن ملكك فليقتل من فيهم من اليهود فبينما هم على أمرهم اتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان بخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا استخبره هرقل قال اذهبوا فانظروا امختتن هو أم لا فنظروا اليه فحدثوه انه مختتن وساله عن العرب فقال هم يختتنون فقال هرقل ملك هذه الامة قد ظهر ثم كتب هرقل الى صاحب له برويته

_ (1) ينظر فى النجوم ان جعل خبرا ثانيا فلا بعد لانه كان ينظر فى الامرين. وان جعل تفسيرا للاول فالكهانة تارة يستند الى إلقاء الشياطين وتارة يستفاد من احكام النجوم 12 فتح الباري منه رحمه الله-[.....]

[سورة الصافات (37) : آية 89]

وكان نظيره فى العلم وسار هرقل الى حمص فلم يرم بحمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأى هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وانه نبى. قال الشيخ ابن حجر رواية الزهري موصولة لابن الناطور لا معلقة قد بين ابو نعيم فى دلائل النبوة ان الزهري قال لقيت ابن الناطور بدمشق فى زمن عبد الملك بن مروان وأظنه لم يتحمل عنه ذلك الا بعد ان اسلم فان هذا الحديث وأمثاله يدل على إفادة علم النجوم نوعا من العلم لكن لما كان الاشتغال به موجبا لما ذكرنا من المفسدة وهو اسناد الحوادث الى الكواكب وكان اشتغاله اضاعة للاوقات لكونها غير نافعة فى الدين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاشتغال به والظاهران الاشتغال بعلم النجوم كان جائزا فى دين عيسى عليه السلام والا لم يشتغل به علماء النصارى والله اعلم. ومن زعم ان علم النجوم باطل لا اصل له قال ان هذا القول من ابراهيم كان إيهاما منه قال ابن عباس كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروها عليه. وذلك انه أراد ان يكايدهم فى أصنامهم ليلزم الحجة عليهم فى انها غير مستحقة للعبادة وكان لهم من الغد عيد ومجمع فكانوا يدخلون على أصنامهم ويفرشون لهم الفراش ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم الى عيدهم زعموا التبرك عليه فاذا انصرفوا من عيدهم أكلوه وقالوا لابراهيم تخرج غدا هنا الى عيدنا فنظر نظرة فى النّجوم. فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) قال ابن عباس اى مطعون وكانوا يفرون من الطاعون وقال الحسن اى مريض وقال مقاتل وجع فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذب ابراهيم الا ثلاث كذبات ثنتين منه فى ذات الله قوله انّى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا الحديث. وذكر الثالث قوله لسارة أختي وقد مر الحديث فى سورة الأنبياء والمراد بالكذبات التعريضات والتّورية قال الضحاك معناه ساسقم وقيل تأويله ان من فى عنقه الموت سقيم ومنه ما قيل ان رجلا مات فجاءة فقالوا مات وهو صحيح فقال أعرابي اصحيح من الموت فى عنقه وقيل أراد إنى سقيم النفس لكفركم وقد ذكرنا تأويلات قوله بل فعله كبيرهم فى سورة الأنبياء. فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)

[سورة الصافات (37) : آية 91]

الى عيدهم فدخل ابراهيم على الأصنام فكسرها كما قال الله تعالى. فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ اى دخل عليها خفية من روغه الثعلب وأصله الميل بحيلة قال البغوي لا يقال راغ حتى يكون صاحبه مخفيا لذهابه ومجيئه فَقالَ ابراهيم استهزاء أَلا تَأْكُلُونَ (91) الطعام الذي بين ايديكم. ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) بجوابى حال والعامل فيه معنى الفعل فى ما لكم اى ما تصنعون حال كونكم غير ناطقين. فَراغَ عَلَيْهِمْ اى مال عليهم مستخفيّا والتعدية بعلى للاستعلاء ولان المراد الميل المكروه ضَرْباً منصوب على المصدرية لان فى راغ معنى ضرب او بفعل محذوف اى فضرب ضربا بِالْيَمِينِ (93) اى بيد اليمنى لانه أقوى من اليسار وقيل أراد به القسم الذي سبق منه وهو قوله تالله لاكيدنّ أصنامكم بعد ان تولّوا مدبرين-. فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يعنى اقبل قوم ابراهيم اليه بعد ما رجعوا وراوا أصنامهم مكسورة وسالوا عن كاسرها بقولهم من فعل هذا بآلهتنا انّه لمن الظّالمين وظنوا انه هو حيث قالوا سمعنا فتى يّذكرهم يقال له ابراهيم يَزِفُّونَ (94) قرأ الأعمش وحمزة بضم الياء والباقون بفتحها قيل هما لغتان والمعنى يسرعون وقيل معنى يزفّون بالضم يحملون على الزفيف يعنى كان يحمل بعضهم بعضا على الاسراع. قالَ ابراهيم أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (95) اى ما تنحتونه عن الأصنام استفهام للانكار والتوبيخ. وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96) الجملة حال من فاعل تعبدون والتقيد بالحال انكار بعد الإنكار والظاهر ان ما مصدرية يعنى والحال ان الله خلقكم وخلق أعمالكم فما لكم تتركون عبادة الخالق وتؤثرون عبادة المحتاج إليكم فهذه الاية حجة لنا على ان افعال العباد مخلوقة لله تعالى- وقالت المعتزلة ما موصولة والمعنى خلقكم وما تعملونه يعنى الأصنام فان جوهرها بخلقه تعالى وشكلها وان كان بفعلهم (ولذلك جعل من أعمالهم) فباقداره إياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه من الدواعي والعدد او مصدرية والمعنى عملكم بمعنى معمولكم ليطابق ما تنحتون- قلنا الوجه هو الاول لان الأخيرين يقتضى الحذف والمجاز ولا شك ان معمولهم ليس الا الشكل دون جوهر الأصنام وعلى التأويلين الأخيرين ايضا يثبت ان الشكل مخلوق لله تعالى ومعمول اى مكسوب للعباد وهو المقصود.

[سورة الصافات (37) : آية 97]

قالُوا فيما بينهم لما عجزوا عن المحاجة ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) اى فى النار الشديدة التأجج كذا فى القاموس واللام بدل الاضافة والجملة معطوفة على جمل محذوفة معطوفة بعضها على بعض تقديره فاملئوه حطبا واضربوه بالنار فاذا التهب القوه فى الجحيم قال مقاتل بنوا له حائطا من الحجر طوله فى السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وملئوه من الحطب واوقدوا فيها. فَأَرادُوا بِهِ اى بإبراهيم عليه السلام كَيْداً اى شرّا وهو ان يحرّقوه كيلا يظهر عجزهم للعامة فطرحوه فيها موثقا يداه ورجلاه فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) اى الأذلين بابطال كيدهم وجعله برهانا واضحا على علو شانه حيث جعل النار عليه بردا وسلاما ولم يحرق منه الا وثاقه وكان ذلك بأرض بابل في زمن نمرود الجبار.. وَقالَ ابراهيم حين خرج من النار سالما ولم يؤمنوا به إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي يعنى اهجر دار الكفر واذهب الى حيث اتجرد فيه بعبادة ربى سَيَهْدِينِ (99) عطف على ما يفهم من قوله فجعلناهم الأسفلين يعنى خرج من النار سالما وقال انّى ذاهب الى ربّى سيهدين الى ما فيه صلاح دينى او الى مقصد قصدته حيث أمرني ربى وهو الشام وحينئذ فرّ ابراهيم هاربا مع سارة من ارض بابل من خوف نمرود وكانت سارة من أجمل نساء عصرها ومرّ بحدود مصر وفرعونها يومئذ صادف بن صادف وفى شرح البخاري لابن الملقن اسمه سنان بن علوان أخو الضحاك وقيل اسمه عمرو بن امرأ القيس فغصب سارة من ابراهيم فحمل صادف الجبار سارة الى قصره وجعل الله الجدر والستور لابراهيم كقشر البيضة ينظر إليها كيلا يقيد قلبه إليها وكان رجلا غيورا- فلمّا همّ بها زلزل القصر فلم يدران ذلك من أجلها فتحول الى القصر الثاني فزلزل به فتحول الى القصر الثالث فزلزل به فقالت سارة هذا من الى ابراهيم رد اليه امرأته. وفى رواية فلمّا مدّيده إليها شلت يده فاستغاث صادف بسارة وطلب الدعاء فدعت سارة فعادت اليد كما كانت فمديده إليها ثانية فصارت مشلولة فطلب الدعاء منها ثانيا وعهد ان لا يفعل لهذا الفعل فدعت السارة فمد يده إليها ثالثة

[سورة الصافات (37) : آية 100]

فشلت يده ثالثا وحلف ان عوفى ان لا يفعل ابدا فدعت سارة فصحت يده- وروى احمد فى مسنده والبخاري ومسلم عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بينا هو ذات يوم وسارة إذ اتى على جبار من الجبابرة فقيل له ان هاهنا رجل معه امراة من احسن الناس فارسل اليه فساله عنها فقال من هذه قال أختي فاتى سارة فقال يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيرى وغيرك وان هذا سالنى فاخبرته انك أختي فلا تكذبنى فارسل إليها فلمّا دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فاخذ فقال ادعى الله لى ولا اضرك فدعت الله فاطلق ثم تناولها ثانيا فاخذ مثلها او أشد فقال ادعى الله لى ولا اضرك فدعت الله فاطلق فدعا بعض حجبته فقال انك لم تأتينى بانسان انما أتيتني بشيطان فاخدمها هاجر فاتته وهو قائم يصلى فاومى بيده مهيم قالت رد الله كيد الفاجر فى نحره وأخدمني هاجر- وفى المواهب اللّدنية ان فى رواية صارت يد صادف مغلولة حين مدها الى سارة فاستغاث صادف بإبراهيم عليه السلام فدعا ابراهيم فاطلق الله يده فاعطاه هاجر أم إسماعيل عليه السلام وقال لا سبيل لى الى سارة بعد وكانت هاجر امينة وخازنة وجليسة وقال حين وهبها ما أجرك الخطاب لابراهيم ان وهبها له او لسارة ان وهبها لها فسميت هاجر من ذلك ثم وهبها ابراهيم لسارة طلبا لرضاها فلم يلد سارة قبل ولادة إسماعيل وظنت بها العقم وقالت لابراهيم ان هاجر امراة مرغوبة فقد وهبتها لك لعله يكون لك منها ولد فوطيها فولدت إسماعيل عليه السلام. قلت وذلك حين دعا ابراهيم ربه وقال. رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) اى هب لى ولدا كائنا من الصالحين قال مقاتل لما قدم الأرض المقدسة سال ربه الولد.. فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) يعنى ذا إناءة وعقل كذا فى القاموس يعنى إسماعيل عليه السلام وهو الصحيح واليه ذهب ابن عمر وهو قول سعيد بن المسيب والشعبي والحسن البصري ومجاهد والربيع بن انس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وهو رواية عن عطاء بن ابى رباح ويوسف بن مامك عن ابن عباس قال المفدى إسماعيل- واخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامر بن سعيد عن أبيه انه كانت سارة تحت ابراهيم فمكثت عنده دهرا لا يرزق ولدا فلمّا رات ذلك وهبت له هاجر امة قبطية فولدت له إسماعيل فغارت من ذلك سارة وقد

ذكرنا القصة فى سورة ابراهيم ثم جاء ابراهيم بها وبإسماعيل بمكة وهى ترضعه حتى وضعهما عند البيت كذا فى البخاري وذكرنا حديث البخاري ايضا فى سورة ابراهيم- وقالت اليهود والنصارى الغلام الذي امر ابراهيم بذبحه هو إسحاق وهذا كذب منهم قال البغوي قال محمد بن كعب القرظي سال عمر بن عبد العزيز رجلا من علماء اليهود (وحسن إسلامه) اىّ ابني ابراهيم امر بذبحه فقال إسماعيل ثم قال يا امير المؤمنين ان اليهود يعلم ذلك ولكنهم يحسدون كم يا معشر العرب على ان يكون أباكم الذي كان من امر الله بذبحه ويزعمون انه إسحاق بن ابراهيم ومن الدليل عليه ان قرنى الكبش كانا منوطين فى الكعبة فى يدى بنى إسماعيل الى ان احترقت البيت واحترق القرنان فى ايام ابن الزبير والحجاج- اخرج سعيد بن منصور والبيهقي فى سننه عن امراة من بنى سليم عن عثمان بن طلحة انه كان قرنا الكبش معلقين بالكعبة وقال البغوي قال الشعبي رايت قرنى الكبش منوطين بالكعبة وقال ابن عباس والذي نفسى بيده لقد كان أول الإسلام وان رأس الكبش تعلق بقرنيه وميزاب الكعبة قد وحش يعنى يبس- قال الأصمعي سالت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسماعيل او إسحاق قال يا اصمع اين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة انما كان إسماعيل وهو الذي بنى البيت مع أبيه قال البغوي وكلا القولين يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وقول البغوي هذا كناية عن انه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فى الباب شىء إذ لو صح أحدهما لم يعتد بقول اخر- وما ذكر البغوي انه ذهب من الصحابة عمر وعلى وابن مسعود وابن عباس ومن التابعين واتباعهم كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدى وهو رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس الى انه إسحاق- وقال سعيد بن جبير ارى ابراهيم ذبح إسحاق بالشام فساربه مسيرة شهر فى غدوة واحدة حتى اتى به المنحر بمنى فلمّا امره الله بذبح الكبش وذبحه ساربه مسيرة شهر فى روحة واحدة فطويت له الاودية والجبال- فلعل من قال منهم هذا القول اعتمد على اخبار اليهود والله اعلم- والدليل على كون إسماعيل مامورا بذبحه انه هو المولود اولا بعد الهجرة الى الشام اجماعا وقد عطف الله قوله فبشّرناه بغلام حليم على قوله وقال انّى ذاهب الى ربّى سيهدين بالفاء

[سورة الصافات (37) : آية 102]

لموضوع للتعقيب بلا تراخ واما إسحاق فقد ولد بعد ذلك بتراخ والمأمور بذبحه انما هو ذلك المبشر به لمّا بلغ معه السعى ولان البشارة بإسحاق بعد ذلك معطوفة على البشارة بهذا الغلام فهو غير ذلك دليل واضح على انه غيره لا يقال ان البشارة التي بعد ذلك المعطوفة انما هى بشارة بنبوة إسحاق لا بولادته كما قيل بشر ابراهيم بإسحاق مرتين مرة بولادته ومرة بنبوته لانه خلاف ظاهر الاية فان الله تعالى قال وبشّرناه بإسحاق نبيّا من الصّالحين يعنى بشرناه بنفس إسحاق حال كونه مقضيا بالنبوة والصلاح ولم يقل بشرناه بنبوة إسحاق وصلاحه والصرف عن الظاهر لا يجوز بلا ضرورة. ولان سارة لمّا بشرت بإسحاق بشرت معه بيعقوب ولدا منه حبث قال الله تعالى فبشّرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب فلا يتصور الأمر بذبحه مراهقا قبل ولادة يعقوب.. فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ عطف على جملة محذوفة تقديره فولد له الغلام فلمّا بلغ معه السّعى اى بلغ ان يسعى معه فى اعماله ويعينه وقال الكلبي يعنى العمل لله وهو قول الحسن ومقاتل بن حبان وابن زيد قالوا هو العبادة وقال ابن عباس وقتادة لما بلغ ان يسعى الى الجبل معه وقال مجاهد عن ابن عباس يعنى انه شبّ حتى بلغ سعيه سعى ابراهيم قيل كان سنه ثلاث عشرة سنة وقيل سبع سنين- والظرف اعنى معه متعلق بمحذوف دل عليه السعى لا به لان صلة المصدر لا يتقدمه ولا ببلغ فان بلوغهما لم يكن معا كانّه قال فلمّا بلغ السعى فقيل مع من فقيل معه كذا قيل والاولى ان يقال انه ظرف مستقر حال من السعى قالَ يا بُنَيَّ قرأ حفص بفتح الياء إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ يحتمل انه راى ذلك ويحتمل انه راى ما هو تعبيره قال محمد بن إسحاق كان ابراهيم إذا زاد هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت بالشام حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعى وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته امر فى المنام ان يذبحه وذلك انه راى ليلة التروية كانّ قائلا يقول له ان الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلمّا أصبح روّى فى نفسه اى فكر من الصباح الى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان فمن ثم سمى يوم التروية فلما امسى راى فى المنام ثانيا

[سورة الصافات (37) : آية 103]

فلما أصبح عرف ان ذلك من الله فمن ثم سمى عرفة كذا اخرج البيهقي فى شعب الايمان من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال ابن إسحاق وغيره فلمّا امر ابراهيم بذبح ابنه قال لابنه خذ الحبل والمدينة ينطلق الى هذا الشعب نحتطب فلمّا خلا ابراهيم بابنه فى شعب ثبير أخبره بما امر به قال مقاتل راى فى المنام ثلاث ليال متتابعات فلما تيقن ذلك اخبر به ابنه انّى ارى فى المنام انّى أذبحك- وقال السدىّ لمّا دعا ابراهيم فقال ربّ هب لى من الصّالحين وبشر به قال هو إذا لله ذبيح فلمّا ولد وبلغ معه السّعى قيل له يعنى من الله أوف بنذرك هذا هو السبب فى امر الله بذبح ابنه. وهذا القول ينافى الابتلاء قال البغوي انه قال ابراهيم لاسماعيل انطلق نقرب قربانا لله عزّ وجلّ فاخذ سكينا وحبلا فانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال فقال الغلام يا أبت اين قربانك قال يا بنىّ انّى ارى فى المنام انّى أذبحك قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح ياء المتكلم فى انّى ارى وانّى أذبحك والباقون بإسكانها فيهما فَانْظُرْ ماذا تَرى قرأ حمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» بضم التاء وكسر الراء من الافعال من الرأى لا من الرؤية اى ماذا تشير وانما استشاره ليعلم صبره على امر الله وعزيمته على طاعته والباقون بفتح التاء والراء وابو عمرو «وورش يقلله- ابو محمد» يميل فتحة الراء قالَ إسماعيل يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ اى ما تؤمر به فحذفا دفعة او على الترتيب او افعل أمرك اى مأمورك والاضافة الى المأمور وهذا يدل على ان روياء الأنبياء وحي واجب الامتثال وقد روى عبد بن حميد عن قتادة ان رؤيا الأنبياء وحي وروى البخاري فى الصحيح عن ابى سعيد الخدري ومسلم عن ابن عمرو ابى هريرة واحمد وابن ماجة عن ابى رزين والطبراني عن ابن مسعود مرفوعا الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة- ولا شك ان رؤيا الأنبياء كلما صالحة لا يحتمل الفساد واما رؤيا غيرهم فمنها صالحة ومنها دون ذلك سَتَجِدُنِي قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) على الذبح.. فَلَمَّا أَسْلَما اى استسلما وانقادا وخضعا لامر الله وقال قتادة اى اسلم ابراهيم ابنه واسلم ابنه نفسه وَتَلَّهُ اى صرعه على الأرض لِلْجَبِينِ (103) قال ابن عباس

أضجعه على جنبه على الأرض والجبهة بين الجنبين وكان ذلك عند الصخرة بمنى أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم والحاكم عن ابن عباس واخرج البغوي عن عطاء بن السائب عن رجل من قريش عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه بالمنحر الذي ينحر فيه اليوم- قال البغوي قالوا قال له ابنه يا أبت اشدد رباطى حتى لا اضطرب واكفف عنّى ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمى شىء فينقص اجرى وتراه أمي فتحزن واستحد شفرتك واسرع مر السكين على حلقى ليكون أهون علىّ فان الموت شديد وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام منى وان رايت ان ترد قميصى على أمي فافعل فانه عسى ان يكون اسلى لها قال ابراهيم عليهما السلام نعم العون أنت يا نبى على امر الله ففعل ابراهيم ما قال له ابنه ثم اقبل عليه وقبله وربطه وهو يبكى ثم انه وضع السكين على حلقه فلم يحك السكين وروى انه كان يمرّ الشفرة على حلقه ولا يقطع فشحذه مرتين او ثلاثا بالحجر كل ذلك لا يقطع- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن السدىّ انه امرّ السكين بقوّته على حلقه مرارا فلم يقطع وضرب الله على حلقه صفحة من نحاس قالوا فقال الابن عند ذلك يا أبت كبنى بوجهي على جنبى فانك إذا نظرت فى وجهى رحمتنى وأدركتك رقة تحول بينك وبين امر الله وانى لا انظر الى الشفرة فاجزع ففعل ذلك ابراهيم ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين- واخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن مجاهد ايضا ان ابراهيم كبّه على وجهه- وروى ابو هريرة عن كعب الأحبار وابن إسحاق عن رجاله لمّا أراد ابراهيم ذبح ابنه قال الشيطان لان لم افتن عند هذا ال ابراهيم لا افتن منهم أحدا ابدا فتمثل الشيطان رجلا فاتى أم الغلام فقال لها هل تدرين اين ذهب ابراهيم بابنك قالت ذهبا يحتطبان من هذا الشعب قال لا والله ما ذهب به الا ليذبحه قالت لا هو ارحم به وأشد حبا له من ذلك قال انه يزعم ان الله امره بذلك قالت فان كان ربه امره بذلك فقد احسن ان يطيع ربه فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشى على اثر أبيه

[سورة الصافات (37) : آية 104]

فقال يا غلام هل تدرى اين يذهب بك أبوك قال نحتطب لاهلنا من هذا الشعب قال لا والله ما يريد الا ان يذبحك قال ولم قال يزعم ان ربه امره بذلك قال فليفعل ما امر به ربّه سمعا وطاعة فلما امتنع منه الغلام اقبل على ابراهيم فقال له اين تريد ايها الشيخ قال أريد هذا الشعب لحاجة لما فيه قال والله انى لارى ان الشيطان قد جاءك فى منامك فامرك بذبح ابنك هذا فعرفه ابراهيم فقال إليك عنى يا عدو الله فو الله لامضينّ لامر ربى فرجع إبليس بغيظه ولم يصب من ابراهيم واله شيئا ممّا أراد وامتنعوا منه بعون الله عزّ وجلّ وروى ابو الطفيل عن ابن عباس ان ابراهيم لما امر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر سابقة فسبقه ابراهيم ثم ذهب الجمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم أدركه عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم ادكه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى ابراهيم لامر الله عزّ وجلّ وثلّه للجبين-. وَنادَيْناهُ قال البغوي الواو زائدة ونادينه جواب لمّا وقال البيضاوي جواب لمّا محذوف تقديره كان ما كان فما ينطق به الحال ولا يحيط به المقال من استبشارهما وشكرهما لله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق بما لم يوفق غيرهما لمثله واظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب الجزيل الى غير ذلك قلت وجاز ان يكون الواو للعطف على جواب لمّا المحذوف تقديره فلمّا أسلما وتلّه للجبين منعنا عنه الذبح وناديناه أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) ان مفسرة لنا دينا. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا حيث أتيت من الفعل ما كان مقدورا لك والمطلوب من التكليف والابتلاء هو الإتيان بالمقدور لا غير وقيل كان راى فى المنام معالجة الذبح ولم ير اراقة الدم وقد فعل فى اليقظة ما راى فى النوم وعلى هذا قد صدّقت الرّؤيا حقيقة فى معناه وعلى الاول مجاز فان قيل على التقدير الثالث الم يكن ذبح الولد عليه واجبا وانما كان الواجب عليه معالجة اسباب الذبح فما معنى قوله وفديناه فان الفداء لا يتصور الا بعد الوجوب قلنا على التقدير الثاني إذا كان معالجة الذبح واجبا أصالة صار الذبح واجبا دلالة لكونه لازما له

[سورة الصافات (37) : آية 106]

عادة فصح اطلاق الفداء عليه وهذا نسخ للحكم قبل القدرة على إتيانه إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) تعليل لفرج تلك الشدة عنهما باحسانهما يعنى انا نجزى المحسنين بإحسانهم جزاء مثل ما جزينا ابراهيم وعفوناه عن ذبح الولد مع ما أعطيناه من الثواب العظيم وفضلناه به على العالمين. إِنَّ هذا اى الأمر بتذبيح ابنه لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) اى الاختبار الظاهر الذي به يتبين المخلص من غيره او المحنة والصعوبة البينة فانه لا أصعب منها وقيل المراد بالبلاء هو النعمة وهى ان فدى ابنه بالكبش-. وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عطف على نادينا روى انه لمّا سمع ابراهيم النداء نظر الى السماء فاذا هو بجبرئيل ومعه كبش أملح اقرن وقال هذا فداء لابنك فاذبحه دونه فكبر جبرئيل وكبر الكبش وكبر ابراهيم وكبر ابنه فاخذ ابراهيم الكبش واتى المنحر من منى فذبحه والفادي على الحقيقة ابراهيم وانما قال وفديناه لانه المعطى له والأمر به على التجوز فى الفداء او الاسناد عَظِيمٍ (107) اى عظيم الجثة سمين او عظيم القدر فى الثواب وقال الحسين بن الفضل لانه كان من عند الله قال سعيد بن جبير حق له ان يكون عظيما وقال مجاهد سماه عظيما لانه متقبل- قال البغوي قال اكثر المفسرين كان ذلك فى الجنة أربعين خريفا وأخرجه ابن ابى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وروى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان الكبش الذي ذبحه ابراهيم هو الذي كان قربه ابن آدم هابيل- استدل الحنفية بهذه الاية على انه من نذر بذبح ولده لزمه ذبح شاة قال البيضاوي وليس فيها ما يدل عليه قلت قد ذكرنا المسألة فى سورة الحج فى تفسير قوله تعالى وليوفوا نذورهم «1» وذكرنا ان القياس يقتضى ان لا يلزمه شىء لانه نذر بالمعصية وبه قال ابو يوسف لكن استحسن ابو حنيفة انه يلزمه شاة لان الحقيقة إذا كانت مهجورة شرعا تعين المجاز فلما نذر بذبح الولد مملناه على التزامه بدله اعنى الشاة بدليل هذه الاية حيث جعل الله تعالى كبشا فداء لابن ابراهيم عليهما السلام وبه افتى ابن عباس كما ذكرنا هناك. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ اى على ابراهيم عطف على صدر القصة يعنى جاء ربّه بقلب سليم

_ (1) وفى الأصل نذوركم 12

[سورة الصافات (37) : آية 109]

وجاز ان يكون عطفا على فديناه فِي الْآخِرِينَ (108) من الأمم الثناء والذكر حذف المفعول لدلالة سياق الكلام وجاز ان يكون قوله. سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) بتقدير هذا القول مفعولا لتركنا. كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) تعليل للسلام ولعله طرح عنه انا اكتفاء بذكره مرة فى هذه القصة. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ اى بان نهب لك ولذلك سمى إسحاق نَبِيًّا اى مقضيا نبوته مقدرا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا يقدح فيه عدم المبشر به وقت البشارة فان وجود ذى الحال ليس بشرط بل الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار المعنى بالحال فلا حاجة الى تقدير المضاف يجعل عاملا فيهما مثل وبشّرناه بوجود إسحاق اى بان يوجد إسحاق نبيّا من الصالحين ومع ذلك لا يصير نظير قوله تعالى فادخلوها خالدين فان الداخلين مقدرون خلودهم وقت الدخول وإسحاق لم يكن مقدّرا نبوة نفسه وصلاحه حيث ما يوجد- وفى ذكر الصلاح بعد النبوة ثناء عليه وتعظيم لشأنه وايماء بانه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإطلاق. وَبارَكْنا عَلَيْهِ اى أفضنا بركات الدين والدنيا عليه وقيل باركنا اى على ابراهيم فى أولاده وَعَلى إِسْحاقَ بكون الف بنى من نسله أولهم يعقوب وآخرهم عيسى وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ فى عمله او على نفسه بالايمان والطاعة وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ بالكفر والمعاصي مُبِينٌ (113) ظاهر ظلمه وفى ذلك تنبيه على ان النسب لا اثر له فى الهدى والضلال وان الظلم فى اعقابهما لا يضرهما-. وَلَقَدْ مَنَنَّا أنعمنا بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) عطف على ولقد نادينا نوح وبينهما معترضات. وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما بنى إسرائيل مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) اى من فرعون يسومهم سوء العذاب وقيل من الغرق. وَنَصَرْناهُمْ يعنى موسى وقومه فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) على فرعون وقومه. وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ اى التوراة الْمُسْتَبِينَ (117) البالغ فى بيان احكام الله وشرائعه. وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) الطريق

[سورة الصافات (37) : الآيات 119 إلى 122]

الموصل الى الحق والصواب لمن يسلكه. وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) سبق مثل ذلك-. وَإِنَّ إِلْياسَ قرأ ابن ذكوان برواية النقاش عن الأخفش بحذف الهمزة والباقون بتحقيقها لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) عطف على ولقد مننّا روى عن عبد الله ابن مسعود قال الياس هو الادريس وفى مصحفه انّ إدريس لمن المرسلين وهذا قول عكرمة وقال الآخرون هو نبى من أنبياء بنى إسرائيل قال ابن عباس هو ابن عم اليسع وقال محمد بن إسحاق هو الياس بن بشر بن فنحاص بن عيزار بن هارون بن عمران عليه السلام وقال ايضا محمد بن إسحاق والعلماء من اصحاب الاخبار لمّا قبض الله عزّ وجلّ قبله نبيّا عظمت الأحداث فى بنى إسرائيل وظهر الشرك ونصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله فبعث الله إليهم الياس نبيّا وكانت الأنبياء من بنى إسرائيل يبعثون بعد موسى بتجديد ما نسوا من التوراة- وبنوا إسرائيل كانوا متفرقين فى ارض الشام وكان سبب ذلك ان يوشع بن نون لمّا فتح الشام بوأها بنى إسرائيل وقسمها بينهم فاحل سبطا منهم بعلبك ونواحيها وهم الذين كان منهم الياس فبعثه الله إليهم نبيّا وعليهم يومئذ ملك يقال له أجب فداخل قومه واجبرهم على عبادة الأصنام وكان يعبد صنما يقال له بعل وكان طوله عشرون ذراعا ولها اربعة وجوه- فجعل الياس يدعوهم الى عبادة الله عزّ وجلّ وهم لا يسمعون منه شيئا الا ما كان من امر الملك فانه صدقه وأمن به فكان الياس يقوّم امره ويسدّده ويرشده- وكانت لاجب امراة يقال لها ازبيل فكان يستخلفها على رعيته إذا كان غائبا فى غزاة وغيرها وكانت تبرز وتقضى للناس وكانت قتّالة للانبياء يقال هى التي قتل يحيى بن زكريا عليهما السلام- وكان لها كاتب رجل مؤمن حكيم يكتم إيمانه وكان قد خلص من يدها ثلاث مائة نبى كانت تريد قتل كل واحد منهم إذا بعث سوى الذين قتلتهم وكانت فى نفسها غير محصنة وكانت قد تزوجت سبعة من ملوك بنى إسرائيل وقتلت كلهم بالاغتيال وكانت معمرة يقال انها ولدت سبعين ولدا

وكان لاجب هذا جار رجل صالح يقال له مزدكى وكانت له جنينة يعيش منها ويقبل على عمارتها ومرمتها وكانت الجنينة الى جانب قصر الملك وامرأته وكانا يشرفان على تلك الجنينة يتنزهان فيها ويأكلان ويشربان ويغسلان فيها وكان أجب الملك يحسن جوار صاحبه مزدكى ويحسن اليه وامرأته ازبيل تحسده لاجل تلك الجنينة وتحتال ان تغصبها منه لما تسمع الناس يكثرون ذكرها ويتعجبون من حسنها وتحتال ان تقتله والملك ينهاها من ذلك فلم تجد اليه سبيلا- ثم انه اتفق خروج الملك الى سفر بعيد فطالت غيبته فاغتنمت امرأته ازبيل وأمرت رجالا يشهدوا على مزدكى انه سبّ زوجها أجب فاجابوها اليه وكان فى حكمهم فى ذلك الزمان القتل على من سب الملك فاقامت عليه البينة وأحضرت مزدكى وقالت بلغني انك شتمت الملك فانكر المزدكى وأحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور فامرت بقتله وأخذت جنينته فغضب الله عزّ وجلّ عليهم للعبد الصالح فلمّا قدم الملك من سفره أخبرته الخبر فقال ما أحسنت ولا أرانا نفلح بعده فقد جاورنا منذ زمان واحسنّا جواره وكففنا عنه الأذى لوجوب حقه علينا فختمت امره بأسوإ الجوار قالت انما غضبت لك وحكمت بحكمك فقال لها ما كان يسعه حلمك فتحفظين له حواره قالت قد كانت ما كانت- فبعث الله الياس الى أجب الملك وقومه فامره ان يخبرهم ان الله قد غضب لوليه حين قتلوه ظلما والى على نفسه انهما ان لم يتوبا عن صنيعهما ولم يردا الجنينة الى ورثة المزدكى ان يهلكهما يعنى أجب وامرأته فى جوف الجنينة ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها حتى يتعرى عظامهما من لحومهما ولا يتمتعان بهما الا قليلا قال فجاء الياس فاخبره بما اوحى الله اليه فى امره وامر امرأته برد الجنينة فلمّا سمع الملك ذلك اشتد غضبه عليه ثم قال له يا الياس ما ارى ما تدعو اليه الا باطلا وما ارى فلانا وفلانا (سمى ملوكا منهم) قد عبدوا الأوثان الا على مثل ما نحن عليه يأكلون ويتنعمون مملكين ما ينقص من دنياهم أمرهم الذي تزعم انه باطل وما نرى لنا عليهم من فضل- قال وهمَّ الملك بتعذيب الياس وقتله فلما احسّ الياس الشرّ رفضه وخرج عنه ولحق بشواهق الجبال وعاد الملك الى عبادة البعل وارتقى الياس الى أصعب جبل وأشمخه «الشامخ العالي- منه ره» فدخل مغارة فيه يقال انه بقي

سبع سنين شريدا خائفا يأوى الى الشعاب والكهوف يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وهم فى طلبه وقد وضعوا عليه العيون والله يستره- فلمّا تم سبع سنين اذن الله فى إظهاره وشفاء غيظه منهم فامرض الله عزّ وجلّ ابنا لاجب وكان ذلك أحب ولده اليه وأشبههم به فادنف «يعنى مرض شديدا لازما- منه ره» حتى يئس منه فدعا صنمه بعلا وكانوا قد فتنوا ببعل وعظموه حتى جعلوا له اربع مائة سادن فوكلوهم به وجعلوهم أنبياء وكان الشيطان يدخل فى جوف الصنم فيتكلم والأربع مائة يصغون بآذانهم الى ما يقول الشيطان ويوسوس إليهم الشيطان بشريعة من الضلال فيبينونها للناس فيعلمون بها ويسمونهم أنبياء- فلما اشتد مرض ابن الملك طلب إليهم الملك ان يتشفعوا الى بعل ويطلبوا لابنه من قبله الشفاء فدعوه فلم يجبهم ومنع الله الشيطان فلم يمكنه الولوج فى جوفه وهم مجتهدون فى التضرع اليه- فلمّا طال عليهم ذلك قالوا لاجب ان فى ناحية الشام الهة اخرى فابعث إليها أنبياءك فلعلها تشفع لك الى إلهك بعل فانه غضبان عليك ولولا غضبه عليك لاجابك قال ومن أجل ماذا غضب علىّ وانا أطيعه قالوا من أجل انك لم تقتل الياس وفرطتّ فيه حتى نجا سليما وهو كافر بإلهك قال أجب وكيف لى ان اقتل الياس وانا مشغول عن طلبه لوجع ابني وليس لالياس مطلب ولا يعرف له موضع فيقصد فلو عوفى ابني لفرغت لطلبه حتى أجده فاقتله فارضى الهى- ثم انه بعث أنبياءه الأربع مائة الى الالهة التي بالشام يسئلونها ان تشفع الى صنم الملك يشفى ابنه فانطلقوا حتى إذا كانوا بحيال الجبل الذي فيه اليأس اوحى الله اليه ان يهبط من الجبل ويعارضهم ويكلمهم وقال له لا تخف فانى ساصرف عنك شرهم والقى الرعب فى قلوبهم فنزل الياس من الجبل فلما لقيهم استوقفهم فلما وقفوا قال لهم ان الله عزّ وجلّ أرسلني إليكم والى من ورائكم فاستمعوا ايها القوم رسالة ربكم لتبلغوا صاحبكم فارجعوا اليه وقولوا ان الله يقول الست تعلم يا أجب انى انا الله لا اله الا انا اله بنى إسرائيل الذي خلقهم ورزقهم وأحياهم وأماتهم وقلة عملك حملك على ان تشرك بي وتطلب الشفاء لابنك من غيرى ممن لا يملكون لانفسهم شيئا الا ما شئت انى حلفت باسمي لاغضبنك فى ابنك ولاميتنه

فى فوره غدا حتى تعلم ان أحدا لا يملك له شيئا دونى فلمّا قال لهم هذا رجعوا وقد ملئوا منه رعبا- فلما صاروا الى الملك اخبروه بان الياس قد انحط عليهم وهو رجل نحيف طوال قد نحل وتمعط شعره واقشعر جلده عليه جبة من شعر وعباءة قد خللها على صدره «نحل جسمه نحولا ذهب من مرض او سفر قاموس منه ره» بخلال فاستوقفنا فلمّا صار معنا قذف له فى قلوبنا الهيبة والرعب وانقطعت ألسنتنا ونحن فى هذا العدد الكثير فلم نقدر ان نكلمه ونراجعه حتى رجعنا إليك وقصوا عليه كلام الياس- فقال أجب لاننتفع بالحياة ما كان الياس حيّا ولا يطاق الا بالمكر والخديعة فقيض له خمسين رجلا من قومه ذوى القوة والبأس وعهد إليهم عهده وأمرهم بالاحتيال له والاغتيال «القتل بالخديعة- منه ره» له وان يطمعوه فى انهم قد أمنوا به هم ومن وراء هم ليستنيم إليهم و «اى يسكن وإليهم يطمئن قاموس منه ره» يغتر بهم فيمكنهم من نفسه فيأتون به ملكهم فانطلقوا حتى ارتفعوا ذلك الجبل الذي يسكن فيه الياس ثم تفرقوا فيه ينادونه بأعلى أصواتهم ويقولون يا نبى الله ابرز إلينا وامتن علينا بنفسك فانا قد أمنا بك وصدقناك وملكنا أجب وجميع الناس وأنت أمن على نفسك وجميع بنى إسرائيل يقرءون عليك السلام ويقولون قد بلغتنا رسالتك وعرفنا ما قلت فامنّا بك وأجبناك الى ما دعوتنا فهلم إلينا فاقم بين أظهرنا واحكم فينا فننقاد لما امرتنا وننتهى عما نهيتنا وليس يسعك ان تتخلف عنا مع أيماننا بك وطاعتنا فارجع إلينا- وكل هذا منهم مما كرة وخديعة فلمّا سمع الياس مقالتهم وقع فى قلبه وطمع فى ايمانهم وخاف الله ان هو لم يظهر لهم فالهمه الله التوقف والدعاء فقال اللهم ان كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لى فى البروز إليهم وان كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم فما استتم قوله حتى حصبوا بالنار «اى رموا بها- منه ره» من فوقهم فاحترقوا أجمعين قال فبلغ أجب وقومه الخبر فلم يرتدع من همه بالسوء «اى لم يكف ولم يرد- منه ره» واحتال ثانيا فى امر الياس وقيض اليه فئة اخرى مثل عددهم أولئك أقوى منهم وأمكن فى الحيلة والرأى فاقبلوا حتى توقلوا «اى صعدوا» قلل الجبال متفرقين وجعلوا ينادون يا نبى الله انّا نعوذ بالله بك من غضب الله وسطواته «السطوة البطش والقهر قاموس منه ره» انا لسنا كالذين أتوك قبلنا وان أولئك فرقة نافقوا

فصاروا إليك ليكيدوا من غير رأينا ولو علمنا بهم لقتلناهم ولكفيناك مؤنتهم فالان قد كفاك ربك أمرهم واهلكهم وانتقم لنا ولك منهم- فلمّا سمع الياس مقالتهم دعى الله بدعوته الاولى فامطر عليهم النار فاحترقوا عن آخرهم وفى كل ذلك ابن الملك فى البلاء الشديد من وجعه- فلمّا سمع الملك بهلاك أصحابه ثانيا ازداد غضبا الى غضب وأراد ان يخرج الى طلب الياس بنفسه الا انه شغله من ذلك مرض ابنه فلم يمكنه فوجه نحو الياس المؤمن الذي هو كاتب امرأته رجاء ان يأنس به الياس فينزل معه واظهر للكاتب انه لا يريد بالياس سوء او انما اظهر له لما اطلع عليه من إيمانه وكان الملك مع اطلاعه على إيمانه مثنيا عليه لما هو عليه من الكفاية والامانة وسداد الرأى- فلمّا وجهه نحوه أرسل معه فئة واوغر «من التوغير اى الإغراء بالحقد- منه ره» الى الفئة دون الكاتب ان يوثقوا الياس ويأتوه به ان أراد التخلف عنهم وان جاء مع الكاتب واثقا به لم يروّعوه «الروع الفزع- منه ره» ثم اظهر مع الكاتب الانابة وقد قال له انه قد ان لى وقد أصابتنا بلايا من حريق أصحابنا والبلاء الذي فيه ابني وقد عرفت ان ذلك بدعوة الياس ولست أمنا ان يدعو على جميع من بقي منا فنهلك بدعوته فانطلق اليه وأخبره انا قد تبنا وأنبنا وانه لا يصلحنا فى توبتنا وما نريد من رضاء ربنا وخلع أصنامنا الا ان يكون الياس بين أظهرنا يأمرنا وينهانا ويخبرنا بما يرضى ربنا- وامر قومه فاعتزلوا وقالوا له اخبر الياس انا قد خلعنا الهتنا التي كنا نعبد وارخينا أمرها حتى ينزل الياس فيكون هو الذي يحرقها ويهلكها وكان ذلك مكرا من الملك- فانطلق الكاتب والفئة حتى علا الجبل الذي فيه الياس ثم ناداه فعرف الياس صوته فتاقت نفسه اليه «اى اشتاقت منه ره» وكان مشتاقا الى لقائه فاوحى الله اليه ان ابرز الى أخيك الصالح فالقه وجدد العهد به فبرز اليه وسلم عليه وصافحه فقال له ما لخبر فقال له المؤمن انه قد بعثني إليك هذا الجبار الطاغي وقومه ثم قص عليه ما قالوا ثم قال له وانى خائف ان رجعت اليه ولست معى ان يقتلنى فمرنى بما شئت افعله ان شئت انقطعت إليك وكنت معك وتركته وان شئت جاهدته معك وان

شئت ترسلنى اليه بما تحبّ فابلّغه رسالتك وان شئت دعوت ربّك ان يجعل لنا من أمرنا خرجا ومخرجا- فاوحى الله الى الياس ان كل شىء جاءك منهم مكر وخديعة وكذب ليظفروا بك وانّ أجب الملك ان أخبرته رسله انك لقد لفيت لهذا الرجل ولم يأت بك اتهمه وعرف انه قد واهن فى أمرك فلم يؤمن ان يقتله فانطلق معه وانى ساشغل عنكما أجب فاضاعف على ابنه البلاء حتى لا يكون له هم غيره ثم أميته على شر حال فاذا مات هو فارجع منه قال فانطلق معهم حتى قدموا على أجب فلما قدموا شدّد الله الوجع على ابنه وأخذ الموت بكظمه «الكظم محركة الحلق او الضم او مخرج النفس- قاموس منه ره» فشغل الله بذلك أجب وأصحابه عن الياس فرجع الياس سالما الى مكانه- فلمّا مات ابن أجب وفرغوا من امره وقلّ جزعه انتبه لالياس وسال عنه الكاتب الذي جاء به فقال ليس لى به شغلنى عنه موت ابنك والجزع عليه ولم أكن أحسبك الا وقد استوثقت منه فاضرب عنه أجب وتركه لما فيه من الحزن على ابنه. فلمّا طال الأمر على الياس ومد الكون فى الجبال واشتاق الى الناس نزل من الجبل وانطلق حتى نزل بامراة من بنى إسرائيل وهى أم يونس بن متى ذى النون استخفى عندها ستة أشهر ويونس بن متى يومئذ مولود مرضع فكانت أم يونس تخدمه بنفسها وتواسيه بذات يدها «اى تخدمه بما لها- منه ره» - ثم ان الياس سئم ضيق البيوت بعد تعوده فسحة الجبال فاحب اللحوق بالجبل فخرج وعاد الى مكانه فجزعت أم يونس لفراقه وأوحشها فقده ثم لم تلبث الا يسيرا حتى مات ابنها يونس حين فطمته فعظمت مصيبتها فخرجت فى طلب الياس ولم تزل ترقى الجبال وتطوف فيها حتى عثرت عليه ووجدته وقالت له انى قد فجعت بعدك بموت ابني فعظمت فيه مصيبتى واشتد لفقده بلائي وليس لى ولد غيره فارحمنى وادع الله جلّ جلاله ليحيى لى ابني وانى تركته مسبّحى لم ادفنه قد أخفيت مكانه- فقال لها الياس ليس هذا مما أمرت به وانّما انا عبد مأمورا عمل بما يأمرنى ربى فجزعت المرأة وتضرعت واعطف الله قلب الياس إليها فقال لها متى مات ابنك قالت مند سبعة ايام فانطلق الياس معها وسار سبعة ايام اخرى حتى انتهى الى منزلها فوجد ابنها ميتا له اربعة عشر يوما

فتوضأ وصلى ودعا فأحيى الله يونس بن متى فلمّا عاش وجلس وثب الياس وتركه وعاد الى موضعه- فلمّا طال عصيان قومه ضاق الياس بذلك ذرعا فاوحى الله اليه سبع سنين وهو خائف مجهود فنادى الله الياس ما هذا الحزن والجزع الذي أنت فيه الست أمينا على وحيي وحجتى فى ارضى وصفوتى فى خلقى فاسئلنى أعطيك فانى ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم قال الياس فان تميتنى فتلحقنى بآبائي فقد مللت بنى إسرائيل وملونى فاوحى الله اليه يا الياس ما هذا باليوم الذي اعرى عنك الأرض وأهلها وانما قوامها وصلاحها بك واشباهك وان كنتم قليل ولكن سلنى فاعطيك قال الياس فان لم تمتنى فاعطنى ثارى من بنى إسرائيل قال الله عزّ وجلّ واىّ شىء تريد ان أعطيك قال تمكننى من خزائن السماء سبع سنين فلا تنشر عليهم سحابة الا بدعوتي ولا تمطر عليهم قطرة الا بشفاعتى فانه لا تذلهم الا ذلك قال الله عز وجل يا الياس انا ارحم بخلقي من ذلك وان كانوا ظالمين قال فست سنين قال انا ارحم بخلقي من ذلك قال فخمس سنين قال انا ارحم بخلقي من ذلك ولكنى أعطيك ثارك ثلاث سنين اجعل خزائن المطر بيدك قال الياس باىّ شىء اعيش قال أسخر لك جيشا من الطير ينقل إليك طعامك وشرابك من الريف «ارض فيها زرع ونخل- منه ره» والأرض التي لم تقحط قال الياس قد رضيت- قال وامسك الله عنهم المطر حتى هلكت الماشية والدواب والهوام والشجر وجهد الناس جهدا شديدا والياس على حالته مستخف من قومه يوضع الرزق حيث ما كان وقد عرف ذلك قومه وكانوا إذا وجدوا ريح الخبز فى بيت قالوا لقد دخل الياس هذا المكان فطلبوه ولقى منهم اهل ذلك المنزل شرّا قال ابن عباس أصاب بنى إسرائيل ثلاث سنين القحط فمر الياس بعجوز فقال لها هل عندك طعام قالت نعم لشيء من دقيق وزيت قليل قال فدعا بهما ودعا فيه بالبركة ومسه حتى ملا جرابها دقيقا وملأ خوابيها زيتا فلمّا راوا ذلك عندها قالوا من اين لك هذا قالت مربى رجل من حاله كذا وكذا فوصفته بصفته فعرفوه قالوا ذلك الياس فطلبوه فوجدوه فهرب منهم ثم انه أوى الى بيت امراة من بنى إسرائيل لها ابن يقال لها اليسع بن أخطوب به

ضرّ فاوته وأخفته فدعا له فعوفى من الضر الذي كان به واتبع اليسع الياس وأمن به وصدقه ولزمه وكان يذهب حيث ما ذهب وكان الياس قد اسنّ وكبر واليسع غلام شابّ. ثم ان الله تعالى اوحى الى الياس انك قد أهلكت كثيرا من الخلق فمن لم يعص من البهائم والدوابّ والطير والهوام لحبس المطر- فيزعمون والله اعلم ان الياس قال يا رب دعنى أكون انا الذي ادعو لهم وآتاهم بالفرج مما هم فيه من البلاء لعلهم ان يرجعوا او ينزعوا عما هم عليه من عبادة غيرك فقيل له نعم- فجاء الياس الى بنى إسرائيل فقال انكم قد هلكتم جوعا وجهدا وهلكت البهائم والطير والدوابّ والهوام والشجر بخطاياكم وانكم على باطل فان كنتم تحبون ان تعلموا ذلك فاخرجوا باصنامكم علىّ فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون وان هى لم تفعل علمتم انكم على باطل فنزعتم ودعوت الله ففرج عنكم ما أنتم فيه من البلاء قالوا أنصفت فخرجوا باوثانهم فدعوها فلم تفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء ثم قالوا لالياس انا قد أهلكنا فادع الله لنا فدعا لهم الياس ومعه اليسع بالفرج فخرجت سحابة مثل الترس على ظهر البحر وهم ينظرون فاقبلت نحوهم وطبقت الآفاق ثم أرسل الله عليهم المطر فاغاثهم وحييت بلادهم فلمّا كشف الله عنهم الضر نقضوا العهد ولم ينزعوا عن كفرهم فاقاموا على أخبث ما كانوا. فلمّا راى ذلك الياس دعا ربه تعالى ان يريحه منهم فقيل له فيما يزعمون انظر يوم كذا وكذا فاخرج فيه الى موضع كذا وكذا فما جاءك من شىء فاركبه ولا تهبه فخرج الياس ومعه اليسع حتى إذا كان بالموضع الذي امر به اقبل فرس من نار وقيل لونه كلون النار حتى وقف بين يديه فوثب عليه الياس فانطلق به الفرس- فناداه اليسع يا الياس ما تأمرنى به فقذف اليه الياس بكسائه من الجوّ الأعلى وكان ذلك علامة استخلافه إياه على بنى إسرائيل فكان ذلك اخر العهد به ورفع الله اليأس من بين أظهرهم وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وكساه الريش فكان إنسيا ملكيّا سماويّا ارضيّا وسلط الله على أجب الملك وقومه عدو الهم فقصدهم من حيث لم يشعروا به حتى رهقهم فقتل أجب وامرأته ازبيل فى بستان مزدكى فلم يزل جيفتاهما ملقاتين فى تلك الجنينة

[سورة الصافات (37) : آية 124]

حتى بليت لحومهما ورمّت عظامها- ونبّا الله اليسع وبعثه رسولا الى بنى إسرائيل واوحى اليه فامنت به بنوا إسرائيل وكانوا يعظمونه وحكم فيهم قائم الى ان فارقهم اليسع روى السرى بن يحيى عن عبد العزيز عن ابى الرداد قال الياس والخضر يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم فى كل عام وقيل ان الياس مؤكل فى الفيافي والخضر مؤكل بالبحار هكذا ذكر البغوي فى تفسير قوله تعالى وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ-. إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) عذاب الله. أَتَدْعُونَ تعبدون بَعْلًا اسم صنم كانوا يعبدونها سميت بها مدينتهم بعلبك وقال مجاهد وعكرمة وقتادة البعل الرب بلغة اهل اليمن وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) فلا تعبدونه وجملة اتدعون الى آخره بيان او بدل لما قبله. اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص «وخلف- ابو محمد» بالنصب على البدل والباقون بالرفع على الاستئناف. فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) فى العذاب وانما اطلق اكتفاء بالقرينة او لان الإحضار المطلق مخصوص بالشرّ عرفا. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) مستثنى من فاعل كذّبوه لا من المحضرين لفساد المعنى وقيل استثناء منقطع او متصل من المحضرين ان كان المحضرين من قبيل توصيف الكل بوصف البعض كما فى قوله تعالى ايّتها العير انّكم لسارقون فحينئذ يكون شاملا للمستثنى منه. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130) لغة فى الياس كسيناء وسينين وإسماعيل وسمعين وميكائيل وميكائين وقال الفراء هو جمع أراد الياس واتباعه من المؤمنين فيكون بمنزلة الأشعريين والأعجمين بالتخفيف لكن فيه ان العلم إذا جمع يجب تعريفه باللام وقرا نافع وابن عامر «ويعقوب- وابو محمد» ال ياسين بفتح الهمزة شبعة وكسر اللام مقطوعة لانها فى المصحف مفصولة فيكون ياسين أبا الياس وجاز ان يكون ياسين اسما لالياس والمراد بال ياسين هو واتباعه- وما قيل ان ياسين محمد صلى الله عليه وسلم او القران او غيره من الكتب السماوية لا يناسب نظم سائر القصص وما قبله وما بعده من قوله. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)

[سورة الصافات (37) : الآيات 133 إلى 134]

إذ الظاهر ان الضمير لالياس وفى قراءة ابن مسعود سلم على ادريسين يعنى إدريس واتباعه لانه قرأ انّ إدريس لمن المرسلين-. وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) من العذاب الذي نزل على قومه. إِلَّا عَجُوزاً وهى امرأته كائنة فِي الْغابِرِينَ (135) الباقين فى العذاب. ثُمَّ دَمَّرْنَا أهلكنا الْآخَرِينَ (136) من قومه. وَإِنَّكُمْ يا اهل مكة لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ اى على منازلهم فى اسفاركم الى الشام فان سدوم فى طريقه مُصْبِحِينَ (137) داخلين فى الصباح. وَبِاللَّيْلِ او مساءً والمعنى نهارا او ليلا ولعلها وقعت قريبا من موضع النزول فيمر المرتحل عنه صباحا والقاصد لها مساءً ان كان السير نهارا او بالعكس ان كان السير ليلا أَفَلا تَعْقِلُونَ (138) يعنى ألستم ذوى العقول فتعتبروا والجملة معترضة-. وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ اى هرب وأصله هرب العبد من السيد لكن لمّا كان هربه من قومه بلا اذن ربه حسن إطلاقه عليه إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) اخرج عبد الرزاق واحمد فى الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن طاؤس انه لمّا وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم (يعنى لمّا تأخر عنهم العذاب) قبل ان يأمره الله به فركب السفينة فوقفت فقال الملاحون هاهنا عبد ابق فاقترعوا فخرجت عليه فقال انا الآبق ورمى بنفسه فى الماء وذكر البغوي قول ابن عباس ووهب نحوه وذكر انهم اقترعوا ثلاثا فوقعت القرعة على يونس- قال البغوي وروى انه لمّا وصل الى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب وأراد ان يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب ثم جاءت موجة اخرى وأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب وأخذ ابن الأصغر فبقى فريدا فجاء مركب اخر فركبه فقعد ناحية من القوم فلمّا مرت السفينة فى البحر ركدت فاقترعوا- وقد ذكرنا القصة فى سورة يونس فذلك قوله تعالى. فَساهَمَ فقارع والمساهمة إلقاء السهام على جهة القرعة فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فصار من المغلوبين بالقرعة وأصله المزلق عن مقام الظفر. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ اى اخذه

[سورة الصافات (37) : آية 143]

لقمة وَهُوَ مُلِيمٌ (142) اى داخل فى الملامة او أت بما يلام عليه او مليم نفسه حال من مفعول التقمه-. فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) قال ابن عباس من المصلين وقال وهب من العابدين قال الحسن ما كانت له صلوة فى بطن الحوت ولكنه قدم عملا صالحا قال الضحاك شكر الله له طاعته القديمة- قلت ويمكن ان يكون هو مصليّا فى بطن الحوت بالاشارة لكونه حيّا مفيقا والاولى ان يقال ولولا انه كان من المسبحين فى بطن الحوت يعنى ذاكرا له بقوله لا اله الّا أنت سبحانك انّى كنت من الظّالمين كما نطق به القران. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) يعنى لمات فى بطنه وصار له قبرا فيبقى اجزاؤه مختلطا بأجزاء الحوت حيثما كان فى علم الله الى يوم القيامة. فَنَبَذْناهُ بان حملنا الحوت على لفظه بِالْعَراءِ اى المكان الخالي مما يغطيه من الشجر ونحوه وَهُوَ سَقِيمٌ (145) كالفرخ الممعط وقيل كان قد بلى لحمه ورق عظمه ولم يبق له قوة واختلفوا فى مدة لبثه فى بطن الحوت قال البغوي قال مقاتل بن حبان ثلاثة ايام وكذا اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن قتادة وقال البغوي قال عطاء سبعة أيام كذا اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير وقال البغوي قال الضحاك عشرين يوما وقال السدىّ والكلبي ومقاتل بن سليمان أربعين يوما كذا اخرج الحاكم عن ابن عباس وابن ابى شيبة واحمد فى الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن ابى مالك وعبد الرزاق وابن مردوية عن ابن جريج وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة واخرج عبد بن حميد فى زوائد الزهد انه بعض يوم واخرج ابن ابى حاتم والحاكم والبغوي عن الشعبي انه التقمه ضحى ولفظه عشية. وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ اى فوقه مظلة شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) قال البغوي قال الحسن ومقاتل كل نبت يمتد وينبسط على وجه الأرض ليس له ساق ولا يبقى على الشتاء نحو القرع والقثاء والبطيخ فهو يقطين وقال كان ذلك اليقطين بساق على خلاف العادة انتهى وهو يفعيل من قطن بالمكان إذا قام به قلت وكان قرعا تغطه من أوراقها

عن الذباب فانه لا يقع عليه كذا قال البغوي انه قول جميع المفسرين وكذا اخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وقال مقاتل بن حبان وكان يونس يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف اليه يشرب لبنها بكرة وعشية حتى اشتد لحمه ونبت شعره وقوى فنام نومة فاستيقظ وقد يبست الشجرة فحزن حزنا شديدا إذ أصابه أذى الشمس فجعل يبكى فبعث الله اليه جبرئيل فقال أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة الف من أمتك وقد اسلموا وتابوا- (مسئلة) لا يجوز ذكر ذلة الأنبياء فان زلاتهم توجب كمال الانابة الى الله ورفع درجاتهم ومن اعترض على أحد من الأنبياء فقد كفر قال الله تعالى لا نفرّق بين أحد من رّسله وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينبغى لعبد ان يقول انى خير من يونس بن متى- متفق عليه وفى رواية للبخارى من قال انا خير من يونس بن متى فقد كذب وعن ابى هريرة قال استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال والذي اصطفى محمدا على العالمين وقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي فذهب اليهودي الى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره بما كان من امره وامر المسلم فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فساله عن ذلك فاخبره فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تخيرونى على موسى فان الناس يصعقون يوم القيامة فاصعق معهم فاكون أول من يفيق فاذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدرى كان فيمن صعق فافاق قبلى او كان فيمن استثنى الله وفى رواية فلا أدرى احوسب بصعقة يوم الطور او بعث قبلى ولا أقول ان أحدا أفضل من يونس بن متى- وفى رواية ابى سعيد قال لا تخيروا بين الأنبياء متفق عليه وفى رواية ابى هريرة لا تفضلوا بين أنبياء الله- فان قيل ما المعنى والمراد بالنهى عن التفضيل بين الأنبياء مع كونه ثابتا بالنص والإجماع قال الله تعالى تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعض وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا سيد ولد آدم يوم القيامة واوّل شافع وأول مشفع- رواه مسلم وابو داود عن ابى هريرة وقال انا سيد ولد آدم يوم

[سورة الصافات (37) : آية 147]

القيامة ولا فخر وما من نبى يومئذ آدم فمن سواه الا تحت لوائى وانا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر وانا أول شافع وأول مشفع ولا فخر- رواه احمد والترمذي وابن ماجة عن ابى سعيد وقال عليه السلام انا قائد المرسلين ولا فخر وانا خاتم النبيين ولا فخر وانا أول شافع ومشفع ولا فخر- رواه الدارمي عن جابر قلت معناه والله اعلم لا تفضلوا بين أنبياء الله بالظن والتخمين ما لم يأتكم علم من الله تعالى واما بعد ما ثبت ذلك بوحي من الله تعالى فلا بأس به او يقال لا تخيروا بين الأنبياء فى نفس النبوة بان تؤمنوا ببعض وتعظموه وتوقروه ولا تؤمنوا ببعض والله اعلم-. وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ قال البغوي قال قتادة أرسل الى نينوى من ارض الموصل قبل ان يصيبه ما أصابه وكذا اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عنه وعن الحسن والمعنى وقد أرسلناه الى مائة الف وقيل معناه أرسلناه إليهم ثانيا بعد خروجه من بطن الحوت وقيل الى قوم آخرين أَوْ يَزِيدُونَ (147) قال مقاتل والكلبي معناه بل يزيدون وقال ابن عباس معناه ويزيدون او بمعنى الواو كقوله تعالى عذرا او نذرا وقال الزجاج او هاهنا على أصله معناه او يزيدون على تقديركم وظنكم كالرجل يرى قوما فيقول هؤلاء الف او يزيدون فالشك على تقدير المخلوقين واختلفوا فى مبلغ تلك الزيادة فقال ابن عباس ومقاتل كانوا عشرين الفا رواه الترمذي عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يزيدون عشرون الفا وقال الحسن بضعا وثلاثين الفا وقال سعيد بن جبير سبعين الفا. فَآمَنُوا يعنى الذين أرسل إليهم يونس أمنوا به بعد معائنة العذاب فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (148) الى أجلهم المسمى ولعله انما لم يختم قصته وقصة لوط بما ختم به سائر القصص تفرقة بينهما وبين اصحاب الشرائع الكبر واولى العزم من الرسل او اكتفاء بالتسليم الشامل لكل الرسل المذكور فى اخر السورة-. فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) عطف على قوله فاستفتهم أهم أشدّ خلقا أم من خلقنا امر رسول الله صلى الله عليه وسلم اولا عن وجه انكارهم

[سورة الصافات (37) : آية 150]

البعث بان يسئلهم سوال تقرير اىّ الخلقين أشد أخلقهم أم خلق غيرهم من السماء والأرض والملائكة او من سبقهم من عاد وثمود فاذا هم أقرّوا بانّ خلق من سبقهم أشد لزمهم الخوف ممن انتقم منهم واهلكهم بكفرهم وهو قادر على خلق من هو أشد منهم وعلى كل خلق وقادر على البعث والتعذيب ثم جاء بما يلائمه من القصص لبعضها ببعض- ثم امره بالسؤال عن وجه القسمة حيث جعلوا لله البنات ولانفسهم البنين فى قولهم الملائكة بنات الله وهؤلاء زادوا على الشرك ضلالات اخر التجسيم وتجويز البنات على الله فان الولادة مخصوصة بالأجسام القابلة للكون والفساد سريعا وتفضيل أنفسهم على الله حيث جعلوا اخس الصنفين لله وأشرفهم لانفسهم واستهانتهم الملائكة باتصافهم بالانوثة. ولذلك كرر الله تعالى انكار ذلك وابطاله فى كتابه مرارا وجعله مما تكاد السّماوات يتفطّرن من شوم هذا القول وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا والإنكار هاهنا مقصور على الأخيرين لاختصاص هذه الطائفة بهما وذلك ان جهينة وبنى سلمة بن عبد الدار زعموا ان الملائكة بنات الله ولان فسادهما مما يدكه العامة بمقتضى طباعهم حيث جعل المعادل لاستفهام عن أنفسهم. أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (150) فيه استهزاء واشعار بانهم لفرط جهلهم يحكمون به كانهم شاهدوا خلقهم. أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ اى كذبهم الذي هو ظاهر البطلان وينفيه البرهان لَيَقُولُونَ (151) . وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) عند جميع العقلاء قطعا. أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) قرأ ابو جعفر بهمزة الوصل المكسورة عند الابتداء وإسقاطها فى الدرج وهى رواية عن نافع اما على حذف همزة الاستفهام من اللفظ او على الاخبار بتقدير قالوا يعنى انّهم لكاذبون حيث قالوا اصطفى البنات وقرأ العامة بهمزة مفتوحة للاستفهام داخلة على همزة الوصل إنكارا واستبعادا بتقدير يقال لهم اصطفى البنات على البنين. ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) ان لله البنات ولكم البنين والاصطفاء أخذ صفوة الشيء والبنات اخس الصنفين. أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) عطف على محذوف تقديره أفلا تتفكرون فلا تتذكّرون انه تعالى منزه عن ذلك حذفت احدى التاءين. أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (156) حجة واضحة نزلت عليكم من الله تعالى بان الملائكة

[سورة الصافات (37) : آية 157]

بناته يعنى ان اسباب العلم منحصرة فى ثلاثة العقل والحس والخبر الصادق والخبر لا يفيد العلم ما لم يبتنى على الحس او على الاعلام من الله العالم للغيب- فانكر اولا دلالة العقل بقوله ألربّك البنات ولهم البنون فانه مع قيام البرهان على امتناع الولد لله سبحانه لا يجوز درك انوثية الملائكة بالعقل الصرف ولا يجوز عاقل ان يثبت اخس الفريقين للخالق وأشرفهما للمخلوقين وأنكر ثانيا دلالة الحس بقوله أم خلقنا الملئكة إناثا وهم شاهدون يعنى لم يشهدوا ذلك وأنكر ثالثا الخبر الصادق الى الحجة النازلة من الله العليم الخبير فانه اعلم إفادة للعلم من غيره وأقوى فقال أم لكم سلطان مبين- ولمّا كان هاهنا مظنة ان يقولوا الله علمنا بهذا كما انهم إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قال. فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ الذي منزل من الله مخبر بان الملائكة بناته إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (157) فى دعواكم-. وَجَعَلُوا حال من الضمير المنصوب فى استفتهم بتقدير قد اى استفتهم وقد جعلوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً اخرج جويبر عن ابن عباس انه قال نزلت هذه الاية فى ثلاثة احياء قريش سليم وخزاعة وجهينة قال مجاهد وقتادة أراد بالجنّة الملائكة سموها جنّة لاجتنانهم عن الابصار قلت ذكرهم بهذا الاسم تحقيرا لشأنهم عن مرتبة البنوة لله سبحانه وقال ابن عباس حيى من الملائكة يقال لهم الجن ومنهم إبليس قالوا هم بنات الله وقال الكلبي قالوا (لعنهم الله) ان الله تزوج من الجن فخرج منها الملائكة تعالى الله عن ذلك وقال بعض قريش ان الملائكة بنات الله فقال ابو بكر الصديق فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن كذا اخرج البيهقي فى شعب الايمان عن مجاهد وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ جملة معترضة إِنَّهُمْ اى قائلى هذا القول او الانس مطلقا او الجنة بمعنى يعم الملائكة وغيرهم لَمُحْضَرُونَ (158) فى النار. سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) اى عما يصفونه به من الولد والنسب جملة معترضة اخرى. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) استثناء متصل من ضمير انهم ان أريد به ما يعم المؤمن والكافر او منقطع ان أراد به القائلون بالولد. فَإِنَّكُمْ يا اهل مكة التفات من الغيبة الى الخطاب والفاء قيل جزائية

[سورة الصافات (37) : آية 162]

والشرط محذوف تقديره إذا جعلتم بينه وبين الجنة نسبا فانّكم وَما تَعْبُدُونَ (161) من الأصنام. ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ اى على الله متعلق بقوله بِفاتِنِينَ (162) اى بمضلين الناس بالإغواء أحدا. إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (163) فى علم الله يعنى من سبق لهم فما علم الله القديم الشقاوة-. وَما مِنَّا معشر الملائكة أحد إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (164) هذه الجملة بتقدير القول معطوف على قوله تعالى ولقد علمت الجنّة تقديره وقالت ما منّا الّا له مقام معلوم فى العبودية او فى السماوات يعبد الله فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطت «1» السماء وحق لها ان تاط والذي نفسى بيده ما فيها موضع اربعة أصابع الا وملك واضع جبهته ساجدا لله- رواه البغوي او مقام معلوم فى مراتب القرب لا يتجاوز عنه وكذا قال السدى الّا له مقام معلوم فى القربة والمشاهدة وقال ابو بكر الوراق الّا له مقام معلوم يعبد الله عليه كالخوف والرجاء والمحبة والرضاء- قلت واما الانس فلا يزال يرتقى على معارج القرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله سبحانه ما يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحببته الحديث. رواه البخاري عن ابى هريرة واما الملائكة فلا يتجاوزون عن مقاماتهم عن زرارة بن ابى اوفى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبرئيل هل رايت ربّك فانتفض جبرئيل وقال يا محمد ان بينى وبينه سبعين حجابا من نور لو دنوت من بعضها لاحترقت هكذا فى المصابيح ورواه ابو نعيم فى الحلية عن انس الا انه لم يذكر فانتفض جبرئيل عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله خلق اسرافيل منذ يوم خلقه صافا قدميه لا يرفع بصره بينه وبين الرب تبارك وتعالى سبعون نورا ما منها من نور يدنو منه الا احترق- رواه الترمذي وصححه وهذه الاية رد على عابدى الملائكة نظيره قوله تعالى لقد كفر الّذين قالوا انّ الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بنى إسرائيل اعبدوا الله ربّى وربّكم انّه من يّشرك بالله

_ (1) الأطيط صوت الاقتاب يعنى آواز پالان شتر قال فى النهاية يعنى انّ كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلتها حتى أطت وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة وان لم يكن ثمه اطيطه نور الله مرقده-

[سورة الصافات (37) : آية 165]

فقد حرّم الله عليه الجنّة ومأويه النّار. وَإِنَّا معشر الملائكة لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) اخرج ابن ابى حاتم عن يزيد بن مالك قال كان الناس يصلون متبدين فانزل الله وانّا لنحن الصّافّون فامرهم ان يصفوا- واخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه قال الكلبي صفوف الملائكة فى السماء للعبادة كصفوف الناس فى الأرض يعنى فى الصلاة روى مسلم عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها فقلنا يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها يتمون الصفوف الاولى وينراصون فى الصف- والمعنى وانا لنحن صافون أقدامنا فى أداء الطاعة. وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) اى المنزهون عما لا يليق به كاتخاذ الولد ونحو ذلك- وما فى انّ واللام وتوسيط الفصل من التأكيد والاختصاص انما هو للرد على من زعم انهم بنات الله والحصر إضافي بالنسبة الى الكفار يعنى لسنا كهيئة الكفار مشركين مصنعين فى العبادة والتسبيح. وَإِنْ كانُوا وانهم يعنى كفار مكة كانوا لَيَقُولُونَ (167) قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. لَوْ ثبت أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) اى كتابا من الكتب التي أنزلت عليهم. لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) يعنى لاخلصنا له العبادة ولم نخالف. فَكَفَرُوا بِهِ اى بالذكر الذي هو اشرف الاذكار لمّا جاءهم فَسَوْفَ الفاء للسببية فان الكفر سبب للوعيد يَعْلَمُونَ (170) عاقبة كفرهم وما يحل بهم من الانتقام ان مخففة للمثقلة واللام هى فارقة وفى ذلك ايماء بانهم كانوا يقولون مؤكدين للقول جازمين فيه فكم بين أولهم وآخرهم. وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173) بيان للكلمة ولذلك لم يعطف عليه قلت وانما يظهر التخلف لاجل شوم العصيان قال الله تعالى انّما استزلّهم الشّيطان ببعض ما كسبوا وقال الله تعالى. إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ اى اعرض عنهم حَتَّى حِينٍ (174) قال ابن عباس يعنى الموت وقيل يوم يأتيهم العذاب فى الدنيا وقال مجاهد يوم بدر وكذا اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم

[سورة الصافات (37) : آية 175]

عن السدّى وقال البغوي قال السدّى يوم يأمركم بالقتال وهو المراد بقول مقاتل نسختها اية القتال. وَأَبْصِرْهُمْ مغلوبا مقتولا معذّبا- فيه دلالة على انه كائن قريب كانّه قدامه فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) ما قضينا لك من التأييد والنصرة فى الدنيا والثواب فى الاخرة وما يحل بهم فى الدارين وسوف للوعيد لا للتبعيد- اخرج ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما انه متى نزل فسوف يبصرون قالوا متى هذا العذاب واخرج جويبر عنه نحوه فنزل. أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176) استفهام للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره أيجهلون شأننا فبعذابنا يستعجلون. فَإِذا نَزَلَ العذاب بِساحَتِهِمْ بفنائهم قال الفراء العرب يكتفى بذكر الساحة من القوم- او المعنى إذ نزل الرسول صلى الله عليه وسلم مع جيشه بساحة الكفار فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (177) اى صباحهم مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثرت الهجوم والغارة فى الصباح عادة سموا الغارة صباحا وان وقعت فى وقت اخر عن انس بن مالك رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج الى خيبر أتاها ليلا وكان إذا جاء قوما بليل لم يغز حتى يصبح- قال فلمّا أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيها «1» ومكاتلها «المكتل الزنبيل الكبير- نهاية منه ره» فلمّا راوه قالوا محمد والله والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله اكبر خربت خيبر انا إذا نزلنا بساحتهم فسآء صباح المنذرين رواه البغوي وفى الصحيحين عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزابنا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر إليهم فان سمع اذانا كفّ عنهم وان لم يسمع اذانا أغار عليهم فخرجنا الى خيبر فانتهينا إليهم ليلا فلمّا أصبح ولم يسمع اذانا ركب وركبت خلف ابى طلحة وان قدمى لتمس قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم قال فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم فلمّا راوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والله محمد والخميس فلجاءوا الى الحصن فلمّا راهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله اكبر الله اكبر خربت خيبر انا إذا نزلنا بساحة قوم فسآء صباح المنذرين ثم كرر الله سبحانه تأكيد الوعيد العذاب فقال. وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ العذاب إذا نزل بهم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) فيه اطلاق بعد تقييد للاشعار

_ (1) المساحي جمع مسحاة وهى المجرفة من الحديد والميم زائدة لانه من السحو اى الكشف والازالة 12 نهاية منه يرد الله

[سورة الصافات (37) : آية 180]

بانه يبصر وانهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من اصناف المسرّة وانواع المساءة او الاول لعذاب الدنيا والثاني لعذاب الاخرة-. سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ اى الغلبة والقوة أضاف الرب الى العزة لاختصاص به إذ لا عزة الا له او لمن انتسب اليه رسوله والمؤمنون به- وفيه اشعار بان صفاته تعالى مقتضيات لذاته- واجبات بالغير اى بذاته تعالى عَمَّا يَصِفُونَ (180) اى عما يصفونه به المشركون ممّا حكى فى السورة وقد أدرج فيه جملة صفاته السلبية والثبوتية مع الاشعار بالتوحيد. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) الذين وصفوه على ما هو عليه وهذا تعميم للرسل بالتسليم. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) على ما هدى المؤمنين الى معرفة ذاته وصفاته بإرسال الرسل وإنزال الكتب ونصرة الأنبياء وتدمير الأعداء عن على كرم الله وجهه انه قال من أحب ان يكتال بالمكيال الاوفى من الاجر يوم القيامة فليكن اخر كلامه من مجلسه سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين- رواه البغوي فى تفسيره وعبد بن رنجوية فى ترغيبه والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله تعالى وسلم على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى اصل طاعته أجمعين تمت تفسير سورة الصّافّات من التفسير المظهرى (ويتلوه ان شاء الله تعالى تفسير سورة ص) فى يوم السبت الثامن والعشرين من الجمادى اوّل من السنة السابعة بعد الف سنة 1207 ومائتين بتصحيح مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى.

سورة ص

سورة ص نحمدك يا من لا اله الّا أنت ونسبحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انّك مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شىء قدير أنت ربّنا وربّ السّموات والأرض ومن فيهن ونصلّى ونسلّم على رسولك وحبيبك سيّدنا ومولانا محمّد وعلى جميع النّبيين والمرسلين وعلى عبادك الصّالحين سورة ص مكيّة وهى ثمان وثمانون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج احمد والترمذي والنسائي والحاكم عن ابن عباس قال مرض ابو طالب فجاءته قريش وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم فشكوه الى ابى طالب فقال ابن أخي ما تريد من قومك فقال أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب وتؤدى إليهم العجم جزية قال كلمة واحدة قال ما هى قال لا اله الا الله فقالوا اجعل الالهة الها واحدا انّ هذا الشيء عجاب فنزل. ص الى قوله بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ- قيل هو قسم وقيل هو اسم السورة كما ذكرنا فى سائر حروف التهجي قال محمد بن كعب مفتاح اسمه الصمد وصادق الوعد- وقال الضحاك معناه صدق الله وروى عن ابن عباس صدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل هو امر من المصاداة ولذا قرئ بالكسر على وزن ناد ومعناه عارض من الصدى فانه تعارض الصوت الاول يعنى عارض القران بعملك والحق انه من المتشابهات وقد ذكرنا تحقيقها فى أوائل سورة البقرة وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) قال ابن عباس اى ذى البيان لما يحتاج اليه فى الدين من العقائد والشرائع والمواعيد او ذى عظة وقال الضحاك اى ذى الشرف كما فى قوله تعالى وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ والواو للقسم ان جعل ص اسم حرف مذكور للتحدى او الرمز لكلام صدق محمد صلى الله عليه وسلم او غيره او لفظ الأمر وللعطف ان جعل

[سورة ص (38) : آية 2]

مقسما به قال الأخفش جواب القسم ان كلّ الّا كذّب الرّسل فحقّ عقاب وهذا بعيد جدّا والظاهر ان الجواب محذوف دل عليه ما فى ص من الدلالة على التحدي او الأمر بالمعادلة اى انه لمعجز او الواجب العمل به او ان محمد الصادق او ان الأمر ليس كما يقول الكفار ويدل عليه قوله. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ اى استكبار عن الحق وحمية جاهلية وَشِقاقٍ (2) خلاف وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولاجل ذلك لا يؤمنون به او خلاف لما يقتضيه العقل والنقل والتنكير فيهما الدلالة على شدتهما فهو إضراب عن الجواب المقدر وقال قتادة هذا جواب القسم كما فى قوله تعالى ق والقرءان المجيد بل عجبوا وبل ابتدائية- وقال القتيبي بل لتدارك كلام ونفى اخر مجاز الاية ان الله اقسم بص والقرءان ذى الذّكر ان الذين كفروا من اهل مكة فى عزّة وشقاق.. كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ وعيد لهم على كفرهم استكبار او شقاقا فَنادَوْا عند نزول العذاب استغاثة او توبة واستغفارا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) اى ليس الحين حين مناص جملة كم أهلكنا معترضة لبيان ما لهم بعد بيان حالهم يعنى انهم يهلكون كما هلك من قبلهم ولا هى المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم وتغير حكمه فخصت بلزوم الأحيان وحذف أحد المعمولين اما الاسم واما الخبر والمحذوف هاهنا الاسم هذا مذهب الخليل وسيبويه وقال الأخفش هى النافية للجنس والخبر محذوف اى لا حين مناص كائن لكم وقيل هى نافية للفعل والنصب بإضماره تقديره لا ارى حين مناص حاصلا لهم والوقف على لات بالتاء عند الزجاج «وعند جميع القراء غير الكسائي- ابو محمد» وعند الكسائي لاه- بالهاء. وذهب جماعة الى ان التاء زيدت فى حين والوقف على لا ثم يبتدى تحين وهو اختيار ابى عبيد وقال كذلك وجدت فى مصحف عثمان رضى الله عنه وهذا كقول الشاعر والعاطفون تحين ما من عاطف والمطعمون زمان ما من مطعم- والمناص مصدر ميمى من ناصه ينوصه إذا فاته وفى القاموس النوص التأخر والمناص الملجأ قال ابن عباس كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا فى الحرب قال بعضهم لبعض مناص اى اهربوا وخذوا حذركم فلما انزل الله بهم العذاب ببدر قالوا مناص فانزل الله عز وجل ولات حين مناص اى ليس الحسين حين هذا القول والجملة

[سورة ص (38) : آية 4]

حال من فاعل نادوا اى استغاثوا والحال ان لا ملجاء ولا مهرب ولا اعتبر بهم كفار مكة-. وَعَجِبُوا عطف على الظرف المستقر اعنى فى عزّة وشقاق او حال من الضمير المستكن فيه بتقديرته تقديره بل الّذين كفروا كائنون فى عزّة وشقاق وقد عجبوا من أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ اى بشر من أنفسهم رسولا إليهم لينذرهم وَقالَ الْكافِرُونَ وضع الظاهر موضع الضمير غضبا عليهم وذمّا لهم واشعارا بان كفرهم جسرهم على ان قالوا هذا ساحِرٌ فيما يظهر من المعجزات كَذَّابٌ (4) فيما يقول. أَجَعَلَ محمول على حذف قالوا استئناف فى جواب ما قالوا حينئذ يعنى قالوا أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً الاستفهام للتعجب يعنى كيف جعل الالوهية التي كانت لجماعة لواحد إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5) بليغ فى العجب فانه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا ما نشاهد ونعاهد ان الواحد لا يفئ علمه وقدرته بالأشياء الكثيرة- قال البغوي وذلك ان عمر بن الخطاب لما اسلم شق ذلك على قريش وفرح بها المؤمنون فقال الوليد بن المغيرة للملأ من قريش وهم الصناديد والاشراف وكانوا خمسة وعشرين رجلا أكبرهم سنّا الوليد بن المغيرة قال امشوا الى ابى طالب فاتوا أبا طالب وقالوا أنت كبيرنا وشيخنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وانا اتيناك لتقضى بيننا وبين ابن أخيك فارسل ابو طالب الى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال يا ابن أخي هؤلاء قومك يسئلونك فلا تمل كل الميل على قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا تسئلون قالوا ارفض ذكر متناوندعك وإلهك فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم فقال ابو جهل لله أبوك لنعطيكها وعشر أمثالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا لا اله الا الله فتفرقوا من ذلك وقاموا وقالوا اجعل الالهة الها واحدا كيف يسع الخلق كلهم اله واحد انّ هذا الشيء عجاب قيل التعجيب ما له مثل والعجاب مالا مثل له. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ اى الاشراف من مجلس ابى طالب الذين كانوا فيه مِنْهُمْ اى من قريش وجملة انطلق عطف على قالوا اجعل الالهة الها واحدا أَنِ امْشُوا اى قائلين ان امشوا من مجلسكم هذه وَاصْبِرُوا اى اثبتوا عَلى عبادة آلِهَتِكُمْ حيث لا ينفعكم المكالمة

[سورة ص (38) : آية 7]

وان هى المفسرة لان الانطلاق عن مجلس التناول يشعر بالقول وقيل المراد بالانطلاق الاندفاع فى القول وامشوا من مشيت المرأة إذا كثرت ولادتها ومنه الماشية اى اجتمعوا إِنَّ هذا المذكور من التوحيد لَشَيْءٌ يُرادُ (6) منا هذه الجملة فى مقام التعليل على قوله امشوا قال البغوي وذلك ان عمر رضى الله عنه لما اسلم وحصل للمسلمين به قوة بمكانه قالت الكفار انّ هذا الشيء يراد قيل معناه هذا الذي نرى من زيادة اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لشئ من الله يراد بنا فلا مرد له وقيل يراد باهل الأرض وقيل بمحمد صلى الله عليه وسلم ان يملك علينا او يقال ان هذا الذي يدعيه محمد من التوحيد او الذي يقصد من الرياسة والترفع على العرب والعجم لشئ يتمنى او يريده كل أحد او ان دينكم يطلب ليؤخذ منكم. ما سَمِعْنا بِهذا الذي يقوله محمد من التوحيد وكلمة هذا للتحقير فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ قال ابن عباس والكلبي ومقاتل يعنون بها النصرانية لانها اخر الملل وهم لا يوحدون بل يقولون ثالث ثلاثة وقال مجاهد يعنون ملة قريش ودينهم الذي هم عليه اى ما سمعنا بهذا فى الملّة التي أدركنا عليه آباءنا ويجوز ان يكون ظرفا مستقرا فى محل الحال اى ما سمعنا من اهل الكتاب ولا الكهان هذا اى التوحيد كائنا فى الملة المترقبة التي هى اخر الملل إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7) اى كذب اختلقه.. أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ اى القران الاستفهام للانكار فهو بمعنى النفي فهو تأكيد لمضمون قولهم ان هذا الّا اختلاق مِنْ بَيْنِنا وليس بأكبرنا ولا اكثر منا فى المال والجاه وفيه دليل على ان منشأ تكذيبهم لم يكن الا الحسد وقصور النظر على الحطام الدنيوي قال الله تعالى بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي اى القران حيث كذبوا الجائى به إضراب للانكار واثبات للشك لميلهم الى التقليد واعراضهم عن الدليل يعنى ليس عندهم حجة يوجب علما يقينيا بما يقولون انه ساحر كذاب بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) ولو ذاقوا ما قالوا ذلك وسيذقونها وحينئذ يزول عنهم الشك ولا ينفعهم وبل للاضراب عن الشك واثبات يقينهم واعتقادهم بانتفاء حقيقة القران فاثبات الشك انما هو بالنظر الى انتفاء الحجة عندهم واثبات اليقين نظرا الى جهلهم المركب وزعمهم الفاسد تعنتا

[سورة ص (38) : آية 9]

وعنادا- وقيل بل في الموضعين ابتدائية ليست للاضراب فالجملة الاولى جواب لكلام الكفار والثانية تأكيد للاولى. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ اى نعمة ربك يعنى مفاتيح النبوة يعطوها من يشاءوا يعنى ليس الأمر كذلك فان النبوة عطية من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده لا مانع لما أعطاه فانه الْعَزِيزِ الغالب الذي لا يغلبه شىء الْوَهَّابِ (9) الذي يهب ما يشاء لمن يشاء أم منقطعة بمعنى بل والهمزة قيل للاضراب من دعوى الى دعوى اخر او الهمزة لانكار ذلك الدعوى وكذلك أم فى قوله. أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما لمّا أنكر عليهم التصرف فى النبوة بان ليس عندهم خزائن رحمته التي لا نهاية لها اردف ذلك بانه ليس لهم مدخل فى امر هذا العالم الجسماني الذي هو جزء يسير من خزائنه فمن اين لهم ان يتصرفوا فيها فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (10) جواب شرط محذوف اى ان كان لهم ذلك فليصعدوا فى المعراج التي يتوصلون بها الى العرش حتى يستروا عليه ويدبروا امر العالم فينزلوا الوحى الى من يتصفون وهو غاية التهكم بهم والأمر للتوبيخ والتعجيز قال قتادة ومجاهد أراد بالأسباب أبواب السماء وطرقها من سماء الى سماء وكل ما يوصلك الى شىء من باب او طريق فهو سببه. جُنْدٌ ما هُنالِكَ ما هذه للتقليل وجند خبر مبتدا محذوف اى هؤلاء الذين يقولون هذا القول جند قليل مَهْزُومٌ عن قريب صفة لجند وكذا قوله مِنَ الْأَحْزابِ (11) اى من احزاب الكفار المتحزبين على الرسل فى القرون الماضية فقهروا واهلكوا فمن اين لهم التدابير الالهية والتصرف فى الأمور الربانية او فلا تهتم بما يقولون قال قتادة اخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم انه سيهزم جند المشركين وقال سيهزم الجمع ويولّون الدّبر فجاء تأويلها يوم بدر وهنالك اشارة الى بدر ومصارعهم والظاهر انه اشارة الى حيث وضعوا أنفسهم وأتوا بمثل هذا القول العظم وتكذيبهم إياك-. كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ اى قبل اهل مكة قَوْمُ نُوحٍ تأنيث قوم من حيث المعنى وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) قال ابن عبّاس ومحمد بن كعب ذو البناء المحكم وقيل أراد الملك السديد الثابت قال القتيبي تقول هم فى العز الثابت الأوتاد يريدون انه

[سورة ص (38) : آية 13]

الدائم الشديد وقال الضحاك ذو القوة والبطش الشديد وقال عطية ذو الجنود والجموع الكثيرة يعنى انهم كانوا يقوّون امره ويشدون ملكه كما يقوى الوتد الشيء وايضا سميت الأجناد أوتادا لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتدونها فى أسفارهم وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال الكلبي ومقاتل الأوتاد جمع الوتد وكانت له أوتاد يعذب الناس عليها وكان إذا غضب على أحد مدّه مستلقيا بين اربعة أوتاد وشد كل يد وكل رجل الى سارية وتركه كذلك فى الهواء بين السماء والأرض حتى يموت وقال مجاهد ومقاتل بن حبان كان يمد الرجل مستلقيا على الأرض ثم يشد يديه ورجليه على الأرض بالأوتاد وقال السدى كان يمد الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقارب والحيات وقال قتادة كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب عليها بين يديه. وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ اى اصحاب الغيظة وهم قوم شعيب أُولئِكَ الْأَحْزابُ (13) اللام للعهد اى أولئك الأحزاب الذين مر ذكرهم فى قوله جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب الذين تحزبوا على الرسل ومشركوا مكة حزب منها. إِنْ كُلٌّ اى ما كل حزب منهم فعل شيئا إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ بيان لما أسند إليهم من التكذيب على الإبهام مشتملا على انواع من التأكيد ليكون تسجيلا على استحقاقهم أشد العذاب ولذلك رتب عليه فَحَقَّ عِقابِ (14) اى وجب عليهم وانزل بهم عذابى الذي يستحق ان يعقب الكفر قرأ يعقوب عقابى بالياء وصلا ووقفا والباقون بحذفها والاكتفاء على الكسرة وفى قوله كلّ كذّب الرّسل اما مقابلة الجمع بالجمع او جعل تكذيب واحد منهم تكذيبا لكلهم لاتحاد كلمتهم.. وَما يَنْظُرُ اى ما ينتظر عطف على قوله وقال الكافرون او حال هؤُلاءِ اى كفار قريش إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً اى نفخة الصور يعنى لا يؤمنون حتى يرووا العذاب الأليم حين لا ينفعهم ايمانهم ما لَها مِنْ فَواقٍ (15) صفة بعد صفة لصحيحة قرأ حمزة والكسائي «وخلف ابو محمد» بضم الفاء والباقون بفتحها وهما لغتان بالفتح لغة قريش وبالضم لغة تميم قال ابن عباس وقتادة معناه من رجوع وقال مجاهد نظرة وقال الضحاك مثنوية اى صرف وقال الفراء وابو عبيدة بالفتح بمعنى الراحة والافاقة كالجواب بمعنى الاجابة وذهب بها الى

[سورة ص (38) : آية 16]

افاقة المريض من غلبة المرض وبالضم ما بين الحلبتين وهى تحلب ناقة وتترك ساعة حتى يجتمع اللبن فى الضرع بين الحلبتين يعنى مالها مهلة مقدار ما بين الحلبتين قيل هما مستعاران من الرجوع لان اللبن يعود الى الضرع بين الحلبتين وافاقة المريض رجوعه الى الصحة يعنى لا رجوع الى الدنيا بعد الصيحة او إذا جاءت الصيحة لم ترد ولم تصرف او لا نظرة قدر ما بين الحلبتين او لا افاقة ولا راحة حينئذ قال الكلبي لمّا نزلت فى الحاقة فامّا من اوتى كتابه بيمينه وامّا من اوتى كتابه بشماله قالت كفار مكة استهزاء ربّنا عجّل لّنا قطنا فنزلت. وَقالُوا عطف على قال الكافرون رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا والقطّ هى الصحيفة التي احصت كل شىء كذا قال سعيد بن جبير عن ابن عباس يعنى عجل لنا كتابنا فى الدنيا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) وروى عن سعيد بن جبير انه قال يعنون عجّل لّنا حظنا ونصيبنا من الجنة التي يقول محمد وقال الحسن وقتادة ومجاهد والسدىّ يعنون عقوبتنا ونصيبنا من العذاب وقال عطاء هذا ما قاله النضر بن الحارث اللهمّ ان كان هذا هو الحقّ من عندك فامطر علينا حجارة من السّماء وعن مجاهد قال قطّنا حسابنا. اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ استهزاء وتكذيبا جملة مستأنفة وعطف عليه قوله وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ فان ذكر الأنبياء يقتضى الصبر على ما يكرهه الطبع وحبس النفس على الطاعة وعن المعصية ذَا الْأَيْدِ اى ذا القوة والبطش الشديد على الطاعة إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) اى رجّاع الى الله عما سواه والى الطاعة عن المعصية قال ابن عباس اى مطيع وقال سعيد بن جبير المسبّح بلغة الحبش وهو تعليل للايد دليل على ان المراد به القوة فى الدين روى الشيخان فى الصحيحين واحمد والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحب الصيام الى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وأحب الصلاة الى الله صلوة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام السدس الأخير من الليل.. إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ جملة سخّرنا الى قوله فصل الخطاب بيان لكرامة داود عليه السلام عند الله فكانّه بدل اشتمال لداود اى اذكر كرامة داود عند الله حيث

[سورة ص (38) : آية 19]

سخرنا له الجبال الى آخره يُسَبِّحْنَ حال وضع موضع مسبّحات لاستحضار الحال الماضية والدلالة على تجدد التسبيح منه حالا بعد حال بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (18) قال الكلبي غدوة وعشيّا والاشراق هو ان تشرق ويتناهى ضؤها وفسره ابن عباس بصلوة الضحى روى البغوي بسنده عن ابن عباس فى تفسير هذه الاية قال كنت أمن بهذه الاية لا أدرى ما هى حتى حدثتنى أم هانى بنت ابى طالب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علينا فدعا بوضوء فتوضا ثم صلى الضحى فقال يا أم هانى هذا صلوة الاشراق- وأخرجه الطبراني فى الأوسط وابن مردوية واخرج ابن جرير والحاكم عن عبد الله بن الحرث عن ابن عباس انه قال ما عرفت صلوة الضحى الا بهذه الاية وأخرجه سعيد بن منصور. وَالطَّيْرَ عطف على الجبال يعنى سخّرنا مَحْشُورَةً اى مجتمعة اليه من كل جانب تسبح معه كُلٌّ اى كل واحد من الجبال والطير لَهُ أَوَّابٌ (19) اى رجّاع الى التسبيح بتسبيحه والفرق بينه وبين ما قبله انه يدل على الموافقة فى التسبيح وهذا على المداومة عليها او المعنى كل واحد من داود والجبال والطير له اى لله تعالى اوّاب-. وَشَدَدْنا مُلْكَهُ اى قوّيناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود قال البغوي قال ابن عباس كان داود أشد ملوك الأرض سلطانا يحرس محرابه كل ليلة ست وثلاثون الف رجل روى البغوي عن عكرمة عن ابن عباس ان رجلا من بنى إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم عند داود ان هذا أغصبنى بقرا فسأله داود فجحد وسأل الاخر البينة ولم تكن له بينة فقال لهما داود قوما حتى أنظر فى أمركما فاوحى الله الى داود فى منامه ان يقتل الذي استعدى عليه فقال هذه رؤيا ولست اعجل حتى اثبت فأوحى اليه مرة اخرى فلم يفعل فاوحى اليه الثالثة ان يقتله او يأتيه العقوبة فارسل داود اليه فقال ان الله اوحى الىّ ان أقتلك قال تقتلنى بغير بينة قال نعم والله لانفذن امر الله فيك فلمّا عرف الرجل انه قاتله قال لا تعجل حتى أخبرك انى والله ما أخذت بهذا الذنب ولكنى كنت اغتلت والد هذا فقتلته فلذلك أخذت فامر به داود فقتله فاشتدت

[سورة ص (38) : آية 21]

هيبة فى بنى إسرائيل عند ذلك لداود واشتد به ملكه- وكذا روى عبد بن حميد وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ اى النبوة وكمال العلم وإتقان العمل وَفَصْلَ الْخِطابِ (20) قال البغوي قال على بن ابى طالب رضى الله عنه هو ان البينة على المدعى واليمين على من أنكر لان كلام الخصوم ينقطع وينفصل به- قال ويروى ذلك عن أبيّ بن كعب قال فصل الخطاب الشهود والايمان وهو قول مجاهد وعطاء بن ابى رباح وقال قال ابن مسعود والحسن والكلبي ومقاتل هو البصيرة فى القضاء وقال قال ابن عباس هو بيان الكلام يعنى الكلام الذي يظهر به المقصود على المخاطب من غير التباس يراعى فيه الفصل والوصل والعطف والاستئناف والإضمار والإظهار والحذف والتكرار ونحوها على ما بين فى علم البلاغة ولا يكون فيه اختصار مخل وإشباع ممل كما جاء فى حديث أم معبد الذي ذكرناه فى سورة التوبة فى قصة الهجرة فى تفسير قوله تعالى فانزل الله سكينته عليه وايّده بجنود لّم نزوها فى وصف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصل لا نزر ولا هذر اى لا قليل مخلّ ولا كثير مملّ وروى عن الشعبي ان فصل الخطاب هو قول الإنسان بعد حمد الله والثناء عليه اما بعد إذا أراد الشروع فى كلام قال البيضاوي انما سمى به اما بعد لانه يفصل المقصود عمّا سبق مقدمة له من الحمد والصلاة.. وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ استفهام ومعناه التعجب والتشويق الى استماع القصة والجملة معطوفة على اذكر والخصم فى الأصل مصدر ولذلك يصلح للاطلاق على المثنى والمجموع والمراد هاهنا متخاصمان وانما أورد صيغة الجمع فى قوله تعالى إِذْ تَسَوَّرُوا مجازا كما فى قوله تعالى فقد صنعت قلوبكما وهو تفعّل من السور كتسنم من السنام ومعناه إذ تصعدوا الْمِحْرابَ (21) اى القلعة سمى محرابا لانه يحرب عليه او المراد به المسجد لما انه يحرب فيه من الشيطان وجاز ان يكونوا جماعة كما يدل عليه الصيغة وضمائر الجمع وإذ متعلق بمحذوف اى نبأ تحاكم الخصم إذ تسوروا او بالنبا على ان المراد به الواقع فى عهد داود وان اسناد اتى اليه على حذف المضاف اى

قصة نبا الخصم او بالخصم لما فيه من معنى الفعل لا بأتى لان إتيانه الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن حينئذ- وهذه امتحان داود عليه السلام قال البغوي اختلف العلماء فى سببه فقال قوم سبب ذلك انه عليه السلام تمنى يوما من الأيام منزلة ابائه ابراهيم وإسحاق ويعقوب وسال ربه ان يمتحنه كما امتحنهم ويعطيه من الفضل ما أعطاهم فروى السدىّ والكلبي ومقاتل عن أشياعهم دخل حديث بعضهم فى بعض قالوا كان داود قسّم الدهر ثلاثة اقسام يوم يقضى بين الناس ويوم يخلو فيه لعبادة ربه ويوم لنسائه وأشغاله قلت واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن انه جزّ الدهر اربعة اجزاء فزاد ويوم للوعظ قالوا وكان داود يجد فيما يقرأ من الكتب فضل ابراهيم وإسحاق ويعقوب فقال يا رب ارى الخير كله قد ذهب به ابائى الذين كانوا من قبلى فاوحى الله اليه انهم ابتلوا ببلايا لم تبتل بها فصبروا عليها ابتلى ابراهيم بنمرود وبذبح ابنه وابتلى إسحاق بالذبح وبذهاب بصره وابتلى يعقوب بالحزن على يوسف فقال يا رب لو ابتليتني بمثل ما ابتليتهم لصبرت ايضا فاوحى الله اليه انك مبتلى فى شهر كذا فى يوم كذا فاحترس- فلمّا كان ذلك اليوم الذي وعده الله دخل داود محرابه وجعل يصلى ويقرأ الزبور فبينا هو كذلك إذ جاءه الشيطان قد تمثل فى صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن وقيل جناحاه من الدر والزبرجد فوقفت بين رجليه فاعجبه حسنها فمديده ليأخذها فيريها بنى إسرائيل فينظروا الى قدرة الله تعالى فلمّا قصد أخذها طارت غير بعيد من غير ان تؤيسه من نفسها فامتد إليها ليأخذها فتنحت فتبعها فطارت حتى وقعت فى كوة فذهب لياخذها فطارت من الكوة فنظر داود اين تقع فيبعث من يصيدها فابصر امراة فى بستان على شط بركة لها تغتسل هذا قول الكلبي وقال السدى راها تغتسل على سطح لها فراى امرأة من أجمل النساء خلقا فعجب داود من حسنها وحانت منها التفاته فابصرت ظلة فنقضت شعرها فغطت بدنها فزاده ذلك عجبا فسال عنها فقيل هى تشائع بنت شائع امراة أوريا بن حنانا وزوجها فى غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن اخت داود عليه السلام

[سورة ص (38) : آية 22]

فذكر بعضهم انه أحب ان يقتل أوريا ويتزوج امرأته فكان ذنبه هذا القدر- وذكر بعضهم انه كتب داود الى ابن أخته أيوب ان ابعث أوريا الى موضع كذا وقدّمه قبل التابوت وكان من قدّم التابوت لا يحل له ان يرجع وراءه حتى يفتح الله على يديه او يستشهد وقدّمه ففتح له فكتب الى داود بذلك فكتب اليه ايضا ان ابعثه الى عدوّ كذا وكذا فبعثه ففتح له فكتب الى داود بذلك فكتب اليه ايضا ان ابعثه الى عدو كذا وكذا أشد منه بأسا فبعثه فقتل فى المرة الثالثة- فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود فهى أم سليمان عليهما السلام- قال البغوي وعن ابن مسعود انه قال كان فى ذنب داود انه التمس من الرجل ان ينزل عن امرأته قال اهل التفسير كان ذلك مباحا لهم غير ان الله لم يرض له ذلك لانه كان رغبة فى الدنيا وازدياد النساء وقد أغناه الله عنها بما أعطاه من غيرها قال البغوي وروى عن الحسن انه كان جزّ الدهر اربعة اجزاء كما ذكر عبد بن حميد وغيره وزاد فلمّا كان يوم وعظ بنى إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ويبكيهم ويبكونه فقالوا هل يأتى على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا فاضمر داود فى نفسه انه سيطيق ذلك وقيل انهم ذكروا فتنة النساء فاضمر داود فى نفسه انه ان ابتلى اعتصم فلمّا كان يوم عبادته غلق أبوابه وامر ان لا يدخل عليه أحد وأكب على التوراة فبينا هو يقرا إذ دخلت عليه حمامة من ذهب كما ذكرنا قال وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه فكتب اليه ان يسير الى مكان كذا وكذا مكانا إذا سار اليه قتل ففعل فاصيب فتزوج امرأته قال فلمّا دخل داود بامراة أوريا لم يلبس الا يسيرا حتى بعث الله اليه ملكين فى صورة رجلين يوم عبادته فطلبا اى يدخلا عليه فمنعهما الحرس فتسورا المحراب عليه فما شعر وهو يصلى الا وهما بين يديه جالسين يقال كانا جبرئيل وميكائيل عليهما السلام-. إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ بدل من قوله إذ تسوّروا فَفَزِعَ مِنْهُمْ اى خاف داود من الخصم لانهما نزلا عليه من فوق فى يوم الاحتجاب والحرس على الباب لا يتركون من دخل عليه قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ اى نحن متخاصمان بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ

[سورة ص (38) : آية 23]

هذا الكلام على الفرض وقصد التعريض كانّهم قالوا ان كنا خصمين يعنى بعضنا على بعض فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ اى لا تجر يقال شط الرجل شططا وأشط أشطاطا إذا جار فى حكمه والمعنى مجاوزة الحد واصل الكلمة من شطت الدار واشطت إذا بعدت وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) سواء مصدر بمعنى الفاعل صفة للصراط أضيف اليه على طريقة اخلاق ثياب يعنى اهدنا الى طريق مستوى اى وسطه وهو العدل. إِنَّ هذا أَخِي اى على دينى وطريقى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً اى امراة العرب تكنى المرأة بالنعجة وقال الحسن بن الفضل هذا تعريض للتنبيه والتفهيم إذ لم يكن هناك نعاج والجملة الظرفية خبر بعد خبر لان وَلِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها نَعْجَةٌ واحِدَةٌ الجملة الظرفية منصوب على الحال والعامل فيه الظرف السابق فَقالَ عطف على قوله له تسع وتسعون نعجة أَكْفِلْنِيها قال ابن عباس اعطنيها وقال مجاهد انزل لى عنها يعنى طلقها لا تزوجها وحقيقته ضمها الىّ واجعلنى اكفّلها كما اكفّل ما تحت يدى وقيل معناه اجعلها كفلى ونصيبى وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) عطف على قال معناه غلبنى فى المخاطبة إياي محاجة قال الضحاك يعنى ان تكلم كان افصح منى وان حارب كان ابطش منى فالغلبة له لضعفى فى يده وان كان الحق معى وقيل معناه غلبنى فى خطبة المرأة اى خطبت المرأة وخطبها هو على خطبتى فغلبنى حتى تزوجها. قالَ داود بعد اعتراف صاحبه بذلك لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وقيل معناه ان كان الأمر كما تقول فلقد ظلمك والجملة جواب قسم محذوف قصد به المبالغة فى انكار فعل خليطه وتهجين طمعه والسؤال مصدر مضاف الى مفعوله وتعديته الى مفعول اخر بالى لتضمنه معنى الاضافة اى ظلمك بسؤال ان يضيف نعجتك الى نعاجه وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ اى الشركاء الذين خلطوا امرا لهم جمع خليط لَيَبْغِي اى ليظلم بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فانهم لا يظلمون أحدا جملة وانّ كثيرا عطف على لقد ظلمك وَقَلِيلٌ ما هُمْ اى وهم قليل وما مزيدة للابهام والتعجب من قلتهم. فلمّا قضى بينهما داود نظر أحدهما الى صاحبه فضحك وصعدا

فى السماء وَظَنَّ داوُدُ اى علم وأيقن عطف على قال لقد ظلمك أَنَّما فَتَنَّاهُ يعنى ان الله ابتلاه وامتحنه بتلك الحكومة هل يتنبه بها أم لا. قال السدى بإسناده ان أحدهما لمّا قال انّ هذا أخي الاية قال داود للاخر ما تقول فقال ان لى تسع وتسعون نعجة ولاخى نعجة واحدة وانا أريد ان أخذها منه فاكمّل نعاجى مائة وهو كاره قال إذا لا ندعك فان رمت ذلك ضربت هذا وهذا وهذا يعنى طرف الانف وأصله والجبهة. فقال يا داود أنت احقّ بذلك حيث لم يكن لاوريا الا امراة واحدة ولك تسع وتسعون امراة فلم تزل تعرضه للقتل حتى قتل وتزوجت امرأته فنظر داود فلم ير أحدا فعرف ما وقع فيه. وقال القائلون بتنزيه الأنبياء فى هذه القصة ان ذنب داود انما كان انه تمنى ان يكون امراة أوريا حلالا له فاتفق غزو أوريا وتقدمه فى الحرب فلمّا بلغ قتله داود لم يجزع عليه كما كان يجزع على غيره من جنده إذا هلك ثم تزوج امرأته فعاتبه الله على ذلك لان ذنوب الأنبياء ولو صغرت فهى عظيمة عند الله نظرا الى رفعة شأنهم وقيل كان ذنب داود ان أوريا كان خطب تلك المرأة ووطن نفسه عليها فلما غاب فى غزاته خطبها داود فزوجت منه لجلالته فاغتم لذلك أوريا فعاتبه الله على ذلك حيث لم يترك هذه الواحدة لخاطبها وعنده تسع وتسعون امراة- وذكر البغوي حديث انس بن مالك رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان داود النبي حين نظر الى المرأة فاهم قطع على بنى إسرائيل فاوصى صاحب البعث فقال إذا حضر العدو فقرب فلانا بين يدى التابوت وكان التابوت فى ذلك الزمان يستنصريه ومن قدم بين يدى التابوت لم يرجع حتى يقتل او ينهزم عنه الجيش فقتل زوج المرأة فنزل الملكان يقصان عليه القصة ففطن داود فسجد فمكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه وأكلت الأرض من جبهته وهو يقول فى سجوده ربّ ذل داود زلة ابعد ممّا بين المشرق والمغرب رب ان لم ترحم ضعف داود ولم تغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثا فى الخلوف من بعده فجاءه جبرئيل من بعد أربعين ليلة فقال يا داود ان الله قد غفر لك الهم الذي هممت به فقال داود ان الرب قادر على ان يغفر لى الهمّ الذي هممت به وقد عرفت

انّ الله عدل لا يميل فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال رب دمى الذي عند داؤد فقال جبرئيل ما سالت ربّك عن ذلك وان شئت لا فعلن قال نعم فعرج جبرئيل وسجد داؤد فمكث ما شاء الله ثمّ نزل فقال سالت الله يا داؤد عن الذي أرسلتني فيه فقال قل لداؤد ان الله يجمعكما يوم القيامة فيقول له هب لى دمك الذي عند داؤد ويقول هو لك يا رب فيقول ان لك فى الجنّة ما شئت وما اشتهيت عوضا عنه وروى عن ابن عباس وعن كعب الأحبار ووهب بن منبه قالوا جميعا ان داؤد لمّا دخل عليه الملكان فقضى على نفسه فتحولا عن صوريتهما فعرجا وهما يقولان قضى الرجل على نفسه وعلم داؤد انه انما عنى به فخرسا جدا أربعين يوما لا يرفع راسه الّا لحاجة ولوقت صلوة مكتوبة ثم يعود ساجدا تمام أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب وهو يبكى حتى نبت العشب حول رأسه وهو ينادى ربّه عزّ وجلّ ويسئله التوبة وكان من دعائه فى سجوده سبحان الملك الأعظم الذي يبتلى الخلق بما يشاء سبحان خالق النور سبحان الحائل بين القلوب سبحان خالق النّور الهى أنت خليت بينى وبين عدوى إبليس فلم أقم لفتنته إذ نزلت بي سبحان خالق النور الهى أنت خلقتنى وكان من سابق علمك ما انا اليه صائر سبحان خالق النور الهى الويل لداؤد إذا كشف عنه الغطاء فيقال هذا داؤد الخاطئ سبحان خالق النور الهى باىّ عين انظر إليك يوم القيامة وانّما ينظر الظالمون من طرف خفى سبحان خالق النور الهى باىّ قدم امشى امامك وأقوم بين يديك يوم تزول أقدام الخاطئين سبحان خالق النور الهى من اين يطلب العبد المغفرة الا من عند سيّده سبحان خالق النور الهى انا الذي لا أطيق حرّ شمسك فكيف أطيق حرّ نارك سبحان خالق النور الهى انا الذي لا أطيق صوت رعدك فكيف أطيق صوت جهنم سبحان خالق النور الهى الويل لداؤد من الذنب العظيم الذي أصاب سبحان خالق النور الهى قد تعلم سرّى وعلانيتى فاقبل عذرى سبحان خالق النور الهى برحمتك اغفر لى ذنوبى ولا تباعدني من رحمتك لهواى سبحان خالق النّور الهى أعوذ بنور وجهك الكريم من ذنوبى التي أوبقتني سبحان خالق النور الهى فررت إليك بذنوبي واعترفت بخطيئتي فلا تجعلنى من القانطين ولا تحزنى يوم الدّين

سبحان خالق النور- قال مجاهد فمكث داؤد أربعين يوما ساجدا لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينيه حتّى غطى رأسه فنودى يا داؤد اجائع فتطعم او ظمئان فتسقى او عار فتكسى فاجيب فى غير ما طلب قال فنحب نحبة هاج لها العود فاحترق من حرّ جوفه ثمّ انزل الله له التوبة والمغفرة- قال وهب ان داؤد أتاه نداء انى قد غفرت لك قال يا ربّ كيف وأنت لا تظلم أحدا قال اذهب الى قبر أوريا فناده فانا أسمعه نداءك فتحلل منه قال فانطلق وقد لبس المسوح حتّى جلس عند قبر أوريا ثم ناداه فقال لبّيك من هذا الّذى قطع عنّى لذّتى وأيقظني قال انا داؤد قال ما جاء بك يا نبى الله قال أسئلك ان تجعلنى فى حلّ ممّا كان منّى إليك قال وما كان منك الىّ قال عرضتك للقتل قال قد عرضتنى للجنة فانت فى حل فاوحى الله الى داود يا داود الم تعلم انى حكم عدل لا أقضي بالتعنت الا أعلمته انّك قد تزوّجت امرأته قال فرجع اليه فناداه فاجابه فقال من هذا الذي قطع عنى لذّتى قال انا داود قال يا نبى الله أليس قد عفوت عنك قال نعم ولكن انما فعلت ذلك بك لمكان امرأتك وقد تزوجتها قال فسكت ولم يجبه ودعاه فلم يجبه عاوده فلم يجبه فقام عن قبره وجعل يحثو التراب على رأسه ثم نادى الويل لداود ثم الويل لداود ثم الويل الطويل لداود سبحان خالق النور والويل لداود إذا نصب الموازين بالقسط سبحان خالق النور الويل لداود ثم الويل الطويل لداود حين يؤخذ بذقنه فيدفع الى المظلوم سبحان خالق النور الويل لداؤد ثم الويل الطويل لداؤد حين يسحب على وجهه مع الخاطئين الى النار سبحان خالق النّور- فاتاه نداء من السّماء يا داود قد غفرت لك ذنبك ورحمت على بكائك واستجبت دعائك وأقلت عثرتك قال يا رب كيف وصاحبى لم يعف عنّى قال يا داؤد أعطيه من الثواب يوم القيامة ما لم تر عيناه ولم يسمع أذناه فاقول له رضيت عن عبدى داود فيقول يا رب من اين لى هذا ولم يبلغه عملى فاقول هذا عوض عن عبدى داود فاستوهبك منه فيهبك لى قال يا ربّ الان قد عرفت انّك قد غفرت لى فذلك قوله عزّ وجلّ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ لذنبه وَخَرَّ راكِعاً اى ساجدا على تسمية السجود ركوعا لانه مبدؤه وقيل معناه خرّ اى سجد بعد ما كان راكعا كانه احرم بركعتى الاستغفار فسجد فى الصّلوة وَأَنابَ (24) اى رجع الى الله بالتوبة-

واستدلت الحنفية لهذه الاية على انه من قرأ اية السجدة وركع على الفور بنية سجود التلاوة أجزأه لان الله سبحانه قال خرّ راكعا اطلق الركوع على السجود فعلم منه ان المقصود هو التعظيم لا خصوصية السجود ومعنى التعظم فيهما واحد والحاجة الى تعظيم الله تعالى اما اقتداء بمن عظّم او مخالفة لمن استكبر وهذا هو الظاهر فلهذا سمى قياسا- وقالت الائمة الثلاثة لعدم اجزاء الركوع عن السجود وهو الاستحسان وجه الاستحسان ان الواجب التعظيم بجهة مخصوصة وهى السجود بدليل انه لو لم يركع على الفور حتى طاعت القراءة ثم نوى ان يقع الركوع عن السجدة لا يجوز اجماعا وتسمية السجود بالركوع فى هذه الاية غير مسلم ولو سلم فهو مجاز محض وذلك لا يقتضى قيام أحدهما مقام الاخر- واختار ابو حنيفة رحمه الله هاهنا القياس على الاستحسان لقوة تأثيره وذلك باعتضاده بما روى عن ابن مسعود وابن عمر انهما كانا أجازا ان يركع عن السجود فى الصلاة ولم يرو من غيرهما خلاف ذلك ولا ترجيح للقياس الخفي بخفائه ولا للظاهر بظهوره بل يرجع فى الترجيح الى ما اقترن بهما من المعاني وقوة القياس الظاهر المتبادر بالنسبة الى الخفي المعارض له فى غاية العلة فلذا حصروا مواضع تقديم القياس على الاستحسان فى بضع عشر موضعا يعرف فى الأصول هذا أحدها ولا حصر لمقابله- (مسئلة) ولو ركع على فور تلاوة اية السجدة ولم ينو للتلاوة ثم سجد سقط سجدة التلاوة بالسجدة الصلاتية نوى او لم ينو وكذا لو قرأ بعد اية السجدة اية او ايتين عند ابى حنيفة رحمه الله خلافا للجمهور وفى ثلاث آيات اختلفت الرواية عن ابى حنيفة وفيما زاد على الثلاث لا ينوبه ركوع ولا سجدة صلاتية سواء نوى او لم ينو- (مسئلة) ويجب عليه قضاء سجدة التلاوة ما دام فى الصلاة عند ابى حنيفة رحمه الله كذا قال جمهور الحنفية وظن محمد بن سلمة ان قيام السجدة الصلبية مقام سجدة التلاوة قياس وفى الاستحسان لا يجوز لان السجدة الصلاتية قائم مقام نفسها بأ فلا يقوم مقام غيرها كصوم يوم من رمضان لا يجوز ان يقوم عن نفسه وعن قضاء يوم اخر

فالقياس فيه مقدم على الاستحسان واما قيام الركوع مقام سجدة التلاوة فالقياس يأبى عنه وهو الظاهر وفى الاستحسان يجوز وهو الخفي فهو من باب تقديم الاستحسان على القياس- (مسئلة) يجب السجود على من تلا هذه الاية من ص عند ابى حنيفة رحمه الله وعند مالك سنة كقوله فى مطلق سجود التلاوة وكذا عند احمد فى احدى الروايتين وقال الشافعي واحمد فى الرواية المشهور عنه انها سجدة شكر يستحب فى غير الصلاة ولا يجوز فى الصلاة احتج ابن الجوزي على انها ليست من عزائم السجود بحديث ابن عباس قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فى ص قال ابن عباس وليست من عزائم السجود- رواه ابن الجوزي من طريق الترمذي وقال قال الترمذي هذا حديث صحيح قلت ورواه البخاري فى الصحيح عن ابن عباس قال سجدة ص ليس من عزائم السجود وقد رايت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها وفى رواية قال مجاهد قلت لابن عباس أاسجد فى ص فقرأ ومن ذرّيّته داود وسليمان حتى اتى على قوله فبهديهم اقتده فقال نبيكم ممن امر ان يقتدى بهم وهذا يقتضى الوجوب فهو حجة لنا لا علينا وقول ابن عباس ليست من عزائم السجود موقوف يعارضه قوله نبيكم صلى الله عليه وسلم أمران يقتدى بهم والمرفوع فعله صلى الله عليه وسلم واحتج ابن الجوزي ايضا بحديث ابى سعيد الخدري قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما قرأ ص فلمّا مرّ بالسجود نزل فسجد وسجدنا معه وقرأها اخرى فلما بلغ السجدة نشرنا للسجود فلما رأنا قال انما هى سجدة توبة نبى ولكنى أراكم قد استعددتم للسجود فنزل فسجد وسجدنا- رواه ابن الجوزي من طريق الدار قطنى وهذا ايضا ممّا لا حجة علينا فيه غاية ما فى الباب ان يكون فيه دلالة على عدم وجوب سجود التلاوة مطلقا كما قال به الجمهور وهو المختار عندى للفتوى وبه قال الطحاوي من الحنفية خلافا لابى حنيفة رحمه الله ولنا ايضا حديث ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم سجد فى ص- رواه ابن الجوزي من طريق الدار قطنى وحديث ابى سعيد ان رسول الله سجد فى ص- رواه الطحاوي وابو داود والحاكم و

ذكر البيهقي عن جماعة من الصحابة انهم سجدوا فى ص عن السائب بن يزيد قال صليت خلف عمر الفجر فقرأ بنا سورة ص فسجد فيها فلمّا قضى الصلاة قال له رجل يا امير المؤمنين من عزائم السجود هذه فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها- وعن ابى مريم قال لمّا قدم عمر الشام اتى محراب داود فصلى فيه فقرأ سورة ص فلمّا انتهى الى السجدة سجد وحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم سجد فى ص وقال سجدها داود توبة ونسجدها شكرا- رواه النسائي من حديث حجاج بن محمد عن عمر بن ذر موصولا ورواه الدار قطنى ورواه الشافعي فى الام عن ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى من وجه اخر من حديث عبد الله بن بزيع عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأعله بابن بزيع قال قال ابن عدى ليس ممن يحتج به وصححه ابن السكن كذا قال ابن حجر قال ابن همام غاية ما فيه انه صلى الله عليه وسلم بين السبب فى حق داود والسبب فى حقنا كون الشكر سببا لا ينافى الوجوب فان الفرائض والواجبات انما وجبت شكرا لتوالى النعم وفى مسند ابى حنيفة روى ابو حنيفة عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري عن ابى موسى ان النبي صلى الله عليه وسلم سجد فى ص- واخرج احمد عن بكر بن عبد الله المزني عن ابى سعيد رضى الله عنه قال رايت رويا وانا اكتب سورة ص فلمّا بلغت السجدة رايت الدوات والقلم وكل شىء يحضرنى انقلب ساجدا قال فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسجدها قال ابن همام فافادان الأمر صار الى المواظبة عليها كغيرها من غير ترك واستقر عليه بعد ان كان قد لا يعزم عليها فظهر ان ما رواه ان تمت دلالته كان قبل هذه القصة- (فصل) عن ابن عباس قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رايتنى الليلة وانا نائم كانى أصلي خلف شجرة فسجدتّ فسجدت الشجرة بسجودى فسمعتها تقول اللهم اكتب لى بها عندك اجرا وضع عنى بها وزرا واجعلها لى عندك زخرا وتقبلها منى كما تقبلتها من عبدك داود قال ابن عباس فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سجدة

[سورة ص (38) : آية 25]

ثم سجد فقال مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة- رواه الترمذي (وقال هذا حديث غريب) وابن حبان والحاكم وكذا روى ابن ماجة الا انه لم يذكر وتقبلها منى كما تقبلت من عبدك داود. فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ اى ما استغفر عنه وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا بعد المغفرة لَزُلْفى اى قربا غير متكيف ومكانة حصلت بكمال الندم والاستغفار بحيث لولا تلك الزلة لما حصلت وقيل معناه وانّ له زلفى اى زيادة خير فى الدنيا ومكانة وَحُسْنَ مَآبٍ (25) حسن مرجع ومنقلب فى الاخرة- قلت والظاهر ان من روى ان داود عليه السلام بعث مرة بعد مرة أوريا الى المغازي وأراد منه ان يقتل ليتزوج بعده زوجته فهو كذب مفترى حاشاه عن ذلك وعامة ما يدل عليه لفظ القران انه عليه السلام ودّ ان يكون له ما لغيره وكان له تسعا وتسعين من أمثاله فنبهه الله بهذه القضية فاستغفروا ناب عنه قال صاحب المدارك روى ان اهل زمان داود عليه السلام كان يسئل بعضهم بعضا ان ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته وكان لهم عادة فى المواساة بذلك كما كان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك فاتفق ان عين داود عليه السلام وقعت على امراة أوريا فاحبها فساله النزول له عنها واستحيى أوريا ان يرد قوله ففعل فتزوجها- قلت ولم يفعل داود عليه السلام مثل ما فعل نبينا صلى الله عليه وسلم حين أعجبته زينب حيث قال لزيد امسك عليك زوجك واتّق الله فزوجها الله إياه ولاجل ذلك عاتب الله داود عليه السلام فاستغفر ربّه وأناب ولفظ القران يؤيد هذه الرواية حيث ادعى المدعى بقوله قال أكفلنيها وعزّنى فى الخطاب ولم يقل أراد قتلى وحكم داود بانه قد ظلمك بسؤال لعجتك الى نعاجه والله اعلم- قال البغوي قال وهب بن منبه ان داود لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة ولا يرتى ادمعه ليلا ولا نهارا وكان أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة فقسم الدهر بعد الخطيئة على اربعة ايام يوم للقضاء بين بنى إسرائيل ويوم لنسائه ويوم يسبح فى الفيافي والجبال ويوم يخلو فى داره فيها اربعة آلاف محراب فيجتمع اليه الرهبان فينوح

معهم على نفسه فيساعدونه على ذلك فاذا كان يوم سياحتهم يخرج فى الفيافي ويرفع صوته بالمزامير فيبكى ويبكى معه الجبال والحجارة والدواب والطير حتى يسيل اودية من بكائهم ثم يجئ الى الساحل فيرفع صوته بالمزامير فيبكى او يبكى معه الحيتان ودواب البحر وطير الماء والسباع فاذا امسى رجع فاذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه ان اليوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده فيدخل الدار التي فيها المحاريب فبسط ثلاث فرش من مسوح حشوها ليف فيجلس عليها ويجئ اربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفى أيديهم العصا فيجلسون فى تلك المحاريب ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه ويرفع الرهبان معه أصواتهم فلا يزال يبكى حتى يغرق الفرش من دموعه ويقع داود فيها مثل الفرخ ويضطرب فيجئ ابنه سليمان عليهما السلام فيحمله فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح وجهه ويقول يا رب اغفر لى ما ترى فلو عدل بكاء داود ببكاء اهل الدنيا لعدله قال وهب ما رفع داود رأسه حتى قال له ملك أول أمرك ذنب وآخره مغفرة ارفع رأسك فرفع رأسه فمكث حياته لا يشرب ماء الا مزجه بدموعه ولا يأكل الطعام إلا بله بدموعه وذكر الأوزاعي مرفوعا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مثل عينى داود كالقربتين تنفطان ماء ولقد خدت الدموع فى وجهه كخديد الماء فى الأرض- قال وهب لمّا تاب الله على داود قال يا رب غفرت لى فكيف لى ان لا انسى خطيئتى فاستغفر منها وللخاطئين الى يوم القيامة قال فرسم الله خطيئته فى يده اليمنى فما رفع فيها طعاما ولا شرابا الا بكى إذا راها وما كان خطيبا للناس الا بسط راحته فاستقبل الناس ليروا رسم خطيئته وكان يبدئ إذا دعا فاستغفر للخاطئين قبل نفسه- وقال قتادة عن الحسن كان داود بعد الخطيئته لا يجالس الا الخاطئين يقول تعالوا الى داود الخاطئ ولا يشرب شرابا الا مزجه بدموع عينيه وكان يجعل خبز الشعير اليابس فى قطعة فلا يزال يبكى حتى يبل بدموع عينيه وكان يذر عليه الملح والرماد فياكل ويقول هذا أكل الخاطئين- قال وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر فلمّا كان من خطيئته ما كان صام الدهر كله وقام الليل كله وقال

[سورة ص (38) : آية 26]

ثابت كان داود إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله فلا يشدها الا الاسر وإذا ذكر رحمة الله تراجعت- وفى القصة ان الوحوش والطير كانت تستمع الى قراءته فلمّا فعل ما فعل كانت لا تصغى الى قراءته فروى انها قالت يا داود ذهبت خطيئتك بحلاوة صوتك-. يا داوُدُ تقديره وقلنا يا داود معطوف على قوله فغفرنا له ذلك إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ استخلفناك على الملك او جعلناك خليفة «1» ممن قبلك من الأنبياء العالمين بالحق فَاحْكُمْ الفاء للسببية بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ اى بحكم الله وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى عطف على فاحكم اى لا تتبع ما يهويه نفسك فَيُضِلَّكَ منصوب فى جواب النهى عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى عن دلائله التي نصبها الله على الحق فيه دليل على انه من اتبع هواه اختل رايه وضل فى اجتهاده كما ترى فى اثنين وسبعين فرقة ممن يدعى الإسلام إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) اى بسبب نسيانهم يوم الحساب فان تذكر ذلك اليوم يقتضى ملازمته ومخالفة الهوى والجملة مستأنفة-. وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا لا حكمة فيه او ذوى باطل يعنى مبطلين عابثين او للباطل الذي هو متابعة الهوى بل للحق الذي هو الاستدلال على وجود الصانع وشكر نعمته بامتثال أوامره وانتهاء مناهيه جملة معترضة وكذلك قوله ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا حيث ينكرون البعث وينكرون ثواب المطيع لمن خلق وعذاب

_ (1) عن عمر بن الخطاب انه سال طلحة والزبير وكعبا وسلمان ما الخليفة من الملك فقال طلحة والزبير ما ندرى فقال سلمان الخليفة الذي يعدل فى الرعية ويقسم بينهم بالسوية ويشفق عليهم شفقة الرجل على اهله ويقضى بكتاب الله فقال كعب ما كنت احسب ان فى المجلس أحدا يعرف الخليفة من الملك غيرى. وعن سلمان ان عمر قال له انا ملك او خليفة فقال سلمان ان أنت جئت من ارض المسلمين درهما او أقلّ او اكثر ثم وضعته فى غير حقه فانت ملك غير خليفة فاستعبر عمر- وعن سليمان بن ابى العوجاء قال قال عمر بن الخطاب ما أدرى اخليفة انا أم ملك قال قائل يا امير المؤمنين ان بينهما فرقا قال ما هو قال الخليفة لا يأخذ الا حقا ولا يضعه الا فى حق وأنت بحمد الله كذلك والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطى هذا فسكت عمر- وعن معاوية انه كان يقول إذا جلس المنبر يا ايها الناس ان الخلافة ليست بجمع المال ولا بتفريقه ولكن الخلافة العمل بالحق والحكم بالعدل وأخذ الناس بامر الله منه رحمه الله

[سورة ص (38) : آية 28]

العاصي وذلك يقتضى كون خلقها عبثا لا حكمة فيه فَوَيْلٌ التنكير للتعظيم والفاء للسببية لِلَّذِينَ كَفَرُوا وضع المظهر موضع الضمير للذم والتقبيح مِنَ النَّارِ (27) من السببية. أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة لانكار التسوية بين الفريقين التي هى من لوازم خلقها باطلا ليدل على نفيه وبل للاضراب عما سبق من ظن بطلان خلق السماوات والأرض وكذا التي فى قوله أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) أنكر اولا التسوية بين المؤمنين والكافرين ثم بين المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم ويجوز ان يكون تكريرا للانكار الاول باعتبار الوصفين الأخيرين المانعين التسوية من الحكيم وهذه الاية برهان عقلى تدل على وجوب القول بالحشر إذ لا تفاضل بينهما فى الدنيا غالبا بل الغالب فيها عكس ما يقتضيه الحكمة فلا بد ان يكون لهم محل اخر يجازون فيها وقال مقاتل قال كفار قريش انا نعطى فى الاخرة من الخير ما تعطون فنزلت هذه الاية. كِتابٌ اى هذا القران كتاب من الله أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ كثير خير ونفعة لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ اى ليتفكروا فيها يعنى تتفكر أنت وعلماء أمتك فيعرفوا ما يدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة والمعاني المستنبطة او يتفكر كل من له عقل فيعلم انه من الله ولا يتصور إتيانه من البشر قال الحسن تدبر آياته اتباعها وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29) اى ليتعظ به ذوى العقول السليمة او يستحضروا ما هو المركوز فى عقولهم من فرط تمكنهم من معرفته بما نصب عليه من الدلائل فان الكتب الالهية بيان لما لا يعرف الا من الشرع وارشاد الى ما لا يستقل به العقل ولعل التدبر للمعلوم الاول والتذكر للثانى.. وَوَهَبْنا عطف على قوله فغفرنا له وما بينهما معترضات لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ سليمان إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) تعليل للمدح لانه رجاع الى الله تعالى بالتوبة او الى التسبيح مرجع له. إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ ظرف لاوّاب او لنعم والضمير لسليمان بِالْعَشِيِّ اى فى العشى يعنى بعد الظهر الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31) الصافن من الخيل

[سورة ص (38) : آية 32]

الذي يقوم على ثلاثة قوائم وطرف حافر الرابع وهى من الصفات المحمودة فى الخيل والجياد جمع جواد او جود وهو الذي يسرع فى جريه وقيل جمع جيد قال ابن عباس يريد الخيل السوابق قيل وصفها بالصفون والجودة ليجمع لها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية اعنى إذا وقف كانت ساكنة مطمئنة فى مواقفها وإذا سارت كانت خفافا سراعا قال الكلبي غزا سليمان اهل دمشق ونصيبين وأصاب منهم الف فرس وقال مقاتل ورث سليمان من أبيه داود الف فرس ويرد هذا القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة- اخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابراهيم التيمي قال كانت عشرين الف فرس ذات اجنحة فعقرها واخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عوف عن الحسن قال بلغني ان الخيل التي عقر سليمان كانت خيلا ذوات اجنحة أخرجت له من البحر لم يكن لاحد قبله ولا بعده- وذكر البغوي عن عكرمة قال كانت عشرين الف فرس لها اجنحة وقالوا فصلى سليمان صلوة الظهر وقعد على كرسيه وهى تعرض عليه فعرضت عليه تسع مائة فتنبه لصلوة العصر فاذا الشمس قد غربت وفاتت الصلاة ولم يعلم بذلك هيبة له فاغتم لذلك.. فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ عطف على جمل محذوفة تقديره إذ عرض عليه بالعشيّ الصّافنات الجياد فاشتغل بها حتى فاته العصر فقال انّى أحببت حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي اى اثرت حب الخير اى المال الكثير والمراد به الخيل التي شغله او اطلق الخير على الخيل لان العرب تعاقب بين اللام والراء فيقول ختلت الرجل وخترته اى خدعته وقيل سميت الخيل خيرا لانه معقود فى نواصيها الخير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل معقود فى نواصيها الخير الى يوم القيامة الاجر والمغنم- روى هذا الحديث فى الصحيحين وغيرهما عن عدة من الصحابة وكان الأصل ان يعدى أحببت بمعنى اثرت بعلى لكن لمّا أنيب مناب أنبت عدى بعن وقيل أحببت بمعنى تقاعدت وحبّ الخير منصوب على العلية والمعنى تقاعدت لحب الخير فى القاموس أحب البقر برك فلم يثر حَتَّى تَوارَتْ اى الشمس أضمرت من غير ذكرها لدلالة العشىّ عليها بِالْحِجابِ (32)

[سورة ص (38) : آية 33]

اى غربت واستترت بما يحجبها عن الابصار قال البغوي يقال الحجاب جبل دون قاف بمسيرة سنة والشمس تغرب من ورائه. رُدُّوها عَلَيَّ بتقدير القول عطف على قال انّى أحببت وقال ردّوها اى الصافنات علىّ فردوها عليه فَطَفِقَ اى أخذ عطف على قال ردّوها علىّ مَسْحاً اى يمسح السيف مسحا بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (33) اى بسوقها وأعناقها يعنى قطعها من قولهم مسح علاوته إذا ضرب عنقه هذا قول ابن عباس والحسن وقتادة ومقاتل واكثر المفسرين اخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال عقرها بالسيف واخرج الطبراني فى الأوسط والإسماعيلي فى معجمه وابن مردوية بسند حسن عن ابى بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قطع سوقها وأعناقها بالسيف وكان ذلك بإذن الله تعالى توبة عما غفل من ذكره وتقربا اليه وطلبا لمرضاته. قال الحسن فلمّا عقر الخيل أبدله الله خيرا منها واسرع وهى الريح تجرى بامره وقال بعض المفسرين انه ذبحها وتصدق بلحومها وكان لحوم الخيل حلالا كما هو فى شريعتنا عند الجمهور خلافا لابى حنيفة فانه قال يكره- وقال قوم معناه انه حبسها فى سبيل الله وكوى سوقها وأعناقها بكى الصدقة وقال البغوي حكى عن على كرم الله وجهه فى قوله ردّوها علىّ يقول سليمان بامر الله تعالى للملائكة المؤكلين بالشمس ردّوها اى الشمس علىّ فردوها عليه حتى صل العصر فى وقتها وذلك انه كان يعرض عليه الخيل للجهاد فى سبيل الله حتّى توارت بالحجاب وقال الزهري وابن كيسان يمسح سوقها وأعناقها بيده يكشف الغبار عنها حبّا لها وشفقة عليها قال البغوي هذا قول ضعيف والمشهور هو الاول قلت ويأبى عن هذا القول ما قال سليمان تأسفا انّى أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّى حتّى توارت بالحجاب.. وَلَقَدْ فَتَنَّا اى اختبرنا وابتلينا سُلَيْمانَ جواب قسم محذوف عطف على وهبنا وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لاطرفن الليلة على تسع وتسعين امراة وفى رواية بمائة امراة كلهن يأتى بفارس يجاهد فى سبيل الله فقال له الملك قل ان شاء الله فلم يقل ونسى فطاف عليهن فلم تحمل منهن الا امراة واحدة جاءت يشق رجل وايم الذي نفس محمد بيده

لو قال ان شاء الله لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا أجمعون. متفق عليه قيل فجاءت القابلة بذلك الشق فالقت على كرسيه فذلك قوله تعالى ولقد فتنّا سليمان وألقينا على كرسيّه جسدا ثُمَّ أَنابَ (34) اى رجع عن ترك الاستثناء فى المستقبل كذا قال طاؤس وهذا التأويل اولى الأقاويل لقوة حديث الصحيحين والقول بتنزيه الأنبياء عن السوء ولان الجسد جسم لا روح فيه فيصدق على هذا التأويل بلا تمحل- واخرج الطبراني فى الأوسط وابن مردوية بسند ضعيف عن ابى هريرة انه قال ولد لسليمان ابن فقالت الشياطين ان عاش لم ننفك من السخرة فسبيلنا ان نقتله او نخبله فعلم ذلك سليمان فكان يقدوه فى السحاب خوفا من غرة الشياطين فما شعر به الا ان القى على كرسيه ميتا فتنة على زلته فى ان لم يتوكل فيه على ربه. وقال البغوي ذكر محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه قال سمع سليمان عليه السلام بمدينة فى جزيرة البحر يقال لها صيدون بها ملك عظيم الشأن لم يكن للناس اليه سبيل لمكانه فى البحر وكان الله قد اتى سليمان فى ملكه سلطانا لا يمتنع عليه شىء فى بر ولا بحر انما يركب اليه الريح فخرج الى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجن والانس فقتل ملكها واستفاء ما فيها وأصاب فيما أصاب بنتا لذلك الملك يقال لها جرادة لم يروا مثلها حسنا وجمالا واصطفاها لنفسه ودعاها الى الإسلام فاسلمت على جفاء منها وأحبها حبّا شديدا لم يحب شيئا من نسائه وكانت على منزلتها عنده ولا تذهب حزنها ولا يرقى دمعها فشق ذلك على سليمان فقال لها ويحك ما هذا الحزن الذي لا تذهب والدمع الذي لا يرقى قالت ان ابى اذكره واذكر ملكه وما كان فيه وما أصاب به فيحزننى ذلك قال سليمان فقد أبدلك الله به ملكا هو أعظم من ملكه وسلطانا هو أعظم من سلطانه وهداك الإسلام وهو خير من ذلك كله قالت ذلك كذلك ولكنى إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن فلو أنك أمرت الشياطين فصوروا صورته فى دار التي انا فيها وأراها بكرة وعشية لرجوت ان يذهب ذلك حزنى وان يسلّى عنى بعض ما أجد فى نفسى فامر سليمان الشياطين فقال مثلو لها

صورة أبيها فى دارها حتى لا ينكر منها شيئا فماثلوه لها حتى نظرت الى أبيها بعينه الا انه لا روح فيه فعمدت اليه حين صنعوه فاردّته وقمّصته وعمّمته بمثل ثيابه التي كان يلبسها- ثم كانت إذا خرج سليمان من دارها تغدو عليه فى ولائدها حتى تسجد له ويسجدن له كما كانت تصنع فى ملكه وتروح عشية بمثل ذلك- وسليمان لا يعلم بشئ من ذلك أربعين صباحا فبلغ ذلك اصف بن برخياء وكان صديقا وكان لا يرد عن أبواب سليمان اى ساعة أراد دخول شىء من بيوته دخل حاضرا كان سليمان او غائبا فاتاه فقال يا نبى الله كبر سنى ورق عظمى ونفد عمرى وقد حان منى الذهاب فقد أحببت ان أقوم مقاما قبل الموت اذكر فيه من مضى من أنبياء الله واثنى عليهم بعلمي فيهم واعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم فقال افعل. فجمع له سليمان الناس فقام فيهم خطيبا فذكر من مضى من أنبياء الله تعالى واثنى على كل نبى بما فيه فذكر ما فضله الله حتى انتهى الى سليمان فقال ما أحلمك فى صغرك واورعك فى صغرك وأفضلك فى صغرك واحكم أمرك فى صغرك وأبعدك عن كل ما تكره فى صغرك ثم انصرف فوجد سليمان فى نفسه من ذلك شيئا حتى ملاه غضبا فلما دخل سليمان داره أرسل اليه فقال يا اصف ذكرت من مضى من أنبياء الله فاثنيت عليهم خيرا فى كل زمانهم وعلى كل حال من أمرهم فلما ذكرتنى جعلت تثنى علىّ الخير فى صغرى وسكتّ عما سوى ذلك من امرى فى كبرى فما الذي أحدثت فى اخر امرى فقال ان غير الله ليعبد فى دارك منذ أربعين صباحا فى هوى امراة فقال فى دارى فقال فى دارك فقال انّا لله وانّا اليه راجعون لقد عرفت انك ما قلت الذي قلت الا عن شىء بلغك ثم رجع سليمان الى داره وكسر ذلك الصنم وعاقب تلك المرأة ولايدها ثم امر شاب الطهارة فأتى بثياب لا يغزلها الا الابكار ولا ينسجها الا الابكار ولا تغسلها الا الابكار ولم تمسها امرأة قد رأت الدم ثم لبسها ثم خرج الى فلاة من الأرض وحده فامر برماد ففرش له ثم اقبل تائبا الى الله حتى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذلّلا لله وتضرعا اليه يبكى ويدعو ويستغفر مما كان هو فى داره فلم يزل كذلك حتى امسى ثم رجع الى داره-

وكانت له أم ولد يقال لها الامينة كان إذا دخل مذهبه او أراد إصابة امراة من نسائه ومنع خاتمه عندها حتى يتطهر وكان لا يمس خاتمه الا وهو طاهر وكان ملكه فى خاتمه فوضعه يوما عندها ثم دخل مذهبه- فاتاها الشيطان صاحب البحر واسمه صخر على صورة سليمان لا تنكر منه شيئا فقال خاتمى يا امينة فناولته إياه فجعله فى يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان وعكفت عليه الطير والجن والانس- وخرج سليمان فاتى الامينة وقد غيرت حاله وهيئته عند كل من راه فقال يا امينة خاتمى فقالت من أنت فقال أنا سليمان بن داود قالت كذبت قد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سرير ملكه فعرف سليمان ان خطيئته قد أدركته فجعل يقف على الدور من دور بنى إسرائيل فيقول انا سليمان بن داود فيحثون عليه التراب ويسبونه ويقولون انظروا الى هذا المجنون اىّ شىء يقول يزعم انه سليمان فلمّا راى سليمان ذلك عمد الى البحر فكان ينقل الحيتان لاصحاب البحر الى السوق فيعطونه كل يوم سمكتين فاذا امسى باع سمكة بارغفة وشوى الاخرى فمكث على ذلك أربعين صباحا عدة ما كان عبد الوثن فى داره- فانكر اصف وعلماء بنى إسرائيل حكم عدو الله الشيطان فى تلك الأربعين فقال اصف يا معشر بنى إسرائيل هل رايتم من اختلاف حكم ابن داود ما رايت قالوا نعم قال أمهلوني حتى ادخل على نسائه فاسئلهن هل انكرتن منه فى خاصة امره ما أنكرنا فى عامة امر الناس وعلانيته فدخل على نسائه فقال ويحكن هل انكرتن من ابن داود ما أنكرنا فقلن أشده ما يدع منا امراة فى دمها ولا يغتسل من الجنابة فقال انّا لله وانّا اليه راجعون انّ هذا لهو البلاء المبين ثم خرج على بنى إسرائيل فقال ما فى الخاصة أعظم ممّا فى العامة- فلمّا مضى أربعون صباحا طار الشيطان من مجلسه ثم مر بالبحر فقذف الخاتم فيه فبلعته سمكة فاخذها بعض الصيادين وقد عمل له سليمان صدر يومه ذلك حتى إذا كان العشى أعطاه سمكتيه وأعطاه السمكة التي أخذت الخاتم وخرج سليمان بسمكتيه فباع التي ليس فى بطنها الخاتم بالارغفة ثم عمد الى السمكة الاخرى فبقرها ليشويها فاستقبله خاتمه فى جوفها فاخذه فجعله فى يده ووقع ساجدا وعكفت عليه الطير والجنّ واقبل عليه الانس وعرف ان الذي كان قد دخل عليه لما كان أحدث فى داره فرجع

ملكه واظهر التوبة من ذنبه وامر الشياطين فقال أتوني بصخر فطلبته الشياطين حتى أخذته فاتى به فحاب له صخرة «اى قطع وكل شىء قطع وسطه فهو محوب نهاية منه ره» فادخله فيها ثم شد عليه اخرى ثم أوثقها بالحديد والرصاص ثم امر به فقذف فى البحر هذا حديث وهب- وقال السدى كان سبب قصة سليمان انه كان له مائة امراة وكانت امراة منهن يقال لها جرادة هى اثر نسائه وامنهن عنده وكان يأتمنها على خاتمه إذا اتى حاجته فقالت له يوما ان أخي بينه وبين فلان خصومة وانا أحب ان تقضى له إذا جاءك فقال نعم ولم يفعل فابتلى بقوله فاعطاها خاتمه ودخل المخرج فجاء الشيطان فى صورته فاخذه وجلس على مجلس سليمان وخرج سليمان فسالها خاتمه فقالت الم تأخذه قال لا وخرج مكانه ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما فانكر الناس حكمه فاجتمع قراء بنى إسرائيل وعلماؤهم حتى دخلوا على نسائه فقالوا انا أنكرنا هذا فان كان سليمان فقد ذهب عقله فبكى النساء عند ذلك فاقبلوا حتى أحد قوابه ونشروا التورية فقرؤها فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه ثم طار حتى ذهب الى البحر فوقع الخاتم منه فى البحر فابتعله حوت واقبل سليمان حتى انتهى الى صياد من صياد البحر وهو جائع قد اشتد جوعه فاستطعمه من صيده وقال انى انا سليمان فقام اليه بعضهم فضربه بعصا فشجه فجعل يغسل دمه على شاطئ البحر فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه فاعطوه سمكتين مما قد مذر عندهم فشق بطنهما وجعل يغسلهما فوجد خاتمه فى بطن إحداهما فلبسه فرد الله عليه ملكه وبهاءه وحامت عليه الطير فعرف القوم انه سليمان فقاموا يعتذرون مما صنعوا فقال ما أؤاخذكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم هذا امر كان لا بد منه ثم جاء حتى اتى ملكه وامر حتى اتى بالشيطان الذي أخذ خاتمه، وجعله فى صندوق من حديد ثم أطبق عليه واقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه وامر به فالقى فى البحر وهو حيى كذلك حتى الساعة- وروى عن سعيد بن المسيب قال احتجب سليمان عن الناس ثلاثة ايام فاوحى الله اليه احتجبت عن الناس ثلاثة ايام فلم تنظر فى امور عبادى فابتلاه الله عزّ وجلّ وذكر حديث

[سورة ص (38) : آية 35]

الخاتم وأخذ الشيطان إياه كما ذكرنا- وقال الحسن ما كان الله ليسلط الشيطان على نسائه انتهى كلام البغوي. واخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وابن جرير عن السدى والنسائي وابن مردوية عن ابن عباس فذكروا القصة نحو حديث وهب بن منبه لكن فى بعض الطرق ان صخر الجنى لما جلس على سرير سليمان نفذ حكمه فى كل شىء الا فيه وفى نسائه وكذا قال الحسن فيما ذكر البغوي انه ما كان الله ليسلط الشيطان على نسائه- وقال بعض المفسرين حديث الخاتم والشيطان والوثن فى بيت سليمان من أباطيل اليهود لعنهم الله وقال البغوي ان فى بعض الروايات ان سليمان لمّا افتتن سقط الخاتم من يده وكان فيه لملكه فاعاده سليمان الى يده فسقط فايقن سليمان بالفتنة فاتى اصف وقال لسليمان انك لمفتون بذنبك والخاتم لا يتماسك فى يدك اربعة عشر يوما ففر سليمان الى سربه وأخذ اصف الخاتم فوضعه فى إصبعه فثبت فهو الجسد الذي قال الله تعالى وألقينا على كرسيّه جسدا فاقام اصف فى ملكه على سيرته اربعة عشر يوما الى ان رد الله على سليمان ملكه فجلس على كرسيه فاعاد الخاتم فى يده فثبت قلت والدليل على بطلان رواية وهب ان فى تلك الرواية انه غزا جزيرة يقال لها صيدون بها ملك عظيم الشأن لم يكن للناس اليه سبيل لمكانه فى البحر فخرج سليمان الى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده- والقران ينطق ان تسخير الريح لسليمان انما كان بعد تلك الفتنة والانابة حيث قال الله تعالى فسخّرنا له الرّيح يعنى بعد الفتنة والانابة وقوله ربّ هب لى ملكا الى آخره- قلت وعلى تقدير صحة تلك القصة لا يلزم سليمان صدور معصية فان اتخاذ التماثيل كان جائزا وسجود الصورة بغير علمه لا يضره-. قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي بيان للانابة قدم الاستغفار على استيهاب الملك جريا على عادة الأنبياء والصالحين بتقديم الاستغفار على السؤال قرأ نافع وابو عمر «وابو جعفر- ابو محمد» من بعدي بفتح الياء والباقون بإسكانها- فى سياق هذا الكلام دلالة على ان فتنة سليمان انما كان ابتلاء من الله تعالى إياه لرفع درجاته فى الدنيا والاخرة كفتنة أيوب

عليه السلام ولم يكن فيها زلّة ومعصية من سليمان عليه السلام والا لبالغ فى الندم والاستغفار ولم يسئل غير المغفرة والتوبة ولقال الله سبحانه فغفرنا له ذلك كما قال فى قصة داود عليه السلام قال مقاتل وابن كيسان اى لا يكون من بعدي لاحد وقيل معنى من بعدي من سوائى كما فى قوله تعالى فمن يهديه من بعد الله وقال عطاء بن ابى رباح يريد هب لى ملكا لا تسلبنه فى اخر عمرى وتعطيه غيرى كما سلبته آنفا قيل سال سليمان ذلك ليكون اية لنبوته ومعجزة له قال مقاتل كان سليمان ملكا ولكنه أراد بقوله لا ينبغى لاحد من بعدي تسخير الرياح والطير والشياطين بدليل ما بعده عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علىّ صلاتى فامكننى الله منه فاخذته فاردت ان اربطه على سارية من سوارى المسجد حتى ينظر له كلكم فذكرت دعوة أخي. سليمان ربّ هب لى ملكا لا ينبغى لاحد من بعدي فرددته خاسئا. متفق عليه قلت ويمكن انه أراد به لا ينبغى لاحد من بعدي فى المرتبة قال ذلك شفقة على الناس يعنى من كان مثلى فى انقطاع التعلقات عن الخلق واشتغال قلبه بحب الله ومعرفته لا يضره ولا يشغله عن الله شىء فكان له الدنيا وسيلة لكسب الحسنات ومن لم يكن كذلك كانت الدنيا له شاغلا عن الله فكانت له سمّا قاتلا- فان قيل الحديث يأبى عمّا قلت فان النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلى مرتبة من سليمان ولم يكن يعط ملكا مثله ولذلك لم يربط العفريت بالسارية قلنا نعم انه صلى الله عليه وسلم كان أعلى مرتبة من سليمان ولكن لا نسلم انه لم يعط ملكا مثله لاجل دعائه بل الله سبحانه خيّره بين ان يكون نبيّا ملكا او يكون نبيا عبدا فاختار كونه نبيّا عبدا لكون الفقر أفضل عنده ودلّ هذا الحديث ايضا على ان الله تعالى مكنه على العفريت ان يربطه بالسارية لكنه صلى الله عليه وسلم لم يربط باختياره حياء من سليمان عليه السلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم نافذا حكمه على الجن والانس تأتى بدعوته الأشجار ساجدة ... تمشى اليه على ساق بلا قدم لكن كان عيش الفقراء وزيّهم مرعوبا عنده- وكذا الخلفاء الراشدون جمعوا بين الخلافة والفقر وحازوا فضائل الفريقين صلى الله تعالى عليه وعلى خلفائه واله وأصحابه

[سورة ص (38) : آية 36]

أجمعين إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) المعطى ما تشاء لمن تشاء لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت.. فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ قرأ أبو جعفر الرّياح على الجمع والباقون على الافراد بارادة الجنس والجملة معطوفة على جملة محذوفة تقديره فاستجبنا دعاءه فسخرنا له اى ذلّلنا لطاعته الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ الجملة صفة للريح على طريقة ولقد امر على اللئيم يسبنى او حال منه كقوله رُخاءً لينة لا تزعزع او لا تخالف إرادته حَيْثُ أَصابَ (36) ظرف لتجرى يعنى حيث أراد يقول العرب أصاب الصواب فاخطا الجواب اى أراد الصواب. وَالشَّياطِينَ اى وسخرنا له الشياطين كُلَّ بَنَّاءٍ يبنون الحصون والقصور وَغَوَّاصٍ (37) يستخرجون له اللآلي من البحر وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر كلّ بدل من الشياطين. وَآخَرِينَ عطف على كلّ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (38) مشددين فى القيود فصّل الشياطين الى عملة استعملهم فى الأعمال الشاقة كالبناء والغواص ومردة فرق بعضهم مع بعض فى السلاسل ليكفوا عن الشر قلت لعله لم يسلط على إبليس لما سبق له من الوعد بانّك من المنتظرين الى يوم الوقت المعلوم. هذا عَطاؤُنا اى قلنا له هذا الذي أعطيناك من الملك والبسط والتسلط على ما لم يسلط عليه غيرك عطاؤنا فَامْنُنْ اى فاعط من شئت أَوْ أَمْسِكْ عمن شئت بِغَيْرِ حِسابٍ (39) حال من المستكن فى الأمر اى غير محاسب على منّه وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك قال الحسن ما أنعم الله على أحد نعمة الا عليه تبعة الا سليمان فانه ان اعطى اجر وان لم يعط لم يكن عليه تبعه وجاز ان يكون حالا من العطاء او صلة له وما بينهما اعتراض يعنى عطاء كثيرا لا يمكن احصاؤه وقال مقاتل هذا يعنى تسخير الشياطين عطاؤنا أعطيناكه فامنن يعنى خل منهم من شئت وامسك منهم فى وثاقك من شئت لا تبعة عليك فى إطلاقها ولا فى وثاقها. وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى فى الاخرة مع ما له من الملك العظيم فى الدنيا وَحُسْنَ مَآبٍ (40) وهو الجنة-. وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ عطف بيان لعبدنا والجملة عطف على واذكر عبدنا

[سورة ص (38) : آية 42]

داود إِذْ نادى رَبَّهُ بدل اشتمال من عبدنا أَنِّي مَسَّنِيَ قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها وانّ مع جملته حكاية لكلامه الذي نادى به الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ قرأ ابو جعفر بضم النون والصاد ويعقوب بفتحهما والباقون بضم النون وسكون الصاد ومعنى الكل واحد اى بمشقة وضرّ وَعَذابٍ (41) اى والم قال مقاتل وقتادة بنصب فى الجسم وعذاب فى المال وقد ذكرنا قصة أيوب ومدة بلائه فى سورة الأنبياء عليهم السلام فلما انقضت مدة بلائه امره الله تعالى ان. ارْكُضْ جملة مستأنفة بتقدير قلنا له اركض بِرِجْلِكَ اى اضرب برجلك الأرض هذا مُغْتَسَلٌ هذه الجملة مبنية على جملة محذوفة تقديره فركض فخرجت عين فقلنا له هذا مغتسل بارِدٌ اغتسل منه فذهب كل داء كان بظاهره وَشَرابٌ (42) اشرب منه فذهب كل داء كان بباطنه وقيل نبعت عينان بركضتين حارة وباردة فاغتسل من إحداهما وشرب من الاخرى اخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد قال ركض برجله اليمنى فنبعت عين وضرب بيده اليمنى خلف ظهره فنبعت عين فشرب من إحداهما واغتسل من الاخرى. وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ عطف على مفهوم كلام سابق اى فشفيناه ووهبنا له اهله وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ عطف على اركض وعلى هذا وهبنا له الى آخره جملة معترضة او هى معطوفة على وهبنا بتقدير وقلنا له خذ بِيَدِكَ ضِغْثاً وهو ملأ الكف من الشجر والحشيش فَاضْرِبْ بِهِ امرأتك وَلا تَحْنَثْ فى يمينك وكان قد حلف ان يضربها مائة سوط فاخذ مائة عود من إذ خر او غيرها وضربها ضربة واحدة إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً فيما أصابه فى النفس والأهل والمال تعليل لما وهب ولا يخل شكواه الى الله تعالى من الشيطان فى كونه صابرا فانه لا يسمى جزعا كتمنى العافية وطلب الشفاء كما ذكرنا هناك ولشيخنا الشهيد رضى الله عنه هاهنا كلام رفيع وهو انه عليه السلام صبر على البلاء سنين على ما ذكر فى القصة ثم لمّا أراد الله سبحانه ان يكشف عنه الضرّ القى فى روعه ان الله سبحانه يريد منك التضرع والدعاء فى كشف البلاء واظهار عجزك وافتقارك الى جناب الكبرياء فاختار عليه السلام التضرع والدعاء على ما اقتضى طبعه من الصبر على البلاء ابتغاء لمرضاة

[سورة ص (38) : آية 45]

الله فارتقى من مقام الصبر الى معارج الرضاء فشكر الله سبحانه على صبره بقوله انّا وجدناه صابرا وعلى ارتقائه الى مقام الرضاء بقوله نعم العبد انّه اوّاب نِعْمَ الْعَبْدُ أيوب إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) اى مقبل بشراشره على الله تعالى-. وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ الثلاثة عطف بيان لعبادنا وقرا ابن كثير عبدنا بناء على وضع الجنس موضع الجمع او هو على معنى التوحيد وابراهيم عطف بيان له وإسحاق ويعقوب معطوفان عليه أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) اولى القوة فى الطاعة والبصيرة فى الدين والمعرفة بالله كذا قال ابن عباس وقتادة ومجاهد عبّر بالأيدي عن الأعمال فى الطاعة لان أكثرها بمباشرتها وبالأبصار عن المعارف لانها أقوى مباديها وفيه تعريض لبطلة الجهال فانهم كالزمنا والعماة. إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ اى جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة فيهم هى ذِكْرَى الدَّارِ (46) فهو مرفوع او هو منصوب بتقدير اعنى او مجرور على البدل من خالصة اى تذكرهم للدار الاخرة دائما وتذكيرهم الناس كما هو داب الأنبياء وذلك التذكر سبب لخلوصهم فى الطاعة وذلك لان مطمح انظارهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه وذلك فى الاخرة وجاز ان يكون المضاف محذوفا اى ذكرى صاحب الدّار وهو الله سبحانه واطلاق الدار على الاخرة للاشعار بانها هى الدار على الحقيقة والدنيا معبر لاقرار فيها وما لا قرار فيها لا يسمى دارا قرأ نافع، وهشام «وابو جعفر- ابو محمد» باضافة خالصة الى ذكرى للبيان او لانه مصدر بمعنى الخلوص فاضيف الى فاعله- قال مالك بن دينار ونزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصناهم بحب الاخرة وذكرها وقال مقاتل كانوا يدعون الى الاخرة والى الله عزّ وجلّ وقال السدىّ أخلصوا بخوف الاخرة وقال ابن زيد معناه على الاضافة أخلصناهم بأفضل ما فى الاخرة وجملة انا أخلصناهم مع ما عطف عليه تعليل لما سبق. وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) لمن المختارين من أمثالهم المصطفين عليهم فى الخير والأخيار جمع خير كشر واشرار وقيل جمع خيّر على تخفيفه كاموات جمع ميت او ميّت. وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ هو ابن أخطوب استخلفه الناس على بنى إسرائيل ثم

[سورة ص (38) : آية 49]

استنبئ قرأ حمزة والكسائي والَّيسع بلام مشددة واسكان الياء تشبيها بالمنقول من ليسع والباقون بلام واحدة ساكنة وفتح الياء وَذَا الْكِفْلِ ابن عم اليسع او بشر بن أيوب اختلف فى نبوته ولقبه فقيل فرّ اليه مائة نبى من بنى إسرائيل فاواهم وكفلهم وقيل كفل لعمل رجل صالح كان يصلى كل يوم مائة صلوة وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48) حال من مفعول اذكر-. هذا اشارة الى ما تقدم من أمورهم ذِكْرٌ اى شرف لهم او هذا الذي تلى عليكم من القران ذكر جميل لهم- ثم شرع لما اعدّ لهم ولامثالهم فقال وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) مرجع. جَنَّاتِ عَدْنٍ عطف بيان لحسن ماب او بدل منه وهى من الاعلام الغالبة لقوله تعالى جنّات عدن الّتى وعد الرّحمن عباده وانتصب عنها مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50) على الحال والعامل فيها ما فى المتقين من معنى الفعل اى الكون والحصول وقوله لهم الأبواب مرفوع على انه أسند اليه مفتّحة والعائد الى ذى الحال محذوف اى مفتّحة لّهم منها الأبواب او اللام عوض عن المضاف اليه اى مفتّحة لّهم ابوابها او على انه بدل اشتمال من الضمير المستتر العائد الى الجنات. مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51) اى وشراب كثير فحذف اكتفاء بالأول وقوله متّكئين ويدعون حالان مترادفان او متداخلان من الضمير فى لهم لا من المتقين للفصل والأظهر أن يدعون استئناف لبيان حالهم فيها ومتّكئين حال من ضميره والاقتصار على الفاكهة للاستعار بان مطاعمهم لمحض التلذّذ فان التغذي للتحلّل ولا تحلل ثمه. وَعِنْدَهُمْ نساء قاصِراتُ الطَّرْفِ اى قاصرات أطرافهن على أزواجهن لا ينظرن الى غيرهم أَتْرابٌ (52) مستويات الأسنان بنات ثلاث وثلاثين سنة جمع ترب وعن مجاهد متواخيات لا يتباغضن كما تتباغض الضرات فى الدنيا ولا يتغايرن الجملة الظرفية حال او خبر لضميرهم. هذا ما تُوعَدُونَ قرأ ابن كثير هاهنا وفى ق بالياء التحتانية على الغيبة والضمير للمتقين ووافقه ابو عمرو هاهنا والباقون بالتاء الفوقانية فيهما على الخطاب للمؤمنين لِيَوْمِ الْحِسابِ (53) اى لاجله فان الحساب علة الوصول الى الجزاء او المعنى

[سورة ص (38) : آية 54]

فى يوم الحساب. إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (54) اى انقطاع الجملة حال من رزقنا او خبر بعد خبر لانّ. هذا اى الأمر هذا او هذا كما ذكرا وخذ هذا. وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ اى الكافرين لَشَرَّ مَآبٍ (55) مرجع. جَهَنَّمَ بدل او عطف بيان لشرّ ماب يَصْلَوْنَها حال من جهنم فَبِئْسَ الْمِهادُ (56) المهد والمفترش مستعار من فراش النائم والمخصوص بالذم محذوف اى جهنم او مهادهم جملة وانّ للطّاغين عطف او حال. هذا العذاب منصوب بفعل مضمر يفسره فَلْيَذُوقُوهُ اى ليذوقوا هذا فليذوقوه او مبتداء خبره محذوف اى هذا نزلهم فليذوقوه او خبر مبتدا محذوف اى العذاب هذا فليذوقوه او مبتدا خبره حَمِيمٌ كذا قال الفراء وعلى هذا جملة فليذوقوه معترضة وعلى التأويلات السابقة حميم خبر مبتدا محذوف اى هو حميم والحميم هو الماء الحار الذي انتهى حره وَغَسَّاقٌ (57) عطف على حميم قرأ حمزة والكسائي وحفص «وخلف- ابو محمد» بالتشديد على وزن فعّال كالخبّاز والطبّاخ وخفّفها الباقون على وزن فعال كالعذاب واختلفوا فى معناه قال ابن عباس هو الزمهرير يحرقهم ببرده كما تحرقهم النار بحرّها وقال مجاهد ومقاتل هو الذي انتهى برده وقيل هو المنتن بلغة الترك وقال قتادة هو ما يغسق اى يسيل من القيح والصديد من جلود اهل النار ولحومهم وفروج الزناة من قولهم غسقت اى انصبت والغساق انصباب اخرج البيهقي عن عطية قال الغساق الذي يسيل من صديدهم واخرج مثله عن ابراهيم وابى رزين واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا والضياء عن كعب قال الغساق عين فى جهنم تسيل إليها حمة كل ذى حمة من حية وعقرب وغير ذلك فيستنقع يؤتى بالآدمي فيغمس غمسة واحدة فيخرج وقد سقط جلده عن العظام وتعلق جلده ولحمه فى كعبيه فيجرّ لحمه كما يجرّ الرجل ثوبه. وَآخَرُ قرأ ابو عمرو ابو جعفر بضم الهمزة على انه جمع اخرى «ويعقوب- ابو محمد لا هو بالفتح كنافع ابو محمد» مثل الكبرى وكبر واختاره ابو عبيد لانه نعته بالجمع فقال ازواج والباقون بفتح الهمزة والف بعدها على التوحيد اى عذاب اخر او مذوق اخر مِنْ شَكْلِهِ صفة لاخر او خبر له اى مثل الحميم والغسّاق وتوحيد الضمير على انه لما ذكر او للشراب الشامل للحميم والغساق

[سورة ص (38) : آية 59]

او للعذاب أَزْواجٌ (58) أجناس خبر لاخر او صفة له او للثلاثة او مرتفع بالجار والمجرور والخبر محذوف اى لهم-. هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ قال ابن عباس هو كلام خزنة الناس للقادة من اهل النار وذلك ان القادة إذا دخلوا النار ثم دخل عليهم الاتباع قالت لهم الخزنة وقيل هو كلام القادة بعضهم لبعض اى هذا يعنى الاتباع فوج اى جماعة مقتحم معكم النار والاقتحام الدخول فى الشيء رميا بنفسه فيه قال الكلبي انهم يضربون بالمقامع حتى يوقعوا أنفسهم فى النار خوفا من تلك المقامع قلت وجاز ان يكون معناه ان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يحجزونهم عن النار ويمنعونهم عن ارتكاب موجبات دخولها وهم اقتحموا فيها حيث فعلوا موجبات دخولها عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلى كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفرش وهذه الدواب التي تقع فى النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنّه فيقتحمنّ فيها قال فذلك مثلى ومثلكم انا أخذ يحجزكم عن النار هلمّ عن النار هلمّ عن النار فتغلبونى تقحمون فيها- متفق عليه وجملة هذا فوج مقتحم إلخ بتقدير القول استئناف تقديره يقول بعض الطاغين بعضا فى شأن بعض هذا فوج مقتحم معلم او يقال للرؤساء فى شأن الاتباع هذا فوج الى آخره فقالت القادة لا مَرْحَباً بِهِمْ اى بالاتباع دعاء من المتبوعين على اتباعهم فهذه الجملة بتقدير القول متصل بما سبق إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (59) تعليل بقوله لا مرحبا بهم اى داخلوها بأعمالهم مثلنا وجاز ان يكون لا مرحبا بهم صفة لفوج او حال اى مقولا فيهم لا مرحبا بهم يقال لمن يدعى له مرحبا اى أتيت رحبا من البلاد لا ضيقا والرحب السعة وفيه تعظيم للجائى ويقال لمن يدعى عليه لا مرحبا تحقيرا له وبهم بيان للمدعو عليهم. قالُوا استئناف اخر اى قال الاتباع للقادة بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ يعنى بل أنتم احقّ بما قلتم او بما قيل فينا لضلالكم واضلالكم إيانا وعللوا ذلك بقولهم أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ اى العذاب او الصلى لَنا بدعائكم إيانا الى الكفر فَبِئْسَ الْقَرارُ (60) اى بئس المقر لنا ولكم جهنم.

[سورة ص (38) : آية 61]

قالُوا استئناف اخر اى قالت الاتباع رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (61) اى مضاعفا على ما بهم من العذاب.. وَقالُوا عطف على قالوا ربّنا من قدّم لنا يعنى قالت كفار قريش وهم فى النار ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ فى الدنيا مِنَ الْأَشْرارِ (62) جملة لا نرى حال من ضمير المتكلم فى لنا والعامل معنى الفعل والأشرار جمع شرير والشر ضد الخير والخير ما يرغب فيه الكل والشر ما يكرهه يعنى كنا نكرههم ونحقرهم فى الدنيا يعنون فقراء المؤمنين نحو عمّار وخبيب وصهيب وبلال وابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين يسترذلونهم ويسخرون منهم. أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا قرأ اهل البصرة وحمزة «وخلف وابو محمد» والكسائي بهمزة الوصل على انه صفة اخرى لرجالا او حال بتقدير قد او خبر اخر لكنّا وقرأ الحجازيون وابن عامر وعاصم بالقطع على الاستفهام على انه انكار على أنفسهم فى الاستسخار منهم وقرأ نافع وحمزة والكسائي بضم السين كما مرّ فى المؤمنين والباقون بكسرها أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63) فلا نراهم قال الفراء هذا من الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتعجب وأم معادلة لهمزة فى جملة مقدرة مفهومة من قوله ما لنا لا نرى والتقدير ما لنا لا نرى هؤلاء الذين اتّخذناهم سخريا اليسوا هاهنا أم زاغت عنهم أبصارنا فلم نرهم وهم هاهنا- او الهمزة اتّخذناهم على القراءة الثانية بمعنى اىّ الأمر ما فعلنا بهم من الاستسخار منهم أم تحقيرهم فان زيغ البصر كناية عنه والمعنى إنكارهما على أنفسهم او منقطعة والمراد الدلالة على ان استرذالهم والاستخسار منهم كان لزيغ البصر منّا وقصور انظارنا على رثاثة حالهم وقال ابن كيسان يعنى أم كانوا خيرا منا ولم نعرفهم وكانت أبصارنا تزيغ عنهم. إِنَّ ذلِكَ الذي حكينا عنهم لَحَقٌّ لا بد ان يتكلموا به ثم بين ما هو فقال تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) بدل من حق او خبر محذوف ولمّا شبه تقاولهم وما جرى بينهم من السؤال والجواب بما يجرى بين المتخاصمين سماه تخاصما ولان قول القادة لا مرحبا بهم وقول الاتباع بل أنتم لا مرحبا بكم تخاصم فسمى التقاول كله تخاصما لاشتماله

[سورة ص (38) : آية 65]

على ذلك-. قُلْ يا محمد لمشركى مكة إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ جملة قل مع المقولة مستأنفة وانّما لقصر القلب متصل بقوله تعالى قال الكافرون هذا ساحر كذّاب يعنى لست بساحر كذاب انّما انا منذر أنذركم بعذاب الله وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ عطف على انّما متصل بقوله اجعل الالهة الها واحدا الْواحِدُ الذي لا يقبل الشركة فى ذاته ولا فى صفة من صفاته الْقَهَّارُ (65) على كل شىء فيه وعيد للكفار. رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الذي لا يغلب إذا عاقب الْغَفَّارُ (66) الذي يغفر ما يشاء من الذنوب صغائرها وكبائرها لمن يشاء وفى هذه الأوصاف تتميم وتقرير للتوحيد ووعد للموحدين ووعيد للمشركين ودفع لتوهم انحصار وصفه بالقهر. قُلْ يا محمد هُوَ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة يعنى القران نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) وقيل يعنى القيامة لقوله تعالى عمّ يتساءلون عن النّبإ العظيم وقيل يعنى ما انبأ تكم به من انى نذير من عقوبة من هذا صفته وانه واحد فى الألوهية لا شريك له فهو متصل بقوله انّما انا منذر وما من اله إلّا الله الواحد. أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) صفة اخرى لنبأ اى أنتم لتمادى غفلتكم معرضون عنه مع ان العاقل لا ينبغى ان يعرض عن مثله وقد قامت عليه الحجج الواضحة اما على التوحيد فما مرّوا ما على النبوة فقوله. ما كانَ لِي قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى اى الملائكة إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) فان الاخبار عن تقاول الملائكة وما جرى بينهم مطابقا لما ورد فى الكتب المتقدمة من غير سماع ومطالعة كتاب لا يتصور الا بالوحى- وقيل المراد باختصامهم اختصامهم فى شأن آدم عليه السلام حين قال الله تعالى انّى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يّفسد فيها ويسفك الدّماء وفى الحديث عن عبد الرحمان بن عائش الحضرمي يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم رايت ربى فى احسن صورة قال فيم يختصم الملا الأعلى يا محمد قلت أنت اعلم اى ربّ مرتين فقال وضع كفه

[سورة ص (38) : آية 70]

بين كتفى فوجدتّ برده بين ثديى فعلمت ما فى السماء والأرض ثم تلا هذه الاية وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من الموقنين ثم قال فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قلت فى الكفارات قال وما هن قلت المشي بالاقدام الى الجماعات والجلوس فى المساجد خلف الصلوات وإسباغ الوضوء؟؟؟ أماكنه فى المكاره قال من يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير ويكون خطيئته كيوم ولدته امه ومن الدرجات اطعام الطعام وبذل السلام وان تقوم بالليل والناس نيام قال قل اللهم انى أسئلك الطيبات وترك المنكرات وحب المساكين وان تغفر لى وترحمنى وتتوب علىّ وإذا أردت فتنة فى قوم فتوفنى غير مفتون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فو الذي نفس محمد بيده انهن لحق- رواه البغوي فى شرح السنة والتفسير ورواه الدارمي الى قوله وليكون من الموقنين وللترمذى عنه نحو ما روى البغوي وللترمذى عن ابن عباس ومعاذ بن جبل بمعناه مع تغير فى العبارة ولعل المراد باختصام الملا الا على فى الكفارات ان جمعا منهم يبتدرون ان يكتتبوها يريد كل منهم ان يهيا بها وجه الرحمان اوّلا كما فى حديث رفاعة بن رافع كنا نصلى وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده فقال رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال من المتكلم آنفا قال انا قال رايت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها ايّهم يكتبها أول- رواه البخاري إذ متعلق بعلم او بمحذوف والتقدير من علم بكلام الملا الأعلى إذ يختصمون ان. يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) انما مع جملته أما فى محل الرفع على انه أسند اليه يوحى وأما فى محل النصب على العلّية ويوحى حينئذ مسند الى المصدر المفهوم من الفعل يعنى ما اوحى الى الّا الانذار المبين او ما اوحى الىّ وحيي الا لإجل الانذار فانه هو المقصود من الإرسال. وقيل المراد بالنبا العظيم قصة آدم وإبليس والانباء به من غير سماع والمراد بالملا الأعلى اصحاب القصة الملائكة وآدم وإبليس لانهم كانوا فى السماء وكان التقاول بينهم. إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) بدل من إذ يختصمون

[سورة ص (38) : آية 72]

مبين له فان القصة التي دخلت إذ عليها مشتملة على تقاول الملائكة وإبليس فى خلق آدم واستحقاقه- للخلافة والسجود على ما مرّ فى البقرة غير انها اختصرت اقتصارا على ما هو المقصود هاهنا وهو إنذار المشركين على استكبارهم على النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ما حاق بإبليس على استكباره على آدم هذا ومن الجائز ان يكون مقاولته إياهم بواسطة ملك او ان يفسر الملا على بما يعم الله والملائكة وجاز ان يكون إذ منصوبا باذكر. فَإِذا سَوَّيْتُهُ اى أتممت خلقه وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي أضاف الروح الى نفسه تشريفا لادم او تشريفا للروح فَقَعُوا فخروا لَهُ ساجِدِينَ (72) وقد مر الكلام فيه فى البقرة. فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ عطف على قال ربّك كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) . إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ اى تعظم تعليل للاستثناء وَكانَ اى صار مِنَ الْكافِرِينَ (74) باستكباره عن امر الله تعالى او استكباره عن المطاوعة او كان منهم فى علم الله تعالى. قالَ ربك يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ كلمة بيدىّ من المتشابهات فالسلف لا يأولونه ويؤمنون به ويكلون مراده الى الله تعالى والخلف يأولونه ويقولون خلقته من غير توسط كاب وأم والتثنية لما فى خلقه من مزيد القدرة وترتب الإنكار عليه للاشعار بانه المستدعى للتعظيم او بانه الذي تشبثت به فى تركه وهو لا يصلح لكونه مانعا إذ للسيد ان يستخدم بعض عبيده لبعض سيما وله مزيد اختصاص أَسْتَكْبَرْتَ همزة الاستفهام للتوبيخ والإنكار دخلت على همزة الوصل يعنى اتكبرت من غير استحقاق أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) اى من الذين استحقوا التفوق توبيخ على الشق الاول وانكار للشق الثاني. قالَ إبليس أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ابدا المانع واستدل عليه بقوله خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قد سبق الكلام عليه.. قالَ فَاخْرُجْ مِنْها اى من الجنة وقيل من السماوات وقال الحسن وابو العالية من الخلقة التي أنت فيها قال الحسن بن الفضل هذا تأويل صحيح لان إبليس تجبّر وافتخر بالخلقة فغيّر الله خلقه فاسود وقبح بعد حسنه فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) مطرود لست بخير تعليل للامر بالخروج. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي قرأ نافع «وابو جعفر ابو محمد» بفتح الباء والباقون بإسكانها

[سورة ص (38) : آية 79]

إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) لا يظن بان اللعنة منتهية بيوم الدين بل معناه ان عليه اللعنة وحدها الى يوم الدين ثم ينضم إليها العذاب. قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) الفاء للسببية فان طرده لعداوة آدم سبب لطلبه الانظار لاغواء بنى آدم. قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) الفاء للسببية فان سواله سبب لهذا المقال والجملة الاسمية تدل على ان انظاره كان محكوما عليه فى علم الله القديم قبل سواله لا اجابة لدعائه. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) وهى النفخة الاولى وقد مرّ بيانه فى الحجر. قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) هذه الفاء ايضا للسببية فان انظاره تعالى إياه سبب لعزمه على اغوائهم ولو لم يكن من الله انظارا لم يقدر على اغوائهم أجمعين اقسم اللعين بعزته اى بسلطانه تعالى وقهرمانه حتى يكون وسيلة لتسلطه على ما يريد. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) الذين أخلصهم الله تعالى لطاعته وعصمهم عن الضلالة او أخلصوا قلوبهم لله على اختلاف القرائتين فان ابن كثير وابو عمرو وابن عامر «ويعقوب وابو محمد» قرأوا بكسر اللام والباقون بفتحها. قالَ فَالْحَقُّ قرأ عاصم وحمزة ويعقوب «وخلف ابو محمد» بالرفع «لا هو بالنصب كابى عمرو- ابو محمد» على انه خبر مبتدا محذوف اى انا الحق او مبتدا خبره محذوف والحق اسم من اسماء الله تقديره الحق يمينى او قسمى والباقون بالنصب بنزع الخافض اى حرف القسم كقوله تعالى لافعلن وجاز ان يكون تقديره فاحق الحق وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) جملة معترضة وقيل تكرار للقسم اقسم الله بنفسه وجواب القسم قوله. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ اى من جنسك ليتناول الشياطين وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ اى من بنى آدم أَجْمَعِينَ (85) اى لا اترك منكم ومنهم أحدا والمراد بمن تبعك الكفار وان كان التقدير انا الحق او أحق الحق فهذه الجملة جواب قسم محذوف وأجمعين تأكيد للضميرين.. قُلْ يا محمد ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على الانذار او على القران مِنْ أَجْرٍ جعل وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) اى من المتقولين القران من تلقاء نفسه او المدعين لنفسه ما ليس له تكلفا على ما عرفتم من حالى يعنى لا ادعى النبوة بلا حقيقة

[سورة ص (38) : آية 87]

وجملة قل ما اسئلكم الى آخره مقرى لمضامين الجمل السابقة اخرج البخاري عن عمر قال نهينا عن التكلف. وروى البغوي عن مسروق قال دخلنا على ابن مسعود فقال يا ايها الناس من علم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله اعلم فان من العلم ان يقول لما لا يعلم الله اعلم قال الله تعالى لنبيه قل ما لسئلكم عليه من اجر وما انا من المتكلّفين قلت قوله ما انا من المتكلّفين تأكيد لمضمون قوله ما اسئلكم عليه من اجر فان من لا يسئل شيئا من الاجر لا ضرورة له فى ان يتكلف فى المقال. إِنْ هُوَ اى القران إِلَّا ذِكْرٌ اى عظة لِلْعالَمِينَ (87) للثقلين اوحى الىّ وانا ابلّغه. وَلَتَعْلَمُنَّ يا كفار مكة جواب قسم محذوف نَبَأَهُ وهو ما فيه من الوعد والوعيد او صدقه بإتيان ذلك بَعْدَ حِينٍ (88) قال ابن عباس وقتادة اى بعد الموت وقال عكرمة يوم القيامة قال الحسن ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين ثم تفسير سورة ص من تفسير المظهرى بتوفيق الله تعالى سادس رجب من السنة السابعة بعد الف ومائتين سنة 1207 هـ- ويتلوه تفسير سورة الزمر ان شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.

سورة الزمر

سورة الزمر مكيّة الا قوله تعالى قل يا عبادى الّذين أسرفوا الاية وهى خمس وسبعون اية وقيل اثنان وسبعون «1» ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. تَنْزِيلُ الْكِتابِ خبر مبتدا محذوف اى هذا او مبتدا خبره مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ فى ملكه الْحَكِيمِ (1) فى صنعه وهو على الاول صلة التنزيل او خبر ثان او حال عمل فيها معنى الاشارة او التنزيل والظاهر ان الكتاب على الاول السورة وعلى الثاني القران. إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ اى متلبسا بالحق او بسبب اثبات الحق وإظهاره وتفصيله وليس هذا تكرارا لان الاول كالعنوان للكتاب والثاني لبيان ما فيه فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) مخلصا له الدين من الشرك والرياء وتقديم والخبر لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللام كما صرح به مؤكدا وأجراه مجرى العلوم المقرر لكثرة حججه وظهور براهينه فقال. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ جملة معترضة للتنبيه اى انا هو الذي وجب اختصاصه بان يخلص له الطاعة فانه المنفرد بصفات الالوهية والاطلاع على الاسرار والضمائر وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا يعنى الكفرة الذين اتخذوا مِنْ دُونِهِ اى من دون الله أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ اى قالوا ما نعبدهم إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ كذلك قرأ ابن مسعود وابن عباس وحينئذ قالوا المقدر بدل من الصلة او حال بتقدير قد من فاعل اتخذوا وقوله زُلْفى مصدر بمعنى قربى قال البغوي اسم أقيم مقام المصدر كانه قال ليقرّبونا الى الله تقريبا او حال والموصول مبتدا خبره إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ

_ (1) هذا عند اهل الحجاز والبصرة 12

[سورة الزمر (39) : آية 4]

وبين المسلمين فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من امر الدين بإدخال المحق الجنة والمبطل النار والضمير للكفرة ومقابليهم وجاز ان يكون خبر الموصول جملة قالوا ما نعبدهم وجملة انّ الله يحكم بينهم مستأنفة وجاز ان يكون المراد بالموصول المعبودون بالباطل على حذف الراجع يعنى الّذين اتّخذوهم من دونه اولياء من الملائكة وعيسى والأصنام انّ الله يحكم بينهم وجملة ما نعبدهم بتقدير القول حال او بدل للصلة ولا يحتمل كونه خبرا اخرج جويبر عن ابن عباس فى هذه الاية قال أنزلت فى ثلاثة احياء عامر وكنانة وبنى سلمة كانوا يعبدون الأوثان ويقولون الملائكة بناته فقالوا ما نعبدهم الّا ليقرّبونا الى الله زلفى وقال البغوي انهم كانوا إذا قيل لهم من ربكم ومن خلقكم ومن خلق السّماوات والأرض قالوا لله فيقال لهم ما معنى عبادتكم الأوثان قالوا ليقرّبونا الى الله زلفى إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ بنسبة الولد الى الله وبقوله الأصنام تشفع عند الله كَفَّارٌ (3) لانعام الله حيث يشرك به غيره يعنى ان الله لم يرد ولا يريد ان يهديهم ولو شاء لهداهم فلم يكذبوا ولم يكفروا جملة معترضة.. لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً كما زعموا لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ العائد الى الموصول ضمير منصوب محذوف والموصول مع الصلة مفعول لاصطفى وممّا يخلق حال منه والعائد الى الموصول فيه ايضا ضمير منصوب يعنى لو أراد الله اتخاذ الولد لاصطفى ما يشاءه مما خلق إذ لا موجود الا وهو مخلوقه لقيام الادلة على امتناع وجود واجبين ووجوب استناد ما عدا الواجب اليه ومن البين ان المخلوق لا يماثل الخالق فيقول مقام الولد له فهذا الكلام فى قوة ان يقال لو أراد الله ان يتّخذ ولدا لا يتصور ذلك فحذف الجزاء وأقيم دليله مقامه وجاز ان يكون العائد الى الموصول فى ممّا يخلق الضمير المرفوع والمعنى لو أراد الله ان يتّخذ ولدا لاصطفى ولدا بقدر على خلق الأشياء وذا محال لانه يستلزم تعدد الالهة فهو دليل على امتناع ارادة الله ان يتخذ ولدا ثم قرر ذلك بقوله سُبْحانَهُ ان يكون له ولد هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ يعنى ان الالوهية التي تتبع الوجوب مستلزم للتوحد فى ذاته وصفاته وتنافى المماثلة والمشاركة فانى يكون له ولد والولد لا يكون

[سورة الزمر (39) : آية 5]

الا من جنس الوالد ناشيا من بعض اجزائه الْقَهَّارُ (4) القهارية المطلقة ينافى المشاركة وقبول الزوال المحوج الى الولد ثم استدل على ذلك بقوله. خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ اى متلبسا بالحق غير عابث بل ليكون دليلا على الصانع يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ يغشى كل واحد منهما الاخر كانه يلف عليه لف اللباس باللابس او يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفاف او يجعله كارا عليه كرورا متتابعا مثل اكوار العمامة والحاصل انه يخلق كل واحد منهما عقيب الاخر قال الحسن والكلبي ينقص من الليل ويزيد فى النهار وينقص من النهار ويزيد فى الليل وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي فى الفلك لِأَجَلٍ مُسَمًّى اى ليوم القيامة أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على كل شىء الْغَفَّارُ (5) حيث لم يعاجل فى العقوبة ولم يسلب ما فى هذه الصنائع من الرحمة والمنفعة-. خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعنى آدم عليه السلام خلقها من غير اب وأم ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها استدلال اخر بما أوجده فى العالم السفلى وثمّ للعطف على محذوف هو صفة نفس اعنى خلقها او على معنى واحدة اى من نفس وحّدت ثم جعل منها زوجها فشفعها بها او على خلقكم والعطف بثم لتفاوت ما بين الآيتين فان الاول عادة مستمرة دون الثانية وقيل معنى قوله خلقكم من نفس انه أخرجكم من ظهره كل ذرية ذراها حين أخذ الميثاق ثم خلق منها حواء زوجها وَأَنْزَلَ لَكُمْ اى قضى وقسّم لكم فان قضاياه وقسمه يوصف بالنزول من السماء لما كتب فى اللوح او المعنى أحدث لكم بأسباب نازلة من السماء كاشعة الكواكب والأمطار وقيل معناه خلق فى الجنة مع آدم عليه السلام ثم انزل منها لكم مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ذكر وأنثى من الإبل وو البقر والضأن والمعز حال من الانعام يَخْلُقُكُمْ جملة مبينة لما سبق اى يخلق الانس والانعام فيه تغليب لذوى العقول على غيرهم فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم يكسى لحما ثم ينفخ فيه الروح فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ظلمة البطن والرحم والمشيمة او الصلب والرحم والبطن ذلِكُمُ

[سورة الزمر (39) : آية 7]

اى الذي فعل هذه الافعال مبتدا خبره اللَّهُ رَبُّكُمْ خبر ثان لَهُ الْمُلْكُ خبر ثالث لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبر رابع اى لا يستحق العبادة أحد غيره لعدم اشتراك أحد فى الخلق فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) الفاء للسببية والاستفهام للاستبعاد والتعجب يعنى كيف تصرفون عن طريق الحق بعد هذا البيان الشافي وعن عبادته الى عبادة غيره-. إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وعن ايمانكم شرط حذف جزاؤه وأقيم دليله مقامه تقديره ان تكفروا يعود وبال كفركم إليكم لا الى الله تعالى فانّ الله غنىّ عنكم وعن ايمانكم وانما أنتم تحتاجون اليه لتضرركم بالكفر وانتفاعكم بالايمان وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ عطف على الشرطية يعنى الكفر مبغوض غير مرضى له تعالى وان كان بإرادته حيث قال من يرد الله ان يّهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا وهو قول السلف وعليه اجماع اهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة وذكر البغوي انه قال ابن عباس والسدىّ معناه لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر وهم الذين قال الله تعالى فيهم انّ عبادى ليس لك عليهم سلطان وهذا القول مبنى على ان يكون الرضاء بمعنى الارادة مجازا والا فالحق انه لا يستلزم الارادة ولا يرادفه فان إرادته يتعلق بالخير والشر كله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ويستحيل تخلف المراد عن إرادته قال الله تعالى انّما قولنا لشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون وَإِنْ تَشْكُرُوا اى تؤمنوا بربكم وتطيعوه يَرْضَهُ لَكُمْ قيل فى تفسيره يثيبكم به وهذا حاصل المعنى فان الرضاء يستلزم الاثابة أصله يرضاه سقط الالف بالجزم فقرأ نافع وعاصم وحمزة وهشام «ويعقوب وابن وردان بخلاف عنه ابو محمد» باختلاس حركة هاء الضمير ابقاء على ما كان لان ما قبله ساكن تقديرا وابو عمر وابن كثير وابن ذكوان والكسائي «اى الدوري بخلاف منه- ابو محمد» « (وخلف وابو جعفر بخلاف عنه-» بإشباع الحركة لانها صارت بحذف الالف موصولة بمتحرّك وهى رواية ابى حمدان وغيره عن اليزيدي وفى رواية عن ابى عمرو بإسكان الهاء وبه قرا يعقوب وَلا تَزِرُ نفس وازِرَةٌ وِزْرَ نفس أُخْرى اى لا تحمله فيه اشارة الى ان وبال كفركم لا يتجاوز عنكم الى غيركم فلا يتضرر به النبي صلى الله عليه وسلم فدعوته إياكم الى الايمان ليس الا لاجل ان ينفعكم ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ

[سورة الزمر (39) : آية 8]

تَعْمَلُونَ بالمجازاة إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) فيجازى على أعمالكم على حسب نياتكم-. وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الكافر ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً اى راجعا إِلَيْهِ مستغيثا ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ اى أعطاه او جعله ذا حشم واتباع والخول الحشم والاتباع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العبيد إخوانكم وخولكم جعل الله تحت ايديكم او تعهده كما فى الحديث كان عليه السلام يتخولنا اى يتعهدنا بالموعظة من قولهم فلان خائل مال وهو الذي يصلحه ويقوم به كذا فى النهاية والقاموس نِعْمَةً مِنْهُ اما مفعول ثان لخوّله ان كان بمعنى أعطاه او مفعول له نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ اى الضرّ الذي كان يدعوا الله الى إزالته او نسى ربه الذي كان يتضرع اليه وما حينئذ بمعنى من كما فى قوله تعالى وما خلق الذّكر والأنثى مِنْ قَبْلُ النعمة وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً اى شركاء لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ اى دين الإسلام قرأ ابن كثير وابو عمرو ورويس بفتح الياء والباقون بضمها والضلال والإضلال لمّا ترتب على ذلك شبّه بالعلة الغائية كما فى قوله تعالى فالتقطه ال فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنا قُلْ يا محمد لهذا الكافر تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا فى الدنيا الى أجلك امر تهديد وفيه اقناط للكافرين من التمتع فى الاخرة ولذلك علله على سبيل الاستيناف بقوله إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) قيل نزلت فى عيينة بن ربيعة وقال مقاتل نزلت فى ابى حذيفة بن المغيرة المخزومي-. أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ اى قائم بوظائف الطاعات قال ابن عمر القنوت قراءة القرآن وطول القيام قرأ ابن كثير ونافع وحمزة بتخفيف الميم فالتقديرا من هو قانت لله كمن جعل له أندادا وقرأ الباقون بتشديد الميم فام حينئذ منقطعة والمعنى امّن هو قانت كمن جعل له أندادا او متصلة بمحذوف تقديره امّن جعل لله أندادا ولم يشكر نعمته خير أم من هو قانت آناءَ اللَّيْلِ ساعاته ساجِداً وَقائِماً فى الصلاة حالان من الضمير فى قانت يَحْذَرُ الْآخِرَةَ اى يخاف عذاب الاخرة استقصارا لنفسه فى العمل وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ غير معتمد على عمله يعنى يجمع بين الخوف والرجاء

[سورة الزمر (39) : آية 10]

ولا يجاوز فى الخوف حده حتى يكون أنسا فانّه لا ييئس من روح الله الّا القوم الكافرون ولا فى الرجاء حده حتى يكون أمنا فانه لا يأمن من «1» مكر الله الّا القوم الخاسرون. والجملتان واقعتان موقع الحال او الاستئناف للتعليل قال البغوي قال ابن عباس فى رواية الضحاك نزلت هذه الاية فى ابى بكر الصديق واخرج ابن ابى سعيد من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس انه قال نزلت فى عمار بن ياسر واخرج جويبر عن ابن عباس انه قال نزلت فى ابن مسعود وعمار بن ياسر وسالم مولى ابى حذيفة واخرج جويبر عن عكرمة قال نزلت فى عمار بن ياسر وقال البغوي قال الضحاك نزلت فى ابى بكر وعمر رضى الله عنهما وعن ابن عمر انها نزلت فى عثمان وكذا اخرج ابن ابى حاتم عنه وعن الكلبي انها نزلت فى ابن مسعود وعمار وسلمان ووجه الجمع بين الأقوال انها نزلت فى جميعهم قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ الله تعالى متصفا بصفات الجلال والجمال فيحذر عذابه ويرجو رحمته فيعمل فى طاعته ويتقى عن معاصيه وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ذلك والاستفهام للانكار اى لا يستوون فهذه الجملة تقرير للاول على سبيل التعليل وقيل تقرير له على سبيل التشبيه يعنى كما لا يستوى العالم والجاهل كذلك لا يستوى المطيع والعاصي وقيل نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيهما باعتبار القوة العملية على وجه الأبلغ لمزيد الفضل قيل الّذين يعلمون عمار والذين لم يعلموا ابو حذيفة المخزومي إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) بامثال هذه البيانات.. قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا اى أمنوا وأحسنوا العمل يعنى أتوه بالخشوع والخضوع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلق بقوله أحسنوا حَسَنَةٌ فى الاخرة يعنى الجنة مبتدا خبره للذين أحسنوا والجملة تعليل بقوله اتقوا ربكم وقيل فى الدنيا ظرف مستقر حال من حسنة وهو فاعل للظرف المستقر اعنى قوله للّذين أحسنوا قال السدىّ فى هذه الدّنيا حسنة الصحة والعافية وهذا القول

_ (1) وفى القران فلا يأمن مكر الله إلخ

[سورة الزمر (39) : آية 10]

ليس بسديد فان الصحة والعافية كما يعطى المؤمن يعطى الكافر ايضا بل قد ينعكس الأمر. وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ فلا عذر للمقصرين فى الطاعة لمزاحمة الكفار ففيه كناية عن طلب الهجرة من البلد الذي يتعسر فيه الإحسان ومن ثم قال ابن عباس فى تفسيره ارتحلوا من مكة وعن مجاهد انه قال فى هذه الاية قال الله تعالى ارضى واسعة فهاجروا واعتزلوا وقال سعيد بن جبير يعنى من امر بالمعاصي فليهرب والجملة اما معطوفة على قوله للّذين أحسنوا فى هذه الدّنيا حسنة واما على قوله اتّقوا ربّكم لكونها بمعنى هاجروا إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (1) قيل يعنى الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للاذى من الكفار او صبروا على مفارقة الأوطان والمعارف قيل نزلت الاية فى جعفر بن ابى طالب وأصحابه مهاجرى الحبشة حيث لم يتركوا دينهم فاذا اشتد فيهم البلاء صبروا وهاجروا واللفظ عام يعمهم وكل من صبر على البلاء وعلى مشقة الطاعة وحبس النفس عن المعصية- قال البغوي قال على رضى الله عنه كل مطيع يكال له كيلا ويؤزن له وزنا الا الصابرون فانهم يحثى عليهم حثيا- وروى الاصبهانى عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنصب الموازين ويؤتى باهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى باهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى باهل الحج فيوفون أجورهم بالموازين ويؤتى باهل البلاء فلا تنصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصبّ عليهم الاجر صبّا بغير حساب حتى يتمنى اهل العافية انهم كانوا فى الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به اهل البلاء وذلك قوله تعالى انّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب. وذكر البغوي نحوه واخرج الطبراني وابو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عباس قال يؤتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب ثم يؤتى بالمصدق فينصب للحساب ثم يؤتى باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان فيصب لهم الاجر صبّا حتى ان اهل العافية ليتمنون بالموقف ان أجسادهم قرضت بالمقاريض من حيث ثواب الله لهم. واخرج الترمذي وابن ابى الدنيا عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يودّ اهل العافية يوم القيامة حين يعطى اهل البلاء الثواب لو ان جلودهم

[سورة الزمر (39) : آية 11]

قرضت بالمقاريض- قلت لعل المراد باهل البلاء اهل العشق بالله بدليل ان الشهيد لم يعد من اهل البلاء مع ان أشد بلاء الدنيا القتل وهو قد صبر على بذل نفسه فى سبيل الله.. قُلْ إِنِّي قرأ نافع «ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) اى موحد اله. وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) اى أمرت بالإخلاص لاجل ان أكون مقدمهم فى الدنيا والاخرة لان قصب السبق انما هو بالإخلاص او لكونى أول من اسلم من قريش ومن دان بدينهم والعطف لمغائرة الثاني الاول بتقيده بالعلة وللاشعار بان العبادة المقرونة بالإخلاص وان اقتضت لذاتها كونها مأمورا بها فهى ايضا مقتضية لما يلزمه من السبق فى الدين وجاز ان يكون اللام زائدة كما فى أردت لان افعل فيكون امرا بالتقدم فى الإسلام والبدء بنفسه فى الدعاء اليه بعد الأمر به فانه بعث داعيا للنّاس الى الإسلام وذلك يقتضى كونه أول المسلمين فان دعوة غيره فرع اتصافه بنفسه وفيه امالة لغيره الى الإسلام يعنى انى لا أدعوكم الا الى ما هو خير إذ لو لم يكن خيرا لما اخترته لنفسى وقد اخترته اولا. قُلْ إِنِّي قرأ نافع وابو عمرو «وابو جعفر ابو محمد» وابن كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بترك الإخلاص والميل الى ما أنتم عليه من الشرك وسوء الأعمال عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) فيه تحذير للمخاطبين عن العصيان كما فى الاية السابقة وامالة الى الإسلام قال البغوي هذه الاية نزلت حين دعى الى دين ابائه. قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) امر بالأخبار عن إخلاصه فى العبادة بعد الأمر بالأخبار عن كونه مأمورا بالعبادة والإخلاص خائفا على المخالفة من العقاب قطعا لاطماعهم ولذلك رتب عليه قوله.. فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ تهديدا وخذلانا لهم وهذا جواب شرط محذوف تقديره ان لم توافقونى فى العبادة لله خالصا فاعبدوا ما شئتم فسترون ما يترتب عليه من العذاب والخسران قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بالضلال وَأَهْلِيهِمْ يعنى اتباعهم من الأزواج والأولاد والخدم بالإضلال يَوْمَ الْقِيامَةِ حين أوردهم النار ظرف لخسروا من خسر التاجر إذا غبن فى تجارته

[سورة الزمر (39) : آية 16]

فانهم بالضلال والإضلال بدلوا نصيبهم من الجنة بنصيبهم من النار وهو لازم وجاء هاهنا متعديّا قال البغوي قال ابن عباس وذلك (يعنى خسران الأهل) ان الله جعل لكل انسان منزلا فى الجنة وأهلا فمن عمل بطاعة الله كان ذلك المنزل والأهل له ومن عمل بمعصية كان ذلك المنزل والأهل لغيره ممن عمل بالطاعة قلت فعلى هذا معنى خسر اهله انه فوّت اهله وقيل خسران الأهل ان كانوا من اهل النار فبالاضلال وان كانوا من اهل الجنة فلذهابه عنهم ذهابا لا رجوع بعده أَلا ذلِكَ اى خسران يوم القيامة هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) دون غير ذلك من اصناف الخسران فان خسران الدنيا سهل ويتبدل وفيه مبالغة فى خسرانهم لما فيه من الاستئناف والتصدير بالا وتوسيط ضمير الفصل وتعريف الخسران ووصفه بالمبين ثم شرح الخسران بقوله. لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ أطباق سرادقات من النار ودخانها وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ فرش ومهاد من النار الى ان ينتهى الى القعر- سمّى السافلة ظللا لكونها ظللا لمن تحتهم ذلِكَ العذاب هو الذي يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ ليجتنبوا ما يوقعهم فيه يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) اى اتقونى ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى وعذابى-. وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ البالغ فى الطغيان فعلوت منه بتقديم اللام على العين بنى للمبالغة فى المصدر كالرحموت ثم وصف به للمبالغة فى النعت ولذلك اختص بالشيطان وفسره البغوي بالأوثان لان تأنيث الضمير فى قوله أَنْ يَعْبُدُوها وهو بدل اشتمال من الطاغوت يدل على ان المراد به الأوثان وَأَنابُوا اى اقبلوا بشراشرهم إِلَى اللَّهِ عمّا سواه لَهُمُ الْبُشْرى بالثواب على السنة الرسل فى الدنيا وعلى السنة الملائكة عند حضور الموت يعنى هم استحقوا ان يبشروا ولذلك فرع قوله فَبَشِّرْ يا محمد عِبادِ (17) قرأ ابو شعيب بياء مفتوحة وصلا ساكنة وقفا وابو حمدون وغيره عن اليزيدي مفتوحة فى الوصل محذوفة فى الوقف وهو قياس قول ابى عمرو حيث يتبع الرسم فى الوقف والباقون يحذفونها فى الحالين. «ووقف يعقوب بالياء- ابو محمد» اخرج جويبر بسنده عن جابر بن عبد الله قال لمّا نزلت لها سبعة أبواب الاية اتى رجل من الأنصار النبي صلى الله

[سورة الزمر (39) : آية 18]

عليه وسلم فقال يا رسول الله ان لى سبعة مماليك وانى قد اعتقت لكل باب منها مملوكا فنزلت فبشّر عبادى. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ يعنى يستمعون القران وغيره فيتبعون القران ويستمعون كلام الرسول وكلام الكفار فيتبعون كلام الرسول كان حق الكلام فبشرهم فوضع الظاهر اعنى عبادى الّذين يستمعون ألح موضعه للدلالة على ان مبدا اجتنابهم من الطاغوت انهم نقادون للاقوال يميزون بين الخبيث والطيب والقبيح والحسن وبين الحسن والأحسن قال عطاء عن ابن عباس أمن ابو بكر رضى الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاءه عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن ابى وقاص وسعيد بن زيد فسالوه فاخبرهم بايمانه فامنوا فنزلت فيهم هذه الاية والأحسن حينئذ بمعنى الحسن إذ لا حسن فى اقوال الكفار قال ابن زيد نزلت الآيتان فى ثلاثة نفر كانوا من الجاهلية يقولون لا اله الا الله زيد بن عمرو بن نفيل او سعيد بن زيد وابى ذر الغفاري وسلمان الفارسي والأحسن قول لا اله الا الله وقال السدىّ يتبعون احسن ما يؤمرون به فيعملون به قيل هو ان الله ذكر فى القران الانتصار من الظالم والعفو والعفو احسن الامرين وذكر العزائم والرخص والعزائم احسن أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) اى ذوى العقول السليمة عن معارضة الأوهام والعادات وفى ذلك دلالة على ان الهداية تحصل بخلق الله تعالى وقبول النفس لها-. أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ فى علم الله القديم كذا قال ابن عباس كَلِمَةُ الْعَذابِ يعنى خلقت هؤلاء للنار ولا أبالي أَفَأَنْتَ يا محمد تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) يعنى لا تقدر عليه قال ابن عباس يريد أبا لهب وولده الجملة الشرطية معطوفة على جملة محذوفة دل عليه الكلام تقديرهء أنت مالك أمرهم فمن حقّ عليه كلمة العذاب فانت تنقذه من النّار كرّرت الهمزة فى الجزاء لتأكيد الإنكار والاستبعاد ووضع من فى النّار موضع الضمير لذلك وللدلالة على أن من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه وان اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم فى دعائهم الى الايمان سعى فى إنقاذهم من النار ويجوز

[سورة الزمر (39) : آية 20]

ان يكون أفأنت تنقذ جملة مستأنفة للدلالة على ذلك والاشعار بالجزاء المحذوف تقديره أفمن حقّ عليه كلمة العذاب تهديه أفأنت تنقذ من فى النّار فان من حقّ عليه كلمة العذاب كانه فى النار حالا- ثم استدرك لدفع توهم كون سعيه صلى الله عليه وسلم غير مفيد مطلقا بقوله. لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ يعنى لكن الذين حق لهم كلمة الرحمة وسبق فى علم الله انهم يتقون ربهم فى إيراده بصيغة الماضي ايضا اشعار بان من حكم بانهم يتقون فهم كالذين وقع منهم التقوى لَهُمْ غُرَفٌ منازل رفيعة فى الجنة مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ منازل ارفع من الاولى مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى من تحت كل من الفوقانية والتحتانية الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ اى وعدهم الله تلك الغرف وعدا مصدر مؤكد لنفسه لان قوله لهم غرف فى معنى الوعد لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (20) لان الخلف نقص وهو على الله محال عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ان اهل الجنة يتراءون اهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر فى الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغهم غيرهم قال بلى والذي نفسى بيده رجال أمنوا بالله ورسوله وصدقوا المرسلين- وقد ذكرنا الأحاديث الواردة فى الباب فى تفسير سورة الفرقان فى تفسير قوله تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا-. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً مطرا الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات وانّ مع جملتها قائم مقام المفعولين لِأ لم تر فَسَلَكَهُ فادخله يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ الظرف متعلق بسلكه على طريقة قوله تعالى كذلك سلكناه فى قلوب المجرمين وينابيع حال من الضمير المنصوب قال الشعبي كل ماء فى الأرض فمن السماء وجاز ان يكون ينابيع مفعولا ثانيا لسلكه على التوسع على طريقة أدخلته بيتا فى الدار والينبوع جاء للمنبع والنابع فعلى الاول للنابع وعلى الثاني للمنبع ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ اى اخرج بالماء زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ اصنافه من بر وشعير وغيرهما او كيفياته من خضرة وحمرة وغيرهما ثُمَّ يَهِيجُ اى ييبس فَتَراهُ بعد خضرته ونضرته مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً فتاتا منكسرا

[سورة الزمر (39) : آية 22]

إِنَّ فِي ذلِكَ الأحداث والتغير لَذِكْرى اى لتذكيرا على وجود الصانع القديم القادر الحكيم الذي دبّره وسوّاه على انه مثل الحيوة الدنيا فلا ينبغى ان يغتر بها لِأُولِي الْأَلْبابِ (21) إذ لا يتذكر بها غيره ومن لم يتذكر فليس من اولى الألباب بل كالانعام بل أضل منها.. أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ يعنى أفاض فى قلبه نورا أدرك به الحق حقا والباطل باطلا فاذعن بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم بلا ارتياب عبّر عن تلك الحالة بشرح الصدر لان الصدر محل القلب والروح القابل للاسلام فاذا كان قلبه قابلا لاحكام الإسلام صار كظرف انشرح وتفسح حتى حال فيه المظروف فَهُوَ اى ذلك الشخص عَلى نُورٍ اى بصيرة مِنْ رَبِّهِ الهمزة للانكار والفاء للعطف على ما فهم مما سبق من قوله تعالى أفمن حقّ عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من فى النّار لكن الّذين اتّقوا ربّهم فانه يفهم منه الفرق بين المؤمن والكافر والموصول مبتدا وخبره محذوف يدل عليه ما بعده والإنكار راجع الى مضمون الفاء كانه قال لما ثبت الفرق بين المؤمن والكافر فليس من شرح الله صدره للاسلام وترتب عليه كونه على نور من ربه فامن واهتدى كمن طبع الله على قلبه فقسى عن ابن مسعود قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربّه قلنا يا رسول الله كيف انشرح صدره قال إذا دخل النور القلب انشرح صدره وانفسح قلنا يا رسول الله فما علامة ذلك قال الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزوله. رواه البغوي والحاكم والبيهقي فى شعب الايمان فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ الفاء للسببية مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ متعلق بالقاسية والمعنى من أجل ذكر الله اى إذا ذكر الله عندهم او تليت عليهم آياته اشتدت قساوتهم وهو ابلغ من ان يكون عن مكان من لان القاسية من أجل الشيء أشد تأبيا من القبول من القاسي عنه بسبب اخر وللمبالغة فى وصف أولئك بالقبول وهؤلاء بالامتناع ذكر شرح الصدر وأسنده الى الله وقابله بقساوة القلب وأسنده الى القلب فهذه الاية فى معنى قوله تعالى والّذين فى قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون وقيل بحذف المضاف تقديره من ترك ذكر الله أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) قال

[سورة الزمر (39) : آية 23]

مالك بن دينار ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب وما غضب الله على قوم إلا نزع منهم الرحمة- روى الحاكم وغيره عن سعد بن ابى وقاص قال انزل على النبي صلى الله عليه وسلم القران فتلا عليهم زمانا فقالوا يا رسول الله لو حدثتنا واخرج ابن جرير عن عون بن عبد الله ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا لو حدثتنا فنزلت. اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ تقرير لقوله انّا أنزلنا إليك الكتاب وما بينهما معترضات وفى الابتداء باسم الله وبناء نزّل عليه تأكيد للاسناد اليه وتفخيم للمنزل واستشهاد على حسنه كِتاباً بدل من احسن الحديث او حال منه مُتَشابِهاً صفة لكتابا يعنى يشبه بعضه بعضا فى صحة المعنى والدلالة على المنافع العامة والحسن المعجز ويصدق بعضه بعضا مَثانِيَ صفة اخرى جمع مثناة اسم الظرف فانه ثنى فيه ذكر الوعد والوعيد والأمر والنهى والاخبار والاحكام وصف به الكتاب باعتبار تفاصيله فهو كقولك القران سور وآيات والإنسان عروق وعظام ولحم واعصاب او جعل تميزا من متشابها كقولك رايت رجلا جسيما حسنا شمائل او جمع مثنية اسم الفاعل فان آياته تثنى على الله لصفاته الكمال تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ خوفا لما فيه من الوعيد الجملة صفة ثالثة لكتابا ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ اى لذكر الله بالرحمة وعموم المغفرة- والإطلاق للاشعار بأن اصل امره الرحمة وان رحمته سبقت غضبه والتعدية بالى لتضمين معنى السكون والاطمينان وذكر القلوب لتقدم الخشية التي هى من عوارضها يعنى إذا ذكر عذاب الله فى آيات الوعيد من القران يخاف قلوب المؤمنين وتقشعر جلودهم والاقشعرار انقباض وتغير فى جلد الإنسان عند الخوف وإذا ذكر الله بالرحمة فى آيات الوعد من القران تلين جلودهم وتسكن قلوبهم- لمّا وصف الله القران بكونه مثانى؟؟؟ فيه ذكر الوعيد والوعد وصفه بما يتاثر به المؤمنون عند الوعيد والوعد فكان تقدير الكلام يخاف منه قلوب الذين يخشون ربهم وتقشعر جلودهم ثم تلين جلودهم وتطمئن قلوبهم الى ذكر الله

عن العباس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه «اى تساقطت- نهايه منه ره» كما يتحاتت عن الشجر اليابسة ورقها- رواه الطبراني بسند ضعيف ورواه البغوي وفى رواية للبغوى إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله حرمه الله على النار- فان قيل بعض اهل العشق من الصوفية الكرام يغشى عليه عند استماع القران فهل هو من الأحوال الحميدة او القبيحة وقد شنع عليهم الامام محى السنة البغوي رحمة الله عليه فى تفسيره فقال قال قتادة هذا يعنى ما ذكر من اقشعرار الجلد من خشية الله نعت اولياء الله نعتهم الله بان تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم بذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم انما ذلك فى اهل البدع وهو من الشيطان أخبرنا عن عبد الله بن الزبير قال قلت لجدتى اسماء بنت ابى بكر كيف كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القران قالت كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع عيونهم وتقشعر جلودهم قال فقلت لها ان نأسا إذا قرئ عليهم القران خرّ أحدهم مغشيّا عليه فقالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- وروى البغوي ان ابن عمر مرّ على رجل (من اهل العراق) ساقط فقال ابن عمر ما بال هذا قالوا انه إذا قرئى عليه القران وسمع ذكر الله سقط فقال ابن عمر انا لنخشى الله وما نسقط وقال ابن عمر ان الشيطان يدخل فى جوف أحدهم ما كان هكذا صنيع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- قلت وجه طريان هذه الحالة كثرة نزول البركات والتجليات مع ضيق حوصلة الصوفي وضعف استعداده وانما لم توجد هذه الحالة فى الصحابة رضى الله عنهم مع وفور بركاتهم لاجل سعة حواصلهم وقوة استعداداتهم ببركة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم واما غير الصحابة من الصوفية فعدم طريان تلك الحالة عليهم اما لقلة نزول البركات واما لسعة الحوصلة والعجب من الامام الهمام محى السنة البغوي رحمه الله كيف أنكر على اصحاب تلك الحالة وشنع عليهم ونسى قوله تعالى حتّى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العلىّ الكبير وقد روى هو فى تفسير

تلك الاية عن النواس بن سمعان رضى الله عنه إذا أراد الله بالأمر تكلم بالوحى أخذت السماوات منه رجفة او قال رعدة شديدة خوفا من الله فاذا سمع ذلك اهل السماوات صعقو او خرّوا لله سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبرئيل الحديث- وروى البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بلفظ إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ الحديث- وقوله تعالى فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا وخرّ موسى صعقا. وقول ابن عمر ان الشيطان يدخل فى جوف أحدهم وكذا استعاذة اسماء محمول على انهما زعما غشى ذلك الرجل تكلفا ومكرا ولذا نسباه الى الشيطان وانما كان انكار تلك الحالة منهما لعدم طريان الحالة عليهما وعلى أمثالهما بناء على وسعة الحوصلة وقوة الاستعداد- ويدل على ما قلت انه ذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القران فقال بيننا وبينهم ان يقعد أحدهم على ظهر بنية باسطا رجليه ثم يقرا عليهم القران من اوله الى آخره فان رمى بنفسه فهو صادق حيث علّق صدقه على رمى نفسه من ظهر بنية مرتفعة فعلم منه انه حمل صرعه على الكذب والتكلف- اعلم ان البشر أقوى استعدادا وأوسع حوصلة من الملائكة كما يشهد عليه قوله تعالى انّى جاعل فى الأرض خليفة الى قوله انّى أعلم ما لا تعلمون- وقوله تعالى انّا عرضنا الامانة على السّموات والأرض الاية ولاجل ذلك يأتى حالة الغشي على الملائكة كلّما سمعوا الوحى دون البشر واما البشر فاذا تمّ نزوله لا يتغير حاله الا نادرا وإذا تم عروجه وقصر نزوله يتغير غالبا واعلم ان الصوفي متى كان فى السكر يتغير حاله غالبا عند ذكر المحبوب فى الشعر والتغني ولذلك يستحبون السماع لكن تغير الحال عند سماع القران اشرف منه حالا لان عند استماع القران وتلاوته تتنزل البركات الاصلية المتعلقة بالتجليات الذاتية والصفات الحقيقية ولا سبيل إليها لاكثر الصوفية المحتبسين فى مقام ولاجل ذلك تراهم يتغير حالهم عند السماع ما لا يتغير عند تلاوة القران واما الذين صعدوا ذروة الأفق الأعلى ثم دنى رب العزة وتدلّى فكان قاب قوسين أفادني لا يتغير أحوالهم الا كما كان يتغير حال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنهم

[سورة الزمر (39) : آية 24]

تدمع عيونهم وتقشعرّ جلودهم ثم تلين جلودهم وتطمئن قلوبهم الى ذكر الله ذلِكَ الخوف والرجاء او احسن الحديث هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ هدايته وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ اى يخذله فَما لَهُ مِنْ هادٍ (63) يخرجه من الضلالة-. أَفَمَنْ يَتَّقِي الاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أيستوي الفريقان فمن يتّقى بِوَجْهِهِ اى يجعله وقاية لنفسه ومعناه ان الإنسان إذ القى مخوفا من المخاوف استقبله بيديه يتّقى بهما وجهه لانه أعزّ أعضائه والكافر حين يلقى فى النار تكون يداه مغلولتين الى عنقه فلا يستطيع ان يتّقى الا بوجهه- قال مجاهد يجر على وجهه فى النار منكوسا فاول شىء منه تمسه النار وجهه وقال مقاتل هو ان الكافر يرمى فى النار مغلولة يده الى عنقه وفى عنقه صخرة مثل جبل عظيم من الكبريت فيشتعل النار فى الحجر وهو معلق فى عنقه ويده سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ كمن هو أمن من العذاب فحذف الخبر كما حذف فى نظائره وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ اى لهم وضع الظاهر موضع الضمير تسجيلا عليهم بالظلم واشعارا بموجب ما يقال وهو ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) اى وباله وجملة وقيل للظّالمين حال بتقدير قد من فاعل يتقون وجاز ان يكون معطوفا على مفهوم ما سبق اعنى عذب. كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى قبل كفار مكة كذبوا الرسل فى إتيان العذاب فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) اى من الجهة التي لا يخطر ببالهم إتيان الشرّ منها. فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ اى الذلّ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا كالمسخ والخسف والقتل وتسليط الريح والصيحة والرمي بالحجارة والغرق وغير ذلك وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ المعدّ لهم أَكْبَرُ من عذاب الدنيا لشدته ودوامه لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (26) اى لو كان اهل مكة من اهل العلم والنظر لاعتبروا بمن قبلهم او المعنى لو كان المكذّبون يعلمون وبال التكذيب ما كذبوا.. وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ اى لاجل انتفاعهم وتبصرهم فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يحتاج اليه الناظر فى امر دينه لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) يتعظون به. قُرْآناً عَرَبِيًّا منصوب على المدح او الحال من هذا ان قلنا ان المجرور مفعول به

[سورة الزمر (39) : آية 29]

او بتقدير فى تنزيل هذا القران حتى يكون مفعولا لتنزيل المقدر والاعتماد فيها على الصفة كقوله جاءنى زيد رجلا صالحا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لا اختلال فيه بوجه ما فهو ابلغ من المستقيم واختص بالمعاني قال ابن عباس غير مختلف وقال مجاهد غير ذى لبس يعنى لا ريب فيه وقال السدى غير مخلوق ويروى ذلك عن مالك بن انس قال البغوي وحكى عن سفيان بن عيينة عن سبعين من التابعين ان القران ليس بخالق ولا مخلوق يعنون انه صفة من صفات الله تعالى ليس عين ذاته تعالى فيكون خالقا ولا غيره منفكا عنه فيكون حادثا مخلوقا وهذا يدل على ان الكلام اللفظي قديم صفة من صفات الله تعالى إذ الكلام النفسي الذي يدل عليه الكلام اللفظي لا يوصف بكونه عربيّا واما تعاقب حروف الكلام اللفظي الدال على حدوثه فانما لضيق المحل وحدوثه واما الكلام القائم بذاته فتوهم التعاقب فيه قياس للغائب على الشاهد كما يتوهم النافون للرؤية اشتراط الجهة والمسافة وغير ذلك فى رؤية البصر ليس كمثله شىء فى ذاته ولا فى اتصافه بصفاته ولا فى شىء من صفاته وله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) الكفر والمعاصي علة اخرى مرتبة على الاولى او بدل او بيان للاولى.. ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا للمشرك والموحد رَجُلًا بدل من مثل بتقدير المضاف اى مثل رجل فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ اى مختلفون صفة لشركاء وهو فاعل للظرف المستقر او مبتدا خبره الظرف والجملة صفة لرجلا يعنى مثل المشرك على زعمه حيث يدعى الهة متعددة مثل عبد مشترك فى جماعة مختلفين يتجاذبونه ويتعاورونه فى مهامهم المختلفة فهو فى تحير وتوزع قلب وَرَجُلًا سَلَماً اى خالصا ومسلما لِرَجُلٍ لا منازع له فيه قرأ ابن كثير وابو عمرو «ويعقوب- ابو محمد» سالما على وزن فاعلا والباقون من غير الف على وزن حسن يعنى مثل المؤمن الموحد مثل عبد لواحد لا شريك فيه وليس لغيره اليه سبيل هَلْ يَسْتَوِيانِ اى ذانك العبدان مَثَلًا اى صفة وحالا ونصبه على التميز ولذلك وحده والاستفهام للانكار والتقرير يعنى حمل المخاطب على الإقرار بانهما لا يستويان حالا فان الموحد حسن حالا من المشرك وجملة هل يستويان تقديره قال الله هل يستويان مثلا بيان لمقصود قوله ضرب الله مثلا الْحَمْدُ لِلَّهِ يعنى الحمد كله لله لا يشاركه فيه على الحقيقة أحد غيره لانه المنعم بالذات

[سورة الزمر (39) : آية 30]

والمالك على الإطلاق بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29) ذلك فيشركون به غيره من فرط جهلهم وقيل تقدير الكلام قل الحمد لله على نعمة التوحيد والاختصاص بالمولى الواحد الحميد وبل حينئذ ليست للاضراب بل هى ابتدائية حكاية عن حال الجاهلين.. إِنَّكَ مَيِّتٌ اى ستموت ابرز بلفظ الصفة المشبهة الدالّة على الثبوت حالا لكونه متيقن الوقوع وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) اى كفار مكة او جميع الناس بصدد الموت فلا شماتة بالموت قال المحلى نزلت لمّا استبطؤا موت النبي صلى الله عليه وسلم قال الفراء والكسائي الميّت بالتشديد من لم يمت وسيموت والميت بالتخفيف من فارقه الروح ولذلك لم يخفف هاهنا. ثُمَّ إِنَّكُمْ يعنى أنت وكفار مكة او الناس أجمعون يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فتحتج عليهم وتقول يا ربّ انّ قومى اتّخذوا هذا القران مهجورا وانهم كذبونى وكنت على الحق فى التوحيد وكانوا على الباطل فى التشريك واجتهدتّ فى الإرشاد والتبليغ ولجّوا فى العناد والتكذيب ويعتذرون بالأباطيل مثل قولهم والله ربّنا ما كنّا مشركين وقولهم ما جاءنا من بشير ولا نذير وقولهم انّا اطعنا سادتنا وكبراءنا- ما وجدنا عليه آباءنا ويختصم الناس بعضهم مع بعض فاول ما يقضى فيه الدماء اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن مسعود رض قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء واخرج الترمذي وحسنه وابن ماجة والطبراني وابن مردوية عن ابن عباس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يأتى المقتول متعلق رأسه بإحدى يديه متكيا قاتله باليد الاخرى وتشخب أوداجه دما حتى يأتى العرش فيقول المقتول لرب العلمين هذا قتلنى فيقول الله للقاتل تعست ويذهب به الى النار- واخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجئ المقتول أخذا قاتله وأوداجه تشخب دما فيقول رب سل هذا فلم قتلنى فيقول قتلته ليكون العزة لفلان قال هى لله تبارك وتعالى وروى ابن ابى حاتم عن ابن مسعود فذكر انه يؤتى بالقاتل والمقتول فيوقفان بين يدى الرحمان فيقال له لم قتلته فان كان قتله لله قال قتلته ليكون العزة لله فيقال فانها لله وان كان قتله لخلقه من خلق الله يقول قتلته ليكون العزة لفلان

فبقال فانها ليست له فيقتل يومئذ كل خلق الله قتله ظالم غير انه يذاق الموت عدة الأيام التي أذاقها الاخر فى الدنيا- واخرج احمد والترمذي والحاكم وصححه عن عبد الله بن الزبير عن أبيه لما نزلت انّك ميّت وانّهم ميّتون ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون قال الزبير يا رسول الله أيكرر علينا ما بيننا فى الدنيا مع خواص الذنوب قال نعم ليكررن عليكم ذلك حتى يصل الى كل ذى حق حقه- قال الزبير والله ان الأمر لشديد- واخرج الطبراني بسند لا بأس به عن ابى أيوب رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أول من يختصم يوم القيامة الرجل والمرأة والله ما يتكلم لسانه ولكن يداها ورجلاها يشهدن عليها بما كانت تعيب لزوجها وتشهد يداه ورجلاه بما كان يوليها ثم يدعى الرجل وخدمه مثل ذلك ثم يدعى اهل الأسواق وما يوجد ثمه دوانيق ولا قراريط ولكن حسنات هذا يدفع الى هذا الذي ظلم وسيئات هذا الذي ظلمه يوضع عليه ثم يؤتى بالجبارين فى مقامع من حديد فيقال أوردوهم الى النار- واخرج احمد بسند حسن عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول خصمين يوم القيامة الجاران- واخرج البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده مظلمة لاخيه فليحلله منها فى الدنيا فانه ليس ثمه دينار ولا درهم ان كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وان لم يكن حسنات أخذ من سيئات صاحبه فتحمل عليه- واخرج مسلم والترمذي عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلوة وصيام وزكوة قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقبض ويقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فيطرح عليه ثم طرح فى النار- قلت المراد بالحسنات التي يأخذها المظلوم من الظالم اجر حسناته ما سوى الايمان إذ المظالم وغيرها من السيئات ما عدا الكفر جزاؤه متناه على اصول اهل السنة

[سورة الزمر (39) : آية 32]

والجماعة فان مرتكب الكبيرة عندهم لا يخلد فى النار والايمان جزاؤه الخلود فى الجنة وهو غير متناه فلا يأتى ما هو متناه على ما ليس بمتناه- فالحاصل انه إذا فنيت حسنات الظالم قبل ان يقتض ما عليه من الخطايا وبقي عنده الايمان المجرد أخذ من خطايا المظلومين ما عدا الكفر لكونه غير متناه الجزاء فلا يوازن ما هو متناه الجزاء فيطرح على الظالم ثم طرح فى النار ان لم يعف عنه حتى إذا انتهت عقوبة تلك الخطايا ادخل الجنة بايمانه ويخلد فيها وقال البيهقي مثل ما قلت واخرج مسلم عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتردن الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى تعاد للشاة الجماء من الشاة القرناء- وفيه حتى للجاء من القرناء وللذرة من الذرة- وفى الباب أحاديث كثيرة لم اذكرها وروى البيهقي عن الزبير بن العوام قال لمّا نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون قلنا كيف نختصم وديننا وكتابنا واحد حتى رايت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت انه نزلت فينا- وعن ابن عمر نحوه وعن ابى سعيد الخدري فى هذه الاية قال كنا نقول ربنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد فما هذه الخصومة فلمّا كان يوم الصفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا- وعن ابراهيم قال لما نزلت ثمّ انّكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قالوا كيف نختصم ونحن اخوان فلمّا قتل عثمان قالوا هذا خصومتنا- ومقتضى هذه الأقوال انهم كانوا يزعمون ان الاختصام فى الدماء لا يكون الا بين المؤمنين والكافرين فلمّا ظهر البغي والفساد بين المسلمين اتضح لهم انه يكون بين المؤمنين ايضا-. فَمَنْ أَظْلَمُ الفاء للسببية فان اختصام الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم سبب لكونهم اظلم الناس والاستفهام للانكار يعنى لا أحد اظلم مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فزعم ان له ولدا وشريكا- وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ اى بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من القران وغيره إِذْ جاءَهُ من غير توقف وتفكر فى امره بل مع الشواهد والادلة القاطعة على صدقه أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً اى منزلا ومقاما لِلْكافِرِينَ (32) استفهام للتقرير فقوله تعالى انّك ميّت وانّهم ميّتون مع ما يتلوه تسلّية للنبى صلى الله عليه وسلم على

[سورة الزمر (39) : آية 33]

تكذيب القوم حتى لا تهتم فى الانتقام منهم فان جهنم يكفيهم مجازاة لاعمالهم. وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أراد به الجنس ليتناول الرسل والمؤمنين يدل عليه قوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) بصيغة الجمع ويؤيده قراءة ابن مسعود والّذين جاءوا بالصّدق وصدّقوا به قال ابن عباس يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلا اله الا الله وصدّق به ايضا اى بلّغه الى الخلق وعلى هذا جمعية الخبر بناء على ان المراد هو ومن تبعه كما فى قوله تعالى ولقد اتينا موسى الكتب لعلّهم يهتدون وقال السدى الّذى جاء بالصّدق جبرئيل وصدّق به محمد صلى الله عليه وسلم تلقاه بالقبول وقال الكلبي وابو العالية الّذى جاء بالصّدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدّق به ابو بكر الصديق رضى الله عنه وكذا ذكر الزجاج قول على رضى الله عنه وكذا روى عن ابى هريرة وقال قتادة ومقاتل الّذى جاء بالصّدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدّق به المؤمنون وقال عطاء والّذى جاء بالصّدق الأنبياء وصدّق به الاتباع- قال صاحب المدارك والبيضاوي والوجه فى العربية ان يكون جاء وصدّق لفاعل واحد لان التغاير يستدعى إضمار الذي وذا غير جائز او إضمار الفاعل من غير تقدم ذكر وذا بعيد- قلت وكيف يحكم بعدم جواز حذف الموصول وقد روى عن علماء التفسير من الكلبي وابى العالية وقتادة ومقاتل ما ذكرنا وورد فى شعر حسان بن ثابت رضى الله عنه امن يهجو رسول الله منهم ويمدحه وينصره سواء فان التقدير امن يهجو ومن يمدحه سواء وقال صاحب البحر المواج يمكن ان يقال انه من باب اللف والنشر الإجمالي على طريقة قالوا لن يّدخل الجنّة الّا من كان هودا او نصرى او يقال تقديره والفريق الّذى جاء بالصّدق وصدّق به وهو شامل للنبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر وضمير جاء بالصدق راجع الى الموصول نظرا الى النبي صلى الله عليه وسلم وضمير صدق به راجع اليه نظر الى ابى بكر. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ فى الجنة ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) على إحسانهم. لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا يسترها عليهم بالمغفرة خص الأسوأ بالذكر للمبالغة فانه إذا كفّر الا سوا فغيره اولى فيه رد لمذهب المعتزلة حيث يدل على عفو كبيرة والاشعار

[سورة الزمر (39) : آية 36]

بانهم لاستعظامهم الذنوب يحسبون كل سيئة عملوها أسوأ الذنوب ويقال افعل هاهنا للتفضيل مطلقا لا على ما أضيف اليه وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ اى يعطيهم ثوابهم اى ثواب أعمالهم بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) يعنى يعد لهم محاسن أعمالهم بأحسنها فى زيادة الاجر وعظمه لفرط إخلاصهم او يقال احسن هاهنا ايضا للزيادة المطلقة قال مقاتل يجزيهم بمحاسن أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوي.. أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ استفهام للنفى مبالغة فى الإثبات يعنى الله كاف عَبْدَهُ محمدا صلى الله عليه وسلم وقرأ ابو جعفر وحمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» عباده يعنى أنبياءه او محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وَيُخَوِّفُونَكَ عطف على معنى اليس الله بكاف تقديره الله كاف عبده ويخوّفونك وجاز ان يكون حالا بتقدير وهم يخوّفونك بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ قال البغوي وذلك انهم خوّفوا النبي صلى الله عليه وسلم معرة الأوثان وقالوا لتكفنّ عن شتم الهتنا او ليصيبنّك منهم خبل او جنون وكذا اخرج عبد الرزاق وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ حتى غفل عن كفاية الله له وخوفه بما لا يضر ولا ينفع فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) يهديهم الى الرشاد. وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ إذ لا راد لفضله أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ الاستفهام للانكار يعنى الله غالب ينفع ذِي انْتِقامٍ (37) منتقم من أعدائه. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعنى كفار مكة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية وبداهة عدم صلاح الأوثان لها وكان اهل مكة يعترفون بذلك قُلْ يا محمد بعد اعترافهم لذلك أَفَرَأَيْتُمْ يعنى أخبروني بعد ما اعترفتم بان خالق العالم هو الله لا غير ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ قرأ حمزة بسكون الياء والباقون بفتحها اللَّهُ بِضُرٍّ اى بشدة وبلاء هَلْ هُنَّ يعنى اوثانكم كاشِفاتُ ضُرِّهِ عنى أَوْ ان أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ عنى قرأ ابو عمرو «ويعقوب ابو محمد» كاشفات ممسكات بالتنوين فيهما ونصب ضرّه ورحمته على المفعولية والباقون بالاضافة استفهام انكار يعنى يلزمهم باعترافهم السابق انكار كون الأصنام قادرة على كشف ضر او إمساك

[سورة الزمر (39) : الآيات 39 إلى 40]

رحمة قال مقاتل فسالهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكتوا فقال الله تعالى لرسوله قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ يكفينى فى إصابة الخير ودفع الضرّ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) اى المؤمنون لعلمهم بانه نافع ولا ضارّ الا هو عبّر المؤمنين بالمتوكلين لان شأنهم التوكل على الله. قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ اى على حالكم اسم للمكان استعير هنا للحال كما ان حيث وهنا اسمان للزمان وقد يستعار أحدهما للمكان إِنِّي عامِلٌ اى على مكانتى فحذف للاختصار والمبالغة فى الوعيد والاشعار بان حاله صلى الله عليه وسلم لا يقف على حد بل الله سبحانه يزيده على مر الدهور قوة ونصرة ولذلك توعدهم بكونه منصورا عليهم فى الدارين فقال فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ فان خزى أعدائه دليل على غلبته وقد أخزاهم يوم بدر وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (40) دائم وهو عذاب النار. إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ لان يهتدوا به الى مصالحهم فى المعاش والمعاد بِالْحَقِّ اى متلبسا به هذه الجملة متصلة بقوله ولقد ضربنا للنّاس فى هذا القران وما بينهما معترضات فَمَنِ اهْتَدى بالكتاب فَلِنَفْسِهِ ينتفع نفسه به وَمَنْ ضَلَّ طريق مصالح فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لا يتجاوز عنها وبال ضلاله وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اى ما وكلت عليهم لتجبرهم على الاهتداء به انما أمرت بالبلاغ وقد بلّغت فلا يضرك ضلالهم-. اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها اى يقبضها عن الأبدان اما بان يقطع تعلقها عنها بالكلية فلا يمكن لها التصرف فيها ظاهرا ولا باطنا وذلك حين موتها ونزعها عنها واما بان يقبضها ظاهرا بعض القبض بان يسلب عنها الحس والحركة الارادية وذلك بان يجعله الله تعالى متوجها الى مطالعة عالم المثال عاطلا عن عالم الشهادة ليستريح وذلك فى المنام فالتوفى بالمعنى الاول حقيقة وبالثاني مجاز فيحمل الكلام هاهنا اما على عموم المجاز وهو القبض مطلقا اما ظاهرا فقط او ظاهرا وباطنا واما على تقدير الفعل كانه قال والّتى لم تمت يقبضها

فى منامها اى يقبض حسها وحركتها وما قيل ان للانسان نفسا وروحا فعند النوم لخرج النفس ويبقى الروح أريد بالنفس قوتها التي بها العقل والتميز يعنى يسلب عنه تلك القوة ويبقى الروح التي بها الحيوة والتنفس قال البغوي عن على كرم الله وجهه قال يخرج الروح عند نومه ويبقى شعاعه فى الجسد فبذلك يرى الرؤيا «1» فاذا انتبه من النوم عاد الروح الى جسده بأسرع من لحظة- ان صح هذا الأثر فالمعنى عندى ان الروح يتوجه الى مطالعة عالم المثال خارج البدن فى عالم الملكوت وذلك خروجه عند نومه ويبقى شعاعه يعنى تعلقه بالجسد كما كان فبذلك اى بخروجه يرى الرؤيا فاذا انتبه من النوم عاد الروح اى توجه الى جسده بأسرع من لحظة فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ولا يردها الى البدن حتى ينفخ نفخة البعث قرأ حمزة والكسائي قضى بضم القاف وكسر الضاد على البناء للمفعول والموت بالرفع والباقون على البناء للفاعل مسندا الى المستكن الراجع الى الله والموت بالنصب على المفعولية وَيُرْسِلُ الْأُخْرى اى النفس النائمة الى الافاقة والاحساس إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى الوقت المضروب لموته فى الصحيحين عن البراء بن عازب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول اللهم بك أموت واحيى وإذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أوى أحدكم الى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فانه لا يدرى ما خلفه عليه ثم يقول باسمك ربى وضعت جنبى وبك ارفعه ان أمسكت نفسى فارحمها وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين- وفى رواية ثم ليضطجع على

_ (1) عن سليم بن عامر ان عمر بن الخطاب قال العجب من رويا الرجل انه يبيت فيرى الشيء ولم يخطر على بال فيكون روياه كالاخذ باليد ويرى الرجل رؤيا فلا يكون روياه شيئا فقال على رضى الله عنه أفلا أخبرك بذلك يا امير المؤمنين ان الله يقول الله يتوفّى الأنفس حين موتها والّتى لم تمت فى منامها فيمسك الّتى قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى أجل مسمّى فالله يتوفى الأنفس كلها فما رأت وهى عنده فى السماء فهى الرؤيا الصادقة وما رات إذا أرسلت الى أجسادها تلقتها الشياطين فى الهوى فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها فعجب عمر من قوله- 12 منه رحمه الله-

[سورة الزمر (39) : آية 43]

شقه الايمن ثم ليقل وفى رواية فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات وان أمسكت نفسى فاغفر لها إِنَّ فِي ذلِكَ التوفى والإمساك والإرسال لَآياتٍ اى دلالات على كمال قدرته وحكمته وشمول رحمته لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) فى كيفية تعلقها بالأبدان وتوفيها عنها بالكلية عند الموت وإمساكها باقية لا تفنى بفنائها وما يعتريها من السعادة والشقاوة والحكمة فى توفيها عن ظواهرها وإرسالها حينا بعد حين الى توفى اجالها فيعلمون ان القادر على ذلك قادر على البعث- وهذه الاية فى مقام التعليل لقوله وعلى الله فليتوكّل المتوكّلون.. أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ أم ابتدائية بمعنى الهمزة للانكار او متصلة معطوفة على جملة محذوفة تقديره اجعلوا لله شركاء أم اتّخذوا من دونه شفعاء او منقطعة بمعنى بل للاضراب عن مضمون قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ والهمزة للانكار قُلْ يا محمد أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) الهمزة للانكار والتقدير ايشفعون لكم ولو كانوا على هذه الصفة التي تشاهدونهم عليها جمادات لا تعقل ولا تقدر- ولما كان هاهنا مظنة ان يقولوا انا نعبد اشخاصا مقربين لله تعالى وتلك الأصنام تماثيلهم قال الله تعالى ردا لهذا القول وتعليلا لقوله لا يملكون. قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً ثم قرر ذلك بقوله لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يملك أحد ان يتكلم فى امر الا باذنه ورضائه فهو مالك الشفاعة كلها ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) يوم القيامة فيكون له الملك ايضا حينئذ. وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ اى نفرت وانقبضت قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ يعنى الأوثان إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) اى يعرجون قال البغوي قال مجاهد ومقاتل وذلك حين قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة والنجم والقى الشيطان فى أمنيته تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى ففرح به الكفار- وكذا اخرج ابن المنذر عن مجاهد- قال البيضاوي لقد بالغ فى الامرين حتى بلغ الغاية فان الاستبشار ان يمتلى قلبه سرورا حتى ينبسط له بشرة وجهه والاشميزاز ان يمتلى غمّا وغضبا حتى ينقبض أديم وجهه والعامل فى إذا معنى المفاجاة. قُلِ اللَّهُمَّ

[سورة الزمر (39) : آية 47]

فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ امر الله سبحانه رسوله بالالتجاء الى الله بالدعاء لمّا تحير فى أمرهم وعجز فى عنادهم وشدة شكيمتهم فانه القادر على الأشياء كلها العالم بالأحوال جميعها ما غاب عنّا وما شاهدناه أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فتنصر المحق وتخذل المبطل فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) عن ابى سلمة قال سالت عائشة بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح الصلاة من الليل قالت كان يقول اللهم رب جبرئيل وميكائيل واسرافيل فاطر السّموات والأرض عالم الغيب والشّهادة أنت تحكم بين عبادك فى ما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم-. وَلَوْ ثبت أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وعيد شديد واقناط بليغ لهم من الخلاص وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) فى مراتب التعذيب فيه مبالغة بليغة فى مقابلة قوله تعالى للمؤمنين فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرّة أعين- قال مقاتل ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا فى الدنيا انه نازل بهم فى الاخرة وجاز ان يكون المعنى انهم يحتسبون ان الأوثان يشفع لهم او لا يكون لهم بعث ونشور او يكونوا فى الاخرة حسن حالا من المؤمنين فيظهر خلاف ذلك وقال السدى ظنوا انها حسنات فبدت لهم انها سيئات يعنى كانوا يزعمون التقرب الى الله بعبادة الأوثان فلمّا عوقبوا عليها بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون. وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا اى بدا مساوى أعمالهم من الشرك والظلم الى اولياء الله حين يعرض عليهم صحائفهم وَحاقَ اى أحاط بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48) ما موصولة والمراد به العذاب او مصدرية والمعنى حاق بهم جزاء استهزائهم.. فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الكافر وقيل اخبار عن الجنس بما يغلب فيه ضُرٌّ شدة دَعانا معطوف على قوله وإذا ذكر الله وحده بالفاء لبيان تناقضهم وتعكيسهم فى السبب يعنى يشمازّون عند ذكر الله وحده ويستبشرون عند ذكر الأصنام فاذا مسهم

[سورة الزمر (39) : آية 50]

ضر دعوا من اشمأزّوا بذكره دون من استبشروا به وما بينهما اعتراض مؤكد لانكار ذلك ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ أعطيناه نِعْمَةً مِنَّا تفضلا فان التخويل مختص به قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ منى بوجوه كسبه او بانى أعطيته لمالى من استحقاقه او من الله بي واستيجابى والضمير لما ان جعلت موصولة والا فلنعمة والتذكير لان المراد شىء منها بَلْ هِيَ اى النعمة فِتْنَةٌ امتحان من الله أيشكر أم يكفر او استدراج لهم ليكون سببا لتعذيبهم وقيل بل الكلمة التي قالها فتنة له موجب للتعذيب وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) ذلك قال البيضاوي هذا دليل على ان المراد بالإنسان الجنس قلت وان كان المراد بالإنسان الكافر فالمراد بأكثرهم كلهم او يقال ان بعضهم كانوا يعتقدون انهم على الباطل كاحبار اليهود وما كانوا ليؤمنوا تعنتا وعنادا. قَدْ قالَهَا اى تلك الكلمة الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قال مقاتل يعنى قارون حيث قال انّما أوتيته على علم عندى وصيغة الجمع بناء على شموله لمن رضى بقوله فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) من الكنوز ما انّ مفاتحه لتنوا بالعصبة اولى القوّة. فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا اى جزاءها سمى جزاء السيئة سيئة نظرا للمقابلة وَالَّذِينَ ظَلَمُوا اى كفروا مِنْ هؤُلاءِ اى من كفار مكة سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا كما أصاب أولئك فاصابهم بان قحطوا سبع سنين وقتل ببدر صناديدهم وادخلوا النار الا من تاب وأمن منهم وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) اى فائتين. أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ امتحانا وَيَقْدِرُ لمن يشاء ابتلاء الاستفهام للانكار والعطف على محذوف تقديره أيقولون هذا القول يعنى انّما أوتيته على علم ولم يعلموا ان توسعة الرزق وتضيقه من الله تعالى قد يوسع الرزق لمن لا يعلم وجوه الكسب وليس له استحقاق الكرامة أصلا وقد يضيقه على عكس ذلك إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) بان الحوادث كلها من الله تعالى والأسباب انما هى على مجرى العادة فى الظاهر. روى الشيخان فى الصحيحين ان ناسا من اهل الشرك قتلوا فاكثروا وزنوا فاكثروا ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ان الذي تقول وتدعونا اليه لحسن لو تخبرنا انّ لما عملنا كفارة

[سورة الزمر (39) : آية 53]

فنزلت ما فى سورة الفرقان والّذين لا يدعون مع الله الها اخر الى قوله غفورا رحيما ونزلت. قُلْ يا عِبادِيَ الاية قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي «ويعقوب وخلف- ابو محمد» بسكون الياء وحذفها وصلا لاجتماع الساكنين والباقون بفتحها «1» واخرج ابن ابى حاتم بسند صحيح عن ابن عباس انها نزلت فى مشركى مكة كذا ذكر البغوي قول عطاء عن ابن عباس وكذا اخرج الطبراني عن ابن عباس بسند ضعيف انه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى وحشي قاتل حمزة يدعوه الى الإسلام فارسل اليه كيف تدعونى الى دينك وأنت تزعم انه من قتل او أشرك او زنى يلق أثاما يّضاعف له العذاب يوم القيامة وانا قد فعلت ذلك كله فانزل الله تعالى الّا من تاب وأمن وعمل عملا صالحا فقال وحشي هذا شرط شديد لعلى لا اقدر على ذلك فهل غير ذلك فانزل الله تعالى انّ الله لا يغفر ان يّشرك به فيغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقال وحشي أراني بعد فى شبهة فلا أدرى يغفرلى أم لا فانزل الله هذه الاية- زاد البغوي فقال المسلمون هذا له خاصة أم للمسلمين عامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل للمسلمين عامة- واخرج الحاكم عن ابن عمر قال كنا نقول ما للمفتتن توبة إذا ترك دينه بعد إسلامه ومعرفته فلمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انزل فيهم قل يعبادى الّذين أسرفوا الاية- وذكر البغوي انه روى عن ابن عمر انه قال نزلت هذه الاية فى عيّاش بن ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد اسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا ابدا قوم اسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه فانزل الله تعالى هذه الآيات فكتبها عمر بيده ثم بعث بها الى عيّاش بن ربيعة والوليد بن الوليد وأولئك النفر فاسلموا وهاجروا الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ اى افرطوا بالجناية عليها بالكفر والمعاصي قال البغوي روى عن ابن عمر انه أراد بالإسراف الكبائر لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ اى لا تيئسوا من مغفرته وتفضله إذا أمنتم وتبتم عن الشرك وهذا القيد ثابت بالإجماع وبقوله تعالى انّ الله لا يغفر ان يّشرك به وبالروايات الواردة فى سبب نزول الاية فالمعنى لا تتركوا الايمان اياسا من رحمة الله بناء على ما اسرفتم من قبل إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً

_ (1) وفى الأصل بحذفها ولا شك انه سباق قلم.

صغيرها وكبيرها إذا تبتم عن الشرك وأمنتم بالله وحده فان الإسلام يهدم ما كان قبله- رواه مسلم عن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم ومورد هذه الاية وان كان خاصا فانها نزلت فى من ارتكب الكبائر فى حالة الشرك ثم اسلم لكن لفظها عام يدل على ان العبد إذا أمن (كما يدل عليه إضافته تعالى العبد الى نفسه بناء على عرف القرآن وان كان ارتكب الكبائر بعد الإسلام) ليرجو ان يغفر الله له ان شاء وان لم يتب كما يدل عليه قوله تعالى انّ الله لا يغفر ان يّشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء والتعليل فى هذه الاية بقوله إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) بصيغة المبالغة وإفادة الحصر والوعد بالرحمة بعد المغفرة وتقديم ما يستدعى عموم المغفرة مما فى عبادى من الدلالة على الزلة والاختصاص المقتضيين للترحم وتخصيص ضرر الإسراف بانفسهم والنهى عن القنوط مطلقا عن الرحمة فضلا عن المغفرة وإطلاقها وتعليله بان الله يغفر الذنوب جميعا ووضع اسم الله موضع الضمير للدلالة على انه المستغنى والمنعم على الإطلاق والتأكيد بالجمع والأحاديث الواردة فى هذا الباب واجماع الامة- روى مقاتل بن حبان عن نافع عن ابن عمر قال كنا معشر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى او نقول ليس شىء من حسناتنا الا وهى مقبولة حتى نزلت يايّها الّذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول ولا تبطلوا أعمالكم قلنا ما هذا الذي نبطل اعمالنا فقلنا الكبائر والفواحش- قال فكنا إذا راينا من أصاب شيئا منها قلنا قد هلك فنزلت هذه الاية قل يا عبادى الّذين أسرفوا- فكففنا عن القولين فكنا إذا راينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه وان لم يصب منها شيئا رجونا له- وروى عن ابن مسعود انه دخل المسجد قاصّ يقصّ وهو يذكر النار والاغلال فقام على رأسه فقال يا مذكّر لم نقنط الناس ثم قرأ قل يا عبادى الّذين أسرفوا عمل أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة الله الاية- وعن اسماء بنت زيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ يا عبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة الله انّ الله يغفر الذّنوب جميعا ولا يبالى- رواه احمد والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب وفى شرح السنة يقول بدل يقرا وعن ابى سعيد الخدري عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال كان فى بنى إسرائيل رجل قتل تسعا وتسعين إنسانا ثم خرج فاتى راهبا فساله فقال ليس لك توبة قال فقتله وجعل يسئل فقال له رجل ايت قرية كذا وكذا فادركه الموت فناء بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فاوحى الله الى هذه ان تقربى واوصى الى هذه ان تباعدى فقال قيسوا ما بينهما فوجدوا الى هذه اقرب بشبر فغفر له- متفق عليه وروى مسلم بن الحجاج هذا الحديث وفيه فدلّ على راهب فاتى فقال انه قتل تسعا وتسعين نفسا فهل لى توبة فقال لا فقتله وكمل به مائة ثم سال اعلم اهل الأرض فدل على رجل عالم فقال انه قتل مائة نفسا فهل له توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق الى ارض كذا وكذا فان بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم فلا ترجع الى أرضك فانها ارض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فاتاهم ملك فى صورة فجعلوه حكما فقال قيسوا بين الأرضين فالى أيتهما ادنى فهو له فقاسوا فوجدوه ادنى الى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رجل لم يعمل خيرا قط فاوصى لاهله إذا مات فحرقوه ثم ذروا نصفه فى البر ونصفه فى البحر فو الله لان قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين قال فلمّا مات فعلوا ما أمرهم فامر الله البحر فجمع ما فيه وامر البر فجمع ما فيه ثم قال له لم فعلت هذا قال من خشيتك يا ربّ وأنت اعلم فغفر له- متفق عليه- وروى البغوي عن ضمضم بن حوش قال دخلت مسجد المدينة فنادانى شيخ فقال يا يمانى (تعال ولا أعرفه) فقال لا تقولن لرجل والله لا يغفر الله لك ولا يدخلك الجنة فقلت من أنت يرحمك الله قال ابو هريرة قال فقلت وان هذه الكلمة يقولها أحدنا لبعض لاهله إذا غضب او لزوجته او لخادمه قال فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان رجلين كانا فى بنى إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد فى العبادة والاخر كان مذنبا فجعل يقول له اقصر عما أنت فيه قال فيقول خلّنى وربى قال حتى وجده يوما على ذنب استعظمه فقال اقصر فقال خلنى وربى أبعثت علىّ رقيبا فقال والله لا يغفر الله لك ابدا

ولا يدخلك الله الجنة ابدا قال فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده قال للمذنب ادخل الجنة برحمتي وقال للاخر اتستطيع ان تحظر على عبادى رحمتى فقال لا يا رب فقال اذهبوا به الى النار قال ابو هريرة والذي نفسى بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته وروى احمد عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رجلين كانا فى بنى إسرائيل متحابين ذكر الحديث الى آخره بعينه وعن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحب ان لى الدنيا وما فيها بهذه الاية يا عبادى الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رّحمة الله الاية- رواه احمد بسند حسن وابن جرير والطبراني فى الأوسط والبيهقي فى شعب الايمان وفيه فقال رجل يا رسول الله ومن أشرك فنكس ساعة ثم قال الا ومن أشرك ثلاث مرات وعن جندب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث ان رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان وان الله قال من الذي يتالى علىّ «اى يقسم منه ره» انى لا اغفر لفلان فانى قد غفرت لفلان واحبطتّ عملك- او كما قال رواه مسلم وعن ابن عباس فى قوله تعالى الّا اللّمم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تغفر اللهم تغفر جمّا واىّ عبد لك لا الما- رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب. وفى حديث قدسى طويل عن ابى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم افعل ما أريد عطائى كلام وعذابى كلام انما امرى لشئ إذا أردته ان أقول له كن فيكون- رواه احمد والترمذي وابن ماجة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عزّ وجلّ ليرفع الدرجة للعبد الصالح فى الجنة فيقول يا رب انّى لى هذا فيقول باستغفار ولدك لك- رواه احمد وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الميّت فى القبر كالغريق المتغوث ينتظر دعوة يلحقه من اب او أم او أخ او صديق فاذا ألحقته كان أحب اليه من الدنيا وما فيها وان الله ليدخل على اهل القبور من دعاء اهل الأرض أمثال الجبال وان هدية الاحياء الى الأموات الاستغفار لهم- رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ليغفر لعبده ما لم يقع الحجاب قالوا يا رسول الله وما الحجاب قال ان تموت النفس وهى مشركة رواه احمد والبيهقي فى كتاب البعث والنشور

وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لقى الله لا يعدل به شيئا فى الدنيا ثم كان عليه مثل جبال ذنوب غفر الله له- رواه البيهقي فى كتاب البعث والنشور وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لله مائة رحمة انزل منها رحمة واحدة بين الجن والانس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها يعطف الوحش على ولدها واخر الله تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة- متفق عليه وروى مسلم عن سلمان نحوه وفى آخره فاذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة- وعن عمر بن الخطاب قال قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبى فاذا امراة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذا وجدت صبيّا فى السبي أخذته فالصقته ببطنها وارضعته فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم أترون هذه طارحة ولدها فى النار فقلنا لا وهى تقدر على ان لا تطرحه فقال الله ارحم بعباده من هذه بولدها- متفق عليه وعن ابى الدرداء انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول ولمن خاف مقام ربّه جنّتان قلت وان زنى وان سرق يا رسول الله فقال الثانية ولمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثانية وان زنى وان سرق يا رسول الله فقال الثالثة ولمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثالثة وان زنى وان سرق يا رسول الله قال وان رغم انف ابى الدرداء- رواه احمد- وعن عامر الرام قال بينا نحن عنده (يعنى النبي صلى الله عليه وسلم) إذ اقبل رجل عليه كساء وفى يده شىء قد التف عليه فقال يا رسول الله مررت بغيضة شجر فسمعت فيها أصوات فراخ طائر فاخذتهن فوضعتهن فى كسائى فجاءت امهن فاستدارت على رأسى فكشفت لها عنهن فوقعت عليهن فلففتهن بكسائى فهن أولاء معى قال ضعهن فوضعتهن وأبت امهن الا لزومهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعجبون لرحم أم الافراخ فراخها فو الذي بعثني بالحق لله ارحم بعباده من أم الا فراخ بفراخها ارجع بهن فضعهن من حيث اخذتهن وامهن معهن فرجع بهن- رواه ابو داود وعن عبد الله بن عمر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فى بعض غزواته فمرّ بقوم فقال من القوم قالوا نحن المسلمون وامراة تخضب بقدرها ومعها ابن لها فاذا ارتفع وهج

تنحت به فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أنت رسول الله قال نعم قالت بابى أنت وأمي اليس الله ارحم الراحمين قال بلى قالت أليس الله ارحم بعباده من الام بولدها قال بلى قالت ان الام لا تلقى ولدها فى النار فاكب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكى ثم رفع رأسه إليها فقال ان الله لا يعذب من عباده الا المارد المتمرد «الشديد العالي- منه ره» الذي يتمرد على الله والى ان يقول لا اله الا الله- رواه ابن ماجة وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد قال لا اله الا الله ثم مات على ذلك الا دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان رنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان رنى وان سرق على رغم انف ابى ذر متفق عليه وفى الباب أحاديث كثيرة تدل على ان مال المؤمن الى الجنة لا كما قالت المعتزلة ان مرتكب الكبيرة ان لم يتب يخلد فى النار- واما استدلال المرجئة بهذه الأحاديث على ان المعاصي صغائر كانت او كبائر لا يضر مع الايمان كما ان الطاعة لا ينفع مع الكفر فباطل مستلزم لانكار الآيات والأحاديث الواردة فى المناهي وكون الصغائر والكبائر مفضية الى التعذيب والسخط من الله تعالى الا ان يتداركه المغفرة فالمذهب الحق ما قال اهل السنة والجماعة رضى الله عنهم ان الطاعة لا تنفع مع الكفر لان الطاعة لا يكون طاعة الا إذا كانت خالصة لله تعالى والا فهى معصية والايمان شرط للطاعة كالوضوء للصلوة واما المعصية فهى وان كانت فى نفسها مقتضية للتعذيب لكنها فى مشية الله تعالى ان شاء غفر له وان شاء عذبه فان غفر له غفر له اما بالتوبة واما بشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم او من أحد من اتباعه واما بمحض فضل من الله تعالى وان عذبه لا يكون تعذيبه مؤبدا ان كان المرء مؤمنا لان الله تعالى وعد بالثواب على كل حسنة قال الله تعالى ومن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره والايمان رأس الحسنات والخلف فى الوعد محال ومحل الثواب الجنة لا محالة لكن المؤمن يرى ذنبه كانه قاعد تحت جبل والفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على انفه فقال به هكذا بيده فذبه عنه. رواه البخاري

[سورة الزمر (39) : آية 54]

عن النبي صلى الله عليه وسلم-. وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ اى ارجعوا اليه بالتوبة من الشرك وَأَسْلِمُوا اى انقادوا له من قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ فى القبر او بعد البعث فحينئذ لا ينفع الايمان منكم كما يدل عليه قوله ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) عطف على جملة مستأنفة وتقديره تعذبون ثم لا تنصرون. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى القران فانه احسن من كل كلام او المراد به العزائم دون الرخص مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) بمجيئه. أَنْ تَقُولَ اى كراهة ان تقول او لئلا تقول نَفْسٌ تنكير نفس لان القائل به بعض الأنفس او للتكثير وهو منصوب على العلية لقوله أنيبوا وقال المبرد تقديره بادروا واحذروا ان تقول نفس يا حَسْرَتى الحسرة الاغتمام وأصله يا حسرتى انقلبت الياء الفا فى الاستغاثة وربما الحقوا به ياء المتكلم بعد الف الاستغاثة كذلك قرأ ابو جعفر يا حسرتاى «بخلاف عن ابن وردان- ابو محمد» عَلى ما فَرَّطْتُ ما مصدرية اى على تفريطى وتقصيرى فِي جَنْبِ اللَّهِ قال الحسن اى قصرت فى طاعة الله وقال مجاهد فى امر الله وقال سعيد بن جبير فى حق الله وقيل فى ذات الله على تقدير مضاف اى فى طاعته او فى قربه وقيل معناه قصرت فى الجانب الذي يردّنى الى رضاء الله وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) ان مخففة من الثقيلة واسمه ضمير الشأن واللام فارقة والجملة فى محل النصب على الحال كانّه قال وانا كنت ساخرا مستهزءا بدين الله وكتابه ورسوله والمؤمنين. أَوْ تَقُولَ لَوْ ثبت أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) من الشرك والمعاصي. أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ عيانا لَوْ للتمنى أَنَّ لِي كَرَّةً اى رجعة الى الدنيا فَأَكُونَ منصوب بعد الفاء فى جواب التمني مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) معناه اتمنى كون بي رجعة الى الدنيا فكونى من المحسنين فى العقيدة والأعمال والعطف باو للدلالة على انه لا يخلو عن مثل هذه الأقوال تحيرا او تعللا بما لا طائل تحته.. بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (51) ومن الله

[سورة الزمر (39) : آية 60]

عليه لما تضمنه قوله لو انّ الله هدانى لكنت من المتّقين فان معناه لم يهدنى الله فان كان المراد بها اراءة الطريق فالمعنى بلى قد هديتك حيث أرسلت إليك رسولى وجاءتك كتابى فكذبت بها وكان قوله لو انّ الله هدانى إنكارا لتبليغ الرسل كما جاء فى الحديث يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلّغت فيقول نعم فيدعى أمته فيقال لهم هل بلّغكم فيقولون لا ما جاءنا من بشير ولا نذير وقد ذكرنا الحديث فى تفسير قوله تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وقوله تعالى فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ وان كان المراد بها خلق الهداية والإيصال الى المطلوب فقولهم مبنى على التشبث بالجبر وانكار قدرتهم على كسب الايمان والطاعة فمعنى الاية بلى قد خلقت فيك القدرة التي يترتب عليها العذاب والثواب فكذّبت باختيارك لما جاءتك آياتي وهذا لا ينافى تأثير قدرت الله فى افعال العباد كما هو مذهب اهل السنة والجماعة فان قيل فما وجه الفصل بين الرد والمردود قلنا وجه ذلك ان تقديم هذه الاية مفرق القرائن وتأخير المردود يخل بالنظم المطابق للوجود لانه يتحسر بالتفريط ثم يتعلل بفقد الهداية ثم يتمنى الرجعة وتذكير الخطاب نظرا الى المعنى. وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ بان وصفوه بما لا يجوز كاتخاذ الولد وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ الجملة حال من مفعول ترى لانه من رؤية البصر أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) عن الايمان والجملة تقرير لكونهم يرون ذلك. وَيُنَجِّي اللَّهُ من جهنّم الَّذِينَ اتَّقَوْا من الشرك بِمَفازَتِهِمْ قرأ حمزة والكسائي وابو بكر «وخلفه ابو محمد» بمفازاتهم بالألف على الجمع والباقون بغير الف على الافراد اى بفلاحهم وتفسيرها بالنجاة تخصيص باهم اقسامه وبالسعادة والعمل الصالح اطلاق للمسبب على السبب والباء للسببية صلة لينجى او لقوله لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) حال او استئناف لبيان المفازة-. اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ من الخير والشر والايمان والكفر هذه الجملة متصلة بقوله الله يتوفّى الأنفس وما بينهما معترضات وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) اى الأشياء كلها موكولة اليه وهو القائم بحفظها الجملة عطف او حال. لَهُ مَقالِيدُ

جمع قلاد او مقليد كمفتاح ومفاتيح او منديل ومناديل السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى لمفاتيح خزائن السماوات والأرض بيده ملكوتها لا يتمكن من التصرف فيها غيره قال قتادة ومقاتل مفاتيح السماوات والأرض بالرزق والرحمة وقال الكلبي خزائن المطر وخزائن النبات وعن عثمان رضى الله عنه انه سال النبي صلى الله عليه وسلم عن المقاليد قال تفسيرها لا اله الا هو والله اكبر وسبحان الله وبحمده واستغفر الله ولا حول ولا قوة الا بالله هو الاول والاخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير «1» - أخرجه ابو يعلى فى مسنده وابن ابى حاتم فى تفسيره والعقيلي فى الضعفاء والطبراني فى الدعاء والبيهقي فى الأسماء والصفات من حديث ابن عمر وذكره ابن الجوزي فى الموضوعات- قلت لعل المعنى ان صفات الله تعالى المذكورة فى هذه الكلمات تفسير للمقاليد يعنى من كان متصفا بتلك الصفات فهو مالك خزائن السماوات والأرض بيده ملكوتها والتصرف ومن يعتقد بها ويذكرها يتاهل ان يفتتح له الخزائن اما عاجلا او أجلا وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ اى بالقران وبكلمات تمجيده وتوحيده او بدلائل قدرته واستبداده بامر السماوات والأرض أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (63) حصر الخسار بهم لان غيرهم ذو حظ من الرحمة والثواب فإن فات عنهم شىء من حظوظ الدنيا فهم مستبدلوها بما لا عين رات ولا اذن سمعت من الحظوظ فى الاخرة واما الكفار فان كان لهم نصيب من خزائن الرزق والمطر فى الدنيا فلا نصيب لهم فى الشكر فلا نصيب لهم فى خزائن الرحمة والحظوظ العاجلة تنقلب عليهم وبالا واستدراجا وجاز ان يكون هذه الاية متصلة بقوله وينجّى الله

_ (1) وروى قصة سوال عثمان عن المقاليد من حديث ابى هريرة نحوه ومن حديث ابن عباس نحوه وزاد فيه من قالها إذا أصبح عشر مرات وإذا امسى أعطاه الله ست خصال اما او لهن فيحرس من إبليس وجنوده واما الثانية فيعطى قنطارا فى الجنة واما الثالثة فيزوج من حور العين واما الرابعة فيغفر له ذنوبه واما الخامسة فيكون مع ابراهيم عليه السلام واما السادسة فيحضره اثنا عشر ملكا عند موته فيبشرونه بالحق ويزفونه من قبره الى الموقف فاذا أصابه شىء من أهاويل يوم القيامة قالوا لا تخف انك من الآمنين ثم يحاسبه الله حسابا يسيرا ثم يؤمر به الى الجنة يزفونه الى الجنة من موقفه كما يزف العروس حتى يدخلونه الجنة بإذن الله والناس فى شدة الحساب 12 منه نور الله ضريحه 12

[سورة الزمر (39) : آية 64]

الّذين اتّقوا وما بينهما اعتراض للدلالة على انه مهيمن على العباد مطلع على أفعالهم مجاز عليها وتغير النظم للاشعار بان العمدة فى فلاح المؤمنين فضل الله وفى خسران الكافرين كفرهم بايات الله والتصريح بالوعد والتعريض بالوعيد قضية المكر والله اعلم- اخرج الطبراني وابن ابى حاتم عن ابن عباس ان قريشا دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ان يعطوه مالا فيكون اغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا هذا لك يا محمد وكفّ عن شتم الهتنا ولا تذكرها بسؤ فان لم تفعل فاعبد الهتنا سنة ونعبد إلهك سنة قال حتى انظر ما يأتينى من ربى فانزل الله تعالى قل يا ايّها الكافرون الى اخر السورة وانزل. قُلْ يا محمد أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي قرأ نافع وابن كثير «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (64) واخرج البيهقي فى الدلائل عن الحسن البصري قال قال المشركون للنبى صلى الله عليه وسلم تضلل آباءك وأجدادك يا محمد فانزل الله هذه الاية الى قوله من الشّاكرين وقال البغوي قال مقاتل ان كفار مكة دعوه الى دين ابائه فنزلت قرأ اهل الشام بنونين خفيفتين واهل المدينة بنون واحدة خفيفة على الحذف فانها تحذف كثيرا والباقون بنون واحدة مشددة على الإدغام والهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف وغير مفعول لاعبد قدم عليه لانه محل الإنكار وتأمرونى جملة معترضة تقديرهء أكفر فغير الله اعبد تأمرونى بذلك وجاز ان ينتصب غير بما دلّ عليه تأمروني اعبد لانه بمعنى تعبّدونى من التفعيل على ان أصله تأمرونني ان اعبد غير الله فحذف ان ورفع الفعل كقوله احضر الوعى ويؤيده قراءة اعبد بالنصب فالتقدير الم يتضح عليكم التوحيد بعد تلك الدلائل فتعبّدوننى غير الله حيث تأمرونني ان اعبد غير الله. وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) كلام على سبيل الفرض والمراد به اقناط الكفرة والاشعار على حكم الامة. وبهذه الاية نحكم بان الردة محبط لثواب جميع الحسنات كما ان الإسلام يهدم ما كان قبله من السيئات فان اسلم بعد الردة فى وقت صلوة

[سورة الزمر (39) : آية 66]

صلاها فعليه أداؤه ثانيا وكذا يجب الحج ثانيا على من حج ثم ارتد ثم اسلم كذا قال الامام ابن الهمام وقال البيضاوي اطلاق الإحباط يحتمل أن يكون من خصائصهم لان شركهم أقبح وأن يكون على التقييد بالموت كما صرح به فى قوله تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت أعمالهم وهذا القول باطل لان القول بكونها من خصائص الأنبياء شنيع جدا تكاد السّماوات يتفطّرن من هذا القول إذ الكلام انما هو على سبيل الفرض المحال وانما المراد به الاشعار على حكم غيرهم وقوله من يرتد دمنكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت أعمالهم لا يدل على نفى الحبط إذا لم يوجد الموت على الكفر بل المطلق عندنا يبقى على إطلاقه لا ضرورة فى حمله على المقيد والله اعلم-. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ رد لما أمروه به والله منصوب باعبد والفاء اما زائدة واما بتقدير امّا وتقديم المعمول لقصد الحصر وبل للعطف على محذوف دل عليه قوله لان أشركت إلخ تقديره لا تعبد غير الله بل الله اعبد او بل امّا الله فاعبد وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) انعامه عليك وفيه اشارة الى موجب الاختصاص اخرج الترمذي عن ابن مسعود قال مرّ يهودىّ بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه فانزل الله تعالى وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ يعنى ما عرف الناس عظمة الله سبحانه حق عظمته حيث جعلوا له شركاء ووصفوه بما لا يليق به ولم يعبدوه حق عبادته ولم يشكروه حق شكره وأنكروا البعث بعد الموت. وَالْأَرْضُ جَمِيعاً يعنى الأرضين السبع بجميع أبعاضها البادية والغارية قَبْضَتُهُ القبضة المرة من القبض أطلقت على المقدار المقبوض بالكف تسمية المفعول بالمصدر او بتقدير ذات قبضته يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ هذه الاية من المتشابهات المصروفة عن الظاهر لا يعلم تأويله الا الله والغرض منه التنبيه على عظمته وكمال قدرته وحقارة الافعال العظام التي يتخير فيها الأوهام بالاضافة على قدرته وعلى

ان تخريب العالم أهون شىء عليه- وقال علماء البيان هذا الكلام وارد على طريقة التمثيل والتخيل من غير اعتبار القبضة واليمن حقيقة ولا مجازا كقولهم شابّت لمة الليل- ووجه نزول الاية بعد قول اليهودي تصديق ما حكاه اليهودي عن التورية فان كتب الله تعالى مصدقة بعضها لبعض- وفى الصحيحين حديث ابن مسعود بلفظ جاء حبر من اليهود الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد ان الله يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع والأرضين على إصبع والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن فيقول انا الملك انا الله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجّبا ممّا قال الحبر تصديقا له ثم قرأ وما قدروا الله حقّ قدره الاية- لعل وجه التطبيق بين رواية الترمذي ورواية الصحيحين ان الاية نزلت حينئذ فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم كما نزلت على اليهودي وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوى السماء بيمينه ثم يقول انا الملك اين ملوك الأرض- وروى مسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوى الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول اين الجبارون اين المتكبرون ثم يطوى الأرضين بشماله- وفى رواية يأخذهن بيده الاخرى ثم يقول انا الملك اين الجبارون اين المتكبرون- واخرج ابو الشيخ عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة جمع الله السماوات والأرضين السبع فى قبضة ثم يقول انا الله انا الرحمان انا الملك انا القدوس انا المؤمن انا المهيمن انا العزيز انا الجبار انا المتكبر انا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئا انا الذي أعيدها اين الملوك اين الجبابرة- قال القاضي عياض القبض والطى والاخذ كلها بمعنى الجمع فان السماوات مبسوطة والأرض مدحوة ممدودة ثم رجع ذلك الى معنى الرفع والازالة والتبديل وقال القرطبي المراد بالطي الاذهاب والافناء واخرج ابن ابى حاتم عن الحسن قال عدّت اليهود فنظروا فى خلق السماوات والأرض والملائكة فلمّا فرغوا أخذوا يقدرونه فانزل الله تعالى وما قدروا الله حق قدره واخرج عن سعيد بن جبير قال قال تكلمت اليهود فى صفة الرب فقالوا بما لم يعلموا ولم يروا فانزل الله تعالى وما قدروا الله الاية واخرج ابن المنذر عن الربيع بن

[سورة الزمر (39) : آية 68]

انس قال لمّا نزلت وسع كرسيّه السّموت والأرض قالوا يا رسول الله هذا الكرسي هكذا فكيف العرش فانزل الله تعالى وما قدروا الله حقّ قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسّموت مطويّت بيمينه سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) ما ابعد أعلا من هذه قدرته عن اشراكهم او ما يضاف اليه من الشركاء-. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ يعنى النفخة الاولى فَصَعِقَ اى مات مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قد ذكرنا المراد بالمستثنى فى هذه الاية فى سورة النمل فى تفسير قوله تعالى ونفخ فى الصّور ففزع من فى السّموت ومن فى الأرض الّا من شاء الله قال الحسن الّا من شاء الله يعنى الله وحده ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى اى نفخة اخرى يحتمل النصب والرفع فَإِذا هُمْ قِيامٌ قائمون من قبورهم يَنْظُرُونَ (68) يقلّبون أبصارهم فى الجوانب كالمبهوت او ينتظرون ما يفعل بهم وبين النفختين أربعون يوما وقد ذكرنا ما ورد فيه من الأحاديث فى سورة النازعات. وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ يعنى ارض عرصات القيامة عطف على نفخ فيه اخرى بِنُورِ رَبِّها بنور خالقها قال البغوي وذلك حين يتجلّى الربّ لفصل القضاء بين خلقه فما يتضارون فى نوره كما لا يتضارون بالشمس فى اليوم الصحو وقال الحسن والسدىّ اى بعدل ربها قيل سماه نورا لانه يزين البقاع ويظهر الحقوق كما سمى الظلم ظلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الظلم ظلمات يوم القيامة- متفق عليه من حديث ابن عمرو وُضِعَ الْكِتابُ اى صحائف الأعمال فى أيدي العمال واكتفى باسم الجنس عن الجمع اخرج البيهقي عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث الله تعالى ريحا فتطيرها بالايمان والشمائل أول خط فيها اقرأ كتبك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا- واخرج ابو نعيم عن ابن مسعود موقوفا والديلمي عن ابى هريرة مرفوعا عنوان كتاب المؤمن يوم القيامة حسن ثناء الناس وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ قال السيوطي قال العلماء يكون الحساب بمشهد من النبيين وغيرهم واخرج ابن المبارك عن سعيد بن المسيّب قال وليس من يوم

[سورة الزمر (39) : آية 70]

الا ويعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم وَالشُّهَداءِ قال ابن عباس الذين يشهدون للرسل على تبليغ الرسالة وهم امة محمد صلى الله عليه وسلم وقال عطاء يعنى الحفظة يدل عليه قوله تعالى وجاءت كلّ نفس «1» معها سائق وشهيد وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين العباد بِالْحَقِّ اى بالعدل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) اى لا يزاد فى سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم. وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ اى جزاوه وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (70) قال عطاء يعنى انه تعالى عالم بأفعالهم لا يحتاج الى كاتب وشاهد انما الكتاب والشهود جريا على العادة وإلزاما للكفرة- ثم فصل الله التوفية وقال. وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً اى أفواجا متفرقة بعضها على عقب بعض على تفاوت أقدامهم فى الضلالة قال ابو عبيدة والأخفش زمرا اى جماعات فى فرقة واحدتها زمرة واشتقاقها من الزمر وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه او من قولهم شاة زمرة اى قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروة وهى الجمع القليل حَتَّى إِذا جاؤُها ليدخلوها فُتِحَتْ قرأ الكوفيون بالتخفيف والباقون بالتشديد على التكثير اى فتحّت ابوابها السبعة كلها وكانت مغلقة قبل ذلك وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها تقريعا وتوبيخا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ اى من جنسكم يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا اى وقتكم هذا اى وقت دخولكم النار قال البيضاوي فيه دليل على انه لا تكليف قبل الشرع من حيث انهم عللوا توبيخهم بإتيان الرسل وإنذار الكتب قلت هذه الاية لا تدل على عدم التعديب على الإشراك بالله عند عدم الرسل بل على كمال التوبيخ بعد تمام الحجج فان العقل وان لم يكن مستقلا فى درك الشرائع لكن الدلائل المنصوبة على الوحدانية كاف لحكم العقل بالتوحيد فاذا أرسل الله سبحانه الرسل وانزل الكتب وأوضح الطريق لم يبق العذر بوجه من الوجوه والله اعلم قالُوا بَلى وَلكِنْ

_ (1) وفى الأصل وجاءت كلّ امّة إلخ 12-

[سورة الزمر (39) : آية 72]

حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ اى كلمة الله بالعذاب وحكمه فى الأزل انهم من الأشقياء عَلَى الْكافِرِينَ (71) وضع المظهر موضع الضمير للدلالة على اختصاص ذلك الحكم بالكفر. قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أبهم القائل لتهويل ما يقال لهم فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) اللام للجنس والمخصوص بالذم محذوف لما سبق ذكره يعنى جهنم والفاء للسببية فان الكلام السابق سبب للذم وفيه اشعار بان مثواهم الجهنم لتكبرهم عن الحق وذا لا ينافى كون دخولهم فيها لما حقت عليهم كلمة العذاب فان تكبرهم وسائر مقابحهم مسببة عنه عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث طويل ان الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال الجنة فيدخل به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخل به النار- رواه مالك وابو داود والترمذي-. وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ اسراعا بهم الى دار الكرامة وقيل سيق مراكبهم إذ لا يذهب بهم الا راكبين زُمَراً على تفاوت مراتبهم فى الشرف وعلو الطبقة حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ قرأ الكوفيون بالتخفيف والباقون بالتشديد على التكثير أَبْوابُها حال يعنى وقد فتحت ابوابها قبل مجيئهم تعظيما لهم كيلا ينتظروا وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ اى لا يعتريكم مكروه ابدا طِبْتُمْ اى طهرتم من دنس المعاصي وهذا اما لعدم ارتكابهم المعاصي او لطهارتهم عنها بالمغفرة او بالعقوبة قال قتادة إذا قطعوا النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض حتى إذا هذبوا وطيبوا دخلوا الجنة وقال لهم رضوان وأصحابه سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين- وعن على رضى الله عنه قال سيقوا الى الجنة وإذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرة تخرج من تحت ساقها عينان فيغتسل المؤمن من إحداهما فيطهر ظاهره ويشرب من الاخرى فيطهر باطنه

[سورة الزمر (39) : آية 74]

وتلقته الملائكة على أبواب «1» الجنة يقولون سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين- وقال الزجاج معناه كنتم طيبين فى الدنيا عن خبائث الشرك والمعاصي وقال ابن عباس معناه طاب لكم المقام فَادْخُلُوها الفاء للدلالة على ان طيبهم سبب لدخولهم وخلودهم هذا على التأويلات المتقدمة واما على قول ابن عباس فطيب مقامهم سبب لدخولهم يعنى لمّا كانت الجنة مقاما طيّبا استأهل ان تكون محلا لهم خالِدِينَ (73) اى مقدرين الخلود-. وَقالُوا عطف على محذوف وهو جواب إذا حذف للدلالة على ان لهم مع الدخول من الكرامة ما لا يسعه المقال تقديره حتّى إذا جاءوها وفتحت ابوابها وقال لهم خزنتها كذا دخلوها ووجدوا فيها ما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر ببال أحد ولا يسعه المقال وقالوا شكرا لما أنعم عليهم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ بدخول الجنة وبما أخفى لهم من قرّة أعين وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ اى ارض الجنة وايراثها تحليهم إياها نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ اى يتبوا كل منا فى اىّ مقام أراد من جنته الواسعة وإذا أراد زيارة الأنبياء واصحاب الدرجات العلى تيسر لهم ذلك اخرج الطبراني وابو نعيم والضياء وحسنه عن عائشة قالت جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انك لاحبّ الىّ من نفسى ومن أهلي وولدي وانى لاكون فى البيت فاذكرك ولا اصبر حتى اتيك فانظر إليك فاذا ذكرت موتى وموتك عرفت انك إذا دخلت وقفت مع النبيين وانى ان دخلت خشيت ان لا أراك فلم يرد عليه شيئا حتى نزل جبرئيل بقوله تعالى ومن يطع الله والرّسول «2» فاولئك

_ (1) عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أنفق بزوجين من ماله فى سبيل الله دعى من أبواب الجنة وللجنة أبواب فمن كان من اهل الصلاة دعى من باب الصلاة ومن كان من اهل الصيام دعى من باب الريان ومن كان من اهل الصدقة دعى من باب الصدقة ومن كان من اهل الجهاد دعى من باب الجهاد فقال ابو بكر يا رسول الله فهل يدعى أحد منها كلها قال نعم وأرجو ان تكون منهم 12 منه نور الله ضريحه. (2) وفى الأصل ورسوله إلخ 12-

[سورة الزمر (39) : آية 75]

الّذين أنعم الله عليهم من النّبيين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقا فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (73) الجنة.. وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ محدقين محيطين حال مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قيل هذا تسبيح تلذّذ لا تسبيح تعبّد لان التكليف ساقط حينئذ وجملة يسبحون حال من فاعل حافين وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين الخلائق بِالْحَقِّ بالعدل بإدخال المؤمنين الجنة والكافرين النار وقيل بين الملائكة بإقامتهم فى منازلهم على حسب تفاضلهم وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) يعنى يقول ذلك اهل الجنة شكرا حين ثم وعد الله لهم وقيل يقول ذلك الملائكة شكرا لله على إدخال اولياء الله الجنة واعداء الله النار عن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة بنى إسرائيل والزمر- رواه الترمذي والنسائي والحاكم تمت سورة الزمر غرة رمضان سنة 1207 هـ- ويتلوه ان شاء الله تعالى سورة المؤمن.

سورة المؤمن

سورة المؤمن مكية وهى خمس وثمانون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى البغوي بسنده عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه انه قال ان مثل القران كمثل رجل انطلق يرتاد «1» لاهله منزلا فمر بأثر غيث فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات فقال عجبت من الغيث الاول فهذا اعجب وأعجبه فقيل له ان مثل الغيث الاول مثل عظم القرآن وان مثل هؤلاء الروضات الدمثات مثل ال حم فى القران- وقال البغوي قال ابن مسعود إذا وقعت فى ال حم وقعت فى روضات اتانق فيهن «اى استرحيهن- منه ره» وفى رواية إذا قرات ال حم وقعت فى روضات دمثات- وروى ايضا بسنده عن ابن عباس قال لكل شىء لباب ولباب القران الحواميم وقال البغوي قال ابراهيم كل ال حم يسمين العرائس واخرج الحاكم عن ابن مسعود موقوفا الحواميم ديباج «پارچهـ ابريشمى- منه ره» القران. حم (1) قد سبق الكلام فى الحروف المقطعات وقال البغوي قال السدى حم اسم الله الأعظم وروى عن عكرمة عنه قال الرحم ن حروف الرحمان مقطعة وقال سعيد بن جبير وعطاء الخراسانى الحاء افتتاح أسمائه حكيم حميد حى حيان والميم افتتاح أسمائه ملك مجيد منان وقال الكسائي قضى ما هو كائن كانهما أشار الى ان معناه حمّ بضم الحاء وتشديد الميم قرأ ابن كثير وقالون وحفص «وابو جعفر ويعقوب- ابو محمد» وهشام بفتح الحاء فى الحواميم كلها وورش وابو عمر بين بين والباقون بالامالة.

_ (1) يرتاد اى يطلب مكانا لرعى المواشي والرائد الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلاء ومساقط الغيث- منه رح .

[سورة غافر (40) : آية 2]

تَنْزِيلُ الْكِتابِ خبر مبتدا محذوف اى هذا تنزيل الكتاب او مبتدا خبره مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ فى ملكه الْعَلِيمِ (2) بخلقه لعل تخصيص الوصفين بالذكر لما فى القران من الاعجاز والحكمة الدال على القدرة الكاملة والحكمة البالغة. غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ للمؤمنين مصدر تاب يتوب توبة وقيل التوب جمع توبة مثل دومة ودوم وحومة وحوم قال ابن عباس غافر الذّنب لمن قال لا اله الا الله قابل التّوب ممن قال لا اله الا الله محمد رسول الله صفتان لله تعالى والاضافة فيهما معنوية لانه لم يرد زمان مخصوص بل الاستمرار وتوسيط الواو لافادة الجمع بين محو الذنب وقبول التوبة او تغائر الوصفين إذ ربما يتوهم الاتحاد او تغائر موقع الفعلين لان الغفر هو الستر فيكون الذنب باقيا وذلك لمن لم يتب والتائب كمن لا ذنب «1» له- رواه ابن ماجة مرفوعا عن ابن مسعود والحكيم عن أبيّ وابن النجار عن على وابن عساكر والبيهقي عن ابن عباس فهو دليل على جواز المغفرة لمن لم يتب شَدِيدِ الْعِقابِ لمن لم يقل لا اله الا الله ذِي الطَّوْلِ

_ (1) عن يزيد بن الأصم ان رجلا كان ذا بأس وكان عمر يعد لبأسه وكان من اهل الشام وان عمر فقده فسال عنه فقيل له تتابع فى هذا الشرب فدعا كاتبه فقال اكتب من عمر بن الخطاب الى فلان سلام عليكم فانى احمد إليك الله الذي لا اله الا هو غافر الذّنب وقابل التّوب شديد العقاب ذى الطّول لا اله الّا هو اليه المصير ثم دعا وامر من عنده فيدعو له ان يقبل الله عليه بقلبه وان يتوب عليه- فلمّا أتت الرجل جعل يقرأها ويقول غافر الذّنب قد وعد فى الله ان يغفر لى وقابل التّوب شديد العقاب قد حذرنى عقابه ذى الطّول والطول الخير الكثير اليه للصير فلم يزل يرددها على نفسه حتى بكى ثم نزع فاحسن النزع- فبلغ عمر امره فقال هكذا فاصنعوا إذا رايتم أخا لكم ذلّ ذلّة فسددوه ووفقوه وادعوا الله له ان يتوب عليه ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه- وعن قتادة قال كان شاب بالمدينة صاحب عبادة وكان عمر محبّا له فانطلق الى مصرف فسد فجعل لا يمتنع من شر فقدم الى عمر بعض اهله فساله حتى ساله عن الشاب فقال لا تسئلنى عنه قال لم قال انه فسد وخلع فكتب اليه عمر الى فلان حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم الاية فجعل يقرأها على نفسه فاقبل بخير- وعن ابى إسحاق السبيعي قال جاء رجل الى عمر فقال يا امير المؤمنين انى قتلت فهل لى من توبة فقرأ عليه حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذّنب وقابل التّوب وقال اعمل ولا تيئس 12 منه نور الله مرقده-[.....]

[سورة غافر (40) : آية 3]

قال مجاهد اى ذى السعة والغنى وقال قتادة ذى النعم وقيل ذى القدرة وقال الحسن ذى الفضل قيل غافر الذنب وما بعدها ابدال ليست بصفات واضافة الثلاثة منها لفظية لا تفيد التعريف فلا تصلح كونها صفات وعلى هذا ذى الطّول ايضا بدل لامتناع تقدم البدل على الصفة وقال صاحب الكشاف والبيضاوي هى كلها صفات كالاولين والاضافة فيها حقيقية لما ذكرنا انه لم يرد زمان مخصوص وأريد بشديد العقاب مشددة فالاضافة فيه ايضا حقيقية إذ هو فى الأصل الشديد عقابه فحذف اللام للازدواج والامن من اللبس فهو معرف باللام وجعله وحده بدلا مشوش للنظم وقال الزجاج شديد العقاب بدل ليس بصفة وبه قال صاحب المبارك للقطع بكونه نكرة وحذف اللام لا يجوز وعلى هذا ذى الطّول ايضا بدل وما قال البيضاوي اولى من حيث المعنى لان كلها توابع تدل على معان فى متبوعها أوردت للمدح والترغيب والترهيب والحثّ على ما هو المقصود منه والمقصود بالنسبة انما هو الله لا غير. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فيجب الإقبال الكلى على عبادته قال صاحب المدارك هذا صفة اخرى كذى الطّول والظاهر انه استئناف إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) فيجازى المطيع والعاصي. ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ اى فى دفع آيات الله بالتكذيب او اثبات التناقض او فى الآيات المتشابهات بتأويلات مخالفة للمحكمات او مخالفة لما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون «اى يتجادلون- منه ره» فى القران فقال انما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه ببعض وانما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا فلا تكذبوا بعضه ببعض فما علمتم فقولوه وما جهلتم فوكلوه الى عالمه- رواه البغوي ورواه مسلم بلفظ ان عبد الله بن عمرو (يعنى جد عمرو بن شعيب) قال هجّرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا فى اية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف فى وجهه الغضب فقال انما هلك من كان قبلكم باختلافهم فى الكتاب. وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان جدلا فى

[سورة غافر (40) : آية 5]

القران كفر- رواه البغوي ورواه البيهقي فى شعب الايمان والطيالسي من حديث عبد الله ابن عمر ورواه ابو داود والحاكم وصححه عن ابى هريرة مرفوعا بلفظ المراء فى القران كفر قال البيضاوي لما حقق الله سبحانه امر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين فيه بالطعن وادحاض الحق كقوله وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقّ فاما الجدال «1» فيه لحل عقدة واستنباط حقائقه وقطع تشبث اهل الزيغ وقطع مطاعنهم فيه فمن أعظم الطاعات ولذلك قال عليه السلام ان جدالا فى القران كفر- بالتنكير مع انه ليس جدالا فيه على الحقيقة فَلا يَغْرُرْكَ يا محمد تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) يعنى إمهالهم وإقبالهم فى دنياهم وتقلبهم فى بلاد الشام واليمن بالتجارات المربحة. اخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ عن ابى مالك انه قال نزلت فى الحارث بن قيس السهمي يعنى انهم مواخذون عن قريب بكفرهم كالذين قبلهم كما قال. كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ اى الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود يعنى كذبوا نوحا وغيره من الرسل هذه معللة بقوله فلا يغررك وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ منهم بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ قال ابن عباس اى ليقتلوه ويهلكوه وقيل لياسروه والعرب يسمى الأسير اخيذا وَجادَلُوا بِالْباطِلِ اى بمثل قولهم ما أنتم الّا بشر مثلنا ولولا انزل علينا الملائكة او نرى ربّنا ونحو ذلك لِيُدْحِضُوا اى ليزيلوا ويبطلوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ بالإهلاك جزاء لهمهم عطف على جادلوا فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) اى عقابى فانكم تمرون على ديارهم وترون اثره والاستفهام للتقرير والتعجيب. وَكَذلِكَ اى وجوبا مثل وجوب إهلاكهم فى الدنيا حَقَّتْ اى وجبت فى الاخرة كَلِمَةُ رَبِّكَ او المعنى كما حقت كلمة العذاب على الأمم

_ (1) قال فى النهاية انما جاء هذا فى الجدال والمراء فى الآيات التي ذكر فيها القدر ونحوه من المعاني على مذهب اهل الكلام واصحاب الأهواء والآراء دون ما تضمنه من الاحكام وأبواب الحلال والحرام فان ذلك قد جرى من الصحابة فمن بعدهم من العلماء وذلك فيما يكون الغرض منه والباعث عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة والتعجيز 12 منه نور الله مرقده.

[سورة غافر (40) : آية 7]

المكذبة السابقة كذلك حقت كلمة العذاب عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا من قومك أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) بدل من كلمت ربّك بدل الكل على قراءة كلمة ربّك وبدل البعض على قراءة كلمات او بدل الاشتمال على ارادة اللفظ او المعنى وقال الأخفش تقديره لانّهم وبانّهم اصحاب النّار-. الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ اى الطائفون به وهم الكروبيون وهم سادة الملائكة قال ابن عباس حملة العرش ما بين كعب أحدهم الى أسفل قدميه مسيرة خمس مائة عام ويروى ان أقدامهم فى تخوم الأرضين «اى حدودها ومعالمها- منه ره» والأرضون والسماوات الى حجزتهم وهم يقولون سبحان ذى العزة والجبروت سبحان ذى الملك والملكوت سبحان الحي الذي لا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح- وقال ميسرة بن عبد ربه أرجلهم فى ارض السفلى ورءوسهم تحت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وهم أشد خوفا من اهل السماء السابعة واهل السماء السابعة أشد خوفا من التي تليها والتي تليها أشد خوفا من التي تليها- وقال مجاهد بين الملائكة والعرش سبعون حجابا من نور وروى محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن لى ان أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة اذنه الى عاتقه مسيرة سبع مائة عام- رواه ابو داود والضياء بسند صحيح وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال ان ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع ثلاثين الف سنة والعرش يكسى كل يوم سبعون الف لون من النور لا يستطيع ان ينظر اليه خلق من خلق الله والأشياء كلها فى العرش كحلقة فى فلاة- وقال مجاهد بين السماء السابعة وبين العرش سبعون الف حجاب حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب من نور وحجاب من ظلمة- وقال وهب بن منبه ان حول العرش سبعون الف صف من الملائكة صف خلف صف يطوفون بالعرش يقبل هولاء ويقبل هؤلاء فاذا استقبل بعضهم بعضا هلّل هؤلاء وكبر هولاء ومن ورائهم سبعون الف صف قيام أيديهم الى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم فاذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم رافعوا أصواتهم

فقالوا سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأجلك أنت الله لا اله غيرك أنت الأكبر الخلق كلهم راجعون إليك ومن وراء هولاء مائة الف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد الا وهو يسبح بتحميدة لا يسبحه الاخر ما بين جناحى أحدهم مسيرة ثلاث مائة عام وما بين شحمة اذنه الى عاتقه اربع مائة عام واحتجب الله من الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجابا من نار وسبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من نور وسبعين حجابا من در ابيض وسبعين حجابا من ياقوت احمر وسبعين حجابا من ياقوت اصفر وسبعين حجابا من زبرجد اخضر وسبعين حجابا من ثلج وسبعين حجابا من ماء وسبعين حجابا من برد وما لا يعلمه الا الله تعالى قال ولكل واحد من جملة العرش ومن حوله اربعة وجوه وجه ثور ووجه اسد ووجه نسر ووجه انسان ولكل واحد منهم اربعة اجنحة اما جناحان فعلى وجهه مخافة ان ينظر الى العرش فيصعق واما جناحان فيهفو بهما كما يهفو هذا الطائر بجناحيه إذا حركه ليس لهم كلام الا التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد- يُسَبِّحُونَ الله اى يذكرونه بمجامع الثناء من صفات الجلال والإكرام متلبسين بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قال البيضاوي جعل التسبيح أصلا والحمد حالا لان الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح وَيُؤْمِنُونَ بِهِ اى يصدقون بانه تعالى موجود واجب وجوده خالق للاشياء كلها أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد اخبر الله تعالى عنهم بالايمان إظهارا لفضله وتعظيما لاهله وايماء بان الملائكة فى العبودية والعجز والايمان بالغيب كسائر الخلائق لا كما تزعم الكفار انهم بنات الله وردّا على المجسمة عن شهر بن حوشب قال حملة العرش ثمانية اربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك واربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك قال فكانهم يرون ذنوب بنى آدم وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فيه تنبيه على ان المشاركة فى الايمان يوجب النصح والشفقة وان تخالف الأجناس لانها أقوى المناسبات كما قال الله تعالى انّما المؤمنون اخوة رَبَّنا اى يقولون ربّنا وجملة يقولون مع ما فى حيزه حال من فاعل يستغفرون وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً اى وسعت كل شىء رحمتك وعلمك فازيل عن أصله للاغراق فى وصفه بالرحمة والعلم

[سورة غافر (40) : آية 8]

والمبالغة فى عمومها وقدم الرحمة لانها المقصودة بالذات هاهنا فَاغْفِرْ الفاء للسببية فان سعة الرحمة سبب للمغفرة لِلَّذِينَ تابُوا اى رجعوا عن الكفر الى الإسلام وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ اى دينك الذي بعثت به رسلك وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) اى احفظهم عنه تصريح بعد اشعار للتأكيد قال مطرف انصح عباد الله للمؤمنين الملائكة واغش الخلق لهم الشياطين. رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ اى «1» اقامة الَّتِي وَعَدْتَهُمْ إياها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ من صلح عطف على هم فى أدخلهم او لما وعدتهم يعنى وعدتهم ووعدت من صلح من ابائهم ولعل المراد بالصلاح هاهنا نفس الايمان فان المؤمن صالح لدخول الجنة وان كان مرتكبا للكبائر بغفران الله تعالى فان الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء وانما قلنا ذلك ليتحقق التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه ولو كان المراد بالصلاح صلاح العقائد والأعمال والأخلاق جميعا كان من صلح داخلا فى الذين تابوا واتبعوا سبيل الله والله اعلم- قال البغوي قال سعيد بن جبير يدخل المؤمن الجنة فيقول اين ابى اين أمي اين ولدي اين زوجى فيقال انهم لم يعملوا مثل عملك فيقول انى كنت اعمل لى ولهم فيقال أدخلوهم الجنة وهذا موقوف فى حكم المرفوع وصريح فى ان المراد بالصلاح فى الاية نفس الايمان إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الذي يقدر على كل شىء ولا يمتنع عنه ما أراد الْحَكِيمُ (8) الذي لا يفعل الا ما يقتضيه الحكمة ومن ذلك الوفاء بالوعد. وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ اى العقوبات او جزاء الأعمال السيئة وهذا تعميم بعد تخصيص او مخصوص عن من صلح او المعنى وقهم السّيّئات اى عن الأعمال السيئة فى الدنيا وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ اى يوم الجزاء او فى الدنيا فَقَدْ رَحِمْتَهُ دليل على جزاء الشرط المحذوف أقيم مقامه تقديره ومن تق السّيّئات يفلح إذ قد رحمته وَذلِكَ اى الرحمة او الوقاية او مجموعهما

_ (1) عن قتادة انه قال ان عمر بن الخطاب قال يا كعب ما عدن قال قصور من ذهب فى الجنة يسكنها النبيون والصديقون دائمة العدل 12 منه رح

[سورة غافر (40) : آية 10]

هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) فان قيل اىّ فائدة فى سوال الملائكة للمؤمنين بإدخال الجنة بعد ما وعدهم الله تعالى به واستحالة الخلف فى وعد الله وكذا فى سوال المؤمنين للنبى صلى الله عليه وسلم بقوله اللهم ات محمد ان الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته قلت الباعث على الدعاء حبهم إياهم لما القى الله تعالى فى قلوبهم وفائدته استجلاب مزيد رحمة الله للمدعو لهم واستجلاب رضوان الله ورحمته للداعين لاجل المحبوبين لله تعالى والله اعلم-. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا الى آخره متصل بقوله ما يجادل فى آيات الله الّا الّذين كفروا وما بينهما معترضات فى مدح الملائكة الموصوفين بالايمان المستغفرين للمؤمنين الذين هم اعداء الكافرين يُنادَوْنَ اى يناديهم خزنة النار يوم القيامة وهم فى النار وقد مقتوا أنفسهم الامّارات بالسوء حين عرض عليهم سيئاتهم وعاينوا جزاءها فيقال لهم لَمَقْتُ اللَّهِ إياكم أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) ظرف لفعل دل عليه المقت الاول لاله لانه مصدر وخبره اكبر من مقتكم فلا تعمل فى إذ تدعون لان المصدر إذا اخبر عنه لم يجز ان يتعلق شىء يكون فى صلته لان الاخبار عنه يؤذن بتمامه وما يتعلق به يؤذن بنقصانه ولا للمقت الثاني لانه عند حلول العذاب- او تعليل للحكم وزمان المقتين واحد. قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا موتتين اثْنَتَيْنِ او مرتين وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ اى خلقتنا أمواتا نطفا فى أصلاب الآباء ثم أحييتنا فى أرحام الأمهات فى الدنيا ثم أمتنا عند انقضاء الآجال ثم أحييتنا يوم القيامة كذا قال ابن عباس وقتادة والضحاك ونظيره قوله تعالى كنتم أمواتا فاحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم وقال السدىّ معناه امتّنا فى الدنيا ثم أحييتنا فى القبر للضوال ثم امتّنا فى القبر ثم أحييتنا يوم البعث ومبنى هذا القول الزعم بان الاماتة يقتضى الحيوة قبل الموت وهذا ليس الان الاماتة جعل الشيء عديم الحيوة ابتداء او بالتصيّر كما قيل سبحان من صغر البيض وكبر الفيل وان خص بالتصيّر فاختيار الفاعل أحد مفعوليه بأحد الوصفين تصيّر و

[سورة غافر (40) : آية 12]

صرف له عن الاخر والسؤال فى القبر لا يستدعى حيوة مثل حيوة الدنيا ولو استدعى ذلك لاستدعى عذاب القبر ايضا مثل ذلك ولزم انقطاع عذاب القبر عن الكفار إذا أميتوا فى القبر بعد السؤال وليس كذلك فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا الفاء للسببية ولما كان سبب اعترافهم معاينتهم الحيوة الثانية بعد الموت الثانية جعل مجموع الموتتين والحياتين سببا له فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ واحد او نوع من الخروج من النار سريع او بطى ورجوع الى الدنيا مِنْ سَبِيلٍ (11) طريق فنسلكه استفهام ومعناه التمني فينادون لا سبيل لكم الى الخروج فحذف هذه الجملة لما يدل عليه قوله. ذلِكُمْ يعنى انتفاء سبيل للخروج وما أنتم فيه من العذاب بِأَنَّهُ اى بسبب انه إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ اى متوحدا وتوحد وحده فحذف الفعل وأقيم مقامه فى الحالية كَفَرْتُمْ يعنى إذا قيل لا اله الا الله انكرتم وقلتم اجعل الالهة الها واحدا وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ غيره تُؤْمِنُوا تصدقوا بالاشراك وإذا كان هذا سببا لدخولكم فى النار فَالْحُكْمُ لِلَّهِ يعنى هذا الحكم لله خاصة الذي هو المستحق للعبادة المنزه عن الشريك وهو قد حكم عليكم بالعذاب الشديد الدائم بسبب كفركم ولو كان له شريك مما عبدتموها أنجاكم من عذابه وكان لكم حينئذ سبيل الى الخروج الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) من ان يشرك ويسوى به غيره.. هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ الدالة على التوحيد وسائر ما يجب ان يعلم وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً اى مطرا يكون سببا لرزقكم فيه ولمعذرتهم بالجهل بعد رؤية ما كان صالحا للاستدلال على التوحيد وَما يَتَذَكَّرُ بالآيات إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) الى الله ويرجع عن التعصب والعناد وهذه الجملة مبتدئة خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم بعد ما تم الجواب لاهل النار. فَادْعُوا اللَّهَ يعنى إذا سمعتم ما يؤل اليه امر المشركين فادعوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اى الطاعة والعبادة من الشرك وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) يعنى وان غاظ ذلك أعداءكم الكافرين. رَفِيعُ الدَّرَجاتِ اى رفيع درجات كماله بحيث لا يظهر بجنبها كمال وقيل الرفيع هاهنا

[سورة غافر (40) : آية 16]

بمعنى رافع درجات أنبيائه وأوليائه فى مراتب القرب اليه وفى الجنة بعضها فوق بعض ذُو الْعَرْشِ خالقه ومالكه يُلْقِي الرُّوحَ اى ينزل الوحى سماه روحا لانه يحيى به القلوب كما يحيى الأبدان بالأرواح مِنْ أَمْرِهِ قال البغوي قال ابن عباس يعنى من فضله فمن للابتداء وقيل من قوله فمن للبيان عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ الثلاثة كلها اخبار لهو مترادفة لموصول دالة على توحيده وعلو صمديته وتمهيد للنبوة او اخبار مبتدا محذوف اى هو لِيُنْذِرَ متعلق بيلقى والمستكن فيه لله او للروح او لمن وهو اظهر واقرب ويؤيده قراءة يعقوب «لا يدعى الحسن بالتاء- ابو محمد» بالتاء للخطاب اى لتنذر أنت يا محمد وحذف المفعول للدلالة على عموم دعوته وشمول إنذاره الثقلين يَوْمَ التَّلاقِ (15) اى يوم يلتقى فيه الخلائق كلها اهل السماوات والأرض وقال مقاتل وقتادة يوم يلتقى فيه الخالق والخلائق وقال ميمون بن مهران يلتقى فيه الظالم والمظلوم والخصوم وقيل يلتقى العابدون والمعبودون وقيل المرء مع عمله- اخرج الحاكم وابن جرير وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا فى كتاب الأهوال عن ابن عباس انه قرأ يوم تشقّق السّماء بالغمام قال يجمع الله الخلق يوم القيامة فى صعيد واحد الجن والانس والبهائم والسباع والطير فتشقق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم اكثر ممن فى الأرض من الجن والانس الحديث بطوله ذكر فيها نزول اهل السماوات السبع بعضهم عقيب بعض ونزول الله تعالى وهو من المتشابهات وذكرنا تأويلها فى سورة الفرقان فى تفسير قوله تعالى يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وفى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى ان يأتيهم الله فى ظلل من الغمام والملائكة. يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ 5 اى خارجون من قبورهم او ظاهرون لا يسترهم شىء من جبل او اكمة او بناء او ظاهرة نفوسهم لا يحجبهم غواشى الأبدان او ظاهرة أعمالهم وسرائرهم لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ اى من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم شَيْءٌ تقرير لقوله يوم هم بارزون وازاحة لنحو ما يتوهم فى الدنيا لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ حكاية لما يسئل عنه فى ذلك اليوم وذلك بعد فناء الخلق قبل البعث وحينئذ لا يكون أحد يجيبه فيجيب نفسه ويقول لِلَّهِ الْواحِدِ المتوحد فى

[سورة غافر (40) : آية 17]

جلال الذات وكمال الصفات المنزه عن الشريك فى الالوهية وفى شيء من الممكنات الْقَهَّارِ (16) الذي قهر الخلق بالموت وبالتصرف فيها بما أراد. رواه يعنى كون السؤال والجواب من الله بعد فناء الخلق قبل البعث ابو هريرة فى حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني فى المطولات وابو يعلى فى مسنده والبيهقي فى البعث وغيرهم واخرج ابن ابى داود فى البعث عن ابى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ينادى مناد بين الصيحة يا ايّها الناس أتاكم الساعة ومدّ بها صوته يسمعها الاحياء والأموات وينزل الله الى السماء الدنيا ثم ينادى مناد لمن الملك اليوم لله الواحد القهار- واخرج البيهقي عن انس دفعه فى قوله تعالى ونفخ فى الصّور الاية فكان ممّن استثنى الله ثلاثة جبرئيل وميكائيل وملك الموت فيقول الله (وهو اعلم) يا ملك الموت من بقي فيقول وجهك الباقي الكريم وعبدك جبرئيل وميكائيل وملك الموت فيقول توف نفس ميكائيل ثم يقول (وهو اعلم) يا ملك الموت من بقي فيقول بقي وجهك الباقي الكريم وعبدك جبرئيل وملك الموت فيقول توف نفس جبرئيل ثم يقول (وهو اعلم) يا ملك الموت من بقي فيقول بقي وجهك الباقي الكريم وعبدك ملك الموت وهو ميت فيقول مت ثم ينادى انا بدأت الخلق ثم أعيده اين الجبارون المتكبرون ثم ينادى لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول هو لله الواحد القهّار ثم ينفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون- وسياق الاية يقتضى انه حكاية لما يسئل عنه فى ذلك اليوم بعد احياء الخلق يوم هم بارزون او حكاية لما دلّ عليه ظاهر الحال فى ذلك الوقت من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط وسلب الاضافة المجازى للملك والحكم الى غيره تعالى واما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما. الْيَوْمَ يعنى حين يسلب الملك المجازى من غيره تعالى ويكون الملك خاصة له ظاهرا كما هوله خاصة دائما على الحقيقة تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ بنقص الثواب وزيادة العقاب بناء على الوعد ولان الحاكم حينئذ هو الله وحده ولا يتصور منه الظلم لان الظلم ما يفعله أحد

[سورة غافر (40) : آية 18]

فى غير ملكه بلا اذن مالكه وكل ما يفعله الله يفعله فى ملكه إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) يحاسب الناس كلهم فى قدر نصف يوم من ايام الدنيا بناء على مشيته والا فهو قادر على ان يحاسبهم دفعة فى ان واحد إذ لا يشغله شأن عن شأن-. وَأَنْذِرْهُمْ عطف على الاخبار السابقة بتقدير يقال لك انذرهم يَوْمَ الْآزِفَةِ اى القيامة سمّيت بها لازوافها اى قربها إذ كل ما هو ات قريب إِذِ الْقُلُوبُ إذ بدل من يوم الآزفة لَدَى الْحَناجِرِ فانها ترفع عن أماكنها من شدة الهول فتلتصق بحلوقهم فلا يعود حتى يترحوا ولا يخرج فيموتوا كاظِمِينَ مكروبين ممتلين خوفا وو حزنا والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن فى القلب حتى تطيق به- القلوب مبتدا ولدى الحناجر خبره والكاظمين حال من القلوب محمول على أصحابها وانما جمع الكاظم جمع السلامة لانه وصف بالكظم الذي هو من افعال العقلاء ما لِلظَّالِمِينَ الكافرين والضمائر ان كانت للكفار كان هذا وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على اختصاص ذلك بهم وانه لظلمهم مِنْ حَمِيمٍ اى قريب مشفق وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) اى ولا شفيع مشفع لا مفهوم للوصف إذ لا شفيع لهم أصلا فما لهم من شافعين او له مفهوم على زعمهم ان لهم شفعاء اى لو شفعوا فرضا لا تقبل شفاعتهم. يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ اى النظرة الخائنة كالنظرة الى من حرم النظر إليها واستراق النظر إليها او مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة يعنى يعلم خيانة الأعين الجملة خبر اخر لهو فى قوله هو الّذى يريكم آياته وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) من الضمائر قيل يعنى ما يتفكر الرجل بقلبه فى جمال امراة اجنبية بعد ما ينظر إليها بشهوة مسارقة. وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ لانه المالك على الإطلاق والحكيم والعليم بما ظهر وما بطن فلا يقضى الا بما يقتضيه علمه وحكمته ولا يقضى الا وهو حقه والجملة عطف على يعلم وَالَّذِينَ يَدْعُونَ قرا نافع وهشام بالتاء للخطاب على الالتفات او بإضمار قل والباقون بالياء للغيبة مِنْ دُونِهِ من الأوثان والشياطين والملوك الجبابرة لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ لعدم قدرتهم على القضاء إِنَّ اللَّهَ هُوَ

[سورة غافر (40) : آية 21]

السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) تقرير لعلمه بخائنة الأعين وقضائه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما يدعون من دونه بانها لا تسمع ولا تبصر. أَوَلَمْ يَسِيرُوا عطف على محذوف تقديره اينكرون وبال الكفر ولم يسيروا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ اى مال اليه امر الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم المكذبة للرسل كعاد وثمود كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً قدرة وتمكنا جئ بالفصل لمشابهة افعل من بالمعرفة فى امتناع دخول اللام عليه قرأ ابن عامر أشدّ منكم على الالتفات وَآثاراً فِي الْأَرْضِ من القلاع والمدائن الحصينة وقيل المعنى اكثر اثارا كقوله متقلدا سيفا ورمحا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ فاهلكهم بالريح او الصيحة او نحو ذلك وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) يمنع عنهم من العذاب حيث لم يلتجئوا اليه الجملة عطف او حال ذلك الاخذ. بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ اى المعجزات او الاحكام الواضحات الصحّة والصلاح فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ قادر على كل ما يريد غاية القدرة شَدِيدُ الْعِقابِ (22) اى شديد عقابه الجملة تعليل للاخذ القوى-. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا اى المعجزات التسع وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) حجة ظاهرة العطف لتغائر الوصفين او لافراد بعض المعجزات كالعصا تفخيما لشأنه وتخصيصا بعد تعميم. إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) يعنون موسى عليه السلام تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم وبيان لعاقبة بعض من كان قبلهم من الذين كانوا أشد بطشا واقرب زمانا. فَلَمَّا جاءَهُمْ موسى بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ اى أعيدوا عليهم القتل وَاسْتَحْيُوا اى استبقوا نِساءَهُمْ كما كنتم فعلتم ذلك اولا كى يصدوا عن مظاهرة موسى عليه السلام وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ وضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل على كفرهم ولتعميم الحكم والدلالة على العلة إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) اى فى

[سورة غافر (40) : آية 26]

ضياع فانهم أرادوا ابطال امر موسى فرد الله عليهم كيدهم واهلكهم وجعل موسى ومن تبعه ملوك الأرض. وَقالَ فِرْعَوْنُ لقومه ذَرُونِي قرأ ابن كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها أَقْتُلْ مُوسى وقال البغوي انما قال هذا لانه كان فى خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتل موسى خوفا من الهلاك كانوا يقولون انه ليس للذى تخافه بل هو ساحر ولو قتلته لظن الناس انك عجزت عن معارضته بالحجة قال البيضاوي فيه دليل على انه تيقن بنبوة موسى فخاف من قتله او ظن وانه لو حاوله لم يتيسر له ويؤيده قوله وَلْيَدْعُ موسى رَبَّهُ الذي يزعم انه أرسله إلينا فيمنعه منا فانه تجلد وعدم مبالاة بدعائه وكان قوله ذرونى اقتل موسى تمويها على قومه وإيهاما بانهم هم الذين يكفونه عن قتله وما كان يكفه الا ما استقر فى قلبه من هول امر العصا إِنِّي قرأ نافع وابن كثير و «وابو جعفر- ابو محمد» وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ ان لم اقتله أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ اى يغير ما أنتم عليه من عبادة الأصنام لقوله تعالى ويذرك والهتك أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) قرأ يعقوب واهل الكوفة او ان والآخرون وان وقرأ اهل المدينة والبصرة «وحفص» يظهر بضم الياء وكسر الهاء من الافعال والفساد بالنصب على المفعولية والباقون بفتح الياء والهاء من المجرد ورفع الفساد على الفاعلية وأراد بالفساد تبديل الدين وعبادة الأوثان او ما يفسد الدنيا من التجارب والتهارج.. وَقالَ مُوسى لقومه لما توعده فرعون بالقتل إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) صدر الكلام بانّ تأكيدا واشعارا على ان السبب المؤكد فى دفع الشر هو العياذ بالله وخص اسم الرب لان المطلوب هو الحفظ والتربية وإضافته اليه وإليهم لان حفظ موسى متضمن ومتكفل لحفظهم أجمعين وحثا لهم على موافقته فى الاستعاذة لما فى تظاهر الأزواج من استجلاب الاجابة ولم يذكر فرعون وذكر وصفا يعمه وغيره لتعميم الاستعاذة ورعاية الحق والدلالة على الحامل له على الشر وجاز ان يكون هذا خطابا لفرعون وقومه وفى قوله ربّكم تنبيه على التوحيد وانكار على اشراكهم.

[سورة غافر (40) : آية 28]

وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ قال مقاتل والسدىّ كان قبطيا ابن عم فرعون وهو الذي حكى الله عنه فى سورة القصص وجاء رجل من اقصا المدينة يسعى قيل كان اسمه حبيب وقال قوم كان اسرائيليا ومجاز الاية وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من ال فرعون وكان اسمه جزئيل على ما روى عن ابن عباس واكثر العلماء وقال ابن إسحاق كان اسمه خبول أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا اى تقصدون «1» قتله أَنْ يَقُولَ اى لان يقول او وقت ان يقول من غير رؤية وتأمل فى امره او مخافة ان يقول رَبِّيَ اللَّهُ وحده وهو فى الدلالة على الحصر مثل صديقى زيد وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ المعجزات الكثيرة الشاهدة على صدقه مِنْ رَبِّكُمْ حيث لا يقدر على إتيان تلك المعجزات الا الذي خلقكم فانه قادر على كل شىء دون غيره وأضاف الربّ إليهم اشعارا بانه من خلقكم ورباكم قادر على ان يأخذكم بالعذاب والجملة حال من فاعل يقول ثم أخذ الرجل القائل بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال وَإِنْ يَكُ كاذِباً كما زعمتم فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ لا يتخطاه وبال كذبه حتى يحتاج فى دفعه الى قتله وَإِنْ يَكُ صادِقاً كما يدل عليه المعجزات والشواهد يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ اى فلا اقل ان يصيبكم بعضه وذلك البعض يكفى لهلاككم ففيه مبالغة فى التحذير واظهار الانصاف وعدم التعصب ولذلك قدم كونه كاذبا إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) احتجاج ثالث ذو وجهين أحدهما انه لو كان مسرفا لما هداه الله الى البينات ولما

_ (1) عن على انه قال ايها الناس أخبروني بأشجع الناس قالوا لا نعلم قال ابو بكر رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ قريش فهذا يجبئه (يجبئه: اى يجعله مثل الراكع- 12 منه رح) وهذا يتلتله (يتلتله: أي يحركه ويسوقه بعنف- 12 منه رح) ، وهم يقولون أنت الذي جعلت الالهة الها واحدا قال فو الله ما دنا منا أحد الا ابو بكر يضرب هذا يجبئه وهذا يتلتله وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلا ان يقول ربّى الله ثم رفع على برده كانت عليه فبكى حتى ابتلت لحيته ثم قال أنشدكم مؤمن ال فرعون خير أم ابو بكر فسكت القوم فقال الا تجيبونى فو الله لساعة من ابى بكر خير من مؤمن ال فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه- 12 منه نور الله مرقده 12-

[سورة غافر (40) : آية 29]

عضده بالمعجزات وثانيهما انه كان مسرفا كذابا خذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم الى قتله ولعله أراد به المعنى الاول وخيّل إليهم الثاني ليلين شكيمتهم- «اى شدة نفسهم- منه ره» وتعريض به لفرعون بانه مسرف كذاب لا يهديه الله سبيل الصواب والنجاة عن عروة بن الزبير قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني باشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بفناء الكعبة إذا قبل عقبة بن ابى معيط فاخذ بمنكبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه فى عنقه فخنقه خنقا شديدا فاقبل ابو بكر «1» فاخذ بمنكبيه ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتقتلون رجلا ان يقول ربّى الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم- رواه البخاري. يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ غالبين عالين حال من كم فى لكم فِي الْأَرْضِ ارض مصر فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا يعنى لكم الملك والغلبة فى الأرض فلا تبطلوا ملككم وغلبتكم بالتعرض لعذاب الله بقتل نبيه فانه ان جاءنا لا يمنعنا منه أحد أدرج نفسه فى الضمير لانه كان منهم فى القرابة وليريهم انه معهم ومساهمهم فيما ينصح لهم قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ من الرأى اى ما اشيركم وقال الضحاك ما أعلمكم إِلَّا ما أَرى اى ما أراه واعلمه صوابا يعنى قتله وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29) طريق الصواب-. وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ عَلَيْكُمْ فى تكذيبه والتعرض له مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30)

_ (1) وعن عمرو بن العاص قال ما تنوول من رسول الله صلى الله عليه وسلم من طاف بالبيت صخر فلقوه حين فرغ فاخذوا بمجامع ردائه وقالوا أنت الذي تنها ناعما كان يعبد آباؤنا فقال انا ذاك فقام ابو بكر فالتزمه من ردائه ثم قال أتقتلون رجلا ان يقول ربّى الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم ان ى ك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الّذى يعدكم انّ الله لا يهدى من هو مسرف كذّاب رافعا صوته بذلك وعيناه تسيحان حتى أرسلوه- وعن انس بن مالك قال قد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غشى عليه فقام ابو بكر فجعل ينادى ويلكم اتقتلون رجلا ان يقول ربّى الله قالوا من هذا قالوا هذا ابن ابى قحافة 12 منه رضى الله-

[سورة غافر (40) : آية 31]

تقديره انّى أخاف عليكم عذابا مثل عذاب يوم الأحزاب اى ايام الأحزاب يعنى الأمم الماضية المكذبة للرسل وجمع الأحزاب مع التفسير الذي بعده اغنى عن جمع اليوم او المعنى عذاب يوم حزب من الأحزاب. مِثْلَ جزاء دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ كقوم لوط ونمرود الجبار اى مثل جزاء ما كان عادتهم من التكذيب وإيذاء الرسل وهذه الاية تدل على انه كان فى قوم فرعون علم بالأولين وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) اللام زائدة لتقوية عمل المصدر والعباد مفعول لظلما يعنى لا يريد ان يظلم عبدا فيعاقبهم بغير ذنب او يترك الظالم منهم بغير انتقام او ينقص من اجر حسنة لاحد او يزيد فى عقوبة أحد. وَبعد ما خوّفهم بعذاب الدنيا خوّفهم بعذاب الاخرة فقال يا قَوْمِ إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ قرأ ابن كثير «ويعقوب- ابو محمد» التّنادى وصلا ووقفا بإثبات الياء وورش «وابن دردان- ابو محمد» وصلا فقط واختلف فيهما عن قالون «والحذف عنه أقوى ابو محمد» والباقون بحذف الياء فى الحالين. يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ بدل من يوم التناد قال مجاهد يعنى فارّين غير معجزين قيل المراد منه يوم ينفخ فى الصور نفخة الفزع قبل نفخة الصعق لما روى ابن جرير فى المطولات وابو يعلى فى مسنده والبيهقي فى البعث وعبد بن حميد وابو الشيخ فى كتاب العظمة عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا وذكر فيه ثلاث نفخات قال فيأمر الله اسرافيل بالنفخة الاولى فيقول الله تعالى انفخ نفخة الفزع فينفخ فيفزع اهل السماوات والأرض الا ما شاء الله فيأمره فيمدها فيطيلها ولا يفتر الى ان قال فتذهل المراضع عمّا أرضعت وتضع الحوامل وتشيب الولدان وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتى الأقطار فتتلقتها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع وتولى الناس مدبرين ينادى بعضهم بعضا وهو الذي يقول الله يوم التناد الحديث- وقيل المراد يوم القيامة إذا دعى كل أناس بامامهم اخرج ابو نعيم عن ابى حازم الأعرج رضى الله عنه انه قال (يخاطب نفسه) يا اعرج ينادى يوم القيامة يا اهل

خطيّات كذا وكذا فتقوم معهم ثم ينادى يا اهل خطيّات اخرى فتقوم معهم فاراك يا اعرج تريد ان تقوم مع اهل خطيئة- واخرج ابن ابى عاصم فى السنة عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة نادى مناد الا ليقم خصماء الله (وهم القدرية) وإذا ينادى اصحاب الجنة اصحاب النار واصحاب النار اصحاب الجنة وينادى اصحاب الأعراف كما حكى الله تعالى فى سورة الأعراف وإذا ينادى بالسعادة والشقاوة الا ان فلان ابن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها ابدا الا ان فلان بن فلان شقى شقاوة لا يسعد بعدها ابدا- اخرج البزار والبيهقي عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يؤتى بابن آدم يوم القيامة فيوقف بين كفتى الميزان ويوكّل به ملك فان ثقلت موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها ابدا وان خفت موازينه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعدها ابدا- وإذا ينادى الا انى جعلت نسبا وجعلتم نسبا اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة امر الله مناديا ينادى الا انى جعلت نسبا وجعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم فابيتم الا ان تقولوا فلان بن فلان خير من فلان بن فلان فاليوم ارفع نسبى وأضع نسبكم اين المتقون. وإذا ينادى حين يذبح الموت يا اهل الجنة خلود ولا موت ويا اهل النار خلود ولا موت- اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا صار اهل الجنة الى الجنة واهل النار الى النار جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادى منادى يا اهل الجنة لا موت ويا اهل النار لا موت فيزداد اهل الجنة فرحا الى فرحهم واهل النار حزنا الى حزنهم- وعن ابى سعيد نحوه وعند الحاكم وابن حبان عن ابى هريرة نحوه- وقرأ ابن عباس والضحاك يوم التّناد بتشديد الدال اى يوم التنافر وذلك لانهم هربوا فندوا فى الأرض كما تند الإبل إذا شردت عن أربابها. اخرج ابن جرير

[سورة غافر (40) : آية 34]

وابن المبارك عن الضحاك قال إذا كان يوم القيامة امر الله السماء الدنيا فتشققت باهلها فتكون الملائكة على حافتها حين يأمرهم الربّ فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فصفوا صفّا دون صف ثم ينزل الملك الأعلى بجنبته اليسرى جهنم فاذا راها اهل الأرض ندّوا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض الا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فرجعوا الى المكان الذي كانوا فيه وذلك قول الله تعالى انّى أخاف عليكم يوم التّناد يوم تولّون مدبرين ما لكم من الله من عاصم وذلك قوله تعالى وجاء ربّك والملك صفّا صفّا وجيئ يومئذ بجهنّم وقوله تعالى يا معشر الجنّ والانس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السّموات والأرض فانفذوا وقوله تعالى وانشقّت السّماء فهى يومئذ واهية والملك على أرجائها يعنى ما تشقق منها فبينما كذلك إذا سمعوا الصوت فاقبلوا الى الحساب وقيل معنى قوله تعالى يوم تولّون مدبرين يوم تولون منصرفين عن موقف الحساب الى النار ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ يعصمكم من عذابه يعنى غير الله لا يقدر على دفع عذاب الله قطعا وانما يدفع عذاب الله رحمته ولا يكون لهم من الله رحمة تعصمهم من عذابه وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ اى يضله عن طريق الجنة فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) اليه. وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليه السلام على ان فرعونه فرعون موسى طال عمره او على نسبة احوال الآباء الى الأولاد يعنى جاء اباءكم يوسف وقيل المراد يوسف بن ابراهيم بن يوسف بن يعقوب عليهم السلام أرسل إليهم مِنْ قَبْلُ اى قبل موسى بِالْبَيِّناتِ اى بالمعجزات فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ قال ابن عباس من عبادة الله وحده مخلصا له الدين حَتَّى إِذا هَلَكَ اى مات يوسف عليه السلام قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا اى أقمتم على كفركم وزعمتم ان الله لا يجدد عليكم الحجة كَذلِكَ اى اضلالا مثل ذلك الإضلال يُضِلُّ اللَّهُ فى العصيان مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مشرك

[سورة غافر (40) : آية 35]

مُرْتابٌ (34) اى شاك فيما يشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك فى التقليد. الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بدل من الموصول الاول لانه بمعنى الجمع بِغَيْرِ سُلْطانٍ حجة واضحة بل اما بتقليد او شبهة داحضة أَتاهُمْ من عند الله كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا فيه ضمير من وافراده نظرا الى لفظه ويجوز ان يكون الّذين مبتدا وخبره كبر على حذف مضاف تقديره وجدال الّذين يجادلون فى آيات الله كبر مقتا او الذين مبتدا وخبره بغير سلطان وفاعل كبر كَذلِكَ على ان كاف اسم بمعنى مثل اى كبر مقتا مثل ذلك الجدال فيكون قوله يَطْبَعُ اللَّهُ استئنافا للدلالة على موجب جدالهم وجاز ان يكون المعنى كذلك مثل اضلالهم يطبع الله اى يختم بالضلال ويوثق عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) بحيث لا يدخله نور الايمان قرأ ابو عمرو وابن ذكوان قلب بالتنوين على وصفه بالتكبر والتجبر لانه صنيعهما كقولهم رات عينى وسمعت اذنى او على حذف المضاف تقديره على قلب كل ذى قلب متكبر جبار والباقون بالاضافة.. وَقالَ فِرْعَوْنُ لوزيره هامان يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً اى بناء عاليا لا يخفى على الناظر وان بعد ومنه التصريح بمعنى الإظهار لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) اى الطرق. أَسْبابَ السَّماواتِ اى طرقها وابوابها من سماء الى سماء وكل ما يؤدى الى شىء فهو سبب له كالرشاء والدلو للماء واسباب الثاني بيان للاول وفى إيضاحها بعد ابهامها تفخيم لشانها وتشويق للسامع الى معرفتها فَأَطَّلِعَ قرأ حفص بالنصب على جواب لعل بالفاء والباقون بالرفع عطفا على ابلغ إِلى إِلهِ مُوسى الظاهر انه امر بالبناء كبناء نمرود وذكرناه فى سورة النمل وقال البيضاوي لعله أراد ان يبنى له رصدا فى موضع عال يرصد منه احوال الكواكب التي هى اسباب سماوية تدل على الحوادث الارضية فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله تعالى إياه- او ان يرى الناس فساد قول موسى بان اخباره من اله السماء يتوقف على اطلاعه ووصوله اليه وذلك

[سورة غافر (40) : آية 38]

لا يتاتى الا بالصعود الى السماء وهو ممّا لا تقوى عليه الإنسان وذلك لجهله بالله وكيفية استنبائه وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً فى دعوى الرسالة وَكَذلِكَ اى تزيينا مثل ذلك التزين يعنى تزيين بناء الصرح للاطلاع على رب السماوات زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ اى كل عمل سئ يأباه العقل السليم يعنى أفسد الله بصيرته فكان يرى كل عمل سئ حسنا وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ سبيل الرشاد قرأ الكوفيون ويعقوب بضم الصاد على البناء للمفعول والفاعل على الحقيقة هو الله سبحانه يضلّ من يشاء ويهدى من يشاء والباقون بفتح الصاد يعنى صدّ فرعون الناس عن الهدى بامثال هذه الشبهات والتمويهات ويؤيده قوله تعالى وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ فى ابطال امر موسى إِلَّا فِي تَبابٍ (37) اى فى خسار وضياع-. وَقالَ الَّذِي آمَنَ من ال فرعون يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ قرأ ابن كثير «ويعقوب- ابو محمد» اتّبعونى بإثبات الياء فى الحالين وقالون وابو عمرو «وابو جعفر- ابو محمد» وصلا فقط والباقون بحذف الياء فى الحالين أَهْدِكُمْ اى أدلكم سَبِيلَ الرَّشادِ (38) اى سبيلا يوصل سالكه الى المقصود وفيه تعريض الى ان ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغىّ. يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ يسير يتمتعون بها مدة يسيرة ثم ينقطع وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) التي لا تزول فعليكم بما ينفعكم فى الاخرة. مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ اى فى حال الايمان فان الايمان شرط لجزاء كل عمل صالح لان الله تعالى هو المالك للجزاء فلا بد للايمان به على ما يرتضيه حتى يجزى ما عمل لوجهه خالصا فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) بغير تقدير وموازنة للاعمال بل أضعافا مضاعفة فضلا منه ورحمة. وَيا قَوْمِ ما لِي قرأ الكوفيون وابن ذكوان «ويعقوب- ابو محمد» بسكون الياء والباقون بفتحها والمعنى ما لكم كما تقول ما لى أراكم حزينا يعنى أخبروني كيف حالكم على خلاف ما يقتضيه العقل والعرف أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ من النار

[سورة غافر (40) : آية 42]

بالايمان بالله وحده وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) اى الى الشرك الذي يوجب النار كور نداءهم ايقاظا لهم عن سنة الغفلة واهتماما بالمناولة ومبالغة فى توبيخهم على ما يقابلون به نصحه- لم يعطف النداء الثاني على الاول لانه بيان لما قبله وعطفه الثالث على الثاني او على الاول. تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ بدل من تدعوننى الاول او بيان منه تعليل والدعاء يعدى بالى وباللام كالهداية وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ اى بربوبيته عِلْمٌ بل عندى دليل قاطع على امتناعه ولا بد للايمان من برهان على وجوده وربوبيّته ولا يصح الاعتقاد الا عن ايقان وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الغالب القادر على الانتقام ممن كفر به الْغَفَّارِ (42) لذنوب من شاء ممن أمن به فهو المستجمع لصفات الالوهية من كمال القدرة والعلم والارادة.. لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ قيل لا فى لا جرم رد لما دعوه اليه من عبادة الأصنام وجرم فعل بمعنى حقّ وفاعله انّ مع جملتها اى حق عدم دعوة الهتكم الى عبادتها أصلا فى الدارين لانها جمادات لا دعوة لهم فى الدنيا الى العبادة وفى الاخرة تتبرّأ عن عابديها وليس لها ما يقتضى الوهيتها او حق عدم دعوة مستجابة لها او عدم استجابة دعوة لها قال السدىّ لا يستجيب لاحد فى الدنيا ولا فى الاخرة- وقيل جرم فعل من الجرم بمعنى القطع ولا للنفى كما ان بدّا من لا بدّ فعل من التبديد بمعنى التفريق والمعنى لا قطع لبطلان دعوة الوهية الأصنام اى لا ينقطع فى وقت ما فيكون معناه استمرّ كما فى ما برح وما زال وحاصل معناه حقّا وفى القاموس لا جرم اى لا بدّ او حقّا او لا محالة او هذا أصله ثم تحول الى القسم فلذلك يجاب عنه باللام يقال لا جرم لاتينك وقيل جرم بمعنى كسب وفاعله مستكن فيه الى كسب ذلك الدعاء اليه ان لا دعوه له بمعنى ما حصل من ذلك الا ظهور بطلان دعوته ولا على هذا ايضا لرد ما دعوه اليه وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ بعد الموت فيجازى كلّا بما يستحقه وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ فى الضلالة الطغيان بالاشراك

[سورة غافر (40) : آية 44]

وسفك الدماء هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) ملازموها. فَسَتَذْكُرُونَ اى سيذكر بعضكم بعضا عند معائنة العذاب حين لا ينفعكم الذكر ما أَقُولُ لَكُمْ من النصيحة وَأُفَوِّضُ أَمْرِي قرأ نافع وابو عمرو «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلَى اللَّهِ ليعصمنى من كل سوء قال ذلك لما توعدوه إذا ظهر مخالفته لدينهم إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) يعلم المحق من المبطل ثم خرج المؤمن من بينهم فطلبوه فلم يقدروا عليه وذلك قوله عز وجل. فَوَقاهُ اللَّهُ عطف على جمل محذوفة تقديره فاراد ال فرعون قتله ففرّ منهم فارسل فرعون جماعة ليأخذوه فوقيه الله سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا اى ما أرادوا به وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ اى بفرعون وقومه واستغنى بذكرهم عن ذكره للعلم بانه اولى بذلك سُوءُ الْعَذابِ (45) اى الغرق فى الدنيا والنار فى الاخرة وقيل حاق بال فرعون يعنى بالذين أرسلوا لطلب المؤمن من ال فرعون سوء العذاب اى القتل فانه لمّا فرّ الى الجبل فاتبعه طائفة فوجدوه يصلى والوحوش صفوف حوله فرجعوا رعبا فقتلهم فرعون-. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا جملة مستأنفة او النّار خبر محذوف ويعرضون استئناف للبيان او النّار بدل من سوء العذاب ويعرضون حال منها او من الال- قال ابن مسعود أرواح ال فرعون فى أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرتين تغدو وتروح الى النار فيقال يا ال فرعون هذه مأواكم حتى تقوم الساعة- أخرجه عبد الرزاق وابن ابى حاتم وقال مقاتل والسدىّ والكلبي يعرض روح كل كافر على النار بكرة وعشيّا ما دامت الدنيا يعنى الى قيام الساعة- ويؤيده ما فى الصحيحين عن عبد الله بن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغدوة والعشى ان كان من اهل الجنة فمن اهل الجنة وان كان من اهل النار فمن اهل النار فيقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله الى يوم القيامة وفيه دليل على بقاء النفس وعذاب القبر

[سورة غافر (40) : آية 47]

وقد دلت الأحاديث عليه وانعقد عليه الإجماع وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر وابو بكر بهمزة الوصل وضم الخاء يعنى يقال لهم ادخلوا يا آلَ فِرْعَوْنَ وقرأ الباقون بهمزة القطع وكسر الخاء من الإدخال اى يقال للملائكة ادخلوا ال فرعون أَشَدَّ الْعَذابِ (46) قال ابن عباس يريد ألوان العذاب غير الذي كانوا يعذبون به منذ غرقوا يعنى فى عالم البرزخ. وَإِذْ يَتَحاجُّونَ اى اهل النار فِي النَّارِ اى اذكر يا محمد لقومك وقت مخاصمتهم فى النار وجاز ان يكون الظرف عطفا على غدوّا فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا تفصيل للمحاجة إِنَّا كُنَّا لَكُمْ فى الدنيا تَبَعاً والتبع يكون واحدا وجمعا لتابع كخدم جمع خادم على قول البصريين وقيل معناه ذوى تبع بمعنى اتباع على الإضمار او التجوز وقال الكوفيون جمع لا واحد له وجمعه اتباع فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47) بالدفع استفهام بمعنى الأمر ونصيبا مفعول لما دل عليه مغنون اوله بالتضمين او مصدر كشيئا فى قوله تعالى لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا فيكون صلة لمغنون. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا اى نحن وأنتم كُلٌّ اى كل واحد منا فِيها اى فى النار فكيف نغنى عنكم ولو قدرنا لاغنينا عن أنفسنا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) بدخول اهل الجنّة الجنة واهل النار النار ولا معقب لحكمه.. وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ حين اشتد عليهم العذاب لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ وضع جهنم موضع الضمير للتهويل ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً شيئا مِنَ الْعَذابِ (49) قالُوا اى خزنة جهنم أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ استفهام للانكار والتوبيخ على اضاعتهم اوقات الدعاء واسباب الاجابة وعطف على محذوف تقديره اما علمتم فى الدنيا ما لحقكم فى الاخرة من العذاب ولم تك تأتيكم رسلكم بالبيّنات منذرين به قالُوا بَلى جاءتنا رسلنا مبشرين

[سورة غافر (40) : آية 51]

ومنذرين قالُوا فَادْعُوا امر على سبيل الاستهزاء ومعناه الاقناط وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (50) اى ضياع لايجاب هذا قول من الله ويحتمل ان يكومن كلام الخزنة وعلى هذا فهو حال او معترضة لمّا سبق قصة موسى وانتصاره وقومه على فرعون أعقبه ما استحقه الرسل والمؤمنون من النصر عموما فقال. إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قال الضحاك بالحجة وقال ابن عباس بالغلبة والقهر قال البيضاوي ولا ينتقض ذلك بما كان للكافرين من الغلبة أحيانا امتحانا إذ العبرة بالعواقب وغالب الأمر وقيل بالانتقام من الأعداء فى الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) يعنى يوم القيامة يقوم الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ وعلى الكفار بالتكذيب. يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ اى الكافرين بدل من يوم يقوم مَعْذِرَتُهُمْ لكونها باطلة قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر «وابو جعفر ويعقوب- ابو محمد» لا تنفع بالتاء الفوقانية لتأنيث الفاعل والباقون بالياء لكون التأنيث غير حقيقى وللفصل وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ اى البعد من الرحمة حال من الظالمين وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) اى الدار السواى يعنى جهنم-. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى متصل بقصة موسى وبين ذلك اعتراض يعنى اتينا موسى ما يهتدى به فى الدين اى التوراة وذلك بعد إهلاك فرعون وقومه وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) اى التوراة بعد موسى. هُدىً وَذِكْرى اى للهداية والتذكرة او هاديا ومذكّرا لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) اى لذوى العقول السليمة-. فَاصْبِرْ يا محمد على أذى المشركين إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ لك بالنصر حَقٌّ لا يحتمل الخلف واستشهد بحال موسى وفرعون وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ امر تعبدى ليزيدنه درجته ويصير سنة لما بعده وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ اى صلّ شاكرا لربك بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) قال الحسن يعنى صلوة العصر وصلوة

[سورة غافر (40) : آية 56]

الصبح وقال ابن عباس يعنى الصلوات الخمس. إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ اى ينكرون القران بِغَيْرِ سُلْطانٍ اى حجة أَتاهُمْ من الله تعالى إِنْ فِي صُدُورِهِمْ كنى بالصدر القلب لكونه موضعه اى ما فى قلوبهم إِلَّا كِبْرٌ قال ابن عباس اى ما يحملهم على تكذيبك الا ما فى صدورهم من الكبر والعظمة يعنى يتكبرون عليك ويتعظمون أنفسهم عن اتباعك ما هُمْ بِبالِغِيهِ قال مجاهد ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر لان الله عزّ وجلّ يذلهم وقال ابن قتيبة ان فى صدورهم الا تكبر على محمد وطمع فى ان يغلبوه وما هم ببالغي ذلك الكبر فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من شرهم إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لاقوالكم وأفعالكم تعليل للاستعاذة. لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ فمن قدر على خلقها مع عظمها اوّلا من غير اصل قدر على خلق الناس ثانيا من اصل وهو ازاحة لاشكال ما يجادلون فيه مما نطق به القران من امر البعث وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57) لانهم لا ينظرون ولا يتاملون لفرط غفلتهم واتباع اهوائهم وتقليد ابائهم- واخرج ابن ابى حاتم عن ابى العالية قال جاءت اليهود الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا الدجال فقالوا يكون منافى اخر الزمان فعظموا امره وقالوا يصنع كذا وكذا فانزل الله تعالى انّ الّذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم ان فى صدورهم الّا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله فامر نبيه ان يتعوذ من فتنة الدجال لخلق السّموت والأرض اكبر من خلق النّاس قال اى من خلق الدجال- واخرج عن كعب الأحبار قوله انّ الّذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان قال هم اليهود نزلت فيما ينتظرونه من امر الدجال عن عمران بن حصين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين خلق آدم الى قيام الساعة امر اكبر من الدجال- رواه مسلم وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لا يخفى عليكم ان الله ليس باعور وان مسيح الدجال اعور عين اليمنى كانّ عينه عنبة طافية. متفق عليه وعن انس

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نبى الا قد انذر أمته الأعور الكذاب الا انه اعور وان ربكم ليس باعور مكتوب بين عينيه ك ف ر- متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبى قومه انه اعور وانه يجئ معه مثل الجنة والنار فالتى يقول انها الجنة هى النار وانى أنذركم كما انذر به نوح قومه- متفق عليه وعن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الدجال يخرج وان معه ماء ونارا فاما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق واما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب فمن أدرك ذلك منكم فليقع فى الذي يراه نارا فانه ماء بارد طيب- متفق عليه وزاد مسلم وان الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال اعور العين اليسرى جعد الشعر «يعنى درشت و ژوليده مو- منه ره» معه جنته وناره فناره جنة وجنته نار رواه مسلم وعن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فقال ان يخرج وانا فيكم فانا حجيجه دونكم وان يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتى على كل مسلم انه شابّ قطط عينه طافية «1» «شديد الجعودة- منه ره» كانى أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرا عليه فواتح سورة الكهف فانها جواركم من فتنته انه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا «اى مفسد- منه ره» وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا- قلنا يا رسول الله وما لبثه فى الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهو ويوم كجمعة وسائر أيامه كايامكم قلنا فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلوة يوم قال لا اقدر وله قدره- الحديث بطوله رواه مسلم- وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيلقاه المسالح مسالح «2» الدجال فيقولون له اين تعمد فيقول اعمد الى هذا الذي خرج قال فيقولون له او ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا خفاء فيقولون اقتلوه فيقول بعضهم لبعض اليس قد نهاكم ربكم ان تقتلوا أحدا دونه

_ (1) طافية هى الحبة التي قد خرجت من حد أخواتها فارتفعت عليها وقيل أراد حبة الطافية على الماء- منه رح (2) مسالح جمع مسلح وهو القوم الذين يحفظون الثغور من العدو سموا مسلحة لانهم يكونون ذو سلاح- منه رح

فينطلقون به الى الدجال فاذا راه المؤمن قال يا ايها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيأمر الدجال به فيشبح فيقول خذوه وشجوه فيوسع ظهره وبطنه ضربا قال فيقول اما تؤمن بي فيقول المسيح الكذاب قال فيؤمر به فيوشر بالميشار «اى يقطع منه ما يقطع به الخشب- منه ره» من مفرقه حتى يفرق بين رجليه قال ثم يمشى الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوى قائما ثم يقول له أتؤمن بي فيقول ما ازددت فيك الا بصيرة قال ثم يقول يا ايها الناس انه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته الى ترقوته نحاسا فلا يستطيع اليه سبيلا قال فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس انما قذفه الى النار وانما القى الى الجنة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين- رواه مسلم وعن انس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون الفا عليهم الطيالسة رواه مسلم وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى الدجال وهو محرّم عليه ان يدخل نقاب المدينة فينزل بعض السباخ التي تلى المدينة فيخرج اليه رجل وهو خير الناس او من خيار الناس فيقول اشهد انّك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول الدجال ارايتم ان قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون فى الأمر فيقولون لا فيقتله ثم يحييه فيقول والله ما كنت فيك أشد بصيرة منى اليوم فيريد الدجال ان يقتله فلا يسلط عليه- متفق عليه وعن ابى بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لما يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان- متفق عليه- وعن ابى بكر الصديق قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدجال يخرج من ارض بالمشرق يقال له خراسان يتبعه أقوام كان وجوههم المجان المطرقة- «اى سيرها دومة منه ره» رواه الترمذي وعن اسماء بنت يزيد بن السكن قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم يمكث الدجال فى الأرض أربعين سنة السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كاضطرام السعفة فى النار- رواه البغوي فى شرح السنة والمعالم وعن ابى

[سورة غافر (40) : آية 58]

سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع الدجال من أمتي (لعل المراد بالامة امة الدعوة) سبعون الفا عليهم التيجان- رواه البغوي فى شرح السنة والمعالم قال البغوي ويرويه ابو امامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويتبع الدجال يومئذ سبعون الف يهودى كلهم ذو تاج وسيف محلى. وعن اسماء بنت يزيد الانصارية قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتي فذكر الدجال فقال ان بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء فيها ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها والثانية تمسك السماء ثلثى قطرها والأرض ثلثى نباتها والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله فلا تبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم الا هلك وان من أشد فتنته ان يأتى اعرابيّا فيقول ارايت ان أحييت لك إبلك الست تعلم انى ربك فيقول بلى فيمثل له الشياطين نحو ابله كاحسن ما يكون ضروعا وأعظمه اسنمة قال ويأتى الرجل قد مات اخوه ومات أبوه فيقول ارايت ان أحييت لك أباك وأخاك الست تعلم انى ربك فيقول بلى فيمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه قالت ثم خرج رسول الله لحاجته ثم رجع والقوم فى اهتمام وغم ممّا حدثهم قالت فاخذ بلحمتى الباب فقال مهيم اسماء قلت يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال ان يخرج وانا حى فانا حجيجه والا فان ربى خليفتى على كل مؤمن فقلت يا رسول الله انا لنعجن عجينا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ قال تجزئهم ما يجزئ اهل السماء من التسبيح- رواه احمد والبغوي فى المعالم وعن المغيرة بن شعبة قال ما سال أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال اكثر مما سالته وانه قال لى ما يضرك قلت انهم يقولون ان معه جبل خبز ونهر ماء قال هو أهون على الله من ذلك متفق عليه- ولمّا قال الله سبحانه ولكنّ اكثر الناس لا يعلمون نبه على ان الجاهل كالاعمى والعالم كالبصير فقال. وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ الجاهل والعالم والمحسن والمسيء فلا بد ان يكون لهم محل يظهر فيه تفاوتهما ولا تفاوت لهما فى الدنيا فهو ما بعد الموت والبعث وزيادة لا فى المسيء

[سورة غافر (40) : آية 59]

لان المقصود نفى مساواته للمحسن فيما له من الثواب والكرامة- والعاطف الثاني عطف الموصول مع ما عطف عليه على الأعمى والبصير لتغائر الوصفين فى المقصود او الدلالة بالصراحة والتمثيل قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا تتذكرون قرأ الكوفيون بالتاء الفوقانية على تغليب المخاطب او الالتفات او امر الرسول بالمخاطبة والباقون بالتحتانية لان أول الآيات وآخرها خبر عن قوم غيب والضمير للناس او الكفار. إِنَّ السَّاعَةَ اى القيامة لَآتِيَةٌ حتى يظهر تفاوت المحسن والمسيء لا رَيْبَ فِيها اى فى إتيانها بناء على استحالة خلف ما اخبر الله به وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (59) بها ولا يصدقون وعد الله لغفلتهم وشقاوتهم وقصور نظرهم على المحسوسات-. وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي قرأ ابن كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها قيل معناه اعبدوني دون غيرى ولمّا عبر عن العبادة بالدعاء قال موضع اثيبكم أَسْتَجِبْ لَكُمْ والقرينة على ان المراد بالدعاء العبادة وبالاستجابة الاثابة قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (60) اى ذليلين قرأ ابن كثير وابو جعفر وابو بكر «ورويس- ابو محمد بخلاف عنه ابو محمد» سيدخلون بضم الياء وفتح الخاء والباقون بفتح الياء وضم الخاء والظاهر ان المراد بالدعاء والعبادة كليهما السؤال فان سوال كل ما يحتاج المرء اليه وعدم التوجه الى غيره تعالى فى شىء من الأمور كمال العبودية والافتقار والاعتراف بصمديته تعالى عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل أحدكم ربه حاجاته كلها حتى يسئل شسع نعله إذا انقطع- رواه الترمذي وزاد فى رواية عن ثابت البناني مرسلا حتى يسئل الملح وحتى يسئل شسعه إذا انقطع- عن النعمان بن بشير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الدعاء هو العبادة ثم قرأ ادعوني استجب لكم انّ الّذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنّم داخرين- رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة فى مسانيدهم وقال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه ابن ابى شيبة فى المصنف والحاكم فى المستدرك فى صحيحه وابن حران فى صحيحه عنه

انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر فذكر الحديث- أورد النبي صلى الله عليه وسلم ضمير الفصل والخبر معرفا باللام ويقصد فى أمثال ذلك حصر المسند على المسند اليه كما فى قوله تعالى انّ الله هو الرّزّاق اى لا رازق سواه وقد يقصد قصر المسند اليه على المسند كما فى قوله الكرم هو التقوى والحسب هو الايمان يعنى لا كرم الا التقوى ولا حسب الا الايمان وهاهنا يحتمل المعنيين والحصر انما هو على سبيل المبالغة ولعل المراد هاهنا ان الدعاء والعبادة متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار والمفهوم فان كل دعاء وسوال فهو عبادة وطاعة لان فى السؤال ذلّ وافتقار والعبودية فى اللغة اظهار التذلل والافتقار والعبادة ابلغ منها لانها غاية التذلل ولذا لا يستحقه الا الله تعالى وقضى ربّك الّا تعبدوا الّا ايّاه وكل عبادة وطاعة فهو سوال حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثر دعائى ودعاء الأنبياء قبلى بعرفات لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير- رواه ابن ابى شيبة فى المصنف وقال الله تعالى واخر دعويهم ان الحمد لله ربّ العالمين قال الجزر كافى النهاية انما سمى التهليل والتحميد دعاء لانه بمنزلته فى استيجاب ثواب الله وجزائه كالحديث الاخر إذ اشغل عبدى ثناءه علىّ عن مسئلتى أعطيته أفضل ما اعطى السائلين- وروى الترمذي ومسلم من شغله القران وذكرى عن مسئلتى أعطيته أفضل ما اعطى السائلين- وفى رواية من شغله القران وذكرى عن مسئلتى- الحديث- اعلم ان الدعاء منه ما هو فريضة وهو قوله تعالى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فى الفاتحة فى الصلاة او سنة مؤكدة كالدعاء فى القعدة الاخيرة ومواقف الحج وغير ذلك ومنه ما هو حرام او مكروه وهو قصر السؤال على لذات الدنيا وسوال ما هو معصية وسوال ما هو مستحيل او ما فى معناه قال الله تعالى فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وقال الله تعالى وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ واما سوال كل امر يحتاج اليه العبد فى الدنيا والاخرة والاستعاذة من كل شر فمامور به مستحب بإجماع العلماء وذهب طائفة من الزهاد الى انّ ترك الدعاء أفضل إسلاما للقضاء

وقال طائفة ان دعا للمسلمين فحسن وان خص نفسه فلا والحجة لنا الكتاب والسنة والإجماع عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس شىء أكرم على الله من الدعاء- رواه الترمذي وقال حسن غريب وابن ماجة والحاكم وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء مخ العبادة- رواه الترمذي وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوا الله من فضله فان الله يحب ان يسئل وأفضل العبادة انتظار الفرج- رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يسئل الله يغضب عليه- رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وقال الترمذي حديث غريب والمراد من هذه الأحاديث انه من لم يسئل الله تعالى استكبارا غضب عليه حيث قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجزوا فى الدعاء فانه لن يهلك مع الدعاء أحد- رواه ابن حبان والحاكم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض- رواه الحاكم فى المستدرك وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله شيئا احبّ اليه من ان يسئل العافية- رواه الترمذي ورواه الحاكم فى المستدرك فتحت له أبواب الجنة- فصل فيما وعد عن الاستجابة لمن يدعو الله منها هذا الحديث عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح له فلكم باب الدعاء فتحت له أبواب الاجابة- رواه ابن ابى شيبة وعن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ربكم حيى كريم يستحيى من عبده إذا رفع يديه اليه ان يردهما صفرا- رواه الترمذي وابو داود والبيهقي فى الدعوات الكبير وعن ابى سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها اثم ولا قطيعة رحم الا أعطاه الله إياه بها احدى ثلاث اما ان يعجل له دعوته واما ان يدخرها له فى الاخرة واما ان يصرف عنه من السوء

مثلها قالوا إذا نكثر قال الله اكثر- رواه احمد وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم او قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول ما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم ار يستجاب لى فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء- رواه مسلم وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء- رواه الترمذي ورواه احمد عن معاذ بن جبل وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يدعو بدعاء الا أتاه الله ما سال او كفّ عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم او قطيعة رحم- رواه الترمذي- (فصل) فيمن لا يرد دعوته عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يرد دعوتهم الصائم حين يفطر والامام العادل ودعوة المظلوم برفعها اليه فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الربّ وعزتى لا نصرنك ولو بعد حين- رواه الترمذي وعن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة المرء المسلم لاخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك مؤكل كلّما دعا لاخيه بخير قال الملك المؤكل به أمين ولك بمثله- رواه مسلم وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس دعوات تستجاب لهن دعوة المظلوم حتى ينتصر ودعوة الحاج حتى يصدر ودعوة المريض حتى يبرأ ودعوة الأخ لاخيه بظهر الغيب ثم قال واسرع الدعوات اجابة دعوة الأخ بظهر الغيب- رواه البيهقي فى دعوات الكبير وعن عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اسرع الدعاء اجابة دعوة غائب لغائب- رواه الترمذي وابو داود- (فصل) فى شرائط الاستجابة للدعاء منها تجنب الحرام فى المأكل والمشرب والمكسوب عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الرجل يطيل

السفر اشعث اغبر يمد يديه الى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فانى يستجاب لذلك- رواه مسلم وفيها حضور القلب عند الدعاء عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعو الله وأنتم موقنون بالاجابة واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه- رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب ومنها الجد فى الدعاء عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لى ان شئت ولكن ليعزم وليعظم الرغبة فان الله لا يتعاظمه شىء أعطاه- رواه مسلم- (فصل) فى سنن الدعاء وآدابه عن فضالة بن عبيد قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال اللهم اغفر لى وارحمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجلت ايها المصلى إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو اهله وصل علىّ ثم ادعه قال ثم صلى رجل اخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله ايها المصلى ادع تجب- رواه الترمذي وروى ابو داود والنسائي نحوه وعن ابن مسعود قال كنت أصلي (والنبي صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر معه فلمّا جلست بدأت بالثناء على الله ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعوت لنفسى فقال النبي صلى الله عليه وسلم سل تعطه- رواه الترمذي وعن عمر بن الخطاب قال ان الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شىء حتى تصلى على نبيك- رواه الترمذي وعن مالك بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سالتم الله فاسئلوه ببطون أكفكم ولا تسئلوه بظهورها- وفى رواية ابن عباس سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسئلوه بظهورها فاذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم- رواه ابو داود وعن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه فى الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه- رواه الترمذي وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوا ذلك- رواه ابو داود وعن انس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه فى الدعاء حتى يرى بياض ابطيه- وعن السائب بن يزيد عن

[سورة غافر (40) : آية 61]

أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه مسح وجهه بيديه- رواه البيهقي فى الدعوات الكبير وعن عكرمة عن ابن عباس قال المسألة ان ترفع يديك حذو منكبيك او نحوهما- رواه ابو داود وعن ابن عمر انه يقول ان رفعكم ايديكم بدعة ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا يعنى الى الصدر. رواه احمد وعن ابى بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعاه بدأ بنفسه- رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب صحيح.. اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ اى لتستريحوا فيه بالنوم وَالنَّهارَ مُبْصِراً اى يبصر فيه واسناد الابصار اليه مجازى مبالغة ولذلك عدل به عن التعليل إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عظيم عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) لجهلهم بالمنعم وإغفالهم مواقع النعم وعظم الفضل وتكرير الناس لتخصيص الكفران بهم يعنى انهم هم الذين يكفرون ولا يشكرون كقوله انّ الإنسان لظلوم كفّار وجملة الله الّذى جعل لكم متصل بقوله هو الّذى يريكم آياته والله مبتدا والموصول خبره او خبر مبتدا محذوف والموصول صفة له. ذلِكُمُ المخصوص بتلك الافعال المقتضية للالوهية والربوبية مبتدا اللَّهُ لا غيره رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ من الجواهر والاعراض وافعال العباد لا إِلهَ اى لا تستحق العبادة أحد إِلَّا هُوَ إذ ليس أحد غيره موصوفا بشئ من الصفات المقتضية للالوهية المستوجبة للعبادة فَأَنَّى فكيف تُؤْفَكُونَ (62) تصرفون من عبادته الى عبادة غيره الاربعة كلها اخبار مترادفة. كَذلِكَ اى كما افك كفار مكة يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ «1» اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً اى مستقرا وَالسَّماءَ بِناءً سقفا فوقكم استدلال ثان بافعال اخر مختصة به تعالى وَصَوَّرَكُمْ ايها الناس فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ يعنى خلقكم منتصب القامة بادى البشرة متناسب الأعضاء متهيّأ لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات قال ابن عباس خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل ويتناول بيده وغيره

_ (1) وفى الأصل

[سورة غافر (40) : آية 65]

يتناول بفيه وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ اى الاطعمة اللذيذة الله مبتدا والموصول خبره او خبر مبتدا محذوف يعنى هو والموصول صفة والجملة مقررة للجملة السابقة ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) فان كل ما سواه مربوب مفتقر بالذات معترض للزوال. هُوَ الْحَيُّ المتفرد بالحياة الذاتية الذي يقتضى ذاته وجوده الوجوب والوجود وان كانا صفتى كمال لكنها ظلان من ظلال ذاته لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبر ثان لهو اى لا يستحق العبادة الا من كان لهذا شأنه ولا شىء كذلك الا هو فَادْعُوهُ اى فاعبدوه واسئلوا منه حوائجكم الفاء للسببية فان ما ذكر من الصفات موجبات لعبادته مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اى الطاعة من الشرك والرياء الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) قيل معناه قائلين ذلك وقال الفراء هو خبر وفيه إضمار الأمر مجازه فادعوه وقولوا الحمد لله ربّ العلمين وروى عن مجاهد عن ابن عباس قال من قال لا اله الّا الله فليقل على اثره الحمد لله ربّ العالمين فذلك قوله عز وجل فادعوه مخلصين له الدّين الحمد لله ربّ العالمين والله اعلم- اخرج جويبر عن ابن عباس ان الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة قالوا يا محمد ارجع عما تقول وعليك بدين ابائك وأجدادك فانزل الله تعالى. قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي اى من الحجج والآيات فانها مقويّة لادلة عقلية منهية عنها وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (66) اى انقاد له وأخلص له دينى. هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا اى أطفالا والتوحيد لارادة الجنس او على تاويل كل واحد منكم ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ اللام متعلق بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذا فى قوله ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً ويجوز عطفه على لتبلغوا قرأ نافع وابو عمر وحفص وهشام «وابو جعفر ويعقوب وخلف ابو محمد» بضم الشين والباقون بكسرها وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ اى قبل الشيخوخة او بلوغ الأشد وَلِتَبْلُغُوا اى ويفعل ذلك لتبلغوا أَجَلًا مُسَمًّى اى وقتا معينا لا يجاوزونه يريد أجل الحيوة

[سورة غافر (40) : آية 68]

الى الموت وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) اى لتعقلوا ما فى ذلك من الحجج والعبر. هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى «1» اى أراد أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68) اى لا يحتاج فى تكوينه تجشم كلفة الفاء الاولى للدلالة على ان ذلك نتيجة ما سبق من حيث انه يقتضى قدرة ذاتية غير متوقفة على العدد والمواد.. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ يعنى يقولون انها ليست من عند الله او يتولون خلاف سبيل الرسول والمؤمنين الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات وتقرير وفيه تعجيب أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) كيف صرفوا عن الحق استفهام للتوبيخ وتكرير ذم المجادلة للتاكيد او لتعدد المجادل او المجادل فيه روى عن محمد بن سيرين ان الاولى كانت فى المشركين وهذه الاية نزلت فى القدرية. الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا من الشرائع بدل من الّذين يجادلون فان كان المراد به القدرية مجوس هذه الامة فهم يكذبون ما تبت بالكتاب والسنة من كون الله سبحانه خالقا للاشياء كلها من الخير والشر والجواهر والاعراض قادرا على كل شىء يغفر لمن يشاء ما يشاء من الصغائر والكبائر ويعذب من يشاء يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يجب عليه شىء لا يسئل عمّا يفعل وهم يسئلون وينكرون الصراط والميزان والشفاعة وغير ذلك- وجاز ان يكون الّذين كذّبوا مبتدا فيه معنى الشرط وخبره فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ بالرفع عطف على الاغلال او مبتدا خبره يُسْحَبُونَ (71) اى يجرون. فِي الْحَمِيمِ والعائد محذوف اى يسحبون بها وهو على الاول حال واخرج ابن ابى حاتم من طريق ابى الجوزاء عن ابن عباس انه قرأ والسّلسل بالنصب على المفعولية ويسحبون بفتح الياء على البناء للفاعل قال وذلك أشد عليهم وهم يسحبون السّلاسل ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) اى يحرقون من شجر التّنور إذ املاه بالوقود وقال مقاتل وقد بهم النار وقال مجاهد يصيرون وقود النار والمراد تعذيبهم بانواع العذاب ينقلون من

_ (1) وفى الأصل وإذا قضى 12

[سورة غافر (40) : الآيات 73 إلى 74]

بعضها الى بعض تارة بالحميم واخرى بالنار- اخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن ابى حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الاية الى قوله يسجرون فقال لو ان رصاصة مثل هذه (وأشار الى جمجمة) أرسلت من السماء الى الأرض وهى مسيرة خمس مائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو انها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل ان يبلغ أصلها او قعرها-. ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ يعنى الأصنام قالُوا ضَلُّوا اى غابوا عنّا فلا نراهم وذلك قبل ان يقرن بهم التهم او المعنى ضاعوا عنا فلم نجد منهم ما كنا نتوقع منهم بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً قيل هذا انكار للاشراك مثل قولهم والله ربّنا ما كنّا مشركين وقيل معناه لم نكن نّدعوا من قبل شيئا ينفعنا او يدفع عنا المكروه وقال الحسن بن الفضل اى لم نصنع من قبل شيئا اى ضاعت عبادتنا كما يقول من ضاع عمله ما كنت اعمل شيئا كَذلِكَ اى اضلالا مثل إضلال هؤلاء المشركين او مثل إضلال القدرية يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) أجمعين حتى لا يهتدوا الى شىء ينفعهم. ذلِكُمْ الإضلال بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ اى تبطرون وتتكبرون بِغَيْرِ الْحَقِّ وهو الشرك والطغيان وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) اى تتوسعون فى الفرح والعدول الى الخطاب للمبالغة فى التوبيخ. ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ السبعة المقسومة لكم خالِدِينَ مقدرين الخلود فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) عن الحق جهنم وكان مقتضى النظم فبئس مدخل المتكبرين ولما كان الدخول المقيد بالخلود سبب الثواء عبر بالمثوى.. فَاصْبِرْ يا محمد على إيذاء المشركين إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بنصرك وإهلاك الكافرين حَقٌّ كائن لا محالة فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ ان شرطية أدغمت فى ما الزائدة لتأكيد الشرطية ولذلك لحقت النون الفعل بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من القتل والأسر أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل ان نريهم فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77) يوم القيامة فنجازيهم على أعمالهم

[سورة غافر (40) : آية 78]

وهو جواب نتوفّينّك وجواب نرينّك محذوف مثل فذلك وجاز ان يكون هذا جوابا لهما بمعنى ان نعذبهم فى حياتك او لم نعذبهم فانا نعذبهم فى الاخرة أشد العذاب ويدل على شدته الاقتصار بذكر الرجوع فى هذا المعرض. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا التنوين للتكثير والتعظيم مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ اخرج احمد وابن راهويه فى مسنديهما وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى المستدرك من حديث ابى لبابة ان النبي صلى الله عليه سئل عن عدد الأنبياء فقال مائة الف واربعة وعشرون الفا فقيل فكم الرسل منهم قال ثلاث مائة وثلاثة عشر جمّا غفيرا واخرج ابن حبان من حديث ابى ذر نحوه والمذكور فى القران سبعة وعشرون وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ اى معجزة إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ اى بامره وإرادته ليس لهم اختيار فى إتيان بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قضاؤه بين الأنبياء والأمم قُضِيَ بِالْحَقِّ اى بنصر الأنبياء والمؤمنين وتعذيب الكفار وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) الكفار المعاندون باقتراح الآيات بغير ظهور الحق بالمعجزات.. اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (79) فان من جنسها ما يؤكل كالغنم ومنها ما يؤكل ويركب وهو الإبل والبقر الجملة متصله بقوله هو الّذى يحيى ويميت. وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ فى أصوافها واوبارها واشعارها وألبانها وجلودها وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ بالمسافرة عليها عطف على قوله لتركبوا منها وَعَلَيْها فى البر وَعَلَى الْفُلْكِ فى البحر تُحْمَلُونَ (80) وانما قال على الفلك ولم يقل فى الفلك مزاوجة وتغير النظم فى الاكل لانه فى حيز الضرورة إذ يقصد به التعيش والتلذذ والركوب والمسافرة عليها قد يكون لاغراض دينية واجبة او مندوبة او للفرق بين العين والمنفعة. يُرِيكُمْ آياتِهِ الدالة على وجوده وكمال قدرته وفرط رحمته أَيَ اية من اتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) استفهام للانكار على الإنكار فانها لكثرتها ولظهورها لا تقبل للانكار وهو ناصب اىّ..

[سورة غافر (40) : آية 82]

أَفَلَمْ يَسِيرُوا تقديره الم يخرجوا فلم يسيروا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ اى ما بقي منهم من القصور والمصانع ونحوها فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) يعنى فلم ينفعهم ذلك ما الاولى نافية او استفهامية للانكار منصوبة باغنى والثانية موصولة او مصدرية مرفوعة بها. فَلَمَّا جاءَتْهُمْ عطف على ما اغنى رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات والآيات الواضحات فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ واستحقروا علم الرسل والمراد بالعلم ما يزعمونه علما نافعا وهو فى الحقيقة اما جهل مركب كقول اليونانيين وغيرهم من الكفار فى الإلهيات وبعض الطبيعيات والرياضيات وكقول كفار مكة لن نبعث ولن نعذب كذا قال مجاهد وكقول اليهود والنصارى لن يّدخل الجنّة الّا من كان هودا او نصرى واما علم متعلق بامور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها قال الله تعالى يعلمون ظاهرا من الحيوة الدّنيا وهم عن الاخرة هم غفلون فلمّا جاءتهم رسلهم معلوم الديانات وهى ابعد شىء من علمهم لبنائها على الإجمال فى طلب الدنيا وترك اتباع الشهوات لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزءوا بها واستهزءوا بهم واعتقدوا ان علمهم انفع واجلب للفوائد من علمهم ففرحوا به واما علم بأشياء لا ينفعهم فى الاخرة كعلم الطبيعي والرياضي والنجوم والسحر والشعبدة لاهل اليونان والهند وغيرهم- روى ان أفلاطون سأل عيسى بن مريم عليه السلام امتحانا لنبوته فقال ان كانت السماوات قسيّا والحوادث سهاما والإنسان هدفا والرامي هو الله فاين المفر فاجاب عيسى عليه السلام ففرّوا الى الله فحينئذ أيقن أفلاطون بنبوته لكن قال انما الأنبياء لاجل الناقصين ونحن كاملون لا حاجة لنا الى الرسل وعن سقراط انه سمع موسى عليه السلام وقيل له لو هاجرت اليه فقال نحن قوم مهتدون لا حاجة لنا بمن يهدينا- وقيل معناه فرحوا اى ضحكوا استهزاء بما عندهم اى عند الأنبياء من العلم ويؤيده قوله تعالى وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83)

[سورة غافر (40) : آية 84]

وقيل ضمير فرحوا راجع الى الرسل يعنى لمّا راى الأنبياء تمادى جهل الكفار وسوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من الله العلم وشكروا الله تعالى عليه وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم. فَلَمَّا رَأَوْا اى الكفار بَأْسَنا اى شدة عذابنا عند الموت قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) اى تبرأنا مما كنا نعبد من الأصنام. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ هذا اما من باب تنازع العاملين واعمال أحدهما والإضمار فى الثاني او يكون اسم يك ضمير الشان مستترا فيه او يكون يك تامة وينفعهم بتقدير ان فاعل له فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا اى عذابنا لامتناع قبوله حينئذ ولذلك قال لم يك بمعنى لم يصح ولم يستقم سُنَّتَ اللَّهِ منصوب على المصدرية من فعل محذوف للتأكيد اى سن الله ذلك سنة ماضية فى العباد ان الايمان عند نزول العذاب لا ينفع وان العذاب نازل على مكذبى الرسل وقيل منصوب بنزع الخافض كسنة الله وقيل على الإغراء اى احذروا سنة الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ اى وقت رؤيتهم البأس الْكافِرُونَ (85) بذهاب الدارين قال الزجاج الكافر خاسر فى كل وقت ولكن يتبين لهم خسرانهم إذا رأووا العذاب- تم تفسير سورة المؤمن من التفسير المظهرى الثامن والعشرين من ذى الحجة من السنة السابعة سنة 1207 هـ- بعد الف ومائتين ويتلوه ان شاء الله تعالى تفسير سورة فصلت بعون الله تعالى والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.

سورة فصلت (حم السجدة)

سورة فصّلت (حم السّجدة) مكّيّة وهى اربع وخمسون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم (1) ان جعلته مبتدا فخبره. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) وان جعلته تعديد الحروف فتنزيل خبر محذوف وقال الأخفش تنزيل مبتدا لتخصيصه بالصفة وخبره. كِتابٌ وهو على الأولين بدل منه او خبر اخر او خبر محذوف ولعل افتتاح هذه السور السبع بحم وتسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة فى النظم والمعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت طه والطواسين والحواميم من الواح موسى رواه الحاكم فى المستدرك والبيهقي عن معقل بن يسار واضافة التنزيل الرحمان الرحيم للدلالة على انه مناط المصالح الدينية والدنيوية فُصِّلَتْ آياتُهُ اى بينت بالاحكام والقصص والمواعظ قُرْآناً عَرَبِيًّا نصب على المدح او الحال من لضمير المجرور فى آياته فانه أضيف اليه فاعل فصلت مثل ميتا فى قوله تعالى يأكل لحم أخيه ميتا وفيه امتنان عليهم بسهولة قرائته وفهمه فانه لو كان بغير لغتهم لما فهموه لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) نزل منزلة اللازم اى لقوم ذوى علم ونظر لا لمن اعرض عنها او يقال مفعوله محذوف منوى اى لقوم يعلمون معانيه ويفهونه او يكون على طريقة من يسمع يخل بتقدير مفعوليه اى لقوم يعلمونه حقا والجملة صفة اخرى لقرءانا او صلة لتنزيل او لفصلت والاول اولى لوقوعه بين الصفات.

[سورة فصلت (41) : آية 4]

بَشِيراً لاولياء الله وَنَذِيراً لاعدائه فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ عن تدبره وقبوله عطف على فصلت فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) اى لا يستمعون تعنتا وعنادا او لا يقبلون يقال شفعت الى فلان فلم يسمع قولى يعنى لم يقبل والجملة بيان للاعراض. «1» . وَقالُوا يعنى مشركى مكة عطف على اعراض قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ اغطية جمع كنان مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من التوحيد فلا نفقه ما تقول وَفِي آذانِنا وَقْرٌ ثقل وصمم لا نسمع ما تقول والمعنى انا فى ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ خلاف فى الدين يمنعنا عن التواصل وللدلالة على ان الحجاب مبتدا منهم ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة ولم يبق فراغ أصلا- وهذه تمثيلات لامتناع القبول والمواصلة والمعنى انا فى ترك القبول والتواصل منك بمنزلة من بينهما حاجز قوى فَاعْمَلْ على دينك او فى ابطال أمرنا إِنَّنا عامِلُونَ (5) على ديننا او فى ابطال أمرك. قُلْ يا محمد فى جوابهم إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ قال الحسن علمه الله التواضع يعنى ما انا الا واحد منكم لولا الوحى لم يكن عندى من العلم ما ترونه ولكن اوحى الىّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فعليكم باصغائه وتلقيه او المعنى لست بملك ولا جنى لا يمكنكم التلقي منه ولا أدعوكم الى ما يابى عنه العقول بل أدعوكم الى التوحيد الذي يدل عليه العقل

_ (1) عن عمر بن الخطاب قال اقبل قريش الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما يمنعكم من الإسلام فتسور والعرب قالوا يا محمد ما نفقه ما تقول ولا نسمعه وان على قلوبنا لغلفا وأخذ ابو جهل ثوبا جما بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد قلوبنا فى اكنة ممّا تدعونا اليه وفى اذننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أدعوكم الى خصلتين ان تشهدوا ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وانى رسول الله فلما سمعوا شهادة ان لا اله الا الله ولّوا على ادبارهم نفورا وقالوا اجعل الالهة الها واحدا انّ هذا الشيء عجاب وقال بعضهم لبعض امشوا واصبروا على الهتكم انّ هذا لشئ يراد ما سمعنا بهذا فى الملّة الاخرة ان هذا الّا اختلاق أنزل عليه الذّكر من بيننا وهبط جبرئيل فقال يا محمد ان الله يقرأك السلام اليس يزعم هؤلاء ان على قلوبهم أكنّة ان يفقهوه وفى آذانهم وقرا فليس يسمعون قولك كيف وإذا ذكرت ربّك فى القران وحده ولّوا على ادبارهم نفورا لو كان كما زعموا لم ينفروا ولكنهم كاذبون يسمعون ولا ينتفعون بذلك كراهة له- فلما كان من الغد أقبل منهم سبعون رجلا الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد اعرض عليهم الإسلام اسلموا من آخرهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحمد لله بالأمس تزعمون ان قلوبكم فى اكنة مما ندعوكم اليه وفى اذنكم وقر أصبحتم اليوم مسلمين فقالوا يا رسول الله كذبنا بالأمس لو كان كذلك ما اهتدينا ابدا ولكن الله الصادق والعباد كاذبون عليه وهو الغنى ونحن الفقراء اليه 12 منه برد الله مضجعه-

[سورة فصلت (41) : آية 7]

والنقل فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ اى توجهوا الى الله بالطاعة ولا تميلوا عن طاعته وَاسْتَغْفِرُوهُ مما أنتم عليه من الشرك وسوء الأعمال ثم هددهم على ذلك بقوله وَوَيْلٌ كلمة عذاب مبتدا خبره لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ قال ابن عباس الذين لا يقولون لا اله الا الله وهى زكوة الأنفس والمعنى لا يطهرون أنفسهم عن الشرك بالتوحيد وقال الحسن وقتادة لا يقرون بالزكاة ولا يرونه واجبا وكان يقال الزكوة قنطرة الإسلام فمن قطعها نجا ومن تخالف عنها هلك وقال مقاتل والضحاك لا ينفقون فى الطاعة ولا يتصدقون وقال مجاهد لا يزكون أعمالهم قال البيضاوي فيه دليل على ان الكفار مخاطبون بالفروع وقد ذكرنا هذه المسألة فى تفسير سورة المدثر فى قوله تعالى لم نك من المصلّين الاية. وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7) حال مشعر بان امتناعهم من الزكوة مبنى على انكارهم للاخرة فان من لم يعتقد بالاخرة وثواب الزكوة فيها اعتقد إعطاء المال للفقير اضاعة لا محالة جعل الله سبحانه منع الزكوة مقرونا بالاشراك والكفر بالاخرة لان المال أحب الأشياء الى الأنفس فبذله فى سبيل الله أول دليل على إيمانه ففيه حث للمؤمنين على إيتاء الزكوة وتهديد شديد على منعه-. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) قال ابن عباس غير مقطوع وقال مقاتل غير منقوص وقيل غير ممنون لى لا يمنّ به عليهم من المن وقال مجاهد غير محسوب وقال السدى نزلت الاية فى المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم الاجر على حسب ما كانوا يعملون فى الصحة عن عبد الله عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك المؤكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه- رواه البغوي فى شرح السنة والتفسير وعن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض العبد او سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا- رواه البخاري وعن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا ابتلى المسلم ببلاء فى جسده

[سورة فصلت (41) : آية 9]

قال للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل فان شفاه غسله وطهّره وان قبضه غفر له ورحمه- رواه البغوي فى شرح السنة وعن ابن مسعود انه قال يكتب للعبد من الاجر إذا مرض ما كان يكتب له قبل ان يمرض فمنعه منه المرض- رواه رزين-. قُلْ أَإِنَّكُمْ استفهام توبيخ والجملة الاستفهامية مستأنفة فى جواب ما أقول لهم ان لم يستقيموا ولم يستغفروا لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ اى فى مقدار يومين سميا بيوم الأحد والاثنين وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ولا يجوز له ند ذلِكَ الذي خلق الأرض فى يومين رَبُّ الْعالَمِينَ (9) اى خالق لجميع ما وجد من الممكنات ومربّ لها- جمع العالم (لاختلاف أنواعه) بالياء والنون تغليبا للعقلاء وجملة ذلك ربّ العالمين تعليل للتوبيخ. وَجَعَلَ فِيها اى فى الأرض رَواسِيَ جبالا ثوابت مِنْ فَوْقِها اى فوق الأرض مرتفعة ليظهر للناظرين ما فيها من وجوه الاستبصار ويكون منافعها معرضة للطلاب وَبارَكَ فِيها اى فى الأرض بما خلق فيها من البحار والأنهار والثمار والأشجار والحيوانات وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها اى أقوات أهلها او الاضافة لادنى ملابسة اى أقوات خلق فيها قال الحسن قسم فى الأرض أرزاق العباد والبهائم بان عيّن لكل ما يصلحه ويعيش به وقد قرأ ابن مسعود وقسّم فيها أقواتها وقال عكرمة والضحاك قدر فى كل بلد ما لم يجعل فى الاخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد الى بلد قال الكلبي قدر الخبز لاهل قطر والذرة لاهل قطر والسمك لاهل قطر والتمر لاهل قطر فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ اى فى تتمة اربعة ايام يعنى فى يومين يوم الثلثاء والأربعاء متصلين باليومين الأولين فهو كقولك سرت من البصرة الى بغداد فى عشرة والى كوفة فى خمسة عشر ولم يقل فى يومين للاشعار باتصالهما باليومين الأولين سَواءً بالنصب اى استوت سواء بمعنى استواء او قدر تقديرا سواء والجملة صفة ايام ويدل عليه قراءة يعقوب بالجر صفة لاربعة وقيل حال من الضمير فى أقواتها او فى فيها وقرأ ابو جعفر سواء بالرفع على انه خبر محذوف اى هو

[سورة فصلت (41) : آية 11]

لِلسَّائِلِينَ (10) متعلق بمحذوف اى هذا الحصر مبين للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها كذا قال قتادة والسدىّ او بقدّر اى قدّر فيها الأقوات للطالبين لها-. ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ اى قصد نحوها من قولهم استوى الى مكان كذا إذا توجه اليه توجها لا يلوى على غيره والظاهر ان ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخى فى المرة لقوله تعالى وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فان دحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها وَهِيَ دُخانٌ لعله أراد مادتها والاجزاء المتصغرة التي ركبت منها وكان مادة السماء دخانا بخارا للماء كذا قال البغوي فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وإبراز ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة او ليأت كل منكما فى حدوث ما أريد توليده منكما- قال طاءوس عن ابن عباس اى أعطيا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد وقال ابن عباس قال الله عزّ وجلّ اما أنت يا سماء فاطلعى شمسك وقمرك ونجومك وأنت يا ارض فشقى أنهارك واخرجى ثمارك ونباتك طَوْعاً أَوْ كَرْهاً منصوب على الحال اى طائعتين او كارهتين او على الظرف اى ايتيا وقت طوع او كره او على المصدر من طريق ضربته سوطا اى ايتيا إتيان طوع او كره قال ابن عباس قال الله تعالى لهما افعلا ما أمرتكما والا الجأتكما الى ذلك حتى تفعلاه كرها فاجابتا بالطوع وقالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) ولم يقل طائعتين لانه ذهب به الى السماوات والأرض ومن فيهن مجازه اتينا بما فينا طائعين فيه تغليب للعقلاء او لما وصفهما بالقول اجراهما فى الجمع مجرى من يعقل والأظهر ان الكلام وارد مورد التمثيل وأراد بقوله ايتيا طوعا او كرها اظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده وبقوله قالتا اتينا طائعين سرعة تأثرهما بالذات فهو تمثيل بامر المطاع واجابة المطيع الطائع كقوله كن فيكون.. فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ اى فخلقهن خلقا ابداعيّا واتقن امرهن والضمير للسماء على المعنى او مبهم وسبع سموات حال على الاول وتميز على الثاني

[سورة فصلت (41) : الآيات 13 إلى 14]

فِي يَوْمَيْنِ يوم الخميس والجمعة قال المحلى ففرغ منها فى اخر ساعة منه وفيها خلق آدم ولذلك لم يقل هاهنا سواء قلت لعل قول المحلى هذا مبنى على ما رواه مسلم من حديث ابى هريرة انه قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة فى اخر الخلق واخر ساعة من النهار فيما بين العصر الى الليل- والظاهر ان هذا الحديث وهم فيه الراوي فان الثابت بالقران خلق السماوات والأرض فى ستة ايام وذكر فى هذا الحديث سبعة ايام والصحيح ان بدء الخلق من يوم الأحد وهذا الحديث يدل على انه من يوم السبت ومنطوق هذه الاية ان الله خلق الجبال رواسى وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها فى يوم الثالث والرابع وهذا الحديث يدل على انه خلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين والظاهر من سياق قصة آدم عليه السلام ان خلق آدم كان بعد زمان طويل من خلق السماوات والأرض إذ قال ربّك للملائكة انّى جاعل فى الأرض خليفة الآيات وفى قصة خلق آدم تعجين طينه أربعين يوما فلو صح خلق آدم فى اخر ساعة من الجمعة فذلك الجمعة بدا الخلق والله اعلم وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها قال عطاء عن ابن عباس خلق فى كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار والجبال والبرد وما لا يعلم الا الله وقال قتادة والسدىّ يعنى خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وقال مقاتل اوحى الى كل سماء ما أراد من الأمر والنهى وقيل اوحى فى كل سماء الأمر الذي امر به من فيها من الطاعة وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ اى كواكب وَحِفْظاً اى وحفظناها من الآفات او من المسترقة حفظا وقيل مفعول له على المعنى كانه قال وخصصنا السماء الدنيا بمصابيح زينة وحفظا ذلِكَ الذي ذكرت من صنعه تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ فى ملكه الْعَلِيمِ (12) بخلقه. فَإِنْ أَعْرَضُوا عطف على قل ائنّكم يعنى ان اعرضوا اى كفار مكة

عن الايمان بعد هذا البيان فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً اى فحذرهم ان يصيبهم عذاب شديد مهلك والصاعقة المهلكة من كل شىء مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جاءَتْهُمُ يعنى عادا وثمود الرُّسُلُ جملة إذ جاءتهم الرّسل حال من صاعقة عاد ولا يجوز جعله صفة لصاعقة او ظرفا لانذرتكم لفساد المعنى مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ اى من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة او من جهة الزمان الماضي بالإنذار عمّا جرى فيه على الكفار ومن جهة المستقبل بالتحذير عما أعد لهم فى الاخرة وكل من اللفظين يحتملهما- او من قبلهم ومن بعدهم إذ قد بلغهم خبر المتقدمين وأخبرهم هود وصالح عن المتأخرين داعين الى الايمان بهم أجمعين ويحتمل ان يكون عبارة عن الكثرة كقوله يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان أَلَّا تَعْبُدُوا ان مخففة من الثقيلة بإضمار ضمير الشأن او مفسرة لانه بعد ذكر الرسالة وفيه معنى القول او مصدرية والباء مقدرة اى بان لا تعبدوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا اى عاد وثمود لَوْ شاءَ رَبُّنا إرسال الرسل لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً برسالته فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ على زعمكم كافِرُونَ (14) انما أنتم بشر مثلنا لافضل لكم علينا- روى البغوي عن جابر بن عبد الله قال قال الملأ من قريش وابو جهل قد التبس علينا امر محمد فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكمانة والسحر فاتاه فكلمه ثم أتانا ببيان من امره فقال عتبة بن ربيعة والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علما وما يخفى علىّ ان كان كذلك فاتاه فلما خرج اليه قال أنت يا محمد خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله فبم تشتم الهتنا وتضلّل آباءنا فان كنت انما تريد الرياسة عقدنا لك اولويتنا فكنت راسا ما بقيت وان كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من اىّ بنات قريش وان كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغنى أنت وعقبك من بعدك- ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت فلمّا فرغ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرّحمن الرّحيم حم تنزيل من الرّحمن الرّحيم كتب فصّلت آياته قرءانا الى قوله فان

اعرضوا فقل أنذرتكم صعقة مثل صعقة عاد وثمود الاية فامسك عتبة على فيه فناشده بالرحم ورجع الى اهله ولم يخرج الى قريش فاحتبس عنهم فقال ابو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة الا قد صبا الى محمد وقد أعجبه طعامه وما ذاك الا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا اليه فانطلقوا اليه فقال ابو جهل والله يا عتبة ما حبسك عنا الا انك صبوت الى محمد وأعجبك طعامه فان كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا يغنيك عن طعام محمد فغضب عتبة واقسم ان لا يكلم محمدا ابدا وقال والله لقد علمتم انى من اكثر قريش مالا ولكنى أتيته وقصصت عليه القصة فاجابنى بشئ والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر وقرأ السورة الى قوله (تعالى) فان اعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فامسكت بغيه وناشدته بالرحم ان يكف ولقد علمتم ان محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت ان ينزل عليكم العذاب- وقال قال محمد بن كعب القرظي حدثت ان عتبة بن ربيعة كان سيدا حليما قال يوما وهو جالس فى نادى قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده فى المسجد قال يا معشر قريش الا أقوم الى محمد وأكلمه واعرض عليه أمورا لعله يقبل منا بعضهن فنعطيه ويكف عنا (وذلك حين اسلم حمزة وراوا اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون) قالوا بلى يا أبا الوليد فقم اليه فكلمه فقام عتبة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي انك منا حيث علمت من البسطة فى العشيرة والمكان فى النسب وانك قد أتيت بامر عظيم فرقت جماعتهم وسفهت أحلامهم وعبت الهتهم وكفرت من مضى من ابائهم فاستمع منى اعرض عليك أمورا اتنظر فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد فقال يا ابن أخي ان كنت انما تريد بما جئت المال جمعنا لك من أموالنا حتى تكون اكثر منّا مالا وان كنت تريد شرفا سوّدناك علينا وان كان هذا الذي بك رئيا تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب او لعل هذا شعر جاش به صدرك فانكم لعمرى بنى عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه غيركم حتى إذا فرغ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اوقد فرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فاستمع منى

[سورة فصلت (41) : آية 15]

قال افعل فقال بسم الله الرّحمن الرّحيم حم تنزيل من الرّحمن الرّحيم كتب فصّلت آياته قرءانا عربيّا ثم مضى فيها يقرأ فلمّا سمع عتبة انصت والقى يديه خلف ظهره معتمدا عليها يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السجدة فسجد ثم قال قد سمعت يا أبا الوليد فانت وذاك فقام عتبة الى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم ابو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلمّا جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد فقال ورائ انى قد سمعت قولا والله ما سمعت بمثله قط ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة يا معشر قريش أطيعوني خلوا ما بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وان يظهر على العرب به فملكه ملككم وعزّه عزّكم فانتم اسعد الناس به فقالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رائى لكم فاصنعوا ما بدا لكم.. فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ اى تعظموا على اهل الأرض بغير استحقاق وَقالُوا لما خوّفوا بالعقاب اغترارا بقوتهم وشوكتهم مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً يعنى ليس أحد أشد قوة منا ندفع العذاب بقوتنا كان أحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل يجعلها حيث يشاء فقال الله تعالى ردّا عليهم أَوَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والعطف على محذوف تقديره أقالوا ذلك ولم يروا اى لم يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا اى بمعجزاتنا يَجْحَدُونَ (15) اى يعرفون انها حق وينكرونها عطف على قالوا. فَأَرْسَلْنا عطف على كانوا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً عاصفا شديد الصوت شديد البرد من الصر بمعنى البرد اى يصر اى يجمع ويقبض او الصرة بمعنى الصيحة فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو ويعقوب بسكون الحاء والباقون بكسرها اى مشومات ذات نحوس فى حقهم قال الضحاك امسك الله عنهم المطر ثلاث سنين ودامت الرياح عليهم من غير مطر قيل كان اخر شوال من الأربعاء الى الأربعاء وما عذب قوم الا يوم الأربعاء لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ اى عذاب الهوان أضاف العذاب الى الخزي اضافة الموصوف

[سورة فصلت (41) : آية 17]

الى الصفة مثل رجل الحرب وحاتم الجود بدليل ولعذاب الاخرة اخزى وهو فى الأصل فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى عطف على أرسلنا وهو فى الأصل صفة المعذب وصف به العذاب للمبالغة مجازا وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) بدفع العذاب عنهم. وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ اى دللناهم على الخير والشر بإرسال الرسل وبيّناهم سبيل الهدى كذا قال ابن عباس فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى اى اختاروا الجهل والكفر على الايمان فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ اى صيحة من السماء مهلكة للعذاب والهوان والذل واضافتها الى العذاب ووصفه بالهون للمبالغة بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (17) من اختيار الضلالة. وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (18) من تلك الصاعقة.. وَاذكر يَوْمَ يُحْشَرُ قرأ نافع ويعقوب بفتح النون وضم الشين على صيغة المتكلم المبنى للفاعل أَعْداءُ اللَّهِ بالنصب على المفعولية والباقون بضم الياء وو فتح الشين على البناء للمفعول واعداء الله بالرفع إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) اى يساقون ويدفعون الى النار وقال قتادة والسدىّ يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا قال البيضاوي وهى عبارة عن كثرة اهل النار. حَتَّى ابتدائية إِذا ما جاؤُها إذا حضروها وما زائدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) قال السدىّ وجماعة المراد بالجلود الفروج وقال مقاتل ينطق جوارحهم روى مسلم عن انس قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال هل تدرون مما اضحك قلنا الله ورسوله اعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب الم تجرنى من الظلم فيقول بلى قال فيقوله فانى لا أجيز على نفسى الا شاهدا منى فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لاركانه انطقى فينطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ أناضل- «اى أجادل وأخاصم- نهاية منه ره» وفى حديث ابى هريرة عند مسلم فيختم على فيه ويقول لفخذه انطق فينطق فخذه ولحمه وعظمه بعمله. وَقالُوا

[سورة فصلت (41) : آية 22]

اى الذين يحشرون الى النار لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا بعدا لكن وسحقا فعنكن اناضل وهذا السؤال سوال توبيخ قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ذى نطق وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) قدّم الظرف للحصر والاهتمام ورعاية الفواصل وهذه الجملة يحتمل ان يكون من تمام كلام الجوارح وان يكون استئنافا مثل ما بعده- روى الشيخان فى الصحيحين والبغوي عن ابن مسعود قال اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشى او قرشيان وثقفى كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم أترون ان الله يسمع ما نقول قال الاخر يسمع ما جهرنا ولا يسمع ان أخفينا وقال الاخر ان كان يسمع إذا جهرنا فانه يسمع إذا أخفينا قال البغوي قيل الثقفي عبد ياليل والقرشيان ختنا ربيعة وصفوان ابن امية فانزل الله تعالى. وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ اى اية قال البغوي معناه تستخفون عند اكثر اهل العلم وقال مجاهد تتقون وقال قتادة تظنون يعنى ما كنتم تستترون الفواحش من جوارحكم مخافة أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ كما كنتم تستترونها عن الناس مخافة الفضيحة فالمعنى ما كنتم تظنون ان جوارحكم تشهد عليكم وفيه تنبيه وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) فلذلك اجرأتم على ما فعلتم. وَذلِكُمْ اى ظنكم هذا مبتدا وقوله ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ اى أهلككم خبر ان له ويجوز ان يكون ظنّكم بدلا من اسم الاشارة وارديكم خبره فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) ثم اخبر عن حالهم فقال. فَإِنْ يَصْبِرُوا فى النار فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ لاخلاص لهم عنها وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) اى ان طلبوا العتبى وهو الرجوع الى ما يحبون ويسترصون ربهم فما هم بمجابين الى ذلك. وَقَيَّضْنا اى بعثنا ووكلنا وقال مقاتل هيأنا عطف على قوله فى صدر السورة فاعرض أكثرهم- وقالوا قلوبنا فى أكنّة وبينهما معترضات لَهُمْ اى للكافرين قُرَناءَ جمع قرين ككرماء جمع كريم يعنى نظراء من الشياطين

[سورة فصلت (41) : آية 26]

يستولون عليهم استيلاء القيض على البيض وهو القشر وقيل اصل القيض البدل ومنه المقائضة للمعاوضة فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من امر الدنيا واتباع الشهوات وَما خَلْفَهُمْ من امر الاخرة فدعوهم الى التكذيب وانكار البعث وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ اى كلمة العذاب فِي أُمَمٍ حال من الضمير المجرور اى كائنين فى جملة امم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ صفة لامم مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وقد عملوا مثل أعمالهم صفة اخرى لامم إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25) بايثار موجبات العذاب على موجبات الرحمة تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير لهم او للامم.. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ قال ابن عباس كان بعضهم يوصى الى بعض إذا رايتم محمدا يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر واللغو وقال مجاهد الغوا فيه بالمكاء والصفير وقال الضحاك أكثروا الكلام فتخلطوا عليه ما يقول وقال السدىّ صيحوا فى وجهه لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) محمدا على قراءته. فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وضع المظهر موضع الضمير تسجيلا للكفر وللدلالة على شمول هذا الحكم لهم ولغيرهم عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) اى سيئات أعمالهم او المعنى لنجزينّهم جزاء كفرهم الذي هو أسوأ ما كانوا يعملون فى الدنيا. ذلِكَ مبتدا اى الاسوأ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ خبره النَّارُ عطف بيان للجزاء او خبر محذوف لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ اى دار الاقامة جَزاءُ منصوب على المصدرية لفعله المقدر اى يجزون والجملة تأكيد لما سبق بِما كانُوا بِآياتِنا اى القران يَجْحَدُونَ اى ينكرون الحق او المعنى يلغون عند قراءة القران وذكر الجحود الذي هو سبب اللغو. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على مضمون الكلام السابق اى عذبوا ذلك العذاب وقالوا يعنى يقولون بعد ما يلقون فى النار رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنون شيطانى النوعين الحاملين إياهما على الضلال والعصيان وقيل هما إبليس وقابيل بن آدم لانهما سنا الكفر والمعصية قرأ ابن عامر

[سورة فصلت (41) : آية 30]

وابن كثير ويعقوب وابو بكر والسوسي أرنا بالتخفيف اى بسكون الراء هاهنا خاصة وقرأ الدوري باختلاس كسرة الراء والباقون باشباعها «اى بكسره كاملة- ابو محمد» نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا فى النار لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29) اى فى الدرك الأسفل من النار قال ابن عباس ليكونا أشد عذابا منّا-. إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته ثُمَّ اسْتَقامُوا اى التزموا المنهج المستقيم قال المحلى نزلت فى ابى بكر الصديق وثم لتراخيه عن الإقرار فى الرتبة والمراد بالاستقامة الاعتدال وعدم الزيغ والانحراف عن الحق بوجه من الوجوه لا فى الاعتقاد ولا فى الأخلاق ولا فى الأعمال قال فى القاموس استقام اعتدل وقومته عدلته فهو قويم ومستقيم ومنه الصراط المستقيم للطريق السوي الذي يوصل سالكه الى المطلوب البتة. فالاستقامة لفظ مختصر شامل لجميع الشرائع من الإتيان بالمأمورات والاجتناب عن المنهيات على سبيل الدوام والثبات ومن هاهنا أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سفيان بن عبد الله الثقفي حين قال يا رسول الله قل لى فى الإسلام قولا لا اسئل عنه أحدا بعدك وفى رواية غيرك قال قل امنت بالله ثم استقم- رواه مسلم قال البغوي سئل ابو بكر الصديق عن الاستقامة فقال ان لا تشرك بالله شيئا «1» وقال عمر بن الخطاب الاستقامة ان تستقيم على الأمر والنهى ولا تروغ روغان الثعالب وقال عثمان بن عفان أخلصوا العمل لله وقال علىّ أدوا الفرائض وقال ابن عباس استقاموا على أداء الفرائض وقال

_ (1) روى عن ابى بكر الصديق انه قال ما تقولون فى هاتين الآيتين انّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا والّذين أمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم قالوا الّذين قالوا ربّنا الله ثم عملوا بها واستقاموا على امره فلم يذنبوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم لم يذنبوا قال لقد حملتموها على امر شديد الّذين أمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم نقول بشرك والّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا فلم يرجعوا الى عبادة الأوثان- كذا فى ازالة الخفا للشيخ ولى الله المحدث وروى النسائي والبزار وابو يعلى وغيرهم عن انس قال قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية انّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا قد قالها ناس من الياس (ثم كف أكثرهم فمن قالها حين يموت فهو ممّن استقام علما 12 منه رحمه الله)

[سورة فصلت (41) : آية 31]

الحسن استقاموا على امر الله فاعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته وقال مجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة ان لا اله الّا الله حتى تلحقوا بالله وقال مقاتل استقاموا على المعرفة فلم يرتدوا- فكلها عبارات عما ذكرنا فان قول عمر ليستقيم على الأمر والنهى ولا تروغ روغان الثعالب وقول على وابن عباس وكذا قول الحسن شامل لجميع ما فرض الله إتيانه او الاجتناب عنه فى العقائد والأخلاق والأعمال- وقول ابى بكر لا تشرك بالله شيئا وقول عثمان أخلصوا لله العمل بيان لعدم الرياء والسمعة فى شىء من الأعمال وهو المعنى من قول مجاهد وعكرمة- فالاستقامة لا تتصور بدون فناء القلب والنفس وحصول المعرفة بالله على ما اصطلح عليه الصوفية وذلك قول مقاتل وقال قتادة كان الحسن إذا تلا هذه الاية قال اللهم أنت ربّنا فارزقنا الاستقامة وكان الحسن رأس الصوفية ينتهى اكثر السلاسل اليه- تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ عند الموت كذا قال ابن عباس وقال قتادة ومقاتل إذا قاموا من قبورهم وقال وكيع بن الجراح البشرى يكون فى ثلاثة مواطن عند الموت وفى القبر وعند البعث أَلَّا تَخافُوا ان مفسرة لان تتنزّل عليهم يتضمن معنى الوحى الذي فيه معنى القول او مخففة من الثقيلة اسمه ضمير الشأن او مصدرية يعنى لا تخافوا على ما تقدمون عليه من امر الاخرة كذا قال مجاهد وَلا تَحْزَنُوا على ما خلفتم من اهل وولد فانا نخلفكم فى ذلك فالخوف غم يلحق لتوقع مكروه والحزن غم يلحق لوقوعه فى مكروه من فوات نافع او حصول ضار وقال عطاء بن ابى رباح لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم يعنى لا تخافوا العقاب ولا تحزنوا على صدور العصيان فان الله يغفرها لكم وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) فى الدنيا على لسان الرسل اخرج ابو نعيم عن ثابت البناني انه قرأ حم السجدة حتى بلغ الى قوله تتنزّل عليهم الملائكة فقال بلغنا ان العبد المؤمن حين يبعث من قبره يتلقاه الملكان الذان كانا معه فى الدنيا فيقولان لا تخف ولا تحزن وابشر بالجنة التي كنت توعد قال فيأمن الله خوفه ويقر عينه. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ

[سورة فصلت (41) : آية 32]

فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعنى كنا معكم فى الدنيا نحفظكم من الشياطين ونلهمكم بالخيرات وَنحن اولياؤكم فِي الْآخِرَةِ لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة وَلَكُمْ فِيها اى فى الجنه ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ من اللذات والكرامات وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31) اى ما تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من الاول. نُزُلًا كائنا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) نزلا حال من ما تدّعون وفيه اشعار بان ما يتمنون بالنسبة الى ما يعطون مما لا يخطر ببالهم كالنزل للضيف اخرج البزار وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انك لتنظر الى الطير فى الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا- واخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة ان الرجل من اهل الجنة ليشتهى الطير فى الجنة فيخر مثل البختي حتى يقع على خوانه لم نصبه دخان ولا تمسه نار فيأكل منه حتى يشبع ثم يطير- وأخرجه الترمذي وحسنه والبيهقي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن إذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله ووضعه وسنه فى ساعة كما يشتهى- وعند هناد فى الزهد عن ابى سعيد قلنا يا رسول الله ان الولد من قرة العين وتمام السرور فهل يولد لاهل الجنة فقال إذا اشتهى الى آخره- واخرج الاصبهانى فى الترغيب عن ابى سعيد الخدري ولم يرفعه قال ان الرجل من اهل الجنة يتمنى الولد فيكون حمله ورضاعه وفطامه وشبابه فى ساعة واحدة- واخرج البيهقي مرفوعا بلفظ ان الرجل يشتهى الولد فى الجنة فيكون الى آخره- واخرج فى التاريخ والبيهقي نحوه-. وَمَنْ أَحْسَنُ يعنى لا أحد احسن قَوْلًا مِمَّنْ دَعا الناس إِلَى اللَّهِ الى عبادة الله وتوحيده وَعَمِلَ صالِحاً فيما بينه وبين ربه وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) تفاخرا او اتخاذا للاسلام دينا ومذهبا من قولهم هذا قول فلان لمذهبه قال محمد بن سيرين والسدىّ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحسن هو المؤمن أجاب الله فى دعوته وعمل صالحا فى اجابته وقال انّنى من المسلمين وقالت عائشة ارى هذه الاية نزلت فى المؤذّنين وقال

ابو امامة الباهلي دعا الى الله يعنى اذّن وعمل صالحا صلى ركعتين بين الاذان والاقامة قال قيس بن حازم عمل صالحا هو الصلاة بين الاذان والاقامة عن عبد الله بن معقل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلوة بين كل أذانين صلوة قال فى الثالثة بين كل أذانين صلوة لمن شاء- متفق عليه وعن انس بن مالك قال لا اعلم وقد رفعه انس الى النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يرد الدعاء بين الاذان والاقامة- رواه ابو داود والترمذي فصل فى فضل الاذان عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة. رواه مسلم وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله عليه وسلم لا يسمع مدى صوت المؤذّن جن ولا انس ولا شىء الا شهد له يوم القيامة رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الامام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم ارشد الائمة واغفر للمؤذنين- رواه احمد وابو داود والترمذي والشافعي وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اذن سنبع سنين محتسبا كتب له براءة من النار. رواه الترمذي وابن ماجة وابو داؤد وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة على كثبان الجنة عبد ادّى حق الله وحق مولاه ورجل امّ قوما وهم به راضون ورجل ينادى بالصلوات الخمس كل يوم وليلة- رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس وشاهد الصلاة يكتب له خمس وعشرون صلوة ويكفر عنه ما بينهما- رواه احمد وابو داود وابن ماجة وعن سهل بن سعد رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتان لا تردان او قلما تردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا وعن ابن عمر رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اذّن «1» ثنتى عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينه فى كل يوم ستون حسنة وبكل اقامة ثلاثون حسنة

_ (1) عن عمر بن الخطاب انه قال لو أطقت الاذان مع الخلافة لاذّنت- منه رحمه الله-

[سورة فصلت (41) : آية 34]

رواه ابن ماجة وعنه قال كنا نؤمر بالدعاء عند أذان المغرب- رواه البيهقي فى الدعوات الكبير- (فصل فى جواب الاذان) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علىّ فانه من صلى علىّ صلوة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لى الوسيلة فانها منزلة فى الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله وأرجو ان أكون انا هو فمن سال لى الوسيلة حلت عليه شفاعتى- رواه مسلم وعن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن الله اكبر الله اكبر فقال أحدكم الله اكبر الله اكبر الحديث يعنى يقول مثل ما يقول المؤذن وحين يقول حى على الصلاة وحى على الفلاح يقول لا حول ولا قوة الا بالله دخل الجنة رواه مسلم وعن عبد الله بن عمر قال رجل يا رسول الله ان المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل كما يقولون فاذا انتهيت فسل تعط- رواه ابو داود-. وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ فى الجزاء وحسن العاقبة ولا الثانية مزيدة لتأكيد النفي يعنى مهما أمكن للانسان فلا بد ان يختار الخصلة الحسنة على الخصلة السيئة فليختر الصبر على الغضب والحلم على الجهل والعفو على الانتقام والسخاء على البخل والشجاعة على الجبن والعفة على العنت ادْفَعْ بِالَّتِي اى بالخصلة التي هِيَ أَحْسَنُ المراد بالأحسن هاهنا الزائد فى الحسن مطلقا إذ لا حسن فى السيئة أصلا قال ابن عباس امر بالصبر فى مقابلة من يغضب عليه وبالحلم فى مقابلة من يجهل عليه وبالعفو فى مقابلة من يسئ اليه وقيل معناه لا تستوى الحسنة فى جزئياتها ولا تستوى السيّئة فى جزئياتها بل بعضها فوق بعض فى الحسن والسوء فاذا اعترضك من بعض أعدائك سيّئة فادفعها بأحسن الحسنات كما لو أساء إليك رجل فالحسنة ان تعفو عنه والتي احسن ان تحسن اليه فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ إذا للمفاجاة أضيف الى الجملة والعامل فيه معنى المفاجاة والمعنى فوجى ذلك وقت صيرورة الذي بينك وبينه عداوة كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)

[سورة فصلت (41) : آية 35]

الذي مبتدا وكانّه خبر وإذا ظرف لمعنى التشبيه وقوله ادفع الى آخره جملة مستأنفة كانه قيل كيف اصنع إذا أساء أحد الىّ فقال ادفع قال مقاتل بن حبان نزلت فى ابى سفيان بن حرب وليس بسديد لان الاية مكية واسلام ابى سفيان كان بعد الفتح. وَما يُلَقَّاها جملة معترضة اى ما يؤتى هذه الخصلة وهى مقابلة الاساءة بالإحسان إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا على مخالفة النفس والهوى وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) من التجليات الصفاتية والذاتية فان النفس إذا تجلت عليها الصفات الحسنى انسلخت من صفاتها السواى. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ عطف على ادفع وما زائدة اتصلت بان الشرطية مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ النزغ شبه النخس والشيطان ينزع كانه ينخس ويبعث على المعصية وفى القاموس نزغه كمنعه طعن فيه ونزغ بينهم أفسد واغرى ووسوس وهو فعل الشيطان أسند الى نزغه مجازا على طريقة جدجده وعلى هذا من للابتداء او أريد بالنزغ المسند اليه النازغ وصفا للشيطان بالمصدر مبالغة ومن الشّيطان بيان له حال منه والمعنى وان وسوس فيك الشيطان وحملك على الانتقام ومقابلة الاساءة بالاساءة فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من شره ولا تطعه هذا جواب الشرط وجواب الأمر محذوف اى يدفع الله عنك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاستعاذتك الْعَلِيمُ (36) بنيتك وصلاحك-. وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فان كل واحد منها تدل على وجوب وجود صانعها وصفاته الكاملة ووحدانيته لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ لانهما مخلوقان مأموران مثلكم وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ الضمير للاربعة المذكورة والمقصود تعليق الفعل بهما اشعارا بانهما من عداد ما لا يعلم ويختار إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فان السجود يختص لله تعالى وهذا موضع السجود عند الشافعي رحمه الله لاقتران الأمر به وهو مروى عن ابن مسعود وابن عمر اخرج الطحاوي بسنده عن عبد الرحمان بن يزيد يذكر ان عبد الله بن مسعود كان يسجد فى الاية الاولى من حم واخرج بسنده عن نافع عن ابن عمر مثله. فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا عن الامتثال

والسجود شرط حذف جزاؤه وأقيم علته مقامه تقديره فان استكبروا لا يضره فَالَّذِينَ اى لانّ الذين عِنْدَ رَبِّكَ عندية غير متكيفة وهم الأنبياء والملائكة والأولياء يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) عطف او حال اى لا يملّون بل يتلذذون به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحني يا بلال. قال ابو حنيفة رحمه الله هذا موضع السجود وهو المروي عن ابن عباس اخرج ابن ابى شيبة فى مصنفه والطحاوي عن مجاهد عن ابن عباس انه كان يسجد فى الاية الاخيرة من حم تنزيل. وزاد فى رواية راى رجلا يسجد عند قوله ان كنتم ايّاه تعبدون فقال له قد عجلت واخرج الطحاوي عن مجاهد قال سالت عن ابن عباس عن السجود الذي فى حم قال اسجد باخر الآيتين وروى الطحاوي ايضا بسنده عن ابى وائل انه كان يسجد فى الاية الاخيرة من حم وروى عن ابن سيرين مثله وعن قتادة مثله قال صاحب الهداية هذا قول عمر قال ابن همام كونه قول عمر غريب وأخذ ابو حنيفة هذا القول للاحتياط فانه ان كان السجود عند تعبدون لا يضره التأخير الى الاية الاخيرة وان كان عند لا يسئمون لم يكن السجود قبله مجزيّا- وقال الطحاوي ما حاصله ان السجود فى الاية الاخيرة هو مقتضى النظر وذلك انا راينا السجود المتفق عليه هو عشر سجدات منها الأعراف وموضع السجود منها قوله انّ الّذين عند ربّك لا يستكبرون عن عبادته ويسبّحونه وله يسجدون ومنها الرعد وموضع السجود منها ولله يسجد من فى السّموت ومن فى الأرض طوعا وكرها وظللهم بالغدوّ والآصال ومنها النحل وموضع السجود منها عند قوله ولله يسجد ما فى السّموات وما فى الأرض من دابّة الى قوله يؤمرون ومنها بنى إسرائيل وموضع السجود منها عند قوله ويخرّون للاذقان سجّدا الى قوله خشوعا ومنها مريم وموضع السجود منها عند قوله إذا تتلى عليهم ايت الرّحمن خرّوا سجّدا وبكيّا ومنها الحج والمتفق عليه فيها عند قوله الم تر انّ الله يسجد له من فى السّموت ومن فى الأرض الاية ومنها الفرقان وموضع السجود منها عند قوله وإذا قيل لهم اسجدوا للرّحمن قالوا وما الرّحمن الاية ومنها النمل وموضع السجود منها الّا يسجدوا لله الّذى يخرج الخبء الاية

[سورة فصلت (41) : آية 39]

ومنها الم تنزيل وموضع السجود منها عند قوله انّما يؤمن بايتنا الاية ومنها حم تنزيل وموضع السجود منها مختلف فيه فقال بعضهم يعبدون وبعضهم وهم لا يسئمون وكان كل موضع من المواضع المذكورة موضع اخبار يعنى من استكبار المتكبرين او من خشوع الخاشعين ولزمنا مخالفة المتكبرين وموافقة الخاشعين وليس شىء منها بموضع امر بالسجود وقد راينا السجود مذكورا فى مواضع اخر بصيغة الأمر منها قوله تعالى اقنتى لربّك واسجدي ومنها كن من السّاجدين وليس هناك سجود بالإجماع فالنظر يقتضى ان يكون كل موضع فيها الأمر بالسجود يحمل على الأمر بالعبادة والسجود الصلاتية وكل موضع فيها الاخبار يكون هناك سجدة التلاوة وهذا النظر يقتضى ان لا يكون فى الحج سجدة ثانية لانه بلفظ الأمر حيث قال الله تعالى اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم ومن ثم قال ابو حنيفة هى سجدة صلاتية يدل عليها المقارنة بالركوع وان لا يكون فى هذه السورة عند الاية الاولى سجدة لكونه بصيغة الأمر وان يكون عند الاية الاخيرة لكونه بصيغة الاخبار- وهذا النظر يقتضى ان يكون فى سورة ص سجدة تلاوة كما قال ابو حنيفة خلافا لغيره لان موضع السجود منها اخبار ليس بامر وهو قوله فاستغفر ربّه وخرّ راكعا وأناب وكذا فى سورة إذا السماء انشقت فى قوله فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون فانه موضع اخبار وليس بامر- غير ان هذا النظر يقتضى ان لا يكون فى سورة النجم واقرأ سجدة لان موضع السجود منهما قوله تعالى فاسجدوا لله واعبدوا وقوله تعالى واسجد واقترب وهما بصيغة امر لكن ابو حنيفة رحمه الله ترك النظر هناك لاتباع ما قد ثبت عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا هناك وقد قال مالك لا سجود فى المفصل- قلت وقد ذكرنا فى سورة الحج ما يدل على ان فيها سجدتين والله اعلم-. وَمِنْ آياتِهِ اى دلائل قدرته أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً يابسة غبراء لانبات فيها مستعار من الخشوع بمعنى التذلل فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ اى تحركت وَرَبَتْ اى علت وانتفخت بخروج النبات إِنَّ الَّذِي أَحْياها

[سورة فصلت (41) : آية 40]

اى أحيا نباتها لَمُحْيِ الْمَوْتى يوم القيامة إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الاحياء والإماتة قَدِيرٌ (39) . إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا قال مجاهد يلحدون فى آياتنا «1» بالمكاء والتصدية واللغو واللغط وقال قتادة يكذبون آياتنا وقال السدى يعاندون ويشاقون قال مقاتل نزلت فى ابى جهل قلت واللفظ يعم من يلحد بالتكذيب والإلغاء ومن يلحد بالتحريف والتأويل الباطل المخالف لتأويل السلف لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا فلا يأمنوا عن الجزاء والانتقام أَفَمَنْ يُلْقى الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره يفتخر هؤلاء الكفار ويعجبون بانفسهم أفمن يّلقى فِي النَّارِ ابو جهل وأمثاله خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اخرج ابن المنذر عن بشير بن فتح قال نزلت هذه الاية فى ابى جهل وعمار بن ياسر وقيل من ياتي أمنا هو حمزة وقيل عثمان واللفظ يعمهم وغيرهم ذكر الله سبحانه الإتيان أمنا فى مقابلة الإلقاء فى النار مبالغة وكان القياس ان يقال أفمن يلقى فى النار خير أم من يدخل الجنة لان مفاد الكلام ان الآتي أمنا خير ممن يلقى فى النار فكيف من يكرم ويدخل الجنة اعْمَلُوا «2» ايها الكفار ما شِئْتُمْ من الكفر والمعاصي إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فاجازيكم على ما تعملون فيه تهديد شديد-. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ اى القران لَمَّا جاءَهُمْ ان مع جملتها بدل من قوله انّ الّذين يلحدون او مستأنف وخبران محذوف مثل معاندون او هالكون او يجازيهم بكفرهم وقيل خبره قوله من بعد أولئك ينادون من مكان بعيد وَإِنَّهُ اى القران لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) حال او استئناف قال الكلبي عن ابن عباس اى كريم على الله وقال قتادة أعزّه الله فلا يجد الباطل اليه سبيلا. لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ قال قتادة والسدىّ الباطل هو الشيطان

_ (1) عن عمر بن الخطاب قال ان هذا القران كلام الله فضعوه فى مواضعه ولا تتبعوا فيه هواكم منه ره (2) عن ابن عباس فى قوله اعملوا ما شئتم قال لاهل البدر خاصة وعن ابراهيم النخعي ذكر ان السماء فرجت يوم بدر فقيل اعملوا ما شئتم. 12 منه رحمه الله

[سورة فصلت (41) : آية 43]

لا يستطيع ان يغيره او يزيد فيه او ينقص منه قلت وهو يعم شياطين الانس والجن كما ان الروافض زاد وانى القران عشرة اجزاء فلم يستطيعوا ورد الله كيدهم وزادوا فى بعض الآيات وبعض الألفاظ كما قالوا فى قوله تعالى انّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد علىّ وسيعلم الّذين ظلموا ال محمّد اىّ منقلب ينقلبون ونحو ذلك فانهم فعلوا ذلك وأبطل الله عملهم فلم يلتحق بالقران قال الزجاج معناه انه محفوظ من ان ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه او يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه وعلى هذا معنى الباطل الزيادة والنقصان وقال مقاتل لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ولا يجيء بعده كتاب يبطله او ينسخه تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ كامل الحكمة حَمِيدٍ (42) يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمة وهو حميد فى نفسه لا يحتاج الى ان يحمده غيره. ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ قيل هذا تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم بانه ما يقول لك كفار مكة قد قيل مثله للانبياء من قبلك انه ساحر كذاب فاصبر كما صبروا ولا تغتم به وقيل معناه ما اوحى إليك الأمثل ما اوحى إليهم من التوحيد واصول الدين والوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين وقيل مقول القول قوله إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للمومنين وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (43) للكافرين والجملة على الاول مستأنفة- ولمّا قال الكفار اقتراحا وتعنتا هل انزل القران بلغة العجم يعنون كما أنزلت التوراة والإنجيل نزلت. وَلَوْ جَعَلْناهُ اى لو جعلنا هذا الذكر الذي تقرأه على الناس قُرْآناً أَعْجَمِيًّا اى مقروا بلغة العجم لَقالُوا يعنى اهل مكة لَوْلا هلا فُصِّلَتْ بينت آياتُهُ بلغة العرب حتى فهمناها هذه الجملة متصلة بجمل واردة فى صدر السورة فى مدح القران اعنى كتاب فصّلت آياتهءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قرا هشام أعجميّ بهمزة واحدة من غير مد على الخبر يعنى كتاب أعجميّ ورسول عربىّ والباقون بهمزتين على الاستفهام للانكار فقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي «وخلف وروح ابو محمد» بهمزتين محققتين والباقون بهمزة ومدة «اى بهمزة مسهلة- ابو محمد» وقالون وابو عمرو يشبعانها لان من قولهما إدخال الالف بين

[سورة فصلت (41) : آية 45]

الهمزة المحققة والملينة وورش «بخلاف عنه ابو محمد» على أصله فى ابدال الهمزة الثانية ألفا من غير فاصل بينهما «وورش في وجه الثانية ابو محمد» وابن كثير ايضا على أصله فى جعل الثانية بين بين من غير فاصل وهكذا قرا حفص وابن «ورويس بخلاف عنه ابو محمد» ذكوان فى هذا المقام خاصة قال مقاتل وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على يسار غلام لعامر الحضرمي وكان يهوديّا اعجميّا يكنى أبا فكيهة فقال المشركون انما يعلمه يسار فضربه سيده وقال انك تعلّم محمدا فقال يسار هو يعلّمنى فانزل الله هذه الاية واخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال قالت قريش لولا انزل هذا القران اعجميّا وعربيّا فانزل الله لقالوا لولا فصّلت آياته الاية وانزل الله بعد هذه الاية فيه لكل لسان قال ابن جرير والقراءة على هذا أعجمي بلا استفهام قُلْ يا محمد هُوَ اى القران لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً من الضلالة وَشِفاءٌ التنكير للتعظيم اى هدى وشفاء عظيم لما فى الصدور من الجهل ورذائل أوصاف القلب والنفس وقيل شفاء من الأمراض والأوجاع وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ مبتدا خبره فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ اى ثقل لقوله وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى اى ظلمة وشبهة قال قتادة عموا عن القران وصموا عنه فلا ينتفعون به والأخفش جوز العطف على معمولى عاملين والمجرور مقدم فالموصول عنده عطف على الموصول فى للّذين أمنوا هدى وشفاء أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44) تمثيل لهم فى عدم قبولهم وعدم استماعهم له بمن يصاح به من مسافة بعيدة-. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ جواب لقسم محذوف يعنى اختلف قوم موسى بالتصديق والتكذيب كما اختلف قريش فى القران وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ فى تأخير العذاب عن المكذبين الى يوم القيامة او الى أجل معلوم لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ لفرغ من عذابهم وعجل إهلاكهم وَإِنَّهُمْ اى المكذبين لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى من التوراة او من القران مُرِيبٍ (45) موقع فى الريبة. مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ نفعه وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها مضرته وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) فلا يضيع عمل المحسنين ولا يزيد على

[سورة فصلت (41) : آية 47]

جزاء المسيئين أورد صيغة المبالغة تعريضا على الكفار بانهم هم الظلامون المبالغون فى الظلم والله سبحانه لا يتصور منه الظلم أصلا لان الظلم ان يتصرف أحد فى ملك غيره بغير اذنه-. إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ اى علم وقت قيامها يرد اليه يعنى يجب على كل من سئل عنها ان يقول الله اعلم إذ لا يعلمها الا هو وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها اى من اوعيتها جمع كمّ بالكسر قرأ نافع وابن عامر وحفص «وابو جعفر ابو محمد» ثمرات على الجمع والباقون ثمرت على التوحيد بارادة الجنس وما نافية ومن الاولى مزيدة للاستغراق وثمرات فى محل الرفع ويحتمل ان يكون ما موصولة معطوفة على الساعة ومن بيانية بخلاف قوله وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى فانها نافية ومن زائدة البتة وَلا تَضَعُ اى أنثى إِلَّا بِعِلْمِهِ اى الا مقرونا بعلمه حسب تعلقه به والمراد انه كما لا يعلم بالساعة غيره كذلك لا يعلم بما يخرج من الثمرات وما تحمل أنثى الا هو- قوله الّا بعلمه استثناء مفرغ يتوجه الى الافعال الثلاثة على سبيل التنازع اعمل الأخير وقدر فى الأولين وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ اى يوم ينادى الله المشركين بقوله أَيْنَ شُرَكائِي قرأ ابن كثير بفتح الياء والباقون بإسكانها يسئلهم الله تهكما وتوبيخا اين شركائى التي كنتم تزعمونها الهة قالُوا اى المشركون آذَنَّاكَ أعلمناك الان ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) اى من يشهد لهم بالشرك الجملة حال يعنى يتبرءون عنهم لمّا عاينوا العذاب او المعنى ما منا من أحد يشاهدهم لانهم غابوا عنّا. وَضَلَّ عَنْهُمْ يعنى لا ينفعهم او غاب عنهم فلا يرون ما كانُوا يَدْعُونَ اى يعبدون مِنْ قَبْلُ ذلك اليوم يعنى فى الدنيا وَظَنُّوا اى أيقنوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) اى مهرب الظن معلق عنه بحرف النفي وقيل جملة المنفي سدّ مسد المفعولين-. لا يَسْأَمُ اى يمل الْإِنْسانُ الكافر مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ لا يزال يسئل الله تعالى المال والغنى والصحة وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ اى الشدة من الفقر

[سورة فصلت (41) : آية 50]

والمرض فَيَؤُسٌ اى فهو يؤس من روح الله قَنُوطٌ (49) من رحمته. وَلَئِنْ أَذَقْناهُ اى الكافر جواب قسم محذوف رَحْمَةً مالا وعافية مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي جواب للقسم لفظا وللشرط معنى يعنى هذا حقى لما فىّ من الفضل والعمل والعلم، او هذا لى دائما لا يزول وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً اى تقوم وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي قرأ وابو جعفر- ابو محمد ابو عمرو ونافع بخلاف عن قالون بفتح الياء والباقون بإسكانها إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى يعنى لان قامت القيامة على التوهم لكان لى عند الله الحالة الحسنة من الكرامة وذلك لاعتقاده ان ماله من الدنيا انما هو لاستحقاقه الكرامة الغير المنفك عنه فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا جواب قسم محذوف والفاء للسببية بِما عَمِلُوا قال ابن عباس لنفتنهم على مساوى أعمالهم وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) لا يمكنهم التفصى عنه-. وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ الكافر أَعْرَضَ عن الشكر وَنَأى بِجانِبِهِ اى ثنى عطفه وقيل الجانب كناية عن النفس كالجنب فى قوله تعالى جنب الله يعنى ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته لكمال الغلفة وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) اى كثير مستعار ممّا له عرض وسيع للاشعار بكثرته والعرب يستعمل الطول والعرض فى الكثرة يقال أطال فى الكلام والدعاء واعرض اى اكثر والعريض ابلغ من الطويل إذ الطول أطول الامتدادين فاذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله ومن ثم قال الله تعالى جنّة عرضها السّموات- ولا منافاة بين قوله وإذا مسّه الشّرّ فيؤس قنوط وبين قوله فذو دعاء عريض لان الاولى فى قوم آخرين ولعل الاولى فى الكفار ولا يياس من روح الله الّا القوم الكافرون ومن يّقنط من رّحمة الله الّا القوم الضّالّون «1» والثانية فى الغافلين من المؤمنين. وجاز ان يكون كلا الآيتين فى الكفار والمراد انهم إذا مسّهم شر دعوا مخلصين له الدين فاذا روا تاخرا فى الاجابة يئسوا وقنطوا بخلاف المؤمنين الصالحين فانهم لا يقنطون ويرون فى تأخير الاجابة حكمة قال

_ (1) فى القران الّا الضّالّون 12 [.....]

[سورة فصلت (41) : آية 52]

رسول الله صلى الله عليه وسلم اما ان يجعلها لهم واما ان يدخرها لهم او يقال يؤس قنوط بالقلب وذو دعاء عريض باللسان او قنوط الصنم وذو دعاء من الله تعالى (مسئلة) من أحب ان يستجاب دعاؤه فى الشدة فليكثر الدعاء فى الرخاء كذا ورد فى حديث رواه. قُلْ أَرَأَيْتُمْ أخبروني إِنْ كانَ القران مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (52) هذه الجملة متصلة بقوله تعالى قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ كان الأصل من أضل منكم فوضع الموصول موضع الضمير شرحا لحالهم وتعليلا لمزيد ضلالهم لانه فى تأويل قوله ان كان القرءان من عند الله كان حقّا بلا شبهة وكان الكفر به شقاقا بعيدا من الحق وأنتم قد كفرتم به فلا أضل منكم. سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ قال ابن عباس يعنى منازل الأمم الخالية وَفِي أَنْفُسِهِمْ يعنى يوم بدر وكذا قال قتادة وقيل فى أنفسهم البلايا والأمراض وقال مجاهد والسدىّ فى الآفاق ما يفتح القرى على محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين وفى أنفسهم فتح مكة وقال عطاء وابن زيد فى الآفاق يعنى فى أقطار السماوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار وفى أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة- قال البيضاوي فى الآفاق يعنى ما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم من الحوادث الآتية واثار النوازل الماضية وما يسر الله له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة وفى أنفسهم ما ظهر فيما بين اهل مكة وما حلّ بهم او ما فى بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالة على كمال القدرة حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ اى القران من عند الله والرسول مؤيد من الله او التوحيد مؤيد من الله ودين الله حق او الله هو الحق أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ الباء زائدة وربك فى محل الرفع على الفاعلية ولا تزاد الباء فى الفاعل الا مع كفى أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) بدل من الفاعل والمعنى او لم يكف ان ربك على كلّ شىء شهيد والاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره أتشك فى عاقبة أمرك ولم يكف انه تعالى على كل شىء شهيد محقق

[سورة فصلت (41) : آية 54]

فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعودة او انه تعالى مطلع فيعلم حالك وحالهم او المعنى الم ينته الإنسان عن المعاصي ولم يكف له رادعا انه تعالى مطلع على كل شىء لا يخفى عليه خافية فيجازيه عليها وقال مقاتل او لم يكف بربك شاهدا على ان القران من الله شهادته على ذلك جعله معجزا وقال الزجاج معنى الكفاية ان الله تعالى قد بين من الدلائل ما فيه كفاية يعنى او لم يكف بربّك شاهدا لانه على كل شىء شهيد لا يغيب عنه شىء-. أَلا إِنَّهُمْ يعنى كفار مكة فِي مِرْيَةٍ اى شك مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ اى من البعث والجزاء أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54) علما باجمالها وتفصيلها مقتدر عليها لا يفوته شىء منها او انه محيط بكل شىء احاطة ذاتية غير متكيفة لا يفوته شىء منها- تمت سورة فصلت تفسيرها من التفسير المظهرى فى اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر من السنة الثامنة بعد الف سنة 1208 هـ- ومائتين من الهجرة على صاحبها الصلاة والسلام والتحية ويتلوه ان شاء الله تعالى تفسير سورة الشورى والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.

سورة الشورى

سورة الشّورى مكيّة وهى ثلاث وخمسون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم (1) عسق (2) قال البغوي سئل الحسن بن الفضل لم قطع حم عسق ولم يقطع كهيعص فقال لانها سورة من سور اوائلها حم فجرت مجرى نظائرها ولان حم مبتدا وعسق خبره ولانهما عدا ايتين وأخواتها مثل كهيعص والمص عدت اية واحدة وقيل اهل التأويل لم يختلفوا فى كهيعص وأخواتها انها حروف للتهجى لا غير واختلفوا فى حم وأخرجها بعضهم من حيز الحروف وجعلها فعلا معناه حمّ اى قضى ما هو كائن وروى عكرمة عن ابن عباس انه قال ح حلمه م مجده ع علمه س سناؤه ق قدرته اقسم الله بها وقال شهر بن حوشب وعطاء بن ابى رباح ح حرف يعز فيها الذليل ويزل فيها العزيز من فرس م ملك يتحول من قوم الى قوم اخر ع عدو لقريش يقصدهم س سيء بكور فيهم ق قدرة الله النافذة فى خلقه وروى عن ابن عباس انه قال ليس من نبى صاحب كتاب الا وقد أوحيت اليه حم عسق حيث قال الله تعالى. كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الغالب لقهره الْحَكِيمُ (3) المصيب فى حكمه اى مثل ما فى هذه السورة من المعاني او ايحاء مثل ايحائها اوحى الله إليك والى الرسل من قبلك ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحى وان ايحاء مثله عادته تعالى- قرأ الجمهور يوحى بكسر الحاء على المضارع المبنى

[سورة الشورى (42) : آية 4]

للفاعل والله فاعله وقرا ابن كثير بفتح الحاء على البناء للمفعول على ان كذلك مرفوع على الابتداء اى مثل ذلك ويوحى خبره المسند الى ضميره او كذلك منصوب على المصدر ويوحى مسند الى إليك والله مرفوع على انه فاعل لفعل محذوف دل عليه السؤال المقدر يعنى من يوحى اليه فقال الله كما فى قول الشاعر ليبك يزيد ضارع لخصومة- على البناء للمفعول والعزيز الحكيم صفتان له مقررتان لعلو شأن الموحى به او الله مبتدا والعزيز وما بعد اخبار او العزيز الحكيم صفتان وكذا قوله. لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ صفة بتقدير الذي او حال وَهُوَ الْعَلِيُّ على خلقه الْعَظِيمُ (3) حال اخر او تذييل وهو على الوجوه الاخر جملتان مستأنفتان مقررتان لعزته وحكمته-. تَكادُ قرأ نافع والكسائي بالياء التحتانية لان الفاعل مؤنث غير حقيقى والباقون بالتاء الفوقانية لتأنيث السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ اى يتشققن من عظمة الله تعالى وعلو شأنه يدل عليه ذكره بعد قوله العلىّ العظيم وقيل يتفطرن من قول المشركين اتخذ الله ولدا نظيره فى سورة مريم لقد جئتم شيئا ادّا تكاد السّموت يتفطّرن وقيل يتشققن من كثرة الملائكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطت «1» السماء وحقها ان تاط والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر الا فيه جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده- رواه ابن مردوية عن انس ورواه البغوي بلفظ ما فيها موضع قدم الا وعليه ملك قائم او راكع او ساجد- قرأ البصريان وابو بكر ينفطرن من الانفطار مِنْ فَوْقِهِنَّ اى يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية وتخصيصها على الاول لانه أعظم الآيات وادلها على علو شأنه وعلى الثاني ليدل على ان الانفطار من تحتهن بالطريق الاولى وعلى الثالث لازدحام الملائكة على الفوق وقيل الضمير للارض فان المراد بها الجنس وهذا على الثاني وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ اى ينزهون عما يقول الظالمون من نسبة الولد وكل ما لا يليق بشأنه خضوعا لما يرون من عظمة الله

_ (1) الأطيط صوت الاقتاب وأطيط الإبل أصواتها وحنينها اى ان كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت. 12 نهايه منه رحمه الله

[سورة الشورى (42) : آية 6]

سبحانه ملابسين بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أداء لشكر نعمائه وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ من المؤمنين أداء لحق المشاركة فى الايمان والجملة حال أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ لاوليائه الرَّحِيمُ (5) بهم. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ شركاء وأندادا اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ رقيب على أحوالهم وأعمالهم يحصى عليهم فيجازيهم بها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ يا محمد بِوَكِيلٍ (6) بموكل بهم تحصل المطلوب منهم او موكول إليك أمرهم. وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الاشارة الى مصدر يوحى وقوله قُرْآناً عَرَبِيًّا منصوب على المفعولية او هو اشارة الى معنى الاية المتقدمة فانه مكرر فى القران فى مواضع فيكون الكاف مفعولا به وقوله قرءانا عربيّا حالا منه لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى اى أهلها وهى مكة فان اكثر قرى العرب خرجت منها وَمَنْ حَوْلَها اى العرب لينصروه فى إعلاء كلمة الله او قرى الأرض كلها مشرقها ومغربها وجنوبها وشمالها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلت على الأنبياء بخمس بعثت الى الناس كافة وذخرت شفاعتى لامتى ونصرت بالرعب شهرا امامى وشهرا خلفى وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لى الغنائم ولم يحل لاحد قبلى رواه الطبراني بسند صحيح عن السائب بن يزيد وروى مسلم فى الصحيح والترمذي عن ابى هريرة قوله صلى الله عليه وسلم فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض طهورا ومسجدا وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبيون وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ اى لتنذرهم بيوم القيامة التي يجمع فيه الأولون والآخرون حذف ثانى مفعولى تنذر الاول وأول مفعولى الثاني للتهويل والتعميم لا رَيْبَ فِيهِ اعتراض لا محل له من الاعراب فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) تقديره فريق منهم فى الجنّة وفريق منهم فى السّعير وضمير منهم للمجموعين لدلالة الجمع عليه والجملتان منصوبتان على الحال منهم اى وينذرهم يوم يجمعون كائنين متفرقين فى دارى الثواب والعقاب او مستأنفتان عن عبد الله بن عمرو قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قابض على كفيه ومعه كتابان قال أتدرون ما هذان الكتابان

[سورة الشورى (42) : آية 8]

قلنا لا يا رسول الله فقال للذى فى يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين بأسماء اهل الجنة واسماء ابائهم وعشائرهم وعدتهم قبل ان يستقروا فى الأصلاب وقبل ان يستقروا نطفا فى الأرحام إذ هم فى الطينة منجدلون «اى ملقون على الجدالة وهى الأرض منه ره» فليس بزائد منهم ولا ناقص منهم إجمال من الله عليهم الى يوم القيامة ثم قال للذى فى يساره هذا كتاب من رب العالمين بأسماء اهل النار واسماء ابائهم وعشائرهم وعدتهم قبل ان يستقروا فى الأصلاب وقبل ان يستقروا نطفا فى الأرحام إذ هم فى الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا نافض منهم إجمال من الله عليهم الى يوم القيامة- فقال عبد الله بن عمرو ففيم العمل إذا فقال اعملوا وسددوا وقاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل اهل الجنة وان عمل اىّ عمل وان صاحب النار يختم له بعمل اهل النار وان عمل اىّ عمل ثم قال فريق فى الجنّة وفريق فى السعير عدل من الله عزّ وجل- رواه البغوي وكذا روى الترمذي-. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً عطف على مضمون فريق فى الجنّة اى الامة اى يفترقون فريقين قال ابن عباس على دين واحد وقال مقاتل على دين الإسلام لقوله تعالى ولو شاء الله لجمعهم على الهدى وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ بالهداية الى دين الإسلام وَالظَّالِمُونَ الكافرون ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) اى لا يدخلهم فى رحمته فلا يكون لهم ولى يدفع عنهم العذاب ولا نصير يمنعهم من النار ولعل تغير المقابلة للمبالغة فى الوعيد إذ الكلام فى الانذار. أَمِ اتَّخَذُوا عطف على والظّالمون الاية أم منقطعة بمعنى بل للاضراب والهمزة للانكار يعنى الكافرون لم يتخذوا الله وليّا ونصيرا بلء اتخذوا مِنْ دُونِهِ كالاصنام والشياطين أَوْلِياءَ لا ينبغى ذلك او المعنى ليس المتخذون اولياء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ جواب شرط محذوف مثل ان أرادوا اولياء فالله هو الولي يعنى هو الحقيق بان يتخذ وليا وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى ليجزى كل نفس ما عملت وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) هذه الجملة فى مقام التعليل لقوله هو الولي وقال ابن عباس فالله وليك وولى من تبعك اى ناصرك وإياهم والفاء حينئذ لمجرد العطف لا لجزاء الشرط.

[سورة الشورى (42) : آية 10]

وَمَا اخْتَلَفْتُمْ ايها الناس فِيهِ مِنْ شَيْءٍ من امر الدين فَحُكْمُهُ مفوض إِلَى اللَّهِ يحكم يوم القيامة بينهم فيميز المحق من المبطل وقيل ما اختلفتم فيه من تأويل متشابه فارجعوا فيه الى المحكم من الله ذلِكُمُ الذي يحكم بينكم اللَّهِ اى قل لهم يا محمد ذلكم الله رَبِّي بدل من الله او عطف بيان عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فى رد كيد الأعداء وفى الأمور كلها وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) اى ارجع فى المعضلات. فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مبدعهما خبر اخر لذلكم او خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره ما بعده جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم أَزْواجاً نساء وَمِنَ الْأَنْعامِ اى جعل للانعام من الانعام أَزْواجاً او جعل لكم من الانعام أصنافا او ذكورا وإناثا جملة جعل على التقدير الأولين حال بتقدير قد يَذْرَؤُكُمْ اى يكثركم من الذرء وهو البث الضمير للمخاطبين والانعام تغليبا فِيهِ اى فى هذا التدبير وهو جعل الناس والانعام أزواجا ليكون بينهم توالد وقيل فيه اى فى الرحم وقيل فى البطن وقيل فى بمعنى الباء اى يذرؤكم به قيل معناه يكثركم بالتزويج لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ المثل زائد والمعنى ليس هو كشئ فادخل المثل للتأكيد كقوله فان أمنوا بمثل ما أمنتم به وقيل الكاف زائدة ومعناه ليس مثله شىء يزاوجه ويناسبه قال ابن عباس ليس له نظير وقيل هذا من باب الكناية نظيره قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة فى نفيه عنه فانه إذا نفى عمّن يناسبه ويسدّ مسده كان نفيه عنه بالطريق الاولى وإذا كان كناية فلا يقتضى ان يكون له مثل فان فى الكناية لا يشترط تحقق المعنى الحقيقي كما يقال فلان طويل النجاد وان لم يكن له نجاد أصلا ونظيره قوله تعالى بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ كناية عن كونه جوادا مع استحالة الجارحة وقيل معنى مثله صفته اى ليس كصفته صفة شىء وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لكل ما يسمع ويبصر وكل سميع وبصير فسمعه وبصره مستعار منه تعالى كانه ذكرهما لئلا يتوهم انه لا صفة له كما انه لا مثل له. لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى خزائن الرزق فى السماوات والأرض قال الكلبي المطر والنبات يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ اى يوسع ويضيق على وفق مشيته

[سورة الشورى (42) : آية 13]

ابتلاء وامتحانا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) فيفعل على ما ينبغى.. شَرَعَ لَكُمْ يا امة محمد صلى الله عليه وسلم مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا محمد وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى يعنى ان دين الإسلام الذي شرع الله لامة محمد صلى الله عليه وسلم ليس امرا مبتدعا بل هو دين الأنبياء كلهم فان الحق لا يكون الا واحدا وماذا بعد الحقّ الّا الضّلال وما أنكر من اهل الكتاب الا تعنتا وعنادا عن ابن مسعود قال خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله وقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه وقرأ وانّ هذا صراطى مستقيما فاتّبعوه الاية- رواه احمد والنسائي والدارمي وذلك الدين هو الايمان بالله وحده وبصفاته وبانبيائه وكتبه وملائكته والبعث بعد الموت وبكل ما جاء به الانبيا والإتيان بما امر الله به والانتهاء عما نهى عنه- وهذا امر جامع للشرائع متفق عليها والنسخ فى بعض الاحكام العملية لا يستلزم اختلاف الأديان الا ترى ان النسخ قد يكون فى دين نبى واحد فان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الى بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم صلى الى الكعبة فكما ان هذا لا يقتضى اختلاف الأديان فكذلك الاختلاف فى الفروع فى شرائع الأنبياء لا يقتضى اختلاف الدين فان مال الكل الإتيان بما امر الله به والانتهاء عما نهى عنه أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ان مفسرة لاوحينا ووصّينا فان فيها معنى القول او مصدرية والمصدر منصوب بدل من ما وصّى مفعول شرع او مرفوع خبر مبتدا محذوف اى هو يعنى خذوا ما أتاكم الرّسول بلا زيغ وانحراف وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ باتباع الآراء الأهواء او بالتعصب والعناد فان افتراق امة محمد صلى الله عليه وسلم الى ثلاث وسبعين فرقة انما نشأ باتباع الآراء والأهواء وهو المراد بما ذكرنا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم انه خط خطا وقال هذا سبيل الله وخطوطا وقال هذه سبل على كل منها شيطان وترك اليهود والنصارى الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم انما نشأ من العناد والتعصب وعن على رضى الله عنه قال لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب- وعن ابى ذر

[سورة الشورى (42) : آية 14]

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه- رواه احمد وابو داود وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يد الله على الجماعة- رواه الترمذي بسند حسن وعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاذّة «متفرقة منه ره» والقاصية «دور رفته منه ره» والناحية «يسكو رونده منه ره» وإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة رواه احمد كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من الدين القويم الناطق بالتوحيد وترك الأصنام اللَّهُ يَجْتَبِي اى يصطفى إِلَيْهِ اى الى دينه او الى ما تدعوهم اليه او الى نفسه مَنْ يَشاءُ سواء وجد من المجتبى سعى وارادة اولا وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) اى يقبل اليه قالت الصوفية من يجتبيه ويجذبه الى نفسه من غير اختياره فهو مراد الله وهم الأنبياء والصديقون ومن أناب الى الله فهداه الله فهو المريد وهم اولياء الله الصالحون من عباده-. وَما تَفَرَّقُوا عطف على شرع قال ابن عباس يعنى اهل الكتاب إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ من الكتب السّماوية السابقة بان دين الأنبياء كلهم واحد وان الذي اوحى الى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء به ابراهيم وموسى وعيسى بَغْياً بَيْنَهُمْ قال عطاء بغيا بينهم على محمد صلى الله عليه وسلم يعنى تكبرا واستطالة قال فى القاموس بغى عليه يبغى بغيا علا وظلم وعدل واستطال وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ فى تأخير العذاب إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الى دار الجزاء لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين من أمن ومن كفر فى الدنيا باستيصال المبطلين واستيلاء المحقين وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ يعنى اليهود والنصارى مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد أنبيائهم وقيل بعد الأمم الخالية وقيل المراد مشركى مكة الّذين أورثوا الكتاب اى القرءان من بعدهم اى بعد اهل الكتاب لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى من كتابهم لا يعلمونه كما هو ولا يؤمنون به حق الايمان او من القران مُرِيبٍ (14) مقلق او مدخل فى الريبة.

[سورة الشورى (42) : آية 15]

فَلِذلِكَ اى للتفرق من اهل الكتاب فَادْعُ الفاء فى جواب اما المحذوف تقديره اما أنت فادع الناس الى اقامة الدين وعدم التفرق واتباع ما أوتيت وَاسْتَقِمْ أنت عليه كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ الزائغة وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ اى بجميع الكتب المنزلة لا كما قالت اليهود والنصارى نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتّخذوا بين ذلك سبيلا وَأُمِرْتُ بالعدل لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ فى تبليغ الشرائع والحكم بين المتخاصمين الاول اشارة الى كمال القوة النظرية وهذا اشارة الى كمال القوة العملية اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ خالق الكل ومتولى أمورهم لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ كل يجزى على حسب عمله لا حُجَّةَ اى لا خصومة بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ لان أعمالكم لا يضرّنا واعمالنا لا يضرّكم انما ندعوكم الى الإسلام نصحا لّكم فلا وجه للخصومة والعداوة كان نزول هذه الاية فى مكة قبل الأمر بالقتال والمعادات فنسختها اية القتال وقوله تعالى يا ايّها الّذين أمنوا لا تتّخذوا عدوّى وعدوّكم اولياء الى قوله بدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابدا حتّى تؤمنوا بالله وحده اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا يوم القيامة فيحكم بيننا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) اخرج ابن المنذر عن عكرمة قال لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح ورايت النّاس يدخلون فى دين الله أفواجا قال المشركون بمكة لمن كان بين أظهرهم من المؤمنين قد دخل الناس فى دين الله أفواجا فاخرجوا من بين أظهرنا فعلى كم تقيمون بين أظهرنا فنزلت. وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ اى فى دينه واخرج عبد الرزاق انه قال قتادة هم اليهود والنصارى قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم فهذه خصومتهم مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ اى بعد ما استجاب الناس دعوته فاسلموا ودخلوا فى دينه لظهور معجزته وحسن دعوته حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ اى خصومتهم باطلة زائلة او المعنى ما يزعمونه حجة فهو فى الحقيقة شبهة باطلة وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ من الله لمعاندتهم وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16) على كفرهم.

[سورة الشورى (42) : آية 17]

اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ اى جنس الكتب بِالْحَقِّ اى متلبسا به بعيدا من الباطل وبما يحق به انزاله من العقائد الحقة والاحكام وَالْمِيزانَ قال قتادة ومجاهد ومقاتل بالعدل سمى العدل ميزانا لان الميزان فمعز الدولة الانصاف والتسوية وقال ابن عباس امر الله تعالى بالإيفاء ونهى عن البخس وقيل المراد به الشرع فانه توازن به الحقوق وتسوى بين الناس وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) قال الكسائي اى قريب إتيانها فاتبع الكتاب واعمل بالشرع وواظب على العدل قبل ان نفاجئك الساعة يؤزن حينئذ أعمالك ويوفى جزاؤك وقيل تذكير القريب كانه بمعنى ذات قرب او لان الساعة بمعنى البعث وجملة لعلّ السّاعة قريب سدّ مسد المفعولين ليدريك ولعل علق الفعل عن العمل قال مقاتل ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا تكذيبا متى الساعة فانزل الله تعالى. يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها استهزاء وظنّا انها غير اتية وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها اى خائفون منها لاحتمال العذاب وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ الكائن لا محالة أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ اى يجادلون فيها ويشكون فى إتيانها فى القاموس المرية بالكسر والضم الشك والجدل وماراه مماراة شك واصل ذلك من مرنت الناقة إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لان كلّا من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدة لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) عن الحق فان البعث أشبه الغائبات بالمحسوسات فمن لم يهتد الى تجويزه مع كمال قدرة الله بعد دلالة الكتاب والسنة عليه وشهادة العقل على دار الجزاء فهو ابعد من الاهتداء الى ما وراء. اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ قال ابن عباس حفىّ بهم قال عكرمة بارّ بهم قال السدىّ رفيق وقال مقاتل لطيف بالبر والفاجر حيث لم يهلكهم جزاء لمعاصيهم وقيل لطيف فى إيصال المنافع وصرف البلاء من وجه بلطف إدراكه قيل لطيف بالغوامض علمه وعظيم عن الجرائم حلمه وينشر المناقب ويستر العيوب ويعطى العبد فوق الكفاية ويكلفه بالطاعة دون الطاقة يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ما يشاء فيختص كلّا من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته وكل من يرزق من مؤمن وكافر وذى

[سورة الشورى (42) : آية 20]

روح فهو ممن يشاء الله ان يرزقه- قال جعفر بن محمد عليهما السلام اللطيف فى الرزق من وجهين أحدهما انه جعل رزقك من الطيبات والثاني انه لم يدفعه إليك بمرة واحدة وَهُوَ الْقَوِيُّ الباهر قدرته الْعَزِيزُ (19) المنيع الذي لا يغلب والجملة حال او تذييل. مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ الحرث فى الأصل إلقاء البذر فى الأرض ويقال للزرع الحاصل منه وفى القاموس الحرث الكسب وجمع المال والزرع والمراد هاهنا ثواب الاخرة شبهه بالزرع من انه ثمرة للعمل فى الدنيا ولذلك قيل الدنيا مزرعة الاخرة او شبهه بالكسب اى ما حصل منه فانه يحصل بما يكسب فى الدنيا نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ اى فى كسبه وزرعه فنعطيه بالواحد عشرا الى سبع مائة كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل فى كلّ سنبلة مائة حبّة وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا اى يريد بعمله نصيبا من الدنيا نُؤْتِهِ مِنْها شيئا على ما قسمنا له وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) عطف على نؤته عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امراة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه- متفق عليه وعن أبيّ بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر هذه الامة بالسّناء والرفعة والنصرة والتمكين فى الأرض فمن عمل منهم عمل الاخرة للدنيا لم يكن له فى الاخرة نصيب- رواه البغوي-. أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة للانكار يعنى بل الهم ما زعموا شركاء لله سبحانه خصص الشركاء بهم لانهم اتخذوها شركاء شَرَعُوا اى تلك الشركاء لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ قال ابن عباس شرعوا دينا غير دين الإسلام يعنى الشرك وانكار البعث والعمل للدنيا والجملة متصلة بقوله شرع لكم من الدّين وقيل أم متصلة معادلة لجملة محذوفة مصدرة بالهمزة تقديرها أيقبلون ما شرع الله أم يقبلون ما شرع لهم شركاؤهم ولولا كَلِمَةُ الْفَصْلِ اى القضاء السابق بتأخير الجزاء الى يوم القيامة كما قال بل السّاعة موعدهم لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين الكافرين والمؤمنين وفرغ من تعذيب من كذّبك فى الدنيا والجملة معترضة وَإِنَّ الظَّالِمِينَ

[سورة الشورى (42) : آية 22]

اى المشركين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (21) فى الاخرة وضع المظهر موضع المضمر لبيان استحقاقهم والتقدير انّهم لهم عذاب اليم لما كانوا ينكرونه. تَرَى الظَّالِمِينَ اى المشركين يوم القيامة مُشْفِقِينَ خائفين مفعول ثان لترى او حال مِمَّا كَسَبُوا اى من جزاء ما كسبوا من الشرك والمعاصي وَهُوَ اى جزاء ما كسبوا واقِعٌ بِهِمْ لا محالة اشفقوا او لم يشفقوا حال مقدرة وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ اى أطيب بقاعها وأنزهها لَهُمْ ما يَشاؤُنَ اى ما يشتهونه ثابت لهم عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ الذي ذكرت من نعيم الجنة هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) الذي يصغر دونه ما لهم فى الدنيا. ذلِكَ الثواب الَّذِي يُبَشِّرُ قرأ ابن كثير وابو عمرو وحمزة والكسائي يبشر بالتخفيف من البشرة والباقون من التفعيل اللَّهُ به عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ يا محمد لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على ما أتعاطاه من التبليغ والبشارة أَجْراً اى نفعا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى حال من المودة اى الا ان تودونى لقرابتى منكم والجملة معترضة روى البخاري فى الصحيح بسند عن عبد الملك بن ميسرة قال سمعت طاءوسا انه قال سئل ابن عباس عن المودة فى القربى فقال سعيد بن جبير القربى ال محمد فقال ابن عباس عجلت ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش الا كان له فيهم قرابة فقال الا ان تصلوا بينى وبينكم من القرابة قال البغوي وكذلك روى الشعبي عن ابن عباس قال المودة فى القربى يعنى ان تحفظوني قرابتى وتودونى وتصلحوا رحمى- واليه ذهب مجاهد وعكرمة ومقاتل والسدى والضحاك قال عكرمة لا اسئلكم على ما أدعوكم اجرا الا ان تحفظوني وقرابتى بينى وبينكم وليس كما يقول الكذابون- قال البغوي قال قوم هذه الاية منسوخة وانما نزلت بمكة وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله هذه الاية فامرهم بمودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلة رحمه فلمّا هاجر الى المدينة واواه الأنصار ونصروه أحب الله ان يلحقه بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام حيث قالوا وما اسئلكم عليه من اجر ان اجرى الّا على

ربّ العالمين فانزل الله قل لا اسئلكم عليه اجرا فهى منسوخة بهذه الاية وبقوله قل لا اسئلكم عليه من اجر وما انا من المتكلّفين وغيرها من الآيات والى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم والحسين بن الفضل قال البغوي وهذا قول غير مرضى لان مودة النبي صلى الله عليه وسلم وكف الأذى عنه وكذا مودة أقاربه من فرائض الدين قلت لا شك ان مودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاربه فريضة محكمة لا يحتمل النسخ لحديث انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده وولده والنّاس أجمعين- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان من كان الله ورسوله أحب اليه مما سواهما ومن أحب عبدا لا يحبه الا لله ومن يكره ان يعود فى الكفر بعد ان أنقذه الله منه كما يكره ان يلقى فى النار- روى الحديثين الشيخان فى الصحيحين وعلى ذلك انعقد الإجماع- لكن يمكن ان يقال ان المنسوخ انما هو ما امر الله تعالى رسوله بسوال الاجر وروى ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس فى معنى الاية الا ان تودوا الله وتتقربوا اليه بطاعته- وهذا قول الحسن قال هو القربى الى الله يقول الا التقرب الى الله والتودد اليه بالطاعة والعمل الصالح- وقال بعضهم معناه الا ان تودوا قرابتى وعترتى وتحفظوني فيهم وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب اخرج ابن ابى حاتم والطبراني وابن مردوية عن ابن عباس قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء قال على وفاطمة وابناهما- واستدل الروافض بهذه الاية مع هذا الحديث على حصر الخلافة فى على وبطلان خلافة الخلفاء الثلاثة المرضيين رضى الله عنهم أجمعين وجه احتجاجهم انهم قالوا وجب حب علىّ بهذه الاية مع هذا الحديث وحب غير على ليس بواجب ووجوب المحبة يستلزم وجوب الطاعة فهو الامام لا غير- وقولهم هذا باطل بوجوه (أحدها) ان هذا الحديث غير صحيح فى اسناده حسين الأشعري شيعى غليط وهذه الاية مكية ولم يكن لفاطمة حينئذ ولد (وثانيها) انا نسلم ان حب على وفاطمة وابناهما واجب

لكن لا نسلم ان حب غيرهم ليس بواجب كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب ابى بكر وعمر ايمان وبغضهما كفر- رواه ابن عدى عن انس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب ابى بكر وعمر من الايمان وبغضهما كفر وحب الأنصار من الايمان وبغضهم كفر وحب العرب من الايمان وبغضهم كفر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله ومن حفظنى فيهم فانا احفظه يوم القيامة- رواه ابن عساكر عن جابر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب الأنصار اية الايمان وبغض الأنصار اية النفاق- رواه النسائي عن انس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب قريش ايمان وبغضهم كفر وحب العرب ايمان وبغضهم كفر ومن أحب العرب فقد أحبني ومن ابغض العرب فقد ابغضنى- رواه الطبراني فى الأوسط عن انس وقولهم ان من وجب محبته يكون اماما مفروض الطاعة باطل- وقيل هذه الاية لوجوب محبته من حرم عليهم الصدقة وهم بنوا هاشم وبنوا المطلب الذين لم يتفرقوا فى الجاهلية ولا فى الإسلام وقيل هم ال على وعقيل وجعفر وعباس وفيهم قوله صلى الله عليه وسلم انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله واهل بيتي أذكركم الله فى اهل بيتي عن زيد بن أرقم قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله واثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال اما بعد الا يا ايها الناس انما انا بشر يوشك ان يأتينى رسول ربى فأجيب وانا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال واهل بيتي أذكركم الله فى اهل بيتي أذكركم الله فى اهل بيتي قال البغوي قيل لزيد بن أرقم من اهل بيته قال هم ال على وال عقيل وال عباس- فان قيل كيف امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوال مودته او مودة أقربائه اجرا على تبليغ الرسالة مع ان التبليغ كان عليه فريضة ولا يجوز طلب الاجرة على أداء الفريضة بل على العبادة النافلة ايضا لما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى من كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها وما له فى الاخرة من نصيب قوله صلى الله عليه وسلم من عمل منهم عمل الاخرة للدنيا لم يكن له للاخرة نصيب- قلنا اطلاق الاجر على ما امر النبي صلى الله عليه وسلم

بسواله على التبليغ انّما هو على المجاز والمشاكلة فان الاجر للسائل على الحقيقة ليس الا ما يكون نافعا له مسئولا لانتفاعه به وهاهنا ليس كذلك بل انما سال النبي صلى الله عليه وسلم أمته مودته ومودة أقربائه وامره الله سبحانه ان يسئل ذلك لكى ينتفع الناس بمحبته فان محبة النبي صلى الله عليه وسلم مثمرة لمحبة الله تعالى وقربه وولايته وموجبة لكمال الايمان ومن هاهنا أقول ان الاولى ان يقال فى تأويل الاية لا اسئلكم اجرا الا ان تودوا اقربائى واهل بيتي وعترتى وذلك لانه صلى الله عليه وسلم كان خاتم النبيين لا نبى بعده وانما انتصب للدعوة الى الله بعده صلى الله عليه وسلم علماء أمته من اهل الظاهر والباطن ولذلك امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان يأمر أمته بمودة اهل بيته لان عليّا رضى الله عنه والائمة من أولاده كانوا اقطابا لكمالات الولاية ومن أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا مدينة العلم وعلى بابها- رواه البزار والطبراني عن جابر وله شواهد من حديث ابن عمر وابن عباس وعلىّ وأخيه وصححه الحاكم ومن أجل ذلك ترى كثيرا من سلاسل المشائخ تنتهى الى ائمة اهل البيت ومضى كثير من الأولياء فى السادات العظام منهم غوث الثقلين محى الدين عبد القادر الجيلي الحسنى الحسيني وبهاء الدين النقشبندي والسيد السند مودود الچشتى وسيد معين الدين الچشتى وابو الحسن الشاذلى وغيرهم ومن أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى. وقال اكثر علماء التفسير الاستثناء منقطع والاجر مستعمل فى معناه الحقيقي فالمعنى لا اسئلكم اجرا قط ولكنى أذكركم المودة فى القربى وأذكركم قرابتى منكم كما ورد فى حديث زيد بن أرقم أذكركم الله فى بيتي ومما يدل على ان سوال صلى الله عليه وسلم مودة نفسه وأقربائه كان لينتفع بها أمته قوله تعالى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً اى من يكتسب حسنة والمراد بها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم واله ونوابه والا فلا مناسبة لهذه الجملة بما سبق لكن اللفظ عام يعم كل حسنة نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً وذلك ان حب ال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهم مشائخ

[سورة الشورى (42) : آية 24]

الطريقة) مثمر للمزيد فى حب النبي صلى الله عليه وسلم وحبه صلى الله عليه وسلم مثمر للمزيد فى حب الله تعالى ومن هاهنا قالت الصوفية يحصل للصوفى اولا الفناء فى الشيخ ثم الفناء فى الرسول ثم الفناء فى الله تعالى- والفناء عبارة عن شدة الحب بحيث يذهل نفسه عند ذكر المحبوب حتى لا يرى من نفسه ولا من غيره عنها ولا اثرا ما عدا المحبوب وقيل هذه الاية نزلت فى ابى بكر الصديق ومودته للنبى صلى الله عليه وسلم- روى البخاري فى الصحيح عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه انه قال ارقبوا محمدا فى اهل بيته إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يغفر ذنوب من يحب رسوله وأولياءه لعل هو المراد بقوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر اى من ذنب أوليائك وأحبائك شَكُورٌ (23) على طاعته ومحبته-. أَمْ يَقُولُونَ أم منقطعة والجملة متصلة بقوله قل لا اسئلكم عليه اجرا ومعنى الهمزة الإنكار والتوبيخ وبل للاضراب عن أداء الاجر يعنى انهم لا يؤدون اجر الرسالة بل أيقولون يعنى كفار مكة افْتَرى محمد عَلَى اللَّهِ كَذِباً بدعوى النبوة او القران فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ جملة معترضة أوردت استبعادا للافتراء عن مثله بالاشعار على انه لا يجترى عليه الا من كان مختوما على قلبه جاهلا بربّه فامّا من كان ذا بصيرة معرفة بربه فلا وكانه قال ان يشا الله حد لانك يختم على قلبك لتجترى بالافتراء عليه وقال مجاهد يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك إذا هم وقولهم انك مفتر- وقال قتادة يعنى طبع على قلبك فينسيّك القران وما أتاك فاخبرهم انه لو افترى على الله لفعل به ما اخبر فى هذه الاية وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ استيناف لنفى الافتراء عما يقوله بانه لو كان مفتر لمحاه إذ من عادته تعالى محو الباطل واثبات الحق بوحيه او بقضائه او بوعده بمحق باطلهم واثبات حقه بالقران او بقضائه الذي لا مرد له قال الكسائي فيه تقديم وتأخير مجازه والله يمحو الباطل وهو فى محل الرفع وليس بمجزوم عطفا على يختم لان المحو غير معلق بالشرط بل هو وعد مطلق وانما حذفت الواو فى الخط

[سورة الشورى (42) : آية 25]

باتباع اللفظ كما حذفت فى قوله تعالى ويدع الإنسان وسندع الزّبانية- وقد فعل ذلك فمحى باطلهم وأعلى كلمة الإسلام بما انزل من آياته إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24) قال البغوي قال ابن عباس وكذا اخرج عنه الطبراني بسند ضعيف انه قال لما نزل قل لا اسئلكم عليه اجرا الّا المودّة فى القربى وقع فى قلوب قوم منها شىء وقالوا هذا يريد ان يحثنا على أقاربه من بعده فنزل جبرئيل فاخبره انهم اتهموه وانزل الله هذه الاية فقال القوم يا رسول الله فانا نشهد انك صادق فنزل. وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ قال ابن عباس يريد أولياءه واهل طاعته يقال قبلت منه الشيء إذا أخذته وجعلته مبدأ قبول وقبلت عنه اى عزلته عنه قيل التوبة ترك المعاصي نية وفعلا والإقبال على الطاعة نية وفعلا وقال سهل بن عبد الله التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة الى الأحوال المحمودة وذكر البيضاوي عن على كرم الله وجهه هى اسم يقع على ستة معان على الماضي من الذنوب الندامة ولتضيع الفرائض ال عادة ورد المظالم واذابة النفس فى الطاعة كما اذبتها فى المعصية واذاقتها مرارة الطاعة كما اذاقتها حلوة المعصية والبكاء بدل ضحك ضحكت وروى البغوي فى شرح السنة عن ابن مسعود موقوفا الندم توبة والتائب من الذنب كمن لا ذنب له- (فصل) عن حارث بن سويد قال دخلت على عبد الله أعوده فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لله افرح بتوبة عبده من رجل (أظنه قال) فى برية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنزل فنام فاستيقظ وقد هلكت راحلته فطاف عليها حتى أدركه العطش قال ارجع الى حيث كانت راحلتى فاموت عليه فرجع فاغفى فاستيقظ فاذ هى عنده عليها طعامه وشرابه- رواه البغوي ( «1» ) وروى مسلم عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب اليه من أحدكم كان راحلته بأرض فلاة فانقلبت وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فاتى شجرة فاضطجع فى ظلها قد يئس من راحلته فبينما هو كذلك

_ (1) هكذا بياض فى الأصل 12

[سورة الشورى (42) : آية 26]

إذ هو بها قائمة عنده فاخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدى وانا ربك اخطأ من شدة الفرح- وروى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه- متفق عليه وروى مسلم ايضا عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه- وروى ابن ماجة والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التائب من الذنب كمن لا ذنب له- وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ صغيرها وكبيرها بالتوبة وبلا توبة لمن شاء روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رجل (لم يعمل خيرا قط) لاهله إذا مات فحرقوه ثم إذ روا نصفه فى البر ونصفه فى البحر فو الله لئن قدر الله عليه.......... ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات فعلوا ما أمرهم فامر الله البحر فجمع ما فيه وامر البر فجمع ما فيه ثم قال له لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت اعلم فغفر له- وروى احمد عن ابى الدرداء انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر ولمن خاف مقام ربه جنّتان قال قلت وان زنى وان سرق يا رسول الله فقال الثانية ولمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثانية وان زنى وان سرق يا رسول الله فقال الثالثة ولمن خاف مقام ربّه جنّتان فقلت الثالثة وان زنى وان سرق يا رسول الله قال وان رغم انف ابى الدرداء وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) قرأ حمزة والكسائي وحفص بالتاء الفوقانية «وخلف ورويس بخلاف عنه- ابو محمد» قالوا هو خطاب للمشركين والباقون بالياء التحتانية لانه بين خبرين عن قوم غيب قبله عن عباده وبعده ويزيدهم من فضله. وَيَسْتَجِيبُ عطف على يقبل الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى يستجيب الله دعاءهم إذا دعوا فحذف اللام كما حذف فى وإذا كالوهم وقال عطاء عن ابن عباس معناه ويثبت الذين أمنوا قال البيضاوي معنى الاستجابة الاثابة على الطاعة فانها كدعاء وطلب ومنه قوله صلى الله عليه وسلم أفضل الدعاء الحمد لله أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبّان

[سورة الشورى (42) : آية 27]

من حديث جابر والله اعلم روى عن ابراهيم بن أدهم انه قيل له ما بالنا ندعو فلا نجاب قال لانه تعالى دعاكم فلم تجيبوه وَيَزِيدُهُمْ اى يعطيهم زائدا على ما سالوه او استحقوه مِنْ فَضْلِهِ قال ابو صالح عن ابن عباس يشفعهم فى إخوانهم ويزيدهم من فضله فى اخوان إخوانهم وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) فى مقابله ما للمؤمنين من الثواب والفضل والجملة معطوفة على قوله وهو الّذى يقبل التّوبة-. وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ قال البغوي قال خباب بن الأرت فينا نزلت هذه الاية وذلك انا نظرنا الى بنى قريظة والنضير وبنى قينقاع فتمنّيناها فانزل الله عز وجل ولو بسط الله الرّزق لعباده لَبَغَوْا اى لتكبروا وأفسدوا فِي الْأَرْضِ بطرا او لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء وقال ابن عباس بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس واصل البغي التجاوز عن الاقتصاد فيما يتجزى كمية وكيفية وَلكِنْ يُنَزِّلُ أرزاقهم بِقَدَرٍ يقتضيه حكمته ما يَشاءُ الموصول مفعول لينزل وبقدر حال منه مقدم عليه إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) يعلم خفايا حالهم وما يؤل اليه أمرهم اخرج الحاكم وصححه عن على رضى الله عنه قال نزلت هذه الاية فى اصحاب الصفة وذلك انهم قالوا لو ان لنا فتمنووا الغنى واخرج الطبراني عن عمرو بن حريث مثله روى البغوي بسنده عن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى قال يقول الله عزّ وجلّ من أهان لى وليّا فقد بارزني بالمحاربة وانى لا غضب لاوليائى كما يغضب الليث الحرد وما «القطع- منه ره» تقرّب الىّ عبدى المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه وما زال عبدى المؤمن يتقرّب الىّ بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا ان دعانى أجبته وان سالنى أعطيته وما ترددتّ فى شىء انا فاعله ترددى فى قبض روح عبدى المؤمن يكره الموت وانا اكره مساءته ولا بد له منه وان من عبادى المؤمنين لمن يسئلنى الباب من العبادة فاكفه عنه لا يدخله عجب فيفسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الغنى ولو أفقرته لافسده ذلك وان من عبادى

[سورة الشورى (42) : آية 28]

المؤمنين لا يصلح إيمانه الا الفقر ولو أغنيته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا الصحة ولو أسقمته لافسده ذلك وان من عبادى المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه الا السقم ولو اصححته لافسده ذلك انى أدبر امر عبادى بعلمي فى قلوبهم انى عليم خبير ( «1» ) . وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عطف على قوله وهو الّذى يقبل التّوبة وما ذكر من الشرطية معترضة قرأ نافع وابن عامر وعاصم «وابو جعفر- ابو محمد» بالتشديد من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال الْغَيْثَ اى المطر النافع الذي يغيثهم من الجدب «القحط- منه ره» مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا اى ايئس الناس من نزوله وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ اى مطره او رزقه فى السهل والجبل من النبات والحيوان وَهُوَ الْوَلِيُّ الذي يتولى عباده بإحسانه وينشر الْحَمِيدُ (28) المستحق للحمد فى نفسه وعلى إحسانه. وَمِنْ آياتِهِ اى من دلائل وجوده ووحدته وقدرته وصفات كماله خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فانها بذواتها وصفاتها تدل على وجود صانع قادر حكيم وَما بَثَّ فِيهِما عطف على السماوات او على الخلق مِنْ دابَّةٍ من حىّ على اطلاق اسم المسبب للسبب فحينئذ يشتمل الملائكة والجن والشياطين والانس وسائر الحيوانات او المراد مما يدب على الأرض وما يكون فى أحد الشيئين يصدق انه فيهما فى الجملة وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29) فيجمعهم يوم القيامة-. وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ اى بسبب معاصيكم وما شرطية او موصولة متضمنة لمعنى الشرط وكذلك جئ بالفاء فى خبره على قراءة الجمهور وقرأ نافع وابن عامر «وابو جعفر- ابو محمد» بما كسبته بغير الفاء وكذا هو فى مصاحف المدينة والشام لم يذكر الفاء استغناء بما فى الباء من معنى السببية وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30) عطف على الجملة الاسمية او معترضة قال الحسن لما نزلت هذه الاية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق الا بذنب وما يعفو الله عنه اكثر- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله

_ (1) هكذا بياض فى الأصل

[سورة الشورى (42) : آية 31]

عليه وسلم وصب المؤمن كفارة لخطاياه- «الوصب المرض والتعب منه ره» رواه الحاكم فى المستدرك والبيهقي وروى البغوي بسنده عن على رضى الله عنه قال الا أخبركم بأفضل اية من كتاب الله عزّ وجلّ حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن كثير وسافسرها لك يا على ما أصابكم من مرض او عقوبة او بلاء فى الدنيا فبما كسبت ايديكم والله عزّ وجلّ أكرم من ان يثنى عليهم العقوبة فى الاخرة وما عفا الله عنه فى الدنيا فالله احكم ان يعود بعد عفوه- رواه احمد وغيره قال البيضاوي الاية مخصوصة بالمجرمين فان ما أصاب غيرهم فلا سباب اخر منها تعريضه للاجر العظيم بالصبر عليه قال البغوي قال عكرمة ما من نكبة أصاب عبدا فما فوقها الا بذنب لم يكن الله ليغفر له الا بها او درجة لم يكن الله ليبلغه الا بها. وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ فائتين ما قضى عليكم من المصائب حال من مفعول أصابكم او عطف على جملة ما أصابكم وعطف على هذا قوله وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يحرسكم منها وَلا نَصِيرٍ (31) يدفعها عنكم.. وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ قرأ ابن كثير «ويعقوب- ابو محمد» الجواري بالياء وصلا ووقفا ونافع وابو عمرو «ابو جعفر- ابو محمد» وصلا فقط والباقون بحذفها فى الحالين فِي الْبَحْرِ السفن الجارية فيه كَالْأَعْلامِ (32) اى كالجبال صفة للجوار وكذا الجملة الشرطية التالية على طريقة ولقد امرّ على اللّيم يسبّنى. إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ التي تجرى بها فَيَظْلَلْنَ اى يبقين بعد سكونها رَواكِدَ اى ثوابت عَلى ظَهْرِهِ اى ظهر البحر لا تجرى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) جملة معترضة اى آيات لكل مؤمن لأن من صفة المؤمن الصبر فى الشدة والشكر فى الرخاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الايمان نصفان فنصف فى الصبر ونصف فى الشكر- رواه البيهقي فى شعب الايمان عن انس. أَوْ يُوبِقْهُنَّ عطف على فيظللن اى او ان يشأ يسكن الرّيح فيوبقهنّ بدوام السكون اى يهلك أهلهن باغراقها وقيل عطف على يسكن الرّيح والتقدير او يرسلها عاصفة فيوبقهنّ بِما كَسَبُوا اى بسبب ما كسب

[سورة الشورى (42) : آية 35]

أهلها من المعاصي وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) اى وينج ناسا على العفو منهم جملة معترضة او معطوفة على ما سبق والتقدير ان يشأ يسكن الرّيح فيظللن رواكد او يرسلها عاصفة فيوبقهنّ او طيبة فيعف عن كثير وانما حذف ما حذف اقتصارا على المقصود. وَيَعْلَمَ قرأ نافع وابن عامر «وابو جعفر» بالرفع على الاستئناف والباقون بالنصب عطفا على علة مقدرة لاسكان الريح والايباق اى ان يشأ يسكن الرّيح لينتقم من اهل السفينة وليعلم الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا بالتكذيب والابطال وقيل هو معطوف على الجزاء ونصب نصب الواقع جوابا للاشياء الستة بتقدير ان عطف المصدر على المصدر يعنى ان يشا الله تعالى اسكان الريح وإهلاك قوم وإنجاء قوم وعلم من يجادل فى آياتنا بانه ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) من العذاب الجملة سدّت مسد المفعولين ليعلم معلق عنها يعلم بحرف النفي اى يعلم الذين يكذبون بالقران ولم يعتبروا بايات الرحمان إذا صاروا الى الله بعد البعث ان لا مهرب لهم من العذاب او يعلموا حين يحيط بهم الرياح فى البحر ان لا مهرب لهم من الغرق-. فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فى الدنيا فَمَتاعُ الْحَياةِ اى فهو متاع الحيوة الدُّنْيا اى تمتعون به مدة حياتكم القريبة الفانية ليس منها رادا للمعاد فاجملوا فى طلبها واقتصروا على ما يكفيكم عمّا يلهيكم وَما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب فى دار الجزاء خَيْرٌ منها كمّا وكيفا وخالص منفعة بلا شوب مشقة وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) روى عن على رضى الله عنه انه تصدّق ابو بكر بما له كله فلامه جمع فنزلت هذه الاية- ما الاولى موصولة تضمنت معنى الشرط من حيث ان إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها فى الحيوة الدنيا فجاءت الفاء فى جوابها بخلاف الثانية. وفى الاية بيان ان المؤمن والكافر يستويان فى ان الدنيا متاع لهما يتمتعان بها فاذا صاروا الى الاخرة كان ما عند الله خيرا للمؤمنين. وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ عطف على قوله للّذين أمنوا قرأ حمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» كبير الإثم على الواحد هاهنا وفى سورة النجم

[سورة الشورى (42) : آية 38]

والباقون كبائر بالجمع وَالْفَواحِشَ هى الكبائر وقال السدىّ هى الزنى وقال مقاتل ما يوجب الحد وقد ذكرنا الكبائر فى سورة النساء وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (48) عطف على يجتنبون والظرف متعلق بيغفرون وبناء يغفرون على ضميرهم خبرا للدلالة على انهم أحقاء بالمغفرة حال الغضب والجملة معطوفة على الصلة والموصول اما مجرور عطفا على الّذين أمنوا او منصوب على المدح او مرفوع. وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ اى أجابوه الى ما دعاهم اليه من طاعته وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور اى يتشاورون بَيْنَهُمْ فيما يبدو لهم ولا يعجلون ولا شك ان المؤمن إذا استشار مؤمنا يشيره بما هو خير له فى الدارين يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المستشار مؤتمن- رواه مسلم عن ابى هريرة والترمذي عن أم سلمة وابن ماجة عن ابن مسعود وروى الطبراني فى الأوسط بسند حسن عن على رضى الله عنه المستشار مؤتمن فاذا استشير فليشر بما هو صانع لنفسه- وروى الطبراني فى الكبير بسند حسن عن سمرة بن جندب المستشار مؤتمن ان شاء أشار وان شاء لم يشر وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) فى سبيل الخير عطف او حال.. وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ اى الظلم والعدوان هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) اى ينتقمون ممن ظلمهم من غير ان يعتدوا قال ابن زيد جعل الله المؤمنين صنفين صنفا يعفون عن ظالميهم وصنفا ينتقمون منهم وهم الذين ذكروا فى هذه الاية قال ابراهيم فى هذه الاية انهم كانوا يكرهون ان يستذلوا فاذا قدروا عفوا قال عطاءهم المؤمنون الذين اخرجوا من مكة بغيا عليهم يعنى من غير حقّ الّا ان يّقولوا ربّنا الله ثم مكنّهم الله فى الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم- وقال البيضاوي وصفهم بسائر أمهات الفضائل منها كراهة التذلل وهو لا يخالف وصفهم بالغفران فانه ينبئ عن عجز المغفور والانتصار عن مقاومة الخصم والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لانه اجراء وإغراء

[سورة الشورى (42) : آية 40]

على البغي- قلت الباغي ان كان ظالما متعديا على حق الله تعالى وعلى عامة المؤمنين فالاولى بل الواجب هناك الانتقام وسدّ باب الفتنة- وان كان متعديا على نفس أحد فالانتصار «1» والانتقام من غير اعتداء له منه جائز لكن العفو والإصلاح ودفع السيئة بالحسنة أفضل والله اعلم- ولمّا ذكر الله سبحانه جواز الانتصار منعهم عن التعدي فيه فقال. وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها جملة معترضة سمى الجزاء سيئة لتشابهما فى الصورة او لانه تسوء بمن تنزل به او لانه أسوأ من العفو قال مقاتل يعنى القصاص فى الجراحات والدماء وقال مجاهد والسدىّ هو جواب القبيح إذا قال أخزاك الله فيقول أخزاك الله وإذا شتم أحد شتمه بمثلها من غير ان يعتدى- وقال سفيان بن عيينة قلت لسفيان الثوري ما قوله عزّ وجلّ وجزؤا سيّئة سيّئة مثلها ان كان يشتمك رجل تشتمه او يفعل بك فتفعل به فلم أجد عنده شيئا فسالت هشام بن حجيرة عن هذه الاية فقال الجارح إذا جرح يقتص منه وليس هو ان يشتمك فتشتمه «2» ويؤبد قول هشام قوله صلى الله عليه وسلم المستبّان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان- رواه احمد والبخاري فى الأدب بسند

_ (1) عن ابن عون قال كنت اسئل عن الانتصار وعن قوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل فحدثنى على بن زيد بن ضرعان عن أم محمد امراة أبيه قال ابن عون (وزعموا انها كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة) قالت قالت عائشة أم المؤمنين دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا زينب بنت جحش فجعل يصنع بيده شيئا فقلت بيده حتى فطنته لها فامسك وأقبلت زينب تقحم لعائشة فنهاها فابت ان تنتهى فقال لعائشة سبيها فسبتها فانطلقت زينب الى على فقالت ان عائشة وقعت بكم وفعلت فجاءت فاطمة فقال لها انها حبة أبيك ورب الكعبة فانصرفت فقالت لهم الى قلت وكذا وكذا فقال لى كذا وكذا قالت وجاء على الى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فى ذلك- أخرجه ابو داود منه برد الله مضجعه (2) عن ابى هريرة ان رجلا شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتعجب ويتبسم فلما اكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام فلحقه ابو بكر فقال يا رسول الله كان يشتمنى وأنت جالس فلمّا رددت بعض قوله غضبت وقمت قال انه كان معك ملك يرد عنك فلمّا رددتّ عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لاقعد مع الشيطان ثم قال يا أبا بكر ثلاث هن حق ما من عبد ظلم مظلمة فيغفر عنها الله الا أعزّه الله بها نصرة وما فتح رجل باب عطية يريد بها سلبه الا زاده الله كثرة وما فتح رجل باب مسئلة يريد بها كثرة الا زاد الله بها قلة- رواه احمد منه نور الله ضريحه 12.

[سورة الشورى (42) : آية 41]

صحيح عن عياض بن حمار وقوله صلى الله عليه وسلم لا يكون اللعّانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة- رواه مسلم وابو داود عن ابى الدرداء لكن قوله صلى الله عليه وسلم المستبّان ما قالا فعلى المبادي منهما حتى يعتدى المظلوم- رواه احمد ومسلم وابو داود عن ابى هريرة يدل على كون البادي اظلم والمجيب له نوع رخصة فَمَنْ عَفا عن ظلم صاحبه وَأَصْلَحَ بينه وبين ظالمه فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ اى ان الله يأجره لا محالة قال البغوي قال الحسن إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان اجره على الله فليقم فلا يقوم الا من عفا ثم قرأ هذه الاية إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) المبتدين بالسبّ والمتجاوزين على المثل فى الانتقام وقال ابن عباس الذين يبدون بالظلم.. وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ المصدر مضاف الى المفعول اى بعد ظلم الظالم إياه فَأُولئِكَ اى المنتصرين ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) بالمعاتبة والمؤاخذة. إِنَّمَا السَّبِيلُ بالعقاب فى الاخرة والمعاتبة والمؤاخذة فى الدنيا عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ يبدونهم بالإضرار ويؤذونهم فى أنفسهم او أموالهم او اعراضهم بغير حق وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فى القاموس بغى يبغى بغيا علا وظلم وعدا عن الحق واستطال أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ عطف على من انتصر وبينهما اعتراض اى من صبر على ظلم من ظلم عليه وَغَفَرَ الظالم ولم ينتصر مبتدا حذف خبره اى فهو أفضل الناس وأقيم علته مقامه وهى قوله إِنَّ ذلِكَ الصبر والغفران لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) اى من معزوماته بمعنى المطلوبات شرعا قال مقاتل يعنى من الأمور التي امر الله بها وقال الزجاج الصابر يؤتى بصبره الثواب فالرغبة فى الثواب أتم عزم. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ اى ناصر يتولاه اى يلى هدايته ويمنعه من عذاب الله مِنْ بَعْدِهِ اى بعد خذلان الله إياه جملة معترضة وَتَرَى الظَّالِمِينَ ايها المخاطب لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ اى حين يرون العذاب

[سورة الشورى (42) : آية 45]

ذكر بلفظ الماضي تحقيقا يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) الجملة قائم مقام المفعولين لترى اى تراهم قائلين هذا القول استفهام لفظا ومعناه السؤال يسئلون الرجعة الى الدنيا-. وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها اى على النار يدل عليها العذاب خاشِعِينَ اى خائفين متذللين متقاصرين مِنَ الذُّلِّ اى مما يلحقهم من التذلل يَنْظُرُونَ حال بعد حال من فاعل يعرضون مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ اى يبتدئ نظرهم الى النار من تحريك لاجفانهم ضعيف كالصبور ينظر الى السيف بمسارقة النظر خوفا وذلة فى نفسه وقيل من بمعنى الباء وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يعنى من تبعهم فى الكفر بالتعريض للعذاب المخلد وقيل المراد بالأهل الحور فانهم خسروهن بعدم وصولهم إليهن المعدة لهم فى الجنة لو أمنوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ظرف للخسران والقول فى الدنيا او للقول اى يقولون إذا راوهم على تلك الحال أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) دائم تمام كلامهم او تصديق من الله بهم. وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ اى يدفعون العذاب عنهم مِنْ دُونِ اللَّهِ حال من اولياء وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) الى الوصول الى الحق فى الدنيا والى الجنة فى العقبى قد انسدّ عليه طرق الخبر كلها-. اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ اى أجيبوا داعى الله محمدا صلى الله عليه وسلم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ اى لا يرده الله بعد ما حكم به ومن صلة لمرد وقيل صلة يأتى اى من قبل ان ياتي يوم من الله لا يمكن رده وذلك يوم الموت او يوم القيامة ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ مفر يلحئون اليه يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) اى انكار لما اقترفتموه لانه مدون فى صحائف أعمالكم ويشهد عليه السنتكم وجوارحكم او ما لكم من منكر بغير ما بكم. فَإِنْ أَعْرَضُوا عن إجابتك يا محمد فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً حذف جزاء الشرط وأقيم تعليله مقامه تقديره فلا تحزن لان ما أرسلناك عليهم رقيبا مؤاخذا على اعراضهم إِنْ عَلَيْكَ

[سورة الشورى (42) : آية 49]

إِلَّا الْبَلاغُ وقد بلّغت تعليل لقوله ما أرسلناك عليهم حفيظا وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ أراد به الجنس مِنَّا رَحْمَةً اى نعمة فى الدنيا قال ابن عباس يعنى الغناء والصحة فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ من القحط او الفقر او المرض بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ اى بسبب معاصيهم التي قدموه وعبر بالأيدي لان اكثر الافعال بها فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) بليغ الكفران لما تقدم من نعم الله عليه ينسى ويجحد باقل شىء من الشدة جميع ما أسلف عليه من النعم ويذكر البليّة ويعظّمها ولا يتامل فى سببها- وهذا الحكم وان اختص بالمجرمين جاز اسناده الى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه وتصدير الشرطية الاولى بإذا والثانية بان لان اذاقة النعمة محققة من حيث انها عادة الله تعالى يقتضيه رحمته الذاتية بخلاف إصابة البليّة وأقيم علة الجزاء مقامه ووضع الظاهر موضع الضمير فى الثانية للدلالة على ان هذا الجنس موسوم بكفران النعمة. لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فله التصرف فيها كيف يشاء من انعام وانتقام الجملة متصلة بقوله ومن آياته الجوار يَخْلُقُ ما يَشاءُ تعليل لما سبق وقوله يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً الاية قيل بيان للخلق يعنى يهب لبعض الناس أنثى لا يكون له ولد ذكر قيل من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر لان الله تعالى بدا بالإناث وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (49) فلا يكون له أنثى. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً فيجمع له بينهما فيولد له الذكور والإناث وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً فلا يولد له وقيل الجملة بدل من يخلق بدل البعض إِنَّهُ عَلِيمٌ بما يخلق قَدِيرٌ (50) على ما يشاء فيفعل بحكمته واختياره. قال البغوي قالت اليهود للنبى صلى الله عليه وسلم الا تكلم الله وتنظر اليه ان كنت نبيّا كما كلمه موسى ونظر اليه فقال لم تنظر موسى الى الله عزّ وجلّ فانزل الله تعالى. وَما كانَ لِبَشَرٍ اى ما صح له أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً وحيا وما عطف عليه منصوب على المصدرية لأن من وراء حجاب صفة كلام محذوف والإرسال نوع من الكلام وهو ما كان بتوسط الرسول وجاز ان يكون منصوبا على الحال ويكون المصدر بمعنى المفعول تقديره الا موحى

او مستمعا من وراء حجاب او مرسلا والوحى فى اللغة الاشارة السريعة والمراد هاهنا كلاما خفيا غير مركب من حروف مقطعة متعاقبة يلقيه تعالى فى قلب النبي صلى الله عليه وسلم فى المنام او اليقظة ويعبر عنه بالإلهام وهو تعم المشافهة به كما روى فى حديث المعراج وما وعد به فى حديث الرؤية فى الاخرة والمهتف به كما اتفق لموسى على طوى والطور لكن قوله أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ يخصه بالأول فالاية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها قلت لكن ما ذكر البغوي فى شأن نزول الاية يدل على نفى النظر الى الله عند الوحى فى الدنيا فالمراد بالوحى هاهنا إلقاء كلام بسيط فى القلب وبقوله من وراء حجاب كلام مسموع بلا توسط الملك بغير معائنة كما اتفق لموسى فى طوى والطور كذا قال البغوي أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا اما جبرئيل او غيره من الملائكة فَيُوحِيَ ذلك الرسول الى المرسل اليه بِإِذْنِهِ اى بإذن الله ما يَشاءُ قرأ الجمهور يرسل فيوحى بالنصب عطفا على وحيا بتقدير ان المصدرية وقرأ نافع بضم اللام وسكون الياء رفعا على الاستئناف فتكلم الله حينئذ ينحصر فيما كان بلا واسطة الملك ويقابله إرساله الملك بكلامه الى الأنبياء عن عائشة رضى الله عنها قالت ان الحارث بن هشام سال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد علىّ فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فاعى ما يقول- قالت عائشة ولقد رايته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه لينفصد عرقا- متفق عليه وعن عبادة بن الصامت قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحى كرب لذلك وتربد وجهه رواه مسلم وعن ابن عباس قال اقام رسول بمكة خمس عشر سنة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا وثمان سنين يوحى اليه واقام بالمدينة عشرا وتوفى وهو ابن خمس وستين سنة- متفق عليه وعن عائشة قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم الحديث- متفق

[سورة الشورى (42) : آية 52]

عليه إِنَّهُ عَلِيٌّ عن صفات المخلوقين حَكِيمٌ (51) يفعل ما يقتضيه حكمته فتكلم تارة بغير وسط وتارة بوسط-. وَكَذلِكَ اى ايحاء كايحائنا الى سائر الرسل او كما وصفنا لك أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً اى كتابا وهو القران كذا قال الكلبي ومالك بن دينار وقال السدىّ سماه روحا لان القلوب يحيى به كما يحيى الأبدان بالأرواح وقال الربيع الروح جبرئيل والمعنى أرسلنا إليك جبرئيل وما قال ابن عباس انه النبوة وقال الحسن الرحمة فالمراد به ايضا القران فانه اثر النبوة والرحمة مِنْ أَمْرِنا الذي نوحيه إليك ظرف مستقر لروح اى روحا كائنا من أمرنا ما كُنْتَ تَدْرِي قبل الوحى حال من كاف إليك مَا الْكِتابُ سدّ مسد المفعولين لتدرى وحرف الاستفهام علقه عن العمل وَلَا الْإِيمانُ يعنى شرائعه ومعاملة التي لا طريق اليه غير السمع فقال محمد بن إسحاق المراد بالايمان فى هذه المقام الصلاة كما فى قوله تعالى ما كان الله ليضيع ايمانكم وهذا التفسير مبنى على ان اهل العلم اتفقوا على ان الأنبياء عليهم السلام كانوا ملهمين من الله تعالى بالايمان بالصانع المتوحد بصفات الكمال المنزه عن النقص والزوال. وما قيل ان النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل الوحى يعبد الله على دين ابراهيم فشئ لا يصاعده العقل والنقل فانه صلى الله عليه وسلم كان اميّا لم يقرأ الكتاب ولم يكن دين ابراهيم شائعا فى قريش كانوا يعبدون الحجارة غير انه صلى الله عليه وسلم يرغب الى الخلوة قلت ويمكن ان يقال انه صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا كاملا محققا بحقيقة الايمان لكن لم يدر انّ هذه الحالة ايمان والله اعلم. وَلكِنْ جَعَلْناهُ قال ابن عباس يعنى الايمان وقال السدىّ يعنى القران نُوراً لظلمة الجهل نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا اى نوصل به الى العقيدة الحقة فى الدنيا والى الجنة والى مراتب القرب فى الاخرة وَإِنَّكَ يا محمد لَتَهْدِي الناس كافة إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) وهو الإسلام الموصل الى الجنان والمراد بالهداية هاهنا اراءة

[سورة الشورى (42) : آية 53]

الطريق. صِراطِ اللَّهِ بدل من الاول الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ملكا وخلقا أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) اى امور الخلائق كلها فى الاخرة بارتفاع الوسائط والتعلقات وفيه وعد للمطيعين ووعيد للمجرمين والله اعلم تم تفسير سورة الشورى من تفسير المظهرى يوم السبت ثالثة عشر من الربيع الاول من السنة الثامنة بعد الف سنة 1208 هـ- ومائتين ويتلوه تفسير سورة الزخرف ان شاء الله تعالى وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين. [فهرس السور القرآنية من التفسير المظهرى] فهرس تفسير سورة الزخرف من التفسير المظهرى مضمون صفحه ما ورد فى البعث انه يمطر السماء فينبتون 340 ما يقال عند ركوب الدابة 340 حديث فاطمة بضعة منى- 341 ما ورد فى كون الدنيا مهانا عند الله مبغوضا 347 حديث الدنيا حرام على اهل الاخرة والاخرة حرام على اهل الدنيا والدنيا والاخرة حرام على اهل الله 348 حديث من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه- 349 حديث طلب الحلال فريضة بعد الفريضة 349 حديث أيما رجل كسب مالا من حلال 349 حديث اجملوا فى طلب الدنيا- 350 ما ورد فى كون امر الخلافة فى قريش- 352 مضمون صفحه حديث ما ضل قوم بعد هدى الا أوتوا الجدل 357 ما ورد فى اشراط الساعة ونزول عيسى عليه السلام 358 حديث افترقت اليهود الى احدى وسبعين فرقة والنصارى الى اثنين وسبعين وهذه الامة الى ثلاث وسبعين- 359 حديث ليأتين على أمتي كما اتى على اليهود والنصارى 360 حديث خليلان مؤمنان وخليلان كافران الحديث 360 حديث اين المتحابين فى جلالى أظلهم تحت ظلى 361 حديث يجمع الله بين المتحابين فى الله يوم القيامة 361 ما ورد فى خليل الجنة وثمارها- 362 ما ورد فى دعاء اهل النار مالكا ودعاء الله 363 سبحانه- فهرس تفسير سورة الدّخان من التفسير المظهرى ما ورد فى فضل ليلة النصف من شعبان 367 ما ورد فى آيات الساعة الدخان ونزول عيسى السلام 369 ما ورد فى الزقوم طعام اهل النار 375 ما ورد فى ثياب الجنة 377

فهرس تفسير سورة الجاثية من التفسير المظهرى

حديث ما من عبد إلا وله فى السماء بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فاذا مات فقداه وبكيا عليه 372 ما ورد فى الحور وفى ثمار الجنة- 377 ما ورد فى فضل سورة الدخان 378 فهرس تفسير سورة الجاثية من التفسير المظهرى حديث لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر 388 حديث كانى أراكم بالكرم دون جهنم جاثين- 389 حديث الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث الله الريح فتطير بالايمان والشمائل 390 حديث لا بعد الموت من مستعتب 392 حديث يقول الله تعالى الكبرياء ردائى الحديث 392 فهرس تفسير سورة الأحقاف من التفسير المظهرى قصة اسلام عبد الله بن سلام الاسرائيلى الأنصاري رضى الله عنه 398 حديث صل أمك ثم أمك الحديث 403 الكلام فى اقل مدة الحمل وأكثره- 403 ذكر بعض مناقب ابى بكر الصديق رضى الله عنه 405 ما ورد فى ترك التمتع بالدنيا وعيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه 408 حديث ما رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا 413 ضاحكا انما كان يتبسم وكان إذا راى غيما او ريحا عرف ذلك فى وجهه- خوف النبي صلى الله عليه وسلم من عذاب الله 413 ما كان يقول إذا عصفت الريح او راى السحاب او المطر 413 فى اولى العزم من الرسل 417 حديث ان الدنيا لا ينبغى لمحمد ولا لال محمد الحديث 418 ما ورد فى صبر نبى من الأنبياء على إيذاء قومه 418 فهرس تفسير سورة محمّد صلّى الله عليه وسلم من التفسير المظهرى مسئلة اختلاف العلماء فى جواز المن والفداء فى الأسارى 420 حديث لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق الحديث 423 ما ورد فى مراتب الشهداء وفضلهم 423 فيمن يقضى عنه دينه يوم القيامة 424 حديث ما أنتم فى الدنيا باعرف بازواجكم ومساكتكم من اهل الجنة 425 قوله صلى الله عليه وسلم لمكة أنت أحب بلاد الله الى الله وإلىّ لو لم يخرجونى لم اخرج منك 426 ما ورد فى انهار الجنة وفى ثمار الجنة- 428 ما ورد فى اشراط الساعة- 430 حديث انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله فى اليوم مائة مرة- 432 قول المجدد رضى الله عنه معرفة الله حرام 432 على من لم ير نفسه شرا من الكافر- 432 قول احمد بن حنبل فى لعن يزيد- 434 مسئلة من شرع فى صلوة او صوم تطوعا هل يجوز له الإفساد وهل يجب عليه القضاء بالإفساد وما ورد فيه 435 ما ورد فى فضل الانفاق وذم البخل 446 حديث لو كان الدين عند الثريا لتناوله رجل من فارس- 447.

سورة الزخرف

سورة الزّخرف مكّيّة وهى تسع وثمانون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) اى القران الذي هو مبين اى مظهر باعجازه طريق الهدى من الضلالة فانه يقتضى الايمان به والايمان به يوجب العلم بما يحتاج اليه الناس من الشرائع المثمرة للفلاح فى الدنيا والاخرة- الواو للقسم او للعطف ان كان حم مقسما به وجواب القسم. إِنَّا جَعَلْناهُ اى ذلك الكتاب قُرْآناً عَرَبِيًّا اقسم بالقران على انه جعله قرانا عربيا وهو من البدائع لتناسب المقسم به والمقسم عليه كقول ابى تمام وثناك انها اعريض ولعل اقسام الله تعالى بالأشياء استشهاد بما فيها من الدلالة عليه لَعَلَّكُمْ اى لكى تَعْقِلُونَ (3) اى صيرناها مقروّا بلغتكم لتفهموا معانيه والا فالقرءان من صفاته تعالى غير مخلوق. وَإِنَّهُ اى القرءان عطف على انا فِي أُمِّ الْكِتابِ اى اللوح المحفوظ فانه اصل كل كتاب لقوله تعالى بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ قال ابن عباس أول ما خلق الله القلم فامره ان يكتب بما يريد ان يخلق فالكتاب عنده ثم قرأ وانّه فى امّ الكتاب لَدَيْنا اى عندنا عندية وقربا غير متكيف ولا مكانى قيل تقديره محفوظا لدينا من التغير لَعَلِيٌّ رفيع شأنه من ان يدركه أحد او رفيع شأنه فى الكتب السماوية لكونه معجزا من بينها قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه القرآن فى سائر الكتب السماوية بمنزلة المركز من الدائرة

[سورة الزخرف (43) : آية 5]

يرى كذلك بنظر الكشف فالمركز اصل وإجمال للدائرة بل هو أفضل وأوسع من تمام الدائرة وانما يظهر بنظر الكشف اخصر لكونه ارفع وابعد من الناظر كما ان القمر يظهر للناظر مركزا لدائرة الهالة مع كونه أوسع منها حَكِيمٌ (4) ذو حكمة بالغة او محكم لا ينسخه غيره وهما خبران لان وفى امّ الكتاب متعلق بعلىّ واللام لا يمنعه او ظرف مستقر حال منه ولدينا بدل منه او حال من امّ الكتاب او من المستكن فى قوله فى أم الكتاب-. أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنهاكم فنضرب عنكم الذّكر اى القران يقال ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركت وأمسكت عنه وصفحا مصدر من غير لفظه يقال صفحت عنه إذا أعرضت عنه والترك والابعاد اعراض او مفعول له او حال بمعنى صافحين وأصله ان توفى الشيء صفحة عنقك والإنكار راجع الى الإهمال وترك الذكر وهو انكار لا يكون الأمر على خلاف ما ذكر من إنزال الكتاب على لغتهم ليفهموه ويمكن ان يكون العطف على جملة انه فى أم الكتاب لعلى حكيم والإنكار راجع الى معنى الفاء اى بعد كون القران كذلك نضرب عنكم الذكر أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5) قرأ نافع وحمزة والكسائي «وابو جعفر وخلف ابو محمد» إن بكسر الهمزة على ان الجملة الشرطية مخرجة للحق مخرج المشكوك استجهالا لهم واشعارا بان الإسراف امر لا يجوّز العقل إتيانه فكانّه محال مفروض والجزاء محذوف دل عليه ما قبله والمعنىء إن كنتم قوما مسرفين نهملكم فنضرب عنكم الذّكر صفحا وقرأ الباقون بفتح الهمزة تقديره لان كنتم مسرفين وهو فى الحقيقة علة مقتضية لترك الاعراض جعلها علة للاعراض وأورد عليها همزة الإنكار والمعنى أفنترك عنكم الوحى ونمسك من إنزال القران فلا نأمركم ولا تنهاكم من أجل اسرافكم فى الكفر قال البغوي قال قتادة والله لو كان هذا القران رفع حين رده أوائل لهذه الامة لهلكوا ولكن الله عاد عليهم لعائدته ورحمته فكرره عليهم عشرين سنة او ما شاء وقال مجاهد والسدىّ معناه أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم بكفركم.. وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) يعنى أرسلنا فيهم كثيرا من الأنبياء.

[سورة الزخرف (43) : آية 7]

وَما يَأْتِيهِمْ اى وما كان يأتيهم على حكاية الحال الماضية عطف او حال مِنْ نَبِيٍّ من زائدة ونبى فى محل الرفع إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (7) المستثنى المفرغ منصوب على الحال من المفعول اى الا كائنين على صفة الاستهزاء او على انه صفة لمصدر محذوف اى ما يأتيهم من نبىّ اتيانا الا اتيانا كانوا به يستهزءون او على الظرف اى ما يأتيهم نبىّ فى زمان الّا كانوا فيه يستهزءون به كاستهزاء قومك بك تسلّية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ اى من المسرفين يعنى اهل مكة فيه التفات من الخطاب الى الغيبة أشدّ حال من مفعول أهلكنا المحذوف............. تقديره فاهلكنا الأولين حال كونهم أشد من مشركى مكة بَطْشاً اى قوة تميز نسبة أشد او مفعول مطلق لاهلكنا من غير لفظه وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) اى سبق فى القران قصتهم العجيبة فى إهلاكهم التي حقها ان يسير مسير المثل- وفيه وعد للرسول صلى الله عليه وسلم ووعيد للمستهزئين بمثل ما جرى على الأولين-. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ اى كفار مكة جواب قسم محذوف مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) لعله لازم لقولهم او ما دل عليه اجمالا أقيم مقامه تقريرا لالزام الحجة عليهم فانهم قالوا الله كما حكى عنهم فى مواضع اخر وهو الذي من صفته ما ذكر من الصفات ويجوز ان يكون هذا مقولهم وما بعده استئناف. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً اى فراشا كالمهد للصبى وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا يسلكونها لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) اى لكى تهتدوا الى مقاصدكم او الى حكمة الصانع بالنظر فى ذلك. وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ اى بمقدار ينفع ولا يضر فَأَنْشَرْنا التفات من الغيبة الى التكلم اى حيينا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ اى إخراجا وإنشاء مثل ذلك الإنشاء اى إنشاء الأرض بالمطر تُخْرَجُونَ (11) تنشرون من قبوركم احياء اى كذلك تخرجون جملة معترضة روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

[سورة الزخرف (43) : آية 12]

ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون عامّا قال أبيت ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شىء تبلى الا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس وابن جرير عن سعيد بن جبير قال يسيل واد من اصل العرش فتنبت منه كل دابة على وجه الأرض ثم يطير الأرواح فيؤمر ان يدخل الأجساد فهو قوله تعالى يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ- واخرج احمد وابو يعلى عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الناس يوم القيامة والسماء طش عليهم.. وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ اى اصناف الخلائق كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (12) اى ما تركبونه على تغليب المتعدى بنفسه على المتعدى بغيره إذ يقال ركبت الدابة وركبت فى السفينة او المخلوق للركوب على المصنوع له او الغالب على النادر ولذلك قال. لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ اى ظهور ما تركبون وجمعه للمعنى ثُمَّ تَذْكُرُوا بقلوبكم نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ بتمليك المركب فى البر والبحر وتسخيرها وَتَقُولُوا بألسنتكم حامدين على النعمة سُبْحانَ اى اسبح سبحان الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) مطيقين من اقرن الشيء إذا اطاقه وأصله وجده قرينه إذ الصعب لا يكون قرينا للضعيف جملة وما كنّا له مقرنين حال من هذا او من ضمير لنا. وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14) اى راجعون وجه اتصاله بما سبق ان الركوب للنقل والنقلة العظمى هو الانقلاب الى الله او لانه مخطر فينبغى ان لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله هذه الجملة حال اخر روى ابو داود والترمذي والنسائي والبغوي عن على بن ابى طالب رضى الله عنه انه لمّا وضع رجله فى الركاب قال بسم الله فلمّا استوى قال الحمد الله ثم قال سبحان الله الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وانّا الى ربّنا لمنقلبون ثم حمد الله ثلاثا وكبر ثلاثا ثم قال لا اله الا أنت ظلمت نفسى فاغفر لى ذنوبى فانه لا يغفر الذنوب الا أنت. ثم ضحك فقيل له ما يضحكك يا امير المؤمنين قال رايت

[سورة الزخرف (43) : آية 15]

رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت وقال مثل ما قلت ثم ضحك فقلنا ما يضحكك يا نبى الله قال عجبت لعبد إذا قال لا اله الا الله ظلمت نفسى فاغفر لى انه لا يغفر الذنوب الا أنت قوله الّذى جعل لكم الأرض مع ما عطف عليه من الموصولات ومع صلاتها صفات للعزيز العليم وعلى تقدير الاستئناف اخبار لمبتدا محذوف او مفعول لاعنى-. وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً اى وصفوه بان له جزءا معطوف على قوله ولئن سالتهم وجه اتصاله به ان بين الكلامين تناقض فانهم بعد ما اعترفوا انه خالق السماوات والأرض وصفوه بان له جزءا وما يتجزى يستحيل ان يكون واجبا ويستحيل ان يكون خالقا والمراد به قولهم الملائكة بنات الله إذ لا شك ان الولد ما يخلق من نطفة الوالد والنطفة جزء منه ولذلك سمى الولد جزء او بضعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبني- رواه البخاري عن المسور بن مخرمة وعند احمد والحاكم بلفظ فاطمة بضعة منى يغضبنى ما يغضبها ويبسطنى ما يبسطها وان الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبى وصهرى إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ اى جهول مُبِينٌ (15) ظاهر الكفران ومفرط الجهل حيث لم يعرف ما ينبغى ان يسب الى الله سبحانه وما لا ينبغى-. أَمِ اتَّخَذَ الله سبحانه مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) عطف على يخلق او حال من فاعله والجملة مستأنفة مقدرة بالقول تقديره قل لهم أم اتّخذ ممّا يخلق بنت واصفيكم بالبنين ومن ثم جاز الخطاب واصفيكم والا فهو واقع بين كلامين مسندين الى الغيب اعنى وجعلوا له من عباده جزءا وإذا بشر أحدهم وأم منقطعة بمعنى الهمزة للتوبيخ والإنكار والتعجب وبل للاضراب عن قولهم ان لله ولدا يعنى انهم لم يقنعوا على ان جعلوا لله جزءا حتى جعلوا له من مخلوقاته اجزاء خسيسة مما اختير لهم وابغض الأشياء إليهم بحيث إذا بشر أحدهم بها اشتد غمهم كما قال. وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا اى بالجنس الذي جعل له مثلا إذ الولد لا بد ان يماثل الوالد او المراد بالمثل الوصف والحال

[سورة الزخرف (43) : آية 18]

والمعنى إذا بشر أحد بالوصف الذي جعل للرحمان وصفا اى كونه اما أنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا شديد السواد من غاية الكآبة وَهُوَ كَظِيمٌ (17) مملو قلبه من الكرب الجملة الشرطية بتقدير المبتدا حال من ضميرهم فى المقدر تقديره وقل لهم أم اتّخذ ممّا يخلق بنات وأصفكم بالبنين وهم إذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودّا وّ هو كظيم. أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ قرأ حفص وحمزة والكسائي «خلف- ابو» بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين اى يربّى والباقون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين اى ينبت ويكبر فى الحلية يعنى النساء فان حسنهن منحصر فى الصورة فيتزين بالحلية ليزددن حسنهن بخلاف الرجال فان حسنهم غالبا بالمعاني والأوصاف وذلك غير محتاج الى الحلية وفيه إشمام بان النشا فى الزينة من المعائب فعلى الرجال ان يجتنبوا من ذلك ويتزينون بلباس التقوى وَهُوَ فِي الْخِصامِ اى فى المحاجة باللسان وبالسنان غَيْرُ مُبِينٍ (18) اى غير مظهر حجتهن لنقصان عقلهن وضعف أبدانهن وقلوبهن قال قتادة ما يتكلم امراة تريد ان تتكلم بحجتها الا تكلمت بالحجة عليها من يّنشؤا منصوب معطوف على بنات والهمزة كررت لتأكيد الإنكار والتوبيخ والتعجيب والمغائرة انما هى لاختلاف الصفات والمعنى أم اتخذ من مخلوقاته بنات مبغوضات مكروهات موجبات لسواد الوجه ناشيات فى الحلية ضعيفات قلبا وقالبا وعقلا وجاز ان يكون مرفوعا مبتدا محذوف الخبر معطوف على مبتدا محذوف تقديره أمن كان شأنه ما ذكر ومن ينشّؤا فى الحلية ومن هو فى الخصام غير مبين ولد الله سبحانه-. وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً قرأ نافع وابن كثير «وابن عامر وابو جعفر ويعقوب ابو محمد» عند بالنون ساكنة وفتح الدال على الظرف والباقون بالباء المفتوحة والالف وضم الدال على انه جمع عبد والجملة عطف على قوله وجعلوا له من عباده جزءا يعنى انهم وصفوا الله سبحانه بما لا يليق به تعالى من انه له ولد من خلقه وذلك تحقير لشأنه تعالى ووصفوا الملائكة الذين هم خيار عباد الله ومقربوه قربا غير متكيف بكونهم إناثا وذلك تحقير لشانهم

[سورة الزخرف (43) : آية 20]

أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ قرأ اهل المدينةء أشهدوا بهمزتين الاولى للانكار وتعليل التشنيع المذكور والثانية همزة الافعال مضمومة مسهلة وسكون الشين على ما لم يسم فاعله وقالون «وابو جعفر بلا خلاف ابو محمد عنه» من رواية ابى نشيط بخلاف عنه يدخل بين الهمزتين الفا والباقون بهمزة واحدة مفتوحة للاستفهام وفتح الشين والمعنى على القراءة الاولىء أحضروا خلقهم وعلى الثانية احضروا خلقهم حين خلقوا إناثا سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ على الملائكة انهم بنات الله وَيُسْئَلُونَ (19) عنها يوم القيامة توبيخا اخرج ابن المنذر عن قتادة قال قال ناس من المنافقين ان الله صاهر الجن فخرجت بينهم الملائكة فنزلت فيهم وجعلوا الملئكة الّذين هم عبد الرّحمن إناثا وقال البغوي قال الكلبي ومقاتل لمّا قال اهل مكة هذا القول سالهم النبي صلى الله عليه وسلم ما يدريكم انهم بنات الله قالوا سمعنا من ابائنا ونحن نعلم انهم لم يكذبوا فقال الله تعالى ستكتب شهادتهم ويسئلون عنها فى الاخرة-. وَقالُوا عطف على قوله وجعلوا الملائكة لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ان لا نعبد الملائكة ما عَبَدْناهُمْ يعنون الملائكة قاله قتادة ومقاتل والكلبي وقال مجاهد يعنون الأوثان استدلوا بنفي مشية عدم العبادة على امتناع النهى او على حسنها وذلك باطل لان المشية يرجح بعض الممكنات على بعض مامورا كان او منهيّا حسنا كان او قبيحا ولذلك جهلهم فقال ما لَهُمْ بِذلِكَ اى بما يدعون من انها بنات الله او انها راض بعبادتها مِنْ عِلْمٍ مستند الى حس او عقل موجب للعلم إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) تأكيد لما سبق اى يقولون قولا باطلا بالظن والتخمين- ابدأ الله سبحانه وجوه فساد زعمهم وحكى تنئبهتهم المزيفة ثم نفى ان يكون لهم بها علم من طريق الحس او العقل ثم اضرب عنه الى انكار ان يكون لهم سند من جهة النقل فقال. أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً أم متصلة معادلة بقوله اشهدوا خلقهم يعنى اشهدوا وقت خلقهم أم علموا بكتاب سماوى اتيناهم مِنْ قَبْلِهِ اى من قبل القران او قبل ادعائهم ينطق على صحة ما قالوه فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) اى بذلك الكتاب. بَلْ قالُوا عطف على قول أم اتيناهم يعنى ما شهدوا خلقهم وما اتيناهم كتابا بل يتفوهون هذا القول تقليدا حيث قالوا

[سورة الزخرف (43) : آية 23]

إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ على دين وملة سميت امة لانها يؤم كالرحلة للمرحول اليه وقال مجاهد على امام وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) يعنى لا حجة لهم عقلية ولا نقلية وانما جنحوا فيه الى تقليد ابائهم الجهلة وسموا ذلك التقليد اهتداء. وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ استثناء مفرغ صفة لقرية اى الا فى قرية قال مُتْرَفُوها اى منعموها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بان التقليد فى نحو ذلك ضلال قديم وان مقدّميهم ايضا لم يكن لهم علم مستند الى شىء من اسباب العلم وفى تخصيص المترفين اشعار بان التنعم سبب للبطالة والصرف عن النظر الصحيح الى التقليد. قل قرأ حفص «وابن عامر- ابو محمد» قالَ بصيغة الماضي على انه خبر عما قاله النذير والباقون بصيغة الأمر حكاية لامر ماض اوحى من قبل الى النذير او خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤيد الاول سياق الكلام حيث قال فانتقمنا منهم بلفظ الماضي أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ قرأ ابو جعفر جئناكم على الجمع والباقون جئتكم على الافراد والهمزة لاستفهام الإنكار والواو للحال تقديره أتتبعون اباءكم ولو جئتكم بِأَهْدى اى بدين وطريقة اهدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا اى قال الكافرون فى جواب المنذرين إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ اى بما أرسلت به أنت ومن قبلك كافِرُونَ (24) وان كان ذلك اهدى إقناطا للنذير من ان ينظروا او يتفكروا فيه. فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ بالاستيصال فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وكذلك ننتقم ممن كذبك فلا تهتم بتكذيبهم-. وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ اى برئ مصدر وضع موضع النعت مبالغة ولذا لا يثنى ولا يجمع مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) اى من عبادتكم او من معبودكم يعنى اذكر وقت قوله ليروا كيف تبرأ عن التقليد وتمسك بالبرهان او ليقلدوه ان لم يكن لهم بد من التقليد فانهم يعترفون به اشرف ابائهم. إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي اى خلقنى استثناء منقطع او متصل على ان يعم اولى العلم وغيرهم فانهم كانوا يعبدون الأوثان او صفة على ان ما موصوفة اى انّنى براء من الهة تعبدونها غير الذي خلقنى

[سورة الزخرف (43) : آية 28]

فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) اى سيثبتنى على الهداية او يرشدنى فوق ما أرشدني اليه. وَجَعَلَها اى جعل ابراهيم هذه الكلمة اى كلمة التوحيد المفهومة من قوله انّنى براء الى سيهدين كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ اى ذريته قال قتادة لا يزال فى ذريته من يعبد الله وحده وقال القرطبي جعل الله تعالى وصية ابراهيم باقية فى نسله وذريته وقال ابن زيد يعنى قوله أسلمت لربّ العالمين وقرأ هو سمّيكم المسلمين لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) اى اذكر قول ابراهيم لعل اهل مكة يرجعوا الى دين ابراهيم ووصيته. بَلْ مَتَّعْتُ إضراب عن قوله لعلّهم يرجعون هؤُلاءِ يعنى كفار مكة المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم وَآباءَهُمْ الذين ماتوا على الشرك يعنى لم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ اى القران وقال الضحاك الإسلام وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) اى ظاهر الرسالة بالمعجزات او مظهر التوحيد بالحجج والآيات او مظهر احكام الله سبحانه. وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ اى القران قالُوا هذا اى القران سِحْرٌ سموه سحرا لعجزهم عن معارضته وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (30) اخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس قال لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أنكرت العرب ذلك وقالوا الله أعظم من ان يكون رسوله بشرا فانزل الله تعالى أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ وانزل وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا فلمّا كررت الاية عليهم قالوا وان كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة. وَحينئذ قالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ اى من احدى القريتين مكة والطائف عَظِيمٍ (31) بالجاه والمال فان الرسالة من الله منصب عظيم لا يليق الا لعظيم ولم يعلموا انها رتبة روحانية يستدعى عظم النفس بالتجلى بالفضائل والكمالات القدسية وكمال الاستعداد للتجليات الذاتية والصفاتية لا التزخرف بالزخارف الدنيوية- واخرج ابن المنذر عن قتادة قال قال الوليد بن المغيرة لو كان ما يقول محمد حقّا انزل علىّ هذا القران وابن مسعود الثقفي فنزلت هذه الاية- وقال البغوي قال مجاهد يعنون عتبة بن ربيعة من مكة و

[سورة الزخرف (43) : آية 32]

عبد ياليل بالطائف وقيل الوليد من مكة ومن الطائف حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي ويرى هذا عن ابن عباس قال الله تعالى ردّا عليهم. أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يعنى النبوة استفهام انكار فيه تجهيل وتوبيخ وتعجيب من تحكمهم نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ اى ما به عيشهم من الأرزاق فِي الْحَياةِ الدُّنْيا تعليل للتجهيل والتوبيخ وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ تميز عن النسبة يعنى رفعنا درجات بعضهم فوق بعضهم بالمال والجاه فجعلنا بعضهم غنيا وبعضهم فقيرا وبعضهم مالكا وبعضهم مملوكا لِيَتَّخِذَ متعلق برفعنا بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا مسخّرا فى العمل له والياء للنسبة قال قتادة والضحاك اى يملك بعضهم بما لهم بعضا بالعبودية والملك ولا يقدر أحدهم ان يزيد فى معيشته وينقص ما فى معيشة غيره ولا ان يعترض على الله فيما فعل من القبض وَرَحْمَتُ رَبِّكَ يعنى النبوة وما يتبعها خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) من حطام الدنيا فاذا لم يقدر أحدهم ان يختار لنفسه الرفعة فى الدنيا فانّى لهم ان يجعلوا النبوة التي هى أعلى مراتب الانسانية حيث شاءوا والعظيم عند الله من رزق النبوة لا من رزق متاع الدنيا والجملة عطف او حال- ولمّا كانت العظمة عند الكفار بكثرة حطام الدنيا بين الله سبحانه كون الدنيا عند الله حقيرا مبغوضا بقوله. وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ كلهم أُمَّةً واحِدَةً يعنى كفارا لحبهم الدنيا العاجلة وغفلتهم عن الاخرى الاجلة ان مع صلته مبتدا وخبره محذوف اى حاصل وجواب لولا قوله لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ بدل اشتمال من قوله لمن يّكفروا علة كقولك وهبت له ثوبا لقميصه سُقُفاً قرأ ابن كثير وابو جعفر «وابو عمرو- ابو محمد» بفتح السين وسكون القاف على الواحد بارادة الجنس والباقون بضم السين والقاف على الجمع للسّقف مثل رهن ورهن قال ابو عبيدة ولا ثالث لهما وقيل هو جمع سقيف وقيل جمع سقوف جمع الجمع مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ اى مصاعد ودرج من فضة لم يذكر الصفة

[سورة الزخرف (43) : آية 34]

هاهنا اكتفاء بذكرها فى المعطوف عليه اعنى سقفا عَلَيْها يَظْهَرُونَ (33) اى يعلون السطوح. وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً جمع سرير اى وجعلنا لهم سررا من فضة عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (34) . وَزُخْرُفاً اى زينة عطف على سقف او ذهبا كما فى قوله تعالى او يكون لك بيت من زخرف فهو معطوف على محل من فضة- وذلك اى تخصيص الدنيا بالكفار لكونها مبغوضة عند الله والكافر مبغوضا فيعطى المبغوض للمبغوض وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ المذكورات من سقف الفضة ومعارجها وابوابها وسررها وزخرفها لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا قرأ عاصم وحمزة وهشام «وابن جماز- ابو محمد» بخلاف عنه لمّا مشددة فان نافية ولمّا بمعنى الا والمعنى وما ذلك الا متاع الحيوة الدنيا لا بقاء لها ولا اعتداد لها عند الله والباقون بتخفيف لما فان مخففة من الثقيلة واللام فارقة وما زائدة وَالْآخِرَةُ اى الدار الاخرة متحققة عِنْدَ رَبِّكَ اى فى علمه وقضائه لِلْمُتَّقِينَ (35) من الشرك والمعاصي فيه دلالة على ان العظيم هو العظيم فى الاخرة لا فى الدنيا واشعار بما لاجله لم تجعل زخارف الدنيا كلها للمؤمنين وجعل بعضها لاعداء الله وذلك انها مبغوضة لله تعالى حريّة ان تجعل كلها للكافرين لولا مخافة اجتماع الناس على الكفر ولو كانت حسنة مرضية لله تعالى لم يعط الكافر منها شيئا- عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء وفى رواية قطرة من ماء رواه الترمذي والضياء وعن المستور بن شداد أحد بنى فهر قال كنت وفى الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السخلة الميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اترون هذه هانت على أهلها حتى ألقوها فقالوا من هوانها ألقوها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالدينا أهون على الله من هذه على أهلها- رواه البغوي واخرج ابو نعيم عن داود بن هلال الضبي قال مكتوب فى صحف ابراهيم عليه السلام يا دنيا ما اهونك على الأبرار الذين تزينت لهم انى قد قدمت فى قلوبهم بغضك والصدود عنك ما خلقت أهون علىّ منك كل شأنك صغير والى الفنا تصير قضيت عليك يوم خلقتك ان لا تدومى

لاحد ولا يدوم لك أحد وان بخل بك صاحبك وشح عليك طوبى للابرار الذين اطلعونى عن قلوبهم على الرضاء واطلعونى من ضميرهم على الصدق والاستقامة طوبى لهم ما عندى من الجزاء إذا وفدوا الىّ من قبورهم يسعى امامهم والملائكة حافّون بهم حتى ابلغ بهم الى ما يرجون من رحمتى- وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ما كان من الله عزّ وجلّ- رواه الصياء وروى ابن ماجة عن ابى هريرة والطبراني فى الأوسط بسند صحيح عن ابن مسعود مرفوعا نحوه بلفظ الا ذكر الله وما والاه او عالما او متعلما- والبزار عن ابن مسعود نحوه بلفظ الا امرا بمعروف او نهيا عن منكر او ذكر الله- والطبراني فى الكبير بسند صحيح عن ابى الدرداء مرفوعا نحوه بلفظ الا ما ابتغى به وجه الله عزّ وجلّ- وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له- رواه احمد والبيهقي بسند صحيح ورواه البيهقي عن ابن مسعود موقوفا وعن ابن عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وسنته فاذا فارق الدنيا فارق السجن والسنة- رواه احمد والطبراني والحاكم فى المستدرك وابو نعيم فى الحلية وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر- رواه احمد ومسلم فى الصحيح والترمذي وروى البيهقي والحاكم عن سلمان والبزار عن ابن عمر يعنى ان المؤمن وان كان فى نعيم فالدنيا بالنسبة الى ما أعد له فى الاخرة من الثواب سجن وسنة والكافر وان كان فى ضر وبلاء فالدنيا بالنسبة الى ما أعد له فى الاخرة من العذاب جنة والله اعلم- فان قيل روى صاحب مسند الفردوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدنيا حرام على اهل الاخرة والاخرة حرام على اهل الدنيا والدنيا والاخرة حرام على اهل الله- ما معنى ذلك قلت ومعناه عندى والله اعلم ان حب الدنيا حرام على اهل الاخرة يعنى على المؤمنين لا الانتفاع بمتاع الدنيا حيث قال الله تعالى قل من حرّم زينة الله الّتى اخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق قل هى للّذين أمنوا فى الحيوة الدّنيا خالصة يوم القيمة فمن ارتكب بحب الدنيا أضر بآخرته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فاثروا ما يبقى على ما يفنى- رواه احمد والحاكم فى المستدرك بسند صحيح عن ابى موسى والاخرة يعنى حظوظ الاخرة حرام على اهل الدنيا يعنى من همه الدنيا لا غير يعنى الكفار وفيهم قال الله تعالى فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ والدنيا والآخرة يعنى حبهما حرام على اهل الله وهم الذين امتلأ قلوبهم من حب الله تعالى لا تلتفت قلوبهم الى شىء من الدنيا والاخرة غير الله سبحانه روى ان رابعة البصرية أخذت فى احدى يديها ظرفا من ماء وفى الاخرى قطعة من نار فقيل لها اين تريدين قالت أريد ان أطفأ نار جهنم واحرق الجنة كيلا يعبد الناس الله تعالى طمعا فى الجنة ولا خوفا من النار بل خالصا لوجهه تعالى- قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه وكان هذا مبنيّا على السكر منها بل لا بد للمؤمن ان يطمع فى الجنة لا لنفسها بل لكونها محلا لرحمة الله تعالى ويتعوذ من النار لكونها محلا بسخط الله تعالى وغصته نعوذ بالله منها- فان قيل التمتع بحطام الدنيا ما لم يكن محرما لحق الله تعالى ولا الحق العبد جائز لما ذكرنا وطلب المعاش جائز بل فريضة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب الحلال فريضة بعد الفريضة- رواه الطبراني والبيهقي عن ابن مسعود فما معنى الدنيا وحبها- قلت معنى حب الدنيا ايثارها على الاخرة والانهماك فى اكتسابها ولذاتها بحيث يغفل عن اكتساب الثواب واجتناب العذاب والحرص على جمع المال وطول الأمل وزعم الأغنياء خيرا من الفقراء وتعظيم الأغنياء فوق تعظيم الفقراء لاجل غناه لا لدفع مضرة او مكافاة احسان او لغير ذلك من غرض مشروع او ان يريد علوّا فى الأرض او فسادا- واما طلب المعاش وكسب الأموال (من رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصّلوة وإيتاء الزّكوة يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والابصار) للانفاق على نفسه حتى يتقوى على عبادة ربه وعلى عياله أداء لحقوقهم وللانفاق فى سبيل الله فليس بمكروه بل منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب ومنها ما هو مباح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل كسب مالا من حلال فاطعم نفسه او كساها فمن دونه من خلق الله كان له

[سورة الزخرف (43) : آية 36]

به زكوة- رواه ابن حبان فى صحيحه من حديث ابى سعيد ولكن المسنون الإجمال فى طلب الدنيا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجملوا فى طلب الدنيا فان كلّا ميسر لما خلق له- رواه ابن ماجة والحاكم-. وَمَنْ «1» يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ اى من يعرض عن القران ويتعامى عنه لفرط اشتغاله باللذات وانهماكه فى الشهوات يقال عشوت الى فلان عشوا إذا قصدته مهتديا وعشوت عنه إذا أعرضت عنه كما يقال عدلت الى فلان وعدلت عنه اى ملت اليه وعنه ورغبت فيه ورغبت عنه قال الخليل بن احمد اصل العشو النظر ببصر ضعيف نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً قرأ يعقوب يقيّض بالياء التحتانية على صيغة الغائب والضمير فيه راجع الى الرحمان والباقون بالنون على التكلم والتعظيم اى نصبته له شيطانا ونضمه اليه ونسلط عليه فَهُوَ اى الشيطان لَهُ قَرِينٌ (36) لا يفارقه ويزين له السيئات ويخيل اليه انه على الهدى. وَإِنَّهُمْ اى الشياطين لَيَصُدُّونَهُمْ اى يمنعونهم جمع الضمير نظرا الى معنى من الموصولة وهم العاشين عَنِ السَّبِيلِ اى سبيل الهدى جملة معترضة وَيَحْسَبُونَ اى العاشون أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) اى على الهداية الجملة حال من الضمير المنصوب من ليصدونهم. حَتَّى إِذا جاءَنا غاية لحسبانهم قرأ اهل العراق غير ابى بكر جاءنا على الافراد يعنى إذا جاء العاشى والباقون جاءانا على التثنية يعنى إذا جاء العاشى وشيطانه وقد جعلا فى سلسلة واحدة

_ (1) عن محمد بن عثمان المخزومي ان قريشا قالت قيضوا لكل رجل من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رجلا يأخذه- فقيضوا لابى بكر طلحة بن عبيد الله فاتاه وهو فى القوم فقال ابو بكر الى ما تدعونى قال أدعوك الى عبادة اللات والعزى قال ابو بكر ما اللات قال ربنا قال ما العزى قال بنات فقال ابو بكر فمن أمهم فسكت طلحة ولم يجبه فقال طلحة لاصحابه أجيبوا الرجل فسكت القوم فقال طلحة قم يا أبا بكر اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله فانزل ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا الاية 12-

[سورة الزخرف (43) : آية 39]

قالَ اى العاشى لشيطانه يا للتنبيه او المنادى محذوف تقديره يا قرين لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ اى بعد المشرق من المغرب فغلّب المشرق وثنى وأضيف البعد إليهما او المراد مشرق الصيف ومشرق الشتاء فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) أنت لى قال ابو سعيد الخدري رضى الله عنه إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشيطان فلا يفارقه حتى يصير الى النار- قال الله تعالى. وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ اى فى الاخرة إِذْ ظَلَمْتُمْ إذ تبين لكم انكم أشركتم وظلمتم أنفسكم فى الدنيا وإذ بدل من اليوم أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (39) لان حقكم ان تشتركوا أنتم وقرناؤكم فى العذاب كما كنتم مشتركين فى موجبه ويجوز ان يسند الفعل اليه يعنى لن ينفعكم كونكم مشتركين فى العذاب كما ينفع الواقعين فى امر صعب معاونتهم فى تحمل إعيائه وتقسمهم بمكائده شدائده لان لكل واحد منكم ومن شياطينكم الحظ الاوفى والأوفر من العذاب وجاز ان يكون جملة ولن يّنفعكم حالا من فاعل قال يليتنى ويكون فيها التفاتا من الغيبة الى الخطاب-. أَفَأَنْتَ يا محمد تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) عطف على العمى باعتبار تغائر الوصفين والاستفهام للانكار والتعجب والفاء للعطف على محذوف تقديره ءانت تريد ان تهديهم فانت تسمع الصّمّ يعنى لست تقدر على هداية هؤلاء الكفار بعد تمرنهم على الكفر واستغراقهم فى الضلال بحيث صار ظلمة الكفر عليهم غشاوة على أعينهم ووقرا فى آذانهم كانهم لا يسمعون كلامك ولا يبصرون طريقا تهديهم اليه. فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ان شرطية اتصلت بما الزائدة المؤكدة بمنزلة لام القسم فى استجلاب النون المؤكدة والمعنى فان نقبضك قبل تعذيبهم فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) بعدك فى الدنيا وفى الاخرة علة لجزاء محذوف أقيم مقامه يعنى لا تحزن فانّ منهم منتقمون. أَوْ نُرِيَنَّكَ فى الدنيا الَّذِي وَعَدْناهُمْ من العذاب فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) نحو ما ذكر يعنى لا تعجب فانا على تعذيبهم مقتدرون لا يفوتوننا نعذبهم متى شئنا و

[سورة الزخرف (43) : آية 43]

المراد به مشركوا مكة انتقم الله منهم يوم بدر وهذا قول اكثر المفسرين وقال الحسن وقتادة عنى به اهل الإسلام من امة محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نقمة شديدة فاكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم وذهب به ولم يره فى أمته الا الذي يقر عينه وأبقى النقمة بعده وروى ان النبي صلى الله عليه وسلم ارى ما يصيب أمته بعده فما رئى ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله- قلت لعل ذلك مقتل حسين عليه السلام وما فعل بعد ذلك بنوا امية وعن عبد الرحمان بن مسعود العبدى قال قرأ على بن ابى طالب هذه الاية فقال قد ذهب نبيه وبقيت نقمته فى عدوه. فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ من الوحى المتلو وغير المتلو فاحفظه واعمل به الفاء للسببية والجملة متصلة بقوله انّا جعلناه قرءانا عربيّا وبينهما معترضات إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) لا عوج له هذه الجملة فى مقام التعليل للامر بالاستمساك.. وَإِنَّهُ اى القران لَذِكْرٌ لَكَ اى شرف لك وَلِقَوْمِكَ قريش «1» الجملة حال من فاعل استمسك قال البغوي روى الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك لم يجب بشئ حتى نزلت هذه الاية وكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك قال لقريش- وكذا روى عن على

_ (1) وعن عدى بن حاتم قال كنت قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الا ان الله علم ما فى قلبى من حبى لقومى فشرف فيهم فقال وانّه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون فجعل الذكر والشرف لقومى فى كتابه ثم قال وانذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين فالحمد لله الذي جعل الصديق من قومى والشهيد من قومى والائمة من قومى- ان الله قلّب العباد ظهرا وبطنا فكان خير العرب قريشا وهى الشجر المباركة التي قال الله فى كتابه ومثل كلمة طيّبة كشجرة طيبة يعنى قريشا أصلها ثابت وفرعها فى السّماء يقول أصلها محرم وفرعها فى السماء اى الشرف الذي شرفهم الله بالإسلام الذي هداهم له وجعلهم اهله ثم انزل فيهم سورة من كتابه بمكة لايلاف قريش الى آخرها قال عدى بن حاتم ما رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عند قريش بخير قط الا سره حتى يتبين ذلك السرور للناس كلهم فى وجهه وكان كثيرا ما يتلو هذه الاية وانّه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون 12 منه برد الله تربته

[سورة الزخرف (43) : آية 45]

رضى الله عنه وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقي اثنان وعن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان هذا الأمر فى قريش لا يعاديهم أحد الا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين. وقال مجاهد القوم هم العرب والقران لهم شرف إذ نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالاخص عن العرب حتى يكون الأكثر لقريش ولبنى هاشم وقيل ذلك شرف لك بما اعطاك من الحكمة ولقومك المؤمنين بما هداهم الله وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44) يوم القيامة عن القران وعما يلزمكم من القيام بحقه جملة معترضة. وَسْئَلْ عطف على فاستمسك مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) قال البغوي اختلف العلماء فى هذا المسئولين قال عطاء عن ابن عباس رضى الله عنها انه لمّا اسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم بعث الله له آدم وولده من المرسلين فاذّن جبرئيل ثم اقام وقال يا محمد تقدم فصل بهم فلمّا فرغ من الصلاة قال جبرئيل سل يا محمد من أرسلنا قبلك من رّسلنا الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا اسئل قد اكتفيت- وهذا قول الزهري وسعيد بن جبير وابن زيد قالوا جمع له الرسل ليلة اسرى به ان يسئلهم فلم يشك ولم يسئل وقال اكثر المفسرين معناه واسئل امم من أرسلنا من قبلك وعلماء دينهم يعنى مومنى اهل الكتاب وهذا قول ابن عباس فى سائر الروايات ومجاهد وقتادة والضحاك والسدىّ والحسن والمقاتلين ويدل عليه قراءة ابن مسعود وأبيّ بن كعب وسئل الّذين أرسلنا إليهم قتلك من رّسلنا ومعنى الأمر بالسؤال التقرير لمشركى قريش انه لم يأت رسول ولا كتاب بعباده غير الله عزّ وجلّ-. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) يريد باقتصاصه تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقضة قولهم لولا نزّل على رجل من القريتين عظيم والاستشهاد بدعوة موسى الى التوحيد. فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا الدالة على رسالته منها العصا واليد البيضا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) استهزاء بها أول ما راوها بلا تأمل فيها لمّا ظرف مضاف

[سورة الزخرف (43) : آية 48]

الى جملة بعدها متعلقة بمعنى المفاجاة الذي هو عامل فى إذا يعنى لما جاءهم بايتنا فوجى وقت كونهم يضحكون وجملة فوجى عطف على قوله فقال انّى رسول ربّ العالمين. وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ من آيات العذاب كالستين والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس فانها كانت آيات على صدق موسى عليه السلام إِلَّا هِيَ اى الا اية هى أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها اى من قرينة التي كانت قبلها وجملة ما نريهم حال من ضمير منها والأظهر ان يقال ان كل واحدة منها كانت بالغة أقصى درجات الاعجاز بحيث يحسب الناظر الى كل واحدة منها انها اكبر من غيرها والمراد وصف الكل بالكبر كقولك رايت رجالا كل واحد منهم أفضل من غيره وكقول الشاعر- من تلق منهم فقد لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسرى بها الساري- او يقال بان كل واحد منها مختصة بنوع من الاعجاز مفضلة على غيرها بذلك الاعتبار وَأَخَذْناهُمْ يعنى ال فرعون بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) اى لكى يرجعوا عن كفرهم وجملة وأخذناهم عطف على ولقد أرسلنا. وَقالُوا يعنى قال فرعون وقومه لموسى يا أَيُّهَا السَّاحِرُ قرأ ابن عامر بضم الهاء فى ايّه وصلا والباقون بفتحها على الأصل وقرأ ابو عمر والكسائي «ويعقوب- ابو محمد» بالألف وقفا على الأصل والباقون ايّه بغير الف- اطمعوا موسى عليه السلام فى ايمانهم وعلقوا الاهتداء بهدايته على دعائه وكشف الضرّ عنهم ومع ذلك لم يسموه نبيّا وسموه ساحرا كما كانوا يسمونه قبل ذلك وذلك من شدة شكيمتهم على الكفر وفرط حماقتهم قال الزجاج دعوه بذلك الاسم لما تقدم له عندهم من التسمية وقيل انما قالوا هذا تعظيما وتوقيرا له لان السحر كان عندهم علما عظيما وصفة ممدوحة كانّهم قالوا يا ايها العالم الكامل الحاذق وهذا عندى غير سديد لانهم اتهموه بالسحر أول مرة حين أنكروا نبوته وقالوا انّ هذا لسحر مبين قال موسى أتقولون للحقّ لمّا جاءكم اسحر هذا ولا يفلح السّاحرون وقيل معناه يا ايها الذي غلبنا بسحره ادْعُ لَنا رَبَّكَ ان يكشف عنا العذاب بِما عَهِدَ عِنْدَكَ متعلق بادع اى بما اخبرتنا عن عهده إليك بكشف العذاب إذا دعوته إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49) ان كشف عنا العذاب هذه جملة مستأنفة فدعا موسى عليه السلام

[سورة الزخرف (43) : آية 50]

بكشف العذاب عنهم فكشف الله عنهم العذاب قال الله تعالى. فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ بدعاء موسى عليه السلام إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) فاجئوا نقض عهدهم بالايمان وأصروا على كفرهم حين كشفنا عنهم العذاب.. وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ فى مجمعهم وفيما بينهم بعد كشف العذاب عنهم مخافة ان يؤمن بعضهم قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ اى انهار النيل ومعظمها اربعة نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس عطف على ملك مصر تَجْرِي مِنْ تَحْتِي قرأ نافع وابو عمرو البزي «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها يعنى من تحت قصورى او تحت امرى او بين يدى فى البساتين حال وجاز ان يكون هذه مبتدا والأنهار صفة له وتجرى خبره والجملة حال أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) ذلك. أَمْ أَنَا خَيْرٌ بهذه المملكة والبسطة مِنْ هذَا يعنى موسى عليه السلام الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ضعيف حقير لا يستعد للرياسة من المهانة وهى القلة وَلا يَكادُ يُبِينُ (52) يفصح كلامه للثغة التي كانت فى لسانه عليه السلام بعد ما زالت معظمها بدعائه عليه السلام حين قال واحلل عقدة من لّسانى يفقهو قولى وأم منقطعة ومعنى الهمزة فيها للتقرير إذ قدم من اسباب فضيلته وقال البغوي أم بمعنى بل على قول اكثر المفسرين وقال الفراء الوقف على قوله أم وفيه إضمار تقديره أفلا تبصرون أم تبصرون وبعده كلام مبتدا فَأَم على هذا متصلة وقيل أم متصلة على اقامة المسبب مقام السبب فان قوله انا خير معناه تعلمون انا خير والعلم بكونه خيرا مسبب للتبصر فكانّه قال أفلا تبصرون أم تبصرون فتعلمون انى خير. فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ اى على موسى أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ الفاء للسببية فانّ طعن فرعون فى موسى عليه السلام بالحقارة كان سببا لتنديهم على فوات العز والجاه قرأ حفص ويعقوب اسورة جمع سوار والباقون اساورة جمع الجمع قيل أصله اساوير عوض التاء من الياء وقد قرئ به- قال مجاهد كانوا إذا سوّدوا رجلا سوروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته فقال فرعون فهلّا القى رب موسى على موسى اسورة من ذهب ان كان سيدا يجب علينا طاعة

[سورة الزخرف (43) : آية 54]

أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) متتابعين يتابع بعضهم بعضا يشهدون له بصدقه ويعينونه على امره-. فَاسْتَخَفَّ اى فرعون عطف على نادى قَوْمَهُ القبط اى وجدهم جهالا وقيل حملهم على الخفة والجهل يقال استخف رأيه إذا حمله على الجهل وازاله عن الصواب وقيل اى طلب منهم الخفة فى مطاوعته فَأَطاعُوهُ فيما أمرهم به من نقض العهد مع موسى عليه السلام إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (54) فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق. فَلَمَّا آسَفُونا اى أغضبونا بالإفراط فى العناد والعصيان يقال أسف فلان إذا اشتد غضبه الظرف متعلق بقوله انْتَقَمْنا مِنْهُمْ وهو معطوف على أطاعوه وعطف عليه قوله فَأَغْرَقْناهُمْ فى بحر النيل أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً قرأ حمزة والكسائي بضم السين واللام قال الفراء هو جمع سليف كرغف ورغيف من سلف يسلف بضم اللام فيهما اى تقدم او جمع سالف كصبر جمع صابر او جمع سلف كخشب والباقون بفتحهما مصدر نعت به او جمع سالف كخدم جمع خادم يعنى جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون وَمَثَلًا عبرة وعظة لِلْآخِرِينَ (56) وقيل سلفا لكفار هذه الامة الى النار ومثلا لمن بقي بعدهم وقيل مثلا للاخرين اى قصة عجيبة يسير مسير الأمثال لهم فيقال مثلكم مثل قوم فرعون والله اعلم- اخرج احمد بسند صحيح والطبراني عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش انه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير فقالوا الست تزعم ان عيسى كان نبيّا وعبدا صالحا وقد عبد من دون الله فانزل الله تعالى. وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا اى ضربه قريش مثلا واخرج ابن مردوية والضياء فى المختار عن ابن عباس قال جاء عبد الله بن الزبعرى الى النبي صلى الله عليه فقال يا محمد انك تزعم ان الله قد انزل إليك انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم أنتم لها واردون قال نعم قال قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير فكل هؤلاء فى النار مع الهتنا فنزلت انّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون ونزلت ولمّا ضرب ابن مريم مثلا

[سورة الزخرف (43) : آية 58]

الى قوله خصمون إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) قرأ اهل المدينة والشام والكسائي «وخلف- ابو محمد» يصدّون بضم الصاد اى يعرضون عنه ويكون لازما ومتعديا اى يعرضون عنه ويمتنعون او يمنعون الناس عنه والباقون بكسر الصاد وقيل معناه مثل معنى مضموم العين قال الكسائي هما لغتان مثل يعرشون بضم الراء وكسرها اى يصيحون كذا قال سعيد بن المسيب وقال الضحاك يتعجبون وقال قتادة يجزعون وقال القرطبي يضجرون- قال قتادة لمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون يقولون ما يريد منا محمد الا ان نعبده ونتخذه الها كما عبدت النصارى عيسى. وَقالُوا أَآلِهَتُنا قرأ الكوفيون «وروح ابو محمد» بتحقيق الهمزتين والف بعدهما والباقون بتسهيل الثانية وبعدهما الف ولم يدخل أحدهم الفا بين المحققة والمسهلة خَيْرٌ أَمْ هُوَ يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم فنعبده ونطيعه ونترك الهتنا وقال ابن زيد والسدىّ أم هو يعنون عيسى عليه السلام قالوا يزعم محمد ان كل من عبد من دون الله فى النار نرضى ان يكون الهتنا مع عيسى وعزير والملائكة فى النار ما ضَرَبُوهُ هذا المثل لَكَ إِلَّا جَدَلًا اى للجدل والخصومة بالباطل لا للتميز بين الحق والباطل لانهم قد علموا ان محمدا صلى الله عليه وسلم لا يريد عبادة نفسه او قد علموا ان قوله ما تعبدون من دون الله حصب جهنّم المراد منه الأصنام فان ما لغير ذوى العقول بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) شداد الخصومة حراص على اللجاج اعتادوا بالخصومة عن ابى امامة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا أوتوا الجدل ثم قرأ ما ضربوه لك الّا جدلا بل هم قوم خصمون- رواه البغوي وكذا روى احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم فى المستدرك-. إِنْ هُوَ اى عيسى إِلَّا عَبْدٌ لله ليس ابنه أَنْعَمْنا عَلَيْهِ بالنبوة والزلفى وَجَعَلْناهُ مَثَلًا اى امرا عجيبا كالمثل السائر واية وعبرة يعرفون به قدرة الله على ما يشاء حيث خلقه من غير اب لِبَنِي إِسْرائِيلَ (59) وَلَوْ نَشاءُ الى آخره

[سورة الزخرف (43) : آية 61]

جملة معترضة لبيان قدرة الله تعالى لَجَعَلْنا مِنْكُمْ اى لخلقنا منكم اى من الانس او المعنى لاهلكناكم وجعلنا بدلكم مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) اى يخلفونكم فى الأرض يعمرون الأرض ويعبدوننى ويطيعونى وقيل يخلف بعضهم بعضا يعنى ان حال عيسى وان كان عجيبا فنحن قادرون بما هو اعجب منه وان الملائكة مثلكم من حيث انها ذوات ممكنة يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها ابداعا فمن اين لها استحقاق الالوهية والانتساب الى الله تعالى. وَإِنَّهُ يعنى عيسى عليه السلام لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ اى نزوله من اشراط الساعة يعلم به قربها قرأ ابن عباس وابو هريرة وقتادة وانّه لعلم السّاعة بفتح العين واللام اى امارة وعلامة- عن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم- رواه الشيخان فى الصحيحين وعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال اطلع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال ما تذكرون قالوا نذكر الساعة قال انها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب واخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الى محشرهم- وفى رواية وفى العاشرة وريح تلقى الناس فى البحر- رواه مسلم وعن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فذكر حديثا طويلا فى قصته الى ان قال إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة بيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين واضعا كتفه على اجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ الحديث- رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده ليوشكن ان ينزل فيكم عيسى بن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتّى لا يقبل أحد حتى يكون السجدة الواحد خيرا من الدنيا وما فيها رواه الشيخان فى الصحيحين وأخرجه مسلم من حديثه ايضا لينزلنّ ابن مريم حكما عدلا فليكسرنّ

[سورة الزخرف (43) : آية 62]

الصليب وليقتلنّ الخنزير وليضعنّ الجزية وترك القلاص فلا يسعى عليها وليذهبنّ التباغض وليدعنّ الى المال فلا يقبله أحد- وروى مسلم من حديث جابر فيقول أميركم تعال صل لنا فيقول ان بعضكم على بعض أمراء مكرمة لهذه الامة وذكر البغوي فيأتى بيت المقدس والناس فى صلوة العصر فيتاخر الامام فيقدمه عيسى ويصلى على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى الا من أمن به- وقال الحسن وجماعة الضمير راجع الى القران يعنى ان القران لعلم للساعة يعلّم بقيامها ويخبركم باحوالها وأهوالها فَلا تَمْتَرُنَّ بِها الفاء للسببية يعنى لما كان عيسى سببا للعلم بقيام الساعة اى فلا تشكنّ فيها قال ابن عباس لا تكذبوا بها وَاتَّبِعُونِ قرأ ابو عمرو «وكذا ابو جعفر ويعقوب فى الحالين- ابو محمد» بالياء وصلا فقط والباقون بحذفها وصلا ووقفا يعنى اتبعوا هداى او شرعى او رسولى وقيل هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم امر ان يقوله تقديره وقل اتبعونى هذا الذي أدعوكم اليه صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) لا يضل سالكه تعليل لقوله اتبعونى. وَلا يَصُدَّنَّكُمُ اى لا يمنعكم الشَّيْطانُ عن متابعتى الجملة معطوفة على قوله اتّبعون إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62) ظاهر عداوته حيث أخرجكم عن الجنة وعرضكم على البلية ويصدكم عن اتباع الحق والوصول الى الجنة-. وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ اى بالمعجزات او بايات الإنجيل او بالشرائع الواضحات قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ اى بالعلوم الحقة الباء بمعنى مع او للتعدية وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ متعلق بمحذوف تقديره وجئتكم لا بين لكم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ وذلك ان اليهود صاروا بعد موسى عليه السلام احدى وسبعين فرقة باختلاف الأهواء فلمّا جاء عيسى عليه السلام صدهم عن العقائد الباطلة وهداهم الى الحق والصواب عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة- رواه أبوا داود والترمذي والنسائي وابن ماجة

[سورة الزخرف (43) : آية 64]

بسند صحيح قال الزجاج الذي جاء به عيسى فى الإنجيل انما هو بعض الذي اختلفوا فيه وبين لهم فى غير الإنجيل ما احتاجوا اليه فَاتَّقُوا اللَّهَ الفاء للسببية فان مجئ عيسى بالحكمة سبب للتقوى وَأَطِيعُونِ (63) فيما ابلّغه عنه. إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ دون غيره بيان لما أمرهم بالطاعة فيه وهو اعتقاد التوحيد والتعبد بالشرائع هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) اشارة الى مجموع الامرين وهذا تتمة كلام عيسى او استئناف من الله تعالى يدل على المقتضى للطاعة فى ذلك. فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ الفرق المتحزبة عطف على قال قد جئتكم مِنْ بَيْنِهِمْ اى بين قوم عيسى كما مرّ فى الحديث انهم تفرقوا الى اثنين وسبعين فرقة او من بين النصارى واليهود فَوَيْلٌ اى هلاك عظيم لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم باتباع الهوى ورفض ما نطق به الكتاب والسنة من المتحزبين مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) اى من نار جهنم الفاء للسببية فان اختلافهم سبب للويل والهلاك عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتين على أمتي كما اتى على بنى إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى ان من كان منهم من اتى امه علانية لكان من أمتي من يصنع ذلك وان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم فى النار إلا ملة واحدة قالوا من هى يا رسول الله قال ما انا عليه وأصحابي رواه الترمذي وفى رواية احمد وابى داود عن معاوية ثنتان وسبعون فى النار وواحدة فى الجنة وهى الجماعة. هَلْ يَنْظُرُونَ يعنى قريشا او الذين ظلموا يعنى لا ينتظرون شيئا إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بدل من الساعة اى إتيانها يعنى انها اتية لا محالة فكانّهم ينتظرون إتيانها بَغْتَةً فجاءة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) اى غافلون عنها لاشتغالهم بالدنيا وانكارهم لها والجملة حال من فاعل ينظرون او مفعول تأتيهم. الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المتحابين الْمُتَّقِينَ (67) روى البغوي عن على رضى الله عنه قال فى هذه الاية خليلان مؤمنان وخليلان كافران فمات أحد المؤمنين فقال يا رب ان فلانا

[سورة الزخرف (43) : آية 68]

كان يأمرنى بطاعتك وطاعة رسولك ويأمرنى بالخير وينهانى عن الشر ويخبرنى انى ملاقيك يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتنى وأكرمه كما أكرمتني فاذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول ليمنن أحدكما على صاحبه فيقول نعم الأخ ونعم الخليل ونعم الصاحب قال ويموت أحد الكافرين فيقول يا رب ان فلانا كان ينهانى عن طاعتك وطاعة رسولك ويأمرنى بالشر وينهانى عن الخير ويخبرنى انى غير ملاقيك فيقول بئس الأخ وبئس الخليل وبئس الصاحب- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يقول يوم القيامة اين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم فى ظلى يوم لا ظل الا ظلى- رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ان عبدين تحابا فى الله عزّ وجلّ واحد فى المشرق واخر فى المغرب لجمع الله بينهما يوم القيامة يقول هذا الذي كنت تحبه فىّ. رواه البيهقي فى شعب الايمان والله اعلم.. يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) هذه الجملة بتقدير القول مستأنفة اخرى تقديره يقول الله للمتحابين المتقين يومئذ يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون روى البخاري عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال سمعت ان الناس حين يبعثون ليس منهم أحد الا فزع فنادى مناديا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون فيرجوا الناس فيتبعها. الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا صفة للمنادى وَكانُوا مُسْلِمِينَ (69) حال من فاعل أمنوا اى الذين أمنوا مخلصين غير ان هذه العبارة أكد فيئس الناس كلهم منها غير المسلمين. ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ اى نساؤكم المؤمنات تُحْبَرُونَ (70) اى تسرون سرورا يظهر حباره اى اثره على وجوهكم او تزيّنون من الحبر وهو حسن الهيئة او تكرمون إكراما بليغا والحبرة فيما وصف يحمل- وهذه الجملة ايضا خطاب للمنادى أنتم مبتدا وأزواجكم معطوف عليه وتحبرون خبره وجاز ان يكون أنتم تأكيدا............... .. للضمير المستتر فى ادخلوا وأزواجكم معطوف على الضمير المستتر وجملة تحبرون حال منه.

[سورة الزخرف (43) : آية 71]

يُطافُ عَلَيْهِمْ اى يطوف عليهم ولدان مخلّدون بِصِحافٍ جمع صحفة وهى القصاع الواسعة مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ جمع كوب وهو اناء مستدير مدور الرأس لا عرى به الجملة مستأنفة اخرى وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة وَفِيها اى فى الجنة عطف على يطاف ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ قرأ اهل المدينة والشام وحفص هكذا وكذا هو فى مصاحفهم والباقون تشتهى بحذف ضمير المفعول وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ اى لكل واحد منهم ما تشتهيه نفسه فالصوفى الذي مشتهاه الوصل العريان بلا كيف ودوام رؤية الله سبحانه فله ذلك واما غيره فله من نعماء الجنة ما يشتهيه روى البغوي عن عبد الرحمان بن سابط قال قال رجل يا رسول الله أفى الجنة خيل فانى أحب الخيل فقال ان يدخلك الله الجنة فلا تشاء تركب فرسا من ياقوتة حمراء فتطير فى اىّ جنة شئت ولا فعلت قال أعرابي يا رسول الله أفى الجنة ابل فانى أحب الإبل فقال يا أعرابي ان يدخلك الله الجنة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك- وروى الترمذي والبيهقي عن بردة نحوه واخرج الطبراني والبيهقي بسند جيد عن عبد الرحمان بن ساعدة والترمذي عن ابى أيوب الفصل الاول اعنى ذكر الخيل وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (71) فيه التفات من الغيبة الى الخطاب. وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) الجنة خبر للمبتدا والموصول صفة لها او الجنة صفة للمبتدا والموصول خبره والجملة حال من فاعل ادخلوا اخرج ابن ابى حاتم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من اهل النار يرى به منزلته من الجنة حسرة فيقول لو انّ الله هدانى لكنت من المتّقين وكل من اهل الجنة يرى منزلته من النار فيقول وما كنّا لنهتدى لولا ان هدانا الله يقول شكرا- قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد الا وله منزل فى الجنة ومنزل فى النار والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة فذلك قوله تعالى وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (73) الجملة الظرفية حال اخرج البزار والطبراني عن ثوبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا ينزع رجل من اهل الجنة من ثمرها

[سورة الزخرف (43) : آية 74]

الا أعيد فى مكانها مثلها- اخرج البزار عن ابى موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله تبارك وتعالى لمّا اخرج آدم من الجنة زوّده من ثمار الجنة وعلمه صفة كل شىء فثماركم لهذه من ثمار الجنة غير ان هذه تتغير وتلك لا تتغير- واخرج ابن ابى الدنيا عن ابن مسعود انه كان بالشام فذكروا الجنة فقال ان العنقود من عنا قيدها من هاهنا الى صنعاء واخرج ابن ابى الدنيا عن ابن عباس قال ان الثمرة من ثمار الجنة طولها اثنى عشر ذراعا ليس لها عجم-. إِنَّ الْمُجْرِمِينَ اى الكاملين فى الاجرام وهم الكافرون لانهم جعلوا قسيما للمؤمنين فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (73) هذه الجملة وما بعده مستأنفتان. لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ اى لا يخفف عنهم من فترت عنه الحمى إذا سكنت قليلا وَهُمْ فِيهِ اى فى العذاب مُبْلِسُونَ (75) اى آيسون من النجاة. وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنادَوْا عطف على خبران يا مالِكُ اسم لخازن النار لِيَقْضِ عَلَيْنا اى ليمتنا رَبُّكَ فنستريح قالَ الله تعالى او قال مالك بعد الف سنة إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (77) مقيمون فى العذاب لاخلاص لكم بموت ولا غيره اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن عباس فى هذه الاية قال يمكث عنهم الف سنة ثم يجيبهم انّكم مكثون واخرج هناد والطبراني وابن ابى حاتم والحاكم وصححه والبيهقي وعبد الله بن احمد فى زوائد الزهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ان اهل النار ينادون مالكا يا ملك ليقض علينا ربّك فيذرهم أربعين عاما لا يجيبهم ثم يرد عليهم انّكم ماكثون ثم ينادون ربهم ربّنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قوما ضالّين ربّنا أخرجنا منها فان عدنا فانّا ظلمون فيذرهم مثل الدنيا مرتين لا يجيبهم ثم يجيبهم اخسئوا فيها ولا تكلّمون قال فما يتكلم القوم بعدها بكلمة وما هو الا الزفير والشهيق- واخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن محمد بن كعب انه قال لاهل النار خمس دعوات يجيبهم الله فى اربعة فاذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها ابدا يقولون ربّنا امتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين

[سورة الزخرف (43) : آية 78]

فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل فيجيبهم ذلكم بانّه إذا دعى الله وحده كفرتم وان يّشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلىّ الكبير- ثم يقولون ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا انّا موقنون فيجيبهم الله فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا انّا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون- ثم يقولون ربّنا اخّرنا الى أجل قريب نجب دعوتك ونتّبع الرّسل فيجيبهم او لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال- ثم يقولون ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الّذى كنّا نعمل فيجيبهم الله او لم نعمّركم ما يتّذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النّذير فذوقوا فما للظّالمين من نّصير ثم يقولون ربّنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قوما ضالّين فيجيبهم الله اخسئوا فيها ولا تكلّمون فلا يتكلمون بعدها-. لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ بالإرسال والانزال وهذا تتمة الجواب ان كان فى قال ضمير الله والا فجواب عنه فكانّه تعالى تولّى جوابهم بعد جواب الملائكة وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (78) لما فى اتباعه خلاف النفس. أَمْ أَبْرَمُوا أم منقطعة بمعنى الهمزة للانكار والاضراب عن كراهة الحق والترقي فيه يعنى بل أحكموا أَمْراً مكرا برسول الله صلى الله عليه وسلم او امرا فى تكذيب الحق ورده ولم تقتصروا على كراهيته فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) محكمون امرا فى مجازاتهم- اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها قرشيان وثقفى او ثقفيان وقرشى فقال واحد منهم ترون الله يسمع كلامنا فقال الاخر إذا جهرتم سمع وإذا أسررتم لم يسمع فنزلت. أَمْ يَحْسَبُونَ أم منقطعة للانكار والاضراب يعنى بل أيحسبون أَنَّا لا نَسْمَعُ سرّهم اى حديث نفسهم بذلك وَنَجْواهُمْ اى تناجيهم بَلى نسمعها وَرُسُلُنا اى الملائكة الحفظة ايضا لَدَيْهِمْ ملازمون يَكْتُبُونَ (80) ذلك. قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ قرأ حمزة والكسائي بضم الواو وسكون الدال فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (81) منكم فان النبي اعلم بالله وبما يصح له وبما لا يصح

[سورة الزخرف (43) : آية 82]

واولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه ومن يعظم الوالد يعظم ولده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بضعة منى يريبنى ما أرابها- وفى رواية فمن أغضبها أغضبني- رواه البخاري عن مسور ولا يلزم من ذلك جواز البنوة لله سبحانه وعبادته له إذ المحال قد يستلزم المحال بل المراد نفيهما على ابلغ الوجوه كقوله تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا غير ان لو مشعرة بانتفاء الطرفين وان لا يشعر به ولا بنقيضه فانها لمجرد الشرط- والمقصود ان إنكاره صلى الله عليه وسلم للولد ليس لعناد بل لو كان لكان اولى الناس بالاعتراف به كذا قال السدىّ وقيل معناه ان كان لله ولد فى زعمكم فانا أول العابدين لله الموحدين له من اهل مكة يعنى لست قائلا كما زعمتم- وقيل العابدين بمعنى الآنفين اى الجاهدين المنكرين لما زعمتم وقيل معناه انا أول من غضب للرحمان ان يقال له ولد فى القاموس عبد بالتحريك الغضب والحرب الشديد والندامة وملامة النفس والحرص والإنكار عبد كفرح فى الكل والمناسب فى المقام الغضب والإنكار قال البغوي وروى عن ابن عباس ان كان بمعنى ما كان للرّحمن ولد فانا اوّل العابدين الشاهدين بذلك يعنى ان نافية ليست بشرطية. سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) من كونه ذا ولد فان هذه الأجسام لطول بقائها براء عما يتصف به سائر الأجسام من توليد المثل فما ظنك بمبدعهما وخالقهما. فَذَرْهُمْ يا محمد يَخُوضُوا فى باطلهم مجزوم فى جواب الأمر وَيَلْعَبُوا فى دنياهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) فيه العذاب يعنى يوم القيامة وهو دليل على ان قولهم جهل واتباع هوى وانهم مطبوع على قلوبهم يعذبون فى الاخرة-. وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ قال قتادة يعنى يعبد فى السماء والأرض لا اله غيره اى لا مستحق لان يعبد فيهما غيره والظرف متعلق به لانه بمعنى المعبود او متضمن لمعناه كقولك هو حاتم فى البلد

[سورة الزخرف (43) : آية 85]

وَهُوَ الْحَكِيمُ فى تدبير خلقه الْعَلِيمُ (84) بمصالحهم هذا بمنزلة الدليل على استحقاقه العبادة وهذه جملة معترضة مؤكدة لما سبق وكذا ما عطف عليه. وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما من كائنات الجو وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ اى العلم بوقت قيامها وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) للجزاء قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «ورويس وخلف- ابو محمد» بالياء التحتية على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب. وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ اى يدعونه الكفار وهم الأصنام مِنْ دُونِهِ اى دون الله الشَّفاعَةَ كما زعموا انهم شفعاء عند الله إِلَّا مَنْ شَهِدَ منهم بِالْحَقِّ اى يقول لا اله الا الله استثناء منقطع وجاز ان يكون متصلا والمراد بهم الملائكة فانهم كانوا يعبدون الملائكة ايضا ويقولون انها بنات الله وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) اى يعتقدون بقلوبهم ما يشهد به ألسنتهم. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ اى الكفار العابدين لغير الله مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لتعذر اسناد الخلق الى الجمادات فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) يعنى إذا اعترفوا بان الله خالقهم لا غير فاين يصرفون عن عبادته الى غيره. وَقِيلِهِ قرأ عاصم وحمزة بالجر وكسر الهاء عطفا على الساعة يعنى عنده علم الساعة وعلم قوله والباقون بالنصب وضم الهاء عطفا على سرّهم او على محل الساعة او بإضمار فعله يعنى قال محمد صلى الله عليه وسلم شاكيا الى ربه قيله يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ يعنى كفار مكة قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ اى فاعرض عن دعوتهم آيسا عن ايمانهم وَقُلْ سَلامٌ يعنى بيننا وبينكم متاركة تسلمون منا ونسلم منكم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) جزاء عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم تسلّية لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ اهل المدينة والشام بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة قال مقاتل نسختها اية السيف تم تفسير سورة الزخرف من التفسير المظهرى (ويتلوه ان شاء الله تعالى تفسير سورة الدخان) يوم الأربعاء الرابع والعشرين من الربيع الاول سنة ثمان بعد الف سنة 1208 هـ- ومائتين الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.

سورة الدخان

سورة الدّخان مكّيّة وهى تسع وخمسون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) المظهر للحلال والحرام اى القران والواو للعطف ان كان حم مقسما به والا فللقسم والجواب قوله. إِنَّا أَنْزَلْناهُ يعنى القران فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ لما فيها نزول القرآن السبب للمنافع الدينية والدنيوية وفيها نزول الملائكة والرحمة واجابة الدعاء وهى ليلة القدر كذا قال قتادة وابن زيد قالا انزل الله القران فى ليلة القدر من أم الكتاب الى السماء الدنيا ثم نزل به جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما فى عشرين سنة- وما قيل انها ليلة النصف من شعبان فليس بشئ لقوله تعالى شهر رمضان الّذى انزل فيه القران وقوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وما روى عن القاسم بن محمد عن أبيه او عمه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ينزل الله جلّ ثناؤه ليلة النصف من شعبان الى السماء الدنيا فيغفر لكل نفس الا إنسانا فى قلبه شحناء او مشركا بالله- رواه البغوي لا يدل على نزول القران فى تلك الليلة إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) الناس عن عذاب الله فى القران جملة مستأنفة او بدل اشتمال من قوله انّا أنزلناه-. فِيها يُفْرَقُ اى يفعل او يقضى كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) اى محكم او متلبس بالحكمة او اسناده مجازى يعنى حكيم صاحبه جملة مستأنفة او صفة ثانية لليلة وفيه تنبيه على ان

[سورة الدخان (44) : آية 5]

كونها مفرق الأمور المحكمة يستدعى ان ينزل فيه القران الذي هو من عظمائها قال البغوي قال ابن عباس يكتب من أم الكتب فى ليلة القدر ما هو كائن فى السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحجاج يحج فلان ويحج فلان وقال الحسن ومجاهد وقتادة يبرم فى ليلة القدر فى شهر رمضان كل أجل وعمل وخلق ورزق وما يكون فى تلك السنة وقال عكرمة هى ليلة النصف من شعبان ببرم فيه امر السنة وينسخ الاحياء من الأموات فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد روى البغوي عن محمد بن الميسرة بن الأخفش ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقطع الآجال من شعبان الى شعبان حتى ان الرجل لينكح ويولد له ولقد اخرج اسمه فى الموتى- وروى ابو الضحى عن ابن عباس ان الله يقضى الا قضية فى ليلة النصف من شعبان ويسلمها الى أربابها فى ليلة القدر. أَمْراً مِنْ عِنْدِنا اى اعنى بهذا الأمر امرا حاصلا من عندنا على مقتضى حكمتنا وهو مزيد تفخيم الأمر ويجوز ان يكون حالا من كلّ امر او من الضمير المستكن فى حكيم وجاز ان يكون مفعولا به ليفرق بدلا من كل امر وجاز ان يكون المراد بالأمر طلب الفعل على سبيل الاستعلاء وقع مصدرا ليفرق او لفعله مضمرا من حيث ان الفرق به او حالا من احدى ضميرى أنزلناه يعنى أمرين او مأمورا به إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) محمدا صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الرسل بدل اشتمال لقوله انّا كنّا منذرين اى انا أنزلنا القران لان من عادتنا الانذار وإرسال الرسل بالكتب الى العباد. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ مفعول له للارسال او لتفريق كل امر حكيم او مفعول به لمرسلين قال ابن عباس رأفة منى بخلقي ونقمة عليهم بما بعثنا عليهم من الرسل ووضع المظهر موضع الضمير للاشعار بان الرّبوبية اقتضت ذلك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) اى يسمع اقوال العباد ويعلم أحوالهم وهو وما بعده تحقيق لربوبيته فانها لا تحق الا لمن له هذه الصفات. رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما قرأ اهل الكوفة ربّ بالجر على انه بدل من قول ربّك والباقون بالرفع على انه خبر اخر لان او صفة للسّميع العليم او خبر مبتدا محذوف اى هو إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) شرط حذفت جزاؤه يعنى ان كنتم من اهل الإيقان فى العلوم او ان كنتم موقنين فى

[سورة الدخان (44) : آية 8]

إقراركم إذا سئلتم من خلقها فقلتم الله علمتم ان الأمر كما قلنا او ان كنتم مريدين اليقين فايقنوا ذلك او ان كنتم موقنين بان الله رب السماوات والأرض فايقنوا ان محمدا رسول الله. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اى لا يستحق العبادة غيره إذ لا خالق سواه جملة مقررة لقوله رب السّموت والأرض او خبر اخر لان يُحْيِي وَيُمِيتُ كما تشاهدون خبر اخر لان او حال من هو رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) خبر اخر لان او بدل من هو. بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ من البعث او من القران إضراب من الإيقان يَلْعَبُونَ (9) حال من الضمير فى الظرف اى يلهون بالقران ويستهزءون بك يا محمد فيه التفات من الخطاب الى الغيبة-. فَارْتَقِبْ يا محمد الفاء للسببية يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) . يَغْشَى النَّاسَ يوم مفعول به لارتقب واختلفوا فى هذا الدخان قال ابن عباس وابن عمر والحسن رضى الله عنهم انه من اشراط الساعة اخرج ابن جرير والثعلبي والبغوي من حديث حذيفة يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم أول الآيات الدخان ونزول عيسى بن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس الى المحشر تقيل معهم إذا قالوا قال حذيفة يا رسول الله ما الدخان فتلا هذه الاية يوم تأتي السّماء بدخان مبين يملاها بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة فامّا المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة واما الكافر كمنزلة السكران تخرج من منخره واذنيه ودبره- واخرج الطبراني بسند جيد عن ابى مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ربكم أنذركم ثلاثا الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل سمع فيه والدابة والثالث الدجال- له شواهد قوله هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ مقدر بالقول وقع حالا وقوله إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) وعد منهم بالايمان ان كشف عنهم العذاب تقديره يقول الكافرون من الناس هذا القول. أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى اى من اين لهم التذكر والاتعاظ بهذه الحالة الاستفهام للانكار والجملة مستأنفة قول من الله تعالى فى جواب هل يتذكرون وَقَدْ جاءَهُمْ يعنى والحال انه قد جاء

[سورة الدخان (44) : آية 14]

أمثالهم قبل ذلك رَسُولٌ عظيم الشأن ظاهر البرهان مُبِينٌ (13) يظهر لهم ما هو أعظم منها فى إيجاب الادكار من الآيات والمعجزات. ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) يعنى قال بعضهم هو معلّم علمه بشر وهو غلام أعجمي لبعض ثقيف وقال بعضهم هو مجنون. إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ بقدر أربعين يوما جواب لقولهم ربّنا اكشف عنّا العذاب انّا مؤمنون قَلِيلًا اى كشفا قليلا او زمانا قليلا وهو ما بقي من أعمارهم او ما بقي من عمر الدنيا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) الى الكفر تعليل لقلة زمان الكشف-. يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى الى يوم القيامة ظرف لما دلّ عليه قوله إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) لا لمنتقمون لان انّ يحجز عنه وأنكر ابن مسعود هذا التفسير روى البغوي عن ابى الضحى عن مسروق قال بينما رجل يحدث فى كندة فقال يجئ دخان يوم القيامة فيأخذ باسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين كهيئة الزكام ففزعنا فاتيت ابن مسعود وكان متكيا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله اعلم فان من العلم ان يقول لما لا يعلم الله اعلم- فان الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما اسئلكم عليه من اجر وما انا من المتكلّفين وان قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اعنى عليهم بسبع كسبع يوسف فاخذتهم سنة حتى اهلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان فجاءه ابو سفيان فقال يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وان قومك قد هلكوا فادع الله فقرأ فارتقب يوم تأتي السّماء بدخان مبين الى قوله انّا كاشفوا العذاب قليلا حتى استسقى لهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم عادوا الى الكفر كما قال الله تعالى انّكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى اى يوم بدر انّا منتقمون- واخرج البغوي عن ابن مسعود قال خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان- وروى البخاري فى الصحيح عن ابن مسعود قال ان قريشا لما استقصوا على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسنى يوسف فاصابهم قحط حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر الى السماء

[سورة الدخان (44) : آية 17]

فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد فانزل الله فارتقب يوم تأتى السّماء بدخان مبين فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله استسق لمصر فانها قد هلكت فاستسقى فسقوا فنزلت انّا كاشفوا العذاب قليلا انّكم عائدون فلمّا أصابتهم الرفاهية عادوا الى ما كانوا فانزل الله يوم نبطش البطشة الكبرى انّا منتقمون يعنى يوم بدر. وَلَقَدْ فَتَنَّا اى امتحنّا وبلونا جواب قسم محذوف قَبْلَهُمْ اى قبل كفار مكة قَوْمَ فِرْعَوْنَ معه وَجاءَهُمْ رَسُولٌ عظيم الشأن عطف او حال كَرِيمٌ (17) على الله او على المؤمنين او فى نفسه لشرف نسبه وفضل حسبه وهو موسى عليه السلام. أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ ان مصدرية اى بان أدوا الىّ بنى إسرائيل وأرسلوهم معى واطلقوهم ولا تعذبوهم او بان أدوا الىّ حق الله من الايمان وقبول الدعوة يا عباد الله والمراد بعباد الله فرعون وقومه- وجاز ان يكون ان مفسرة لان مجئ الرسول يكون برسالة ودعوة ففيه معنى القول او مخففة من الثقيلة إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ من الله أَمِينٌ (18) على وحيه او غير متهم لدلالة المعجزات على صدقى والجملة تعليل لادوا. وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ عطف على ادّوا اى لا ترفعوا علىّ بالامتهانة وترك الطاعة وان كالاولى فى وجوهها إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو «ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (19) اى برهان بين على صدقى الجملة علة للنهى ولذكر الامين مع الأداء وتعلّي مع السلطان مناسبة بينة فلما قال ذلك توعدوه بالرجم فقال. وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) اى من ان ترجمونى قرأ ورش «ويعقوب فى الجالين- ابو محمد» بالياء وصلا فقط والباقون بحذفها فى الحالين قال قتادة ان تقتلونى بالرجم وقال ابن عباس تشتمونى وتقولوا ساحر والظاهر هو الاول لان موسى عليه السلام لو استعاذ من؟؟؟ لما شتموه وقد قالوا هذا سحر مبين. وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي قرأ ورش بفتح الياء والباقون بإسكانها اى ان لم تصدقونى فَاعْتَزِلُونِ (21) قرأ ورش بالياء «فصلا فقط ويعقوب فى الحالين- ابو محمد» والباقون بحذفها اى فكونوا بمعزل منى لا علىّ ولا لى ولا تتعرّضوا لى بسوء. فَدَعا رَبَّهُ بعد ما كذبوه ولم يتركوه وآذوه أَنَّ هؤُلاءِ

[سورة الدخان (44) : آية 23]

قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) اى مشركون تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه به ولذلك سمى دعاء.. فَأَسْرِ الفاء جزائية والجملة مقدرة بالقول يعنى فاجاب الله وقال ان كان الأمر كذلك فاسر قرأ نافع وابن كثير «وابو جعفر- ابو محمد» بوصل الهمزة من سرى يسرى والباقون بهمزة القطع من الاسراء بِعِبادِي اى المؤمنين وهم بنو إسرائيل لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) يتبعكم فرعون وقومه إذا علموا بخروجكم جملة مستأنفة. وَاتْرُكِ الْبَحْرَ إذا خرجت عنه وأصحابك رَهْواً حال من البحر اى مفتوحا ذا فجوة واسعة او ساكنا على هيئته ولا تضربه بعصاك حتى يلتئم قال قتادة لمّا قطع موسى البحر عطف ليضرب البحر بعصاه حتى يلتئم وخاف ان يتبعه فرعون وجنوده فقيل له اترك البحر رهوا كما هو قيل رهوا مصدر بمعنى الفاعل إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) الجملة مستأنفة فى مقام التعليل. كَمْ تَرَكُوا اى تركوا كثيرا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (26) اى محافل مزينة ومنازل حسنة. وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (27) اى متنعمين جملة كم تركوا معترضة. كَذلِكَ قال الكلبي معناه كذلك افعل بمن عصانى وقيل معناه الأمر كذلك وَأَوْرَثْناها عطف على المقدر تقديره سلبناها منهم وأورثناها قَوْماً آخَرِينَ (28) اى بنى إسرائيل او عطف على تركوا. فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ عطف على مضمون الكلام السابق اى أهلكوا كفارا فما بكت وهذا مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم وعدم الاعتداد بوجودهم كقولهم فى نقيض ذلك بكت عليهم السماء وكسفت عليهم الشمس وقيل هو على الحقيقة وذلك بخلاف المؤمن إذا مات تبكى عليه السماء والأرض روى الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد الا وله فى السماء بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فاذا مات فقداه وبكيا عليه- وروى- ابن جرير والبيهقي فى شعب الايمان عن ابن عباس انه سئل عن قوله تعالى فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ قال نعم انه ليس أحد من الخلائق الا له باب فى السماء ينزل منه رزقه

[سورة الدخان (44) : آية 30]

ويصعد فيه عمله فاذا مات المؤمن فاغلق بابه من السماء فقد بكى عليه وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلى فيها ويذكر الله فيها بكى عليه. واخرج البغوي وابو يعلى وابن ابى حاتم عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وحديث ابن عباس رواه الترمذي وفى آخره وتلا فما بكت عليهم السّماء والأرض- اخرج ابن جرير عن شريح بن عيينة الحضرمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات مؤمن غربة غابت عنه فيها مواكبه الا بكت عليه السماء والأرض ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بكت عليهم السّماء والأرض ثم قال انهما لا يبكيان على كافر وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (29) ممهلين الى وقت اخر عطف على هلكوا-. وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) يعنى قتل الأبناء واستبقاء النساء واستعباد الرجال واستعمالهم فى الأعمال الشاقة. مِنْ فِرْعَوْنَ بدل اشتمال من العذاب او جعله عذابا لافراطه فى التعذيب على المجاز او على حذف المضاف اى من عذاب فرعون فهو بدل الكل او حال من العذاب اى واقعا من جهتيه او خبر مبتدا محذوف اى هو إِنَّهُ كانَ عالِياً اى متكبرا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) فى العتو والشرارة وهو خبر ثان اى كان متكبرا مسرفا او حال من الضمير فى عاليا اى كان رفيع الطبقة من بينهم والجملة معترضة او مستأنفة. وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ يعنى موسى وبنى إسرائيل عَلى عِلْمٍ حال اى عالمين بانهم أحقاء بذلك او اخترنا بنى إسرائيل على علم منّا بانهم يزيغون فى بعض الأحوال عَلَى الْعالَمِينَ (32) اى على عالمى زمانهم. وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) قال قتادة نعمة بينة وقال ابن زيد ابتلاؤهم بالرخاء والشدة وقرا ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنة. إِنَّ هؤُلاءِ يعنى كفار قريش إذ الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة الدلالة على انهم مثلهم فى الإصرار على الضلالة والانذار عن مثل ما حل بهم لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى يعنى ما العاقبة ونهاية الأمر الا الموتة الاولى المزيلة

[سورة الدخان (44) : آية 36]

للحيوة الدنيوية ولا قصد فيه الى اثبات موتة ثانية كما فى قولك حج زيد الحجة الاولى ومات وقيل لمّا قيل لهم انكم تموتون موتة تعقبها حيوة كما تقدمتكم موتة كذلك قالوا ان هى اى الموتة التي تعقبها الحيوة الا الموتة الاولى دون الثانية وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) اى مبعوثين بعد الموت. فَأْتُوا بِآبائِنا الذين ماتوا خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين جزاء شرط محذوف اى ان كان البعث بعد الموت ممكنا فاتوا بآبائنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36) فى انا نبعث بعد الموت شرط مستغن عن الجزاء بما مضى. أَهُمْ خَيْرٌ فى القوة والشوكة والكثرة من قوم تبّع أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ خير منهم استفهام انكار وتقرير يعنى لستموا خيرا من قوم تبع وقوم تبع كانوا خيرا منهم. وتبع اسم رجل سمى تبع لكثرة اتباعه قيل كانت التبايعة رجالا كل واحد سمى تبعا لانه يتبع صاحبه- ذكر محمد بن إسحاق وغيره عن ابن عباس وغيره قالوا كان اخر التبايعة هو اسعد ابو كرب بن مليك ذكر البغوي قصته فى تفسير هذه الاية وذكرت القصة فى تفسير سورة ق لانى قد سبق منى تفسير تلك السورة- ذم الله تعالى قومه ولم يذمه لانه قد اسلم وكذّبه قومه وقال محمد بن إسحاق فى المبتدا وابن هشام فى التيحان ان بيت ابى أيوب الذي نزل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة المدينة بناه تبع الاول اسمه تبان بن سعد وذكرت قصته فى سورة الجمعة والله اعلم وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم الكافرة كعاد وثمود ونحوهم عطف على قوله قوم تبّع أَهْلَكْناهُمْ استئناف او حال بإضمار قد او خبر للموصول ان استؤنف به إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (37) اى مشركين تعليل وبيان للجامع المقتضى للاهلاك.. وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما اى بين الجنسين لاعِبِينَ (38) اى لاهين فاعلين فعلا عبثا باطلا والجملة ما خلقنا السّماوات إلخ حال من مضمون الكلام السابق المتضمن لانكار البعث تقديره أنكروا البعث والحال انه ما خلقنا السّماوات والأرض وما بينهما لاعبين بل خلقنا هما للاستدلال بهما على وجودنا وصفات كما لنا والابتلاء. ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ اى لاظهار الحق

[سورة الدخان (44) : آية 40]

من التوحيد ووجوب الطاعة لنثيب المطيع ونعذب العاصي هذه الجملة تأكيد ومقرر لما سبق وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39) انها خلقت للاستدلال والابتلاء لقلة نظرهم وانهماكهم فى الدنيا. إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ اى يوم القيامة الذي يفصل فيها الحق من الباطل والمحق من المبطل بالجزاء مِيقاتُهُمْ اى ميقات حشرهم وجزائهم أَجْمَعِينَ (40) هذه الجملة مقررة لما سبق من ان خلقها للاستدلال والابتلاء. يَوْمَ لا يُغْنِي بدل من يوم الفصل او ظرف لما دلّ عليه الفصل لانه للفصل اى يوم لا ينفع مَوْلًى من قرابة او غيره عَنْ مَوْلًى اىّ مولى كان شَيْئاً من الإغناء بجلب منفعة او دفع مضرة وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) اى يمنعون من العذاب والضمير لمولى الاول باعتبار المعنى لانه عام. إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ بالعفو وقبول الشفاعة وهم المؤمنون فانه يشفع بعضهم لبعض ويؤذن لهم فى الشفاعة ومحل المستثنى الرفع على البدل من المستتر فى ينصرون او النصب على الاستثناء إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا يستطيع واحد ان ينصر من أراد تعذيبه الرَّحِيمُ (42) اخرج سعيد بن منصور عن ابى مالك قال ان أبا جهل كان يأتى بالتمر والزبد فيقول تزقموا فهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد فنزلت. إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) . طَعامُ الْأَثِيمِ (44) اى كثير الإثم وهو الكافر هذه الجملة الى آخرها وما بعدها وهو قوله انّ المتّقين الى آخرها بيان لما سبق من ذكر الفصل والفرق بين المحق والمبطل. كَالْمُهْلِ خبر اخر لانّ وهو ما يذوب فى النار من المعدنيات وقيل دردى الزيت الأسود كذا فى القاموس يَغْلِي خبر اخر لان قرأ ابن كثير «ورويش- ابو محمد» وحفص بالياء التحتية على ان الضمير للطعام او الزقوم لا للمهل إذ الجملة حال من أحدهما والباقون بالتاء الفوقانية على ان الضمير للشجرة فِي الْبُطُونِ (45) اى بطون الكفار. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) اى غليانا مثل غليانه روى البغوي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايها الناس اتقوا الله حق تقاته فلو ان قطرة من الزقوم قطرت على

[سورة الدخان (44) : آية 47]

الأرض لامرت على اهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن هو طعامه ليس له طعام غيره واخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن ابى حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقي نحوه واخرج عبد الله بن احمد فى زوائد الزهد وابو نعيم عن ابى عمرو الخولاني فى هذه الاية قال بلغنا ان ابن آدم لا تنهش منها نهشة الا نهشت منه مثلها. خُذُوهُ اى يقال للزبانية خذوه اى الأثيم وجملة يقال خبر اخر لان فَاعْتِلُوهُ قرأ اهل الكوفة وابو جعفر وابو عمرو بكسر التاء والباقون بضمها وهما لغتان اى ادفعوه قهرا والعتل الاخذ بجامع الشيء وجرّه بقهر إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47) اى وسطه. ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48) كان أصله صبّوا فوق رأسه الحميم فقيل صبّوا فوق رأسه عذابا هو الحميم للمبالغة أضيف العذاب الى الحميم للتخفيف وزيدت من للدلالة على ان المصبوب بعض هذا النوع. ذُقْ تقديره قائلين ذق هذا العذاب إِنَّكَ قرأ الكسائي بفتح الهمزة اى لانك والباقون بكسرها على الابتداء أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) فى زعمك قال البغوي قال مقاتل ان خازن النار يضرب على رأسه فينقب رأسه عن دماغه فيصبّ فيه ماء حميما قد انتهى حرّه ثم يقال ذق انّك أنت العزيز الكريم وذلك ان أبا جهل كان يقول انا أعزّ اهل الوادي وأكرمهم ويقول هذا خزنة النار على طريق الاستخفاف والتوبيخ واخرج الأموي فى مغازيه عن عكرمة قال لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل فقال ان الله أمرني ان أقول لك اولى لك فاولى قال فنزع ثوبه من يده وقال ما يستطيع لى أنت ولا صاحبك من شىء لقد علمت انى امنع اهل البطحاء وانا العزيز الكريم فقتله الله يوم بدر واذله وعيره بكلمته وانزل ذق انّك أنت العزيز الكريم- واخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. إِنَّ هذا العذاب ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) اى تشكون وتمارون فيه.. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ قرأ اهل المدينة والشام بضم الميم على انه مصدر ميمى اى فى اقامة والباقون بفتح الميم اى موضع اقامة أَمِينٍ (51) يأمن فيه صاحبه عن

[سورة الدخان (44) : آية 52]

الآفات والانتقال. جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) بدل من مقام جئ به للدلالة على نزاهته واشتماله على ما يستلذ به من المآكل والمشارب. يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ خبر ثان او حال من الضمير فى الجار والمجرور او استئناف السّندس مارق من الحرير والإستبرق ما غلظ منه اخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا عن كعب قال لو ان ثوبا من ثياب الجنة لبس اليوم فى الدنيا لصعق من ينظر اليه وما حملته أبصارهم- واخرج الصابوني فى الماءتين عن عكرمة قال ان الرجل من اهل الجنة ليلبس الحلة فتكون فى ساعته سبعون لونا مُتَقابِلِينَ (53) فى مجالسهم ليستأنس بعضهم ببعض. كَذلِكَ اى الأمر كذلك وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) الجملة حال بتقدير قد او عطف على خبران اى الزمناهم وقرنّاهم بهن ولذلك عدى بالباء وليس من عقد التزويج لانه لا يقال زوجته بامراة قال ابو عبيدة جعلناهم أزواجا بهن كما تزوج النعل بالنعل اى جعلناهم اثنين اثنين والحور النساء النقيات البياض يحار فيهن الطرف من بياضهن وصفاء لونهن جمع حوراء والعين جمع العيناء وهى العظيم العينين- اخرج الطبراني عن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الحور العين من الزعفران- واخرج البيهقي مثله عن انس مرفوعا وعن ابن عباس موقوفا وعن مجاهد كذلك واخرج ابن المبارك عن زيد بن اسلم قال ان الله تبارك وتعالى لا يخلق الحور العين من تراب انما خلقهن من مسك وكافور وزعفران- واخرج ابن ابى الدنيا عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ان حورا بزقت فى بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها- واخرج ابن ابى الدنيا عن ابن عباس قال لو ان حورا أخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها ولو أخرجت نصيفها لكان الشمس عند حسنه مثل الفتيلة فى الشمس لا ضوء لها ولو أخرجت وجهها لاضاء حسنها ما بين السماء والأرض- واخرج هناد عن حبان بن احيلة قال ان نساء اهل الدنيا إذا ادخلن الجنة فضلن على الحور العين

[سورة الدخان (44) : آية 55]

بأعمالهم فى الدنيا.. يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ اشتهوها آمِنِينَ (55) من نفادها ومضرتها الجملة حال اخر اخرج ابن ابى حاتم وابن المنذر فى تفاسيرهما عن ابن عباس قال ما فى الدنيا تمرة حلوة ولا مرة الا وهى فى الجنة حتى الحنظل- واخرج ابن ابى حاتم وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة الا الأسماء. لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ بل يحيون دائما حال اخر إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى الاستثناء منقطع او متصل والضمير للاخرة والموت أول أحوالها او الجنة والميت يشارفها بالموت ويشاهدها عنده فكانه فيها- او الاستثناء للمبالغة فى تعميم النفي وامتناع الموت فكانّه قال لا يذوقون فيها الموت الا إذا أمكن ذوق الموت الاولى فى المستقبل كقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النّساء الّا ما قد سلف وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) الجملة حال من فاعل لا يذوقون بتقدير قد او عطف على اخبار ان. فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ مصدر لفعله المقدر اى فضلوا فضلا منه واعطوا كل ذلك عطاء منه لا حقا على الله تعالى عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا انا الا برحمة الله- رواه مسلم ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) لانه خلاص عن المكاره وفوز بالمطالب-. فَإِنَّما يَسَّرْناهُ اى القران بِلِسانِكَ حال من الضمير المنصوب اى منلبسا بلغتك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) اى لكى يفهموا ويتذكروا الجملة متصلة بقوله انّا أنزلناه فى ليلة مّباركة وهو فذلكة للسورة. فَارْتَقِبْ جزاء شرط محذوف تقديره وان لم يتذكروا- فارتقب اى فانتظر يا محمد ما يحل بهم إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59) ما يحل بك او فانتظر نصرك انهم منتظرون قهرك بزعمهم- روى الترمذي بسند ضعيف عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حم الدخان فى ليلة أصبح يستغفر له سبعون

الف ملك- وروى ايضا عنه بسند ضعيف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حم الدخان فى ليلة الجمعة غفر له- وروى ابن الضرير عن الحسن مرسلا من قرأ سورة الدخان فى ليلة غفر له ما تقدم من ذنبه- وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حم الدخان فى ليلة جمعة او يوم جمعة بنى الله له بيتا فى الجنة تم تفسير سورة الدخان من التفسير المظهرى بفضل الله وحسن توفيقه يوم الأحد الثامن والعشرين من شهر الربيع الاول من السنة الثامنة بعد الف ومائتين من الهجرة صلى الله تعالى على صاحبها ويتلوه تفسير سورة الجاثية ان شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.

سورة الجاثية

سورة الجاثية مكّيّة وهى سبع ثلاثون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ ان جعلت حم مبتدا خبره تنزيل الكتاب وان جعلتها تعديدا للحروف وكان تنزيل مبتدا خبره مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ فى انتقامه الْحَكِيمِ (2) فى تدبيره وعلى التأويل الاول من الله صلة لتنزيل وقيل حم مقسم به وتنزيل الكتاب صفة وجواب القسم. إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ دالة على قدرة الله ووحدانيته لِلْمُؤْمِنِينَ (3) يحتمل ان تكون الاية على ظاهرها وان يكون المعنى ان فى خلق كما فى قوله. وَفِي خَلْقِكُمْ اى فى خلق كل منكم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة الى ان صار إنسانا وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ جاز ان يكون عطفا على الضمير المجرور والأحسن ان يقال انه معطوف على خلقكم فان بثه وتنوعه واستجماعه لما يتم به معاشه الى غير ذلك آياتٌ دلائل على وجود الصانع المختار ووحدته وكمالاته قرأ حمزة والكسائي ويعقوب آيات منصوبا بكسر التاء عطفا على اسم ان والباقون بالرفع عطفا على محلها- لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) انه لا اله الا الله وان البعث حق. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ صيفا وشتاء وفى ذهابها ومجيئها وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ اى مطر سماه رزقا لكونه سببه فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ

[سورة الجاثية (45) : آية 6]

مَوْتِها اى جعلها مخضرة بعد يبسها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ باختلاف جهاتها وأحوالها قرأ حمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» الرّيح على الافراد باعتبار الجنس والباقون على الجمع باعتبار جهاتها قبولا ودبورا وجنوبا وشمالا آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) الدلائل فيؤمنون او المعنى لقوم اولى عقل فان الكفار كالانعام بل هم أضل قرأ حمزة والكسائي ويعقوب آيات منصوبا بكسر التاء والباقون بالرفع وهو عطف على معمولى عاملين مختلفين كلمة فى مع معنى الابتداء او كلمة انّ والمجرور مقدم الا يضمر فى او ينصب آيات على الاختصاص او ترفع بإضمار هى قال البيضاوي اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات فى الدقة والظهور والظاهر انه لتفنن العبارة والا فالايمان والإيقان واحد وهو من ثمرات العقل فان العقل السليم يقتضى الايمان بمبدع السماوات والأرض وما بينهما. تِلْكَ الآيات آياتُ اللَّهِ دلائل قدرته مبتدا وخبر نَتْلُوها عَلَيْكَ حال عاملها معنى الاشارة او خبر ثان بِالْحَقِّ متلبسين به او متلبسة به فَبِأَيِّ حَدِيثٍ الفاء جزائية تقديره فان لم تؤمنوا بايات الله فباىّ حديث بَعْدَ اللَّهِ اى بعد كتاب الله وَآياتِهِ الدالة على وجوده يُؤْمِنُونَ (6) اى كفار مكة اى لا يؤمنون قرأ ابن عامر وحمزة «وخلف وابو محمد» والكسائي وابو بكر ويعقوب «اى رويس- ابو محمد» بالتاء الفوقانية على الالتفات من الغيبة الى الخطاب والباقون بالتحتانية على الغيبة-. وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ كذاب أَثِيمٍ (7) كثير الإثم أريد به النضر بن الحارث هذه الجملة الى آخرها معترضة. يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ صفة لاثيم تُتْلى عَلَيْهِ حال من الآيات او من الضمير المرفوع ثُمَّ يُصِرُّ عطف على يسمع وثم لاستبعاد الإصرار بعد سماع الآيات مُسْتَكْبِراً عن الايمان كَأَنْ مخففة من الثقيلة وحذف ضمير الشأن اى كانّه لَمْ يَسْمَعْها الجملة فى موضع الحال اى يصر مشابها لغير السامع فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) الفاء للسببية والبشارة خبر يظهر السرور على بشرته واستعمل هاهنا تهكما فى خير يظهر الحزن على بشرته.

[سورة الجاثية (45) : آية 9]

وَإِذا عَلِمَ عطف على يسمع مِنْ آياتِنا شَيْئاً يعنى إذا بلغه شىء من القران الظرف متعلق بقوله اتَّخَذَها الضمير لشئ لانه بمعنى الاية او لاياتنا بمعنى آياتنا كلها هُزُواً مهزوّا به يعنى بادر الى الاستهزاء أُولئِكَ لَهُمْ اى لكل أفاك عَذابٌ مُهِينٌ (9) ذو اهانة فى القبور جملة مستانفة. مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ حال من هم فى أولئك لهم والوراء اسم للجهة التي يوازيها الشخص من خلف او قدام وجهنم قدام باعتبار انهم متوجهون اليه وخلفه من حيث انه بعد اجالهم وَلا يُغْنِي اى لا يدفع عَنْهُمْ ما كَسَبُوا من الأموال والأولاد شَيْئاً من عذاب الله وَلا يغنى عنهم مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ اى ما عبدوه من الأصنام او الذين اتبعوهم من الرؤساء ما مصدرية او موصولة وجملة لا يغنى الى آخرها حال اخر من ضمير لهم فى أولئك لهم وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) حال اخر. هذا اى القران هُدىً اى ما به الهداية من الضلالة جملة معترضة وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ وهو أشد العذاب أَلِيمٌ (11) قرأ ابن كثير ويعقوب وحفص بالرفع على انه صفة عذاب والباقون بالجر على انه صفة رجز وجملة والّذين كفروا عطف على هذا هدى-. اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ مبتدا وخبر اى جعله أملس السطح يطغو عليه ما يتخلخل كالاخشاب ولا يمنع الغوص فيه لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ بتسخيره وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ الأرزاق بالتجارة والغوص والصيد من فضله حال من المفعول المحذوف لتبتغوا وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) عطف على لتبتغوا اى لتشكروا هذه النعمة وجملة الله الّذى سخّر لكم البحر متصل بما سبق من آيات قدرته تعالى وما بينهما معترضات. وَسَخَّرَ لَكُمْ عطف على سخر ما فِي السَّماواتِ من شمس وقمر ونجم وماء وثلج وغيرهما وَما فِي الْأَرْضِ من حيوان ونبت ومعدن وعين ونهر جَمِيعاً

[سورة الجاثية (45) : آية 14]

تأكيد او حال يعنى جعلها مسخرات لامور يعود نفعها إليكم مِنْهُ حال من ما اى سخرها جميعا كائنة منه تعالى او خبر لمحذوف اى هى جميعا منه او خبر لما فى السّموت مع ما عطف عليه سخّر لكم تكرير لتأكيد الاول او خبر لما فى الأرض قال ابن عباس جميعا منه اى كل ذلك رحمة منه وقال الزجاج كل ذلك تفضل منه إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) فى عجائب صنعه تعالى فيومنون قال البغوي قال ابن عباس وقتادة ان رجلا من بنى غفار شتم عمر رضى الله عنه بمكة فهم عمران يبطش به فانزل الله. قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا حذف المقول لدلالة جواب الأمر عليه وهو قوله يَغْفِرُوا اى قل لهم اغفروا ان تقل لهم اغفروا يغفروا اى يعفوا ويصفحوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ اى لا يتوقعون ولا يخافون أَيَّامَ اللَّهِ اى وقائعه باعدائه من قولهم ايام العرب لوقائعهم يعنى لا يتوقعون الأوقات التي وقتها الله لنصر المؤمنين وثوابهم وقال البغوي قال القرظي والسدىّ نزلت فى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من اهل مكة كانوا فى أذى شديد من المشركين قبل ان يؤمروا بالقتال فشكوا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله هذه الاية ثم نسختها اية القتال لِيَجْزِيَ قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» بالنون على التكلم والتعظيم والباقون بالياء التحتانية اى ليجزى الله وقرأ ابو جعفر بضم الياء التحتانية وفتح الزاء على البناء للمفعول والفعل حينئذ مسند الى مصدره اى ليجزى الجزاء كذا قال الكسائي والمراد بالجزاء ما يجزى به فان الاسناد الى المصدر سيما عند وجود المفعول به ضعيف وقال ابو عمرو وهو لحن والجار والمجرور متعلق بقوله يغفروا قَوْماً يعنى يجزى المؤمنين على صبرهم على اذية الكفار او يجزى الكافرين جزاء كاملا لا ينقص منه بالانتقام فى الدنيا او يجزى كليهما بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) من الخير او الشر. مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ اى يعمل لنفسه فان ثوابه لها وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها اى يعمل عليها لان وباله يعود عليه ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) يعنى بعد ما استحققتم

[سورة الجاثية (45) : آية 16]

الثواب او العقاب بالأعمال ترجعون الى ربكم فيجازيكم عليها ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا. وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ التورية والإنجيل والزبور وَالْحُكْمَ حيث جعلنا فيهم اهل الحكم من العلماء والملوك وَالنُّبُوَّةَ خصها بالذكر لكثرة الأنبياء فيهم وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ المن والسلوى وغيرهما من الاطعمة اللذيذة الحلال وَفَضَّلْناهُمْ بمراتب القرب الى الله تعالى إرجاع الضمير الى بنى إسرائيل باعتبار كون الأفضلين بعضهم وهم الأنبياء عَلَى الْعالَمِينَ (16) اى على عالمى زمانهم قال ابن عباس لم يكن من العالمين أحد فى زمانهم أكرم على الله ولا أحب اليه منهم وهذه الاية تدل على ان خواص البشر أفضل من خواص الملائكة. وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ اى ادلة بينة فى امر الدين بحيث حصل لهم العلم بكل ما يجب به العلم والاعتقاد وحصل لهم العلم بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم وعلاماته حتى عرفوه كما يعرفون أبناءهم فَمَا اخْتَلَفُوا فى امر الدين او فى امر محمد صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بحقيقة الحال بَغْياً بَيْنَهُمْ اى عداوة وحسدا واتباعا للهوى والشهوات لابناء على علم مستند الى دليل وهذا يدل على ان افتراق اليهود والنصارى الى احدى وسبعين فرقة او اثنان وسبعين فرقة لم يكن مبنيّا على دليل وكذلك افتراق امة محمد صلى الله عليه وسلم الى ثلاث وسبعين ليس مستندا الى دليل بل انما هو باتباع الوهم فى مقابلة النصوص القاطعة كالمعتزلة تشبثوا بأذيال الفلاسفة زعما منهم بان العقل كاف فى كثير من الإدراكات والمجسمة قالوا الموجود لا يكون الا جسما او باتباع الحسد والعناد كالروافض والخوارج ونحو ذلك إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بالمؤاخذة والمجازاة يوم الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) من امر الدين-. ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ اى طريقة حقة وصراط مستقيم بعت عليها الرسل كلها- على شريعة مفعول ثان لجعلنا مِنَ الْأَمْرِ اى امر الدين

[سورة الجاثية (45) : آية 19]

فَاتَّبِعْها اى يا محمد الشريعة الحقة الفاء للسببية وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم والمراد به الخطاب لامته يعنى لا يتبع أمتك أهواء الذين ليس لهم علم من الكتاب سواء كان لهم جهل مركب كالفلاسفة او جهل بسيط مثل رؤساء قريش كانوا يقولون للنبى صلى الله عليه وسلم ارجع الى دين ابائك فانهم كانوا أفضل منك او كان لهم علم لكنهم تركوا العمل بالكتاب عمدا او اوّلوه بتأويلات فاسدة فكانّهم لا يعلمون مثل أحبار اليهود وعلماء الفرق الضالة بالأهواء من اهل الإسلام. إِنَّهُمْ يعنى ان الذين يستتبعونك الى غير الطريق الحق ان اتبعتهم لَنْ يُغْنُوا اى لن يدفعوا عَنْكَ مِنَ عذاب اللَّهِ شَيْئاً منصوب على المفعولية ومن الله حال مقدم عليه بيان له او على المصدرية اى شيئا من الإغناء ومن فى من عذاب الله للتبعيض الجملة فى مقام التعليل للنهى عن اتباع اهوائهم وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إذ المجانسة علة الانضمام فلا تتخذ أنت منهم اولياء وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) فاتخذه وليّا بالتقوى واتباع الشريعة قيل هذان الجملتان كناية عن قوله وانهم لا يضرونك لانّ الظّالمين بعضهم اولياء بعضهم والله ولىّ المتّقين وكم بين الولايتين فلا يضرنك لقوة ولاية الله. هذا اى القران او اتباع الشريعة بَصائِرُ اسباب تبصر لِلنَّاسِ يظهر به وجوه فلاحهم فى الدارين وَهُدىً من الضلال وَرَحْمَةٌ من الله لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) بانه من الله تعالى.. أَمْ حَسِبَ عطف على هذا بصائر أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها انكار الحسبان والتوبيخ ومعنى بل الاضراب عن ايقانهم بان القران بصائر وهدى يعنى انهم لا يوقنون ذلك بل حسب الَّذِينَ اجْتَرَحُوا اى اكتسبوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى نجعلهم مثلهم وهو ثانى مفعولى نجعل نزلت فى نفر من مشركى مكة قالوا للمؤمنين ان كان ما تقولون اى البعث حقّا لنفضّلن عليكم فى الاخرة كما فضّلنا فى الدنيا سَواءً قرأ حمزة والكسائي وحفص «وخلف ابو محمد» بالنصب على البدل من قوله

[سورة الجاثية (45) : آية 22]

كالّذين أمنوا بدل اشتمال او على الحال من الضمير فى الكاف او على المفعولية والكاف حال ومَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ فاعل لسواء والضميران للموصول الاول وان كان الضميران للثانى فسواء حال من الموصول الثاني وجاز ان يكون الضميران للفريقين وسواء بدل من كالّذين أمنوا او حال من الموصول الثاني وضمير الاول وقرأ الباقون سواء بالرفع على انه خبر محياهم ومماتهم مبتدا والجملة بدل من المفعول الثاني وجاز كون الجملة مفعولا ثانيا او استئناف يبين المقتضى للانكار او حال والضميران للفريقين والمعنى انكار ان يستووا بعد الممات فى الكرامة او ترك المؤاخذة كما استووا فى الرزق والصحة فى الحيوة الدنيا وقيل الضميران للفريقين والجملة مستأنفة والمعنى المؤمن مؤمن محب لله تعالى فى الدنيا والاخرة والكافر مبغوض لله تعالى فى الدنيا والاخرة ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) حكمهم هذا بالمساوات قال البغوي قال مسروق قال لى رجل من اهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري لقد والله ذات ليلة أصبح او كرب ان يصبح يقرأ اية من كتاب الله يركع بها ويسجد ويبكى أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات ان نجعلهم كالّذين أمنوا وعملوا الصّلحت الاية.. وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ اى ليدل على وجوده وقدرته وصفات كماله كانه دليل على ما سبق يعنى خلق هذه الأشياء ليس على سبيل اللهو والعبث بل هو متلبس بالحق المقتضى انتصار المظلوم من الظالم والتفاوت بين المسيء والمحسن فاذا لم يكن ذلك فى المحيا لا بد ان يكون بعد الممات وَلِتُجْزى عطف على قوله بالحقّ لانه فى معنى العلة او على علة محذوفة مثل ليستدل الناس بها على الصانع وقدرته وعدله وليقوموا على طاعته ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ محسنة ومسيئة بِما كَسَبَتْ من خير او شر وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22) بنقص ثواب او تضعيف عذاب وتسميته ظلما مع ان فعل الله تعالى لا يكون ظلما لاجل المشاكلة فانه لو فعله غيره لكان ظلما كالابتلاء والاختيار.. أَفَرَأَيْتَ الفاء للعطف على محذوف تقديره أتهتم ان تهديهم فرأيت

مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ومن شرطية وجملة اتّخذ مع ما عطف عليه شرط علقت رايت عن العمل فمن يّهديه جزاؤه وهواه مفعول أول لاتّخذ والهه مفعول ثان يعنى جعل هواه معبوده فانه ترك امتثال او امر الله والانتهاء عن مناهيه واتبع هواه فكانّه يعبده- قال ابن عباس والحسن وقتادة ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهويه فلا يهوى شيئا الا ركب لانه لا يؤمن بالله ولا يخافه ولا يحرم ما حرم الله. وقال الآخرون معناه اتخذ معبوده هواه فيعبد ما يهويه نفسه اخرج ابن جرير وابن المنذر وكذا ذكر البغوي قول سعيد بن جبير انه كانت العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة فاذا وجدوا احسن من الاول رموه وكسروه وعبدوا الاخر فنزلت هذه الاية قال الشعبي انما سمى الهوى لانّه يهوى صاحبه فى النار وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ اى عالما بضلاله وفساد استعداده وقيل على ما سبق فى علمه بانه ضال قبل ان يخلقه روى احمد عن رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له ابو عبد الله دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكى فقالوا له ما يبكيك الم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ من شاربك ثم أقره حتى تلقانى قال بلى ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول ان الله عزّ وجلّ قبض بيمينه قبضته والاخرى باليد الاخرى وقال هذه لهذه وهذه لهذه ولا أبالي- ولا أدرى فى اىّ القبضتين انا وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ فلا يسمع الموعظة ولا يتفكر فى الآيات وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فلا ينظر بعين الاستبصار والاعتبار قرأ حمزة الكسائي وخلف- ابو محمد غشوة بفتح الغين وسكون الشين والباقون غشاوة وجاز ان يكون من موصولة وهى مع صلتها أول مفعولى رايت وثانيهما محذوف تقديره ارايته تهتدى وعلى هذا قوله فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ معطوف على قوله رايت والاستفهام للانكار ومعناه لا تهديه أحد بعد إضلال الله إياه وجملة أفرأيت معترضة أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) عطف على محذوف تقديره الا تعقلون فلا تذكّرون. اخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابى هريرة قال كان اهل الجاهلية يقولون انما

[سورة الجاثية (45) : آية 24]

يهلكنا الليل والنهار فانزل الله تعالى. وَقالُوا عطف على مضمون الكلام السابق اى ضل الكافرون باتباع الهوى وقالوا ما هِيَ اى الحيوة شيئا إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا التي نحن فيها نَمُوتُ فى بعض الأوقات وَنَحْيا فى بعضها بيان لقصر الحيوة على الحيوة الدنيا وقوله نموت ونحيا لا يدل على تعاقب الحيوة بعد الموت فان الواو للجمع المطلق كذا قال الزجاج وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ عطف على نموت ونحيا اى ما يهلكنا الا مرور الزمان فان بمرور الزمان يهرم المرء ويموت وحاصل ذلك انكار الصانع الواجب وجوده والدهر فى الأصل مدة بقاء العالم من مبدا وجوده الى انقضائه تم يعبر عنه عن كل مدة مديدة بخلاف الزمان فانه يطلق على المدة قليلة كانت او كثيرة وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ فان العلم انما يحصل بالبداهة او بالبرهان ولا شىء من ذلك بل البرهان قائم على وجود الصانع القديم الحكيم الجملة حال من فاعل قالوا إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) اى يحكمون بلا علم وبلا دليل تأكيد لما سبق عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر- رواه مسلم وروى البغوي بلفظ قال الله تعالى لا تقل ابن آدم يا خيبة الدهر فانى انا الدهر أرسل الليل والنهار وان شئت قبضتها- ومعنى الحديث ان سب الدهر منكم مبنى على زعمكم ان الدهر فاعل النوائب والحوادث- وجالب الحوادث ومنزّلها فى الواقع هو الله تعالى لا غيره فسبّكم يرجع الى الله تعالى وقيل معنى قوله عليه السلام فان الله هو الدهر ان الله داهر دهر اى خالق الدهر وما فيها فسبّكم الدهر زعما منكم بانه الخالق للاشياء مشرك فاجتنبوه والله اعلم-. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ اى حال كونها واضحات الدلالة على خلاف معتقدهم وعلى البعث بعد الموت او مبينات لذلك ما كانَ حُجَّتَهُمْ متشبثم لمعارضها شيئا إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) فى دعوى البعث وهذا شرط مستغن عن الجزاء بما مضى سماه حجة على حسبانهم او على اسلوب قوله تحيتهم بينهم ضرب وجيع وانه يلزم من عدم حصول الشيء

[سورة الجاثية (45) : آية 26]

حالا امتناعه مطلقا وجملة إذا تتلى عليهم عطف على قالوا ما هى الّا حياتنا الدّنيا. قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ الى اىّ وقت شاء ثُمَّ يُمِيتُكُمْ إذا أراد كما دلت الحجج ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ للجزاء إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كلمة الى زائدة او بمعنى اللام اى ليوم القيامة لا رَيْبَ فِيهِ لان وعد الله حق ومن قدر على الإبداء قادر على الاعادة والحكمة يقتضى المجازاة والجملة تأكيد لما سبق وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) قدرة الله على ذلك لقلة تفكرهم وقصور نظرهم على ما يحسبونه جملة قل الله يحييكم الى آخرها مستأنفة.. وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تعميم للقدرة بعد تخصيصها والجملة عطف على خلق الله السّموت والأرض وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ بدل من الاول والظرف متعلق بقوله يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) اى يظهر خسرانهم بان يصيروا الى النار. وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً عطف على يخسر قال البغوي جاثية يعنى باركة على الركب وهى جلسة المخاصم بين يدى الحاكم ينتظر القضاء قال على رضى الله عنه انا أول من يجثو للخصومة بين يدى الله تعالى وقد ذكرنا فى سورة الحج فى تفسير قوله تعالى هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ- قال سلمان الفارسي ان فى القيامة ساعة وهى عشر سنين يخر الناس فيها جثاة على ركبهم حتى ابراهيم ينادى نفسى لا أسئلك الا نفسى- وقيل معنى كلّ امّة جاثية اى مجتمعة من الجثوة وهى الجماعة ذكر الجزري فى النهاية حديث ابن عمران الناس يصيرون يوم القيامة جثأ اى جماعة تتبع نبيها وتروى هذه اللفظة جثىّ بتشديد الياء جمع جاث وهو الذي يجلس على ركبتيه واخرج عبد الله بن احمد فى زوائد الزهد والبيهقي عن عبد بن ثانية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كانى أراكم بالكرم دون جهنم جاثين ثم قرأ سفيان وترى كلّ امّة جاثية قال ابن حجر المراد بالكرم المكان العالي الذي عليه امة محمد صلى الله عليه وسلم كُلَّ أُمَّةٍ قرأ يعقوب بالنصب على انه بدل من كلّ امّة او تأكيد وما بعده صفة او مفعول ثان والجمهور بالرفع على انه مبتدا خبره تُدْعى

[سورة الجاثية (45) : آية 29]

إِلى كِتابِهَا اى صحيفة أعمالها اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث الله الريح فتطيرها بالايمان والشمائل أول خط فيها اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا- رواه البيهقي الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) صفة ثانية او خبر ثان لقوله كلّ امّة بتقدير القول اى يقال لهم اليوم تجزون الى قوله تعملون او مستأنفة. هذا كِتابُنا اى صحائف أعمالكم التي كتبها الكرام الكاتبون بامرنا أضاف الى نفسه لتلك الملابسة وكتابنا صفة لهذا والخبر يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ اى يشهد عليكم بما عملتم او هما خبران لهذا او ينطق حال والعامل معنى الاشارة بِالْحَقِّ اى بالصدق بلا زيادة ونقصان إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ اى نستكتب الحفظة ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) وقيل معنى نستنسخ اى نأخذ نسخة وذلك ان الملكين يرفعان عمل الإنسان فيثبت الله منه ما كان له ثواب او عقاب ويطرح منه اللغو نحو قولهم هلم واذهب وهذه الجملة فى مقام التعليل لينطق-. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ التي جملتها الجنة والجملة تفصيل لما أجمل فى قوله اليوم تجزون ما كنتم تعملون ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) اى الظفر الظاهر لخلوصه عن الشوائب. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فيقال لهم أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ الاستفهام لانكار النفي وتقرير المنفي والفاء للعطف على محذوف تقديره الم يأتكم رسلى فلم تكن آياتي تتلى عليكم فحذف قوله فيقال لهم وقوله الم يأتكم رسلى اكتفاء بالمقصود واستغناء للقرينة فَاسْتَكْبَرْتُمْ عن الايمان بها هذه الجملة مع ما عطف على مضمون ما سبق يعنى قد أتاكم رسلى وتليت عليكم آياتي فاستكبرتم عن الايمان بها وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) اى قوما عادتكم الكفر والاجرام وكانت المقابلة يقتضى ان يكون الكلام وامّا الّذين كفروا فيدخلكم ربهم فى غضبه الذي من جملتها جهنم لكن عدل الى هذا تنبيها على موجب الغضب. وَإِذا

[سورة الجاثية (45) : آية 33]

قِيلَ عطف على قوله استكبرتم يعنى وإذا قيل لكم إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث حَقٌّ يحتمل الموعود والمصدر يعنى الموعود او متعلق الوعد وهو البعث حقّ كائن لا محالة وَالسَّاعَةُ قرأ حمزة بالنصب عطفا على اسم ان والباقون بالرفع عطفا على محله لا رَيْبَ فِيها اى فى إتيانها لاستحالة الخلف فيما اخبر الله به قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ اى اىّ شىء الساعة استغرابا لها إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا أصله نظن ظنّا فادخل حرف النفي والاستثناء لاثبات الظن ونفى ما عداه كانّه قال ما نحن الا نظن ظنّا او لنفى ظنهم فيما سوى ذلك او يقال تنكير الظن للتحقير ومعناه ان نظن الا ظنا ضعيفا فى مرتبة الوهم فان الظن قد يطلق على العلم كما فى قوله تعالى الْخاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وقد يطلق على الوهم فالمراد بالأول مطلق العلم وبالثاني الوهم وأكّد نفى الظن بقوله وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا فى الدنيا اى ظهر لهم قبحها او جزاء ما عملوا عطف على مضمون ما سبق يعنى امّا الّذين كفروا فيدخلهم ربهم فى غضبه ويبدو لهم سيئات ما عملوا. وَحاقَ اى نزل بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) اى جزاء استهزائهم.. وَقِيلَ عطف على بدا لهم الْيَوْمَ نَنْساكُمْ اى نترككم فى العذاب ترك المنسى كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا اى كما تركتم عدته ولم تبالوه واضافة اللقاء الى اليوم اضافة المصدر الى ظرفه اى يوم لقاء ربكم او يوم لقاء جزاء أعمالكم وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) يخلصونكم منها هذان الجملتان اما معطوفتان على مقول قبل او حالان من مفعول ننساكم. ذلِكُمْ الترك فى العذاب بِأَنَّكُمُ اى بسبب انكم اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً اى مهزوا بها يعنى استهزأتم بها ولم تتفكروا فيها وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا اى حسبتم ان لا حيوة سواها ولا حساب جملة ذلكم الى آخرها مستأنفة فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها قرأ حمزة «وخلف- ابو محمد» والكسائي بفتح الياء وضم الراء على البناء للفاعل والباقون بضم الياء وفتح الراء على البناء

[سورة الجاثية (45) : آية 36]

للمفعول عطف على قوله وامّا الّذين كفروا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) العتبى بالضم الرضاء كذا فى القاموس والاستعتاب الاسترضاء اى لا يطلب منهم ان يرضوا ربهم بالتوبة لفوات او انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بعد الموت من مستعتب اى ليس بعد الموت من استرضاء لانها بالأعمال وقد انقضت زمانها- وفى النهاية العتبى الرجوع عن الذنب والاساءة قال البغوي اى لا يطلب منهم ان يرجعوا الى طاعه الله تعالى وتقديم المسند اليه مع ان الخبر فعل يدل على التخصيص فان الكفار لا يستعتبون بخلاف المؤمنين-. فَلِلَّهِ الْحَمْدُ اى الوصف بالجميل على وفائه الوعد في المؤمنين والمكذبين رَبِّ السَّماواتِ بدل من الله وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) كرر لفظ الرب لان ربوبية كل شى نعمة مستقلة من الله تعالى دالّة على كمال قدرته- ذكر العاطف بين الأرض والسماوات لتغائرهما وترك العاطف فى ربّ العالمين للاتحاد معنى فان السّموت والأرض معظم افراد العالم فكانّه بمعنى العالمين. وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى اثار عظمته وكبريائه ظاهرة فيهما او يقال الظرف متعلق بمحذوف اى يحكم بهذا الحكم اهل السماوات واهل الأرض فيهما وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا يغلبه أحد ولا يجوز لاحد ان يستكبر عليه الْحَكِيمُ (37) فيما قدر وقضى عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته النار- وفى رواية قذفته فى النار- رواه مسلم- تم تفسير سورة الجاثية من التفسير المظهرى (ويتلوه تفسير سورة الأحقاف ان شاء الله تعالى) والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين فى التاريخ الثاني والعشرين من الربيع الثاني سنة ثمان بعد الف ومائتين (سنة 1208) .

سورة الأحقاف

سورة الأحقاف مكّيّة وخمس وثلاثون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مرّ تفسيره فى سورة الجاثية. ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا خلقا متلبّسا بِالْحَقِّ دليلا على وجود الصانع القديم الحكيم وعلى البعث للمجازاة على ما يقتضيه الحكمة والعدالة وَأَجَلٍ مُسَمًّى اى بتقدير أجل مسمى ينتهى اليه السماوات والأرض اى يوم القيامة وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا اى عن الانذار او عما انذروا به فى القران من عذاب يوم القيامة مُعْرِضُونَ (3) لا يتفكرون فى جوازه عقلا ووجوبه سمعا بشهادة المعجزات ولا يستعدون لحلوله ويدعون من دون الله الهة بلا دليل. قُلْ لهم يا محمد أَرَأَيْتُمْ الاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب على الإقرار ما تَدْعُونَ اى ما تعبدونه مِنْ دُونِ اللَّهِ أصناما أَرُونِي ماذا خَلَقُوا ما استفهامية فى محل النصب على انه مفعول لخلقوا او فى محل الرفع بمعنى اىّ شىء الذي خلقوه مِنَ الْأَرْضِ بيان لما أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ أم منقطعة اى بل الهم مشاركة مع الله فِي خلق السَّماواتِ الموصول مع صلته مفعول أول لارايتم وجملة أروني الى آخرها مفعول ثان والمعنى أخبروني عن حال الهتكم بعد تأمل هل يتعقل انهم خلقوا شيئا من اجزاء العالم او يتصور منهم ان يكونوا شركاء لله فى الخلق يعنى لا يتصور

[سورة الأحقاف (46) : آية 5]

ذلك فكيف تحكمون باستحقاقها للعبادة وتخصيص الشرك بالسماوات احتراز عمّا يتوهم ان للوسائط شركة فى إيجاد الحوادث السفلية ائْتُونِي بِكِتابٍ من عند الله ناطق بالشرك مِنْ قَبْلِ هذا القران الناطق بالتوحيد أَوْ أَثارَةٍ اخرج احمد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم او اثارة من علم قال الخط قال مجاهد وعكرمة اى رواية وقال قتادة خاصة وقال الكلبي بقية فى القاموس الأثر البقية من الشيء مِنْ عِلْمٍ الأنبياء الأولين مستندا الى الوحى القطعي يدل على الشرك إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) فى ان الله امر بعبادة الأوثان شرط مستغن عن الجزاء بما مضى يعنى لا دليل على استحقاقها العبادة عقلا ولا نقلا.. وَمَنْ أَضَلُّ عطف على مقولة القول يعنى لا أحد أضل مِمَّنْ يَدْعُوا اى يعبد ويطلب حاجاته مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إذا دعاه لو سمع دعاءهم فرضا ان يعلم سرائرهم ويراعى مصالحهم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ اى ما دامت الدنيا وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) لانها اما جمادات لا يسمع ولا يعقل واما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم كعيسى وعزير والملائكة. وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ يوم القيامة عطف على لا يستجيب كانُوا اى كانت المعبودون لَهُمْ أَعْداءً يضرونهم ولا ينفعونهم وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (6) مكذبين قائلين تبرّانا إليك ما كانوا ايّانا يعبدون يعنى ليسوا فى الدارين على منفعة إذ لا ينفعهم فى الدنيا ويضرهم فى الاخرة فلا أضل ممن عبدها وترك عبادة الله السميع البصير الخبير القادر المجيب. وقيل الضمير فى قوله كانوا بعبادتهم كافرين للعابدين القائلين والله ربّنا ما كنّا مشركين. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ عطف على قوله والّذين كفروا عمّا انذروا معرضون او على يدعوا فى ممّن يدعوا يعنى ومن اضلّ ممن قال للحق هذا سحر مبين إذا تتلى عليه آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ اى لاجله وفى شأنه والمراد به الآيات ووضعه موضع ضميرها ووضع الّذين كفروا موضع ضمير المتلو عليهم للتسجيل عليها بالحق وظهور الصدق وعليهم بالكفر والانهماك فى الضلالة لَمَّا جاءَهُمْ اى فورا حين مجيئها إليهم

[سورة الأحقاف (46) : آية 8]

من غير نظر وتأمل هذا القران سِحْرٌ مُبِينٌ (7) ظاهر فى كونه سحرا. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ محمد من قبل نفسه أم منقطعة استفهام للانكار والتعجيب وإضراب عن قولهم انه سحر الى قولهم انه مفترى قُلْ يا محمد إِنِ افْتَرَيْتُهُ فرضا لكى تتبعونى فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً اى لا تقدرون ان تردوا عنى شيئا من عذاب الله فكيف اجترأ على الله واعرض نفسى للعقاب من غير توقع نفع ولا دفع ضرر من قبلكم هُوَ أَعْلَمُ اى الله اعلم بِما تُفِيضُونَ اى تخوضون فِيهِ من تكذيب آياته والقول بانه سحر او مفترى كَفى بِهِ الباء زائدة والضمير فى محل الرفع على الفاعلية شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ يعنى ان الله يشهد لى بالصدق والبلاغ بخلق المعجزات وعليكم بالكذب والإنكار وهو وعيد بجزاء إفاضتهم وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وأمن واشعار بحلمه عنهم وعدم استعجالهم بالتعذيب مع عظم جرمهم.. قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ اى بديعا مثل نصف ونصيف يعنى لست باول الرسل ادعى ما لم يدعه أحد قبلى بل قد بعث قبلى كثير من الرسل فلم تنكرون نبوتى بعد شهادة المعجزة- او لست اقدر على ما لم يقدر الرسل من قبلى وهو الإتيان بالمقترحات كلها وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ما اما موصولة منصوبة او استفهامية مرفوعة ولا لتأكيد النفي المشتمل على ما يفعل بي والتقدير ما أدرى ما يفعل بي ولا ما يفعل بكم قيل معناه ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة فلما نزلت هذه الاية فرح المشركون وقالوا واللات والعزى ما أمرنا وامر محمد عند الله الا واحد وما له علينا مزية وفضل ولولا انه ابتدع ما يقول من ذات نفسه لا خبره الذي بعثه بما يفعل به فانزل الله ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تاخّر فقالت الصحابة هنيئا لك يا نبى الله قد علمنا ما يفعل بك وإذا ما يفعل بنا فانزل الله ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنّات الاية وانزل وبشّر المؤمنين بانّ لهم من الله فضلا كبيرا فبين الله ما يفعل به ربهم قال البغوي وهذا

قول انس وقتادة والحسن وعكرمد قالوا انما قال هذا قبل ان يخبره بغفران ذنبه عام الحديبية فنسخ ذلك وهذا القول عندى غير مرضى إذ لا يخلو سورة من القران غالبا (مكية كانت او مدينة) من الوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين وكان من أول ما يوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان انذر عشيرتك الأقربين يعنى بعذاب الله ان لم يؤمنوا وفى هذه السورة وهذا كتاب مصدّق لسانا عربيّا لّينذر الّذين ظلموا وبشرى للمحسنين انّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك اصحاب الجنّة الاية وكيف يكون عاقبة المسلمين والمشركين غير معلوم له صلى الله عليه وسلم وغير مذكور فى الكتاب فانه يقتضى اعتراض الكافرين ما أمرنا وامر محمد عند الله الا واحد وما نرى لك علينا من فضل فاىّ فائدة فى ترك دين الآباء واتباع الرسل ونزول قوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وقوله لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ بعد بضع عشر سنة تأخير للبيان عن وقت الحاجة وذلك محال- فان قيل روى البغوي بسنده عن خارجة بن يزيد قال كانت أم العلاء الانصارية تقول لما قدم المهاجرون اقترعت الأنصار على سكناهم فطار لنا عثمان بن مظعون رضى الله عنه فى السكنى فمرض فمرّضناه ثم انه توفّى فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت فقلت رحمة الله عليك أبا السائب شهادتى ان قد أكرمك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما يدريك ان الله قد أكرمه قلت لا والله لا أدرى فقال النبي صلى الله عليه وسلم اما هو فقد أتاه اليقين من ربّه وانى لارجو له الخير والله ما أدرى وانا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم قالت فو الله لا ازكى بعد أحدا ابدا قالت ثم رايت لعثمان بعد فى النوم عينا تجرى فقصّصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذاك عمله- وهذا الحديث يؤيد قول من قال معناه ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة والا فما معنى لهذا الحديث قلنا مقتضى هذا الحديث انه لا يجوز الحكم قطعا على شخص معين بالنجاة او بالهلاك لانه ادعاء علم الغيب ولا علم على البواطن والسرائر الا لله سبحانه غير ان الرجل إذا كان ظاهر حاله خيرا يرجو له الخير ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم والله ما أدرى وانا رسول الله ما يفعل بي

ولا بكم انه قد علمنى الله علوم الأولين والآخرين ومع ذلك ما أدرى تفصيلا ما يفعل بي ولا بكم فى جزاء كل عمل مخصوص فكيف دريت أنت فى حق رجل معين ان الله قد أكرمه- وقيل مثل هذا التأويل فى الاية ايضا قالوا معنى الاية ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم فى الدارين إذ لا علم لى بالغيب وهذا لا يقتضيه سياق الاية بل سياق الاية ان الكفار كانوا يريدون من النبي صلى الله عليه وسلم ان يتبعهم فى الدين ويطمعونه- بجمع الأموال له وإنكاح الأزواج بلا سوق مهر ويؤذونه ويخوّفونه على ترك الاتباع فمقتضى سياق الاية ان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بانه لا يطمع منهم ولا يخافهم ويعلم انهم غير قادرين على ما أرادوا بل الخير والشر كلاهما من الله تعالى يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد فمعنى الاية ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم من النصر والخذلان وانا لا اتبعكم على شىء من التقادير- إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ من القران لا اتركه ابدا قال البيضاوي جواب عن اقتراح الكفار الاخبار عمّا لم يوح اليه من الغيوب او عن استعجال المسلمين ان يتخلصوا من أذى المشركين وبه قال البغوي قال جماعة قوله ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم فى الدنيا واما فى الاخرة فقد علم انه فى الجنة ومن كذّبه فهو فى النار ثم اختلفوا فقال ابن عباس لمّا اشتد البلاء باصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم راى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم وهو بمكة ارض سباخ ونخل رفعت له يهاجر إليها فقال له أصحابه متى تهاجر إليها فسكت فانزل الله هذه الاية ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم ءانزل فى مكانى او اخرج وإياكم الى الأرض التي رفعت لى- وقال بعضهم معنى ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم اى الى ماذا يصير امرى فى الدنيا اما ان اخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلى منهم ابراهيم عليه السلام او اقتل كما قتل بعض الأنبياء من قبلى منهم يحيى عليه السلام وأنتم ايها المصدقون تخرجون معى او تتركون أم ماذا يفعل بكم وما أدرى ما يفعل بكم ايها المكذبون اترمون بالحجارة كما رمى قوم لوط أم يخسف بكم كما خسف بقارون أم

[سورة الأحقاف (46) : آية 10]

اىّ شىء يفعل بكم مما فعل بالأمم المكذّبة ثم أخبره الله عزّ وجلّ ان يظهر دينه على الأديان كلها فقال هو الّذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه وقال فى أمته ما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون فاخبره ما يصنع به وبامته هذا قول السدىّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ للكافرين من عذاب الله مُبِينٌ (9) بين الانذار بالشواهد المبينة والمعجزات المصدقة يعنى لست مدعيّا لعلم الغيب ولا مسلطا عليكم أكرهكم على الايمان.. قُلْ أَرَأَيْتُمْ أخبروني ماذا حالكم إِنْ كانَ القران مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ حال بتقدير قد اى وقد كفرتم به ايها المشركون ويجوز ان يكون الواو للعطف على فعل الشرط وكذا الواو فى قوله وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ قال قتادة والضحاك هو عبد الله بن سلام بن الحارث ابو يوسف من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم السلام روى البخاري والبيهقي عن انس ومحمد بن إسحاق عن رجل من ال عبد الله بن سلام عنه والامام احمد ويعقوب بن سفيان عن عبد الله بن سلام والبيهقي عن موسى بن عقبة وعن ابن شهاب قال عبد الله بن سلام لمّا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت صفته واسمه وهيئته والذي كنا نتوقع له فكنت مسرّا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلمّا قدم نزل معنا فى بنى عمرو بن عوف فاخبر رجل بقدومه وانا فى رأس نخلة اعمل فيها وعمتى خالدة بنت الحارث تحتى جالسة فلمّا سمعت بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبّرت فقالت لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدتّ قال قلت لها اى عمة هو والله اخر موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به قالت فذاك اذن قال ثم خرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا ان رايت وجهه عرفت ان وجهه ليس بوجه كذّاب فكان أول ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم قوله يا ايها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام. فقال يا محمد انى سائلك عن ثلاث خلال لا يعلمهن

الا نبى ما أول اشراط الساعة وما أول طعام اهل الجنة وما ينزع الولد الى أبيه او الى امه «نزع الى أبيه فى الشبه اى ذهب عنه ره» وما هذا السواد الذي فى القمر فقال أخبرني بهن جبرئيل آنفا قال جبرئيل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة اما أول اشراط الساعة فنار تخرج على الناس من المشرق الى المغرب واما أول طعام يأكله اهل الجنة فزيادة كبد الحوت وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة نزعت واما السواد الذي فى القمر فانهما كانا شمسين قال الله تبارك وتعالى وجعلنا اللّيل والنّهار ايتين فمحونا اية اللّيل فالسواد الذي رايت هو المحو فقال اشهد ان لا اله الا الله وانك محمد رسول الله ثم رجع الى اهل بيته فامرهم فاسلموا وكتم إسلامه- ثم خرج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ارى اليهود قد علمت انى سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم وانهم قوم بهت «1» وانهم ان يعلموا بإسلامي من قبل ان تسئلهم عنى بهتوني ويقولون فىّ ما ليس فىّ فاحب ان تدخلنى بعض بيوتك فادخله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض بيوته وأرسل نبى الله صلى الله عليه وسلم الى اليهود فدخلوا عليه فقال يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فو الله الذي لا اله الا هو انكم لتعلمون انى رسول الله وقد جئتكم بالحق فاسلموا فقالوا ما نعلمه فقال اىّ رجل فيكم عبد الله قالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا قال ارايتم ان اسلم قالوا أعاذه الله من ذلك قال لابن سلام اخرج عليهم فخرج فقال اشهد ان لا اله الله واشهد ان محمدا رسول الله يا معشر اليهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به فو الله انّكم لتعلمون انه لرسول الله حقّا تجدونه مكتوبا عندكم فى التوراة اسمه وصفته فانى اشهد انه رسول الله وأومن به وأصدقه وأعرفه قالوا كذبت أنت أشرنا وابن أشرنا وانتقصوا قال هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله الم أخبرك انهم قوم بهت اهل غدر وكذب وفجور فاظهر إسلامه واسلام اهل بيته وأسلمت عمته ابنة الحارث فحسن إسلامها-

_ (1) بهت جمع بهوت كصبر وصبور مبالغة فى البهت وهو الكذب ثم سكن الهاء تخفيفا- منه رحمه الله

واخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن الأشجعي قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وانى معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر اليهود أروني اثنى عشر رجلا منكم يشهدون ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله يحط الله عن كل يهودى تحت أديم السماء الغضب الذي عليه فسكتوا فما اجابه منهم أحد ثم انصرف فاذا رجل من خلفه فقال كما أنت يا محمد واقبل فقال اىّ رجل تعلمونى منكم يا معشر اليهود قالوا والله ما نعلم فينا رجلا كان اعلم بكتاب الله ولا افقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك قال فانى اشهد بالله انه لنبى الله الذي تجدونه فى التوراة قالوا كذبت ثم ردوا عليه وقالوا شرّا فانزل الله تعالى هذه الاية واخرج الشيخان عن سعيد بن ابى وقاص قال ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لاحد يمشى على وجه الأرض انه من اهل الجنة الا لعبد الله بن سلام وفيه نزلت هذه الاية وشهد شاهد من بنى اسراءيل- قال الراوي عن مالك (وهو عبد الله بن يوسف شيخ البخاري) لا أدرى قال مالك الاية اوفى الحديث- واخرج ابن جرير عن عبد الله بن سلام قال فيّ نزلت وشهد شاهد من بنى اسراءيل وعلى هذا التقدير الاية مدنية لان اسلام عبد الله بن سلام كان بالمدينة ولفظة مثل فى قوله تعالى عَلى مِثْلِهِ زائدة والضمير للقران والمعنى شهد شاهد عليه اى على كونه يعنى القران من عند الله او المعنى وشهد شاهد على مثل ما قلت اى على كون القران من عند الله فَآمَنَ عبد الله بن سلام وَاسْتَكْبَرْتُمْ عن الايمان يا معشر اليهود- وأنكر مسروق نزول الاية فى عبد الله بن سلام وقال والله ما نزلت فيه لان ال حم نزلت بمكة وانما اسلم عبد الله بن سلام بالمدينة ونزلت الاية فى محاجة كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه ومعنى قوله شهد شاهد من بنى إسرائيل انه شهد موسى وشهادته ما فى التوراة خبر بعثة محمد صلى الله عليه وسلم على مثله اى مثل القران وهو ما فى التوراة من المعاني المصدقة للقران فامن موسى عليه السلام

[سورة الأحقاف (46) : آية 11]

واستكبرتم عن الايمان يا معشر قريش وجواب الشرط وهو قوله ان كان من عند الله محذوف تقديره فمن أضل منكم او ألستم ظالمين يدل عليه إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وهى جملة مستأنفة فان قيل افعال الشرط اعنى كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بنى إسرائيل فامن واستكبرتم كلها مجزوم ووقوعها فما وجه استعمال حرف ان فيها وهى تستعمل فى موضع الشك قلت ان الواو فى الجمل كلها للجمع واستعمل كلمة ان للتوبيخ وإيراد المجزوم موقع الشك للدلالة على انه لا يجوز عند العقل السليم الكفر مع كونه من عند الله والاستكبار مع شهادة اهل العلم وإيمانه فهو نظير قوله ان كنتم قوما مسرفين والله اعلم-. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على قال الّذين كفروا للحقّ الاية لِلَّذِينَ آمَنُوا منهم اى فى حقهم لَوْ كانَ دين محمد صلى الله عليه وسلم خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ اخرج ابن جرير عن قتادة قال قال أناس من المشركين نحن أعزّ ونحن خير فلو كان خيرا ما سبقنا اليه فلان وفلان فنزلت هذه الاية واخرج ابن المنذر عن عون بن ابى شداد قال كانت لعمر بن الخطاب امة أسلمت قبله يقال لها زنين فكان عمر يضربها على إسلامها حتى تفتن وكان كفار قريش يقولون لو كان خيرا ما سبقتنا اليه رنين فانزل الله فى شأنها هذه الاية واخرج ابن سعد نحوه عن الضحاك والحسن وقال البغوي بناء على نزول الاية السابقة فى عبد الله بن سلام انه قال الذين كفروا من اليهود للذين أمنوا من اليهود لو كان دين محمد خيرا ما سبقونا اليه يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ اى بالقران كما اهتدى به اهل الايمان ظرف لمحذوف مثل ظهر عنادهم او ضلوا وهو معطوف على قوله قال الّذين كفروا وعطف على محذوف تعلق به الظرف قوله فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) الفاء للسببية فان هذا القول مسبب لظهور عنادهم وضلالهم وهو كقولهم أساطير الاوّلين يعنى أكاذيب الأولين يعنى اختلق هذا اهل الزمان السابق ثم تلقاه منهم محمد-.

[سورة الأحقاف (46) : الآيات 12 إلى 13]

وَمِنْ قَبْلِهِ اى قبل القران وهو خبر لقوله كِتابُ مُوسى التوراة إِماماً يقتدى به حال من الضمير المستكن فى قبله وَرَحْمَةً من الله على الناس ليفوزوا الى فلاح الدارين والجملة معترضة وَهذا كِتابٌ من الله تعالى مُصَدِّقٌ لكتاب موسى او لمحمد صلى الله عليه وسلم باعجازه صفة لكتاب لِساناً عَرَبِيًّا حال من ضمير كتاب فى مصدق او منه لتخصيصه بالصفة وعاملها معنى الاشارة وفائدتهما الاشعار بالدلالة على ان كونه مصدقا للتورته كما دل على انه حق دل على انه وحي وتوقيف من الله او مفعول به لمصدق بحذف مضاف اى مصدق ذا لسان عربى وهو محمد صلى الله عليه وسلم لِيُنْذِرَ قرأ نافع والبزي «وابو جعفر- ابو محمد» بخلاف عنه وابن عامر ويعقوب بالتاء للخطاب اى لتنذر يا محمد والباقون بالياء للغيبة اى لينذر الكتاب او الله او الرسول متعلق بمفهوم هذا كتاب اى انزل لتنذر الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالكفر وَبُشْرى مصدر لفعل محذوف اى وليبشر بشرى او مفعول له معطوف على محل لينذر وهذا لا يجوز الا على قراءة لينذر بصيغة الغائب ويكون الضمير لله تعالى حتى يكون فاعله وفاعل الفعل المعلل به واحدا وهو انزل وجاز ان يكون خبر المبتدأ محذوفا اى هو والجملة عطف على جملة قبلها لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قد ذكرنا تفسير الاستقامة فى تفسير حم السجدة فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ بعد الموت عن لحوق مكروه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) على فوات محبوب والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط. أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها حال من المستكن فى اصحاب والعامل فيه معنى الاشارة والجملة فى مقام التعليل لنفى الخوف جَزاءً مصدر لفعل دلّ عليه الكلام اى جوزوا جزاء بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (14) من اكتساب الفضائل العلمية والعملية-. وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ اللام للعهد والمراد به ابو بكر الصديق رضى الله عنه روى عن ابن عباس ان الاية نزلت فى ابى بكر وهو المروي عن على رضى الله قال نزلت فى ابى بكر اسلم أبواه جميعا ولم يجتمع من المهاجرين أبواه فى الإسلام غيره وقال السدىّ

والضحاك نزلت فى سعد بن ابى وقاص وقد ذكرنا قصته فى تفسير سورة العنكبوت وقيل اللام للجنس وان كان نازلا فى ابى بكر او سعد وذلك لا يقتضيه سياق الاية كما سنشير اليه بِوالِدَيْهِ متعلق بمحذوف اى ان يحسن بوالديه وهما ابو قحافة عثمان بن عمر وأم الخير بنت الخير بن الصخر بن عمر إِحْساناً كذا قرأ الكوفيون من الافعال فهو منصوب على المصدرية وقرأ الباقون حسنا من المجرد فهو بدل اشتمال لقوله بوالديه منصوب على محله حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً اى ذات كره فهو حال من فاعل حملته او حملا ذاكره فهو مصدر وهو المشقة قرأ اهل الحجاز وهشام وابو عمرو بفتح الكاف فى الموضعين والباقون بضمها وهما لغتان وقيل المضموم اسم والمفتوح مصدر وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً جملتان معترضتان فى مقام التعليل للامر بالإحسان وفيه اشعار بمزية استحقاق الام فى الإحسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صل امّك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فادناك- وقد مر الحديث فى سورة العنكبوت- وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ وهو الفطام والمراد به الرضاع تسمية الملزوم باسم اللازم وقرأ يعقوب وفصله وهما بتقدير المضاف مبتدا بعده خبره اى مدة حمله ورضاعه ثَلاثُونَ شَهْراً معترضة اخرى لبيان شدة المشقة فى مدة طويلة يستدل بهذه الاية على ان اقل مدة الحمل ستة «1» أشهر لقوله تعالى وفصاله فى عامين فانه إذا ذهب منها

_ (1) عن قتادة عن ابى الحرب بن ابى الأسود الدؤلي قال رفعت الى عمر امراة ولدت بستة أشهر فسال عنها اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال على لا رجم عليها الا ترى انه تعالى يقول وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال وفصاله فى عامين فكان الحمل منها ستة أشهر فتركها عمر ثم بلغنا انها ولدت اخر بستة أشهر وعن نافع بن جبير ان ابن عباس أخبره انى لصاحب المرأة التي اتى بها عمر وضعت لستة أشهر فانكر الناس ذلك قلت لعمر كيف تظلم قال كيف قلت اقرأ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا والوالدات يرضعن اولادهنّ حولين كاملين قلت كم الحول قال سنة قلت كم السنة قال اثنا عشر شهرا قلت واربعة وعشرون شهرا حولان كاملان ويؤخر الله من الحمل ما شاء ويقدم فاستراح عمر الى قوله- وعن ابى عبيدة مولى عبد الرحمان بن عوف قال رفعت امراة الى عثمان ولدت لستة أشهر فقال عثمان قد رفعت الىّ امراة ما أراها الا جاءت بشر فقال ابن عباس إذا كملت الرضاعة كان الحمل ستة 14 شهر اقرأ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا فدرأ عثمان عنها- منه نور الله مرقده-

عامين بقي للحمل ستة أشهر وعليه اتفق الائمة فى أفل مدة الحمل واختلفوا فى أكثرها فقال ابو حنيفة سنتان وعن مالك روايات اربع سنين وخمس سنين وسبع سنين وقال الشافعي اربع سنين وعن احمد روايتان المشهور كمذهب الشافعي والاخرى كمذهب ابى حنيفة. وجه قول ابى حنيفة قول عائشة الولد لا يبقى فى بطن امه اكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل وفى رواية ولو بقدر ظل مغزل- قال ومثله لا يقال الا سمعا إذا المقدرات لا تدرك بالرأى قلت يحتمل ان يكون قولها على تقدير الصحة مبنيّا على التجربة فى جريان العادة كقول مالك والشافعي قلت والاستدلال بهذه الاية على اقل مدة الحمل مبنى على كون اللام فى الإنسان للجنس وان كان للعهد فلا لانها حينئذ بيان لواقعة حال- والاستدلال بهذه الاية على مذهب ابى حنيفة ان مدة الرضاع ثلاثون شهرا لا يجوز وقد مرّ الكلام فيه وفى غيرها من مسائل الرضاع فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى وامّهاتكم اللّاتى أرضعنكم روى عن عكرمة عن ابن عباس فى تفسير هذه الاية انه قال إذا حملت المرأة تسعة أشهر ارضعته أحد وعشرين شهرا وإذا حملت ستة أشهر ارضعته اربعة وعشرين شهرا والله اعلم حَتَّى إِذا بَلَغَ متعلق بفعل محذوف معطوف على وضعته تقديره وربّياه حتّى إذا بلغ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً عطف على بلغ يعنى وبلغ كمال عقله كان ابو بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانى عشرة سنة وذلك بلوغ الأشد وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ابن عشرين سنة فى تجارته الى الشام فلمّا بلغ أربعين سنة أمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعا ربه وقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي قرأ ورش والبزي بفتح الياء والباقون بإسكانها والمعنى الهمنى وقيل معناه الكف اى اجعلنى بحيث أزع نفسى يعنى اكفه من الكفران أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ الهداية للاسلام او ما يعمه وغيره وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ نكر صالحا للتعظيم او لانه أراد نوعا من الجنس يستجلب رضاء الله قال ابن عباس فاجابه الله تعالى فاعتق تسعة من المؤمنين يعذبون فى الله ولم يرد شيئا من الخير الا أعانه الله عليه ودعا ايضا وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي فاجابه الله فلم يكن له ولد الا

[سورة الأحقاف (46) : آية 16]

أمنوا جميعا فاجتمع له اسلام أبويه وأولاده جميعا كذا قال ابن عباس وأدرك ابو قحافة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وابنه ابو بكر وابنه عبد الرحمان بن ابى بكر وابن عبد الرحمان ابو عتيق ولم يكن ذلك لاحد من الصحابة إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ عن الكفر وعن كل ما لا يرضاه الله او يشغل عنه وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) المخلصين قوله حتّى إذا بلغ الى آخره دليل على ان اللام فى الإنسان للعهد فانه لو كان للجنس لا يستقيم ذلك لان تأخير النعمة القديمة الى بلوغ أربعين سنة لا يجوز فالاية حكاية عن الواقع فانه رضى الله عنه أمن وهو ابن أربعين سنة والمعتبر من الشكر ما كان بعد الايمان- فان قيل المروي ان أباه أبا قحافة اسلم يوم الفتح وكان ابو بكر حينئذ ابن ستين سنة وكان نزول الاية قبل الهجرة لان السورة مكية وحين بلغ ابو بكر أربعين سنة كان ابو قحافة كافرا فكيف يوصى الله بالإحسان به وكيف يقول ابو بكر أنعمت علىّ وعلى والدىّ قلنا قد روى ان أبا بكر اسلم وهو ابن ثمان وثلاثين سنة واسلم أبواه بعد ذلك بسنتين وكان ابو بكر حينئذ ابن أربعين سنة فلعل هذه الرواية هى الصحيحة وعلى تقدير نزول الاية بمكة واسلام ابى قحافة بعد الفتح قلنا الوصية بالإحسان للوالدين الكافرين ايضا جائزة قال الله تعالى فى سورة العنكبوت ووصّينا الإنسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما والمراد حينئذ بنعمتك أنعمت علىّ ما يعم نعمة الدين والدنيا والله اعلم قلت وعلى تقدير كون اللام للجنس يقال معنى الاية انه إذا بلغ الإنسان أشده يعنى بلغ مبلغ الرجال شكر الله تعالى على كمال جسده ثم إذا بلغ أربعين سنة شكر الله سبحانه على كمال عقله والله اعلم.. أُولئِكَ ان كان المراد بالإنسان الجنس فالاشارة الى عامة الموصوفين بالصفات المتقدمة ظاهر وان كان المراد به ابو بكر او سعد فالمشار اليه هو ومن كان مثله فى الصفات المذكورة فذكر حكم ابى بكر وسعد فى ضمن العموم على سبيل الكناية وهو ابلغ من الصريح فانه كدعوى الشيء مع بينة وبرهان الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا فان المباح حسن ولا يثاب عليها او هى من قبيل اضافة الصفة الى موصوفها يعنى

[سورة الأحقاف (46) : آية 17]

نتقبل عنهم ما عملوا احسن مما عمله غيره وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فلا نعاقبهم على شىء منها قرأ حمزة والكسائي وحفص «خلف- ابو محمد» نتقبّل ونتجاوز بالنون على التكلم والتعظيم واحسن منصوبا على المفعولية والباقون بالياء على الغيبة والبناء للمفعول واحسن مرفوعا على انه مسند اليه فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ خبر بعد خبر لاولئك او حال من الضمير المجرور فى عنهم وعن سيّئاتهم اى كاننين فى اعدادهم او مثابين او معدودين فيهم وَعْدَ الصِّدْقِ مصدر مؤكد لنفسه فان يتقبل ويتجاوز وعد اى وعدت وعد الصدق واضافة الوعد الى الصدق من قبيل حاتم الجود الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) فى الدنيا والجملة مستانفة لبيان جزاء الإنسان المذكور.. وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ إذا دعواه الى الايمان بالله والإقرار الموصول مبتدا خبره أولئك والجملة مستأنفة اخرى لبيان حكم من خالف المذكورين أُفٍّ لَكُما وهى كلمة كراهية قرأ نافع وحفص «وابو جعفر- ابو محمد» بالتنوين وكسر الفاء وقرأ ابن كثير وابن عامر «ويعقوب- ابو محمد» بفتح الفاء بغير تنوين والباقون بكسر الفاء بغير تنوين أَتَعِدانِنِي قرأ هشام بنون واحدة مشددة والباقون بنونين مكسورتين وقرأ نافع وابن كثير «ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها والاستفهام للانكار والتوبيخ فى مقام التعليل للتأنيف أَنْ أُخْرَجَ من قبرى حيّا بعد الموت وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي الجملة حال من فاعل اخرج وهاهنا جملة محذوفة معطوفة على هذه الجملة تقديره ولم يخرج أحد منهم وَهُما اى أبواه يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ اى يقولان الغياث بالله منك او يسئلانه تعالى ان يغيثه بالتوفيق للايمان الجملة حال من والديه وَيْلَكَ مصدر لفعل محذوف اى هلكت هلاكات والجملة مقدرة بالقول اى ويقولان له ويلك آمِنْ بالله وبالبعث بعد الموت إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث حَقٌّ هذه الجملة فى مقام التعليل للامر بالايمان فَيَقُولُ ذلك الولد الكافر لوالديه ما هذا الوعد إِلَّا أَساطِيرُ اى أكاذيب الْأَوَّلِينَ (17)

[سورة الأحقاف (46) : آية 18]

اخرج البخاري من طريق يوسف بن ماهك قال كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكى يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمان بن ابى بكر شيئا فقال خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا فقال مروان هذا الذي انزل الله فيه والّذى قال لوالديه أفّ لّكما اتعداننى فقالت عائشة من وراء الحجاب ما انزل الله فينا شيئا من القران الا ان انزل عذرى- وروى انه غضب عبد الرحمان بن ابى بكر بقول مروان وقال هذا سنة الهراقلة ان يرث الأبناء ملك الآباء- واخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ وعن ابن عباس مثل قول مروان وقال نزلت فى عبد الرحمان بن ابى بكر قبل إسلامه ثم اسلم عبد الرحمان وحسن إسلامه- وقال البغوي قال ابن عباس والسدىّ ومجاهد نزلت فى عبد الله وقيل فى عبد الرحمان بن ابى بكر كان أبواه يدعو انه الى الإسلام وهو يأبى ويقول أحيوا لى عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشائخ قريش حتى اسئلهم عما تقولون- قلت وقول من قال انها نزلت فى عبد الرحمن بن ابى بكر انما نشا من قول مروان وقد سمعت ان قول مروان انما كان مبنيّا على العناد. قال البغوي وأنكرت عائشة ان يكون هذا فى عبد الرحمان بن ابى بكر وقالت انما نزلت فى فلان سمت رجلا- وقال الحافظ ابن حجر ونفى عائشة أصح اسنادا واولى بالقبول وقال البغوي والصحيح انها نزلت فى كافر عاق لوالديه المسلمين كذا قال الحسن وقتادة وقال الزجاج قول من قال نزلت فى عبد الرحمان بن ابى بكر قبل إسلامه يبطله قوله تعالى. أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ اى وجب وثبت عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ بانهم اهل النار فان عبد الرحمان كان من أفاضل المسلمين فِي أُمَمٍ اى مع امم كافرة قَدْ خَلَتْ اى مضت مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ بيان لامم وجملة قد خلت صفة لامم وفى امم متعلق بحقّ وهو صلة للموصول والموصول خبر لاسم الاشارة والجملة خبر لقوله والّذى قال لوالديه إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (18) تذييل.. وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا اى من جزاء ما عملوا من الخير او من أجل

[سورة الأحقاف (46) : آية 20]

ما عملوا قال البغوي قال ابن عباس يريد من سبق الى الإسلام فهو أفضل ممن يخلف عنه ولو بساعة وقال مقاتل ولكل فضائل بأعمالهم فيوفيهم حزاء أعمالهم وقيل ولكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين درجات منازل ومراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم فيجازيهم عليها قال ابن زيد فى هذه الاية درجات اهل النار يذهب سفالا ودرجات اهل الجنة يذهب علوّا وَلِيُوَفِّيَهُمْ قرأ ابن كثير وابو عمرو وهشام وعاصم «ويعقوب- ابو محمد» بالياء على الغيبة والباقون بالنون على التكلم والتعظيم وهو معطوف على علة محذوفة لفعل محذوف تقديره فعلنا ذلك او فعل الله ذلك لحكم ومصالح وليوفّيهم أَعْمالَهُمْ اى جزاء ما عملوا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (19) بنقص ثواب او زيادة عقاب حال من الضمير المنصوب-. وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ اى يعذبون بها أصله يعرض النار عليهم فقلب مبالغة كقولهم عرضت الناقة على الحوض أَذْهَبْتُمْ مقدر بالقول اى يقال لهم أذهبتم وهو ناصب اليوم قرأ ابن كثير وابن عامر وابو جعفر ويعقوبء أذهبتم بالاستفهام فقرأ ابن ذكوان وروح- ابو محمد بهمزتين محققتين بغير مد وابن كثير وابو جعفر ويعقوب «اى رويس» وهشام «ابو محمد بخلاف عنه ابو محمد» بهمزة ومد «اى همزة سهلة ابو محمد» وهشام أطول مدا على «وابو جعفر- ابو محمد» أصله وابن كثير «ورويس- ابو محمد» يسهل الثانية على أصله «اى بغير إدخال- ابو محمد» والباقون بهمزة واحدة على الخبر قال البغوي كلاهما فصيحتان لان العرب تستفهم للتوبيخ وتترك الاستفهام طَيِّباتِكُمْ ولذائذكم فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا باستيفاء ما كتب لكم حظّا منها فى الدنيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فما بقي لكم منها شىء فَالْيَوْمَ الفاء للسببية عطف على استمتعتم تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ اى العذاب الذي فيه ذل وهوان بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) اى بسبب الاستكبار الباطل والفسوق عن طاعة الله. قال البغوي وبّخ الله الكافرين بالتمتع فى الدنيا فاثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصالحون اجتناب اللذات ل الدنيا رجاء لثواب الاخرة روى الشيخان

فى الصحيحين عن عمر رضى الله عنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد اثر الرمال بجنبه متكيا على وسادة من آدم حشوها ليف قلت يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فان فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله فقال اوفى هذا أنت يا ابن الخطّاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم فى الحيوة الدنيا- وفى رواية أما ترضى ان تكون لهم الدنيا ولنا الاخرة- وفى الصحيحين عن عائشة ما شبع ال محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم- وروى البخاري عن ابى سعيد المقبري عن ابى هريرة انه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه فابى ان يأكل وقال خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير وروى عن عائشة قالت لقد كان يأتى علينا شهر ما توقد فيه نار وما هو الا الماء والتمر غير ان جزى الله النساء من الأنصار خيرا ربما اهدين لنا شيئا من اللبن- وروى احمد والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالى المتتابعة طاويا واهله لا يجدون عشاء وكان اكثر خبزهم خبز الشعير- وروى الترمذي عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اخفت فى الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت وما يؤذى أحد ولقد أتت علىّ ثلاثين من بين ليلة ويوم ومالى ولبلال طعام يأكله ذو كبد الا شىء يواريه إبط بلال- قال الترمذي ومعنى الحديث حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم هاربا من مكة ومعه بلال انما كان مع بلال من الطعام ما تحمل تحت إبطه وروى البخاري عن ابى هريرة قال رايت سبعين من اصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء اما إزار واما كساء قد ربطوا فى أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية ان ترى عورته وروى البخاري عن انس انه مشى الى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير واهالة سبخة ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعا بالمدينة عند يهودى وأخذ منه الشعير لاهله ولقد سمعته يقول ما امسى عند ال محمد صاع بر ولا صاع حب

وان عنده تسع نسوة وروى الترمذي عن ابى طلحة قال شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه عن حجرين وقال الترمذي هذا حديث غريب وروى مسلم عن عبد الرحمان قال جاء ثلاثة نفر الى عبد الله بن عمرو وانا عنده فقالوا يا أبا محمد والله ما نقدر على شىء لا نفقة ولا دابة ولا متاع فقال لهم ما شئتم ان شئتم رجعتم إلينا فاعطيناكم ما يسر الله لكم وان شئتم ذكرنا أمركم للسلطان وان شئتم صبرتم فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة الى الجنة بأربعين خريقا قالوا فانا نصبر لا نسئل شيئا- وروى احمد عن معاذ بن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث به الى اليمن قال إياك والتنعم فان عباد الله ليسوا بالمتنعمين- وروى البيهقي فى شعب الايمان عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رضى من الله باليسر من الرزق رضى الله عنه بالقليل من العمل- وروى البغوي عن عبد الرحمان بن عوف انه اتى بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير منى فكفن فى بردة ان غطى رأسه بدت رجلاه وان غطى رجلاه بدا رأسه قال واراه قال وقتل حمزة وهو خير منى ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط او قال أعطينا الدنيا وقد خشينا ان تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكى حتى ترك الطعام- وروى عن جابر بن عبد الله انه راى عمر بن الخطاب لحما معلقا فى يدىّ فقال ما هذا يا جابر قلت اشتهيت لحما فاشتريته فقال عمر فكلما اشتهيت يا جابر اشتريت اما تخاف هذه الاية أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا- وقد روى القصة من حديث ابن عمر- وفى رواية من حديث جابر اما يجد أحدكم ان يطوى بطنه لجاره وابن عمه- وروى رزين عن زيد بن اسلم قال استسقى يوما عمر فجئ بماء قد شيب بعسل فقال انه طيب لكنى اسمع الله عزّ وجلّ نفى على قومه شهواتهم فقال أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها

[سورة الأحقاف (46) : آية 21]

فاخاف ان تكون حسناتنا عجلت «1» لنا فلم يشربه-. وَاذْكُرْ أَخا عادٍ يعنى هود عليه السلام إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ عادا إذ مع ما أضيف اليه بدل اشتمال من أخا عاد اى اذكر وقت إنذاره بِالْأَحْقافِ اى فى الأحقاف قال ابن عباس الأحقاف بين عمان ومهرة وقال مقاتل منازل عاد كان باليمن فى حضرموت بموضع يقال لها مهرة تنسب إليها الإبل المهرية وكانوا اهل عهد سيارة فى الربيع فاذا هاج العود رجعوا الى منازلهم وكانوا من قبيلة ارم قال قتادة ذكر لنا ان عادا كانوا حيّا باليمن كانوا اهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال له يشجر

_ (1) عن سالم بن عبد الله بن عمران عمر كان يقول ما نعنى بالذات العيش ان نأمر بصفار المغرى فتسمط ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا ونأمر بالذبيب فينبذ لنا فى الاسفان حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا وشربنا هذا ولكنا نريد ان تستبقى طيباتنا لانا سمعنا الله يقول أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا- وعن قتادة قال ذكر لنا ان عمر بن الخطاب كان يقول لو شئت كنت أطيبكم طعاما والينكم لباسا ولكنى استبقى طيباتى وذكر لنا ان عمر بن الخطاب لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله قال هذا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير قال خالد بن الوليد الجنة فاغرورقت عينا عمر فقال لان كان حظنا من هذا الخطام وذهبوا بالجنة لقد بانوا بونا بعيدا- وعن حميد بن هلال قال كان حفص يكثر عشيان امير المؤمنين عمر رضى الله عنه وكان إذا قرب طعاما نفاه فقال له عمر مالك ولطعامنا فقال يا امير المؤمنين ان أهلي يصنعون لى طعاما هو ألين من طعامك فاختر طعامهم على طعامك فقال ثكلتك أمك اما ترانى لو شئت أمرت بشاة فتية سمينة فالقى عنها شعرها ثم أمرت بدقيق فتخل فى خرقة فجعل خبزا مرققا وأمرت بصاع من ذبيب فجعل فى سعن حتى يكون كدم الغزال فقال حفص انى أراك تعرف ليّن الطعام فقال عمر ثكلتك أمك والذي نفسى بيده لولا كراهية ان ينقص من حسناتى يوم القيامة لاشركتم فى لين الطعام- وعن الحسن قال قدم وفد اهل البصرة على عمر مع ابى موسى فكان له كل يوم خبز ملث فربما وافقناها مادوقه بلبن وربما وافقناها القدائد اليابسة قد دقت ثم أعلى تهاور بما وافقناها باللحم الغريض وهو قليل قال وقال لنا عمر انى والله لقد ارى تقديركم وكراهيتكم طعامى انا والله لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وادقكم عيشا اما والله ما أجهل عن كراكر واسمنة وعن هلى وهياب سلابى ولكن وجدت الله عيّر قوما بامر حفاة فقال أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا واستمعتم بها- 12 منه برد الله مضجعه-

[سورة الأحقاف (46) : آية 22]

والأحقاف جمع حقف وهو المستطيل المعوج من الرمال قال ابن زيد هى ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ ان يكون جبلا وقال الكسائي هى ما استدار من الرمال وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ اى مضت الرسل جملة معترضة او حال من فاعل انذر يعنى والحال انه انذر مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ اى قبل هود نوح وغيره وَمِنْ خَلْفِهِ اى بعده صالح وابراهيم ولوط وغيرهم مثل إنذار هود أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ان مفسرة لانذر او مصدرية بتقدير الباء فان النهى عن الشيء إنذار عن مضرته إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ عَلَيْكُمْ ان عبدتم غير الله عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) اى عظيم بلاؤه. قالُوا أَجِئْتَنا استفهام تقرير لِتَأْفِكَنا اى لتصرفنا عَنْ آلِهَتِنا اى عن عبادتها فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب على الشرك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) فى وعيدك شرط مستغن عن الجزاء بما مضى. قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ لوقت عذابكم عِنْدَ اللَّهِ اى يأتيكم فى وقت مقدر له من المستقبل ولا يستلزم عدم وقوع العذاب الان كونى كاذبا ولا مدخل لى فيه فاستعجلوا وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إليكم من التوحيد والاحكام والأحبار بنزول العذاب ان لم تؤمنوا وَلكِنِّي قرأ نافع وابو عمرو «وابو جعفر- ابو محمد» والبزي بفتح الياء والباقون بإسكانها أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) لا تعلمون ان الله هو العليم القدير والرسل انما بعثوا منذرين مبلغين لا معذبين ولا مقترحين.. فَلَمَّا رَأَوْهُ الضمير عائد الى ما تعدنا وهو العذاب او مبهم تفسيره عارِضاً اى على هيئة سحاب يعرض اى يبدو فى عرض السماء مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ وقد كانوا قد حبس عنهم المطر قبل ذلك سنتين (وقد مرّ قصتهم فى سورة الأعراف وغيرها) استبشروا بها وقالُوا هذا الذي نراه عارِضٌ سحاب عرض مُمْطِرُنا اى يأتينا بالمطر قال الله تعالى او قال هود ليس هذا سحابا ممطرا كما زعمتم بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ من العذاب رِيحٌ

[سورة الأحقاف (46) : آية 25]

خبر مبتدا محذوف اى هى او بدل من الموصول فِيها عَذابٌ صفة لريح أَلِيمٌ (24) صفة عذاب. تُدَمِّرُ اى تهلك كُلَّ شَيْءٍ مرت به من أنفسهم وأموالهم بِأَمْرِ رَبِّها اى رب الريح فجاءت الريح الشديد تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كانها جرادة وأول ما عرفوا انها عذاب إذا راوا ما كان خارجا من ديارهم من رجال عاد وأموالهم تطير بهم الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح فغلقت أبوابهم وصرعتهم وامر الله الريح فامالت عليهم الرمال وكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية ايام ثم امر الله الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم فرمت بهم فى البحر فَأَصْبَحُوا لا يُرى عطف على قال الله او قال هود المحذوف قرأ عاصم وحمزة ويعقوب «وخلف- ابو محمد» بضم الياء للغيبة على البناء للمفعول إِلَّا مَساكِنُهُمْ بالضم عندهم على انه مفعول ما لم يسم فاعله والباقون بالتاء للخطاب يعنى لا ترى يا محمد او يا مخاطب مطلقا ومساكنهم عندهم بالنصب على المفعولية كَذلِكَ اى جزاء مثل جزائهم نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) روى ان هودا عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين فى الخطير- عن عائشة قالت ما رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى ارى منه لهواته انما كان يتبسم وكان إذا راى غيما او ريحا عرف ذلك فى وجهه متفق عليه وفى رواية عند البغوي فقلت يا رسول الله ان الناس إذا راوا الغيم فرحوا رجاء ان يكون فيها المطر وإذا رايته عرف فى وجهك الكراهية فقال يا عائشة ما يؤمننى ان يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد راى قوم العذاب فقالوا هذا عارض مّمطرنا- وعنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصت الريح قال اللهم انى أسئلك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل واقبل وأدبر فاذا أمطرت سرى عنه فعرفت ذلك عائشة فسالته فقال لعله يا عائشة كما قال عاد فلمّا راوه عارضا مّستقبل أوديتهم

[سورة الأحقاف (46) : آية 26]

قالوا هذا عارض مّمطرنا- وفى رواية ويقول إذا را المطر رحمة- متفق عليه وفى رواية عند ابى داود والنسائي وابن ماجة والشافعي كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أبصرنا شيئا من السّماء ترك عمله واستقبله وقال انى أعوذ بك من شر ما فيه الحديث- وعن ابن عباس ما هبت الريح قط الا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا الحديث- رواه الشافعي والبيهقي.. وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ يعنى عادا فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ من القوة والمال ما موصولة او موصوفة وان نافية وهى احسن هاهنا من ما لئلا يلزم التكرار لفظا اى فى الذي او فى شىء مكّنّاكم فيه- او شرطية والجواب محذوف والتقدير ولقد مكّنّاهم فى الّذى او فى شىء ان مكّنّاكم فيه كان بغيكم اكثر او زائدة يعنى مكّنّاهم فيما مكّنّاكم فيه والاول اظهر لقوله تعالى احسن أثاثا وكانوا اكثر منهم وأشدّ قوّة واثارا وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً بمعنى اسماعا وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً قلوبا ليعرفوا تلك النعم ويستدلوا بها على ما نحها ويواظبوا على شكرها فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ من زائدة يعنى لم ينفعهم شىء منها شيئا من النفع إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ ظرف جرى مجرى التعليل من حيث ان الحكم مرتب على ما أضيف اليه فهو علة لما اغنى وَحاقَ اى نزل بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) من العذاب. وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ يا اهل مكة مِنَ الْقُرى كحجر ثمود وارض سدوم قرى قوم لوط والمراد أهلها وَصَرَّفْنَا الْآياتِ اى كررنا الحجج والبينات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) اى لكى يرجعوا يعنى اهل مكة عن كفرهم تعليل للصرف وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة. فَلَوْلا نَصَرَهُمُ فهلا منعهم من عذاب الله الَّذِينَ اتَّخَذُوا اى الذين اتخذوهم مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً اى الهة يتقربون بها الى الله حيث قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله

[سورة الأحقاف (46) : آية 29]

أول مفعولى اتّخذوا الراجع الى الموصول محذوف وثانيهما قربانا والهة بدل او عطف بيان او الهة مفعول ثان وقربانا حال او مفعول له على انه بمعنى التقرب او مفعول مطلق اى اتخاذ تقرب الى الله بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ اى غابوا عن نصرهم عند نزول العذاب وامتنع ان يستمدوا بهم امتناع الاستمداد بالضال وَذلِكَ اى اتخاذ الذين هذا شانهم إِفْكُهُمْ كذبهم وصرفهم عن الحق وقيل ذلك اشارة الى انتفاء نصرهم وهو مبتدا وإفكهم بحذف المضاف خبره والمعنى وذلك اى انتفاء نصرهم اثر إفكهم اى افترائهم والجملة معترضة لبيان سبب المشار اليه وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) اى افتراؤهم انها الهة اخرج ابن ابى شيبة عن ابن مسعود قال ان الجن هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا انصتوا قالوا صه وكانوا تسعة أحدهم رذبعة فانزل الله. وَإِذْ صَرَفْنا اى أهلنا إِلَيْكَ هذه الجملة الى آخرها معترضة لتسلّية النبي صلى الله عليه وسلم نَفَراً وهى جماعة دون العشرة وجمعه انفار مِنَ الْجِنِّ قال ابن عباس كانوا سبعة من جن نصيبين فيجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا الى قومهم وقال الآخرون كانوا تسعة قال البغوي روى عاصم عن زر بن حبيش ان رذبعة من التسعة الذين استمعوا القران يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ حال من نفر فَلَمَّا حَضَرُوهُ اى القران او الرسول قالُوا أَنْصِتُوا قال بعضهم لبعض اسكتوا نسمعه فَلَمَّا قُضِيَ اى أتم وفرغ من قراءته وَلَّوْا انصرفوا إِلى قَوْمِهِمْ من الجن مُنْذِرِينَ (29) مخوّفين داعين بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا القصة بوجوهها فى سورة الجن لما سبق منى تفسيرها. قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى قال عطاء كان دينهم اليهودية قلت لعل معنى قولهم انزل من بعد موسى ناسخا للتورية بخلاف الإنجيل والزبور فانهما لم يكونا ناسخين لكثير من احكام التورية حيث قال الله تعالى فى عيسى عليه السلام ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّورية والإنجيل وقال حكاية عنه ولاحلّ لكم بعض الّذى حرّم عليكم مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من التورية والإنجيل وغيرهما

[سورة الأحقاف (46) : آية 31]

من الكتب السماوية حال من فاعل انزل او صفة ثانية لكتابا وكذا قوله يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ من العقائد وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) من الشرائع. يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ محمدا صلى الله عليه وسلم الى الإسلام وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ما كان حقا لله بخلاف المظالم فانها لا يغفر بالايمان وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) فاستجاب لهم من قومهم نحو سبعين رجلا من الجن فرجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقوه فى البطحاء فقرأ عليهم القران فامرهم ونهاهم وفيه دليل على انه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا الى الجن والانس جميعا وقد ذكرنا اختلاف العلماء فى حكم مؤمن الجن فى سورة الجن. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ اى لا يعجز الله فيفوته إذا أراد الله تعذيبه وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ يمنعونه من عذاب الله هذه الجملة حال من فاعل ليس بمعجز والجملة الشرطية اعنى من لا يجب داعى الله إلخ معترضة أُولئِكَ اى الذين لم يجيبوا داعى الله فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) فان الهداية منحصرة فى اتباع الرسول. أَوَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره أينكرون هؤلاء الكفار عن البعث بعد الموت ولم يروا اى لم يعتقدوا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ اى لم يتعب ولم يعجز بِخَلْقِهِنَّ فان قدرته ذاتية لا ينقص ولا ينقطع بالإيجاد ابد الآبدين بِقادِرٍ الباء زائدة واسم الفاعل فى محل النصب على انه مفعول ثان ووجه دخول الباء على خبر انّ المفتوحة انّ انّ مع جملتها قائم مقام مفعولى يروا والنفي فى افعال القلوب يتوجه الى المفعول الثاني. هذا قراءة الجمهور وفى قراءة ابن مسعود قادرا بغير الباء وقرأ يعقوب يقدر بصيغة الفعل المضارع عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ منصوب بقول مضمر تقديره يقال لهم أَلَيْسَ هذا اشارة

[سورة الأحقاف (46) : آية 35]

الى العذاب بالنار الذي ينكرونها فى الدنيا بِالْحَقِّ قالُوا اى الكفار فى الجواب بَلى وَرَبِّنا يقسمون بالله ويعترفون به حين لا ينفعهم الإقرار قالَ اى يقول الله تعالى حينئذ فَذُوقُوا الْعَذابَ الفاء للسببية فان كونها حقّا مع انكارهم إياها فى الدنيا سبب للذوق بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) - اى بسبب كفركم فى الدنيا ومعنى الأمر هو الاهانة والتوبيخ وجملة ويوم يعرض إلخ متصلة بقوله ويوم يعرض الّذين كفروا على النّار أذهبتم طيّباتكم وما بينهما معترضات.. فَاصْبِرْ يا محمد على أذى الكفار الفاء للسببية يعنى إذا علمت انهم يذوقون عذاب النار فاصبر ولا تهتم للانتقام كَما صَبَرَ اى صبرا مثل صبر أُولُوا الْعَزْمِ اى اولى الصبر والثبات والجد مِنَ الرُّسُلِ قبلك فانك من جملتهم واختلفوا فيهم قال ابن زيد كل رسول كان صاحب عزم فان الله لم يبعث نبيّا الا كان ذا عزم وحزم ورأى وكمال عقل ومن للتبيين- وقال بعضهم الأنبياء كلهم أولوا عزم الا يونس بن متى لعجلة كانت منه الا ترى انه قيل للنبى صلى الله عليه وسلم ولا تكن كصاحب الحوت وقيل الا يونس والا آدم لقوله تعالى ولم نجد له عزما وقال قوم هم نجباء الرسل المذكورون فى سورة الانعام وهم ثمانية عشر ابراهيم وإسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى والياس وإسماعيل واليسع. ويونس ولوطا قال الله تعالى بعد ذكرهم أولئك الّذين هدى الله فبهديهم اقتده وقال الكلبي هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع اعداء الله وقيل هم ستة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى وهم المذكورون على النسق فى سورة الأعراف والشعراء وقال مقاتل هم ستة نوح صبر على أذى قومه وابراهيم صبر على النار وإسحاق صبر على الذبح ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره ويوسف صبر فى البئر والسجن وأيوب صبر على الضرّ وقال ابن عباس

وقتادة هم نوح وابراهيم وموسى وعيسى اصحاب الشرائع مع محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين خمسة قال الشيخ محى السنة البغوي ذكرهم الله على التخصيص فى قوله وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم وفى قوله تعالى شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحا والّذى أوحينا إليك وما وصّينا به ابراهيم وموسى وعيسى وقال الشيخ احمد المجدد للالف الثاني رضى الله عنه هم ستة آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى وسيد الرسل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلم اما الخمسة فلما ذكر من تخصيصهم للميثاق وكونهم اصحاب الشرائع ومن جاء خلفهم ايّد شرائعهم واما آدم فلا جرم يكون هو صاحب شريعة جديدة لكونه مقدما على غيره. روى البغوي عن مسروق قال قالت لى عائشة قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ان الدنيا لا ينبغى لمحمد ولا لال محمد يا عائشة ان الله لم يرض من اولى العزم الا الصبر على مكروهها والصبر على محبوبها ولم يرض الا ان كلفنى ما كلفهم وقال فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرّسل وانى والله ما بدلى من طاعته وانى والله لاصبرنّ كما صبروا واجهدنّ كما جهدوا ولا قوة الا بالله ( «1» ) عن ابن مسعود قال كانى انظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكى نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فادموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون- متفق عليه وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ اى لا تدع على كفار قريش بنزول العذاب عليهم فانه نازل بهم فى وقته لا محالة- كانه ضجر وضاق قلبه بكثرة مخالفات قومه فاحب ان ينزل العذاب بمن ابى منهم فامر بالصبر وترك الاستعجال ثم اخبر عن قرب العذاب فقال كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ من العذاب فى الاخرة لَمْ يَلْبَثُوا فى الدنيا زمانا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ استقصروا من هوله مدة لبثهم فى الدنيا حتى يحسبونها ساعة ولان ما مضى وان كان طويلا فهو إذا انقضى صار كان لم يكن وجملة كانّهم واقع موقع التعليل لعدم الاستعجال

_ (1) هنا بياض فى الأصل 12

فى تعذيب الكفار ثم قال بَلاغٌ اى هذا الذي وعظتم به او هذه السورة او هذا القران وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم اى كفاية او تبليغ الرسول وتنكير البلاغ للتعظيم والتفخيم وقيل بلاغ مبتدا خبره لهم وما بينهما اعتراض اى لهم وقت يبلغون اليه كانهم إذا بلغوه رأسا وراوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم فَهَلْ يُهْلَكُ الاستفهام للانكار اى لا يهلك بالعذاب أحد إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) الخارجون عن الاتعاظ او الطاعة قال الزجاج تأويله لا يهلك مع رحمة الله وفضله الّا القوم الفاسقون- ولهذا قال قوم ما فى الرجاء لرحمة الله اية أقوى من هذه الاية- الحمد لله رب العلمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين تمت تفسير سورة الأحقاف من التفسير المظهرى الثالث عشر من الجمادى الاول من السنة الثامنة بعد الف سنة 1208 هـ- ومائتين ويتلوه تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم ان شاء الله تعالى-.

سورة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم

سورة خاتم النّبيين محمّد صلى الله عليه وسلم وهى سورة القتال وهى ثمان وثلاثون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى منعوا الناس عن الدخول فى الإسلام إذ امتنعوا عن الدخول فيه وسلوك طريقه أَضَلَّ الله أَعْمالَهُمْ (1) اى جعلها ضائعة محبطة حيث لم يقصدوا بها وجه الله ولم يجعل لها ثوابا وانما يجزون بها فى الدنيا فضلا من الله وأراد بالأعمال ما كان منها حسنا فى الظاهر كاطعام الطعام وصلة الأرحام وفك الأسارى وحفظ الجوار وقال الضحاك أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعل الدبرة عليهم. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم تخصيص للمنزل عليه مما يجب الايمان به تعظيما له واشعارا بان الايمان لا يتم بدونه وانه الاضل منه وشامل لجميع الايمانيات ولذلك أكده بقوله وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ اعتراضا على طريقة الحصر وجاز ان يكون حالا قيل حقيقته كونه ناسخا لا ينسخ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ اى غفرها وسترها بالايمان وأعمالهم الصالحة وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) اى حالهم فى الدنيا بالنصر على الأعداء وتوفيق الطاعة والحفظ عن المعاصي وتسلط الشيطان وفى الاخرة بالخلود فى النعيم ورضوان الله تعالى وقال ابن عباس يعنى عصمهم ايام حياتهم اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس انه قال الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله هم مشركوا مكة

[سورة محمد (47) : آية 3]

والّذين أمنوا وعملوا الصّالحات هم الأنصار قلت واللفظ عام. ذلِكَ اشارة الى ما مرّ من الإضلال والتكفير والإصلاح مبتدا خبره بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ اى الشيطان وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ اى القران كَذلِكَ اى ضربا مثل ذلك الضرب يَضْرِبُ اللَّهُ اى يبين لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3) الضمير راجع الى الناس او الى المذكورين من الفريقين على معنى انه يضرب لاجل الناس حتى يعتبروا أمثال الفريقين جعل الله تعالى اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار والإضلال مثلا لخيبتهم واتباع الحق مثلا للمؤمنين تكفيرا لسيئات مثلا لفوزهم.. فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من اللقاء وهو الحرب فَضَرْبَ الرِّقابِ أصله فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه مضافا الى المفعول للتأكيد والاختصار عبر به عن القتل اشعارا بانه ينبغى ان يضرب الرقبة ما أمكن فانه مفض الى القتل غالبا دون غيره من الجراحات حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ اى أكثرتم قتلهم واغلظتموهم من الثخين بمعنى الغليظ فَشُدُّوا الْوَثاقَ اى فامسكوا عنهم واسروهم وشدوا وثاقهم واحفظوهم كيلا يفروا والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً اى فاما تمنون عليهم بالإطلاق بعد الاسر وشد الوثاق منّا او يفدون فداء- قال البغوي اختلف العلماء فى حكم هذه الاية فقال قوم هى منسوخة بقوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله تعالى فامّا تثقفنّهم فى الحرب فشرّد بهم من خلفهم والى هذا القول ذهب قتادة والضحاك والسدىّ وابن جريج وهو قول الأوزاعي وبه قال ابو حنيفة رحمه الله فى رواية- قلت قوله تعالى فشرّد بهم من خلفهم لا يصلح ناسخا لهذه الاية وقوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم مخصوص بالبعض حيث جاز استرقاق الأسارى بالإجماع واستبقاؤهم ذمة لنا عند ابى حنيفة ومالك فبقى ظنى الدلالة فى الباقي فلا يصلح ناسخا لهذه الاية لكونها قطعية- وذهب الآخرون الى انها محكمة والامام بالخيار فى الرجال العاقلين من الكفار إذا

وقعوا فى الاسر بين ان يقتلهم او يسترقهم او يمن عليهم فيطلقهم بلا عوض او يفاديهم بالمال او بأسارى المسلمين واليه ذهب ابن عمرو به قال الحسن وعطاء واكثر الصحابة والعلماء وهو قول الثوري والشافعي واحمد وإسحاق وقال ابن عباس لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم انزل الله عزّ وجلّ فى الأسارى فامّا منّا بعد وامّا فداء وهذا هو الأصح والاختيار لانه عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده قلت فهذه الاية ناسخة لقوله تعالى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فانها نزلت فى غزوة بدر سنة اثنين وقد منّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأسرى بعد ذلك فى الحديبية سنة ست وغير ذلك- عن انس ان ثمانين رجالا من اهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غزوة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فاخذهم سلما فاستحياهم وفى رواية فاعتقهم فانزل الله تعالى وهو الّذى كفّ أيديهم عنكم وايديكم عنهم ببطن مكّة من بعد ان أظفركم عليهم- رواه مسلم وقد ذكرنا مسائل احكام الأسارى واختلاف العلماء وما ورد فى الباب من الأحاديث فى سورة الأنفال فى تفسير قوله تعالى ما كان لنبىّ ان يكون له اسرى حتّى يثخن فى الأرض- حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ اى اهل الحرب اى المحاربين أَوْزارَها يعنى اثقالها وهى الاسلحة يعنى ينقطع الحرب ولم يبق الا مسلم او مسالم وقيل الأوزار الآثام والمعنى يضع اهل الحرب من المشركين اثامها بان يتوبوا من كفرهم ويؤمنوا بالله ورسوله وقيل حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بان يسلموا والمعنى اثخنوا المشركين بالقتل والاسر حتى يدخل اهل الملل كلها فى الإسلام جعل الله سبحانه انقطاع الحرب غاية للضرب او الشد او المن او الفداء او للمجموع يعنى هذه الاحكام جارية حتى لا يكون حرب مع المشركين

بزوال شوكتهم وذلك عند نزول عيسى بن مريم عليه السلام عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناولهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال- رواه ابو داود وروى البغوي عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الجهاد ماض منذ بعثني الله الى ان يقاتل اخر أمتي الدجال ذلِكَ خبر مبتدا محذوف اى الأمر فيهم ذلك او مبتدا خبره محذوف اى ذلك ثابت او مفعول لفعل محذوف اى افعلوا بهم ذلك فهو تأكيد لما سبق وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ اى لانتقم من الكفار بان يهلكهم من غير تعب منكم فى الجهاد وَلكِنْ أمركم بالقتال لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ اى ليبلو المؤمنين بالكافرين بان يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب والكافرين بالمؤمنين بان يعاجلهم بالعقوبة بايديهم كى يرتدع بعضهم من الكفر ويستوجب بعضهم النار والجملة بيان لحكمة شرعية القتال مع القدرة على استيصالهم بلا تجشم قتال من المؤمنين وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قرأ اهل البصرة وحفص قتلوا بضم القاف وكسر التاء على البناء للمفعول من المجرد وهم الشهداء والباقون قاتلوا بالألف من المقاتلة وهم المجاهدون فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) خبر للمبتدا الموصول المتضمن لمعنى الشرط اى لا يبطل أعمالهم بارتكاب المعاصي بل يكفر سيئاتهم ويثيب على حسناتهم اخرج البزار والبيهقي والاصفهانى فى الترغيب عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء ثلاثة رجل خرج بنفسه وماله محتسبا فى سبيل الله يريد ان يقاتل ويقتل بكثّر سواد المسلمين فان مات او قتل غفرت له ذنوبه كلها وأجير من عذاب القبر ويؤمن من الفزع الأكبر ويزوج من الحور العين ويحل حلة الكرامة ويوضع على رأسه تاج الوقار والثاني رجل خرج بنفسه وماله محتسبا يريدان يقتل ولا يقتل فان مات او قتل كانت ركبتيه مع ابراهيم خليل الرحمان بين يدى الله فى مقعد صدق عند مليك مقتدر والثالث رجل خرج بنفسه

[سورة محمد (47) : آية 5]

وماله محتسبا يريد ان يقتل ويقتل فان مات او قتل جاء يوم القيامة شاهرا سيفه واضعه على عاتقه والناس جاثون على الركب يقولون الا افسحوا لنا فانا بذلنا دماءنا وأموالنا لله حتى يأتوا منابر من نور تحت العرش فيجلسون عليها ينظرون كيف يقضى بين الناس لا يجدون غم الموت ولا يفتنون فى البرزخ ولا يفزعهم الصيحة ولا يهمهم الحساب ولا الميزان ولا الصراط ولا هم يسئلون شيئا الا اعطوا ولا يشفعون فى شىء الا شفعوا ويعطون من الجنة ما احبّوا ويتبؤون من الجنة حيث احبّوا والله اعلم. اخرج ابن ابى حاتم عن قتادة قال ذكر لنا انه نزلت هذه الاية الّذين قتلوا فى سبيل الله يوم أحد وقد نشب فيهم الجراحات والقتل وقد نادى المشركون بوعيد اعل هبل فنادى المسلمون الله أعلى وأجل فقال المشركون ان لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا الله مولانا ولا مولى لكم. سَيَهْدِيهِمْ فى الدنيا الى الرشك وفى الاخرة الى الدرجات العلى وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) اى حالهم فى الدارين اما فى الدنيا فلمن لم يقتل ادرجوا فى القتلى تغليبا او لانهم لما خرجوا للقتال ورضوا بان يّقتلوا اعطوا ثوابهم فى الدارين واما فى الاخرى فلمن قتل ولمن لم يقتل بان يكفر سيئاتهم ويقبل حسناتهم ويرضى خصمائهم- اخرج ابو نعيم فى الحلية عن سهل بن سعد والبزار والبيهقي فى شعب الايمان عن ابن عمر قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة يقضى الله تعالى عنهم يعنى ديونهم يوم القيامة رجل خاف العدو على بيضة المسلمين وليس عنده قوة فادّ ان دينا فابتاع به سلاحا وتقوّى به فى سبيل الله فمات قبل ان يقضيه هذا يقضى الله عنه ورجل مات عنده اخوه المسلم فلم يجد ما يكفنه منه فاستقرض فاشترى به كفنا فمات وهو لا يقدر على قضائه فهذا يقضى الله عنه يوم القيامة ورجل خاف على نفسه العنت فتعفف بنكاح امراة فمات ولم يقض فان الله يقضى عنه يوم القيامة واخرج الطبراني فى الأوسط بسند حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

[سورة محمد (47) : آية 6]

إذا التقى الخلائق يوم القيامة فادخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار نادى منادى يا اهل الجمع تتاركوا المظالم بينكم وثوابكم على الله تعالى. وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6) اى يبين لهم منازلهم فى الجنة حتى يهتدوا الى مساكنهم من غير استدلال كانهم سكانها منذ خلقوا فيكون المؤمن اهدى الى منزله ودرجته وزوجته وخدمه منهم الى منزله واهله فى الدنيا هذا قول اكثر المفسرين عن ابى هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول والذي بعثني بالحق ما أنتم فى الدنيا باعرف بازواجكم ومساكنكم من اهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم- رواه فى حديث طويل ابن جرير فى تفسيره والطبراني وابو يعلى والبيهقي فى البعث وغيرهم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ اى تنصروا دينه ورسوله يَنْصُرْكُمْ على عدوكم وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7) فى القيامة بحقوق الإسلام والمجاهدة مع الكفار-. وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ مصدر لفعل واجب إضماره سمعا اى فتعسوا تعسا والجملة خبر للموصول او مفسر لناصبه قال ابن عباس معناه بعدا لهم وقال ابو العالية سقوطا لهم وقال الضحاك خيبة لهم وقال ابن زيد شتّا لهم قال الفراء نصب على المصدر على سبيل الدعاء وقيل معناه فى الدنيا العثرة وفى الاخرة التردي فى النار ويقال للعاثر إذا لم يريدوا قيامه تعسا وضده لعا وفى القاموس التعس الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد والانحطاط وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) لانها كانت فى طاعة الشيطان عطف على ناصب تعسا. ذلِكَ التعس والإضلال بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ يعنى القران لما فيه من التوحيد والتكاليف المخالفة لما الفوه واشتهته أنفسهم فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9) كرره اشعارا بان ذلك من لوازم الكفر. أَفَلَمْ يَسِيرُوا يعنى اهل مكة فِي الْأَرْضِ الاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره الم يخرجوا فلم يسيروا فى الأرض فَيَنْظُرُوا جواب للنفى او معطوف عليه اى فلم ينظروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ

[سورة محمد (47) : آية 11]

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم المكذبة للرسل دَمَّرَ اللَّهُ اى استأصل عَلَيْهِمْ على أنفسهم وأهليهم وأولادهم وأموالهم جملة مستأنفة وَلِلْكافِرِينَ يعنى اهل مكة وضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل على كفرهم أَمْثالُها (10) اى أمثال تلك العاقبة او العقوبة او الهلكة لان التدمير يدل عليها. ذلِكَ النصر للمؤمنين والقهر على الكافرين بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا اى وليهم وناصرهم فيؤيدهم ويوفقهم ويسدد أمرهم ويدفع عنهم خطرات الشيطان حيث قال الله تعالى انّ عبادى ليس لك عليهم سلطان وَأَنَّ الْكافِرِينَ الذين قدر عليهم الكفر وسلطان الشيطان لا مَوْلى لَهُمْ (11) . إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ بمتاع الدنيا أياما قلائل وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ صفة لمصدر محذوف وما مصدرية اى أكلا كأكل الْأَنْعامُ حريصين غافلين عن المنعم تاركين شكره غير خائفين عن العاقبة وَالنَّارُ مَثْوىً اى منزل ومقام لَهُمْ (12) الجملة حال من فاعل تأكلون. وَكَأَيِّنْ اى كثير مبتدا مِنْ قَرْيَةٍ اى اهل قرية حذف المضاف واجرى على المضاف اليه احكام المضاف فقال هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً صفة لقرية روعى لفظ القرية وانث الضمير مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ اى اخرجك أهلها أسند الإخراج إليهم باعتبار التسبيب فان النبي صلى الله عليه وسلم انما خرج من مكة لاجل إيذاء أهلها اخرج ابو يعلى وذكره البغوي عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال لمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى الغار التفت الى مكة وقال أنت أحب بلاد الله الى الله وأحب بلاد الله الىّ ولو ان المشركين لم يخرجونى لم اخرج منك فانزل الله تعالى هذه الاية أَهْلَكْناهُمْ خير مبتدا روعى فى الضمير فان المراد من القرية أهلها فَلا ناصِرَ لَهُمْ (13) حكاية حال ماضية اى فلم يكن لهم حينئذ ناصر. أَفَمَنْ كانَ الاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره ايستوى المؤمن الذي الله مولاه والكافر الذي لا مولى له أصلا فمن كان

[سورة محمد (47) : آية 15]

عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ اى على يقين مستند الى حجة من عند ربه اى الى القرآن او ما يعمه والحجج العقلية كالنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ اى زين لهم الشيطان سُوءُ عَمَلِهِ من الشرك والمعاصي وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) فعبدوا الأوثان بلا شبهة لهم فضلا عن حجة.. مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ الضمير الراجع الى الموصول محذوف اى وعد بها المتّقون- مثل الجنّة اى صفتها العجيبة مبتدا محذوف الخبر تقديره يتلى عليكم فيما بعد وقيل خبره كمن هو خالد فى النّار وتقدير الكلام أمثل اهل الجنّة كمثل من هو خالد فى النّار او أمثل الجنّة كمثل جزاء من هو خالد فى النّار فعرى عن حرف الإنكار وحذف ما حذف استغناء بجرى مثله تصوير المكابرة من يسوى بين المتمسك بالبينة والتابع للهوى بمكابرة من يسوى بين الجنة والنار وقيل خبره فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ صفة لانهار غَيْرِ آسِنٍ الجملة ان لم يكن خبر المثل فهو اما استئناف لشرح المثل او حال من العائد المحذوف اى مثل الجنّة الّتى وعد بها المتّقون كائنة فيها انهار من ماء غير أسن قرأ ابن كثير بالقصر والباقون بالمد وهما لغتان اى غير متغير طعمه ولا ريحه كما يتغير مياه الدنيا بطول المكث وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ كما يتغير البان الدنيا الى الحموضة وغيرها وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ اى لذيذة تأنيث لذّ او مصدر نعت به بإضمار اى ذات لذة او تجوزا للمبالغة لِلشَّارِبِينَ لا يكون فيها كراهة ريح ولا غائلة سكر وخمار بخلاف خمر الدنيا فانها كريهة عند الشرب وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى لم يخالطه الشمع ولا فضلات النحل وغيرها. عن معاوية بن حيدة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ان فى الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم يشق الأنهار منها- رواه الترمذي وصححه والبيهقي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انهار الجنة

يفجر من جبل مسك- رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي والطبراني وابن ابى حاتم وعن مسروق قال انهار الجنة تجرى من غير أخدود- رواه ابن المبارك والبيهقي وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلكم تظنون ان انهار الجنة أخدود فى الأرض لا والله انها سابحة على وجه الأرض حافتاه خيام اللؤلؤ وطينها المسك الأزفر- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله سبحان وجيحان والفرات والنيل كلها من انهار الجنة- رواه مسلم وعن عمرو بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعة انهار الجنة النيل والفرات وسيحان وجيحان واربعة جبال من جبال الجنة أحد والطور ولبنان ودرقان ( «1» ) وعن كعب الأحبار قال نهر النيل هو نهر العسل ونهر دجلة نهر اللبن ونهر الفرات نهر الخمر فى الجنة ونهر سيحان نهر الماء فى الجنة- رواه البيهقي وذكر البغوي قول كعب نهر دجلة نهر ماء اهل الجنة ونهر الفرات نهر لبنهم ونهر مصر نهر خمرهم ونهر سيحان نهر عسلهم وهذه الأنهار الاربعة تخرج من نهر الكوثر- وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ صنف عطف على فيها انهار عن ابن عباس قال ما فى الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة الا وهى فى الجنة حتى الحنظل- رواه ابن ابى حاتم وابن المنذر فى تفسيرهما وعن ابن عباس قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة الا الأسماء رواه ابن جرير وابن ابى حاتم ومسدد فى مسنده وهناد فى الزهد والبيهقي وعن ثوبان انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا ينزع رجل من اهل الجنة من ثمرها الا أعيد فى مكانها مثلها وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ فهو راض عنهم ابدا مع إحسانه إليهم بما ذكر بخلاف السيد للعبد فى الدنيا فانه قد يسخط عليه عطف على الصنف المحذوف او مبتدا خبره محذوف اى لهم مغفرة من ربهم كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ هذا على تقدير كون مثل الجنة مبتدا محذوف الخبر او كون

_ (1) هكذا بياض فى الأصل 12

[سورة محمد (47) : آية 16]

خبره فيها انهار خبر لمبتدا محذوف تقديره أمن هو خالد فى تلك الجنة كمن هو خالد فى النّار او بدل من قوله كمن زيّن له وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من زيّن سوء عمله ممن هو على بيّنة من ربّه فى الاخرة تقريرا لانكار المساواة وَسُقُوا ماءً حَمِيماً عطف على هو خالد نظرا الى لفظة من وجمع سقوا نظرا الى معناه فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15) لشدة الحر فخرجت من ادبارهم اخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال كان المؤمنون والمنافقون يجتمعون عند النبي صلى الله عليه وسلم فيستمع المؤمنون منه ما يقول ويعونه ويستمع المنافقون ولا يعونه فاذا خرجوا سالوا المؤمنين ماذا قال آنفا فنزلت. وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ عطف على والّذين كفروا يتمتّعون وما بينهما معترضات وهم المنافقون يستمعون قول النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعونه ولا يفهمونه تهاونا به وتغافلا او لما لا يعتقدونه حقّا حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا افراد ضمير يستمع نظرا الى لفظة من وجمع ضمير خرجوا وقالوا نظرا الى المعنى لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا اى ما الذي قالَ محمد آنِفاً الساعة من قولهم انف الشيء لما تقدم منه مستعار جارحة الانف ومنه استأنف وائتنف وهو ظرف بمعنى وقتا مؤتنفا او حال من الضمير فى قال قرأ ابن كثير وهو غير ماخوذ- ابو محمد فى رواية بالقصر والباقون بالمد ومعناهما واحد قالوا ذلك استعلاما او استهزاء أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فلذلك تهاونوا بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) ولذلك استهزءوا به. وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهم المؤمنون زادَهُمْ الله بكل كلام من الرسول صلى الله عليه وسلم هُدىً علما وبصيرة ومشرح صدر وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17) اى وفقهم للعمل بما أمروا به او بين لهم ما يتقون به من النار قال سعيد بن جبير أتاهم ثواب تقواهم-. فَهَلْ يَنْظُرُونَ اى ما ينتظرون يعنى كفار مكة إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ

بَغْتَةً بدل اشتمال من الساعة والاستفهام للانكار والمعنى ان الساعة اتية بغتة لا محالة فهم لا ينتظرون الا الساعة والجملة الاستفهامية جزاء شرط محذوف تقديره ان لم يتوبوا ولم يتسارعوا فى الطاعة فلا ينتظرون للتوبة والطاعة الا وقت إتيان الساعة وحينئذ لا ينفعهم التوبة ولا يستطيعون الطاعة عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما ينتظر أحدكم الا غنى مطغيّا او فقرا منسيّا او مرضا مفسدا او هرما مفندا او موتا مجهّزا او الدجال والدجال شر غائب منتظر او الساعة والسّاعة إذ هى وامرّ ( «1» ) فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها تعليل على إتيان الساعة اى اماراتها وعلاماتها منها شق القمر قال الله تعالى اقتربت السّاعة وانشقّ القمر ومنها الدخان ومنها مبعث النبي صلى الله عليه وسلم روى مسلم وابن ماجة عن سهل بن سعد قال رايت النبي صلى الله عليه وسلم قال بإصبعيه هكذا بالوسطى والتي تلى الإبهام بعثت انا والساعة كهاتين- وروى احمد وابن ماجة والترمذي وصححة عن انس نحوه وعن انس قال لاحدثنّكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيرى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان اشراط الساعة ان يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنى ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امراة قيم واحد- وفى رواية يقل العلم ويظهر الجهل- متفق عليه وعن ابى هريرة قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدث إذ جاء أعرابي فقال متى الساعة قال إذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة قال كيف اضاعتها قال إذا وسدّ الأمر الى غير اهله فانتظر الساعة- رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتخذ الفيء دولا والامانة مغنما والزكوة مغرما وتعلم لغير الدين وأطاع الرجل امرأته وعق امه وادنى صديقه وأقصى أباه وظهرت الأصوات فى المساجد وساد القوم فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم

_ (1) هكذا بياض فى الأصل

[سورة محمد (47) : آية 19]

الرجل مخافة شره وظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ولعن اخر هذه الامة أولها فارتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام قطع سلكه فتتابع- رواه الترمذي وعن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فعل أمتي خمس عشرة خصلة حل بهم البلاء وعد هذه الخصال ولم يذكر ويعلم العلم لغير الدين وقال وبرّ صديقه وجفا أباه وقال شرب الخمر ولبس الحرير- رواه الترمذي وهذه الجملة كالعلة لاتيانها بغتة فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ الساعة ذِكْراهُمْ (18) الفاء جزائية لشرط محذوف والمعنى ان تأتيهم الساعة بغتة فكيف يكون لهم ذكرهم اى وقت مجيئها كيف يتذكرون إذ حينئذ لا ينفعهم الذكر-. فَاعْلَمْ أَنَّهُ اى الشأن لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ «1» الفاء للسببية اى إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت أنت يا محمد على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وافعالها النافع يوم القيامة وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ هضما لنفسك وإظهارا للتقصير فى العبادة بالنسبة الى جلال ربّك وعظمته وليستن به أمتك وقد فعله صلى الله عليه وسلم حيث

_ (1) عن ابى بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليكم بلا اله الا الله والاستغفار فاكثروا منها فان إبليس قال أهلكت الناس بالذنوب واهلكونى بلا اله الا الله والاستغفار فلمّا رايت ذلك أهلكتهم بالأهواء وهم يحسبون انهم مهتدون وعن يحيى بن طلحة بن عبيد الله ان عمر راى طلحة حزينا فقال له مالك قال انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انى لاعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته الا نفس الله عنه كريته وأشرق لونه واتى ما يسره وما منعنى ان اسئلهما عنها الا القدرة عليه حتى مات فقال عمر انى لاعلمها قال لا تعلم كلمة هى أعظم من كلمة امر بها؟؟؟ لا اله الا الله قال فهى والله هى وعن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات وهو يعلم ان لا اله الا الله دخل الجنة منه نور الله مرقده- 12-[.....]

[سورة محمد (47) : آية 20]

قال انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله فى اليوم مائة مرة- رواه مسلم واحمد وابو داود والنسائي من حديث الأغر المزني قلت لعل غين القلب كناية عمّا يرى الصوفي فى نفسه من ظلمات الإمكان بعدها يسند كمالاته الى جناب الرحمان قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه معرفة الله تعالى حرام على من لم ير نفسه شرّا من الكافر الفرنجى قيل عليه كيف يتصور ذلك مع ما يرى نفسه مؤمنا حقا لا اقل منه ويرى الكافر كافرا لا محالة ومعرفة فضل الايمان على الكفر من ضروريات الدين- أجاب عنه بان كل ممكن موجود فهو لا يخلو عن ظلمة الإمكان ونور الوجود المستعار من الرحمان فالعارف بالله يرى فى نفسه غالبا جانب العدم والإمكان وما فيه من الوجود واتباعه من الكمالات يجده مستعارا من الملك المنان امتثالا لامره انّ الله يأمركم ان تؤدّوا الأمانات الى أهلها ويرى فى من سواه غالبا جانب الوجود المستفاد من الرحمان فلا جرم يرى نفسه شرّا من كل من سواه وهذه المعرفة لا يزاحم معرفة فضل الايمان على الكفر باختلاف الالحاظ والحيثيات وسعة العلم والإدراكات بخلاف الغافل يرى وجوده وكمالاته مستندا الى نفسه وينادى انا خير منه ولا حول ولا قوة الا بالله وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ اى استغفر لذنوبهم بالدعاء لهم والتحريض على ما يستدعى لغفرانهم وفى إعادة الجار وحذف المضاف اشعار لفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وانها جنس اخر قال البغوي هذا إكرام من الله تعالى لهذه الامة حيث امر نبيهم صلى الله عليه وسلم ان يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) قال ابن عباس متقلّبكم مصرفكم ومنتشركم فى أعمالكم فى الدنيا ومثويكم مصيركم فى الاخرة الى الجنة او النار وقال مقاتل وابن جرير منصرفكم لاشتغالكم بالنهار ومثويكم ماويكم الى مضاجعكم بالليل وقال عكرمة متقلّبكم من أصلاب الآباء الى أرحام الأمهات ومثويكم مقامكم فى الأرض وقال ابن كيسان متقلّبكم من ظهر الى بطن ومثويكم مقامكم فى القبور والمعنى انه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شىء منها فاحذروه والخطاب للمؤمنين وغيرهم. وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا حرصا منهم على الجهاد لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ تأمرنا

[سورة محمد (47) : آية 21]

بالجهاد فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ اى امر بالجهاد قيل معنى محكمة مبينة لا يحتمل وجها الا وجوب القتال وقال قتادة كل سورة ذكر فيها الجهاد فهى محكمة لان وجوب القتال نسخ ما كان قبل ذلك من الصلح والمهادنة ولا يرد عليه النسخ وهو ماض الى يوم القيامة وكل سورة ذكر فيها القتال كانت هى أشد القران على المنافقين رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اى ضعف وجبن يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ جبنا ومخافة نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) اى خير لهم. طاعَةٌ اى طاعة الله ورسوله فى الجهاد وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ اى قول سمعنا واطعنا فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ اى جد الأمر اى جد اصحاب الأمر على القتال فالاسناد اليه مجاز او المعنى لزم وفرض القتال فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ فيما زعموا من الحرص على الجهاد لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21) وجملة لو صدقوا جزاء شرط وقيل جزاء الشرط محذوف وهذه مستأنفة تقديره فاذا عزم الأمر لم يصدقوا الله ولو صدقوا الله لكان خيرا لّهم. فَهَلْ عَسَيْتُمْ فيه التفات من الغيبة الى الخطاب اى فهل يتوقع منكم ايها اصحاب الجبن إِنْ تَوَلَّيْتُمْ اى أعرضتم عن متابعة الرسول شرط مستغن عن الجزاء لوقوعه فى جملة تدل على الجزاء أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعاصي لاجل مخالفة الرسول وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22) اى تخالفوا اقرباءكم المؤمنين المجاهدين فى سبيل الله وان مع جملته فاعل لعسيتم والاستفهام للانكار يعنى لا تكونوا بحيث يتوقع منكم الفساد فى الأرض بالكفر والمعاصي وقطع الأرحام «1» .

_ (1) عن بريدة قال كنت جالسا عند عمر إذ سمع صائحا فقال يا يرفا انظر ما هذا الصوت فنظر ثم جاء فقال جارية من قريش تباع أمها فقال عمر ادع المهاجرين والأنصار فلم يمكث الا ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة فحمد الله واثنى عليه فقال اما بعد فهل تعلمون كان فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم الفظيعة قالوا لا قال فلما قد أصبحت فيكم فاشبة ثم قرأ فهل عسيتم ان تولّيتم ان تفسدوا فى الأرض وتقطّعوا أرحامكم ثم قال واىّ فظيعة اقطع من ابتياع أم امرئ فيكم وقد أوسع الله لكم قالوا فاصنع ما بدا لك- فكتب فى الآفاق ان لا يبتاع أم حرفانها قطيعة رحم وانه لا يحل منه برد الله مضجعه- 12- .

[سورة محمد (47) : آية 23]

أُولئِكَ يعنى المفسدين فى الأرض والقاطعين الأرحام مبتدا خبره الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ اى ابعدهم عن رحمته فَأَصَمَّهُمْ عن استماع الحق وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23) عن ملاحظته هذه الجملة فى مقام التعليل للانكار فى قوله فهل عسيتم وقيل المراد بالّذين فى قلوبهم مرض المنافقون والمرض الشك والنفاق وقوله فاولى لهم اى فويل شديد لهم أفعل من الويل او من الولي بمعنى القرب او فعلى من ال ومعناه الدعاء عليهم بان يليهم المكروه او يؤل اليه أمرهم- وطاعة وقول معروف مبتدا محذوف الخبر اى وطاعة وقول معروف خير لهم او حكاية عن قولهم اى يقولون طاعة اى أمرنا طاعة وقول معروف فلو صدقوا الله فيما قالوا ان أمرنا طاعة لكان خيرا لهم لكنهم كذبوا فهل عسيتم ان تولّيتم امر الناس يعنى تأمرتم عليهم ان تفسدوا فى الأرض بالظلم- نزلت فى بنى امية وبنى هاشم يدل عليه قراءة على بن ابى طالب ان تولّيتم بضم التاء والواو على البناء للمفعول اى ان وليتم ولاة جائرة خرجتم معهم فى الفتنة وعاديتموهم أولئك الّذين لعنهم الله فاصمّهم وأعمى أبصارهم قال ابن الجوزي انه روى القاضي ابو يعلى فى كتابه المعتمد الأصول بسنده عن صالح بن احمد بن حنبل انه قال قلت لابى يا أبت يرعم بعض الناس انا نحب يزيد بن معاوية فقال احمد يا بنى هل يسوغ لمن يؤمن بالله ان يحب يزيد ولم لا يلعن رجل لعنه الله فى كتابه قلت يا أبت اين لعن الله يزيد فى كتابه قال حيث قال فهل عسيتم ان تولّيتم ان تفسدوا فى الأرض وتقطّعوا أرحامكم أولئك الّذين لعنهم الله فاصمّهم وأعمى أبصارهم-.

[سورة محمد (47) : آية 24]

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ اى لا يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر فيتضح لهم الحق والاستفهام للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره أيغفلون فلا يتدبّرون القران أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (24) أقفال القلوب استعارة بالكناية شبّه القلوب بالخزائن واثبت لها ما يناسب الخزائن من الأقفال على وجه التخييل وأضاف الأقفال الى القلوب للدلة على انها أقفال مناسبة لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة وهذا الكلام كناية عن عدم الاستعداد ونفى قابلية القلوب للاتعاظ بالكلية فلا يفهمون مواعظ القران وان تدبروا فرضا. وتنكير قلوب لان المراد قلوب بعض منهم او للاشعار بانها لابهام أمرها فى القساوة او لفرط جهالتها كانها مبهم مكنوزة روى البغوي عن هشام بن عروة عن أبيه قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا يتدبّرون القرءان أم على قلوب اقفالها فقال شابّ من اهل اليمن بل على قلوب اقفالها حتى يكون الله يفتحها او يفرجها فما زال الشابّ فى نفس عمر حتى ولّى فاستعان «1» به.. إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ اى على ما كانوا عليه من الكفر مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى قال عروة هم كفار اهل الكتاب كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفوه ووجدوا نعته فى التوراة وقال ابن عباس والضحاك والسدىّ هم المنافقون الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ اى سهّل لهم اقتراف الكبائر من السؤال وهو الاسترخاء وقيل حملهم على الشهوات من السول وهو التمني وَأَمْلى لَهُمْ (25) قرأ اهل البصرة بضم الالف وكسر اللام وفتح الياء «ويعقوب بإسكان الياء ابو محمد» على ما لم يسم فاعله من الماضي وقرأ مجاهد بإسكان الياء على صيغة المضارع المتكلم من الافعال وروى هذه القراءة عن يعقوب والمعنى وانا املى لهم اى امهلهم والواو

_ (1) وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا يتدبّرون القرءان أم على قلوب اقفالها فقال شابّ عند النبي صلى الله عليه وسلم بلى والله عليها اقفالها حتى يكون الله هو يفكها فلمّا ولّى عمر سال عن ذلك الشابّ ليستعمله فقيل قد مات 12 منه برد الله مضجعه-

[سورة محمد (47) : آية 26]

للحال او الاستئناف والباقون بفتح الالف اى املى الشيطان يعنى مدلهم فى الآمال والأماني وجملة انّ الّذين ارتدّوا مستأنفة فى جواب ما سبب ذلك. ذلِكَ اى تسويل الشيطان وامهال الله سبحانه بِأَنَّهُمْ اى بسبب انّهم قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ اى قال اليهود الذين كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تبين لهم نعته من التوراة للمنافقين او قال المنافقون لهم او أحد الفريقين للمشركين سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ اى فى بعض أموركم او فى بعض ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد او الموافقة لهم فى الخروج معهم ان اخرجوا او على التعاون على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) حال من فاعل قالوا قرأ اهل الكوفة غير ابى بكر بكسر الهمزة على المصدر والباقون بفتحها على انه جمع السر ومن أسرارهم قولهم لهذا الذي أفشاه. فَكَيْفَ الفاء للسببية والاستفهام للتعجيب إِذا تَوَفَّتْهُمُ الظرف متعلق بفعل محذوف تقديره فكيف يحتالون إذا توفتهم الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ حال من الملائكة وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27) بمقامع من حديد. ذلِكَ التوفى على هذا التوجه بِأَنَّهُمُ اى بسبب انّهم اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ قال ابن عباس بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ اى ما يرضاه من الايمان والجهاد وغيرهما من الطاعات فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) لذلك-. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اى نفاق أم منقطعة بمعنى بل والهمزة والكلام متصل بقوله الشّيطان سوّل لهم او بقوله أم على قلوب اقفالها أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (29) اى لن يظهر الله لرسوله والمؤمنين أحقادهم عليهم أم منقطعة للاضراب عما سبق والاستفهام للانكار على حسبانهم. وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ اى لأعلمناكهم وأعرفناكهم جملة معترضة او حال بتقدير ونحن لو نشاء لاريناكهم فَلَعَرَفْتَهُمْ باعلامنا بِسِيماهُمْ اى بعلاماتهم التي نسمهم بها واللام لام الجواب كررت فى المعطوف قال البغوي قال

[سورة محمد (47) : آية 31]

انس فما خفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الاية شىء من المنافقين كان يعرفهم بسيمهم وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ جواب قسم محذوف ولحن القول ازالة الكلام عن جهته الى تعريض وتورية والمعنى انك تعرفهم فيما يعرضون من تهجين أمرك وامر المسلمين والاستهزاء بهم والذم بصورة المدح قال البغوي فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم الا عرفه بقوله وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30) الحسنة من القبيحة فان حسن الأعمال وقبحها فيما سوى ما فيه قبح ذاتى كالكفر والزنى يتعلق بالنيات ولا يعلمها الا الله فيجازيكم على حسب قصدكم ونيتكم. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بان نأمركم بالجهاد وجواب قسم محذوف حَتَّى نَعْلَمَ علما بعد الوجود كما كنا نعلم قبل الوجود بانه سيكون او المعنى حتى نميّز او المعنى حتى يعلم اولياؤنا الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ على مشاق الجهاد وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31) ما يخبر به عن أعمالكم فيظهر حسنها او قبحها او اخباركم عن ايمانكم وموالاتكم المؤمنين فى صدقها وكذبها قرأ ابو بكر الافعال الثلاثة بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الله تعالى فيوافق قوله تعالى الله يعلم والباقون بالنون على التكلم ونبلوا «1» بسكون الواو على تقدير ونحن نبلوا-. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى منعوا الناس عن الايمان واتباع الرسول وَشَاقُّوا الرَّسُولَ اى خالفوه مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى هم قريظة والنضير والمطعمون يوم بدر كانوا اثنا عشر رجلا من كفار مكة يطعمون عسكر الكفار فى يوم نوبته لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ بكفرهم شَيْئاً من المضرة انما يضرون أنفسهم وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (32) فلا يجدون عليها ثوابا فى الاخرة او لا يترتب عليه منفعة فى

_ (1) وقع التسامح في العبارة هاهنا والغرض انه قرأ رويس ونبلوا بإسكان الواو والباقون بالفتح- ابو محمد عفا الله عنه-

[سورة محمد (47) : آية 33]

الدنيا قال ابن عباس هم المطعمون يوم بدر نظيره قوله تعالى انّ الّذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله فسينفقونها ثمّ تكون عليهم حسرة ثمّ يغلبون-. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33) قال ابن عباس وعطاء لا تبطلوها بالشك والنفاق او العجب وقال الكلبي بالرياء والسمعة وقال الحسن بالمعاصي والكبائر واخرج ابن ابى حاتم ومحمد بن نصر المروزي فى كتاب الصلاة عن ابى العالية قال كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون انه لا يضرّ مع لا اله الا الله ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل فنزلت هذه الاية فخافوا ان يبطل العمل بالذنب وكذا ذكر البغوي عنه وقال مقاتل لا تمنّوا على رسول الله بإسلامكم فتبطل أعمالكم. (مسئلة) من شرع فى صلوة او صوم او حج او عمرة او غير ذلك تطوعا يجب عليه الإتمام ولا يجوز له الإفساد فى ظاهر الرواية عن ابى حنيفة الا بعذر كذا ذكر صاحب الهداية والقدورى وغيرهما- وهل الضيافة عذر لافطار الصوم تطوعا قيل نعم وقيل لا وقيل عذر قبل الزوال لا بعده الا إذا كان فى عدم الفطر عقوق الوالدين فان أفسد الصلاة او الصوم بعد الشروع تطوعا يجب عليه القضاء عند ابى حنيفة وعند مالك وفى رواية المنتقى عن ابى حنيفة يباح للمتطوع بالصوم الإفطار بغير عذر ويجب عليه القضاء وقال الشافعي واحمد يجب فى العمرة والحج الإتمام والقضاء ان أفسد بخلاف الصلاة والصوم وغيرهما من النوافل فانه يستحب عندهما الإتمام وله قطعهما ولا قضاء عليه- لنا هذه الاية فانها وان كانت واردة فى النهى عن ابطال العمل بالشك والنفاق او بالمعاصي او بالرياء والسّمعة والعجب لكنها بصيغتها يعم الابطال قبل إتمامها بالإفساد لان القدر المودي قربة وعمل وكذا بعده بفعل ما يحبطه من الكبائر

او الرياء والسمعة او العجب- ولنا ايضا الأحاديث منها حديث عروة عن عائشة قالت أهديت لحفصة شاة ونحن صائمتان فافطرتنى فلمّا دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له فقال ابد لا مكانه- رواه احمد من طريق سفيان بن حسين عن عروة عن عائشة والترمذي من طريق جعفر بن برقان عن عروة عنها بلفظ قالت كنت وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فاكلنا منه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتنى اليه حفصة فقالت يا رسول الله انا كنا صائمتين فعرض طعام اشتهيناه فاكلنا منه قال اقضيا يوما اخر مكانه- وكذا اخرج ابو داود والنسائي عن زميل عن عروة عنها وأعله البخاري بانه لا يعرف لزميل سماع من عروة ولا ليزيد سماع من زميل «1» وقال الترمذي روى هذا الحديث صالح بن ابى الأخضر ومحمد بن على بن ابى حفصة عن الزهري عن عروة عن عائشة وروى مالك بن انس ومعمر وعبيد الله بن عمرو وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا ولم يذكروا فيه عروة وهذا أصح لانه روى عن ابن جريج قال سالت الزهري احدّثك عروة عن عائشة قال لم اسمع من عروة فى هذا شيئا ولكن سمعنا فى خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سال عائشة عن هذا الحديث انتهى. قال ابن همام قول البخاري مبنى على اشتراط العلم بذلك والمختار الاكتفاء بالعلم بالمعاصرة ولو سلم إعلاله وأعلال الترمذي فهو قاصر على هذا الطريق فانما يلزم لو لم يكن له طريق اخر لكن رواه ابن حبان فى صحيحه عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت أصبحت انا وحفصة صائمتين متطوعتين الحديث ورواه ابن ابى شيبة من طريق اخر غيرهما عن خصيف عن سعيد بن جبير ان عائشة وحفصة الحديث ورواه الطبراني فى

_ (1) وفى الأصل ولا ليزيد سماع من عروة 12

معجمه من حديث خصيف عن عكرمة عن ابن عباس ان عائشة وحفصة كانتا صائمتين الحديث- ورواه البزار من طريق اخر عن الحماد بن وليد عن عبيد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر قال أصبحت عائشة وحفصة صائمتين الحديث لكن الحماد بن الوليد ضعيف واخرج الطبراني من غير الكل فى الأوسط حدثنا موسى بن هارون حدثنا محمد بن مهرن الجمال قال ذكره محمد بن ابى سلمة المكي عن محمد بن عمروية عن ابى سلمة عن ابى هريرة قال أهديت لعائشة وحفصة هدية وهما صائمتان فاكلتا منها فذكرتا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اقضيا يوما مكانه ولا تعودا قال ابن همام فثبت هذا الحديث ثبوتا لا مرد له ولو كان كل طريق من هذه الطرق ضعيفا لتعددها وكثرة مجيئها كيف وبعض طرقه مما يحتج به قلت والمرسل عندنا حجة وما قال ابن الجوزي ان الأمر بالابدال يوما مكانه محمول على الاستحباب خروج عن مقتضاه بغير موجب بل هو محفوف مما يوجب مقتضاه ويؤكده وهو قوله تعالى لا تبطلوا أعمالكم فان قيل كيف يقال هذه الاية مؤكدة لهذا الحديث مع ان المخالفة ظاهرة فان الاية تدل على منع الإفطار بعد الشروع ولا دلالة فيها على وجوب القضاء والحديث يدل على جواز الإفطار مع وجوب القضاء- قلنا دلالة الاية على منع الإفطار دلالة على وجوب القضاء فان منع الابطال عبارة عن وجوب الإتمام ووجوب الشيء يقتضى وجوب قضائه بالمثل المعقول عند الفوات ان كان له مثل وليس فى الحديث دلالة على جواز الإفطار بل على وجوب القضاء فقط ووجوب القضاء يترتب على وجوب الإتمام وحرقه الإفطار وقوله صلى الله عليه وسلم لا تعودا صريح فى حرمة الإفطار وهذا هو ظاهر الرواية عن ابى حنيفة رحمه الله. وفى الباب أحاديث اخر منها ما رواه الدار قطنى عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة عن عائشة أم المؤمنين قالت دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى أريد الصوم واهدى له حيس فقال انى أكل وأصوم يوما مكانه-

قال الدار قطنى لم يزد هذا اللفظ عن ابن عيينة غير محمد بن عمرو ابو العباس الباهلي ولم يتابع على قوله وأصوم يوما مكانه ولعله شبه عليه قال الحافظ لكن رواه النسائي عن محمد بن منصور عن ابن عيينة وكذا رواه الشافعي عن ابن عيينة وذكر ان ابن عيينة زادها قبل موته بسنة انتهى قال الحافظ ابن حجر ابن عيينة كان فى الاخر قد تغيّر ومنها ما رواه الدار قطنى بسنده عن محمد بن ابى حميد عن ابراهيم بن عبيد قال صنع ابو سعيد الخدري طعاما فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال رجل من القوم انى صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع لك أخوك أفطر وصم يوما مكانه- قال الدار قطنى هذا مرسل وقال ابن الجوزي محمد بن ابى حميد ليس بشئ وقال النسائي ليس بثقة وقال ابن حبان لا يحتج به ومنها ما رواه الدار قطنى عن جابر بن عبد الله قال صنع رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلمّا اتى الطعام تنحى أحدهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تكلف لك أخوك وصنع ثم تقول انى صائم كل وصم يوما مكانه- فيه عمر بن حليف قال ابن عدى كان متهما بوضع الحديث وكذا قال ابن حبان ومنها ما رواه الدار قطنى من حديث ثوبان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما فى غير رمضان فاصابه غم أذاه فتقيا فقاء فدعا بوضوء فتوضا ثم أفطر فقلت يا رسول الله أفريضة الوضوء من القيء قال لو كان فريضة لوجدته فى القران قال ثم صام الغد فسمعته يقول هذا مكان إفطاري أمس- فيه عتبة بن السكن قال الدار قطنى متروك الحديث ومنها ما رواه الدار قطنى بسنده عن محمد بن ابى حميد عن الضحاك بن حمزة عن منصور عن أم سلمة انها صامت يوما تطوعا فافطرت فامرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تقضى يوما مكانه- قال يحيى الضحاك ليس بشئ وقال ابو زرعة محمد بن حميد كذاب-

احتج الشافعي واحمد بأحاديث الاول حديث جويرية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهى صائمة فقال لها اصمت أمس قالت لا قال لا تصومينى غدا قالت لا قال فافطرى- رواه البخاري وروى احمد عن ابى عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية فذكر الحديث نحوه الثاني حديث عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها فيقول أصبح عندكم شىء تطعمونيه فنقول لا ما أصبح عندنا شىء فيقول انى صائم ثم جاءها بعد ذلك فقالت أهديت لنا هدية فخبأنا لك فقال ما هى قالت حيس قال قد أصبحت صائما فاكل- رواه مسلم ورواه الدار قطنى والبيهقي بلفظ انه دخل عليها فقال هل عندكم شىء قلت لا قال فانى إذا صائم قالت ودخل علىّ يوما اخر فقال أعندكم شىء قلت نعم قال اذن أفطر وان كنت قد فرضت الصوم- الثالث حديث أم سليم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح الليل وهو يريد الصوم فيقول أعندكم شىء أتاكم شىء قالت فنقول او لم تصبح صائما فيقول بلى ولكن لا بأس ان أفطر ما لم يكن نذرا او قضاء رمضان رواه الدار قطنى وفى سنده محمد بن عبيد الله العرزمي ضعيف الرابع حديث ابى جحيفة قال أخي النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وابى الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فراى أم الدرداء مبتذلة فقال لها ما شأنك قال أخوك ابو الدرداء ليس له حاجة فى الدنيا فجاء ابو الدرداء وصنع له طعاما فقال كل فقال انى صائم فقال ما انى أكل حتى تأكل فاكل فلما كان الليل ذهب ابو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم قال نم فلما كان اخر الليل قال سلمان قم الان فصليا فقال له سلمان ان لربك عليك حقّا ولنفسك عليك حقّا ولاهلك عليك حقا فاعط كل ذى حق حقه فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق سلمان- قلت هذه الأحاديث لا تدل الا على جواز الإفطار للصائم واما على عدم وجوب القضاء فلا وحديث

جويرية انما يدل على كراهة الافراد بصوم الجمعة كما ورد فى حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصوم الجمعة الا وقبله يوم او بعده يوم- متفق عليه وفى لفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يفرد يوم الجمعة بصوم- رواه مسلم- وللشافعى أحاديث اخر منعاف منها حديث أم هانى وله طرق وألفاظ منها ما رواه النسائي من حديث حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن هارون بن أم هانى عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابا فناولها لنشرب فقالت انى صائمة لكن كرهت ان أرد سورك فقال ان كان قضاء من رمضان فاقضى يوما مكانه وان كان تطوعا فان شئت تقضى وان شئت فلا تقضى. وروى احمد والترمذي وغيرهما من طرق عن سماك عن هارون عنها بلفظ كنت قاعدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتى بشراب فشرب منه ثم ناولنى فشربت منه فقلت أذنبت قال ما ذاك قلت كنت صائمة فافطرت قال أمن قضاء كنت تقضيه قلت لا قال فلا تضرك- وسماك بن حرب ليس بمعتمد عليه إذا انفرد كذا قال النسائي وقال البيهقي فى اسناده مقال وقال ابن القطان هارون مجهول لا يعرف قلت وهارون قيل ابن أم هانى وقيل ابن ابنه وقيل ابن بنته ولفظ احمد والترمذي لا يدل على عدم وجوب القضاء وروى ابو داود والدارمي وغيرهما من حديث جرير عن يزيد بن زياد عن عبد الله بن الحارث عن أم هانى قالت لما كان يوم الفتح فتح مكة جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم هانى عن يمينه قالت فجاءت وليدة باناء فيه شراب فناولته فشربت منه فقالت يا رسول الله قد أفطرت وكنت صائمة فقال لها أكنت تقضين شيئا قالت لا قال لا يضرك ان كان تطوعا ورواه احمد ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حجة عن أم هانى وهى جدته ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فاتى باناء فشرب ثم ناولنى فقلت

[سورة محمد (47) : آية 34]

انى صائمة فقال ان المتطوع امير نفسه فان شئت فصومى وان شئت فافطرى- ورواه من حديث ابى داود الطيالسي ثنا شعبة عن جعدة عن ابى صالح عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فشرب ثم ناولها فشربت وقالت يا رسول الله انى كنت صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصائم المتطوع امير نفسه ان شاء صام وان شاء أفطر- قال الذهبي جعدة عن ابى صالح لا يعرف وقال البخاري فيه نظر وذكر يوم الفتح علة اخرى للقدح فى الحديث إذ لا شك ان يوم الفتح كان فى رمضان فكيف يتصور قضاء رمضان فى رمضان ولا التطوع فيه. واختار ابن همام رواية المنتقى عن ابى حنيفة فقال يجوز للمتطوع فى الصوم الإفطار بلا عذر لما احتج به الشافعي ويجب عليه القضاء بالإفساد لما احتج به ابو حنيفة جمعا بين الأحاديث وقال المراد بالابطال فى قوله تعالى لا تبطلوا أعمالكم إخراجها من ان يترتب عليه فائدة وجعلها كانها لم توجد أصلا واما الابطال بقصد القضاء فلا دلالة للاية على منعه- قلت المصدر فى قوله تعالى لا تبطلوا منكر تحت النفي فيشتمل كل ابطال ومن أفسد صلاته او صومه بعد الشروع فلا شك انه أبطل هذا العمل واما القضاء فعمل اخر تدارك لهذا العمل فلا يجوز الابطال بلا عذر بهذه الاية والأحاديث وان دلت على جواز الإفطار لكن عند التعارض يجب تقديم الاية على أحاديث الآحاد لا سيما الاية محرمة والأحاديث مبيحة للفطر فيجب تقديم المحرم على المبيح احتياطا ولنا ايضا القياس على الحج والعمرة النافلتين فانه لا يجوز إفسادهما ويجب فيهما القضاء بالإفساد اجماعا والله اعلم.. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) هذه الجملة متصلة بقوله انّ الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله الاية فيما سبق قبل هذه الاية نزلت فى اصحاب القليب وحكمه عام فى كل من مات على كفره-.

[سورة محمد (47) : آية 35]

فَلا تَهِنُوا اى لا تضعفوا عن الجهاد وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ قرأ ابو بكر وحمزة بكسر السين والباقون بفتحها وتدعوا مجزوم بتقدير لا اى لا تدعوا الكفار الى الصلح ابتداء او منصوب بتقدير ان فى جواب لا تهنوا نهى الله سبحانه عن طلب الصلح ابتداء لانه دليل الجبن والضعف وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ اى الغالبون القاهرون بنصر الله تعالى الموعود للمؤمنين الصالحين حال من فاعل تدعوا وَاللَّهُ مَعَكُمْ معية بلا كيف فان الايمان يقتضى حب الله والمرء مع من أحب والواو للعطف فهو حال من فاعل تدعوا او للحال من فاعل اعلون وكذا قوله وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) اى لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم من وتره ينزه إذا نقص حقه قال ابن عباس ومقاتل وقتادة والضحاك لن يظلمكم أعمالكم الصالحة اى لا يبطلها-. إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ اى باطل لا يترتب عليها فائدة معتدة بها ما لم يكن فيها ذكر الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر الله وَلَهْوٌ يشغلكم عمّا يفيدكم فى الحيوة الدائمة وَإِنْ تُؤْمِنُوا بالله ورسوله فى الدنيا وَتَتَّقُوا عذاب الله بامتثال او امره والانتهاء عن مناهيه يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ اى ثواب ايمانكم وتقواكم فى الاخرة فحينئذ تكون حياتكم الدنيا مزرعة الاخرة ولا يكون لعبا ولهوا وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) فانه غير محتاج الى شىء انما يأمركم بالطاعة والايمان ليثيبكم عليها الجنة نظيره قوله تعالى ما أريد منهم من رّزق وقيل معناه لا يسئلكم الله ورسوله أموالكم كلها فى الصدقات انما يسئلكم جزءا يسيرا وهو ربع العشر او اقل كشاة من مائة وعشرين شاة من نماء مال فطيبوا بها نفسا والى هذا القول ذهب ابن عيينة ويدل عليه سياق الاية فهذه الجملة لدفع توهم نشا ممّا ذكر من ذم الحيوة الدنيا ومدح الايمان والتقوى فانه يوهم ان الله تعالى يأمر بصرف

[سورة محمد (47) : آية 37]

جميع متاع الدنيا فى سبيل الله ولدفع ذلك الوهم قال ولا يسئلكم أموالكم اى جميعها- ثم ذكر فى مقام تعليل عدم السؤال بالكل قوله. إِنْ يَسْئَلْكُمُوها اى جميعا فَيُحْفِكُمْ اى يجهدكم بطلب الكل والإحفاء المبالغة وبلوغ الغاية فى الحديث احفوا الشوارب اى استأصلوها فى القطع عطف على الشرط تَبْخَلُوا بها فلا تعطوها جزاء للشرط وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) اى يظهر بغضكم والضمير فى يخرج لله تعالى ويؤيده القراءة بالنون او للبخل فانه سبب الاضغان قال قتادة علم الله ان فى مسئلة الأموال خروج الاضغان-. ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ ها حرف تنبيه وأنتم مبتدا وهؤلاء خبره او هؤلاء منادى بحذف حرف النداء وخبر المبتدا تُدْعَوْنَ او هؤلاء اسم موصول وتدعون صلته والموصول مع الصلة خير لانتم لِتُنْفِقُوا ما فرض الله عليكم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وهو يعم نفقة الغزو والزكوة وغيرهما فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ اى ناس يبخلون بما فرض الله عليهم من الزكوة وغيرها وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ فان نفع الانفاق وضرر البخل انما يعودان اليه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم مال وارثه أحب اليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منّا أحد الا ماله أحب اليه من مال وارثه قال فان ماله ما قدم ومال وارثه ما اخر- رواه البخاري والنسائي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم يصبح العباد فيه الا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الاخر اللهم أعط ممسكا تلفا- متفق عليه وعن اسماء قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انفقى ولا تحصى فيحصى الله عليك ولا توعى فيوعى الله عليك فارضحى ما استطعت- متفق عليه وعن ابى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى أنفق يا ابن آدم أنفق عليك- متفق عليه وَاللَّهُ الْغَنِيُّ عن صدقاتكم وطاعاتكم وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ

فانما أمركم بما أمركم لاحتياجكم فى الدنيا والاخرة جملة والله الغنىّ وأنتم الفقراء فى مقام التعليل للحصر فى قوله انّما يبخل عن نفسه وَإِنْ تَتَوَلَّوْا اى ان تعرضوا ايها العرب عن طاعة الله وطاعة رسوله والانفاق فى سبيله عطف على ان تؤمنوا يَسْتَبْدِلْ اى يقيم مقامكم قَوْماً غَيْرَكُمْ ليومنوا ويتقوا ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38) بل يكونوا أطوع لله منكم قال الكلبي هى كندة والنخع وقال الحسن هى العجم وقال عكرمة فارس والرم عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الاية يستبدل قوما غيركم ثمّ لا يكونوا أمثالكم قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين ان تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا امثالنا فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال هذا وقومه ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من فارس «1» - رواه البغوي ورواه الترمذي والحاكم وصححاه وابن حبان- والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين- قد اتفق ختم تفسير المظهرى بختم سورة ختم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم

_ (1) وفى الصحيحين عن ابى هريرة والطبراني عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لو كان الايمان عند الثريا لتناوله رجال من فارس- وروى ابو نعيم فى الحلية عنه بلفظ لو كان العلم معلقا بالثريا لتناوله قوم من ابنا فارس. ورواه الشيرازي فى الألقاب من حديث قيس بن سعد بن عبادة عنه صلى الله عليه وسلم وزاد الطبراني فى حديث قيس لا تناله العرب لناله رجال (وفى لفظ ناس) عن أبناء فارس) قال الشيخ محمد بن يوسف الصالحي الشافعي قال الشيخ الشافعي يعنى جلال الدين السيوطي المراد بهذا الحديث ابو حنيفة وأصحابه رحمهم الله لا شك فيه لانه لم يبلغ من أبناء فارسى فى العلم مبلغه ولا مبلغ أصحابه وكان جد الامام ابى حنيفة منهم- وقد بلغ من أولاد ابى حنيفة من الدين رجال مبلغا رفيعا منهم ابو على شرف الدين القلندر الفاني فتى والقطب الجمال والقطب برهان الها نسوى والقطب عبد القدوس الكنكوهى رضى الله عنهم أجمعين 12 منه نور الله مرقده وبرد الله مضجعه-

والمسئول من الله عزّ وجلّ ان يجعل ختمى على خير ما ختم عليه خيار امة محمد صلى الله عليه وسلم- اللهم اجعل ثواب ختم هذا التفسير هدية الى خير خلقه وختم رسلك محمد صلى الله عليه وسلم والى أصحابه الكرام وأولاده العظام وأزواجه الطاهرات واولياء أمته خصوصا الى حضرت شمس الدين حبيب الله المظهر الذي جعلت هذا التفسير على اسمه والى مشائخه الكرام وحضرات العظام وصلوات الله وسلامه على جميع اتباع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يوم الثلثاء السابع والعشرين من الجمادى الاول من السنة الثامنة بعد الف سنة 1208 ومائتين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم هـ- وقد حصل الفراغ من تصحيح المسودة فى يوم الاثنين الثامن والعشرين من الجمادى الاول سنة الثامن وخمسين بعد الف سنة 1358 وثلاثمائة والحمد لله على ذلك ونرجوا منه القبول وحسن الخاتمة صلى الله على جميعه وسلم تسليما كثيرا. مكتبة رشيديّة سركى رود كوئته فون 1- 843264.

الجزء التاسع

الجزء التاسع سورة الفتح مدنيّة وهى تسع وعشرون اية واربع ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وتمّم بالخير روى احمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن حبان وابن مردوية عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم فى بعض أسفاره فسألته عن شىء ثلث مرات فلم يرد علىّ فقلت ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري حتى تقدمت امام الناس وخشيت ان يكون نزل فى القران فما لبثت ان سمعت صارخا يصرخ بي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال لقد أنزلت علىّ الليلة سورة هى أحب الىّ مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً واخرج الحاكم وغيره من المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال نزلت سورة الفتح فى شان الحديبية بين مكة والمدينة من أولها الى آخرها واختلفوا فى هذا الفتح روى عن ابى جعفر الرازي عن قتادة عن انس انه فتح مكة فهى عدة بالفتح جىء بلفظ الماضي لانها فى تحققها بمنزل الكائنة ففيه معجزة والصحيح انه صلح الحديبية رواه احمد وابن سعد وابى داود والحاكم وصححه وابن المنذر وابن مردوية والبيهقي فى الدلائل عن مجمع بن حارثية الأنصاري قال شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرفنا عنها الى كراع الغميم فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كراع الغميم فاجتمع الناس اليه فقرأ عليهم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ

[سورة الفتح (48) : آية 2]

فَتْحاً مُبِيناً فقال رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم او فتح هو قال والذي نفسى بيده انه لفتح مبين وسنذكر قول ابى بكر الصديق ما كان فتح فى الإسلام أعظم من صلح الحديبية وكذا ذكر البغوي عن البراء ووجه تسميته فتحا اما انه مقدمة الفتح واما ان معنى الفتح فتح المنغلق وذلك ما يصلح مع المشركين بالحديبية وقيل الفتح بمعنى القضاء اى قضينا لك ان تدخل مكة من قابل قال الشعبي فتح الحديبية فيه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأطعموا نخلة خيبر وبلغ الهدى محله وظهرت الروم اى من عام قابل على فارس وخرج المؤمنون لظهور اهل الكتب على المجوس. قال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك ان المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام فى قلوبهم واسلم فى ثلث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام قال الضحاك فتحا مبينا بغير قتال وكان الصلح من الفتح وقال البيضاوي سماه فتحا لانه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سالوا الصلح وتسبب بفتح مكة وفرغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائر العرب فقرأهم وفتح مواضع وادخل فى الإسلام خلقا عظيما. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ علة غائية للفتح من حيث انه مسبب عن جهاد الكفار والسعى فى فغز ازاحة الشرك وإعلاء الدين وتكميل النفوس الناقصة قهرا ليصير ذلك بالتدريج اختيار او تخليص الضعفة عن أيدي الظلمة وقيل اللام لام كى اى لكى يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة والفتح وقال حسين بن الفضل اللام متعلق بقوله تعالى فى سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ كما قيل كذلك فى تعلق لِإِيلافِ قُرَيْشٍ بقوله تعالى فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ فى سورة الفيل وهذا بعيد جدا وقيل اللام متعلق بمحذوف تقديره فاشكر ليغفر لك الله او فاستغفر ليغفر لك الله كذا قال محمد ابن جرير حيث قال هو راجع الى قوله تعالى إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ اى قوله واستغفره ليغفر لك الله ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ اى جميع ما فرط منك قديما فى الجاهلية قبل الرسالة وحديثا بعد الرسالة اى نزول السورة مما يصح ان يعاتب عليه وهذا لا يستلزم ارتكاب المعصية قال حسنات الأبرار سيات المقربين وقال سفيان الثوري ما تقدم يعنى ما عملت فى الجاهلية وما تأخر كل شىء لم يعمله يذكر مثل ذلك على طريق التأكيد كما يقال اعطى لمن راه ومن لم يره وضرب من لقيه ومن لم يلقه وقال عطاء الخراسانى ما تقدم من ذنبك يعنى ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك وما تأخر ذنوب أمتك بدعوتك وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعد بإتمام النعمة وإكمال الدين واظهار كلمة الإسلام وهدم منار الجاهلية

[سورة الفتح (48) : آية 3]

بحيث يحجوا ويعتمروا مطمئنين لا يخالطهم أحد من المشركين الذي ذكر إنجازها فى سورة المائدة بقوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وتمام النعمة هذه مسبب للفتح فتح مكة وصلح الحديبية- وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً فى تبليغ الرسالة واقامة مراسم الملك والنبوة والرياسة قيل معنى يهديك يهدى بك وقيل معنى يهديك يثبتك عليه او المعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية الى كمال الدين بحيث لا يجوز نسخه بعد ذلك-. وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ فان قيل ينصرك الله معطوف على يغفر وهو مترتب على الفتح اما لكونه مسببا عن جهاد الكفار وبذل السعى- واما لكونه سببا للشكر والاستغفار المقدرين فلا بد ان يكون النصر ايضا مترتبا على الفتح وليس كذلك بل هو سبب للفتح سابق عليه قلنا ان كان المراد بالفتح صلح الحديبية فالصلح امتثالا لامر الله تعالى سبب للنصر الذي هو سبب للفتح وان كان المراد منه فتح مكة فالآية وعد بالفتح والوعد سبب للنصر السابق على الفتح كما لا يخفى- نَصْراً عَزِيزاً يعنى معزا يعزبه المنصور فوصفه بوصفه مبالغة او المعنى نصرا فيه عز ومنيعة روى الشيخان فى الصحيحين والترمذي والحاكم عن انس قال قال نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم انّا فتحنا لك فتحا مبينا الى اخر الاية مرجعه من الحديبية وأصحابه فخالطوا الحزن والكآبة- فقال عليه السلام نزلت علىّ اية هى احبّ الىّ من الدنيا فلما تلى نبى الله صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم هنيئا مريا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بنا فنزلت. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ الى قوله فوزا عظيما والمراد بالسكينة الثبات والطمأنينة على امتثال امر الله تعالى من صلح الحديبية فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ حتى شيبتوا حيث تعلق النفوس وتدحض الاقدام حين جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهلية لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ متعلق بانزل- قال الضحاك يقينا مع يقينهم يعنى برسوخ العقيدة واطمينان النفس عليها وقال الكلبي هذا فى امر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحق قال ابن عباس بعث الله رسوله بشهادة ان لا اله الا الله فلما صدقوه زادهم الصلاة ثم الزكوة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم أكمل لهم دينهم فكلما أمروا بشىء فصدقوه ازدادوا تصديقا الى تصديقهم وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى ليس الأمر بالصلح بالحديبية لضعف بالمسلمين بل لما يقتضيه علمه تعالى وحكمته وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها قوله تعالى

[سورة الفتح (48) : آية 5]

ليدخل مع ما عطف عليه من قوله تعالى وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ متعلق بقوله تعالى لِيَزْدادُوا او بدل اشتمال من قوله ليزدادوا او معطوف عليه بحذف العاطف متعلق بقوله تعالى أَنْزَلَ او بدل اشتمال من قوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ متعلق بقوله تعالى فَتَحْنا وجملة هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ معترضة بينهما. وَكانَ ذلِكَ الإدخال والتكفير عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً لانه منتهى ما يطلب من جلب نفع او دفع ضرر وعِنْدَ اللَّهِ حال من الفوز والجملة معترضة. وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ عطف على يدخل داخل فى علة إنزال السكينة من حيث ان المنافقين والكفار غاظوا المؤمنين وطعنوا فى دينهم حين امتثلوا امر الله سبحانه فى الصلح وغير ذلك وظنوا ظن السوء وكان ذلك سببا لتعذيبهم وان كان قوله ليدخل متعلقا بفتحنا فالامر ظاهر- وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ يعنى ظانين ان الله لا ينصر رسوله والمؤمنين ولا يرجع النبي عليه السلام الى المدينة سالما او ان له تعالى شريكا فالمفعولان محذوفان وقوله ظن السوء اى ظن الأمر السوء منصوب على المصدرية والسوء عبارة عن رداة الشيء وفساده يقال فعل سوءاى مسخوط فاسد عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ جملة دعائية يعنى يجعل الله عليهم دائرة الهلاك والعذاب لا يتخطاهم او دائرة ما يظنون ويتربصون بالمؤمنين وقرأ ابن كثير وابو عمرو السوء بالضم وهما لغتان غير ان المفتوح غلب فى ان يضاف اليه ما يراد ذمه والمضموم جرى مجرى الشر وكلاهما فى الأصل مصدران- وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ عطف لما استحقوه فى الاخرة على ما استوجبوه فى الدنيا وَساءَتْ مَصِيراً جهنم. وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيدفع كيد من عادى بنبيه والمؤمنين بما شاء منه وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً غالبا فلا يرد بأسه عن الكافرين حَكِيماً فيما دبّر. إِنَّا أَرْسَلْناكَ يا محمد شاهِداً على أمتك حال مقدرة وَمُبَشِّراً للمطيعين بالجنة وَنَذِيراً للعصاة بالنار. لِتُؤْمِنُوا قرأ ابن كثير وابو عمرو بالياء على الغيبة وكذا لافعال الثلاثة المعطوفة عليه والضمير عائدة الى الناس أجمعين وقرأ الباقون الافعال الاربعة بالتاء على الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم والامة والخطاب بالجمع بعد الخطاب بالإفراد شبه بالالتفات بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ اى تعووه وَتُوَقِّرُوهُ اى تعظموه وَتُسَبِّحُوهُ اى تنزهوه عما لا يليق بشانه او اتصلوا له والضمائر المنصوبة راجعة الى الله سبحانه ومعنى تقووه دينه ورسوله قلت وجاز ان يكون معناه ان تنسبوا القوة اليه دون غيره وتقولوا لا حول ولا قوّة الا بالله وقال البغوي ضمير تعزروه وتوقروه راجعان الى رسوله و

[سورة الفتح (48) : آية 10]

ضمير تسبحوا الى الله تعالى واستبعده الزمخشري لكونه مستلزما لانتشار الضمائر قلنا لا بأس به عند قيام القرينة وعدم اللبس بُكْرَةً وَأَصِيلًا منصوبان على الظرفية لتسبحوه يعنى تصلوا غدوا وعشيا او تنزهوه دائما-. إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يا محمد بالحديبية على ان لا يفروا بل يقاتلوا حتى يظفروا او يموتوا إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ لانه هو المقصود ببيعة النبي صلى الله عليه وسلم يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ حال او استيناف على سبيل الاستعارة التخييلية تيمما بمعنى المشاكلة فانه إذا كان الله مبايعا واشتهر المبايعة بصفقة اليد وقد كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبايعونه فتخيل اليد لتاكيد المشاكلة فى المبايعة وقال ابن عباس يد الله بالوفا لما وعدهم بالخير فوق أيديهم قلت يد الله على تاويل ابن عباس صفة من صفات الله تعالى لا يدرك كيفها ولا يجوز تخييلها بالجارحة وقال الكلبي نعمة الله عليهم فى الهداية فوق ما صنعوا من البيعة فصله غزوة الحديبية وبيعة الرضوان وسبب ذلك على ما رواه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وقتادة والبيهقي عن مجاهد ايضا وابن جرير عن ابن يزيد ومحمد بن عمرو عن شيوخه قالوا راى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه دخل مكة هو وأصحابه امنين محلقين رؤسهم ومقصرين وانه دخل البيت وأخذ مفتاحه وعرف مع المعرفين وكان ذلك الرؤيا بالمدينة قبل خروجه الى الحديبية كذا قال البغوي ومحمد بن يوسف الصنابحى فى سبيل الرشاد وفى بعض الروايات عن مجاهد انه راى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية والصحيح هو الاول قال ابن سعد ومحمد بن عمرو غيرهما استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب ومن حوله من اهل البوادي من الاعراب ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش ان يعرضوا له بحرب او يصدوه عن البيت فابطأ عليه كثير من الاعراب وروى احمد والبخاري وعبد بن حميد وابو داود والنسائي وغيرهم عن الزهري وابن اسحق عن الزهري عن عروة عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيته فاغتسل ولبس ثوبين من نسج صحا وركب ناقة القصوى من عند بابه ويخرج بام سلمة معه وأم منيع اسماء بنت عمرو وأم عمارة الاشهلية وخرج معه المهاجرون والأنصار ومن لحق به من العرب لا يشكون بالفتح للرويا المذكور وليس معهم سلاح الا السيوف فى القرب وساق الهدى فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لهلال ذى القعدة يعنى سنة ست حتى نزل ذالحليفة فصلى الظهر ثم دعا بالبدن وهى سبعون فجللت ثم أشعر منها عدة وهن موجهات الى القبلة فى الشق

الايمن ثم امر ناجيئة بن جندب فاشعر ما بقي وقلدهن نعلا نعلا وأشعر المسلمون بدنهم وقلدوها وكان معهم مائتا فرس وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سفيان عينا له وقدم عباد بن بشير طليعة فى عشرين فارسا ويقال جعل أميرهم سعد بن زيد الأشهلي ثم صلى ركعتين وركب من باب المسجد بذي الحليفة فلما انبعث راحلة مستقبلة القبلة احرم بالعمرة ليامن الناس حربه وليعلم الناس انه انما خرج زائرا بهذا البيت. ولبى لبيك إلخ واحرم غالب أصحابه وأم المؤمنين أم سلمة بإحرامه ومنهم من لم يحرم الا بالجحفة وسلك طريق البيداء ومر فيما بين مكة والمدينة بالاعراب من بنى بكر ومزينة وجهينة فاستنفرهم فتشاغلوا باموالهم وقالوا فيما بينهم يريد محمد يغزوا بنا الى قوم معد من الكراع والسلاح وانما محمد وأصحابه أكلة جزور لن يرجع محمد وأصحابه من سفرهم هذا ابدا- قوم لا سلاح معهم ولا عدد ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب مع فتيان من اسلم ومعهم هدايا المسلمين ووقع فى تلك المسير ما صاد قتادة حمار الوحش وكان غير محرم وما اهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء وقد مر حديثه فى سورة المائدة ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجحفة امر بشجرة فقم ما تحتها فخطب الناس- فقال انى كائن لكم فرطا وقد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وسنة نبيه ولما بلغ المشركين خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا وتشاوروا يريد محمد ان يدخلها علينا فى جنوده معتمرا فتستمع العرب انه دخل علينا عنوة وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا والله لا كان هذا ثم قدموا خالد بن الوليد على ما بنى فارس الى كراع الغميم واستنفر من الأحابيش وأجلبت ثقيف معهم وخرجوا الى بلدج وضرب بها القباب والابنية ومعهم النساء والصبيان فعسكروا هنا واجمعوا على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخول مكة ومحاربته ووضعوا لعيون على الجبال وهم عشرا نفس يوحى بعضهم الى بعض بالصوت فعل محمد كذا وكذا حتى ينتهى الى قريش بلدح ورجع بشر بن سفيان الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا له من مكة فلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير الا شطاط وراء عسفان فقال يا رسول الله هذا قريش سمعوا بمسيرك فخرجوا معهم عوذ المطافيل قد لبسوا جلد النحور وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا يدخلها عليهم ابدا- وهذا خالد بن الوليد فى خيلهم قدموها الى كراع الغميم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بينى وبين سائر

العرب فان هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وان أظهرني الله تعالى عليهم دخلوا وافرين وان لم يفعلوا قاتلوا وفيهم قوة فما تظن قريش فو الله لازال اجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله او تنفرد هذه السالفة ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسلمين فحمد الله واثنى عليه بما هو اهله ثم قال اما بعد يا معشر المسلمين أشيروا علىّ أترون ان أميل على ذرارى هؤلاء الذين عانوهم فنصيبهم فان تعدوا قعدوا موتورين وان أبونا- تكن عنقا قد قطعه الله يعنى أهلك الله جماعة منهم أم ترون انا نوم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال ابو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه ووافقه على ذلك أسيد بن حضير وروى ابن ابى شيبة ان المقداد بن الأسود قال بعد كلام ابى بكر والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيه اذهب أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيروا على اسم الله دونا خالد بن الوليد فى خيله حتى نظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فصف خيله فيما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين القبلة فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر فتقدم فى خيله فقام بإزائه فصف أصحابه وحانت صلوة الظهر فاذن بلال واقام فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقال خالد بن الوليد قد كانوا على غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم ولكن يأتي الساعة صلوة الاخرى هى أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم فنزل جبرئيل عليه السلام بين الظهر والعصر بقوله تعالى وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ الآية فحانت صلوة العصر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة الخوف وقد مر شرحها فى سورة النساء روى البزار بسند رجاله ثقات عن ابى سعيد الخدري ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا لما امسى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اسلكوا ذات اليمين بين ظهور الحمض فان خالد بن وليد فى الغميم فى خيل بقريش طليعة كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يلقاه وكان بهم رحيما قال أيكم يعرف ثنية ذات الحنظل فقال بريدة بن الحصيب انا وروى مسلم عن جابر وابو نعيم عن ابى سعيد قال ابو سعيد خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان سرنا فى اخر الليل حتى أقبلنا على عقبه ذات الحنظل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذه الثنية الليلة كمثل باب الذي قال الله تعالى لبنى إسرائيل ادخلوا الباب سجّدا يغفر لكم خطاياكم لا يجوز هذه الثنية الليلة أحد الا غفر له قالوا يا رسول الله نخشى ان ترى قريش نيراننا فقال لن يروكم فلما أصبحنا صلى بنا صلوة الصبح ثم قال والذي نفسى بيده لقد غفر الراكب أجمعين الا رديلبا واحدا على جمل احمر فاذا هو رجل

من بنى ضمرة قال جابر قلنا له تعالى نستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لان أجد ضالتى أحب الىّ من ان يستغفر لى صاحبكم فبينا هو فى حيال سراوع إذ زلقت به بغله فتردى فمات فما علم حتى أكلته السباع قال مسور بن مخرمة ومروان فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وقعت يد راحلة فقال الناس حل حل فابت ان تبعث والحت فقال المسلمون خلأت القصوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصوى وما ذاك لها بعادة ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ثم قال والذي نفس محمد بيده لا يسالون قريش اليوم خطة فيها تعظيم حرمات الله تعالى الا أعطيهم إياهم ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتى نزل أقصى الحديبية على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتربضه الناس تريضا فلم يلبث الناس حتى نزحوه وشكى الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء فانتزع سهما من كنانته فامر به فغرز فى الثمد بالرواء حتى صدروا بعطن قال المسور فانهم ليقترفون بانيتهم جلوسا على شفير البير والذي نزل بالسهم ناحية بن جندب سايق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال محمد بن عمر حدثنى الهيثم عن عطاء بن ابى مروان عن أبيه قال حدثنى اربعة عشر رجلا من اسلم من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ناجية بن عجم وكان ناجية يقول دعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شكى اليه قلة الماء فاخرج سهما من كنانته ودفعه اليه ودعا بدلو من ماء البير فجئته به فتوضأ فمضمض فاه ثم مج فى الدلو والناس فى حر شديد وانما هى بير واحدة قد سبق المشركون الى بلدح فغلبوا على مياهيه فقال انزل الدلو فصبها فى البير واثرها بالسهم ففعلت فوالذى بعثه بالحق ماكدت اخرج حتى تغمدنى وفارت كما تفور القدر حتى طمث واستوت بشفيرها يغترفون من جانبها وروى احمد والبخاري وغيرهما عن البراء ومسلم عن سلمة بن اكوع وابو نعيم عن ابن عباس والبيهقي عن عروة نحوها قصة صب الدلو وليس فيه ذكر السهم وروى البخاري عن جابر ومسلم عن سلمة بن الأكوع قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب الا فى ركوتك فافرغنا فى قدح وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فى القدح فجعل الماء يفور بين أصابعه كامثال العيون فشربنا وتوضأنا قيل لجابركم كنتم يومئذ فقال لو كنا مائة الف كفانا كنا خمس عشر مائة ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية جاء بديل بن ورقاء واسلم بعد ذلك فى دجال من خزاعة منهم عمرو بن سالم وحراس بن امية وخارجة بن كوز ويزيد بن امية وكانت عيبة

نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمامه منهم المسلم ومنهم الوادع لا يخفون عنه بتمامه شيئا فلما قدموا سلموا عليه فقال بديل بن ورقا جئناك من عند قومك كعب بن لوى وعامر بن لوى قد استنفروا لك الا حابيش ومن أطاعوهم قد نزلوا اعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل النساء والصبيان يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا ما جئنا لقتال أحد انما جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قاتلنا وان قريشا قد اضرب بهم الحرب نهكتهم فان شاؤا ما ددناهم مدة يأمنون فيها ويخلون فيما بيننا وبين الناس والناس اكثر منهم فان أصابوني فذلك الذي أرادوا وان ظهر امرى على الناس كانوا بين ان يدخلوا فيما يدخل فيه الناس او يقاتلوا وقد جموا وان هم ابو فو الله لاجهدن على امرى هذا حتى تنفرد سالفتى او لينفذنّ الله امره قال بديل سابلغهم ما تقول فاتى قريشا وقال انا قد جئنا من عند محمد نخبركم عنه قال عكرمة بن ابى جهل والحكم بن العاص وأسلما بعد ذلك مالنا حاجة ان تخبرنا عنه ولكن اخبروه عنا انه لا يدخلها عامه هذا ابدا حتى لا يبقى رجل وأشار عليهم عروة بن مسعود السقفي بعد ذلك بان يسمعوا كلام بديل فان أعجبهم قبلوه والا تركوه فقال صفوان بن امية والحارث بن هشام وأسلما بعد ذلك هات ما سمعته فحدثه بما قال النبي صلى الله عليه وسلم- فقال عروة بن مسعود السقفي اى قوم ألستم بالولد قالوا بلى قال الست بالولد قالوا بلى- وكان عروة لسبعة بيت عبد الشمس القرشية قال فهل تنهمونى قالوا لا- قال ألستم تعلمون انى استنفرت اهل عكاظ فلما يلجوا على جئتكم باهلى وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فان هذا الرجل قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعونى انّه فاتاه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة يا محمد ارايت ان استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وان يكن الاخرى فانى والله لارى وجوها او باشا من الناس وفى رواية اشوايا من الناس خليقا ان يغروا ويدعوك فقال له ابو بكر الصديق امصص بظر اللات أنحن نفر منه وندعه قال من ذا قالوا ابو بكر فقال اما والذي نفسى بيده لولا يد كانت لك عندى لم أخبرك به لاجبتك وكان عروة قد استعان فى حمل دية فاعانه الرجل بفريضتين والثلث وأعانه ابو بكر بعشر فرائض فكان هذا يد ابى بكر عند عروة قال فجعل عروة يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على راس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر كلما أهوى عروة يده الى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنصل السيف وقال اخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه لا ينبغى لمشرك ان يمسه

فرفع عروة راسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال يا غدر والله ما غسلت عنك عذرتك بعكاظ الا أمس لقد اورثتنا العداوة من ثقيف الى اخر الدهر- وكان مغيرة صحبت قوما فى الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فاسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اما الإسلام فاقبل واما المال فلست منه فى شىء ثم ان عروة جعل يرمق اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه فو الله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة الأرفع فى كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا امر ابتدروا امره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم اخفضوا أصواتهم عنده وما يحادون النظر اليه تعظيما له فرجع عروة الى أصحابه فقال اى القوم والله لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله ان رايت ملكا قط تعظم أصحابه ما يعظم اصحاب محمد محمدا- والله ما تنخم نخامة الا وقعت فى كف رجل منهم يدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا امره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم اخفضوا أصواتهم عنده وما يحادون النظر اليه تعظيما له وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقالت قريش لا- ولكن ترده عامنا هذا ويرجع الى قابل فقال ما أراكم الا ستصيبكم قارعة فانصرف هو ومن تبعه الى الطائف فقام الحليس بن علقمة وكان يومئذ سيد الأحابيش فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا من قوم يعظمون الهدى ويتألهون فابعثوا بالهدى فى وجهه حتى يراها فلما راى الهدايا يسيل عليها من عرض الوادي فى قلايدها قد أكل اوبارها من طول الحبس رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاما لما راى فقال يا معشر قريش انى قد رايت مالا يحل صد الهدى فى قلا يده قد أكل او تارة من طول الحبس عن محله فقالوا اجلس فانما أنت رجل أعرابي لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عافذناكم ان تصدوا عن بيت الله من جاء معظما والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له او ليفرن الأحابيش نفرة رجل واحد- فقالوا له مه كف عنايا حليس حتى ناخذ لانفسنا ما نرضى به فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص دعونى آته فقالوا آته فلما اشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا مكرز وهو رجل غادر او فاجر فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه بنحو ما كلم بديلا وعروة فرجع الى أصحابه فاخبرهم بما رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما بعث النبي صلى الله عليه وسلم الى قريش خراش بن امية على جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له الثعلب ليبلغ عنه اشرافهم بما جاء لهم فعقر عكرمة بن ابى جهل الجمل

وأراد واقتله فمنعه الأحابيش فخلوا سبيله حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لقى- روى البيهقي عن عروة قال لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية فزعت قريش لنزوله فاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبعث رجلا من أصحابه فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم فقال يا رسول الله انى أخاف قريشا على نفسى قد عرفت قريش عداوتى لها وليس بها من بنى عدى من يمنعنى ولكنى ادلك على رجل أعز بمكة منى وامنع عثمان بن عفان فدعا عثمن فقال اذهب الى قريش وأخبرهم انا لم نات لقتال وانما جئنا عمارا وادعهم الى الإسلام وامره ان يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخلهم ويبشرهم بالفتح ويخبر ان الله يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالايمان فانطلق عثمان الى قريش يمر عليهم ببلدح فقالوا اين تريد قال بعثني رسول الله تعالى عليه واله وسلم إليكم لادعوكم الى الإسلام والى الله جل ثناؤه وتدخلوا فى الدين كافة فان الله مظهر دينه ومعز نبيّه واخرى تكفون الذي يلى هذا الأمر غيركم فان ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك ما أردتم وان ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم كنتم بالخيار بين ان تدخلوا فيما دخل فيه الناس او تقاتلوا وأنتم وافرون جامون ان الحرب ونهكتكم وأذهبت الأماثل واخر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر انه لم يأت لقتال أحد انما جاء معتمرا معه الهدى عليه القلائد ينحره وينصرف- فقالوا قد سمعنا ما تقول ولا كان هذا ابدا فارجع الى صاحبك فاخبره انه لا يصل إلينا ولقيه ابان بن سعيد واسلم بعد ذلك فرحب به ابان واجاره وقال لا تقصر عن حاجتك ثم نزل عن فرس كان عليه فحمل عثمان على السرج وردف ورائه وقال اقبل وأدبر لا تخاف أحد او بنو سعيد اعزة بالحرم فدخل به مكة فاتى عثمان اشراف قريش رجلا رجلا فجعلوا يردون عليه ان محمدا لا يدخلها علينا ابدا ودخل على قوم مؤمنين من رجال ونساء مستضعفين بمكة فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قد أظلكم حتى لا يستخفى بمكة بالايمان ففرحوا بذلك وقال اقرأ على رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم منا السلام- ولما فرغ عثمان من رسالة قالوا له ان شئت ان تطوف بالبيت فطف فقال ما كنت لافعل حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم واقام عثمن بمكة ثلثا يدعو قريشا وقال المسلمون وهم بالحديبية خلص عثمن من بيننا الى البيت فطاف به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر أصحابه بالحراسة بالليل فكانوا ثلثة يتناوبون الحراسة أوس بن فوبى وعباد بن بشر ومحمد بن مسلمة فكان محمد بن مسلمة على حرس

رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالى وعثمان بمكة قد كانت قريش بعثت ليلا خمسين رجلا عليهم مكرز بن حفص وامروهم ان يطوفوا بالنبي صلى الله عليه وسلم رجاء ان يصيبوا منهم عزة فاخذهم محمد بن مسلمة فجاء بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهر قول النبي صلى الله عليه وسلم انه رجل غادر وكان رجال من المسلمين قد دخلوا مكة بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كرز بن جابر الفهري وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد الشمس وعبد الله بن حذافة السهمي وابو الروم بن عمير بن عمرو وعمير بن وهب الحجمى وحاطب بن ابى بلتعة وعبد الله بن امية دخلوا مكة فى أمان عثمان وقيل سرا فعلم بهم فاخذوا وبلغ قريشا حبس أصحابهم الذين امسكهم محمد بن مسلمة فجاء جمع من قريش الى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى تراموا بالنبل والحجارة واسر المسلمون ايضا اثنى عشر فارسا وقتل من المسلمين ابن زنيم وقد اطلع الثنية من الحديبية فرماه المشركون فقتلوه وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان عثمان ومن معه قتلوا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس الى البيعة روى ابن جرير وابن ابى حاتم من سلمة ابن الأكوع والبيهقي عن عروة وابن اسحق عن الزهري ومحمد بن عمر عن شيوخه قال سلمة بينا نحن قايلون إذ نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ايها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فاخرجوا على اسم الله- فى صحيح المسلم عن سلمة قال بايعته أول الناس ثم بايع وبايع حتى إذا كان فى وسط قال بايع يا سلمة قلت بايعتك قال وايضا فبايعته ثم بايع حتى إذا كان اخرج الناس- قال ألا تبايعني يا سلمة قلت يا رسول الله بايعتك فى أول الناس وفى وسط الناس قال وايضا فبايعته الثالثة وفى صحيح البخاري عنه قيل على اى شىء كنتم تبايعونه قال على الموت وفى صحيح مسلم عن جابر قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر أخذ بيده تحت شجرة مثمرة فبايعنا غير جد بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره وروى الطبراني عن ابن عمر والبيهقي عن الشعبي وابن مندة عن زيد بن حبيش قالوا لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس الى البيعة كان أول من انتهى اليه ابو سنان الأسدي فقال ابسط بيدك أبايعك فقال النبي صلى الله عليه وسلم فبايعنى على ما فى نفسك زاد ابن عمر قال وما فى نفسى قال اضرب بسيفى بين يديك حتى يظهر الله او اقتل فبايعه وبايعه الناس على بيعة ابى سنان روى البيهقي عن انس وابن إسحاق عن ابن عمر قال لما امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان كان عثمان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اهل مكة فبايع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان عثمان

فى حاجتك وحاجة رسولك فضرب بإحدى يديه على الاخرى فقال هذا يد عثمان وكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لانفسهم وبعث قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن العزى وأسلما ومكرز بن حفص الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال سهيل ان الذي كان من حبس أصحابك وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من راى ذى راينا كنا له كارهين حتى بلغنا ولم نعلم به وكان من سفهائنا فابعث إلينا باصحابنا الذين أسرت أول مرة والذين أسرت اخر مرة والذي ذكر من قتل عثمن ومن معه ظهر انه كان باطلا- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي فقالوا أنصفتنا فبعث سهيل ومن معه الى قريش بالشتيهم بن عبد مناف التيمي فبعثوا من كان عندهم وهم عثمان والعشرة معه وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابهم الذين اسرهم المسلمون وفى الصحيحين عن سهيل بن حنيف وعند البخاري واصحاب السنن عن مروان بن الحكم ان عثمن لما قدم من مكة هو ومعه رجع سهيل بن عمرو حويطب ومكرز الى قريش فاخبروهم بما راوا من سرعة اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الى البيعة وتشميرهم الى الحرب اشتد عليهم فقال اهل الرأي منهم ليس خير من ان تصالح محمدا على ان ينصرف عنا عامة هذا ولا يخلص من البيت حتى يسمع من يسمع بمسيرة من العرب انا قد صددناه ويرجع قابلا فيقم ثلثا ينحر هديه وينصرف فاجمعوا على ذلك وقالوا لسهيل ايت محمدا فصالحه وليكن فى صلحك ان لا يدخل عامة هذا فو الله لا تحدث العرب انه دخل علينا عنوة فاتى سهيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا وفى لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل أمركم وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم متربعا وقام عباد بن بشر وسلمة واسلم وهما مقنعان فى الحديد فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطال الكلام وتراجعا وارتفعت الأصوات وانخفضت وقال عباد بن بشر لسهيل اخفض من صوتك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرى القول حتى وقع الصلح فقال سهيل هات اكتب بيننا وبينك كتابا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا كرم الله وجهه كما فى حديث البراء عن البخاري والحاكم عن عبد الله بن مغفل انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال السهيل اما الرحمن الرحيم فو الله لا أدرى ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا تكتبها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سهيل والله لو كنا نعلم إنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك اكتب محمد بن عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى رض امحه

فقال على رض ما انا بالذي أمحاه وذكر محمد بن عمران أسيد بن حضير وسعيد بن عبادة أخذ بيد على رض ان لا يكتب الا محمد رسول الله والا فالسيف بيننا وبينهم وارتفعت الأصوات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أرنيه فاراه إياه فمحاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وقال اكتب محمد بن عبد الله ووقع فى بعض طرق حديث البراء ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو وأصلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يا من فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسهيل على ان تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف فقال سهيل لا والله ولكن لك من العام المقبل فكتب فقال سهيل على ان لا يأتيك منا أحد بغير اذن وليه وان كان على دينك الا ردته إلينا- فقال المسلمون سبحان الله أيكتب هذا كيف يرد الى المشركين وقد جاء مسلما فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم انه من ذهب منا إليهم فابعده الله ومن جاء منهم إلينا فيجعل الله فرجا قال البراء صالح على ثلثة أشياء على انه من أتاه من المشركين رده إليهم ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه اليه وعلى ان يدخلها من قابل ويقيم بها ثلثة ايام ولا يدخلها الا يجلبان السلاح والسيف والقوس ونحوه وقع الصلح على ان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عيبة مكفوفة وانه لا إسلال ولا أغلال وانه من أحب دخل فى عقد محمد ومن أحب دخل فى عقد قريش فتواثبت خزاعة وقال نحن فى عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر وقالوا نحن فى عقد قريش وعهدهم ولما تقرر الصلح ولم يبق الا الكتاب وثب عمر بن الخطاب رض الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الست بنى الله حقا قال بلى قال السنا على الحق وهم على الباطل قال بلى قال أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار قال بلى قال على م تعطنى الدنية فى ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى عبد الله ورسوله ولست أعصيه ولن يضيعنى وهو ناصرى قال او ليس كنت تحدثنا انا ناتى البيت فنطوف حقا قال بلى فاخبرتك انك ناتيه العام قال لا قال فانك اتيه ومطوف به فذهب عمر الى ابى بكر متغيضا ولم يصبر فقال يا ابو بكر أليس هذا نبى الله حقا قال بلى قال السنا على الحق وهم على الباطل قال بلى قال أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار قال بلى قال فعلى م تعطنى الدنية فى ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم قال ايها الرجل انه رسول الله وليس يعصى ربه وهو ناصره فاستمسك بعزره حتى تموت فو الله انه لعلى الحق وفى لفظ فانه رسول الله فقال عمرو انا اشهد انه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال او ليس كان يحدثنا انه سياتى البيت ويطوف به قال بلى افاخبرك انك تأتيه العام قال لا قال فانك اتيه وتطوف به فلقى عمر من هذه الشروط امرا عظيما وقال

كما فى الصحيح والله ما شككت منذ أسلمت الا يومئذ وجعل يردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام فقال ابو عبيدة بن الجراح الا تسمع يا ابن الخطاب تقول بالقول نعوذ بالله من الشيطان قال عمر فجعلت أتعوذ بالله من الشيطان- روى ابن اسحق وابن عمر والأسلمي قال عمر فمازلت أتصدق وأصوم وأعتق من الذي صنعت يومئذ وروى احمد والنسائي والحاكم فى حديث عبد الله بن مغفل ذكر نحو ما تقدم قال فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلثون شابا عليهم السلاح فثاروا الى وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذ الله باسماعهم ولفظ الحاكم بأبصارهم فقمنا إليهم فاخذناهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل جئتم فى عهد أحد وهل جعل لكم أحد أمانا فقالوا لا فخلى سبيلهم فانزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وروى احمد ومسلم وابن ابى شيبة عن انس هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانون رجلا من اهل مكة فى السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فاخذوا فعفا عنهم وفى حديث الزهري عن مروان ومسور وروى مسلم واحمد وعبد بن حميد عن سلمة بن الأكوع قال لما سمعت قتل ابن زنيم اخترطت سيفى على اربعة رقود من المشركين فاخذت سلاحهم وجئت بهم اسوقهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كف أيديهم عنكم الاية فبينما الناس- كذلك إذا ابو جندل بن سهيل ابن عمر يرسف فى قيوده قد خرج من أسفل حتى رمى نفسه بين اظهر المسلمين وكان أبوه سهيل قد أوثقه فى الحديد وسجنه فقام اليه المسلمون يرحبونه ويهنونه فلما راى ابو سهيل قام اليه فضرب وجهه بغصن شوك وأخذ بتلبيبه ثم قال يا محمد هذا أول ما اقاضيك عليه ان ترده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا لم نقض الكتاب بعد قال فو الله إذا لا أصالحك على شىء ابدا قال فاجزه بي قال ما انا بمجيزه قال بلى فافعل قال ما انا بفاعل فقال مكرز وحويطب قد اجزناه لك فاخذاه ودخلا فسطاطا واجاراه وكف عنه أبوه- فقال ابو جندل معاشر المسلمين أرد الى المشركين وقد جئت مسلما الا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته أبا جندل اصبر واحتسب فان الله تعالى جاعل لك بمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا انا قد عقدنا مع القوم صلحا وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهدا وانا لا نقدر فمشى عمر بن الخطاب الى جنب ابى جندل فقال له اصبر واحتسب فانما هم المشركون وانما دم أحدهم دم كلب وجعل عمر يدنى قائم السيف منه قال عمر رجوت ان يأخذ السيف فيضرب به أباه قال فضمن الرجل بابيه وقد كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحوا وهم لا يشكون فى الفتح لرويا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما راو ما رأو من

الصلح والرجوع دخل الناس من ذلك عظيم حتى كادوا يهلكون فزادهم امر ابى جندل ونفذت القضية شهد على الصلح رجال من المسلمين ورجال من المشركين وابو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن سهيل بن عمرو وسعد بن ابى وقاص ومحمود بن سلمة وعلى بن ابى طالب كرم الله وجهه ومكرز بن حفص وهو مشرك فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا فانحروا ثم احلقوه فو الله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلث مرات فاشتد ذلك عليه فدخل على أم سلمة فقال هلك المسلمون امرتهم ان ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا فقالت يا رسول الله لا تلمهم فانهم قد دخلهم امر عظيم مما ادخلت على نفسك من المشقة فى امر الصلح ورجوعهم بغير فتح يا نبى الله اخرج ولا تكلم أحدا كلمة حتى تنجر بدنك وتدعوا بحالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا حتى نحو بدنه رافعا صوته بسم الله الله اكبر ودعا حالقه فحلقه فلما راوا ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا قال ابن عمر وابن عباس حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين قال يرحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال والمقصرون قالوا يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم الترحم قال لانهم لم يشكوا قال ابن عمرو ذلك انه تربص قوم وقالوا لعلنا نطوف بالبيت واقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية تسعة عشر يوما ويقال عشرين ليلة ذكره محمد بن عمرو فى ايام المقام بالحديبية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة لارى الهوام تتساقط على وجهه وهم محصورون قبل الصلح ايؤذيك هوام راسك قال نعم وامره بالحلق والفدية من صيام او صدقة او نسك ونزل حينئذ قوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ الاية من سورة البقرة وقد ذكر هناك مسائل للاحصار والحلق بعذر وما يتعلق به روى مسلم عن سلمة بن الأكوع والبيهقي عن ابن عباس والبزاز والطبراني والبيهقي عن ابى حبيش ومحمد بن عمرو عن شيوخه انه لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية نزل بمر الظهران ثم نزل بعسفان فارملوا من الزاد فشكى الناس الجوع وقالوا ننحر يا رسول الله الحمر فاذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر يا رسول الله لا تفعل فان يكن فى الناس بقية ظهر كان أمثل كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غدا جياعا رجالا لكن ان رايت تدعو الناس ببقايا أزوادهم ثم تدعوا فيها بالبركة فان الله سيبلغنا بدعوتك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا أزوادهم وبسط نطعا وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر فاجتمع زاد القوم على النطع قال مسلمة فتطاولت لاحرزكم محرزته كر نفسه عزة ونحن اربعة عشر مائة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بما شاء الله تعالى ان يدعوا

فاكلوا حتى شبعوا ثم حشوا أوعيتهم وبقي مثله فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت لواجذه وقال اشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله والله لا يلقى الله تعالى عبد مؤمن بهما الا حجب من النار قال الزهري فى حديثه ثم جاء نسوة مؤمنات فانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ- فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له فى الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن ابى سفيان والاخرى صفوان بن امية قال فنهاهم ان يردوا النساء وامر برد الصداق روى احمد والبخاري وابو داود والنسائي عن المسور بن مخرمة والبيهقي عن الزهري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة من الحديبية أتاه ابو بصير عتبة بن أسيد حاربة الثقفي حليف بنى زهرة مسلما قد خلت من قومه فكتب الاحبس بن شريف الثقفي وأزهر بن عبد عوف الزهري الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بعثهما وبعثا خنيسا بن جابر من بنى عامر ابن لوى يذكر ان الصلح الذي بينهم وان يردا إليهم أبا بصير فقدم العامري ومعه مولى له يقال له كوثر بعد ابى بصير بثلاثة ايام فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بصير ان يرجع معهما وقال يا أبا بصير انا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح فى ديننا الغدر ان الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا به حتى بلغا ذا الحليفه فصلى ابو بصير فى مسجدها ركعتين صلوة المسافر ومعه زاد له من تمر يحمله يأكل ودعا العامري وصاحبه لياكلا معه فنزلوا يأكلون التمر وعلى العامري سيفه وتحادثا ولفظ عروة فسل العامري سيفه ثم هذه فقال لاضربن بسيفى هذا فى الأوس والخزرج يوما الى الليل فقال ابو بصير أصارم سيفك هذا قال نعم قال ناولنى انظر اليه ان شئت فناوله إياه فلما قبض عليه ضربه به حتى يرد وخرج كوثر هاربا حتى اتى المدينة فدخل المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك قال قتل والله صاحبى وأفلت منه ولم أكد وانى مقتول فاستغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم فامته واقبل ابو بصير فاناخ بعير العامري ودخل متوحشا بسيفه فقال يا رسول قد وفيت ذمتك وادي الله عنك وقد أسلمتني بيد العدو وقد امتنعت بديني من ان افتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد وقدم بسلب العامري لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليخمسه فقال انى إذا خمسة راونى لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه ولكن شانك بسلب صاحبك واذهب حيث شئت وفى الصحيح ان أبا بصير لما سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد عرف انه سيرده فخرج ابو بصير ومعه خمسة كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حين قدمه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن طلبهم أحد حتى قدموا سيف البحر فاقام بسيف البحر بين العيص وذى المروة من ارض جنته على طريق عيرات قريش وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبر

ابى بصير فتسللوا اليه قال محمد بن عمرو كان عمر بن الخطاب هو كتب إليهم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابى بصير ويل امه مسعر حرب لو كان له رجال وأخبرهم انه بالساحل وانفلت ابو جندل بن سهيل الذي رده عليه السلام الى المشركين بالحديبية فخرج هو وسبعون راكبا ممن اسلموا فلحقوا بابى بصير فلما قدم ابو جندل على ابى بصير سلم له الأمر لكونه قرشيا وكان ابو جندل يؤمهم واجتمع الى ابى جندل حين سمع بقدومه ناس من بنى غفار واسلم وجهينة وطوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل كما عند البيهقي عن ابن شهاب لا تمر بهم عير لقريش الا أخذوها وقتلوا من فيها وضيقوا على قريش فلا يظفرون بأحد منهم الا قتلوه فارسل قريش أبا سفيان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبعث الى ابى بصير ومن معه وقالوا من خرج منا إليك فامسكه فهو لك حلال من غير حرج أنت فيه فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ابى بصير وابى جندل يأمرهما ان يقدما عليه ويأمر من معهما فمن اتبعهما من المسلمين ان يرجعوا الى بلادهم وأهليهم فلا يتعرضوا الأحد مر بهم من قريش وعيراتها فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابى بصير وهو يموت فجعل يقرأه ومات وهو فى يده فدفنه ابو جندل فى مكانه وجعل قبره مسجدا وقدم ابو جندل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ناس من أصحابه ورجع سائرهم الى أهليهم فلما كان من أمرهم على الذين كانوا اشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية ان طاعة الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم خير لهم فيما أحبوا وفيما كرهوا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام القضية قال هذا الذي وعدتكم ولما كان يوم الفتح أخذ المفتاح وقال لعمر بن الخطاب هذا الذي قلت لكم- ولما كان فى حجة الوداع وقف بعرفة فقال اى عمر هذا الذي قلت لكم قال اى رسول الله ما كان فتح أعظم من صلح الحديبية وكان ابو بكر يقول ما كان فتح فى الإسلام أعظم من صلح الحديبية ولكن الناس قصر رائهم عما كان بين رسول الله وبين ربه والعباد يعجلون والله لا يعجل بعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد والقد رايت سهيل بن عمرو فى حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينحرها بيده ودعا الحلاق فحلق راسه وانظر الى سهيل يلتقطه من شعره يضعه على عينه واذكر امتناعه ان يقر يوم الحديبية بان يكتب بسم الله الرحمن الرحيم فحمد الله سبحانه ان هداه للاسلام فَمَنْ نَكَثَ اى نقض البيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ اى لا يعود ضرر نكثه الا عليه وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ اى ثبت على البيعة قرأ حفص بضم الهاء تعظيما للجلالة والباقون بالكسر فَسَيُؤْتِيهِ قرأ نافع وابن كثير وابن عامر بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة والضمير

[سورة الفتح (48) : آية 11]

عايد الى الله أَجْراً عَظِيماً يعنى الجنة ورضوان الله تعالى ورويته. سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ ابن عباس ومجاهد يعنى الاعراب بنى غفار ومزينه وجهنية والنخع واسلم وهم الذين أبطئوا من الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم حين استنفرهم إذا أراد المسير الى مكة عام الحديبية خوفا من قتال قريش زعما منهم قلة عدد المسلمين وضعفهم فى عقيدتهم كما مر فى القضية رجع النبي صلى الله عليه وسلم سالما اعتذروا من التخلف وو قالوا شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا يعنى لم يكن لنا من يقوم باشغالهم فَاسْتَغْفِرْ لَنا الله تعالى على التخلف فيه معجزة فان الله تعالى اخبر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بما يقول له المخلفون بعد ذلك ثم كذبهم الله فى اعتذارهم فقال يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ من الاعتذار والاستغفار يعنى انهم لا يبالون استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم او لم يستغفر الجملة بدل من قوله تعالى سيقول إلخ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً يعنى لاحد يمنعكم من مشية الله تعالى وقضائه فيكم إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا قرأ حمزة والكسائي بضم الضاد والباقون بالفتح يعنى ما يضركم كقتل او هزيمة او هلاك فى المال او الأهل او عذاب فى الاخرة على تخلفكم أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً اى ضد ذلك به تعرض بالرد بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً يعنى ليس الأمر كما قلتم فى الاعتذار بل الله يعلم ان قصدكم فى التخلف انما هو اظهار الموافقة لاهل مكة خوفا منهم. بَلْ ظَنَنْتُمْ ايها المخلفون أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً يعنى يستاصلهم مشركو مكة فلا يرجعون إضراب ثان عطف على مضمون الاضراب الاول يعنى بل أظهرتم موافقه اهل مكة بل ظننتم ان لن ينقلبوا وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ زينه الشيطان بخلق الله تعالى وَظَنَنْتُمْ ان محمدا وأصحابه أكلة راس فلا يرجعون او غير ذلك مما يظنون بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأمور الباطلة ظَنَّ السَّوْءِ منصوب على المصدرية وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً هلكى عند الله لفساد عقيدتكم وسوء ظنكم بالله ورسوله. وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فيه تعريض الى انهم غير مؤمنين بالله ورسوله فان الايمان ينافى تلك الظنون والتخلف عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجزاء الشرط محذوف وما بعده تعليل أقيم مقامه اى لا يضرنا- فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً وضع المظهر موضع المضمر إيذانا بان من لم يجمع بين الايمان بالله ورسوله فهو كافر مستوجب للسعير بكفره وتنكير سعير للتهويل-. وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ لا يجب عليه شىء وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يعنى ان الغفران والرحمة صفات ذاتية له تعالى والتعذيب داخل

[سورة الفتح (48) : آية 15]

تحت قضائه بالعرض. سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ المذكورون إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ فى القتال حتى نصيب من المغانم يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ جملة يريدون بدل اشتمال من سيقولون قرأ حمزة والكسائي كلم الله على انه جمع كلمة قيل المراد بالمغانم خيبر خاصة قال محمد بن عمر وامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالخروج يعنى الى خيبر فجدوا فى ذلك من حوله فمن شهد الحديبية يغزون معه وجاء المخلفون عنه فى غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة فقال عليه السلام لا يخرجوا معى الا راغبين فى الجهاد واما الغنيمة فلا- والظاهر ان معنى الاية سيقولون المخلفون الذين تخلفوا من الجهاد فى غزوة الحديبية حين ظنوا بالمسلمين ضعفا وقلة إذا يرون بالمسلمين قوة وانطلقتم الى المغانم لتاخذوها فى زعمهم غالبا سيقولون ذرونا نتبعكم يريدون ان يبدلوا كلام الله يعنى امر الله لنبيه ان لا يسير معه أحد منهم كما فى قوله تعالى فاستاذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى ابدا ولن تقاتلوا معى عدوا انكم رضيتم بالقعود أول مرة كذا قال ابن ريد وقتادة قلت لعل المخلفون لما رأوا من المؤمنين شدة رغبتهم فى الجهاد وسمعوا بيعة الرضوان وان الله الفر؟؟؟ المؤمنين على المشركين فى بطن مكة حتى رضى المشركون على الصلح واطمأن المسلمون من اهل مكة وفرغوا الجهاد عامة العرب ندموا على التخلف وظنوا بغلبة المسلمين وأخذهم الغنائم قالوا ذلك حين عزم النبي صلى الله عليه وسلم لجهاد اهل خيبر مع ان اهل خيبر كانوا أشد بأسا من اهل مكة حيث كان فيها عشر آلاف مقاتل وانما حبس الله رسوله والمؤمنين من اهل مكة ترحما بقريش كما حبس عنهم الفيل لما علم بعلمه القديم ان أكثرهم يؤمنون ويخرج منهم بسمات مومنات ولئلا يصيب المؤمنين معرة بغير علم من ان يطئوا رجالا مومنين ونساء مؤمنات كانوا بمكة لم يعلموهم قُلْ يا محمد لَنْ تَتَّبِعُونا جملة مستانفة اخبار من الله تعالى بعدم اتباعهم بعد عزمهم طمعا فى الغنائم ولا يبدل القول لديه وفى معجزة اخبار بالغيب مرتين مرة بالقول ومرة بعدم الاتباع وقيل هذا نفى ومعناه النهى- كَذلِكُمْ يعنى قولا مثل ما قلت لكم ايها المخلفون من الاخبار والنهى قالَ اللَّهُ تعالى مِنْ قَبْلُ هذا بوحي غير متلوان غنائم خيبر لاهل الحديبية خاصة لا نصيب لغيرهم فيها او انهم لن يخرجوا معك ابدا ولا يصاحبهم فى غزوة ابدا وليس المراد منه قوله تعالى فَاسْتَأْذَنُوكَ لانها نزلت بعد ذلك سنة تسع فى غزوة تبوك فَسَيَقُولُونَ اى المخلفون عطف على سيقولون بَلْ تَحْسُدُونَنا عطف على محذوف يعنى لم يقل الله كذلك بل تحسدوننا يقولون ذلك حسدا ان يشرككم فى الغنائم بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ عطف على سيقولون يعنى ليس الأمر كما زعمت المخلفون بل كانوا

[سورة الفتح (48) : آية 16]

لا يعلمون من الله تعالى ما لهم وما عليهم فى الدين إِلَّا قَلِيلًا يعنى الا تفقها قليلا من امور الدنيا وقال البغوي معناه الا قليل منهم وهو من صدق الله ورسوله قلت وعلى هذا كان المختار عند النحويين الرفع على البدلية لان الكلام غير موجب. قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة فى الذم واشعار بكمال شناعة التخلف سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قال كعب هم الروم يعنى فى غزوة تبوك قلت وهذا القول يابى عنه توصيف قوم بقوله يقاتلونهم او يسلمون فان غزوة تبوك مال امره الى القتال فان النبي - صلى الله عليه وسلم - سار الى تبوك واقام هناك بضعة عشر يوما فلم يتحرك هرقل الى مقابلته ولم يبعث اليه جيشا رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير قتال وقال سعيد بن جبير وقتادة هوازن وثقيف وغطفان يوم حنين قلت ولم يصح ان النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا الاعراب يوم حنين وايضا يكونوا اولى بأس شديد بالنسبة الى عسكر الإسلام بل كانوا قليلا فى مقابلة جم غفير وقال الزهري ومقاتل وجماعة هم بنو حنيفة اهل اليمامة واصحاب مسيلمة الكذاب قال رافع بن خديج كنا نقرا هذه الاية ولا نعلم من هم حتى دعى ابو بكر الصديق رض الى قتال بنى حنيفة فعلمنا انهم هم وهذا قول اكثر المفسرين ورحجه البيضاوي بقرينة قوله تعالى تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ يعنى بكون أحد الامرين اما المقاتلة او الإسلام لا غير كما يدل عليه قراءة او يسلموا فان او حينئذ بمعنى الى ان ولا شك ان مشركى العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم الا الإسلام او السيف وقتال غيرهم كاهل الروم ينتهى بالجزية فالاية دليل على امامة ابى بكر فانه دعى الناس لقتال اهل الردة وقال ابن عباس وعطاء ومجاهد وابن جريح هم اهل الفارس فانهم كانوا أشد بامن من غيرهم دعا الناس عمر بن الخطاب الى قتالهم فالاية دليل على خلافة عمر المبنية على خلافة ابى بكر ومعنى يسلمون حينئذ ينقادون لاعطاء الجزية والجملتين المتعاطفتين بدل اشتمال من ستدعون فَإِنْ تُطِيعُوا لداعى يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً يعنى الجنة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا توليا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ ذلك عام الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً لتضاعف جرمكم قال البغوي فلما نزلت هذه الاية قال اهل الزمانة كيف بنا يا رسول الله فانزل الله تعالى. لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ضيق وشدة وعذاب فى ترك الجهاد وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى الجهاد وغير ذلك يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ اى يعرض عن الطاعة بعد القدرة يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً قرأ نافع وابن عامر ندخله ونعذبه بالنون على المتكلم والباقون بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الله

[سورة الفتح (48) : آية 18]

سبحانه-. لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ يعنى بالحديبية هذه الجملة متصلة بقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ الاية تأكيد لها وما بينهما معترضات وبهذه الاية سميت البيعة بيعة الرضوان والغرض من هذه الاية مدح المؤمنين والثناء عليهم ومما سبق- حثهم على إيفاء ما بايعوا عليه وفى الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال كنا يوم الحديبية الفا واربعمائة فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم خير اهل الأرض- وروى مسلم عن امر بشر مرفوعا ولا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة- فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ من الصدق والوفاء فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ يعنى القى عليهم الطمأنينة بالحضور عند ذكر الله تعالى والرضا بما امر الله تعالى فوق الرضا بما تشتهيه نفوسهم وَأَثابَهُمْ فَتْحاً يعنى فتح خيبر قَرِيباً قيل اقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال كذا عند ابن عاند عن ابن عباس وعند سليمان التيمي خمسة عشر وذكر ابن عقبة عن ابن شهاب اقام بالمدينة عشرين ليلة فى حديث المسور ومروان عند ابن اسحق انه عليه السلام قدم المدينة فى ذى الحجة فاقام بها حتى سار الى خيبر فى المحرم وكان فتح خيبر فى سفر سنة سبع كذا فى المغازي للواقدى قال الحافظ انه الراجح نقل الحاكم عن الواقدي-. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها روى البخاري عن عائشة رض قالت لما فتحت خيبر قلنا الان نشبع من التمر وعن ابن عمر قال ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر قال الحافظ محمد بن يوسف الصالحي ان خيبر اسم ولاية مشتملة على حصون ومزارع ونخل كثيرة على ثلثة ايام من الحديبية على يسار حاج الشام وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها وهى الفتوح التي يفتح لهم الى يوم القيامة فيه تسلية للمؤمنين انصرافهم من مكة بصلح فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يعنى فتح خيبر وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ قال البغوي وذلك ان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حاصر خيبر همت قبائل من بنى اسد وغطفان ان يغيروا على اعيال المسلمين وذراريهم بالمدينة فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب فى قلوبهم وقال ابن اسحق كانت غطفان مظاهرين يهود خيبر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبلغنى ان غطفان لما سمعوا بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر خرجوا ليظاهروا يهود عليه فلما ساروا سمعوا خلفهم فى أموالهم وأهليهم حسا ظنوا ان القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم فاقاموا فى أهليهم وأموالهم وخلوا بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين خيبر وروى ابن قانع والبغوي وابو نعيم

فى العرفة عن سعيد بن شتيم عن أبيه رض انه كان فى جيش عيينة بن حصين فى خيل غطفان لما جاء يمر خيبر قال فسمعنا صوتا فى عسكر عيينة ايها الناس أهليكم خولفتم فيه قال فرجعوا لا يتناظرون فلم تر لذلك بنا وما تراه كان الا من قبل السماء وقيل كف الناس عنكم يعنى باهل مكة بالصلح وَلِتَكُونَ عطف على محذوفه لتكف او فجعل او لتاخذوا تقديره لتسلموا او تغنمو لتكون او علة لمحذوف تقديره وفعل ذلك لتكون الكفة او الغنيمة آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ على صدقك فيما وعدتهم من فتح مكة وغير ذلك وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً هو الثقة لفضل الله والتوكل عليه او المعنى يثيتكم على الإسلام ويزيدكم بصيرة ويقينا- قصة غزوة خيبر انه صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة سباع بن عرفطة كذا روى احمد وابن خزيمة والحاكم عن ابى هريرة ولما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم والناس شق على يهود المدينة ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد من المسلمين حق الا لزمه روى احمد والطبراني عن ابى جدر وانه كان لابى شحم اليهودي عليه خمسة دراهم فلزمه فقال أجلني فانى أرجو ان اقدم عليك فاقضيك حقك قد وعد الله نبيه ان يغنم خيبر فقال ابو شحم أتحسب ان قتال خيبر مثل قتال ما تلقون من الاعراب والتوراة فيها عشرة آلاف مقاتل وترافعا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عليه السلام أعطه حقه فخرجت فبعث ثوبى بثلاثة دراهم الحديث ولما وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى الصهاء وهى ادنى خيبر دعانا لازواد فلم يوت الا السويق فثرى فاكل وأكلنا معه ثم قام الى المغرب فمضمض ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخاري والبيهقي قال محمد بن عمر وثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى اتى الى المنزلة التي وهى يسوق لخيبر صارت فى سهم زيد بن ثابت فعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ساعة من الليل وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعدوهم فلما أحسوا الخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون محمد تغيرونا هيهات هيهات وكان ذلك شانهم- فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس فاصبحوا وافئدتهم تحقق وفتحوا حصونهم- وفى الصحيحين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى خيبر فانتهى إليها ليلا وكان عليه السلام إذا طرق قوما لم يغتر عليهم حتى يصبح فاذا سمع اذانا امسك وإذا لم يسمع أغار حتى يصبح فصلنا الصبح عند خيبر بغلس فلم يسمع اذانا فلما أصبح ركب وركب المسلمون وخرج اهل قرية الى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا محمد والخميس فادبروا هاربين فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه الله اكبر خربت خيبر انا إذا أنزلنا بساحة قوم فساع صباح المنذرين وابتدأ باهل نطاة وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووعظهم ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم فعمد رجل من أشجع على يهودى وحمل عليه اليهودي فقتله فقال الناس استشهد فلان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما نهيت من القتال قالوا نعم فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا فنادى فى الناس لا تحل الجنة لعاص- وروى الطبراني عن جابر ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يومئذ لا تتمنوا لقاء العدو واسئلوا الله العافية فانكم لا تدرون ما تبتلون به فاذا لقيتم فقولوا اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وانما تقتلهم أنت ثم الزموا الأرض جلوسا فاذا عشوكم فانهضوا وكبروا الحديث- قال ابن اسحق ومحمد بن عمرو بن سعيد فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرايات واذن للناس فى قتال وحثهم على الصبر وأول حصن حاصره من النطاة ناعم وقاتل أشد القتال وقاتله اهل نطاة أشد القتال فلما امسى تحول له الى الرجيح فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغدوا على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم روى البيهقي وابو نعيم ومحمد بن عمران المسلمين لما قدموا خيبر قدموا على ثمرة خضراء وهى ديئية وختمة فاكلوا منها فاخذهم الحمى فشكوا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال فرسوا الماء فى الشنان فاذا كان بين الاذانين يعنى من الصبح فاحدروا الماء واذكروا اسم لله فكانما نشطوا من العقل وبعد فتح ناعم حاصر وأحصن الصعب بن معاذ- روى محمد بن عمر عن ابى أيسر كعب بن عمر انهم حاصروه ثلثة ايام وكان حصنا منيعا- روى ابن اسحق عن رجل من اسلم ومحمد بن عمر عن معتب الأسلمي قال أصابتنا معشر اسلم مجاعة حتى قدمنا خيبروا قمنا عشرة ايام على حصن النطاة لا يفتح شيئا فيها طعام فارسلوا اسماء بن حارشة الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ان اسلم يقرأ عليك السلام ويقول انا قد جهدنا من الجوع والضعف فادع الله لنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بيدي ما أقوتهم به قد علمت حالهم ثم قال اللهم فافتح عليهم الأعظم حصنا فيها أكثره ودكاو دفع اللواء الى حباب بن المنذر وندب الناس فما رجعنا حتى فتح الله حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن اكثر طعاما وودكا منه بزر لحباب يوشع اليهودي فقتله حباب ثم برزله الزيال فبادره عمارة بن عقبة الغفاري فقال الناس بطل جهاده فقال عليه الصلاة والسلام ما بأس به يوجر ويحمد- روى محمد بن عمرو عن جابر انهم وجدوا فى حصن الصعب من الطعام ما يكونوا يظنون من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا وامقلوا ولا تحملوا يعنى لا تخرجوا به الى بلادكم- روى البيهقي عن محمد بن عمرو قال لما تحولت اليهود من حصن الناعم وحصن الصعب بن معاذ الى قلة الزبير يعنى حصن

الزبير بن العوام رض الذي صار فى سهمه بعد وهو حصن على راس قلة فاقام محاصرهم ثلثة ايام فجاء اليهودي يدعى غزال فقال يا أبا قاسم توصننى على ان ادلك على ما تستريح به من اهل ونخرج الى الشق فان اهل الشق قد هلكوا رعبا منك فامنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على اهله وماله فقال اليهودي انك لو أقمت شهرا ما بالولهم ذبول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها تم يرجعون الى قلعتهم فيمنعون منك فان قطعت عنهم شربهم اصحروا لك فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى ذبولهم فقطعها فلما قطع عليهم مشاربهم خرجوا وقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود ذلك اليوم عشرة وافتحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان هذا آخر صون النطاة فلما فرغ من النطاة تحول الى الشق وأول حصن بدأ به منها حصن على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها اهل الحصن قتالا شديدا خرج رجل من اليهود يقال له غزول فقتله حباب بن المنذر فخرج رجل اخر من يهود فقتله أبوه دجانة وأخذ درعه وسيفه وجاء به الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك واحجم اليهود عن البراز فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه يقدمهم ابو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما فهرب من كان فيه من المقاتلة حتى صاروا الى حصن النزل بالشق وجعل يأتي من بقي من خل النطاة الى حصن النزال فغلقوه وامتنعوا فيه أشد الامتناع وزجف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى أصحابه فقاتلهم وكانوا أشد اهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم حتى أصاب النبل ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وعلقت به فاخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النبل فجمعها ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم ثم ساخ فى الأرض حتى المسلمون فاخذوا اهله أخذا ولما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصون النطاة والشق انهزم من سلم منهم الى حصون الكثيبة وأعظم حصونها القموص وكان حصنا منيعا ذكر ابن ابى عقبة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصره قريبا من عشرين ليلة وكانت أرضا وخمسة روى الشيخان عن سهل بن سعد والبخاري وابو نعيم عن سلمة بن الأكوع وابو نعيم عن عمرو ابن عباس وسعد بن ابى وقاص الخدري وعمران بن حصين وجابر بن عبد الله ومسلم والبيهقي عن ابى هريرة واحمد وابو يعلى والبيهقي عن على وابو نعيم والبيهقي عن بريدة قال بريدة كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج فلما نزل خيبرا أخذته الشقيقة فلم يخرج الى الناس فارسل أبا بكر فاخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل قتالا شديدا ثم نهض فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الاول ثم رجع ولم يكن فتح وفى حديث على

ان الغلبة كانت لليهود فى اليومين فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال لاعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ليس بفرار يحب الله ورسوله ويأخذها عنوة وقال بريدة فتباطينا نفسا ان يفتح غدا ويأت الناس ليلتهم أيهم يعطى فلما أصبح غد وأعلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجوا ان يعطيها قال ابو هريرة قال عمر فما أحببت الامارة قط حتى كان يومئذ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى صلوة الغداة ثم دعا باللواء وقام قائما قال ابن شهاب فوعظ الناس ثم قال اين على رض قالوا تشتكى عينه فارسلوا اليه قال سمة فجئت به أقوده فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك قال زمدت حتى لا ابصر ما قدامى قال ادن منى وفى حديث على عند الحاكم فوضع راسى فى حجره ثم بزق فى يده فدلك بها عينى قالوا فبرء كان لم يكن به وجع قط فما وجمعهما حتى مضى لسبيله ودعا له وأعطاه الراية قال يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله وحق رسوله فو الله لان يهدى الله بك رجلا واحدا خير من ان يكون لك حمر النعم فخرج على حتى ركزها تحت الحصن فاطلع يهودى من راس الحصن فقال من أنت قال على قال اليهودي غلبتم والذي انزل التوراة على موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه- روى محمد بن عمرو عن جابر قال أول من خرج من حصون خيبر مبارزا الحارث أخو مرحب فقتله على رضى الله عنه ورجع اصحاب الحارث الى الحصن وبرز عامر وكان رجلا طويلا جسيما فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - طلع عامرا ترونه خمسة اذرع وهو يدعو الى البراز فخرج اليه على بن ابى طالب فقتله ثم برز ياسر فبرز له على بن ابى طالب فقال له الزبير بن العوام أقسمت عليك الا خطية بينى وبينه ففعل فقالت صفية لما خرج اليه الزبير قلت يا رسول الله يقتل ابني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل ابنك يقتله إنشاء الله تعالى فقتله الزبير فقال عليه السلام فداك عم وقال لكل نبى حوارى وحوارى الزبير وفى حديث سلمة بن الأكوع خرج مرحب يرتجز فقتله على- وروى احمد عن على قال لما قتلت مرحبا جئت برأسه الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وروى البيهقي ومحمد بن عمرو عن جابر بن عبد الله ان محمد بن مسلمة قتل مرحبا والصحيح ما فى صحيح مسلم ان عليا قاتله وروى ابن اسحق عن ابى رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال خرجنا مع على رض حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما دنى من الحصن خرج اليه اهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول على رض بابا كان عند الحصن فترس به من نفسه فلم يزل بيده وهو يقاتل حتى فتح الله ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رايتنى فى نفر سبعة إناثا منهم نجهد على ان نقلب ذلك الباب فلم نقليه- وروى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد عن ليث بن سليم عن ابى جعفر محمد ابن على عن ابائه قال حدثنى جابر بن عبد الله ان عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد عليه المسلمون

فافتتحوها وانه جرب ذلك فلم يحمله أربعون رجل ورجاله ثقات الا ليث بن سليم هو ضعيف قال البيهقي وروى من وجه اخر ضعيف عن جابر قال اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم ان أعاد والباب- وقال الصالحي قال ورواه الحاكم والله اعلم وأصاب من العموص حصن ابى الحقيق سبايا منهم صفية بنت حيى بن اخطب جاء بلال بها وبأخرى معها فمر بهما على قتلى يهود فلما راتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على راسها فلما راها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال اعزبوا هذه الشيطانة وامر بصفية فخرجت خلفه والقى عليها ردائه فعرف المسلمون ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اصطفاها لنفسه وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال لما راى من تلك اليهودية ما راى انزعت منك الرحمة يا بلال جئت ثمه بامرأتين على قتلى رجالهما وكانت صفية قد رأت فى المنام وهى عروس بكنانة بن الربيع بن ابى الحقيق ان قمر أوقع فى حجرها فعرضت روياها على زوجها فقال يا هذا الا انك تتمنين ملك الحجاز محمدا فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها فيها فاتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها وبها اثر منها فسالها فاخبرته هذا الخبر وفى رواية جاء دحية فقال يا نبى الله أعطيني جارية من السبي فقال اذهب فخذ جارية فاخذ صفية بنت حيى فجاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله أعطيت دحية بنت حيى سيدة قريضة والنضير لا تصلح الا لك قال ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال خذ جارية من السبي غيرها قال فاعتقها النبي - صلى الله عليه وسلم - وتزوجها حتى إذا كان الطريق جهزها له أم سلمة فاهدتها له من الليل فاصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - عروسا فقال من كان عنده شىء فليجىء به وبسط نطعا فجعل الرجل يجىء بالتمر وجعل الاخر يجىء بالسمن قال واحسبه قد ذكر السويق فحاسو حيسا وكان وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ثابت يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها وفى الصحيحين عن عبد الله بن ابى اوفى قال أصابتنا مجاعة ليالى خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا فى الحمر الانسية فاننحرناها فلما غلت القدور نادى منادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان القوا القدور ولا تأكلوا لحوم الحمر شيئا- وعن ابن عباس قال نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع المغانم حتى تقسم وعن الحبالى ان توطأ حتى يضعن ما فى بطونهن قال أتسقي زرع غيرك وعن لحوم الحمر الاهلية وعن لحم كل ذى ناب من السباع رواه الدارقطني روى محمد بن عمر وعدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين او ثلثين- قال ابن اسحق كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ الأموال مالا مالا ويفتحها حصنا حصنا حتى انتهوا الى الحصنين الوطيح والسلالم وكانا اخر حصون خيبر فتحا فجعل اليهود لا يطلعون من حصنهم حتى هم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان ينصب عليهم المنجنيق حين راى انه لا يبرز منهم أحد ولا أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اربعة عشر يوما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح وأرسل كنانة بن ابى الحقيق رجلا من اليهود ويقال له شماخ

فصالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حقن دماء من فى حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم ويخرجون من خيبر وارضها بذراريهم ويخلون بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين ما كان لهم من مال وارض وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة وعلى التبر الا ثوبا على ظهر انسان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأت ذمة الله وذمة رسوله ان تكتمون شيئا فصالحوه على ذلك فقبضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاول فالاول وجد من ذينك الحصنين مائة درع واربعمائة سيف وخمسمائة قوس عربية بجعابها ووجد فى الكثيبة خمسمائة قوس بجعابها روى ابن سعد والبيهقي عن ابن عمر وابن سعد عن ابن عباس فذكر الصلح كما ذكرنا ان لا يكتموه شيئا فان فعلوا فلا ذمة لهم قال ابن عباس فاتى بكنانة بن ابى الحقيق لزوج صفية والربيع اخوه وابن عمه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فعل مسك حيى الذي جاء به النضير وكان مسكا مملوا من الحلي قالا أذهبه النفقات والحروب فقال العهد قريب والمال اكثر من ذلك فقال بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انكما ان كتمتمانى شيئا فان اطلعت عليه استحللت به دمائكما وذراريكما قال نعم قال عروة ومحمد بن عمر فيما روى البيهقي عنهما فاخبر الله تعالى نبيه بموضع الكنز وقال عليه الصلاة والسلام لكنانة انك مفتر بامر السماء فدعا رجلا من الأنصار وقال اذهب الى فراخ كذا وكذا فانظر نخلة عن يمينك ونخلة عن شمالك فائتى بما فيها فجاء بالآنية والأموال فقومت بعشرة آلاف دينار فضرب أعناقهما وسبى أهلهما بالنكث الذي نكثاه روى البخاري عن ابن عمر والبيهقي عنه وعن عروة وعن موسى بن عقبة ان خيبر لما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا دعنايا محمد نكون فى هذا الأرض نضلحها ونقوم عليها ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لاصحابه غلمان وكانوا لا يفرغون ان يقوموا عليها فاعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ان لهم الشطر من كل زرع ونخل وشىء ما بدأ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى لفظ نقركم على ذلك ما شئنا فى لفظ ما اقركم الله وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرجها عليهم ثم يقمنهم الشطر فشكوا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن رواحة وأرادوا ان يرشوا ابن رواحة فقال يا اعداء الله أتطمعوني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس الى ولانتم ابغض الى من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملنى بغضي إياكم وحبى إياه على ان اعدل عليكم فقالوا بهذا اقامت السموات والأرض فاقاموا بأرضهم على ذلك فلما كان زمن عمر رض غشوا المسلمين والقوا عبد الله بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه ويقال بل سحروه بالليل وهو نائم على فراشه فكوع حين أصبح كانه فى وثاق وجاء أصحابه فاصلحوا من يديه فقام عمر خطيبا فى الناس فقال ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل يهود خيبر على أموالهم وقال نقركم ما اقركم الله وان عبد الله بن عمر خرج الى ماله هناك فعدى عليه من الليل ففدعت يداه وليس لنا هناك عدو غيرهم وهم تهمنا وقد رأيت اجلائهم فمن كان له همّ بخيبر فليحضر حتى يقسمها فلما اجمع على ذلك قال رئيسهم وهو أحد بنى

ابى الحقيق لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا ابو القاسم وابو بكر فقال عمر رض لرئيسهم أتراه سقط عنه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف بك إذا خرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة فقاتلك هزيلة من ابى القاسم قال كذبت واجلاهم عمر روى الشيخان عن انس واحد وابن سعد وابو نعيم عن ابن عباس وغيرهم عن جابر وابى سعيد وابى هريرة والزهري ان زينب بنت الحارث امرأة لسلام بن مسكم ابنة أخي مرحب أهدت لصفية شاة مسمومة مصلية وقد قالت اى عضو الشاة أحب الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل لها الذراع فاكثرت فيها من السم ثم سمت سائر الشاة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور فقدمت الشاة المصلية فتناول النبي صلى الله عليه وسلم الذراع فانتهس منها فلاكها وتناول بشر بن البراء عظما فانتهس منه قال ابن اسحق اما بشر فساغها واما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلفظها وقال ابن شهاب فلما اشترط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقمة اشترط بشر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارفعوا ايديكم فان كتف هذه الشاة تخبرني انى بقيت فيها فقال بشر بن البراء والذي أكرمك لقد وجدت كذلك فى أكلتي فما منعنى ان الفظها الا انى أعظمت ان بفضك طعاما فلها سحت ما فى فيك لم أكن لأرغب بنفسي عن نفسك ورجوت ان لا تكون اشترطها وفيها بغى فلم يقم بشر من مقامه حتى عادلونه كالطيلسان ومات واحتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كامله يومئذ حجمه ابو هند وبقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان وجعه الذي توفى فيه فقال مازلت أحد من الاكلة التي أكلت من الشاة المسمومة يوم خيبر حتى كان هذا أوان قطع أبهري فتوفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهيدا فارسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى اليهودية أسممت هذه الشاة فقالت من أخبرك قال أخبرتني هذا الذي فى يدى وهى الذراع قالت نعم قال ما حملك على ما صنعت قالت بلغت من قومى ما لم يخفك عليك فقلت ان كان ملكا استرضا منه وان كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها وروى عبد الرزاق فى مصنفه عن معمر عن الزهري انها أسلمت وتركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجزم بإسلامها سليمان التيمي ولفظ بعد قولها وان كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد استبان بي انك صادق وانا أشهدك ومن حضرك انى على دينك وان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله قال فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها حين أسلمت ووقع عند البزاز من حديث ابى سعيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سواله للمرأة اليهودية واعترافها بسط يده الى الشاة وقال لاصحابه كلوا بسم الله قال فاكلنا وذكرنا اسم الله فلم يضر أحدا منا قال الحافظ حماد الدين فيه نكارة وغرابة شديدة وذكر محمد بن عمران رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امر بلحم الشاة فاحرق وعن جابر ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مات بشر بن البراء امر باليهودية فقتلت رواه ابو داود وعن محمد بن عمر بأسانيد له فدفعها الى اولياء بشر بن البراء فقتلوها قال البيهقي يحتمل انه تركها اولا وقال السهيلي تركها لانه كان لا ينتقم لنفسه ثم قتلها ببشر قصاصا قال الحافظ تركها لكونها أسلمت

وانما اخّر قتلها حتى مات بشر لان بموته يتحقق وجوب القصاص- قصة قدوم جعفر- عن ابى موسى الأشعري قال لما بلغنا مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يعنى من مكة ونحن باليمن خرجنا مهاجرين اليه فالقتنا سفينتنا بالحبشة فوافقنا جعفر بن ابى طالب رض فقال جعفر ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثنا وأمرنا بالإقامة فاقيموا معنا فاقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فتح خيبر فاسهم لنا وما قسم لاحد غاب عن فتح خيبر شيئا الا لمن شهد معه الا اصحاب سفينتنا ولما قدم جعفر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله لا أدرى بايهما افرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ولما نظر جعفر الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خجل وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاصحاب جعفر لكم هجرتان وقيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعفر بين عينة رواه البيهقي قصة قدوم ابى هريرة والادسيين وعن ابى هريرة قدمت المدينة ونحن ثمانون بيتا من دوس ثم جئنا خيبر وقد فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النطاة وهو محاصر لكثيبة فاقمنا حتى فتح الله علينا فكلم المسلمين فاشركنا فى سهمانهم رواه احمد والبخاري فى التاريخ والحاكم والبيهقي وابن خزيمة والطحاوي- قصة فدك- فلما سمع اهل فدك بما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر بعثوا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه الصلح ان يسيرهم ويحقن لهم دفائهم ويخلو الأموال ففعل على انا إذا شئنا أخرجناكم فصالحه اهل فدك على مثل ذلك فكانت خيبر للمسلمين وكانت فداء خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لانهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب فاجلاهم عمر لما اجلى يهود خيبر- قسمة خيبر- ولما كان فتح الوطيع والسلالم بالصلح فكان هذا لنوائب المسلمين واعطفى منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأشعري بين الدوسيين اصحاب السفينتين وهو المراد من قول موسى بن عقبة ان بعض خيبر كان صلحا وكان مشاورة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهل الحديبية فى اعطائهم ليس استنزالهم عن شىء من حقهم وانما هى المشورة العامة وشاورهم فى الأمر قال ابن اسحق وكانت المقاسم على اموال خيبر على الشق والنطاة والكثيبة وكانت الكثيبة خمس الله سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وطعم ازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وطعم رجال مشوا بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين اهل فدك بالصلح منهم محيصة بن مسعود أعطاه ثلثين وسقا من شعير وثلثين وسقا من تمر وكانت النطاة والشق فى أسهم الغزاة جزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر سهما نطاة من ذلك خمسة أسهم والشق ثلثة عشر سهما قسمت على اهل الحديبية من شهد خيبر منهم ومن غاب عنها ولم يغب عنها الا جابر بن عبد الله بن حرام قسم له كسهم من حضر كانوا الفا واربعمائة رجلا ومائتى فرس كان لفرس سهما ولفارسه سهم وكان لكل رجل سهم وكان سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسهم أحدهم وكان لكل سهم من سهام خيبر ثمانية عشر راسا جمع الى راس مائة سهم كان على بن

[سورة الفتح (48) : آية 21]

ابى طالب راسا والزبير بن العوام راسا وسره ذلك ابن اسحق الى آخره- قال ابن سعد امر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجزى غنائم خيبر خمسة اجزاء فكتب فى سهم منها لله وسائر السهمان اغفال وقسم اربعة اخمس على ثمانية عشر سهما كل مائة رجل وللخيل اربعة أسهم- قصة فتح وادي القرى- لما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر الى وادي القرى فدعا أهلها الى الإسلام فامتنعوا ففتحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنوة وغنمه بعالى اموال أهلها وأصاب المسلمون منها أثاثا ومتاعا فخمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك وترك الأرض فى أيدي اليهود وعاملهم على نحو ما عامل عليه اهل خيبر. وَأُخْرى منصوب عطفا على مغانم كثيرة يعنى أوعدكم مغانم اخرى او عطفا على هذه يعنى عجل لكم مغانم اخرى بعد هذا او يفعل محذوف يفسره قد أحاط الله بها يعنى قضى لكم مغانم اخرى وعلى التقادير كلها قوله تعالى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها صفة اخرى وجاز ان يكون اخرى مرفوعا على الابتداء ولم تقدروا عليها صفة له وقوله تعالى قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها خبر المبتدا او يكون لم تقدروا عليها خبر المبتدا وقد أحاط الله حال من الضمير فى عليها والمراد بمغانم فارس والروم وما كانت العرب يقدر على قتال فارس والروم وكان قولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام كذا قال ابن عباس والحسن والمقاتل وقال قتادة هى مكة وقال عكرمة حنين وقال مجاهد كل ما فتح الله بعد ذلك وقد أحاط الله بها اى استولى فاظفركم او أحاط الله بها علما ان يفتحها لكم وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً وان لم تقدروا عليها. وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة ولم يصالحوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحرسهم وَلا نَصِيراً ينصرهم. سُنَّةَ اللَّهِ منصوب على المصدرية يعنى سن الله سنة غلبة أوليائه وأنبيائه على أعدائه قال الله تعالى لاغلبن انا ورسلى وقال ان حزب الله هم المفلحون ان حزب الله هم الغالبون الَّتِي قَدْ خَلَتْ اى مضت تلك السنة قديما فى الأمم السابقة مِنْ قَبْلُ هذا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا تغيرا. وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ يعنى كفار مكة عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ قدمو فيما سبق من حديث انس ان ثمانين رجلا من اهل مكة وفى رواية سبعين هبطوا من جبل التنعيم فاخذوا فعفى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم فنزلت هذه الاية ومن حديث عبد الله بن مغفل وفيه إذ خرج علينا ثلثون شابا الحديث ومن حديث مسلم بن اكوع اخترطت سيفى على اربعة الحديث وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ قرأ ابو عمرو بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الكفار والباقون بالتاء

[سورة الفتح (48) : آية 25]

على الخطاب للمؤمنين بَصِيراً فيجازى كلا على حسب ما فعل. هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى اهل مكة وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ان تطوفوه وَالْهَدْيَ وهى ما يهدى الى مكة من الإبل والبقر والشاة مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ الهدى معطوف على الضمير المنصوب فى صدوكم وان يبلغ معطوف على عن المسجد الحرام فتقدير عن من قبيل العطف على معمولى عامل واحد بحرف واحد وجاز ان يكون ان يبلغ متعلقا بمعكوفا بتقدير من ومعكوفا حال من الهدى مَحِلَّهُ يعنى الحرام فانه موضع حلول اجله احتج الحنفية على انه لا يجوز ذبح الهدايا الا فى الحرم والمحصر يرسل الهدى الى مكة وقد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ... وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ يعنى لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين او لم تعلموهم مؤمنين ورجال مبتداء موصوف بصفات بعد لولا الامتناعية أَنْ تَطَؤُهُمْ بدل اشتمال من المبتدا بتقدير المضاف والخبر محذوف يعنى هو موجودين بمكة وجواب لولا محذوف اغنى عنه جواب لو تزيلوا يعنى لولا كراهة ان تطؤ المؤمنين عند نصرنا وغلبتكم عليهم لعذبنا الذين كفروا بالقتل والاسر فَتُصِيبَكُمْ عطف على تطؤهم مِنْهُمْ اى من جهنم مَعَرَّةٌ قال ابن زيد اثم فان قتل الخطأ لا يخلوا عن اثم كما يدل عليه وجوب الكفارة وقال ابن اسحق غرم الدية وقيل الكفارة وقيل معناه الحرب واطلق هاهنا على المضرة مطلقا تشبيها بالحرب ومن المضرة التأسف على قتل المؤمنين وتعيير الكفار بذلك بِغَيْرِ عِلْمٍ متعلق بان تطؤهم او تصيبكم على سبيل التنازع اخرج الطبراني وابو يعلى عن ابى جمعة جنيد بن سبع قال قاتلت النبي - صلى الله عليه وسلم - أول النهار كافرا وقاتلت معه اخر النهار مسلما وكنا ثلثة رجال وسبع نسوة وفينا نزلت وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ ... لِيُدْخِلَ اللَّهُ متعلق بمحذوف دل عليه السياق اى كان ذلك المنع من دخول مكة عنوة ليدخل الله فِي رَحْمَتِهِ اى فى دينه وجنته مَنْ يَشاءُ من اهل مكة فقدا من كثير من المشركين يوم الفتح وقيل ذلك او المعنى ليدخل الله المؤمنين المستضعفين فى رحمة الدنيوية من العافية وطول البقاء لَوْ تَزَيَّلُوا اى تفرقوا وامتاز المسلمون من الكفار لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ اى من اهل مكة فى الدنيا بالقتل والاسر- عَذاباً أَلِيماً إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ظرف متعلق بقوله عذبنا او صدوكم او مفعول لمحذوف اى اذكر. فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حين صدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطواف وأنكروا بسم الله الرحمن الرحيم وأنكروا محمدا رسول الله قال مقاتل قال اهل مكة قد قتلوا أبنائنا وإخواننا

[سورة الفتح (48) : آية 27]

ثم يدخلون علينا فتحدث العرب انهم دخلوا علينا على رغم انفنا واللات والعزى لا يدخلونها فهذه حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من الحمية فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ حيث اطمئنوا وامتثلوا امر الله تعالى فى المنع عن القتال مع قدرتهم عليه وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسدى وابن زيد واكثر المفسرين انها لا اله الا الله والله اكبر وقال عطاء ابن ابى رباح هى لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير قال عطاء الخراسانى هى لا اله الا الله محمد رسول الله وقال الزهري هى بسم الله الرحمن الرحيم والمال واحد واضافة الكلمة الى التقوى لانها سبب التقوى وأساسها والمراد كلمة اهل التقوى المراد بالزامهم إياها ثباتهم عليها بترك الحمية وَكانُوا أَحَقَّ بِها من كفار مكة وَأَهْلَها يعنى كانوا أهلها فى علم الله تعالى ولذلك اختارهم لتائيد دينه وصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهذه الاية وقوله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ يبطل مذهب الروافض حيث يدعون كفر الصحابة رض ونفاقهم دمرهم الله تعالى- وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ حتى بما أضمره الصحابة رض من الايمان وحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلِيماً ولما وقع الصلح وتقرر الرجوع الى المدينة بغير دخول مكة وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راى رؤيا ان يدخلها كما ذكرنا فى القصة قال الصحابة رض اين روياك يا رسول الله فنزلت. لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا كذا ذكر البيهقي وغيره عن مجاهد والجملة جواب قسم محذوف أورد بصيغة الماضي والمراد به المستقبل ليدل على القطع فى وقوعه قال الجوهري الصدق والكذب يكونان فى القول يعنى الخبر إذا طابق الواقع كان صدقا والا كذبا ويستعملان فى الفعل ايضا فالصدق بمعنى التحقيق قال الله تعالى رجال صدقوا ما عاهدوا الله يعنى حققوا العهد وفى هذه الآية ايضا صدق فعل يعنى حقق الله رؤيا الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا الرؤيا بدل اشتمال من رسوله وجاز ان يكون رسوله منصوبا بنزع الخافض يعنى حقق لرسوله الرؤيا ايضا قال الجوهري الصدق قد يتعدى الى مفعولين قال الله تعالى لقد صدقكم الله وعده وعلى هذا رسوله المفعول الاول والرؤيا مفعوله الثاني وقال البيضاوي معناه صدقه فى رؤياه قال فى المدارك حذف الجار وأوصل الفعل- بِالْحَقِّ اى متلبسا بالحق اى الحكمة البالغة حال من الرؤيا او صفة لمصدر محذوف اى صدقا متلبسا بالحق وهو القصد الى التمييز بين الثابت على الايمان والمتزلزل فيه وجاز ان يكون بالحق قسما اما باسم الله تعالى او بنقيض الباطل وجوابه لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ وعلى الأولين هذا ما قسم محذوف وقال ابن كيسان لتدخلن من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاصحابه حكاية عن روياه فاخبر الله تعالى عن رسوله انه قال ذلك وجاز ان يكون من

[سورة الفتح (48) : آية 28]

قول ملك الرؤيا حكاه الله تعالى وعلى التقديرين تقييده إِنْ شاءَ اللَّهُ مع كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - والملك على يقين منه تادبا بآداب الله تعالى حيث قال الله تعالى ولا تقولن لشىء انى فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله قال ابو عبيدة ان بمعنى إذ مجازه إذ شاء الله وقال الحسين بن الفضيل يجوز ان يكون الاستثناء من الدخول لان بين الرؤيا وتصديقها كانت سنة وقد مات فى تلك السنة فمجاز الاية ليدخلن المسجد الحرام كل واحد منكم إنشاء الله آمِنِينَ حال من فاعل لتدخلن والشرط مفترض مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ يعنى محلقين قوم منكم جميع شعور رؤسهم ومقصرين آخرين بعض شعورها حالان من الضمير فى امنين او حال مقدرة من فاعل لتدخلن لا تَخافُونَ حال مؤكدة لامنين او استيناف يعنى لا تخافون بعد ذلك فَعَلِمَ الفاء للسببية عطف على محذوف تقديره اخر الدخول لحكمة فعلم من الحكمة فى التأخير ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ عطف على اخر المقدر مِنْ دُونِ اى اقرب من ذلِكَ الدخول فَتْحاً قَرِيباً يعنى فتح خيبر او صلح الحديبية. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى اى متلبسا به او السببية او لاجله وَدِينِ الْحَقِّ اى دين الإسلام لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يعنى جنس الأديان كلها بنسخ ما كان حقا واظهار فساد ما كان باطلا بالحجج والآيات او بتسليط المسلمين على أهلها فى وقت من الأوقات وَكَفى بِاللَّهِ الباء زائدة شَهِيداً حال من الله او تميز من النسبة يعنى كفى الله شاهدا او كفى شهادة الله على ما وعد من الفتح او على رسالة الرسول بإظهار المعجزات على يديه وفى هذه الاية تأكيد لما وعد من دخول المسجد الحرام وكلتاهما تاكيدان لقوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ وما بينهما معترضات. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جملة مبنية للمشهود به ويجوز ان يكون رسول الله صفة ومحمد خبر مبتداء محذوف اى هو الذي أرسله بالهدى محمد او مبتدأ وقوله تعالى وَالَّذِينَ مَعَهُ معطوف عليه وما بعده خبرهما والموصول مبتداء وما بعده خبره والجملة معطوف على الجملة أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ امتثالا لامر الله تعالى حيث قال يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وقال لا تأخذكم بهما رافة فى دين الله وقال ومن يتولهم منكم فانه منهم وأمثال ذلك كثيرة رُحَماءُ بَيْنَهُمْ يعنى يتراحمون فيما بينهم ويتوادون حبا لله ولرسوله فان محب المحبوب محبوب فى الحديث القدسي اين المتحابون فى جلالى اليوم أظلهم تحت ظلى يوم لا ظل الا ظلى رواه مسلم عن ابى هريرة مرفوعا- وسيجيئ قوله - صلى الله عليه وسلم - من أحبهم فبحبى أحبهم

ونظير هذه الاية قوله تعالى أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ رغم انف الروافض الذين يزعمون ان اصحاب محمد كانوا يتباغضون بينهم تَراهُمْ يا محمد رُكَّعاً سُجَّداً لاشتغالهم بالصلوة فى كثير من الأوقات فان الصلاة معراج المؤمنين حالان مترادفان من ضمير المنصوب فى ترهم وكذلك يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ الثواب بالجنة وروية الله تعالى وَرِضْواناً منه تعالى سِيماهُمْ علامتهم فِي وُجُوهِهِمْ مبتداء وخبر والجملة خبر لما سبق مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ط حال من الضمير المستكن فى الظرف قال قوم هو نور وبياض وجوههم يوم القيامة يعرفون به انهم سجدوا فى الدنيا وهى رواية العوفى عن ابن عباس وقال عطار بن ابى رباح والربيع بن انس استنارت وجوههم فى الدنيا من كثرة الصلاة وقال شهر بن حوشب يكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر يعنى فى الاخرة وقال قوم هو السمت الحسن والخشوع والتواضع وهى رواية الوالبي عن ابن عباس وهو قول مجاهد وقال الضحاك صفرة الوجه من السهر وقال الحسن إذا راتهم حسبتهم مرضى وما هم مرضى وقال عكرمة وسعيد بن جبير هو اثر التراب على الجباه- وقال ابو العاليه لانهم كانوا يسجدون على التراب دون الأثواب يعنى تواضعا ذلِكَ المذكور مَثَلُهُمْ صفتهم فِي التَّوْراةِ قال البغوي هاهنا تم الكلام- ثم ذكر الله سبحانه ما فى الإنجيل من نعتهم فقال وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ إلخ وجاز ان يكون مثلهم فى الإنجيل معطوفا على مثلهم فى التوراة يعنى ذلك مذكور فى الكتابين ويكون قوله تعالى كَزَرْعٍ إلخ تمثيلا مستانفا وجاز ان يكون ذلك الاشارة مبهمة يفسرها قوله تعالى كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ الجملة مع ما عطف عليه صفات زرع قرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتح الطاء والباقون بإسكانها وهما لغتان بمعنى فروع الزرع اى أول ما خرج من الحب فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ اى صار من الرقة الى الغلظ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ جمع ساق قرأ ابن كثير سئوقه بالهمزة والباقون بغير الهمزة يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ بكثافته وغلظه وقوته وحسن منظره هذين المثلين ضربهما الله تعالى لاصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لكن الاول منهما يصدق على غير الصحابة ايضا من خيار الامة والثاني منهما مختص بالصحابة لا يشارك فيه أحد غيرهم فان الله سبحانه أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - وحده كالزراع بذر فى الأرض فامن به ابو بكر وعلى وبلال ورجال متعددون بعدهم منهم عثمان وطلحة والزبير والسعد وسعيد وحمزة وجعفر وغيرهم حتى كان عمر متمم أربعين رجلا كزرع اخرج شطأه فكان الإسلام فى بدوّ الأمر غريبا كاد الكفار يكونون عليه لا محائه لبدا لولا حماية الله تعالى فازره الله تعالى بمجاهدات الصحابة من المهاجرين والأنصار حين سقوا زرع الدين

بدمائهم فى حيوة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته لا سيما فى خلافة ابى بكر وعمر فاستوى الدين على سوقه وظهر على الدين كله واستغنى عن حماية غيرهم بحيث يعجب الزراع حتى قال الله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً- وقال عليه الصلاة والسلام لا يجتمع أمتي على الضلالة وقال لا يزال من أمتي قائمة بامر الله لا يضرهم من خذلهم ومن خالفهم ولاجل هذه الخصوصية سبقوا فى مضمار الفضل على كل سابق بحيث لا يمكن لاحد من الا فاضل ان يبلغ درجة اى منهم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصفه متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري وروى احمد نحوه من حديث انس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أصحابي يموت بأرض الا بعث قايدا ونور الهم يوم القيامة رواه الترمذي عن بريدة وهذه الخصوصية هى مادة الفضل غالبا فيما بين الصحابة فمن كان اسبق ايمانا كابى بكر او اكثر موازرة للدين حين ضعفه كعمر كان أفضل ممن ليس كذلك- قال الله تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وقال الله تعالى السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وقد استوفيا فضايل الصحابة عموما وخصوصا ونقلا وعقلا فى السيف المسلول والله تعالى اعلم- قال البغوي هذا مثل ضربه الله عز وجل لاصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فى الإنجيل انهم يكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون قال قتادة مثل اصحاب محمد فى الإنجيل مكتوب انه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وقيل الزرع محمد والشطأة أصحابه والمؤمنون- وروى عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال محمد رسول الله والذين معه ابو بكر أشداء على الكفار عمر بن الخطاب رحماء بينهم عثمان بن عفان ترهم ركعا سجدا على بن ابى طالب يبتغون فضلا من الله ورضوانا- بقية العشرة المبشرة بالجنة كمثل زرع محمد صلى الله عليه وسلم اخرج شطأه ابو بكر فازره عمر فاستغلظ عثمان للاسلام فاستوى على سوقه على بن ابى طالب استقام الإسلام بسيفه يعجب الزراع- فى المدارك عن عكرمة اخرج شطأه بابى بكر إلخ نحو ما ذكر والله تعالى اعلم- قال البغوي قال عمر لاهل مكة بعد ما اسلم لا يعبد الله

سرّا بعد هذا اليوم لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ط الضمير فى بهم عايد الى الذين معه او الى شطأ من حيث المعنى فان المراد بالشطأ الذي خرج بعد الزرع الداخلون فى الإسلام والجار والمجرور متعلق بمحذوف دل عليه السياق يعنى جعلهم الله أشداء ورحماء وكثرهم وقويهم وقوى بهم الإسلام ليغيظ بهم الكفار يعنى غيظا للكافرين قال انس بن مالك رض من أصبح وفى قلبه غيظ على اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الاية وعن عبد الله بن مغفل المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الله فى أصحابي الله الله لا تتخذوهم غرضا من بعدي فمن أحبهم فبحبى أحبهم ومن ابغضهم فببغضى ابغضهم ومن اذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد أذى الله ومن أذى الله فيوشك ان يأخذه رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان سرك ان تكون من اهل الجنة فان قوما ينتحلون حبك يقرؤن لا يجاوز تراقيهم نبزهم الرافضة فان أدركتهم فجاهدهم فانهم مشركون- رواه البغوي والدارقطني وفى اسناده نظر- وقد ورد فى فضائل الصحابة عموما وخصوصا مالا يكاد يحصى- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ كلمة من للبيان والضمير يعود الى ما يعود اليه ضمير بهم مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً تنكير مغفرة واجر للتعظيم وقد انعقد الإجماع على ان الصحابة كلهم عدول وكلهم مغفور لهم- والله اعلم.

سورة الحجرات

سورة الحجرات مدنيّة وهى ثمانى عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وتمّم بالخير روى البخاري وغيره من طريق ابن جريج عن ابى مليكة ان عبد الله بن الزبير أخبره انه قدم ركب من بنى تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابو بكر امر القعقاع بن معبد وقال عمر بل امر الأقرع بن الحابس فقال ابو بكر ما أردت إلا خلافي وقال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا اى قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا الاية قرأ يعقوب لا تقدموا بفتح التاء والدال من التقدم بحذف أحد التاءين والجمهور بضم التاء وكسر الدال من التقديم- قال البغوي هو ايضا لازم بمعنى التقديم مثل بين وتبين وقيل انه متعد والمفعول محذوف ليذهب الوهم الى كل ما يمكن اى لا تقدّموا قولا ولا فعلا- او متروك ونزل الفعل منزلة اللازم يعنى لا يصدر منكم التقديم بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ- بين يدى مستعارة مما بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه ففيه تمثيل للتقدم الزمانى بالتقدم المكاني والمعنى لا تقولوا قولا ولا تفعلوا شيئا قبل ان يحكمانه قال الضحاك يعنى فى القتال وشرائع الدين لا تقضوا امرا دون الله ورسوله قال ابو عبيدة يقول العرب لا تقدم بين يدى الامام وبين يدى الأب اى لا تعجل بالأمر والنهر والنهى دونه- قيل المراد بين يدى رسول الله وذكر الله تعظيما له واشعارا بان التقديم على رسول الله كانه تقديم على الله تعالى فانه من الله بمكان يوجب إجلاله

إجلالا به وسوء الأدب به سوء ادب بالله كما قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ واخرج ابن المنذر عن الحسن ان ناسا ذبحوا قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر أمرهم ان يعيدوا ذبحا فانزل الله تعالى هذه الاية كذا اخرج ابن الدنيا فى كتاب الأضاحي بلفظ ذبح رجل قبل الصلاة فنزلت وعن البراء بن عازب قال خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر قال ان أول ما ابتدأ فى يومنا هذا ان نصلى ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ان يصلى فانما هو لحم عجله لاهله ليس من النسك فى شىء متفق عليه- وعن جندب بن عبد الله بلفظ صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ثم خطب ثم ذبح ثم قال من كان ذبح قبل ان يصلى فليذبح مكانها اخرى متفق عليه وبما ذكرنا من الأحاديث احتج ابو حنيفة ومالك واحمد على انه لا يجوز ذبح الاضحية قبل صلوة الامام خلافا للشافعى حيث قال يجوز ذبح الاضحية بعد طلوع الشمس من يوم النحر إذ مضى قدر صلوة العيد والخطبتين صلى الامام او لم يصل وقال عطاء يجوز بعد طلوع الشمس فقط وهما محجوجان بما روينا ولا دلالة فى الحديثين على ما قال مالك ان لا يجوز الذبح الا بعد الصلاة وبعد ذبح الامام ولعل مالك أخذ هذا القول من قوله تعالى لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يعنى لا تذبحوا قبل ذبح الرسول والامام نايب الرسول - صلى الله عليه وسلم - قلنا الحديث بيان للاية فلا يشترط ما لا يستفاد من الحديث (مسئلة) قال ابو حنيفة يجوز لاهل السواد حيث لا يصلى هناك صلوة العيد ذبح الأضحية بعد طلوع الفجر الثاني خلافا للائمة الثلاثة فانهم قالوا لا يجوز الا بعد حصول اليقين بصلوة الامام عند احمد والصلاة وذبحه عند مالك وبعد مضى قدر صلوة العيد والخطبتين بعد طلوع الشمس عند الشافعي لاطلاق النصوص- وجه قول ابى حنيفة ان التأخير لاحتمال تشاغل به عن الصلاة ولا معنى للتاخير فى حق القرى ولا صلوة عليه والله اعلم- واخرج الطبراني فى الأوسط عن عائشة ان ناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - فانزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا الاية وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين الا رجل كان يصوم صوما فيصومه رواه اصحاب الصحاح والسنن الستة وروى اصحاب السنن الاربعة وعلقه البخاري عن عمار قال من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم عليه السلام وقال عليه الصلاة والسلام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا عدة شعبان ثلثين يوما وهو فى الصحيحين وعنه ابى داود والترمذي وحسنه وان حال بينكم وبين سحاب فكملوا العدة ثلثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا والله تعالى اعلم

[سورة الحجرات (49) : آية 2]

واخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا ان ناسا كانوا يقولون لو انزل فى كذا وكذا فانزل الله لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ- وَاتَّقُوا اللَّهَ ط فى تضيع حقه وحق رسول ومخالفة امره إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لاقوالكم عَلِيمٌ بنياتكم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كرر النداء لاستدعاء مزيد الاستبصار والمبالغة فى الألفاظ وزيادة اهتمام ما امر به لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ إذا كلمتموه وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ يعنى لا ترفعوا أصواتكم عنده ولا تنادوه كما ينادى بعضكم بعضا بان تخاطبوه باسمه او كنيته بل يجب عليكم تبجيله وتعظيمه ومراعات آدابه وخفض الصوت بحضرته وخطابه بالنبي والرسول ونحو ذلك أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ اى كراهة ان تحبط او لئلا يحبط فيكون علة للنهى وجاز ان يكون تقديره لان تحبط متعلق بالنهى واللام للعاقبة فان رفع الصوت فوق صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - والجهر عليه استخفافا يؤدى الى الكفر فعاقبته حبط العمل إذا قصد الاهانة نعوذ بالله منها وعدم المبالات وترك المراقبة فى آدابه لا يخلوا من الحرمان من بركات صحبته فبطل عمل المصاحبة إذا لم يترتب عليه فائدته وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ حال من الضمير المجرور فى أعمالكم قال البغوي قال ابو هريرة وابن عباس لما نزلت هذه الاية كان ابو بكر لا يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - الا كاخى السرار وقال ابن الزبير فيما مر من حديث رواه البخاري فى سبب نزول قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا الآية قال فما كان عمر يسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الاية حتى يستفهمه- وروى مسلم فى الصحيح عن انس بن مالك قال لما نزلت هذه الاية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ الآية جلس ثابت بن قيس فى بيته وقال انا من اهل النار واحتبس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسال النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ فقال يا أبا عمر ما شان ثابت اشتكى فقال سعد انه لجارى وما علمت له شكوى فاتاه سعد فذكره قول النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ثابت أنزلت هذه الاية ولقد علمتم انى من ارفعكم أصواتا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانا من اهل النار فذكر ذلك سعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بل هو من اهل الجنة واخرج ابن جرير عن محمد ابن ثابت بن قيس بن شماس وكذا ذكر البغوي انه لما نزلت هذه الاية قعد ثابت فى الطريق يبكى فمر به عاصم بن عدى فقال ما يبكيك يا ثابت قال هذه الاية أتخوف ان نكون نزلت فى وانا رفيع الصوت أخاف ان يحبط عملى وان أكون من اهل النار فمضى عاصم الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغلب ثابت البكاء فاتى امرأته جميلة بنت عبد الله بن ابى بن سلول فقال لها إذا دخلت بيت فرسى فشدى على الضبة بمسمار فضربته

[سورة الحجرات (49) : آية 3]

بمسمار وقال لا اخرج حتى تتوفانى الله او يرضى عنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتى عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبره خبره فقال اذهب فادعه لى فجاء عاصم الى المكان الذي راه فلم يجده فجاء الى اهله فوجده فى بيت الفرس فقال ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوك فقال اكسر الضبة فاتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا ثابت قال أنا صيت وأتخوف ان تكون هذه الاية نزلت فىّ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اما ترضى ان تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة فقال رضيت ببشرى الله ورسوله لا ارفع صوتى ابدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانزل الله. إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ اى يخفضونها- عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إجلالا له أُولئِكَ مبتداء خبره الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ط والجملة خبر ان فى القاموس امتحن الله قلوبهم اى شرحها ووسعها وفيه ايضا محنه كمنعه وضربه واختبره كامتحنه قال البيضاوي اى جر لها للتقوى ومرتها عليها يعنى عاملها معاملة المختبر فوجدها مخلصة او عرفها كاينة للتقوى خالصة لها فان الامتحان سبب المعرفة- واللام صلة محذوف او للفعل باعتبار الأصل او المعنى ضرب الله قلوبهم بانواع المحن والتكاليف الشاقة لاجل ظهور التقوى فانه لا يظهر الا بالاصطبار عليها او أخلصه للتقوى من امتحن الذهب إذا إذا به او ميز بريزه من خبثه لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ عَظِيمٌ بغضهم الأصوات تادبا لرسول الله ولسائر طاعاتهم والتنكير للتعظيم والجملة خبر ثان لان او استيناف لبيان ما هو جزائهم اخبارا لها لهم كما اخبر عنهم بجملة مونلفة من معرفتين والمبتدا اسم الاشارة المتضمن لما جعل عنوانا لهم والخبر الموصول بصلة دلت على بلوغهم أقصى الكمال مبالغة فى الاعتداد بغضهم والارتضاء له تعريضا بشناعة الرفع والجهر وان حال المرتكب لهما على خلاف ذلك وقال البغوي قال انس فكنا ننظر الى رجل من اهل الجنة يمشى بين أيدينا يعنى ثابت بن قيس الذي نزل فيه هذه الاية وقال له عليه السلام تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة قال فلما كان يوم اليمامة من حرب مسيلمة الكذاب راى ثابت فى المسلمين انكسارا وانهزمت طايفة منهم فقال أف لهؤلاء وقال لسالم مولى حذيفة ما كنا نقاتل اعداء الله مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك ثم ثبتا وقاتلا حتى استشهد ثابت وعليه درع فراه رجل من الصحابة بعد موته فى المنام انه قال له اعلم ان فلانا رجلا من المسلمين ينزع درعى فذهب به وهى فى ناحية من العسكر عند فرس يستن؟؟؟ به فى طوله وقد وضع علّى درعى برمة فأت خالد بن الوليد فاخبره حتى يسترد درعى وأت أبا بكر

[سورة الحجرات (49) : الآيات 4 إلى 5]

خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقل له ان علىّ دين حتى يقضى وفلان من رفيقى عتيق- فاخبر الرجل خالدا فوجد درعه والفرس على ما وضعه فاسترد الدرع واخبر خالد أبا بكر بتلك الرؤيا فاجاز ابو بكر وصيته قال مالك بن انس لا اعلم وصية اجيزت بعد موت صاحبها الا هذه والله تعالى اعلم واخرج الطبراني وابو يعلى بسند حسن عن زيد بن أرقم رض قال جاء ناس من العرب الى حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا ينادون يا محمد صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى. إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ الاية وما بعدها قرأ الجمهور بضم الجيم وابو جعفر بفتح الجيم وهما لغتان فى جمع حجرة وقال البغوي هى جمع حجر والحجر جمع حجرة فهى جمع الجمع والحجرة قطعة من الأرض احاطتها الجدر ان من الحجر بمعنى المنع والمراد حجرات نساء النبي صلى الله عليه وسلم ومن ابتدائية فان المناداة نشأت من جهة الوراء وفيه دلالة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان داخل حجرة منها إذ لا بد ان يختلف المبدأ والمنتهى وان مناداتهم كان من ورائها فان تعدد القصة يحمل على ان مناداتهم وقع تارة وراء بعض وتارة وراء بعض اخر منها وان اتحد القصة فمناداتهم من ورائها. اما بانهم أتوه حجرة حجرة فنادوه من ورائها او بانهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ فانهم كانوا أعرابا من اهل البادية او المعنى لا يعقلون عظمتك ومراعات الحشمة وحسن الأدب والظاهر منه ان بعضهم كانوا من العقلاء ولم يرتض بالتعجيل وانما أسند فعل البعض الى الكل مجازا ويحتمل ان يراد بالنفي القلة إذا لقلة تقع موقع النفي العام- اخرج الثعلبي من حديث جابر ان الذي ناداه عيينة بن حصن واقرع ابن حابس وفدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى سبعين رجلا وقت الظهيرة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - راقدا فى بعض حجرات نسائه فقالا يا محمد اخرج علينا- واخرج ابن جرير عنه لا قرع بن حابس انه اتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا محمد اخرج إلينا فنزلت واخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ان رجلا جاء الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا محمد ان مدحى زين وان شتمى شين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذاك وهو الله فنزلت هذه الاية وهذا مرسل وله شاهد مرفوع من حديث البراء دون نزول الاية واخرج ابن جريج نحوه عن الحسن وذكر البغوي حديث قتادة وجابر بلفظ قال قتادة نزلت يعنى هذه الاية وما بعدها فى ناس من اعراب بنى تميم جاؤا الى النبي صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب ويروى ذلك عن جابر قال جاءت بنو تميم فنادوا على الباب اخرج علينا يا محمد فان مدحنا زين وذمنا شين فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول انما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين فقالوا نحن ناس من بنى تميم حبسئنا وشاعرنا وخطيبنا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس

ابن شماس وكان خطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - قم فاجبه فقام فاجابه فقام شاعرهم فذكرا بياتا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت قم فاجبه فقام فاجابه فقام الأقرع بن حابس فقال ان محمدا ليؤتى له بكل خير تكلم خطيبنا فكان شاعركم أشعروا حسن قولا ثم دنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال اشهد ان لا اله الا الله واشهد انك رسول الله- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يضرك ما كان قبل هذا ثم أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكساهم وقد كان تخلف فى ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنه فاعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أعطاهم وازرى به بعضهم وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل فيهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآيات الأربع الى غَفُورٌ رَحِيمٌ- وذكر البغوي عن ابن عباس انه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية الى بنى العنبر وامر عليهم عيينة ابن حصن الفرازي فلما علموا انه توجه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم فسباهم عيينة وقدمهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري فقدموا وقت الظهيرة ووافقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلا فى اهله فلما رأتهم الذراري اجهشوا الى ابائهم يبكون وكان لكل امرأة من نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجرة فعجلوا قبل ان يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا ينادون يا محمد اخرج إلينا حتى أيقظوه من نومه فخرج إليهم فقالوا يا محمد فادنا عيالنا فنزل جبرئيل عليه السلام فقال ان الله يأمرك ان تجعل بينك وبينهم رجلا فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أترضون ان يكون بينى وبينكم سيرة بن عمرو وهو غلى دينكم فقالوا نعم فقال سيرة انا لا احكم بينهم الا وعمى شاهد وهو الأعور بن بشامة فرضوا به فقال الأعور ارى ان تفادى نصفهم وتعتق نصفهم فقال - صلى الله عليه وسلم - قد رضيت ففادى نصفهم وأعتق بعضهم وانزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا يعنى لو ثبت صبرهم يعنى حبس نفوسهم عما تشتهيه الأهواء من التعجيل فى قضاء الحوائج بخلاف ما يقتضيه العقل من تعظيم المحتاج اليه لا سيما من هو من الله بمنزلة من لا يوازيه أحد حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ يعنى صبرا مغيا بالخروج إليهم- فيه اشعار الى ان مطلق الخروج لا يصلح غاية للصبر بل ينبغى ان يصبروا حتى يتوجه إليهم ويفاتحهم بالكلام لَكانَ الصبر خَيْراً لَهُمْ من الاستعجال لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الموجبتين للثناء والثواب واسعاف المرام قال مقاتل لكان خيرا لهم لانك كنت تعتقهم جميعا وتطلقهم بلا فداء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فاقتصر على النصح والتقريع للمسببين للادب التاركين تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بناء على جهلهم وقلة عقلهم وذكر محمد بن

[سورة الحجرات (49) : آية 6]

يوسف الصالحي ان سرية عيينة بن حصن كان الى بنى تميم فى المحرم سنة تسع بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين منعوا الزكوة وكان السبايا على ما ذكر محمد بن عمر احدى عشر امرأة وثلثين صبيا واخرج احمد وغيره بسند جيد عن الحارث بن الضرار الخزاعي قال قدمت الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعانى الى الإسلام فاقررت به ودخلت فيه ودعائى الى الزكوة فاقررت بها وقلت يا رسول الله ارجع الى قومى فادعوهم الى الإسلام وأداء الزكوة فمن استجاب لى جمعت زكوته فترسل الى الإبان كذا وكذا لياتيك فلما جمع الحارث الزكوة وبلغ الإبان احتبس الرسول فلم يأته فظن الحارث انه قد حدث فيه سخطة فدعى سروات قومه فقال لهم ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان وقت وقتا يرسل رسوله ليقبض ما عندى من الزكوة وليس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلف ولا ارى حبس رسوله الا من سخطه فانطلقوا فناتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوليد بن عقبة ليقبض ما كان عنده فلما ان سار الوليد فرق فرجع فقال ان الحارث منع الزكوة وأراد قتلى فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البعث الى الحارث فاقبل الحارث بأصحابه إذا استقبل البعث قال لهم الى اين بعثتم قالوا إليك قال لم قالوا ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم انك منعت الزكوة وأردت قتله قال لا والذي بعث محمدا بالحق ما رايته ولا أتاني فلما دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال منعت الزكوة وأردت قتل رسولى قال لا والذي بعثك بالحق فنزلت. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ الى قوله غفور رحيم وروى الطبراني نحوه من حديث جابر بن عبد الله وعلقمة ابن ناحية وأم سلمة وابن جرير نحوه من طريق العوفى عن ابن عباس ومن طرق اخرى وسلمة وفى حديث أم سلمة عند الطبراني وكذا ذكر البغوي ان الاية نزلت فى وليد بن عقبة بن ابى معيط بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى بنى المصطلق مصدقا وكان بينه وبينهم عداوة فى الجاهلية فلما سمعه القوم تلقوه تعظيما لامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثه الشيطان انهم يرون قتله فهابهم فرجع من الطريق الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال ان بنى المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلى فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم ان يغزوهم فبلغ القوم رجوعه فاتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا يا رسول الله لما سمعنا برسولك خرجنا نتلقاه ونكرمه ونودى اليه ما قبلناه من حق الله عز وجل فبدأ له الرجوع فخشينا انه انما رده من الطريق كتاب جاء منك بغضب غضبته علينا وانا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله قال البغوي فاتهمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعث خالد بن الوليد خفية فى عسكر وامره ان يخفى عليهم وقال له انظر فان رأيت

[سورة الحجرات (49) : آية 7]

منهم ما يدل على ايمانهم فخذ منهم زكوة أموالهم وان لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل فى الكفار ففعل ذلك خالد ووافاهم فسمع منهم أذان صلوة المغرب والعشاء وأخذ صدقاتهم ولم ير فيهم الا الطاعة والخير فانصرف الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره الخبر فانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ يعنى الوليد ابن عقبة بِنَبَإٍ اى بخبر ارتداد القوم وتنكير الفاسق ولنبأ لشيوع الحكم كانه قال اى فاسق جاءكم باى نبأ- فَتَبَيَّنُوا قرأ حمزة والكسائي بالثاء المثلثة ثم الباء الموحدة ثم التا المثناة من الفوق من التثبت بمعنى التوقف فى الحكم مالم يظهر الحال والباقون بالباء الموحدة ثم الياء المثناة من تحت ثم النون من التبين بمعنى طلب البيان وظهور الحال والقراءتان متقاربان معنى وتعليق التثبت والتبين يخبر الفاسق يقتضى جواز قبول خبر الواحد العدل لعدم المانع من قبول خبره والفسق فى اللغة الخروج يقال فسقت الرطبة عن قشرها وفى اصطلاح الشرع قد يطلق على الكافر لخروجه عن الايمان وهو الغالب فى محاورة القران وقد يطلق على من ارتكب الكبيرة او أصر على الصغيرة مالم يتب وهو المراد فى هذه الاية اجماعا قلت والوليد ابن عقبة رض كان صاحبا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن فسقه ظاهرا قبل هذا الكذب المبنى على فساد ظنه واتهامه من كان له اعداء فى الجاهلية فلعل المراد بالفاسق هاهنا من لم يظهر صدقه وعدالته فيدخل فيه مستور الحال ايضا او المراد بالفاسق من كان مخبر الشيء يدل القرينة على كذبه وان كان المخبر ظاهر العدالة فان ارتداد بنى المصطلق بعد ايمانهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوعا وقبولهم أحكامه ابعد احتمالا من كذب الوليد عمدا او زعما فاسدا- أَنْ تُصِيبُوا اى كراهة ان تصيبوا او لئلا تصيبوا بالقتل والقتال قَوْماً براء من العصيان بِجَهالَةٍ حال من فاعل تصيبوا يعنى جاهلين بحقيقة الأمر وحال القوم فَتُصْبِحُوا اى تصيروا عطف على تصيبوا عَلى ما فَعَلْتُمْ متعلق بقوله نادِمِينَ وهو خبر لتصبحوا يعنى تصيروا نادمين على أصابتكم قونا براء والندامة نوع من الغم على ما صدر منك بحيث تتمنى انه لم يصدر الظاهر من سياق الاية ان بعض المؤمنين كانوا زينوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإيقاع بينى المصطلق وتصديق قول الوليد والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يطعهم وبعث خالدين الوليد للتثبت وتبيين الحال قال الله سبحانه خاطبهم بهذه الاية وأمرهم بالتثبت والتبيين كما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيلا يصبحوا نادمين وبينهم على انه لا ينبغى لهم تحريص النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلجاؤه الى ما تهوى به نفوسهم بل يجب عليهم ان يطيعوه فيما أحبوا وفيما كرهوا يدل عليه قوله تعالى. وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ

[سورة الحجرات (49) : آية 8]

مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ اى وقعتم فى الإثم والهلاك قال البيضاوي جملة لو يطيعكم حال من أحد ضميرى فيكم وان مع اسمه وخبره مقيدا بالحال المذكور ساد مسد مفعولى اعلموا والمعنى ان فيكم رسول الله فى حال يجب تغيرها وهى انكم تريدون ان يتبع رايكم ولو فعل ذلك لعنتم ولما كان غضبهم على بنى المصطلق انما هو لما سمعوا من الوليد ارتدادهم بغضا فى الله لا لانفسهم وكان ما سبق من الكلام موهما لوقوعهم فى الإثم واللوم استدرك الله سبحانه ببيان عذرهم وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ ط الظاهر من سياق الاية ان الفسوق أخف من الكفر وأقبح من العصيان فالمراد به الخروج من الجماعة وارتكاب البدعة فى العقائد بحد لا يكفر فهو دون من الكفر وأخبث من عصيان الجوارح ومعنى الاية لكن ما صدر منكم من ترك التثبت انما كان لحبكم الايمان وبغضكم الكفر فلا لوم عليكم ولا اثم أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ جملة معترضة وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة اشعارا بان من كان صفته مثل صفتكم فهم الراشدون. فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ط منصوبان على العلية من حبب وكره لا من الراشدون فان الفضل فعل الله والراشدون كان مسببا بفعله لكنه أسند الى ضميرهم او على المصدرية فان تحبب الايمان فضل من الله وانعام وقال بعض ائمة التفسير معنى قوله ان فيكم رسول الله فلا تكذبوه فان الله يخبره فيهتك ستر الكاذب وقوله لو يطيعكم فى كثير من الأمر كلام مستانف يعنى لو يطيعكم الرسول فيما يخبرونه كاذبا لعنتم وهذا التأويل يقتضى ان يكون قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ خطابا بالوليد وأمثاله وليس كك فان الكاذب غير مخاطب بالتثبت بل السامع مخاطب به وقال بعضهم واعلموا ان فيكم رسول الله معناه كما مر ان لا تكذبوا ولو يطيعكم كلام مستانف خطاب لبعض المؤمنين الذين زينوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإيقاع ببني المصطلق والاستدراك خطاب لبعض اخر من المؤمنين الذين يريدون التثبت وهم المعينون بقوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ وهذا القول يفيد جد الا لاستلزامه انتشار الضمائر فى كلام واحد من غير قرينة وامر داع اليه والأحسن ما قال البيضاوي وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال المؤمنين حَكِيمٌ يفضل وينعم بالتوفيق عليهم اخرج الشيخان عن انس ان النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب حمارا وانطلق الى عبد الله بن ابى فقال إليك عنى فو الله لقد آذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار والله لحماره أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتما وغضب لكل واحد أصحابه

[سورة الحجرات (49) : آية 9]

فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فنزلت فيهم. وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مرفوع بفعل مضمر اعنى اقتتل يفسره قوله تعالى اقْتَتَلُوا يعنى تقاتلوا أورد صيغة الجمع حملا على المعنى فان كل طائفة جمع فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ج شرطية جزائه إنشاء ولدا عطف على الانشائيات وثنى الضمير هاهنا نظرا الى لفظ الطائفتين والإصلاح ان يمنع المبطل منها من الظلم ويدفع شبهة ويدعوهما الى كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك التحاسد والتباغض فَإِنْ بَغَتْ اى تعدت إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى وأبت الاجابة الى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا يمكن دفع ظلمها بالحبس والمنع بان كان لها منعة فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ اى ترجع إِلى أَمْرِ اللَّهِ ج عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصر أخاك ظالما او مظلوما فقال الرجل يا رسول الله انصره مظلوما فكيف انصره ظالما قال تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه متفق عليه فَإِنْ فاءَتْ الى امر الله بعد المقاتلة فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ فيه الإصلاح بالعدل هاهنا اشعارا بان المقاتلة الواقع قبل ذلك لا يجرمنكم على ان لا تعدلوا وَأَقْسِطُوا ط فى الأمور كلها إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ فيحسن جزاؤه القسط الجور والاقساط ازالة الجور بالعدل والهمزة للسلب. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ لانتسابهم الى اصل واحد وهو الايمان الموجب للحيوة الابدية ولما كان منشأ هذا الأصل هو النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أبا المؤمنين وأزواجه أمهاتهم وهذه الجملة تعليل وتقرير للامر بالإصلاح ولذلك كرره مرتبا عليه فقال فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وضع الظاهر موضع المضمر مضافا الى المأمورين للمبالغة فى التقرير والفاء للسببية قرأ يعقوب بين إخوتكم بالتاء الفوقانية على الجمع والباقون بالياء التحتانية على التثنية وخض الأنثيين بالذكر لانهما اقل من يقع بينهما الخلاف وَاتَّقُوا اللَّهَ ولا تخالفوا امره لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ على تقوكم فان التقوى سبب للتواصل والايتلاف والتراحم بينكم والتراحم موجب رحمة الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام انما يرحم الله من عباده الرحماء رواه المجدد رضى الله تعالى عنه وفى الصحيحين لا يرحم الله من لا يرحم الناس من حديث جرير بن عبد الله قال البغوي يروى انها لما نزلت قرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاصطلحما وكف بعضهم عن بعض واخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن ابى مالك قال تلاحى رجلان من المسلمين فغضب قوم هذا لهذا وقوم هذا لهذا فاقتتلوا بالأيدي والنعال فانزل

الله تعالى تلك الاية ولعل هذه القصة بعينه هى السابقة- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وكذا ذكر البغوي عن السدى قال كان رجل من الأنصار يقال له عمران تحته امرأة يقال لها أم زيد وان المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها فى علية له وان المرأة بعثت الى أهلها فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها وكان الرجل قد خرج فاستعان اهله فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم فبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاصلح بينهم وفاؤا الى امر الله واخرج ابن جرير وذكر البغوي عن قتادة قال ذكر لنا ان هذه الاية نزلت فى رجلين من الأنصار وكانت بينهما مداراة فى حق بينهما فقال أحدهما لاخر لاخذن عنوة لكثرة عشيرته او الاخر دعاه للتحاكم الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فابى فلم يزل الأمر حتى تدافعوا وحتى تناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال ولم يكن قتال بالسيوف- واخرج ابن جرير عن الحسن قال كانت الخصومة بين الحيين فيدعوهم الى الحكم فيابون ان يجيبوا فانزل الله تلك الاية ولعل هذه القصة ما ذكر قتادة روى البغوي وغيره عن سالم عن أبيه ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجة ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستر الله يوم القيامة وروى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذ له ولا يحقره التقوى هاهنا وأشار الى صدره ثلث مرار يحسب امرا عن الشر ان يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه وفى الآيتين دليل على ان البغي لا يزيل اسم الايمان قال البغوي ويدل عليه ما روى عن الحارث الأعور أن على بن ابى طالب رض سئل عن الحمل والصفين أمشركون هم فقال لا من الشرك فروا فقيل منافقين هم فقال لا ان المنافقين لا يذكرون الله الا قليلا فما حالهم قال إخواننا بغوا علينا- (مسئلة) إذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة وخرجوا عن إطاعة الامام دعاهم الى العود وكشف شبهتهم فان ابد واما يجوز لهم القتال كان ظلمهم الامام او ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه يجب على الناس ان يعينوهم حتى ينصفهم الامام ويرجع عن جوره كذا قال ابن الهمام وان لم يبدوا ذلك وتحيزوا للقتال مجتمعين حل لنا قتالهم بدا وقال الشافعي لا يجوز قتالهم حتى ابتدأ وبالقتال وهو قول مالك واحمد واكثر اهل العلم لان قتل المسلم لا يجوز الا دفعا وهم مسلمون قال الله تعالى فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا قلنا البغي فى اللغة الطلب قال الله تعالى ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ- والمراد هاهنا طلب ما يخل من الجور والظلم والإباء عن قبول احكام الشرع

كما فى قوله تعالى فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا يعنى لا تطلبوا عليهن ظلما فلا يشترط فى جواز قتالهم بداية القتال منهم وانما شرطنا منعتهم لانه إذا لم يكن لهم منعة نقدر على إلزامهم بالحبس والضرب ونحو ذلك فلا حاجة على القتال ولو شرطنا بداية القتال منهم فربما لا يمكن دفعهم لتقوى شوكتهم وتكثر جمعهم (مسئلة) يجهز على الجريح من البغاة ويتبع مولهم ان كان لهم فيئة يخاف ان يلحق بالفيئة وان لم يكن له فئة لا يجهز ولا يتبع وقال الشافعي ومالك واحمد لا يجهز ولا يتبع فى الحالين لان القتال إذا تركوه بالتولية والجراحة لم يبق قتلهم دفعا ولا يجوز قتلهم الا دفعا لشرهم روى ابن ابى شيبة عن عبد خير عن على انه قال يوم الجمل لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا ومن القى سلاحه فهو أمن وأسند ايضا لا يقتل أسير قلنا احتمال شرهم باق إذا خيف لحوقهم بالفيئة واصحاب الجمل لم يكن لهم فئة حين قال ذلك وما رواه الحاكم فى المستدرك والبزار فى مسنده من حديث كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمران رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هل تدرى يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الامة قال الله تعالى ورسوله اعلم قال لا تجهز على جريحها ولا يقتل أسيرا ولا يقسم فيئها فاعله البزار بكوثر بن حكيم وتعقب الذهبي على الحاكم- (مسئلة) ولا مسى ذريتهم ولا يقسم مالهم اجماعا بل يحبس مالهم حتى يتوبوا روى ابن ابى شيبة ان عليا لما هزم طلحة وأصحابه امر مناديا فنادى ان لا يقتل مقبل ولا مدبر يعنى بعد الهزيمة ولا يفتح باب ولا يستحل فرج ولا مال وروى عبد الرزاق نحوه وزاد وكان على لا يأخذ مال المقتول ويقول من اعترف شيئا فلياخذه وفى تاريخ واسط بإسناده عن على انه قال يوم الجمل لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تقتلوا أسيرا وإياكم والنساء وان شتمن اعراضكم وسبين امراؤكم (مسئلة) ولا بأس ان تقاتلوا بسلاحهم ان احتاج اليه اهل العدل وكذا الكراع يقاتلون عليه وقال الشافعي ومالك واحمد لا يجوز استعمال سلاحهم وكراعهم لنا ما روى ابن ابى شيبة فى اخر مصنفه فى باب وقعة الجمل ان عليا قسم الجمل فى العسكر ما اجافوا عليه من كراع وسلاح قال صاحب الهداية وكان قسمة للحاجة لا للتمليك لانعقاد الإجماع على عدم تملك أموالهم- (مسئلة) ما أتلف اهل البغي على اهل العدل فى حال القتال من نفس او مال فان كان لهم منعة وتاويل مالك وابو حنيفة واحمد فى رواية والشافعي فى الجديد الراجح انه لا يضمن وقال الشافعي فى رواية الاخرى واحمد يضمن قال البغوي قال ابن شهاب كانت فى تلك

[سورة الحجرات (49) : آية 11]

الفتنة دماء يعرف فى بعضها القاتل والمقتول وأتلف اموال ثم صار الناس الى ان سكت الحرب وجرى الحكم عليهم فما علمة اقتص من أحد ولا أغرم مالا اتلفه (مسئلة) باغ قتل عادلا مدعيا حقيقة يرثه وان اقرانه على الباطل لا يرث عند ابى حنيفة وعند ابى يوسف والشافعي لا يرث الباغي العادل سواء ادعى حقيقة او اقرانه على باطل وعادل قتل باغيا يرث اجماعا- (مسئلة) الخارجون عن إطاعة الامام إذا لم يكن لهم تاويل سواء كان لهم منعة أو لا ويأخذون اموال الناس ويقتلونهم الطريق فهم قطاع الطريق وقد مر حكمهم فى سورة المائدة ان يقتلوا ويصلبوا او تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وينفوا من الأرض (مسئلة) من كان خارجا من حكم الامام ولا منعة له يلزمه حكم الله بالحبس والضرب ونحو ذلك ولا يجوز قتله- قال البغوي روى ان عليا سمع رجلا يقول فى ناحية المسجد لا حكم الا الله فقال على كلمة حق أريد به الباطل لكم علينا ثلث لانمنعكم مساجد الله ان تذكروا فيها اسم الله عز وجل ولانمنعكم الفيء ما دامت ايديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال كذا قال محمد بلغنا عن على رض فذكر نحوه والله اعلم- وذكر البغوي عن ابن عباس انه كان ثابت بن قيس بن شماس فى اذنه وقرو كان إذا اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقوا بالمجلس وسعوا له حتى يجلس الى جنبه فسمع ما يقول فاقبل ذات يوم وفاتته ركعة من صلوة الفجر فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلوة أخذ أصحابه مجالسهم فضيق كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لاحد فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسا قام قايما كما هو فلما فرغ ثابت من الصلاة اقبل نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخطى رقاب الناس ويقول تفسحوا فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبينه رجل فقال له تفسح فقال الرجل قد أصبت مجلسا فاجلس فجلس ثابت خلفه مغضبا فلما انجلت الظلمة عمر ثابت الرجل فقال من هذا قال انا فلان فقال ثابت ابن فلانة فذكرا ماله كان يغير بها فى الجاهلية فنكس الرجل راسه واستحى فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ فى القاموس القوم الجماعة من الرجال والنساء معا او الرجال خاصة وتدخله النساء على التبجية وفى الصحاح القوم جماعة الرجال فى الأصل دون النساء واستدل بهذه الاية حيث عطف النساء عليه ويقول الشاعر وما أدرى لست إخال أدرى أقوم ال حصن أم نساء وفى عامة القران أريد به الرجال والنساء جميعا وحقيقة للرجال لقوله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ على النساء كذا

قال صاحب المدارك وقال البيضاوي هو مصدر نعت به فشاع فى الجمع او جمع لقايم كزائر وزور والقيام بالأمور وظيفة الرجال وحيث فسر بالقبيلتين كقوم هود وقوم فرعون وقوم نوح وقوم لوط فاما على التغليب او الاكتفاء بذكر الرجال عن ذكرهن لانهن توابع واختيار الجمع لان السخرية تغلب فى المجامع عَسى أَنْ يَكُونُوا اى من يسخر به خَيْراً مِنْهُمْ اى من يسخر استيناف وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عطف النساء على الرجال ولم يكتف بما سبق مبالغة فى النهى ولان السخرية والاستهزاء يكون فى النساء غالبا لضعف عقلهن وجهلهن قال البغوي روى عن انس انها نزلت فى نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيّرن أم سلمة بالقصر وعن عكرمة عن ابن عباس انها نزلت فى صفية بنت حيى بن اخطب قالت لها النساء يهودية بنت يهوديين وفى رواية فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلا قلت ان ابى هارون وعمى موسى وزوجى محمد عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ المز الطعن باللسان يعنى لا يعب بعضكم بعضا وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ط التنابز التفاعل من النبز بمعنى اللقب قال البيضاوي النبز مختص باللقب السوء وفى القاموس التنابز التعاير والتداعي بالألقاب يعنى لا تدع بعضكم بعضا للقب السوء قال البغوي قال عكرمة هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق يا كافر قال الحسن كان اليهودي والنصراني يسلم فيقال له بعد إسلامه يا يهودى يا نصرانى فنهو عن ذلك قال عطاء هو ان تقول لاخيك يا حمار يا خنزير وروى عن ابن عباس رض قال التنابز ان يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهى ان يعير بما سلف من عمله اخرج اصحاب السنن الاربعة عن ابى حبيرة بن الضحاك قال كان الرجل منها يكون له اسمان او ثلثة فيدعى ببعضها فعسى ان يكره فنزلت ولا تنابزوا بالألقاب قال الترمذي حسن وروى احمد عنه بلفظ قال فينا نزلت بنى سلمة ولا تنابزوا بالألقاب قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمدينة وليس فيها إلا وله اسمان او ثلثة فكان إذا دعاه أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله انه يغضب من هذا فنزلت بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ج اى بئس الاسم ان يقال له يهودى او يا فاسق او يا شارب الخمر بعد ما ان تاب عن ابى ذر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرمى رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر الا ارتدت عليه ان لم يكن صاحبه كذلك رواه البخاري عن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيما رجل قال لاخيه كافر فقد باء بها أحدهما متفق عليه وعن ابى ذر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دعى رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس ذلك إلا جاء عليه متفق عليه

وقيل معنى الاية ان السخرية واللمز والنبز فسوق وبئس الاسم الفسوق بعد الايمان فلا تفعلوا شيئا توصفوا فيه باسم الفسوق عن ابن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سباب المسلم فسوق وقتاله كفر متفق عليه ورواه ابن ماجة عن ابى هريرة وعن سعد والطبراني عن عبد الله بن مغفل وعن عمر بن النعمان بن مقرن والدارقطني عن جابر وزاد الطبراني عن ابن مسعود وحرمة ماله كحرمة دمه وَمَنْ لَمْ يَتُبْ عما نهى عنه من السخرية واللمز والنبز فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب وحد ضمير لم يتب نظرا الى لفظة من وجمع ضميرهم الظالمون نظرا الى معناها نسبة المحصن الى الزنا يوجب حد القذف اجماعا وسنذكر مسائل حد القذف فى سورة النور إنشاء الله تعالى ونسبة غير المحصن كالعبد والكافر الى الزنا لا يوجب الحد لانحطاط درجتها بل يوجب التعزير لا شاعة الفاحشة ونسبة المحصن الى غير الزنا لا يوجب حد القذف ويوجب التعذير ان كانت النسبة الى فعل اختياري يحرم فى الشرع ويعد عارا فى العرف والا لا الا ان يكون تحقيرا للاشراف فمن قال لمسلم يا فاسق يا كافر يا خبيث يا سارق يا فاجر يا مخنث يا خائن يا زنديق يا لص يا ديوث يا قرطبان يا شارب الخمر يا أكل الربوا يعزر قال ابن همام روى انه عليه السلام عزر رجلا قال لغيره يا مخنث ولو قال يا حمار يا خنزير يا كلب يا تيس يا حجام لا يعزر وقيل يعزر وقيل لا الا ان يقر لعالم او علوى او رجل صالح ولو قال يا لاعب بالنرد ويا عشار لا يعزر لانها لا يعد عارا عرفا وان كان محرما شرعا- (مسئلة) لا يبلغ بالتعزير ادنى الحدود عند ابى حنيفة والشافعي عفى الله عنهما وادنى الحدود عند ابى حنيفة رح أربعون سوطا حد الشرب فى العبد وعند ابى يوسف ثمانون حد الأحرار وعند الشافعي واحمد عشرون وقال مالك للامام ان يضرب فى التعزير اى عدد ادى اليه اجتهاده وقال احمد يعزر فى الوطي فيما دون الفرج بشبهة اكثر من ادنى الحدود ولا يبلغ أعلاها وفى قبلة اجنبية او شتم او سرقة دون النصاب لا يبلغ ادنى فى الحدود والله تعالى اعلم وذكر البغوي ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزى او سافر ضم الرجل المحتاج الى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدم لهما الى المنزل فيهىء لهما وما يصلحها من الطعام والشراب فضم سلمان الفارسي رض الى رجلين فى بعض أسفاره فتقدم سلمان الى المنزل فغلبته عيناه فلم يهىء لهما شيئا فلما قالا له ما صنعت شيأ قال لا اغلبتنى عيناى قالا له انطلق الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطلب لنا منه طعاما فجاء سلمان الى رسول

[سورة الحجرات (49) : آية 12]

الله - صلى الله عليه وسلم - وساله طعاما فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انطلق الى اسامة بن زيد وقل له ان كان عنده فضل من طعام وادام فليعطك وكان اسامة خازن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى رحله فاتاه فقال ما عندى شىء فرجع سلمان إليهما وأخبرهما فقالا كان عند اسامة ولكن بخل فبعثا سلمان الى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا فلما رجع قالا لو بعثنا إلى بئر سميحة يغار مائها ثم انطلقا يتجسسان هل عند اسامة ما امر لهما به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء الى رسول الله قال لهما مالى ارى خضرة اللحم فى أفواهكما قالا والله يا رسول الله ماتنا ولنا يومنا هذا لحما قال ضللتم تأكلون لحم سلمان واسامة فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ الاية قال السيوطي رواه الثعلبي بغير اسناد وروى معناه الاصبهانى فى الترغيب عن عبد الرحمن بن ابى ليلى واخرج ابن المنذر عن ابن جريج قالوا زعموا ان قوله تعالى لا يغتب بعضكم بعضا نزلت فى سلمان الفارسي أكل ثم رقد فنفخ فذكر رجلان أكله رقادة والله تعالى اعلم إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ تعليل مستانف للامر والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه والهمزة بدل من الواو كانه يثم الأعمال ويكسرها والمراد بالظن هاهنا ما يقابل اليقين سواء كان جانب الوجود فيه راجحا أو لا وتحقيق المقام ان الظن على اقسام منها ما يجب اتباعه وهو حسن الظن بالله تعالى والمؤمنين والمؤمنات وما يحصل بدليل شرعى فيه شبهة حيث لا قاطع فيه من العمليات وكذا فى العلميات ان لم يعارضه قاطع من احوال المبدأ والمعاد ومنها ما يحرم اتباعه كسوء الظن بالمؤمنين والمؤمنات لا سيما بالصالحين منهم والظن فى الإلهيات والنبوات وحيث يخالفه قاطع ومنها ما ليس من القسمين المذكورين كالظن فى الأمور المعاشية ونحوها- والإثم انما هو بعض الظن يعنى قسم الثاني منها والله سبحانه امر بالاجتناب عن كثير من الظن احتياطا ومبالغة فى اجتناب الإثم وفيجتنب عما هو اثم وعما هو يشبه به قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهة الحديث وَلا تَجَسَّسُوا الجس فى اللغة المس باليد والتجسس تفحص الاخبار باعتبار ما فيه من معنى الطلب كالتلمس والمراد هاهنا لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوا عوراتهم حتى لا يظهر عليكم ما ستره الله منها عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تنافروا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح او ينزل رواه ملك واحمد وابن ماجة وابو داود والترمذي وصححه وعن

ابن عمران النبي صلى الله عليه وسلم قال يا معشر من أمن بلسانه ولم يفض الايمان الى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من تتبع عورات المسلمين يتبع الله عوراته فيفضحه ولو فى جوف رحله رواه الترمذي وحسنه وابن حبان قال زيد بن وهب قيل لابن مسعود هل لك فى الوليد بن عقبة تقطر لحية خمرا قال نهينا عن التجسس فان يظهر لنا شىء ناخذ به وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ط اى لا يذكر بعضكم بعضا بالسوء فى غيبته عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أتدرون ما الغيبة- قال الله ورسوله اعلم قال ذكر أخاك بما يكره قيل ارايت ان كان فى أخي ما أقول قال ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته متفق عليه وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده انهم ذكروا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا قال لا يأكل حتى يطعم ولا يرحل حتى يرحل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتبتموه فقالوا انما حدثنا بما فيه قال حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه رواه البغوي- أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على افحش وجه مع مبالغات الاستفهام الذي معناه الإنكار المستلزم لتقرير النفي واسناد الفعل الى أحد للتعليق وتعليق المحبة بما هو فى غاية الكراهة وتمثيل الاغتياب يأكل لحم الإنسان ولم يقتصر عليه حتى جعله أخا ولم يقتصر عليه حتى جعله ميتا وتعقب ذلك يقوله فَكَرِهْتُمُوهُ ط تقريرا وتحقيقا لذلك وجملة فكرهتموه جزاء شرط محذوف تقديره ان صح ذلك إذ عرض عليكم هذا فقد كرهتموه ولا يمكنكم انكار كراهة او هى معطوف على الاستفهام المذكور فان معناه نفى المحبة الموهوم عدم الكراهة فلدفع ذلك الوهم عطف عليه- وجاز ان تكون الفاء للسببية والماضي بمعنى المستقبل والمعنى انه لا يحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه ميتا انكم تكرهونه وقال مجاهد لما قيل لهم أيحب أحدهم ان يأكل إلخ فكانهم قالوا لا فقيل كرهتموه فكانه معطوف على محذوف والحاصل انكم كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غايبا عن انس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لما خرج بي مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم ولحومهم قلت من هؤلاء فقال هؤلاء الذين يأكلون لحرم الناس ويقعون فى اعراضهم- رواه البغوي قال ميمون بيننا انا نائم إذا انا بجيفة زنجى وقائل يقول كل قلت يا عبد الله ولم أكل قال بما اغتبت عبد فلان قلت والله ما ذكرت فيه خيرا ولا شرا قال لكنك استمعت ورضيت وكان ميمون لا يغتاب أحدا ولا يدع أحدا ان يغتاب عنده عن عائشة رضى الله عنها قلت للنبى - صلى الله عليه وسلم - حسبك من صفية كذا وكذا يعنى قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته رواه احمد والترمذي وابو داود عن ابى سعيد وجابر قالا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

[سورة الحجرات (49) : آية 13]

الغيبة أشد من الزنا قالوا يا رسول الله وكيف الغيبة أشد من الزنا قال ان الرجل يزنى فيتوب الله فيغفر له وان صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه (فائدة) فى كفارة الغيبة عن انس رض ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان من كفارة الغيبة ان يستغفر لمن اغتبته تقول اللهم اغفر لنا وله رواه البيهقي- (فائدة) عن خالد ابن معدان عن معاذ قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله يعنى من ذنب قد تاب منه رواه الترمذي وخالد لم يدرك معاذا وَاتَّقُوا اللَّهَ ط بترك ما نهيتم عنه والندم على ما وجد منكم منه إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ يقبل توبتكم مبالغ فى قبول التوبة حيث يجعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له- رَحِيمٌ بالعباد لا يرضى ان يقع بعضكم فى عرض بعض- ذكر البغوي انه قال مقاتل لما كان يوم فتح مكة امر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا حتى اتى على ظهر الكعبة واذن فقال عباد بن أسيد الحمد لله الذي قبض ابى حتى لم ير هذا اليوم وقال الحارث بن هشام اما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا وقال سهيل بن عمرو ان يرد الله شيئا يغيره وقال ابو سفيان انى لا أقول شيئا أخاف ان يخبر به رب السماء فاتاه جبرئيل عليه السلام فاخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قالوا فدعاهم وسألهم عما قالوا فاقروا فانزل الله تعالى هذه الاية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقر وقال. يا أَيُّهَا النَّاسُ الاية ولم يقل يايّها الذين أمنوا لانهم لم يكونوا أمنوا فى ذلك الوقت واخرج ابن ابى حاتم عن ابى مليكة هذه القصة مختصرا وقال ابن عساكر فى مبهماته وجدت بخط ابن بشكو الى ان أبا بكر بن ابى داود اخرج فى تفسير له انها نزلت فى اى هذا امر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنى بياضة ان يزوجوه امراة منهم فقالوا يا رسول الله تزوج بناتنا موالينا فنزلت الاية وقال البغوي قال ابن عباس تزلت فى ثابت بن قيس وقومه للرجل الذي لم ينفسح له ابن فلانة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من الذاكر فلانة فقال ثابت انا يا رسول الله فقال انظر وجه القوم فقال ما رايت يا ثابت فقال رايت ابيض وو احمر واسود فانك لا تفضلهم الا فى الدين والتقوى فنزلت فى ثابت هذه الاية وفى الذي لم يفسح يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا- إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى يعنى نوع البشر من آدم وحواء او كل واحد منكم من اب وأم فلا مزية لاحد على غيره ولا وجه للتفاخر وجاز ان يكون تقريرا للاخوة المانعة من الاغتياب وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ كانت العرب يعتبر فى النسب ست طبقات أعلاها الشعب وهى الجمع العظيم

المنتسبون الى اصل واحد وهى تجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطن تجمع الا فخاذ والفخذ تجمع الفصائل والفصيلة تجمع العشائر وليس بعد العشيرة حى يوصف به وقيل الشعوب من العجم والقبائل من العرب والأسباط من بنى إسرائيل وقال ابو رواق الشعوب من الذين لا يعتزون الى أحد بل ينتسبون الى المدن والقرى والقبائل من العرب الذين ينتسبون الى ابائهم- لِتَعارَفُوا ط حذف أحد التاءين اى لتعرف بعضهم بعضا فى قرب النسب وبعده لا ليتفاخروا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ط قال قتادة فى هذه الاية ان أكرم الكرم التقوى وآلام اللوم الفجور عن سمرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسب المال الكرم التقوى رواه احمد وترمذى وصححه وابن ماجة والحاكم وقال ابن عباس كرم الدنيا الغنا وكرم الاخرة التقوى وعن ابن عمران النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف يوم الفتح على راحلة يستلم الأركان بمجحنه؟؟؟ فلما خرج لم يجد مناخا فنزل على أيدي الرجال ثم قام فخطب بهم فحمد الله واثنى عليه وقال الحمد لله الذي اذهب عنكم غبية الجاهلية وتكبرها الناس رجلان بر تقى كريم على الله وفاجر شقى هين على الله ثم تلى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى الاية ثم قال أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم رواه الترمذي والبغوي واخرج الطبراني فى الأوسط عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم القيامة امر الله مناديا ينادى الا انى جعلت نسبا وجعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم فابيتم الا ان تقولوا فلان بن فلان خير من فلان بن فلان فاليوم ارفع نسبى واضع نسيكم اين المتقون وعن ابى هريرة قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اى الناس أكرم على الله قال أكرمهم عند الله اتقاهم قالوا ليس عن هذا نسئلكم قال فاكرم الناس يوسف نبى الله ابن نبى الله بن نبى الله بن نبى الله بن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألون قالوا نعم قال فخياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام إذا فقهوا رواه البخاري وغيره وعنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم رواه مسلم وابن ماجة إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ببواطنكم وفضائلكم ذكر البغوي ان نفرا من بنى اسد قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى سنة جدبة فاظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين فى السر فافسدوا طرق المدينة بالقذرات واغلوا اشعارها وكانوا يغدون ويروحون الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولون اتتك العرب بانفسها على ظهور رواحلها وجئناك بالأثقال والعيال والذراري ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان يمنون على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويريدون الصدقة

[سورة الحجرات (49) : آية 14]

ويقولون أعطنا فانزل الله تعالى. قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا ط الاية قال السدى نزلت فى الاعراب الذي ذكرهم الله فى سورة الفتح وهم اعراب جهينة ومزينة واسلم وأشجع وغفار كانوا يقولون أمنا ليامنوا على أنفسهم وأموالهم فلما استنفر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى الحديبية تخلفوا فنزلت قالت الاعراب أمنا يعنى صدقنا قُلْ يا محمد صلى الله عليه وسلم لَمْ تُؤْمِنُوا فان الايمان صفة القلب عبارة عن تصديقه والإقرار ركن زائد عن الاختيار لاجراء الاحكام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الايمان ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وتؤمن بالقدر خيره وشره كذا فى الصحيحين من حديث عمر ابن الخطاب مرفوعا فى حديث سوال جبرئيل- وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا والمراد بالإسلام الانقياد الظاهري وكان مقتضى نظم الكلام ان يقال لا تقولوا أمنا ولكن قولوا اسلمنا او يقال لم تؤمنوا ولكن أسلمتم فعدل عنه الى هذا النظم احترازا عن النهى عن القول بالايمان وعن الجزم بإسلامهم مع فقد لشرط اعتباره عند الله تعالى- وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ط حال من فاعل قولوا او معطوف على لم تؤمنوا للتاكيد على نفى الايمان فى الماضي والتوقع فى المستقبل وليس فى لم تؤمنوا التوقع فلا يلزم التكرار وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فى الايمان بالقلوب مخلصين والامتثال كما يدل على قوله تعالى ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا اى لم يشكوا فيما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكلمة ثم للاشعار باشتراط عدم الارتباط فى شىء من الازمنة المتراخية الى اخر اجزاء الحيوة كاشتراط فى بداية الايمان فهى كقوله تعالى ثم استقاموا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ط اى فى طاعة يجوز ان يكون مفعول جاهدوا محذوفا منويا يعنى جاهدوا العدو المحارب او الشيطان او الهوى وجاز ان يجعل لازما مبالغة فى الجهد وجاز ان يراد بالمجاهدة العبادات القلبية والسرية والبدنية والمالية فهذه الآية لامتثال جميع الأوامر والانتهاء عن جميع المناهي اما عبارة ان كان المراد مطلق المجاهدة واما دلالة ان كان المراد به القتال مع الكفار فان من بذل نفسه وماله لاصلاح العالم واخلائه من الفساد وإعلاء كلمة الله وافشاء الدين فانه يصلح او لا نفسه بإتيان المأمورات وانتهاء المناهي بالطريق الاولى أُولئِكَ الموصوفين بتلك الصفات هُمُ الصَّادِقُونَ فى ادعاء الايمان جملة مستانفة وجاز ان يكون الموصول مع صلته صفة للمبتدأ

[سورة الحجرات (49) : آية 16]

وهذه الجملة خبرا له فلما نزلت هاتان الآيتان أتت الاعراب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحلفون بالله انهم مومنون صادقون وعرف الله غير ذلك فانزل الله تعالى. قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ الذي أنتم عليه بقولكم آمَنَّا ... وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ط حال من الله تعالى فى أتعلمون الله- وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ عطف على الله يعنى ان الله يعلم حقيقة أسراركم ولا يحتاج الى اخباركم فعليكم بإصلاح بواطنكم اخرج الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن ابى اوفى والبزار من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن ابى حاتم مثله عن الحسن ان ناسا من العرب قالوا يا رسول الله اسلمنا ولم نقاتلك وقاتلك بنو فلان قال الحسن كان ذلك لما فتحت مكة فنزلت. يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ط منصوب بنزع الخافض اى بان اسلموا وبتضمين الفعل معنى الاعتداد وكذا إسلامكم فى قوله تعالى قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ج وكذا ان هدكم فى قوله تعالى بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ بخلق التصديق فى قلوبكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى ادعاء الايمان وجوابه محذوف يدل عليه ما قبله يعنى ان كنتم صدقين فى ادعاء الايمان فلله المنة عليكم وفيه اشارة الى ان كلهم ليسوا صادقين فيما ادعوا ولذلك عقبه بقوله. إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ط يعنى ما غاب فيهما وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فى سركم وعلانيتكم ولا يخفى عليه ما فى ضمايركم قرأ ابن كثير بالتاء خطابا للاعراب داخلا فى مقولة قل والباقون بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الاعراب فهو كلام مستانف من الله تعالى- واخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي وسعيد بن منصور فى سننه عن سعيد بن جبير نحوه وانه قدم عشرة نفر من بنى اسد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع وفيهم طلحة بن حويلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فسلموا وقال متكلمهم يا رسول الله انا اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وجئناك يا رسول الله ولم تبعث إلينا بعثا ونحن لمن ورائنا سلم فانزل الله تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الآية-.

سورة ق

سورة ق مكيّة وهى خمس وأربعون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وتمّم بالخير. ق قف والصحيح انه من الحروف المقطعة فقيل اسم للسورة وقيل اسم من اسماء القران وقال القرطبي هو مفتاح اسم الله القدير والقادر والقاهر والقريب والقابض وقيل اشارة الى قضى الأمر او قضى ما هو كائن والحق انه رمز بين الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم تأويله الا الله وبعض الراسخين فى العلم وقد مر الكلام فى أوائل سورة البقرة قال قال عكرمة والضحاك هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضر من خضر السماء والسماء مقبية عليه وعليه كتفاها يقال هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة وَالْقُرْآنِ الواو للقسم وقال ابن عباس كلمة ق قسم يعنى حذف حرف القسم بايصال الفعل اليه او إضماره وهذا الواو للعطف الْمَجِيدِ اى ذو المجد والشرف على سائر الكتب او لكونه كلام المجيد او لانه من تعلمه وعلم معانيه وامتثال أحكامه بمجد وجواب القسم محذوف تقديره لقد صدق الرسول المنذر لتبعثن او نحو ذلك وقيل جوابه قوله تعالى وما يلفظ من قول وقيل قد علمنا وقال اهل الكوفة جوابه. بَلْ عَجِبُوا بمعنى قد عجبوا اى كفار مكة وعلى التقدير الاول هذا معطوف على محذوف تقديره والقران المجيد لقد صدق الرسول وقد أنكره الكفار بل عجبوا أَنْ جاءَهُمْ منصوب بنزع الخافض يعنى عجبوا من ان جاءهم مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ليعجبهم مما ليس هو بعجب وهو ان تنذرهم أحد من جنسهم او من قومهم

[سورة ق (50) : آية 3]

ممن عرفوا عدالته واعترفوا بها ومن كان كذلك لا يكون الا ناصحا لقومه خايفا عليهم ان ينالهم مكروه وإذا علم ان امرا مخافا أظلهم لزمه ان ينذرهم فكيف ما هو غاية المخاف وقد قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتمع اليه بطون قريش ارايتكم ان أخبرتكم ان خيلا يخرج بالوادي يريد ان يغير عليكم انكم مصدقى قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ والفاء للتفسير فهو بيان لتعجبهم وهذا اشارة الى اختيار الله تعالى محمدا - صلى الله عليه وسلم - للرسالة وإضمار ذكرهم فى عجبوا او إظهاره هاهنا للتسجيل على كفرهم بذلك وجاز ان يكون الفاء للتعقيب وهذا اشارة الى البعث بعد الموت فهو عطف لتعجبهم مما انذروا به على عجبهم ببعث المنذر وللمبالغة فى انكار هذا التعجب وضع المظهر موضع المضمر فانهم مع علمهم بقدرة الله تعالى على خلق السموات والأرض وما بينهما أول مرة وإقرارهم بالنشأة الاول أنكروا النشأة الاخرى مع شهادة العقل بانه لا بد من الجزاء وجاز ان يكون عذا اشارة الى المبهم يفسره. أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ج الظرف متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده تقديره أنرجع الى الحيوة إذا متنا وصرنا ترابا ذلِكَ الرجع رَجْعٌ بَعِيدٌ عن الوهم والعادة او الإمكان وانما أورد هذا اولا مبهما وثانيا مفسرا لانه ادخل فى الإنكار او الاول استبعاد لان يتفضل عليهم مثلهم والثاني استقصاء بقدرة الله تعالى عما هو أهون عليه مما يشاهدون من صنعه ثم رد الله تعالى انكارهم للبعث فقال. قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ج يعنى ما يأكل الأرض من أجسادهم بعد الموت يعنى لا يغرب من علمنا شىء فلا يتعذر علينا جمع ما نقص منها وبعثهم بعد الموت ومن قال هذه الجملة جواب للقسم قالوا للام محذوف لطول الكلام- وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ اى محفوظ من الشياطين ومن ان يندرس ويتغير وقيل معناه حافظ التفاصيل الأشياء يعلم به من عنده من الملائكة وهذه الجملة حال من فاعل علمنا ثم رد الله تعالى انكارهم نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال. بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ يعنى النبوة الثابتة بالمعجزات إضراب من الاضراب الاول فان التكذيب بالشيء الثابت بالادلة القطعية فوق من التعجب والاستبعاد لَمَّا جاءَهُمْ ظرف متعلق بكذبوا فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ الفاء للسببية المريج المضطرب الملتبس فان تكذيبهم سبب لاضطرابهم فى القول قال قتادة والحسن من ترك الحق مرج عليه امره والتبس عليه دينه وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم انهم يقولون مرة شاعر ومرة ساحر ومرة معلم ومرة مجنون ومرة مفتر والأقوال متناقصة

[سورة ق (50) : آية 6]

غالبا تم رد تكذيبهم وارشدهم الى الاستدلال على قدرته على البعث بخلق العالم فقال. أَفَلَمْ يَنْظُرُوا الهمزة للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره اكذبوا بالبعث فلم ينظروا حين كذبوا به إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ حال من السماء او ظرف متعلق بلم ينظروا كَيْفَ حال من مفعول بَنَيْناها ورفعناها بلا عمد وَزَيَّنَّاها بالكواكب وجملتى بنيناها وزيناها بتأويل المفرد بدل من السماء والاستفهام بكيف للتقرير والمعنى الم ينظروا الى بنائنا السماء فوقهم وتزيينا إياها بالكواكب متكيفة بكيفية بديعة راسخة وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ اى شقوق ومن زايدة والجملة حال من مفعول بنيناها اى كابنة على حال ليس لها عيوب وشقوق. وَالْأَرْضَ منصوب بفعل مقدر يفسره مَدَدْناها بطناها والجملة معطوفة على بنينها فان قيل جملة بنينها بتأويل المفرد بدل من السماء كما ذكرنا ولا يتصور ذلك فى المعطوف قلنا فى الكلام حذف وإضمار تقديره اما ان يقال أفلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها والى الأرض تحتهم كيف مددناها واما ان يقال والأرض مددناها تحتها وجاز ان يقال الجملة بتأويل المفرد معطوفة على السماء والمعنى الم ينظروا الى مددنا الأرض وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ اى جبال ثوابت وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ اى من كل صنف من النباتات بَهِيجٍ حسن ذا بهجة وسرور. تَبْصِرَةً وَذِكْرى منصوبان على العلة الفائية فان المقصود من خلق الأشياء كونها تبصرة وذكرى دالة على وجود الخالق القديم القدير العليم الواجب وجوده وصفاته الكمال المنزه عن النقص والزوال لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ راجع الى ربه بالتفكر فى خلقه خص هذا لعبد لكونه هو المنتفع به. وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً كثير النفع فَأَنْبَتْنا بِهِ اى بذلك الماء فى الأرض جَنَّاتٍ بساتين وَحَبَّ الْحَصِيدِ اضافة العام الى الخاص على طريقة حق اليقين وكل الدراهم وعين الشيء يعنى الحب الذي يحصد كالبر والشعير ونحو ذلك مما يزرع ويقتات به وانما خص الحب باضافة الى الحصيد لان المقصود من الحبوب والمنتفع به كمال الانتفاع ما يحصد ويقتات به وقيل هذه الاضافة من قبيل مسجد الجامع وصلوة الاولى بتأويل الصلاة الجامع وصلوة الساعة الاولى فالمعنى حب الزرع الذي من شانه ان يحصد كالبر والشعير ونحوهما. وَالنَّخْلَ معطوف على جنات باسِقاتٍ طويلات او حاملات من بسقت الشاة إذا حملت أفردها بالذكر لكثرة منافعها وفرط ارتفاعها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان من الشجر شجرة لا تسقط ورقها وان مثلها

[سورة ق (50) : آية 11]

كمثل المسلم فانبئونى ما هى فوقع الناس فى شجر البوادي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هى النخلة رواه البخاري من حديث ابن عمرو قال عليه الصلاة والسلام أكرموا عمتكم النخل فانها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران فاطعموا نساءكم الولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر رواه ابن ابى حاتم وابو يعلى فى مسنده وابن عدى فى الكامل والعقيلي وابن انسى وابو نعيم فى الطب وابن مردوية عن على رض لَها طَلْعٌ اى ثمر ومحل مسمى بذلك لانه تطلع والطلع أول ما يظهر من قبل ان ينشق نَضِيدٌ منضود بعضه فوق بعض والمراد تراكم الطلع او كثرة ما فيه من الثمر جملة لها طلع نضيد حال ثان من النخيل. رِزْقاً لِلْعِبادِ علته للانبات او مصدر من غير لفظه فان الإنبات رزق وَأَحْيَيْنا بِهِ اى بالماء عطف على أنبتنا بَلْدَةً مَيْتاً اى أرضا جدبة لانماء لها كَذلِكَ اى مثل ذلك الخروج للنبات من الأرض بعد سببها الْخُرُوجُ للاموات من القبور فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين النفخين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون سنة قال أبيت ثم ينزل الله من السماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شىء الا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة واخرج ابن ابى داود نحوه وفيه ما بين النفختين أربعون عاما واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يسيل واد من تحت العرش من ماء فيما بين الصيحتين ومقدار ما بينهما أربعون عاما فينبت منه كل خلق بلى من انسان او طيرا ودابة ولو مر عليهم ما رقد عرفهم قبل ذلك ما عرفهم على وجه الأرض فينبتون ثم يرسل الأرواح فيزوج بالأجساد وذلك قوله تعالى إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ واخرج احمد وابو يعلى والبيهقي عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث الناس يوم القيامة والسماء طش عليهم ثم أورد تسليته للنبى - صلى الله عليه وسلم - ووعيدا للكافرين بمثل ما أصاب أمثالهم بقوله. كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ اى ذو طش اى قبل كفار مكة قَوْمُ نُوحٍ انذر قومه الف سنة الا خمسين عاما فكذبوه فاخذهم الطوفان وهم ظالمون وأنجاه الله ومن أمن معه فى الفلك المشحون وَأَصْحابُ الرَّسِّ فى القاموس الرس ابتداء الشيء والبير المطوية بالحجارة وبير كانت لبقيته من ثمود كذبوا نبيهم درسوه فى بير والحفر ودفن الميت وقال البغوي الرس البير وكل ركية لم تطو بالحجارة والاجر فهو رس وقيل الرس المعدن والجمع رسائس واختلفوا فى اصحاب الرس فقال بعضهم كما قال صاحب القاموس

[سورة ق (50) : آية 13]

هم بقية ثمود وقال البغوي روى ابو روق عن الضحاك ان بيرا كان بحضر موت فى بلدة يقال لها حاصورا وان اربعة آلاف ممن أمن لصالح نجوا من العذاب فاتوا بحضر موت معهم صالح فلما حضروه مات صالح فسمى حضر موت لان صالحا لما حضره مات فبنوا حاصورا وقعدوا على هذا البير وأمروا عليهم رجلا فاقاموا دهرا وتناسلوا حتى كثروا ثم عبدوا الأصنام وكفروا فارسل الله إليهم نبيا يقال له حنظلة بن صفوان وكان حمالا فيهم فقتلوه فى السوق فاهلكهم الله وعطلت بيرهم وخربت قصورهم وفيهم قال الله تعالى وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال سعيد بن جبير كان لاصحاب الرس نبى يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوه فاهلكهم الله وقال وهب بن منبه كانوا اهل بير واصحاب مواش يعبدون الأصنام فوجه الله إليهم شعيبا عليه السلام يدعوهم الى الإسلام فتمادوا فى طغيانهم وفى أذى شعيب عليه السلام فبيناهم حول البير فى منازلهم انهارت البير فخسف الله بهم وبديارهم ورباعهم فهلكوا جميعا وقال قتادة والكلبي الرس بير بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فاهلكهم الله عز وجل وقال كتب والمقاتل والسدى الرس بير بانطاكية قتل فيها حبيب النجار وهم الذين ذكرهم فى سورة يسين وقيل هم اصحاب أخدود الذين حفروها وقال عكرمة هم رسوا نبيهم فى البير وَثَمُودُ كذبت المرسلين إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ... قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فجاء بناقة عشر أخرجت من صخرة فولدت ولدا مثلها وو كانت تشرب الماء كله يوما وتذر يوما فقال صالح هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فياخذكم عذاب يوم عظيم- فعقروها فاصبحوا نادمين فقال لهم صالح تمتعوا فى داركم ثلثة ايام ذلك وعد غير مكذوب فانجى الله صالحا والذين أمنوا معه وأخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا فى ديارهم جاثمين. وَعادٌ كذبت المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود الا تتقون انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون فاهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما فصاروا صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية وَفِرْعَوْنُ وقومه العمالقة بعث الله اليه موسى وهارون وقال اذهب الى فرعون انه طفى فقل هل لك الى ان تزكى وأهديك الى ربك فتخشى فاراه الاية الكبرى- القى عصاه فاذا هى حية تسعى وادخل يده فى جيبه خرجت بيضاء من غير سوء اية اخرى فكذب وتولى وقال انا ربكم الأعلى فاوحى الله الى موسى ان اسر بعبادي ليلا واضرب بعصاك

[سورة ق (50) : آية 14]

البحر فكان كل فرق كالطود العظيم فسار فى البحر موسى ببني إسرائيل وأنجى الله موسى وبنى إسرائيل واتبعهم فرعون وجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم فلما أدركه الغرق قال امنت انه لا اله الّا الذي امنت به بنو إسرائيل وانا من المسلمين فقال الله تعالى الان وقد عصبت من قبل وكنت من المفسدين فاليوم ينجيك ربك لتكونن لمن خلفك اية وَإِخْوانُ لُوطٍ كذبوا المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط الا تتقون انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون أتأتون الذكر ان من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم بل أنتم قوم عادون قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين قال انى لعملكم من القالين فانجاه الله واهله الا امرأته كانت من الغابرين وأمطر الله عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين. وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ كذب المرسلين إذ قال لهم شعيب الا تتقون انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين قالوا انما أنت من المسحرين وما أنت الا بشر مثلنا وان نظنك لمن الكاذبين فاسقط علينا كسفا من السماء ان كنت من الصادقين فكذبوه فاخذهم عذاب يوم الظلة إذ كانوا فى حر شديد وكانوا يدخلون الا سراب فاذا دخلوها وجدوها أشد حرا فاظلهم الله سبحانه وهى الظلة فاجتمعوا إليها فامطرت عليهم نارا فاحترقوا وَقَوْمُ تُبَّعٍ ط قال البغوي قال قتادة هو تبع الحميرى كان من ملوك اليمن وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة وبنى سمرقند سمى تبعا لكثرة اتباعه وكل واحد منهم سمى تبعا لانه يتبع صاحبه وكان هذا الملك يعبد النار فاسلم ودعا قومه الى الإسلام فكذبوه ذكر محمد بن اسحق وغيره عن عكرمة عن ابن عباس وغيره قالوا كان تبع الاخر وهو ابو كرب اسعد بن مليك بن يكرب حين اقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة وقد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة فقدمها وهو مجمع لاخرابها واستيصال أهلها فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من امره فخرجوا لقتاله فكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه باللّيل فاعجبه ذلك وقال ان هؤلاء لكرام فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما كعب واسد من أحبار بنى قريظة عالمان وكانا ابني عم حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها فقالا له ايها الملك لا تفعل فانك ان أبيت الا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نامن عليك عاجل العقوبة فانها مهاجر بنى يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد - صلى الله عليه وسلم - مولده مكة وهذه دار هجرته ومنزلك الذي أنت به يكون به

[سورة ق (50) : آية 15]

من القتل والجراح امر كبير فى أصحابه وفى عدوهم قال تبع من يقاتله وهو نبى قالا يسير اليه قومه فيقتتلون هاهنا فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة ثم انهما دعواه الى دينهما فاجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين الى اليمن فاتاه فى الطريق نفر من هذيل وقالوا انا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة قال اى بيت قالوا بيت بمكة وانما تريد هذيل هلاكه لانهم عرفوا انه لم يرده أحد قط بسوء الا هلك فذكر ذلك للاحبار فقالوا ما نعلم لله فى الأرض بيتا غير هذا البيت فاتخذه مسجد او انسك عنده وانحروا حلق راسك وما أراد القوم إلا هلاكك لانه ما ناوأه أحد قط إلا هلك فاكرمه واصنع عنده ما يصنع اهله فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح وكسا البيت الوصائل وهو أول من كسى البيت ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة واقام به ستة ايّام وطاف به وحلق وانصرف فلما دنى من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه وقالوا لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا فدعاهم الى دينه وقال انه دين خير من دينكم قالوا فحاكمنا الى النار وكانت باليمن نار فى أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه فتاكل الظالم ولا تضر المظلوم قال تبع أنصفتم فخرج القوم باوثانهم وما يتقربون به فى دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار فاقبلت حتى غشيتهم فاكلت الأوثان وما قربوا معها ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما يتلوان التوراة تعرق جباهما لم تضرهما ونكصت النار حتى رجعت الى مخرجها الذي خرجت منه فاصفقت عند ذلك حمير على دينهما فمن هنالك كان اصل اليهودية فى اليمن وذكر ابو حاتم عن الرقاشي قال كان ابو كرب اسعد الحميرى من التبابعة أمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ان يبعث بسبعمائة سنة وذكر لنا ان كعبا كان يقول ذم الله قومه ولم يذمه وكانت عائشة تقول لا تسبوا تبعا فانه كان رجلا صالحا وقال سعيد بن جبير هو الذي كسا البيت روى البغوي بسنده عن سهل بن سعد قال سمعت النبي ص يقول لا تسبوا تبعا فانه كان قد اسلم روى البغوي بسنده عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أدرى تبع أكان نبيا او غير نبى انتهى كلام البغوي فى سورة الدّخان كُلٌّ اى كل واحدا وكل قوم منهم او جميعهم كَذَّبَ أفرد الضمير للفظة كل الرُّسُلَ أورد صيغة الجمع لان من كذب واحدا فقد كذب جميعهم او لانهم كانوا كلهم لا يومنون بالله وحده وكانوا ينكرون إرسال الرسل بالطريق الاولى فَحَقَّ وجب وحل وَعِيدِ اى وعيدي اى عذابى الموعود كل ذلك يحل بهؤلاء الكفار مكذبى الرسل اثبت الياء وصلا ورش والباقون حذفوها فى الحالين. أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ فى القاموس عى بالأمر لم يهتد لوجه مراده او عجز عنه ولم يطلق أحكامه

[سورة ق (50) : آية 16]

والهمزة للانكار والفاء للعطف والتعقيب على مضمون قوله تعالى أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ قوله تعالى كذبت قبلهم قوم نوح الى آخره معترضات والمستفاد انكار تعقب الخلق ما سبق ذكره والمعنى بنينا السماء بلا فروج ومددنا الأرض وألقينا فيها رواسى وأنزلنا من السماء ماء فانبتنا بها ما ذكر فلم نعى بخلقها أول مرة كما ترونه تعرفون به كيف نعى بالاعادة وليس أول الخلق باهون من إعادته والكفار مع اعترافهم بذلك وقيام الدليل لا يعترفون بالاعادة بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ اى خلط وشبهة والمراد به الشك واصل اللبس الستر وفى حالة الشك يختلط الحق بالباطل ويستر الحق مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ اى معاد وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك شتمنى ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدأنى وليس أول الخلق باهون له علىّ من إعادته واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الله أحد الصمد الذي لم الد ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد رواه البخاري عن ابى هريرة وعن ابن عباس نحوه. وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ اى تحدث بِهِ نَفْسُهُ صلى الوسوسة الصوت الخفي والمراد ما يخطر بالبال وما فيما توسوس موصولة والباء فى به صلة يقال صوت بكذا والضمير عايد الى ما او مصدرية والباء للتعدية والضمير عائد الى الإنسان ونعلم خبر مبتداء محذوف والجملة الاسمية حال من فاعل خلقنا او مفعوله او كليهما وتقديره ونحن نعلم ما تحدث به نفسه به فان الله تعالى خلق الإنسان ووسوسة ولكل شىء عرض وجوهر والخلق بالاختيار والارادة مسبوق بالعلم ضرورة وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ اى الى الإنسان مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ الحبل العرق وإضافته الى الوريد من قبيل شجرة الأراك ويوم الجمعة للبيان والجملة حال ثان من فاعل خلقنا والوريد ان عرقان مكتنفان بصفحتى العنق متصلان بالوتين يرد ان من الراس اليه قيل سمى وريد ان لان الروح يرده واختلف اقوال العلماء فى تصوير هذه الا قربية فقال علماء الظاهر المراد قرب علمه منه قال البيضاوي معناه نحن اعلم بحاله ممن كان اقرب اليه من حبل الوريد ففيه تجوز لقرب الذات لقرب العلم لانه موجبه وحبل الوريد مثل يضرب لكمال القرب يقال الموت ادنى لى من الوريد قال البغوي معناه نحن اعلم به منه لان أبعاضه واجزائه يحجب بعضها بعضا ولا يحجب عن علم الله شىء وعلى هذا التأويل يلزم جواز ان يقال الطبيب اقرب الى المريض من حبل الوريد فان المريض لا يعلم بعض أحواله من الصحة والمرض ما يعلمه الطبيب ولو بالاستدلال لا سيما إذا كان شىء عديم العلم والعقل يعلم بعض أحواله وهو لا يعلم شيئا من احوال نفسه فيجوز ان يقال انا اقرب من السماء من نفسه فالاقتصار فى القول باقر بيته سبحانه

[سورة ق (50) : آية 17]

الى خلقه بهذا المعنى غير مرضى عندى وقالت الصوفية العلية بل الله سبحانه اقرب الى المخلوقات من أنفسها قربا ذاتيا لا زمانيا ولا مكانيا ولا متكيّفا بكيفية أصلا- يدرك ذلك القرب بنور الفراسة لا بالمشاعر او الاستدلال وغاية ما يقال فى هذا المقام ان العالم من حيث انه محتاج فى الوجود والبقاء الى الواجب يشبه نسبته الى الواجب بنسبة الظل الى الأصل فان الظل لا وجود له ولا بقاء الا بوجود أصله فالاصل اقرب الى الظل من نفسه والواجب اقرب الى الممكن من نفسه بالذات الا ترى ان الممكن ما لم ينتسب الى الواجب لم يجب بالغير وما لم يجب لم يوجد وما لم يوجد لا يجوز حمله على نفسه حملا أوليا غلا يقال زيد ما لم يوجد يجوز حينئذ سلبه عن نفسه إذ يشترط وجود الموضوع للحمل الإيجابي وان كان حملا أوليا فوجود الممكن اقرب الى ذات الممكن من ذاته لجواز سلب الشيء عن نفسه ما لم يوجد والمراد بالوجود هاهنا ما به الموجودية لا المعنى المصدرية فذات الله سبحانه اقرب الى الممكن من ذاته فهو ابعد فى الوجدان واقرب بالذات ولما كانت الصوفية ينسبون العالم الى دائرة الظلال والظلال الى الصفات والصفات الى الذات وفى الظلال مراتب كثيرة كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام ان لله سبعون الف حجاب من نور وظلمة لو كشفت لا حرقت صبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه وكذا فى الصفات قال الله تعالى ولو ان ما فى الأرض من شحرة أقلام والبحر يمده من بعده لسبعة أبحر ما نفدت كلمات الله وقال الله تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق فنبأ على هذا- قال المجدد قدس سره العزيز انه سبحانه وراء الوراء ثم وراء الوراء ثم وراء الوراء فى جهته القرب دون البعد يعنى ظلال الصفات اقرب الى الممكن من الممكن وصفات الله تعالى اقرب الى الممكن من ذاته ومن الظلال والله سبحانه اقرب الى الممكن من ذاته ومن الظلال ومن الصفات والله تعالى اعلم (فائدة) هذا النوع من القرب المستفاد من هذه الاية يعم الخلائق كلها حتى الكافرين ولله سبحانه بخواص عباده قرب اخر لا يشارك النوع الاول من القرب الا اشتراكا اسميا لا حقيقيا وذلك القرب ايضا يدرك بالفراسة الصحيحة ويستفاد من الكتاب والسنة قال الله تعالى واسجد واقترب وقال الله تعالى الله معنا ان معى ربى عند ذى العرش مكين عند مليك مقتدر وفى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى ونحو ذلك وقال عليه الصلاة والسلام لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل ونحو ذلك وهذا القرب يسمى بالولاية ولها مراتب لا تعدو لا نحصى ولا يدل عليه كلمة لا يزال ويضاده البعد المختص بالكفار قال الله تعالى الا بعد العاد قوم هود الا بعد الثمود الا بعدا للقوم الظالمين-. إِذْ يَتَلَقَّى اى يأخذ الملكان الْمُتَلَقِّيانِ الموكلان بالإنسان ومفعول يتلقى محذوف مراد يعنى يتلقى عمله ومنطقه

[سورة ق (50) : آية 18]

يحفظانه ويكتبانه عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ الجار والمجرور متعلق بقعيد وقعيد بدل من المتلقيان والتقدير عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد اى مقاعد كالجليس بمعنى المجالس فحذف الاول لدلالة الثاني عليه وقيل يطلق الفعيل على الواحد والكثير كقوله تعالى والملائكة بعد ذلك ظهير والمراد بالقعيد اللازم الذي لا يبرح الا القاعد الذي هو ضد القائم وقال مجاهد القعيد الرصيد والظرف متعلق با ذكر يعنى اذكر إذ يتلقى او متعلق بأقرب إيذانا بانه تعالى غنى عن استحفاظ الملكين فانه اعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما لكنه لحكمة اقتضته والزام حجة يوم يقوم الاشهاد و. ما يَلْفِظُ الإنسان من فيه مِنْ قَوْلٍ من زائدة وقول مفعول به إِلَّا لَدَيْهِ ملك رَقِيبٌ يرقب عمله ليكتب عَتِيدٌ حاضر معه الاستثناء مفرغ والمستثنى صفة لقول قال الحسن انما الملئكة يجتنبون الإنسان على حالين عند غايطه وعند جماعة وقال مجاهد يكتبان عليه حتى آتيناه فى مرضه وقال عكرمة لا يكتبان الا ما يوجر عليه او يوزر فيه روى البغوي بسنده عن ابى امامة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل وكاتب الحسنات امير على كاتب السيئات فاذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه لسبع ساعات لعله يسبح ويستغفر ورواه ابن راهويه فى مسنده والبيهقي فى شعب الايمان لما ذكر الله تعالى استبعادهم البعث للجزاء وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه ببيان مبدأ خلق العالم من بناء السماء والأرض ومبدأ خلق الإنسان ومعاشه بقوله ولقد خلقنا الإنسان الى هاهنا عقب ذلك قرب الموت وقيام الساعة تهديدا وتوعيدا فقال. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ اى غمرته وشدته التي يغشى الإنسان ويزيل عقله جاء جاءت وما عطف عليه اعنى نفخ وجاءت وكشفنا وقال بصيغة الماضي ومعناه المستقبل للدلالة على قربه وتحقق وقوعه بِالْحَقِّ ط الباء للتعدية والمعنى أحضرت سكرات الموت الأمر المتحقق الثابت فان الدنيا وما فيها كانها سراب لا تحقق لها وما كان بعد الموت فهو امر ثابت لا مردّ له او الوعد الحق الذي لا يحتمل تخلفه من الموت او الجزاء فان الإنسان خلق له وجاز ان يكون حالا متلبسا بالحق ومستصحبا له والحق هو الموت وما بعده وجاز ان يكون بالحق حملة مؤكدة لما سبق يعنى هذا القول متلبس بالحق ذلِكَ اشارة الى الحق بمعنى الموت او الجزاء ما كُنْتَ ايها الإنسان مِنْهُ تَحِيدُ اى تميل وتفر عنه يعنى تكره الموت وتنكر الجزاء وهذه الجملة بتقدير القول حال من مقدر

[سورة ق (50) : آية 20]

تقديره جاءت سكرة موت الإنسان بالحق يقال له ذلك ما كنت منه تحيد فان المراد بالموت موت الإنسان-. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ نفخة البعث ذلِكَ اشارة الى يوم يقول لجهنم ان كان ظرفا لنفخ والا فهو اشارة الى مصدر نفخ والمضاف محذوف يعنى وقت ذلك النفخ يَوْمُ تحقق الْوَعِيدِ والجملة مفعول يقال المحذوف يعنى يقال ذلك يوم الوعيد اخرج ابو النعيم فى الحلية عن عكرمة قال ان الذين يفرقون فى البحر فتقسم لحومهم الحيتان فلا يبقى منهم شىء الا العظام فيلقها الأمواج على البر فيمكث العظام حتى تصير نخرة فتمر بها الإبل فياكل ثم يسير؟؟؟ الإبل فتبحرها ثم يجىء بعدهم قوم فينزلون منزلا فياخذون ذلك البعر فيوقدونه ثم تخمد ذلك النار فتجىء ريح فيلقى ذلك الرماد على الأرض فاذا جاءت النفخة خرج أولئك واهل القبور. وَجاءَتْ ذلك اليوم كُلُّ نَفْسٍ مؤمنة وكافرة مَعَها محلها النصب على الحال من كل لاضافة الى ما هو فى حكم المعرفة سائِقٌ وَشَهِيدٌ اخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن جرير وابن ابى حاتم فى تفاسيرهم عن عثمان بن عفان فى الاية قال سائق يسوقها الى امر الله تعالى وشهيد يشهد عليها بما عملت واخرج ابن ابى حاتم والبيهقي عن ابى هريرة قال السائق الملك والشهيد العمل ذكر السيوطي فى كتاب البرزخ من حديث جابر مرفوعا فاذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات فانتشطا كتابا معقودا فى عنقه ثم حضرا معه أحدهما سائق واخر شهيد أخرجه ابو نعيم وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا وقال البغوي وقال الضحاك السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم الأيدي والا رجل وهو رواية العوفى عن ابن عباس. لَقَدْ كُنْتَ على إضمار القول يعنى يقال له لقد كنت فى الدنيا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا الذي نزل بك هذا اليوم فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ الحاجب لامور المعاد وهو الغفلة والانهماك فى المحسوسات والالف بها وقصور النظر عليها والرين واسودا والقلب المكي عنه بقوله تعالى خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وقوله تعالى كلا بل ران على قلوبهم فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ نافذ تبصر ما كنت تنكره فى الدنيا قال البغوي روى عن مجاهد يعنى نظرك الى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيّئاتك حديد. وَقالَ قَرِينُهُ اى الملك الموكل عليه عطف على يقال المحذوف هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ اى حاضرها اما موصوفة والظرف صفة له وعتيد صفة بعد صفة واما موصولة خبر مبتداء والظرف صلتها وعتيد بدل منها او خبر بعد خبر او خبر مبتداء محذوف والاشارة اما الى الشخص او الى ديوان عمله يصفى هذا شىء كاين عندى حاضرا وهذا الذي هو كائن عندى حاضرا وهذا حاضر فيقول الله تعالى.

[سورة ق (50) : آية 24]

أَلْقِيا خطاب من الله تعالى للسايق والشهيد او للملكين من خزنة النار او الواحد وتثنية الفاعل بمنزلة تثنية الفعل للتاكيد او الالف بدل من نون التأكيد الخفيفة للوصل مجرى الوقف ويؤيده ما قرىء بالنون الخفيفة- فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ معاند للحق. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ اى للزكوة المفروضة وكل حق وجب فى ماله مُعْتَدٍ ظالم لا يقر بتوحيد الله تعالى مُرِيبٍ شاك فى الله وفى دينه. الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الموصول مبتداء متضمن معنى الشرط وخبره فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ وهو النار او الموصول بدل من كل كفار فالقياه تكرير للتاكيد الموصول مفعول يفسره فالقياه. قالَ قَرِينُهُ يعنى الملك الموكل به كذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل قال سعيد بن جبير يقول الملك ذلك حين يقول الكافر رب ان الملك زاد على فى الكتابة فيقول الملك رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ يعنى ما نسبته الى الكفر والطغيان وما زدت عليه فى الكتابة ولكون هذه الجملة جوابا بالمحذوف اعنى قول الكافر هو أطغاني وكذب على استونفت هذه الجملة كما تستانف الجمل الواقعة فى حكاية التقاؤل بخلاف الاولى اعنى وقال قرينه فانها واجبة العطف ما قبلها للدلالة على جميع مفهوماتهما فى الحصول اعنى مجىء كل نفس وقول قرينه بما قال وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ وقال بعض المفسرين المراد بالقرين الشيطان الذي قيض لهذا الكافر يعنى ان الكافر يقول أطغاني شيطانى فيقول الشيطان ربنا ما أضللته ولا اغويته ولكن كان فى ضلال بعيد فاعنته فان إغواء الشيطان انما يوثر فيمن كان مختل الرأي مايلا الى الفجور كما قال وما كان لى عليك سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى ولا تلومونى ولوموا أنفسكم ولهذا ترى المخلصين الكرام الصوفية العلية شمر واذيلهم وبذلوا جهدهم فى مجاهدة أنفسهم وتزكيتها كيلا تتطرق إليهم الشيطان والله اعلم لكن ما ذكره علماء العربية ان المعرفة إذا أعيدت فالثانى غير الاول كما فى قوله تعالى فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا معناه ان مع عسر واحد يسرين وان الأصل فى الاضافة العهد الخارجي يقتضى ان يكون المراد بقرينته ثانيا ايضا الملك الموكل به كما قال سعيد بن جبير وغيره وقال بعض المتأخرين المراد بالقرين فى كلا القرينتين الشيطان الذي قيض مع الكافر فهو له قرين ومعنى قوله هذا مالدى عتيد هذا الشخص ما عندى وفى سلطانى عتيد لجهنم هيّئته لها باغوائى ومعنى قوله ما أطغيته ولكن كان فى ضلال بعيد ان ما أطغيته كرها ولكن كان فى ضلال بعيد فاتبعنى باختياره واستجاب لى دعوتى إياه الى الكفر والمعاصي ولم يستجب دعوة رسلك. قالَ الله تعالى لا تَخْتَصِمُوا

[سورة ق (50) : آية 29]

لَدَيَ اى موقف الحساب بحيث لا فائدة فيه وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ على الطغيان فى كتبى وعلى السنة رسلى فلم يبق لكم حجة وهو حال وفيه تعليل للنهى اى لا تختصموا عاملين بان اوعدتكم والباء زائدة وجاز ان يكون بالوعيد حالا والمفعول به قوله تعالى. ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ يعنى لا يتخلف قولى بانّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فلا تطمعوا غفرانى وقال الكلبي واختاره القراء أن المعنى لا يكذب عندى ولا يغير القول عن وجهه لانى اعلم الغيب وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ليس المراد نفى مبالغة الظلم بل نفى اصل الظلم وانما أورد صيغة المبالغة تعريضا للمخاطبين يعنى ان الكافرين فى الظلم كما فى قوله تعالى أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ-. يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ قرأ نافع وابو بكر يقول بالياء على الغيبة والضمير عايد الى الله سبحانه على نسق قوله تعالى قال لا تختصموا والباقون بالنون على التكلم ولما سبق من الله تعالى انه يملأ جهنم من الجنة والناس فهذا سوال منه تعالى لتصديق خبره وتحقيق وعده وَتَقُولُ يعنى جهنم فى الجواب هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قال عطاء ومجاهد ومقاتل بن سليمان استفهام انكار ومعناه قد امتلأت فلم يبق فى موضع لم يمتل يعنى لا يتصور المزيد على هذا الامتلاء الذي حصل والصحيح انه استفهام للاستزادة لما روى الشيخان فى الصحيحين عن انس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزت فيها قدمه فينزوى بعضها الى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك ولا يزال فى الجنة فضل حتى ينشىء الله تعالى لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة واخرج ابن ابى عاصم فى الستة عن ابى بن كعب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جهنم تسال المزيد حتى يضع الجبار تعالى قدمه فيها فينزوى بعضها الى بعض وتقول قط قط وقال البغوي روى عن ابن عباس رض ان الله تعالى سبقت كلمته لاملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين فلما سيق اعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج الا ذهب فيها ولا يملأ هاشى فتقول الست قد أقسمت لتملأنى فيضع قدمه عليها ثم يقول هل امتلأت فتقول قط قط فليس مزيد وقال البيضاوي هذا السؤال والجواب جىء بهما التخييل والتصوير يعنى انها مع اتساعها تطرح فيها من الجنة والناس فوجا فوجا حتى تمتلى لقوله تعالى لاملأن هذا على تقدير كون الاستفهام للانكار او انها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ او انها من شدة زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثر لهم والطالب للزيادة وهذين التوجهين على تقدير كون الاستفهام للاستزادة

[سورة ق (50) : آية 31]

ولكن لا ضرورة الى هذا التأويل والاولى الحمل على حقيقة السؤال والجواب ولا استبعاد فى انطاقها كانطاق الجوارح ويوم اما منصوب بتقديرا ذكر مقدرا او ظرف لنفخ وما عطف عليه على سبيل التنازع. وَأُزْلِفَتِ اى أدنيت عطف على نفخ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ من الشرك غَيْرَ بَعِيدٍ منصوب على الظرف اى مكانا غير بعيدا وزمانا غير بعيد وعلى الحال وتذكيره لانه صفة محذوف اى شيئا غير بعيد او لان الجنة بمعنى البستان والغرض من هذا التقييد التوكيد كما يقال قريب غير بعيد وعزيز غير ذليل. هذا الثواب او الا زلاف مبتداء خبره ما تُوعَدُونَ قرأ ابن كثير بالياء على الغيبة والضمير للمتقين والباقون بالتاء على الخطاب للمتقين بإضمار القول يعنى يقال لهم هذا ما توعدون لِكُلِّ أَوَّابٍ بدل من المتقين باعادة الجار وجاز ان يكون هذا مبتداء وما توعدون صفة ولكل أواب خبره والمعنى رجاع الى الله عما سواه ظاهر او باطنا وقيل رجاع من المعاصي الى الطاعات وقال سعيد بن المسيب الذي يذنب ثم يتوب وقال الشعبي ومجاهد الذي يذكر ذنوبه فى الخلاء فيستغفر منها وقال الضحاك هو التواب وقال ابن عباس وعطاء المسبح كما فى قوله تعالى يا جبال اوّبى وقال قتادة المصلى وعن زيد بن أرقم ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال صلوة الأوابين حين ترمض الفصال رواه مسلم حَفِيظٍ يعنى دايم الحضور لا يغفل عن الله طرفة عين وقال ابن عباس الحافظ لامر الله وعند ايضا انه هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع ويستغفر منها يعنى لا يرى ذنوبه سهلا وقال قتادة حفيظ لما استودعه الله من حقه وقال الضحاك هو المحافظ على نفسه المتعهد لها وقال الشعبي المراقب وقال سهيل بن عبد الله هو المحافظ على الطاعات. مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ مخلص مقبل على الطاعة ومحل من مجرور على انه بدل بعد بدل للمتقين او بدل من موصوف أواب او مرفوع على الابتداء خبره. ادْخُلُوها على تاويل يقال لهم ادخلوها فان من معناه الجمع وبالغيب حال من الفاعل او المفعول او صفة لمصدر اى خشية متلبسة بالغيب يعنى خشى عقابه وهو غايب من الله تعالى يعنى فى الدنيا حين لم يره او غايب عن عقابه او هو غايب عن الأعين لا يراه أحد قال الضحاك والسدى والحسن يعنى فى الخلوة حيث لا يراه أحد وتخصيص الرحمن للاشعار بانهم رجوا رحمته وخافوا عذابه او بانهم يخشون عذابه مع علمهم بسعة رحمته لا يغترون برحمة ولا يجئرون على معاصية ووصف القلب بالانابة لان المعتبر وانما هى الانابة بالقلب بِسَلامٍ ط اى متلبسين بسلامة يعنى سالمين من العذاب والهموم وزوال النعمة او بسلام يعنى مسلما عليكم

[سورة ق (50) : آية 35]

من الله وملائكته ذلِكَ اشارة الى الدخول بتقدير المضاف يعنى وقت ذلك الدخول فى الجنة يَوْمُ الْخُلُودِ يوم تقدير الخلود كقوله تعالى فَادْخُلُوها خالِدِينَ روى الشيخان من ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا اهل النار لا موت ويا اهل الجنة لا موت كل خالد فيما هو فيه وروى البخاري عن ابى هريرة مرفوعا يقال يا اهل الجنة خلود ولا موت ويا اهل النار خلود ولا موت. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ وهو مما لا يخطر ببالهم ممالا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان ادنى مقعد أحدكم من الجنة ان يقول له تمن فيتمنى ويتمنى فيقول هل تمنيت فيقول نعم فيقول لك ما تمنيت ومثله معه رواه مسلم واخرج نهاد عن ابى سعيد قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر حديثا طويلا قال فيه ثم يقول الله تعالى انى اعهدت الى عبادى انى لا ادخل الجنة رجلا الا جعلت له فيها ما اشتهت نفسه لكم فيها ما سالتم ومثله وقال جابر وانس والمراد بالمزيد النظر الى وجه الله الكريم اخرج مسلم وابن ماجة عن صهيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا دخل اهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيأ أزيدكم فيقولون الم تبيض وجوهنا الم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما اعطوا شيئا أحب إليهم من النظر الى ربهم ثم تلا هذه الاية- للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وروى ابن خزيمة وابن مردوية عن ابى موسى الأشعري وكعب بن عجرة وابى بن كعب وابن مردوية وابو الشيخ عن انس وابو الشيخ عن ابى هريرة وكذا عن ابى بكر الصديق وابن عباس وحذيفة وابن مسعود وغيرهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان الله تعالى يبعث يوم القيامة مناديا ينادى الصوت يسمعه أولهم وآخرهم يا اهل الجنة ان الله وعدكم الحسنى وزيادة الحسنى الجنة والزيادة النظر الى وجه الرحمن والله تعالى اعلم. وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ اى قبل قومك مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ اى من قومك بَطْشاً قوة كعاد وفرعون وغيرهم وجملة هم أشد صفة لقرن فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ فى القاموس نقب فى الأرض اى ذهب كانقب ونقب قلت التشديد للتكثير والمعنى اذهبوا فى البلاد للتصرف فيها والتمتع وحينئذ الفاء للسببية فان شدة بطشهم سبب للتصرف فى البلاد او المعنى جالوا فى الأرض كل مجال حذر الموت والفاء حينئذ لمجرد التعقيب هَلْ مِنْ مَحِيصٍ من زائدة محيص فى محل الرفع على الفاعلية او النصب على المفعولية بفعل محذوف والاستفهام للانكار تقديره بل كان لهم محيص او هل وجدوا لهم محيصا

[سورة ق (50) : آية 37]

فكيف يغفل اهل مكة ويلههم الأمل وجاز ان يكون نقبوا معطوفا على أهلكنا والضمير عايد الى اهل مكة والمعنى انهم ساروا فى بلاد القرون الخالية فتشوا اخبارهم ورأوا اثارهم فهل محيصا حتى يتوقعوا مثلهم. إِنَّ فِي ذلِكَ السورة وان كان ضمير نقبوا راجعا الى اهل مكة فيجوز ان يكون المشار اليه مصدر نقبوا يعنى فى سيرهم فى البلاد لَذِكْرى تذكرة وعظة لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ اى قلب صاف عن الكدورات صالح لتجليات الصفات له لعينه غير متكفية بالذات مشتغل بالله فارغ عن غيره مصدق لحديث قدسى لا يسعنى ارضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن ولا يكون القلب هكذا الا بعد الفناء المصطلح للصوفية وقال ابن عباس معناه كان له عقل تسمية الحال باسم المحل وقيل المراد قلب داع يتفكر فى حقائق الأمور وكان ان كان ناقصة بمعناه او بمعنى صار فقلب اسمه وله خبر وان كان تامة فقلب فاعله وله حال من الفاعل والجار والمجرور اعنى لمن كان إلخ متعلق بذكرى او بالظرف المستقر اعنى فى ذلك أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ عطف على صلة من وَهُوَ شَهِيدٌ قال من فاعل القى يعنى ان السورة موعظة لمن كان له قلب سليم او استمع القران وهو شهيد حاضر قلبه ولو بتكلف لا بتغافل او شاهد يصدقه فيتعظ بظواهره وينزجر بزواجره قلت فالاول بيان الكاملين والثاني بيان المريدين المخلصين نظيره قوله عليه الصلاة والسلام الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك يعنى- يتصور الحضور بتكلف اخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس ان اليهود أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسالت عن خلق السموات والأرض فقال خلق الله الأرض يوم الأحد والبحار يوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلثاء وما فى هن من المنافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمداين والعمران والخراب وخلق الله يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة الى ثلث ساعات بقين منه فخلق فى أول ساعة الآجال حين يموت من مات وفى الثانية التي الآفة على كل شىء ينتفع به الناس وفى الثالثة آدم واسكنه الجنة وامر إبليس بالسجود له وأخرجه منها فى اخر الساعة قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو أتممت قالوا ثم استراح فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - غضبا شديدا فنزلت. وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ من تعب واعيا. -. فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ اى اليهود ان الله تعالى أعيى فاستراح او المشركون فى امر البعث فانه من قدر على خلق العالم فهو قادر على بعثهم والانتقام منهم وروى مسلم عن ابى هريرة من غير ذكر اليهود

[سورة ق (50) : آية 40]

ولا ذكر نزول الاية ولفظه أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة فى اخر الخلق فى اخر الساعة من النهار بين العصر الى الليل قلت لعل ذكر خلق التربة يوم السبت من غلط بعض الرواية والصحيح ان بدأ خلق العالم من يوم الأحد وتمامه يوم الجمعة كما يدل عليه قوله تعالى خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ والسبت اليوم السابع فان قيل قد صح من الأحاديث ما يدل على ان خلق آدم بعد خلق السموات والأرض والملائكة والجن بزمان طويل وكان قبل ذلك سلطنة الجن وكان إبليس فى الملائكة وكان له ملك الأرض وملك سماء الدنيا والجنة يعبد الله تارة فى الأرض وتارة فى السماء وتارة فى الجنة وفسر قوله تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً انه قد اتى على آدم أربعون سنة ملقى من طين بين مكة والطائف قبل ان ينفخ فيه الروح لا يذكر ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد به كذا قال البغوي وغيره وهذا الحديث يدل على ان آدم خلق فى اخر الساعة من جمعة خلق فيها الملائكة والفلكيات فكيف التوفيق قلت لعل المراد بخلق آدم تقديره فى اللوح المحفوظ يدل عليه وقوله خلق فى أول ساعة الآجال حين يموت من مات وفى الثانية القى الآفة على كل شى ينتفع به الناس فانه لا يتصور ذلك بمعنى التقدير- وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يعنى صل متلبسا بحمد ربك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعنى صلوة الفجر وَقَبْلَ الْغُرُوبِ يعنى صلوة العصر وروى عن ابن عباس قال قبل الغروب الظهر والعصر هذا لعل قول ابن عباس مبنى على ان وقت الضروري للصلوتين واحد كما قال به مالك وغيره. وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ يعنى صلوة المغرب والعشاء وقال مجاهد المراد منه صلوة الليل اىّ وقت صلى يعنى نوافل وَأَدْبارَ السُّجُودِ قرأ نافع وابن كثير وحمزة بكسر الهمزة مصدر أدبر ادبار او قرأ الآخرون بفتحها على انه جمع دبر قال البغوي قال عمر بن الخطاب وعلى بن ابى طالب والحسن والشعبي والنخعي والأوزاعي ادبار السجود ركعتان قبل صلوة المغرب وادبار النجوم ركعتان قبل صلوة الفجر وهى رواية العوفى عن ابن عباس ورواه الترمذي عن ابن عباس مرفوعا هكذا قال اكثر المفسرين ولم يظهر لى وجه اطلاق ادبار السجود على صلوة قبل صلوة المغرب مع ان وقت الغروب تبيلها؟؟؟ ليس وقت السجود والظن ان يكون المراد من ادبار السجود النوافل الراتبة بعد الفرائض وجاز ان يكون معنى قوله تعالى سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قل سبحان الله و

[سورة ق (50) : آية 41]

بحمده روى الشيخان عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قال حين يصبح وحين يمسى سبحان الله مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به الا أحد قال مثل ما قال او زاد عليه روى الشيخان عنه مرفوعا من قال سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر وهما عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان جيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان العظيم وقال مجاهد قوله تعالى ادبار السجود هو التسبيح باللسان فى ادبار الصلوات المكتوبات عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سبح فى دبر كل صلوة مكتوبة ثلثا وثلثين وحمد الله ثلثا وثلثين وكبر الله ثلثا وثلثين فذلك تسعة وتسعون ثم قال تمام الاية لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير غفرت خطاياه وانى كانت مثل زبد البحر رواه المسلم والبخاري ونحوه اخرج مالك وابن خزيمة. وَاسْتَمِعْ صيغة امره ما بعده بتأويل المفرد او بتقدير المضاف مفعول به يعنى اسمع ما يملى عليك او اسمع حديث يَوْمَ يُنادِ وفائدة قوله تعالى استمع التنبيه والتهويل وتعظيم المخبر به والظرف على التأويل الاول متعلق بفعل محذوف دل عليه يوم الخروج تقديره يخرج الناس كلهم من القبور يوم ينادى قال النقاش عن ابى ربيعة عن البزي وابن مجاهد عن قنبل ينادى بالياء فى الوقف فقط والباقون يقفون بغير ياء الْمُنادِ اثبت الياء فى الحالين ابن كثير وفى الوصل خاصة نافع وابو عمرو والباقون حذفوها فى الحالين قال مقاتل ينادى اسرافيل بالحشر أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المقمزقة والشعور المتفرقة ان الله يأمركم ان تجتمعوا الفصل القضاء وكذا اخرج ابن عساكر عن زيد بن جابر الشافعي فى هذه الاية قال يقف اسرافيل على صخرة بيت المقدس فيقول يا أيتها العظام النخرة والجلود المتمزقة والاشعار المنقطعة ان الله يأمركم ان تجتمع لفصل الخطاب مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ متعلق بيناد يعنى من صخرة بيت المقدس وهو قريب من القبور لكونها من الأرض وهما فى وسط الأرض وقال الكلبي هى اقرب الأرض الى السماء ثمانية عشر ميلا. يَوْمَ يَسْمَعُونَ بدل من يوم يناد اى الأموات يسمعون بإذن الله تعالى فان الأموات والجمادات فى الاستماع إذا أراد الله تعالى كالاحياء فان الموجودات لا تخلو عن نوع من الحيوة كما حققناه فى تفسير سورة الملك وكذا انعقد الإجماع على عذاب القبر على الروح والجسد جميعا اخرج الشيخان عن انس ان النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف على قتلى بدر فقال يا فلان بن فلان يا فلان بن فلان وهل وجدتم ما وعد ربكم حقا فانى وجدت ما وعدني ربى حقا قال عمر يا رسول الله كيف تكلم اجراما لا أرواح فيها فقال ما أنتم باسمع لما أقول منهم غير انهم لا يستطيعون ان يرد وأعلى شيئا وقال القرطبي نفخة الاحياء تمتد وتطول فيكون أوايلها

[سورة ق (50) : آية 43]

للاحياء وما بعدها للازعاج من القبور فلا يسمعون ما كان للاحياء ويستمعون ما كان للازعاج وقال السيوطي يحتمل السماع من أول وهلة للارواح وهى فى الصور قلت ما ذكر من كلام اسرافيل خطاب للعظام والجلود لا للارواح فلا فائدة فى سماع الأرواح والله تعالى اعلم الصَّيْحَةَ يعنى صيحة اسرافيل المذكور وقال البيضاوي لعله فى إعادة نظير كن يعنى امر تكوينى لا يشترط فيه السماع قلت لكن قوله تعالى يوم يسمعون صريح فى اثبات السماع فالاولى ما قلت بِالْحَقِّ ط متعلق بالصيحة والمراد به البعث للجزاء ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ من القبور. إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ فى الاخرة. يَوْمَ تَشَقَّقُ قرأ الكوفيون وابو عمرو بتخفيف الشين بحذف أحد التاءين والباقون بالتشديد بابدال التاء شينا والإدغام واصله يتشقق الْأَرْضُ عَنْهُمْ اى عن الأموات إذا ادعوا الى الحساب والظرف اعنى يوم تتشقق متعلق بفعل دل عليه قوله تعالى ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ تقديره يحشرون يوم تشقق الأرض عنهم سِراعاً ط جمع سريع حال من الضمير المرفوع فى الفعل المقدر يعنى يحشرون سراعا وقيل من الضمير المجرور فى عنهم يعنى تشقق الأرض عنهم حال كونهم مسرعين فى الخروج ذلِكَ الحشر دفعة واحدة المفهوم مما سبق حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ الظرف متعلق بيسير قدم عليه للاختصاص فان ذلك لا تيسير الا على العالم القادر لذاته الذي لا يشغله شان عن شان كما قال ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ يعنى كفار مكة فى تكذيبه فيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم- وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ قف تجبرهم على الإسلام انما بعثت مذكرا وداعيا- اخرج ابن جرير من طريق عمرو بن قيس الملائى عن ابن عباس قال قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خوفتنا فنزلت فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ثم اخرج عن عمر مثله مرسلا قرأ ورش وعيدي وصلا فقط والباقون يحذفونها فى الحالين يعنى لا ينفع تذكيرك بالقران الا من يخاف ما أوعدت به من عصانى من العذاب يعنى المسلمين والله تعالى اعلم.

سورة الذاريات

سورة الذاريات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وتمّم بالخير. وَالذَّارِياتِ ذَرْواً مصدر يعنى الرياح تذر والتراب وغيره او النساء والمولود فانهن يذرين أولاد او الأسباب التي تذرى الخلائق من الملائكة وغيرها قرأ ابو عمرو بإدغام التاء فى الذال. فَالْحامِلاتِ وِقْراً اى ثقلا مفعول به يعنى الرياح الحاملات للسحاب او النساء الحاملات النطف والاجنة او السحب الحاملة للمطرا واسباب ذلك. فَالْجارِياتِ يُسْراً صفة مصدر محذوف يعنى جريا سهلا وهى الرياح الجارية فى مهابها والنساء الجاريات فى خدمته الأزواج يسرا لكونهن حاملات او السفن الجارية فى البحر سهلا او الكواكب التي تجرى فى منازلها. فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً مفعول به يعنى الرياح التي تقسم الأمطار بتصرف السحاب او الملائكة التي تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها او ما يعمها من اسباب القسمة فان حملت على ذوات مختلفة فالفاء لترتيب الاقسام بها باعتبار ما بينها من التفاوت فى الدلالة على كمال القدرة والا فالفاء للترتيب افعال وجواب القسم. إِنَّما تُوعَدُونَ من البعث ما موصولة والعائد محذوف او مصدرية- لَصادِقٌ يعنى وعد صادق كعيشة راضية اى ذات رضاء. وَإِنَّ الدِّينَ اى الجزاء من الثواب والعقاب لَواقِعٌ لكائن لا محالة من الله سبحانه كانه استدلال بما اقسم به من الأشياء

[سورة الذاريات (51) : آية 7]

العجيبة الدالة على كمال قدرة الصانع المختار على الاقتدار على البعث الذي أوقعه جوابا للقسم ثم عطف على الجملة القسمية الاخرى فقال. وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ جمع حبيكة كطريقة وطرق او حباك كمثال ومثل فى القاموس الحبك الشداد الاحكام وتحسين اثر الصنعة فى الثواب وحبك الرمل بضمتين حروفه الواحدة حباك ككتاب ومن الماء والشعير الجعد المنكسر منها ومن السماء طريق النجوم قال البغوي قال ابن عباس وقتادة وعكرمة ذات الخلق الحسن المستوي يقال للنساج إذا نسج الثوب فاجاد ما احسن حبكه وقال سعيد ابن جبير ذات الزينة قال الحسن حبكت بالنجوم قال مجاهد هى المتقن البنيان وقال مقاتل والكلبي والضحاك ذات الطريق كحبك الماء إذا ضربته الريح وحبك الرمل والشعر الجعد ولكنها لا يرى لبعدها من الناس قال البيضاوي معناه ذات الطرائق والمراد اما الطرائق المحسوسة التي هى مسير الكواكب او المعقولة التي يسلكها النظار ويتوسل بها الى المعارف او النجوم فان لها طرايق او انها تزينها كما يزين المواشي طرايق الوشي وجواب القسم. إِنَّكُمْ يا كفار مكة لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ فى الرسول يعنى قولهم تارة انه شاعر وتارة انه ساحر وتارة انه مجنون او فى القران انه سحرا وكهانة او أساطير الأولين او شعر قاله من تلقاء نفسه او فى القيامة فبعضهم شك فيه وبعضهم استحالة وأنكره قال البيضاوي لعل النكتة فى هذا القسم تشبيه أقوالهم فى اختلافها وتنافى أغراضها بالطريق للسموات فى تباعدها واختلاف غاياتها وجاز ان يكون خطابا لاهل مكة يعم المؤمنين والكفار يعنى منكم مصدق ومنكم مكذب. يُؤْفَكُ عَنْهُ اى يصرف عن الرسول والقران مَنْ أُفِكَ اى صرف فى علم الله تعالى يعنى من حرمه الله تعالى عن الايمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقران وجاز ان يكون ضمير عنه راجعا الى القول المختلف ويكون عن بمعنى من يعنى يصدر افك من افك عن القول المختلف سببه ذلك ان كفار مكة إذا أراد رجل الايمان يتلقونه ويقولون انه ساحر كاذب كاهن مجنون فيصرفونه عن الايمان وهذا معنى قول مجاهد وهذه الجملة معترضة لبيان خيبة من لم يؤمن. قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ اى الكذابون وهم اصحاب القول المختلف من الكفار والخرص الظن والتخمين من غير دليل موجب لليقين وكلمان مبنيا على دليل صحيح لا يتصور فيه الاختلاف وذكرهم بعنوان الخراصين والجملة فى الأصل دعاء بالقتل اجرى مجرى اللعن. الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ اى جهل وغفلة يغمرهم ساهُونَ غافلون عما أمروا به. يَسْئَلُونَ محمدا صلى الله تعالى عليه واله وسلم استعجالا إنكارا او استهزاء أَيَّانَ اى متى يَوْمُ الدِّينِ يوم الجزاء جملة

[سورة الذاريات (51) : آية 13]

يسالون فى محل النصب على الحالية من الخراصين وجاز ان يكون لبيان علة لعنهم. يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ اى يحرقون بالنار كما يفتن الذهب بالنار وعلى بمعنى الباء والظرف اما بدل من يوم الدين والمعنى يسالون متى يوم تعذبنا بالتاء يا محمد فحينئذ محله الرفع على الابتداء وفتح للاضافة الى غير متمكن وجاز ان يكون جوابا من الله تعالى لسوالهم يوم حينئذ خبر لمبتداء محذوف اى هو يوم هم على النار يفتنون او منصوب على الظرفية بفعل محذوف يعنى يقع الدين يوم هم يفتنون فعلى تقدير كونه داخلا فى السؤال قوله تعالى ذوقوا فتنتكم مرتبط بقوله تعالى قتل الخراصون يعنى يقال لهم. ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ ط اى عذابكم او جزاء كفركم وعلى التأويل الثاني حال من الضمير المرفوع فى يفتنون بتقدير مقولا لهم هذا القول هذَا بدل من فتنتكم موصوف لقوله الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ فى الدنيا تكذيبا وجاز ان يكون هذا مبتداء والموصول خبر يعنى هذا هو الذي كنتم تستعجلون والجملة تعليل لقوله ذوقوا ثم ذكر الله سبحانه حال المؤمنين المصدقين النبي - صلى الله عليه وسلم - والقران. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ اى انهار جارية. آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ من الخير والكرامة حال من الضمير فى الظرف يعنى قابلين لما أعطاهم ربهم راضين به يعنى كل ما يأتيهم يكون حسنا مرضيا مقبولا- إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ اى قبل دخول الجنة فى الدنيا مُحْسِنِينَ عابدين لله تعالى بالحضور والإخلاص طالبين رضاه خالصة سبحانه يطلب رضاهم فهذه الجملة تعليل لما سبق ثم فسر إحسانهم وعللها بقوله. كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ما زائده ويهجعون خبر لكان والهجوع النوم ليلا وقليلا منصوب على الظرفية ومن الليل صفة له مبينة او على المصدرية ومن للتبعيض ومعناه كانوا ينامون زمانا قليلا كائنا من الليل او هجوعا قليلا فى بعض الليل وجاز ان يكون ما موصولة والعائد محذوف او مصدرية وعلى التقديرين قليلا اما منصوب على انه خبر كان وما يهجعون بدل اشتمال من الضمير المرفوع فى كانوا واما منصوب ظرف مستقر فى محل النصب على الخبر وما يهجعون فاعل للظرف والمعنى كان ما يهجعون فيه او هجوعهم قليلا كائنا من الليل او كانوا قليلا من الليل هجوعهم او ما يهجعون فيه ويصلون اكثر الليل وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس معناه كانوا اقل ليلة تمر بهم الا صلوا فيها شيئا اما من أولها اما من أوسطها او من آخرها يعنى كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلا كذا قال مطرف بن عبد الله وقال الضحاك ومقاتل كانوا من الناس قليلا من الليل تهجعون يعنى لا ينامون

[سورة الذاريات (51) : آية 18]

فعلى هذا قليلا خبر كان وجملة من الليل ما يهجعون مستانفة وما نافية قال البيضاوي وغيره هذا لا يجوز لان ما بعد ما لا تعمل فيما قبلها. وَبِالْأَسْحارِ يعنى فى الاسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ السحر السدس الاخر من الليل وفى القاموس قبيل الصبح وطرف كل شىء يعنى انهم مع قلة هجوعهم وكثرة صلوتهم بالليل إذا سحروا أخذوا فى الاستغفار هضما لانفسهم واستقصارا لعملهم كانهم اسلفوا فى ليلتهم الجرائم ووقع عنهم التقصير فى الطاعات وفى بناء الفعل على الضمير اشعار بانهم أحقاء بذلك لوفور علمهم بالله العظيم وخشيتهم من الله تعالى اللهم انى أسئلك خشية العالمين وعلم الخائفين منك ويقين المتوكلين عليك قال الحسن معناه لا ينامون من الليل إلا قلة وربما نشطوا فمدوا الى السحر ثم أخذوا فى الاستغفار عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ينزل الله الى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول انا الملك من الذي يدعونى فاستجيب له من الذي يسالنى فاعطيه من الذي يستغفرنى فاغفر له متفق عليه وفى رواية المسلم ثم يبسط يديه ويقول من يعترض غير عدوم ولا ظلوم حتى ينفجر الفجر وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه كان إذا قام من الليل يتهجد يستغفر يقول اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق وعدك الحق بقاؤك حق وقولك حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك امنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت أنت ربنا وإليك المصير فاغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما اعلنت وما أنت اعلم به منى أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله الا أنت ولا اله غيرك متفق عليه من حديث ابن عباس وعن عبادة بن صامت قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تعار من الليل فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير وسبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم ثم قال رب اغفر لى او قال ثم دعا استجيب له فان توضأ وصلى قبلت صلوته رواه البخاري وعن عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ من الليل قال لا اله الا أنت سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك لذنبى واسألك رحمتك اللهم زدنى علما ولا تزغ قلبى بعد إذ هديتنى وهب لى من لدنك رحمة انك أنت الوهاب رواه ابو داود. وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ يعنى يعطون من أموالهم السائلين الذين يسألون الناس والمحرومين يعنى المتعففين عن السؤال الذين يحسبهم

[سورة الذاريات (51) : آية 20]

الجاهل بحالهم اغنياء من التعفف فالمحسنين يعطونهم إذا يعرفونهم بسيماهم بفقد أحوالهم كذا قال قتادة والزهري وغيرهما وقال ابن عباس وسعيد بن المسيب المحروم الذي ليس له سهم من الغنيمة ولا يجرى عليه من الفيء شىء اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن الحسن بن محمد بن الحنيفة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية فاصابوا غنما فجاء قوم بعد ما فرغوا يعنى من القسمة فاعطاهم الغانمون منها فنزلت هذه الاية وقال زيد بن اسلم المحروم هو المصاب ثمره او زرعه او نسل ماشيته كذا قال محمد بن كعب القرظي وقرأ انا لمغرمون بل نحن محرومون. وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ قال اكثر المفسرين هذه الجملة وما عطف عليه متصل بقوله تعالى انكم لفى قول مختلف وما بينهما معترضات وعندى هى معطوفة على ما سبق فى تفسير المحسنين والثناء عليهم لكن فيه وضع المظهر موضع المضمر الراجع الى المحسنين إيذانا لتحصيل الإيقان بالاستدلال والتفكر فى الآيات تقديره وفى الأرض ايت لهم فانهم إذا ذكروا بايات ربهم لم يحبروا عليها صما وعميانا بل ينظرون بأبصارهم ويتفكرون فى خلق الأرض ودحوها كالبساط وارتفاع بعضها على الماء ليسكن عليها عباد الرحمن واختلاف اجزائها فى الكيفيات والمنافع وما خلق الله فيها من المعادن والنباتات والحيوانات والعيون والأنهار ويستدلون بها على وجود الصانع الواجب وعلمه وقدرته وإرادته ووحدته وفرط رحمته وحكمته ثم ينظرون ببصائرهم ما يترشح عليها وعلى ما فيها من الله تعالى وبركات وجودها وبقائها ورحمته ويسال من فيها ما يحتاج اليه كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ.... وَفِي أَنْفُسِكُمْ عطف على فى الأرض يعنى وفى أنفسكم ايها الناس آيات لهم فان فى العلم الصغير اعنى نفس الإنسان كاين من الآيات كما فى العالم الكبير من بدو خلقه الى مماته حيث كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسيت لحما فم نفخ فيه الروح ثم يسر الله سبيله الى الخروج ثم هدى الى سبيل معاشه رضيعا وفطاما واكتساب أقواته والتغذي بالأكل والشرب ودفع الفضول بالبول والغائط وسبيل ابقاء نوعه بالنكاح والى سبيل معاده بإرسال وإنزال الكتب واظهر فيه بدائع صنعه من اختلاف الالسنة والصور والألوان والطبائع والعقول والافهام واختلاف استعداداتهم فى قبول الحق وسلوك سبيل الرشاد وصعود مدارج القرب ومعارج العرفان فينظر العارف بعض هذه الأمور بالأبصار ويقول تبارك الله احسن الخالقين وبعضها بالبصائر وينظر بالبصائر ما يتجلى على السرائر من التجليات الذاتية والصفاتية والظلالية ولا يتطرق

[سورة الذاريات (51) : آية 22]

اليه مجال المقال وعبر عنه بالحديث القدسي لا يزال عبدى يتقرب الى بالنوافل حتى أحببته فاذا أحببت كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث فيقول العارف الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا نهتدي لولا ان هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق أَفَلا تُبْصِرُونَ ايها الخراصون ما يبصره المحسنون الموقنون والفاء للعطف على محذوف تقديره أتنكرون قدرة الله على البعث فلا تبصرون وهذه الجملة معترضة. وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ قال ابن عباس ومقاتل يعنى المطر الذي سبب رزق وهذا مبنى على ما ورد فى الشرع ان المطر ينزل من السماء وقال البيضاوي قيل المراد بالسماء السحاب وبالرزق المطر وهذا مبنى على مذهب الفلاسفة وقال ايضا اسباب رزقكم او تقديره عندى ان رزقكم خطاب للمحسنين الموقنين على سبيل الالتفات من الغيبة الى الخطاب وفى السماء عطف على فى الأرض وفى أنفسكم عطف مفرد على مفرد ورزقكم بدل من الآيات وجاز ان يكون عطف جملة على جملة والمراد بالرزق اما الحظ والنصيب كما فى قوله تعالى وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ المراد بالرزق هاهنا اما الآيات الدالة على الله سبحانه من الشمس والقمر والكواكب وحركاتها وما يترتب عليها من اختلاف الفصول والمنافع والمضار بدليل ذكر الآيات فى الأرض والا نفس فان الاستدلال بها والتفكر فيها حظ المحسنين الموقنين لا غير وكذا ما يترتب على الاستدلال بها والتفكر فيها من الرحمة والبركات وما ينزل على العارف من التجليات فان كل ذلك رزق المحسنين وحظ للموقنين دون من ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة وهم يعمهون قال العارف الرومي قدس سره گر نخواهد بى بدن جان تو زيست ... فى السماء رزقكم روزى كيست واما الرزق المأكول وحينئذ يراد بالآية التنبه والاشعار بان رزقكم بيد الله مكتوب فى السماء فينبغى ان لا تطلبوا الرزق من غير الله تعالى واعبدوا الله مخلصين له الدين من غير رياء وسمعة قائلين لا نسألكم عليه اجرا ان اجرى الا على الله لا تريد منكم جزاء ولا شكورا فعلى هذا التقدير ايضا فى الاية اشارة الى تفسير المحسنين والثناء عليهم يعنى هم يتفكرون فى خلق السموات والأرض ويخلصون الله الأعمال موقنين بان رزقهم فى السماء متوكلين على الله وَما تُوعَدُونَ عطف على رزقكم قال البغوي قال عطاء وما توعدون من الثواب والعقاب وقال مجاهد من الخير والشر وقال الضحاك من الجنة والنار قلت تفاسير هؤلاء الكرام مبنى على ان الخطاب عام للمؤمنين والكافرين ولا يصح هذا التأويل الإبان يقال مكتوب فى السماء وما توعدون لان يقال كاين فى السماء وما توعدون قان الجنة فوق سبع سموات

[سورة الذاريات (51) : آية 23]

دون النار فانها تحت الأرضين السبع كما نطقت به الأحاديث وعلى ما قلت من التأويل ان الخطاب مختص بالمحسنين يصح القول بان ما توعدون من الثواب والجنة كاين فى السماء وقيل وما توعدون كلام مستانف وما موصولة او مصدرية مبتداء خبره. فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ وعلى هذا فالضمير المنصوب لما وعلى الاول يحتمل له ولما ذكر سابقا من البعث والجزاء والرزق والوعد والوعيد مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ قرأ ابو بكر وحمزة والكسائي مثل بالرفع على انه صفة لحق والباقون بالنصب على انه حال من المستكن فى لحق او وصف لمصدر محذوف يعنى انه لحق حقا مثل نطقكم وقيل انه مبنى على الفتح لاضافة الى غير متمكن وهو ما ان كانت بمعنى شىء وان مع جملتها ان كانت ما زائدة ومحله الرفع شبه الله سبحانه الرزق وغيره مما وعد واخبر به ينطق الإنسان قال البغوي ما انكم تنطقون فتقولون لا اله الا الله يعنى المراد بالنطق المنطوق والخطاب ان كان للمحسنين فمنطوقه غالبا لا اله الا الله وان كان الخطاب عاما فشبه تحقق ما اخبر عنه يتحقق نطق الآدمي كما يقال انه لحق كما أنت هاهنا وانه لحق كما أنت تتكلم والمعنى انه فى صدقه ووجوده كالذى تعرفه ضرورة وقال بعض الحكماء يعنى ان كل انسان ينطق بلسان نفسه ولا يمكنه ان يأكل رزق غيره حكى فى المدارك عن الأصمعي انه قال أقبلت من جامع البصرة فطلع علىّ أعرابي فقال ممن الرجل قلت من بنى اصمع قال من اين أقبلت أقلت من موضع يتلى فيه كلام الله الرحمن قال اتل علىّ فتلوت والذّاريات فلما بلغت قوله فى السماء رزقكم قال حسبك فقام الى ناقة فنحرها ووزعها على من اقبل وأدبر وعمد الى قوسه وسيفه فكسرهما وولى فلما حججت مع امر الرشيد طفقت أطوف فاذا انا بمن يستهنف بصوت رفيق فالتفت فاذا انا بالأعرابي فسلّم علىّ واستقرأ السورة فلما بلغت الاية صاح قال قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ثم قال وهل غير هذا فقرأت فورب السماء والأرض انه لحق فصاح فقال سبحان الله من ذا الذي اغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى إلجاؤه الى اليمين قالها ثلثا وخرجت معها نفسه يعنى مقتضى البلاغة ان يؤكد الكلام على حسب انكار المخاطب فالله سبحانه أورد الكلام بكمال المبالغة فى التأكيد حيث اقسم عليه وأكد بكلمة ان ولام التأكيد والاخبار بانه حق والتشبيه بما هو اجلى البديهيات وليس هذه الاشارة الى ان الناس كانهم فى غاية الإنكار فى تقدير الرزق الموعود كاد حين فى اكتساب ما التزم الله سبحانه على نفسه بقوله وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها غافلين عما كلفهم الله به وعلق به الثواب والعقاب الأيدي

[سورة الذاريات (51) : آية 24]

لا حول ولا قوة الا بالله. هَلْ أَتاكَ استفهام للتقرير يعنى قد أتاك والغرض منه تفخيم شان الحديث والتنبيه على انه اوحى اليه قبل ذلك حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ ضيف فى الأصل مصدر ولذا يطلق على الواحد والمتعدد قال البغوي اختلفوا فى عددهم فقال ابن عباس وعطاء كانوا ثلثة جبرئيل وميكائيل واسرافيل وقال محمد بن كعب كان جبرئيل ومعه سبعة وقال الضحاك كانوا تسعة وقال مقاتل كانوا اثنى عشر ملكا وقال السدى كانوا أحد عشر ملكا على سورة الغلمان الوضاء وجوههم الْمُكْرَمِينَ فيه اشارة الى ان ابراهيم عليه السلام أكرمهم قبل ان يعرفهم حيث خدمهم بنفسه واهله وعجل إليهم قرا هم وذلك سنة المرسلين وداب المهتدين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليحسن الى جاره وفى رواية فلا يوذ جاره ومن كان يومن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليسكت رواه احمد والشيخان فى الصحيحين والترمذي وابن ماجة من حديث ابى هريرة وفى الصحيحين من حديث ابى شريح الكعبي بلفظ من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه جايزته يوم وليلة والضيافة ثلثة ايام فما بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له ان يثوى عنده حتى يحرجه وفى الصحيحين عن عبد الله بن عمرو ان رجلا سال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اى الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وقيل سماهم مكرمين لانهم كانوا ملائكة كراما على الله تعالى قال الله تعالى بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ.... إِذْ دَخَلُوا الظرف متعلق بالحديث او الضيف او المكرمين والضمير راجع الى الضيف من حيث المعنى عَلَيْهِ اى على ابراهيم عليه السلام فَقالُوا سَلاماً اى نسلم عليك قالَ ابراهيم سَلامٌ ج اى عليكم سلام عدل الى الرفع بالابتداء لقصد الثبات حتى تكون تحية احسن من تحيتهم قال الله تعالى وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً وجملة قال سلام استيناف كانه فى جواب ماذا قال ابراهيم حين سلموا عليه قرأ حمزة والكسائي سلم بكسر السين وسكون اللام بغير الف والباقون بفتح السين واللام والف بعدها المعنى واحد قَوْمٌ مُنْكَرُونَ اى أنتم قوم منكرون لا نعرفكم قال ابن عباس قال فى نفسه هؤلاء قوم منكرون لا نعرفهم قال ابو العالية أنكر سلامهم فى ذلك الزمان فى تلك الأرض لان السلام علم الإسلام. فَراغَ اى ذهب ومال عطف على قال إِلى أَهْلِهِ مبادرة فى القرى فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ مشوى لانه كان عامة ماله البقر. فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ بان وضع بين أيديهم لياكلوا فلم يأكلوا قالَ ابراهيم أَلا تَأْكُلُونَ

[سورة الذاريات (51) : آية 28]

الهمزة للانكار ان كان بعد ما راى انهم لا يأكلون وان كان فى أول الأمر فالهمزة للعرض والحث على الاكل على طريقة الأدب. فَأَوْجَسَ يعنى أضمر مِنْهُمْ خِيفَةً ط اى خوفا لما راى اعراضهم عن طعامه عن ابن عباس انه وقع فى نفسه انهم ملائكة أرسلوا للعذاب قالُوا لا تَخَفْ ط انا رسل الله وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ يعنى اسحق عليه السلام عَلِيمٍ يكمل علمه إذا بلغ. فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ سارة فِي صَرَّةٍ اى صيحة قيل لم يكن ذلك إقبالا من مكان الى مكان وانما هو كقول القائل اقبل يشتمنى اى أخذت تصيح وعلى هذا التأويل قوله فى صرة فى محل النصب على المفعولية وان كان المراد الإقبال من مكان الى مكان فهى فى محل النصب على الحال فَصَكَّتْ وَجْهَها قال ابن عباس لطمت وجهها يعنى جمعت أصابعها فضربت وجهها كما هو عادة النساء عند التعجب إذا انكرن شيئا وقيل وجدت حرارة دم الحيض فلطمت وجهها من الحياء وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ يعنى أتلد عجوز عقيم وكانت سارة لم تلد قبل ذلك وكانت بنت تسعين سنة. قالُوا اى الملائكة كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ ط يعنى قال ربك قولا مثل ذلك الذي قلنا وانما نخبرك من الله إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ فى صنعه الْعَلِيمُ بما كان وما يكون فيكون قوله حقا وفعله محكما ولما علم ابراهيم انهم ملائكة وانهم لا ينزلون مجتمعين الا لامر عظيم. قالَ فَما خَطْبُكُمْ اى ما شانكم وفيم أرسلتم أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ يعنى قوم لوط كانوا يعملون الخبائث التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ويقطعون السبيل ويأتون فى ناديهم المنكر فارسل الله إليهم أخاهم لوطا فكفروا به وقالوا اتنا بعذاب الله ان كنت من الصادقين قال رب نجنى من القوم الظالمين وانصرني على القوم المفسدين فارسل الله إليهم الملائكة. لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ متحجر وهو السجيل-. مُسَوَّمَةً معلمة على كل واحد منها اسم من يهلك به عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ المجاوزين الحد فى الفجور قال ابن عباس يعنى للمشركين فان الشرك أسرف الذنوب وأعظمها. فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها اى فى قرى قوم لوط واضمارها مع عدم سبق ذكرها لكونها معلوما بالسياق مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بلوط عليه السلام وذلك قوله تعالى قالوا يعنى الملائكة يا لوط انا رسل ربك لن يصلوا إليك فاسر باهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد الا امرأتك انه مصيبها ما أصابهم-. فَما وَجَدْنا فِيها اى فى قرى قوم لوط غَيْرَ اهل بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

[سورة الذاريات (51) : آية 37]

يعنى لوطا وبناته وصفهم الله تعالى بالايمان والإسلام جميعا لانه ما من مؤمن الا وهو مسلم. وَتَرَكْنا فِيها آيَةً علامة لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ المعتبرين بها وهى تلك الحجارة الواقعة فى تلك القرى او صخر منضود فيها او ماء اسود منتن. وَفِي مُوسى عطف على قوله وتركنا فيها على معنى وجعلنا فى إرسال موسى اية وهذا كقوله علفتها تبنا وماء باردا يعنى وسقيتها ماء باردا وهذا اقرب وانسب مما قيل انه معطوف على قوله وفى الأرض لبعده وعدم المناسبة فى القصة إِذْ أَرْسَلْناهُ هذا الظرف متعلق بما تعلق به فى موسى يعنى جعلنا فى موسى وقت ارسالنا إياه إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ حجة ظاهرة يعنى معجزاته كالعصاء واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين وفلق البحر. فَتَوَلَّى اى اعرض فرعون عن الايمان بِرُكْنِهِ اى بجمعه وجنوده الذين كان ينضوبهم وَقالَ فرعون هواى موسى ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ قال ابو عبيدة او بمعنى الواو والظاهر انها بمعناه فانه لما راى على يديه الخوارق قال ساحر ولما سمعه يقول ما لا يدركه عقله السقيم زعم انه مجنون وبين كلاميه منافاة وقال البيضاوي كانه جعل ما ظهر منه من الخوارق منسوبا الى الجن وتردونى انه هل حصل ذلك باختياره وسعيه او بغيرهما يعنى ان كان باختياره فهو ساحر والا فهو مجنون. َخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ فاغرقناهم فى اليم هُوَ مُلِيمٌ اى ات بما يلام عليه من الكفر والعناد والتكبر والجملة حال من الضمير المنصوب فى أخذناه. وَفِي عادٍ يعنى تركنا فى إهلاك عاد اية إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ وهى التي لا خير فيها ولا بركة ولا تلقح شجرا ولا تحمل مطرا وكانت دبورا لقوله عليه الصلاة والسلام نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور. ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ يعنى جعلت الأشياء كالرماد من الرم وهى البنى؟؟؟ والتفتت. وَفِي ثَمُودَ يعنى وتركنا فى إهلاك ثمود اية إِذْ قِيلَ لَهُمْ قال لهم صالح لما عقروا لناقة تَمَتَّعُوا فى دياركم حَتَّى حِينٍ يعنى ثلثة ايام. فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ استكبروا عن امتثاله واتباع صالح والايمان به- فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ قرأ الكسائي الصعقة بإسكان العين من غير الف والباقون بالألف بعد العين والصاعقة الموت وكل عذاب مهلك وصيحة العذاب والصعق معركة شدة الصوت كذا فى القاموس اخذتهم بعد مضى الأيام الثلاثة وَهُمْ يَنْظُرُونَ اى يرون ذلك العذاب

[سورة الذاريات (51) : آية 45]

عيانا فاصبحوا فى ديارهم جاثمين. فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ للهرب بعد نزول العذاب قال قتادة لم ينهضوا من تلك الصرعة وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ اى ممتنعين منه او منتقمين منا. وَقَوْمَ نُوحٍ قرأ ابو عمر وحمزة والكسائي قوم بالجر عطفا على ثمود يعنى تركنا فى إهلاك قوم نوح اية والباقون بالنصب على انه مفعول بفعل محذوف دل عليه السياق تقديره وأهلكنا قوم نوح مِنْ قَبْلُ اى من قبل قوم لوط وفرعون وجنوده وعاد وثمود إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ خارجين عن الاستقامة بالكفر والمعاصي. وَالسَّماءَ منصوب بفعل مضمر يفسره بَنَيْناها بِأَيْدٍ اى بقوة وقدرة وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ قال ابن عباس اى قادرون ومطيقون من الوسع بمعنى الطاقة كما فى قوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها والجملة حال من فاعل بنينا وجملة والسماء عطف على وفى موسى وقال الضحاك معناه به الأغنياء كما فى قوله تعالى عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وفى رواية عن ابن عباس انا لموسعون الرزق على خلقنا وقيل معناه لموسعون السماء او ما بنينها وبين الأرض. وَالْأَرْضَ فَرَشْناها اى مهدناها ليستقروا عليها والتركيب نحو ما سبق فَنِعْمَ الْماهِدُونَ نحن. وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ صنفين قلت ليس المراد تعين تعدد التثنية بل المراد تعدد اصناف المخلوقات يعنى خلقنا من كل شىء اصناف ذات عدد فوق الواحد أدناه المثنى بل كل فرد منه ذو جهتين خير من وجه وشر من وجه معدوم بالذات واجب بالغير عاجز بالذات قادر بالغير لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ لكى تذكروا وتعلموا ان التعدد من خواص الممكنات والواجب بالذات لا يقبل التعدد والانقسام واجب وجوده لا يصادم وجوده العدم قادر لا عجز له. فَفِرُّوا من كل شىء إِلَى اللَّهِ ط بالتوجه والمحبة والاستغراق وامتثال الأوامر وكسب السعادات حتى تخلصوا من النقائص والشرور وتفوزوا بالخيرات وتصعدوا مصاعد القرب والكمال والفاء للسببية فان التذكر والتدبر فى شان الممكنات والواجب تعالى يوجب الفرار منها اليه تعالى وهذه الجملة بتقدير القول من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليرتبط بما بعده يعنى قل يا محمد ففروا الى الله إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ اى من عذابه المترتب على غضبه وهجرانه وبعده وعصيانه نَذِيرٌ مُبِينٌ بين كونه نذيرا من الله تعالى بالمعجزات او مبين ما يجب ان يحذر عنه. وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ شريكا له فى وجوب الوجود او فى استحقاق العبودية او فى كونه مقصودا لكم ومجبوبا مستغلا به إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ للتاكيدا والاول لتحذير الخواص عن مطلق التوجه والمحبة بغيره تعالى والثاني

[سورة الذاريات (51) : آية 52]

لتحذير العوام عن الشرك والمعاصي كما يدل عليه السياق يعنى ان لم تقدروا على الفرار من كل شىء حتى من أنفسكم الى الله تعالى فلا تجعلوا مع الله الها اخر فى العبادة وامتثال الأوامر. كَذلِكَ خبر مبتدا محذوف اى شانك مع قولك كذلك الشان للرسل من قبلك مع أقوامهم ولما كان فى التشبيه إبهاما فسره بقوله ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الضمير عايد الى كفار مكة والمراد بالموصول كفار الأمم السابقة مفعول لاتى وفاعله مِنْ رَسُولٍ من زائدة فى النفي للاستغراق إِلَّا قالُوا استثناء مفرغ والمستثنى فى محل النصب على الحالية من فاعل اتى او مفعوله او كليهما يعنى ما أتاهم رسول فى حال الا حال قولهم ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ خبر مبتدا محذوف والجملة مقولة- قالوا يعنى قالوا هذا ساحرا ومجنون كما يقول لك قومك وجاز ان يكون مشار اليه بذلك تكذيبهم الرسول وتسميتهم إياه ساحرا او مجنونا وجملة ما اتى علة للتشبيه. أَتَواصَوْا اى الأولون والآخرون من الكفار بِهِ بهذا القول يعنى اوصى بعضهم بعضا بهذا القول حتى قالوا جميعا والاستفهام للانكار والتوبيخ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ إضراب عن التواصي من جميعهم بهذا القول لتباعد ايامهم الى ان الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم فى الطغيان الحامل عليه وقوله كذلك الى قوله طاغون معترضات لتسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله فتول عنهم اى عن الكفار عطف على قل المقدرة يعنى قل ففروا إلخ. فَتَوَلَّ عَنْهُمْ اى اعرض عن مجادلتهم بعد ما كررت عليهم الدعوة فابوا للاصرار والعناد فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ على الاعراض بعد ما بذلت جهدك فى البلاغ واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن منيع وابن راهويه والهثيم بن كليب فى مسانيدهم من طريق مجاهد عن على رض عنه قال لما نزلت فتول عنهم فما أنت بملوم لم يبق منا أحد الا أيقن بالهلاكة إذا مر النبي - صلى الله عليه وسلم - ان يتولى عنا فنزلت. وَذَكِّرْ الاية فطابت أنفسنا واخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا انه لما نزلت فتول عنهم الاية اشتد على اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراوا ان الوحى قد انقطع وان العذاب قد حضر فانزل الله تعالى وذكر الاية كذا ذكر البغوي قول المفسرين وقوله تعالى ذكّر عطف على قوله تولّ يعنى لا تدع التذكير والموعظة فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ تعليل لقوله تعالى ذكر يعنى ان الذكر ينفع المؤمنين ويزداد لهم البصيرة وان لم ينتفع الكفار او المعنى تنفع من قدر الله إيمانه. وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ اى الا لامرهم بعبادتي وادعوهم اليه يعنى للتكليف يؤيده قوله تعالى وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً

[سورة الذاريات (51) : آية 57]

كذا ذكر البغوي قول على رض قال مجاهد الا ليعرفوا والكفار ايضا يعرفون وجوده تعالى حيث قال الله تعالى ولئن سالتهم من خلقهم ليقولن الله وقيل معناه الا ليكونوا عباد الى او ليخضعوا لى ويتذللوا ومعنى العبادة فى اللغة التذلل والانقياد وكل مخلوق من الجن والانس خاضع لقضاء الله تعالى متذلل لمشيته لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق له وقيل الا ليوحدون اما المؤمنون فيوحدون فى الشدة والرخاء اما الكافرون فيوحدونه فى الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء قال الله تعالى وإذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين قال صاحب المدارك الكفار كلهم يوحدون الله فى الاخرة قال الله تعالى ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين واشراكهم فى الدنيا وهى بعض أحيان وجودهم لا ينافى كونهم مخلوقين للتوحيد قلت والقول ما قال على رض ما سواه اقوال ضعيفة واهية والذي حملهم على ما قالوا ان ظاهر الاية يقتضى انهم خلقوا مرادا منهم الطاعة وتخلف مراد الله تعالى محال وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل ميسّر لما خلق له وقال الله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس وقال الكلبي والضحاك والسفيان هذا خاص لاهل الطاعة من الفريقين يدل عليه قراءة ابن عباس ما خلقت الجن والانس من المؤمنين الا ليعبدون وعندى تاويل الاية ما خلقت الجن والانس الا مستعدين العبادة صالحين لها نظيره قوله - صلى الله عليه وسلم - ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهود انه وينصرانه ويمجسانه كما تنتهج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول فطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله متفق عليه من حديث ابى هريرة وهذا التأويل يناسب تاويل على رض ومقتضى هذه الاية ذم الكفار لاجل اضاعتهم الفطرة السليمة هى اصل الخلقة. ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ المراد ان شانه تعالى مع عباده ليس شان السادة مع عبيدهم فانهم انما يملكونهم ليستعينوا بهم فى تحصيل رزقهم وكسب طعامهم والله تعالى منزه عن ذلك وقيل معناه ما أريد منهم ان يرزقوا أحدا من خلقى ولا ان يرزقوا أنفسهم وان يطعموا أحدا من خلقى وينافى هذا التأويل اسناد الطعام الى نفسه وأجيب بان الخلق عيال الله ومن اطعم عيال أحد فقد أطعمه كما جاء فى الحديث يقول الله يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمنى قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال اما علمت انه استطعمك عبدى فلان فلم تطعمه انك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى رواه مسلم من حديث ابى هريرة فى حديث ذكر فيه مرضت فلم تعدنى واستسقيتك فلم تسقنى قلت هذا قول بالتجوز ومع ذلك

[سورة الذاريات (51) : آية 58]

يرد عليه ان الله تعالى أراد من المؤمنين وامر الناس أجمعين بأداء زكوة أموالهم رزقا للفقراء وان يطعموا أنفسهم وأهليهم ومن وجب عليهم نفقاتهم فكيف يقال ما أريد منهم ان يرزقوا اللهم الا ان يقال المقص من إيجاب الزكوة امتثال الأمر وفعل الأداء دون الترزيق ومن هاهنا قال ابو حنيفة لا يجب الزكوة على الصبى والمجنون ولكن هذا الجواب لا يستقيم فى العشر والخراج ونفقة الآباء والأولاد والزوجات فان المقصود إيصال الرزق الى العباد ولذا تجرى فيها النيابة ويتادى بأداء ولى الصبى. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ لجميع خلقه مستغن عنه ذُو الْقُوَّةِ على الترزيق وعلى كل ما أراد الْمَتِينُ شديدة المبالغ فى القدرة قيل فى تاويل الاية ان قوله تعالى ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ إلخ من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقدر بقل يعنى قل يا محمد ما أريد منهم اى من الناس من رزق نظيره لا أسألكم عليه اجرا قال بعض المحققين قوله تعالى وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ بتقدير قل عطف على ذَكِّرْ والى قوله تعالى ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ داخل فى مقولة قل لا يقال كيف يصح ما خَلَقْتُ الْجِنَّ إلخ كلاما للرسول لانا نقول هو على طريقة قول الملك للسفير قل ان أمركم بكذا فيقول السفير بقول الملك انى أمركم بكذا وان الأمير يأمركم بكذا ومثل هذا متعارف. فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالشرك والمعاصي واضاعة الفطرة السليمة ووضع الكفران موضع العبادة التي كلفوا بها وخلقوا مستعدين لها ذَنُوباً اى نصيبا من العذاب وهو فى الأصل الدلو العظيم الذي له ذنب واستعير للنصيب أخذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء وقال الزجاج الذنوب فى اللغة النصيب مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ اى مثل نصيب نظرائهم من الأمم السابقة كعاد وثمود وفرعون وقوم نوح وقوم لوط والفاء للسببية تعليل لقوله فتول عنهم- فَلا يَسْتَعْجِلُونِ الفاء ايضا للسببية يعنى إذا سمعت وعيدي لكفار فهو يكفيك للتسلية فلا تستعجلون فى تعذيبهم وجاز ان يكون هذا خطابا بالكفار جوابا لقولهم متى هذا الوعد ان كنتم صادقين. فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يعنى يوم القيامه وقيل يوم بدر الفاء للسببية مسبب لتحقق الوعيد والله تعالى اعلم.

سورة الطور

سورة الطّور مكّيّة وهى تسع وأربعون اية وفيها ركوعان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَالطُّورِ وهو الجبل بالسريانية والمراد به طور سينين جبل بمدين سمع موسى فيها كلام الله تعالى. وَكِتابٍ مَسْطُورٍ السطر ترتيب الحروف المكتوب والمراد به مكتوب. فِي رَقٍّ الرق الجلد الذي يكتب استعير لما كتب فيه الكتاب مَنْشُورٍ لاجل التلاوة صفة لرق والظرف متعلق بمسطور وتقيد الكتاب بكونه مكتوبا فى زق منشور يابى كونه لوحا محفوظا فالمراد به اما القران او جنس ما كتب فيه الشرائع وقال الكلبي هو ما كتب الله بيده لموسى من التوراة وموسى يسمع صرير القلم ومقتضى هذا القول مناسبته وعطفه على الطور وقيل المراد به دواوين الحفظة يخرج لهم يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ هو بيت فى السماء السابعة حيال الكعبة يقال له الصراح حرمته فى السماء كحرمة الكعبة فى الأرض روى مسلم عن انس فى حديث المعراج وقال عليه السلام فى السماء السابعة فاذا انا بإبراهيم مسند أظهره الى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون الف لا يعودون اليه قال البغوي يطوفون به ويصلون فيه ثم لا يعودون اليه ابدا عمارته كثرة غاشية من الملائكة قال البيضاوي المراد به الكعبة وعمارتها بالحجاج والمجاورين او قلب المؤمن وعمارته بالمعرفة والإخلاص. وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ يعنى السماء قال الله تعالى وجعلنا السماء سقفا محفوظا. وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ فى القاموس سجر التنور حماه والنهر ملأه وقال محمد بن إسحاق والضحاك يعنى الموقد المحمى بمنزلة التنور المسجور وهو قول ابن عباس وذلك ما روى ان الله تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة نارا فيزداد بها فى نار جهنم واخرج البيهقي عن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يركبن رجل بحرا إلا غازيا او معتمرا او حاجا فان تحت البحر نارا او تحت النار بحرا وعن يعلى بن امية ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال البحر جهنم واخرج ابو الشيخ فى العظمة والبيهقي من طريق سعيد بن المسيب عن على بن ابى طالب رض قال ما رايت يهود يا اصدق من فلان زعم ان نار الله الكبرى هى البحر فاذا كان يوم القيامة جمع الله فيه الشمس والقمر والنجوم ثم بعث عليه الدبور فسعرته واخرج ابو الشيخ عن كعب فى قوله تعالى والبحر المسجور قال قال البحر يسجر فيصير نار جهنم واخرج البيهقي فى الشعب عن وهب قال إذا قامت القيامة

[سورة الطور (52) : آية 7]

امر بالفلق فيكشف عن سقر وهى غطاءها فيخرج منه نار فاذا وصلت الى البحر المطبق على شفير جهنم وهو البحر المسجور اسرع من طرفة عين وهو حاجزيين جهنم والأرضين السبع فيدعها جمرة واحدة وقال مجاهد والكلبي المسجور المملو ويقال سجرت الإناء إذا ملاته وقال الحسن وقتادة وابو العالية هو اليابس الذي قد ذهب ماءه وقال الربيع بن انس المختلط العذب بالملح وروى الضحاك عن النزال بن سيرة عن على رض انه قال فى البحر المسجور وهو بحر تحت العرش عمقه كما بين سبع سموات الى سبع ارضين فيه ماء غليظ يقال له بحر الحيوان يمطر العباد بعد النفخة الاولى منه أربعون صباحا فينبتون فى قبورهم وهذا قول مقاتل اقسم الله تعالى بهذه الأشياء وجواب القسم. إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ بالكفار. ما لَهُ مِنْ دافِعٍ يدفعه الجملة صفة الواقع قال جبير بن مطعم قدمت المدينة لا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أسارى بدر فدفعت اليه وهو يصلى بأصحابه المغرب وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ والطور الى قوله ان عذاب ربك لواقع ماله من دافع فكانما صدع قلبى حين سمعته ولم أكن اسلم يومئذ قال فاسلمت خوفا من نزول العذاب وما كنت أظن الا ان أقوم من مكانى حتى يقع بي العذاب. يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً اى تدور كدور ان الرحى وتنكفا باهلها تكفاء السفينة وقال قتادة تتحرك وقال عطاء الخراسانى تختلف اجزاءها بعضها فى بعض وقيل تضطرب وكل ذلك جاء معانى مور فى اللغة الذهاب المجيء والتردد والدوران والاضطراب كذا فى القاموس وهذه الاية تدل على ان السماء غير متحرك كالارض والجبال خلافا للفلاسفة والظرف متعلق لواقع. وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً عطف على تمور يعنى تسير عن وجه الأرض فتصير هباء. فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ اى إذا وقع ذلك الفاء للسببية فان وقوع العذاب الغير المدفوع سبب للويل لِلْمُكَذِّبِينَ بالعذاب. الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ غافلين لاهين. يَوْمَ يُدَعُّونَ بدل من يوم تمور الى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا اى دفعا بعنف وجفوة وذلك ان خزنة جهنم يغسلون أيديهم الى أعناقهم ويجمعون نواصيهم الى أقدامهم تم يدفعون الى النار دفعا على وجوههم ويزعجون إزعاجا حتى إذا دنوا منها يقول لهم خزنتها. هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ وجاز ان يكون يوم يدعون ظرفا ليقول مقدر هاهنا وهذه الجملة بتقدير يقول لهم حال من المكذبين. أَفَسِحْرٌ هذا عطف على هذه النار التي كنتم بها تكذبون والاستفهام للانكار والتوبيخ والفاء للتعقيب

[سورة الطور (52) : آية 16]

والمعنى اى يتعقب مشاهدة النار كونها سحرا يعنى كنتم تقولون للوحى وما يشهد من المعجزات هذا سحر وهذا مصداقه فلو كان ذلك سحرا فهذا ايضا سحر على زعمكم وتقديم الخبر لانه المقصر بالإنكار والتوبيخ- أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ هذه النار كما كنتم لا تبصرون ما يدل عليه فى الدنيا وتقولون انما سكرت أبصارنا وهذا الكلام نهيكم بهم. اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا ج كلمة او للتسوية والجملتان بتقدير مستويا لكم صبركم وعدمه حال من الضمير المستكن فى اصلوها- سَواءٌ عَلَيْكُمْ ط سواء مصدر بمعنى الفاعل خبر مبتداء محذوف الأمر ان مستويان عليكم والجملة تأكيد لما سبق إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تعليل للاستواء فانه لما كان جزاء الكفر واجب الوقوع بايجاب الله تعالى ووعيده كان الصبر وعدمه سيئان فى عدم النفع. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ وتنكيرهما للتعظيم يعنى جنات عظيم ونعيم فخيمه. فاكِهِينَ ناعمين متلذذين حال من الضمير فى الظرف بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إيهام ما اتهم واسناده الى ربهم للتفخيم والتعظيم يعنى ناعمين بشىء عظيم او بالذي هو عظيم الشان اتهم أكرم الأكرمين وأعظم العظماء وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ عطف على أتاهم ان جعل ما مصدرية او على فى جنات او حال من فاعل اتى او من مفعوله او كليهما. كُلُوا وَاشْرَبُوا بتقدير يقال لهم خبر بعد خبر لان او حال من المستكن فى الظرف او الحال هَنِيئاً اى أكلا وشربا هنيئا او طعاما وشرابا هنيا والهنيء ما لا يلحق فيه مشقة ولا يعقبه خامة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى بسببه او مقابلته وقيل الباء زائدة وما فاعل لهنيأ والمعنى هنيئكم هنيا ما كنتم تعملون اى جزاؤه وحينئذ هنيئا جملة معطوفة على كلوا مقولة قال المقدر. مُتَّكِئِينَ حال من المستكن فى الظرف اى فى جنات او فى فاكهين او من الضمير فى كلوا واشربوا على التنازع عَلى سُرُرٍ متعلق بمتكئين مَصْفُوفَةٍ اى مصطفة- وَزَوَّجْناهُمْ عطف على خبران او على ان والماضي فى معنى المستقبل بِحُورٍ عِينٍ الباء للالصاق فان فى التزويج معنى الوصل او للسببية يعنى صيرناهم أزواجا بسببهن. وَالَّذِينَ آمَنُوا مبتداء وَاتَّبَعَتْهُمْ قرأ ابو عمرو اتبعناهم بقطع الالف واسكان التاء والعين من الافعال وضمير المتكلم مع الغير تعظيما والباقون بوصل الالف وفتح التاء والعين من الافتعال وتاء التأنيث الساكنة ذُرِّيَّتُهُمْ قرأ ابو عمرو ابن عامر ويعقوب ذرياتهم للمبالغة فى كثرتهم

فكسر ابو عمرو التاء منصوبا على انه مفعول ثان لاتبعناهم وضم ابن عامر ويعقوب مرفوعا على الفاعلية وقرأ الباقون ذريتهم بالتوحيد مرفوعا على الفاعلية والذرية يقع على الواحد والكثير بِإِيمانٍ حال من الضمير المنصوب او من الذرية او منهما وتنكيره للاشعار بانه يكفى للالحاق المتابعة فى اصل الايمان بل يكفيه الايمان الحكمي كايمان الصغر والجنون تبعا لغير الأبوين دينا أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ قرأ نافع وابو عمرو وابن عامر ذرياتهم بالجمع وكسر التاء والباقون بالتوحيد وفتح التاء عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله يرفع ذرية المؤمنين فى درجة وان كانوا دوية؟؟؟ فى العمل ليقربهم عينه ثم قرأ هذه الاية رواه الحاكم والبيهقي فى سننه والبزاز وابو نعيم فى الحلية وابن المنذر وابن جرير وابن ابى حاتم وعن على رض قال سالت خديجة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ولدين لها ماتا فى الجاهلية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هما فى النار فلما راى الكراهة فى وجهها قال لو رأيت مكانها لا بغضتها قالت يا رسول الله فولدى منك قال فى الجنة ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان المؤمنين وأولادهم فى الجنة وان المشركين وأولادهم فى النار ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذين أمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم رواه عبد الله بن احمد فى زوايد المسند وفيه مجهول وانقطاع- (فصل) هذا الحديث يدل على ان أطفال المشركين فى النار والصحيح انهم فى الجنة وهذا الحديث ضعيف فيه مجهول وانقطاع وكذا ما روى احمد عن عايشة انها ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أطفال المشركين فقال ان شئت أسمعتك تصاعدهم فى النار سنده ضعيف جدا وقيل هذا الحديث منسوخ فى حق أطفال المشركين لما روى ابن عبد البر بسند ضعيف عن عائشة قالت سالت خديجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المشركين فقال هم من ابائهم ثم سالت بعد ذلك فقال الله اعلم بما كانوا عالمين ثم سالته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت ولا تزر وازرة وزر اخرى فقال هم على الفطرة او قال فى الجنة وما روى ابن ابى شيبة عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سالت ربى اللاهين من ذريات البشر فاعطانيهم قال ابن عبد البرهم الأطفال لان أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقل ولا عزم واخرج ابن جرير عن سمرة قال سالنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أطفال المشركين فقال هم خدم اهل الجنة واخرج مثله عن ابن مسعود موقوفا وكذا روى الطيالسي عن انس مرفوعا معناه وقال بعض العلماء أطفال المشركين يمتحنون لانه سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أطفال المشركين فقال الله اعلم

[سورة الطور (52) : آية 22]

بما كانوا عاملين متفق عليه من حديث ابى هريرة والله اعلم وَما أَلَتْناهُمْ قرأ ابن كثير بكسر اللام من باب سمع يسمع والباقون بفتح اللام من ضرب يضرب وكلاهما لغتان فى ألت يالت يعنى ما نقصنا الآباء مِنْ عَمَلِهِمْ من للتبعيض اى بعض ثواب أعمالهم مِنْ شَيْءٍ ط من زائدة وشىء فى محل النصب على انه مفعول ثانى لالتنا ومن عملهم خال عنه قدم عليه لتنكيره يعنى لا ينقص ثواب الآباء بإعطاء الأبناء فى إلحاقهم بهم والجملة معطوفة على الحقنا ولما كان هاهنا مظنة سوال السائل يسئل ان هذا شان من أمن واتبعه ذريته بايمان فما شان من كسب سيئة قال الله تعالى كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ قال مقاتل كل امرئ كافر بما عمل من الشرك مرتهن محبوس فى النار لا يجاوز جزاء السيئة ممن كسب الى غيره فلا يلحق بالكافر والفاسق ذريته من غير ان يعملوا. وَأَمْدَدْناهُمْ عطف على زوجناهم يعنى زدناهم يعنى المتقين وقتا بعد وقت بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ من انواع التنعم. يَتَنازَعُونَ من النزع يعنى الاخذ من يد الغير والتفاعل هاهنا بمعنى المجرد من عاقبت اللص وترافعنا الى القاضي وجعلنا من المزيد فيه للدلالة من الكثرة يعنى ينزعون الى اهل الجنة من يد الساقي فِيها اى فى الجنة كَأْساً الكأس الإناء بما فيها من الشراب ويسمى كل واحد منهما بانفراده كاسا يقال كاس حال وقال شربت كاسا والمراد هاهنا كاس مملو من شراب لا لَغْوٌ وهو الباطل قال قتادة وقال مقاتل بن حيان لا فضول فِيها وقال سعيد بن المسيب لا رفث فيها وقال ابن زيد لاسباب ولا تخاصم فيها وقال القتيبي لا يذهب عقولهم فيلغوا ويرفثوا وَلا تَأْثِيمٌ قال الزجاج لا يجرى بينهم ما يلغى ولا ما فيه اثم كما يجرى فى الدنيا بشرب الخمر وقيل لا يأثمون فى شربها قرأ ابن كثير وابو عمرو لا لغو ولا تأثيم بالفتح فيها أعمالا للاو الباقون بالرفع فيهما الفاء لعمل لا لاجل لتكرير. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ لاجل الخدمة غِلْمانٌ لَهُمْ اى مماليك مخصوص بهم اخرج ابن ابى الدنيا عن انس رض قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان أسفل اهل الجنة أجمعين درجة من يقوم على راسه عشرة آلاف خادم واخرج ابن ابى الدنيا عن ابى هريرة ان ادنى اهل الجنة منزلة وليس فيها دنى من تغدو ويروح عليه خمسة آلاف خادم ليس منهم خادم الا ومعه ظرف ليس مع صاحبه كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ مستور فى الصدف شبهوا باللؤلؤ فى بياضهم وصفائهم وحسنهم قال البغوي روى عن الحسن انه تلا هذه الاية وقال قالوا يا رسول الله الخادم كاللؤلؤ فكيف المخدوم

[سورة الطور (52) : آية 25]

وعن قتادة ايضا ذكر لنا ان رجلا قال يا نبى الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الخادم فكيف المخدوم قال فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على ساير الكواكب واخرج عبد الرزاق وابن جرير فى تفسيرهما من مرسل قتادة نحوه. وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ يعنى يسال بعضهم بعضا عن أحواله واعماله فى الدنيا قال ابن عباس يتذاكرون ما كانوا فيه من التعب والخوف فى الدنيا واقبل صيغة ماض بمعنى المستقبل حال بتقدير قد من الضمير المجرور فى يطوف عليهم. قالُوا يعنى يقولون جملة مستانفة كانها فى جواب- ماذا يقول المسئولون إِنَّا كُنَّا قَبْلُ اى قبل هذا فى الدنيا فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ اى خائفين من عذاب الله. فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بالتوفيق والمغفرة والرحمة وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ اى عذاب النار النافذة فى المسام نفوذ السموم وقال الحسن السموم اسم من اسماء جهنم. إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ اى قبل ذلك فى الدنيا نَدْعُوهُ ط نعبده اى الله تعالى ونساله الوقاية إِنَّهُ قرأ نافع والكسائي بفتح الهمزة يعنى ندعوه بانه والباقون بالكسر على الاستيناف هُوَ الْبَرُّ اى المحسن وقال ابن عباس اللطيف وقال الضحاك الصادق فيما وعد الرَّحِيمُ الكثير الرحمة. فَذَكِّرْ الفاء للسببية فان تحقيق الوعد والوعيد من الله تعالى باعث على التذكير والموعظة فَما أَنْتَ الفاء للتعليل يعنى ذكر الناس لانك نبى من الله ولست بِنِعْمَةِ رَبِّكَ اى متلبسا بنعمة ربك حال من الضمير المرفوع فان قوله ما أنت بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ فى معنى انتفى كونك كاهنا او مجنونا والمراد بنعمة ربك النبوة والعقل السليم يعنى نبوتك ودينك يتلقى الكهانة وعقلك السليم البالغ ينافى الجنون والاية نزلت فى الذين اقتسموا أعقاب مكة يرمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكهانة والسحر والجنون والشعر اخرج ابن جرير عن ابن عباس ان قريشا اجتمعوا فى دار الندوة فى امر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قائل منهم احبسوه فى اوثاق ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء ما زهير والنابغة فانما هو كاحدهم فانزل الله تعالى. أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ صفة شاعر او خبر بعد خبر لمبتداء محذوف اى هو منتظر به رَيْبَ الْمَنُونِ اى ما يتعلق النفوس من حوادث الدهر او حوادث الموت يعنى الحوادث التي يقضى الى الموت قالت الكفار انه يموت ويهلك كما هلك من قبله من الشعراء ويتفرق أصحابه وان أباه مات شابا ونحن نرجو ان يكون موته موت أبيه او المنون مفعول من منه إذا قطعه يكون بمعنى الدهر وبمعنى الموت سميا بذلك لانهما

[سورة الطور (52) : آية 31]

تقطعان الاجل.. قُلْ يا محمد تَرَبَّصُوا هلاكى فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ ط حتى يأتي امر الله فيكم فتعذبوا بالسيف يوم البدر. أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ اى عقولهم بِهذا التناقض فى القول فان الكاهن يكون ذا فطانة ودقة نظر والمجنون مغطى عقله والشاعر ذا كلام موزون منتسق بليغ متخيل ولا يتاقى ذلك من المجنون وذلك ان عظماء قريش كانوا يوصفون بأحلامهم فازرى الله بعقولهم حتى قال انهم لا يتميزون بين الفطان والمجنون ولا يعرفون الحق من الباطل أَمْ هُمْ يعنى بل هم قَوْمٌ طاغُونَ مجاوزون الحد فى العناد فانهم إذا لا يجدون سبيلا الى الإنكار فى القران والنبي - صلى الله عليه وسلم - بظهور الحجة وسطوع البرهان يقولون فيه قولا اخر مناقضا للاول. أَمْ اى بل يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ج اى القران تقوله محمد - صلى الله عليه وسلم - يعنى اختلقه من تلقاء نفسه وليس من عند الله وليس الأمر كذلك بَلْ لا يُؤْمِنُونَ ج بالقران عنادا او استكبارا فيرمون بهذه المطاعن كذبا. فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ اى مثل القران فى البلاغة واخبار الغيب إِنْ كانُوا صادِقِينَ ط فيما قالوا انه كاهن او مجنون او شاعر تقوله إذ فيهم كثير من الكهنة والمجانين والشعراء فهو رد للاقوال الثلاثة المذكورة بالتحدي ويجوز ان يكون ردا للتقول فقط فان ساير الأقوال ظاهر الفساد وهذا شرط مستغن عن الجزاء. أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ قال ابن عباس يعنى من غير رب خلقهم وذلك محال فان الحادث الذي لم يكن موجودا قبل ذلك لا يتصور وجوده من غير موجد وقيل معناه أم خلقوا من أجل لا شىء من العبادة والمجازاة يعنى خلقوا عبثا وتركوا سدى لا يومرون ولا ينهون كذا قال ابن كيسان والزجاج أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ط لانفسهم وذلك فى البطلان اظهر من ان يخلقوا من غير شىء وهذه الجملة يؤيد التأويل الاول لما قبلها ولذلك عقبه بقوله. أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ بما يجب به الإيقان ويدل عليه البرهان من ان الله خلقهم وخلق السموات والأرض ولو أيقنوا به لما اعرضوا من عبادته. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ اى خزائن رزقه فيرزقوا النبوة من يشاء او خزائن علمه فيعلمون من هو أحق بالنبوة من غيره وبقضية الحكمة أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ط المسلطون القاهرون على الأشياء يجعلونها على حسب مشيتهم ولا يكونوا تحت امر ونهى قرأ قتيل وحفص بخلاف عنه وهشام بالسين وحمزة بخلاف عن خلاد بين الصاد والزاء والباقون بالصاد خالصة. أَمْ لَهُمْ

[سورة الطور (52) : آية 39]

سُلَّمٌ مر تقى الى السماء يَسْتَمِعُونَ صاعدين فِيهِ اى كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كاين او يعلموا ما هو حق من الله تعالى فيستمسكون به ولا يتبعوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فان ادعو ذلك فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ط اى بحجة واضحة يصدق استماعه. أَمْ لَهُ الْبَناتُ اى لله تعالى بنات كما يقولون الملائكة بنات الله وَلَكُمُ ايها الناس- الْبَنُونَ ط فيه تسفيه لهم واشعار بان من هذا رايه لا يعد من العقلاء فضلا ممن يرتقى بروحه الى عالم الملكوت فيطلع على الغيب. أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً على تبليغ الرسالة فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ اى من التزام غرم مُثْقَلُونَ ط فلذلك لا يتبعونك مع ظهور الداعي الى الاتباع. أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ قال ابن عباس المراد منه اللوح المحفوظ المثبت فيه المغيبات فَهُمْ يَكْتُبُونَ ط منه وقيل معناه عندهم علم ما غاب عنهم حتى علموا ان ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من البعث وامر القيامة والثواب والعقاب مع كونه ممكنا فى نفسه واجبا تبوته بالبرهان باطل غير واقع وقال قتادة هذا جواب لقولهم نتربّص به ريب المنون يعنى أعندهم علم الغيب بان محمدا صلى الله عليه وسلم يموت قبلهم ولا يبقى له اثر ومعنى قوله فهم يكتبون اى يحكمون والكتاب الحكم كذا قال القعنبي. أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً ط بك ليهلكوك وهو كيدهم فى دار الندوة قال الله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ يعنى يحيق بهم الكيد أو يعود إليهم وبال كيدهم وجزاؤه وهو قتلهم يوم بدر وعذابهم بالنار فى الاخرة وضع الموصول موضع الضمير للتسجيل على كفرهم والدلالة على انه هو الموجب للحكم المذكور. أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ ط يمنعهم من عذاب الله وينصرهم ويرزقهم سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ عن اشراكهم او عن شركة ما يشركون قال به الخليل ما فى هذه الصورة من أم كله استفهام يعنى الإنكار وليس بعطف. وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً اى قطعة مِنَ السَّماءِ ساقِطاً هذا جواب لقولهم فاسقط علينا كسفا من السماء يَقُولُوا هذا سَحابٌ مَرْكُومٌ تراكم بعضها على بعض كما ان عادا لما رأو عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا يعنى لو عذبناهم بإسقاط بعض من السماء عليهم لم ينتهوا عن كفرهم حتى يهلكوا لكن الحكمة لا يقتضى استيصالهم. فَذَرْهُمْ ولا تسال نزول العذاب عليهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ اى يوم عذابهم

[سورة الطور (52) : آية 46]

الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ قرأ عاصم وابن عامر بضم الياء على البناء للمفعول اى يوم يهلكهم الله تعالى من الصعق والباقون بفتح الياء على البناء للفاعل من صعق يصعق اى يوم يموتون قال البيضاوي هو عند النفخة الاولى- قلت هذا ليس بشىء فانه جعل غاية لقوله ذرهم وذا لا يتصور الا ان يراد يوم يموتون. يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إغناء وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ط يمنعون من عذاب الله يوم لا يغنى بدل من يومهم. وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يحتمل العموم والخصوص- عَذاباً فى الدنيا دُونَ ذلِكَ اى قبل ذلك اليوم يوم موتهم قال ابن عباس يعنى القتل يوم بدر وقال مجاهد الجوع والقحط سبع سنين وقال البراء بن عازب يعنى عذاب القبر قلت هذا على تقدير ان يراد بيومهم الذي فيه يصعقون يوم نفخة الصعق وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ذلك. وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ بامهالهم وابقائك فى عنائهم وقيل معناه واصبر الى ان يقع بهم العذاب الذي حكمنا عليهم فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا قال الزجاج يعنى انك بحيث نراك ونحفظك فلا يصلون إليك بمكروه والحاصل انك بحفظنا وجمع العين لجمع الضمير وجمع الضمير للتعظيم او يقال جمع العين للمبالغة والدلالة على كثرة اسباب الحفظ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ عطف على واصبر حِينَ تَقُومُ قال سعيد بن جبير وعطاء اى قل حين تقوم من مجلسك سبحانك اللهم وبحمدك فان كان المجلس خيرا ازدادت خيرا وان كان غير ذلك كان كفارة له عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا أنت استغفرك وأتوب إليك كان كفارة لما بينهما رواه البغوي ورواه الترمذي والبيهقي فى الدعوات الكبير الا غفر له ما كان فى مجلسه وعن رافع بن خديج قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بآخر عمره إذا اجتمع اليه أصحابه فاراد ان ينهض قال سبحان الله وبحمدك اشهد ان لا اله الا أنت استغفرك وأتوب إليك عملت سوأ او ظلمت نفسى فاغفر لى انه لا يغفر الذنوب الا أنت استغفرك وأتوب إليك عملت سوء قال قلنا يا رسول الله ان هذه كلمات احدثتهن قال أجل جاءنى جبرئيل فقال يا محمد هن كفارات المجلس رواه النسائي واللفظ له وصححه الحاكم وأخرجه الطبراني فى المعاجم الثلاثة مختصرا بسند جيد وعن عبد الله ابن عمر بن العاص انه قال كلمات لا يتكلم بها أحد فى مجلس خبر ومجلس ذكر إلا ختم له بهن كما يتختم بالخاتم على الصحيفة سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا أنت استغفرك وأتوب إليك رواه ابو داود

[سورة الطور (52) : آية 49]

وابن حبان فى صحيحه وعن ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم الا كانت عليهم ترة ان شاء عذبهم وان شاء غفر لهم رواه ابو داود والترمذي وحسنه واللفظ له وابن ابى الدنيا والبيهقي وفى رواية ابى داود ومن قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليهم من الله ترة ومن اضطجع مضطجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة وما مشى أجد مشى لا يذكر الله فيه الا كان عليه ترة وقال ابن عباس معنى الاية صل الله حين تقوم من منامك وقال الضحاك والربيع إذا قمت الى الصلاة فقل سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك رواه ابو داود والترمذي ورواه ابن ماجة عن ابى سعيد وقال الترمذي هذا الحديث لا نعرفه الا من حارثة وقد تكلم فيه من قبل حفظه وقال الكلبي المراد بالآية الذكر باللسان حين تقوم من الفراش الى ان تدخل فى الصلاة عن عاصم بن حميد سالت عائشة باى شىء كان يفتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل قالت كان إذا قام كبر الله عشرا وحمد الله عشرا وسبح الله عشرا واستغفر عشرا وقال اللهم اغفر لى واهدني وارزقني وعافنى ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة رواه البغوي ورواه ابو داود عن شريق الهوزلى عن عائشة بلفظ كان إذا ذهب من الليل كبر عشرا وحمد الله عشرا وقال سبحان الله وبحمده عشرا وقال سبحان الملك القدوس عشرا واستغفر عشرا وهلل عشرا ثم قال اللهم انى أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشرا. وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ اى صل له قال مقاتل يعنى صلوة المغرب والعشاء قلت والظاهر انه صلوة التهجد خص صلوة الليل بالذكر لان العبادة فى الليل أشق على النفس وابعد عن الريا ولذلك قدم الظرف على الفعل- وَإِدْبارَ النُّجُومِ ع يعنى إذا أدبرت النجوم وغابت بطلوع الصبح وقال الضحاك المراد به صلوة الفجر وقال اكثر المفسرين المراد به ركعتان قبل صلوة الفجر عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها رواه المسلم وعنها قالت لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أشد تعاهدا منه على ركعتا الفجر متفق عليه وعن جبير بن مطعم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ فى المغرب بالطور رواه البغوي.

سورة النجم

سورة النّجم مكّيّة وهى اثنان وستّون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى قال ابن عباس فى رواية الوالبي والعوفى يعنى الثريا إذ أسقطت وهويه مغيبه والعرب يسمى الثريا نجما وجاء فى الحديث عن ابى هريرة مرفوعا ما طلع النجم قط وفى الأرض من العاهة شىء الا رفع وأراد بالنجم الثريا ذكره البغوي ورواه احمد بلفظ ما طلع النجم صباحا قط ويقوم عاهة الا ورفعت عنهم او خفت وسنده ضعيف- وقال مجاهد نجوم السماء كلها حين تغرب واللام للجنس سمى الكواكب نجما بطلوعه وكل طالع نجم يقال نجم السن والقران والسنة وروى عن عكرمة عن ابن عباس انه الرجوم من النجوم يعنى ما يرمى به الشياطين عن استراقهم السمع وقال ابو حمزة الثمالي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة وقال ابن عباس فى رواية عطاء المراد بالنجم القران فسمى نجما لانها نزلت نجوما متفرقة فى ثلثة وعشرين سنة يسمى التفريق تنجيما والمفرق منجما وقال الكلبي الهوى النزول من أعلى الى أسفل وقال الأخفش النجم هو النبت الذي لا ساق له ومنه قوله تعالى والنجم والشجر يسجد ان وهويه سقوط على الأرض وقال جعفر الصادق رض يعنى محمدا - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل من السماء ليلة المعراج والهوى النزول وقيل المراد بالنجم المسلم وبهويه دفنه فى القبر والظرف لا يجوز ان يكون متعلقا بفعل قسم مقدر لان القسم لا يتعدى بذلك الوقت ولا ان يكون الظرف صفة منجم لانه جثة وظرف الزمان لا يكون صفة للجثه بل هو متعلق بحدث مقدر مضاف الى النجم تقديره وتحرك النجم إذا هوى وقيل إذا هاهنا اسم وليس بظرف وهو بدل اشتمال من النجم مقسم به ووجه تعين هذا الوقت للقسم ان وقت الهوى أفضل اوقات النجم لانه ان كان المراد بالنجم الثريا او مطلق النجم فان أريد بهواه سقوط شعلة منه لرجم الشياطين- فلا شك ان رجم الشياطين مقصود من خلقة النجوم وان أريد به انتشاره يوم القيامة فذلك وقت إتمام المقاصد التي قصد بالنجوم وان أريد به غروبه فغروبه أوضح دليل على إمكانه ووجود صانعه ولذا استدل الخليل عليه السلام بالأفول من الكواكب والقمر والشمس حيث قال فلما أفل لا أحب الآفلين وان أريد به نجم القران وبهويه نزوله او بالنجم محمد - صلى الله عليه وسلم - وبهويه نزوله من السماء ليلة المعراج فلا شك ان نزول القران لهداية الناس ونزول محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد عروجه لهداية الخلق نعمة جليلة من الله تعالى لا نطير لهما وان أريد بالنجم المسلم

[سورة النجم (53) : آية 2]

وبهويه دفنه فى القبر فلا شك ان دفن المسلم مع إيمانه سالما عن تسويلات النفس والشيطان غانما بنعمة الايمان والأعمال الصالحة وقت كماله وزوال حظر زواله والله تعالى اعلم وجواب القسم. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ محمد - صلى الله عليه وسلم - عن طريق الهدى وَما غَوى ج فى اتباع طريق الباطل قيل الضلال ضد الهداية والغى ضد الرشد يعنى هو مهتد راشد وليس كما تزعمون يا معشر قريش وتنسبونه الى الضلال والغى. وَما يَنْطِقُ بالقران ولا بغيره عطف على ما ضل عَنِ الْهَوى ط صفة لمصدر محذوف يعنى نطقا ناشيئا عن الهوى يعنى لم يتقول القران من تلقاء نفسه كما يتقول الشعراء وكذا كل ما يتكلم ليس منشاؤه الهوى النفسانية بل مستند الى الوحى جلى او خفى وان كان باجتهاد مامور من الله تعالى مقرر من الله عليه فهو ليس عن الهوى البتة. إِنْ هُوَ الضمير راجع الى القران المعهود فى الدهن والمدلول فيما سبق من الكلام إِلَّا وَحْيٌ يُوحى فليس فى هذه الاية ما يدل على انه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يتكلم بالاجتهاد والجملة تعليل بقوله ما ينطق. عَلَّمَهُ يعنى محمدا - صلى الله عليه وسلم - الضمير المنصوب مفعول أول لعلم والقران او ما يوحى اليه عليه السلام مطلقا من حيث انه اسم لكلام تام قايم مقام مفعولية الثاني والثالث وفاعله شَدِيدُ الْقُوى جمع قوة والمراد به الله سبحانه القوى المتين. ذُو مِرَّةٍ المرة القوة الشدة والاصالة والاحكام كذا فى القاموس والله سبحانه شديد البطش يحكم اصل كل شىء وجملة علمه مع ما عطف عليه حال من الضمير المستكن فى يوحى او صفة بعد صفة فَاسْتَوى عطف على علمه والاستواء من المتشابهات قال السلف فى قوله تعالى الرحمن على العرش استوى ان الاستواء معلوم بلا كيف وقال سهيل بن عبد الله التستري لا يجوز لمومن ان يقول كيف الاستواء لمن خلق الاستواء ولنا عليه الرضا والتسليم وقال مالك بن انس الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والسؤال عنه بدعة وحاصل الاية انه كان لله تعالى إذا علم محمدا - صلى الله عليه وسلم - نسبته به عليه السلام مجهول الكيفية كنسبته مع العرش المجيد والكعبة الحسناء وقد تظهر تلك النسبة للصوفية الكرام وتظهر على وجه أكمل منه يوم يرونه كما يرون القمر ليلة البدر. وَهُوَ يعنى محمدا - صلى الله عليه وسلم - بِالْأُفُقِ الْأَعْلى يعنى كان محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا يوحى اليه فى كمال رفعة استعداده وعلو مرتبته والأفق الناحية على منتهى دايرة الإمكان حيث يكون وراء ذلك دايرة الوجوب التي لا يتصور هناك للسالك سير قدمى والجملة حال من الضمير المنصوب فى علمه. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى

[سورة النجم (53) : آية 10]

بحذف المضافين ان كان مقدار قربه قاب قوسين او ادنى وجملة ثم دنى عطف على علمه قال البغوي روينافى قصة المعراج عن شريك بن عبد الله بن انس ودنى الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه - صلى الله عليه وسلم - قاب قوسين او ادنى قال الشيخ محمد حيات السندي فى رسالته هذا حديث غريب ومثله عن ابن عباس رواه ابو سلمة عنه واو هاهنا ليس للشك بل بمعنى بل كما فى قوله تعالى وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ يعنى بل يزيدون قالت الصوفية العلية المراد بقوسين قوس الوجوب وقوس الإمكان فالصوفى فى مرتبة دنوه قاب قوسين يبقى فى نظره مرتبتى الوجوب والإمكان كلتيهما وفى دنوه أدنى من قوسين يستر عن بصيرته قوس الإمكان مطلقا لا يرى نفسه عينا ولا اثرا والقاب والقيبة والقاد والقيد عبارة عن المقدار وهاهنا كناية عن كمال القرب وأصله ان الحليفين من العرب كانا إذا أراد عقد الصفا والعهد خرجا بقوسيهما وألصقا بينهما يريدان بذلك انهما متظاهران يحامى كل واحد منهما عن صاحبه ومراتب الدنو والتدلي وما كنى بقاب قوسين او بما هو ادنى منه درجات قرب للعهد من الله تعالى فى تجلياته سبحانه يدركه الصوفي ومن لم يذق لم يدر وقد ذكروا هذه الدرجات فى كتب التصوف فى كلماتهم اكثر مما تحصى وقال الضحاك معناه دنى محمد من ربه فتدلى يعنى فاهوى للسجود وهذا يستلزم انتشار الضمائر. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ يعنى محمدا - صلى الله عليه وسلم - ما أَوْحى ط من القران وغيره من الوحى الغير المتلو وضمائر اوحى وعبده واوحى راجعة الى شديد القوى وهذا التفسير مروى عن انس وابن عباس وغيرهما من السلف ولا غبار عليه من حيث العربية وقالت عائشة رض واختاره اكثر المفسرين ان المراد بشديد القوى جبرئيل عليه السلام ذو مرة قال ابن عباس فى رواية اى ذو منظر حسن وقال قتادة وخلق طويل حسن فاستوى جبرئيل وهو يعنى محمد صلى الله عليه وسلم عطف على الضمير المرفوع المستتر فى استوى على ما اجازه الكوفيون قال البغوي استوى جبرئيل ومحمد عليهما السلام ليلة المعراج وقيل ضمير هو راجع الى جبرئيل كان يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين فساله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان يره نفسه على صورة التي خلقها فاراه مرتين فى الأرض ومرة فى السماء فاما فى الأرض ففى الأفق الأعلى والمراد بالأعلى جانب المشرق وذلك ان محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان بحراء فطلع له جبرئيل من المشرق فسد الأفق الى المغرب فخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغشيا عليه فنزل جبرئيل فى صورة الآدميين وضمه - صلى الله عليه وسلم - الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه واما فى السماء فعند سدرة المنتهى ليلة المعراج ولم يره أحد من

الأنبياء على تلك الصورة الا محمد - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى ثُمَّ دَنا يعنى جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فتدلى فنزل الى محمد - صلى الله عليه وسلم - لما خرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغشيا عليه فكان منه قاب قوسين او ادنى يعنى بل ادنى والقوس ما يرمى به فى قول مجاهد وعكرمة وعطاء عن ابن عباس فاخبر انه كان بين جبرئيل وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - مقدار قوسين قال معناه حيث الوتر من القوس وقال ابن مسعود قاب قوسين قدر ذرا عين وهو قول سعيد بن جبير وشفيق بن سلمة والقوس الذراع يقاس بها كل شىء كذا روى البخاري فى تاويل الاية عن عائشة رض وقال البغوي وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة قيل فى الكلام تقديم وتأخير تقديره ثم تدلى فدنى لان التدلي سبب الدنو والظاهر ان الدنو أعم مطلقا عن التدلي فان الدنو لا يقتضى وصول الشيء الى منتهى مسافة يريد قطعها الى تحت بخلاف التدلي فانه ماخوذ من الدلو فان التدلي وصول الدلو الى قعر البير وايضا يعتبر فى التدلي الوصول الى المنتهى مع بقاء تعلقه بالمبدأ يتال ادلى رجله من السرير وادلى دلوه والدوالي للثمر المعلق فاوحى جبرئيل الى عبده يعنى عبد الله وما اوحى الله اليه وهذا التأويل يأباه العربية والمعقول بوجوه أحدها ان قصة جبرئيل هذه حكاية حال والكلام فى ان القران ليس شيأ منها مما نطقه محمد - صلى الله عليه وسلم - من تلقاء نفسه بل كله مما اوحى اليه من ربه وجملة شديد القوى مع ما عطف عليه من قوله فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى حال من الضمير المستكن فى قوله الا وحي يوحى وزمان الحال يتحد مع زمان صاحبه فمقتضى الكلام وقوع تلك القصة فى كل مرة اوحى اليه شىء من القران والا لا يجوز وقوعه حالا او لا يجوز القول بان القران كله كذلك ثانيها انه يلزم حينئذ انتشار الضمائر فى قوله تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ورجوع ضمير عبده الى الله سبحانه قرينة لكونه ضميرا وحي راجعا الى الله تعالى ثالثها ان الدنو او التدلي من جبرئيل عليه السلام وكونه قاب قوسين او ادنى ليس كما لا للنبى - صلى الله عليه وسلم - فان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أفضل من جبرئيل عليه السلام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزير اى فى السماء جبرئيل وميكائيل ووجه القول بالتأويل الثاني انما هو استبعاد الاستواء والدنو والتدلي الى الله تعالى ولما كان القران ناطقا بان منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات فلا وجه للقول بهذا التأويل البعيد والاستواء والدنو والتدلي وكونه قاب قوسين او ادنى بلا كيف على ما يليق بالتنزيه مشهود لارباب القلوب كمشاهدة القمر ليلة البدر فالاوجه فى القول ما قالوا والله تعالى اعلم قال سعيد بن جبير فى قوله تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى انه اوحى اليه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى الى قوله ورفعنا لك ذكرك

[سورة النجم (53) : آية 11]

وقيل اوحى اليه ان الجنة لحرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت وعلى الأمم حتى يدخلها أمتك والظاهر أن ما اوحى عام ولا وجه للتخصيص. ما كَذَبَ الْفُؤادُ اى فواد محمد - صلى الله عليه وسلم - ما رَأى قال ابن مسعود راى محمد - صلى الله عليه وسلم - جبرئيل له ستمائة جناح وكذا روى عن عائشة رض وأنكرت عائشة روية النبي - صلى الله عليه وسلم - وبه روى البخاري عن مسروق قال قلت لعائشة يا أماه هل راى محمد صلى الله عليه وسلم ربه فقالت لقد يقف شعرى مما قلت اين أنت من ثلث من حدثكهن فقد كذب من حدثك ان محمد راى ربه فقد كذب ثم قرأت لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء الحجاب ومن حدثك انه يعلم ما فى غد فقد كذب ثم قرأت ما تدرى نفس ماذا تكسب غدا ومن حدثك انه كتم شيأ من الوحى فقد كذب ثم قرأت يا ايها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك الاية ولكن راى جبرئيل فى صورته مرتين وقال ابن عباس ما كذب الفؤاد ما راى ولقد راه نزلة اخرى ان محمدا - صلى الله عليه وسلم - راى ربه جل وعلى بفؤاده مرتين كذا روى مسلم عنه وفى رواية الترمذي قال ابن عباس راى محمد ربه قال عكرمة قلت أليس الله يقول لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وقال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره وقد راى محمد ربه مرتين واخرج ابن جرير عن ابن عباس انه - صلى الله عليه وسلم - سئل هل رايت ربك قال رايت بفؤادى وقال انس والحسن وعكرمة راى محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه يعنى بعينه قال البغوي قال عكرمة عن ابن عباس قال ان الله اصطفى ابراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بالروية وروى الترمذي عن الشعبي ان كعب الأحبار قال لابن عباس ان الله قسم رويته وكلامه بين محمد وموسى فكلم موسى مرتين وراى محمد - صلى الله عليه وسلم - مرتين قلت المراد بالروية المختلف فيها اما الروية بالبصر واما الروية القلبية المعبر عنها بالمشاهدة فغير مختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بل يتشرف اولياء أمته - صلى الله عليه وسلم - ايضا وقد ادعى بعض الأولياء الروية البصرية وذلك خلاف اجماع فى حق غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الدعوى مبنى على الاشتباه ووجه الاشتباه ان الصوفي قد يرى ربه بقلبه وهو يقظان ويتعطل حينئذ بصره لكنه يزعم فى غلبة الحال انه يراه ببصره وانما هو يراه بقلبه وبصره معطل وقوله عليه السلام رايته بفؤادى لو ثبت لا يدل على انفى الروية بالبصر الا بالمفهوم قلت وقول ابن مسعود وعائشة شهادة على النفي وشهادة الإثبات أرجح وما احتج به عائشة على نفى رويته - صلى الله عليه وسلم - فلا يخفى ضعفه واما قوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ فقد ذكرنا فى تفسير تلك الاية فى سورة الانعام ان الدرك أخص من الروية

ونفى الدرك لا يستلزم نفى الروية قال الله تعالى فلما تراء الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا ان معى ربى وايضا مفهوم الاية سلب عموم الدرك لا عموم سلب الدرك واما قوله ما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا او من وراء حجاب ترديد بين الوحى من وراء الحجاب والوحى بلا حجاب فلا استدلال به والله تعالى اعلم وروى مسلم عن ابى ذر قال سالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربك قال نورانى أراه انى بفتح الهمزة للاستفهام يعنى كيف أراه وفى بعض الروايات نورانى منسوب الى النور أراه فعلى الرواية الثانية يثبت الروية وعلى الرواية الاولى ليس الحديث صريحا فى نفى الروية مطلقا قلت وبعد ثبوت روية - صلى الله عليه وسلم - ربه بالعين كما يدل عليه حديث ابن عباس وكعب ايضا ان المراد بالروية فى الاية الروية القلبية فانها هى المتصورة عند كل وحي يوحى اليه دون الروية البصرية فانها مختصة بليلة المعراج قرأ ابو جعفر وهشام عن ابى عباس كذب بتشديد الذال من التكذيب يعنى ما كذب قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - ما راى بعينه او بقلبه بل صدقه وايقنه وهو حققه فان الأمور القدسية تدرك او لا بالقلب ثم ينتقل منه الى البصر والبصيرة فان ابصر مثل ما أدرك بالقلب وان قصر بصره او بصيرته عما أدركه القلب وراى بخلافه كذبه وهذا هو المصداق الفارق بين العلوم الحقة الفائضة من الرحمن وبين الخيالات الوهمية وملتبسات الشيطانية فان الصوفي قد يلتبس عنده العلوم والإلهامات والمكاشفات القدسية المفاضة عليه من الله سبحانه بما يتخيله الوهم والخيال وبما القى الشيطان فى أمنيته والفارق بينهما ان يرجع الصوفي الى قلبه فان صدقه قلبه واطمأن به ورأى فى قلبه منه برد اليقين علم انه من الله سبحانه وان كذبه قلبه واضطرب عنده وابى عرف انه من النفس او الشيطان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءك فى صدرك شىء فدعه رواه احمد عن ابى امامة او قال عليه السلام استفت قلبك وان أفتاك المفتون وقرأ الجمهور بتخفيف الذال والكذب يجىء متعديا بمعنى كذب له ومجازه ما كذب الفؤاد لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فيما راى يعنى أخبره على ما فى نفس الأمر فان قيل هذه الاية يقتضى ان تصديق القلب يغاير روية القلب قلنا نعم وتحقيق المقام ان قلب المؤمن يدرك الله سبحانه وصفاته يمعية ذاتية غير متكيفة مترتبة على محبة ذاتية غير متكيفة ولا يراه بل روية مقتصرة على مراتب الظلال بل القلب لا يرى شيئا من ذوات الممكنات ايضا فان حصول الأشياء فى الأذهان انما هى باشباهها وظلالها لا بانفسها وما يرى ذات شىء مما يراه الا يتوسط الباصرة فروية الله سبحانه تيسير للمومنين فى الاخرة بتوسط الحاسة لا فى الدنيا الا ما ذكرنا من الخلاف فى حق النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ودركه تعالى مختص بالقلوب دون الابصار فانه تعالى لا تدركه الابصار

[سورة النجم (53) : آية 12]

لا فى الدنيا ولا فى الاخرة فروية القلب سواء كانت بتوسط البصر او بلا توسط قد يعتبر به الغلط بتخليط الوهم او تلبيس الشيطان او زيغ البصر وطغيانه عما يراه واما دركه البسيط فلا يعتبر به شىء من ذلك ويتفرع عليه الاطمينان بالحق وتصديقه والإباء عن الباطل وتكذيبه والله تعالى اعلم بحقيقة الحال. أَفَتُمارُونَهُ معطوف على محذوف قرأ حمزة والكسائي أفتمارونه على وزن تدعونه بمعنى تغلبونه فى المرأ يقال ماريته فمريته بمعنى حادلته فغلبته وعلى هذا التقدير الكلام أتمارونه فتمرونه عَلى ما يَرى عدى بعلى لان الفعل بمعنى الغلبة وقيل تمرون تجحدون يقال مريت الرجل حقه يعنى جحدته والمعنى أتجادلون محمدا فتحجدون صدقه على ما يرى والتعدية بعلى حينئذ ايضا لتضمن الفعل مع الغلبة فان المجادل والجاحد يقصدان يفعلهما للغلبة على الخصم وقرأ جمهور القراء أفتمارونه من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة اى استخرج لبنها فان كلا من المتجادلين بمرى ما عند صاحبه يستخرجه وتقدير الكلام حينئذ تنكرون قول محمد فتمارونه عن ما يرى والاستفهام للتوبيخ والإنكار يعنى لا ينبغى....... الإنكار والجدال فيما يدعى محمد - صلى الله عليه وسلم - رويته وأورد صيغة المضارع استحضارا للحال الماضي وحكاية عنه وجاز ان يراد به التوبيخ على انكار كل ما أراه محمد - صلى الله عليه وسلم - فى الحال او الاستقبال-. وَلَقَدْ رَآهُ يعنى والله لقد راى محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه جل وعلا او جبرئيل على صورته التي خلق عليها على اختلاف القولين المذكورين نَزْلَةً فعلة من النزول كجلسة من الجلوس منصوب على الظرفية من راه تقديره وقت نزلة اخرى او على المصدرية تقديره نازلا نزلة اخرى وفى إيراد نزلة اشعار بان الروية فى هذه المرة كانت ايضا بالنزول والدنو فان روية البشر الممكن الواجب جل سلطانه انما يتصور إذا كان البشر الرائي فى الأفق الأعلى والدرجة الانس من درجات الإمكان والله تعالى يتنزل من مراتب التنزيه الى نوع من درجات التشبيه فيرى من وراء حجب الظلال او الصفات ولا يذهب عليك من مقالتى هذا حدوث امر فى جانبه تعالى ذلك علوا كبيرا بل النزول والعروج كلها فى مرتبة العلم يظهر بحدوث صفاء فى مراة قلب المتجلى له وقد مر البحث عن مثله فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ أُخْرى هذا يدل على تعدد الروية ولا يدل على الانحصار فى المرتين فما روى عن ابن عباس وكعب الأحبار انه راى ربه مرتين محمول على بيان ادنى ما يتصور فيه التعدد وهذه الاية حكاية عن روية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه ليلة المعراج.

[سورة النجم (53) : آية 14]

عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى والظاهران ما حكى عن ابن عباس وكعب رويته - صلى الله عليه وسلم - ربه بعينه هو هذه الروية وقوله عند سدرة المنتهى ظرف متعلق يراه او اضافة السدر الى المنتهى اضافة موصوف الى صفة نحو جانب الغرب ومسجد الجامع اجازه الكوفيون وتأويله عند البصريين سدرة المكان منتهى وجعل المنتهى صفة لها لانه ينتهى إليها ما يعرج به من الأرض فيقبض منها ويهبط به من فوقها فيقبض منها وينتهى إليها علم الخلائق وما خلقها غيب ويدل عليه ما يورد عليك من حديث ابن مسعود وكعب (قصة المعراج) فى الصحيحين عن انس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بينما انا فى الحطيم مضطجعا إذا تأنى ات فشق بين هذه وهذه يعنى من ثغرة نحره الى شعرته فاستخرج قلبى ثم أتيت بطست من ذهب مملو ايمانا فغسل قلبى ثم حشى ثم أعيد وفى رواية ثم غسل البطن بماء زمزم ثم صلى ايمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق ليضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرئيل حتى اتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا قال جبرئيل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسلت اليه قال نعم قيل مرحبايه فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فاذا فيها آدم فقال هذا أبوك وآدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالا بن الصالح ثم صعد بي حتى اتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر فى السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحيى وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر فى السماء الثالثة يوسف وفى الرابعة إدريس وفى الخامسة هارون وفى السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام فلما جاوزت بكى يعنى موسى قيل له ما يبكيك قال ابكى لان غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته اكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي الى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مرو ذكر هناك ابراهيم قال جبرئيل هذا أبوك ابراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت الى سدرة المنتهى فاذا نبقها مثل قلال هجروا ذا ورقها مثل أذان القيلة قال هذه سدرة المنتهى فاذا اربعة انهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرئيل قال اما الباطنان فنهران فى الجنة واما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي الى البيت المعمور ثم أتيت باناء من خمر واناء من لبن واناء من عسل فاخذت اللبن فقال هى الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علىّ

الصلاة خمسين صلوة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمسين صلوة كل يوم قال ان أمتك لا تستطيع خمسين صلوة كل يوم وانى والله قد جربت الناس قبلك عالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة فارجع الى ربك فاسئله التخفيف لامتك فرجعت فوضع عنى عشرا فرجعت الى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عنى عشرا فرجعت الى موسى فقال مثله فامرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت الى موسى فقال مثله فرجعت فامرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت الى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم قال ان أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وانى قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة فارجع الى ربك فاسئله التخفيف لامتك قلت سالت ربى حتى استحييت ولكنى ارضى واسلم قال فلما جاوزت نادى منادى أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى وروى مسلم عن ثابت البناني عن انس ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أتيت بالبراق وهو دابة ابيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انتهينا الى بيت المقدس قال جبرئيل بإصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرج فجاءنى جبرئيل باناء من خمر واناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرئيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا الى السماء وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث قال فاذا انا بآدم فرحب بي ودعا بي بخير وقال فى السماء الثالثة فاذا انا بيوسف إذا هو قد اعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي بخير ولم يذكر بكاء موسى وقال فى السماء السابعة فاذا انا بإبراهيم مسند أظهره الى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون اليه وفى رواية قال جبرئيل هذا البيت المعمور يصلى فيه كل يوم سبعون الف ملك إذا خرجوا لا يعودوا اخر ما عليهم ثم ذهب بي الى السدرة المنتهى فاذا اورقها كاذان القبلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشّها من امر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع ان ينعتها من حسنها واوحى الى ما اوحى ففرض علىّ خمسين صلوة فى كل يوم وليلة فنزلت الى موسى قال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلوة فى كل يوم وليلة قال ارجع الى ربك فسئله التخفيف فان أمتك لا يطيق ذلك فانى بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت الى ربى فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عنى خمسا فرجعت الى موسى فقلت حط عنى خمسا قال ان أمتك لا تطيق ذلك فارجع الى ربك فسئله التخفيف قال فلم ازل ارجع بين ربى وبين موسى حتى قال يا محمد انهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلوة عشر فلذلك خمسون من عمّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان

عمل بها كتبت له عشرا من همّ بسيئه فلم يعملها لم يكتب له بشى فان عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت الى موسى فاخبرته فقال ارجع الى ربك فسئله التخفيف فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت قد رجعت الى ربى حتى استحييت منه وفى الصحيحين عن ابن عباس عن ابى ذر يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ففرج عنى سقف بيتي وانا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي الى السماء فلما جئت الى السماء الدنيا فقال جبرئيل لخازن السماء افتح فذكر نحوه فلما فتح علونا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه اسودة وعلى يساره اسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرئيل من هذا قال هذا آدم وهذه الاسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فاهل اليمين منهم اهل الجنة والاسودة التي عن شماله اهل النار فاذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر انه وجد فى السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وابراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير انه قال وجد آدم فى السماء الدنيا وابراهيم فى السادسة قال ابن شهاب فاخبرنى ابن حزم ان ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى اسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن حزم وانس ففرض الله على أمتي خمسين صلوة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلوة قال فارجع الى ربك فان أمتك لا يطيق فراجعنى فوضع شطرها فرجعت الى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع الى ربك فان أمتك لا يطيق فراجعته فقال هى خمس وهى خمسون لا يبدل القول لدىّ فرجعت الى موسى فقال راجع ربك فقلت استحييت من ربى فانطلق بي حتى انتهى بي الى السدرة وغشيها ألوان لا أدرى ما هى ثم ادخلت الجنة فاذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك وروى معمر عن قتادة عن انس ان النبي صلى الله عليه واله وسلم اتى البراق ليلة اسرى به مسرجا ملجما فاصعب عليه فقال جبرئيل أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما اسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به الى السدرة المنتهى وهى فى السماء السادسة إليها ينتهى ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهى ما يهبط به من فوقها فيقبض منها وذكر البغوي انه قال هلال بن يسار سال ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وانا حاضر فقال انها سدرة فى اصل العرش وإليها ينتهى علم الخلائق وما خلقها غيب لا يعلمه الا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهى علم الخلائق يعنى ان بعض المخلوقات اعنى الملائكة يحضرون الى سدرة المنتهى

[سورة النجم (53) : آية 15]

ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه واما سدرة المنتهى فهى وان كان غيبا بالنسبة الى البشر فليس يغيب بالنسبة الى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن اسماء بنت ابى بكر قالت سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يدكر سدرة المنتهى قال يسير الراكب فى ظل الغصن مائة عام ويستظل فى الغصن منها ماية الف راكب فيها فراش من ذهب كان ثمرها القلال وقال مقاتل هى شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لوان ورقة منها وضعت فى الأرض أضاءت لاهل الأرض وهى طوبى التي ذكرها الله فى سورة الرعد. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ط واضافة جنة الى المأوى ايضا من قبيل اضافة الموصوف الى الصفة جوزها الكوفيون ويؤله البصريون بجنة المكان المأوى قال عطاء عن ابن عباس معناه جنة يأوي إليها جبرئيل والملائكة وقال مقاتل والكلبي فاوى إليها أرواح الشهداء وجنة المأوى مبتدا او فاعل للظرف والجملة صفة لسدرة ان كانت الاضافة للعهد الذهني فى قوة النكرة والا فهى حال عنها. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى الظرف متعلق يراه الموصول مع الصلة فاعل يغشى استعمال الموصول للتفخيم وصيغة المضارع بمعنى الماضي والمعنى غشيها ما لا يستطيع أحد ان ينعبتها لحسنها او لكثرة عددها او لعدم درك كنهها وقد مر فى حديث المعراج عن انس فلما غشيتها من امر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق يستطيع ان ينعتها من حسنها وروى مسلم عن ابن مسعود قال إذ يغشى السدرة ما يغشى قال فراش من ذهب وكذا ذكر البغوي قول ابن عباس قال البغوي عن الحسن قال غشيتها نور رب العزت فاستنارت قلت لعل نور رب العزة كعزة كنى عنها بفراش من ذهب وقال مقاتل تغشيها الملائكة أمثال الغربان- وقال السدى من الطيور وروى عن ابى العالية عن ابى هريرة رض او غيره قال غشيتها نور الخلائق وغشيها الملائكة من حب الله أمثال الغربان حتى يقعن على الشجر قلت ولا منافات بين تغشية نور رب العزة وتغشية الملائكة فان تغشية الملائكة انما هى لأجل تغشية نور رب العزة كما يدل عليه قوله غشيها من الملائكة من حب الله أمثال الغربان وتغشية النور من قبيل التجليات النورية والله تعالى اعلم قال البغوي يروى فى الحديث رايت على كل ورقة منها ملكا قايما يسبح الله تعالى. ما زاغَ الْبَصَرُ يعنى ما مال بصر النبي - صلى الله عليه وسلم - يمينا ولا شمالا وما أخطى فى النظر بل أثبته اثباتا صحيحا وَما طَغى اى ما جاوز عن الجيوب؟؟؟ الى يثيره اه من العشق وحالاته احرق قلبى بحراراته ما نظر العين الى غيركم اقسم بالله وآياته قيل معناه ما عدل عن روية العجائب التي امر برويتها-. لَقَدْ رَأى

اى لقد راى محمد - صلى الله عليه وسلم - مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى مفعول لراى ومن ايت ربه حال منه مقدم عليه ومن للتبعيض يعنى والله لقد راى محمد الكبرى من آيات ربه وجاز ان يكون من زائدة وآيات ربه مفعول به الكبرى صفة لها وجاز ان يكون المفعول محذوفا تقديره لقد راى شيئا من آيات ربه الكبرى والمراد بالآيات العجائب الملكوتية التي راى ها فى ليلة المعراج فى مسيره وعوده من البراق والسموات والأنبياء والملائكة والسدرة المنتهى وجنة المأوى- روى مسلم عن عبد الله بن مسعود قال لقد راى من آيات ربه الكبرى قال راى جبرئيل فى صورته له ستمائة جناح وروى البخاري عنه لقد راى من آيات ربه الكبرى قال راى رفر فاخضر اسد الأفق وانما وصف تلك الآيات بالكبرى لتجليات مخصوصة فى تلك الآيات وكونها مهبط الرحمة والبركة والأفكل ممكن اية كبرى على وجود صانعه ودليل واضح مكتفى لا يحقر منها شىء قال الله تعالى ان الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له فان قيل هذه الاية تؤيد قول من قال ان النبي - صلى الله عليه وسلم - انما راى مرتين جبرئيل عليه السلام دون الله سبحانه لان روية الآيات غير روية الذات قلنا روية الآيات لا ينافى روية الذات بل الآيات قد ينجلى فيه الذات كما ان الشمس يتجلى فى المرآة فان قيل قد ذكرت فى تفسير قوله تعالى ما طَغى يعنى ما جاوز بصره عن المحبوب الى غيره فكيف يتصور روية الآيات قلنا المقصود من روية الآيات انما هى الذات ومن ثم تكون الآيات مرأة للذات فحين راى الآيات جاوز نظره عنها الى الذات وحين راى الذات لم يتجاوز عنه الى غيره أصلا- (مسئلة) اجمع المؤمنون من اهل السنة والجماعة ان معراجه - صلى الله عليه وسلم - فى اليقظة حق فقيل مسراه - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام الى الأقصى قطعى ثابت بقوله تعالى سبحانه الذي اسرى بعبده الاية فيكفر جاحده واما معراجه الى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فيفسق جاحده ولا يكفر والصحيح ان معراجه - صلى الله عليه وسلم - الى السدرة المنتهى قطعى ثابت بهذه الاية يكفر جاحده فان قيل ما رواه الشيخان فى الصحيحين عن شريك بن عبد الله قال سمعت انس بن مالك يقول ليلة اسرى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجد الكعبة انه جاء ثلثة نفر قبل ان يوحى اليه وهو نائم فى المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فاذا هو فى السماء الدنيا بنهرين يطروان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به فى السماء فاذا هو بنهر أخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فاذا هو مسك ازفر قال ما هذا يا جبرئيل قال هذا الكوثر الذي هيّا لك ربك وساق الحديث

[سورة النجم (53) : آية 19]

وقال ثم عرج بي الى السماء السابعة وقال قال موسى رب لم أظن ان يرفع على أحد ثم علابه فوق ذلك بمالا يعلمه الا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين او ادنى فاوحى اليه ما اوحى اوحى الله خمسين صلوة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى الى ربه حتى صارت الى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بنى إسرائيل قومى على ادنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه فامتك أضعف أجساد او قلوبا وأبدانا وابصارا وسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتقت النبي - صلى الله عليه وسلم - الى جبرئيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرئيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب ان أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال انه لا يبدل القول لدى كما فرضت عليك فى أم الكتب فكل حسنة بعشر أمثالها فهى خمسون فى أم الكتاب وهى خمس عليك فقال موسى ارجع الى ربك فسئله فليخفف عنك ايضا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد والله استحييت من ربى مما اختلف اليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو فى المسجد الحرام هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج فى المنام قلنا طعن بعض اهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد بن اسمعيل ولمسلم فى كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا الا هذا وأحال الآفة فيه الى شريك بن عبد الله وذلك انه ذكر فيه ان ذلك قبل ان يوحى اليه واتفق اهل العلم على ان المعراج كان بعد الوحى بنحو من اثنى عشر سنة قبل الهجرة بسنة وقال بعض اهل الحديث ان هذا كان رويا فى المنام أراه عز وجل قبل الوحى وهو فى المسجد الحرام ثم عرج به فى اليقظة بعد الوحى قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما انه راى فتح مكة فى المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق والله تعالى اعلم ولما ذكر الله سبحانه روية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه وآيات ربه وتعلمه - صلى الله عليه وسلم - منه تعالى وتصديق قلبه اردفه بذلك تقبيح الكفار بقصر نظرهم على مجازه لا حقيقة لها فقال. أَفَرَأَيْتُمُ الاستفهام للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره انظر تم ما تعبدونه فرايتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى هذه اسماء أصنام اتخذوها الهة يعبدونها ويزعمون الملائكة بنات الله ويزعمون الأصنام هياكل الملائكة ويقولون الأصنام استوطنها جنيات هن بنات الله واشتقوا لها اسماء من اسماء الله تعالى فاشتقوا من الله اللات ومن العزيز العزى تأنيث الأعز وقيل اللات أصله لوية على وزن فعلة

[سورة النجم (53) : آية 20]

من لوى يلوى لانهم كانوا يلوون عليها اى يطوفون حولها قلبت الواو الفا وحذفت الياء على خلاف قياس ووضعت تاء التأنيث مكانها فكتبت طويلا قرأ ابن عباس ومجاهد وابو صالح ورويس بتشديد التاء على انه سمى به لانه صورة رجل كان يلت السويق بالسمن ويطعم الحاج فلما مات كانوا عكرنا على قبره ثم كانوا يعبدونه وقال قتادة كانت اللات صنما لثقيف بالطائف وقال ابن زيد كانت بيت بنخلة تعبده قريش واما العزى قال مجاهد هى شجرة بغطفان كانوا يعبدونها وقال ابن إسحاق كانت بيتا بنخلة وكانت سدنتها وحجابها بنى شيبان حلفاء بنى هاشم كانت أعظم أصنام قريش وجميع كنانة كان عمرو بن لحى قد أخبرهم ان الرب يشتى بالطائف عند اللات ويصيف بالعزى فعظموهما وبنوالهما بيتا وكانوا يهدون اليه كما يهدون الى الكعبة وروى البيهقي عن ابى الطفيل بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة خالد بن وليد فاتاها خالد فقطع السمرات وهدمها ثم رجع الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال هل رايت شيئا قال لا قال فانك لم تهدمها فرجع خالد وهو مستيقظ فلما رات السدنة خالدا انبعثوا فى الحيل وهم يقولون يا عزى خليه يا عزى عوربه والا فموتى برغم فخرجت اليه سوداء عريانة ناشرة الراس تحثوا لتراب على راسها ووجهها فجرد سيفه وهو يقول كفرانك لا سبحانك انى رايت الله قد أهانك فضربها بالسيف فخبر بها باثنين ثم رجع الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبره قال نعم تلك العزى قد يئست ان تعبد ببلدكم ابدا وقال الضحاك هى صنم بغطفان وضعها سعد بن ظالم الغطفاني وذلك انه قدم مكة فراى صفا والمروة وراى اهل مكة يطوفون بينهما فعاد الى بطن نخلة وقال لقومه ان لاهل مكة الصفا والمروة وليست لكم ولهم اله يعبدونه وليس لكم قالوا فما تأمرنا قال انا اصنع لكم كذلك فاخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة نقلها الى النخلة فوضع الذي أخذ من الصفا فقال هذا الصفا ثم وضع الذي أخذ من المروة فقال هذه المروة ثم أخذ ثلثة أحجار فاسندها الى شجرة فقال هذا ربكم فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة حتى افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة فامر برفع الحجارة وبعث خالد بن الوليد الى العزى فقطعها. وَمَناةَ قرأ ابن كثير بمد وهمزة على انه مفعلة من النوع كانهم يستمطرون الأنواع عندها تبركا بها أصله منواة قلبت الواو الفا بعد نقل حركتها الى ما قبلها والباقون بلا مد وهمزة فهى فعلة من مناة إذا قطعه فانهم كانوا يذبحون عندها القرابين قال قتادة هى لخزاعة كانت بقديد وقالت عائشة رض فى الأنصار كانوا يهلون لمناة

[سورة النجم (53) : الآيات 21 إلى 22]

وكانت حذو؟؟؟ قديد وقال ابن زيد بيت كان ما لمشلل تعبده بنو كعب وقال الضحاك صنم لهذيل وخزاعة يعبدها اهل مكة وقال بعضهم اللات والعزى ومناة كانت فى جوف الكعبة يعبدونها ذكر محمد بن يوسف الصالحي فى سبيل الرشاد انه بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فتح مكة سعد بن زيد الأشهلي الى مناة وهو بالمشلل وهو الجبل الذي يهبط منه الى قديد لست بقين من رمضان فى فتح مكة وكانت مناة للاوس والخزرج وغسان فخرج سعد فى عشرين فارسا حتى انتهى إليها وعليها سادن فقال السادن ما تريد قال هدم مناة قال وأنت ذاك فاقبل سعد يمشى إليها ويخرج امراة عريانة سوداء ثائرة الراس تدعوا بالويل وتضرب صدرها فقال السادن مناة دونك بعض غضبانك ويضربها سعد بن زيد الاشهيلى فقتلها ويقبل الى الصنم معه أصحابه فهدموه اختلف القراء فى الوقف على اللات ومناة فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء وقال بعضهم ما كتب فى المصحف بالتاء يعنى اللات يوقف بالتاء وما كتب بالهاء يعنى مناة يوقف عليه بالهاء الثَّالِثَةَ صفة لمناة اى الثالثة للصنمين المذكورين الْأُخْرى صفة لمناة بعد صفة للتاكيد او الاخرى من التأخير فى الرتبة واللات والعزى ومناة منصوبان على انها مفعول أول لرأيتم ومفعوله الثاني محذوف تقديره انظر تم ما تعبدونه فرأيتم اللات والعزى ومناة بنات الله تعالى البتة مستحقة للعبادة يعنى ليس كذلك والله تعالى اعلم قال الكلبي كان المشركون بمكة يقولون الأصنام والملائكة بنات الله وكان الرجل منهم إذا بشر بالأنثى كره فقال الله تعالى منكرا عليهم. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى قال ابن عباس وقتادة اى قسمة جايرة حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لانفسكم وقال مجاهد ومقاتل اى قسمة عوجا وقال الحسن غير معتدل قرأ ابن كثير ضئزى بالهمزة من ضئزة إذا ظلمه على انه مصدر لعت به مبالغة يعنى قسمة ظالمة والباقون بالياء قال الكسائي يقال ضاز يضيز ضازا وضاز يضوز ضوزا وضاز يضاز ضازا إذا ظلم ونقض قلت ليس هذا ضاز ويضوز بل هو يائي من ضاز يضير على وزن باع يبيع او ضاز يضاز على وزن نال ينال واصل ضيزى فعلى بضم الفاء لانها صفة والصفات لا تكون الأعلى فعلى بضم الفاء كحبلى وأنثى او فعلى بفتح الفاء نحو غضبى وسكرى وعطشى وليس فى كلام العرب فعلى بكسر الفاء فى النعوت وانما يكون فى الأسماء كذكرى وشعرى وانما كسر الضاد هاهنا لئلا يتقلب الياء واوا فيلتبس بناءه كذا قالوا فى جمع الأبيض بيض والأصل بضم الفاء مثل حمر وصفر.

[سورة النجم (53) : آية 23]

إِنْ هِيَ الضمير للاصنام فان كان المراد بالأصنام اجرام الحجارة فالمعنى ما تلك الحجارة باعتبار الالوهية شيئا مستحقا للالوهية إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ط جملة سميتموها إلخ وجملة ما انزل الله صفتان لاسماء والضمير للاصنام مبتداء والمستثنى المفرغ خبره والمعنى ما تلك الحجارة الهة الا الهة اسمية باصطلاحكم من غير داع اليه وما جعل الله على الوهيتها واستحقاقها للعبادة حجة وجاز ان يكون الضمير للاصنام باعتبار ما يدعى الكفار انها حقائق ملكيته او غير ذلك حالة فتلك الأصنام وهى بنات الله وشفعاء فالمعنى ما هى شيئا فى الواقع الا اسماء بلا مسمى تخيلتم وجودها وسميتموها بأسماء مثل اللات والعزى وبنات الله وشفعاء وحالة فى الأصنام ما انزل الله على وجودها برهانا وجاز ان يكون الضمير راجعا الى الأسماء المذكورة والمعنى ليست الأسماء المذكورة من اللات والعزى شيا الا اسماء مجعولة لكم من غير استحقاق ومنشأ انتزاع فانهم يطلقون اللات باعتبار استحقاقها الالوهية والعكوف عليها والعزى بعزتها ومناة لاستحقاقها التقرب إليها بالقرابين وجاز ان الضمير راجعا الى الصفة التي يصفونها بها من كونها الهة وبنات الله وشفعاء يعنى ليست تلك الصفات التي تصفونها بها الا اسماء من غير حقيقة وصدق فى نفس الأمر إِنْ يَتَّبِعُونَ اى الكفار فى تسميتها إِلَّا الظَّنَّ الحاصل بتقليد الآباء من غير دليل صحيح او المعنى الا توهما بإطلاق وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ ج يعنى فاتشتهيه أنفسهم الجملة بيان او بدل من قول ما انزل الله بها من سلطن فيه التفات من الخطاب الى الغيبة واشارة الى ترك مخاطبة هولاء السفهاء كما يصرح فيما بعد بقوله فاعرض عمن تولى وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى اى ما يهتدى به الى الحق القطعي يعنى الرسول والكتاب فلم يتبعوه وتركوه والجملة معترضة. أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى أم منقطعة ومعنى بل فيه للابتداء ومعنى الهمزة للانكار يعنى ليس للانسان كل ما يتمناه والمراد نفى طمعهم فى شفاعة الأصنام وقولهم لئن رجعت الى ربى ان لى عنده للحسنى وقولهم لولا نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم ونحوها. فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى ع الفاء للسببية والجملة تعليل للنفى المفهوم مما سبق يعنى ليس للانسان كل ما يتمناه بان الدار الاخرة والدار الاولى كل واحدة منهما مملوكة لله مختص به يعطيهما من يشاء ويمنعهما ممن يشاء لادخل فى منعه وإعطائه لتمنى متمن ولا لشىء اخر

[سورة النجم (53) : آية 26]

غير إرادته تعالى. وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ كاين فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً من الغناء ولا ينفع فى حين من الأحيان إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ فى الشفاعة لِمَنْ يَشاءُ من الملائكة ان يشفع او من الناس ان يشفع له وَيَرْضى بشفاعة له مع كونهم عباد الله المكرمين المقربين فكيف يرجون هؤلاء شفاعة الأصنام والاية رد لقولهم هؤلاء شفعاءنا عند الله وقال البغوي معناه كم من ملك فى السموات ممن يعبدهم هؤلاء الكفار ويرجون شفاعتهم عند الله يعنى شفاعتهم. إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعنى كفار مكة والتعبير بالموصول لبيان جهلهم لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ اى كل واحد منهم تَسْمِيَةَ الْأُنْثى حيث يقولون انها بنات الله لما كان هذا القول فى غاية الاستبعاد وجريا بالإنكار أورد الكلام بالاستيناف والتأكيد بان واللام جريا للسامع مجرى المنكر. وَما لَهُمْ بِهِ اى بهذا القول مِنْ عِلْمٍ ط الجملة حال من فاعل يسمون إِنْ يَتَّبِعُونَ اى لهؤلاء الكفار الجهال إِلَّا الظَّنَّ ج الحاصل بالتقليد او التوهم الباطل من غير دليل وهذه الجملة بيان وتأكيد لقوله ومالهم به من علم وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ج اما منصوب على المصدرية ومن الحق ظرف لغو متعلق بلا يغنى واما منصوب على المفعولية ومن الحق حال منه والمراد بالحق العلم لانه عبارة عن الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع والواقع هو الحق والمعنى ان الظن لا يغنى من العلم شيئا من الغناء او لا يفيد شيئا من العلم يعنى لا يقوم الظن الحاصل بالتقليد ونحوه مقام العلم الحاصل بدليل قطعى سمعى او عقلى فلا يجوز للعاقل اتباع الظن بل يجب طلب اليقين والجملة معترضة لتقبيح الكفار فى اتباع الظن ولما كان صلابتهم فى اتباع الظن والتقليد امارة انكارهم لهذه الجملة أورد هذه الجملة بالتاكيد فان قيل جاز فى الشرع اتباع الظن فى العمليات وغالبا مسائل الفقه مستنبطة من الادلة الظنية وايضا ثبت بأحاديث الآحاد ونحو ذلك كثير من القصص الماضية وتفاصيل نعم الجنة وعذاب جهنم وتفاصيل اخبار يوم المعاد فلو كان الظن لا يفيد شيئا من العلم لكان تعليمها عبثا ولا يجوز القول بها ولا العمل بالفقه والاعتقاد بها- قلنا معنى هذه الاية انه لا يجوز اتباع الظن فيما يعارضه العلم الحاصل بدليل قطعى وان الظن لا يفيد فائدة العلم إذ لا شك ان الأضعف لا يصادم الا قوى فمقتضى هذه الاية ان العقائد الحقة الثابتة بالادلة القطعية العقلية او الآيات المحكمات والاخبار المتواترات السمعية لا يجوز تركها باتباع الظن

[سورة النجم (53) : آية 29]

ويجب ما أمكن تحصيل العلم من الادلة القطعية والعمل بها وفيما لا يوجد دليل قطعى فالعقل يحكم الجزم والاحتياط يوجب العمل بدليل ظنى اى ما يفيد غلبة الظن بطريق صحيح مثلا إذا ثبت بدليل ظنى ان الوتر واجب وان صلوة الضحى سنة وان البنج حرام وان البيع بشرط فاسد ممنوع وليس هاهنا دليل قطعى يعارض هذا الظن فالعقل يحكم ان لا يترك الوتر ولا يشرب البنج ولا يباع بالشرط الفاسد مخافة العذاب وان يصلى الضحى رجاء للثواب لان احتمال جلب المنفعة عند تيقن عدم المضرة كان للاتيان واحتمال المضرة كاف للاجتناب كما ان احتمال الحية فى الحجر كاف للاجتناب عن وضع الأصابع هناك وايضا ثبت بالادلة القطعية من الأحاديث المتواترة بالمعنى بإجماع الامة وبقوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين وقوله تعالى فاعتبروا يا اولى الابصار وجوب اتباع أحاديث الآحاد والقياس عند عدم معارضة ما هو أقوى منه فالظن فى المسائل الفقهية انما هى فى الطريق وبعد ثبوت الظن الصحيح وجوب العمل بها ثابت بدليل قطعى واخبار المبتدا والمعاد الثابتة بالنصوص الظنية قطعيات فى القدر المشترك منها موجبة للعلم واما تفاصيلها فغير معارضة بدليل أقوى منه فيجوز استفادة الترغيب او الترهيب منها والله تعالى اعلم وقيل المراد بالحق فى الاية العذاب واللام فى الظن للعهد ومعنى الاية ان ظن الكفار الحاصل بتقليد الآباء او التوهم لا يدفع شيئا من العذاب او لا يدفع العذاب شيئا من الدفع. فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا يعنى القران او الايمان او عن الاشتغال بذكر الله وَلَمْ يُرِدْ شيئا إِلَّا شهوات الْحَياةَ الدُّنْيا ط اتهمك فيها بحيث كان منتهى همته مبلغ علمه الدنيا فحسب الفاء للسببية والموصول وضع موضع المضمر لتاكيد سببية الاعراض يعنى إذا علمت جهلهم وسفاهتهم وسخافت عقلهم انهم يتبعون الظن ويتركون ما جاءهم من ربهم الهدى ويختارون عبادة حجارة لا تضر ولا تنفع ويتولون عن الاشتغال بالرحمن الواحد القهار فاعرض عنهم حيث لا تفيد دعوتك فيهم فانهم كالانعام بل هم أضل ولما كان بعض حركاتهم وسكناتهم مفيدة فى الدنيا دالة على ادراكاتهم موهمة لهم نصيبا من العقل قال الله تعالى لدفع ذلك الوهم قوله. ذلِكَ يعنى امر الدنيا وكونها شبهة مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ط يعنى لا يتجاوز علمهم وعقلهم من العلم بالأمور المعاشية والتعقل بها وذلك غير معته به عند الله اعلم ان العلم والعقل كل منهما مخلوقة لله تعالى على حسب ما أراد وليست الأسباب الا أسبابا عادية وليست الأسباب أسبابا حقيقة كما زعمته الفلاسفة فالله تعالى انشأ يخلق العلم

[سورة النجم (53) : آية 31]

بعد ما أراد الآيات والا فلا إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى فيجازى كلا على حسب الضلالة واهتدائه هذه الجملة وعد ووعيد تعليل لما سبق من الأمر بالاعراض يعنى لا تهتم بهم نحن نكفيهم للجزاء. وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لا ملكا وخلقا عطف على الجملة السابقة يعنى هو الا علم بهم وهو إلهكم وخالقهم يفعل بهم ما يشاء وما يقتضيه الحكمة لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى اللام متعلق بمضمون الجملتين السابقتين يعنى خلق العالم وميز الضال من المهتدى وحفظ أحوالهم ليجزى الذين أساءوا بالشرك والعصيان بسبب أعمالهم من الإشراك والمعاصي يجزى الذين أحسنوا أعمالهم بالإخلاص بالحسنى اى بالمثوبة الحسنى يعنى الجنة او بالأحسن من أعمالهم وهى الإخلاص او لسبب الأعمال الحسنى. الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ بدل من الذين أحسنوا او خبر لمبتداء محذوف اى هم الذين يجتنبون كَبائِرَ الْإِثْمِ قرأ حمزة والكسائي وخلف كبير الإثم على صيغة الاخر او على ارادة الجنس فهو اضافة صفة الى موصوفها نحو اخلاق ثياب والمراد بكبير الإثم الشرك فان الشرك لظلم عظيم وقرأ الباقون كبائر بصيغة الجمع اصناف افراد الكبائر الى جنسه على طريقة كرام البشر وجياد الدرهم وقد ذكرنا تحقيق الكبائر من الذنوب فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ... وَالْفَواحِشَ اما عطف تفسيرى او المراد ما فحش من الكبائر خصوصا قيل أريد به ما شرع فيه الحد إِلَّا اللَّمَمَ يعنى ما صدر من العبد بلا اصرار ثم تاب عنه ولا يكون له عادة واقامة عليه بل حينا بعد حين يقال فلان يفعل كذا اى حينا بعد حين كذا قال الجوهري قال البغوي وهو قول ابى هريرة ومجاهد والحسن ورواية عن عطاء عن ابن عباس قال السدى قال ابو صالح سئلت عن قول الله عز وجل الا اللمم فقلت هو الرجل يلم بالذنب اى يقربه ثم لا يعاوده فذكرت ذلك لابن عباس فقال لقد اعانك عليها الملك الكريم قال البغوي وروينا عن عطاء عن ابن عباس فى قوله تعالى الا اللمم قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان تغفر اللهم تغفر جما واى عبد لك لا الما فالاستثناء متصل كما هو الأصل وقيل اللمم الصغار من الذنوب كذا فى القاموس فهو كالنظرة والغمزة والقبلة وما كان دون الزنا قال البغوي وهو قول ابن مسعود وابى هريرة ومسروق والشعبي ورواته طاؤس عن ابن عباس روى البخاري عن ابن عباس قال ما رايت أشبه باللمم بما قال ابو هريرة

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ان الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدركه ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهى والفرج يصدق ذلك ويكذبه ورواه سهل بن ابى صالح عن أبيه عن ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزاد والعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا وقال الحسن بن الفضل اللمم النظرة من غير تعمد فهو مغفور فان عاد النظرة فليس بلمم وعلى هذا اللمم أخص من صغاير الذنوب وقال سعيد بن المسيب ما لم على القلب اى خطر وهذا يناسب ما قال الجوهري من قولك ألممت بكذا اى أنزلت به وقاربته من غير مواقعة وعلى هذه الأقوال الاستثناء منقطع وقال الكلبي اللمم على وجهين كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا فى الدنيا ولا عذابا فى الاخرة فذلك الذي تكفره الصلاة ما لم تبلغ الكبائر والفواحش والوجه الاخر هو الذنب العظيم الذي يلم به المسلم مرة فيتوب منه قلت وقول الكلبي هذا ليس قولا مغايرا للاقوال والا يلزم عموم المشترك او الجمع بين الحقيقة والمجاز بل هو اختيار للقولين الأولين على وجه الاحتمال كما روى القولين المذكورين عن ابى ابى هريرة وابن عباس رض والله تعالى اعلم إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ يغفر لمن يشاء ما يشاء من الذنوب صغائرها وكبائرها بتوبة وبلا توبة عقب الله تعالى وعيد المسيئين ووعد المحسنين بهذه الاية لئلا ييئس صاحب الكبيرة من رحمته ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى كما قال به اهل الهواء من المعتزلة اخرج ابو نعيم عن على رض قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله تبارك وتعالى اوحى الى بنى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا اناصب عند الحساب يوم القيامة ما شاء ان أعذبه إلا عذبته وقل لاهل معصبتى من أمتك لا تلقوا بايديهم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي والله تعالى اعلم ثم عقب ذلك قوله هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ اى بصنيعكم وسعادتكم وشقائكم وما يصير اليه أموركم وافعل هاهنا بمعنى الفعيل إذ لا اعلم لاحد غير الله تعالى بما يصدر من الإنسان قبل وجوده كما يدل عليه قوله تعالى إِذْ أَنْشَأَكُمْ اى انشأ أباكم آدم مِنَ الْأَرْضِ فان علمه تعالى بالأشياء قديم وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب الله تقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة قال وعرشه على الماء رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب القدر فكتب ما كان وما هو كاين الى الابد رواه الترمذي من حديث عبادة بن الصامت وقال هذا حديث غريب اسناده وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

[سورة النجم (53) : آية 33]

ان الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره واستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل اهل النار فقال رجل ففيم العمل يا رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال اهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخله به النار رواه مالك والترمذي وابو داود من حديث عمر بن الخطاب وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ج معطوف على إذا نشاكم وكلا الظرفين متعلق بأعلم عن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضفة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله واجله ورزقه وشقى او سعيد ثم ينفخ فيه الروح فوالذى لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها وان أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها متفق عليه فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ اى لا تثنوا عليها بزكاء العمل وزيادة الخير او بالطهارة عن المعاصي والرذائل إذ لا علم لكم بعواقب أموركم- قال الحسن علم الله من كل نفس ما هى صانعة والى ما هى صائرة فلا تزكوا أنفسكم فلا تبروها عن الآثام ولا تمدحوها بحسن أعمالها وكذا قال ابن عباس قال الكلبي ومقاتل كان الناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلوتنا وصيامنا وحجنا فانزل الله تعالى هذه الاية واخرج الواحدي والطبراني وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال كانت اليهود تقول إذا هلك لهم صبى صغير هو صديق فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله فى بطن امه الا انه شقى او سعيد فانزل الله تعالى عند ذلك هذه الاية هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ الاية هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى فانه يعلم من يختم له منكم على التقوى واخلاص العمل قبل ان يخرجكم من صلب آدم عليه السلام. أَفَرَأَيْتَ الاستفهام للتعجب والفاء للعطف على محذوف يعنى أنظرت يا محمد الَّذِي تَوَلَّى عن اتباع الحق والثبات عليه يعنى الوليد بن المغيرة كان قد اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - على دينه فعيره بعض المشركين وقال لم تركت دين الأشياخ وضللتهم قال انى خشيت عذاب الله فضمن الذي عاتبه ان هو أعطاه كذا من ماله ورجع الى شركه ان يتحمل عنه عذاب الله فرجع الوليد الى الشرك. وَأَعْطى الذي غيره بعض ذلك

[سورة النجم (53) : آية 35]

المال الذي ضمنه ومنعه فانزل الله تعالى أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ادبرا عن الايمان واعطى صاحبه قَلِيلًا وَأَكْدى اى بخل بالباقي كذا قال البغوي واخرج ابن جرير عن ابن زيد نحوه قال ان رجلا اسلم فلقيه بعض من يعيره فقال تركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت انهم فى النار قال انى خشيت عذاب الله قال أعطني شيئا وانا احمل كل عذاب كان عليك فاعطاه شيئا فقال زدنى فتفا سر حتى أعطاه شيئا وكتب له كتابا واشهد له ففيه نزلت أفرأيت الذي تولى الاية وقال مقاتل اعطى الوليد قليلا من الخير بلسانه ثم أكدى قطعه وامسك ولم يتم على العطية وقال السدى نزلت فى العاص بن وائل السهمي وذلك انه ربما يوافق النبي - صلى الله عليه وسلم - فى بعض الأمور وقال محمد بن كعب القرظي نزلت فى ابى جهل وذلك انه قال ما يأمرنا محمد إلا مكارم الأخلاق فذلك قوله تعالى وَأَعْطى قَلِيلًا من الإقرار بالحق وَأَكْدى اى لم يؤمن ومعنى أكدى قطع وأصله من الكدية وهى حجر صلب يظهر فى البير يمنع من الحفر يقول العرب أكدى الحافر واجبل إذا بلغ فى الحفر الكدية والجبل. أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ استفهام للانكار فَهُوَ يَرى الفاء للسببية يعنى ان كان عنده علم الغيب فهو يعلم ان صاحبه يتحمل عنه إذا اشركه لما أخذ من ماله-. أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ اى لم يخبر بِما فِي صُحُفِ مُوسى يعنى اسفار التوراة. وَصحف إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ما امره الله به وإثمه حتى قام يذبح ابنه وبلغ رسالات ربه واحتمل من الخلق أذى حتى صبر على نار نمرود وابتلاه ربه بكلمات فاتمهن والتوصية الإتمام وروى البغوي بسنده عن ابى امامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وابراهيم الذي وفى قال صلى اربع ركعات أول النهار واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن معاذ بن انس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الا أخبركم لم سمى ابراهيم خليل الله الذي وفى انه كان يقول كلما أصبح وامسى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون حتى ختم الاية وروى الترمذي عن ابى الدرداء وابى ذر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله تبارك وتعالى انه قال يا ابن آدم اركع لى اربع ركعات أول النهار أكفك آخره ورواه ابو داود والدارمي عن نعيم الفطفانى واحمد عنهم وقدم موسى لان صحفه يعنى التوراة كان أشهر وأم قيل منقطعة لان من شرط المتصلة ان يليه أحد المتساويين والاخر الهمزة وهاهنا ليس كذلك قلت جاز ان يقال فى تاويل الاية أعنده علم الغيب بتوسط الانباء او بلا توسط بانه يتحمل عنه غيره أم ليس عنده علم الغيب الحاصل بتوسط الانباء والكتب ايضا بانه لا بتحمل أحد عن غيره والاستفهام للانكار يعنى ليس عنده علم الغيب يتحصل أحد عن غيره وعنده علم حصل بالتواتر والشهرة

[سورة النجم (53) : آية 38]

بما فى الكتب السماوية بعدم التحمل. أَلَّا تَزِرُ اى لا تحمل نفس وازِرَةٌ نفس حاملة وِزْرَ نفس أُخْرى يعنى لا يوخذ نفس يأثم غيره ان مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشان محذوف والجملة خبره وهى مع اسمها وخبرها فى محل الجر بدلا مما فى صحف موسى او الرفع على انه خبر مبتدا محذوف اى هو كانه قيل ما فى صحفها فاجاب به قال البغوي روى عكرمة عن ابن عباس قال كانوا قبل ابراهيم يأخذون الرجل بذنب غيره وكان الرجل يقتل بقتل أبيه وابنه وأخيه وامرأته وعبده حتى جاء ابراهيم فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله ان لا تزر وازرة وزر اخرى قلت لم يكن ذلك حكما شرعيا بل حكما جاهليا كما كان قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ايضا فى الأوس والخزرج كان أحد الحيين شريفا ذا ثروة من الاخرى فكانوا يقتلون بامرأة من الشريف رجلا من الاخر وبعبد حرا وبواحد اثنين حتى نزلت الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى وقد ذكرنا القصة فى سورة البقرة- وهذه الاية لا يخالف قوله تعالى وكتبنا على بنى إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد فى الأرض فكانما قتل الناس جميعا وقوله - صلى الله عليه وسلم - من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة أخرجه احمد ومسلم من حديث جرير بن عبد الله رض فان ذلك للدلالة والتسبب الذي هو وزره ولذا ورد فى الحديث من غير ان ينقص من أوزارهم شيئا وكذا قوله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا انزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم متفق عليه من حديث ابن عمر محمول على ترك الأمر بالمعروف نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - ان الناس إذا رد الظالم فلم يأخذوه على يديه او شك ان يعمهم الله بعقاب رواه اصحاب السنن الاربعة من حديث ابى بكر الصديق (مسئلة) اختلف اقوال السلف فى تعذيب الميت ببكاء اهله عليه وقد ورد فى الصحيحين عن عبد الله بن مليكة قال توفيت بنت لعثمان بن عفان بمكة فجئنا لنشهدها وحضر ابن عمرو ابن عباس فقال ابن عمر لعمر بن عثمان وهو مواجهه الا تلتهى عن البكاء فان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان الميت ليعذب ببكاء اهله عليه فقال ابن عباس قد كان يقول بعض ذلك ثم حدث وقال لما ان أصيب عمر دخل صهيب يبكى يقول وا أخاه وا صاحباه فقال عمر يا صهيب أتبكي على وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الميت ليعذب ببعض بكاء اهله عليه فقال ابن عباس فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الميت ليعذب ببكاء اهله عليه ولكن ان الله يزيد الكافر عذابا ببكاء اهله عليه وقالت عائشة حسبكم القران ولا تزر

[سورة النجم (53) : آية 39]

وازرة وزر اخرى قال ابن عباس عند ذلك والله اضحك وابكى قال ابن ابى مليكة فما قال ابن عمر شيئا قلت وتخطية عائشة عمر رض ضعيف وقد كان عمرا فقه من عائشة وكان شهادته شهادة الإثبات وتايدت حديث عمر بأحاديث اخر منها حديث المغيرة بن شعبة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من نيح عليه فانه يعذب بما نيح عليه- منها حديث ابى بكر الصديق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه ابو يعلى بلفظ الميت ينضج عليه الحميم ببكاء الحي ومنها حديث انس وعمر ان بن حصين عن ابن حبان فى صحيحه وحديث سمرة بن جندب عند الطبراني فى الكبير وحديث ابى هريرة عند ابى يعلى فظهران الحديث صحيح بتى الكلام فى تعارض الحديث بقوله تعالى لا تزر وازرة وزر اخرى فقال بعض العلماء ان التعذيب بالبقاء مختص بالكافر او بمن اوصى به لا بسبب البكاء والباء للحال اى يعذب حال بكائهم عليه والقولان عن عائشة لا يصحان لان القول باختصاص التعذيب بالكافر لا يدفع التعارض لان قوله تعالى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يعم المؤمن والكافر وألفاظ الحديث ببعض طرقها يابى عن كون الباء للحال الا ترى ان قوله ينضج الحميم ببكاء الحي صريح فى التعذيب فى الاخرة فان الحميم انما هو فى الجحيم لا فى الغير فكيف يتحد زمان التعذيب زمان بكاء الحي فلا يتصور كونه حالا وقيل المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يندب به اهله الحديث الترمذي والحاكم وابن ماجة مرفوعا ما من ميت يموت فتقوم نادية فتقول واجبلاه واسيداه وشبه ذلك من القول الا وكل به ملكان ينهرانه وهكذا كنت قلت وهذا التأويل ايضا لا يدفع التعارض فان التوبيخ بفعل غيره ايضا مما يمنعه لا تزر وازرة وزر اخرى وقيل المراد بالتعذيب تألم الميت بما يقع من اهله الحديث الطبراني وابن ابى شيبة عن قيلة بنت محترمة انها ذكرت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدا لها مات ثم بكت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيغلب أحدكم ان يصاحب صويحية فيا عباد الله لا تعذبوا امواتكم وهذا القول عليه ابن جرير واختاره الائمة آخرهم ابن تيمية واخرج سعيد ابن منصور عن ابن مسعود انه راى نسوة فى جنازة فقال ارجعن ما زورات غير ما جورات انكن لا تفتن الاحياء وتوذين الأموات والقول الصحيح فى دفع التعارض ان الحديث فيمن كان النوح من سنته او فيمن اوصى به او فيمن لم يوص بتركه إذا علم ان من شان اهله انهم يفعلون فيكون التعذيب على وزره دون وزر غيره واختار البخاري هذا القول. وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى اى الا سعيه يعنى كما لا يوخذ أحد بذنب غيره لا يثاب بفعل غيره ايضا عطف على ان لا تزر كلا الحكمين كانا فى صحف ابراهيم وموسى ومستدلا بهذه الاية قال الشافعي لا يثاب أحد بعمل غيره وقال ابو حنيفة

ومالك واحمد وجمهور الخلف والسلف بخلاف ذلك فقال ابن عباس الاية منسوخة بقوله تعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وقال عكرمة انها خاصة بقوم ابراهيم وموسى فاما هذه الامة فلها ما سعت وما سعى لها- وقال الربيع بن انس المراد بالإنسان هاهنا الكافر وهذا ليس بشىء فان الكافر لا يثاب بعمل نفسه ايضا حيث قال الله تعالى حبطت أعمالهم وقيل اللام هاهنا بمعنى على اى ليس على الإنسان الا ما سعى وعلى هذا بكون عطف لا تزر وازرة وزر اخرى عطفا تفسير يا احتج الجمهور على وصول الثواب من غيره بالأحاديث والإجماع اما الأحاديث فمنها حديث ابى سعيد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا قبض الله روح عبده المؤمن صعد ملكان الى السماء قالا ربنا وكلتنا بعهدك المؤمن نكتب عمله وقد قبضته إليك فاذن لنا ان نسكن الأرض فيقول ارضى مملوة من خلقى يسبحون ولكن قوما على قبر عبدى فسبحانى وهللانى وكبرانى الى يوم القيامة واكتباه لعبدى أخرجه ابو نعيم- وحديث ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له رواه مسلم وكذا اخرج احمد عن ابى امامة وجه الاحتجاج بهذا الحديث ان الصدقة الجارية وعلم ينتفع به وان كانا من سعيه ولكن دعاء الولد ليس من عمله وهو ينفعه وحديث ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح فى الجنة فيقول يا رب انى لى هذه فيقول باستغفار ولدك لك رواه الطبراني وروى نحوه عن ابى سعيد مرفوعا وحديث ابن عباس قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما الميت فى قبره الا شبه الغريق المتفوت ينتظر دعوة ملحقة من اب وأم او ولد او صديق ثقة فاذا ألحقته كانت أحب اليه من الدنيا وما فيها وان الله ليدخل على القبور من دعاء اهل الأرض أمثال الجبال وان هدية الاحياء الى الأموات الاستغفار لهم رواه البيهقي والديلمي وحديث مرفوعا أمتي امة مرحومة تدخل قبورها بذنوبها وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها يمحض عنها باستغفار المؤمنين لها رواه الطبراني فى الأوسط قال السيوطي وقد نقل غير واحد الإجماع على ان الدعاء ينفع الميت ودليله من القران قوله تعالى وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ قلت والظاهران انتفاع الأموات والاحياء بدعاء الاحياء غير مختصة بهذه الامة وقد قال نوح عليه السلام رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتي مومنا وللمؤمنين والمؤمنات وقال ابراهيم عليه السلام ساستغفر لك ربى انه كان بي حفيا وقال يوسف لاخوته لا تثريب عليكم اليوم ليغفر الله لكم

قال اخوة يوسف لابيهم يا أبت استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين قال سوف استغفر لكم ربى انه هو الغفور رّحيم وقال موسى رب اغفر لى ولاخى وأدخلنا فى رحمتك فالظ ان المراد بقوله تعالى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى المذكور فى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى انه لا يصل لاحد ثواب حسنات غيره من الصلاة والصوم والصدقة والحج ونحو ذلك ويكون من خصوصيات هذه الامة المرحومة نسخ ذلك الحكم بقوله الحقنا بهم ذريتهم من الأحاديث حديث عائشة ان رجلا قال يا رسول الله ان أمي افتلتت نفسها لم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجران تصدقت عنها قال نعم متفق عليه وحديث ابن عباس ان سعد بن عبادة توفيت امه وهو غائب فاتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله ان أمي ماتت وانا غائب فهل ينفعها ان تصدقت عنها قال نعم قال فانى أشهدك ان حايطى صدقة عنها رواه البخاري واخرج احمد واربعة عن سعد بن عبادة انه قال يا رسول الله ان أمي ماتت فاى صدقة أفضل قال الماء فحفر بيرا وقال هذه لام سعد واخرج الطبراني بسند صحيح عن انس نحوه وحديث ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تصدق أحدكم بصدقة تطوعا فليجعلها عن أبويه فيكون لهما أجرها ولا ينقص من اجره شيئا واخرج الديلمي نحوه من حديث معاوية بن جندة وحديث انس سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ما من اهل بيت يموت منهم فيتصدقون عنه بعد موته الا اهدا له جبرئيل على طبق من نور ثم يقف على شفير القبر فيقول يا صاحب القبر العميق هذه هدية أهداها إليك أهلك فاقبلها فيدخل عليه فيفرح بها ويستبشر ويحزن جيرانه الذين لا يهدى إليهم شىء رواه الطبراني فى الأوسط وحديث ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حج عن والديه بعد وفاتهما كتب الله لهما عتقا من النار وكان للمحجوج عنهما اجر حجة تامة من غير ان ينقص من اجورهما شىء وقال - صلى الله عليه وسلم - ما وصل ذو رحم رحمه بأفضل من حجة يدخلها عليه بعد موته فى قبره رواه البيهقي والاصبهانى بسند فيه مجهولان وعن زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حج عن أبويه ولم يحجا فيرى عنهما وبشرت أرواحهما فى السماء وكتب عند الله بزا أخرجه ابو عبد الله الثقفي وحديث عقبة بن عامر ان امرأة جاءت الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت أحج عن أمي وقد ماتت قال ارايت لو كان على أمك دين فقضيته قالت بلى فامرها ان تحج رواه الطبراني وحديث انس قال جاء الى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ان ابى مات ولم يحج حجة الإسلام فقال ارايت لو كان على أبيك دين كنت تقضيه عنه قال نعم قال فانه دين عليه فاقضبه رواه البزاز والطبراني بسند حسن وحديث ابى هريرة قال قال

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حج عن ميت فللذى حج عنه مثل اجره رواه الطبراني فى الأوسط وحديث عطاء وزيد ابن اسلم مرسلا قال جاء رجل الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله أعتق عن ابى وقد مات قال نعم رواهما ابن ابى شيبة وحديث ابن عباس انه - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن شبرمة قال أخ لى او قريب قال أحججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم من شبرمة رواه ابو داود وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وقال البيهقي اسناده صحيح وحديث عمرو بن العاص انه قال يا رسول الله ان العاص اوصى ان يعتق عنه بامه نسمة فاعتق هشام منها خمسين قال لا انما يتصدق ويحج ويعتق عن المسلم وكان مسلما بلغه رواه ابو الشيخ وحديث الحجاج بن دينار قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان من البر بعد البر ان تصلى عنهما مع صلوتك وتصوم عنهما مع صيامك وتصدق عنهما مع صدقتك رواه ابن ابى شيبة وقد مر حديث بريدة ان امرأة قالت يا رسول الله ان كان على أمي صوم شهرين أفيجزى ان أصوم عنها قال نعم قالت فان أمي لم تحج قط أفيجزى ان أحج عنها قال نعم رواه مسلم وحديث عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مات وعليه صيام صام عنه وليه متفق عليه وحديث على رض مرفوعا من مر على المقابر وقرأ قل هو الله أحد أحد عشر مرة ووهب اجره للاموات اعطى من الاجر بعدد الأموات رواه ابو محمد السمرقندي وحديث ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وإلهكم التكاثر ثم قال انى جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لاهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا شفعاء له الى الله رواه ابو القاسم سعد بن على وحديث انس ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من دخل المقبر فقرأ سورة يسين خفف الله عنهم وكان له بعدد من فيها حسنات أخرجه عبد العزيز صاحب الخلال بسنده وقال السيوطي قد ورد قرائة الفاتحة عند راس الميت وخواتيم البقر عند رجله من حديث ابن عمر مرفوعا وقت الدفن وفواتح البقرة وخواتمها عن حديث العلاء بن اللجلاج مرفوعا وقال القرطبي فى حديث اقرءوا على موتاكم يس فقال الجمهور فى حال موته قال ابن عبد الواحد المقدسي عند القبور وقال المحب الطبري فى الحالتين واخرج ابن ابى شيبة عن عطاء قال يتبع بعد موته العتق والحج والصدقة واخرج عن ابى جعفر ان الحسن والحسين كان يعتقان عن على بعد موته واخرج ابن سعد عن القاسم بن محمد عن عائشة اعتقت عن أخيها عبد الرحمن رقيقا من تلاده ترجوا ان ينفعه بذلك بعد موته وقال الحافظ شمس الدين ابن عبد الواحد ما زالوا فى كل مصر يجتمعون ويقرؤن لموتاهم من غير نكير فكان ذلك اجماعا واخرج

[سورة النجم (53) : آية 40]

واخرج الخلالى عن الشعبي كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا الى قبره يقرؤن القران وفى الاحياء عن احمد بن حنبل قال إذا دخلتم المقابر فاقرأوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ذلك لاهل المقابر فانه يصل إليهم وقال البيضاوي فى توجيه الاية انه ما جاء فى الاخبار من ان الصدقة والحج ينفعان الميت فلان التاوي له كالتائب عنه وقال بعض العلماء فى توجيهها ان انتفاع المؤمن بسعى غيره مبنى على إيمانه وهو سعى نفسه فكان سعى غيره تابعا لسعى نفسه قايما بقيامه والله تعالى اعلم. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى فى ميزانه يوم القيامة ان كان مؤمنا واما الكافر فيحبط أعمالهم بفوات شرطها وهى النية الخاصة لله تعالى او يقال الكافر يثاب عليه فى الدنيا من أريته الشيء قلت والاولى ان يقال السعى هاهنا بمعنى القصد قال فى القاموس سعى يسعى سعيا كرعى قصد وعمل ومشى وعدى وتم وكسب وقال بعض المحققين السعى المشي السريع ويستعمل للحمد فى العمل ومعنى الاية ليس للانسان الا ما قصد وأراد بفعله فهذه الاية تفيد ما يفيد قوله - صلى الله عليه وسلم - انما الأعمال بالنيات وان لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى الدنيا يصيبها او المرأة نكحها فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه من حديث عمر ابن خطاب رض فلا تدل هذه الاية على ان عمل أحد لا يفيد غيره كيف وصلوة الجنازة والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - امورتان واجبتان وضعتا لانتفاع غير الفاعل والله تعالى اعلم. ثُمَّ يُجْزاهُ اى المؤمن الْجَزاءَ الْأَوْفى الأتم والأكمل. وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى هذا وما عطف عليه كله فى صحف ابراهيم وموسى والمنتهى مصدر بمعنى الانتهاء روى البغوي بسنده عن ابى بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى قوله تعالى وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى قال لا فكرة فى الرب يعنى الفكرة تنتهى الى الله ويتلاشى هناك قال البغوي وهذا مثل ما روى عن ابى هريرة مرفوعا تفكروا فى الخلق ولا تفكروا فى الخالق فانه لا تحيط به الفكرة كذا ذكر البغوي وروى ابو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس تفكروا فى كل شىء ولا تفكروا فى ذات الله فان بين السماء السابعة الى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق ذلك قلت يعنى الفكرة لا يصل الى كرسيه فكيف الى ذاته وهو أجل وارفع وفى رواية له عنه تفكروا فى الخلق ولا تفكروا فى الخالق فانكم لا تقدرون قدره وروى ابو نعيم فى الحلية عنه تفكروا فى خلق الله ولا تفكروا فى الله وروى ابو الشيخ عن ابى ذر تفكروا فى خلق الله ولا تفكروا فى الله قلت الفكر عبارة عن ترتيب مقدمات لتحصيل مطلوب فترتيب المقدمات لا يتصور الّا فى آلاء الله وآياته واثاره والمطلوب ذاته وهناك تنتهى الفكرة فانه ليس وراء العباد ان

[سورة النجم (53) : آية 43]

قربه وذاته هو الصمد الذي لا يتعمق فيه النظر ونفى الفكرة فى ذاته تعالى لا ينافى الوصول اليه بلا كيف بل قوله تعالى وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ المنتهى يقتضى نهاية السير الى الذات البحت فى الله فى اصطلاح الصوفية انما هو السير فى الصفات والشيون والاعتبارات دون الذات البحت المعبر باللاتعين لكن هاهنا سير نظرى على ما حققه المجدد وقال اكثر المفسرين معنى الاية ان منتهى الخلق ومصيرهم الى الله تعالى وقيل منه ابتداء المنة واليه انتهاء الآمال والله تعالى اعلم. وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى يعنى خلق كل ما يعمله العباد حتى الضحك والبكاء قال عطاء بن ابى مسلم يعنى افرح واحزن وقال مجاهد اضحك اهل الجنة فى الجنة وابكى اهل النار فى النار وقال الضحاك اضحك الأرض بالنبات وابكى السماء بالمطر روى البغوي بسنده عن جابر بن سمرة قال كان اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يحلون فيتناشدون الشعر ويذكرون أشياء من امر الجاهلية فيضحكون ويتبسم معهم إذا ضحكوا يعنى النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه مسلم بلفظ كانوا يتحدثون فياخذون فى امر الجاهلية فيضحكون ويتبسم - صلى الله عليه وسلم - وفى رواية الترمذي يتناشدون الشعر روى البغوي فى شرح السنة عن قتادة قال سئل ابن عمر هل كان اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحكون قال نعم والايمان فى قلوبهم أعظم من الجبل وقال بلال بن سعد يشتدون بين الأغراض ويضحك بعضهم الى بعض فاذا كان الليل كانوا رهبانا- وروى البخاري عن عائشة ما رايت النبي - صلى الله عليه وسلم - مستجمعا ضاحكا حتى ارى منه لهواته انما كان يتبسم وفى الصحيحين عن جرير قال ما حجبنى النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت ولارانى الا تبسم وروى الترمذي عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال ما رايت أحدا اكثر تبسما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى البخاري عن ابى هريرة قال قال ابو القاسم - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسى بيده لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا وكذا روى احمد والترمذي وابن ماجة عن ابى ذر وزادوا ما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم الى الصعدات تحادون الى الله. وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا ما لا روح فيه كالنقطة لنطفة جعله حيوانا والبذر جعله شجرا وقيل أمات الآباء وأحيا الأبناء وقيل أمات الكافر بالنكرة واحياء المؤمن بالمعرفة. وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى من كل حيوان. مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى ص اى تصب فى الرحم يقال منى الرجل وامنى قاله الضحاك وعطاء بن ابى رباح وقال آخرون إذا يقدر قال منيت الشيء إذا قدرته. وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى قرأ ابن كثير وابو عمرو النشاة بالمد والباقون بسكون الشين بلا مدوهما مصدران

[سورة النجم (53) : آية 48]

من نشأ ينشأ يعنى الخلق الثاني البعث بعد الموت يوم القيامة أورد كلمة على وهى للوجوب على المجاز لتاكيد الوعد. وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى الناس بالأموال وما يدخرونه بعد الكفاية قال فى القاموس تغنى اكتفى بنفقته وفضلت فضله فادخرها والظاهران التقدير اغنى وَأَقْنى أفقر فحذف أفقر استغناء منه بدلالة الحال وقال الضحاك اغنى بالذهب والفضة وصنوف الأموال واقنى بالإبل والبقر والغنم وقال قتادة والحسن اقنى اخدم وقال ابن عباس اغنى واقنى يعنى اعطى فاوصى وقال مجاهد ومقاتل اقنى ارضى بما اعطى وقنع قال ابن زيدا غنى أكثروا قنى اقل وقرأ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وقال الأخفش اقنى أفقر. وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى وهو كوكب خلف الجوزاء وهما شعر بان يقال لاحدهما العبور وللاخرى القميصا سميت بذلك لانها احقر من الاخرى والمختبرة بينهما وأراد لههنا الشعرى العبور وكانت خزاعة تعبدها وأول من سن لهم ذلك رجل من اشرافهم يقال له ابو كبشة عبدها وخالف قريشا فى عبادة أوثان ولما خالف رسول الله العرب فى الدين سموه ابن ابى كبشة لمناسبة مخالفة القوم وتخصيصها فى الذكر هاهنا للاشعار بانها مخلوقة لله تعالى لا يستحق العبادة مثل اللات والعزى ولعل قوما عبدوها فى زمن ابراهيم عليه السلام ايضا ولذلك ورد التخصيص بذكرها فى صحف ابراهيم وموسى. وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وهو قوم هود اولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح عليه السلام اهلكوا بريح صرصر وكان لهم عقب كانوا عاد الاخرى قرأ نافع وابو عمرو عاد لولى بحذف الهمزة وابقاء ضمتها على اللام وادغام التنوين فيها واتى قالون بعد ضمة اللام بهمزة ساكنة فى موضع الواو والباقون يكسرون التنوين ويسكنون اللام ويخففون الهمزة بعدها ويجوز فى الابتداء بقوله عز وجل الاولى على مذهب ابى عمرو ثلثة أوجه الاولى بإثبات همزة الوصل وضم اللام بعدها والثاني لولى بضم اللام وحذف همزة الوصل قبلها استغناء عنها بتلك الحركة وهذان وجهان جائزان فى مذهب ورش فى مثل هذه الكلمة والثالث الاولى كقراءة الجمهور بإثبات همزة الوصل واسكان اللام وتحقيق همزة فاء الفعل وكذلك يجوز فى الابتداء بهذه الكلمة على مذهب قالون ثلثة أوجه ايضا الاول بإثبات همزة الوصل وضم اللام وهمزة ساكنة عوض الواو والولي بضم اللام وحذف همزة الوصل وهمزة الواو كوجه ابى عمرو الثالث قال الداني وهو عندى احسن الوجوه واقتبسها بمذهبنا. وَثَمُودَ قرأ عاصم وحمزة بغير تنوين ويقفان بغير الف والباقون بالتنوين ويقفون بالألف وهم قوم صالح اهلكهم الله بالصيحة فَما أَبْقى منهم أحدا. وَقَوْمَ نُوحٍ اهلكهم-

[سورة النجم (53) : آية 53]

مِنْ قَبْلُ ط عاد وثمود إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى ط من الفريقين لطول دعوة نوح إياهم وعتوهم على الله المعصية والتكذيب وإيذائهم نوحا عليه السلام يضربه حتى لا يكون به حراك ويتنفر الناس عنه. وَالْمُؤْتَفِكَةَ اى القرى التي ايتفكت اى انقلبت باهلها وهى قرى قوم لوط أَهْوى اى أسقط أهواها جبرئيل عليه السلام بعد رفعها الى السماء. فَغَشَّاها ما غَشَّى ج يعنى الحجارة المنضودة المسومة فيه تهويل وتعظيم لما أصابهم. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى اى تشكك وتجادل وقال ابن عباس تكذب خطاب لكل أحد يعنى لا يجوز الشك والمجادلة فى آلاء ربك الباهرة والنعماء الظاهرة والقدرة القاهرة بعد ما سمعت احوال الأمم السابقة قيل أراد بالخطاب الوليد بن مغيرة. هذا يعنى محمد - صلى الله عليه وسلم - او القران نَذِيرٌ مبين مِنَ جنس النُّذُرِ الْأُولى اى المنذرين الأولين وقال الاولى على تاويل الجماعة اى من جنس النذرات الاولى قرأ حمزة والكسائي اواخر ... هذه السورة من قوله تعالى إِذا هَوى الى النُّذُرِ الْأُولى بالامالة واما ابو عمرو من ذلك ما كان فيه راء كاخرى وشعرى وتتمارى وما عدى ذلك بين بين وورش جميع ذلك بين بين والباقون بإخلاص الفتح. أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ج يعنى دنت الساعة الموصوفة بالدنو فى قوله تعالى اقتربت الساعة-. لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ الجملة حال من الآزفة كاشِفَةٌ ط اى مظهرة نظيره قوله تعالى لا يجليها لوقتها الا هو صفة موصوف محذوف اى نفس كاشفة وجاز ان يكون التاء فيه للمبالغة ويجوز ان يكون الكاشفة مصدرا كالباقية والعافية والمعنى ليس لها من دون الله كشف لا يكشفها ولا يظهرها غيره وقال عطاء وقتادة والضحاك ليس لها نفس قادرة على كشف أهوالها وشدايدها إذ غشيت الا الله تعالى يكشف عمن شاء من المؤمنين. أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ اى القران عطف على محذوف تقديره أتسمعون فمن هذا الحديث تَعْجَبُونَ إنكارا واستفهام للتوبيخ. وَتَضْحَكُونَ استهزاء وَلا تَبْكُونَ خشوعا او تضحكون بما تفرحون من اللذات الدنيوية ولا تبكون تحزنا على ما قصرتم فى الطاعة او أفرطتم فى المعصية. وَأَنْتُمْ سامِدُونَ اى لاهون غافلون والسمود الغفلة عن الشيء واللهو يقال دع منا سمودك اى لهوك هذا رواية الوالبي والعوفى عن ابن عباس وقال عكرمة السمود عنه الضلو؟؟؟ بلغة اهل اليمن كانوا إذا سمعوا القران تغنوا ولعبوا وقال الضحاك اشرون بطرون وقال مجاهد غضاب معرضون وقيل معناه

[سورة النجم (53) : آية 62]

مستكبرون من سمد البعير فى مسيرة إذا رفع راسه كذا اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال كانوا يمرون على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يصلى شامخين فنزلت وأنتم سامدون قال فى النهاية شمخ بانفه اى ارتفع تكبرا. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ خشوعا وتواضعا لله وتصديقا بوعده ووعيده واعتبارا وَاعْبُدُوا ع اى اعبدوه دون غيره- الفاء للسببية عطف على ازفت الآزفة عن ابن عباس قال سجد النبي صلى الله عليه واله وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس رواه البخاري وعن ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير ان شيخا من قريش أخذ كفا من حصى او تراب فرفعه الى جبهه وقال يكفينى هذا قال عبد الله فلقد رايته بعد قتل كافرا متفق عليه وزاد البخاري فى رواية وهو امية بن خلف وفى لفظ البخاري أول سورة نزلت فيها سجدة النجم فسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم الحديث وعن زيد بن ثابت قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه واله والنجم فلم يسجد فيها متفق عليه احتج بهذا الحديث من قال ان سجود التلاوة غير واجب وأجيب بانه صلى الله تعالى عليه وعلى اله وأصحابه وسلم لعله لم يكن حينئذ على وضوء او يكون حينئذ مانع من السجدة ولا يدل الحديث على نفى السجود مطلقا لكن هذا تاويل بعيد ولو كان تأخير السجود لعذر لببينه النبي صلى الله عليه واله وسلم ويدل على عدم وجوب السجدة وقول عمر بن الخطاب رض ان الله لم يكتبها علينا الا ان نشاء وقد ذكرنا مسائل سجود التلاوة واختلاف الائمة فيه فى سورة الانشقاق والله تعالى اعلم-.

سورة القمر

سورة القمر مكيّة وهى خمس وخمسون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى البغوي عن انس بن مالك ان اهل مكة سالوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان يراهم اية فاراهم القمر شقتين حتى راى حراء بينهما وكذا اخرج الشيخان فى الصحيحين وقال البغوي قال شيبان عن قتادة فاراهم انشقاق القمر مرتين كذا اخرج الترمذي بلفظ فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت اقتربت الساعة والشق القمر الى قوله سحر مستمر واخرج الشيخان والحاكم واللفظ له عن ابن مسعود قال رايت القمر منشقا شقتين بمكة قبل مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا سحر القمر فنزلت اقتربت الساعة وانشق القمر وكذا اخرج البغوي من طرق البخاري بلفظ انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشهدوا قال البغوي وقال ابو الضحى عن مسروق عن عبد الله انشق القمر بمكة وقال انشق القمر ثم التأم بعد ذلك وروى ابو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال سحركم ابن ابى كبشة فاسالوا السفار فسألوهم فقالوا نعم قد رايناه فانزل الله تعالى اقْتَرَبَتِ اى دنت السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ يعنى قد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر. وَإِنْ يَرَوْا يعنى الكفار آيَةً معجزة دالة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعْرِضُوا عن التأمل والايمان وَيَقُولُوا هذا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ اى ذاهب سوف يذهب ويبطل من قولهم مر الشيء واستمر بمعنى ذهب كقولهم قر واستقر كذا قال مجاهد وقتادة وقال ابو العالية والضحاك مستمر بمعنى قوى شديد يعلو كل سحر من قولهم مر الحبل إذا صلب واشتدوا مررته إذا أحكمت قتله واستمر الشيء إذا قوى واستحكم وقيل معناه سحر مطرد يوجد متتابعا كثيرا وقيل معناه مستبثع من استمر إذا اشتد مرارته والجملة الشرطية معترضة لبيان عادة الكفار وقوله تعالى. وَكَذَّبُوا عطف على انشق يعنى كذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - والقران وما عاينوا من قدرة الله تعالى وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ولم يتبعوا الوحى بعد ظهوره ذكرهما بلفظ الماضي للاشعار بانهما من عادتهم القديمة وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ اى منبة؟؟؟ اى غاية من خذلان او نصر فى الدنيا وسعادة او شقاوة فى الاخرة فان الشيء إذا انتهى الى غايت ثبت واستقر وكذا قال مقاتل لكل حديث منتهى وقيل معناه كل امر مقدر مستقر يعنى كاين واقع لا محالة وكل امر وعد الله واقع كاين

[سورة القمر (54) : آية 4]

لا محالة وقال الكلبي لكل امر حقيقة ما كان منهم فى الدنيا فسيظهر وما كان منه تعالى فى الاخرة فسيعرف وقال قتادة وكل امر مستقر فى الخير يستقر باهل الخير وكل امر مستقر فى الشر يستقر باهل الشر وقيل كل امر من خير او شر مستقر قراره فالخير مستقر باهله فى الجنة والشر مستقر باهله فى النار وقيل يستقر قول المصدقين والمكذبين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب قرأ ابو جعفر مستقر بالجر على انه صفة امر وكل معطوف على الساعة يعنى اقتربت الساعة واقتربت كل امر مستقر باهله. وَلَقَدْ جاءَهُمْ يعنى كفار مكة فى القران مِنَ الْأَنْباءِ انباء القرون الخالية او انباء الاخرة. ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ ما موصولة او موصوفة أصله من تجر بقلب تاء الافتعال مع الزاء والا للتناسب وكذا مع الذال فان التاء حرف مهموس والدال والذال والزاء مهجورات ومخرج التاء والذال واحد مصدر ميمى بمعنى الأزد جار يعنى جائهم ما فيه نهى وعظة بحيث يقتضى الانتهاء من المعاصي والاتعاظ فان هلاك الأمم الطاغية الماضية المواعيد بالنار يقتضى ذلك. حِكْمَةٌ بالِغَةٌ غايتها لا خلل فيها بدل من ما فاعل جاء او خبر لمبتداء محذوف اى هو فَما تُغْنِ النُّذُرُ نفى او استفهام للانكار اى فلم تغن النذر او فاى غناء يغنى النذر وهو جمع نذير بمعنى المنذر اى الرسول او المصدر منه او مصدر بمعنى الانذار-. فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حيث لا ينفعهم إنذارك نسختها اية القتال يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ قرأ البزي الداعي بإثبات الياء وصلا ووقفا وابو عمرو دورش فى الوصل فقط ويوم منصوب با ذكر والجملة مستانف وجملة يخرجون حال من مفعول بدعوا المحذوف تقديره يوم يدعوهم الداعي يخرجون او الظرف متعلق يخرجون وجملة تخرجون مستانفة وذلك يوم القيامة- الداعي اسرافيل عليه السلام يقف على صخرة بيت المقدس يقول يا أيتها العظام النخرة والجلود المتمزقة والاشعار المنقطعة ان الله يأمر كن ان تجمعين لفصل الخطاب رواه ابن عساكر عن زيد بن جابر الشافعي إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ قرأ ابن كثير بإسكان الكاف والباقون بضمه اى شىء منك قطيع لم تعهد مثله تنكره النفوس استعظاما. خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب خاشعا بفتح الخاء والف بعد وكسر الشين على الافراد والتذكير لان فاعله ظاهر غير حقيق التأنيث وقرأ ابن مسعود رض خاشعة على الأصل وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وابو جعفر خشعا على صيغة جمع التكسير وحسن ذلك

[سورة القمر (54) : آية 8]

ولا يحسن مررت برجال قايمين غلمانهم لانه ليس على صيغة يشبه الفعل يعنى ذليلا أبصارهم حال من فاعل يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ اى القبور كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ فى الكثرة والتموج والانتشار فى الامكنة الجملة ايضا حال من فاعل يخرجون. مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ قرأ ابن كثير الداعي بإثبات الياء فى الحالين ونافع وابو عمرو فى الوصل فقط يعنى مسرعين مادى أعناقهم الى صوت الداعي او ناظرين اليه يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ صعب شديد جملة مستانفة. كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ اى قبل قومك قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا نوحا عليه السلام تنازع الفعلان فى المفعولية فاعمل الثاني وحذف من الاول والمعنى كذبت قوم نوح نوحا عليه السلام فكذبوه تكذيبا بعد تكذيب كلما مضى منهم قرن مكذب جاء قرن اخر فكذبوه وهذا الى الف سنة الا خمسين عاما وجازان يقدر المحذوف غير المذكور فلا يكون من باب التنازع والمعنى كذبوه بعد ما كذبوا الرسل وجاز ان ينزل الفعل منزلة اللازم ولا يقدر المفعول فلا يكون من باب التنازع والمعنى صدر التكذيب قبلهم من قوم نوح فكذبوا نوحا والفاء حينئذ للتفصيل بعد الإجمال وَقالُوا عطف على كذبوا مَجْنُونٌ خبر مبتدا محذوف اى هو وَازْدُجِرَ اما عطف على مجنون يعنى قالوا هو مجنون وازدجرته الجن فخبطته وذهب بعقله كذا قال مجاهد او عطف على قالوا يعنى وازدجروه عن التبليغ بانواع الاذية وقالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين- اخرج عبد بن حميد عن مجاهد واحدا منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا عليه فيفيق ويقول اللهم اغفر لى لقومى فانهم لا يعلمون وكذا اخرج احمد فى الزهد من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير. فَدَعا نوح رَبَّهُ بعد ما اوحى اليه انه لن يؤمن من قومك الا من قدا من فلا تبتئس بما كانوا يفعلون أَنِّي مَغْلُوبٌ اى بانى مغلوب غلبنى قومى فَانْتَصِرْ اى فانتقم لى منهم لعذاب لبعتهم وقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا. فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ منصب انصبابا شديدا لم ينقطع أربعين يوما وقيل معناه بماء طبق ما بين السماء والأرض. وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً تميز من النسبة والمعنى فجرنا عيون الأرض لكن غير للمبالغة كانه قال جعلنا الأرض كلها عيونا منفجرة فَالْتَقَى الْماءُ يعنى الافتعال بمعنى التفاعل وذلك يقتضى تعدد الفاعل لكن الماء اسم يطلق

[سورة القمر (54) : آية 13]

على الواحد والكثير وأريد هاهنا فالتقى الماء ان يعنى ماء السماء وماء الأرض كذا قرأ عاصم الجحدري عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ج اى على حسب امر قد قدره الله تعالى فى الأزل وكتب فى اللوح او على حال قدرت وسويت وهو ان قدر ما انزل من السماء على قدرنا اخرج من الأرض او على امر قدره الله وهو هلاك قوم نوح بالطوفان. وَحَمَلْناهُ يعنى نوحا عَلى سفينة ذاتِ أَلْواحٍ أخشاب عريضة وَدُسُرٍ اى مسامير دسارا ودسير ذكر النعت وأقيمت مقام الاسم. تَجْرِي حال من ذات ألواح بِأَعْيُنِنا ج اى محفوظة بحفظنا جَزاءً اى فعلنا ذلك جزاء او جزينا قوم نوح جزاء لِمَنْ كانَ كُفِرَ اى لاجل نوح لانه نعمة كفروها فان كل نبى نعمة من الله ورحمة على أمته وقيل من بمعنى ما اى جزاء لما كان كفر من أيادي الله ونعمة عند الكافرين او المعنى حاجزا لما صنع بنوح وأصحابه او المعنى فعلنا ذلك اى أغرقنا قوم نوح وأنجينا نوحا جزاء وثوابا لنوح عليه السلام. وَلَقَدْ تَرَكْناها اى الفعلة المذكورة يعنى أبقينا قصتها آيَةً على قدرتنا وصدق الأنبياء يعتبر بها من بعدهم وقال قتادة الضمير المنصوب عايد الى السفينة ولقد أبقى الله السفينة بأرض الجزيرة وقيل بالجودي دهرا طويلا حتى نظرها أوائل هذه الامة وهذه جملة معترضة وكذا قوله تعالى فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ اى معتبر الاستفهام للاغراء والتحريض على الادكار والاتعاظ والفاء للسببية أصله مدتكر مفتعل من الدكر قلبت التاء دالا للتناسب ثم أدغمت الدال فى الدال لقرب المخرج. فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ الاستفهام للتعظيم والتهويل والفاء للسببية فان القصة السابقة سبب للتهويل ونذر جمع نذير وقال الفراء الانذار والنذر مصدر ان كالانفاق والنفقة والإيقان واليقين وكيف خبر كان قدمت لاقتضائها صدر الكلام قرأ ورش عذابى ونذرى بإثبات الياءات فى ستة مواضع من هذه السورة. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا اى سهلنا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ اى للاذكار والاتعاظ بان ذكرنا فيه انواع المواعظ والعبر والوعيد واحوال الأمم السابقة للاعتبار والمعنى يسرنا القران للحفظ بالاختصار وعذوبة اللفظ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كَذَّبَتْ عادٌ قوم هود عليه السلام هودا وجميع الأنبياء فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ اى انذاراتى لهم بالعذاب قبل نزوله او لمن بعدهم فى تعذيبهم. إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً باردا شديد الهبوب وشديد الصوت فِي يَوْمِ نَحْسٍ شوم على الأعداء

[سورة القمر (54) : آية 20]

مُسْتَمِرٍّ اى استمر شومه او استمر عليهم حتى اهلكهم الله او على صغيرهم وكبيرهم فلم يبقى منهم أحدا او أشد مرارته قال البغوي قيل كان يوم الأربعاء اخر شهر. تَنْزِعُ النَّاسَ اى تقلعهم من أماكنهم ثم ترمى بهم على رؤسهم فتدق رقابهم وقال البيضاوي روى انهم دخلوا فى الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعهم الريح منها وصرعتهم موتى وقال البغوي روى انها كانت تنزع الناس من قبورهم كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ اى اصول نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ منقلع من مكانه ساقط على الأرض ذكر الصفة حملا على اللفظ والتأنيث فى قوله اعجاز نخل خاوية ونخل باسقات للمعنى قال البغوي انما قال اعجاز نخل وهى أصولها التي قطعت فروعها لان الريح كانت تبين رؤسهم من أجسادهم فتبقى الأجسام بلا رؤس. فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ كرر للتهويل وقيل الاول لما حاق بهم فى الدنيا والثاني لما يحيق بهم فى الاخرة كما قال ايضا فى قصتهم لنذيقهم الخزي فى الحيوة الدنيا ولعذاب الاخرة اخزى. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ بالإنذارات والمواعظ والرسل. فَقالُوا أَبَشَراً آدميا منصوب على المفعولية بفعل مضمر يفسره ما بعده مِنَّا صفة لبشر اى من جنسنا او من جملتنا لا فضل له علينا بالمال والجاه واحِداً بدل من بشرا وعطف بيان له اى منفرد الا تبع له او من احادنا دون اشرافنا نَتَّبِعُهُ الاستفهام للانكار والإنكار على كون متبوعهم مثلهم فى الجنسية ودونهم فى الانفراد لا على فعل الاتباع فانه لو كان المتبوع من الملائكة او ملوك البشر لم ينكروا اتباعه فلا بد تقدير الفعل موخرا من المفعول فى الإضمار والتفسير تأكيد الإنكار الاتباع إِنَّا إِذاً اى إذا نتبعه لَفِي ضَلالٍ اى خطاء ذهاب عن الصواب وَسُعُرٍ قال وهب معناه بعد من الحق وقال الفراء جنون يقال ناقة مسعودة إذا كانت خفيفة الراس هايمة على وجهها وقال قتادة معناه عناء وعذاب مما يكره منا من طاعة وقيل سعر جمع سعير قال ابن عباس معناه عذاب وقال الحسن شدة عذاب وكانهم عكسوا قول صالح عليه السلام لما قال ان تتبعونى كنتم فى ضلال عن الحق وسعير ونيران فقالوا ان اتبعناك انا إذا لفى ضلال وسعير. أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ الكتاب والوحى مِنْ بَيْنِنا وفينا من هو أحق بذلك يعنون انه لم يلق عليه الذكر من بيننا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ يكذب على الله أَشِرٌ بطر منكر يريد ان يتعظم علينا بادعاء النبوة إضراب من نفى الفضيلة الى ادعاء الرذيلة فيه عليه السلام.

[سورة القمر (54) : آية 26]

سَيَعْلَمُونَ غَداً حين ينزل هم العذاب وقال الكلبي يعنى يوم القيامة مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ أهم أم صالح عليه السلام قرأ ابن عامر وحمزة ستعلمون عذابنا الخطاب على الالتفات والباقون بالياء على الغيبة والجملة استيناف فى جواب ما شانهم ولما سالوا معجزة من الصالح عليه السلام على صدقه وقالوا تعنتا ان يخرج لهم ناقة حمراء عشراء من صخرة عينوها قال الله تعالى. إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ اى مخرجوها وباعثوها فِتْنَةً لَهُمْ اى لاجل امتحانهم او حال كونها امتحاناتهم فَارْتَقِبْهُمْ اى فانتظر يا صالح ما يصنعوا بها وَاصْطَبِرْ على اذاهم او اصبر على ارتقابهم. وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ اى مقسوم بَيْنَهُمْ يعنى بين قومك وبين الناقة لها يوم ولهم يوم أورد ضمير الجمع المذكر العاقل تغليبا كُلُّ شِرْبٍ اى نصيب من الماء مُحْتَضَرٌ يحضره من كان نوبته فاذا كان يوم الناقة حضرت شربها وإذا كان يوم نوبتهم حضروه دون الناقة واحتضر وحضر بمعنى واحد وقال مجاهد يحتضرون الماء إذا غابت الناقة فاذا جاءت الناقة حضر واللبن. فَنادَوْا ثمود صاحِبَهُمْ قدار بن سالف فَتَعاطى فتناول الناقة بسيغه فَعَقَرَ فعذبناهم. فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ثم بين عذابهم فقال. إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً صاح بهم جبرئيل عليه السلام فَكانُوا اى صاروا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ قال ابن عباس المحتظر الرجل يجعل لغنمه حظيرة من الشجر والشوك دون السباع فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم وقيل هو الشجر اليابس الذي يتخذه من الحظير لاجل الحظيرة او الحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لما شيته فى الشتاء وقال قتادة معناه كالعظام النخرة المحترقة وقال سعيد بن جبير هو التراب يتناشر من الحائط. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً اى ريحا ترميهم بالحصباء وهى الحصى الصغار وقيل الحصباء هى الحجر الذي دون ملأ الكف وقد يكون الحاصب الرامي فيكون على هذا انا أرسلنا عليهم حاصبا يحصبهم اى يرميهم بالحجارة إِلَّا آلَ لُوطٍ استثناء من الضمير المجرور فى عليهم نَجَّيْناهُمْ يعنى ال لوط بِسَحَرٍ اى فى سحر وهى اخر الليل او مسحرين الجملة تعليل للاستثناء. نِعْمَةً اى انعاما علة لنجينا مِنْ عِنْدِنا ط صفة لنعمة كَذلِكَ نَجْزِي

[سورة القمر (54) : آية 36]

مَنْ شَكَرَ نعمة الله بالايمان والطاعة يعنى من وحد الله وشكر نعمة نجزيه جزاء.... كما جزينا ال لوط ولم نعذبهم مع المشركين كذا قال مقاتل. وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ يعنى انذر لوط قومه بَطْشَتَنا اى أخذتنا إياهم بالعذاب ان لم يؤمنوا مفعول ثان لانذر فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ يعنى كذبوا لوطا وشكوا بالإنذار. وَلَقَدْ راوَدُوهُ اى طلبوا لوطا ان يعرض عَنْ ضَيْفِهِ ويسلمهم إليهم حين قصدوا الفجور بهم وكانوا الملائكة فيهم جبرئيل عليه السلام على صورة الامارد أرسلهم الله على قوم لوط ليرسلوا عليهم حجارة من طين مسومة للمسرفين فلما قصد قوم لوط داره وعالجوا الباب ليدخلوا قالت الرسل للوط خل بينهم وبين الدخول فانا رسل ربك لن يصلوا إليك فدخلوا الدار وقال البغوي واخرج ابن إسحاق وابن عساكر من طريق جرير ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ان لوطا اغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوروا الجدار فلما راى الملائكة ما على لوط قالوا انا رسل ربك لن يصلوا إليك فصعقهم جبرئيل بجناحه بإذن الله فتركهم عمياء يترددون متحيرين لا يهتدون الى الباب فاخرجهم لوط عميانا لا يبصرون وذلك قوله تعالى فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ اى صيرناها كساير الوجه لا يرى له شق كذا قال اكثر المفسرين وقال الضحاك طمس الله أبصارهم فلم يروا الرسل فقالوا قد رأيناهم حين دخلوا البيت فاين ذهبوا فلم يرواهم فرجعوا فقال الله تعالى على السنة الرسل فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ اى ما أنذرتكم به على لسان لوط من العذاب. وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ اى جاءهم وقت الصبح بُكْرَةً أول النهار عَذابٌ رمى الحجارة مُسْتَقِرٌّ اى يستقر بهم بعد الموت عذاب القبر حتى يسلمهم الى النار المؤبدة-. فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ع وفائدة التكرير بعد كل قصة ان يستانفوا تنبيها واتعاظا واستيقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه. وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ج يعنى موسى وهارون عليهما السلام ومن معهما وقيل هى الآيات التي انذرهم بها موسى واكتفى بذكر ال فرعون عن ذكره للعلم بانه اولى بذلك. كَذَّبُوا بِآياتِنا يعنى الآيات التسعة كُلِّها عن صفوان بن عسال قال قال يهودى لصاحبه اذهب بنا الى هذا النبي فقال له صاحبه لا تقل نبى انه لو سمعك لكان له اربع أعين فاتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسالا عن تسع آيات بينات فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تشركوا

[سورة القمر (54) : آية 43]

بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ولا تمشوا ببرى الى ذى سلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تأكلوا الربوا ولا تقذفوا محصنة ولا تولوا للفرار يوم الزحف وعليكم خاصة اليهود ان لا تعتدوا فى السبت قال فقبلا يديه ورجليه وقالا نشهد انك بنى قال فما يمنعكم ان تتبعونى قالا ان داود عليه السلام دعى ربه ان لا يزال فى ذريته نبى وانا نخاف ان تبعناك ان يقتلنا اليهود رواه ابو داود والترمذي والنسائي فَأَخَذْناهُمْ بالعذاب يعنى أغرقناهم فى اليم ثم أدخلناهم فى النار أَخْذَ عَزِيزٍ غالب لا يغلب مُقْتَدِرٍ على الانتقام لا يعجزه ما أراد ولا يمنعه شىء عما أراد. أَكُفَّارُكُمْ يعنى كفار قومكم ايها المؤمنون من قريش خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ يعنى من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وال فرعون المذكورين بحلول العذاب بهم قوة وعددا او مكانة ودينا عند الله والاستفهام للانكار يعنى ليسوا خيرا منهم فكيف أمنوا من مثل ما حل بهم من العذاب أَمْ لَكُمْ يا اهل مكة بَراءَةٌ وأمان من العذاب فِي الزُّبُرِ ج اى فى الكتب السماوية ان من كفر منكم وكذب الرسل لا يعذب حتى أمنوا من العذاب. أَمْ يَقُولُونَ اى هؤلاء الكفار نَحْنُ جَمِيعٌ اى جماعة أمرنا مجتمع مُنْتَصِرٌ ممتنع لا نرام او منتصر من الأعداء لا تغلب او متناصر بعضنا بعضا والتوحيد حملا على لفظ الجميع وموافقة لرؤس الاى اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قالوا يوم بدر نحن جميع منتصر فنزلت. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ قرأ يعقوب سنهزم بالنون على صيغة المتكلم المعروف والجمع منصوبا على المفعولية والباقون على صيغة الواحد الغائب المجهول والجمع مرفوعا على انه مسند اليه أورد الدبر مفردا فى محل الأدبار بارادة الجمع الجنس موافقة لرؤس الاى كما يقال ضربنا منهم الراس او لان كل واحد منهم يولى دبره روى البخاري عن ابن عباس ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وهو فى قبة يوم بدر أنشدك عهدك ووعدك اللهم ان تشاء لا تعبد بعد اليوم فقال ابو بكر وأخذ بيده حسبك يا رسول الله ألححت على ربك فخرج وهو يثب فى الدرع وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر كنت لا أدرى اى جمع يهزم فلما كان يوم بدر رايت النبي - صلى الله عليه وسلم - يثب فى درعه ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر ذكره البغوي قول سعيد بن المسيب قال سمعته من عمرو اخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردوية فى تفاسيرهم من مرسل عكرمة ورواه الطبراني فى مجمعه الأوسط. بَلِ السَّاعَةُ إضراب على طريقة الانتقال الى الأهم

[سورة القمر (54) : آية 47]

مَوْعِدُهُمْ جميعا للعذاب وما يحيق بهم فى الدنيا فمن طلايعه وكان ليس بعذاب بالنسبة الى ما يحيق بهم يوم القيامة ولذلك لا يعذب بعض الكفار فى الدنيا مع استحقاقهم جميعا للعذاب- وَالسَّاعَةُ أَدْهى اى أشد داهية والداهية امر فظيع لا يهدى الى دفعه وَأَمَرُّ فذاقا من عذاب الدنيا. إِنَّ الْمُجْرِمِينَ اى الكافرين تعميم بعد تخصيص لبيان حال الكفار مطلقا بعد التخصيص بذكر كفار مكة فِي ضَلالٍ عن الحق فى الدنيا وَسُعُرٍ نيران فى الاخرة وقيل معنى الاية فى ضلال اى ذهاب من طريق الجنة فى الاخرة وسعر اى نار مسعرة كذا قال الحسن بن فضل وقال قتادة فى عناء وعذاب. يَوْمَ يُسْحَبُونَ اى يجرون فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ يقال لهم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ اى حر النار والمها فان مسها سبب لالمها. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ منصوب بفعل مضمر يفسره خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ والجملة معترضة بين ذكر الكفار نزلت رد المخاصمة قريش روى مسلم والترمذي عن ابى هريرة قال جاءت مشركوا قريش يخاصمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى القدر فنزلت ان المجرمين فى ضلال وسعر الى قوله انا كل شىء خلقناه بقدر يعنى خلقنا كل شىء بتقدير سابق او مقدرا مكتوبا فى اللوح المحفوظ معلوما قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه قال الحسن قدر الله لكل شىء من خلقه قدره الذي ينبغى له اى يقتضيه الحكمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة قال وكان عرشه على الماء- رواه مسلم وروى البغوي بسنده عن طاؤس بن مسلم اليماني قال أدركت ناسا من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون كل شىء بقدر حتى العجز والكيس وعن على بن ابى طالب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله بعثني بالحق ويومن بالبعث بعد الموت ويومن بالقدر رواه الترمذي وابن ماجة عن ابن عمر قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يكون فى أمتي خسف ومسخ وذلك على المكذبين بالقدر رواه ابو داود وروى الترمذي نحوه وعنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدرية مجوس هذه الامة ان مرضوا لا تعودوهم وان ماتوا لا تشهدوهم رواه احمد وابو داود وعن ابى خزامة عن أبيه قال قلت يا رسول الله ارايت رقى تسترقى بها ودواء نتداوى بها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا قال هى من قدر الله رواه احمد والترمذي وابن ماجة وفى الباب أحاديث كثيرة وانعقد عليه اجماع الصحابة ومن بعدهم من

[سورة القمر (54) : آية 50]

من اهل السنة والجماعة. وَما أَمْرُنا فى تكوين الأشياء وإعدامها وإعادتها إِلَّا واحِدَةٌ اى إلا فعلة واحدة وهى الإيجاد والامحاء بلا معالجة ومعناه او إلا كلمة واحدة وهى قوله تعالى كن فى الإيجاد والصيحة فى الاعدام والبعث كاينة فى اليسر والسرعة كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ قال الكلبي عن ابن عباس وما أمرنا بمجىء الساعة فى السرعة الا كطرف البصر نظيره قوله تعالى وما امر الساعة الا كلمح البصر او هو اقرب. وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ جمع شيع معناه المثل كذا فى القاموس يعنى أهلكنا اشباهكم فى الكفر ممن قبلكم يا اهل مكة فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ متعظ بالاعتبار ممن قبله الفاء للسببية والاستفهام للحث والتحريض بمعنى الأمر يعنى لقد أهلكنا يا اهل مكة اشباهكم فاذكروا واتعظوا متصل بما سبق فى توبيخ اهل مكة وما بينهما معترضات. وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ صفة لشىء فعله المكلفون ثابت مكتوب فِي الزُّبُرِ اى فى صحائف الحفظة التي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها فيجازى بها يوم القيامة او فى اللوح المحفوظ. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ من اعمال المكلفين او من الخلائق وأعمالهم واجالهم مُسْتَطَرٌ اى مسطور مكتوب فى صحائف الحفظة او فى اللوح المحفوظة فهذه الجملة بيان وتفسير وتأكيد لما سبق او المراد بأحد الجملتين كونها مكتوبا فى صحائف الحفظة وبالأخرى فى اللوح المحفوظ والله تعالى اعلم. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ اى انهار الجنة من الماء والخمر والعسل واللبن او رد لفظ المفرد اكتفاء باسم الجنس موافقة لروس الاى وقال الضحاك يعنى فى الضياء السعة ومنه النهار قال البغوي قرأ الأعرج ونهر بالضمتين جمع نهار يعنى لا ليل لهم. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ اى فى مكان لا لغو فيه ولا تأثيم يعنى الجنة او فى مكان مرضى قال الجوهري يعبر عن فعل فاضل ظاهرا وباطنا بالصدق ومنه قوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ الاية وقوله تعالى لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عند ربهم وقوله تعالى أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخرجني مخرج صدق قال البغوي قال الصادق رض مدح الله المكان بالصدق فلا يقعد فيه الا اهل الصدق عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ اى عند الله مالك الأشياء كلها وملكها قادر لا يعجزه شىء عندية غير متكيفة لا تدركه العقول والافهام الا من فتق الله غشاوة بصيرته من الكرام وفايدة التكبير فيها الإيماء الى ان ما من شىء الا تحت ملكه وقدرته والله تعالى اعلم-.

سورة الرحمن

سورة الرّحمن مكيّة وهى ثمان وسبعون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ط جواب لقول الكفار وما الرحمن فذكر الله تعالى انه مولى النعم الدنيوية والاخروية كلها من بدء الخلق الى ابد الآبدين على ما يقتضيه لفظ الرحمن المبنى على كمال المبالغة فى الرحمة وقدم فى الدّكر ما هو اصل النعم الدينية وأجلها وهو تنزيل القران وتعليمه فانه أساس الدين وفيه صلاح الدارين ثم ذكر بعده خلق الإنسان اشارة الى ان الإنسان انما خلق لاجل تلقى القران ولذلك علمه البيان ولما كان اشراكهم وعبادتهم لغير الله تعالى وقولهم وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا دليلا على انكارهم آلاء الله تعالى كرر التوبيخ عليهم فى السورة احدى وثلثين مرة بعد ذكر بعض الآلاء ايقاظا وتنبيها واما بعد الوعيد على الكفران زجرا ومنعا عماهم عليه واما بعد الوعد لمن خاف مقام ربه وشكر نعمائه تحريضا وتطميعا وقيل هذه الاية رد لقول الكفار انما يعلمه بشر والمعنى انه لا يستطيع البشر على تعليم مثل هذا القران البليغ المعجز بل علمه الرحمن الذي هو المنعم بالنعم الدنيوية والاخروية كلها بمقتضى رحمة وهذا أجل النعم المفضى الى صلاح الدارين رحمن مبتدا والجملة خبره. خَلَقَ الْإِنْسانَ قال ابن عباس وقتادة يعنى آدم عليه السلام علمه البيان يعنى اسماء كل شىء علمه اللغات كلها فكان آدم يتكلم بسبعمائة الف لغة أفضلها العربية وقال ابو العالية والحسن المراد جنس الإنسان. عَلَّمَهُ الْبَيانَ باللسان والكتابة والفهم والافهام حتى يتميز عن سائر الحيوانات وصار قابلا للوحى وتنزيل القران وقال السدى علم كل قوم لسانهم الذين يتكلمون به وجاز ان يقال خلق الإنسان يعنى محمدا - صلى الله عليه وسلم - علمه البيان يعنى القران فيه بيان ما كان وما يكون من الأزل الى الابد مطابقا لبيان من مضى من الرسل هداية للناس واية على نبوته كذا قال ابن كيسان فعلى هذا الجملتان الأخيرتان بيان وتفصيل للاولى ولهذا لم يورد العاطف بينها وكلها اخبار مترادفة للرحمن قيل ترك العاطف لكون كل منها مستقلا بالخبرية وقيل بمجيئا على نهج التحديد. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الحسبان اما مصدر كفغران وسبحان وكقران ورجحان ونقصان من حسبت حسبانا او جمع للحساب كالنسبان والركبان والمعنى الشمس والقمر يجريان بحساب مقدر معلوم فى منازلهم يتنسق بتلك امور الكائنات

[سورة الرحمن (55) : آية 6]

السفلية ويختلف الفصول والأوقات ويعلم السنون والحساب واوقات الصلاة والصيام والحج والزكوة وآجال الديون. وَالنَّجْمُ اى ما ليس له ساق من النبات وَالشَّجَرُ ما له ساق يبقى فى الشتاء يَسْجُدانِ اى ينقادان الله طبقا فيما يريد منهما انقياد الساجدين المكلفين طوعا يقال سجودهما سجود ظلمها- قال الله تعالى يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ والجملتان خبران آخران للرحمن وكذا ما بعدهما مما عطف عليهما وكان حق النظم فى الجملتين ان يقال واجرى الشمس والقمر بحسبان واسجد النجم والشجر والشمس والقمر بحسبانه والنجم والشجر يسجدان له الوجوب العائد فى الخبر لكن حذف العائد منهما لوضوحه وادخل العاطف بينهما وبين ما بعدهما لاشتراكهما فى الدلالة على وجود الصانع يحكم الذي يقدر ويدبر ويغير احوال الاجرام العلوية والسفلية على نهج بديع واسلوب حكيم. وَالسَّماءَ منصوب بفعل مضمر يفسره رَفَعَها اى خلقها مرفوعة وَوَضَعَ الْمِيزانَ قال مجاهد أراد بالميزان العدل والمعنى امر بالعدل وأثبته فى الذمم حتى انتظم امر العالم واستقام وقال الحسن وقتادة والضحاك أراد ما يوزن الأشياء ويعرف به المقادير من الميزان والمكيال والذراع ونحو ذلك فانها سبب الاتصاف والانتصاف واصل الوزن التقدير. أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ اما مضارع منصوب بان فى قوة المصدر متعلق بوضع بتقدير اللام يعنى وضع الميزان لان لا تجاوزوا الحق فى الميزان ولا تظلموا واما صيغة نهى وان مفسرة تقديره أمران لا تطغوا فى الميزان. وَأَقِيمُوا معطوف على تطغوا على تقدير كونه نهيا وعلى تقدير كونه مضارعا معطوف على وضع بتقدير قال الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ اى قوموا وزنكم بالعدل ولا تنقصوا امر الله تعالى بالتسوية ونهى عن الطغيان الذي هو اعتداء وزيادة ومن الخسران الذي هو تطفيف ونقصان وكرر لفظ الميزان ثلث مرات ولم يكتف بالضمير تشديد للتوصية وتقوية للامر باستعماله والحث عليه فويل للمطففين- (مسئلة) من اشترى مكيلا مكايلة او موزونا موازنة فاكتاله او اتزنه ثم باعه مكايلة او موازنة لم يجز للمشترى الثاني ان يبيعه ولا ان يأكله حتى يعيد الكيل او الوزن لانه يجعل ان يزيد على المشروط وذلك للبائع والتصرف فى مال الغير حرام يجب التحرز عنه وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشترى رواه ابن ماجة وابن اسحق من حديث جابروا على يعبد الرحمن بن ابى ليلى ورواه البزار

[سورة الرحمن (55) : آية 10]

من حديث ابى هريرة وله طريقان ضعيفان عن انس وابن عباس وروى عبد الرزاق عن يحيى بن كثير ان عثمان بن عفان وحكيم بن حزام كانا يبتاعان الثمر ويجعلان فى الغرائر ثم يبيعانه بذلك الكيل فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبيعا حتى يكيلا لمن ابتاعه منهما قال ابن همام هذا الحديث حجة لكثرة طرقه وقبول الائمة إياه فانه قد قال بقولنا هذا مالك والشافعي واحمد- (مسئله) ولا معتبر بكيل البائع قبل البيع وان كان بحضرة المشترى لانه ليس صاع البائع والمشترى وهو المشروط ولا بكيله بعد البيع بغيبة المشترى لان الكيل من باب التسليم لانه يصير به المبيع معلوما ولا تسليم الا بحضرته ولو كان البائع بعد البيع بحضرة المشترى قيل لا يكتفى به بظاهر الحديث فانه اعتبر صاعين والصحيح انه يكتفى به لان المبيع صار معلوما بكيل واحد ولتحقق معنى التسليم ومحل الحديث اجتماع الصفتين كما إذا اشترى المسلم اليه من رجل كرا وأمر رب السلم ان يقبضه فانه لا يصح إلا بصاعين لاجتماع الصفتين بشرط الكيل لشراء المسلم اليه لنفسه وقبض رب السلم. وَالْأَرْضَ منصوب بفعل مضمرة تفسيره- وَضَعَها اى خلقها وخفضها مدحوة لِلْأَنامِ اى للخلق فى القاموس الأنام كسحاب وسباط داير الخلق او الجن والانس او جميع ما على وجه الأرض قال البيضاوي وقيل الأنام كل ذى روح قلت الظاهر ان المراد به هاهنا الجن والانس لان الخطاب معهما كما يدل عليه قوله تعالى فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما فاكِهَةٌ قال ابن كيسان يعنى ما يتفكهون به من النعم التي لا تحصى الجملة تعليل لمضمون قوله تعالى وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ.... وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ جمع كم بكسر الكاف وهو وعاء الثمر. وَالْحَبُّ وهو ما يوكل من البذور كالحنطة والشعير وساير ما يتغذى به ذُو الْعَصْفِ وهو ورق الزرع والنبات اليابس كالتبن وَالرَّيْحانُ ج اى الرزق وهو اللب كذا قال اكثر المفسرين من قولهم خرجت اطلب ريحان الله قال ابن عباس كل ريحان فى القران فهو الرزق وقال الحسن وابن زيد وهو ريحانكم الذي يشم وهو فعلان من الروح فقلب الواو ياء وادغم ثم خفف وقيل أصله روحان قلب واوها ياء للتخفيف قرأ العامة والنخل ذات الاكمام والحب ذو العصف والريحان برفع الأسماء الثلاثة عطفا على الفاكهة وجاز ان يكون الريحان معطوفا على ذو الصف بتقدير ذو فحذف المضاف وأعرب المضاف اليه باعرابه وقرأ حمزة والكسائي والريحان بالجر عطفا على العصف وما عداه بالرفع عطفا على الفاكهة وقرأ ابن عامر والحبة والنخل ذات الاكمام والحب والعصف والريحان-

[سورة الرحمن (55) : آية 13]

بنصب الثلاثة عطفا على الأرض وضعها على تقدير وخلق النخل ذات الاكمام وخلق الحب والعصف وخلق الريحان ويجوز ان يراد ذالريحان فحذف المضاف وأعرب المضاف اليه باعرابه. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله تعالى الأنام وقوله ايها الثقلان وقيل خطاب للواحد بلفظ التثنية على عادة العرب يخاطبون كذلك نظيره قوله تعالى القيا فى جهنم وإلقاء للسببية والاستفهام لتقرير الالاء وانكار تكذيبهما فان ذكر الالاء سبب لاقرارها وشكر منعها والرد عن تكذيبها وكذا الوعيد على الكفران والوعد سببان للاقرار والشكر روى الحاكم عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال مالى أراكم سكوتا والجن كانوا احسن منكم رد اما قرأت عليهم هذه الاية من مرة فباىّ آلاء ربكما تكذبن الا قالوا ولا بشىء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد. خَلَقَ الْإِنْسانَ يعنى آدم عليه السلام مِنْ صَلْصالٍ اى طين يابس به صلصلة اى تردد صوت وقيل الصلصال السنن من الطين كَالْفَخَّارِ اى الطين المطبوخ بالنار وهو الخذف قيل الفخر المباهات بالأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه ومنه الفخار بمعنى الحراء لصوته إذا تقر كانه تصور بصورة من يكثر التفاخر به ولا اختلاف بين هذه وبين من حماء مسنون ومن طين لازب ومن تراب لاتفاقها معنى لانه تفيد انه خلقه من تراب ثم جعله طينا ثم حماء مسنونا ثم صلصال. وَخَلَقَ الْجَانَّ اللام للجنس يعنى جنس الجن وقيل هو علم لابى الجن وقال الضحاك هو إبليس مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ج بيان لمارج وهو الصافي من لهب النار الذي لادخلن فيه وهو فى الأصل للمضطرب من مرج إذا اضطرب وقال مجاهد هو ما اختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي تعلوا النار إذا وقدت من قولهم مرج امر القوم إذا اختلط الجملة خبر اخر للرحمن. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما أفاض عليكما من أطوار خلقنكما حتى صرتما أفضل المركبات وخلاصة الكائنات. رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ج مشرق الصيف ومشرق الشتاء ومغربيهما خبر اخر للرحمن. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما فى ذلك من الفوائد لا تحصى كاعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل فيه الى غير ذلك. مَرَجَ اى أرسل الْبَحْرَيْنِ الملح والعذب من مرجت الدابة إذا أرسلتها خبر اخر للرحمن يَلْتَقِيانِ حال من البحرين اى يتجاوزان ويتملس سطوحهما. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ حاجز

[سورة الرحمن (55) : آية 21]

من قدرة الله تعالى حال اخر لا يَبْغِيانِ حال اخرى اى لا يبغى أحدهما على الاخرى بالممازجة وو ابطال الخاصية وقال قتادة لا يطغيان على الناس بالغرق وقال الحسن مرج البحرين يعنى بحر الروم وبحر الهند وعن قتادة ايضا بحر الفارس وبحر الروم بينهما برزخ يعنى الجزائر وقال المجاهد والضحاك بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما فى ذلك من المنافع وظهور قدرة الله تعالى جملة معترضة وقوله تعالى. يَخْرُجُ حال اخرى من البحرين قرأ نافع وابو عمر ويعقوب يخرج بضم الياء وفتح الراء على البناء للمفعول من الإخراج والباقون بفتح الياء وضم الراء من المجرد مِنْهُمَا اى من البحرين العذب والملح قيل الدر انما يخرج من الملح دون العذب فقيل فى جوابه انه يخرج من مجتمع الملح والعذب وقيل لانهما لما اجتمعا صارا كالشىء الواحد فكان المخرج من أحدهما كالمخرج منهما وقيل انه جايز فى كلام العرب ان يذكر شيئين ثم يخص أحدهما بفعل كما قال الله تعالى يا معشر الجن والانس الم يأتكم رسل منكم وكان الرسل من الانس دون الجن وان كان المراد بالبحرين بحر السماء وبحر الأرض كما قال مجاهد والضحاك فالوجه انه إذا مطرت السماء فتحت الاصداف أفواهها فحيثما وقعت وقعت قطرة كانت لؤلؤ كذا قال ابن جرير اللُّؤْلُؤُ قرأ ابو بكر ويزيد بلا همزة والباقون بهمزة وهى كبار الدرر وَالْمَرْجانُ ج صغارها كذا فى القاموس وقال مقاتل ومجاهد على الضد يعنى اللؤلؤ صغار الدرر والمرجان كبارها وقيل المرجان الخزر الأحمر فهو نوع من الجواهر يشبه النبات والحجر وقال عطاء الخراسانى هو البسد. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَلَهُ تعالى الْجَوارِ السفن الكبار جمع جارية الْمُنْشَآتُ قرأ حمزة وابو بكر بخلاف عنه بكسر الشين اى اللائي ابتدأن وانشأن السير والباقون بفتح الشين اى المرفوعات اللاتي رفع خشبها بعض على بعض وقيل المنشآت المسخرات فِي الْبَحْرِ متعلق بالمنشئات وهى صفة للجوار وقوله كَالْأَعْلامِ ج صفة يعنى كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل الجملة معطوفة على مرج البحرين خبر للرحمن بتبعيتها وانما جعلها تابعة لها لكون الجواري تابعة للبحر. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ كُلُّ مَنْ عَلَيْها اى على الأرض من الحيوانات او المركبات او من كل شىء حتى الجبال والبحار والمعادن ومن للتغليب او من الثقلين فانٍ يوم القيامة او قيل ذلك متى شاء الله تعالى او فان فى حد ذاته موجود بوجود مستعار من الله تعالى. وَيَبْقى وَجْهُ قيل هو من المتشابهات رَبِّكَ

[سورة الرحمن (55) : آية 28]

ذُو الْجَلالِ اى ذو العظمة والسلطان والاستغناء المطلق وَالْإِكْرامِ ج الفضل العام قلت العام قلت عطف بقاء وجه ربك على فناء من الأرض وتخصيص ذكر الفناء بهم يقتضى ان المراد بالوجه هاهنا الجهة حتى يحصل المناسبة والمقارنة بين المعطوف والمعطوف عليه فان قيل معنى العطف هاهنا على المقابلة بين فناء الخلق وبقاء الخالق دون المقارنة قلنا لو كان كذلك لم يفد تقييد الفناء بمن على الأرض فالمعنى كل من على الأرض من الثقلين فانه فى حد ذاته لا يعبأ به ويبقى من جهاته جهته الى ربه وتوجهه اليه فانه لا يطرء عليه فناء قال الله تعالى قل ما يعبأ بكم ربى لولا دعاءكم وهذه الصفة من عظيم صفات الله تعالى روى الترمذي عن انس واحمد والنسائي والحاكم بسند صحيح عن ربيعة بن عامر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظوا بيا ذالجلال والإكرام وفى الحصن الحصين انه - صلى الله عليه وسلم - مر برجل وهو يقول يا ذالجلال والإكرام فقال عليه الصلاة والسلام قد استجيب لك فسل والا لظاظ؟؟؟ به من كريم صفات الإنسان الجملتان خبران آخران للرحمن والعائد فى الجملة الاولى محذوف وفى الثانية وضع المظهر موضع المضمر والتقدير كل من عليها فان بافنائه او بقهرمانة ويبقى وجهه. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ منها توفيقه للتوجيه اليه تعالى ومنها ما ذكر من بقاء الرب وابقاء ما لا يحصى مما على صدد الفناء رحمة وفضلا ومنها ما يترتب على فناء الكل من الاعادة والحيوة الدائمة والنعيم المقيم. يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ط من الملائكة والانس والجن حوايجهم من المغفرة والعافية وتوفيق العبادة والتجليات والبركات والرزق وغير ذلك وقيل المراد بمن فى السموات والأرض الموجودات كلها وأورد كلمة من تغليبا فانها كلها مفتقرة الى الله تعالى فى ذواتها وصفاتها وساير ما يهمها ويهمن لها والمراد بالسؤال ما يدل على الحاجة الى تحصيل الشيء نطقا كان او غيره كُلَّ يَوْمٍ اى وقت منصوب على الظرفية بيسأله او بمقدر دل عليه ما بعده وما قبله يعنى يعطى مسؤلهم ويحدث امور كل يوم هُوَ يعنى الله تعالى فِي شَأْنٍ ج دائما ومن شانه ان يحيى ويميت ويرزق ويعز قوما ويذل آخرين ويشفى مريضا ويمرض صحيحا ويفك عانيا ويرهن فارغا ويفرج مكروها ويجيب داعيا ويعطى سائلا ويغفر ذنبا للمؤمنين ويدخل جهنم الكافرين ويعذبهم بانواع التعذيب ويدخل الجنة من خاف مقام ربه ويكرمهم بانواع التكريم اى مالا يحصى من انعامه واحداثه فى خلقه ما يشاء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شانه ان يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين رواه ابن ماجة وابن حبان

[سورة الرحمن (55) : آية 30]

فى الصحيح من حديث ابى الدرداء واخرج ابن جرير مثله من حديث عبد الله بن منيب والبزاز مثله من حديث ابن عمر رض وروى البغوي بسنده عن ابن عباس قال ان مما خلق الله عز وجل لوحا فى درة بيضاء دفتاه ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور ينظر الله عز وجل فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء فذلك قوله عز وجل كل يوم هو فى شان قال الحسين ابن الفضل هو سوق المقادير الى المواقيت قال ابو سليمان الداراني فى هذه الاية كل يوم له الى العبيد بر جديد وقال سفيان بن عيينة الدهر كله عند الله يومان أحدهما مدة ايام الدنيا والاخر يوم القيامة فالشان الذي هو فيه اليوم الذي هو مدة الدنيا الاختيار بالأمر والنهى والاحياء والاماتة والإعطاء والمنع وشان يوم القيامة الجزاء والحساب والثواب والعقاب وقيل شانه جل ذكره انه يخرج فى كل يوم وليلة ثلاث عساكر عسكرا من أصلاب الآباء الى أرحام الأمهات وعسكرا من الأرحام الى الدنيا وعسكرا من الدنيا الى القبور ثم يرتحلون جميعا الى الله عز وجل قال مقاتل نزلت الاية فى يهود حيث قالوا ان الله لا يفضى يوم السبت شيئا. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما يسعف سوالكما وما يخرج لكما من ممكن العدم حينا فحينا. سَنَفْرُغُ لَكُمْ وقرأ حمزة والكسائي بالياء على الغيبة والضمير عايد الى الرب والباقون بالنون على التكلم قيل معناه سنجرد لجزائكم وذلك يوم القيامة فانه تعالى لا يفعل فيه غيره قيل انه تهديد مستعار من قولك لمن تهدده سافرغ لك فان المتجرد للشىء كان أقوى عليه وليس المراد منه الفراغ من شغل فانه تعالى لا يشغله شان عن شان كذا قال ابن عباس والضحاك وقيل معناه سنقصدكم بعد الترك والامهال وناخذ فى أمركم وقيل ان الله وعد اهل التقوى وأوعد اهل الفجور ثم قال سنفرغ لكم مما وعدناكم واخبرناكم يعنى نحاسبكم وننجز لكم ما وعدناكم فيتم ذلك ونفرغ منه والى هذا ذهب الحسن ومقاتل أَيُّهَ قرأ ابن عامر ايها بضم الهاء والباقون بفتح الهاء ووقف ابو عمرو والكسائي بالألف والباقون بغير الالف الثَّقَلانِ اى الانس والجن سميا بذلك لثقلهما على الأرض أحياء وأمواتا وقال جعفر الصادق بن محمد الباقر رض لانهما مثقلان بالذنوب وقيل لانهما مثقلان بالتكليف والمناسب لهذه المعاني لثقلين التأويلات المذكورة فى قوله تعالى سنفرغ لكم اعنى التهديد او إتمام الوعد والوعيد وإنجازهما وقال اهل المعاني كل شىء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل قال النبي - صلى الله عليه وسلم - انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى فجعلهما ثقلين إعظاما لقدرهما

[سورة الرحمن (55) : آية 32]

فانهما مستعدان لصعود مدارج القرب والتجليات والمناسب لهذا المعنى ان يقال فى تاويل قوله تعالى سَنَفْرُغُ لَكُمْ انا نخلوا بكم خلوة لا يكون يقره من يخلو به هناك مدخل عن ابى ذر عن العقيلي قال قلت يا رسول الله أكلنا يرى ربه مخليا به يوم القيامة قال بلى قلت وما اية ذلك فى خلقه قال يا أبا ذر أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخليا به قال بلى قال فانما هو خلق من خلق الله والله أجل وأعظم رواه ابو داود واحسن قول الشاعر بالفارسية جهانى مختصر خواهم كه دروى ... همين جاى من وجاى تو باشد -. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الأمر ظاهر على تاويل المتأخرين كان المراد بالفراغ التهديد ونحو ذلك فالمعنى انه فلا تكذبا بآلاء ربكما فان التكذيب يوجب التعذيب والمراد بالآلاء كل نعمة بالإنسان وان لم يكن شيئا منها مذكورا فى الاية وقيل التهديد ايضا نعمة يتزجر به المكلف وهذا تكلف. يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى ان قدرتم ان تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من الله فارين من قضائه فَانْفُذُوا فاخرجوا امر تعجيز وقيل معناه ان استطعتم ان تهربوا من الموت بالخروج من أقطار السموات والأرض فاهربوا واخرجوا والمعنى حيثما كنتم يدرككم الموت وقيل يقال هذا يوم القيامة اخرج ابن جرير وابن مبارك عن الضحاك قال إذا كان يوم القيامة امر الله السماء الدنيا فتشققت باهلها فيكون الملائكة على أرجائها حين يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فصفوا صفا دون صف فينزل الملك الا على بجنته اليسرى جهنم فاذا راها اهل الأرض ندوا فلا يأتوا قطرا من أقطار الأرض الا وجدوا سبعة صفون من الملائكة فرجعوا الى المكان الذي كانوا فيه وذلك قوله تعالى إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ وقوله تعالى وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ وقوله تعالى يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا وقوله تعالى وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها يعنى ما نشقق منها فبينما كذلك إذا سمعوا الصوت فاقبلوا الى الحساب لا تَنْفُذُونَ اى لا تقدرون على النفوذ والخروج إِلَّا بِسُلْطانٍ ج اى الا بقوة وقهر وانى لكم ذلك او المعنى الا بسلطان منى فانه لا قدرة لاحد الا مستفادة من الله تعالى لا حول ولا قوة الا بالله كما ان النبي - صلى الله عليه وسلم - نفذ ببدنه ليلة المعراج من السموات السبع الى سدرة المنتهى والصوفي ينفذ من دايرة الإمكان

[سورة الرحمن (55) : آية 34]

الى مدارج القرب بحول الله وقوته وقيل معناه حيثما توجهتم كنتم فى ملكى وسلطانى اى الى سلطانى كقوله قد احسن بي اى الى وروى عن ابن عباس قال معناه ان استطعتم ان تعلموا ما فى السموات والأرض فاعلموا ولن تعلموا الا بسلطان اى بينة من الله عز وجل نصبها. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فان التكذيب يوجب التعذيب وأنتم لا تقدرون على الفرار منه وقيل من آلاء الله التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة ومنها ما نصب من المصاعد العقلية والمعارج الثقلية واسباب الترقيات فينفذون لها الى ما فوق السموات قال البغوي وفى الخبر يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا الاية فذلك قوله عز وجل. يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ يعنى حين بعثتم من القبور قرأ ابن كثير بكسر الشين والباقون بضمها وهما لغتان وهو اللهب الذي لا دخان فيه كذا قال اكثر المفسرين وقال مجاهد هو اللهب الأخضر المنقطع من النار مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ قرأ ابن كثير وابو عمرو بالجر عطفا على النار والباقون بالرفع عطفا على شواظ قال سعيد بن جبير والكلبي والنحاس الدخان وهو رواية عن ابن عباس فمعنى الرفع يرسل شواظ تارة ونحاس اخرى ويجوز ان يرسلا معا من غير ان يمتزج أحدهما الاخرى عن ابن جرير يرسل شواظ من نار وشىء من نحاس وجاز ان يكون نحاس فى محل الرفع مجرورا للجوار حكى؟؟؟ ان الشواظ لا يكون الا من النار والدخان جميعا وقال المجاهد وقتادة النحاس هو الصفر المذاب يصب على رؤسهم وهو رواية العوفى عن ابن عباس وقال ابن مسعود النحاس المهل فَلا تَنْتَصِرانِ اى لا تمنعان من الله فلا يكون لكم منه تعالى ناصر حين يسوقكم الى المعشر. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فان التكذيب يوجب التعذيب وقيل من الالاء التهديد على موجبات العذاب فيجتنب منها والتميز بين المطيع والعاصي بالجزاء. فَإِذَا انْشَقَّتِ اى انفرجت السَّماءُ فصارت أبوابا لنزول الملائكة الفاء تدل على ان إرسال شواظ من نار يكون قبل انشقاق السماء فهذا الانشقاق ليس للافناء بل لنزول الملائكة بعد البعث من القبور كما ذكرنا فى حديث الضحاك فَكانَتْ عطف على انشقت يعنى كانت السماء حينئذ وَرْدَةً اى كلون الورد الأحمر وقيل كلون الفرس الورد وهو بين الكميت والأشقر كذا فى القاموس وقال البغوي هو الأبيض الذي يضرب الحمرة او الصفرة قال قتادة السماء اليوم خضر او يكون لها يومئذ لون اخر الى الحمرة قيل انها تتلون الوانا يومئذ كلون الفرس الورد يكون فى الربيع اصفر وفى أول الشتاء احمر

[سورة الرحمن (55) : آية 38]

فاذا اشتد الشتاء كان اغبر فشبه السماء فى تلونها انشقاقها بهذا الفرس فى تلونه اخرج البيهقي عن ابن مسعود قال السماء تكون الوانا تكون كالمهل وتكون وردة كالدهان وتكون واهية وتشقق فيكون حالا بعد حال كَالدِّهانِ جمع دهن صفة وردة شبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل وشبه الورد فى اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه كذا قال الضحاك ومجاهد وقتادة والربيع وقال عطاء بن ابى رباح كالدهان كعصر الزيت يتلون فى الساعة الوانا وقال مقاتل كدهن الورد الصافي وقال ابن جريج يطير السماء كدهن الزيت وذلك حين يصيبها حرجهنم وقال الكلبي كالدهان كالادم الأحمر وجمعه ادهنته ودهن وجاز ان يكون خبرا بعد خبر لكانت يغنى كانت السماء متلونة كلون الورد الأحمر وكلون الفرس الورد وكانت مذابة كالدهن وهو اسم لما يدهن به وجواب الشرط محذوف المعنى فما أعظم الهول وجاز ان يكون قوله تعالى. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ معترضة بين الشرط والجزاء والجزاء قوله تعالى. فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ الضمير راجع الى قوله إِنْسٌ وَلا جَانٌّ لتقدمهم رتبة يعنى لا يسالون هل عملتم كذا حتى يدخلهم جهنم بعد السؤال لان الله تعالى اعلم بهم منهم والكرام الكاتبون من الملائكة كتبوا عملهم والملائكة العذاب يعرفونهم بسيماهم كما سيجيئ فيما بعد وهذا لا ينافى سوالهم لم عملتم كذا بعد ما نهتكم يدل عليه قوله تعالى فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ كذا قال مجاهد عن ابن عباس ونحو ذلك قال الحسن وقتادة وهو المعنى لما روى عن ابن عباس فى الجمع بين الآيتين حيث قال انه لا يسالون سوال شفعة ورحمة وانما يسالون سوال تقريع وتوبيخ وعن عكرمة عن ابن عباس فى الجمع بين الآيتين ان فى القيامة مواطن يسالون فى بعضها ولا يسالون فى بعضها وقال ابو العالية معناه لا يسال غير المجرم عن ذنب المجرم. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ جملة مستانفة كانها فى جواب سائل يقول إذا لا يسئل عن ذنبه انس ولا جان فيم يعرف ملائكة العذاب المجرمين فقال يعرفهم بسيماهم وهى سواد الوجوه وزرقة العيون قال الله تعالى يوم تيبض وجوه وتسود وجوه اخرج المختفى؟؟؟ فى الديباج عن ابن عباس مرفوعا أخبرني جبرئيل ان لا اله الا الله انس للمسلم عند موته وفى قبره وحين يخرج من قبره يا محمد لو تراهم حين يقومون من قبورهم هم ينقضون رؤسهم هذا يقول لا اله الا الله والحمد لله فتبيض وجهه وهذا ينادى يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله مسودة فى وجوههم وروى ابو يعلى عن ابن عباس فى قوله تعالى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا الاية قال

[سورة الرحمن (55) : آية 42]

يعرف يوم القيامة بذلك لا تستطيعون القيام الا كما يقوم المتخبط واخرج ابن ابى شيبة وابن ابى حاتم وابو يعلى عن ابى هريرة مرفوعا يبعث الله تعالى يوم القيامة قوما من قبورهم تأجج أفواههم نارا فقيل من هم يا رسول الله قال قال الله تعالى الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون فى بطونهم نارا واخرج البزاز عن ابى هريرة ونحوه عن جابر يحشر المتكبرون يوم القيامة فى صورة الذرو فى الباب أحاديث كثيرة واخرج الاربعة والحاكم عن ابن مسعود مرفوعا من سال وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وفى وجهه كلاوح؟؟؟ وخناوش؟؟؟ وفى الصحيحين نحوه واخرج ابن ماجة عن ابى هريرة مرفوعا من أعان على قتل مومن بشطر كلمة لفى الله مكتوبا بين عينيه ايس من رحمة الله وروى ابو نعيم عن عمرو البيهقي عن ابنه نحوه واخرج ابن خزيمة وابن حبان وابن عمر يبعث ملقى النخامة فى القبلة يوم القيامة وهو فى وجهه واخرج الطبراني فى الأوسط عن سعد بن وقاص مرفوعا ذو الوجهين فى الدنيا يأتي يوم القيامة وله وجهان من نار والطبراني وابن ابى الدنيا عن انس مرفوعا من كان ذا اللسانين جعل الله يوم القيامة له لسانين من نار والاربعة والحاكم وابن الحبان عن ابى هريرة مرفوعا من كان عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل وفى لفظ ساقط وحديث يحشر أمتي عشرة أفواج صف على صورة القردة الحديث ذكرناه فى تفسير قوله تعالى فتاتون أفواجا فى سورة عم يتساءلون وورد فى الأحاديث الصحاح يحشر الناس حاملين على أعناقهم ما أخذوه بغير حق وفى الصحيحين مرفوعا فى الغلول يجىء يوم القيامة وعلى رقبته بعير الحديث فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ اخرج البيهقي عن ابن عباس هذه الاية قال يجمع بين راسه ورجله ثم يقصف كما يقصف الحطب واخرج هناد عن الضحاك فى الاية قال يجمع بين ناصيته وقدميه فى سلسلة من وراء ظهره. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فان التكذيب بآلاء يفضى الى ما ذكر من التعذيب. هذِهِ جَهَنَّمُ مبتداء وخبره الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ اى المشركون يكذبونها فى الدنيا الموصول مع الصلة صفة لجهنم والجملة مقولة ليقال المقدر وجملة يقال اما مستانفة او حال بمعنى انه يوخذ نواصيهم وأقدامهم فى حال يقال لهم هذه جهنم التي كنتم تكذبونها-. يَطُوفُونَ اى المجرمون بَيْنَها اى جهنم يحرقون فيها وَبَيْنَ حَمِيمٍ ماء حار آنٍ بالغ الى النهاية فى الحرارة يعنى يسعون بين الحميم والجحيم اخرج الترمذي والبيهقي عن ابى الدرداء مرفوعا يلقى على اهل النار الجوع فيستغيثون بالطعام فيتغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع ويغاثون بطعام ذى غصة فيذكرون انهم كانوا يخيرون الغصص فى الدنيا بالشراب فيستغيثون بالشراب

[سورة الرحمن (55) : آية 45]

فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فاذا دنت من وجوههم شوت وجوههم فاذا دخلت فى بطونهم الحديث وروى احمد والترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي عن ابى سعيد الخدري مرفوعا فى قوله تعالى وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ قال تعسكر؟؟؟ الزيت فاذا قرب اليه سقطت فروة وجهه فيه الحديث وقال كعب الأحبار ان واد من اودية جهنم يجتمع فيه صديد اهل النار فينطلق به فى الاغلال فيغمسون فى ذلك الوادي حتى يتخلع او صالهم ثم يخرجون منه وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا فيلقون فى النار فذلك قوله تعالى ليطوفون بينها وبين حميم ان. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فان التكذيب بآلاء الله يوجب التعذيب قيل من قوله تعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الى هاهنا مواعظ ومزاجر وتخويف وكل ذلك نعمة من الله لانها يزجر من المعاصي والظاهر ان هذا القول تكلف والمراد بالآلاء كل نعمة لواحد منهم من الإيجاد والإبقاء والترزيق والهداية ونحو ذلك أورد الله سبحانه التوبيخ بهذه الاية فى هذه السورة احدى وثلثين مرة ثمانى مرة بعد ذكر عجائب الخلقة وبدائع الصنعة على عدد الصفات الثمانية الحقيقية لله تعالى الى قوله كل يوم هو فى شان وتنبيها على انه لا ينبغى تكذيب آلاء من هذا شانه فى الخلق والقدرة وسبع مرات عدد أبواب جهنم بعد ذكر الوعيدات من قوله سنفرغ لكم الى قوله يطوفون بينها وبين حميم ان تنبيها على انه لا ينبغى كفران آلاء قادر فتقم كذلك خوفا من انتقامه وثمانى مرات بعد ذكر نعيم الجنة عدد أبواب الجنة وكذلك ثمان اخر بعد ذكر جنته اخرى تنبيها على انه لا ينبغى كفران آلاء قادر منعم كذلك طمعا فى انعامه والله تعالى اعلم اخرج ابن ابى حاتم وابو الشيخ فى كتاب العظمة عن عطاء ان أبا بكر الصديق رض فكر ذات يوم فى القيامة والموازين والجنة والنار فقال وددت انى كنت خضرا من هذه الخضر يأتي على بهيمة تأكلني وانى لم اخلق فنزلت. وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الاية واخرج ابن ابى حاتم عن ابن سوذب قال نزلت هذه الاية فى ابى بكر الصديق والمقام اما ظرف والمعنى خاف الموقف الذي يقف فيه العباد للحساب او موقف القائم عند ربه للحساب وقال قتادة ان المؤمنين خافوا ذلك المقام تعملوا لله ودانوا بالليل والنهار او مصدر ميمى والمعنى خاف قيام ربه على أحواله من قام عليه إذا راقبه كما فى قوله تعالى أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت او قيامه عند ربه للحساب فالاضافة الى الرب للتفخيم والتهويل وقيل لفظ المقام مقحم والمعنى لمن خاف ربه جنتان مبتدا خبره لمن خاف او فاعل للظرف والجملة الظرفية معطوفة على قوله يرسل عليكما شواظ من نار فانها مع ما يليها بيان الجزاء للشرار وهذه مع ما بعدها بيان الجزاء للخيار وكلتاهما

[سورة الرحمن (55) : آية 47]

بيان لقوله تعالى سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الذي هو خبر للرحمن قال الضحاك هذا يعنى الانعام بالجنتين لمن راقب الله فى السر والعلانية بعلمه ما عرض له من محرم تركه من خشية الله تعالى وما عمل من خير افضى به الى الله تعالى لا يحب ان يطلع عليه أحد والاية تحتمل المعنيين أحدهما وهو الظاهران لمجموعهم جنتان قال مقاتل جنته عدن وجنة نعيم وقيل جنة للخائفين من الانس وجنة للخائفين من الجن فان الخطاب للفريقين وثانيهما ان لكل واحد من الخائفين جنتان قال محمد بن على الترمذي جنة لخوفه ربه وجنة لتركه شهوته وقيل جنة بعقيدته واخرى لعمله او جنة يثاب بها واخرى يتفضل بها عليه وهذا التأويل مستبعد جد ويلزم منه ان يكون عدد الجنات على ضعف عدد الخائفين بل على ضعف ضعفهم لان قوله تعالى ومن دونهما جنتان معطوف على هذه الجملة فيكون لكل واحد ممن خاف مقام ربه اربع جنات وقد ورد فى الأحاديث ان الجنات كلها اربعة عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنتان من فضة آنيتها وما فيها وجنتان من ذهب آنيتها وما فيها وما بين القوم وان ينظروا الى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن رواه الشيخان فى الصحيحين ورواه البغوي عن عبد الله بن قيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى احمد والطيالسي والبيهقي عن ابى موسى مرفوعا بلفظ جنات الفردوس اربع جنات من ذهب حليهما وآنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة حليهما وآنيتهما وما فيهما وما بينهم ان ينظروا ربهم الحديث نحوه روى البغوي بسنده عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خاف ادلج ومن ادلج بلغ الا ان سلعة الله غالية الا ان سلعة الله الجنة ورد ايضا بسنده عن ابى الدرداء انه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وان زنى وان سرق يا رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت الثالثة وان زنى وان سرق يا رسول الله قال وان رغم انف ابى الدرداء. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. ذَواتا واصله ذو وللمذكر وذات أصله ذوات للمؤنث وتثنته ذواتا على الأصل ويقال فى الجمع ايضا ذوات تخفيفا ولا يستعمل شيئا منها الا مضافا فانها وضعت ليتوصل بها الى الوصف بأسماء أجناس وهاهنا صفة للجنتان أَفْنانٍ جمع فنن وهى الغصنة التي يتشعب من فروع الشجر وتخصيصها بالذكر لانها تورق وتثمر وتمد الظل وهو قول مجاهد والكلبي وقال عكرمة ظل الاغصان على الحيطان قال الحسن ذواتا ظلال او جمع فن والمراد به ألوان الفواكه وانواع الأشجار والثمار من قولهم افنن فلان فى حديثه إذا أخذ فى فنون منه وضروب وهو قول سعيد بن جبير والضحاك والمروي عن ابن عباس. فَبِأَيِّ

[سورة الرحمن (55) : الآيات 51 إلى 52]

آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ حيث شاؤا الى الا عالى والأسافل والجملة صفة لجنتان يعنى فى كل واحدة من الجنة عين يعنى شىء من هذا الجنس لا ان فى كل واحدة منهما او فى مجموعهما عينان فحسب لا مزيد عليهما وكيف قد قال الله تعالى فيها انهار من ماء غير أسن وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين وانهار من عسل مصفى فلا بد ان يكون من كل نوع من الأنواع الاربعة أنهارا كثيرة وذكر البغوي عن الحسن قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اربع عيون فى الجنة عينان تجريان من تحت العرش التي ذكرها الله تعالى يفجرونها تفجيرا والاخرى الزنجبيل والأخريان نضاختان من فوق إحداهما التي ذكر سلسبيلا والاخرى التسنيم. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ صنفان غريب ومعروف وقيل رطب ويابس والجملة صفة اخرى لجنتان قال البغوي قال ابن عباس ما فى الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة الا وهى فى الجنة حتى الحنظل الا انه حلو كذا اخرج ابن ابى حاتم وابن المنذر عنه واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم فى مسنده وهناد فى الزهد والبيهقي عن ابن عباس قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة الا الأسماء. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ منصوب على المدح لمن خاف او حال منه لان فى معنى الجمع بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ط صفة لفرش والإستبرق ما غلظ من الديباج اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي عن ابن مسعود قال أخبرتم بالبطائن فيكف بالظواهر وذكر البغوي نحوه عنه وعن ابى هريرة واخرج ابو نعيم عن سعيد بن جبير قال ظواهرها من نور جامد وذكر البغوي انه قيل لسعيد بن جبير البطائن من إستبرق فما لظواهر قال هذا كما قال الله عز وجل فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين وذكر البغوي عن ابن عباس قال وصف البطائن وترك الظواهر لانه ليس فى الأرض أحد يعرف ما الظواهر وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ حال من الضمير المستتر فى لمن خاف اسم بمعنى مجنى وهو ما يجتنى من الثمار يعنى ثمارها دانية لا يصعب تناولها واخرج سعيد بن المنصور والبيهقي وهناد عن البراء بن عازب فى قوله تعالى وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا قال ان اهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا او مضطجعين على اى حال شاؤا وذكر البغوي عن ابن عباس قال تدنو الشجرة حتى يجتنبها ولى الله إنشاء قائما وان شاء قاعدا وذكر عن قتادة انه قال لا ترد أيديهم عنها بعد ولا شوك. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِنَّ اى فى أماكن الجنة وقصورها التي دلت عليها الجنتان او فى هذه الالاء المعدودة

[سورة الرحمن (55) : الآيات 57 إلى 58]

من الجنتين والعينين والفواكه والفرش قاصِراتُ الطَّرْفِ اى نساء قصرت أبصارهن على أزواجهن كذا اخرج البيهقي عن مجاهد لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ اى لم يجامع الا نسيان انس ولا الجنيات جن واصل الطمث الدم ومنه يقال للحيض اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي من طرق ابن ابى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى لَمْ يَطْمِثْهُنَّ قال لم يدمهن يعنى بالجماع جملة لم يطمثهن حال من قاصرات الطرف وهو فاعل للظرف المستقر والجملة الظرفية صفة للجنتان وقال الزجاج وغيره فيه دليل على ان الجن يتغشى كما يتغشى الانس وقال مجاهد إذا جامع الرجل فلم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه قال مقاتل فى قوله تعالى لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان لانهن خلقن فى الجنة فعلى قوله هؤلاء ... من حور الجنة واخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن الشعبي قال هن نساء اهل الدنيا خلقهن الله فى الخلق الاخرى كما قال إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً لم يطمثهن حين عدن فى الخلق الاخر انس قبلهم ولا جان وذكر البغوي قول الكلبي نحوه قرأ ابو عمرو عن الكسائي لم يطمثهن بضم الميم وابو الحارث عنه فى الثاني كذلك قال الداني هذه قراءتى والذي نص عليه ابو الحارث كرواية الدوري وقال البغوي قرأ الكسائي إحداهما بالضم فان كسر الاولى ضم الثانية وو ان ضم الاولى كسر الثانية لما روى ابو اسحق السبيعي قال كنت أصلي خلف اصحاب على رض ... فاسمعهم يقرؤن لم يطمثهن بالرفع يعنى بالضم وكنت أصلي خلف اصحاب عبد الله بن مسعود فاسمعهم يقرؤن بكسر الميم فكان الكسائي يضم إحداهما ويكسر الاخرى لئلا يخرج عن هذين الأثرين وقرأ الجمهور بكسر الميم. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ قال مرادف للجملة السابقة اخرج البيهقي عن ابى صالح والسدى فى هذه الاية قال بياض اللؤلؤ وصفاء الياقوت والمرجان قال صفاء لهن كصفاء الدر فى الاصداف والذي لا تمسه الأيدي وذكر البغوي عن قتادة قال صفاء الياقوت فى بياض المرجان عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول زمرة يلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يتفلون فيها ولا يتمخطون ولا يتغوطون وفى رواية لا يسقمون آنيتهم وامشالمهم من الذهب والفضة ومجامرهم من الالوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن ولا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا متفق عليه واخرج الترمذي وصححه

[سورة الرحمن (55) : الآيات 59 إلى 60]

هو والبيهقي عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول زمرة تدخل الجنة كالقمر ليلة البدر والزمرة الثانية كاحسن كوكب درى فى السماء لكل امرأ منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقهن من وراء الحلل واخرج الطبراني والبيهقي عن ابن مسعود قال ان المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم من تحت سبعين حلة كما يرى الشراب الأحمر فى الزجاجة البيضاء وذكر البغوي نحوه عن عمر بن ميمون واخرج احمد وابن حيان والبيهقي عن ابى سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانهن الياقوت والمرجان قال ينظر الى وجهها فى خدرها أصفى من المرآة ولان ادنى لؤلؤ عليها لتضىء ما بين المشرق والمغرب وانه يكون عليها سبعون ثوبا ينقدها بصرة فيرى مخ ساقها من وراء ذلك وروى البغوي بسنده عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ان المرأة من اهل الجنة ليرى ساقها من وراء سبعين حلة من حرير ومخها ان الله يقول كانهن الياقوت والمرجان فاما الياقوت فانه حجر لو دخلت فيه سلكا ثم ستصفيته لرايته من ورائه. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ فى العمل فى الدنيا إِلَّا الْإِحْسانُ فى الثواب فى الاخرة روى البغوي بسنده عن انس قال قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل جزاء الإحسان الا الإحسان ثم قال هل تدرون ما قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال عليه السلام يقول الله عز وجل هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد الا الجنة وقال ابن عباس هل جزاء من قال لا اله الا الله وعمل بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - الا الجنة. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَمِنْ دُونِهِما اى الجنتين المذكورين جَنَّتانِ عطف على جنتان وقوله تعالى لمن خاف مقام ربه جنتان عطف المفرد على المفرد ومن دونهما حال مقدم عليه والمعنى لمن خاف مقام ربه اربع جنات ولم يفعل هكذا ليدل على ان كون الأولين أفضل من الأخريين وجاز ان يكون من دونهما جنتان جملة معطوفة على جملة تقديره ومن دونهما جنتان لاربابهما قال ابن عباس من دونهما فى الدرج وقال ابن زيد من دونهما فى الفضل قال ابو موسى جنتان من ذهب للسابقين وجنتان من فضة للتابعين رواه الحاكم والبيهقي عنه واخرج البيهقي عن ابى موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال جنتان من ذهب للسابقين وجنتان من ورق لاصحاب اليمين كذا ذكر البغوي قول ابن جريج واخرج البيهقي عن ابن عباس قال كان عرش الله تعالى على الماء ثم اتخذ لنفسه جنة ثم اتخذ فيها اخرى ثم اطبقها بلؤلؤ واحدة قال ومن دونهما جنتان قال البغوي وقال الكسائي من دونهما اى امامهما وقبلهما يدل عليه

[سورة الرحمن (55) : آية 63]

قول الضحاك الجنتان من ذهب والأخريان من ياقوت. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. مُدْهامَّتانِ اى خضرا وان تضربان الى السواد من شدة الخضرة فيه اشعار بان الغالب على هاتين الجنتين النبات والرياحين المنبسطة على الأرض وعلى الأولين الأشجار والفواكه دلالة على ما بينهما من التفاوت. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ اى فوارتان بالماء وهو ايضا اقل مما وصف به الأولين لانه ذكر هناك تجريان يعنى من فوق من العرش وهاهنا نضاختان من تحت اخرج ابن ابى حاتم عن البراء بن عازب قال عينان تجريان هما خير من نضاختان. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ قال بعضهم ليس النخل والرمان من الفاكهة فان العطف يدل على المغايرة والفاكهة ما يقصد منها التفكه لا غير وثمرة النخل غذاء وثمر الرمان دواع ولهذا قال ابو حنيفة من حلف لا يأكل فاكهة فاكل رطبا او رمانا لا يحنث وقال أكثرهم هما من الفاكهة وانما عطف تخصيصها بعد تعميم لمزيد فضلها كما عطف جبرئيل وميكائيل على الملائكة روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال نخل الجنة جذوعها زمرد اخضر ورقها ذهب احمر سعفها كسوة لاهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال او الدلاء أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل وألين من الزبد ليس له عجم واخرج ابن ابى الدنيا عن ابن عباس قال ان التمر من ثمر الجنة طولها اثنى عشر ذراعا ليس لها عجم واخرج ايضا عنه قال الرمانة من رمان الجنة يجتمع حولها بشر كثير يأكلون منها فاذا جرى على ذكر أحدهم شىء يريده وجده فى موضع يره حيث يأكل واخرج ابن ابى حاتم عن ابى سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال نظرت الجنة فاذا الرمانة من رمانها مثل البعير المقتب. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ ج اى خيرات بالتشديد فخففت لان خير الذي بمعنى أخير لا يجمع والجملة صفة اخرى لجنتان اى فى أماكنها وقصورها قال البغوي روى الحسن عن أبيه عن أم سلمة قال قلت يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى خيرات حسان قال خيرات الأخلاق حسان الوجوه رواه الطبراني واخرج ابن المبارك عن الأوزاعي قال خيرات بذيات اللسان ولا يعزن ولا يوذين. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. حُورٌ وحوراء بالتحريك ان تشتد بياض العين وسواد سوادها وتشتد سود حدقتها و

وبرق جفونها ويبيض ما حولها الا شدة بياضها وسوادها فى شدة بياض الجسد او اسود او العين كلها مثل الظباء ولا يكون فى بنى آدم بل يستعار لها كذا فى القاموس اخرج البيهقي عن أم سلمة قال قلت يا رسول الله أخبرني من قول الله تعالى حور عين قال بياض اضخام شعر العين بمنزلة الحوراء جناح النسر واخرج ابن ابى الدنيا عن ابن عمر قال لشفرات من حور العين أطول من جناح النسر واخرج الطبراني عن ابى امامة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلق الحور العين من الزعفران واخرج البيهقي مثله عن انس مرفوعا وعن ابن عباس ومجاهد موقوفا واخرج ابن المبارك عن زيد بن اسلم قال ان الله تبارك تعالى لا يخلق الحور العين من تراب انما خلقهن من مسك وكافور وزعفران واخرج ابن ابى الدنيا عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو ان حورا بزقت فى بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها واخرج عن ابن عباس قال ان امرأة من نساء اهل الجنة لو بصقت فى سبعة أبحر لكانت تلك الأبحر كلها احلى من العسل وعن انس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقاب قوس أحدكم فى الجنة خير من الدنيا وما فيها ولو ان امراة من نساء الجنة اطلعت الى الأرض لاضاءت ما بينها ولملات ما بينها ريحا ولنصيفها على راسها خير من الدنيا وما فيها رواه البخاري واخرج ابن ابى الدنيا عن كعب لو ان يدا؟؟؟ من الحور دليت من السماء لاضاءت بها الأرض كما يضىء الشمس لاهل الدنيا مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ ج يعنى محبوسات مستورات فى الحجال قال البغوي قصرن طرفهن وانفسهن على أزواجهن فلا تبغين بهم بدلا وروى البيهقي عن مجاهد فى هذه الاية قال محبوسات لا يبرحنه والخيمة لؤلؤة وقضة واخرج البيهقي عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما اسرى بي دخلت الجنة موضعا يسمى البيدح عليه خيام اللؤلؤ والزبرجد الأصفر والياقوت الأحمر فقلن السلام عليك يا رسول الله قلت يا جبرئيل ما هذا النداء قال هؤلاء المقصورات فى الخيام استاذن ربهن فى السلام عليك فاذن لهن فطفقن يقلن نحن الراضيات فلا نسخط ابدا ونحن الخالدات فلا نظعن ابدا وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حور مقصورات فى الخيام والخيام جمع خيمة روى البغوي بسنده عن عبد الله بن قيس ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان فى الجنة خيمة من لؤلؤ مجوفه عرضها ستون ميلا فى كل زاوية منها اهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون وفى الصحيحين نحوه عن ابى موسى الأشعري مرفوعا واخرج ابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن عباس قال الخيمة درة مجوفة فرسخ فى فرسخ لها اربعة آلاف مضارع من ذهب واخرج ابن جرير

[سورة الرحمن (55) : الآيات 73 إلى 75]

وابن ابى حاتم عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيام درة مجوفة واخرج مثله عن عمر موقوفا وابن جرير مثله عن ابى مجلز مرسلا وقال ابن ابى حاتم عن ابى الدرداء قال الخيمة لؤلؤة فيها سبعون بابا من در واخرج هناد عن عمر بن ميمون قال الخيمة در مجوفة ومثله عن مجاهد وابن احوص واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا عن ابن مسور لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة ولكل خيمة اربعة أبواب ندخل عليه كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم يكن قبل ذلك لا مرحات ولا طمحات ولا بخرات ولا دفرات حور عين كانهن بيض مكنون. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ يعنى قبل اصحاب الجنتين دل عليهم ذكر الجنتين وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (فائدة) نساء الدنيا خير من الحور العين لحديث اخرج البيهقي عن أم سلمة قالت قلت يا رسول الله نساء الدنيا أفضل أم حور العين قال نساء الدنيا أفضل من حور العين كفضل الظهارة على البطانة قلت وبم ذلك قال بصلوتهن وصيامهن البس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير بيض الألوان خضر الثياب صفر الحلي مجامرهن الدر وامشاطهن الذهب يقلن الا نحن الخالدات فلا نموت ابدا الا نحن الناعمات فلا نبأس ابدا الا نحن المقيمات فلا نطقن ابدا ونحن الراضيات فلا نسخط ابدا طوبى لمن كنا له وكان لنا قلت يا رسول الله المرأة تزوج الزوجين والثلاثة والاربعة فى الدنيا ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها منهم قال انها تخير فتختار أحسنهم خلقا فى دار الدنيا فزوجته إياه فقالت أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والاخرة واخرج هناد عن حيان بن جبلة قال ان نساء اهل الجنة إذا دخلن الجنة فضلن على الحور العين بأعمالهم فى الدنيا-. مُتَّكِئِينَ حال من قوله ولمن خاف مقام ربه والمعنى لمن خاف مقام ربه جنتان كذا حال كونهم متكئين فيها على كذا لهم من دون هاتين الجنتين جنتان أخريان كذا حال كونهم متكئين على كذا او حال من أربابهما المقدر يعنى حال كون أربابهما متكئين عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ فى القاموس الرفرف ثياب خضر يتخذ منها المجالس وبسط وفضول المجالس الفرش والوسادة وفى الصحاح ضرب من الثياب شبه بالرياض وقيل طرف الفسطاط والخباء الواقع على الأرض دون الاطناب والأوتاد واخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى رفرف خضر قال المجالس واخرج هناد والبيهقي عن سعيد بن جبير قال رياض الجنة قال البغوي قيل الرفرف البسط وهو قول الحسن

[سورة الرحمن (55) : الآيات 77 إلى 78]

ومقاتل والقرطبي روى العوفى عن ابن عباس قال الرفرف فضول المجالس والبسط وقال قتادة هو مجالس خضر فوق الفرش وقال ابن كيسان هى المرافق وقال ابن عيينة الزرابي وقال غيره كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ ج عطف على خضر فى القاموس عبقر موضع كثير الجن وثيابها غاية الحسن ولا والعبقري الكامل من كل شىء والسيد والذي ليس فوقه شىء والشديد وضرب من البسط وقال البيضاوي منسوب الى عبقر يزعم العرب انه اسم بلد الجن فينسيون اليه كل شىء عجيب والمراد به الجنس ولذلك جمع حسان حملا على المعنى وكذا ذكر فى الصحاح واخرج البيهقي عن ابن عباس عبقرى حسان قال الزرابي قال القتيبي كل ثوب موشى عند العرب عبقرى وقال ابو عبيدة هو منسوب الى الأرض يعمل بها الوشي قال الخليل كل جليل نفيس فاخر من الرجال وغيرهم عند العرب عبقرى ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم فى عمر رض فلم ار عبقر يا يفرى فريه. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ قرأ ابن عامر ذو الجلال بالواو اجراء على الاسم والباقون بالياء والمعنى انه تعالى اسمه من حيث انه مطلق على ذاته فما ظنك بذاته وقيل الاسم بمعنى الصفة او مقحم روى البغوي بسنده عن عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اسلم من الصلاة لم يقعد الا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تبارك يا ذى الجلال والإكرام وروى مسلم ايضا.

سورة الواقعة

سورة الواقعة مكيّة وهى ست وتسعون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ يعنى إذا حدثت القيامة سماها واقعة لتحقق وقوعها متعلق بمحذوف مثل اذكر او كان كيت وكيت. لَيْسَ لِوَقْعَتِها اللام فيه للتوقيت كما فى قوله تعالى قدمت لحيوتى يعنى ليس وقت وقوعها كاذِبَةٌ من نفس كاذبة تكذب على الله او تكذب فى نفيها كما تكذب الان وجاز ان يكون اللام للاجل اى ليس لاجل وقعتها نفس كاذبة فان من اخبر عنها صدق او ليس لها نفس تحدث صاحبها باطاقة شدتها واحتمالها من قولهم كذبت فلانا نفسه فى الخطب العظيم إذا اشجعته عليه وسولت انه يطيقه وجاز ان يكون كاذبة مصدرا كالعافية والنازلة واللاغية قال الله تعالى لا يسمع فيها لاغية اى لغوا والمعنى ليس لمجيئها كذب يعنى انها تقع صدقا وحقا. خافِضَةٌ لاعداء الله الذين استكبروا فى الدنيا وعتوا عتوّا كبيرا رافِعَةٌ لاولياءه الذين تواضعوا لله والاسناد مجازى الى الزمان يعنى يوجد فيها خفض أقوام ورفع آخرين صفتان للواقعة بعد توصيفها لجملة ليس لوقعتها كاذبة على طريقه ولقد امر على اللئيم يسبنى. إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا اى حركت تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل والظرف متعلق بخافضة او بدل من إذا وقعت. وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا اى سيقت وسيرت من بس الغنم إذا ساقها كذا قال الكلبي والحسن وابن كيسان او المعنى فتت فتا حتى صارت كالسويق المبسوس وهو الملتوت كذا قال عطاء ومقاتل. فَكانَتْ الجبال هَباءً اى غبارا يرى فى شعاع إذا دخل الكوة مُنْبَثًّا متفرقا. وَكُنْتُمْ يا امة محمد - صلى الله عليه وسلم - لان الخطاب معهم أَزْواجاً أصنافا كل صنف يكون او يذكر مع صنف اخر زوج ثَلاثَةً ط الجمل الثلث معطوف على رجت ثم فسر الأصناف الثلاثة فقال. فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مبتداء يعنى الذين يوخذ بهم ذات اليمين الى الجنة وقال ابن عباس هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه وقال الله لهم هؤلاء فى الجنة ولا أبالي وقال الضحاك هم الذين يعطون كتبهم بايمانهم فالميمنة على هذه الأقوال من اليمين ضد اليسار وقال الربيع والحسن هم الذين كانوا ميامين مباركين على أنفسهم وكانت أعمارهم فى طاعة الله

[سورة الواقعة (56) : آية 9]

فاليمين على هذا من اليمن ضد الشوم ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ط استفهام للتعجب من عظمة شانهم عند الله وكمال يمنهم مبتداء وخبر والجملة خبر لما قبلة العائد المظهر موضع الضمير يعنى ما هم. وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ يعنى اصحب الشمال والعرب يسمى اليد اليسرى الشؤمي ومنه يسمى الشام واليمن لان اليمن عن يمين الكعبة والشام عن يساره وهم الذين يوخذ بهم ذات الشمال الى النار او كانوا على شمال آدم عند إخراج ذرية وقال الله تعالى لهم هولاء للنار ولا أبالي او الذين يعطون كتبهم بشمائلها او الشائم على أنفسهم وكانت أعمارهم فى المعاصي على اختلاف الأقوال ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ط نحو ما ذكر. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ الى الإسلام والطاعة ومراتب القرب الى الله تعالى وهم الأنبياء عليهم السلام فانهم مقدموا اهل الأديان الى الايمان والطاعات والأمم تبع لهم ومن لحق هم من الأمم بكمال متابعتهم واكتسابهم كمالات النبوة بالتبعية والوراثة وتشرفهم بالتجليات الذاتية الصرفة الداعية وهم الصحابة رض وبعض التابعين لهم بإحسان ومن ثم قال ابن عباس السابقون الى الهجرة هم السابقون فى الاخرة وقال عكرمة قال السابقون الأولون الى الإسلام يعنى الصحابة وقال ابن سيرين هم الذين صلوا الى قبلتين من المهاجرين والأنصار وقال الربيع بن انس السابقون الى اجابة الرسول فى الدنيا هم السابقون الى الجنة وقال على كرم الله وجهه السابقون الى الصلوات الخمس فان مال الأقوال كلها انهم هم الصحابة قال على رض سبقتكم الى الإسلام طراء ... غلاما ما بلغت أوان حلمى قال المجدد رح الصحابة رض كلهم كانوا مستغرقين فى كمالات النبوة ومن التابعين أكثرهم ومن اتباع التابعين أقلهم ثم انطمس أنوار النبوة واختفى اثارها وظهر كمالات الولاية واستعلى أنوارها السكر والشطح وكثرة الخوارق المستفادة من التجليات الصفاتية والظلية حتى إذا مضى بعد الهجرة الف سنة تدارك رحمة الله الواسعة أفاض كمالات النبوة بمقتضى طينة النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض اتباعه حتى اشتبه اخر الامة باولها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره رواه الترمذي عن انس وروى رزين عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه الباقر عن جده قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابشروا ابشروا انما مثل أمتي مثل الغيث لا يدرى آخره خير أم اوله او كحديقة اطعم منها فوج عاما ثم اطعم منها فوج عاما لعل آخرها فوجا ان يكون اعرضها عرضا وأعمقها عمقا وأحسنها حسنا وعن الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال خير أمتي أولها وآخرها وفى أوسطها

[سورة الواقعة (56) : آية 11]

الكدر رواه الحكيم الترمذي السابقون خير لما تقدم اللام فيما تقدم للجنس وهاهنا للعهد الذهني كما يقال صديقى زيد والمعنى السابقون هم الذين عرفت حالهم وكمالهم ومالهم كقول الشاعر انا ابو النجم وشعرى شعرى او المعنى هم السابقون الى الجنة. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ج الى الله تعالى جملة مستانفة فى جواب ما شانهم وجاز ان يكون السابقون الاول مبتداء والسابقون الثاني تأكيد له وهذه الجملة خبر. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ متعلق بقوله المقربون وجاز ان يكون ظرفا مستقرا خبر لاولئك او خبر بعد خبر لقوله السابقون. ثُلَّةٌ خبر مبتداء محذوف هم ثلة اى كثير مِنَ الْأَوَّلِينَ يعنى من الصدر الاول من هذه الامة وهم القرون الثلاثة الصحابة والتابعين واتباعهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرا متى قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم ان بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخوفون ولا يأتمنون وينذرون ولا يفون ويظهر فيهم من حصين السمن متفق عليه من حديث عمران بن حصين وكذا روى مسلم عن ابى هريرة وكذا روى النسائي عن عمر رض وعند الترمذي والحاكم عن عمران بلفظ خير الناس قرنى الحديث وفى الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ خير الناس وروى مسلم نحوه عن عائشة والطبراني والحاكم عن جعدة بن هبيرة فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري مرفوعا لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ط وهم ارباب كمال النبوة الذين وجدوا بعد الف سنة كما ذكرنا من قبل وقال اكثر المفسرين ثلة من الأولين يعنى من الأمم الماضية من لدن آدم الى محمد - صلى الله عليه وسلم - وقليل من الآخرين يعنى من امة محمد - صلى الله عليه وسلم - قال الزجاج الذين عاينوا جميع النبيين من لدن آدم وصدقوهم اكثر ممن عاينوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت وهذا التأويل بعيد جدا لاستلزامه كون الأمم السابقة اقرب الى الله تعالى وأفضل من هذه الامة فان فضل الامة بكثرة الأفاضل وهذا لايتان قوله تعالى كنتم خير امة أخرجت للناس وقوله تعالى تكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وقوله عليه الصلاة والسلام أنتم تنمون سبعين امة أنتم خيرها وأكرمها على الله رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال الترمذي حديث حسن وروى احمد والبزاز والطبراني بسند صحيح عن جابر انه سمع النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم يقول انى لارجو ان يكون من تبعني ربع اهل الجنة فكبرنا ثم قال أرجو ان

[سورة الواقعة (56) : آية 15]

يكون ثلث الناس فكبرنا ثم قال أرجو ان يكون الشطر وروى البخاري عن ابن مسعود مرفوعا أترضون ان تكونوا ربع اهل الجنة قلنا نعم قال والذي نفسى بيده انى لارجو ان تكونوا نصف اهل الجنة وروى الترمذي وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي عن بريدة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهل الجنة عشرون ومائة صفا ثمانون منها من هذه الامة وأربعون من ساير الأمم واخرج الطبراني من حديث ابى موسى وابن عباس ومعوية ابن جيدة وابن مسعود نحوه. عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ خبر اخر للضمير المحذوف والوضن نسج الدرع ويستعار لكل نسج محكم اخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي من طريق مجاهد عن ابن عباس فى هذه الاية قال موضونة بالذهب قال المفسرون هى موصولة منسوجة بالذهب والجواهر وقال الضحاك موضونة مصفوفة. مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ حالان من الضمير فى على اخرج هناد عن مجاهد فى قوله متقابلين قال لا يرى بعضهم قفا بعض وكذا قال البغوي وصفهم الله سبحانه بحسن العشيرة وتهذيب الأخلاق وصفاء المودة. يَطُوفُ عَلَيْهِمْ للخدمة وِلْدانٌ قيل غلمان ممن ينشأ للخدمة الجملة حال اخر من الضمير مُخَلَّدُونَ اى لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون يبقون ابدا على شكل الولدان قال القراء يقول العرب لمن كبر ولمن شمط انه مخلد وقال ابن كيسان يعنى ولدانا لا يحولون من حالة الى حالة وقال سعيد بن جبير مقرطون يقال خلد جارية إذا خلاها بالخلد وهو القرط وقال الحسن هم أولاد اهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيات فيعاقبوا عليها فهم خدم اهل الجنة اخرج ابن المبارك وهناد والبيهقي عن ابن عمر قال ان ادنى اهل الجنة منزلا من يسعى عليه الف خادم على عمل ليس عليه صاحبه واخرج ابن ابى الدنيا عن انس مرفوعا ان أسفل اهل الجنة أجمعين من يقوم على راسه عشرة آلاف خادم وعن ابى هريرة ان ادنى اهل الجنة منزلة وليس فيها دنى من يغدو ويروح عليه خمس آلاف خادم ليس منهم خادم الا ومعه ظرف ليس مع صاحبه. بِأَكْوابٍ الجار والمجرور مع ما عطف عليه متعلق بيطوف والأكواب جمع كوب وهى الأقداح المستديرة الأفواه لا اذن لها ولا عرى كذا اخرج هناد عن مجاهد واخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس الأكواب الجرار من الفضة وَأَبارِيقَ وهى الأقداح ذات الخراطيم سميت أباريق لبروق لونها فى الصفاء وَكَأْسٍ اى قدح فيه شراب وما لا شراب فيه فليس بكأس مِنْ مَعِينٍ خمر جارية من منبع لا ينقطع ابدا. لا يُصَدَّعُونَ عَنْها

[سورة الواقعة (56) : آية 20]

اى لا يصدع روسهم من شربها كما يصدع من شرب خمر الدنيا الجملة مع ما عطف عليه صفة كاس وَلا يُنْزِفُونَ قرأ الكوفيون بكسر الزاء من الافعال والباقون بفتحها فى القاموس نزف كعنى ذهب عقله او سكر ومنه ولا ينزفون وفى الصحاح انزف القوم ينزف ماء بيرهم يعنى نزحه كله وانزف الشيء ابلغ من نزفه فمعنى قرائة الكوفيين لا ينفذ شرابهم ومعنى قراءة غيرهم لا يذهب عقولهم. وَفاكِهَةٍ عطف على كاس مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ اى يختارون ما يشتهون. وَلَحْمِ طَيْرٍ عطف على فاكهة مِمَّا يَشْتَهُونَ قال البغوي قال ابن عباس يخطر على قلبه لحم الطير فيصير ممثلا بين يديه على ما اشتهى اخرج البزار وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انك لتنظر الى الطير فى الجنة فتشتهيه فتخير بين يديك مشويا واخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة ان الرجل من اهل الجنة ليشتهى الطير فى الجنة فيخر مثل البختي حتى يقع على خوانه لم يصبه دخان ولا تمسه نار فياكل منه حتى يشبع ثم يطير واخرج البيهقي عن حذيفة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان فى الجنة طيرا أمثال البخت قال ابو بكر انها لناعمة يا رسول الله قال أنعم منها من يأكلها وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر واخرج احمد والترمذي مثله من حديث انس واخرج هناد عن الحسن قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان فى الجنة طير كامثال البخت يأتي الرجل فياكل منها ثم يذهب كان لم ينقص منها شىء واخرج هناد وابن ابى الدنيا بسند حسن عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان فى الجنة لطيرا فيه سبعون الف ريشا فيحبى فيقع على صحفة الرجل من اهل الجنة ثم ينتغض فيخرج من كل ريشة لون ابيض من الثلج وألين من الزيد واحلى من العسل ليس فيه لون يشبه صاحبه ثم يطير ويذهب واخرج هناد عن مغيث بن سمى قال طوبى شجرة فى الجنة ليس فى الجنة دار الا يظلهم غصن من أغصانها فيه ألوان الثمرة ويقع عليها طير أمثال البخت فاذا تمنى الرجل طير ادعاه فيقع على خوانه فياكل من أحد جانبيه شواء والاخر قديدا ثم يعود طايرا يطير فتذهب. وَحُورٌ جمع حوراء عِينٌ جمع عيناء قرأ ابو جعفر وحمزة والكسائي بالجر عطفا على جنات بتقدير مضاف اى هم فى جنات ومضاجعة حور عين او على أكواب لان معنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب ينعمون بأكواب وبحور عين والباقون بالرفع على انه مبتداء محذوف الخبر اى فيها حور عين أولهم حور عين كذا قال الأخفش او معطوف على ولدان اى يطوف عليهم حور عين اخرج مجاهد قال الحور التي يجاور فيه الطرف باد مخ ساقها من

[سورة الواقعة (56) : آية 23]

وراء ثيابها واخرج فى حور عين قال سواد الحدقة عظم العين واخرج البيهقي عن أم سلمة قالت قلت أخبرني يا رسول الله عن قوله تعالى حور عين قال بيض ضخام شعر العيون بمنزلة الحور اجناح النسر قالت أخبرني يا رسول الله عن قوله تعالى. كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفاءهن كصفاء الدر الذي فى الاصداف لم تسمه الأيدي وقوله كامثال اللؤلؤ صفة بعد صفة لحور الْمَكْنُونِ المخزون فى الصدف لم تمسه الأيدي قال البغوي يروى انه سطع نور فى الجنة قالوا ضوء ثغر حوراء ضحكت فى وجه زوجها ويروى ان الحور إذا مشت سمعت تقديس الخلاخيل من ساقها وتمجيد الا سورة من ساعديها وان عقد الياقوت يضحك من نحرها وفى رجليها نعلان من ذهب شراكهما من لؤلؤ يصران بالتسبيح. جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ منصوب على المصدرية بفعل محذوف اى يجزون جزاء او على العلية اى يفعل ذلك بهم جزاء لاعمالهم. لا يَسْمَعُونَ فِيها اى فى الجنة حال اخر من الضمير فى على لَغْواً اى باطلا كذا اخرج البيهقي عن ابن عباس واخرج هناد عن الضحاك انه قال هزلا وَلا تَأْثِيماً اى نسبة الى الإثم يعنى لا يقال لهم أثمتم وسىء ما صنعتم واخرج البيهقي عن ابن عباس وهناد عن الضحاك انه الكذب. إِلَّا استثناء منقطع قِيلًا اى قولا سَلاماً سَلاماً ذا سلامة منصوبة على البدلية على فشوا السلام بينهم اخرج احمد والبزاز وابن حبان عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء المهاجرين الذين تستربهم الثغور وتنفى بهم المكاره ويموت وحاجة فى صدره لا يستطيع بها قضاء فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته ايتوهم فحيوهم فيقول الملائكة نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك فتامرنا ان ناتى هؤلاء وتسلم عليهم قال انهم كانوا عبادا يعبدوننى ولا يشركون بي شيئا وتستربهم الثغور وينفى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجة فى صدره ولا يستطيع بها قضاء قال فياتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار اخرج سعيد بن منصور فى سننه والبيهقي فى البعث عن العطاء ومجاهد قال لما سال اهل الطائف الوادي يحمى لهم عسل ففعل وهو واد معجب فسمعوا الناس يقولون فى الجنة كذا وكذا قالوا يا ليت لنافى الجنة مثل هذا الوادي فانزل الله تعالى. وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما اصحاب اليمين فى سدر مخضود الآيات واخرج البيهقي من وجه اخر عن مجاهد قال كانوا يعجبون بوجّ ظلاله من طلح وسدر فانزل الله واصحاب اليمين ما اصحاب اليمين فى سدر مخضود وطلح منضود

[سورة الواقعة (56) : آية 28]

وظل ممدود واصحاب اليمين هم اصحاب القلوب الصافية والنفوس المطمئنة اولياء الله المتقون ويلحق بهم فى الاخرة عصاة المؤمنين اما بعد مغفرة ذنوبهم بفضل الله تعالى وشفاعة الأنبياء والصلحاء واما بعد تعذيبهم بالنار وتخليصهم من الذنوب يلتحقون بالمتقين الصالحين فان جهنم يخلص المؤمنين وينفى عنه خبث ذنوبه ورزائله كما ينفى الكبر خبث الحديد ما أَصْحابُ الْيَمِينِ ط اى عظيم شانهم عند الله الجملة خبر مبتداء بتأويل يقال فى شانهم ما اصحاب اليمين او جملة معترضة للتعجب والتفخيم. فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ خبر المبتدا او خبر بعد خبر اى مقطوع شوكه او مثنى أغصانه من كثرة الحمل فى القاموس خضد الشجر قطع شوكه ويقال خضد الغصن إذا ثناة وهو رطب اخرج البيهقي عن ابى امامة قال سال أعرابي يا رسول الله لقد ذكر الله فى القران شجرة يوذى صاحبها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما هى قال السدر فان لها شوكا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى فى سدر مخضود ويخضد الله شوكها فيجعل مكان كل شوكة ثمرة انها تنبت ثمر اثم تفتق لثمر منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما منها لون يشبه الاخر واخرج الطبراني مثله من حديث عتبة بن عبد واخرج البيهقي عن مجاهد فى قوله تعالى مخضود قال موفر حملا وطلح منضود الموز المتراكم. وَطَلْحٍ قال القراء وابو عبيدة الطلح عند العرب شجر عظام لها شوك وفى القاموس شجر عظام والموز وفى الصحاح شجر الواحد طلحة وفى البيضاوي موزاوام غيلان قال البغوي روى خالد عن الحسن قال قرأ رجل عند على رض عنه وطلح منضود قال وما شان الطلح انما هو وطلع منضود ثم قرأ طلعها هضيم قلت انها فى المصحف بالحاء أفلا تحولها فقال ان القران لا يحاج اليوم ولا يحول مَنْضُودٍ يعنى متراكم بثمره بعضها على بعض اخرج ابن المبارك وهناد والبيهقي عن مسروق قال نخل الجنة نضيد من أصلها الى فرعها وثمرها أمثال القلال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها اخرى والعنقود اثنا عشر ذراعا وذكر البغوي قول مسروق بلفظ أشجار الجنة من عروقها الى أفنانها ثمر كله فى القاموس نضيد متاعه ان جعل بعضه فوق بعض وفى الصحاح النضيد السرير الذي ينضد عليه المتاع ومنه استعير طلح نضيد. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ممتد منبسطة كظل قبل طلوع الشمس من الصبح او دائم لا ينسخه الشمس والعرب يقول للشىء الذي لا ينقطع ممدودا وفى الصحيحين عن ابى هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها ماية عام لا يقطعها اقرأوا ان شيئتم وظل ممدود وأخرجه احمد وزاد فى آخره وان ورقها ليحمر الجنة واخرج هناد بن سرى فى الزهد وزاد

[سورة الواقعة (56) : آية 31]

فى آخره فبلغ ذلك كعبا فقال والذي انزل التوراة على موسى والقران على محمد لو ان رجلا راكبا على حقة او جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغه حتى يسقط هرما ان الله غرسها بيده وان أفنانها من وراء سدر الجنة وما فى الجنة نهر الا وهو يخرج من اصل تلك الشجرة قال البغوي وروى عكرمة عن ابن عباس فى قوله تعالى وظل ممدود وقال شجرة فى الجنة على ساق العرش يخرج إليها اهل الجنة فيتحدثون فى أصلها ويشتهى بعضهم لهو الدنيا فيرسل الله عز وجل عليها ريحا من الجنة فتتحرك تلك الشجرة بكل لهو فى الدنيا. وَماءٍ مَسْكُوبٍ اى منصب يجرى دايما من غير أخدود كانه لما شبه حال السابقين المقربين فى التنعيم بأعلى ما يتصور لاهل المدن شبه حال اصحاب اليمين أكمل ما يتمناه اهل البوادي اشعارا بالتفاوت بين الحالين. وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ الأجناس. لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ قال البغوي قال ابن عباس لا تنقطع إذا جنيت ولا تمنع من أحد أراد أخذها ويؤيده حديث ثوبان انه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لا ينزع رجل من اهل الجنة من ثمرها الا أعيد مكانها مثلها رواه البزاز والطبراني وذكر البغوي الحديث بلفظه ما قطعت من ثمار الجنة الا أبدل الله مكانها ضعفين وقال بعضهم لا مقطوعة بالا زمان ولا ممنوعة بالأثمان كما ينقطع اكثر ثمار الدنيا إذا جاء الشتاء ولا يتوصل إليها الا بثمن. وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ط قال البغوي قال على رض وفرش مرفوعة على اسرة وقال جماعة المفسرين مرفوعة عالية اخرج احمد والترمذي وحسنه وابن ماجة والبيهقي وابن ابى الدنيا عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى هذه الاية قال ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض ولفظ الترمذي ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيره ما بينهما خمس مائة عام وذكر البغوي نحوه عن ابى هريرة وقال الترمذي قال بعض اهل العلم فى تفسيره معناه ان تفاوت الفراشين فى الدرجات كما بين السماء والأرض واخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة فى هذه الاية قال لو ان أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا واخرج الطبراني عنه مرفوعا لو طرح منها فراش من أعلاها لهوى الى قرارها ماية خريف وقيل أراد بالفرش النساء والعرب تسمى المرأة فراشا ولباسا على الاستعارة مرفوعة رفعن بالجمال والفضل على نساء الدنيا او ارتفاعهن على الأرائك يدل عليه قوله تعالى فى عقبه. إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ الضمير عايد الى الفرش ان المراد به النساء والا فالى غير مذكور معلوم للسامع إِنْشاءً يعنى خلقناهن جديدا اما ابتداء من غير ولادة واما إعادة قال البغوي قال ابن عباس

[سورة الواقعة (56) : آية 36]

يعنى الآدميات العجوز الشمط يقول خلقناهن بعد الهرم خلقا اخر. فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عذارى كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن عذارى ولا وجع واخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن الشعبي واخرج الترمذي والبيهقي عن انس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انا أنشأناهن إنشاء قال عجايز كن فى الدنيا شمطاء رمصاء واخرج ابن جرير والبيهقي عن مسلمة بن يزيد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول انا أنشأناهن إنشاء قال الشيب والابكار التي كن فى الدنيا اخرج البيهقي وابن المنذر عن الحسن قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل الجنة عجوز فبكت عجوز فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اخبروها انها ليست يومئذ بعجوز انها يومئذ شابة إنشاء الله تعالى ان الله تعالى يقول انا أنشأناهن إنشاء واخرج البيهقي عن عائشة قالت دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على وعندى عجوز فقال من هذه قلت احدى خالتى قال اما انه لا تدخل الجنة عجوز فدخل العجوز من ذلك ما شاء الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى انا أنشأنا خلقا أخر وروى الطبراني فى الأوسط من وجه اخر عنها ان النبي - صلى الله عليه وسلم - أتته عجوز فقالت يا رسول الله ادع الله ان يدخلنى الجنة فقال ان الجنة لا يدخلها عجوز فذهب فصلى ثم رجع فقالت عائشة لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة فقال ان ذلك كذلك إنشاء الله إذا أراد ادخالهن الجنة حولهن أبكارا وقال مقاتل وغيره هن الحور العين أنشأهن الله لم يقع عليهن ولادة فجعلناهن أبكارا عذارى وليس وجع هناك. عُرُباً قرأ حمزة واسمعيل عن نافع وابو بكر بإسكان الراء والباقون بضمها وهى جمع عروب اى عواشق لازواجهن متحببات إليهم اخرج ابن ابى حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عربا قال كلامهن عربى أَتْراباً مستويات فى السن فى حديث أم سلمة عند البيهقي قالت قلت يا رسول الله عربا قال اترابا قالهن اللواتى قبضهن الله عجايز فى الدنيا ومصاء شمطاء خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى قال عربا معشقا محببات اترابا على ميلاد واحد فان كلهن بنات ثلث وثلاثين وكذا أزواجهن وعن ابى هريرة رض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يدخل اهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعدا أبناء ثلث وثلثين وهم على خلق آدم طوله ستون ذراعا فى عرضة سبعة اذرع رواه احمد والطبراني فى الأوسط وابن ابى الدنيا والبغوي بسند حسن وعن ابى سعيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مات من اهل الدنيا من صغير او كبير يردد بين ثلث وثلثين سنة فى الجنة لا يزيدون ابدا وكذلك اهل النار رواه الترمذي وابو يعلى وابن ابى الدنيا وعن معاذ بن جبل ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يدخل اهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين بنى ثلث وثلثين

[سورة الواقعة (56) : آية 38]

سنة وعن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل اهل الجنة الجنة على طول آدم ستون ذراعا بذراع الملك وعلى حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى وثلث وثلثين سنة وعلى لسان محمد جردا مردا مكحلين رواه الطبراني فى الأوسط بسند جيد وعن المقداد بن الأسود مرفوعا يحشر الناس ما بين السقط وبين الشيخ الفاني أبناء ثلث وثلثين وخلق آدم وحسن يوسف وقلب أيوب وذى أفانين رواه الطبراني. لِأَصْحابِ الْيَمِينِ ع متعلق بانشانا او جعلنا او صفة لابكارا وخبر لمحذوف اعنى هن. ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ط خبر محذوف اى هم كثيرون من الأولين من هذه الامة وكثيرون من الآخرين منهم كذا قال ابو العالية ومجاهد وعطاء بن ابى رباح والضحاك روى البغوي بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فى هذه الاية ثلة من الأولين وثلة من الآخرين قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هما جميعا من أمتي واخرج مسدد فى مسنده والطبراني وابن مردوية من حديث ابى بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى قوله ثلة من الأولين وثلة من الآخرين قال هما جميعا من أمتي لكن قال الدارقطني فى علله هذا حديث ابى بكرة لم يثبت فمقتضى هذه الاية على هذا التأويل ان امة محمد - صلى الله عليه وسلم - لن يخلو عن اصحاب اليمين كما روى الشيخان فى الصحيحين عن معاوية قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لا يزال من أمتي قائمة بامر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي امر الله وهم على ذلك متفق عليه فان قيل يعارضه ما روى البغوي بسنده عروة بن رويم مرسلا قال لما انزل الله على رسوله ثلة من الأولين وقليل من الآخرين بكى عمر رض فقال يا رسول الله أمنا بالله وبرسوله وصدقناه ومن ينجومنا قليل فانزل الله عز وجل ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال قد انزل الله فيما قلت فقال عمر رضينا عن ربنا وتصديق نبيّنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آدم إلينا ثلة ومنى الى القيامة ثلة ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل من قال لا اله الا الله وكذا اخرج ابن ابى حاتم عنه مرسلا واخرج ابن عساكر فى تاريخ دمشق من طريق عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله واخرج احمد وابن المنذر وابن ابى حاتم بسند فيه من لا يعرف عن ابى هريرة قال لما نزلت ثلة من الأولين وقليل من الآخرين شق ذلك على المؤمنين فنزلت ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فان مقتضى هذا الحديث ان الثلة من الأولين من آدم عليه السلام الى محمد - صلى الله عليه وسلم - وقلت لا وجه للحمل على التعارض بين الحديثين فان قوله عليه الصلاة والسلام من آدم إلينا ثلة ومني

الى القيامة ثلة لا ينافى قوله عليه الصلاة والسلام هما جميعا من أمتي فانه يمكن ان يقال ان الثلة التي من محمد - صلى الله عليه وسلم - الى القيامة ينقسم الى الثلّتين ثلة من أوليهم وثلة من أخريهم والمراد بالآية كلا الثلتين من امة محمد - صلى الله عليه وسلم - فان قيل لو كان ثلة من الأولين فى امة محمد - صلى الله عليه وسلم - فما وجه لبكاء عمر بعد نزول قوله تعالى ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ولما شق ذلك من المسلمين قلت وجه بكائه رض الترحم على اخر هذه الامة وزعم ان الناجي من اخرى هذه الامة قليل ولذلك سلى بنزول قوله تعالى ثلة من الأولين وثلة من الآخرين يعنى الى المقربين فى هذه الامة وان كانوا قليلا لكن اصحاب اليمين منهم كثير وكلا وعد الله الحسنى وليس قوله تعالى ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ناسخا لقوله تعالى ثلة من الأولين وقليل من الآخرين كما يدل عليه ظاهر الحديث فان الاخبار لا يحتمل النسخ ولان النسخ لا بد له من اتحاد المحل والاية الاولى فى المقربين من اصناف الثلاثة والثانية فى اصحاب اليمين فكيف يقال بالنسخ ويمكن ان يقال ثلة من الأولين يشتمل أصحابا لجميع الأنبياء واصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن لحقهم من التابعين فانهم السابقون الى الإسلام الأولون فيه ممن بعدهم الذين يقتقون اثارهم فى اتباع الأنبياء يؤيده قوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان والآخرون هم المتأخر وهذه الامة عند قرب الساعة فالمقربون منهم قليل واما اصحاب اليمين فكثير منهم وكذا من غيرهم كما ذكرنا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انى لارجو ان يكونوا نصف اهل الجنة وقوله عليه السلام ثمانون صفا من هذه الامة وأربعون من ساير الأمم روى البخاري عن ابن عباس قال خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فقال عرضت على الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه رجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد ورايت سوادا كثير اسد الأفق فقيل لهؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب فقال عليه السلام الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون فتقدم عكاشة ابن محصن فقال أمتهم انا يا رسول الله قال نعم فقام اخر فقال امنهم انا قال سبقك بها عكاشة قال البغوي وروى عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عرضت على الأنبياء الليلة باتباعها حتى اتى على موسى فى كبكة بنى إسرائيل راينهم اعجبونى فقلت اى من رب هؤلاء قيل هذا أخوك موسى ومن معه من بنى إسرائيل قلت رب فاين أمتي قيل انظر عن يمينك فاذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال فقيل هؤلاء أمتك أرضيت فقال رضيت ربى فقيل انظر عن يسارك فاذا الأفق قل اهل؟؟؟

[سورة الواقعة (56) : الآيات 41 إلى 42]

بوجوه الرجال فقيل هؤلاء أمتك أرضيت فقلت ربى رضيت رضيت فقيل ان مع هؤلاء سبعين الفا يدخلون الجنة بغير حساب عليهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ان استطعتم ان تكونوا من السبعين فكونوا وان عجزتم وقصرتم فتكونوا من اهل الظراب فان اعجزتم فكونوا من اهل الأفق فانى قد رأيت ثمه أناسا يتهلوشون كثيرا. وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ نحو ما مر فى التركيب والسموم الريح حارة تنفذ المسام وَحَمِيمٍ متناه فى الحرارة. وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ اى دخان شديد السواد بفعول من الحمة تقول العرب اسود يحموم إذا كان شديد السواد قال الضحاك النار سوداء واهله سود وكل شىء فيها اسود وقال ابن كيسان اليحموم اسم من اسماء النار. لا بارِدٍ كساير الظل وَلا كَرِيمٍ اى لا نافع بوجه ما او كريم المنظر دفع بذلك ما ادلهم الظل من الاستراح. إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ فى الدنيا مُتْرَفِينَ اى متنعمين منهمكين فى الشهوات لا يتعبون أنفسهم فى الطاعات. وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ج اى الذنب العظيم يعنى الشرك وقال الشعبي الحنث العظيم اليمين الغموس ومعنى هذا انهم كانوا يحلفون انهم لا يبعثون وكذبوا. وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ قرأ نافع والكسائي وابو جعفر ويعقوب أإذا مستفهما انا بتركه والباقون بالاستفهام فيها وهم على أصولهم فى التخفيف والتليين وقولهء إنا لمبعوثون خبرا لإذا او كررت الهمزة على قراءة الجمهور للدلالة على انكار البعث مطلقا وخصوصا فى هذا الوقت كما ادخلت على العاطف فى قوله. أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ للدلالة على ان ذلك أشد إنكارا فى حقهم لتقاوم زمانهم معطوف على محل اسم ان بعد مضى الخبر او على المستكن فى مبعوثون والفصل بالهمزة حسن العطف على المستكن وقرأ نافع وابن عمرو او بالسكون والعامل فى الظرف ما دل عليه مبعوثون لا هؤلاء للفصل بان والهمزة تقديره انبعث إذا متنا. قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ للحساب والجزاء إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ اى ما وقت به الدنيا من يوم معلوم والاضافة بمعنى من كخاتم فضة والميقات ما وقت به الشيء الى حد ومنه مواقيت الإحرام وهى الحدود التي لا يتجاوزها من يريد دخول مكة الا محرما كلمة الى بمعنى اللام يعنى مجموعون لميقات يوم القيامة المعلوم المتيقن مجيئه. ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا اى يا ايها الضَّالُّونَ

[سورة الواقعة (56) : آية 53]

الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ من الاولى للابتداء والثانية للبيان قال ابن عباس لوان قطرة من الزقوم قطرت فى بحار الدنيا لفسدت على اهل الأرض معاشهم فكيف من يكون طعامه رواه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وقال عمرو الخولاني بلغنا ان ابن آدم لا ينهش من الزقوم نهشة الا نهشت منه مثلها رواه عبد الله بن احمد فى روائد الزهد وابو نعيم. فَمالِؤُنَ مِنْهَا اى من الشجر نظرا الى معناه فان معناه الشجرة الْبُطُونَ من شدة الجوع. فَشارِبُونَ لغلبة العطش عَلَيْهِ اى على الشجر نظرا الى لفظه او على الزقوم مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ قرأ نافع وعاصم وحمزة بضم الشين والباقون بفتحها وهما لغتان وقال البغوي الفتح على المصدر والضم على انه اسم بمعنى المصدر كالضعف والضعف الْهِيمِ يعنى الإبل العطاش كذا روى ابن ابى حاتم من طريق ابى طلحة عن ابن عباس جميع هيمان للذكر وهيمى للانثى كعطشان وعطشى وقيل الإبل التي بها الهيام وهوداء يصيب الإبل لا تروى معه ولا يزال يشرب حتى يهلك كذا اخرج البيهقي عن مجاهد وذكر البغوي عن عكرمة وقتادة وقال الضحاك وابن عيينة الهيم الأرض السهلة ذات الرمل قال البيضاوي هو جمع هيام بالفتح وهو الرمل الذي لا يتماسك جمع على هيم كسحب وسحاب ثم خفف وفعل به ما فعل يجمع ابيض وكل من المعطوف والمعطوف عليه أخص من الاخر من وجه فلا اتحاد و. هذا نُزُلُهُمْ فيه تهكم كما فى قوله تعالى فبشرهم بعذاب اليم لان النزل ما يعد للنازل تكرمة له يعنى هذا أول ما يصيبهم يَوْمَ الدِّينِ ط يوم الجزاء فما ظنك بما يصيبهم بعد ما استقروا فى الجحيم. نَحْنُ خَلَقْناكُمْ بعد مالم تكونوا شيئا وأنتم تعرفون بذلك فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ اى هلا تصدقون على البعث بعد الموت فان من قدر على الإبداء قدر على الإعادة او المعنى هلا تصدقون بالخلق متقنين محققين للتصديق بالأعمال الدالة عليه. أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ اى ما تقذفونه فى الأرحام من النطف. أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ يجعلونه بشرا سويا أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ الفاء العاطفة للعطف على محذوف والروية يعنى العلم ومفعوله الاول الموصول مع الصلة وهاهنا معطوف عليه ومحذوف مقدر وجملة ءانتم تخلقونه أم نحن الخالقون مفعوله الثاني لكنه معلق بالاستفهام وتقديم المسند اليه على الخبر الفعلى فى ءانتم تخلقونه لافادة التخصيص ولان محل الإنكار والتقرير بالاستفهام هو المسند اليه دون النفس الخلق وتعريف الخبر

[سورة الواقعة (56) : آية 60]

فى نحن الخالقون ايضا لافادة التخصيص تقدير الكلام أنظرتم فعلمتم ما تمنون فى الأرحام فيصير بشرا أبكم مختص خلقه أم بنا والاستفهام لانكار نسبة الخلق الى المخاطبين والإقرار لله سبحانه يعنى تعلمون ان الخلق المختص بنا لا بكم. نَحْنُ قَدَّرْنا قرأ ابن كثير بتخفيف الدال والباقون بتشديدها وهما لغتان بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ يعنى قسمنا الموت عليكم كما قسمنا أرزاقكم على حسب ارادتنا فاختلف اعماركم من قصير وطويل ومتوسط او المعنى وقتنا موت كل بوقت معين لا يستاخرون منه ولا يستقدمون وتقديم المسند اليه على الخبر الفعلى لافادة التخصيص يعنى تقدير الموت وتوقيتها مختص بنا كما ان خلق كل مختص بنا فهذه الجملة مقررة لمضمون ما سبق وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ حال من فاعل قدرنا يعنى حال كوننا غير مسبوتين اى لم يسبقنا أحد فى تقديره او حال كوننا غير مقلوبين من سبقته على كذا إذا غلبته عليه وأعجزته او جملة معترضة والمعنى لا يسبقنا ولا معجزنا أحد فيهرب من الموت او بغير دفنه. عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ متعلق بمحذوف حال من فاعل قدرنا تقديره قدرنا بينكم الموت قادرين على ان نبدل منكم أمثالكم مكانكم او متعلق بقدرنا علة له وعلى بمعنى اللام يعنى قدرنا الموت لان نبدل منكم أمثالكم وجاز ان يكون متعلقا بمسبوقين والمعنى ما نحن بمسبوقين غير قادرين على ان نبدل أمثالكم فتخلق بدلكم وجاز ان يراد ان نبدل صفاتكم على ان أمثال جمع مثل بمعنى الصفة كما فى قوله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون وقوله تعالى للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل السوء ولله المثل الا على وَنُنْشِئَكُمْ عطف على نبدل يعنى قادرين على ان ننشأكم بعد الموت فِي ما لا تَعْلَمُونَ اى فى احوال وصفات لا تعلمونها من الثواب والعذاب. وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ عطف على قوله أفرأيتم ما تمنون النَّشْأَةَ الْأُولى يعنى خلقة الإنسان من المنى ووجوده بعد ما لم يكن شيئا مذكورا فَلَوْلا الفاء للسببية يعنى إذا علمتم النشأة الاولى فهلا تَذَكَّرُونَ ان منشىء النشأة الاولى قادر على ان ينشأ نشأة الاخرى فانها اقل صنعا لحصول المراد ولتخصيص الاجزاء وسبق المثال وفيه دليل على حجة القياس. أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ط تبذرون حبة. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ تنبتونه أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ المنبتون. لَوْ نَشاءُ جعله حطاما لَجَعَلْناهُ اى الزرع حُطاماً قال عطاء تبنالا قمح فيه وقيل هشيما لا ينتفع به فى مطعم وغذاء فَظَلْتُمْ أصله ظللتم حذف أحد اللامين تخفيفا تَفَكَّهُونَ اى تعجبون مما ينزل بكم فى زرعكم وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل وقيل تندمون على اجتهادكم ونفقاتكم وهو قول يمان وقال الحسن تندمون على ما سلف منكم من المعصية

[سورة الواقعة (56) : آية 66]

التي أوجبت تلك العقوبة وقال عكرمه تلاومون وقال ابن كيسان تحزنون وقال الكسائي هو التلهف على ما فات وهو من الاضداد قال العرب تفكهت اى فرحت وتفكهت اى حزنت قلت هو مستعار من أكل الفاكهة والتجنب عن الفاكهة قال فى القاموس تفكه تندم وبه تمتع وأكل الفاكهة وتجنب عن الفاكهة ضد. إِنَّا لَمُغْرَمُونَ قرأ ابو بكر عن عاصم أإنا بهمزتين على الاستفهام للتقرير والباقون بهمزة واحدة على الخبر والجملة بتقدير القول حال من فاعل تفكهون تقديره فظلتم تفكهون قايلون انا لمغرمون اى ملزمون غرامة ما أنفقنا والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض نكرا قال الضحاك وابن كيسان وقال البغوي قال ابن عباس وقتادة لمعذبون والغرام العذاب. بَلْ نَحْنُ قوم مَحْرُومُونَ اى حرمنا رزقنا إضراب بذكر الأهم فان غرامة المال أسهل من حرمان الرزق المفضى الى الهلاك. أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ العذب الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ من السحاب واحده مزنة قيل المزن السحاب الأبيض ماءه أعذب أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لقدرتنا. لَوْ نَشاءُ جعلناه أجاجا جَعَلْناهُ أُجاجاً ملحا مرا كذا فى القاموس قيل هو مشتق من الأجيج وهو تلهب النار فان الماء الأجاج يحرق الفم وحذف اللام الفاصل بين جواب ما يتمحض للشروط وهو ان وبين ما يتضمن معناه وهو لو فانها ليست لشرط المحض بل سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها فى مضمونى جملتها ان الثاني امتنع لامتناع الاول لعلم السامع بمكانه او للاكتفاء لسبق ذكرها فى قوله تعالى لجعلنه حطاما ولم يحذف فيما سبق اختصاصا لما يصدق لذاته ويكون أهم وفقده أصعب لمزيد التأكيد فَلَوْلا هلا تَشْكُرُونَ أمثال هذه النعم الضرورية من إيجاد الإنسان وابقائه. أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ط اى توقدون من وارى النار وريا وأوريته اتقدت يعنى تخرجونها من الزناد والعرب يقدح العودين تحك أحدهما على الاخرى يسمون الأعلى زند والأسفل زندة شبهوها بالفحل والطروقة. أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها التي منها الزناد وهى المرخ والعقاد يستحق المرخ على العقاد وهما خضرا وان ينقطر منهما الماء فينقدح النار أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ الخالقون لها ابتداء. نَحْنُ جَعَلْناها اى نار الزناد تَذْكِرَةً فى امر البعث فان من قدر على احداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفية كان اقدر على إعادة الحيوة والرطوبة الغريزية فيما كان حيا رطبا من العظام فيبس وبلى او تذكرة للطرق فى الظلام او تذكرة لنار جهنم حيث علقنا بها

[سورة الواقعة (56) : الآيات 74 إلى 75]

اسباب المعاش وعممنا إليها الحاجة لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون بها نار جهنم فانها أنموذج لها عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ناركم جزء من سبعين جزء من نار جهنم قيل يا رسول الله ان كانت لكافية قال فانها فضلت عليهن بتسعة وستين جزأ كلهن مثل حرها متفق عليه وَمَتاعاً ومنفعة لِلْمُقْوِينَ ج قيل يعنى للمسافرين النازلين بالقواء وهى الأرض القفر الخالية البعيدة من العمران وانما خص ذكرهم بالانتفاع لان انتفاعهم بها اكثر من انتفاع المقيم فانهم يوقدونها ليلا ليهرب منهم السباع ويهتدى بها الضال ويستدفئون بها؟؟؟ فى البرد وغير ذلك من المنافع وهذا قول اكثر المفسرين وقال مجاهد وعكرمة المراد بالمقوين المستمتعون بها من الناس أجمعين المسافرين والحاضرين يستضيئون بها فى الظلمة ويصطلون فى البرد ويطبخون بها وقال ابن زيد معناه للجايعين يعنى للذين خلت بطونهم من الطعام من أقوات الدار إذا خلت من سكانها يقول العرب أقويت مند كذا وكذا يعنى ما أكلت شيئا منذ كذا وقيل المراد بالمقوين الأغنياء يقال أقوى الرجل إذا قويت دابته وكثر ماله وصار الى حالة القوة ولا شك ان فيها متاعا للاغنياء والفقراء جميعا لا إغناء بأحد عنها ولعل وجه تخصيص الذكر بالأغنياء لكثرة الطبخ عندهم ومن هاهنا قيل فلان كثير الرماد اى كثير الطبخ كثير الضيافة والله تعالى اعلم. فَسَبِّحْ الفاء للسببية كما تذكرت بدايع صنايعه وانعاماته فتنزهه عما يقول المنكر لوحدانيته الكافرون لنعمه او فسبحه شكرا على نعمائه او تعجيبا من امر الظالمين فى كفران نعمائه بِاسْمِ رَبِّكَ الباء زائدة ولفظ الاسم مقحم والمعنى سبح ربك جاز ان يكون الفاء للسببية والتقدير فسبح بذكر اسمه او بذكره فان اطلاق اسم الشيء ذكره والله اعلم الْعَظِيمِ فَلا أُقْسِمُ إذ الأمر ظاهر أوضح من ان يحتاج الى قسم والفاء للسببية او المعنى ذا قسم ولا مزيدة للتاكيد كما فى لئلا يعلم والتقرير فلانا اقسم فحذف المبتدا وأشبع فتحة لام الابتداء ويدل عليه قراءة عيسى بن عمر فلا قسم وقيل قوله لارد لما قال الكفار فى القران انه سحر او شعر او كهانة يعنى ليس الأمر كما تقولون اقسم بِمَواقِعِ النُّجُومِ قرأ حمزة والكسائي بموقع بإسكان الواو من غير الف على الافراد والباقون بفتح الواو والف بعدها على الجمع والمراد بمواقع النجوم ساقطها وتخصيص المغارب فى الذكر لما فى غروبها من زوال اثرها الذي هو أول على إمكانها وحدوثها ووجود موثر لا يزول تاثيره وقال عطاء بن ابى رباح أراد منازلها ومجاريها وقال الحسن أراد انكدارها وانتشارها يوم القيمة وقال ابن عباس النجوم نجوم القران وموضعها اوقات نزولها

[سورة الواقعة (56) : آية 76]

فانه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما متفرقا. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ جملة معترضة بين القسم وجوابه لَوْ تَعْلَمُونَ اخرى معترضة بين الصفة والموصوف لكمال الاستعظام ولو للتمنى ومفعول تعلمون محذوف يعنى ليتكم تعلمون عظمته عَظِيمٌ لما فى المقسم به من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة ومن مقتضيات رحمته انه لا يترك عباده سدى. إِنَّهُ يعنى ما يتلوه محمد - صلى الله عليه وسلم - لَقُرْآنٌ منزل من الله تعالى غير منقول كَرِيمٌ عزيز مكرم لانه كلام الله وفضل كلام الله على ساير الكلام كفضل الله تعالى على خلقه رواه الترمذي والمعنى كثير الخير والنفع لاشتماله على اصول العلوم المهمة فى إصلاح المعاد والمعاش قال اهل المعاني الكريم الذي من شانه ان يعطى الخير الكثير او المعنى حسن مرضى فى جنسه. فِي كِتابٍ ظرف مستقر صفة لقران مَكْنُونٍ مصؤن وهو اللوح المحفوظ. لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ قيل الضمير فى لا يمسه راجع الى الكتاب لقربه فالمعنى لا يطلع على اللوح الا المطهرون من الكدورات الجسمانية الباعثة غالبا على المعاصي وهم الملائكة وهذا القول غير مرضى فان الانسلاخ من الكدورات الجسمانية ليس من فضائل ولا يعد تطهرا والا يلزم فضل الملائكة على البشر وهو خلاف الإجماع بل الكدورات الجسمانية هى الحاملة للتجليات الذاتية الصرفة ولذلك اختص النبوة بالبشر فالقول الصحيح ان الضمير راجع الى القران فالمعنى لا يمس القران الا المطهرون من الأحداث فيكون بمعنى النهى والمراد بالقران المصحف سمى قرانا على قرب الجوار مجازا كما فى الحديث انه - صلى الله عليه وسلم - نهى ان يسافر بالقران الى الأرض العدو متفق عليه من حديث ابن عمر والمراد به المصحف وقد انعقد الإجماع على انه لا يجوز مس المصحف للجنب والحائض ولا لنفساؤ لا لمحدث خلافا لداود محتجا بحديث ابى سفيان انه عليه الصلاة والسلام كتب كتابا الى هرقل وكان فيه يا اهل الكتاب تعالوا الاية ولا شك ان الكافر نجس قلنا كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك العبارة من قبل نفسه امتثالا لامر الله تعالى لا من حيث انه كلام الله تعالى ومن ثم حذف لفظة قل من صدر الاية ولو كان كتب من حيث انه كلام الله لما حذف لفظة قل بل لا يجوز له حذفها كما لا يجوز حذفها فى الصلاة والتلاوة ولنا حديث عمرو بن حزم ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب الى اهل اليمن كتابا وكان فيه لا يمس القران الا طاهر رواه الدارقطني والحاكم فى المعرفة والبيهقي فى الخلافيات وروى الطبراني من حديث حكيم بن حزام قال لما بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى اليمن قال لا يمس القران الا وأنت طاهر تفرد به سويد بن حاتم وهو ضعيف وحسن الحار فى اسناده وفى الباب عن ابن عمر

مرفوعا رواه الدارقطني والطبراني واسناده لا بأس به (مسئله) يجوز مس القران وحمله بغلاف متجاف عند ابى حنيفة رح وقال مالك والشافعي لا يجوز مع الغلاف ايضا لانه قال الله تعالى انه لقران كريم وقال الله تعالى فى صحف مكرمة ومن التكريم ان لا يمسه غير الطاهر ولو كان عليه غلاف قلنا التكريم اثبت حرمة المس والمس لا يطلق الا إذا كان بلا حجاب وستر وانما التكريم ما ثبت بالشرع والزائد عليه تكلف (مسئله) يكره مسه بالكم او الذيل لانهما تابعان لليد لا يجوز مس درهم فيه سورة الا بصرة لان المصحف ما كتب عليه القران (مسئله) ويثبت بهذه الاية بدلالة النص اعنى بالطريق الاولى عدم جواز قراءة القران للجنب وعليه انعقد الإجماع فان المصحف وهو القرطاس الذي كتب عليه نقوش وضع للدلالة على ألفاظ القران ولما ورد لا يمسه الا المطهرون فالفاظ القران اولى وأحرى ان لا يجرى الا على لسان المطهرين والحائض والنفساء كالخبث عند ابى حنيفة رح والشافعي واحمد لما ذكرنا وعن مالك روايتان إحداهما انها تقرء الآيات اليسيرة والتي نقلها الأكثرون من أصحابه انها تقرأ ما شاءت وهو مذهب داود هو محجوج بما ذكرنا وبحديث ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقرء الحائض ولا الجنب شيئا من القران رواه الدارقطني والترمذي وابن ماجة وفى اسناده اسمعيل ابن عياش وهو ضعيف وقيل انه قوى وتابعه مغيرة بن عبد الرحمن وابو معشر بن موسى بن عقبة قال ابن الجوزي مغيرة ايضا ضعيف وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني أخطأ ابن الجوزي ان ضعف مغيرة ابن عبد الرحمن وهو ثقة لكن فى طريق مغيرة عبد الملك بن مسلم ضعيف واما طريق ابو معشر ففيه منهم وابو معشر ضعيف وله شاهد من حديث جابر رواه الدارقطني مرفوعا وفيه محمد بن الفضل متروك- (مسئله) كان القياس عدم جواز قراءة القران للمحدث ايضا لما ذكر لكن الاستحسان يقتضى جواز القراءة للمحدث لان الحدث لا يسرى فى الفم ولذلك لم يجب المضمضة فى الوضوء بخلاف الجنابة ويدل على جواز القراءة للمحدث حديث ابن عباس انه بات ليلة عند ميمونة وهى خالته قال فاضطجعت فى عرض الوسادة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واهله فى طولها فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتصف الليل او قبله قليلا او بعده بقليل استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس يمسح النوم عن وجهه ثم قرأ العشرة الآيات الخواتيم من سورة ال عمران ثم قام الى شن معلق فتوضأ منها الحديث متفق عليه وحديث على بن ابى طالب لم يكن يحجب النبي - صلى الله عليه وسلم - شىء من القران سوى الجنابة رواه احمد وابن خزيمة واصحاب السنن وابن حبان والحاكم

[سورة الواقعة (56) : آية 80]

وابن الجار وصححه الترمذي وابن السكن وعبد الحق والبغوي فى شرح السنة (مسئله) قال البغوي وروى محمد بن الفضل عن الكلبي فى تفسير الاية قال لا يقرأ الا الموحدون قلت الموحد فى اصطلاح الصوفية من لا يكون له مقصود غير الله سبحانه وقال المجدد ما هو مقصود لك فهو معبود لك فان المرء يتحمل كل ذل وانكسار ومشقة لتحصيل مقصوده وذلك هو التعبد وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به رواه النووي فى اربعينه وقال عكرمة كان ابن عباس رض ينهى ان يمكن اليهود والنصارى من قراءة القران وقال الفراء معنى الاية لا يجد طعم القران ونفعه الامن أمن به ومن هاهنا قال المجدد الالف الثاني ان الصوفي لا يجد بركات القران الا بعد فناء نفسه وتطهر من الرذائل واما قبل الغناء فقراءة القران له داخل فى عمل الأبرار وبعد فناء النفس وزوالها عينها واثرها فمراتب القرب الى الله سبحانه منوط بتلاوة القران وكذا فى الاخرة بعد دخول الجنة يرتقى ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فان منزلتك عند اخر اية تقرأها رواه احمد والترمذي وابى داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمر. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ صفة رابعة للقران وهو مصدر بمعنى المفعول كالخلق بمعنى المخلوق. أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ يعنى القران أَنْتُمْ يا اهل مكة مُدْهِنُونَ الادهان فى الأصل استعمال الدهن المتليين ثم استعير للمدارة والملاينة فى الظاهر قال الله تعالى ودوا لو تدهن فيدهنون ثم استعمل فى النفاق وهو المراد هاهنا قال فى الفارس دهن نافق والمداهنة اظهار خلاف ما فى الضمير كالادهان وقال البغوي هو من الادهان وهو الجري فى الباطن على خلاف الظاهر ثم قيل للمكذب مدهن وان صرح بالكفر والتكذيب وكذا قال ابن عباس يعنى يكذبون وقال مقاتل بن حبان كافرون. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ اى حظكم ونصيبكم من القران أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ قال الحسن فى هذه الاية خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله الا التكذيب به وقال جماعة من المفسرين معناه وتجعلون شكركم انكم تكذبون كذا اخرج احمد والترمذي عن على رض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هيثم بن عدى ان من لغته ازدشنوة لارزق فلان بمعنى فاشكر وقيل هذا المعنى بحذف المضاف وتقديره تجعلون شكر رزقكم والمراد بالرزق حينئذ المطر وذلك انهم كانوا إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك من الله تعالى فقيل لهم تجعلون رزقكم اى شكر رزقكم انكم تكذبون

[سورة الواقعة (56) : آية 83]

يعنى انكم تأتون بالكفر مكان الشكر عن زيد بن خالد الجهني قال صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلوة الصبح الحديبية فى اثر السماء كانت من الليل فلما انصرف اقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال قال الله تعالى من عبادى مومن لى وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومومن بالكواكب واخرج مسلم عن ابن عباس قال مطر الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر وقال بعضهم هذه رحمته وضعها الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الاية فلا اقسم بمواقع النجوم حتى بلغ وتجعلون رزقكم انكم تكذبون واخرج ابن ابى حاتم عن ابى هريرة قال نزلت هذه الآيات فى رجل من الأنصار فى غزوة تبوك نزلوا الحجر فامرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان لا يحملوا من مائها شيئا ثم ارتحل ونزل منزلا اخر وليس معهم ماء فشكوا ذلك الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى ركعتين ثم دعى فارسل الله سبحانه فامطرت عليهم حتى استقوا منها فقال رجل من الأنصار لاخر من قومه متهم بالنفاق ويحك قد ترى ما دعى النبي - صلى الله عليه وسلم - فامطر الله علينا السماء فقال انما مطرنا بنوء كذا وكذا فنزلت وذكر ابن إسحاق ان هذه القصة كانت بالحجر وروى مسلم عن ابى هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ما انزل الله من السماء من بركة الا أصبح فريق من الناس بها كافرين ينزل الله الغيث فيقولون بكوكب كذا وكذا. فَلَوْلا فهلا إِذا بَلَغَتِ الضمير المرفوع عايد الى غير مذكور لفظا بل حكما فانه معلوم يقينا يعنى إذا بلغت نفس أحدكم الْحُلْقُومَ عند الموت. وَأَنْتُمْ ايها الحاضرون حول المحتضر حِينَئِذٍ متعلق بقوله تَنْظُرُونَ حاله فى خروج الروح وحالكم معه من العجز حيث لا يمكنكم الدفع عنه ولا تملكون شيئا الجملة حال من فاعل بلغت والعائد المفعول المحذوف لتنظروا. وَنَحْنُ أَقْرَبُ قال البيضاوي معناه نحن اعلم إِلَيْهِ اى الى المحتضر مِنْكُمْ عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى اسباب الاطلاع وقال البغوي اقرب بالعلم والقدرة والروية وقيل معناه ورسلنا الذين يقبضون روحه اقرب اليه منكم وهذه التأويلات مبنية على زعمهم بان القرب منحصر فى المكانيات والزمانيات وعدم دركهم قربا غير متكيف لكنه ثابت بالشرع مدرك بفراسة المؤمن لا يدركه العوام ولذلك استدرك بقوله وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ قربى وجملة ونحن اقرب حال ثان لفاعل بلغت. فَلَوْلا فهلا تأكيد لما سبق من حروف التحضيض إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ اى غير مجرمين غير محاسبين بالبعث يوم القيامة يعنى غير مبعوثين بزعمكم او غير مملوكين

[سورة الواقعة (56) : آية 87]

غير مقهورين من دانه إذا اذله واستبعده واصل التركيب للذل والانقياد. تَرْجِعُونَها اى النفس الى مقرها حتى ينتفى عن محلها الموت كالبعث او المعنى ترجونها لكونكم غير مقهورين وهذا عامل الظرف وما ورد به التخصيص بلولا وهى بما فى خيزها ودليل على جواب الشرط إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فيما زعمتم شرط مستغن عن الجزاء بما سبق وهو فى المعنى تأكيد للشرط السابق يعنى ان كنتم صادقين فى انكم غير مدينين كما يدل عليه حجدكم افعال الله وتكذيبكم باياته فلولا ترجعون النفس الى مقرها إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ولما سبق ذكر المحتضر المتوفى وانه مجزى مقهور لله سبحانه غير مقدور لاحد غيره توجه النفس الى انه ماذا يصنع به القاهر المالك القريب المسلط عليه فقال تفصيلا لمجمل أحواله. فَأَمَّا إِنْ كانَ المتوفى مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ اما حرف شرط تقديره مهما يكن من شىء فالمتوفى ان كان من المقربين يعنى السابقين الذين هم أفضل الأصناف الثلاثة المذكورة فى صدر السورة فله روح فروح مبتداء خبره ظرف محذوف والجملة الظرفية جزاء للشرط والجملة الشرطية لمبتداء محذوف والجملة الاسمية جزاء لشرط حذف بعد اما وأقيم جزاء الجزاء مقامه يعنى ان كان من المقربين وحذف الفاء كراهة توالى حرفى الشرط والجزاء او اكتفى بالفاء الجزائية التي كانت فى الجزاء للشرط الثاني قرأ يعقوب فروح بضم الراء والباقون بفتحها فمن قرأ بالضم قال الحسن يخرج روحه فى الريحان وقال قتادة الروح الرحمة لانها كالسبب لحيوة المرحوم وقيل المراد به الحيوة الدائمة ومن قرأ بالفتح فمعناه الفرح والراحة كذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وقال الضحاك المغفرة والرحمة وَرَيْحانٌ يعنى رزق طيب كذا قال مجاهد وسعيد بن جبير ومقاتل قال مقاتل هو بلسان حمير وقال آخرون الريحان الذي يشم قال ابو العاليه لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يوتى بعض من ريحان الجنة فبشم ثم يقبض روحه وقال أبو بكر الرزاق الروح النجاة من النار والريحان دخول دار القرار. وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كانَ المتوفى مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ وهو ثانى اصناف الثلاثة المذكورة. فَسَلامٌ لَكَ اى عليك يا صاحب اليمين مِنْ اخوانك أَصْحابِ الْيَمِينِ يسلمون عليك وقال البغوي معناه سلامة لك يا محمد منهم فلا تهتهم لهم فانهم سلموا من عذاب الله وانك ترى فيهم ما تحب من السلامة فترضى قال مقاتل هو ان الله يتجاوز عن سياتهم ويقبل حسناتهم وقال القراء وغيره فسلام لك يا محمد انهم من اصحاب اليمين او يقال لصاحب اليمين سلام لك انك من اصحاب اليمين. وَأَمَّا إِنْ كانَ المتوفى

[سورة الواقعة (56) : آية 93]

مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بالقران والنبي صلى الله عليه وسلم الضَّالِّينَ لا عن طريق الهدى يعنى اصحاب الشمال والمشامة الثالث من اصناف الثلاثة المذكورة وصفهم هاهنا بأفعالهم زجرا عنها واشعارا بما أوجب لهم أوعدهم به. فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ لا فالذى يعذبهم حميم جهنم. وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إدخال نار عظيمة. إِنَّ هذا المذكور فى شان المحتضرين لَهُوَ حَقُّ الخبر الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ع اى فصل بذكر ربك وامره او فنزهه بذكر اسمه عما لا يليق بعظمة شانه او نزه ربك العظيم وسيجيئ مثل هذين الآيتين اخر سورة الحاقة وقد سبق منى تفسيرها وذكرت هناك مسائل تسبيحات الركوع والسجود وما ورد فيهما من الأحاديث واختلاف الائمة فلا نعيدها والله اعلم عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم يصبه فاقة ابدا رواه البغوي وابو يعلى فى مسنده والبيهقي بسند ضعيف فى شعب الايمان.

سورة الحديد

سورة الحديد مدنية وهى تسع وعشرون واية واربع ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ ذكر هاهنا وفى الحشر والصف بلفظ الماضي وفى الجمعة والتغابن بلفظ المضارع اشعارا بان التسبيح لله تعالى من مخلوقاته مستغرق بجميع الأوقات لا يختلف باختلاف الحالات ومجىء المصدر مطلقا فى بنى إسرائيل ابلغ فى هذه الدلالة والتسبيح يتعدى بنفسه لان معناه التنزيه والتبعيد من السوء منقول من سبح إذا ذهب وبعد وقد يتعدى باللام مثل نصحته ونصحت له وجاز ان يكون تعديته باللام للاشعار بان إيقاع الفعل ثبت لاجل الله وخالصا لوجهه الكريم ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ط يعم ذوى العقول وغيرهم وقيل المراد منه ما يأتي منه التسبيح ويصح وقيل المراد بالتسبيح من الجمادات ونحوها التسبيح الحالي يعنى دلالتها على تنزه الصانع تعالى عن السوء والصحيح ان شيئا من الموجودات لا يخلو عن نوع من الحيوة والعلم كما حققناه فى تفسير سورة البقر فى قوله تعالى وان منها لما يهبط من خشية الله فالتسبيح منها مقالى ايضا وان من شىء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ حال يشعر بما هو المبتدا للتسبيح. لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ج فانه هو الموجد لها والمتصرف فيها والجملة اما حال من مفعول سبح او مستانفة يُحْيِي وَيُمِيتُ استيناف او خبر لمحذوف اى هو او حال من المجرور فى له وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الاحياء والاماتة وغيرهما قَدِيرٌ تام القدرة. هُوَ الْأَوَّلُ قبل كل شىء ليس قبله شىء فانه هو الموجد للاشياء محدثها كلها وَالْآخِرُ الباقي بعد فناء الأشياء ولو بالنظر الى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها فان وجوده تعالى اصل لا يحتمل الانفكاك والزوال ووجود غيره مستعار فى حكم الله وجود بالنظر الى ذاته فهو الاخر بعد كل شىء ليس بعده شىء وَالظَّاهِرُ فوق كل شىء ليس فوقه فى الفهور شىء فان منشاء الظهور الوجود ولا ظهور للمعدوم ووجود كل شىء مستفاد منه وظل لوجوده فظهور كل شىء فرع لظهوره غير انه تعالى لكمال ظهوره وشعشان وجوده اختفى عن الابصار لقصورها كما اختفى الشمس عن عين الخفاش واختفى الشمس ايضا فى تصف النهار لشدة الظهور وكمال النور عن أعين الناس فمن ادنى تميز يعترف بوجوده تعالى

[سورة الحديد (57) : آية 4]

حتى الصبيان والمجانين كما يعترف الناس لوجود الشمس فى النهار وَالْباطِنُ ج لكمال ظهوره وايضا باطن كنه ذاته دون كل شىء ليس دونه شىء حتى عجز من دركه بصائر اولى الابصار من النبيين والصديقين الأخيار روى مسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن ابى شيبة عن ابى هريرة وابو يعلى الموصلي عن عائشة انه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول وهو مضطجع اللهم رب السموات والأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شىء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شىء أنت أخذ بناصيته اللهم أنت الاول فليس قبلك شىء وأنت الاخر فليس يعدك شىء وأنت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء اقض عنا الدين واغننا عن الفقر قال البغوي وسئل عمر رض عن هذه الاية فقال معناها ان علمه بالأول كعلمه بالاخر وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يستوى عنده الظاهر والخفي. هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ط هذا من المتشابهات والأسلم فيه تفويض تأويله الى الله تعالى والايمان بما أراد يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ كالبذور والقطر والكنوز والأموات وغير ذلك وَما يَخْرُجُ مِنْها كالزروع والانجرة والندور والمعادن والأموات عند الحشر وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ كالامطار والملائكة والاحكام والبركات وَما يَعْرُجُ فِيها كالانجرة والملائكة باعمال العباد وأرواحهم وَهُوَ مَعَكُمْ معية غير متكيفة أَيْنَ ما كُنْتُمْ ط فان نسبة جميع الامكنة الى الله تعالى على السواء وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم عليه. لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ط ذكره مع الاعادة كما ذكر مع الإبداء لانه كالمقدمة لهما وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ط بان ينقص من أحدهما ويزيد فى الاخر وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى بمكنوناتها ذكر السيوطي فى جمع الجوامع عن على رض فى الدعاء لقضاء الحوائج ان يقرأ الفواتح من سورة الحديث وثلث آيات من اخر الحشر ثم يقول يا من كذلك وليس أحد غيره كذلك اقض حاجتى كذلك. آمِنُوا ايها الناس بِاللَّهِ الذي شانه كما ذكرنا وَرَسُولِهِ فان الايمان بالله على ما ينبغى لا يمكن الا بتوسط الرسل وَأَنْفِقُوا فى سبيل الله مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ط اى بعض الأموال التي جعلكم الله خلفاء فى التصرف فيها وهو مخلوق

[سورة الحديد (57) : آية 8]

مملوك الله تعالى او التي استخلفكم عمن قبلكم فى تملكها والتصرف فيها وسيخلفكم فيها غيركم ذكرها الله سبحانه بهذا العنوان للحث على الانفاق وتوهينه على النفس فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا فى سبيله لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ الفاء للتعليل وفيه مبالغات فى الوعد حيث أورد الجملة الاسمية وأعاد ذكر الايمان والانفاق وبنى الحكم على الضمير ونكر الاجر ووصفه الكبير. وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ج جملة لا تومنون حال من ضمير المخاطبين والعامل فيه معنى الفعل فى مالكم اى تصنعون غير مومنين به وجملة ما لكم معترضة للتوبيخ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ حال من الضمير فى لا تؤمنون يعنى اى عذر لكم فى ترك الايمان والحال ان الرسول يدعوكم اليه بالحجج والآيات والبينات وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ حال مرادف لما سبق او من مفعول يدعوكم يعنى والحال انه قد أخذ الله ميثاقكم بالايمان قبل ذلك حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السلام وقال أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا على أنفسنا الاية او المعنى قد أخذ الله ميثاقكم على لسان من قبلكم من الأنبياء وفيما سبق من الكتب ان إذا جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قالء أقررتم وأخذتم على ذلك اصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين وقيل أخذ ميثاقكم باقامة الحجج والتمكين من المنظر قرأ ابو عمرو وأخذ بضم الهمزة وكسر الخاء على البناء للمفعول وميثاقكم بالرفع والاسناد اليه والباقون على البناء للفاعل ونصب ميثاقكم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ شرط حذف جزاءه تقديره عندى ان كنتم مؤمنين بالله على زعمكم فامنوا بالله والرسول فان الايمان بالله على ما ينبغى لا يتصور الا بتوسط الرسول وذلك ان الكفار ايضا كانوا مقرين بالله تعالى ويزعمون الأصنام شفعاء اليه تعالى فى الصحيحين عن ابن عباس قال وفد عبد القيس لما أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بأربع ونهاهم بأربع أمرهم بالايمان بالله وحده وقال أتدرون ما الايمان بالله وحده قالوا الله ورسوله اعلم قال شهادة ان لا اله الا الله ومحمد رسول الله واقام الصلاة وإيتاء الزكوة وصيام رمضان وان تعطوا من المغنم الخمس ونهاهم عن اربع عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت وقال احفظوهن وأخبروهن من وراءكم قلت تقدير الكلام عندى أمرهم بأربع ونهاهم عن اربع بعد ما أمرهم بالايمان وحده ثم فسر الايمان بالشهادتين وفسر الأربع المامورة بقوله واقام الصلاة يعنى أمرهم باقام الصلاة الحديث هذا الحديث يدل ان الايمان بالله وحده لا يتصور الا بعد الايمان بالرسول وقال البيضاوي

[سورة الحديد (57) : آية 9]

تقدير الاية ان كنتم مؤمنين بموجب ما فان هذا موجب له لا مزيد له وقال البغوي ان كنتم مؤمنين يوما تاما فالان أحرى الأوقات ان تومنوا لقيام الحجج والاعلام ببعثه محمد - صلى الله عليه وسلم - ونزول القران. هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ محمد - صلى الله عليه وسلم - آياتٍ بَيِّناتٍ يعنى القران او غير ذلك من المعجزات الباهرة لِيُخْرِجَكُمْ هو او عبده مِنَ الظُّلُماتِ اى الكفر والجهل إِلَى النُّورِ ط اى الايمان او العلم وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ حيث أرسل إليكم رسوله فانزل عليه آياته ولم يقتصر على ما نصب لكم من الحجج العقلية. وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا واى فائدة لكم يعنى لا فائدة لكم فى عدم الانفاق فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى فيما يكون قربة اليه تعالى وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ط يعنى والحال ان الله يرث كل شىء فيها ولا يبقى لاحد مال وإذا كان كذلك فانفاقه بحيث انه يستخلف عوضا يبقى وهو الثواب اولى وترك الانفاق وجمع الأموال حتى ينتفع بها غيركم لا يفيدكم أصلا عن عائشة انهم ذبحوا شاة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بقي منها يعنى بعد الانفاق قالت ما بقي منها إلا كتفا قال بقي كلها غير كتفها رواه الترمذي وصححه وعن ابن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيكم مال وارثه أحب اليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا أحد الا ماله أحب اليه من مال وارثه قال ماله ما قدم ومال وارثه ما اخر رواه البخاري والنسائي لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ اى فتح مكة فى قول اكثر المفسرين وقال الشعبي هو صلح الحديبية وَقاتَلَ ط قبله لا يستوى افتعال بمعنى التفاعل وفاعله من أنفق مع ما عطف عليه المحذوف يعنى لا يستوى من أنفق قبل الفتح وقاتل قبله ومن أنفق بعد الفتح وقاتل بعده أُولئِكَ الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا فيه أَعْظَمُ دَرَجَةً عند الله ثوابا وتقربا مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ الفتح وَقاتَلُوا ط حينئذ قال البغوي روى محمد ابن فضل عن الكلبي ان هذه الاية نزلت فى ابى بكر الصديق رض فانه أول من اسلم وأول من أنفق فى سبيل الله وروى البغوي بسند فى تفسيره المعالم عن ابن عمر قال كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده ابو بكر الصديق رض وعليه عباءة فدخلنا فى صدرها بخلال فنزل عليه جبرئيل فقال مالى ارى أبا بكر عليه عباءة فدخلها فى صدرها بخلال فقال أنفق ماله على قبل الفتح قال فان الله عز وجل يقول اقرأ عليه السلام وقل له أراض أنت عنى فى فقرك هذا أم ساخط فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا بكر ان الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك أراض أنت عنى فى فقرك هذا أم ساخط فقال ابو بكر

أسخط على ربى وانى عن ربى راض وكذا روى الواحدي فى تفسيره قلت هذه الاية بمنطوقه تدل على افضلية السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على من أمن بعد الفتح وأنفق حينئذ وبمفهومه وسياقه يدل على افضلية الصديق على ساير الصحابة وافضلية الصحابة على سائر الناس فان مدار الفضل على السبقة فى الإسلام والانفاق والجهاد كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام من سن حسنة فاجرها واجر من عمل بها من غير ان ينقص من أجورهم شىء وقد اجمع العلماء على ان أبا بكر أول من اسلم واظهر إسلامه على يده اشراف قريش وأول من أنفق الأموال العظام فى سبيل الله وأول من احتمل الشدائد من الكفار ومن ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالا حد عندنا يد الا وقد كافيناه ما خلا ابى بكر فان له عندنا يد يكافيه الله تعالى بها يوم القيامة وما نفعنى مال أحد قط ما نفعنى مال ابى بكر رواه الترمذي من حديث ابى هريرة وعن ابن الزبير عن أبيه قال اسلم ابو بكر وله أربعون الفا أنفقها كلها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفى سبيل الله رواه ابو عمر وروى البخاري فى حديث طويل ثم يدا لابى بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلى فيه ويقرأ القران وروى البخاري ان عقبة بن معيط لما راى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى جعل رداءه فى عنقه وخنقه فاطلع ابو بكر فدفع عنه وقال أتقتلون رجلا ان يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات وروى ابو عمر نحوه وزاد فاخذ الكفار أبا بكر فضربوه ضربا شديدا فلما رجع ابو بكر الى داره فكان كلما وضع يده على شعره سقط شعره مع يده ويقول تباركت يا ذا الجلال وروى ابو عمرو فى الاستيعاب انه أعتق ابو بكر سبعة كانوا يعذبون فى الله منهم بلال وعامر بن فهيرة وقال ابو اسحق انه لما اسلم ابو بكر اظهر إسلامه ودعى الناس الى الله عز وجل والى رسوله وكان ابو بكر رجلا مولفا لقومه مجيبا سهلا فجعل يدعو الى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس اليه فاسلم بدعائه فيما بلغني عثمان بن عفان رئيس بنى عبد الشمس وزبير بن العوام رئيس بنى اسد وسعد ابن ابى وقاص وعبد الرحمن بن عوف رئيسا لبنى زهرة وطلحة بن عبد الله رئيس بنى تميم فجاء بهم الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استجابوا له واسلموا وصلوا وانكسر شوكة قبائل قريش بإسلامهم قال ابو الحسن الأشعري تفضيل ابى بكر على غيره من الصحابة قطعى قلت قد اجمع عليه السلف وما حكى عن ابن عبد البر ان السلف اختلفوا فى تفضيل ابى بكر وعلى فهو شىء غريب الفرد به عن غيره ممن هو أجل منه علما واطلاعا منهم الشافعي وقد ذكرنا ادلة تفضيل الشيخين نقلا وعقلا فى السيف المسلول

[سورة الحديد (57) : آية 11]

وله مواقف رفيعة فى الإسلام كثباته على كمال تصديقه ليلة الاسراء وجوابه للكفار فى ذلك وهجرته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك عياله وأطفاله وملازمته له فى الغار وساير الطريق وكلامه يوم بدر ويوم الحديبية حين اشتبه على غيره الأمر فى تأخير دخول مكة وثباته مع كمال حزنه فى وفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخطبه الناس وتسكينهم ثم قيامه فى قصة البيعة لمصالح المسلمين واهتمامه فى بعث جيش اسامة وقيامه فى قتال اهل الردة وتجهيزه الجيوش الى العراق والشام واخر مناقبه انه فوض الخلافة الى عمر رض وَكُلًّا قرأ ابن عامر بالرفع والباقون بالنصب اى كل واحد من الفريقين من الصحابة الذين أنفقوا قبل الفتح والذين أنفقوا بعده وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى ط لا يحل الطعن فى أحد منهم ولا بد حمل مشاجراتهم على محامل حسنة واغراض صحيحه او خطأ فى الاجتهاد وايضا يدل صدر الاية على افضلية الصحابة على من بعدهم بسبقهم فى الإسلام والانفاق والجهاد وروى الشيخان فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ع عالم بالبواطن كعلمه بالظواهر فيجازى كلا على حسبه. مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ اى يقرض عباد الله بحذف المضاف او المعنى ينفق ماله فى سبيل الله رجاء ان يعوضه فصار كمن يقرضه فاستعير لفظ القرض لبدل على التزام الجزاء قَرْضاً حَسَناً بالإخلاص وتحرى أكرم المال وأفضل الجهات له فَيُضاعِفَهُ لَهُ اى يعطى اجره ضعافا قرأ عاصم فيضاعفه من المفاعلة منصوبا على جواب الاستفهام باعتبار المعنى فكانه قال يقرض الله أحد فيضاعفه له وقرأ ابن عامر ويعقوب فيضعفه من التفعيل منصوبا وقرأ ابن كثير فيضعفه من التفعيل مرفوعا عطفا على يقرض والباقون فيضاعفه من المفاعلة مرفوعا وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ حال من الضمير المنصوب فى فيضاعفه يعنى والحال ان ذلك الاجر المضموم اليه الأضعاف كريم فى نفسه ينبغى ان يطلب وان لم يضاعف فكيف وقد يضاعف أضعافا. يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ظرف لقوله او فيضاعفه او متعلق بمقدر يعنى اذكر يَسْعى نُورُهُمْ اى يضىء نور التوحيد والطاعات معهم على الصراط وأينما كانوا ويكون ذلك دليلهم الى الجنة وجملة يسعى حال من المؤمنين والمؤمنات بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ قال بعض المفسرين أراد جميع جوانبهم فعبر بالبعض عن الكل ويؤيد هذا التأويل الدعاء المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

فانه كان يقول إذا خرج للصلوة اللهم اجعل فى قلبى نورا وفى بصرى نورا وفى سمعى نورا وعن يمينى نورا وعن شمالى نورا وخلفى نورا واجعلنى نورا رواه الشيخان وابو داود والنسائي وروى ابن ماجة عن ابن عباس وفى رواية عند مسلم وابى داود والنسائي وزاد فى لسانى نورا واجعل من خلفى نورا ومن امامى نورا واجعل من فوقى نورا ومن تحتى نورا اللهم أعطني نورا فان هذا الدعاء يقتضى احاطة النور من جميع جوانبه ولعل وجه تخصيص الجهتين بالذكران السعداء يوتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين وقال الضحاك ومقاتل يسعى نورهم بين أيديهم وبايمانهم كتبهم وقيل يجعل الله لهم نورا فى الجهتين اشعارا بانهم بحسناتهم سعدوا بصحايفهم البيض أفلحوا اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن مسعود قال يوتون نورهم على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة وأدناهم نورا من كان فى إبهامه يتقدمرة ويطفى اخرى وقال قتادة ذكر لنا ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من المؤمنين من يضىء نوره من المدينة الى عدن والى الصنعاء فدون ذلك حتى ان من المؤمنين من لا يضىء نوره الا بين القدمين- (فصل) فى موجبات النور والظلمة اخرج ابو داود والترمذي عن بريدة وابن ماجة عن انس كليهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بشر المشائين فى الظلم الى المساجد بالنور التام يوم القيامة وورد مثله فى حديث سهل بن سعد وزيد بن الحارثة وابن عباس وابن عمر وحارثة بن وهب وابى امامة وابى الدرداء وابى سعيد وابى موسى وابى هريرة وعائشة رض وروى احمد والطبراني عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حافظ على الصلوات كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وروى الطبراني عن ابى سعيد مرفوعا من قرأ سورة الكهف كانت له نورا يوم القيامة من مقامه الى مكة وروى ابن مردوية عن ابن عمر من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدميه الى عنان السماء يضىء له يوم القيامة وروى احمد عن ابى هريرة مرفوعا من تلا اية كانت له نورا يوم القيامة وروى الديلمي عن ابى هريرة مرفوعا الصلاة علىّ نور على الصراط واخرج الطبراني فى الأوسط من ذهب بصره فى الدنيا جعل الله له نورا يوم القيامة ان كان صالحا- وروى الطبراني عن عبادة بن صامت مرفوغا فى الحج اما حلق راسك فانه ليس من شعره يقع فى الأرض الا كانت له نورا يوم القيامة

وروى البزاز عن ابن مسعود مرفوعا إذا رميت الجمار كانت به نورا يوم القيامة وروى الطبراني بسند جيد عن ابى امامة مرفوعا من شاب شيبة فى الإسلام كانت له نورا يوم القيامة روى البزاز بسند جيد عن ابى هريرة مرفوعا من رمى بسهم فى سبيل الله كان له نورا يوم القيامة وروى البيهقي فى شعب الايمان بسند منقطع عن ابن عمر مرفوعا ذاكر لله فى السوق له بكل شعرة نور يوم القيمة وروى الطبراني عن ابى هريرة مرفوعا من فرج عن مسلم كربه جعل الله له يوم القيمة شعبتين من نور على الصراط يستضىء بهما عالم لا يحصيهم الا رب العزة واخرج الشيخان عن ابن عمر ومسلم عن جابر والحاكم عن ابى هريرة وابن عمرو الطبراني عن ابن زياد قالوا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياكم والظلم فانه هو الظلمات يوم القيامة والله تعالى اعلم بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ يعنى يقول لهم ذلك من يلقيهم من الملائكة كانت الجملة فى الأصل فعلية تقديره يبشركم اليوم بجنات فعدلت الى الاسمية للدلالة على الاستمرار بشرى مبتدا وجنات خبره واليوم ظرف البشرى اى المبشر به جنات او بشركم دخول جنت تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ صفة لجنات خالِدِينَ فِيها ط حال من الجملة التي يفهم من الكلام السابق يعنى يدخلونها خالدين فيها ولا يجوز ان يكون حالا من جنات وإلا لزم جريانه على غير من هو له ذلِكَ النور والبشرى بالجنات المخلدة هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا بدل من يوم ترى انْظُرُونا قرأ حمزة بهمزة القطع وفتحها فى الحالين وكسر الظاء من الافعال من النظرة بمعنى المهلة كما فى قوله تعالى حكاية عن إبليس رب أنظرني الى يوم يبعثون يعنى مهلونا جعل ثانيهم فى المشي حتى يلحقوا بهم امهالا لهم مجازا والباقون بحذف الالف فى الوصل وضمها فى الابتداء بمعنى الانتظار فى القاموس نظره وانتظره وتنظره تأنى عليه ونظرة كفرجة التأخير قال الله تعالى فنظرة الى ميسرة والله تعالى اعلم نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ ومجزوم فى جواب الأمر اى تستضىء بكم ونمشى فى نوركم ولا يكون للمنافقين والكافرين نور يوم القيامة حيث لم يكن لهم نور الايمان فى الدنيا وهو المستفاد من القران ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور وبه قال الكلبي واخرج ابن ابى حاتم عن ابى امامة الباهلي قال يبعث الله ظلمة يوم القيامة فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه حتى يبعث الله بالنور اى المؤمن بقدر أعمالهم فيتبعه المنافقون ويقولون انظرونا نقتبس من نوركم

واخرج عنه من وجه اخر فى حديث طويل فيه فيغشى الناس ظلمة شديدة ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورا او يترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئا وهو مثل ضرب الله فى كتابه او كظلمات فى بحر لّجّىّ يغشاه من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا اخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور فلا يستضىء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضىء الأعمى ببصر البصير ويقول المنافقون للذين أمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورا وهى خدعة الله التي خدع بها المنافقين قال يخدعون الله وهو خادعهم فيرجعون الى المكان الذي قسم الله فيه النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور له باب الاية اخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال بينهما الناس فى ظلمة إذ بعث الله نورا فلما راى المؤمنون النور توجهوا نحوه وكان دليلا لهم من الله الى الجنة فلما راى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا الى النور تبعوهم فاظلم على المنافقين فقالوا حينئذ للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم فانا كنا معكم فى الدنيا قالوا ارجعوا وراءكم من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا نورا هناك واخرج ابن المبارك من طريق مجاهد عن يزيد بن شجرة قال انكم تكتبون عند الله باسمائكم وسيماكم وو نجواكم ومجالسكم فاذا كان يوم القيامة نودى يا فلان بن فلان لا نور لك وقال البغوي ان الله يعطى المؤمنين نورا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ويعطى المنافقين ايضا نورا خديعة لهم وهو قوله عز وجل وهو خادعهم فبينماهم يمشون إذا بعث الله ريحا وظلمة فاطفأ نور المنافقين فذلك قوله تعالى يوم لا يخزى الله النبي والذين أمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبايمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا مخافة ان يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين كذا اخرج الحاكم والبيهقي عن ابن عباس بلفظ ليس أحد من الموحدين الا يعطى نورا يوم القيامة فاما المنافق فيطفىء نوره واما المؤمن فيشقق مما راى من اطفأ نور المنافق فهو يقول ربنا أتمم لنا نورنا والطبراني عنه نحوه واخرج مسلم واحمد والدارقطني فى الرواية من طريق ابن الزبير انه سمع جابر بن عبد الله فذكر حديثا طويلا وفيه ويعطى كل انسان منهم منافق او مؤمن نورا ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وخسك تأخذ ما شاء الله ثم يطفىء نور المنافقين- والمختار عندى ان المنافقين لا يكون لهم نورا أصلا كما يدل عليه القران وما تقدم من الأحاديث ولعل المراد بالمنافقين الذين يعطى لهم نورا فيطفى

[سورة الحديد (57) : آية 14]

قبل بلوغهم الى الجنة فى الأحاديث المتاخرة اصحاب الهواء من المؤمنين كالروافض والخوارج والقرينة على هذا المراد قوله عليه السلام فى حديث ابن عباس ليس أحد من الموحدين الا يعطى نورا والموحد لا يكون الا بالشهادتين بإخلاص كما مر فى حديث وفد عبد القيس أتدري ما الايمان بالله وحده والله اعلم قيل قال ابن عباس يقول لهم المؤمنون وقال قتادة يقول لهم الملائكة ارْجِعُوا وَراءَكُمْ اى الى المكان الذي قسم فيه النور كما يدل عليه حديث ابى امامة وابن عباس وذلك خديعة بهم او المعنى ارجعوا ورائكم الى الدنيا فَالْتَمِسُوا هناك نُوراً بتحصيل الايمان والمعارف الالهية والأخلاق الفاضلة وكسب الطاعات فان هذا النور ظهور ذلك فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بين المؤمنين والمنافقين بِسُورٍ بحائط لَهُ بابٌ ط يدخل فيه المؤمنون باطِنُهُ اى باطن السور او الباب فِيهِ الرَّحْمَةُ لانه يلى الجنة وَظاهِرُهُ اى خارج السور او الباب مِنْ قِبَلِهِ اى من جهة الظاهرة الْعَذابُ لانه يلى النار- قال البغوي روى عن عبد الله بن عمر قال ان السور الذي ذكر الله فى القران بسور له باب هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه المسجد وظاهره من قبله العذاب وادي جهنم وقال ابن شريح وكان كعب يقول فى الباب الذي يسمى باب الرحمة فى البيت المقدس انه الباب الذي قال الله تعالى عز وجل فضرب بينهم بسور له باب الاية. يُنادُونَهُمْ يعنى ينادى المنافقون المؤمنين من وراء السور حين حجب بينهم بالسور وبقوا فى الظلمة أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ط فى الدنيا نصلى ونصوم قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ اى اهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملوها فى المعاصي والشهوات وكلها فتنة وَتَرَبَّصْتُمْ بالمؤمنين الدواير بمحمد - صلى الله عليه وسلم - الموت وقلتم يوشك ان يموت فنستريح منه وَارْتَبْتُمْ شككتم فى الدين وفيما أوعدكم به وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ الأباطيل وما نكتم تتمنون من نزول الدواير بالمؤمنين حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ يعنى الموت وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ الشيطان او الدنيا بان الله كريم لا يعذبكم او بانه لا بعث ولا حساب وقال قتادة ما زالوا على خدعتهم من الشيطان حتى قذفهم فى النار. فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ قرأ ابو جعفر وابن عامر ويعقوب بالتاء لتانيث المسند اليه والباقون بالياء لان التأنيث غير حقيقى وقد وقع الفصل ايضا مِنْكُمْ فِدْيَةٌ بدل وعوض وَلا مِنَ الَّذِينَ

[سورة الحديد (57) : آية 16]

كَفَرُوا ط جهارا ومَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ اى مكانكم الذي يقال فيه وهو اولى بكم او ناصركم على طريقة قولهم تحية بينهم ضرب وجيع او متوليكم اى يتولكم كما توليتم موجباتها فى الدنيا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ النار اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف عن عبد العزيز بن رواد وابن ابى حاتم عن مقاتل بن حبان ان اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهر فيهم المزاح والضحك فنزلت. أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا من انى الأمر يانى إذا جاء اناه وقته أَنْ تَخْشَعَ اى ترق وتلين وتخضع قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ قال البغوي قال عبد الله ابن مسعود وما كان بين اسلامنا وبين ان عاتبنا الله بهذه الاية الا اربع سنين وقال ابن عباس ان الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على راس ثلثة عشر سنة من نزول القران واخرج ابن المبارك فى الزهد عن سفيان عن الأعمش قال لما قدم اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فاصابوا من العيش بعد ما كان بهم من الجهد مكانهم وفتروا عن بعض ما كانوا فنزلت ألم يأن الاية واخرج ابن ابى حاتم عن السدى عن القاسم قال ملّ اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملة فقالوا فنزل الله نزل احسن الحديث ثم ملواملة فقالوا حدثنا يا رسول الله فانزل الله ألم يأن للذين أمنوا الاية وقال البغوي قال الكلبي ومقاتل نزلت فى المنافقين بعد الهجرة بسنة وذلك انهم سالوا السلمان الفارسي ذات يوم فقالوا حدثنا عن التورية فان فيه العجائب فنزلت نحن نقص عليك احسن القصص فاخبرهم ان القران احسن من غيره فكفوا عن سوال سلمان ما شاء الله ثم عادوا فسالوا سلمان عن مثل ذلك فنزل الله نزل احسن الحديث فكفوا عن سواله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا حدثنا عن التوراة فان فيها العجائب فنزلت هذه الاية وعلى هذا فتاويل الاية ألم يأن للذين أمنوا فى العلانية وباللسان تخشع سرايرهم وقلوبهم لذكر الله وَما نَزَلَ قرأ نافع وحفص ويعقوب بتخفيف الزاء والباقون بالتشديد مِنَ الْحَقِّ اى القران الموصول معطوف على ذكر الله عطف أحد الوصفين على الاخر ويجوز ان يراد بالذكر ذكر الله سوى القران وَلا يَكُونُوا اى الذين أمنوا منصوب بان معطوف على تخشع وجاز ان يكون مجزوما على انه نهى معطوف على امر مفهومه مما سبق فان المفاد من قوله تعالى ألم يأن للذين أمنوا ان تخشع قلوبهم ليخشع قلوب الذين أمنوا ولا يكونوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ يعنى اليهود والنصارى والمراد بالنهى عن مماثلة

[سورة الحديد (57) : آية 17]

اهل الكتاب فيما حكى عنهم بقوله تعالى فَطالَ معطوف على أوتوا عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ اى الزمان بينهم وبين أنبيائهم أو طال عليهم الزمان بطول أعمارهم فى الكفر والمعاصي فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ط معطوف على طال وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن دينهم رافضون لما فى كتابهم لفرط القساوة جملة اسمية معطوف على فعلية وجاز ان يكون حالا وجملة ألم يأن مستانفة. اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ط تمثيل لاحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة او لاحياء الأموات ترغيبا فى الخشوع وزجرا عن القسوة قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ لكى يكمل عقولكم. إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ قرأ ابن كثير وابو بكر عن عاصم بتخفيف الصاد فيهما من التصديق اى المؤمنين والمؤمنات والباقون بالتشديد اى المتصدقين أدغمت التاء فى الصاد وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً بطيب النفس والإخلاص عطف على معنى الفعل لان المعنى الذين صدقوا او تصدقوا وعطف القرض الحسن على التصدق للدلالة على ان المعتبر هو التصدق بالإخلاص فان قيل عطف اقرضوا على الصلة فى المصدقين وعطف المصدقات على الموصول ويلزم فيه العطف على الموصول قبل تمام الصلة وذلك غير جائز قلنا المصدقين والمصدقات اعتبر من حيث المعنى موصولا واحد عطف على صلة اقرضوا والتقدير الناس تصدقوا واقرضوا من الرجال والنساء وجاز ان يقدر للمصدقين والمصدقات خبرا ثم يقدر موصولا اخر معطوفا عليه فيقال ان المصدقين والمصدقات يدخلون الجنة والذين اقرضوا الله الاية وجاز ان يكون اقرضوا معطوفا على خبر مقدر تقديره ان المصدقين والمصدقات أنفقوا أموالهم واقرضوا الله قرضا حسنا وعلى هذا يضاعف اما صفة لقرض او مستانف وجاز ان يكون التقدير ان المصدقين والمصدقات فازوا وقد اقرضوا وعلى هذا يكون واقرضوا حالا ولا يرد على هذه الوجوه إشكال والله تعالى اعلم يُضاعَفُ لَهُمْ قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعف لهم من التفعيل والباقون من المفاعلة ولم يجزم يضاعف لانه خبر ان وهو مسند الى لهم او الى ضمير المصدر وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ عطف على يضاعف او حال من الضمير فى لهم وقد مر مثله فيما سبق. وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ اى المبالغون فى الصديق او الصدق فانهم صدقوا

[سورة الحديد (57) : آية 20]

جميع اخبار الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذه الاية تدل على جواز اطلاق الصديق على كل مؤمن ومن هاهنا قال مجاهد كل من أمن بالله ورسوله فهو صديق وشهيد- وكذا قال عمرو بن ميمون وللصديق اطلاق اخر أخص منه وهو من اكتسب كمالات النبوة بالوراثة والتبعية وهو المعنى من قوله تعالى فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين قلت ويمكن ان يراد فى هذه الاية ايضا هو المعنى والمراد بالموصول المعهود يعنى الصحابة رض فانهم هم الذين كانوا موجودين فى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - والحصر المستفاد من الضمير الفصل يدل على انحصار الصديقية فى الصحابة ويكون الحصر إضافيا بالنسبة الى اكثر الناس قال المجدد رح الصحابة كلهم كانوا فى كمالات النبوة كان كل من راى النبي - صلى الله عليه وسلم - نظرة مع الايمان يستغرق فى كمالات النبوة وللصديق اطلاق اخر أخص من ذلك وبذلك المعنى قال على رض انا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي الاكاذب وبذلك الإطلاق قال الضحاك هم ثمانية نفر من هذه الامة سبقوا اهل الأرض فى زمانهم الى الإسلام ابو بكر وعلى وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب الحقه الله بهم لما عرف من صدق نية ومعنى الحقه بهم ان الله تعالى جعله صديقا بعدهم بستة سنة لا بمعنى انه دونهم فى الرتبة بل هو أفضل غير ابو بكر رضى الله عنه وَالشُّهَداءُ لله وللرسول او على الأمم يوم القيمة عطف على الصديقين وقيل مبتداء خبره عِنْدَ رَبِّهِمْ وهو قول ابن عباس ومسروق وجماعة فقيل هم الأنبياء لقوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً يروى ذلك عن ابن عباس وقول مقاتل ابن حبان وقال مقاتل بن سليمان هم الذين استشهدوا فى سبيل الله لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ اى الاجر والنور الموعد ان لهم وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ اى خالدين فيها دون غيرهم فان الصحة تدل على الملازمة والتركيب يشعر بالاختصاص. اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا مبتداء المراد ما يرغب فيه الناس فى الحيوة الدنيا بما لا يتوصل به الى المنافع الاخرة لَعِبٌ مع ما عطف عليه خبر يعنى لا فائدة فيها فانها كانت قليلة النفع نظرا الى ما يفيد فى الاخرة شريعة الزوال عد لعبا كانه لا فائدة فيها أصلا وَلَهْوٌ يمنع الناس عمايهم لهم من الأمور الاخروية وَزِينَةٌ يتزينون به كالملابس الحسنة والمراكب البهية والمنازل الرفيعة وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ بالأنساب وغير ذلك مما لا مزية بها عند الله تعالى

[سورة الحديد (57) : آية 21]

وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ط اى مباهات بكثرة الأموال والأولاد وجملة انما الحيوة الدنيا إلخ قايم مقام مفعولى اعلموا كَمَثَلِ غَيْثٍ خبر اخر للمبتداء والكاف فى محل الرفع أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ صفة الغيث تمثيل لامور الدنيا فى سرعة زوالها وقلة جدواها وانما خض الاعجاب بالكفار لان المؤمن إذا راى شيئا معجبا انتقل فكره الى قدرة صانعه فاعجب بها والان مطمح نظره الى محاسن الاخروية فلا يمد عينه الى زهرة الحيوة الدنيا وقيل المراد بالكفار والزراع ذكر فى القاموس فى معنى الكافر الزراع لان معنى الكفر الستر والزراع يستر البذر فى الأرض ثُمَّ يَهِيجُ عطف على اعجب اى ثم يبس بعاهة فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً ط الحطام ما يكسر باليبس كذا فى القاموس وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ لاعداء الله لاشتغالهم عما يفيدهم فى الاخرة بما هو لعب ولهو وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ ط لاوليائه لتجافيهم عن دار الغرور وتهيئهم لدار الخلود وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ لمن لم يستعملها الطلب الاخرة واما من استعملها الطلب الاخرة فله متاع بلاغ الى ما هو خير منه. سابِقُوا اى سارعوا مسارعة السابقين فى المضمار بالايمان والخوف والرجاء والأعمال الصالحة إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها اى بسطها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وقال السدى كعرض سبع سموات وسبع ارضين يعنى لو وصل بعضا ببعض وإذا كان العرض كذلك نطولها اكثر منه أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ط فيه دليل على ان الجنة مخلوقة وان الايمان وحده كاف فى استحقاقها وان الايمان بالله لا يعتد به مالم يومن برسوله ذلِكَ الموعود فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ط يتفضل به على من يشاء من غير إيجاب فيه دليل على ان إدخال المؤمنين الجنة انما هو بفضل الله تعالى ومبنى على وعده غير واجب على الله تعالى كما قال به المعتزلة خذلهم الله اخرج ابو نعيم عن على رض قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله تبارك وتعالى اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا اناصب عبد الحساب يوم القيامة ان شاء أعذبه إلا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك لا تلقوا بايديهم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان لا ينجى أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى برحمة منه وفضل وعن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال سددوا قاربوا بشروا

[سورة الحديد (57) : آية 22]

فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى الله بمغفرة ورحمته- ولمسلم من حديث جابر نحوه وقد ورد هذا من حديث ابى سعيد أخرجه احمد وابى موسى وشريك بن طارق أخرجهما البزاز وشريك بن ظريف واسامة بن شريك واسد بن كدر أخرجها الطبراني وستشكل هذا مع نحو قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وأجيب بان درجات الجنة متفاوتة تنال بتفاوت الأعمال واصل دخولها والخلود فيها بفضل الله ورحمته ويؤيده ما أخرجه هناد فى الزهد عن ابن مسعود قال تجوزون الصراط بعفو الله وتدخلون الجنة برحمة الله وتقيمون المنازل بأعمالكم واخرج ابو نعيم عن عون بن عبد الله مثله وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ فانه لا يبعد منه التفضل بذلك وان عظم قدره-. ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ كجدب وعاهة وكائنة فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ كمرض وافة وموت الأحباب صفة لمصيبة إِلَّا فِي كِتابٍ فى موضع الحال اى كاينة فى حال من الأحوال إلا حال كونها مكتوبة فى اللوح مثبة فى علم الله تعالى مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ط اى نخلقها والضمير للمصيبة او للارض او للانفس إِنَّ ذلِكَ الإثبات مع كثرتها عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ هين. لِكَيْلا تَأْسَوْا اى كتب فيه لئلا تحزنوا عَلى ما فاتَكُمْ من نعم الدنيا وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ط منها فان من علم ان الكل مقدر لا يجوز تغيره بان عليه الأمر قرأ ابو عمر وبقصر الالف من الإتيان معا ولا بقوله تعالى ما فاتكم والباقون بالمد أي بما اعطاكم الله وفى قراءة الجمهور اشعار بان الفوات لا يستدعى علة فانه عدم أصلي اما الوجود والبقاء فلا يتصور إلا بعلة والمراد به نفى الاسى المانع من التسليم لامر الله والصبر والفرح الموجب للنظر والاختيال ولذلك عقبه بقوله وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الجملة منصوبة على الحال كُلَّ مُخْتالٍ متكبر بنعم الدنيا فَخُورٍ به على الناس قال عكرمة ليس أحد الا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا قال جعفر الصادق يا ابن آدم مالك تأسف على مفقود لا يرده إليك الفوت ومالك تفرح بموجود لا يتركه فى يدك الموت. الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ط منصوب على انه بدل من كل مختال او مرفوع على انه مبتدا خبره محذوف دل عليه قوله تعالى وَمَنْ يَتَوَلَّ اى يعرض عن الانفاق فى سبيل الله فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عنه عن إنفاقه لا يضره الاعراض عن شكره لا ينفعه التقرب اليه لشكر نعمة قرأ نافع وابن عامر بغير هو وكذلك فى مصاحفهم والباقون بضمير الفصل

[سورة الحديد (57) : آية 25]

الْحَمِيدُ محمود فى ذاته. لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا من الملائكة الى الأنبياء ومنهم الى الأمم بِالْبَيِّناتِ بالحجج والمعجزات وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ لتبين الحق من الباطل والعمل الصالح من الفاسد والحلال من الحرام وَالْمِيزانَ اى العدل وقال مقاتل بن سليمان وهو ما يوزن به وانزاله إنزال الأمر بالاستعمال ليسوى به الحقوق وقيل ان جبرئيل عليه السلام نزل بالميزان فدفعه الى نوح وقال مرقومك يزنوا به لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ج بالعدل وان لا يظلم أحد أحدا علة لانزال الكتاب والميزان وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ روى عن ابن عمر يرفعه ان الله انزل اربع بركات من السماء الى الأرض الحديد والنار والماء والملح وقال اهل المعاني معنى قوله تعالى أنزلنا الحديد انشأنا وأحدثنا اى اخرج لهم الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه وقال قطرب هذا من النزل كما يق انزل الأمير على فلان نزلا حسنا فمعنى الاية جعل ذلك نزلا لهم ومثله قوله تعالى وانزل لكم من الانعام ثمانية ازواج فِيهِ بَأْسٌ اى حرب شَدِيدٌ فان آلات الحرب متخذة منه وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ إذ ما من صنعة الا والحديد آلتها وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ عطف على محذوف اى لتقاتلوا فى سبيل الله أعدائه وليعلم الله مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ وجاز ان يكون اللام صلة لمحذوف اى وأنزله ليعلم الله وجاز ان يكون معطوفا على مفهوم فيه بأس شديد تقديره وأنزلنا الحديد لان فيه بأسا شديدا وليعلم الله بِالْغَيْبِ ط حال من المستكن فى ينصره إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ على إهلاك من أراد هلاكه عَزِيزٌ ع لا يحتاج الى نصره أحد وانما امر الناس بالجهاد تفضلا على الناس ليبتغوا به مرضات الله واستوجبوا ثواب امتثال الأمر وإعزاز الدين او الشهادة. وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ بيان وتفسير لما سبق من قوله تعالى ولقد أرسلنا رسلنا وخصا بالذكر بفضلهما وكثرة ذريتهما وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ يعنى فضلناهما بجعل النبوة والكتاب فى ذريتهما فان الكتب الاربعة التوراة والإنجيل والزبور والفرقان أنزلت فى ذرية ابراهيم وهو من ذرية نوح عليهما السلام وذكر فى المدارك عن ابن عباس ان المراد بالكتاب الخط بالقلم يقال كتبت كتابا فَمِنْهُمْ اى من الذرية او من المرسل إليهم وقد دل عليهم الإرسال والفاء للسببية مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ اى اثار نوح وابراهيم من أرسل إليهم ولا يجوز إرجاع الضمير الى الذرية لان الرسل المقفى بهم كانوا من ذريتهما.

[سورة الحديد (57) : آية 27]

بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا الرسل أجمعين قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وكان اخر أنبياء بنى إسرائيل وكان بعده فترة الرسل حتى بعث الله خاتم النبيين محمدا - صلى الله عليه وسلم - وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً مودة ولينا وَرَحْمَةً ط تعطفا على إخوانهم وعلى المؤمنين كما قال الله تعالى لتجدن أقربهم مودة للذين أمنوا الذين قالوا انا نصارى وكما قال فى صفة اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رحماء بينهم وَرَهْبانِيَّةً وهى المبالغة فى العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس وترك الشهوات حتى المباحة منها كالاكل بالنهار والنوم بالليل والنكاح وغيرها منسوبة الى الرهبان فعلان من الرهب بمعنى خاف كخشيان من خشى معطوف على رافة جعلنا فى قلوبهم الميل الى رهبانية ابْتَدَعُوها من قبل أنفسهم صفة لرهبانية وابتداعهم إياها لا ينافى جعل الله تعالى ميلها فى قلوبهم وجاز ان يكون رهبانية منصوبا بالفعل يفسره قوله تعالى ابتدعوها والجملة معطوفة على جعلنا فى قلوبهم رافة ورحمة وابتدعوا من قبل أنفسهم رهبانية ما كَتَبْناها اى ما كتبنا شيئا من خصائل الرهبانية عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فالاستثناء حينئذ متصل وقيل الاستثناء منقطع لعدم دخول ابتغاء مرضات الله فى الرهبانية والمعنى ولكن كتبنا عليهم ابتغاء مرضات الله فَما رَعَوْها اى الرهبانية النفي لسلب العموم لا لعموم السلب والمعنى فمارعوها جميعهم حَقَّ رِعايَتِها ج بل ضيعها بعضهم بترك ما التزموا على أنفسهم من المبالغة فى الرياضة او لقصد الرياء والسمعة والميل الى الدنيا او بكفرهم وقولهم ثالث ثلثة او قولهم بالاتخاذ او بتهودهم وكفرهم بعيسى ومحمد او بكفرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - بعد ما استقاموا على دين عيسى قبل مبعثه فهؤلاء كلهم مارعوها حق رعايتها- فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا ايمانا صحيحا وحافظوا حقوقها حتى أمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - على ما وصى به عيسى عليه السلام مِنْهُمْ اى ممن ادعى باتباع عيسى عليه السلام أَجْرَهُمْ ج اى الاجر الموعود لهم على حسب أعمالهم فمن رعى حق رعاية الترهيب كما التزم أتاه اجر عمله ومن استقام على الدين الايمان ولكن لم يراع الرهبانية حقها أتاه اجر عمله وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن اتباع عيسى وهم الذين قالوا بالتثليث وللاتخاذ او التهود او دخلوا فى دين الملوك واثبتوا على دين عيسى لكنهم كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - روى البغوي بسنده عن ابن مسعود قال دخلت على رسول الله فقال يا ابن مسعود اختلف من كان قبلكم على ثنتين وسبعين فرقة نحا منهم ثلثة وهلك سايرهن فوقة وازت الملوك

وقاتلوهم على دين عيسى فاخذوهم وقتلوهم وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بان يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم الى دين الله ودين عيسى فساحوا فى البلاد وترهبوا وهم الذين قال الله تعالى ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمن بي وصدقنى واتبعنى فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فاولئك هم الهالكون وقال البغوي روى عن ابن مسعود قال كنت رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حمار فقال يا ابن أم عبد هل تدرى من اين اتخذت بنو إسرائيل الرهبانية قلت الله ورسوله اعلم قال ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى يعملون بالمعاصي فغضب اهل الايمان فقاتلوهم فهزم اهل الايمان ثلث مرات فلم يبق منهم الا قليل فقالوا ان ظهرنا هؤلاء أفتونا ولم يبق للدين أحد يدعوا اليه فقالوا تعالوا فتفرق فى الأرض الى ان يبعث الله النبي الذي وعدنا عيسى يعنون محمدا - صلى الله عليه وسلم - فتفرقوا فى غير ان الجبال وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ثم تلا هذه الاية ورهبانية ابتدعوها الاية فاتينا الذين أمنوا منهم يعنى ثبتوا عليها أجرهم ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يا ابن أم عبدا تدرى ما رهبانية أمتي قلت الله ورسوله اعلم قال الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلال قال وروى عن انس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ان لكل امة رهبانية ورهبانية هذه الامة الجهاد فى سبيل الله وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت الملوك بعد عيسى عليه السلام بدلوا التورية والإنجيل وكان فيهم مومنون يقرؤن التوراة والإنجيل ويدعونهم الى دين الله فقيل لملوكهم لو جمعتم هؤلاء الذين شقوا عليكم فقتلتموهم او دخلوا فيما نحن فيه فجمعهم ملكهم وعرض عليهم القتل او يتركوا قراءة التوراة والإنجيل الا ما بدلوا منها فقالوا نحن نكفيكم أنفسنا فقالت طايفة ابنوا لنا اسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا ترفع به طعامنا وشرابنا ولا نرد عليكم وقالت طايفة دعونا نسيح فى الأرض ونهيم ونشرب كما نشرب الوحش فان قدرتم علينا بأرض فاقتلونا وقالت طايفة ابنوا لنا دورا فى الفيافي نحتفر الآبار ونحترث البقول فلا نرد عليكم ولا نمر بكم ففعلوا ذلك فمعنى أولئك على منهاج عيسى وخلف قوم من بعدهم ممن قد غير الكتاب فجعل الرجل يقول نكون نحن فى مكان فلان فنتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذدورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بايمان الذين اقتدوا بهم فلك قومه؟؟؟ عز وجل وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها اى ابتدعها هؤلاء الصالحون فما رعوها حق رعايتها يعنى الآخرين الذين جاؤا من بعدهم فاتينا الذين أمنوا منهم أجرهم يعنى الذين ابتدعوها ابتغاء مرضات الله وكثير منهم فاسقون

[سورة الحديد (57) : آية 28]

هم الذين جاؤا من بعدهم قال فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق منهم الا قليل حط رجل من صومعته وجاء سياح من سياحة وصاحب الدير من ديره وأمنوا به واخرج الطبراني فى الأوسط بسند فيه من لا يعرف عن ابن عباس ان أربعين من اصحاب النجاشي قدموا فشهدوا وقعة أحد فكانت فيهم جراحات ولم يقتل منهم أحد فلما رأوا ما بالمؤمنين من الحاجة قالوا يا رسول الله انا اهل ميسرة فاذن لنا نجىء باموالنا نواسى بها المسلمين فانزل الله تعالى الذين آتيناهم الكتب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا أمنا به انه الحق من ربنا انا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبرو فلما نزلت قالوا يا معشر المسلمين اما من أمن منا بكتابكم فله أجران ومن لم يؤمن بكتابكم فله اجر كاجوركم فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ محمد - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتِكُمْ هو وما عطف عليه مجزوم فى جواب الأمر كِفْلَيْنِ نصيبين مِنْ رَحْمَتِهِ وكذا اخرج ابن ابى داود خاتم عن مقاتل قال لما نزلت أولئك يؤتون أجرهم مرتين الاية فخرمو من اهل الكتاب على اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لنا أجران ولكم اجر فشق ذلك على الصحابة فانزل الله تعالى هذه الاية فجعل لهم أجرين مثل أجور مؤمنى اهل الكتاب وعلى هذه الرواية الخطاب فى قوله تعالى يا ايها الذين أمنوا لاصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عامة وحينئذ قوله وأمنوا برسوله تأكيد لما سبق يعنى أمنوا لجميع ما جاء به الرسول حق الايمان وقال البغوي واكثر المفسرين هذا خطاب اهل الكتابين من اليهود والنصارى يقول الله تعالى يايها الذين أمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله فى محمد أمنوا برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - يؤتكم كفلين من رحمته يعنى يوتكم أجرين لايمانكم بعيسى والإنجيل وبحمد والقران وقال البيضاوي لا يبعد ان يثابوا اى اليهود ايضا على دين السابق وان كان منسوخا ببركة الإسلام وقيل الخطاب للنصارى الذين كانوا فى عصره وفى الصحيحين عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلثة لهم أجران رجل من اهل الكتاب أمن بنبيه وأمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والعبد المملوك ادى حق الله وحق مواليه ورجل كانت عنده امة يطاها فادبها فاحسن تأديبها وعلمها فاحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ على الصراط كذا قال ابن عباس ومقاتل فهذه الاية نظيره قوله تعالى يسعى نورهم بين أيديهم وبايمانهم ويروى عن ابن عباس ان النور هو القران وقال مجاهد هو الهدى والبيان اى يجعل لكم سبيلا واضحا فى الدين تهتدون به الى جناب القدس وجنات الفردوس وَيَغْفِرْ لَكُمْ ط ما سبق من ذنوبكم

[سورة الحديد (57) : آية 29]

وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ اخرج ابن جرير عن قتادة قال بلغنا انه لما نزلت يؤتكم كفلين من رحمته حسد اهل الكتاب المسلمين عليها فانزل الله تعالى. لِئَلَّا يَعْلَمَ متعلق بافعال واقعة فى جواب الأمر على التنازع قيل متعلق بمحذوف تقديره أعلمكم بذلك لئلا يعلم ولا مزيدة والمعنى ليعلم أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ان هى المخففة والمعنى انه لا ينالون شيئا من فضل الله الا بمشية الله تعالى ولا يقدرون على نيله باختيارهم هذه الرواية عن قتادة يناسب ما روى الطبراني عن ابن عباس وابن ابى حاتم عن مقاتل ان الخطاب فى قوله تعالى يايها الذين أمنوا اتقوا الله وأمنوا برسوله للمؤمنين عامة لا لاهل الكتاب وذكر البغوي قول قتادة انه حسد الذين لم يؤمنوا من اهل الكتاب المؤمنين منهم فانزل الله تعالى لئلا يعلم اهل الكتاب ان لا يقدرون على شىء من فضل الله على خلاف ما زعموا انهم أبناء الله وأحبائه واهل رضوانه وانهم لا يتمكنون من نيل شىء من الاجر والثواب لانهم لم يؤمنوا برسله وهو مشروط بالايمان به وعلى هذا يناسب ما ذكر المفسرون فى الاية خطاب لاهل الكتابين وقيل لا غير مزيدة والمعنى لئلا يعتقد اهل الكتاب انه لا يقدر النبي والمؤمنون به على شىء من فضل الله ولا ينالون واخرج ابن المنذر عن مجاهد وكذا ذكر البغوي ان لا يقدرون على شىء من فضل الله على خلاف ما زعموا انهم أبناء الله وأحبائه واهل رضوانه وانهم لا يتمكنون من نيل شىء من الاجر والثواب لانهم لم يومنوا برسله وهو مشروط بالايمان به وعلى عنه انه قال قالت اليهود يوشك ان يخرج منا نبى فيقطع الأيدي والأرجل فلما خرج من العرب كفروا به فانزل الله لئلا يعلم اهل الكتاب اى ليعلم الذين لم يؤمنوا منهم انه لا يقدرون على شىء من فضل الله فضلا ان يتصرفوا فى أعظمه وهو النبوة ويؤيده قوله تعالى وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ط خبر بعد خبر لان وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ روى البخاري فى صحيحه عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال انما اجلكم فى أجل من خلا من الأمم ما بين صلوة العصر الى مغرب الشمس وانما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عملا فقال من يعمل لى الى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود الى نصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل من نصف النهار الى العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار الى صلوة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من صلوة العصر الى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين الا فانتم الذين تعملون من صلوة العصر الى مغرب الشمس الا لكم الاجر مرتين فغضب اليهود والنصارى فقالوا نحن اكثر عملا واقل عطاء فقال الله تعالى فهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال الله تعالى فانه فضل أعطيه من شئت وروى البخاري عن ابى موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال مثل

المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استاجر قوما يعملون عملا يوما الى الليل على اجر معلوم فعملوا الى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا الى أجرك الذي شرطت لنا فهو باطل فقال لهم الا تفعلوا بقية عملكم وخذوا اجركم كاملا فابوا وتركوا واستاجر آخرين بعدهم فقال اكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت من الاجر فعملوا حتى إذا كان صلوة العصر قالوا ما عملنا باطل ولك الاجر الذي جعلت لنا فيه فقال اكملوا بقية عملكم فانما بقي من النهار شىء يسير فابوا فاستاجر قوما ان يعملوا له بقية يومهم فعملوا بقية يومهم حتى غاب الشمس فاستكملوا اجر الفريقين كليهما فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور والله تعالى اعلم قلت حديث ابن عمر حكاية عن اليهود والنصارى الذين عملوا على ما أمرهم الله تعالى قبل ان ينسخ دينهم فلهم أجرهم على ما وعدهم الله تعالى وحديث ابى موسى حكاية عن اليهود الذين كفروا بعيسى والنصارى الذين كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وتركوا ما أمرهم الله تعالى وقد أخذ منهم الميثاق انه إذا جاءكم رسول مصدقا لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه فهؤلاء لا اجر لهم أصلا وحبط ما كانوا يعملون وفى الحديثين بشارة لامة محمد - صلى الله عليه وسلم - بانهم يوتون الأجور على أضعاف أجور الصالحين من الأمم الماضيين وبانهم لا يزالوا على الحق الى يوم القيامة إنشاء الله تعالى وعن معاوية قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال من أمتي قائمة بامر الله لا يضرهم من خذلهم ولا خالفهم حتى يأتي امر الله وهم على ذلك متفق عليه اللهم اجعلنى من الامة القائمة بامرك المويدة لدينك وبحرمة نبيك واله وأصحابه أجمعين صلى الله تعالى عليه وعلى اله وأصحابه أجمعين برحمتك يا ارحم الراحمين روى ابو داود والترمذي والنسائي عن عرباض بن سارية انه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل ان يرقد ويقول ان فيهن اية خير من الف اية قلت لعل ذلك الاية التسبيح روى النسائي عن معاوية موقوفا انهن الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى قلت ومنها على بنى إسرائيل ولم يذكرها معاوية وقد روى الترمذي والنسائي والحاكم وحتى يقرأ بنى إسرائيل والزمر خشيت ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات السبع قبل ان يرقد.

سورة المجادلة

سورة المجادلة مدنية وهى اثنتان وعشرون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت تبارك الذي وسع سمعه كل شىء انى لا سمع كلام خولة ابن ثعلبة ويخفى على بعضه وهى تشتكى زوجها الى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهى تقول يا رسول الله أكل مالى ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سنى وانقطع ولدي ظاهر منى اللهم انى أشكو إليك فما برحت حتى نزل جبرئيل بهؤلاء الآيات قَدْ سَمِعَ اللَّهُ أدغمت حمزة والكسائي وابو عمر وهشام الدال فى السين وكلمة قد لتقريب الماضي الى الحال ويشعر بان الرسول - صلى الله عليه وسلم - او المرأة يتوقع ان الله يسمع مجادلتها وشكواها ويفرج عنها كربها قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وهو أوس بن الصامت والمجادلة الشدة فى الخصومة والمراد هاهنا شدتها فى مراجعة الكلام مثل شدة الخصمين وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ عطف على تجادلك وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما ط تراجعكما الكلام وهو على تغليب الخطاب إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ للاقوال بَصِيرٌ بالأحوال قال البغوي نزلت فى خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن صامت وكانت حسنة الجسم وكان به لمم فارادها فابت فقال لها أنت على كظهر أمي ثم ندم على ما قال كان الظهار والإيلاء من طلاق الجاهلية فقال لها ما أظنك الا قد حرمت على فقالت والله ما ذاك طلاق فاتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعائشة رض تغسل شق راسه فقالت يا رسول الله ان زوجى أوس بن الصامت تزوجنى وانا شابة غنية ذات مال واهل حتى أكل مالى وأفنى شبابى وتفرق أهلي وكبرت سنى ظاهر منى وقد ندم فهل من شىء يجمعنى وإياه تنعشنى به فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرمت عليه فقالت أشكو الى الله فافتى ووحدتي قد طالت صحبتى ونفضت له بطني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أراك الا حرمت عليه ولم اومر فى شانك بشىء فجعلت تراجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا قال - صلى الله عليه وسلم - حرمت عليه امتنعت وقالت أشكو الى الله فاقتى وشدة حالى وان بي صبية صغار ان ضممتهم اليه ضاعوا وان ضممتهم الىّ جاعوا وجعلت ترفع راسها الى الله وتقول اللهم انى أشكو إليك اللهم فانزل على لسان نبيك وكان هذا أول ظهار فى الإسلام فقامت عائشة تغسل شق راسه الاخر فقالت انظر فى امرى جعلنى الله فداك يا نبي الله فقالت عائشة اقصرى حديثك ومجادلتك اما ترين وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انزل عليه اخذه السبات فلما قضى الوحى

[سورة المجادلة (58) : آية 2]

ادعى زوجك فجاء فتلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سمع الله قول التي تجادلك فى زوجها الآيات قالت عائشة تبارك الذي وسع سمعه الأصوات ان المرأة لتحاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانا فى ناحية البيت اسمع بعض كلامها ويخفى على بعضه إذ انزل الله تعالى قد سمع الله الاية. الَّذِينَ يُظاهِرُونَ قرأ عاصم فى الموضعين بضم الياء وتخفيف الظاء والف بعدها وكسر الهاء من المفاعلة وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح الياء وتشديد الظاء والف بعدها من الافاعل أصله يتظاهرون ادغم التاء فى الظاء والباقون من غير الالف من الافعل أصله تفعل- والظهار ان يقول الرجل لامرأته أنت على كظهر أمي كان ذلك طلاقا فى الجاهلية مثبتا للحرمة المؤبدة فنقله الشرع الى الحرمة المنتهية بالكفارة مشتق من الظهر والحق به الفقهاء تشبيها بجزء منها لا يحل له النظر اليه كان يقول أنت على كظهر أمي او فخذها او كفرجها وعند الشافعي لو شبهها بجزء لا يحرم نظره اليه كاليد والعين يكون الظهار ايضا كذا لو شبهها بالجدة او العمة او الخالة او البنت او بامرأة اخرى محرمة عليه بالتابيد وشرط الشافعي ان يكون تحريمها غير طارية فلاظهار عند الشافعي لو قال أنت على كظهر مرضعتى وزوجة ابى وعند ابى حنيفة يكون ظهارا لانها فى الحرمة المؤبدة كالام وكذا لو شبه من امرأته جزءا شايعا او جزأ يعبر به عن الكل كان قال راسك على كظهر أمي او فرجك او وجهك او رقبتك او بدنك او جسمك او روحك او نفسك او نصفك او ثلثك لانها اما يعبر بها عن جميع البدن او يثبت الحكم فى الشائع فيتعدى الى الكل وان قال يدك او رجلك على كظهر أمي لا يكون ظهارا خلافا للشافعى فى اظهر أقواله وان قال أنت على كامى او مثل أمي يرجع الى نيته لينكشف حكمه فان قال نويت الكرامة صدق لان التكريم بالتشبيه فاش فى الكلام وان قال أردت الظهار يكون ظهارا لانه تشبيه بجميعها وفيه تشبيه بالعضو لكنه ليس بصريح فيفتقر الى النية وان قال أردت الطلاق كان طلاقا بائنا لانه تشبيه بالأم فى الحرمة فكانه قال أنت على حرام ونوى به الطلاق وان لم ينو أصلا فليس بشىء لاحتمال الكرامة وقال محمد ظهار والله تعالى اعلم (مسئله) لو قال أنت على كظهر أمي الى شهر مثلا لا يكون ظهارا عند الشافعي فى رواية بل لغوا وفى رواية عنه يكون ظهارا وبه قال ابو حنيفة واحمد ويلزم الكفارة على هذا القول بالعزم على الوطي فى المدة وان لم يعزم حتى مضت المدة فلا كفارة عليه غير انه عند احمد ولو وطى المظاهر المظاهر منها فى المدة قبل الكفارة يا ثم ويستقر عليه الكفارة وعند ابى حنيفة يأثم ولا تستقر عليه الكفارة بل لو عزم الوطي

ثانيا فى المدة كفر ولو مضت المدة حلت عليه بلا كفارة ولو أبانها فى المدة لا كفارة عليه وعند مالك وهو رواية عن الشافعي انه ظهار موبد وفى الباب حديث سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال كنت امرا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يوت غيرى فلما دخل رمضان تظهرت من امراتى حتى ينسلخ رمضان فرقا من ان أصيب وفى ليلتى شيئا فاتتابع فى ذلك حتى يدركنى النهار وانا لا اقدر ان انزع فبينما هى تخدمنى إذ تكشف منها شىء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومى فاخبرتهم خبرى وقلت انطلقوا معى الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبروه بامرى فقالوا لا والله لا تفعل نتخرف ان ينزل فينا القران او يقول فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالة يبقى علينا عارها ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدأ لك فخرجت حتى أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فاخبرته خبرى فقال لى أنت بذاك فقلت انا بذاك قال أنت بذاك فقلت انا بذاك قال أنت بذاك قلت نعم فقال لى أنت بذاك فقلت انا بذاك فامض فى حكم الله عز وجل فانى صابر له قال أعتق رقبه قال فضربت صفحة رقبتى بيدي فقلت لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت املك غيرها قال فصم شهرين قلت يا رسول الله وهل اصلبني ما أصابني الا فى الصيام قال فتصدق فقلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشيا ما لنا عشا قال اذهب الى صاحبه صدقة بنى زريق فقل له فليدفعها إليك فاطعم عنك منها وستامن تمر ستين مسكينا ثم استعن سايرها عليك وعلى عيالك قال فرجعت الى قومى فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السعة والبركة قد أمرني بصدقتكم الى فادفعوها الى رواه احمد والحاكم واصحاب السنن الا النسائي وأعله عبد الحق بالانقطاع وابن سليمان لم يدرك سلمة حكى ذلك الترمذي عن البخاري ورواه الحاكم والبيهقي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وابى سلمة بن عبد الرحمن بلفظ ان سلمة بن صخر جعل امرأته على نفسه كظهر أمي ان غشيها حتى يمضى رمضان فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أعتق رقبة الحديث احتج ابن الجوزي لهذا الحديث على كون الظهار الموقت موقتا وعلى انه إذا وطى المظاهر قبل التكفير اثم واستقرت الكفارة فى ذمته وليس فى الحديث حجة على كونها الظهار الموقت لكنه حجة على انه لا يلغو سواء كان فى الشرع موقتا او مويدا ثم احتجاج ابن الجوزي لا يخلو عن المصادرة على المطلوب فانه لو قلنا ان الظهار الموقت لا يكون موقتا بل يكون مويدا فلا يكون الحديث حجة على استقرار الكفارة بالوطى قبل الكفارة لجواز ان النبي - صلى الله عليه وسلم - امره بالكفارة لتحصيل الحل بعد رمضان ولفظنا ان الكفارة لا تستقر فى الذمة بالوطى قبل التكفير بل التكفير انما هى لرفع الحرمة الثابتة بالظهار والوطي قبل التكفير موجب للاثم فقط والحرمة باقية

بعد ذلك ولا يحتاج الى التكفير الا من عزم على الوطي وأراد الاستباحة بعد ذلك واما من طلقها بعد الوطي فلا حاجة الى الكفارة كما هو مذهب ابى حنيفة رح فالحديث حجة على كون الظهار الموقت موبدا لانه - صلى الله عليه وسلم - امره بصيام شهرين ان صيام شهرين لا يتصور منه الا بعد انقضاء رمضان الذي ظاهر فيه موقة الى انسلاخه فلو كان حرمة الظهار منتهية بانتهاء رمضان لا يحتاج الى الكفارة بعد ذلك فلا يصح قول ابى حنيفة فى الظهار الموقت ان يكون موقتا والله تعالى اعلم (مسئله) الظهار المعلق بشرط يصح احتج الرافعي بحديث سلمة بن صخر المذكور على صحة تعليق الظهار وتعقبه ابن الرافعة بان الذي فى السنن لا حجة فيه على جواز التعليق وانما هو ظهار موقت لا تعليق فيه لكن اللفظ المذكور عند البيهقي يشهد بما قال الرافعي (مسئله) لو علق الظهار بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط فى العدة لا يصير مظاهرا كذا قال ابن همام (مسئله) يصح الظهار بشرط النكاح عند ابى حنيفة فاذا قال لاجنبية ان تزوجتك فانت على كظهر أمي فتزوجها ولزم كفارة الظهار ولو قال أنت على كظهر أمي فى رجب ورمضان وكفر فى رجب أجزأه عنها (مسئله) لو ظاهر فجن ثم أفاق فهو على حكم الظهار ولا يكون عائدا بالافاقة ما لم يعزم على الوطي خلافا لاجد الوجهين للشافعى والله تعالى اعلم- (مسئله) من قال لنسائه أنتن على كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا اجماعا وهل يتعدد الكفارة فعند ابى حنيفة والشافعي يتعدد بتعدد هن وبه قال الحسن والطبراني والثوري وغيرهم وقال مالك واحمد كفارة واحدة روى ذلك عن عمر رواه البيهقي من رواية سعيد بن المسيب عنه ومن رواية مجاهد عن ابن عباس عنه وكذا روى عن على وعروة وطاؤس اعتبروه باليمين بالله فى الإيلاء قلنا الكفارة لرفع الحرمة الثابتة بالظهار وهى متعددة بتعدد هن وكفارة اليمين لهتك حرمة اسم الله تعالى وهى واحدة (مسئله) لو كرر الظهار من امرأة واحدة فى مجلس واحد او مجالس متعددة يتكرر الكفارة عند ابى حنيفة وغيره لان الظهار يثبت الحرمة والنكاح باق فيصح الظهار الثاني والثالث ولا منافاة فى اجتماع اسباب الحرمة كالخمر يحرم على الصائم بعينها وللصوم واليمين الا انه إذا نوى بما بعد الاول تأكيدا فيصدق قضاء وديانة بخلاف الطلاق بانه لو نوى تأكيد الا يصدق قضاء لان حكم الظهار بينه وبين الله تعالى وأورد عليه انه لما ثبت بالظهار الاول الحرمة فلا يثبت بالثاني والا يلزم تحصيل الحاصل والأسباب إذا كانت من جنس واحد لا يستدعى تعدد الحرمة فلا بد ان ترتفع حرمة الظهارات المتعددة بكفارة واحدة

كما ان الحدث الثابت بأسباب متعددة ترفع بوضوء واحد والله تعالى اعلم مِنْكُمْ حال من فاعل تظاهرون وفيه تهجين لعادة العرب فانه كان من ايمان اهل الجاهلية قيل التقييد بقوله منكم يفيد انه لا يصح الظهار من الذمي وبه قال ابو حنيفة ومالك خلافا للشافعى واحمد وهى رواية البرامكة عن ابى حنيفة لان الكافر ليس منا والحاقة بالقياس متعذر لان الظهار جناية حكمها تحريم يرتفع بالكفارة وشرك الكافر يمنع من رفع اثر الجنابة عنه بالكفارة ولانه ليس أهلا للكفارة لانها عبادة حتى اشترطت النية فلا يصح من الكافر فيبقى تحريما مؤبدا او هو غير حكمه بالنص ولقائل ان يقول ان هذه الاية غير موجبة للتحريم ولا للكفارة بل تقتضى اثم المظاهر وارتكابه منكرا من القول وزورا وانما يوجب التحريم والكفارة الاية التالية اعنى قوله تعالى الذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا وليس فيه التقييد بقوله منكم ويلزم منه صحة ظهار الذمي فالاولى ان يقال ان الحرمة بالظهار لا يمكن إثباتها الا حقا للشرع وهم غير مخاطبين بحقوق الشرع فلا يصح ظهاره كما يجوز نكاحه بلا شهودا وفى عدة كافر وإذا لم يثبت الحرمة وقت الظهار لكفره فان اسلم بعد ذلك لا يثبت الحرمة بفقد سببه والله تعالى اعلم- مِنْ نِسائِهِمْ التقييد بالنساء المضافة الى المظاهرين يفيد انه لاظهار الا بالمنكوحة دون الامة المملوكة موطؤة كانت او غيرها وهو مذهبنا ومذهب الشافعي واحمد وجمع كثير من الصحابة والتابعين خلافا لمالك والثوري فى الامة مطلقا وسعيد بن جبير وعكرمة وطاؤس وقتادة والزهري فى الامة الموطوءة لنا ان اطلاق نسائهم على الإماء وان صح لغة لكن صحة الإطلاق لا يستلزم الحقيقة بل اضافة النساء الى رجل او رجال حقيقة انما يتحقق فى الزوجات لانه المتبادر ولانه يصح ان يقال لهؤلاء جواريه لا نساءه ولانه قال الله تعالى يايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن والمراد بنساء المؤمنين الزوجات دون الإماء فان أولاء الجلباب على الإماء غير واجب كيف وقد قال عمر رض ألقي عنك الخمار يا دفار أتشبهين بالحرائر ولان الظهار كان فى الجاهلية طلاقا فنقل عنه الى تحريم منته بالكفارة ولاطلاق فى الامة ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ط على الحقيقة حتى يحرمن عليكم كما تحرم الأمهات إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وقرأ قالون وقنبل هاهنا وفى الأحزاب والطلاق اللاء بالهمزة من غير ياء وورش اللائي بياء مختلفة الكسر خلفا عن الهمزة وإذا وقف صيرها ياء ساكنة والبذي وابو عمرو بياء ساكنة بدلا من الهمزة فى الحالين والباقون بالهمزة وياء بعدها

[سورة المجادلة (58) : الآيات 3 إلى 4]

فى الحالين وحمزة إذا وقف ساكنة والبذي ساكنة بدلا من الهمزة فى الحالين والباقون جعل الهمزة بين بين على أصله وَلَدْنَهُمْ تعليل لقوله ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ... وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ فان الشرع أنكره وَزُوراً ط كذبا فان قيل الزور الكذب انما يطلق على الخبر والظهار إنشاء للتحريم لا يحتمل الصدق والكذب قلنا الظهار وان كان إنشاء لكنه فى الأصل اخبار لزعمه حرمة مويدة اطلق على قوله بالزور والله تعالى اعلم وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ لما سلف منه مطلقا وإذا أنيب عليه. وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ الاختلاف فيه كما مر مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا اختلف اهل العلم فى معنى الاية فقال اهل الظاهر معنى الاية يعودون لما قالوا من لفظ الظهار يعنى كرر والفظ الظهار فلا يجب الكفارة عندهم الا بتكرار اللفظ وهو قول ابى العالية وهذا القول يرده الإجماع والأحاديث الواردة فى الباب فانه لم يرد فيه شىء من الأحاديث تعليق الكفارة بتكرار اللفظ وقال مجاهد انهم كانوا فى الجاهلية يظاهرون فمن ظاهر بعد الإسلام فقد عاد الى ما قاله فى الجاهلية اما حقيقة او حكما فانه من اعتقد هذا القول فكانه قاله ويرد على هذا القول ان العطف يقتضى التغاير وكلمة ثم يوجب التراخي فكيف يقال العود هو الظهار بنفسه وفسر ابن عباس العود بالندم يعنى ندموا لما قالوا وأرادوا التحليل وانما فسر العود بالندم لان معنى العود الرجوع الى الشيء بعد الانصراف عنه كذا فى الصحاح والرجل كان راضيا بالحل ثم إذا انصرف عنه الى التحريم فاذا ندم عن التحريم فكانه رجع الى الحالة الاصلية من الرضاء بالحل وقال اكثر المفسرين الاية مصروفة عن الظاهر فقيل اللام بمعنى عن ومعنى يعودون لما قالوا يرجعون عما قالوا والرجوع عن هذا القول انما هو ارادة التحصيل فالمعنى أرادوا التحليل وقيل المضاف محذوف والتقدير يعودون لنقض ما قالوا ولتدارك ما قالوا او لضد ما قالوا قال البيضاوي ويعودون لما قالوا اى الى قولهم بالتدارك ومنه مثل عاد الغيث على ما أفسدوا معنى العود على هذا التقديرات الصيرورة عن حال اعنى عن حال السخط الى حالة الرضا كما فى قوله تعالى حتى عاد كالعرجون القديم وحاصل معنى الاية حينئذ ثم يريدون التحليل قال الفراء يقال عاد فلان لما قال اى فيما قال وفى نقض ما قال وهذا القول يحتمل التأويلين المذكورين وعن ثعلب معناه ثم يعودون لتحليل ما حرموا وعلى هذا التقدير ايضا المضاف محذوف غير انه أراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلا للقول بمنزلة المقول فيه كقوله تعالى ونرثه ما يقول أراد المقول فيه وهو المال لولد وقال ابو مسلم يعودون الى المقول منها بامساكها واستباحتها ثم العود والرجوع عن القول المذكور يحصل بالوطى

على قول الحسن وقتادة والزهري وطاؤس قالوا لا كفارة عليه ما لم يطاها كما ان لا كفارة بعد اليمين ما لم يحنث وهذا القول يرده قوله تعالى من قبل ان يتماسا فانه يوجب الكفارة قبل الوطي وعند الشافعي رحمه الله تعالى إذ أمسكها عقيب الظهار زمانا يمكنه ان يفارقها ولم يطلقها فقد عاد ورجع عن القول المذكور ووجب عليه الكفارة وان علقها عقيب الظهار فى الحال او مات أحد فى الوقت فلا كفارة عليه لان العود للقول هو المخالفة وانه قصد بالظهار التحريم فاذا أمسكها فقد خالف قوله ورجع عما قاله فيلزمه الكفارة حتى قال لو ظاهر عن امرأته الرجعية ينعقد ظهاره ولا كفارة عليه حتى يراجعها فان راجعها صار عايدا ولزمه الكفارة قلنا لا نسلم ان مقتضى الظهار التحريم بالطلاق عقيبه حتى يكون عدم إتيانه بالطلاق وإمساكها على النكاح نقضا المقتضى الظهار كما قال ومخالفته لمقتضى الظهار بل كان مقتضى الظهار فى الجاهلية الحرمة المطلقة المنافية للحل الثابت بالنكاح كما هو مقتضى الطلاق ثم صار فى الشرع مقتضاه حرمة الوطي مع بقاء النكاح المنتهية بالكفارة وشرع الكفارة رفع ذلك الحرمة فالسكوت بعد الظهار إرادته استباحة المرأة والعزم على وطيها ويمكن ان يقال المراد بالعود الوطي كما قال الحسن ومن معه لكن لما جعل الله تعالى الكفارة شرطا لحل الوطي لقوله تعالى من قبل ان يتماسا ظهران معنى قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا يريدون العود لما قالوا كما فى قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ المعنى إذا أردتم القيام الى الصلاة فلا يجوز القول بانه لا كفارة عليه مالم يطاها فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ اى فعليهم تحرير رقبة شرطا للوطى والفاء للتعقيب المجرد دون السببية وقال اكثر العلماء انها للسببية واختلفوا فى ان سبب وجوب كفارة الظهار ماذا فقال الشافعي هو الظهار والعود يعنى إمساكها عقب الظهار زمانا يمكنه ان يفارقها شرط لان فى الاية ترتب الحكم على الامرين والكفارة يتكرر بتكرر الظهار فهو السبب وقالت الحنفية الظهار لا يصلح سببا للكفارة لانها عبادة او يغلب فيها العبادة والظهار منكر من القول وزورا ولا يكون الحظور سببا للعبادة والله سبحانه علق وجوبها بالأمرين الظهار والعود فالسبب مجموعهما والظهار معصية يصلح ان يكون سببا للعقوبة والعود الذي هو إمساك بالمعروف عبادة والكفارة دايرة بين العقوبة والعبادة مجموع الامرين يصلح ان يكون سببا لها وقال فى المحيط سبب وجوبها العود فقط فانه هو المستأخر من المذكورين وعليه رتب الكفارة والظهار شرط وإذا أمكن البساطة فى العلة صير إليها لانها الأصل بالنسبة الى التركيب والحكم قد يتكرر بتكرر الشرط كما يتكرر صدقة الفطر وسببها راس يمونه ويلى عليه ويرد هاهنا انه لو كان العزم على الوطي فقط سببا

لوجوب الكفارة او الظهار والعزم مجموعهما سببا للوجوب لزم ان يجب الكفارة على من ظاهر ثم عزم على الوطي ثم أبانها او ماتت بعد العزم لوجوب السبب لكن لا يجب إذ لو وجبت لما سقطت وقد نص فى المبسوط انه لو أبانها او ماتت بعد العزم لا كفارة عليه والتحقيق ان اطلاق الواجب فى مثل هذا المقام انما هو مجازى وقد ذكر فى اصول الفقه فى تعريف الحكم انه خطاب الله تعالى المتعلق بافعال المكلفين للاقتضاء او التخيير او الوضع فخطاب الاقتضاء الإيجاب او الندب وخطاب التخيير الإباحة وخطاب الوضع جعل الشيء شرطا لشىء او سببا له او ركنا له او مانعا عنه وخطاب الوضع دون الاقتضاء فان الله سبحانه جعل بهذه الكفارة سببا لرفع الحرمة الثابتة بالظهار وشرطا لاباحة الوطي كما جعل بقوله تعالى إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الوضوء شرطا لاباحة الصلاة وسببا للطهارة عن الحدث وبقوله تعالى إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجولكم صدقة الصدقة شرطا لاباحة المناجاة فليس الظهار فى الحقيقة سببا لوجوب الكفارة بل هو سبب لرفع حرمة الوطي ولا ارادة الوطي سبب لها بل النكاح سبب لوجوب حقوق الزوجية ومنها الوطي والحرمة الثابتة بالظهار مانع عنها وما هو مانع عن الحقوق الواجبة يجب إزالتها فالنكاح كما هو سبب لوجوب حقوق الزوجية سبب لازالة ما هو مانع عنها والكفارة سبب لازالة الحرمة فالنكاح السابق صار بعد الظهار سببا لوجوب الكفارة كما ان اليمين سبب للمنع عن المحلوف عليه وبعد الحنث يكون سببا للكفارة وبهذه العلاقة يطلق على الظهار انه سبب للكفارة كما يطلق على الحنث انه سبب للكفارة ولا تزوج ثان حتى لو طلقها بعد الظهار ثلاثا فعادت عليه بعد زوج اخر او كانت امة فملكها بعد ما ظهر منها لا يحل قربانها حتى يكفر فيها- (مسئله) يحرم على المظاهر دواعى الوطي ايضا كالقبلة واللمس عندنا وعند مالك والشافعي قولان الجديد الاباحة وعن احمد روايتان اظهرهما التحريم لنا ان الوطي إذا حرم حرم بدواعيه كيلا يقع فيه كما فى الاستبراء والإحرام بخلاف الحائض والصائم لانه يكثر وجودهما ولو حرم الدواعي يفضى الى الحرج ولا كذلك الظهار والاستبراء والإحرام ولان الحرمة الثابتة بالظهار مشابهة بحرمة المحارم فيحرم الدواعي ايضا كما فيهن (مسئله) للمرأة ان يطالبه بالوطى وعليها ان تمنعه من الاستمتاع بها حتى يكفر وعلى القاضي ان يجره على التكفير دفعا للضرب عنها بحبسه فان ابى يضربه ولا يضرب فى الدين ولو قال قد كفرت صدق مالم يعرف بالكذب كذا فى الفتح القدير (مسئله) يجزء الرقبة الكافرة والمسلمة والذكر والأنثى والصغيرة والكبيرة لاطلاق الرقبة وقال مالك والشافعي واحمد فى رواية لا يجزى اعتاق الرقبة الكافرة

حملا للمطلق هاهنا على المقيد الوارد فى كفارة القتل قلنا المطلق يجرى على إطلاقه والمقيد على تقييده ولا وجه لحمل أحدهما على الاخرى وبسط هذا الكلام فى اصول الفقه (مسئله) لا يجزى العميا ولا مقطوعة اليدين او الرجلين او يد ورجل من جهة واحدة او مقطوعة ابهامى اليدين او مقطوعة ثلث أصابع سوى الإبهام من كل يد ومقطوعة احدى اليدين واحدي الرجلين من خلاف والصماء التي تسمع إذا صيح يجزى والا لا والحاصل ان فائت جنس المنفعة لا يجزى والمختلة تجزى (مسئله) لا يجوز عتق المدبر من الكفارة ولا أم الولد لكون رقهما ناقصا وكذا المكاتب الذي ادى بعض كتابت وان لم يرد شيئا جاز خلافا للشافعى (مسئله) من اشترى أباه او ابنه ينوى بالشراء الكفارة جاز عنها وكذا لو وهب له ونوى عند قبول الهبة خلافا للشافعى ولو ورث ونوى عند موت مورثه لا يجوز اتفاقا والحاصل انه إذا دخل فى ملكه بصنعه ونوى عند صنعه ذلك انه للكفارة اجزاء والا لا مسئله لو قال ان دخلت الدار فانت حرونوى عن الكفارة فان نوى وقت اليمين جاز وان نوى وقت الدخول لا يجوز مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا الضمير يرجع الى ما دل عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها المراد بالتماس المجامعة وفيه دليل على ان الكفارة شرط لحل الاستمتاع وان الظهار يوجب الحرمة ذلِكُمْ اى الحكم بالكفارة قبل المسيس تُوعَظُونَ بِهِ أيزيل الحرمة الثابتة بالظهار او لئلا يعودوا الى الظهار مخافة الفرقة او لان إيجاب الكفارة دليل على ارتكاب الجناية فيتعظوا بايجاب الكفارة عن ارتكاب الظهار وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الرقبة ولا يقدر على اكتسابها بالشراء اما بفقد قيمتها او بفقد رقبة يمكن تملكها بالشراء او لكون ماله مشغولا بالدين او محتاجا اليه لنفقته او لنفقة عياله عند ابى حنيفة والشافعي واحمد خلافا لمالك والأوزاعي فعندهما من ملك قيمة رقبة ويمكنه شراها يلزمه الاعتاق وان كانت قيمة مشغولة بدينه او محتاجا اليه لنفقته ولا يجوز له الانتقال الى الصوم لنا انه مشغول بحاجة الاصلية فكانه ليس فى ملكه (مسئله) ومن كانت له رقبة لكنه محتاج الى خدمته فعند الشافعي واحمد له ان ينتقل الى الصوم اعتبارا بالماء المعد للعطش يجوز له التيمم والمال المشغول بالدين وعندنا يلزمه الاعتاق ولا يجوز الانتقال الى الصوم والفرق لنا ان الماء مامور بامساكه لعطشه واستعماله محظور عليه وكذا الدين مامور بادائه بخلاف الخادم فانه غير مامور بامساكه لخدمته (مسئله) المعتبر اليسار والعسار وقت التكفير اى الأداء وبه قال مالك وقال احمد والظاهرية وقت الوجوب وللشافعى اقوال كالقولين والثالث يعتبرا غلظ الحالين فَصِيامُ شَهْرَيْنِ

اى فعليه صيام شهرين ليس فيها رمضان ولا يوم الفطر والنحر وايام التشريق لان صوم رمضان لا يقع من الظهار لما فيه من ابطال ما أوجبه الله وصوم الأيام المنهية لا ينوب عن الوجوب الكامل وقد قيد الله تعالى مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ط فان فاتت التتابع بعذرا وبلا عذر يجب الاستيناف اجماعا وان وطى المظاهر فى خلال الشهرين ليلا عامدا او نهارا ناسيا لا يجب الاستيناف عند الشافعي وابى يوسف رحمهما الله تعالى وهى رواية عن احمد لعدم فوات التتابع وهو الشرط وان كان تقديمه على المسيس شرطا ففى عدم الاستيناف تقديم البعض وفى الاستيناف تأخيرا لكل عنه وقال ابو حنيفة ومالك واحمد فى اظهر رواية يستانف لان الشرط فى الصوم ان يكون قبل المسيس وان يكون خاليا عن الجماع فيستانف فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصيام لمرض او كبرا وفرط شهوة لا يصبر عن الجماع او خوف حدوث مرض فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ط كل مسكين مدان عند اهل العراق وهو نصف صاع من اى جنس كان قال البغوي يروى ذلك عن عمرو على وعند ابى حنيفة نصف صاع من بر او صاع من شعيرا وتمرو هو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير والحاكم ومجاهد والكرخي بإسناده الى مجاهد انه قال كل كفارة فى القران فهو نصف صاع من برو قال مالك مد وهو رطلان بالبغدادي وقال احمد مد بغدادى من حنطة او دقيق ومدان من شعيرا وتمر ورطلان من خبزاى خبز حنطة وقال الشافعي مد بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو رطل وثلث رطل من غالب قوت البلد روى ابن الجوزي فى التحقيق بسنده عن سليمان بن يسار قال أدركت الناس وهم يعطون فى طعام المساكين مدا مدا ويروى ان ذلك يجزى عنهم والحجة لابى حنيفة مامر من حديث سلمة بن صخر وفيه اطعم منك وسقا من تمر ستين مسكينا لكن الحديث منقطع كما ذكرنا وقد روى الترمذي من حديث ابى سلمة ان سلمة بن صخر البياضي جعل امرأته كظهر امه حتى يمضى رمضان الحديث وفيه قال اطعم ستين مسكينا قال لا أجد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن عمر واعطه الفرق وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا ليطعم ستين مسكينا ويمكن ان يقال ان قوله وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا او ستة عشر صاعا من كلام الراوي والمرفوع انما هو أعطه الفرق والفرق فى اللغة الزنبيل سواء كان صغيرا او كبيرا وعند الطبراني فى حديث أوس بن الصامت قال فاطعم ستين مسكينا ثلثين صاعا قال لا املك ذلك الا ان تعينينى فاعانه النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمسة عشر صاعا وأعانه الناس حتى بلغ ثلثين صاعا وروى ابو داود عن خولة بنت مالك قالت ظاهر منى زوجى أوس بن الصامت فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشكو اليه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجادلنى فيه ويقول اتقى الله

فانه ابن عمك فما برحت حتى نزل القران قد سمع الله قول التي تجادلك الاية فقال يعتق رقبة فقلت لا يجد فقال يصوم شهرين متتابعين قلت يا رسول الله انه شيخ كبير ما به من صيام قال فيطعم ستين مسكينا قلت ما عنده شىء يتصدق به قال فانى ساعينه بفرق من تمر قلت يا رسول الله وانى ساعينه بفرق من تمر قلت يا رسول الله انى ساعينه بفرق اخر قال قد أحسنت فاذهبى فاطعمى هما عنه ستين مسكينا وارجعي الى ابن عمك قال والفرق ستون صاعا وقيل هو مكتل يسع ثلثين صاعا قال ابو داود وهذا أصح قال ابن همام وجه الاصحية انه لو كان ستين لم يحتج الى معاونتها بفرق اخرى فى الكفارة واحتج الشافعي ومن معه بحديث ابى هريرة فى كفارة الصوم جاء رجل الى النبي - صلى الله عليه وسلم - أفطر فى رمضان الحديث قال فاتى بفرق قدر خمسة عشر صاعا قال كله أنت وأهلك وصم يوما واستغفر الله رواه ابو داود من طريق هشام بن سعد عن ابى سلمة بن عبد الرحمن عنه وهشام بن سعد ضعفه النسائي وغيره ورواه ابو داود من حديث اسمعيل قال وقعت امرأتى الحديث وفيه قال خمسة عشر صاعا وكذا وقع فى رواية ابن ابى حفصة ومومل قال البخاري منكر الحديث لكن قال الذهبي ومحمد بن ابى حفصة او سلمة ضعفه النسائي وغيره وقواه غير واحد وفى رواية حجاج بن ارطاة عن الزهري عند الدارقطني بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا وحجاج بن ارطاة ضعيف مدلس وروى عبد الله بن احمد عن أبيه عن يحى انه لم ير الزهري ويؤيد هذا الحديث حديث على رض عند الدارقطني يطعم ستين مسكينا لكل مسكين مدو فيه فان بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين قلنا قال البخاري فى الحديث اضطراب ففى بعض الروايات خمسة عشر صاعا وعند ابن خزيمة من طريق مهران خمسة عشر او عشرون فى الصحيحين ذكر حديث ابى هريرة وليس فيه تقدير الصيعان بل فيه اتى بفرق فيه تمرو الفرق المكتل الضخم وفى مرسل سعيد بن المسيب ما بين خمسة عشر الى عشرين وفيه عطاء الخراسانى ذكره العقيلي فى الضعفاء وقال البخاري عامة أحاديثه مقلوبة وفى بعض الروايات عشرون صاعا بالجزم كذا عند الدارمي فى مرسل سعيد بن المسيب وفى حديث عائشة عند ابن خزيمة اتى بفرق فيه عشرون صاعا وهذه الأحاديث واردة فى كفارة الصوم ما احتج به ابو حنيفة وارد فيما نحن فيه والشافعي رحمه الله تعالى ذهب الى اقل ما ورد فى مقدار الطعام احتياطا ولكن أصح ما ورد فى تقدير طعام المسكين حديث كعب بن عجرة الذي ذكرناه فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ او نسك رواه الشيخان فى الصحيحين وفيه امره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

ان يطعم فرقا بين ستة مساكين او يهدى شاة او يصوم ثلثة ايام والفرق ثلثة أصوع وفى هذا الحديث عند الطبراني لكل مسكين نصف صاع تمر ولاحمد عن نهر نصف صاع طعام ولبشر بن عمر عن شعبة نصف صاع حنطة ورواية الحكم عن ابن ابى ليلى يقتضى نصف صاع من زبيب فانه قال يطعم فرقا من زبيب بين ستة مسالكين قال ابن حزم لا بد من ترجيح احدى الروايات لانها قصة واحدة فى مقام واحد قال الحافظ المحفوظ عن شعبة نصف صاع من طعام والاختلاف على كونه تمر او حنطة لعله من تصرف الرواة اما الزبيب فلم أره الا فى رواية الحكم وقد أخرجها ابو داود وفى اسناده ابو اسحق وهو فى المغازي لا فى الاحكام إذا خالف وقيل المحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق ابى قلابة ولم يختلف فيه على ابى قلابة وكذا اخرج الطبراني من طريق الشعبي عن كعب وقال الحافظ وما وقع فى بعض النسخ عند مسلم لكل مسكين صاع تحريف فمن دون مسلم والصواب ما فى النسخ الصحيحة لكل مسكين نصف صاع ولما كان الإطعام فى الاية مجملا فى مقدار الواجب وما ورد من الأحاديث فى باب الظهار والصوم مضطربة فى المقدار فالحمل على هذا الحديث الصحيح المتفق عليه اولى من الحمل على صدقة الفطر فان الأمر فيه بالأداء دون الإطعام فعلى هذا مذهب اهل العراق أقوى ومذهب ابى حنيفة أحوط والله تعالى اعلم (مسئله) لو غداهم وعشاهم اكلتين مشبعتين بخبز حنطة ولو بغير ادام او بخبز شعير بادام سواء كانت غداء وعشاء او غدائين او عشائين بعد اتحاد ستين جاز ولو غدا ستين وعشا آخرين لم يجز ولو كان ممن اطعم صبيا فطيما او رجلا شبعان لم يجز ويشترط الإشباع قليلا أكلوا او كثيرا ولا يشترط التمليك خلافا للشافعى ولو اعطى مسكينا واحدا ستين يوما جاز عند ابى حنيفة خلافا للجمهور وقد مرت المسائل اختلافا واستدلالا فى كفارة اليمين فى سورة المائدة (فائدة) لم يذكر الله تعالى قيد من قبل ان يتماسا فى الإطعام كما ذكر فى أخويه ومن هاهنا قال ابو حنيفة انه جامع المظاهر التي ظاهر منها فى خلال الإطعام لا يجب عليه الاستيناف لان الله سبحانه ما شرط فى الإطعام ان يكون قبل المسيس ونظر الى عدم تقيد الإطعام بقبلية المسيس قال مالك انه من أراد التكفير بالاطعام جاز له الوطي والجمهور على انه لا يجوز له ذلك والوطي قبله الجمهور على انه يجوز له ذلك والوطي قبل التكفير حرام مطلقا لان الظهار موجب للحرمة والكفارة سبب لازالة الحرمة فما لم توجد الكفارة لا يحل له الوطي سواء كانت بالاطعام او غير ذلك لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - فاعتزلها حتى يكفر فيما روى اصحاب السنن الاربعة عن ابن عباس رض ان رجلا ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل ان يكفر فقال عليه السلام ما حملك

[سورة المجادلة (58) : آية 5]

على هذا قال رايت خلخالها فى ضوء القمر وفى لفظ بياض ساقيها قال فاعتزلها حتى تكفر قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب قال المنذر رجاله ثقات مشهور سماع بعضهم عن بعض قال البغوي الإطلاق فى الطعام محمول على المقيد فى العتق والصيام وهذا مبنى على أصلهم من حمل المطلق على المقيد قلت قوله تعالى من قبل ان يتماسا فى الاعتاق والصيام ليس شرطا لجواز الكفارة وإلا لزم ان من جامع امرأته بعد الظهار قبل الكفارة ثم كفر بعد ذلك لا يجوز كفارته ولا تحل له المرأة بل هو بيان لحرمة الوطي قبل الكفارة ولعله سبحانه ترك القيد بعد الإطعام حذرا من التطويل واكتفاء بما سبق فى أخويه ولم يقتصر على أحدهما لدفع توهم اختصاصه بالخصلة الاولى لو اقتصر عليه معها وتوهم اختصاصه لو اقتصر معها فذكره مرتين تنبيه على ارادة تكريره مطلقا والله تعالى اعلم (مسئله) لو جامع المظاهر قبل التكفير استغفر الله لوقوعه فى الحرم ويكفر بعد ذلك ليحصل له الحل بعد ذلك ويرتفع الحرمة الثابتة بالظهار ولا يجب عليه بالجماع قبل التكفير كفارة اخرى وقال بعض اهل العلم يجب عليه كفارتان لنا ما مر من حديث سلمة بن صخران النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بكفارة واحدة بعد ما جامعها قبل التكفير وحديث ابن عباس مثل ذلك وروى الترمذي وابن ماجة حديث سلمة بن صخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى مظاهر يواقع قبل ان يكفر قال كفارة واحدة وقال الترمذي حديث حسن غريب وقال مالك فى المؤطأ فيمن يظاهر ثم يمسها قبل ان يكفر يكف عنها حتى يستغفر الله ويكفر ثم قال وذلك احسن ما سمعت ذلِكَ منصوب بفعل مقدر اى بينا ذلك الاحكام لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ط ذكر الله سبحانه الايمان وأراد به شرايعه كما فى قوله تعالى ان الله لا يضيع ايمانكم اى صلوتكم يعنى لتعملوا بشرائع الإسلام ترفضوا ما كنتم عليه فى الجاهلية وَتِلْكَ الكفارات حُدُودُ اللَّهِ ط يمتنع بها المكلف عن إتيان المحرمات من الظهار ونحوه او المعنى تلك الاحكام حدود الله لا يجوز تعديها وَلِلْكافِرِينَ الذين لا يقبلون احكام الله تعالى ولا يمتنعون عن المحرمات ويتجاوزون عن حدوده عَذابٌ أَلِيمٌ وهو نظير قوله تعالى ومن كفر فان الله غنى عن العالمين. إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اى يعادون الله ورسوله ويشاقون ويخالفون أمرهما فان كلا من المتعادين فى حد غير حد الاخر والمعنى يضعون او يختارون حدودا غير حدودهما كُبِتُوا قال فى القاموس كبته يكبته صرعه وأخزاه وصرفه وكسره ورد العد وبغيظه إذ له المكت الممتلى غما كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الكفار الأمم الماضية وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ دالة على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وَلِلْكافِرِينَ

[سورة المجادلة (58) : آية 6]

عَذابٌ مُهِينٌ يذهب عزهم وتكبرهم. يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ منصوب بالظرف المستقر اعنى للكافرين او بمهين او باضمارا ذكر تعظيما لليوم جَمِيعاً تأكيد للضمير المنصوب فى يبعثهم او حال منه اى مجتمعين فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا ط على رؤس الاشهاد تفضيحا لهم وتقريرا لعذابهم أَحْصاهُ اللَّهُ يعنى أحاط الله ما عملوا علما لم يغب منه شىء وَنَسُوهُ ط لكثرته او لتهاونهم به عند ارتكابه وانما يحفظ من الأمور ما يستعظم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ع لا يعزب عنه شىء. أَلَمْ تَرَ استفهام انكار بمعنى تعلم أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ط كليا وجزئيا ما يَكُونُ من كان التامة اى ما يقع مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ قرأ ابو جعفر تكون بتاء التأنيث نجوى والباقون بالياء لاجل الفصل بمن الزائدة والنجوى اسم مصدر كذا فى القاموس مشتق من النجوة وهى ما ارتفع من الأرض فان السرائر مرفوع الى الذهن لا يتيسر لكل أحد ان يطلع عليه والمعنى ما يقع من تناجى من الرجال ويجوز ان يقدر مضاف او باول نجرى بمتناجين ويجعل صفة لها إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ استثناء مفرغ حال من ثلثة يعنى فى حال من الأحوال إلا حال كون الله تعالى جاعلهم اربعة من حيث انه معهم معية غير متكيفة وشريكهم فى الاطلاع وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ تخصيص العددين اما لخصوص الواقعة فان الاية نزلت فى تناجى المنافقين او لان الله وترو الله يحب الوتر والثلاثة أول الأوتار التي يمكن فيها التشاور لان التشاور لا بد له غالبا من المتنازعين وواحد يتوسط بينهما ويرجح راى أحدهما والمتنازعين اما يكون من كل جانب واحدا فالمجموع ثلثة واما يكون جماعة وادنى الجماعات اثنان فالمجموع خمسة فذكر العددين وأشار الى غيرهما من الاعداد بقوله وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ يعنى اقل عددا من الثلاثة كالاثنين وَلا أَكْثَرَ من الثلاثة او من الخمسة كالاربعة والستة وما فوقها قرأ يعقوب بالرفع عطفا على محل نجوى قبل دخول من او محل ادنى ان جعلت لا لنفى الجنس إِلَّا هُوَ يعنى الله سبحانه مَعَهُمْ معية غير متكيفة مقتضية للاطلاع على ما يجرى بينهم أَيْنَ ما كانُوا ج فان علمه تعالى ليس لقرب المكاني حتى يتفاوت باختلاف الامكنة ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ط تفضيحا لهم وتقريرا لما يستحقونه من الجزاء إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فانه تعالى هو الخالق للذات والصفات من العلوم وغيرها والمقلب للاحوال اخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل بن حبان قال كان بين اليهود وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - موادعة

[سورة المجادلة (58) : آية 8]

فكانوا إذا مر بهم رجل من اصحاب جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن انهم يتناجون بقتله او بما يكره وذكر البغوي نحوه وزاد وان المؤمنين حين يرونهم يتناجون كانوا يقولون ما نريهم الا وقد بلغتهم من إخواننا الذين خرجوا فى السرايا بقتل او موت او هزيمة فيقع ذلك فى قلوبهم فيحزنهم فلما طال ذلك وكثر شكوا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النجوى فلم ينتهوا فانزل الله تعالى. أَلَمْ تَرَ الم تنظرنا يا محمد إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى اى المناجاة ثُمَّ يَعُودُونَ مضارع بمعنى الماضي اى عادوا عطف على نهوا وإيراد صيغة المضارع لاستحضار صورة العود الشنيعة لِما نُهُوا عَنْهُ ولم ينتهوا يَتَناجَوْنَ عطف على يعودون قرأ حمزة يتنجون وهو يفتعلون من النجوى والباقون على وزن يتفاعلون بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ اى بما هو اثم عند الله وعدوان على المؤمنين وتواص بمعصية الرسول وكان نفس النجوى ايضا معصية للرسول فانه عليه الصلاة والسلام نهاهم عنه اخرج احمد والبزاز بسند جيد عن ابن عمران اليهود كانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سام عليكم ثم يقولون فى أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول فنزلت هذه الاية وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وهو قولهم السام عليكم والسام الموت وهم يوهمونه انهم يقولون السلام عليكم وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ يعنى فيما بينهم إذا خرجوا من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - او يقولون فى قلوبهم لَوْلا هلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ من التحية وانه ليس نبى ان كان نبيا لعذبنا الله به قال الله عز وجل حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ ج عذابا يَصْلَوْنَها ج حال من ضمير حسبهم فَبِئْسَ الْمَصِيرُ جهنم عن عائشة قالت استاذن رهط من اليهود على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال السام عليكم فقلت بل عليكم السام واللعنة فقال يا عائشة ان الله رفيق يحب الرفق فى الأمر كله قلت او لم تسمع ما قالوا قال قد قلت وعليكم وفى رواية عليكم ولم يذكر الواو متفق عليه وفى رواية البخاري قالت ان اليهود أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا السام عليكم قال وعليكم فقالت عائشة السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش قالت او لم تسمع ما قالوا قال او لم تسمعى ما قلت رددت عليهم فيستجاب لى فيهم ولا يستجاب لهم فى وفى رواية لمسلم لا تكونى فاحشة فان الله لا يحب الفحش وعن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ اسلم عليكم اليهود فانما يقول أحدهم السام عليكم فقل وعليك متفق عليه وعن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا وعليكم متفق عليه. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قال مقاتل يعنى الذين

[سورة المجادلة (58) : آية 10]

أمنوا بألسنتهم دون قلوبهم وهم المنافقون وقال عطاء يريد الذين أمنوا بزعمهم إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ كما يفعله اليهود وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ بأداء الفرائض والطاعات وما يتضمن خير المؤمنين وَالتَّقْوى ج اى الاحتراز من معصية الرسول وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فيما تفعلون وتتركون فانه مجازيكم اخرج ابن جرير عن قتادة قال كان المنافقون يتناجون بينهم وكان ذلك يغيظ المؤمنين ويكبر عليهم فانزل الله تعالى. إِنَّمَا النَّجْوى الذي يأتونه لغيظ المؤمنين وحزنهم مِنَ الشَّيْطانِ فانه المزين لها وحاملهم عليها لِيَحْزُنَ متعلق بفعل محذوف تقديره يتناجون ليحزن او يزين الشيطان النجوى ليحزن او متعلق بالظرف المستقر يعنى كاين من الشيطان ليحزن الَّذِينَ آمَنُوا بتوهمهم لوصول مكروه وَلَيْسَ النجوى او الشيطان بِضارِّهِمْ اى المؤمنين شَيْئاً من الضرر- إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ط اى بقضائه ومشيته الجملة حال من فاعل الظرف المستقر وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ الفاء فى فليتوكل جواب اما المحذوفة تقديره واما على الله فليتوكل المؤمنون ولا يبالوا بنجوهم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا كنتم ثلثة فلا تتناجى اثنان دون الثالث الا باذنه فان ذلك يحزنه رواه البغوي وروى احمد والشيخان والترمذي وصححه وابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعا إذا كنتم ثلثة فلا تتناجى رجلان دون الاخرى حتى يختلطوا بالناس فان ذلك يحزنه قال البغوي قال مقاتل بن حبان كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرم اهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء الناس منهم يوما وقد سبقوا الى المجلس فقاموا حيال النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد عليهم ثم سلموا على القوم فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون ان يوسع لهم فلم يفسحوا لهم فشق ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لمن حوله قم يا فلان وأنت يا فلان فاقام من المجلس بقدر النفر الذين قاموا بين يديه من اهل بدر فشق ذلك من أقيم من مجلسه وعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - الكراهية فى وجوههم فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ الاية واخرج ابن ابى حاتم عنه انها أنزلت يوم جمعة وقد جاء ناس من اهل بدر فذكر نحوه وقال البغوي قال الكلبي نزلت فى ثابت بن قيس بن شماس وقد ذكر فى سورة الحجرات قصته واخرج ابن جرير عن قتادة قال كانوا إذا راوا من جائهم مقبلا بمجلسهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا توسعوا وليقسحوا بعضكم عن بعض من قولهم افسح عنى

اى تنح فِي الْمَجالِسِ قرأ عاصم على صيغة الجمع بالألف والباقون المجلس بغير الف على التوحيد والمراد بالمجلس حينئذ الجنس او مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانهم كانوا يتنافسون على القرب من النبي ويحرصون على استماع كلامه فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ج مجزوم فى جواب الأمر اى يوسع الله لكم فيما تريدون الوسعة من المكان والرزق والصدر ويوسع لكم الجنة روى البغوي بسنده عن عبد الله ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا وروى ايضا من طريق الشافعي عن جابر بن عبد الله ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا وقال ابو العالية والقرظي والحسن هذا فى مجالس الحرب ومقاعد القتال كان الرجل يأتي القوم فى الصف فيقول توسعوا فيابون عليه لحرصهم على القتال ورغبتهم فى الشهادة وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا قرأ نافع وابن عمرو وعاصم بخلاف عن ابى بكر بضم الشين فيها ويبتدون بهمزة الوصل والباقون بكسر الشين ويبتدون بكسر الهمزة والمعنى ارفعوا عن مواضعكم حتى توسعوا لاخوانكم وقال البغوي قال عكرمة والضحاك كان رجال يتناقلون عن الصلاة إذا نودى بها فانزل الله هذه الاية معناه إذا نودى للصلوة فانهضوا لها وقال مجاهد واكثر المفسرين معناه إذا قيل لكم انهضوا الى الصلاة والى الجهاد والى كل خير وحق فقوموا لها ولا تقصروا يَرْفَعِ اللَّهُ مجزوم فى جواب الأمر الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ بالنصر وحسن الذكر ومهابتهم فى أعين الناس وغير ذلك فى الدنيا وايوائهم فى غرف الجنان فى الاخرة الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ العلماء منهم خاصة دَرَجاتٍ ط تميز من نسبة الرفع الى المفعول تقديره يرفع الله درجات الذين أمنوا فى الجنة بما جمعوا من العلم والعمل فان العمل إذا صدر من اهل العلم يوتى من الاجر ما لا يوتى غيره لانه يقتدى به دون الجاهل فله اجره واجر من يقتدى به من غير ان ينقص من أجورهم شيئا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها من بعده من غير ان ينقص من أجورهم شى الحديث رواه مسلم من حديث جرير قال عليه الصلاة والسلام فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وان العلماء ورثة الأنبياء وان الأنبياء لم يورثوا دينار او لا درهما وانما ورثوا العلم فمن اخذه أخذ بحظ وافر رواه احمد واصحاب السنن عن كثير بن قيس وسماه الترمذي قيس ابن كثير قال قال عليه الصلاة والسلام فضل العالم على العابد كفضل الأعلى على أدناكم رواه الترمذي

[سورة المجادلة (58) : آية 12]

من حديث ابى امامة الباهلي عن عبد الله بن عمر ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مجلسين فى مسجده فقال كلاهما على خير واحدهما أفضل من صاحبه اما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون اليه فان شاء أعطاهم وإنشاء منعهم اما هؤلاء فيتعمون الفقه او العلم ويعلمون الجاهل فهم أفضل وانما بعثت معلما ثم جلس فيهم رواه الدارمي قال الحسن قرأ ابن مسعود هذه الاية وقال ايها الناس افهموا هذه الاية ولترغبكم فى العلم فان الله يقول يرفع الله المؤمن العالم فوق الذي لا يعلم درجات وفى هذه الاية اشارة الى ان النفر من اهل بدر مستحقون لما عوملوا من الإكرام والنبي - صلى الله عليه وسلم - مصيب فيما امر وأولئك المؤمنون مثابون فيما ايتمروا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فيجازيكم عليه فيه ترغيب لمن عمل وتهديد لمن لم يمتثل الأمر واستكرهه اخرج ابن ابى حاتم عن طريق على بن ابى طلحة عن ابن عباس ان مسلمين أكثروا المسائل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى شقوا عليه فاراد الله ان يخفف عن نبيه فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ اى إذا أردتم مناجاته فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ الرسول صَدَقَةً ط قال البغوي قال مقاتل بن حبان نزلت فى الأغنياء وذلك انهم يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره النبي - صلى الله عليه وسلم - طول جلوسهم ومناجاتهم وقال ابن عباس فى رواية ابن ابى حاتم انه لما نزلت هذه الاية صبر كثير من الناس وكفوا عن المسألة قال البغوي انتهوا عن مناجاته فاما اهل العسرة فلم يجدوا شيئا واما اهل اليسرة فضنوا واشتد ذلك على اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت الرخصة قال مجاهد نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه الا على رض تصدق بدينار وناجاه ثم نزلت الرخصة وكان على يقول اية فى كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلى ولا يعمل أحد بعدي وهى اية المناجاة وروى ابن ابى شيبة فى مصنفه والحاكم فى المستدرك عن على رض ان فى كتاب الله اية فما عمل بها أحد غيرى كان بي دينارا فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم وذكر فى المدارك عن على رض عنه قال كنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم وسالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر مسائل فاجابتنى عنها قلت يا رسول ما الوفا قال التوحيد وشهادة ان لا اله الا الله قلت ما الفساد قال الكفر بالله والشرك قلت ما الحق قال الإسلام والقران والولاية وإذا اهتبت إليك قلت ما الحيلة قال ترك الحيلة قلت ما علىّ قال طاعة الله ورسوله قلت وكيف ادعو الله قال بالصدق واليقين قلت وماذا أسأل قال العافيه قلت ما اصنع لنجاة نفسى قال كل حلالا

[سورة المجادلة (58) : آية 13]

وقل صدقا قلت ما السرور قال الجنة قلت ما الراحة قال لقاء الله فلما فرغت منها نزلت نسخها ذلِكَ التصدق خَيْرٌ لَكُمْ من حب المال وَأَطْهَرُ ط لذنوبكم فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا الصدقة لاجل الفقر فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ رخص للفقراء وأجاز لهم المناجاة من غير تصدق كان هذه الجملة مخصص لما سبق من عموم الحكم واخرج الترمذي وحسنه عن على رض قال لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قال لى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ترى دينار قلت لا يطيقونه قال فنصف دينار قلت لا يطيقونه قال فكم قلت شعيرة قال انك لزهيه فنزلت. أَأَشْفَقْتُمْ الاستفهام للتقرير والمعنى خفتم الفقر من أَنْ تُقَدِّمُوا او المعنى خفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ط ما جمع الصدقات لجمع المخاطبين او لكثرة التناجي قال على فيما روى الترمذي عنه فخفف الله عن هذه الاية فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا التصدق لاجل الفقر او البخل وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ تجاوز عنكم ولم يعاقبكم او المعنى رجع بكم عنها وخفف بنسخ الصدقة ورخص لكم ان لا تفعلوه وفيه اشعار بان اشفاقكم ذنب تجاوز الله عنه وإذ هنا بمعناه وقيل تقدير الكلام فاذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم تجاوز عنكم ونسخ الصدقة قال مقاتل بن حبان كان ذلك عشر ليال وقال الكلبي ما كانت الا ساعة من النهار- فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ المكتوبة وَآتُوا الزَّكاةَ المفروضة ولا تهاونوا فى أدائها وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى ساير الأوامر ودوموا عليها فان القيام بها كالجابر للتفريط فى ذلك وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ع ظاهرا وباطنا فيجازيكم عليه روى احمد والبزاز وابن جرير والطبراني والحاكم من حديث ابن عباس رض انه صلى الله عليه وسلم كان فى حجرة من حجراته وفى رواية كان فى ظل حجرة وقد كان الظل يتقلص فقال يدخل عليكم رجل جبار وفى رواية قلبه قلب جبار وينظر بعيني الشيطان فاذا جاءكم فلا تكلموه فلم يلبثوا ان طلع عليهم رجل ازرق اعور فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال حين راه على ما تشتمتى أنت وأصحابك فقال ذرنى آتك فانطلق فدعاهم فحلفوا له ما قالوا وما فعلوا فانزل الله هذه الاية. أَلَمْ تَرَ اى تنظر استفهام للانكار وانكار النفي تقدير للاثبات إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ط والمراد بالموصول المنافقون وهم عبد الله ابن نبتل وأصحابه وبقوم غضب الله عليهم اليهود فهم والوا اليهود وناصحوهم ونقلوا أسراء النبي - صلى الله عليه وسلم -

[سورة المجادلة (58) : آية 15]

ما هُمْ يعنى المنافقين مِنْكُمْ فى الدين والولاية وَلا مِنْهُمْ اى اليهود جملة ما هم منكم حال من الموصول وَيَحْلِفُونَ عطف على تولوا عَلَى الْكَذِبِ وهو ادعاء الإسلام وَهُمْ يَعْلَمُونَ ج حال من فاعل يحلفون يعنى يحلفون عالمين بانهم كاذبون لا كمن يحلف خطاء زعما منه انه صادق فيما يقول قال السدى ومقاتل نزلت فى عبد الله المنافق كان يجالس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يرفع حديثه الى اليهود فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى حجرة فذائر نحو حديث ابن عباس المذكور وفيه فحلف بالله ما فعل وجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً ط نوعا من العذاب متفاقما إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ج فى الماضي فتحزنوا على سوء العمل وأصروا عليه. اتَّخَذُوا جملة مستانفة او حال من فاعل يحلفون بتقدير قد أَيْمانَهُمْ الكاذبة جُنَّةً وقاية لدمائهم وأموالهم فَصَدُّوا الناس فى خلال امنهم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن طاعته والايمان به وقيل المعنى فصدوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ وعيد ثان بوصف اخر بعذابهم او وعيد اخر بعذابهم فوق عذابهم الاول لكفرهم والثاني لصدهم كما فى قوله تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب وقيل الاول عذاب القبر وهذا عذاب الاخرة. لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ يوم القيمة أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ اى من عذابه شَيْئاً ط من الإغناء جملة لن تغنى صفة اخرى بعذاب بحذف الرابط تقديره لهم عذاب مهين لن تغنى عنهم فى دفعه أموالهم او مستانفة أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً الظرف متعلق بقوله فلهم عذاب مهين فَيَحْلِفُونَ لَهُ اى لله تعالى يقولون والله ربنا ما كنا مشركين كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ انهم منكم وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ ط من الحيلة للنجاة ويزعمون ان الايمان الكاذبة ترفع على الله كما تروح عليكم فى الدنيا أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ البالغون الغاية فى الكذب فانهم يكذبون مع عالم الغيب حيث لا ينفعهم الكذب. اسْتَحْوَذَ غلب واستولى عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ جملة مستانفة فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ط واغفلهم عند تعالى بحيث لا يخافون عذاب الله ولا يزعمون ان الله مجازيهم وانه يعلم سرهم وخفاياهم أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ ط جنوده واتباعه أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ لانهم فوتوا حظهم وبدلوا نصيبهم من الجنة بالنار الموبدة وقد ورد فى الحديث الطويل عن ابى هريرة مرفوعا ان الكافر فى القبر يفرج له فرجه قبل الجنة فينظر الى زهرتها

[سورة المجادلة (58) : آية 20]

وما فيها فيقال له انظر الى ما صرفه الله عنك ثم يفرج له فرجة الى النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له هذا مقعدك رواه ابن ماجة وعنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار فاذا مان فدخل النار ورث اهل الجنة منزلته فذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون. إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ اى فى جملة من هو أذل خلق الله تعالى لا يرى أحد أذل منهم. كَتَبَ اللَّهُ فى اللوح قضاء ثابتا لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي قرأ نافع وابن عامر بفتح الياء والباقون بالإسكان قوله لاغلبن جواب قسم محذوف او يقر لما كان كتب لافادة اللزوم بمعنى القسم أورد فى جواب اللام قال الزجاج غلبة الرسل على نوعين من بعث منهم بالحرب فهو غالب فى الحرب ومن لم يومر بالحرب فهو غالب بالحجة إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ لا يمتنع عنه ما يريد عَزِيزٌ لا يغلب عليه أحد. لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مفعول ثان لتجدلن كان بمعنى العلم وان كان بمعنى المصادفة فهو حال او صفة مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هذه الاية تدل على ان ايمان المؤمن يفسد بموادة الكافرين وان المؤمن لا يوالى الكفار وان كان قريبه قيل نزلت الاية فى ابى حاطب بن بلتعة حين كتب الى اهل مكة وسياتى القصة فى سورة الممتحنة إنشاء الله تعالى واخرج ابن المنذر عن ابى جريج قال حدثنا ان أبا قحافة سب النبي - صلى الله عليه وسلم - فصكه ابو بكر صكة فسقط فذكر ذلك للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقال أفعلت يا أبا بكر فقال والله لو كان السيف قريبا منى لضربته به فنزلت لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورسوله وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ اخرج ابن ابى حاتم عن ابن شودة قال نزلت هذه الاية فى ابى عبيدة بن الجراح حين قتل أباه يوم الهدر وأخرجه الطبراني والحاكم فى المستدرك بلفظ جعل والد أبي عبيدة بن الجراح يتصدى لابى عبيدة يوم بدر وجعل ابو عبيدة تحيد عنه فلما كثر قصده ابو عبيدة فقتله فنزلت وروى مقاتل بن حبان عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود فى هذه الاية ولو كانوا ابائهم يعنى أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد أَوْ أَبْناءَهُمْ يعنى أبا بكر دعا ابنه يوم بدر الى البراز فقال دعنى يا رسول الله أكن فى الرعلة الاولى فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متعناه بنفسك يا أبا بكر أَوْ إِخْوانَهُمْ يعنى مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ط يعنى عمر قتل خاله العاص بن هشام ابن المغيرة يوم بدر وعليا وحمزة وعبيدة قتلوا يوم بدر عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة أُولئِكَ الذين لم يوادوهم كَتَبَ اى اثبت فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ اى التصديق فهى موقنة لا تدخل فيها الشك وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ اى بنور من عند الله وبنصره سمى بنصره إياهم روحالان أمرهم يحيى به وقال السدى يعنى بالايمان وقال الربيع يعنى بالقران وحججه وقيل برحمة منه وقيل أيدهم لجبرئيل وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بطاعة والجملة بتقدير قد حال من فاعل يدخلهم او من مفعوله وَرَضُوا عَنْهُ بثوابه بحسبهم فى الاخرة او بما قضى الله تعالى عليهم فى الدنيا أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ وجنده وأنصار دينه يتبعون امره وينهون عما نهى عنه أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بخير الدنيا والاخرة الآمنون من كل مرهوب

سورة الحشر

فى الصحيحين عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس رض سورة الحشر قال قل سورة النضير واخرج البخاري عنه ان سورة أنفال نزلت فى بدر وسورة الحشر نزلت فى بنى النضير. سورة الحشر مدنية وهى اربع وعشرون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ بيان للموصول يعنى بنى النضير كانوا من أولاد هارون عليه السلام مِنْ دِيارِهِمْ التي كانت لهم بالمدينة قال ابن اسحق كان اجلاء بنى نضير عند مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحد وفتح قريظة عند مرجعه عن الأحزاب وبينهما سنتان وسبب إخراجهم ان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل المدينة صالح بنو النضير على ان لا تقاتلوه ولا تقاتلوهن معه فقبل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم فلما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرا وظهر على المشركين قالت بنو النضير والله النبي الذي وجدنا نعته فى التوراة لا ترد له راية فلما غزا أحد وانهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركب كعب بن الأشرف من بنى النضير فى أربعين راكبا من اليهود الى مكة فاتوا قريشا فحالفوهم وعاقدوهم على ان يكون كلمتهم واحدة على محمد ودخل ابو سفيان فى أربعين من قريش وكعب فى أربعين من اليهود المسجد وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة ثم رجع كعب وأصحابه الى المدينة فنزل جبرئيل فاخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما تعاقد عليه كعب وابو سفيان وامر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلم ذكرنا قصة قتله فى سورة ال عمران فى قوله تعالى لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلع منهم على خيانات منها انهم أرسلوا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان اخرج إلينا فى ثلثين من أصحابك وليخرج منا ثلثون حبرا حتى نلتقى بمكان نصف بيننا وبينك فسمعوا منك فان صدقوك وأمنوا بك أمنا بك كلنا فلما كان الغد غدا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ثلثين من أصحابه وخرج اليه ثلثون حبرا من يهود حتى إذا برزوا فى براز من الأرض قال بعضهم لبعض كيف تخلصون اليه ومعه ثلثون رجلا من أصحابه كلهم يحب ان يموت قبله فارسلوا اليه كيف نفهم ونحن ستون رجلا اخرج فى ثلثة من أصحابك ويخرج إليك ثلثة من علمائنا فيسمعون منك فان صدقوك

وأمنوا بك أمنا بك فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ثلثة من أصحابه وخرجت ثلثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسلت امرأة ناصحة من بنى النضير الى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فاخبرته ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقبل أخوها سريعا حتى أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فساره بخبرهم قبل ان يصل إليهم فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى المدينة روى القصة ابو داود والبيهقي وعبد ابن حميد وعبد الرزاق بإسناد صحيح وذكروا حديثا طويلا وفيه ان بنى النضير فعلوا ذلك الغدر حين كتب إليهم قريش بعد وقعة بدر انكم اهل الحلقة والحصون وانكم لتقاتلن صاحبنا او لتفعلن كذا وذكر البغوي هذه القصة وقال بعد ذلك فلما كان الغد غدا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتاب فحاصرهم احدى وعشرين ليلة ومن خياناتهم ان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتاهم يستعين فى دية الرجلين الذين قتلهما عمرو بن امية الضميري فى منصرفه من بيرمعونة فهمت اليهود ان يطرحوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجرا من فوق الحصن فعصمه الله تعالى وأخبره به ذكرنا القصة فى سورة المائدة فى تفسير قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ الاية ذكر ابن حميد عن عكرمة ان الله سبحانه لما اخبر نبيه بذلك ورجع نبى الله - صلى الله عليه وسلم - الى المدينة قال لهم كنانة بن صوريا هل تدرون لم قام محمد قالوا لا والله ما ندرى وما تدرى أنت قال بلى والتوراة انى لا درى قد اخبر محمد بما هممتم به من الغدر فلا تخدعوا أنفسكم والله انه رسول الله وما قام الا انه اخبر بما هممتم وانه لاخر الأنبياء وكنتم تطمعون ان يكون من بنى هارون فجعله الله حيث شاء وان كتبنا والذي درسنا فى التوراة التي لم تغير ولم تبدل ان مولده بمكة وان دار هجرته يثرب وصفته بعينها ما يخالف حرفا مما فى كتابنا ولكانى انظر إليكم طاعنين يتضاعى صبيانكم قد تركتم دوركم خلوفا أموالكم وانما هى شرفكم فاطيعونى فى خصلتين والثلاثة لا خير فيها قال مادبا؟؟؟ يسلمون وتدخلون مع محمد فتامنوا على أموالكم وأولادكم وتكونوا على ما عليه أصحابه ويبقى بايديكم أموالكم ولا تخرجون من دياركم قالوا لا نفارق التوراة وعهد موسى قال فانه مرسل إليكم اخرجوا من بلدي فقولوا نعم فانه لا يستحل لكم دما ولا مالا ويبقى أموالكم ان شئتم بعتم وان شئتم امسكتم قالوا اما هذه فنعم قال سلام بن مشكم قد كنت لما صنعتم كارها وهو مرسل إلينا ان اخرجوا من دارى فلا تعقب ماضىء كلامه وأنعم له بالخروج من بلده فلما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة أرسل الى محمد بن مسلمة فلما جاء قال اذهب الى اليهود بنى النضير فقل لهم ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلني إليكم ان اخرجوا من بلدي فلما جائهم

قال ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلني برسالة ولست اذكرها لكم حتى أعرفكم بشىء تعرفونه فقالوا ما هو فقال أنشدكم بالتوراة التي انزل على موسى هل تعلمون انى جئتكم قبل ان يبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - وبينكم التوراة فقلتم لى فى مجالسكم هنايا ابن المسلم ان شئت ان نعذبك عذبناك وان شئت نهودك هودناك فقلت بل عذبونى ولا تهودونى فانى والله ما اتهود ابدا فعذبتمونى فى صفحة لكم والله لكانى انظر إليها كانها جذعة فقلتم لى ما يمنعك من ديننا الا انه دين يهود كانك تريد الحنيفة التي سمعت بها اما ان أبا عامر الراهب ليس بصاحبها بل صاحبها الضحوك القتال فى عينيه حمرة ويأتي من قبل اليمن يركب البعير ويلبس الشملة وتجزى بالكسرة وسيفه على عاتقه ينطق بالحكمة كانه وسنحيكم هذه والله ليكونن بقريتكم هذه سلب وقتل ومثل قالوا اللهم نعم قد قلنا وليس به فاقد فقلت ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلني إليكم انكم قد نقضتم الذي جعلت لكم بما هممتم به من الغد ربى وأخبرهم بما كانوا هموا به وظهور عمرو بن حجاش على البيت ليطرح عليه الصخرة ويقول اخرجوا من بلدي وقد أجلتكم عشرا فمن راى بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا على ذلك أياما يتجهزون وأرسلوا الى ظهرهم بالحد فبيناهم على ذلك إذا جائهم رسول عبد الله بن ابى بن سلول سويد واعس فقالا يقول عبد الله بن ابى لا تخرجوا من دياركم وأموالكم واقيموا مع حصونكم فان معى الفين من قومى وغيرهم من العرب يدخلون معكم حصنكم فيموتون من آخرهم قبل ان يوصل إليكم ويمدكم قريظة فانهم لم يخذ لو كم يمدكم حلفائكم من غطفان وأرسل ابن ابى كعب بن اسد القرظي يكلمه ان يمده أصحابه فقال لا ينقض رجل واحد العهد فيئس ابن ابى اخطب بن قريظة وأراد ان يلحم الأمر فيما بين النضير ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يرسل الى حيى بن اخطب فقال حيى انا أرسل الى محمدا علمه ان لا يخرج من ديارنا فليضع ما بدا له وطمع حيى فيما قال ابن ابى فقال له سلام بن مشكم لولا ان يسفه رايك لاعتزلتك بمن أطاعني من يهود فلا تغفل يا حيى فو الله انك لتعلم ونعلم من معك انه لرسول الله وان صفته عندنا وانما لم نتبعه لانا حسدناه حيث خرج النبوة من بنى هارون فلتقبل ما أعطانا من الأمر وتخرج من بلاده وقد عرفت انك حالفننى فى العذر به فاذا كان او ان التمر جئنا او جائنا الى تمرة او صنع ما بدا له ثم انصرف إلينا فلم يقبل حيى قوله وأرسل حيى أخاه جدى بن اخطب الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله انا لا نبرح من ديارنا وأموالنا فاصنع ما أنت صانع وامره ان يأتي ابن ابى فيخبره برسالته الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويأمره ان يتعمل ما وعد من النضير فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسالة قول جدى بن اخطب اظهر التكبير وكبر المسلمون لتكبيره وقال حاربت يهود ثم دخل جدى على ابن ابى وهو فى بيته ومعه نفر من جلسائه وقد نادى منادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يأمرهم بالسير الى بنى النضير فدخل عبد الله بن عبد الله بن ابى على ابنه وعلى النضر الذين معه وعنده جدى بن اخطب فليس درعه وأخذ سيفه وخرج بعد فجاء جدى الى حيى فقال ما ورائك قال الشر ساعة أخبرت محمدا ما أرسلت به اظهر التكبير وقال حاربت يهود قال وجئت ابن ابى فلم ار عنده خبرا قال انا أرسل الى حلفاء من غطفان فيدخلون معكم فسار النبي - صلى الله عليه وسلم - الى بنى النضير واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر بفناء النضير فلما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قاموا على جدر حصونهم يرمون بالنبل والحجارة واعتزلهم بنو قريظة فلم يعينوهم فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء رجع الى بيته فى عشرة من أصحابه استعمل على العسكر عليا ويقال أبا بكر وبات المسلمون يحاصرونهم حتى أصبحوا ثم اذن بلال فغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى أصحابه الذين كانوا معه فصلى بالناس فى قضاء بنى حطم فارسل حيى الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحن نعطيك الذي سالت ونخرج من بلادك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا اقبله اليوم ولكن اخرجوا منها ولكم ما حملت الإبل الا الحلفة فقال سلام بن مشكم اقبل ويحك قبل ان تقبل شرا من ذلك قال حيى ما يكون شرا من هذا قال يسبى الذرية ويقتل القاتل مع الأموال والأموال أهون علينا فابى حيى ان يقبل يوما او يومين فلما راى ذلك يامين بن عمير وابو سعيد ابن وهب قال أحدهما لصاحبه والله انك لتعلم انه رسول الله فما تنظران نسلم فتامن على دمائنا وأموالنا فنزلا من الليل فاسلما وحرز أموالهما ودمائهما وحاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قول محمد بن عمرو بن سعد والبلاذري وابو معشر وابن حبان خمسة عشر يوما وقال ابن اسحق وابو عمرو ست ليال وقال سليمان التيمي قريبا من عشرين ليلة وقال ابن الطلاع ثلث وعشرين ليلة وعن عائشة خمسة وعشرين وكانوا فى حصارهم يخربون بيوتهم بايديهم مما يليهم وكان المسلمون يخربون بايديهم ويحرقون حتى وقع الصلح ونزلت اليهود على ان لهم ما حملت الإبل الا الحلقة وجعل ما بين الرجل من قيس عشرة دنانير ويقال خمسة اوسق من تمر حتى قتل عمرو بن حجاش غيلة فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بنو النضير ان لنا ديونا على الناس فقال عليه السلام تعجلوا فكان لابى رافع على أسيد بن حضير عشرين ومائة دينارا الى سنة فصالحة على ثمانين فخرجت بنو النضير جملوا النساء والذرية وما استقلت به الإبل من الامتعة فكان الرجل يهدم بيته عن إيجاف بابه وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأموال والحلقة فوجد خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفا قال ابن عباس صالحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ان يحمل كل اهل ثلثة أبيات على بعير ما شاؤا من متاعهم وللنبى - صلى الله عليه وسلم - ما بقي وقال الضحاك اعطى كل ثلثة نفر بعيرا ففعلوا ذلك فخرجوا من المدينة الى الشام اى أذرعات وأريحا الا اهل ستين ال حقيق وال حيى بن اخطب فانهم لحقوا الخيبر

ولحقت طائفة منهم بالحيرة فذلك قوله تعالى هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ط اللام بمعنى الوقت كما فى قوله تعالى قَدَّمْتُ لِحَياتِي قال الزهري كانوا فى سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى وكان الله عز وجل قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم فى الدنيا وقال ابن عباس ومن شك ان المحشر بالشام فليقرأ هذه فكان هذا أول حشر الى الشام قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - اخرجوا قالوا الى اين قال الى ارض المحشر ثم يحشر الخلق يوم القيامة الى ارض الشام وقال الكلبي انما قال لاول الحشر لانهم كانوا أول من اجلى من اهل الكتاب من جزيرة العرب- ثم اجلى آخرهم عمر بن الخطاب رض وقال مرة الهمداني كان أول الحشر من المدينة والحشر الثاني من خيبر وجميع جزيرة العرب الى أذرعات وأريحا من الشام فى ايام عمر وقال قتادة كان هذا أول الحشر والحشر الثاني نار تحشرهم من المشرق الى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا روى البخاري من حديث انس أول اشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق الى المغرب من غير ذكر الاية والحشر إخراج جمع من مكان الى اخر ما ظَنَنْتُمْ ايها المؤمنون أَنْ يَخْرُجُوا لشدة بأسهم ومنعتهم حال من فاعل اخرج وَظَنُّوا اى بنو النضير عطف على ما ظننتم أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ يعنى ان حصونهم تمنعهم من بأس الله وسلطانه حصونهم مبتداء وما نعتهم خبر مقدم عليه والجملة خبر ان وتغير النظم وتقديم الخبر واسناد الجملة الى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها وزعم انهم فى عزة ومنعة لسببها ويجوز ان يكون ما نعتهم مبتداء من القسم الثاني صفة وحصونهم فاعل له والجملة خبر ان ايضا فَأَتاهُمُ اللَّهُ اى امر الله وعذابه وهو الاضطرار الى الجلاء مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا حيث القى الرعب فى قلوبهم وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ الفزع والخوف كذا فى القاموس او المعنى القى فيها الخوف الذي يرعيها اى يملاها كذا قال البيضاوي وفى القاموس رعبه كمنعه ملاه عطف تفسيرى على اتبعهم بيان لجهة إتيان عذابهم يُخْرِبُونَ صفة مصارع بمعنى الماضي أورد لاستحضار صورة بديعة بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ عطف على أيديهم من حيث ان تخريب المؤمنين سبب لبغضهم ونقض عهدهم فكانهم استعملوهم فيه والجملة حال من الموصول المفعول لا خرج فى قوله تعالى هو الذي اخرج الذين كفروا او بدل اشتمال من قوله تعالى قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ كانه تفسير له او مستانفة فى جواب ما صنعوا قرأ ابو عمرو يخربون بالتشديد من التفعيل وهو ابلغ لما فيه من التكثير والباقون بالتخفيف من للافعال وقيل الأحزاب؟؟؟ التعطيل وترك الشيء خرابا والتخريب ان النبي - صلى الله عليه وسلم - صالحهم على ان لهم ما أقلت الإبل فكانوا ينظرون الى الخشب فى منازلهم فيهدمونها وينزعون منها ما يحتسنونه فيحملونه على بلهم ويخرب المؤمنون باقيها

وقال ابن زيد كانوا يقلعون العمد وينقضون السقوف وينقبون الجدر ان ويقلعون الخشب حتى الأوتاد ويخربونها لئلا يسكنها المؤمنون حسدا او بغضا وقال قتادة كان المسلمون يخربون ما يليهم ويخربها اليهود ومن داخلها قال ابن عباس كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها ليتسع لهم المقاتل وجعلوا اعداء الله ينقبون دورهم فى أدبارها فيخرجون الى التي بعدها فيتحصنون فيها ويكسرن ما يليهم ويرمون بالتي خرجوا منها اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذلك قوله تعالى يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ الاية فَاعْتَبِرُوا فانظروا واتعظوا بما نزل بهم ولا تفعلوا من الكفر والفسوق مثل ما فعلوا كيلا ينزل بكم مثل ما نزل بهم من العذاب استدلوا بهذه الاية على حجة القياس من حيث انه تعالى امر بالاعتبار والمجاوزة من اصل الى فرع لمشاركة بينهما فى وصف يصلح سبا لذلك الحكم يا أُولِي الْأَبْصارِ يا ذوى العقول والبصائر قال محمد بن يوسف الصالحي فى سبيل الرشاد انه قال محمد بن عمر حدثنى ابراهيم بن جعفر عن أبيه قال لما خرجت بنو النضير اقبل عمرو بن سعد اليهود فاطاف بمنازلهم فراى خرابا ففكر ثم رجع الى بنى قريظة فقال رايت اليوم عبر ارايت دار إخواننا خالية بعد ذلك العز والشرف والجلد والرأي الفاضل والعقل البارع قد تركوا أموالهم وملكها غيرهم وخرجوا خروج ذل وقد وقع قبل ذلك بابن الأشرف بيانا فى بيته افتادا وقع بابن سنية سيد يهود واجلدهم وانجدهم ووقع ببني قينقاع واجلاءهم وهم جد يهود كانوا اهل عدة وسلاح ونحده فحصرهم فلم يخرج انسان راسه حتى سباهم فكلهم فيهم فتركهم على ان اجلائهم من يثرب يا قوم لقد رايتم فاطيعونى وتعالوا نتبع محمدا فو الله انكم لتعلمون انه بنى وقد بشرنا به علمائنا آخرهم ابن السيان ابو عمير وابن حواس هما اعلم يهود جاءا من بيت المقدس يتوكفان قدومه ثم أمرنا باتباعه وان نقربه منهما السلام ثم ماتا على دينه ودفنا لحبرتنا هذه فاسكنت القوم فلم يتكلم منهم متكلم فاعاد الكلام او نحوه وخوفهم بالحرب والسبي والجلاء فقال الزبير بن باطا والتوراة قد قرأت صفة فى كتاب باطا التوراة التي نزلت على موسى ليس فى المثاني التي أحدثنا فقال له كعب بن سعد ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتباعه قال أنت قال فلم والتوراة ما جعلت بينك وبينه قط قال الزبير بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا فان اتبعته اتبعناك وان أبيت أبينا فاقبل عمرو بن سعدى على كعب فقال اما والتوراة التي نزلت على موسى يوم طور سينا انه للعز والشرف فى الدنيا انه لعلى منهاج موسى ونزل معه أمته فى منزله غدا فى الجنة قال كعب نقيم على عهدنا وعقدنا فلا يخضر محمد ذمتكم وننظر ما يصنع حيى فقد اخرج إخراج ذل وصغار ذلا فلا أراه يغزو محمدا فان ظفر بمحمد فهو ما أردنا وأقمنا على ديننا وان ظفر بحيي فما فى العيش خير نحو لنا من جراره قال عمرو بن سعدى ولم تؤخر الأمر وهو مقبل قال كعب ما على هذا فوات متى أردت هذا

[سورة الحشر (59) : آية 3]

من محمدا جابنى اليه قال عمرو بلى والتوراة انه عليه نعوتا إذا سار إلينا محمد فيخبانا فى حصوننا حتى ننزل على حكمه فيضرب أعناقنا قال كعب بن اسد ما عندى فى امره الا ما قلت ما نطيب نفسى ان أصير تابعا يقول هذا لاسرائيلى ولا يعرف لى فضل النبوة لا قدر الفعال قال عمرو بن سعدى بل لعمرى ليعرفن ذلك لك فبينماهم على ذلك لم يزعم الا بمقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حلت بساحتهم فقال هذا الذي قلت لك وذلك انهم نقضوا عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحاربوه فى وقعة الخندق. وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ فى اللوح المحفوظ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ اى الخروج من الوطن لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا ط بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ جملة مستانفة يعنى ان نجوا من عذاب الدنيا لا ينجون من عذاب النار فى الاخرة البتة. ذلِكَ لحقهم فى الدنيا وما كانوا يصدده وما استحقوه من عذاب الاخرة بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ يعذبه عذابا شديدا لانه شَدِيدُ الْعِقابِ اخرج ابن اسحق عن يزيد بن رومان قال لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنى النضير تحصنوا منه فى الحصون فامر بقطع النخل والتحريق فيها وذكر محمد بن يوسف الصالحي انه - صلى الله عليه وسلم - استعمل على قطعها أبا ليلى المازني وعبد الله بن سلام وكان ابو ليلى بقطع العجوة وكان عبد الله بن سلام بقطع اللون فقيل لهما ذلك فقال ابو ليلى العجوة احرق لهم وقال عبد الله بن سلام قد عرفت ان الله سيغنم أموالهم العجوة خير أموالهم فلما قطعت العجوة شق النساء الجيوب وضربن الخدود ودعون بالويل فجعل سلام بن مشكم يقول يا حيى العذق من العجوة بفرس فلا يطعم ثلثين سنة تقطع فارسل حيى الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنت تنهى عن الفساد فلم تقطع النخل ووجد بعض المسلمين فى أنفسهم من قولهم وخشوا ان يكون فسادا فقال بعضهم لا تقطعوا فانه مما أفاء الله علينا وقال بعضهم بل نغيضهم بقطعها فانزل الله تعالى. ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ كما فعل ابو ليلى ما شرطية منصوب المحل مفعول لقطعتم ومن لينة بيان له يعنى اى شىء قطعتم حال كونه من لينة فعلتم من اللون ويجمع على الألوان وقيل هو من اللين كذا ذكر فى الصحاح قال البغوي اختلفوا فى معنى اللينة فقال قوم النخل كلها لينة داخلا العجوة وهو قول عكرمة وقتادة ورواية زاذان عن ابن عباس قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقطع نخلهم الا العجوة واهل المدينة ما خلا العجوة من التمر الألوان واحدها لين ولينة وقال الزهري هو ألوان النخل كلها الا العجوة والبرنية وقال مجاهد وعطية هى النخل كلها من غير استثناء وقال العوفى عن ابن عباس من النخل وقال سفيان هى كرام النخل وقال مقاتل هى ضرب من النخل يقال لتمرها اللون وهى شديد الصفرة يرى نواة من خارج يغيب فيالضرس وكان من أجود تمر هى اعجب إليهم

[سورة الحشر (59) : آية 6]

وكانت النخلة الواحدة ثمنها ثمن رصيف وأحب إليهم من رصيف أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها كما فعل عبد الله بن سلام فَبِإِذْنِ اللَّهِ خبر مبتداء محذوف يعنى فقطعه وتركه بإذن الله ليس فى شىء من ذلك اثم اخرج البخاري عن ابن عمران رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بنى نضير وقطع وهى البويرة هذه الاية كذا روى اصحاب الكتب واخرج ابو يعلى بسند ضعيف عن جابر قال رخص وقطع النخل ثم شدد عليهم فاتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا يا رسول الله هل علينا اثم فيما قطعنا وتركنا فانزل الله هذه الاية وَلِيُخْزِيَ الله بالاذن فى القطع الْفاسِقِينَ اليهود عطف على بإذن الله وعلة لمحذوف والجملة معطوفة على جملة تقريره وفعلتم او اذن لكم لنخزى هم على فسقهم بما غاظهم منه (مسئله) من هاهنا قال ابو حنيفة رح إذا حاصر الامام حصنا للكفار جاز ان يقطع أشجارهم ويفسد زروعهم وهدم بيوتهم ويحرقها قال ابن همام هذا إذا لم يغلب على الظن انهم ماخذون بغير ذلك فان كان الظاهر انهم مغلوبون وان الفتح لا بد منه كره ذلك لانه إفساد وفى غير محل الحاجة وما أبيح الا لها وقال احمد لا يجوز قطع أشجارهم الا بأحد الشرطين أحدهما ان يفعلوا بنا مثل ذلك ثانيهما ان يكون لنا حاجة الى قطع ذلك لنتمكن من قتالهم وقال الشافعي يجوز إتلاف بنائهم وشجرهم لحاجة القتال والظفر بهم وكذا ان لم يرج حصولها لنا فان رجى ندب الترك والدليل على جواز قطع الأشجار هذا الاية والحديثين المذكورين وما روى احمد عن اسامة بن زيد قال بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى قرية قال أيتها صباحا ثم حرق قال ابن الجوزي احتجاجا لمذهبه انه قد روى أصحابنا ان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيشا قال لا تعود واعينا ولا تعقروا شجرا إلا شجر يمنعكم من القتال والحديثان يعنى حديث ابن عمر وحديث اسامة بن زيد محمولان على ما ذكرنا انتهى كلامه قلنا لا يجوز على ما ذكر ابن الجوزي لان بنى نضير لم يقطعوا أشجار المدينة قط ولا دليل على كون القطع لحاجة القتال بل الاية صريحة فى ان الأمر بالقطع كان لخزى الفاسقين وكبت اعداء الله وكسر شوكتهم لا لغرض اخر لكن الظاهر ان الفتح لم يكن غالبا فى الظن حين امر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع أشجارهم يدل على قوله تعالى ما ظننتم ان يخرجوا وظنوا ما نعتهم حصونهم وما روى اصحاب احمد حجة على عدم جواز القطع ان صح لا يمكن ان يكون معارضا لكتاب الله المستلزم للجواز والله اعلم قال البغوي فلما ترك بنو النضير رياعهم وضياعهم طلب المسلمون تقسيمها بيتهم كما فعل لغنايم خيبر فبين الله تعالى حكمها وقال. وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ القى الرجوع وأفاء بمعنى عاد وقال الجوهري الفى الرجوع الى حالة محمودة قال الله تعالى حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا ... فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ولما كان الرجوع يقتضى سبق الملك قال البيضاوي

أفاء بمعنى صير مجازا او بمعنى رده عليه فانه كان حقيقا بان يكون له عليه السلام لان الله خلق الإنسان لعبادته وخلق ما خلق لهم ليتوسلوا به الى طاعة فهو جدير بان يكون للمطيعين مِنْهُمْ اى من بنى النضير فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ اى ما أجريتم على تحصيله من الوجيف بمعنى سرعة السير مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ما يركب من الإبل غلب فيه كما غلب الراكب على راكبه والمعنى انه لم يلحق المؤمنين فى تحصيل ما أفاء الله من بنى النضير من المشقة بالحرب وإيجاف الخيل والركاب حتى يستحقوا الغنائم وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ط يقذف الرعب فى قلوبهم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيفعل ما يريد تارة بالوسايط فى الظاهر وتارة بلا وسائط هذه الاية والأحاديث الصحيحة تدل على ان مال بنى نضير كان خالصا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم صرفه عليه السلام حيث شاء روى الشيخان فى الصحيحين عن مالك بن أوس ابن الجدثان النضيري انه قال عمر بن الخطاب ان الله قد خص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى هذا الفيء بشىء لم يعط أحدا غيره ثم قرأ ما أفاء الله على رسوله منهم الى قوله قدير فكانت هذه خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتفق عليه وعلى اهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذه ما بقي فيجعله فجعل مال الله وايضا فى الصحيحين عنه انه جاء عمر حاجبه يرفا فقال هل لك فى عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد رض يستاذنون قال نعم فادخلهم فلبث قليلا ثم جاء فقال هل لك فى عباس وعلى رض يستاذنان قال نعم فلما دخلا قال عباس يا امير المؤمنين اقض بينى وبين هذا وهما يختصمان فى التي أفاء الله على رسوله من بنى النضير فقال الرهط يا امير المؤمنين اقض بينهما وارح أحدهما من الاخر قال اتئدوا أنشدكم الله الذي باذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا نورث ما تركناه صدقة يريد بذلك نفسه قالوا قد قال ذلك فاقبل عمر على علىّ وعباس فقال أنشدكما بالله هل تعلمون ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك قالا نعم قال فانى أحدثكم عن هذا الأمر ان الله قد خص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى هذا الفيء بشىء لم يعطه أحدا غيره فقال وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ الى قوله قدير فكانت هذه خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم والله ما اختارها دونكم ولا استاثرها عليكم فقد أعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي المال منها فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفق على اهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله فجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيوته ثم توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ابو بكر فانا ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبضه ابو بكر فعمل فيه بما عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنتم حينئذ جميع واقبل على على وعباس يذكران ان أبا بكر فيه كما يقولان والله يعلم انه فيها لصادق بارر أشد ثم توفى الله أبا بكر فقلت انا ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابى بكر

[سورة الحشر (59) : آية 7]

فقبضتها سنين من امارتى اعمل فيه بما عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابو بكر والله يعلم انى فيه صادق بارر أشد تابع للحق ثم جئتمانى كلا كما وكلمتكما واحدة وامر كما جميع فقلت لكما ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا الىّ ان ادفعه اليكما قلت ان شئتما دفعت اليكما على ان عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابو بكر وما عملت فيه منذ وليت وإلا فلا تكلمانى فقلتما ادفعه إلينا بذلك فدفعته اليكما افتلتمسان منى قضاء غير ذلك فو الله الذي تقوم باذنه السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فان عجزتما عنه فادفعا الى فانا أكفيكما هما وايضا فى الصحيحين عن عمر قال كانت اموال بنى نضير مما أفاء الله على رسوله مالم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة ينفق على اهله نفقة سنتهم ثم يجعل ما بقي فى السلاح والكراع عدة فى سبيل الله . ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى اى اموال اهل القرى بيان للاول ولذلك لم يعطف لكنه يعم الاول يعنى بنى النضير وغيره فان قيل لو كان هذا بيانا للاول لكان للانصار ايضا حقا فى فىء بنى النضير مع ان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعط من فىء بنى النضير شيئا للانصار غير ثلثة منهم قلنا كان للانصار ايضا فيه حقا لكنهم اثروا المهاجرين على أنفسهم وجعل حقهم لهم كما سياتى قال ابن عباس فى تفسير اهل القرى وهى قريظة والنضير وفدك وخيبر وقرى عرينة وقال جلال الدين المحلى كان الصفراء ووادي القرى وينبع قلت والصحيح ان خيبر فتحت عنوة وقسمت بين اهل الحديبية على ثمانية عشر سهما كما مر فى سورة الفتح فَلِلَّهِ افتتاح كلام للتبرك واضافة هذا المال الى نفسه لشرفه وليس المراد منه ان سهما منه له تعالى مفردا فان الدنيا والاخرة كلها لله تعالى وهو قول الحسن وقتادة وعطاء وابراهيم والشعبي وعامة الفقهاء وعامة المفسرين وقال بعضهم يصرف سهم الله تعالى فى عمارة الكعبة والمساجد وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى يعنى أقرباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم بنو هاشم وبنو المطلب لحديث جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم ذوى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلب أتيته انا وعثمان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بنى هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم ارايت إخواننا من بنى المطلب اعطيتهم وتركتنا وانما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد هكذا وشبك بين أصابعه رواه الشافعي وفى رواية ابو داود والنسائي نحوه وفيه انا وبنو المطلب لا نفترق فى الجاهلية ولا اسلام وانما نحن وهم شىء واحد وشبك بين أصابعه وَالْيَتامى الصغار الذين لا اب لهم وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ المسافر البعيد من ماله كان المستفاد فيما مر من الاية

[سورة الحشر (59) : آية 8]

ان الفيء مختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وضم هاهنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأصناف المذكورة اشعارا بما يفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى ذلك المال ولما كان مال الفيء بحيث لا نصيب فيه لرجال بعينهم كما فى الغنائم للغانمين بل قسمة مفوض الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والى خلفائه من بعده وجاز لهم اختيار اشخاص من الأصناف المذكورة به عليه السلام منافيا لاختصاص المال به عليه السلام والله تعالى اعلم كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً متعلق بالظرف المستقر اعنى فلله وللرسول قرأ هشام بخلاف عنه تكون بالتاء الفوقانية على التأنيث ودولة بالرفع على الفاعلية وكان حينئذ تامة والباقون بالياء التحتانية على التذكير على ان ضمير الفاعل راجع الى الموصول ودولة منصوب على انه خبر كان الناقصة بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ط يعنى لا يكون ما يتداوله الأغنياء بينهم دون الفقراء كما كان فى الجاهلية بل جعل الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ان يقسمه على ما يراه مصلحة فيما امر به ثم قال وَما آتاكُمُ اعطاكم الرَّسُولُ من الفيء فَخُذُوهُ ولا تطعموا فيما زاد على ما طابت نفسه وَما نَهاكُمْ عَنْهُ من الغلول وغيره فَانْتَهُوا ج ذكر هذه الجملة معترضة كيلا يطمع الناس من الرسول ما لا يرضاه وهذا نازل فى الفيء وهو عام فى كل ما امر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ونهى عنه عن عبد الله بن مسعود قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بنى اسد يقال لها أم يعقوب فجائت فقالت انه قد بلغني انك لعنت كيت وكيت فقال مالى لا العن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن هو فى كتاب الله فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول فقال لئن كنت قراتيه لقد وجدتيه اما قرأت ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت بلى قال فانه قد نهى عنه رواه البخاري وَاتَّقُوا اللَّهَ ط فى مخالفة رسوله - صلى الله عليه وسلم - معترضة اخرى إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ج لمن خالفه تعليل لما سبق. لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ بدل من لذى القربى وما عطف عليه فان الرسول لا يسمى فقيرا وقد اخرج الله رسوله من الفقراء لقوله ينصرون الله ورسوله قبل هذا بدل الكل من الكل واللام فى للفقراء للعهد والمراد منه هم المذكورون اعنى ذوى القربى واليتامى والمساكين فلا يلزم ان لا يكون المذكورون سابقا مصرفا نظرا الى المبدل منه لا يكون مقصودا بالنسبة بل البدل هو المقصود بالنسبة وعندى ان الفقراء المهاجرون وما عطف عليه أعم مطلقا مما سبق فانهم استوعبوا المؤمنين الى يوم القيامة أجمعين غنيهم وفقيرهم على ما ستذكر إنشاء الله تعالى فهذا بدل الكل من البعض وهو من قبيل الاشتمال وعلى كلا التقديرين فما سبق فى الذكر من ذوى القربى وما عطف عليه وان لم يكن مقصودا بالنسبة لفظا لكنها داخلة فى المقصود اعنى البدل او عينه والله تعالى اعلم

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ التي بمكة وَأَمْوالِهِمْ فان كفار مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم وفى الاية دليل على ان كفار مكة ملكوا اموال المهاجرين التي خلفوها وهاجروا عنها لان الله تعالى اطلق عليهم الفقراء والفقير من لا يملك شيئا وليس من لا يملك مالا وهو فى مكان لا يصل اليه فقيرا بل هو مخصوص باسم ابن السبيل ولذا عطفوا عليه فى نص الصدقة ومن هاهنا قال ابو حنيفة ومالك الكفار إذا استولت على اموال المسلمين ملكوها بشرط الاحراز بدارهم عند ابى حنيفة وبمجرد الاستيلاء عند مالك وقال الشافعي لا يملكونها وذكر ابن همام لاحمد فيه روايتين كقول ابى حنيفة وكقول الشافعي وذكر ابن الجوزي قول احمد كقول الشافعي لا غير ويويد مذهب ابى حنيفة من الأحاديث ما رواه ابو داود فى مراسيله عن تميم بن طرفة قال وجد رجل مع رجل ناقة له فارتفعا الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاقام البينة انها له واقام الاخر البينة انه اشتراها من العدو فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان شئت ان تأخذ بالثمن الذي اشتراها به فانت أحق والا فخل عنه ناقة والمرسل عندنا وعند اكثر اهل العلم حجة واخرج الطبراني مسندا عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة وفى سنده ياسين الزيات مضعف واخرج الدارقطني ثم البيهقي فى سننهما عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم قال فى ما احرز العدو فاستنفذه المسلمون منهم ان وجده صاحبه قبل ان يقسم فهو أحق به وان وجد قد قسم فانشاء اخذه بالثمن فيه حسن بن عمارة قال الدارقطني متروك واخرج الدارقطني عن ابن عمر سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من وجد ماله فى الفيء قيل ان يقسم فهو له وان وجده بعد ما قسم فليس له شىء وفيه اسحق بن عبد الله بن فروة ضعيف وفى طريقة الاخر رشدين ضعيف ايضا أخرجه الطبراني عن ابن عمر مرفوعا من أدرك ماله فى الفيء قبل ان يقسم فهو له فان أدركه بعد ان يقسم فهو أحق به بالثمن وفيه ياسين ضعيف وبه قال الشافعي واحتجوا ايضا بان عمر بن الخطاب قال من أدرك ما أخذ العد وقبل ان يقسم فهو له وما قسم فلاحق له فيه الا بالقيمة وقال هذا انما روى عن الشعبي عن عمرو عن رجا بن حيوة عن عمر مرسلا وكلاهما لم يدرك عمر وروى الطحاوي بسنده الى قبيصة بن ذويب ان عمر بن الخطاب قال فيما اخذه المشركون فاصابه المسلمون فعرفه صاحبه اى أدرك قبل ان يقسم فهو له وان جرت فيه السهام فلا شىء له وروى فيه ايضا عن ابى عبيدة مثل ذلك وروى بإسناده الى سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت مثله وروى ايضا بإسناده الى قتادة عن جلاس ان علىّ ابن ابى طالب رض قال من اشترى ما احرز العد وفهو جائز وهذه الأحاديث وان كانت بعضها ضعيفة وبعضها مرسلة لكنها اعتضد بعضها ببعض وصارت حجة وعملا بهذه الأحاديث شرط ابو حنيفة الاحراز وقال

ان ظهر عليها المسلمون فوجدها المالكون قبل ان يقسم فهى لهم بغير شىء وان وجدوها بعد القسمة أخذوها بالقيمة ان أحبوا وكذا ان دخل دار الحرب تاجر فاشترى ذلك فاخرجه الى دار الإسلام فمالكه الاول بالخيار ان شاء اخذه بالثمن الذي اشتراه وان شاء تركه وكذا لو وهبوا لمسلم يأخذه المالك بقيمته واستدل بعض الحنفية بما فى الصحيحين انه - صلى الله عليه وسلم - لما سئل يوم الفتح اين تنزل غدا بمكة قال هل ترك لنا عقيل من منزل وجه الاحتجاج ان عقيلا استولى عليه وهو على كفره وقيل ان الحديث انما هو دليل على ان المسلم لا يرث الكافر فان عقيلا استولى على الرباع بإرثه إياها أبا طالب فانه مات وترك عليا وجعفر مسلمين وعقيلا وطالبا كافرين فورثاه والله تعالى اعلم احتج الشافعي بحديث رواه احمد ومسلم فى صحيحه عن عمران بن حصين قال كانت العضباء لرجل من بنى عقيل وكانت من سوابق الحاج فاسر الرجل وأخذت العضباء معه فحبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجله ثم ان المشركين أغاروا على سرج المدينة وفيه العضباء وأسروا امرأة من المسلمين وكانوا إذا نزلوا يريحون إبلهم فى أفنيتهم فلما كانت ذات ليلة قامت المرأة وقد نوموا فجعلت لا تضع يدها على بعير الا رغا حتى أتت على العضباء فاتت على ناقة ذلول فركبتها ثم توجهت قبل المدينة ونذرت لئن الله عز وجل نجاها عليها لنحر بها فلما قدمت عرفت الناقة فاتوا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فاخبرت المرأة نذرها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبسما خبريتها او وفيتها ان الله أنجاها عليها لتنحر بها ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا وفاء لنذر فى معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم وجه الاحتجاج انه لو ملكها المشركون ما أخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما بطل نذرها وحديث رواه داود عن ابن عمر قال ذهب فرس له فاخذها الكفار فظهر عليهم المسلمون فرد عليه فى زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابق عبد له فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون فرد عليه خالد بن وليد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والجواب عن الحديث الاول ان ظاهر هذا الحديث يدل على ان الكفار لم يحرزوا العضباء بديارهم حيث قال وكانوا إذا نزلوا يريحون أهلهم فى أفنيتهم وعن الحديث الثاني انا نقول على حسب مقتضى هذا الحديث حيث نقول ان المشركين إذا غلبوا على أموالنا وملكوها فظهر عليهم المسلمون ووجدها ملاكها قبل القسمة ردت تلك الأموال عليها بلا شىء وبعد القسمة ردت بالقيمة وان عبدا إذا ابق فدخل إليهم فاخذوه لم يملكوه عند ابى حنيفة رح ثم إذا ظهر عليهم المسلمون يأخذ المالك القديم بغير شىء موهوبا كان او مشترى مغنوما قبل القسمة وبعده والله تعالى اعلم يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ يعنى ثوابا زايدا على قدر أعمالهم أضعافا كثيرة وَرِضْواناً جملة يبتغون حال مقيدة لاخراجهم بما يوجب

[سورة الحشر (59) : آية 9]

تفخيم شانهم وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ يعنى دينه عطف على يبتغون وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ فى ادعاء ايمانهم وحالهم على صدق دعواهم فمن قال من الروافض انهم كانوا منافقين وكانوا كاذبين فى ادعاء الايمان كفر لاستلزام انكار هذه الاية وقال قتادة هؤلاء المهاجرين الذين تركوا الديار والأموال والعشائر وخرجوا حبّا لله ولرسوله واختاروا الإسلام على ما كانت فيه من شدة حتى ذكران الرجل كان يعصب الحجر على بطنه يقيم به صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة فى الشتاء ماله دثار غيرها قلت وكانوا يحبون القتل فى سبيل الله روى البغوي فى المعالم وشرح السنة من امية بن خالد بن عبد الله بن أسيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة الى الجنة بأربعين خريفا وروى ابو داود عن ابى سعيد الخدري رض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل اغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقدار خمسمائة سنة قلت لعلهم يدخلون الجنة قبل اغنياء المهاجرين بأربعين خريفا وقبل اغنياء سائر الناس بخمسمائة سنة والله تعالى اعلم اخرج ابن المنذر عن يزيد بن الأصم ان الأنصار قالوا يا رسول الله اقسم بيننا وبين إخواننا المهاجرين الأرض يعنى الأرض المملوكة للانصار نصفين قال لا ولكن تكفونهم المئونة وتقاسمونهم الثمرة والأرض أرضكم قالوا رضينا فانزل الله تعالى يعنى انزل فيهم قوله. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ الاية وروى البخاري عن ابى هريرة بلفظ قالت الأنصار اقسم بيننا وبين إخواننا النخل قال لا تكفونا المؤن وتشرككم فى الثمر قالوا سمعنا واطعنا وليس ذكر نزول الاية صحيح والمعنى تبوء وادارا بحره وتمكنوا فى الايمان وهم أنصار شبه الايمان بالمقر لدوام اثباتهم عليه واثبت التبوء على الاستعارة التخييلية وجاز ان يكون الايمان منصوبا بالفعل المقدر يعنى وأخلصوا الايمان من قبيل علفتها تبنا وماء باردا يعنى وسقيتها ماء باردا وقيل المعنى تبؤوا دار الهجرة ودار الايمان وهى المدينة فحذف المضاف من الثاني والمضاف اليه من الاول وعوض عنه اللام سمى المدينة دار الايمان لانها مظهره عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ان الله تعالى سمى المدينة طابة رواه مسلم وعن جابر بن عبد الله فى حديث قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انما المدينة كالكير تنفى خبثها وتنصع طيبها متفق عليه وروى مسلم عن ابى هريرة بمعناه مِنْ قَبْلِهِمْ اى من قبل هجرة المهاجرين وقيل تقدير الكلام والذين تبوء الدار من قبلهم والايمان يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ فى أنفسهم حاجَةً قيل المحتاج اليه يسمى حاجة والمعنى طلب حاجة وقيل المراد

ما يحمل عليه الحاجة من الطلب والحسد والغيظ مِمَّا أُوتُوا اى من أجل ما اعطى المهاجرون دونهم من الفيء وذلك ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم اموال بنى النضير بين المهاجرين ولم يعط أحدا من الأنصار الا ثلثة منهم فطابت انفس الأنصار بذلك قال محمد بن يوسف الصالحي فى سبيل الرشاد ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما تحول من بنى عوف بن عمر الى المدينة تحول المهاجرون فتنافست فيهم الأنصار ان ينزلوا عليهم اقترعوا فيهم بالسهمان فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار الا بقرعة بينهم فكان المهاجرون فى دور الأنصار وأموالهم فلما غنم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنى النضير دعا ثابت بن قيس بن شماس فقال ادع لى قومك قال ثابت الخزرج يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار كلها فدعى الأوس والخزرج فتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله تعالى واثنى عليه بما هو اهله ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين وإنزالهم إياهم فى منازلهم وأموالهم وإيثارهم على أنفسهم ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان احببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله تعالى على من بنى النضير وكان المهاجرون على مالهم من السكنى ومساكنكم وأموالكم وان احببتم اعطيتهم وخرجوا من دوركم فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ رض وخيراهما خيرا فقالا يا رسول الله بل تقسمه بين المهاجرين ويكونوا فى دورنا كما كانوا ونادت الأنصار رض وجزاهم الله خيرا رضينا وسلمنا يا رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم ارحم الأنصار فقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أفاء الله عليه واعطى المهاجرين ولم يعط أحدا من الأنصار من ذلك الفيء شيئا إلا رجلين كانا محتاجين سهل بن حنيف وأبا دجانة واعطى سعه ابن معاذ رض عنهم سيف بن ابى الحقيق وكان سيفا له ذكر عندهم وذكر البلاذري فى فتوح البلدان له ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للانصار ليس لاخوانكم من المهاجرين اموال فان شئتم قسمت هذه وأموالكم بينكم وبينهم جميعا وان شئتم امسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة قالوا بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت فنزلت وَيُؤْثِرُونَ اى يقدمون المهاجرين باموالهم ومنازلهم عَلى أَنْفُسِهِمْ حتى ان من كان عنده امرأتان نزل عن واحدة وزوجها من أحدهم وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ فاقة وحاجة الى ما يؤثر قال البغوي روى عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النضير للانصار فذكر نحو ما ذكر البلاذري وروى البخاري عن ابى هريرة قال اتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله أصابني الجهد فارسل الى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال انا يا رسول الله فذهب الى اهله فقال لامرأته هذا ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تدخريه شيئا قالت والله ما عندى إلا قوت الصبية قال فاذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالى فاطقى السراج ونطوى بطوننا الليلة ففعلت وفى رواية فهيات

[سورة الحشر (59) : آية 10]

طعامها ونومت صبيانها ثم قامت كانها تصلح سراجها فاطفأت فجعلا يريانه انهما يأكلان فباتا لهاويين؟؟؟ ثم غدا الرجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لقد اعجب الله أو ضحك من فلان وفلانة فانزل وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ واخرج مسدد فى مسنده وابن المنذر عن ابى المتوكل الناجي ان رجلا من المسلمين فذكر نحوه وفيه ان الرجل الذي أضاف ثابت بن قيس بن شماس فنزلت فيه هذه الاية واخرج الواحدي من طريق محارب ابن دثار عن ابن عمر قال اهدى لرجل من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راس شاة فقال ان أخي فلان وعياله أحوج الى هذا منا فبعث به إليهم فلم يزل يبعث به واحد الى اخر حتى تداولها سبعة أبيات حتى رجعت الى أولئك فنزلت وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وروى البخاري عن انس بن مالك قال دعى النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار الى ان يقطع لهم البحرين فقالوا لا ان نقطع لاخواننا من المهاجرين مثلنا قال فاصبروا حتى تلقونى فانه سيصيبكم اثره بعدي وذكر البلاذري فى فتوح البلدان انه قال ابو بكر رض جزاكم الله يا معشر الأنصار فو الله ما مثلنا ومثلكم الا كما قال الغنوي جزا الله عنا جعفرا حين ارتعت بنا تعلنا فى الوطنين فنزلت أبوا ان يحلونا ولو ان أمنا تلقى الذي يلقون مناطلت- وروى الآجري فى كتاب الشريعة عن قيس بن ابى حازم نحوه وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الانفاق فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الشح البخل والحرص كذا فى القاموس وفى الصحاح بخل مع حرص قال البغوي فرق العلماء بين الشح والبخل روى ان رجلا قال لعبد الله بن مسعود انى أخاف ان أكون قد هلكت قال وما ذاك قال اسمع الله يقول ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون وانا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدى شىء قال عبد الله ليس ذاك بالشح الذي ذكره الله عز وجل ولكن الشح ان تأكل مال أخيك ظلما ولكن ذاك البخل وبئس الشيء البخل وقال عمر ليس الشح ان يمنع الرجل ماله انما الشح ان تطمع عين الرجل الى ما ليس له وقال سعيد بن جبير الشح هو أخذ الحرام ومنع الزكوة وقبل الشح الحرص الشديد الذي يحمله على ارتكاب المحارم وقال ابن زيد من لم يأخذ شيئا نهاه الله عنه ولم يدعه الشح الى ان يمنع شيئا من شىء امره الله به فقدوقى شح نفسه عن جابر بن عبد الله ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فان الشح أهلك من كان قبلكم حملهم ان يسفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم رواه مسلم واحمد وعن ابى هريرة انه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لا يجتمع غبار فى سبيل الله ودخان فى جوف عبد ابدا ولا يجتمع الشح والايمان فى قلب عبد ابدا رواه البغوي وكذا روى النسائي. وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ

اى بعد المهاجرين والأنصار وهم الذين اسلموا من الصحابة بعد الفتح والمؤمنون بعد الفريقين الى يوم القيامة يَقُولُونَ حال من فاعل جاؤا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا فى الدين الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ فان السابقين لهم حق على اللاحقين حيث اهتدوا بالايمان والشرائع يتوسطهم كما اهتدوا أولئك بتوسط النبي - صلى الله عليه وسلم - وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا حقد او حسد او بغضا لِلَّذِينَ آمَنُوا من قبل من المهاجرين والأنصار رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ع فكل من كان فى قلبه غل على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فانه ليس ممن عناه الله بهذه الاية قال ابن ابى ليلى الناس على ثلثة منازل الفقراء المهاجرين والذين تبوؤ الدار والايمان والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان فاجهد ان لا يكون خارجا من هذه المنازل روى البغوي بسنده عن عائشة قالت أمرتم بالاستغفار لاصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يسموهم سمعت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يقول لا يذهب هذه الامة حتى تلعن آخرها أولها وروى صاحب الفصول من الامامية الاثنا عشرية الى جعفر محمد بن على الباقر انه قال لجماعة خاضوا فى ابى بكر وعمر وعثمان انا اشهد انكم لستم من الذين قال الله فيهم والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الّذين سبقونا بالايمان الاية- وفى الصحيفة الكاملة انه كان من دعاء الامام على بن الحسين رض اللهم وصل على اصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصيحة والذين ابلوا البلاء الحسن فى نصره وكافئوه واسرعوا الى وفادته وسابقوا الى دعوته واستجابوا له حيث استمعهم حجة رسالاته وفارقوا الأزواج والأولاد فى اظهار كلمة وقاتلوا الآباء والأبناء فى تثبيت نبوته وانتصروا به ومن كانوا منطوين فى محبة يرجون تجارة لن تبور فى مودته والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروة وانتقت منهم القرابات او سكنوا فى ظل قرابته فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك وارضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش الى ضيقة اللهم وصل على التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان خير جزائك الحديث قال مالك بن معول قال عامر بن شرحبيل الشعبي يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة سئلت اليهود من خير اهل ملتكم فقالوا اصحاب موسى وسئلت النصارى من خير اهل ملتكم فقالوا حوارى عيسى وسئلت الرفضة من شر اهل ملتكم فقالوا اصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم فالسيف عليهم مسلولا الى يوم القيامة لا يقوم لهم راية ولا يثبت لهم اقدم ولا يجتمع لهم

كلمة كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأ الله يسفك دمائهم وتفريق شملهم وادحاض جهنم أعاذنا الله وإياكم من الهواء المضلة قال مالك بن انس من يبغض أحدا من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - او كان فى قلبه عليهم غل فليس لهم حق فى فىء المسلمين ثم تلا ما أفاء الله على رسوله من اهل القرى حتى اتى على هذه الاية لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ ... وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ... وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ الى قوله تعالى رَؤُفٌ رَحِيمٌ قال اكثر المفسرين الذين تبوّء الدار والايمان وللفقراء الذين جاؤا من بعدهم وعلى هذا وصف الفقر شرط لاستحقاق الفرق الثلاثة وعندى الذين تبوؤا معطوف على الفقراء ووصف الفقر ليس شرطا لاستحقاق واحد منهم كيف وابن السبيل مصرف اتفاقا مع انه لا يسمى فقيرا او انما ذكر وصف الفقر فى المهاجرين جريا على الغالب لان اكثر المهاجرين حينئذ كانوا فقراء لا للاحتراز كما ان فى قوله تعالى وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ كونهن فى الحجور ليس للاحتراز بل خرج مخرج العادة جريا على الغالب وانما قلت هكذا للاجماع على ان مال الفيء هو للمسلمين كافة غنيهم وفقيرهم يصرف فى مصالحهم ويعطى لقضاة المسلمين وعمالهم وعلمائهم وان كانوا اغنياء وكذا للمقاتلة سواء كانوا غنيا او فقيرا- وكان ابو بكر رض يقسم المال بين الناس على السوية وكان عمر رض يفضل فى القسمة بفضلهم قال ابو يوسف فى كتاب الخراج حدثنى ابن ابى نجيح قال قدم على ابى بكر الصديق رض مال فقال من كان له عند النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة فليات فجاء جابر بن عبد الله فقال قال لى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا يشير بكفيه فقال له ابو بكر خذ فاخذ بكفيه ثم عده فوجده خمسمائة فقال خذ إليها الفا فاخذ الفا ثم اعطى كل انسان كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعده شيئا وبقي بقية من المال فقسمه بين الناس بالسوية على الصغير والكبير والحر والمملوك والأنثى فخرج على تسعة دراهم وثلث لكل انسان فلما كان العام المقبل جال اكثر من ذلك فقسمه بين الناس فاصاب كل انسان عشرون درهما فجاء ناس من المسلمين قالوا يا خليفة رسول الله انك قسمت هذا فسويت بين الناس وعن الناس أناس لهم فضل وسوابق وقدم فلو فضلت اهل السوابق والقدم والفضل بفضلهم قال فقال اما ما ذكرتم من السوابق والقدم فما أعرفني بذلك وانما ذلك شىء ثواب على الله هذا معاش فالاسوة فيه خير من الاثرة فلما كان عمر بن الخطاب رض وجائته الفتوح فضل وقال لا اجعل من قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كمن قاتل معه ففرض اهل السوابق والقدم من المهاجرين والأنصار فمن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف ولمن كان له اسلام كاسلام بدر دون ذلك أنزلهم على قدر منازلهم من السوابق قال ابو يوسف وحدثنى ابو معشر قال حدثنى عمر مولى عفرة وغيره قال لما جائت عمر بن الخطاب

الفتوح وجائته الأموال قال ان أبا بكر رض راى فى هذا المال رايا ولى فيه راى اخر لا اجعل من قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كمن قاتل معه ففرض للمهاجرين والأنصار فمن شهد بدرا اربعة آلاف اربعة آلاف وفرض لازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنى عشر الفا إلا صفية وجويرية فانه فرض لهما ستة آلاف ستة آلاف فابيا ان يقبلا فقال لهما انما فرضت لهن للهجرة فقالتا لا انما فرضت لهن لمكانهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان لنا مثله فعرف ذلك عمر ففرض لهما اثنى عشر الفا اثنى عشر الفا وفرض للعباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنى عشر الفا وفرض لاسنامة بن زيد اربعة آلاف وفرض لعبد الله بن عمر ثلثة آلاف فقال يا أبت لم زدته على الفا ما كان لابيه من الفضل ما لم يكن لابى وما كان له مالم يكن لى فقال ان أبا اسامة كان أحب الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك وكان اسامة أحب الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك وفرض للحسن والحسين خمسة آلاف خمسة آلاف اطفهما بابيهما لمكانهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفرض لابناء المهاجرين والأنصار الفين الفين فمر به عمرو بن ابى سلمة فقال زيدوه الفا فقال له محمد بن عبد الرحمن بن جحش ما كان لابيه ابى سلمة ما لم يكن لا بائنا وما كان له مالم يكن لنا فقال عمرانى فرضت له بابيه ابى سلمة الفين وزدته بامه أم سلمة الفا فان كانت لك أم مثل أم سلمة زدتك الفا وفرض لاهل والناس ثمانمائة فجائه طلحة بن عبيد الله بأخيه ففرض له ثمانمائة فمر به النضر بن انس فقال عمر افرضوا له الفين فقال ان أبا هذا يفنى يوم أحد فقال ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت ما أراه الا قد قتل فسل سيفه وكسر غمده وقال ان كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قتل فان الله حى لا يموت فقاتل حتى قتل وهذا يرعى الشاء فى مكان كذا كذا فعمل عمر بهذا خلافته قال ابو يوسف وحدثنى محمد بن اسحق عن ابى جعفر ان عمر لما أراد ان يفرض للناس وكان رايه اخر من رايهم قالوا له ابدا بنفسك فقال لا فبدأ بالاقرب فالاقرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففرض للعباس ثم لعلى حتى والى بين خمس ... حتى انتهى الى عدى بن كعب قال حدثنا المخالد ابن سعيد عن الشعبي عمن شهد عمر بن الخطاب قال لما فتح الله عليه الفارس والروم جمع ناسا من اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ما ترون فانى ارى ان اجعل عطاء الناس فى كل سنة واجمع المال فانه أعظم للبركة قالوا أضع ما رايت فانك إنشاء الله موفق ففرض الاعطيات فقال بمن ابدأ فقال عبد بن عوف ابدأ بنفسك فقال لا والله ولكن ابدأ ببني هاشم رهط النبي - صلى الله عليه وسلم - فكتب من شهد بدرا من بنى هاشم من مولى او عربى لكل رجل منهم خمسة آلاف وللعباس بن عبد المطلب اثنى عشر الفا ثم فرض لمن شهد بدرا من بنى امية بن عبد الشمس ثم الأقرب فالاقرب الى بنى هاشم ففرض للبدريين أجمعين عربيهم ومولاهم خمسة آلاف

وللانصار اربعة آلاف اربعة آلاف وكان أول انصارى فرض له محمد بن مسلمة ولازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ولعائشة اثنى عشر الفا ولمهاجرة حبشة اربعة آلاف اربعة آلاف ولعمر بن ابى سلمة لمكان أم سلمة اربعة آلاف فقال محمد بن عبد الله بن حجش لم تفضل علينا فذكر نحو ما ذكر فى الحديث السابق وللحسن والحسين خمسة آلاف لمكانهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم فرض للناس ثلاثمائة واربعمائة للعربى والمولى وفرض لنساء المهاجرين والأنصار ستماية واربعمائة وثلاثمائة ومائتين وفرض لا ناس من المهاجرين الفين الفين وفرض للبرقيل حين اسلم الفين وقال له دع ارضى فى يدى اعمرها وأؤدي عنها الخراج ما كانت تودى فض قال ابو يوسف وحدثنى محمد بن عمرو بن علقمة عن ابى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن ابى هريرة فذكر حديثا وفيه فرض للمهاجرين خمسة خمسة آلاف وللانصار ثلثة ثلثة آلاف ولازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر اثنا عشر الفا فلما اتى زينب بنت حجش مالها قالت يغفر الله امير المؤمنين لقد كان فى صواحباتى من هو أقوى على قسمة هذا منى فقيل ان هذا كله لك ناصرت به فصب وعطته بثوب ثم قالت لبعض من عندها ادخلى يدك لان فلان الفلان فلم تزل تعطى حتى قالت لها التي قلت تدخل يدها لا أراك تذكيرينى ولى عليك حق قالت لك ما تحت الثوب فكشفت فاذا ثمه خمسة وثمانون درهما ثم رفعت يدها فقالت اللهم لا يدركنى عطاء لعمر بن الخطاب بعد عامى هذا ابدا فكانت أول ازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - طوقابه زينب وذكر لنا انها أسخى ازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمل عمر زيد بن ثابت عطاء الأنصار فبدأ باهل العوالي فبدأ بينى عبد الأشهل ثم الأوس لبعد منازلهم ثم الخزرج حتى كان هو اخر الناس وهم بنو مالك بنى نجاروهم حول المسجد وقال ابو يوسف وحدثنى شيخ من اهل المدينة عن اسمعيل بن السائب بن يزيد عن أبيه قال سمعت عمر ابن الخطاب رض يقول والله الذي لا اله الا هو ما أحد الا وله فى هذا المال حق أعطيه او منعته وما أحدا حق به من أحد الا عبد مملوك وما انا فيه الا كاحدكم ولكن على منازلهم لنا من كتاب الله تعالى وقسمنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالرجل وتلاده فى الإسلام والرجل وقدمه فى الإسلام والرجل وغناه فى الإسلام والرجل وحاجته فى الإسلام والله لئن بقيت لياتين الراعي لجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه قبل ان يحمر وجهه يعنى فى طلبه وكان ديوان حمير على حدة وكان يفرض لامير الجيوش والعرى فى العطاء ما بين تسعة آلاف وثمانية آلاف وسبعة آلاف على قدر ما يصلحهم من الطعام وما يقومون به من الأمور قال وكان يفرض للمنفوس إذا ترحته امه فاذا ترعرع بلغه به مائتين فاذا بلغ زاده قال ولما راى المال قد كثر قال لئن عشت

الى هذه الليلة من قابل لا لحقن اخرى الناس باولادهم حتى يكونوا فى العطاء سواء قال فتوفى قبل ذلك (مسئله) اختلف الائمة ان المال الذي يحصل بلا قتال كجزية وعشر تجارة وما جلوا عنه خوفا وما صولحوا عليه ومال مرتد قتل او مات ومال ذمى مات بلا وارث وزكوة بنى تغلب وما أهداه اهل الحرب الى الامام وكذا خراج الأرض هل يخمس أم لا فقال ابو حنيفة ومالك واحمد فى اظهر قوليه لا يخمس بل جميعه لمصالح لما صلح المسلمين كسد الثغور وبناء القناطير والجسور ويعطى قضاة المسلمين والمختسبين وعمالهم وعلماءهم منه ما يكفيهم ويدنو منه أرزاق المقاتلة وذراريهم كذا فى الهداية وفى التجنسن يعطى المعلمين والمتعلمين ويدخل فيه طلبة العلم ايضا وقال الشافعي فى القديم لا يخمس الا ما تركوه فزعا وهربوا وفى الجديد انه يخمس جميع ذلك ثم يجعل الخمس خمسة أسهم سهم منها لبنى هاشم وبنى المطلب يشرك فيه الغنى والفقير ويعطى للذكر مثل حظ الأنثيين وسهم لليتامى او هو صغير لا اب له ويشترط فقره على المشهور وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل ويعم الأصناف الاربعة المذكور وقيل يخص بالحاصل فى كل ناحية من فيها منهم وسهم لمصالح المسلمين كسد الثغوز والقضاة والعلماء ويقدم الأهم واما الأخماس الاربعة فالاظهر انها للمرتزفة وهم أجناد المرصدون للجهاد فيضع الامام ديوانا فيعطى كل واحد منهم كفاية ويقدم فى الإعطاء قريشا ومنهم بنى هاشم والمطلب ثم عبد الشمس ثم نوفل ثم عبد العزى ثم ساير البطون الأقرب فالاقرب الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم الأنصار ثم ساير العرب ثم العجم ولا يثبت فى الديوان أعمى ولا زمنا ولا من لا يصلح للقتال فان فضلت الأخماس الاربعة عن حاجات المرتزفة وزع عليهم على قدر مؤنتهم والأصلح انه يجوز ان يصرف بعضه فى إصلاح الثغور والكراع هذا حكم منقول الفيء واما عقارة فالمذهب ان يجعل وقفا ويقسم غلته كذلك كذا فى المنهاج ويؤيد مذهب الجمهور فى عدم التخميس ما ذكره محمد بن يوسف الصالحي فى سبيل الرشاد فى اموال بنى النضير انه قال عمر بن خطاب يا رسول الله الا تخمس ما أصبت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا اجعل شيئا جعله الله تعالى دون المؤمنين بقوله تعالى ما أفاء الله على رسوله من اهل القرى الاية كهيئته ما وقع فيه السهمان قال ابن همام ذكروا ان قول الشافعي فى تخميس الجزية مخالف للاجماع قال الكرخي ما قال به أحد قبله ولا بعده ولا فى عصره ووجه قوله القياس على الغنيمة قال ابن همام انه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ونصارى نجران وفرض الجزية على اهل اليمن ولم ينقل منه التخميس ولو كان لنقل وروى ابو داود بسند فيه ضعف ان عمر بن عبد العزيز كتب الى عماله ان ما حكم عمر بن الخطاب فراه المؤمنون عدلا موافقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - والله تعالى اعلم.

[سورة الحشر (59) : آية 11]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يعنى عبد الله بن سلول وأصحابه يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ فى الكفر او الصداقة والموالات الَّذِينَ كَفَرُوا جهارا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وهم اليهود من بنى النضير والقريظة وقد ذكرنا قصة عبد الله بن سلول انه أرسل الى بنى النضير رسولين وقال لا تخرجوا ان معى الفين يدخلون معكم حصنكم واخرج ابن ابى حاتم عن السدى انه قال اسلم ناس من بنى قريظة وكان منهم منافقون نزلت فيهم هذه الاية وعلى هذا المراد بالاخوة فى النسب فكان المنافقون يقولون لبنى النضير لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ من دياركم من المدينة لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ اى فى قتالكم او خذلانكم أَحَداً يعنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ يعنى ان قاتلكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون لَنَنْصُرَنَّكُمْ عليهم وَاللَّهُ يَشْهَدُ حال من فاعل يقولون إِنَّهُمْ اى المنافقون لَكاذِبُونَ منصوب بتقدير القول يعنى والله يشهد ويقول انهم لكاذبون او هو متعلق بيشهد بتضمن القول ثم بين كذبهم بقوله. لَئِنْ أُخْرِجُوا اى اليهود لا يَخْرُجُونَ اى المنافقون جواب للقسم لفظا وجزاء للشرط معنى وكذا قوله تعالى لا ينصرونهم مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ج وفيه معجزة حيث كان الأمر فى المستقبل كذلك فان بنى نضير اخرجوا ولم يخرج معهم عبد الله بن ابى بن سلول ولا منافقوا قريظة وقريظة قوتلوا وقتلوا لم ينصرهم منافقوا مدينة وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ على الفرض والتقدير وقال الزجاج معناه لو قصدوا نصر اليهود لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ منهزمين ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ اى كفار اليهود ولا يصيرون منصورين إذا انهزم ناصروهم وجاز ان يكون ضمير لا ينصرون راجعا الى المنافقين. لَأَنْتُمْ ايها المسلمون أَشَدُّ رَهْبَةً اى مرهوبة فِي صُدُورِهِمْ اى المنافقين مِنَ اللَّهِ حيث يومنون باللسان دون القلب مخافة الناس دون الله تعالى العالم بما فى الصدور ذلِكَ الخوف منكم دون الله تعالى بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ اى لا يعرفون الله تعالى وعظمته وان الله تعالى هو النافع والضار وافعال العباد انما هى مخلوقة له تعالى فهو الحقيق بان يخشى دون غيره. لا يُقاتِلُونَكُمْ اى الكفار والمنافقون جَمِيعاً اى مجتمعين على عزم واجتهاد ولا لقاء الله تعالى الرعب فى قلوبهم إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ بالاروب والخناديق يعنى لا يبرزون لقتالكم رهبة منكم أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ ط قرأ ابن كثير وابو عمرو جدارا بكسر الجيم وفتح الدال والف بعدها على التوحيد وامال ابو عمر وفتح الدال والباقون بضم الجيم والدال على الجمع بَأْسُهُمْ يعنى صبرهم وشجاعتهم بَيْنَهُمْ يعنى فى مقابلة

[سورة الحشر (59) : آية 15]

الكفار بعضهم بعضا شَدِيدٌ يعنى ليس ذلك الرهبة منكم لضعفهم وجنبهم فانهم أشد بأسا ان حارب بعضهم بعضا بل لقذف الله الرعب فى قلوبهم معجزة لرسوله وإظهارا لدينه فان الشجاع يجبن والعزيز يذل إذا حارب الله ورسوله تَحْسَبُهُمْ يا محمد جَمِيعاً مجتمعين متفقين على حربكم وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى اى متشتة بسبب إلقاء الرعب فان فى حالة شدة الخوف لا يتقرر قلبه على نهج مستقيم بل قد يريد الحرب نظرا الى مصالح دنيوية وقد يريد الفرار لاستيلاء الرعب والخوف ذلِكَ التشتت بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ج الحق من الباطل ولا يتدبرون ولا يفهمون ان هذا الرعب انما استولى عليهم لكفرهم ومحاربتهم بالنبي المحق - صلى الله عليه وسلم -. كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعنى مثلهم اى بنى النضير كمثل الذين من قبلهم قَرِيباً يعنى اهل بدر من مشركى مكة كذا قال مجاهد وقال ابن عباس يعنى ببني قينقاع من اليهود هم قوم عبد الله بن سلام رض كانوا حلفاء عبد الله بن ابى بن سلول او عبادة بن الصامت وغيرهما من قومهما وكانوا أشجع يهود وكانوا صاغة ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ ج يعنى سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الدنيا وذلك انه لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مهاجرا وادعته اليهود كلها كتب بينه وبينهم كتابا والحق كل قوم بحلفائهم وجعل بينه وبينهم أمانا وشرط عليهم شروطا منهما ان لا يظاهروا عليه عدوا فلما كانت يوم بدر كانت قينقاع أول يهود ونقضوا العهد وأظهروا البغي والحسد فبينماهم على ما هم عليه من اظهار العداوة ونبذ العهد قدمت امرأة من العرب يحلب لها فباعت بسوق بنى قينقاع وجلست الى صايغ بها لحلى فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فلم تفعل فعمد الصانع الى طرف ثوبها من ورائها فخله بشوكة وهى لا تشعر فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصانع فقتله وكان يهوديا وشدت اليهود على المسلم فقتلوه ونبذوا العهد الى النبي - صلى الله عليه وسلم - واستصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود وغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع وانزل الله سبحانه وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ على سواء فقال صلى الله عليه وسلم انما أخاف من بنى قينقاع فسار إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه الاية وحمل لوائه حمزة بن عبد المطلب واستخلف على المدينة أبا لبابة فتحصنوا فحاصرهم أشد الحصار فقاموا على ذلك خمسة عشر ليلة حتى قذف الله فى قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ان للرسول - صلى الله عليه وسلم - أموالهم وان لهم النساء والذرية فكتفوا واستعمل على كنا فهم المنذرين قرامة السلمى ومشى عبادة بن الصامت الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا يا رسول الله انوى الله ورسوله وابرأ من حلف هؤلاء الكفار فقام الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

[سورة الحشر (59) : آية 16]

عبد الله بن ابى بن سلول حين امكنه الله منهم وقال يا محمد احسن فى موالى فاعرض عنه فادخل يده فى جيب درع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خلفه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحك أرسلني وغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى رأوا بوجهه ظللا قال ويحك أرسلني قال والله لا أرسلك حتى تحسن الى فى موالى اربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد صغرنى من الأحمر والأسود وتحصدهم فى الغداة واحدة انى والله امرأ أخشى الدوائر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلوهم لعنهم الله ولعن من معهم وتركهم من القتل وأمرهم ان يجلوا من المدينة فخرجوا بعد ثلث وولى إخراجهم منها عبادة بن الصامت وقال محمد بن مسلمة فجلعوا بأذرعات وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سلاحهم ثلثة فسع ودر عين وثلثة رماح وثلثة اسياف ووجد فى منازلهم سلاحا كثيرا وفمعز الدولة الصناعة فاخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صيغة والخمس وقسم اربعة أخماسه على اصحاب فكان أول خمس بعد بدر وكان هذه الواقعة يوم السبت لنصف من شوال سنه هـ على راس عشرين شهرا من مهاجرته - صلى الله عليه وسلم - ونزل فى عبادة بن الصامت وعبد الله بن ابى بن سلول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ آيات من سورة المائدة الى قوله هم الغالبون الاية وقد ذكرنا فى المائدة وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فى الاخرة يعنى لا ينقص عذابهم فى الاخرة بما أصابهم وبال أمرهم فى الدنيا. كَمَثَلِ الشَّيْطانِ اى مثل المنافقين عبد الله بن ابى بن سلول وأشباهه فى اغترار اليهود على القتال كمثل الشيطان إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ قال البغوي روى عطاء وغيره عن ابن عباس قال كان راهب فى الفترة يقال له برصيصا يعبد فى صومعة له سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة وان إبليس اعياه فى امره الحيل فجمع ذات يوم مردة الشياطين فقال الا أجد أحدا يكفينى امر برصيصا فقال الأبيض وهو صاحب الأنبياء وهو الذي تصدى للنبى - صلى الله عليه وسلم - وجاءه فى صورة جبرئيل ليوسوس على وجه الوحى فدفعه جبرئيل الى أقصى ارض الهند فقال الأبيض لابليس انا أكفيك فانطلق فتزين بزينة الرهبان وحلق وسط راسه واتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه وكان لا ينقتل من صلوته الا فى عشرة ايام ولا يفطر الا فى عشرة ايام مرة فلما راى الأبيض انه لا يجيبه اقبل على العبادة فى اصل صومعته فلما انفتل برصيصا اطلع من صومعة فراى الأبيض قايما يصلى فى هيئة حسنة من هيئة الرهبان فلما راى ذلك من حاله ندم فى نفسه حين لم يجبه فقال له انك ناديتنى وكنت مشتغلا عنك فما حاجتك قال حاجتى انى أحببت ان أكون معك فاتاوب بك واقتبس من علمك

وعملك ونجتمع على العبادة فتدعو لى وادعو لك فقال برصيصا انى لفى شغل عنك فان كنت مؤمنا فان الله سيجعل لك فيما ادعو للمؤمنين نصيبا ان استجاب لى ثم اقبل على صلوته وترك الأبيض واقبل الأبيض يصلى فلم يلتفت اليه برصيصا أربعين يوما بعدها فلما انفتل راه قايما يصلى فلما راى برصيصا شدة اجتهاده قال ما حاجتك قال حاجتى ان تأذن لى فارتفع إليك فاذن له فارتفع اليه فى صومعته فاقام معه حولا يتعبد لا يفطر الا فى كل أربعين يوما ولا ينفتل عن صلوته الا فى كل أربعين يوما مرة وربما مد الى الثمانين فلما راى برصيصا اجتهاده تقاصرت اليه نفسه وأعجبه شان الأبيض فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا انى منطلق فان لى صاحبا غيرك ظننت انك أشد اجتهادا مما ارى وكان بلغنا عنك غير الذي رايت فدخل من ذلك على برصيصا امر شديد وكره مفارقته للذى راى منه شدة اجتهاده فلما ودعه قال له الأبيض ان عندى دعوات اعلمكها تدعو بهن فهن خير مما أنت فيه يشفى الله به السقيم ويعافى به المبتلى والمجنون قال برصيصا اكره هذه المنزلة لان لى فى نفسى شغلا انى أخاف ان علم به الناس شغلونى عن العبادة فلم يزل به الأبيض حتى علمه ثم انطلق حتى اتى إبليس فقال قد والله أهلكت الرجل قال فانطلق الأبيض فتعرض لرجل فخنقه ثم جاء فى صورة رجل متطيب فقال لاهله ان لصاحبكم جنونا أفا عالجه قالوا نعم فقال لهم انى لا أقوى على جنبته ولكن أرشدكم الى من يدعو الله فيعا فيه انطلقوا الى برصيصا قال عنده الاسم الأعظم الذي إذا دعا به أجاب فانطلقوا اليه فسائوه ذلك فدعا بتلك الكلمات فذهب عنه الشيطان فكان الأبيض يفعل مثل ذلك بالناس ويرشدهم الى برصيصا فيعافون وانطلق الأبيض الى جارية من بنات ملوك بنى إسرائيل بين ثلثة اخوة وكان أبوهم ملكهم فمات واستخلف أخاه فكان عمها ملك بنى إسرائيل فجاء الأبيض الى تلك الجارية فعذبها وخنقها ثم جاء إليهم فى صورة متطيب فقال لهم أتريدون ان أعالجها قالوا نعم قال ان الذي عرض لها مارد ولا يطلق ولكن سارشدكم الى رجل تثقون به تدعونها عنده إذا جاء شيطانها دعالها حتى تعلموا انها قد عوفيت وتردونها صحيحة قالوا ومن هو قال برصيصا الزاهد قالوا وكيف لنا ان يجيبنا الى هذا وهو أعظم شانا من هذا قال ابنوا صومعة الى جنب صومعة حتى تشرفوا عليه فان قبلها والا فضعوها فى صومعة ثم قولوا هى امانة عندك فاحتسب فيها قال انطلقوا اليه فسالوه فابى عليهم فبنوا صومعة على ما أمرهم به الأبيض فوضعوا الجارية فى صومعة فقالوا هذه أختنا هذه امانة فاحتسب فيها ثم انصرفوا فلما انفتل برصيصا من صلوته عاهن الجارية وما بها من جمال فوقعت فى قلبه ودخل عليه امر عظيم فجاءها شيطان فخنقها

فدعا برصيصا بتلك الدعوات فذهب الشيطان ثم اقبل على صلوته ثم جاءها فخنقها وكانت تكشف عن نفسها فجاءه الشيطان وقال واقعها فستتوب بعد ذلك والله تعالى غفار الذنوب والخطايا فتدرك ما تريد من الأمر فلم يزل به حتى واقعها فلم يزل على ذلك يأتيها حتى حملت فظهر حملها فقال له الشيطان ويحك قد افتضحت يا برصيصا فهل لك ان تقتلها وتتوب فان سالوك فقل ذهب بها شيطانها فلم اقدر عليه فقتلها ثم انطلق بها فدفنها الى جانب الجبل فجاء الشيطان وهو يدفنها ليلا فاخذ بطرف إزارها فبقى طرفة خارجها من التراب ثم رجع برصيصا الى صومعة فاقبل على صلوته إذ جاءه إخوتها يتعاهدون أختهم وكانوا يجيئون فى فرط الأيام يسألون عنها ويصونه بها فقالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا قال قد جاء شيطانها فذهب بها ولم أطقه فصدقوه فانصرفوا فلما أمسوا وهم مكروبون جاء الشيطان الى أكبرهم فى منامه فقال ويحك ان برصيصا قد فعل بأختك كذا وكذا وانه دفنها فى موضع كذا فقال الأخ فى نفسه هذا حلم وهو من عمل الشيطان فان برصيصا خير من ذلك قال فتتابغ عليه ثلث ليال مرات ليلا فلم يكترث فانطلق الى الأوسط بمثل ذلك فقال الأوسط مثل ما قال الأكبر فلم يخبربه أحدا فانطلق الى أصغرهم بمثل ذلك فقال أصغرهم لاخويه والله لقد رايت كذا وكذا وقال الأوسط وانا والله قد رايت مثله ... فانطلقوا الى برصيصا وقالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا قال أليس قد أعلمتكم بحالها فكانكم اتهمتموني فقالوا والله ما نتهمك واستحيوا منه فانصرفوا فجائهم الشيطان وقال ويحكم انها لمدفونة فى موضع كذا وان طرف إزارها خارج من التراب فانطلقوا فرأوا أختهم على ما رأوا فى النوم فمشوا فى مواليهم وغلمانهم معهم الفئوس والمساجى فهدموا صومعة فانزلوه ثم كتفوه فانطلقوا به الى الملك فاقر على نفسه وذلك ان الشيطان أتاه فقال تقتلها ثم تكابر يجتمع عليك أمران قتل ومكابرة اعترف فلما اعترف امر الملك بقتله وصلبه على خشية فلما صلب أتاه الأبيض قال يا برصيصا أتعرفني قال لا قال انا صاحبك الذي علمتك الدعوات فاستجيب لك ويحك ما اتقيت الله فى أمانتك خنت أهلها فانك زعمت انك اعبد بنى إسرائيل اما استحييت فلم يزل يعيره ثم قال فى اخر ذلك الم يكفك ما صنعت حتى أقررت على نفسك وفضحت نفسك وفضحت اشياهك من الناس فان مت على هذه الحالة فلم يفلح أحد من نظرايك قال فكيف اصنع قال تطيعنى فى خصلة واحدة حتى انجيك مما أنت فيه فاخذ باعينيهم واخرجك من مكانك قال وما هى قال تسجد لى قال افعل فسجد له فقال يا برصيصا هذا الذي أردت منك صار عاقبة أمرك الى ان كفرت

[سورة الحشر (59) : الآيات 17 إلى 18]

بربك انى برىء منك إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ انما قال ذلك رياء والا فالخشية من الله تعالى لم يخلق فى الشياطين وقيل المراد بالإنسان الجنس ويقول الشيطان اكفر اغراءه على الكفر إغراء الأمر المأمور وقوله انى برىء بقوله فى الاخرة مخافة ان يشاركه فى العذاب وينفعه ذلك نظيره قوله تعالى وقال الشيطان لما قضى الأمر إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ وقيل المراد بالإنسان ابو جهل قال له إبليس يوم بدر لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ يعنى من الهلاك فى الدنيا. فَكانَ عاقِبَتَهُما اى الإنسان والشيطان أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ اى نفس كل أحدكم ما قَدَّمَتْ يعنى اى شىء قدمت من عمل صالح ينجيه او سىء يوبقه فينزع عنه ويستغفر منه لِغَدٍ ج اى ليوم القيامة سماه غدا لدنوه أو لأن الدنيا كيوم واحد والاخرة غد فى الحديث الدنيا يوم ولنا فيها صوم وَاتَّقُوا اللَّهَ ط تكرير للتاكيد او الاول لاداء الواجبات والثاني لترك المحارم لاقترانه لقوله إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ وهو كالوعيد على المعاصي. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فلا يبالون بإتيان مناهيه وترك أوامره فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ اى حظوظ أنفسهم حتى لم يقدموا لها خيرا او أراهم يوم القيامة من الهول ما أنساهم أنفسهم أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ الكاملون فى الفسق. لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ اى الذين استمهنوا أنفسهم فاستحقوا النار والذين استكملوا أنفسهم فاستحقوا الجنة استدل الشافعية بهذه الاية ان المسلم لا يقتل بالكافر قصاصا وليس شىء فان المراد عدم مساواتهم فى الاخرة حيث قال الله تعالى أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ بالنعيم المقيم. لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ط قيل هذا تمثيل وتخييل يعنى لو جعل فى الجبل تميزا وانزل عليه القران تخشع وتشقق وتصدع من خشية الله مع صلابته ورزانته حذرا من ان لا يؤدى حق الله عز وجل فى تعظيم القران والكافر يعرفن عما فيه من العبر كان لم يسمعها وجاز ان يقال ان الجمادات ان كانت فى الظاهر عديمات الشعور لكنها بالنسبة الى خالقها ذات شعور وخشية قال الله تعالى وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - الجبل

[سورة الحشر (59) : الآيات 22 إلى 23]

ينادى الجبل اى فلان جبل هل مربك أحد يذكر الله فاذا قال نعم استبشر الحديث وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فى الاية توبيخ على عدم تفكر الإنسان وتدبره وعدم تخشعه عند تلاوة القران لقساوة قلبه. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ج قد بسطنا الكلام فى تفسير الغيب والشهادة فى سورة الجن فى تفسير قوله تعالى لا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الظاهر من كل عيب البليغ فى النزاهة عما لا يليق به السَّلامُ ذو السلامة من كل نقص وافة مصدر وصف به للمبالغة الْمُؤْمِنُ قال ابن عباس الذي أمن الناس من ظلم وأمن من أمن به من عذاب فهو من الامان ضد التخويف وقيل معناه المصدق لرسله بإظهار المعجزات الْمُهَيْمِنُ الشهيد على عباده بأعمالهم يقال همن يهمن إذا كان رقيبا على الشيء كذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدى ومقاتل كذا قال فى القاموس حيث قال همن على كذا إذا صار رقيبا عليه حافظا وكذا قال الخليل وقيل أصله ما من من الا من قلبت همزة الثانية ياء او الاولى هاء ومعناه المؤمن كذا قال ابن زيد ان معناه المصدق وقال سعيد بن المسيب والضحاك وابن كيسان هو اسم من اسماء الله تعالى فى الكتب السماوية الله تعالى اعلم بتأويله الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ قال ابن عباس هو العظيم وجبروت الله عظيمه فهو صفة ذات وقيل هو من الجبر بمعنى الإصلاح يقال جبرت الأمر وجبرت العظم إذا أصلحته بعد الكسر فهو يغنى الفقير ويصلح الكسر فى الحديث جابر العظم الكسير وقال السدى ومقاتل هو الذي يقهر الناس ويجبر على ما أراد سئل بعضهم عن معنى الجبار قال هو القهار الذي إذا أراد امرا فعل لا يقدر أحد على ان يحجره الْمُتَكَبِّرُ ط التفعل للمبالغة والكبر والكبرياء الامتناع فهو الممتنع عن كل ما يوجب حاجة او نقصانا وقيل المتكبر المتعظم وقيل ذو الكبرياء وهو الملك سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ إذ لا يشاركه أحد فى شىء من ذلك. هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ المقدر للاشياء كما قال يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق وفى القاموس المبدء الشيء المخترع على غير مثال سبق الْبارِئُ الموجد للاشياء بريا من التفاوت فى القاموس

برأ الله الحق كجعل برءا وبروءا خلقهم الْمُصَوِّرُ قال البغوي المماثل للمخلوق بالعلامات التي يتميز بها بعضها عن بعض يقال هذه صورة الأمر اى مثاله فاولا يكون خلقا ثم برأ ثم تصوير او فى الصحاح ما يتنقش به الأعيان ويتميز بها عن غيرها وذلك ضربان أحدهما محسوس يدركه الخاصة والعامة بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوانات كصورة الإنسان والفرس والجماد بالمعاينة قلت ومنه وما امتاز به زيد من عمرو الثاني معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص بها الإنسان من الفعل والمعاني التي خص بها شىء دون شىء والى الصورتين أشار الله تعالى بقوله خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ وقال صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وقال فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ وقال هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ وقال عليه الصلاة والسلام ان الله تعالى خلق آدم على صورته فالصورة أراد بها ما خص الإنسان به من الهيئة المدركة بالبصر والبصيرة وبها فضله على كثير من الخلق واضافة الى الله على سبيل الملك لا على سبيل البعضية والتشبيه تعالى عن ذلك وذلك على سبيل التشريف كقوله بيت الله وناقة الله قلت ويمكن ان يراد به خلقه تعالى على صفاته من العلم والقدرة والارادة ونحو ذلك التي بها لبس خلعة الخلافة وامتاز به عما عداه واحتمل ثقل الامانة وجاز ان يكون ضمير صورته راجعا الى آدم يعنى خلقه على صورة لم يعط أحدا غيره والله تعالى اعلم لَهُ تعالى الْأَسْماءُ الْحُسْنى ط الدالة على محاسن الصفات والمعاني يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لتنزهه عن النقائص كلها وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ع الجامع للكمالات كلها فانها راجعة الى الكمالات فى القدرة والعلم عن المعقل بن يسار ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من قال حين يصبح ثلث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقرأ ثلث آيات من اخر سورة الحشر وكل الله به سبعين الف ملك يصلون عليه حتى يمسى فان مات فى ذلك اليوم مات شهيدا ومن قال حين يمسى كان بتلك المنزلة رواه الترمذي وقال حديث غريب وعن ابى امامة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قرأ خواتيم الحشر من ليلة او نهار فقبض فى ذلك اليوم او ليلة فقد أوجب الجنة رواه ابن عدى والبيهقي وسنده ضعيف.

سورة الممتحنة

سورة الممتحنة مكّيّة وهى ثلث عشرة اية وفيها ركوعان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ذكر البغوي وغيره ان سارة مولاة ابى عمرو بن صفى بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة من مكة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتجهز لفتح مكة فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمسلمة جئت قالت لا قال أمهاجرة جئت قالت لا قال فما جاء بك قالت كنتم الأهل والعشيرة والموالي وقد ذهبت موالى فاحتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطونى وتكسونى وتحملوني فقال اين أنت من شبان مكة وكانت مغنية نايحة قالت ما طلب منى شىء بعد وقعة بدر فحث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنى عبد المطلب وبنى المطلب فاعطوها نفقة وكسوها وحملوها فاتاها حاطب بن ابى بلتعة حليف بنى اسد بن عبد العزى فكتب معها الى اهل مكة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا على ان توصل الكتاب الى اهل مكة وكتب فى الكتاب من حاطب بن ابى بلتعة الى اهل مكة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدكم فخذوا حذركم فخرجت سارة ونزل جبرئيل فاخبر النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم بما فعل حاطب فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا وعمارا والزبير وطلحة ومقداد بن الأسود وأبا مرثد فرسانا فقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن ابى بلتعة الى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها وان لم تدفع إليكم فاضربوا عنقها قال فخرجوا حتى أدركوها فى ذلك المكان الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لها اين الكتاب فحلفت بالله ما معها كتاب فبحثوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال على والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله وسل سيفه وقال اخرجى الكتاب والا لاجزدنك؟؟؟ ولاضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذوابتها قد خباها فى شعرها فخلوا سبيلها ولم يتعرضوا لها ولا لما معها فرجعوا بالكتاب الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى حاطب فاتاه فقال هل تعرف الكتاب قال نعم قال فما حملك على ما صنعت قال والله ما كفرت منذ أسلمت ولاغششتك منذ نصحتك ولا احببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت غريبا فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فاردت ان اتخذ عندهم يدا وقد علمت ان الله ينزل بهم بأسه وان كتابى لا يغنى عنهم من الله شيئا فصدقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعذره فقام عمر بن الخطاب فقال دعنى يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على اهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وفى الصحيحين

[سورة الممتحنة (60) : آية 1]

عن على قال بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انا والزبير والمقداد بن الأسود فقال انطلقوا حتى ناتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فايتونى به فخرجنا حتى اتينا الروضة فاذا نحن بالظعينة فقلنا اخرجى الكتاب فقالت ما معى من الكتاب فقلنا لتخرجن الكتاب او لتلقين الثياب قال فاخرجته عن عقاصها فاتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاذا هو من حاطب بن ابى بلتعة الى ناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض امر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ما هذا يا حاطب قال لا تعجل على يا رسول الله انى كنت امرأ ملصقا من قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فاحببت إذ فاتنى ذلك من النسب منهم ان ناخذ منهم يدا يحمون بها قرابتى وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقت وفيه أنزلت هذه السورة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ قيل الباء زائدة كما فى قوله تعالى وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ والمعنى تلقون إليهم بالمودة بالمكاتبة وقال الزجاج معناه تلقون إليهم اخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمودة التي بينكم وبينهم والجملة حال من فاعل لا تتخذوا او صفة لاولياء جرت على غير من هى له فلا حاجة فيها الى إبراز الضمير لانه مشروط فى الاسم دون الفعل وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ج يعنى القران والجملة حال من فاعل أحد الفعلين يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ من مكة وهو حال من فاعل كفروا استيناف لبيانه أَنْ تُؤْمِنُوا اى لان أمنتم بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ط فيه تغليب المخاطب والالتفات من التكلم الى الغيبة إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ من أوطانكم جهادا فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي علة للخروج وعمدة للتعليق او حال من فاعل خرجتم يعنى خرجتم مجاهدين او ظرف بتقدير الوقت اى خرجتم فى وقت الجهاد او مفعول مطلق من قبيل ضربته سوطا اى خرجتم خروج جهاد وجواب الشرط محذوف دل عليه لا تتخذوا تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ق قال مقاتل بالنصيحة بدل من تلقون او استيناف والباء زائدة صلة لتسرون او للسببية والمعنى انه لا طايل لكم فى اسرار المودة وإلقاء الاخبار إليهم سرا بسبب المودة وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وقيل اعلم بفعل مضارع والباء زائدة وما موصولة او مصدرية وَمَنْ يَفْعَلْهُ اى اتخاذ المودة مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اى أخطأ طريق الهدى. إِنْ يَثْقَفُوكُمْ اى ياخذوكم ويظفروا بكم فى القاموس ثقفه كمنعه صادفه او اخذه او ظفر به او أدركه يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً اى لا ينفعكم إلقاء المودة إليهم وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ اى بما يسوئكم كالقتل والضرب

[سورة الممتحنة (60) : آية 3]

والشتم وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ط لو للتمنى والجملة بيان الوداد والماضي فى جواب ان الشرطية وان كان يفيد معنى الاستقبال ولكن أورد صيغة الماضي للاشعار بانهم ودوا ذلك قبل كل شىء وان ودادهم حاصل بالفعل. لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ اى قرباتكم وَلا أَوْلادُكُمْ ج الذين أشركوا والذين توالون المشركين لاجلهم يَوْمَ الْقِيامَةِ ج فيه رد لعذر الحاطب بن بلتعة ومن كان يعتذر بنحو ذلك يَفْصِلُ قرأ عاصم على البناء للفاعل من الثلاثي المجرد ونافع وابن كثير وابو عمرو على البناء للفاعل من باب التفعيل وابن عامر على البناء للمفعول منه بَيْنَكُمْ اى ليفرق الله بينكم حين يفر بعضكم من بعض لشدة الهول ويصير الأخلاء يومئذ اعداء الا المتقين او المعنى يفصل بينكم اى يدخل المؤمنين الجنة والمشركين النار فمالكم تتوالونهم اليوم وترفضون حق الله ونبيه وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم عليه. قَدْ كانَتْ لَكُمْ ايها المؤمنون أُسْوَةٌ اسم لما يوتسى به اى اقتداء حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ من المؤمنين متعلق بالظرف المستقر اعنى لكم الذي هو خبر او صفة ثانية لاسوة إِذْ قالُوا ظرف لخبر كان او خبر لكان لِقَوْمِهِمْ الكفار إِنَّا بُرَآؤُا جمع برىء كظريف وظرفاء مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام كَفَرْنا بِكُمْ الكفر بالحقيقة ضد الايمان لانه ستر الحق والنعمة لكن اطلق هاهنا للتبرى كما فى قوله تعالى ويوم القيامة يكفر بعضكم عن بعض وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ فينقلب العداوة والبغضاء الفة ومحبة إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ قال البيضاوي وغيره استثناء من قوله أسوة حسنة وفيه إشكال فان أسوة نكرة لا يتيقن دخول المستثنى فيه حتى يكون متصلا ولا عدم دخوله حتى يكون منقطعا نظيره قوله تعالى لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا فالاولى ان يقال انه استثناء من محذوف تقديره اتبعوا اقوال ابراهيم الا قوله لابيه لاستغفرن لك كذا قال صاحب البحر المواج وعندى انه استثناء من قوله فى ابراهيم بتقدير المضاف تقديره قد كانت لكم أسوة حسنة فى قول ابراهيم الا قوله لابيه لاستغفرن لك ولعل هذا هو المراد من كلام البيضاوي فان استغفاره لابيه الكافر لا ينبغى فيه التأسي والاتباع وانما كان ذلك قبل النهى لموعدة وعدها إياه وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ط هذا من تمام المستثنى ولا يلزم من استثناء المجموع استثناء كل جزء منه وكلمة من زائدة وشىء فى محل النصب على المفعولية لا ملك رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا فى محل النصب بتقدير

[سورة الممتحنة (60) : آية 5]

القول يعنى قال ابراهيم ومن معه ربنا عليك توكلنا وهو متصل بما قبل الاستثناء إذ هو امر من الله للمؤمنين تتميما لما وصّهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار تقديره قولوا ربنا عليك توكلنا وتركنا موالاة الكفار والاستنصار بهم وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ المرجع. رَبَّنا كرّ النداء بربنا لتاكيد المناجاة والاستعطاف لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعنى لا تسلطهم علينا فيعذبونا فيواخذونا بذلك فتكون فتنة لهم اى سببا لعذابهم وقال الزجاج يعنى لا تظهرهم علينا فيظنوا انهم على الحق وقال مجاهد لا تعذبنا بايديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم ذلك وَاغْفِرْ لَنا ما فرط منا فان المعاصي قد يكون سببا لتسليط الكفار على المؤمنين رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا يقدر أحد على إيصال الشر بمن يجيره ويتوكل عليه الْحَكِيمُ الحاكم العالم المقتدر على اجابة الدعاء. لَقَدْ كانَ لَكُمْ ايها المؤمنون فِيهِمْ اى فى ابراهيم ومن معه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تكرير لتاكيد الحث على التأسي ولذلك صدر بانفسهم لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ اى يرجوا لقاء الله وثوابه وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ط اى يرجوا إتيان يوم القيامة وقوله لمن كان بدل من لكم وفيه ايماء الى ان الايمان يقتضى التأسي به عليه السلام وتركه يوذن بسوء العقيدة ولذلك عقبه بقوله وَمَنْ يَتَوَلَّ عن تأسي الأنبياء ويوالى الكفار فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عن عبادة وعن تأسي رسله وعن كل شىء وانما منفعة التأسي بالأنبياء راجع الى المتاسى الْحَمِيدُ ع لاوليائه ولاهل طاعة قال البغوي قال مقاتل فلما امر الله تعالى بعداوة الكفار دعادى المؤمنون اقربائهم وأظهروا لهم العداوة والبراءة علم الله تعالى شدة وجد المؤمنين بذلك انزل الله بتسليتهم قوله. عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ يعنى كفار مكة مَوَدَّةً ط فانجز الله وعده قريبا فان الاية نزلت قبل الفتح كما ذكرنا وبعد الفتح اسلم كل من كان بمكة وصاروا اولياء الا من قتل منهم يوم الفتح كالحو يرث بن نفيد وغيره وسميناهم فى سورة النصر فان قيل كلمة الذين عاديتم عام تقتضى موالاة جميعهم وقد قتل منهم كافرا قلنا قد يطلق العام ويراد به الخاص مجازا ألم تسمع قولهم ما من عام إلا وقد خص منه البعض وقد يسند الفعل الى الكل مجازا لوجود المسند اليه فيهم كما فى قوله تعالى فكذبوه فعقروها وَاللَّهُ قَدِيرٌ ط على ذلك وعلى كل شىء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لما فرط من موالاتهم قبل النهى ولما بقي من قلوبهم من ميل الرحم اخرج البخاري عن اسماء بنت ابى بكر قالت أتتني أمي راغبة فسالت النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلها قال نعم

[سورة الممتحنة (60) : آية 8]

فانزل الله تعالى. لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ الاية واخرج احمد والبزاز والحاكم وصححه عن عبد الله بن الزبير قال قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها اسماء بنت ابى بكر وكان ابو بكر طلقها فى الجاهلية فقدمت بنتها بهدايا فابت اسماء ان تقبل منها او تدخلها منزلها حتى أرسلت الى عائشة ان سلى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبرته ان تقبل هداياها وتدخلها منزلها فانزل الله لا ينهكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ اى تكرموهم وتحسنوا إليهم قولا وفعلا بدل من الذين بدل اشتمال اى لاينهكم الله عن مبرتهم وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ط اى تقضوا إليهم القسط والعدل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وقال ابن عباس نزلت الاية فى خزاعة كانوا قد صالحوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ان لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا فرخص الله تعالى فى مبرهم ومن هاهنا يظهر انه يجوز دفع الصدقة النافلة الى الذمي وقد مر المسألة فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى ليس عليك هداهم ومن ثم امر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعطاء سارة مولاة ابى عمرو كما ذكرنا فى أول السورة والله اعلم. إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ وهم الرجال المشركون من اهل مكة بعضهم سعوا فى إخراج المؤمنين وبعضهم أعانوا المخرجين أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ج بدل من الموصول بدل اشتمال ومن هاهنا يظهران المنهي عنه انما هو موالاة اهل الحرب دون مبرتهم يشرط ان لا يضربا لمومنين وقد قال الله تعالى فى الأسارى من اهل الحرب امامنا بعد واما فداء والمن نوع من البر فعلى هذا يجوز دفع الصدقة النافلة لاهل الحرب ايضا ان لم يكن فى ذلك تقويتهم على الحرب وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الكبد الحارة اجر رواه البيهقي بسند صحيح فى شعب الايمان عن سراقة بن مالك وروى عنه احمد بسند صحيح وابن ماجة بلفظ فى كل ذات كبد حرى اجر وكذا روى احمد عن ابن عمر اما دفع الزكوة الى الكفار فلا يجوز اجماعا وسند الإجماع حديث معاذ وفيه قد فرض عليهم صدقة توخذ من أغنيائهم فترد الى فقرائهم وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ اى اهل الحرب فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ولا مفهوم لهذه الاية فانه لا يجوز موالاة اهل الذمة ايضا لعموم قوله تعالى لا تتخذوا عدوى وعدوكم اولياء وقوله تعالى لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء وقوله - صلى الله عليه وسلم - المرء مع من أحب والله تعالى اعلم روى البخاري وكذا مسلم عن عروة بن الزبير عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يخبر ان عن اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

[سورة الممتحنة (60) : آية 10]

انهم قالوا كان فيما اشترط سهيل بن عمر على النبي - صلى الله عليه وسلم - انه لا يأتيك منا أحد وان كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه فكره المؤمنون ذلك وابى سهيل الا ذلك فكاتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - فرده يومئذ أبا جندل الى سهيل بن عمرو لم يأته أحد من الرجال إلا رده فى تلك المدة وان كان مسلما وجاءت المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط ممن خرج الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ وهى عاتق فجاء أهلها يسئلون النبي - صلى الله عليه وسلم - ان يرجعها إليهم فلم يرجعها لما انزل الله فيهن. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ ج اى فاختبروهن بما غلب على ظنكم موافقة قلوبهن ألسنتهن فى الايمان فان الايمان صفة القلب ولا يعلم بما فى الصدور الا الله تعالى فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ علما يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالخلق وظهور الأمارات وسماه علما إيذانا بان الظن كالعلم فى وجواب العمل به فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى أزواجهن الْكُفَّارِ ط لانه لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ لحصول الفرقة بين الكافر والمسلمة وقد مر فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ انه يقع الفرقة بين المهاجرة وبين زوجها الكافر لمجرد الخروج من دار الحرب عند ابى حنيفة لاختلاف الدارين وعند الائمة الثلاثة بعد ثلث حيض من وقت إسلامه ان دخل بها والا فمن وقت إسلامها وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ط بتجديد النكاح لعدم جواز نكاح الكافر بالمسلمة وجاز ان يكون التكرير للتاكيد قال عروة فى الحديث السابق فاخبرتنى عائشة رض ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمتحنهن هذه الاية يا ايها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الى قوله غفور رحيم قال عروة قالت عائشة رض فمن أقرت بهذا الشرط منهن قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بايعناك كلاما يكلمها به والله ما مست يده يد امرأة قط فى المبايعة ما بايعهن الا بقوله وقال البغوي قال ابن عباس اقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتمرا حتى إذا كان بالحديبية صالحه مشركوا مكة على ان ما أتاه من اهل مكة رده إليهم ومن اتى اهل مكة من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يردوه اليه وكتبوا عليه كتابا وختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحارث الا سلميه مسلمة بعد الفراغ من الكتاب فاقبل زوجها مسافر من بنى مخزوم وقيل صيفى بن الراهب فى طلبها وكان كافرا فقال يا محمد اردد علىّ امراتى فانك قد شرطت ان ترد علينا من أتاك منا وهذا طينة الكتاب ولم تجف بعد فانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مهاجرات من دار الكفر الى دار الإسلام فامتحنوهن قال ابن عباس امتحانهن ان نستحلف ما خرجت لبغض زوجها ولا عشقا لرجل من المسلمين ولا رغبة عن ارض الى ارض ولا لحدث أحدثته ولا التماس

للدنيا ولاخرجت الا رغبة فى الإسلام وحبا لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - فاستحلفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك فحلفت فلم يردها واعطى زوجها مهرها وما أنفق عليها فتزوجها عمر وكان يرد من جاءه من الرجال ويحبس من جاءه من النساء بعد الامتحان ويعطى أزواجهن مهورهن واخرج الطبراني بسند ضعيف عن عبد الله بن ابى احمد قال هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط فى الهدنة فخرج أخواها عمارة والوليد بن عقبة حتى قد ما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلماه فى أم كلثوم ان يردها إليهم فنقض الله العهد بينه وبين المشركين فى النساء خاصة ومنع ان يردون الى المشركين فانزل الله اية الامتحان واخرج ابن ابى حاتم عن يزيد بن ابى حبيب انه بلغه انها نزلت فى اميمة بنت بشر او امرأة ابى حسان بن الدحداحة واخرج عن مقاتل ان امرأة تسمى سعيدة كانت تحت صيفى بن الراهب وهو مشرك جاءت زمن الهدنة فقالوا ردها علينا واخرج ابن جرير عن الزهري انها نزلت عليه وهو بأسفل الحديبية كان صالحهم انه من أتاه منهم رد إليهم فلما جاءت النساء نزلت هذه الاية وَآتُوهُمْ الضمير عايد الى الكفار والمراد أزواجهن ما أَنْفَقُوا عليهن يعنى المهور التي دفعوا إليهن وذلك لان الصلح كان جرى على ردهن فلما تعذر ردهن لو رود النهى عنه لزم رد مهورهن فلو راى الامام مصلحة على صلح مثل ما صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية وجب رد مهر مهاجرة جاءت من الكفار قال البغوي قال الزهري ولولا الهدنة والعهد الذي كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش يوم الحديبية لامسك النساء لم يرد الصداق وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد والله تعالى اعلم وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ايها المؤمنون أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ اى المهاجرات وان كان لهن ازواج فى دار الحرب لوقوع الفرقة بينهم وبينهن والاية تدل على عدم اشتراط مضى العدة كما هو فى مذهب ابى حنيفة رح خلافا لصاحبه إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ اى مهورهن شرط إيتاء المهر فى نكاحهن إيذانا بان اعطى أزواجهن الكفار لا يقوم مقام المهر اخرج ابن ابى منيع من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال اسلم عمر بن الخطاب وتأخرت امرأته فى المشركين فانزل الله تعالى وَلا تُمْسِكُوا قرأ ابو عمر ويعقوب بالتشديد من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال بِعِصَمِ جمع عصمة وهو ما اعتصم به من عقد الموالات والنكاح ونحو ذلك الْكَوافِرِ جمع الكافرة نهى الله سبحانه عن المقام على نكاح المشركات قال البغوي قال الزهري فلما نزلت هذه الاية طلق عمر بن الخطاب امرأتين بمكة مشركتين قرينة بنت ابى امية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن ابى سفيان وهما

[سورة الممتحنة (60) : آية 11]

على شركهما بمكة والاخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جردل الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها ابو جهيم بن حذافة ابن غانم وهما على شركهما وكانت اروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب تحت طلحة بن عبيد الله فهاجر طلحة وهى على دين قومها ففرق الإسلام بينهما فتزوجها فى الإسلام خالد بن سعد بن العاص بن امية قال الشعبي وكانت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة ابى العاص بن الربيع أسلمت ولحقت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واقام ابو العاص بمكة مشركا ثم اتى المدينة واسلم فردها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَسْئَلُوا ايها المسلمون ما أَنْفَقْتُمْ من مهر امرأة منكم لحقت بالمشركين مرتدة إذا منعوها ممن تزوجها منهم وَلْيَسْئَلُوا اى الكفار من مهور أزواجهم المهاجرات ما أَنْفَقُوا ط ممن تزوجها منكم ذلِكُمْ اى جميع ما ذكر فى الاية حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ استيناف او حال من الحكم على حذف الضمير او جعل الحكم حاكما على المبالغة والضمير فى يحكم عايد اليه وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يشرع ما يعلم خيرا لكم وما تقتضيه الحكمة قال البغوي فى قول الزهري فلما نزلت هذه الاية أقر المؤمنون بحكم الله عز وجل وادوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم وابى المشركون ان يقروا بحكم الله فبما أمروا من أداء نفقات المسلمين فانزل الله. وَإِنْ فاتَكُمْ اى ان سبقكم وانفلت منكم شَيْءٌ اى أحد مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فلحقت بهم مرتدة وإيقاع شىء موقع أحد للتحقير والمبالغة فى التعميم او المعنى شىء من مهور أزواجكم الى الكفار فلم يودوها اخرج ابن ابى حاتم عن الحسن قال نزلت هذه الاية فى أم الحكم بنت ابى سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفى ولم ترتد امرأة من قريش غيرها فَعاقَبْتُمْ قال البغوي قال المفسرون معناه غنمتم فاصبتم من الكفار عقبى وهى الغنيمة وقيل معناه ظفرتم وكانت العاقبة لكم وقيل معناه اجتمعوهم فى القتال بعقوبة حتى غنمتم فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مرتدات الى الكفار منكم من الغنائم التي صارت فى ايديكم من الكفار مِثْلَ ما أَنْفَقُوا اى مثل ما أنفق المؤمنون الذين ذهب أزواجهم مرتدات عليهن قال البغوي روى ابن عباس انه قال لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة رجعن الى الإسلام فاعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزواجهن مهورهن من الغنيمة أم الحكم بنت ابى سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري وفاطمة بنت ابى امية بن المغيرة اخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب فلما أراد عمر ان يهاجر أبت وارتدت وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان وعزة بنت عبد العزى بن فضلة وتزوجها عمر بن عبد ود وهندة بنت ابى جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل وأم كلثوم بنت خردل كانت تحت

[سورة الممتحنة (60) : آية 12]

عمر بن الخطاب وقال البيضاوي وفى تفسير الاية فعاقبتم اى فجاءت عقبتكم اى نوبتكم لاداء المهر شبه الحكم بأداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء اخرى بامر يتعاقبون فيه كما يتعاقب فى الركوب وغيره فاتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من المهر المهاجرة ولا توتوا زوجها الكافر قلت والصحيح هو التفسير الاول قال البغوي اختلف القول فى ان أداء مهر من أسلمت أزواجهن هل كان واجبا او مندوبا وأصله ان الصلح هل كان وقع على رد النساء اولا فيه قولان أحدهما انه وقع على رد الرجال والنساء جميعا لما روى انه لا يأتيك منا أحد إلا رددته ثم صار الحكم فى رد النساء منسوخا بقوله تعالى فلا ترجعوهن الى الكفار فعلى هذا كان رد المهر واجبا عوضا عن المرأة ثانيهما ان الصلح لم يقع على رد النساء لما روى انه لا يأتيك منا رجل وان كان على دينك إلا رددته ذلك لان الرجل لا يخشى عليه من الفتنة فى الرد ما يخشى على المرأة من إصابة المشرك إياها وانه لا يؤمن عليها الردة إذا خوفت وأكرهت عليها لضعف قلبها وقلة هدايتها الى المخرج فيه بإظهار كلمة الكفر تقية مع إخفاء الايمان فعلى هذا كان الرد مندوبا قلت والظاهر ان الصلح على رد الرجال والنساء جميعا ومن ثم إذا هاجرت نساء مؤمنات نزل قوله تعالى لا ترجعوهن الى الكفار ولولا ذلك فلم يكن وجه لارجاعهن الى الكفار ولا لنزول الحكم وان رد المهر كان واجبا كما يدل عليه صيغ الأمر وقوله تعالى ذلك حكم الله الاية وقوله تعالى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ فان الايمان يقتضى إتيان ما امر الله به فان قيل فعلى هذا يلزم نقض العهد وهو حرام وقلنا نسخت حرمة نقض العهد فى مادة مخصوصة بقوله تعالى لا ترجعوهن الى الكفار او تقول هذا من قبيل نبذ العهد على السؤال قال البغوي واختلفوا فى انه هل يجب العمل به اليوم فى رد المهور إذا شرط رد النساء فى معاقدة الكفار فقال يوم لا يجب وزعموا ان الاية منسوخة وهو قول عطاء ومجاهد وقتادة قلت لا وجه لهذا القول ما لم يثبت بهذا الحكم ناسخ مثله فى القوة وقال قوم غير منسوخة ويرد إليهم ما أنفقوا. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ حال من المؤمنات عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً متعلق بيبايعنك وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ على عادة الجاهلية فانهم كانوا يوادون البنات وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ اى بكذب يبهت السامع يَفْتَرِينَهُ اى يختلقته بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ يعنى لا يكون له مصداق تختلقه من عند أنفسها قبل قيد بهذا توبيخا وتخويفا بان الأيدي والأرجل يشهدون يوم القيامة بما صدر من اللسان من المعاصي

فلا تفترين بين الشهود قيل المراد به ان تلتقط ولدا وتقول لزوجها هذا ولدي منك فهو البهتان بين الأيدي والأرجل لان الولد تحمله أمها فى بطنها بين يديها وتضعه من فرجها بين رجليها وصفه بصفة الولد الحقيقي واللفظ يعم كل بهتان وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ يعنى فى إتيان حسنة فامرهن بها او لانتهاء عن سيئة تنهاهن والتقييد بالمعروف مع ان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر بالمعروف تنبيها على انه لا يجوز طاعة المخلوق فى معصية الخالق قال مجاهد المراد بالمعروف ان لا يخلو المرأة بالرجال وقال سعيد بن المسيب والكلبي وعبد الرحمان بن زيد هو النهى عن النوح والدعاء بالويل وتحريق الثياب وحلق الشعر ونتفه وخمش الوجه عند المصيبة ولا تحدث المرأة الرجال الا ذا محرم ولا تخلوا برجل غير ذى محرم ولا تسافر الا مع ذى محرم واخرج ابن الجرير والترمذي وحسنه وابن ماجة عن أم سلمة ولا يعصينك فى معروف قال النوح روى البخاري عن أم عطية قالت بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ علينا لا تشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة يدها فقالت أسعدتني فلانة أريد ان اجزيها فما قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا فانطلقت ورجعت وبايعها وروى مسلم عن ابى مالك الأشعري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اربع من أمتي من امر الجاهلية لا يتركونهن الفخر فى الاحساب والطعن فى الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال النياحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال قطران ودرع من جرب وفى الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعى بدعاء الجاهلية وروى ابو داود عن ابى سعيد الخدري قال لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النائحة والمستمعة فَبايِعْهُنَّ بضمان الثواب على الوفاء بهذه الشروط جزاء لقوله إذا جاءك المؤمنات وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ عما مضى إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يمحق ما سلف من العبد عصيانه رَحِيمٌ يوفق فيما يأتي روى البخاري عن عائشة قالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع النساء بالكلام بهذه الاية لا يشركن بالله شيئا قالت وما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة الا امرأة يملكها وروى البغوي بسنده عن محمد بن المنكدر انه سمع اميمة بنت رقيقة تقول بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى نسوة فقال فيما استطعتن واطقتن فقلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارحم بنا من أنفسنا قلت يا رسول الله صافحنا فقال انى لا أصافح النساء انما قولى لامرأة كقوله لمائة امرأة قيل نزلت هذه الاية يوم الفتح وليس كك لما ذكرنا فى تفسير اية الامتحان حديث عائشة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمتحنهن

[سورة الممتحنة (60) : آية 13]

بهذه الاية يا ايها النبي إذا جاءك المؤمنات الى قوله غفور رحيم واية الامتحان قد نزلت بعد صلح الحديبية ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة فرغ من بيعة الرجال وهو على الصفاء بايع النساء وعمر بن الخطاب أسفل منه وهو يبايع النساء بامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبلغهن عنه وهند بنت عتبة امرأة ابى سفيان مقنعة متنكرة مع النساء خوفا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان يعرفها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبايعكن على ان تشركن بالله شيئا فرفعت هند راسها فقالت والله انك لتاخذ امرا ما رايناك أخذته على الرجال وبايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يسرقن فقالت هند ان أبا سفيان رجل شحيح وانى أصبت من ماله هناة فلا أدرى أتحل لى أم لا فقال ابو سفيان ما أصبت من شىء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها وانك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك فقال ولا تزنين فقالت هند او تزنى الحرة فقال ولا تقتلن أولادهن فقالت هند ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا فانتم وهم اعلم وكان ابنها حنظلة بن ابى سفيان قد قتل يوم بدر فضحك فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ولا تأتين ببهتان يغترينه بين أيديهن وأرجلهن فقالت هند والله ان البهتان قبيح وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الأخلاق فقال ولا يعصينك فى معروف قالت هند ما جلنا مجلسنا هذا ولى أنفسنا ان تعصينك فى شىء فاقر النسوة بما أخذ عليهن وانما خصت النساء فى البيعة بهذا التفصيل مع ان بيعة الرجال على الإسلام يشتمل انقياد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى جميع ما امر به لضعف عقلهن وقلة تفقههن لاستنباط التفصيل من الإجمال ولكثرة وقوع الأمور المذكورة من النساء الا ترى الى كثير من النساء المسلمات يعتقدن ما يستلزم الشرك ويسرقن كثيرا من اموال الأزواج ويقتلن أولادهن بالواد والزنا من النساء أقبح من الرجال غالبا لان فيه تفويت حق الزوج مع حق الله تعالى ونسبة أولاد الغير الى أزواجهن وايراثهن إياهم اموال الأزواج وانهن تأتين كثيرا بالبهتان والكذب ويكثرن اللعن ويكفرن العشير ويكثرن النياحة الدعاء بالويل وضرب الخدود وشق الجيوب ونحو ذلك مالا يفعله الرجال غالبا فلذا خصهن بتفصيل هذه الشروط كما خص الرجال بشرط الجهاد الذي يختص به والله تعالى اعلم اخرج ابن المنذر من طريق ابن إسحاق عن محمد عن عكرمة او سعيد عن ابن عباس قال كان عبد الله بن عمرو زيد بن الحارث يوادون رجالا من يهود فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعنى اليهود كما يدل عليه

قول ابن عباس المذكور وكذا قال البغوي ان ناسا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود اخبار المسلمين يتواصلونهم فيصيبون من ثمارهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك وقيل المراد به عامة الكفار قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ ان كان المراد بهم اليهود فهم ليعلمهم يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا حقا مؤيدا بالمعجزات مكتوبا عندهم فى التورية وكفرهم به - صلى الله عليه وسلم - عنادا وحسدا بتسلط الشيطان وما كتب الله عليهم الشقاوة يئسوا من نعماء الاخرة وعلموا يقينا انه لا حظ لهم فى الاخرة مع اعتقادهم بالاخرة ونعمائها فما أصبرهم على النار أعوذ بالله منها وان كان المراد به عامة الكفار فهم يئسوا من الاخرة بعدم ايمانهم بالغيب والثواب والعذاب كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ اى المشركين مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ ان يبعثوا ويثابوا او ينالهم خيرا بينهم وعلى تقدير كون المراد بقوم غضب الله عليهم عامة الكفار وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ان الكفرا يسهم فالجار والمجرور ظرف لغو متعلق بيئس وقيل هو ظرف مستقر بيان للكفار حال منه والمعنى كما يئس الكفار الذين صاروا فى القبور من ان يكون لهم حظ وثواب فى الاخرة كذلك يئس اليهود من الاخرة حيا فى الدنيا كذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والله تعالى اعلم.

سورة الصف

سورة الصّف مدنيّة وهى اربع عشرة اية وفيها ركوعان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عبد الله بن سلام قال قعدنا نفرا من اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشداكرنا فقلنا لو نعلم اى الأعمال أحب الى الله لعلمناه فانزل الله تعالى سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ قرأها علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ختمها واخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه وذكر البغوي قول المفسرين ان المؤمنين قالوا لو علمنا أحب الأعمال الى الله عز وجل لعملنا وبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فانزل الله تعالى ان الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا فابتلوا بذلك يوم أحد فولوا مدبرين فانزل الله تعالى لم تقولون ما لا تفعلون واخرج ابن جرير عن ابى صالح قال قالوا لو كنا نعلم اى الأعمال أحب الى الله وأفضل لعملنا فنزلت يايّها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة الاية فكرهوا الجهاد فنزلت يايّها الذين لم تقولون ما لا تفعلون واخرج ابن ابى حاتم من طريق على عن عباس نحوه واخرج ابن ابى حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس وابن جرير عن الضحاك قال أنزلت لم تقولون مالا تفعلون فى الرجل فى القتال ما لا يفعله من الضرب والطعن والقتل واخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل انها نزلت فى قوليهم يوم أحد وقال محمد بن كعب لما اخبر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - ثواب شهداء بدر قالت الصحابة لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا خفروا يوم أحد فعيرهم الله بهذه الاية وقال ابن زيد نزلت فى المنافقين كانوا يعدون النصر للمومنين وهم كاذبون. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ المقت أشد الغضب ونصبه على التميز من نسبة كبر الى فاعله وهو ان تقولوا وفيه دلالة على ان قولهم هذا مقت خالص كبير عند الله الذي يحقر دونه كل عظيم مبالغة فى المنع من ان يقولوا كذبا ما لا يفعلوه او يعدوا شيئا ثم لا يفوابه. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا اى مصطفين مصدر بمعنى الفاعل او وصف به مبالغة وجاز ان يكون صفا مصدر بفعل محذوف والجملة حال من فاعل يقاتلون تقديره يصفون فى أنفسهم صفا لا يزالون فى القتال عن أماكنهم كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ فى تراصهم من غير فرجة وبلا تحرك للفرار حال من المستكن فى الحال الاول والرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه. وَاذكر إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ بنى إسرائيل يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي

[سورة الصف (61) : آية 6]

بالعصيان والرمي بالادرة وهى نفخة فى الخصيتين وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ بما جئتكم بالمعجزات وانجيتكم من اهل فرعون يسومونكم سوء العذاب وجاوزت بكم البحر والعلم بالنبوة يوجب التعظيم ويمنع الإيذاء فَلَمَّا زاغُوا اى عدلوا عن الحق ولم يمتنعوا عن الإيذاء أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ صرفها عن قبول الحق والميل الى الصواب وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ هداية موصولة الى معرفة الحق او الجنة قال الزجاج لا يهدى من سبق فى علمه انه فاسق. وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ لعله لم يقل يا قوم كما قال موسى لانه لا نسب له فيهم إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ اى من قبلى مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسكن الياء ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي وفتحها الباقون ومصدقا ومبشرا حالان من ضمير انى رسول الله والعامل فيهما وفى الرسول من معنى الإرسال لا الجار والمجرور فانه ظرف لغوصلة للرسول فلا يعمل اسْمُهُ أَحْمَدُ وهو أحد اسمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افعل من الحمد يعنى اكثر حامدية لله تعالى من غيره والأنبياء كلهم حمادون واكثر محمودية من غيره من المخلوقات والأنبياء كلهم محمودون موصوفون بالخصال الحميدة وهو - صلى الله عليه وسلم - اكثر مناقبا واجمع فضايلا ومحاسنا بها يستحق الحمد من غيره قال المجدد اسمه - صلى الله عليه وسلم - أحمد له خصوصية بنشإ الروحانية ولذلك سماه عيسى بذلك الاسم قبل نشاء العنصرية بالجسمانية واسمه عليه السلام محمد له خصوصية بنشاء الجسمانية وله ولايتان ولاية محمدية وهى المحبوبية الممتزجة بالمحبة وولاية احمدية وهى المحبوبية الخالصة فعلى هذا الاولى ان يقال اشتقاه من المحمودية والله تعالى اعلم ذكر عيسى عليه السلام تصديقه بالأنبياء حتى يكون دليلا على صدق دعواة الرسالة فان الحق يطابق الحق والأنبياء شهداء بعضهم لبعض فذاك أول الكتب المشهورة الذي حكم به النبيون والنبي الذي هو خاتم المرسلين الذي بشر به الأنبياء كلهم والتورية وغيرها من الكتب السماوية فَلَمَّا جاءَهُمْ عيسى او احمد - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَيِّناتِ المعجزات الظاهرة من احياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وبالقران المعجز الباقي بمعنى الدهور والأزمان وشق القمر وغير ذلك ما لا يحصى والظرف متعلق بقوله تعالى قالُوا يعنى كفار بنى إسرائيل او كفار قريش وغيرهم هذا سِحْرٌ قرأ حمزة ساحر اشارة الى عيسى او محمد - صلى الله عليه وسلم - وقرأ الباقون سحر اشارة الى ما جاء به المعجزات مُبِينٌ ظاهر. وَمَنْ يعنى لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ نسبة الشريك والولد اليه وبان قالوا

[سورة الصف (61) : آية 8]

ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ او قالوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ او قال شريعة موسى شريعة موبدة الى يوم القيمة وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ الظاهر حقيقه المقتضى له خير الدارين فيضع موضع الاجابة الافتراء على الله ويكذب رسله ويسمى آياته سحرا حال من فاعل افترى وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يعنى من كان فى علمه القديم ظالما فالله لا يرشده الحق والى ما فيه فلاحه. يُرِيدُونَ حال للقوم الظالمين او استيناف فى جواب قايل يقول ما شانهم لِيُطْفِؤُا ان يطفؤا واللام مزيدة لما فيه من معنى الارادة كما زيدت فى لا أبا لك لما فيه من معنى الاضافة او للتعليل والمفعول به محذوف اى يريدون الافتراء ليطفؤا نُورَ اللَّهِ اى دينه بِأَفْواهِهِمْ اى بمقالاتهم الكاذبة المفتراة كمن يريد ان يطفئ نور الشمس والقمر يطفه بفيه ففيه اشارة الى تمثيل لطيف وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ اى مبلغ غايته بنشره واعلائه قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص بالاضافة والباقون بالتنوين والنصب وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ كلمة لو متصلة للتسوية والجملة حال اى مستويا كراهة المشركين وعدمها يعنى انه تعالى لا يبالى فى إعلاء دينه كراهة المشركين. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ، محمدا - صلى الله عليه وسلم - بِالْهُدى اى بما يهتدى به الناس الى الحق من القران والمعجزات الباهرة وَدِينِ الْحَقِّ اى دين الله وهو الملة الحنيفة البيضاء لِيُظْهِرَهُ بالسيف والحجة عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ اى جميع الأديان وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ قد مر نظيره. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ قرأ ابن عامر بالتشديد من التفصيل للتكثير والباقون مخففا من الافعال مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ كما ان تجارة الدنيا تنجى من الفقر وعذاب الجوع ونحو ذلك اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال لما نزلت يايّها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم قال المسلمون لو علمنا ما هذه التجارة لاعطينا فيها الأموال والأهلين فنزل قوله تعالى. تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ بيان للتجارة يعنى هى الجمع بين الايمان وبين المجاهدة بالأموال والأنفس سمى تجارة لان فيه مبادلة الأموال والا نفس بنعيم الاخرة ورضوان الله ومبادلة الأهواء يعنى العقائد الباطلة بالعلوم الحقة المكنى عنها بالايمان وفيه مرابحة صريحة او رد لفظ الخبر والمراد به الأمر إيذانا بان هذا الشيء لا يترك واشعارا بمدح الصحابة بانهم معتادون بذاك ذلِكُمْ الجمع بين الايمان والمجاهدة خَيْرٌ لَكُمْ من الأهواء والأنفس والأموال إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شرط مستغن عن الجزاء بما مضى ان كنتم تعلمون كونه خيرا فاتوا به ولا تتركوه

[سورة الصف (61) : آية 12]

والمعنى ان كنتم تعلمون انه خير لكم كان حينئذ خيرا لكم حيث تحبون الايمان والجهاد وفوق كل شىء. يَغْفِرْ لَكُمْ اى الله سبحانه ذُنُوبَكُمْ جواب للامر المدلول عليه بقوله تؤمنون وتجاهدون تقديره ان تؤمنوا وتجاهدوا يغفر لكم او للاستفهام المدلول عليه للاستفهام المذكور تقديره هل تقبلون ان أدلكم ان تقبلوا يغفر لكم ولا يجوز ان يكون جوابا لهل أدلكم لان مجرد الدلالة لا يوجب المغفرة الا ان يقال ان الدلالة سبب للعمل والعمل يوجب المغفرة فقد رتب المسبب على سبب السبب إيذانا بقوة سببية دلالته وإرشاده - صلى الله عليه وسلم - للاهتداء بقوة تأثير نفسه الشريفة ووضوح امره بحيث لا يضل بعدها الا من هو أشقى الناس فى علم الله تعالى وأخبث الاستعداد وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً عطف الجزء على الكل فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ اى استقرار وثبات يقال عدن بمكان كذا اى استقر ومنه المعدن المستقر للجوهر قال القرطبي قيل الجنات سبع دار الحلال ودار السلام ودار الخلد وجنة عدن وجنة المأوى وجنة نعيم وجنة الفردوس وقيل اربع فقط كما يدل عليه قوله تعالى وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ... وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ وفى الصحيحين عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنتان من فضة أبنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب أبنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن والاربعة كلها يوصف بالمأوى والخلد والعدن والسلام وهذا ما اختاره الحكيم اخرج ابو الشيخ فى كتاب العظمة عن ابن عمر قال خلق الله تبارك وتعالى أربعا بيده العرش وعدن والقلم وآدم ثم قال لكل شىء كن فكان واخرج ابن المبارك والطبراني وابو الشيخ والبيهقي عن عمران بن حصين وابى هريرة قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الاية وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ قال قصر من اللؤلؤ فى ذلك القصر دارا من ياقوت حمراء فى كل دار سبعون بيتا من زمرد خضراء فى كل بيت سرير على كل سرير سبعون لو نأمن الطعام فى كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة ويعطى المؤمن فى كل غداة من القوة ما يأتي على ذلك كله اجمع ذلِكَ المغفرة وإدخال الجنة الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يستحقر بالنسبة اليه كل فوز. وَأُخْرى مرفوع على الابتداء والخبر محذوف اى ذلكم نعمة عاجلة او منصوب بإضمار يعطيكم او تحبون او مجرور عطف على تجارة يعنى هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ وتجارة اخرى تُحِبُّونَها صفة لاخرى وفيه تعريض ان الناس يوثرون العاجل على الاجل نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ عاجل يعنى النصرة على قريش وفتح مكة او فتح خيبر وقال عطاء يريد فتح فارس والروم قلت والظاهر

[سورة الصف (61) : آية 14]

ان المراد جنس النصرة والفتح فانهما يترتبان على السعى والمجاهدة من العبد قال الله تعالى ولينصرن الله من ينصره فان كان اخرى مرفوعا على الابتداء والخبر محذوف فقوله نصر وفتح بدل او بيان وجاز ان يكون اخرى مبتداء وهذا خبره وعلى قول النصب والخبر هذا خبر مبتداء محذوف اى هى نصر وفتح والجملة صفة لاخرى او استيناف وَبَشِّرِ ايها الرسول الْمُؤْمِنِينَ بما وعدهم عليها عاجلا واحدا عطف على محذوف تقديره قل يا محمد يايّها الذين أمنوا هل أدلكم وبشرهم او على تؤمنون فانه فى معنى الأمر كانه قال أمنوا وجاهدوا ايها المؤمنون وبشرهم ايها الرسول. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ اى أنصار دينه قرأ الكوفيون وابن عامر بالاضافة والحجازيون وابو عمرو بالتنوين ولام فى لله على ان المعنى كونوا بعض أنصار الله كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ تشبيه باعتبار المعنى والمراد قل يا محمد يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى او كونوا أنصار الله كما كان الحواريون حين قال عيسى ابن مريم لِلْحَوارِيِّينَ قد مر تحقيق الحواريين فى سورة ال عمران مَنْ أَنْصارِي فتح الياء نافع وأسكنها الباقون اى جندى متوجها إِلَى اللَّهِ اى الى نصر دينه قالَ الْحَوارِيُّونَ وهم أول من أمن به وكانوا اثنا عشر رجلا كما مر هناك نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ اضافة الأنصار الى عيسى اضافة أحد المتشاركين الى الاخرى لما بينهما من الاختصاص والاضافة الى الله اى الى دينه اضافة الفاعل الى المفعول فَآمَنَتْ بعيسى طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ اسبقهم الى الايمان الحواريون وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ معهم فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا بالحجة او بالحرب عَلى عَدُوِّهِمْ بعد رفع عيسى عليه السلام فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ غالبين قال البغوي قال ابن عباس لما رفع عيسى تفرق قومه ثلث فرق فرقة قالوا كان الله فارتفع وفرقة قالوا كان ابن الله فرفعه الله وفرقة قالوا كان عبد الله ورسوله فرفعه اليه واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا وظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة وذلك قوله تعالى فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا قال وروى المغيرة عن ابراهيم قال أصبحت حجة من أمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد - صلى الله عليه وسلم - ان عيسى كلمة الله وروحه قلت لكن عطف قوله تعالى فَآمَنَتْ وقوله تعالى فَأَيَّدْنَا وفَأَصْبَحُوا على قوله قال الحواريون بكلمة الفاء التي للتعقيب بلا تراخ يدل على ان بعضهم كفر من بعض وتأيده الله تعالى للمؤمنين وظهورهم على الكافرين بعد قول الحواريين ذلك بلا مهلة والله تعالى اعلم.

سورة الجمعة

سورة الجمعة مدنية وهى احدى عشرة اية وفيها ركوعان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ المنزه عما لا يليق الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ فى ملكه وصنعه فان كل شىء يدل على وجوده وينزهه عما لا يليق بشانه وايضا كل شىء وان كان جمادا فله نوع من الحيوة والشعور فيقر بوحدانيته ويسبحه ولكن لا تفقهون تسبيحهم. هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ يعنى العرب كان أكثرهم لا يكتبون ولا يقرون رَسُولًا مِنْهُمْ اى من جملتهم اميا مثلهم يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ تعالى مع كونه أميا لم يعهد منه قراءة ولا تعلما وَيُزَكِّيهِمْ يظهرهم من الشرك والخبائث وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ المعجز البليغ الذي لو اجتمع الانس والجن على ان يأتون بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وَالْحِكْمَةَ الشريعة الحكمة المطابقة بشرائع الأنبياء فى الأصول المشهود عليها بالكتب السماوية بالقبول وَإِنْ كانُوا يعنى وانهم يعنى العرب كانوا مِنْ قَبْلُ بعثته - صلى الله عليه وسلم - لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ظاهر بطلانه حيث يعهدون الحجارة ويأكلون الجيفة ويقولون ويعتقدون مالا يقبل العقل والنقل. وَآخَرِينَ عطف على الضمير المنصوب فى يعلمهم اى ويعلم اما؟؟؟ آخرين مِنْهُمْ اى كائنين من جنس الأولين حيث يدينون بدينهم ويسلكون على طريقهم قال عكرمة ومقاتل هم التابعون وقال ابن زيدهم جميع من دخل فى الإسلام الى يوم القيمة وهى رواية ابن نجيح عن مجاهد وقال عمرو بن سعيد بن جبير وليث عن مجاهدهم العجم لحديث ابى هريرة قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال رجل من هؤلاء يا رسول الله فلم يراجعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سال مرتين او ثلاثا قال فينا سلمان الفارسي قال فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على سلمان ثم قال لو كان الايمان عند الثريا لنا له رجال من هؤلاء متفق عليه وفى رواية عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان الدين عند الثريا لذهب اليه رجل او قال رجال من أبناء فارس حتى يتناولوه قلت هذا الحديث يدل على فضل رجال من العجم وانهم ممن أريد بهذه الاية ولا دليل على نفى خيرهم على ما يدل عليه عموم الاية ولعل المراد لقوله - صلى الله عليه وسلم - رجال من هؤلاء أبناء فارس أكابر النقشبندية فانهم من ال بخارا وسمرقند ونحو ذلك وهم منتسبون فى الطريقة

[سورة الجمعة (62) : آية 4]

الى سلمان الفارسي فانهم ينتسبون الى جعفر الصادق عن القاسم بن محمد عن سلمان عن أبى بكر الصديق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ اى لم يدركوهم ولكنهم يكونون بعدهم وقيل لما يلحقوا بهم فى الفضل والثواب لان التابعين ومن بعدهم لا يدركون فضل الصحابة حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه متفق عليه من حديث ابى سعيد ويرد على هذا التأويل ان المراد لو كان كذلك لورد بصيغة المضارع اى لا يلحقوا بهم فى المستقبل من الزمان دون الماضي فان لما يقتضى نفى اللحوق فى لماضى والتوقع فى المستقبل الا ان يقال الإيراد بصيغة الماضي للدلالة على تحقيق وجودهم ونفى للحوق المستفاد من كلمة لا نظرا الى الأكثر وتوقع اللحوق نظرا الى بعض من يأتي بعدهم ولو بعد الف سنة فكانه اشارة الى المجدد الف ثانى وكمل خلفائه فانهم بلغوا بكمال متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ووراثته تبعا وطفيلا أقصى كمالاته واكتسبوا كمالات النبوة والرسالة واولى العزم والخلة والمحبة والمحبوبية التي لم يتحقق بعد الصدر الاول فاشتبهوا بالصحابة فصار مثل لامة المرهومة كمثل المطر لا يدرى اوله خيرا وآخره كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى اوله خير او آخره او كحديقة اطعم فوج منها عاما ونوج منها عاما لعل آخرها فوجا هى اعرضها عرضا وأعمقها عمقا وأحسنها حسنا رواه رزين وَهُوَ الْعَزِيزُ فى تمكينه رجلا اميا من ذلك الأمر العظيم الخارق للعادة وتائيده عليه الْحَكِيمُ فى اختياره وإياه من بين كافة البشر وتعليمه. ذلِكَ اى بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - وتعليمه وتزكية الضالين فَضْلُ اللَّهِ على محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث اصطفاه وجعله هاديا وعلى من اتبعه حيث هداهم وزكّهم به عليه السلام يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ عطائه ويقتضيه حكمته وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الذي يستحقر دونه كل نعمة. مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ علموها وكلفوا بالعمل بها ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها اى لم يعملوا بما فيها ولم ينتفعوا بها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً كتبا من العلم يتعب فى حملها ولا ينتفع بها وجملة يحمل حال من الحمار والعامل فيه معنى المثل او صفة له إذ ليس المراد الحمار المعين نظيره ولقد امر على اللئيم يسبنى وهكذا كل عالم لا يعمل بعلمه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم انى أعوذ بك من علم لا ينفع رواه بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وهم اليهود كذبوا بالقران وبايات التوراة الدالة على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - والمخصوص بالذم محذوف اى بئس مثل القوم المكذبين مثلهم او هو

[سورة الجمعة (62) : آية 6]

الموصول بحذف المضاف اى بئس مثل القوم مثل الذين كذبوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ اى وقت اختيارهم الظلم او لا يهدى من سبق فى علمه انه يكون ظالما. قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا اى تهودوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ فانهم كانوا يقولون نحن اولياء الله وأحباءه مِنْ دُونِ النَّاسِ يعنى محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ اى ادعوه من دون الله تعالى على أنفسكم حتى تنقلوا من دار البلية الى دار الكرامة فان الموت جسر توصل الحبيب الى الحبيب إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى زعمكم فتمنوه وقد ذكرنا مسئلة جواز تمنى الموت وعدمه فى صورة البقر فى مثل هذه الاية. وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فانهم يعلمون علما يقينا انهم استحقوا النار الكبرى بسبب ما قدموا من الكفر والمعاصي وتحريف آيات التورية الناطقة ببعث محمد - صلى الله عليه وسلم - فكيف يتمنون الموت الموصلة الى النار فانهم احرص الناس على حيوة يود أحدهم لو يعمر الف سنة وأشد خوفا وفرارا من الموت وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ فيجازيهم على ما قدموا. قُلْ يا محمد إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ ايها اليهود اى تخافون أشد المخافة من ان يصيبكم فتوخذوا بأعمالكم ولا تجزون على تمنيه فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ لا حق بكم لا محالة لا ينفعكم الفرار منه الجملة خبر ان ذكر الله سبحانه ان الموكدة فى الجملة مكررا لكمال التأكيد نظرا الى كمال إصرارهم على الكفر والمعاصي الذي كانه هو الدليل على شدة انكارهم الموت والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف كانه فرارهم يسرع لحوقه بهم فكانه سبب اللحوق وذلك ان الفرار من الموت موجب للغفلة عنه وفى الغفلة لا يظهر طول البقاء فى الدنيا ويظهر كانه الموت جاء سريعا ومن كان ذكر الموت مشتاقا له يشق عليه البقاء فى الدنيا وينتظر الموت غالبا فيظهر عليه طول الحيوة وبعد الموت لشدة اشتياقه وجاز ان يكون الخبر محذوفا والفاء للتعليل والتقدير ان الموت الذي تفرون منه لا ينفعكم الفرار منه فانه اى لانه ملقيكم البتة وحينئذ لا يلزم تكرار ان على حكم واحد وجاز ان يكون الموصول خبرا لان الفاء عاطفة يعطف على الخبر او على الجملة ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيجازيكم عليه. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ اى إذا اذن مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بيان لاذا وقيل من هاهنا بمعنى فى كما فى قوله تعالى أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ اى فى الأرض اختلف العلماء فى تسمية هذا اليوم بالجمعة

مع الاتفاق على انه كان يسمى فى الجاهلية بالعروبة معناه اليوم البين المعظم من أعرب إذا بين قيل أول من سماه جمعة كعب بن لوى وهو أول من قال اما بعد كانت تجمع اليه قريش فى هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعلمهم بانه من مولده ويأمرهم باتباعه والايمان به وينشد فى ذلك أبياتا منها قوله يا ليتنى شاهدا نجواء دعوته إذا قريش تبتغى الحق خذلانا وكان بنو اسمعيل يورخون ببناء الكعبة فلما مات كعب بن لوى ارخ الناس من موته حتى كان عام الفيل وهو مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - فارخ الناس منه الى ان هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان بين موت كعب ومبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة وستون سنة كذا فى شرح خلاصة السير وقيل سمى بالجمعة لان الخلائق يجمع فيه كذا ذكر ابو حذيفة البخاري فى المبتدا عن ابن عباس واسناده ضعيف وقيل لانه جمع فيه خلق آدم عليه السلام روى احمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان عن سلمان رض ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أتدري ما يوم الجمعة قلت الله ورسوله اعلم قالها ثلث مرأة قال فى الثالثة هو اليوم الذي جمع فيه أبوكم الحديث وله شاهد عن ابى هريرة رواه ابن ابى حاتم موقوفا بإسناد قوى واحمد موقوفا بإسناد ضعيف قال الحافظ ابن حجر وهذا أصح ويليه ما رواه عبد الرزاق عن ابن سيرين بإسناد صحيح اليه فى قصة اجتماع الأنصار مع اسعد بن زرارة رض وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة صلى بهم وذكرهم فسموه يوم الجمعة وذلك قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل كان ذلك بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه الدار قطنى عن ابن عباس رض قال اذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان يجمع فكتب الى مصعب بن عمير رض اما بعد فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسنتهم فاجمعوا فيه نساءكم وابناءكم فاذا مال النهار عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا الى الله بركعتين قال أول من جمع مصعب حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفى سنده احمد بن محمد بن غالب الباهلي وهو متهم بالوضع قال الزهري والمعروف فى هذا المتن الإرسال وقيل كان ذلك باجتهاد الصحابة روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال جمع اهل المدينة قبل ان يقدمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل ان ينزل الجمعة فقالت الأنصار ان لليهود يوما يجمعون فيه كل سبعة ايام وللنصارى مثل ذلك فهلم فلنجعل يوما نجمع فيه فنذكر الله ونصلى ونشكر فجعلوا يوم العروبة واجتمعوا الى اسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ وانزل الله عز وجل بعد ذلك إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة قال الحافظ هذا وان كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن رواه ابو داود وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك رض عنه قال كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة اسعد بن زرارة الحديث

او كان كعب إذا سمع نداء الجمعة ترحم لا سعد بن زرارة قال عبد الرحمن بن كعب قلت لكعب كم كنتم يومئذ قال أربعون فمرسل ابن سيرين يدل على ان أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد ولا يمنع ذلك ان يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بالوحى وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها كما فى حديث ابن عباس والمرسل بعد ذلك ولذلك جمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول ما قدم المدينة- (قصّة) مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وأول جمعة صلى روى البخاري عن عائشة رض وابن سعد عن جماعة من الصحابة ان المسلمين بالمدينة لما سمعوا بمخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة كانوا يخرجون إذا صلح الصبح الى الحرة ينتظرونه حتى تعليهم الشمس على الظلال ويوذيهم والظهيرة وذلك فى ايام حارة حتى كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دخلوا البيوت فاذا رجل من اليهود على أطم من اطامهم لامر ينظر اليه فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنادى بأعلى صوته يا بنى قبيلة يعنى الأنصار هذا صاحبكم الذي تنتظرون فثاء المسلمون فتلقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك يوم الاثنين لهلال ربيع الاول اى أول ليلة وفى رواية جرير بن حازم عن ابى إسحاق لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول وفى رواية ابراهيم بن سعد عن ابن اسحق لاثنى عشر ليلة خلت وعند ابى سعيد لثلث عشرة من ربيع الاول قال الحافظ الأكثر انه قدم نهارا وقع فى رواية لمسلم ليلا ويجمع بان القدوم كان اخر الليل فدخل بها نهارا فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم قبا فى بنى عمرو بن عوف على كلثوم بن الهدم وابو بكر حبيب بن اساف أحد بنى الحارث فصاح كلثوم بغلام له يا نجيع فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نجحت يا أبا بكر وكان لكلثوم بن هدم بقبا مربد يعنى الموضع الذي يبسط فيه التمر ليجف فاخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبناه مسجدا فى الصحيح اقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى بنى عمرو بن عوف وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وفى رواية عبد الرزاق بنى المسجد بنو عمرو بن عوف وفى الصحيح انه - صلى الله عليه وسلم - اقام فيهم بضع عشر ليلة وفيه عن انس اقام فيهم اربع عشرة ليلة وقال ابن اسحق خمس ليال وقال ابن حبان اقام بها الثلثاء والارباع والخميس وخرج يوم الجمعة وقال ابن عباس وابن عقبة ثلث ليال فكانهما لم يعتد اليوم الخروج ولا الدخول وعن قوم من بنى عمرو بن عوف انه اقام اثنين وعشرين يوما روى احمد والشيخان عن ابى بكر وسعد بن منصور عن ابن الزبير وابن إسحاق عن عويمر بن ساعد وغيرهم ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل الى بنى النجار وكانوا إخوانهم لان أم عبد المطلب كانت منهم فجاؤا متقلدين بالسيوف فقالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اركبوا امنين مطاعين وكان اليوم يوم الجمعة فركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناقته القصوى والناس معه

عن يمينه وشماله وخلفه منهم الراكب والماشي فاجتمعت بنو عمرو بن عوف فقالوا يا رسول الله أخرجت حلالا أم تريد دارا خيرا من دارنا قال انى أمرت بقرية تأكل القرى فخلوها اى ناقة فانها مامورة فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبا يريد المدينة فتلقاه الناس يقولون الله اكبر جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى البيهقي عن عائشة جعل النساء والولائد والصبيان يقلن مطلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعى الله داع ايها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع- وروى احمد عن انس انه لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة بعث الحبشة بحرا بها فرحا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى البخاري عن البراء قال ما رايت اهل المدينة فرحوا بشئ فرحهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدار من دور الأنصار الا قالوا هلم يا رسول الله اتى للفرد المنعة والثروة فيقول لهم خيرا ويدعوا ويقول انها مامورة خلوا سبيلها فمر ببني سالم فقام اليه عتبان بن مالك ونوفل بن عبد الله بن مالك وهو أخذ بزمام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله انزل فينا العدد والعدة والحلقة ونحن اصحاب العصباء والحدائق والدرك يا رسول الله قد كان الرجل من العرب يدخل هذه البحرة خائفا يلجأ إلينا فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبسم ويقول خلوا سبيلها فانها مامورة فقام اليه عبد الله بن الصامت وعباس بن فضلة فجعلا يقولان يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انزل فينا فيقول بارك الله عليكم انها مامورة فلما اتى مسجد بنى سالم وهو المسجد الذي فى الوادي وادي وانونا قال البغوي أدركته الجمعة فى بنى سالم بن عمرو بن عوف فى بطن واد لهم قد اتخذ اليوم فى ذلك مسجدا فصلاها فى ذلك الوادي قيل كانت أول جمعة صلاها فى المدينة وأول خطبة خطبها فى الإسلام وقيل انه كان يصلى فى مسجد قباء عند ابن سعد انه - صلى الله عليه وسلم - لما صلى صلى معه الجمعة ماية نفس ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن يمين الطريق فمر ببني ساعدة فقال سعد بن عبادة والمنذر بن عمر وابو دجانة هلم يا رسول الله الى العز والثروة والقوة والجلد وسعد يقول يا رسول الله ليس من قومى اكثر غدقا ولاقم بير منى مع الثروة والجلد والعد وفيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا ثابت خل سبيلها فانها مامورة فمضى واعترضه سعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة وشبر بن سعد فقالا اين يا رسول الله لا تجاوزنا واعترضه زياد بن لبيد وفروة بن عمر يقولان نحو ذلك فقال خلوا سبيلها فانها مامورة ثم مر ببني عدى النجاري وهم أخواله فقال ابو سليط وصرفة بن ابى أنيس يا رسول الله نحن أخوالك هلم الى العدد والمنعة مع القرابة لا تجاوزنا الى غيرنا يا رسول الله ليس أحد من قومنا اولى بك لقرابتنا بك فقال خلوا سبيلها فانها مامورة فصارت حتى وازيت دار بنى عدى

ابن النجار قامت اليه وجوههم ثم مضى حتى انتهى الى باب المسجد فبركت على باب مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل جبار ابن صخر ينجسفها رجاء ان تقوم فلم يفعل فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عليه الصلاة والسلام اى بيوت أهلنا اقرب فقال ابو أيوب هذا المنزل إنشاء الله تعالى فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين قال اربع مرات روى الطبراني عن ابن الزبير ينزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى منزل ابى أيوب ونزل معه زيد بن حارثة قال ابن اسحق فى المبتدا وابن هشام فى التيجان ان بيت ابى أيوب الذي نزل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقدمة المدينة بناه تبع الاول وكان معه اربعمائة أحبار فتعاقدوا على ان لا تخرجوا منها فسالهم تبع عن سر ذلك فقالوا انا نجد فى كتابنا ان نبيا اسمه محمد - صلى الله عليه وسلم - هذه دار هجرته فنحن نقيم لعلنا نلقاه فاراد تبع الاقامة معهم ثم بدأ له فعمر لكل واحد من أولئك دارا او اشترى له جارية وزوجها منه وأعطاه ما لا جزيلا وكتب كتابا فيه إسلامه وفيه شهد على احمد انه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بارى النسم فلولا عمرى الى عمره لكنت وزيرا او ابن عمرو ختم بالذهب ودفعه الى كبيرهم وساله ان يدفعه الى النبي - صلى الله عليه وسلم - ان أدركه والا فمن أدركه من ولده وولد ولده وبنى للنبى - صلى الله عليه وسلم - دارا لينزلها إذا قدم المدينة فدار الدار الى اعلائك الى ان صارت لابى أيوب وهو من ولد ذلك العالم واهل المدينة الذين نصروه من أولاد أولئك العلماء ويقال ان الكتاب الذي فيه الشعر كان عند ابى يوسف حتى دفعه الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غريب فيما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفاء فى بيته والله تعالى اعلم- (مسئلة) قيل المراد بهذا النداء فى الاية الاذان عند قعود الامام على المنبر للخطبة لحديث ابن يزيد قال كان النداء يوم الجمعة اوله إذا جلس الامام على المنبر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وابى بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء وتسميته ثالثا باعتداد الاقامة ثانيا فعلى هذا قيل السعى الى الجمعة وترك البيع ونحوه انما يجب بالنداء الثاني والصحيح ان السعى وترك البيع ونحوه يجب بالأذان الاول لعموم قوله تعالى إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة وصدقه على الاذان الاول ايضا فَاسْعَوْا يعنى فامضوا وكان عمر بن الخطاب يقرأ فامضوا وكذلك هى فى قراءة ابن مسعود وقال الحسن اما والله ما هو بالسعي عن الاقدام ولقد نهوا ان يأتوا الصلاة الا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع وعن قتادة فى هذه الاية انه قال السعى ان تسعى بقلبك وعملك وهو المشي إليها قال الله تعالى فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ يعنى فلما مشى معه وقال الله تعالى وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ

وقال الله تعالى ان سعيكم اى عملكم لشتى وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السعى بمعنى العدو عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ولكن ايتوها تمشون وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاتموا رواه الستة فى كتبهم وروى احمد وما فاتكم فاقضوا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ يعنى الصلاة وقال سعيد بن المسيب هو موعظة الامام يعنى الخطبة وَذَرُوا الْبَيْعَ أراد ترك ما يشغل عن الصلاة والخطبة وانما خص البيع بالذكر لاشتغالهم غالبا بعد الزوال فى الأسواق بالبيع والشراء فلو عقد البيع فى الطريق وهو يمشى الى الجمعة لا بأس به ذلِكُمْ اى السعى الى الصلاة وترك ما يشغل عنه خَيْرٌ لَكُمْ من البيع والشراء وغير ذلك إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مصالح أنفسكم شرط مستغن عن الجزاء بما مضى (مسئله) يحرم البيع عند أذان الجمعة اجماعا حيث يوجب الإثم وهل يصح انعقادا قال مالك واحمد لا ينعقد وقال ابو حنيفة والشافعي ينعقد وهذه المسألة مبنية على مسئلة اصولية فان النهى عن الافعال التي لا وجود لها الا باعتبار الشرع كالصلوة فى الأرض المغصوبة والبيع ونحو ذلك بالشرط الفاسد يوجب القبح بغيره فيقتضى صحة العقد حتى يتحقق الابتلاء عند ابى حنيفة رحمه الله تعالى لا سيما فى البيع وقت النداء فان القبح هاهنا انما هو لامر مجاور لا فى صلب العقد أصلا فلا يكون البيع فاسدا ايضا كما يكون فاسدا بالشروط الفاسدة وعند اكثر الائمة يوجب القبح لذاته كما ان النهى عن الافعال الحسية كالزنا والسرقة يوجب القبح لذاته اتفاقا لانه الأصل فى المنهي عنه لكن الشافعي فى هذه المسألة وافق أبا حنيفة وقال صح البيع نظرا الى ان النهى انما هو لامر مجاور وهو الاشتغال عن الصلاة والله تعالى اعلم (فصل) اعلم ان الجمعة فريضة محكمة بالكتاب والسنة والإجماع يكفر جاحدها اما الكتاب فهذه الاية امر فيها بالسعي ورتب الأمر بالسعي للذكر على النداء للصلوة فالظاهر ان المراد بالذكر الصلاة ويجوز ان يراد به الخطبة والاولى ان يراد به الخطبة والصلاة جميعا لصدقه عليها معا واما السنة فحديث ابى هريرة قال قال رسول الله نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد انهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم يعنى الجمعة فاختلفوا فيه فهدانا له والناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد متفق عليه وعن ابى عمرو ابى هريرة قالا سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد المنبر لينتهين أقوام على ودعهم الجمعات او ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين رواه مسلم وعن ابن مسعود ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقوم يتخلفون عن الجمعة

لقد هممت ان امر رجلا يصلى بالناس ثم احرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم رواه مسلم وعن طارق بن شهاب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة حق واجب على كل مسلم فى الجمعة الا على اربعة مملوك او امرأة او صبى او مريض رواه ابو داود وقال طارق راى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه قلت فالحديث مرسل صحابى وهو حجة اتفاقا قال النووي الحديث صحيح على شرط الشيخين واخرج البيهقي من طريق البخاري عن تميم الداري قال الجمعة واجبة الأعلى صبى او مملوك او مسافر رواه الطبراني عن الحاكم وابن مردوية وزاد فيه المرأة والمريض وعن ابى جعد الضميري وكانت له صحبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من ترك ثلث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وحسنه ابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما وعن عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من ترك الجمعة من غير عذر كتب منافقا فى كتاب لا يمجى ولا يبدل وفى بعض الروايات ثلثا رواه الشافعي ورواه ابو يعلى بلفظ من ترك ثلث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره ورجاله ثقات وعن جابر ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فعليه الجمعة الا مريض او مسافر او المرأة او صبى او مملوك فمن استغنى بلهو او تجارة استغنى الله عنه والله غنى حميد رواه الدار قطنى فاجمع العلماء انه فرض على الأعيان وغلط من قال هى فرض كفاية (مسئله) لا يجب الجمعة على المسافر اجماعا وحكى عن الزهري والنخعي وجوبها على المسافر إذا سمع النداء ولا عبد ولا امرأة الا فى رواية عن احمد فى العبد خاصة وقال داود ويجب واختلفوا فى المكاتب والمأذون والعبد الذي حضر مع مولاه على باب المسجد لحفظ الدابة إذا لم تخل بالحفظ والحجة فى عدم وجوب الجمعة على العبد مطلقا ما مر فى الأحاديث من الاستثناء للمملوك (مسئله) لا تجب الجمعة على الأعمى إذا لم يجد قايدا إليها بالاتفاق فان وجده وجبت عليه عند مالك والشافعي واحمد وابى يوسف ومحمد وقال ابو حنيفة لا تجب احتج الجمهور بما مر من الأحاديث إذ ليس فيه استثناء الأعمى قلنا هو داخل فى المريض والمريض وكل من كان له عذر او خوف لا تجب عليه الجمعة اجماعا وكذلك الشيخ الكبير ومن كان متعهد المريض قالوا الأعمى إذا وجد قايدا صار قادرا كالبصير قلنا انه غير قادر بنفسه وقدرته بغيره لا يعتبر كالزمن إذا وجد من يحمله (مسئله) يجوز ترك الجمعة بعذر المطر والوحل روى البخاري فى الصحيح عن محمد بن سيرين قال قال ابن عباس لموذنه يوم المطر إذا قلت اشهد ان

محمد رسول الله فلا تقل حى على الصلاة فقل صلوا فى بيوتكم فكان الناس استنكروا فقال فعله من هو خير منى ان الجمعة عزيمة وانى كرهت ان أخرجكم فتمشوا فى الطين والدحض (مسئله) إذا حضر الجمعة عبدا ومسافر او امرأة او مريض صح عنه الجمعة وسقط عنه الظهر اجماعا (مسئله) تنعقد الجمعة بالعبيد والمسافرين إذا لم يكن فيهم حرا ومقيم إذا كانوا فى مصر عند ابى حنيفة رحمه الله تعالى لا بالنساء والصبيان اجماعا وعند الثلاثة لا تنعقد الجمعة بالعبيد والمسافرين ولا يتم بهم العدد بل لا بد للجمعة أربعين أحرارا مقيمين او خمسين او ثلثة على اختلاف الأقوال واما المعذورون بالمرض او الخوف او المطر والأعمى او الزمانة فيتم بهم العدد اتفاقا لنا ان الجمعة واجبة على الرجال كلهم دون النساء اجماعا ودون الصبيان لكونهم غير مكلفين لعموم قوله تعالى فاسعوا الى ذكر الله ولكن رخص فى تركها العبيد والمسافرين واصحاب العذر فمن اتى منهم بالجمعة فقد اتى بالعزيمة فيصح جمعته كالمسافر إذا صام رمضان يتادى من صومه فرضه (مسئله) كره ظهر المعذور والمسبحون فى المصر بجماعة عند ابى حنيفة وقال مالك والشافعي واحمد انه لا يكره بل يسن وكذا من فاته الجمعة بلا عذر والله اعلم (مسئله) الخطبة شرط لانعقاد الجمعة اجماعا لقوله تعالى فاسعوا الى ذكر الله إذ المراد به الخطبة ومن هاهنا قال ابو حنيفة لو اقتصر فى الخطبة على تسبيحة او تحميدة لكفى لان ذكر الله يعم الطويل والقصير ولا إجمال فيه وهذا الاستدلال ضعيف لاحتمال كون المراد بذكر الله الصلاة فالاولى ان يقال سند الإجماع على اشتراط الخطبة مواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما نقل إلينا متواترا او مواظبته يقتضى اشتراط ذكر طويل يسمى فى العرب خطبة وبه قال ابو يوسف ومحمد ومالك والشافعي واحمد على انه لو كان المراد بذكر الله الخطبة فالاضافة للعهد والمعنى فاسعوا الى ذكر الله الذي يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلى هذا ايضا يشترط ان يكون ذكرا طويلا وما روى ان عثمان صعد المنبر فى أول جمعة وولى الخلافة قال الحمد لله فارتج عليه فقال ابو بكر وعمر كان يعد ان لهذا المقام مقالات وأنتم الى امام فعال أحوج منكم الى امام قوال وسياتيكم الخطب بعد واستغفر الله لى ولكم ونزل وصلى بهم ولم ينكر عليه أحد منهم فاهل الحديث لا يعرفونه والله اعلم (مسئلة) يجب عند الشافعي ومالك الخطبة قايما ويجب الجلسة بين الخطبتين عند الشافعي وقال ابو حنيفة واحمد لا يجب القيام فى الخطبة ولا الجلوس بينهما والدليل على الوجوب النقل المستفيض روى مسلم عن جابر بن سمرة انه راى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب قايما على المنبر ثم يجلس ثم يخطب قايما فقال جابر فمن أنبأك انه كان يخطب قاعدا فقد كذب فقد والله

صليت معه اكثر من الفى صلوة وروى الشافعي عن جابر بن عبد الله كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس وروى مسلم عن جابر بن سمرة كانت للنبى - صلى الله عليه وسلم - خطبتان يجلس بينهما يقرأ القران ويذكر الناس عن ابن عمر قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة مرتين بينهما جلسة متفق عليه وروى مسلم عن كعب بن عجرة انه دخل المسجد يوم الجمعة وابن أم الحكم يخطب قاعدا فقال انظروا الى هذا الخبيث يخطب قاعدا والله تعالى يقول وإذا رؤا تجارة او لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما احتج ابن همام بهذا الحديث ان القيام ليس بواجب حيث لم يحكم كعب ولا غيره بفساد صلوة ابن الحكم فعلم انه ليس بشرط عندهم والله تعالى اعلم (مسئله) سن ان يشتمل الخطبة على خمسة أشياء حمد الله تعالى والصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - والوصية بالتقوى وقراءة القران والدعاء للمؤمنين والمؤمنات وكلها واجبة عند الشافعي ويشترط الطهارة فى الخطبتين على الراجح من مذهب الشافعي وعند الجمهور لا يشترط (مسئله) يشترط فى الخطبة حضور واحد عند ابى حنيفة لتحقيق معنى التخاطب وعند الشافعي وغيره لا يجوز للامام ان يبدئ بالخطبة قبل اجتماع العدد وهو الأربعون عند الشافعي او خمسون او ثلثة عند غيره فان نفر واحد منهم قبل افتتاح الصلاة لا يجوز ان يصلى الجمعة بل يصلى الظهر وان عادوا بعد قبل طول الفصل بنى على ذلك الخطبة وبعد طوله استأنف الخطبة (مسئله) يحرم الكلام فى حال الخطبة لمن حضر الخطبة عند ابى حنيفة ومالك سواء سمع الخطبة او لا يسمع وقال احمد يحرم لمن يسمعها لا من لا يسمعها والمستحب الإنصات وقال الشافعي لا يحرم على من يسمع ايضا لكنه يكره وهل يحرم الكلام على الخاطب فقال ابو حنيفة يحرم الا ان يكون امر المعروف كقصة عمر مع عثمان كذا قال ابن همام وكذا قال الشافعي فى القديم وقال مالك رح جاز الكلام للمخاطب بما فيه مصلحة الصلاة نحو ان يزجر الداخلين عن تخطى الرقاب وان خاطب إنسانا بعينه جاز لذلك الإنسان ان يجيبه كما وقع فى قصة كلام عمر وهو يخطب مع عثمان وسنذكر الحديث فى مسئلة غسل الجمعة وقال احمد يجوز للمخاطب الكلام مطلقا وقد تعارضت الأحاديث فى الباب فى الصحيحين عن ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا قلت لصاحبك والامام يخطب يوم الجمعة انصت فقد لغوت وروى احمد عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تكلم يوم الجمعة والامام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا فهذين الحديثين يدلان على الحرمة وكذا قوله تعالى وإذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون واما ما يدل على الإباحة فما روى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن كعب ان الرهط الذي بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى ابن ابى الحقيق

بخيبر ليقتلوه فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم على المنبر يوم الجمعة فقال لهم حين رائهم افلحت الوجوه فقالوا أفلح وجهك يا رسول الله قال أقتلتموه قالوا نعم فدعى بالسيف الذي قتل به وهو قائم على المنبر فسله فقال أجل هذا طعامه فى ذباب سيفه الحديث قال البيهقي مرسل جيد وروى عن عروة نحوه ثم روى من طريق ابن عبد الله بن انس عن أبيه قال بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى ابن ابى الحقيق نحوه وروى مسلم من حديث ابى رفاعة العدوى قال انتهيت الى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه قال فاقبل على وترك خطبة وجعل يعلمنى ثم اثم الخطبة وروى اصحاب السنن الاربعة وابن الخزيمة والحاكم من حديث بريدة قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان احمر ان يمشيان ويعثران فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنبر فحملهما فوضعها بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله انما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت الى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم اصبر حتى قطعت حديثى ورفعتهما وروى ابو داود عن جابر قال لما استوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة على المنبر قال اجلسوا فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد فراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال تعال يا عبد الله ابن مسعود عن انس ان رجلا دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة فقال متى الساعة فاومى الناس اليه بالسكوت فلم يقبل وأعاد الكلام فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ماذا اعددت لها قال حب الله ورسوله قال انك مع من أحببت رواه احمد والنسائي وابن خزيمة والبيهقي وعن انس بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة فقام أعرابي فقال يا رسول الله هلك المال فذكر حديث الاستسقاء متفق عليه قال الشافعي رح تعارض الأحاديث يقتضى الكراهة فى المستمع وقال ابو حنيفة أحاديث الآحاد لا يصادم قوله تعالى فاستمعوا له وانصتوا لا سيما إذا تعارضت فقال بالتحريم وذلك أحوط وقال احمد رح الاية والأحاديث لا يدل على تحريم الكلام للمخاطب والله تعالى اعلم (مسئله) لا بأس بالكلام قبل الخطبة وبعد الفراغ لحديث انس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل من المنبر يوم الجمعة فيكلم الرجل فى الحاجة فيكلم ثم يقدم الى مصلاه رواه احمد وقال ابو حنيفة رح يكره مطلقا محتجا بالآثار اخرج ابن ابى شيبة عن على وابن عباس وابن عمر كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الامام (مسئله) إذا جاء رجل والامام يخطب يصلى ركعتين عند الجمهور وينجوز فيهما وقال ابو حنيفة رح لا يصلى لما ذكرنا اثر على وابن عباس وابن عمرو نحو ذلك عن عروة والزهري ولقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا قلت لصاحبك انصت والامام يخطب فقد لغوت قالوا هذا الحديث بدلالة النص يمنع عن الصلاة

وتحية المسجد لان المنع عن الأمر بالمعروف وهو أعلى من سنة الجمعة وتحية المسجد منع عنهما بالطريق الأعلى واولى ويرد عليه ان الأمر بالمعروف ان كان ذلك المعروف امرا واجبا فهو اولى من السنة واما إذا كان المعروف مستحبا فليس اولى من السنة والسكوت حين استماع الخطبة غير واجب عند الشافعي فكيف يحتج عليه بدلالة النص وللجمهور حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والامام يخطب فليركع ركعتين ويتجوز فيهما متفق عليه وفى لفظ مسلم جاء سليك العطفانى يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجلس فقال له يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما وفى الباب عن ابى سعيد لابن حبان وغيره واخرج الطبراني عن ابى ذر انه اتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب فقعد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل ركعت فقال لا قال قم فاركع ركعتين وأجاب ابن همام بان الدار قطنى روى فى سننه عن انس قال رجل دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - قم فاركع ركعتين وامسك عن الخطبة حتى فرغ عن صلوته ثم قال أسنده عبيد بن محمد العبدى قولهم فبه ثم اخرج عن احمد بن حنبل ثنا معتمر عن أبيه قال جاء رجل الحديث وفيه ثم انتظروه حتى صلى قال وهذا المرسل وهو الصواب قال ابن همام والمرسل حجة قلت لو صح المرسل فهو واقعة حال لا يعارض اطلاق قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء أحدكم والامام يخطب فليركع وايضا لا يجوز الصلاة عند ابى حنيفة رح بعد خروج الامام مطلقا ولو بعد الفراغ عن الخطبة فعلى تقدير الصلاة حين سكت رسول الله صامم ايضا لا يطابق الحديث مذهب ابى حنيفة رح والله تعالى اعلم (مسئله) اتفقوا على انه لا يجوز الجمعة فى الصحراء الا عند ابى حنيفة رح فى فناء المصر قال حيث له حكم المصر وعلى ان الجماعة شرط فى الجمعة وذلك ماخوذ من لفظ الجمعة واختلفوا فى موضع يقام فيه الجمعة وفى عدد الجماعة الذين ينعقد بهم الجمعة فقال الشافعي واحمد واسحق كل قرية استوطنها أربعون رجلا أحرارا عاقلين بالغين لا يظعنون عنها شيئا ولا ضيفا الا ظعن حاجة يجب عليهم اقامة الجمعة ولا تنعقد الجمعة باقل من أربعين رجلا على هذه الصفة وقال مالك القرية إذا كانت بيوتها متصلة وفيها مسجد وسوق يجب فيها الجمعة ويعتبر فى انعقاد الجمعة عدد الغبراء بهم قرية عادة وقال ابو حنيفة رح لا يصح الجمعة الا فى مصر جامع والمصر هو كل بلد فيها سكك وأسواق ولها رساتيق ووال ينصف المظلوم من الظالم اى بقيد على الانصاف وان كان جابر او عالم يرجع اليه فى الحوادث وقيل ما لا يسع اكبر مساجده اهله مصر والحجة لاشتراط المصر رواه ابن ابى شيبة موقوفا عن على رض لا جمعة ولا تشريق ولا صلوة فطر ولا اضحى الا فى مصر جامع او مدينة عظيمة صححه

ابن حزم وضعفه احمد ويمكن الاحتجاج لاشتراط المصر وعدم جوازه فى القرى ان اهل العوالي كانوا يصلون الجمعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كما فى الصحيح واهل قبا كانوا يصلون معه كذا روى ابن ماجة وابن خزيمة واخرج الترمذي من طريق رجل من اهل قبا من لبيه قال أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ان نشهد الجمعة من قباء روى البيهقي ان اهل ذى الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة ولم ينقل عن الصحابة انهم حين فتحوا البلاد واستغلوا بنصب المنابر والجمع الا فى الأمصار دون القرى ولو كان لنقل وصلوته - صلى الله عليه وسلم - أول جمعة فى بنى عمرو بن سليم يدل على جواز الجمعة فى قرية قريبة من المصر كما يجوز ان يصلى الجمعة فى اى ناحية من نواحى المصر فكذا يجوز فى فناء المصر والله تعالى اعلم ومحصل الكلام ان قوله تعالى فاسعوا الى ذكر الله ليس على إطلاقه اجماعا حيث لا يجوز فى البراري ولا فى كل قرية بل فى بعضها فقدره شافعى رح وغيره وقرية مخصوصة كما ذكرنا وقدر ابو حنيفة بالمصر والمصر أخص فاذا صلى الجمعة فى المصر صح الجمعة وسقط الظهر عن الذمة اجماعا وإذا صلى فى قربة دون المصر يقع الشك فى صحة الجمعة ووجوبها وسقوط الظهر فلا يجب الجمعة بالشك ولا بسقط الظهر الثابت فى الذمة يقينا بالشك والله اعلم وما روى الطبراني وابن عدى عنه - صلى الله عليه وسلم - انه قال الجمعة واجبة على كل قرية فيها امام وان لم يكونوا الا اربعة وفى رواية الا ثلثة فليس مما يجوز به الاحتجاج لانه من رواية الحكم بن عبد الله ومن رواية الوليد بن محمد كلاهما عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية قال الدار قطنى لا يصح هذا عن الزهري وكل من رواه عنه متروك الوليد والحكم متروكان قال احمد أحاديث الحكم كلها موضوعة وفى سند الحكم مسلمة بن على قال يحيى ليس بشئ وقال النسائي متروك وكذا حديث جابر ابن عبد الله مضت السنة ان فى كل أربعين فما فوق ذلك جمعة واضحى وفطر فى سنده عبد العزيز بن عبد الرحمن قال احمد اضرب على أحاديثه فانها كذب او قال موضوعة وكذا حديث ابى امامة الجمعة على خمسين رجلا وليس على ما دون الخمسين جمعة رواه الطبراني وفى اسناده جعفر بن الزبير وهو متروك وهيياج من نظام وهو متروك ايضا ورواه البيهقي وفى سنده النحاش وهو واه ايضا واما حديث ابن عباس أول جمعة جمعت بعد جمعة فى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجواثا قرية بالبحرين رواه البخاري فلا يدل على جواز الجمعة فى كل قرية فان اسم القرية يشتمل المصر وغيره قال الله تعالى لولا انزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم يعنى مكة وطائف ولا شك ان مكة مصر وفى الصحاح ان جواثا حصن بالبحرين فهى مصر إذ لا يخلو الحصن عن حاكم عليهم وعالم وفى المبسوط انها مدينة بالبحرين ولما لم يروا عددا

معينا للجماعة شرطا للجمعة فى حديث صالح للاحتجاج قال الحسن وابو ثور تنعقد الجمعة باثنين لان اثنين فما فوقه جماعة وقال ابو يوسف ومحمد والأوزاعي ينعقد بثلاثة إذا كان فيهم دال وقال ابو حنيفة رح اربعة لان قوله تعالى فاسعوا يقتضى ثلثة وقوله الى ذكر الله يقتضى ذاكرا فذلك اربعة قلت وهذا الاستدلال غير صحيح فان صيغة الجمع انما هو لكون الخطاب عامة لا لاشتراط عدد الجماعة وإلا لزم اشتراط الجماعة فى جميع المأمورات بقوله تعالى واقيموا الصلاة وأتوا الزكوة ونحو ذلك ويمكن ان يقال لا بد فى الجمعة فوق جماعة سائر الصلوات لاشتراط الجماعة فيها ولدلالة لفظ الجمعة عليه ولذا قيل الجمعة جامعة للجماعات واولى الجماعات فى الصلاة اثنان فلا بد ان يكون فى الجمعة ثلثة كما قال ابو يوسف رح ولما كان عند ابى حنيفة الجماعة شرطا والامام اخر قال لا بد ان يكون ثلثة سوى الامام والله تعالى اعلم (مسئله) الوالي او اذنه شرط بصحة الجمعة عند ابى حنيفة رح خلافا لمالك والشافعي واحمد وليس على اشتراط السلطان او اذنه دليلا يعتمد عليه وقد روى مالك رح والشافعي رح عنه وابن حبان بسنده الى ابى عبيدة مولى بنى نظير قال شهدت العيد مع على وعثمان محصور قال الحافظ ابن حجران مدة الحصار كانت أربعون يوما وكان يصلى بهم تارة طلحة وتارة عبد الرحمن ابن عديس وتارة غيرهما قال ابن همام هذا وقعة حال فيجوز كونه عن اذنه كما يجوز كونه بغير اذنه فلا حجة فيه لفريق فيبقى قوله - صلى الله عليه وسلم - من تركها وله امام جائرا وعادل الا فلا جمع الله شمله ولا بارك له فى امره الا ولا صلوة له رواه ابن ماجة وغيره حيث شرط فى لزومها الامام كما يفيده قيد الجملة الواقعة حالا قلت هذا حديث رواه ابن ماجة عن جابر مرفوعا وفيه عبد الله العدوى وهو واه وأخرجه البزار من وجه اخر وفيه على بن زيد بن الجدعان قال الدار قطنى ان الطريقين كلاهما غير ثابت وقال ابن عبد البر هذا الحديث واهي الاسناد (مسئله) وقت الظهر شرط لاداء الجمعة عند الجمهور لانها تنوب عن الظهر ويسقط فريضة الظهر بأداء الجمعة فلا يجب ما لم يجب الظهر وما لم يجب لا يقع من الفرض وقال احمد يجوز الجمعة قبل الزوال لحديث سهل بن سعد قال ما كنا نتغدى ولا تقيل الا بعد الجمعة وحديث سلمة بن اكوع كنا نصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة ثم نرجع فلا نجد للحيطان فيئا نستظل الحديثان فى الصحيحين وحديث انس بن مالك قال كنا نصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة ثم نرجع للقايلة رواه البخاري والجواب ان نفى التغدي لا يستلزم كون الجمعة قبل الزوال والاستثناء مبنى على المجاز والمعنى لا نجد للحيطان فيئا نستظل عدم طول الظل بحيث يمشى فيه الراكب والماشي وذلك لا يكون فى أول الوقت ولنا من الأحاديث ما ذكرنا سابقا ان النبي - صلى الله عليه وسلم -

كتب الى مصعب بن عمير اما بعد فانظر اليوم الذي يجهر فيه اليهود بالزبور فاجمعوا نساءكم وابناءكم فاذا مال النهار عن نظره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا الى الله بركعتين حديث انس ان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى الجمعة حين يميل الشمس رواه البخاري والترمذي وقال صحيح وحديث جابر بن عبد الله قال كنا نصلى الجمعة ثم تذهب الى حجالنا حين تزول الشمس رواه مسلم وحديث سلمة بن الأكوع كنا نجمع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زالت الشمس الحديث رواه مسلم وعن يوسف بن مالك قال قدم معاذ بن جبل على اهل مكة وهم يصلون الجمعة والفيء فى الحجر فقال لا تصلوا حتى تفئ الكعبة من وجهها رواه الشافعي (مسئله) لو شرع الجمعة فى الوقت وحدها حتى خرج الوقت أتمها ظهرا عند الشافعي رح وقال ابو حنيفة رح يبطل صلوته ويبتدى بالظهر لان الجمعة غير الظهر لا يجوز بناء أحدهما على الاخر وسقوط الظهر بالجمعة يثبت على خلاف القياس فيراعى فيه جميع ما ورد ومنها الوقت وقال مالك رح إذا لم يصل الجمعة حتى دخل وقت العصر صلى فيه الجمعة ما لم تغرب الشمس وان كان لا يفرغ الا بعد غروبها وهو قول احمد ومذهب مالك مبنى على وقت الضروري للظهر الى غروب الشمس كالعصر- (مسئله) يشترط عند ابى حنيفة رح لاداء الجمعة الاذن العام حتى لو ان واليا اغلق باب بلد وجمع بحشمه ومنع الناس من الدخول لا يصح الجمعة عنده خلافا لجمهور العلماء احتج ابن همام فى هذه المسألة باشارة قوله تعالى نودى للصلوة فان النداء يقتضى الاذن وهذا الاستدلال ضعيف فانه تعالى جعل النداء سببا لوجوب السعى الى الجمعة ولا يلزم منه كون النداء شرطا لادائها كما ان قوله تعالى إذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا يدل على وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القران لا على كون الاستماع والإنصات شرطا لجواز القراءة حتى لا يجوز قراءة الامام فى الصلاة والخطبة ان قرأ المقتدى والله تعالى اعلم قلت ويمكن الاستدلال على اشتراط الإعلان والاذن العام بما مران النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب الى مصعب بن عمير ليصلى بالناس الجمعة فى المدينة ولم يصل بنفسه الكريمة بمكة مع إمكان صلوته الجمعة بأصحابه فى بيته فذلك دليل على ان الإعلان والاذن العام شرط لاداء الجمعة ولم يكن ذلك مقدورا بمكة والله تعالى اعلم (مسئله) من كان مقيما فى قرية لا يقام فيها الجمعة او فى برية هل يجب عليهم حضور الجمعة بالمصر قال ابو حنيفة رح ومحمد رح لا يجب عليه الجمعة مطلقا وقال ابو يوسف رح والشافعي رح واحمد رح واسحق رح ان كان يبلغهم نداء مؤذن جهورى الصوت يوذن فى وقت تكون الأصوات هادنة والرياح يجب عليهم حضور الجمعة كذا قال مالك رح لكن حده بفرسخ وربيعة باربعة أميال وقال ابن همام قال بعض العلماء قدر ميل وقيل قدر ميلين ولم يجده

الشافعي رح وعن احمد فى التحديد نحو قولهما والحجة بهذا القول عموم قوله تعالى إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا وقوله عليه السلام انما الجمعة على من سمع النداء رواه ابو داود وغيره من عبد الله بن عمرو فى رواية بلفظ الجمعة على من سمع النداء وقال سعيد بن المسيب يجب الجمعة على من اواه الليل وقال الزهري يجب على من كان على ستة أميال وهى رواية عن مالك وفى رواية عن ابى يوسف يجب على ثلثة فراسخ قال فى البدائع هذا حسن ولعل هذين القولين تحديد لمن اواه الليل فانه من كان على ستة أميال او تسعة كان ذهابه ومجيئه اثنا عشرا وثمانية عشر ميلا وذلك مرحلة فان اثنى عشر ميلا ادنى المراحل غالبا وثمانية عشر أكثرهما والحجة لهذا القول حديث ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمعة على من اواه الليل الى اهله رواه الترمذي والحديث غير قابل للاحتجاج قال احمد لما سمع هذا الحديث استغفر ربك وفى سنده حجاج بن نصير قال ابو حاتم الرازي تركوا حديثه يروى عن معارك بن عباد وقال ابو حاتم أحاديثه منكرة وقال ابو درعة واهي الحديث يروى عن عبد الله بن سعيد المقبري قال يحيى بن سعيد الشيباني كذبه فى مجلس وقال يحيى بن معين ليس بشئ لا يكتب حديثه والاحتجاج على وجوب الجمعة على من سمع النداء وعلى من اواه الليل بصلوة اهل العوالي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلوة اهل قبا معه كما ذكرنا وبما روى البيهقي ان اهل ذى الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة لا يجوز لانه لا يدل على وجوب الجمعة عليهم والظاهر انهم كانوا يجمعون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إحراز الفضيلة من غير وجوب واماما رواه الترمذي من طريق رجل من اهل قبا عن أبيه وكان من الصحابة قال أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ان نشهد الجمعة من قبا ففيه رجل مجهول (مسئله) إذا وقع العيد يوم الجمعة قال احمد اخر حضور صلوة العيد عنا الجمعة ويصلون الظهر وقال عطاء يسقط الجمعة والظهر معا فى ذلك اليوم فلا صلوة بعد العيد الا العصر والأصح عند الشافعي رح ان من حضر العيد من اهل القرى جاز لهم ان ينصرفوا بعد العيد ويتركوا الجمعة واما اهل البد وفلا يسقط عنهم الجمعة وقال ابو حنيفة رح ومالك لا يسقط الجمعة بصلوة العيد عمن وجب عليه الجمعة أصلا واحتج احمد بحديث زيد بن أرقم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيد أول النهار ثم رخص فى الجمعة ثم قال من شاء ان يجمع الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع لا يجوز ان يسقط بحديث احاد وكيف ينوب النافلة عن الفريضة وفى الباب عن ابن عمر اجتمع عيد ان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس ثم قال من شاء ان يأتي الجمعة فلياتها ومن شاء ان يتخلف فليتخلف وفيه مبدل بن على ضعيف وقبازة بن المفلس قال

يحيى بن معين كذاب وحديث ابى هريرة نحوه وفيه بقية مدلس روى الحديثين ابن الجوزي (مسئله) من كان من اهل الجمعة وأراد السفر بعد الزوال لم يجز له الخروج الا إذا تمكن الجمعة فى طريقه او يتضرر تخلفه عن الرفقة وقبل الزوال جاز له السفر عند ابى حنيفة رح ومالك رح وقال الشافعي رح لا يجوز مطلقا وقال احمد رح لا يجوز الا ان يكون سفر جهاد واحتج من قال بعدم الجواز بحديث ابن عمر مرفوعا من سافر يوم الجمعة دعت عليه الملئكة ان لا يصحب فى سفره وفيه ابن بهيعة ضعيف واحتج من جواز السفر لمن أراد الغزو بحديث ابن عباس انه - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن رواحة فى سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فغدا أصحابه وتخلف هو ليصلى ويلحقهم فلما صلى قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما خلفك قال أردت ان أصلي معك وألحقهم فقال لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما أدركت فضل غدوتهم رواه احمد والترمذي وأعله الترمذي بالانقطاع وقال البيهقي انفرد به الحجاج ابن ارطاة وهو ضعيف واحتج من قال بالجواز بما روى ابو داود فى المراسيل عن الزهري انه أراد ان يسافر يوم الجمعة ضحوة فقيل له فى ذلك فقال ان النبي - صلى الله عليه وسلم - سافر يوم الجمعة وروى الشافعي من عمر انه راى رجلا عليه هيئة السفر فسمعه يقول لولا ان اليوم يوم الجمعة لخرجت فقال له عمر اخرج فان الجمعة لا يحبس عن سفر وروى سعيد بن منصور ان أبا عبيد بن الجراح سافر يوم الجمعة ولم ينتظر الصلاة قال ابو حنيفة رح الجمعة يجب بعد الزوال فلا يجوز الخروج بعد الوجوب ويجوز قبله يدل على ذلك حديث الزهري وابن عمرو الله تعالى اعلم (مسئله) لا يجوز فى بلدة وان عظم اكثر من جمعة واحده عند ابى حنيفة رح وبه قال الطحاوي رح وهو مذهب مالك رح والقول القديم للشافعى رح وكذا روى اصحاب الافلاء عن ابى يوسف رح انه لا يجوز فى مصر الا ان يكون فيه نهر كبير حتى يكون كمصرين ولذا كان يأمر بقطع الجسر تبعدا فان لم يكن فالجمعة لمن سبق فان صلوا معا فسدتا وعنه انه يجوز فى موضعين إذا كان المصر عظيما لا فى ثلثة وقال احمد إذا عظم البلد وكثر اهله كبغداد جاز فيه جمعتان وان لم يكن بهم حاجة الى اكثر من جمعة لم يجز وقيل ان البغداد كان فى الأصل قرى متفرقة فى كل قرية جمعة ثم اتصلت العمارة بينها فبقيت الجمعة على حالها والراجح المتأخر من اقوال الشافعي رح ان البلد إذ اكبر وعسر اجتماع اهله فى موضع واحد جاز اقامة جمعة اخرى بل يجوز التعدد بحسب الحاجة وعن محمد بن الحسن انه يجوز تعددها مطلقا ورواه عن ابى حنيفة رح قال السرخسي رح الصحيح من مذهب ابى حنيفة رح جواز إقامتها فى مصر واحد فى مسجدين واكثر قال ابن همام وبه ناخذ لاطلاق لا جمعة الا فى مصر شرط المصر

فاذا تحقق تحقق فى كل ناحية منها وجه رواية المنع انها سميت جمعة لاستدعائها استجماع الجماعات فهى جامعة لها قال الأثرم لاحمد اجمع جمعتين فى مصر قال لا اعلم أحدا فعله قال ابن المنذر لم يختلف الناس ان الجمعة لم يكن تصلى فى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وفى عهد الخلفاء الراشدين الا فى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وفى تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة واجتماعهم فى مسجد واحد من البيان بان الجمعة خلاف ساير الصلوات وانه لا يصلى الا فى مكان واحد ولا اعلم أحدا قال بتعدد الجمعة غير عطاء وذكر الخطيب فى تاريخ بغداد ان أول جمعة أحدثت فى الإسلام فى بلد مع قيام الجمعة القديمة فى ايام المعتم فى دار الخلافة من غير بناء مسجد لاقامة الجمعة وسبب ذلك خشية الخلفاء على أنفسهم فى المسجد العام وذلك فى سنة ثمانين ومائتين ثم بنى فى ايام المكتفي مسجد فجمعوا فيه وذكر ابن عساكر فى تاريخ دمشق ان عمر كتب الى ابى موسى والى عمرو بن العاص والى سعد بن ابى وقاص ان يتخذوا مسجدا جامعا ومساجد للقبائل فاذا كان يوم الجمعة انضموا الى المسجد الجامع فشهد الجمعة (فائدة) قال ابن همام إذا اشتبه على الناس وجود شرائط الجمعة ينبغى ان يصلى أربعا بعد الجمعة ينوى بها اخر فرض ظهر أدركت وقته ولم أود بعد فان لم يصح الجمعة وقعت ظهره فرضا وان صحت كانت نفلا (باب) ما ورد من الاخبار فى سنن الجمعة وفى ساعة الجمعة (مسئله) غسل يوم الجمعة سنة وحكى عن مالك وداود انه واجب لحديث ابى سعيد الخدري ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم متفق عليه وحديث ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء أحدكم الى الجمعة فليغتسل متفق عليه والحديث مشهور بل متواتر عد ابو القاسم بن مندة من رواه عن نافع عن ابن عمر فبلغوا فوق ثلاثمائة وعد من رواه عن ابن عمر فبلغوا اربعة عشر صحابيا وأجيب بان الأمر للاستحباب ومعنى الوجوب اللزوم على وجه السنة بقرينة اقترانه بما لا يجب فيما رواه احمد من حديث ابى سعيد مرفوعا ان الغسل يوم الجمعة على كل محتلم والسواك وان يمس من الطيب ما يقدر عليه وفى الصحيحين عن عائشة كان الناس عمال أنفسهم فكانوا يروحون كهيئتهم فقيل لهم لو اغتسلوا والدليل على عدم وجوب الغسل حديث الحسن عن سمرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من توضأ فيها ونعمت ومن اغتسل فذلك أفضل رواه احمد واصحاب السنن وابن خزيمة وقال الترمذي حديث حسن ورواه بعضهم عن قتادة عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا وحديث ابى هريرة مرفوعا

من توضأ فاحسن الوضوء ثم اتى الجمعة فاستمع وانصت غفر له ما بين الجمعة الى الجمعة وزيادة ثلثة ايام رواه مسلم ولا شك ان الأحاديث الدالة على عدم الوجوب ليست فى القوة مثل أحاديث الوجوب لكن عمل الصحابة واجماع الامة على عدم الوجوب يثبت ان أحاديث الوجوب اما منسوخة او ماولة روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمران عمر بينما هو قائم فى الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين فناداه عمر اية ساعة هذه قال انى شغلت فلم انقلب الى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على ان توضأت فقال والوضوء ايضا وقد علمت ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالغسل قال ابن الجوزي والرجل عثمان ولم ينكر عمر على عثمان فى ترك الغسل ولم ينكر أحد فظهر ان الغسل سنة ليس بواجب وأحاديث التي يحتج بها للوجوب ماولة وليست بمنسوخة ولو كانت منسوخة لم يقل عمران رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالغسل فان المنسوخ لا يحتج به فظهر ان الأمر للاستحباب والسنية والله تعالى اعلم (مسئله) سن يوم الجمعة اربع ركعات قبل الجمعة واربع بعدها عند ابى حنيفة رح وقال ابو يوسف رح بعدها ست ركعات ومحمد قيل مع ابى يوسف ولا دليل على اربع قبل الجمعة الا عموم انه كان - صلى الله عليه وسلم - يصلى إذا زالت الشمس أربعا ويقول هذه الساعة يفتح فيها أبواب السموات فاحب ان يصعد لى فيها عمل صالح رواه ابن ماجة عن ابى يوسف بإسناد حسن والقياس على الظهر وقد صح انه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الغداة رواه البخاري وابو داود والنسائي عن عائشة واما الصلاة بعد الجمعة فقد صح عن ابن عمران النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين فى بيته رواه مالك والشيخان فى الصحيحين وابو داود والنسائي وفى سنن ابى داود عن ابن عمر انه إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم يتقدم فيصلى أربعا وإذا كان بالمدينة فصلى الجمعة ثم رجع الى بيته فصلى ركعتين فقيل له كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك قال ابن همام فالظاهر ان السنة سنة غير ان ابن عمر لم يعلم كل ما كان يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة فاذا كان مسافرا كان يصليها فى المسجد فيعلم ابن عمرو به قال ابو يوسف رح وابو حنيفة رح أخذا بما روى عن ابن مسعود انه كان يصلى قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا قاله الترمذي فى الجامع واليه ذهب ابن المبارك والثوري وفى صحيح مسلم عن ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها اربع ركعات والله تعالى اعلم (مسئله) عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس من طيب

ان كان عنده ولبس من احسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فلم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله ان يركع فانصت إذا خرج الامام كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها رواه ابو داود ورواه البغوي وقال قال ابو هريرة وزيادة ثلثة ايام لان الله تعالى يقول من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وروى البخاري نحوه عن سلمان بغير زيادة ثلثة ايام وعن أوس بن أوس الثقفي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الامام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة اجر صيامها وقيامها رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم الاول فالاول فاذا خرج الامام طويت الصحف واستمعوا الخطبة والمهجر الى الصلاة كالمهدى بدنة ثم الذي يليه كالمهدى بقرة ثم الذي يليه كالمهدى كبشا حتى ذكر الدجاجة والبيضة رواه البغوي وفى الصحيحين نحوه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه ادخل الجنة وفيه اخرج منها ولا تقوم الساعة الا فى يوم الجمعة رواه مسلم وعنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان فى الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسال الله فيها خيرا الا أعطاه إياه متفق عليه وزاد مسلم قال وهى ساعة خفيفة وفى رواية لهما قال ان فى الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلى يسال الله خيرا فيها الا أعطاه إياه وعن ابى موسى الأشعري قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فى شان ساعة الجمعة هى ما بين ان يجلس الامام الى ان يقضى الصلاة رواه مسلم وعن ابى هريرة قال خرجت الى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه فحدثنى عن التورية وحدثته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان مما حدثته ان قلت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه اهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة الا وهى مصيحة يوم الجمعة من حين يصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة الا الجن والانس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى يسأل الله شيئا الا أعطاه إياه قال كعب ذلك فى كل سنة يوم فقلت بل فى كل جمعة فقرأ كعب التورية فقال صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابو هريرة فلقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسى مع كعب الأحبار وما حدثته فى يوم الجمعة فقلت قال كعب ذلك فى كل سنة قال عبد الله بن سلام كذب كعب فقلت له ثم قرأ كعب التورية فقال هى فى كل جمعة فقال عبد الله بن سلام صدق كعب ثم قال عبد الله بن سلام قد علمت اية ساعة هى قال

ابو هريرة فقلت أخبرني ولا تضن على فقال عبد الله بن سلام هى اخر ساعة فى يوم الجمعة قال ابو هريرة فقلت له وكيف يكون اخر ساعة فى يوم الجمعة وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى فيها وتلك الساعة لا يصلى فيها فقال عبد الله بن سلام الم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو فى صلوة حتى يصلى قال ابو هريرة فقلت بلى قال فهو ذاك رواه مالك وابو داود والترمذي والنسائي وعن أوس بن أوس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فاكثروا على من الصلاة فان صلوتكم معروضة على قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلوتنا عليك وقد رمت قال ان الله تعالى حرم على الأرض أجساد الأنبياء رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي والبيهقي وعن ابى لبابة عن ابن المنذر قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ان يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر فيه خمس خلال خلق الله آدم واهبط الله فيه آدم الى الأرض وفيه توفى الله آدم وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا الا أعطاه ما لم يسال حراما وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولاسماء ولا ارض ولا رياح ولا جبال ولا بحير الا وهى مشفق من يوم الجمعة رواه ابن ماجة وروى احمد عن سعد بن معاذ ان رجلا من الأنصار اتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أخبرنا عن يوم الجمعة ماذا فيه من الخير قال فيه خمس خلال وساق الى اخر الحديث وعن ابى هريرة قال قيل لاى شىء سمى الجمعة قال ان فيها طبقت طينة أبيك أدم وفيها الصعقة والبعثة وفيها البطشة وفى آخرها ثلث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له رواه احمد وعن ابى الدرداء قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثروا الصلاة علىّ يوم الجمعة فانه مشهود يشهده الملائكة وان أحدا لم يصل علىّ الا عرضت علىّ صلوته حتى يفرغ منها قال قلت وبعد الموت قال ان الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء فبنى الله حى يرزق رواه ابن ماجة وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من مسلم يموت يوم الجمعة او ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر رواه احمد والترمذي وقال هذا حديث غريب وليس اسناده بمتصل وعن انس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ليلة الجمعة ليلة أغر ويوم الجمعة يوم أزهر رواه البيهقي فى الدعوات الكبير (فائدة) ذكر الحافظ ابن حجر فى فتح الباري فى ساعة الجمعة بضعة وأربعين قولا واختار الجزري صاحب الحصن منها ما رواه مسلم من حديث ابى موسى هى ما بين ان يخرج الامام الى ان يقضى الصلاة واختار اكثر العلماء ما ذكر من حديث ابى هريرة عن عبد الله بن سلام هى اخر ساعة من يوم الجمعة

[سورة الجمعة (62) : آية 10]

وكذا روى النسائي وغيره من حديث جابر التمسوها اخر ساعة بعد العصر قال البيهقي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم هذه الساعة بعينها ثم انسيها كما انسى ليلة القدر روى ذلك ابن خزيمة فى صحيحه عن ابى سعيد قال سالنا عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال انى علمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر قال الأثرم لا يخلو هذه الأحاديث من أحد وجهين اما ان يكون بعضها أصح من بعض واما ان يكون هذه الساعة منتقلة فى الأوقات المذكورة كما تنتقل ليلة القدر فى ليالى العشر الأخير قلت ويمكن الجمع بين حديثى ابى موسى وعبد الله بن سلام بان عبد الله بن سلام كان يحكى عن التورية ولم يكن فى زمن موسى عليه السلام يصلى صلوة الجمعة بل كانوا يعظمون السبت ويصلون فيه فاذا لم يصل صلوة الجمعة فى قرية او بادية فالساعة فى حقهم اخر ساعة من الجمعة وإذا يصلى صلوة الجمعة فالساعة فى حقهم ساعة الصلاة كما يدل عليه حديث ابى موسى وليس غير هذين القولين قولا له سند معتمد عليه والله تعالى اعلم (فصل) عن ابى هريرة انه صلى الله تعالى عليه واله وسلم كان يقرأ فى الركعة الاولى من صلوة الجمعة سورة الجمعة وفى الركعة الثانية سورة المنافقين رواه مسلم وعن النعمان بن بشير قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ فى العيدين وفى الجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية وربما اجتمعا فى يوم واحد فيقرء بهما رواه مسلم ولابى داود والنسائي وابن حبان من حديث سمرة انه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ فى صلوة الجمعة سبح اسم وهل أتاك حديث الغاشية وروى البغوي انه سئل النعمان بن بشير ماذا كان يقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة على اثر سورة الجمعة فقال كان يقرأ هل أتاك حديث الغاشية وعن ابى سعيد مرفوعا من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين وله شاهد من حديث ابن عمر فى تفسير ابن مردوية (فصل) عن جابر مرفوعا لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالفه فى مقعده ولكن ليقل افسحوا رواه مسلم عن أرقم بن أرقم مرفوعا الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بين الاثنين بعد خروج الامام كالجار فصيه رواه البيهقي وعن عبد الله بن عمر من لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهر رواه ابو داود. فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ اى أديت صلوة الجمعة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ اى الرزق امر اباحة بعد المنع لاجل الصلاة قال ابن عباس ان شئت فاخرج وان شئت فاقعد وان شئت فصل الى العصر وقيل فانتشروا فى الأرض ليس لطلب الدنيا ولكن لعيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ فى الله أخرجه ابن جرير من حديث انس مرفوعا وابن مردوية عن ابن عباس موقوفا

[سورة الجمعة (62) : آية 11]

وقال البغوي قال الحسن وسعيد بن جبير ومكحول وابتغوا من فضل الله هو طلب العلم فعلى هذه الأقوال الأمر للاستحباب وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً فى مجامع أحوالكم ولا تحصوا ذكره بالصلوة عن عمر بن الخطاب ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من دخل السوق فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحى ويميت وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شىء قد يركتب الله له الف الف حسنة ومحى عنه الف الف سيئة ورفع له الف الف درجة رواه الترمذي وقال غريب رواته ثقات الا أزهر بن سنان ففيه خلاف وعن عصمة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب الأعمال الى الله سبحانه الحديث وابغض الأعمال الى الله التحريف قلنا يا رسول الله ما سبحانه قال يكون القوم يتحدثون والرجل يسبح قلنا يا رسول الله وما التحريف قال القوم يكونوا بخير فيسالهم الجار والصاحب فيقولون نحن بشر رواه الطبراني لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ اى لكى تفلحوا بخير الدارين اخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة إذا قبلت عير قد قدمت فخرجوا إليها حتى لم يبق الا اثنا عشر رجلا وقال ابن عباس فى رواية الكلبي لم يبق فى المسجد الا ثمانية رهط وفى صحيح ابى عوانة ان جابرا قال كنت فيمن بقي رواه الدار قطنى بلفظ فلم يبق الا أربعون رجلا واسناده ضعيف تفرد به على بن عاصم وخالف اصحاب حصين فيه وروى العقيلي من حديث جابر ايضا وزاد كان من الباقين ابو بكر وعمر وعثمن وعلى وطلحة والزبير وسعد وسعيد وابو عبيدة او عمار الشك من اسد بن عمر الراوي وبلال وابن مسعود وهؤلاء أحد عشر رجلا وجابر ثانى عشر فانزل الله تعالى. وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا اى تفرقوا إِلَيْها الجملة الشرطية معطوفة على الشرطية السابقة وفيها التفات من الخطاب الى الغيبة أفرد الضمير للتجارة برد الكناية إليها لانها المقصود فان المراد من اللهو الطبل الذي كانوا يستقبلون به العير والترديد للدلالة على ان منهم من انفض لمجرد سماع ورويته واخرج ابن جرير عن جابر ايضا قال كان الجواري إذا نكحوا كانوا يموون بالكبر والمزامير ويتركون النبي - صلى الله عليه وسلم - قائما على المنبر فينفضون إليها فنزلت قال صاحب لباب النقول فكانها نزلت فى الامرين معا قال ثم رايت ابن المنذر أخرجه عن جابر بقصة النكاح وقدوم العير معا من طريق واحد وانها نزلت فى الامرين فلله الحمد وعلى هذا فالوجه لافراد الضمير راجعا الى التجارة للدلالة على ان الانفضاض الى التجارة مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموما كان الانفضاض الى اللهو أول بذلك

وقيل تقديره إذا راوا تجارة انفضوا إليها وإذا راوا لهوا انفضوا اليه وقال الحسن وابو مالك أصاب اهل المدينة جوع وغلا سعر فقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة فلما راوه قاموا اليه بالبقيع خشوا ان يسبقوا اليه فلم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الارهط منهم ابو بكر وعمر رض فنزلت هذه الاية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفس محمد بيده لو نتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد سال بكم الوادي نارا وقال مقاتل بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة إذ اقبل دحية بن خليفة الكلبي من الشام بالتجارة فكان إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق الا أتته وكان يقدم إذا قدم بكل ما يحتاج اليه من دقيق ويرو غيره فنزل عند أحجار الزيت وهو مكان من سوق المدينة ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج اليه الناس ليبتاعوا منه فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل ان يسلم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر يخطب فخرج اليه الناس فلم يبق فى المسجد الا اثنا عشر رجلا وامرأة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كم بقي فى المسجد فقالوا اثنا عشر رجلا وامرأة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لولا هؤلاء لقد سومت لهم الحجارة من السماء فانزل الله هذه الاية وأراد باللهو الطبل قيل كانت العير إذا قدمت المدينة استقبلوها بالطبل والتصفيق وَتَرَكُوكَ قائِماً تخطب كذا صرح مسلم فى رواية انهم انفضوا وهو يخطب ورجحه البيهقي على رواية من روى وهو يصلى يجمع بينهما بان يراد من قال وهو يصلى يخطب مجازا وقد مر فيما سبق حديث كعب بن عجرة وقال علقمة سئل عبد الله كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قائما او قاعدا قال اما تقرأ وتركوك قائما وفى قصة انفضاض الناس فى حالة الخطبة وبقاء اثنى عشر رجلا دليل على جواز الجمعة باقل من أربعين رجلا واحتمال انه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل بهم الجمعة وصلى الظهر او انهم رجعوا الى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الانفضاض او اجتمع اليه رجال آخرون غيرهم فصلى بهم امر لا يقتضيه سياق القصة ولا دليل عليه ولو كان شىء من الاحتمالات المذكورة لنقل والله تعالى اعلم وليس فى القصة دليل على اشتراط اثنى عشر رجلا كما قال بعضهم كما انه لا دليل فى قصة اسعد بن زرارة انه صلى أول جمعة جمع بأربعين رجلا على اشتراط أربعين رجلا ولا فى صلوته صلى الله عليه وسلم فى بنى سالم بن عمرو بماية رجل على اشتراط الماية والله تعالى اعلم (مسئله) لو شرع الامام الصلاة بعدد ينعقد بهم الجمعة على اختلاف الأقوال فذهب منهم واحد ولم يبق ذلك العدد قال ابو حنيفة رح ان ذهب قبل سجود الامام فى الركعة الاولى بطلت الجمعة ويستانف بالظهر وان ذهب بعد سجوده أتمها جمعة وقال مالك ان انفضوا بعد تمام الركعة بسجدتيها أتمها جمعة وقال احمد ان انفضوا بعد إحرام أتمها جمعة وقال الشافعي رح فى أصح أقواله ان بقاء الأربعين

الى اخر الصلاة شرط كما ان بقاء الوقت شرط الى اخر الصلاة ولو نقص من الأربعين واحد قبل أن يسلم الامام يجب على الباقين أن يصلوها أربعا ظهرا وفى قول للشافعى أن بقي معه اثنان أتمها جمعة وفى قول له ان بقي واحد أتمها جمعة وعند المزني ان انفضوا بعد ما صلى بهم الامام ركعة أتمها جمعة وان لم يبق مع الامام واحد وان كان فى الركعة الاولى يتمها أربعا ان انتقص من أربعين واحد وقال زفران نفروا قبل القعده بطلت الجمعة واستأنف ظهرا (مسئله) إذا أدرك المسبوق مع الامام شيئا من الصلاة سواء أدرك قعدة او سجدة سهو أتمها جمعة عند ابى حنيفة رح وعند مالك والشافعي واحمد ان أدرك ركعة أدرك الجمعة وأتمها وان أدرك دونها أتمها ظهرا وقال طاؤس لا يدرك الجمعة ما لم يدرك الخطبتين والله تعالى اعلم قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب على الصلاة والثبات مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ فان ذلك محقق قوى محلا بخلاف ما يتوهمون من نفعها وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لانه يوجب الأرزاق فاياه فاسئلوا ومنه اطلبوا (مسئله) يستجب الإجمال فى طلب الرزق والاقتصاد ويكره الحرص وحب المال عن ابى حميدى الساعدي ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال اجملوا فى طلب الدنيا فان كلكم ميسر لما كتب له رواه الحاكم وابو الشيخ وابن ماجة نحوه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا ايها الناس ان الغنى ليس عن كثرة العرض لكن الغنى غنى النفس وان الله يؤتى عبده ما كتب له من الرزق فاجملوا فى الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم رواه ابو يعلى وسنده حسن واوله متفق عليه وعن ابى الدرداء قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الرزق ليطلب العبد كما يطلب الاجل رواه ابن حبان والبزاز والطبراني ولفظه ان الرزق ليطلب العبد اكثر مما يطلبه وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لوفر أحدكم من رزقه أدركه كما يدركه رواه الطبراني فى الأوسط والصغير بسند حسن وعن سعد بن ابى وقاص يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفى رواه ابو عوانة وابن حبان وعن ابى ذر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصبح وهمه الدنيا فليس من الله فى شىء ومن لم يهتم بالمسلمين فليس منهم ومن اعطى الذلة فى نفسه طايعا غير مكره فليس منا رواه الطبراني وعن كعب بن مالك قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ذئبان جايعان أرسلا فى غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والسرف رواه الترمذي وصححه هو وابن حبان وعن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول اللهم انى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمع رواه النسائي وهو عند مسلم والترمذي من حديث زيد بن أرقم عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان لابن آدم واديان من مال لا تبغى إليهما ثالثا وما يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب.

سورة المنافقون

سورة المنافقون مدنية وهى احدى عشرة اية وفيها ركوعان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج البخاري وغيره عن زيد بن أرقم قال سمعت عبد الله بن ابى يقول لاصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكرت ذلك لعمى فذكر ذلك عمى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعانى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته فارسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى عبد الله بن ابى وأصحابه فحلفوا ما قالوا فكذبنى وصدقه فاصابنى شىء لم يصبنى قط مثله فقال عمى ما أردت الا ان كذبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومقتك فانزل الله عز وجل إذا جاءك المنافقون فبعث الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأها ثم قال ان الله صدقك وذكر محمد بن اسحق وغيره من اهل السير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغه ان بنى المصطلق يجتمعون لحربه وقايدهم الحارث بن ضرار ابو جويرية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استخلف على المدينة زيد بن الحارثة فيما قال محمد بن عمرو وابن سعد وقال ابن هشام أبا ذر الغفاري وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقاد المسلمون ثلثين فرسا منه عشرة للمهاجرين منهما فرسان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر كثير من المنافقين ليصيبوا من عرض الدنيا فلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنى المصطلق على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قد يد الى الساحل وتهيا الحارث للحرب فصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب فهادى فى الناس قولوا لا اله الا الله تمتعوا بها أنفسكم وأموالكم ففعل ذلك عمر قالوا فتراموا بالنبل وتزاحف الناس فاقتتلوا فهزم الله سبحانه بنى المصطلق وقتل من قتل منهم ونقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبنائهم ونسائهم وأموالهم فافاءها الله عليه فبينما الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بنى غفار يقال له جهجاه بن سعيد الغفاري يقود له فرسه فازدحم جبجاه؟؟؟ وسنان بن وبرة الجهني حليف ابن عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا وضرب جهجاه سنانا فسال الدم فصرخ الجهني يا معشر الأنصار وصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين وأعان جهجاه رجل من المهاجرين يقال له جعال فاقبل جمع من الحنين وشهر السلاح حتى كادت ان يكون فتنة عظيمة فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما بال دعوى الجاهلية فاخبرها بالحال فقال دعوها فانها فتنة اى مذمومة فى الشرع ولينصر الرجل أخاه ظالما كان او مظلوما ان كان ظالما فلينهه فانه ناصر وان كان مظلوما

فلينصره ثم ان جماعة من المهاجرين كلموا عبادة بن الصامت وجماعة من الأنصار فكلموا سنانا فترك حقه وكان عبد الله بن ابى بن سلول جالسا وعنده عشرة من المنافقين مالك وسويد وقاعس وو أوس بن قبطى وزيد بن الصلت وعبد الله بن نبيل ومعتب بن قشير وفى القوم زيد بن أرقم رض غلام حديث السن فقال ابن ابى افعلوها فقد نافرونا وتكاثرونا فى بلادنا والله ما مثلنا ومثلهم الا كما قال القائل سمن كلبك يا كلك أنا والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل يعنى بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم اقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتم بانفسكم اجللتموهم بلادكم وقاسمتوهم أموالكم والله لو امسكتم من جعال ودونه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم وليتحولوا الى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينقضوا من حول محمد فقال زيد بن أرقم رض أنت والله الذليل القليل المبغض فى قومك ومحمد - صلى الله عليه وسلم - فى عز من الرحمن ومودة من المسلمين فقال عبد الله بن ابى اسكت فانما كنت العب فمشى زيد بن أرقم الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبره الخبر وكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبره وتغير وجهه فقال يا غلام لعلك كذبت عليه فقال لا والله يا رسول الله لقد سمعت فقال لعله اخطأ سمعك فقال لا والله يا رسول الله قال لعله شبه عليك قال لا والله يا رسول الله وشاع فى العسكر قول ابن ابى وليس فى الناس حديث الا ما قال ابن ابى وجعل الرهط من الأنصار يلومون الغلام ويقولون عمدت الى سيد قومك تقول عليه ما لم يقل وقد ظلمت وقطعت الرحم فقال زيد رض والله لقد سمعت ما قال والله ما كان فى الخزرج رجل أحب الى ابى من عبد الله بن ابى ولو سمعت هذه المقالة من ابى لنقلتها الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانى لا رجو ان ينزل الله على نبيه ما يصدق حديثى فقال عمر بن الخطاب رض دعنى اضرب عنقه يا رسول الله وفى رواية قال عمر مر عباد بن بشيرا وقال محمد بن مسلمة فلياتك راسه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف يا عمر إذا يحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه ولكن اذن بالرحيل وذلك فى ساعة لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتحل فيها فانه كان فى حر شديد ولم يكن يرتحل حتى يبرد ولم يشعر العسكر الا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد طلع على ناقته القصوى فارتحل الناس وأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى عبد الله بن ابى فاتاه فقال أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني فقال عبد الله والله الذي انزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وان زيد الكاذب وكان عبد الله فى قومه شريفا عظيما فقال من حضر من الأنصار من أصحابه يا رسول الله عسى ان يكون الغلام او هم

فى حديثه ولم يحفظ ما قاله فعذره النبي - صلى الله عليه وسلم - وفشت الملامة من الأنصار لزيد رض وكذبوه فقال له عمه وكان زيد معه ما أردت الا ان كذبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس ومقتوك وكان زيد بسائر النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستحى بعد ذلك ان يدنوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسار فكان أول من لقيه سعد بن عبادة ويقال أسيد بن حضير وبه جزم بن اسحق فقال السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته فقال عليه السلام وعليك ورحمة الله وبركاته قال يا رسول الله قد رحلت فى ساعة منكرة لم تكن نزحل فيها فقال او لم يبلغك ما قال صاحبك قال اى صاحب يا رسول الله قال ابن ابى زعم انه ان رجع الى المدينة اخرج الأعز منها الأذل فقال فانت يا رسول الله تخرجه ان شئت فهو الأذل وأنت أعز والعزة لله ولك وللمؤمنين ثم قال يا رسول الله ارفق به فو الله لقد جاء الله بك وان قومه ينظمون له الخرز فما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي فدارب بهم فيها لمعرفته بحاجتهم إليها ليتوجوه فجاء الله بك على هذا الحديث فلا يرى الا ان قد سلبته ملكه وبلغ عبد الله ابن ابى مقالة عمر بن الخطاب فجاء الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله ان كنت تريد ان تقتل فيما بلغك عنه فمرنى به فو الله لاحملن إليك راسه قبل ان تقوم من مجلسك هذا والله لقد علمت الخزرج ما كان رجل فيها ابر بوالديه منى وانى لا خشى يا رسول الله ان تامر به غيرى فيقتله فلا تدعنى نفسى انظر الى قاتل ابى يمشى فى الناس فاقتله فاقتل مومنا بكافر فادخل النار وعفوك أفضل منك وأعظم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا عبد الله ما أردت قتله وما أمرت به ونحسن صحبة ما كان بين أظهرنا فقال عبد الله يا رسول الله ان ابى كانت اهل هذه البحيرة قد اتقوا عليه ليتوجوه عليهم فجاء الله بك فوضعه ورفعنا بك ومعه قوم يطوفون به يذكرون أمورا قد غلب الله تعالى عليهم ثم سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس يومهم ذلك حتى امسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم حتى اذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا ان وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما وانما فعل ذلك ليشغل الناس عما كان من قول ابن ابى ثم راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل على ماء بالحجاز فوق البقيع يقال له البقعاء روى مسلم عن جابر بن عبد الله قال قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كانت قربت المدينة فهاجت الريح تكاد تدفن الراكب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثت هذه الريح لموت منافق فلما قدمنا المدينة إذا هو قد مات عظيم من عظماء المنافقين قال محمد بن عمر ولما اخذتهم الريح قالوا لم تهج هذه الريح الا لامر قد حدث بالمدينة

وانما بالمدينة الذراري والصبيان وكان بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبن عيينة بن حصين مده وكان ذلك عند انقضائها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس عليكم منها بأس ما بالمدينة درب إلا ملك يحرسها وما كان يدخلها عدد حتى تأتوها ولكن قد مات الذي بالمدينة منافق عظيم النفاق ولذلك عصفت الريح وكان المنافقين بموته غيظ شديد وهو زيد بن رفاعة بن التابوت مات ذلك اليوم كان كهفا للمنافقين قال محمد بن عمر عن جابر كانت الريح أشد ما كانت قط الى ان زالت الشمس ثم سكنت اخر النهار وذكر اهل المدينة انهم وجدوا مثل ذلك الريح حتى دفن عدو الله ثم سكنت قال عبادة بن الصامت يومئذ لابن ابى مات مات خليلك الذي من موته فتح للاسلام واهله زيد بن رفاعة بن التابوت قال يا ويلاء كان والله كان قال من أخبرك يا أبا وليد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا انه مات هذه الساعة فسقط فى يديه وانصرف كيبا حزينا قال محمد بن عمر من حديث ابن عمر انه فقدت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القصوى من بين الإبل فجعل المسلمون يطلبونها من كل وجه فقال زيد بن الصلت وكان منافقا وهو فى جماعة والأنصار منهم عبادة ابن بشر بن وقس وأسيد بن حضير فقال اين يذهب هؤلاء فى كل وجه قالوا يطلبون ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ضلت قال أفلا يخبره الله تعالى بمكانها فانكر عليه القوم فقالوا قاتلك الله يا عدو الله نافقت ثم اقبل عليه أسيد بن حضير فقال فو الله لولا انى لا أدرى ما يوافق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك لانفذت حصك بالرمح يا عدو الله فلم خرجت معنا وهذا فى نفسك قال خرجت لا طلب عرض الدنيا ولعمرى ان محمدا ليخبرنا بأعظم من شان الناقة يخبر عن امر السماء وتعودوا به جميعا فقالوا والله لا يكون منك سبيل ابدا ولا يظلنا وإياك أظل ابدا ولو علمنا ما فى نفسك ما صبحنا فوثب هاربا منهم ان يقعوا به ونبذوا متاعه فعمد الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس معه فرارا من أصحابه متعوذا به وقد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبرئيل بالوحى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمنافق يسمع ان رجلا من المنافقين قال ألا ضلت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لا يخبر الله بمكانها فلعمرى ان محمدا يخبرنا بأعظم من شان الناقة ولا يعلم الغيب الا الله وان الله سبحانه قد أخبرني بمكانها وانها فى الشعب مقابلكم قد تعلق زمامها بشجرة فاعمدوا نحوها فاتوا بها من حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما نظر إليها سقط فى يده فقام سريعا الى رفقائه الذين كانوا معه فاذا رجله منبوذ وإذا هم جلوس لم يقم رجل منهم من مجلسه فقالوا له حين دنى لا تدن منا أكلمكم فدنى فقال أنشدكم الله هل اتى منكم أحد محمدا فاخبره بالذي قلت قالوا لا والله ولا قمنا

من مجلسنا قال انى قد وجدت عند القوم ما تكلمت به وتكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخبرهم عما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانى كنت فى شك فى شان محمد فاشهد ان محمدا رسول الله فكانى لم اسلم الا اليوم قالوا له فاذهب الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لك فذهب الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستغفر له واعترف بذنبه ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى وادي العقيق تقدم عبد الله بن عبد الله بن ابى فجعل يتصفح الركاب حتى مر أبوه فاناخ به ثم وطى يد راحلته فقال أبوه ما تريد يا لكع قال والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله وتعلم أيهما الأعز من الأذل أنت او رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن مر به من المسلمين يسرع عبد الله ويمر غير ذلك فيقول تصنع هذا بأبيك حتى مر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسال عنه فقيل عبد الله بن أبى يابى لابيه حتى تأذن له فمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله واطئ على يد راحلة أبيه وابن ابى يقول لانا أذل من الصبيان لانا أذل من النساء فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خل عن أبيك فخلى عنه روى محمد بن عمر عن رافع بن خديج قال سمعت عبادة بن الصامت يقول يومئذ لابن ابى قبل ان ينزل فيه القران ايت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لك قال فرايت يلوى راسه معرضا يقول عبادة والله لينزلن الله تعالى فى لى راسك قرانا يصلى به قال فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير من يومه وزيد بن أرقم يعارض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راحلته يريد وجهه فى السير إذا نزل عليه الوحى قال زيد ابن أرقم فما هو الا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ البرحات ويعرق جبينه ويثقل يد راحلته عرفت ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوحى اليه ورجوت ان ينزل الله لصدقى قال زيد فسرى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخذ بأذني وانا على راحلتى حتى ارتفعت عن مقعدى ويرفعهما الى السماء وهو يقول وفت اذنك يا غلام وصدق الله حديثك ونزلت سورة المنافقين فى ابن ابى من أولها الى آخرها وحده وجعل بعد ذلك ابن ابى إذا حدث حدثا كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب حين بلغه شانهم كيف ترى يا عمر قال انى والله لقد علمت لامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بركة أعظم من بركته فهذه الرواية تدل على ان سورة المنافقين نزلت فى السفر قبل حلول المدينة وقال البغوي فلما وافى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة قال زيد بن أرقم جلست فى البيت لما بي من الهم والحياء فانزل الله تعالى سورة المنافقين فى تصديق زيد وتكذيب عبد الله بن ابى فلما نزلت أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإذن زيد وقال يا زيد ان الله صدقك واوفى بإذنك قالوا فلما نزلت الاية وبان كذب عبد الله بن ابى قيل له يا أبا خباب انه قد نزل فيك آي شداد فاذهب الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لك فلوى راسه قال أمرتموني ان أومن

فامنت فامرتمونى ان اعطى زكوة مالى فقد أعطيت فما بقي الا ان اسجد لمحمد فانزل الله وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤسهم الاية ولما دخل ابن ابى المدينة لم يلبث الا أياما قلائل حتى اشتكى ومات (فائده) كانت تلك الوقعة فى شعبان سنة ست كذا قال ابن اسحق وبه جزم خليفة بن خياط والطبري وقال قتادة وعروة كانت فى شعبان سنة خمس وفى ذلك الوقعة تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية بنت الحارث بن ابى ضرار روى محمد بن اسحق واحمد وابو داود ومحمد بن عمر عن عائشة قالت كانت جويرية امرأة حلوة ملاحة لا يكاد يراها أحدا لا أخذت بنفسه فبينا النبي - صلى الله عليه وسلم - عندى على الماء إذ دخلت جويرية تساله فى كتابتها فو الله ما هو ان زيتها فكرهت دخولها على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعرفت انه سيرى منها مثل الذي رايت فقالت يا رسول الله انى امرأة مسلمة اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله وانا جويرية بنت الحارث بن ابى ضرار سيد قومه أصابنا من الأمر ما قد علمت ووقعت فى سهم ثابت بن قيس ابن شماس وابن عمه فتخلصنى من ابن عمه يتخلدت بالمدينة فكاتبنى على ما لا طاقة لى ولا بد ان وما اكرينى الا انى رجوتك - صلى الله عليه وسلم - فاعنى فى مكاتبتى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - او خير من ذلك فقالت ما هو يا رسول الله قال أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك فقالت نعم يا رسول الله قد فعلت فارسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى ثابت بن قيس فطلبها منه فقال ثابت هى لك بابى وأمي فادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان من كتابتها وأعتقها وتزوجها وخرج الى الناس ورجال بنى المصطلق قد اقتسموا وملكوا وطى نسائهم فقال المسلمون اصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتقوا ما بايديهم من ذلك الشيء قالت عائشة فاغتق ماية اهل بيت بتزويج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها فلا امرأة أعظم بركة على قومها منها روى محمد بن عمر عن حرام بن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت جويرية رايت قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث ليال كان القمر يسير من يثرب حتى وقع فى حجرى فكرهت ان أخبرها أحدا من الناس حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما سبينا رجوت الرؤيا فلما أعتقني وتزوجنى فو الله ما كلمت فى قومى حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم وما شعرت الا بجارية من بنات عمى تخبرني الخبر فحمدت الله ثم روى الحافظ بن عايد انه اقبل الحارث بن ابى ضرار ابو جويرية فى فدائها فلما كان بالعقيق نظر الى ابله التي يفدى بها ابنته فرغب فى بعيرين منها كانا من أفضلها تغيبهما فى شعب من شعاب العقيق ثم اقبل الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا محمد أصبتم ابنتي وهذا فدائها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاين البعيرين الذين غيبت بالعقيق يشعب كذا وكذا فقال الحارث اشهد انك رسول الله

[سورة المنافقون (63) : آية 1]

ولقد كان منى فى البعيرين وما اطلع على ذلك الا الله تعالى فاسلم وروى محمد بن عمر فكان ابو سعيد يقول فقدم علينا وافدهم فافتدوا الذرية والنساء ورجعوا الى بلادهم (فائده) فيما سبق من القصة ان النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاهم الى الإسلام قبل القتال وروى الشيخان عن ابن عون كتبت الى نافع اساله عن الدعاء قبل القتال فكتب الى انما كان ذلك فى أول الإسلام قد أغار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بنى المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم الحديث وفيه حدثنى هذا الحديث عبد الله بن عمرو كان فى ذلك الجيش بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ عبد الله بن ابى وأصحابه قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ الشهادة اخبار عن علم من الشهود وهو الحضور والاطلاع ولذلك صدق الله سبحانه المشهود به وكذبهم فى الشهادة لعدم صدور ذلك الاخبار عن علم يقينى فقال وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ الله وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ فى اخبارهم ان هذا القول صادر عن علمهم وإذعانهم حتى يصدق على هذا القول لفظ الشهادة هذا على تقدير كون كلمة تشهد اخبار او اما لو قيل انه إنشاء للشهادة فهو لا يحتمل الصدق والكذب والمشهود به اعنى قولهم انك لرسول الله كلام صادق البتة لا ريب فيه فمعنى قوله والله يشهد ان المنفقين لكاذبون انهم كاذبون فى زعمهم والله اعلم وزعم النظام من المعتزلة ان الصدق ما طابقته الاعتقاد والكذب ما لم يطابقه مستدلا بهذه الاية وليس كما قال. اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ يعنى حلفهم الكاذب او شهادتهم هذه فانها من ألفاظ الحلف جُنَّةً وقاية عن القتل والسبي والجملة صفة لكاذبون او مستانفة فَصَدُّوا صدودا اى اعرضوا وامتنعوا وصدوا صدا اى صرفوا ومنعوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى الدخول فى دين الإسلام إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من نفاقهم وصدهم. ذلِكَ الحال من النفاق واتخاذ الايمان جنة والصد بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم آمَنُوا ظاهرا عند المؤمنين ثُمَّ كَفَرُوا إذا خلو الى شياطينهم او أمنوا إذا رأو اية ثم كفروا إذا سمعوا من شياطينهم شبهة فَطُبِعَ عطف على كفروا يعنى طبع الله عَلى قُلُوبِهِمْ بحيث سلب عنها ادراك الحق فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ حقيقة الايمان الفاء للسببية. وَإِذا رَأَيْتَهُمْ عطف على اتخذوا تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ ط لضخامتها وصباحتها وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ط فتحسب انه صدق قال ابن عباس كان ابن ابى جسيما فصيحا ذلق اللسان فاذا قال سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ قرأ ابو عمرو والكسائي وقنبل بسكون

[سورة المنافقون (63) : آية 5]

الشين على التخفيف او على انه كبدن جمع بدنة والباقون بضمها على وزن اسد مُسَنَّدَةٌ ط جملة التشبيه حال من الضمير المجرور فى قولهم اى يسمع لقولهم حال كونهم مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة الى الحيطان فى كونهم أشباحا خالية عن العلم والعرفان والعقل السليم يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ط اى واقعة عليهم لما فى قلوبهم من الرعب وقيل ذلك لكونهم على وجل من ان يظهر نفاقهم ويباح دمائهم فلا يسمعون صحة فى العسكر بان نادى منادا وانفلتت دابة او أنشدت ضالة الا ظنوا انه امر بقتلهم وأدركوا فعلى هذا عليهم مفعول ثان ليحسبون وجاز ان يكون عليهم ظرفا لغوا متعلقا بصيحة والمفعول الثاني هُمُ الْعَدُوُّ وعلى هذا الضمير راجع الى الكل وجمعه بالنظر الى الخبر لكن ترتب قوله فَاحْذَرْهُمْ يابى عن هذا التأويل بل هو قرينة على ان ضميرهم العدو راجع الى المنافقين يعنى هم الكاملون فى العداوة امر الله سبحانه بالحذر عنهم يعنى لا تصاحبهم ولا تامنهم لانه من خاف على نفسه كثيرا يكون كاملا فى العداوة لا يبالى بايصال الشر بمن يخاف منه قاتَلَهُمُ اى لعنهم اللَّهُ دعاء وطلب من ذاته ان يلعنهم وتعليم للمؤمنين ان يدعوا عليهم بذلك أَنَّى يُؤْفَكُونَ اى كيف يصرفون عن الحق اخرج ابن جرير وقتادة وابن المنذر عن عكرمة مثله وقد ذكرنا سابقا فى القصة انه قيل لعبد الله بن ابى لو أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستغفر لك فجعل يلوى راسه فنزلت. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ مجزوم على جواب الأمر لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا جزاء للشرط قرأ نافع ويعقوب بالتخفيف والباقون بالتشديد اشعارا بانهم فعلوها مرة بعد اخرى يعنى اعرضوا واعطفوا رُؤُسَهُمْ استكبارا عن ذلك وَرَأَيْتَهُمْ ايها الحاضر عند ذلك القول يَصُدُّونَ صدودا اى يعرضون عن الاستغفار وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عن الاعتذار حال من فاعل يصدون اخرج ابن المنذر عن عروة ومجاهد وقتادة مثله انه لما نزلت استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا زيدن على سبعين فانزل الله تعالى. سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ استغفرت مع ما عطف عليه بتأويل المصدر مبتداء وسواء خبره والمعنى استغفارك لهم وعدمه مستو عليهم وقوله لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ط بيان للاستواء واخرج ابن المنذر من طريق العوفى عن ابن عباس قال لما نزلت اية براءة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمع ابى وقد رخص لى فيهم فو الله لاستغفرن اكثر من سبعين مرة لعل الله يغفر لهم فنزلت هذه الاية إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ

[سورة المنافقون (63) : آية 7]

الخارجين من مظنة الاستصلاح لانهما كهم فى الكفر والنفاق. هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ للانصار تعليل لعدم الغفران لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ يعنى جهجاه وأمثاله من فقراء المهاجرين حَتَّى يَنْفَضُّوا ط يتفرقوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ اى نعماء الجنة والمطر وتقدير الرزق وَالْأَرْضِ من الأرزاق وبيده ملكوت كل شىء لا يعطى أحد أحدا أشياء الا باذنه وتقديره ولا يمنعه الا بمشيته والجملة حال من فاعل يقولون وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ذلك لجهلهم بالله وقدرته ولو فقهوا لما قالوا مثل ذلك. يَقُولُونَ بدل من يقولون فيما سبق فان عدم الانفاق فى زعمهم موجب لضعف النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعفه سبب لخروجه من المدينة فكانه امتناعه من الانفاق إخراج أسند الله سبحانه هذا القول الى جميع المنافقين وان كان القائل منهم واحد وهو ابن ابى لرضا الباقين بهذا القول الخبيث لَئِنْ رَجَعْنا من سفرنا هذا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ لا لغيره الْعِزَّةُ الغلبة والقوة حقيقة حال من فاعل يقولون الثاني وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ باعزازه تعالى إياهم واظهار دينه ونصرهم على الأعداء وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ع ذلك لفرط جهلهم وغرورهم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ لا يشغلكم أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ اى تدبيرها والاهتمام بها عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ج قال المفسرون يعنى الصلوات الخمس واللفظ أعم من ذلك يشهل جميع العبادات وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ الاشتغال المانع من الذكر فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ حيث باعوا الجليل الباقي بالحقير الفاني كان فيما سبق تشنيع المنافقين صريحا وفى هذه الاية وما بعده تعريض بتشنيعهم فان الاشتغال بالأموال والأولاد عن الصلاة وترك الزكوة وسوال تأخير الموت وتمنيه انما هو شان المنافقين لا ينبغى للمؤمنين التشبيه بهم فى شىء من ذلك. وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ عطف على لا تلهكم قال ابن عباس يريد زكوة الأموال مِنْ قَبْلِ ظرف لا نفقوا أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ اى يرى دلايله وحينئذ يوصى عن ابى هريرة قال قال رجل يا رسول الله اى الصدقة أعظم اجرا قال ان تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا وقد كان لفلان متفق عليه فَيَقُولَ رَبِّ بعد الموت ان لم يتصدق فى الحيوة تحسرا لَوْلا اى هلا أَخَّرْتَنِي

[سورة المنافقون (63) : آية 11]

وقيل لا زائدة ولو للتمنى يعنى لو أخرتني اى أمهلتني فى الدنيا بتأخير الموت إِلى أَجَلٍ أمد قَرِيبٍ غير بعيد فَأَصَّدَّقَ أصله فاتصدق قلبت التاء بالصاد فادغمت منصوب على جواب التحضيض تقديره لولا كان منك تاخيرى فى الدنيا فتصدق منى وَأَكُنْ قرأ ابو عمرو أكون بالواو منصوبا عطفا على اصدق قالوا انما حذفت الواو فى رسم خط المصحف اختصارا والباقون بغير واو مجزوما على الرسم لتوهم الجزم فى اصدق على تقدير ترك الفاء فكانه عطف على موضع الفاء وما بعده مِنَ الصَّالِحِينَ اى من المؤمنين هذا قول مقاتل وجماعة قالوا أنزلت الاية فى المنافقين وقيل الاية نزلت فى المؤمنين والمراد بالصلاح إتيان الواجبات وترك المنهيات قال البغوي روى الضحاك وعطية عن ابن عباس قال ما من أحد يموت وكان له مال لم يؤد زكوته وأطاق الحج ولم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت وقرأ هذه الاية وقال أكن من الصالحين أحج. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً اى يمهلها وان تمنى الجملة حال من فاعل فيقول ربّ لولا أخرتني والعائد وضع المظهر موضع المضمر إِذا جاءَ أَجَلُها وانتهى عمرها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فجاز عليه قرأ ابو بكر بالياء على الغيبة ليوافق ما قبله والباقون بالتاء للخطاب والله تعالى اعلم.

سورة التغابن

سورة التّغابن مدنية وهى ثمانى عشرة اية وفيها ركوعان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ قد مر تشريحها لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ قدم الظرفان للدلالة على الحصر والجملة الظرفية حال من الله وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لان نسبة ذاته المقتضية للقدرة الى كل ممكن على السواء. هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ط يعنى خلقكم الله تعالى ثم صار بعضكم كافرا وبعضكم مؤمنا يدل على ذلك فاء التعقيب كما فى قوله تعالى والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين الاية وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من الايمان والكفر والطاعة والمعصية بَصِيرٌ فيجازيكم عليه ليس فى هذه الاية دليل للمعتزلة على ان الايمان والكفر ليسا بتقدير الله تعالى ولا مخلوقا له بل مخلوقا للعبد فان الأشياء كلها مقدرة فى الأزل قال الله تعالى كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ وافعال العباد التي فيه نوع اختيار للعبد حيث يسمى العبد كاسبا لها ويترتب عليها الثواب او العذاب كلها مخلوقة لله تعالى قال الله تعالى خلقكم وما تعملون هذا هو المذهب الصحيح الذي انعقد عليه اجماع الصحابة ومن بعدهم لا يجوز تاويل الآيات على خلاف هذا المذهب فانها مفضية الى النار قال الله تعالى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ عن انس بن مالك قال وكل الله بالرحم ملكا فيقول اى رب نطفة اى رب علقة اى رب مضغة فاذا أراد الله ان يقضى خلقها قال رب إذ كرام أنثى أشقى أم سعيد فما الرزق فما الاجل فيكتب كذلك فى بطن امه رواه البخاري وفى الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا نحو ذلك وفى آخره فو الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيدخلها وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو مرفوعا كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة قال وعرشه على الماء وفى الباب أحاديث كثيرة وروى عن ابن عباس فى تفسير الاية انه قال ان الله خلق بنى آدم مؤمنا وكافرا ثم يعيدهم كما خلقهم مؤمنا وكافرا يعنى خلقهم مقدرا من بعضهم كفره موجها اليه ما يحمله عليه ومن بعضهم إيمانه موفقا لما يدعوه اليه روى البغوي عن ابن عباس عن ابى بن كعب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا وقال

[سورة التغابن (64) : آية 3]

الله تعالى ولا يلدوا الا فاجرا كفارا. خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ متلبسا بالحكمة البالغة دالة على صانع حكيم وَصَوَّرَكُمْ ايها الناس فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ من ساير الحيوانات ظاهرا وباطنا وزينكم بأحسن أوصاف الكائنات صالحا للعلم والعقل والمعرفة وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ فلا تضيعوا استعدادكم باختيار الرذائل فتحشرون على أقبح الصور. يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ راى بالاسرار والمعتقدات التي فى الصدور ولا يخفى عليه ما يصلح ان يعلم كليا كان او جزئيا لان نسبته بكل شىء على السواء قدم ذكر القدرة على العلم لان دلالة المخلوقات على قدرة الخالق اولا وبالذات وعلى علمه بما فيها من الإتقان والاختصاص ببعض الانحاء وتكرير ذكر العلم بمنزلة تكرير الوعيد على إتيان ما يخالف امره ورضاه وقوله يعلم مع ما عطف عليه خبر ثالث لقوله هو فى هو الذي خلقكم. أَلَمْ يَأْتِكُمْ يا ايها الكفار نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ اى قبلكم قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط واصحاب الايكة وغيرهم فَذاقُوا عطف على كفروا والفاء للسببية وَبالَ أَمْرِهِمْ اى ضرر كفرهم فى الدنيا وأصله الثقل ومنه الوبيل للطعام الثقيل والوابل للمطر الثقيل وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فى الاخرة. ذلِكَ العذاب فى الدنيا والاخرة بِأَنَّهُ اى بسبب انه كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات والدلائل الواضحة فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا البشر اسم جنس يطلق على الواحد والكثير ولما كان المراد هاهنا الجمع قال يهدوننا ولم يقل يهدينا استفهام للانكار أنكروا وتعجبوا من كون البشر رسلا من الله هداة اليه فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا عن التدبر فى المبينات وَاسْتَغْنَى اللَّهُ عن كل شىء فضلا عن طاعتهم وانما كان إرسال الرسل تفضلا ومنة من الله تعالى عليهم والراضي بالضرر لا يستحق النظر وَاللَّهُ غَنِيٌّ من كل شىء حَمِيدٌ فى نفسه لا يحتاج الى من يحمده. زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا تقديره انهم لن يبعثوا ان مع جملتها قائم مقام مفعول زعم والزعم ادعاء العلم قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ بيان لقوله بلى أكد الجواب بالقسم ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ من الخير والشر يعنى تحاسبون وتخبرون بأعمالكم وَذلِكَ البعث والحساب عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لا مكان الموعود وكمال القدرة. فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ محمد تفريع على وجوب البعث وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا يعنى القران فانه باعجازه ظاهر الحقيقة بنفسه مظهر لغيره من الشرائع والاحكام

[سورة التغابن (64) : آية 9]

والاخبار وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ مجاز عليكم. يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ الظرف لمضمون بما تعملون خبير يعنى مجازيكم فى ذلك اليوم او لقوله تعالى لتنبئون او مقدر باذكر قرأ يعقوب نجمعكم بصيغة المتكلم لِيَوْمِ الْجَمْعِ يعنى يوم القيامة يجمع فيه الملائكة والثقلان كلهم أولهم وآخرهم واللام للتعليل والمعنى يجمعكم لاجل ما يكون فى يوم الجمع من الحساب والجزاء ذلِكَ اليوم يَوْمُ التَّغابُنِ ط تفاعل من الغبن يغبن فيه بعضهم بعضا لنزول السعداء فى الجنة مكان الأشقياء لو كانوا سعداء ولا عطاء المظلوم من حسنات الظالم عوض مظلمته مستعار من تغابن التجار اللام فيه للعهد يعنى يوم التغابن الحقيقي دون التغابن الدنيوي اخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جزير والحاكم وصححه عن ابى هريرة قال يرثون اى المؤمنون مساكنهم ومساكن إخوانهم يعنى الأشقياء التي أعدت لهم لو أطاعوا الله واخرج سعيد بن منصور وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية والبيهقي فى البعث بسند صحيح عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما منكم من أحد الا وله منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار فاذا مات فدخل النار ورث اهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون وفى الصحيحين من حديث انس ان العبد إذا وضع فى قبره أتاه ملكان فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل محمد - صلى الله عليه وسلم - فاما المؤمن فيقول اشهد انه عبد الله ورسوله فيقال له انظر الى مقعدك من النار قد أبدل الله به مقعدا من الجنة الحديث واخرج ابن ماجة عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فرمن ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة وروى مسلم والترمذي عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال ان المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلوة وصيام وزكوة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان قنت حساته قبل ان يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم وطرحت عليه ثم طرح فى النار وروى البخاري عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من كان عنده مظلمة لاخيه فليحلله منها فى الدنيا فانه ليس ثمه دينار ولا درهم ان كان عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وان لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه وفى حديث ابى هريرة مرفوعا عند الطبراني ما يوجد ثمه دوانق ولا قرار يط؟؟؟ ولكن حسنات هذا يدفع الى هذا الذي ظلمه وسيئات هذا الذي ظلمه يوضع عليه وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ عملا صالِحاً

[سورة التغابن (64) : آية 10]

يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ط قرأ نافع وابن عامر نكفر وندخل بالنون على التكلم والباقون بالياء التحتية على الغيبة وكذا فى سورة الطلاق يدخله ذلِكَ اى مجموع الامرين الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لانه جامع لدفع المضار وجلب المنفعة. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ النار كان الآيتين بيان التغابن وتفصيل له ان تفصيل لغاية الجمع المفهوم من يوم الجمعة تقسيم له. ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ من زائدة ومصيبة فى محل الرفع فاعل أصاب يعنى ما أصاب مصيبة أحدا من الناس بشئ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ط اى بتقديره وإرادته وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ويصدق انه ما أصابه من مصيبة الا بإذن الله ويعلم ان ما أصابك لم يكن ليخطيك وما أخطأك لم يكن ليصيبك يَهْدِ الله قَلْبَهُ ط اى يوفقه للصبر والرضا والتسليم عن ابن الديلمي قال أتيت ابى بن كعب فقلت له قد وقع فى نفسى شىء من القدر فحدثنى لعل الله يذهبه من قلبى فقال ان الله لو عذب اهل سمواته واهل ارضه عذبه وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو أنفقت مثل أحد ذهبا فى سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم ان ما أصابك لم يكن ليخطيك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك قال ثم أتيت حذيفة بن اليماني فقال مثل ذلك ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثنى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك رواه احمد وابو داود وابن ماجة وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ حتى القلوب وأحوالها. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ج عطف على قوله أمنوا بالله وما بينهما معترضات فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن طاعة الله ورسوله والفاء للسببية فان تبلغ الأمر بالايمان والطاعة سبب لقوله ان توليتم فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا محمد الْبَلاغُ الْمُبِينُ يعنى توليكم لا يضر محمدا شيئا إذ ليس الواجب عليه الا التبليغ وقد بلغ وضرر التولي يعود عليكم. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الجملة فى محل التعليل للامر بالايمان والطاعة وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ عطف على أمنوا وأطيعوا او فيه التفات من الخطاب الى الغيبة تقديره أمنوا وأطيعوا الله وعليه فليتوكلوا قدم الظرف للحصر فان حصر الخير والشر كما كان بتقديره وجب حصر التوكل عليه دون غيره وغير الأسلوب للدلالة على ان الايمان يقتضى التوكل لما ذكرنا هذا على تقدير كون الظرف متعلقا بما بعده وجواز تقديم الظرف على الفاء الجزائية

[سورة التغابن (64) : آية 14]

لتوسع فى الظرف والا فهو متعلق بفعل مقدر يفسره ما بعده وتقديره وان كنتم متوكلين على أحد فتوكلوا على الله فليتوكل المؤمنون عليه فحينئذ تكرير الأمر بالتوكل تأكيد او اشعار بان الايمان يقتضى التوكل اخرج الترمذي والحاكم وصححاه عن ابن عباس أن رجالا من اهل مكة اسلموا فابوا أزواجهم وأولادهم ان يدعوهم يعنى للهجرة الى المدينة قال البغوي منعهم أزواجهم وأولادهم وقالوا صبرنا على إسلامكم ولا نصبر على فراقكم فاطاعوهم فتركوا الهجرة فانزل الله تعالى. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ حيث يشغلكم عن طاعة الله فَاحْذَرُوهُمْ ج ولا تامنهم غوايلهم وشرهم ولا تطيعوهم حتى تدعوا الهجرة قال ابن عباس فيما روى عنه الترمذي والحاكم ثم انهم لما أتوا المدينة وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم راوا الناس قد فقهوا فى الدين فهموا ان يعاقبوهم يعنى الأزواج والأولاد والذين ثبطوهم عن الهجرة فانزل الله تعالى وَإِنْ تَعْفُوا منهم إذا اطلعتم على عداوة ولا تقاتلوهم بمثلها وَتَصْفَحُوا اى تعرضوا عن التوبيخ وَتَغْفِرُوا ذنوبهم وجملة ان تعفوا مع ما عطف عليه معطوفة على جملة ان من أزواجكم وأولادكم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعنى ان تعفوا وتغفروا يغفر الله لكم ويرحمكم اخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال نزلت سورة التغابن كلها بمكة الا هؤلاء الآيات يايها الذين أمنوا ان من أزواجكم وأولادكم نزلت فى عوف بن ملك الأشجعي كان ذا اهل وولد وكان إذا زاد الغزو بكوا اليه ورققوه فقالوا الى من تدعنا فرق ويقيم فنزلت هذه الاية وبقية الآيات الى اخر السورة بالمدينة ينى؟؟؟ انهم اعداء لكم يحملكم على ترك الطاعة والجهاد فاحذروهم ان تقبلوا منهم وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فلا تعاقبوهم على خلافهم إياكم يغفر الله ان الله غفور رحيم. َّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ يعنى ابتلاء من الله تعالى واختبار لكم فمن ادى حقوق الله تعالى وحقوق الناس مع كثرة العلائق والعوائق بعثه الله تعالى على منازل الأبرار وكان أفضل ممن أذى بلا عوايق ومن ثم راجع اهل السنة ان خواص البشر اعنى الأنبياء أفضل من خواص الملائكة وعوامهم اعنى الأولياء والصلحاء أفضل من عوامهم إذ لا عايق للملائكة عن طاعة الله تعالى ومن شغله الأموال والأولاد عن طاعة الله تعالى وأداء الحقوق وبعثه على ارتكاب المعاصي وناول الحرام رده الله الى أسفل السافلين اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ فاطلبوه واثروا محبته على محبة الأموال والأولاد والسعى لهم فائده ذكر الله سبحانه عداوة

[سورة التغابن (64) : آية 16]

الأزواج والأولاد وأورد هناك من التبعيضية لان بعض الأزواج والأولاد ليسوا كذلك ولم يورد من التبعيضية فى كونهم فتنة واختبارا لانها لا يخلو عن اشتغال القلب وقد ذكرنا فى سورة الجمعة فى حديث بريدة نزوله - صلى الله عليه وسلم - حين راى الحسن والحسين يمشيان ويعثران وحمله إياهما وقوله صدق الله انما أموالكم وأولادكم فتنة اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال لما نزلت اتقوا الله حق تقاته اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتفزحت جباههم فانزل الله تعالى تخفيفا للمسلمين. فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ عطف على أمنوا وأطيعوا والفاء للسببية فان الايمان سبب للتقوى يعنى ابذلوا فى تقواه جهدكم وطاقتكم وَاسْمَعُوا مواعظه وَأَطِيعُوا أوامره وَأَنْفِقُوا أموالكم فى سبيله خالصة لوجهه خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ ط منصوب بفعل مقدر يعنى افعلوا ما هو خير لانفسكم من اموال وأولاد فهو تأكيد للحث على امتثال ما سبق من الأوامر او منصوب على المفعولية بانفقوا الخير المال كما فى قوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خير الوصية او هو صفة لمصدر محذوف يعنى إنفاقا او خبر لكان المقدر جوابا للامر وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ سبق تفسيره فى سورة الحشر. إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ اما تقدير المضاف يعنى ان تقرضوا عباد الله والمراد به صرف المال فى طاعة الله ورجاء من الله تعالى الثواب والجزاء قَرْضاً حَسَناً يعنى مقرونا بالإخلاص وطيب النفس بريا من الريا والسمعة والمن والأذى منصوب على المصدرية يُضاعِفْهُ لَكُمْ اى يجعله لكم عشرا الى سبع مائة او اكثر قال الله تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة ماية حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعف من التفعيل والباقون من المفاعلة وَيَغْفِرْ لَكُمْ ببركة الانفاق جملة ان تقرضوا تعليل الأمر بالاتفاق وَاللَّهُ شَكُورٌ يعطى الجزيل بالقليل حَلِيمٌ لا يعاجل بالعقوبة. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ يعنى لا يخفى عليه شىء مما غاب عن الناس وما يشاهدونه او ما هو موجود الان وما وجد قبل ذلك وما سيوجد ولم يوجد بعد الْعَزِيزُ الغالب تام القدرة والعلم الاخبار الخمسة محمولة على اسم الله تعالى وجاز ان يكون عالم الغيب والشهادة خبر المبتدأ المحذوف اعنى هو الْحَكِيمُ.

سورة الطلاق

سورة الطّلاق مدنية وهى اثنتا عشرة اية وفيها ركوعان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الحاكم عن ابن عباس قال طلق عبد يزيد ابو ركانة أم ركانة ثم نكح امرأة مزينة فجاءت الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله ما يغنى عنى الا ما يغنى هذه الشعرة فنزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قال الذهبي الاسناد واه والخبر خطاء وعبد يزيد لم يدرك الإسلام واخرج ابن ابى حاتم من طريق قتادة عن انس قال طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية فاتت أهلها فانزل الله تعالى هذه الاية فقيل لها راجعها فانها صوامة قوامة واخرج ابن جرير عن قتادة مرسلا وابن المنذر عن ابن سيرين مرسلا واخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل فى هذه الاية قال بلغنا انها نزلت فى عبد الله بن عمرو بن العاص وطفيل بن عمرو بن سعيد بن العاص والله تعالى اعلم قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ خص النداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعم الخطاب بالحكم لانه امام امة فندائه كندائهم او لان الكلام معه والحكم يعمهم وقيل مجازة يا ايها النبي قل لامتك إذا طلقتم النساء اى أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له بمنزلة الشارع كما فى قوله تعالى إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وإذا قرأت القران فاستعذ بالله فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قال الشافعية اللام بمعنى الوقت اى وقت عدتهن وأيده البغوي بانه كان ابن عباس وابن عمر على ان الطلاق فى الحيض حرام لحديث ابن عمر انه طلق امرأته وهى حائض فى عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتغيظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فان بدأ له ان يطلقها فليطلقها طاهرا قبل ان يمسها فتلك العدة التي أمرها الله ان يطلق بها النساء متفق عليه قال البغوي نزلت هذه الاية فى هذه القصة يعنى طلاق ابن عمر امرأته فى الحيض فيظهر بذلك ان العدة بالاطهار دون الحيضات والمراد بالقروء فى العدة الاطهار وقالت الحنفية اللام للوقت بمعنى فى غير معهود فى الاستعمال وسيلزم ذلك تقديم العدة الطلاق او مقارنته لاقتضائه وقوعه فى وقته بل اللام هاهنا للعاقبة على طريقة لدو للموت وابنوا للخراب يعنى طلقوهن حتى تعقبه العدة او اللام صلة لمحذوف والتقدير طلقوهن مستقبلات لعدتهن يقال فى التاريخ بإجماع اهل العربية خرجت لثلث يقين من رمضان وفى حديث ابن عمر المذكور فى رواية مسلم انه صلى الله تعالى عليه وسلم

تلى إذا طلقتم النساء فيطلقوهن لقبل عدتهن ومعنى قراءة ابن عباس وابن عمرو طلقوهن فى قبل عدتهن اى فى استقبال عدتهن فظهر ان العدة بالحيضات دون الاطهار وقد مر الخلاف فى مسئلة العدة بالحيضات او الاطهار ومسئلة حرمة الطلاق فى الحيض فى سورة البقر (مسئله) اجمع العلماء ايضا على ان الطلاق فى الطهر الذي جامعها فيه حرام ايضا لقوله صلى الله تعالى عليه واله وسلم فيطلقها طاهرا قبل ان يمس وعلى انه لا يحرم طلاق امرأة حائض لم يدخل بها ولاطلاق صغيرة لم تحض ولا آيسة بعد ما جامعها لان الحرمة لتطويل العدة ولا عدة على غير المدخول بها وعدة الصغيرة والآئسة بالأشهر وذا لا يمتد بالطلاق بعد الجماع ايضا وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ يعنى اضبطوها بالحفظ وامكثوها ثلثة قروء كوامل لئلا يقع الرجعة بعد العدة او التزوج بزوج اخر قبل انقضاء العدة وكل ذلك لا يجوز وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ج فى تطويل العدة والإضرار بهن لا تُخْرِجُوهُنَّ اى المطلقات رجعيات كن او بوائن مِنْ بُيُوتِهِنَّ اى من مساكنهن فى وقت الطلاق وهى بيوت الأزواج حتى تنقضى عدتهن وَلا يَخْرُجْنَ باختيارهن ومن هذه الاية يثبت انه لا يجوز للمطلقة مطلقا رجعية كانت او بائنة الخروج من بيت الزوج ليلا ونهارا الا بضرورة فان الضرورة مستثناة فى العبادات وهى تبيح المحذورات والضرورة مثل انهدام البيت او خوف السرقة او عدم وجدان كراء البيت او ضيق المنزل عليهما او كون الزوج فاسقا والطلاق بائنا ولم يكن هناك قادر على حيلولة او نحو ذلك وقال احمد يجوز للمطلقة البائنة ان تخرج من بيتها فى حوايجها نهارا وعن الشافعي كالمذهبين قال البغوي ان كانت لها حاجة من بيع غزل او شراء قطن او نحو ذلك يجوز لها الخروج نهارا ولا يجوز ليلا اجماعا احتجوا بحديث جابر قال طلقت خالته فارادت ان تجد نخلها فزجرها رجل ان تخرج فاتت النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم فقال بلى تجدى نخلك فانه عسى ان تصدقى او تفعلى معروفا رواه مسلم قال ابو حنيفة حديث الآحاد لا يعارض الاية القطعية غير انها تخرج فى ضرورة ملجئة اجماعا (مسئله) إذا لزمت العدة فى السفر فى غير موضع الاقامة ان لم يكن بينها وبين مصرها الذي خرجت منه مسيرة سفر رجعت وان كانت تلك فى كل جانب خيرت بين الرجوع والتوجه الى القصد سواء كان معها ولى او لا والرجوع اولى ليكون الاعتداء فى منزل الزوج وقيل يختار أقربها وان كانت هاهنا وبين مصرعا مسيرة سفر وبينها وبين المقصد اقل يتوجه الى المقصد وان كانت فى موضع الاقامة

[سورة الطلاق (65) : آية 2]

تعتد ثمه عند ابى حنيفة رحمه الله تعالى وعند ابى يوسف رح ومحمد رح ان كان معها ولى جاز له الرجوع الى الوطن والمسير الى المقصد على التفصيل المذكور (مسئله) يجوز للمتوفى عنها زوجها فى العدة الخروج من بيت زوجها نهارا ولا يجوز ليلا وقال الشافعي يجوز مطلقا وقد مر المسألة فى سورة البقر قال البغوي ان رجالا استشهدوا بأحد فقالت نسائهم نستوحش فى بيوتنا فاذن لهن النبي - صلى الله عليه وسلم - ان يتحدثن عند إحداهن فاذا كانت وقت النوم تلوى كل امرأة الى بيتها وذكر فى سورة البقر حديث اخت ابى سعيد الخدري قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - فى عدة وفاة زوجها امكثى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب اجله إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ط استثناء مفرغ فى محل الظرف اى لا تخرجوهن فى وقت من الأوقات الا وقت ان يأتين قال ابن عمرو السدى وابراهيم النخعي يجوز للفاحشة خروجها من بيتها قبل انقضاء العدة وبه أخذ ابو حنيفة رح قال ابن همام هذا أبدع واغرب يقال فى الخطابيات لا تزنى الا ان تكونى فاحشة ولا تشتم انك الا ان تكون قاطع رحم ونحوه وعلى هذا التأويل استثناء من الثاني وقال ابن مسعود الفاحشة الزنا فتخرج لاقامة الحد عليها ثم ترد الى منزلها وبه أخذ ابو يوسف قال ابن همام وهذا اظهر من جهة وضع اللفظ لان إلا غاية والشيء لا يكون غاية لنفسه وقال ابن عباس الفاحشة المبينة ان تبذوا على اهل زوجها فيحل إخراجها وكذا قال قتادة ان معناه ان يطلقها على نشوزها وعلى هذين التأويلين استثناء من الاول يعنى لا تخرجوهن وَتِلْكَ الاحكام المذكورة حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بان عرضها للعقاب لا تَدْرِي ايها الخاطب وجملة لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فى تاويل المفرد مفعول للاتدرى اى لا تدرى حدوث امر بعد ذلك تعليل لقوله احصوا العدة ولا تخرجوهن والمعنى لعل الله يحدث بعد بغضها وارادة فراقها والرغبة عنها فى قلب زوجها محبتها والرغبة فيها فتندمون على الطلاق وتريدون الرجعة. فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ الضمير راجع الى الرجعيات من المطلقات وذكر حكم خاص ببعض ما تناوله الصدر لا يبطل عموم الصدر كما فى قوله تعالى والمطلقات يتربّصن بانفسهن ثلثة قروء الى قوله بعولتهن أحق بردهن والمعنى قرين من انقضاء عدتهن فَأَمْسِكُوهُنَّ اى راجعوهن بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فتبين منكم من غير ضرار بان يراجعها ثم يطلقها تطويلا للعدة وَأَشْهِدُوا على الرجعة او الفرقة ذَوَيْ عَدْلٍ

[سورة الطلاق (65) : آية 3]

مِنْكُمْ تبريا عن الريبة وقطعا للتنازع والأمر بالإشهاد امر استحباب ولا يشترط الشهود للرجعة عند ابى حنيفة ومالك واحمد فى رواية وعند الشافعي فى أصح قوليه وفى قول للشافعى ورواية احمد يشترط الشهود للرجعة والأمر امر إيجاب قلنا ايضا الاشهاد على الطلاق ليس بواجب اجماعا فالامر للاستحباب كما فى قوله تعالى واشهدوا إذا تبايعتم ولا يمكن ان يكون الأمر للوجوب فى حق الرجعة وللاستحباب فى حق الفرقة والا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ ايها الشهود إذا دعيتم إليها لِلَّهِ اى خالصا لوجهه لا لغرض دنيوى ذلِكُمْ الذي ذكر يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ط فانه هو المنتفع به والمقصود تذكيره اخرج ابن مردوية من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال جاء عوف ابن مالك الأشجعي فقال يا رسول الله ان ابني اسره العدو جزعت امه فما تأمرني قال أمرك وإياها ان تستكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله فقالت المرأة نعم ما أمرك فجعلا يكثران فغفل عنه العدو فاستاق غنمهم فجاء بها الى أبيه قال البغوي وهى اربعة آلاف شاه فنزلت ومن يتق الله الاية قال البغوي اتى عوف بن مالك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله اسرا العدو ابني وشكى اليه ايضا الفاقة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اتق الله واصبر واكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله ففعل الرجل ذلك فبينما هو فى بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو فاصاب ابلا فجاء بها الى أبيه واخرج ابن جرير مثله عن سالم بن ابى الجعد والسدى وأخرجه الحاكم من حديث ابن مسعود واخرج ايضا عن جابر قال نزلت فى رجل من أشجع كان فقيرا خفيف ذات اليد كثير العيال فذكر مثله واخرج الخطيب فى تاريخه من طريق جرير عن الضحاك عن ابن عباس وأخرجه الثعلبي من وجه اخر ضعيف وابن ابى حاتم من وجه اخر مرسل فقد صح الحديث بكثرة الشواهد فلا بأس بما قال الذهبي فى حديث جابر انه حديث منكر ومعنى الاية وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فى المصيبة والبلاء فيصبر ويترك الجزع وارتكاب المحرم يَجْعَلْ الله لَهُ مَخْرَجاً من ذلك البلاء والمصيبة. وَيَرْزُقْهُ بعد فقره رزقا حلالا مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ط كما رزق الأشجع عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من انزل به فاقة فانزلها لم يسد فاقته ومن نزلت به فاقة فانزلها بالله فيوشك الله ان يرزق عاجلا او أجلا رواه ابو داود والترمذي وصححه هو والحاكم الا انه قال او شك الله له بالغنى اما بموت

عاجل او غنى وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جاء او احتاج فكتمه الناس وأقضي به الى الله كان حقا على الله ان يفتح له قوت سنة من حلال (فائدة) قال البغوي قال مقاتل أصاب ابنه يعنى عوف بن مالك الأشجعي غنما ومتاعا ثم رجع الى أبيه فانطلق أبوه الى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره الخبر وساله أيحل له ان يأكل ما اتى به ابنه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - نعم فانزل الله تعالى هذه الاية (فائدة) اختار المجدد لجلب المنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية إكثار لا حول ولا قوة الا بالله وعين فى مقدار الإكثار ان يقرأها فى كل يوم خمسمائة مرة ويصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبله ماية مرة وبعده مايه مرة وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أنعم الله عليه نعمة فاراد بقاءها فليكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله رواه الطبراني من حديث عقبة بن عامر وفى الصحيحين عن ابى مولى مرفوعا انها كنز من كنوز الجنة وفى رواية للنسائى من قال لا حول ولا قوة الا بالله كان دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم (مسئله) إذا دخل المسلم دار الحرب أسيرا او سارقا مختفيا بلا أمان واستولى على مال حربى بسرقتا وغصب او غير ذلك واحرزه بدار الإسلام ملكه ملكا حلالا وليس عليه إخراج الخمس وان وضع عنده حربى ماله امانة او دخل دار الحرب بامان تاجرا او سياحا واستولى على ما لهم واحرزه بدار الإسلام ملكه بملك حرام لاجل الغدر ونقض العهد ولا خمس عليه وان أخذ ما لهم عنوة فحكمه حكم الغنيمة يجب فيه الخمس والله تعالى اعلم قال البغوي قال عكرمة والشعبي والضحاك معنى الاية ومن يتق الله فيطلق للسنة يجعل له مخرجا الى الرجعة وقال ابن مسعود من يتق الله يجعل له مخرجا من كل شىء ضاق على الناس وقال ابو العالية مخرجا من شدة وقال الحسن مخرجا عما نهاه عنه قلت نظم الاية يطابق قصة الأشجعي ويفيد الحكم العام بحيث يناسب سياق السورة والجملة اعتراضية موكدة لما سبق يعنى من يتق الله من الرجال ولم يظلم على زوجة بالنشوز والعدوان إذا أراد الفراق لنشوزها او لغرض صحيح اخر ولم يطلق فى الحيض ولا قصد اضرارها بتطويل العدة وغير ذلك ولا أخرجها من المسكن ولم يتعد حدود الله يجعل له مخرجا من المعصية ومن سوء معاشرتها ويرزقه بدلا منها زوجة صالحة لم يخطر باله وكذا فى المرأة إذا اتقت الله فلم تظلم زوجها بالنشوز وطلب الطلاق بلا إضرار منه او صبرت على إيذائه يجعل لها مخرجا منه ويرزقها من الطعام ومن الرجال بعلا صالحا من وجه لا يخطر ببالها وتفيد حكما عاما لعامة المتقين بالخلاص عن مضار الدارين والفوز بخيرهما ومن ثم

[سورة الطلاق (65) : آية 4]

قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انى لاعلم اية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب رواه احمد وابن ماجة والدارمي من حديث ابى ذر وكذا روى ابن حبان فى صحيحه والحاكم وزاد فما زال عليه السلام يقرأها ويعيدها وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ اى كافيه فيما يهمه عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله ص يقول لو انكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا اخماصا وتروح بطانا رواه الترمذي وابن ماجة وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يدخلون الجنة من أمتي سبعون الفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا تيطيرون وعلى ربهم يتوكلون متفق عليه وزاد فى رواية ولا يكتوون إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ يبلغه على ما يريده ولا يفوته مراده لا يرد قضاءه قرأ حفص بالغ بالاضافة بغير تنوين وامره بالجر والباقون بالتنوين ونصب امره قال مسروق ان الله بالغ امره توكل عليه او لم يتوكل غير ان المتوكل عليه يكفر عنه سياته ويعظم له اجرا قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً اى تقديرا ومقدارا وفيه تقدير لما تقدم من تاقيت الطلاق بزمان والعدة والأمر بإحصائها وتمهيد لما سياتى من مقاذيرها او المعنى جعل لكل شىء من الشدة والرخاء أجلا ينتهى اليه لا يتاتى تغييره ولا يفيد الجزع فيه فهو بيان لوجوب التوكل ويناسب هذا التأويل قول مسروق واخرج ابن جرير واسحق بن راهويه والحاكم وغيرهم بسند صحيح عن ابى بن كعب قال لما نزلت الاية فى سورة البقر فى عدة النساء قالوا قد بقي عدد من النساء لم يذكرن الصغار والكبار وأولات الأحمال فانزلت. وَاللَّائِي مر اختلاف القراء فى سورة المجادلة يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مصدر ميمى بمعنى الحيض مِنْ نِسائِكُمْ يعنى اللاتي لا يرجون الحيض لكبرهن وقدرها بعض العلماء بخمس وخمسين سنة وبعضهم بستين سنة إِنِ ارْتَبْتُمْ اى شككتم فى عدتهن كان فى هذا الشرط اشارة الى ان عدة اللائي يئسن واللائي لم يحضن يمكن استنباطها من قوله تعالى والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلثة قروء فان ثلثة قروء غالبا يوجد فى ثلثة أشهر فاذا لا يوجد القروء يجب رعاية زمان يوجد فيه غالبا القروء الثلاثة كما ان العلماء حكموا بالبلوغ بمضى خمسة عشر سنة او سبعة عشر سنة او نحو ذلك لعدم خلو هذا السن من البلوغ غالبا وكما ان الشرع اقام حولان الحول على المال فى وجوب الزكوة مقام النماء لوجود النماء غالبا فى الحول وله نظائر كثيرة مثل تقدير الا ياس بالسنين فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ الاية

اخرج مقاتل فى تفسيره ان خلاد بن عمر بن الجموح سال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عدة التي لا تحيض فنزلت هذه الاية وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ سواء كانت صغيرة او مراهقة او بالغة بالسن مبتدأ خبره محذوف دل عليه ما سبق يعنى كذلك عدتهن ثلثة أشهر قوله واللّائي يئسن مع ما عطف عليه معطوف على مفهوم قوله تعالى طلقوهن لعدتهن واحصوا العدة فان الاضافة فى لعدتهن ولام التعريف فى العدة للعهد اى عدتهن المعهودة المعلومة من قوله تعالى والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلثة قروء فدلت الاضافة واللام على ان عدة اللائي يحضن من المطلقات ثلثة حيض فعطف عليه هذه الاية مختصة بالمطلقات الحرائر اجماعا سواء كن رجعيات او بائنات او مختلعات مسلمات او كتابيات تحت مسلم واما الإماء قنات او مكاتبات او مدبرات فعدتهن إذا لم تكن من ذوات الأقراء فنصب عدة الحرائر اعنى شهرا ونصف شهر بالإجماع وقد ذكرنا فى سورة البقر طلاق الامة طلقتان وعدتها حيضتان ولما كان الحيض والطلاق غير متجز كملنا والشهر متجز فصار شهرا ونصف شهر روى الشافعي ثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى ابى طلحة عن سلمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر قال ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الامة بحيضتين فان لم تكن تحيض فشهرين او شهرا ونصفا (مسئلة:) الشابة التي كانت تحيض فارتفع حيضها قبل بلوغ سن الإياس ذهب اكثر أهل العلم الى ان عدتها لا تنقضى حتى يعاودها الدم فيعتد ثلثة اقرأ او تبلغ سن الإياس فتعتد بثلاثة أشهر وهو قول عثمن وعلى وزيد بن ثابت وابن مسعود وبه قال عطاء واليه ذهب ابو حنيفة والشافعي ووجه هذا القول ظ فانها غير داخلة فى اللائي يئسن واللائي لم يحضن وحكى عن عمر انها يتربصن تسعة أشهر فان لم تحضن فى تلك المدة تعتد بثلاثة أشهر وهو قول مالك وقال الحسن تتربصن ستة فان لم تحضن تعتد بثلاثة أشهر (مسئله) ان حاضت المطلقة حيضتين ثم بلغ سن الإياس وانقطع دمها تستانف العدة بالشهور وان اعتدت الآئسة بالأشهر ثم رأت الدم بعد انقضائها او فى خلالها انتقض ما مضى من عدتها وظهر فساد نكاحها الكائن بعد تلك العدة هذا إذا رات الدم على العادة بان يكون الدم أسودا واحمر ولو رات اصفر او اخضر او تربية لا يكون حيضا الا إذا كانت عادتها قبل الإياس اصفر فرأته كذلك او علقا فرأته كذلك ان وقع الطلاق فى أول شهر اعتدت بالأشهر الهلالية اتفاقا وان وقع فى أثناء الشهر اعتبر كلها بالأيام فلا ينقضى عدتها الا بتسعين يوما عند

ابى حنيفة وعند صاحبيه يكمل الاول ثلثين يوما والأخيران المتوسطان بالاهلة (مسئلة:) ليس حكم هذه الاية فى المتوفى عنها زوجها فان عدتها إذا لم تكن حاملا اربعة أشهر وعشر سواء كانت صغيرة او آيسة او شابة والداعي الى تخصيص حكم هذه الاية بالمطلقات دون المتوفى عنهن أزواجهن مع كون اللفظ عاما الإجماع وسند الإجماع ما ذكرنا فى سبب النزول من حديث ابى بن كعب قالوا قد بقي عدد من النساء لم يذكرن الصغائر والكبائر وأولات الأحمال فانزلت هذه الاية وقوله تعالى ان ارتبتم ولا شك ان عدة النساء لم يبق الا من قوله تعالى والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلثة قروء بخلاف قوله تعالى والذين يتوفون منكم فانه عام شامل لجميع اقسام المتوفى عنهن أزواجهن لم يشذ منها شىء وايضا لا يحتمل تلك الاية الارتياب فان الارتياب انما يتصور فى ما ثبت بدليل ظنى وتلك الاية لعمومه يشتمل جميع اقسام المتوفى عنها زوجها قطعا يقينا فان قيل هذا الدليل كما يقتضى اختصاص هذه الاية بالمطلقات يقتضى ايضا ان يختص به ايضا قوله تعالى وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ مع انه لم يقل به أحد فكيف ترك دليل الاختصاص هناك مع كون الجمل الثلث فى نسق واحد قلنا كان دليل التخصيص هاهنا الإجماع والا فحديث الآحاد ما لم يعتقد بالإجماع لا يصلح مخصصا للقطع عندنا والإجماع هناك على خلاف ذلك يعنى على شمول الأحمال أولات الأحمال المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن لابن علية وابن عباس رض قالا لا بد للمتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملة من الوضع والاربعة الأشهر وعشرا جمعا بين الآيتين احتياطا والجمهور على انه تنقضى عدتها بالوضع كذا روى مالك فى الموطأ عن ابن عمرو عن عمر بن الخطاب ولم يقل أحد ان الوضع فى حقها غير معتبر أصلا وفى موطاء مالك عن سليمان بن يسار ان عبد الله بن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف اختلفوا فى المرأة متنفس بعد زوجها بليال فقال ابو سلمة إذا وضعت ما فى بطنها فقد حلت وقال ابن عباس اخر اجلين فقال ابو هريرة انا مع ابن أخي يعنى أبا سلمة فارسلوا كريبا مولى ابن عباس الى أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسالها عن ذلك فاخبرهم انها قالت ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفات زوجها بليال فذكرت ذلك للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقال قد حللت فانكحى من شئت وفى الصحيحين حديث عمر بن عبد الله بن أرقم انه دخل على سبيعة بنت الحارث الاسلمية فسالها عن حديثها فاخبرته انها كانت تحت سعد بن خولة

[سورة الطلاق (65) : آية 5]

وهو من بنى عامر بن لوى وهو كان ممن شهد بدرا فتوفى عنها فى حجة الوداع وهى حامل فلم تنشب ان وضعت حملها فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها ابو السنابل بن يعكك رجل من بنى عبد الدار فقال مالى أراك متجملة لعلك ترجين النكاح والله ما أنت بناكحة حتى يمر عليك اربعة أشهر وعشر قالت فلما قال لى ذلك جمعت على ثيابى حين أمسيت فاتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسالته عن ذلك فافتانى انى قد حللت حين وضعت حملى وأمرني بالتزوج ان بدا لى وإذا ثبت ان قوله تعالى واو لان الأحمال شاملة للمتوفى عنها زوجها ايضا كما يدل عليه حديث ابى بن كعب قلت للنبى صلى الله تعالى عليه واله وسلم وأولات أحمال أجلهن ان يضعن حملهن للمر ثلاثا والمتوفى عنها زوجها فقال هى للمر ثلاثا والمتوفى عنها زوجها ولكن فيه المثنى بن صباح متروك قال الشافعي رحمه الله تعالى بان هذه الاية مخصصة لاية التربص اربعة أشهر وعشرا بناء على انه يجوز التخصيص بالمتراخي عنده قال البيضاوي المحافظة على عموم هذه الاية اولى من المحافظة على عموم قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا لان عموم أولات الأحمال بالذات وعموم أزواجا بالعرض والحكم معلل هاهنا بخلاف ثمه ولحديث سبيعة وقال ابو حنيفة هذه الاية ناسخة لحكم اية البقر مقدار ما يتناول عليه وهو المروي عن ابن مسعود واخرج البخاري عن ابن مسعود قال أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة نزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى يريد بالقصرى هذه السورة وبالطولى البقرة وفى رواية عنه انه قال من شاء باهلته ان سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة النساء الطولى واخرج ابو داود والنسائي وابن ماجة بلفظ من شاء لاعنته لا نزلت سورة النساء القصرى بعد الاربعة أشهر وعشرا واخرج البزاز بلفظ من شاء حالفته (مسئلة:) لا فرق بين عدة الحامل بين الحرة والامة لان الوضع لا يحتمل التجزى (مسئلة:) اما التوامين تنقضى عدتها بوضع آخرهما لان قوله تعالى حملهن يقتضى وضع تمام حملها وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فى أحكامه يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً يعنى يسهل عليه امر الدنيا والاخرة يوفقه للخير. ذلِكَ اى احكام المذكورة مبتداء خبره أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ط حال من امر الله والعامل فيه معنى أشير وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فى أحكامه فيراعى حقوقها يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ فان الحسنات يذهبن السيئات وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً بالمضاعفة. أَسْكِنُوهُنَّ متصل بقوله تعالى لا تخرجوهن مستانفة كانه فى جواب من قال اين تسكنهن والضمير راجع الى النساء المطلقات المذكورات فى أول السورة

فهى تعم الرجعيات والبائنات الحرائر والإماء صغيرات كن او حائضات او آيسات مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ من زائدة والمعنى حيث سكنتم او للتبعيض والموصوف محذوف يعنى مكانا كاينا بعض المكان الذي سكنتم فيه وقيل من بمضى فى كما فى قوله تعالى من قبل ان تنزل التورية مِنْ وُجْدِكُمْ اى من وسعكم اى الذي تطيقونه وَلا تُضآرُّوهُنَّ فى السكنى لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ط فى المساكن ببعض الأسباب من إنزال لا يوافقها او شغل مكانها وغير ذلك فتلجوهن الى الخروج وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ج اعلم ان المطلقة الرجعية يستحق على زوجها النفقة والسكنى اجماعا ما دامت فى العدة فان كانت الدار ملكا للزوج يجب على الزوج ان يخرج عنها ويترك الدار مدة عدتها ان كان لا يريد الرجعة وان كان باجارة فعلى الزوج الاجرة واما المعتدة البائنة بالخلع او بالطلقات الثلث او باللعان او بالكنايات على مذهب ابى حنيفة فلها السكنى حاملا كانت او حائلا عند اكثر اهل العلم لعموم قوله تعالى أسكنوهن من غير فصل وروى عن ابن عباس والحسن والشعبي انه لا سكنى لها واختلفوا فى نفقها فذهب قوم الى انه لا نفقة لها الا ان تكون حاملا روى ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن والشعبي وعطاء وبه قال الشافعي واحمد والحجة لهؤلاء مفهوم الشرط لهذه الاية وحديث فاطمة بنت قيس ان أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فارسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شىء فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها ان تعتد فى بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشها أصحابي فاعتدى عند ابن أم مكتوم فانه رجل أعمى تضعين ثيابك فاذا حللت فاذنينى قالت فلما حللت ذكرت له ان معوية ابن سفيان وأبا جهم خطبانى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اما ابو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه واما معاوية فصعلوك لا مال له انكحى اسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحى اسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به رواه مسلم وروى مسلم ايضا وقال فيه لا نفقة لك ولا سكنى ورواه ايضا وقال فيه ابن المغيرة خرج مع على بن ابى طالب فارسل الى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقية من تطليقها وعلى هذا يحمل رواية الثلث على انه أوقع واحدة فى تمام الثلث وامر لها الحارث بن هشام وعباس بن ربيعة بنفقة فسخطتها فقالا والله ليس لك نفقة الا ان تكونى حاملا فاتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له قولهما فقال لا نفقة لك وفى رواية لمسلم ان أبا حفص بن المغيرة طلقها ثلاثا ثم انطلق الى اليمن وقال لها اهله ليس لك علينا

نفقة فانطلق خالد بن الوليد فى نفر فاتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى بيت ميمونة الحديث وقال ابو حنيفة لها نفقة حاملة كانت او لا بهذه الاية فان قوله تعالى من وجد متعلق بمحذوف والتقدير اسكتوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم لان قدر السكنى اتضح بقوله من حيث سكنتم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ولولا تقدير أنفقوا عليهن فلا فائدة لقوله من وجد وانما هو لبيان مقدار النفقة وبه جاءت قراءة ابن مسعود وهو حجة عند ابى حنيفة والمفهوم ليس بحجة عنده وفائدة التقييد بقوله وان كن أولات حمل التأكيد ودفع توهم عدم النفقة على المعتدة الحامل فى تمام الحمل لطولها وعدم الاقتصار على قدر ثلث حيض او ثلثة أشهر والجواب عن حديث فاطمة انه وانكانت مرويا بسند صحيح لكنه شاذ مردود غير مقبول رده السلف ومعارض ومضطرب اما الاضطراب فقد سمعت فى بعض الروايات انه طلقها وهو غائب وفى بعضها طلقها ثم سافر وفى بعضها انها ذهبت الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسالته وفى بعضها ان خالد بن وليد ذهب فى سفر فسالوه - صلى الله عليه وسلم - وفى بعض الروايات سمى الزوج أبا عمرو بن حفص وفى بعضها أبا حفص بن المغيرة اما الرد من السلف فقد طعن فى الحديث أكابر الصحابة ممن سنذكر مع انه ليس من عادتهم الطعن بسبب كون الراوي امرأة او أعرابيا فقد قبلوا حديث قريعة بنت مالك اخت أبا سعيد فى اعتداد المتوفى عنها زوجها فى بيت زوجها مع انها لا تعرف الا بهذا الحديث بخلاف فاطمة بنت قيس وقبل عمر خبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده وهو أعرابي وأسوة من رد هذا الحديث عمر بن الخطاب روى مسلم فى صحيحه عن ابى اسحق قال كنت مع اسود ابن زيد جالسا فى المسجد الأعظم ومعنا الشعبي فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة فاخذ الأسود من حصى فحصبه به فقال ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر لا نترك كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندرى حفظت أم نسيت لها السكنى والنفقة قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة فعمر رد حديث فاطمة وبيّن ان سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان لها النفقة والسكنى وقول الصحابي من السنة كذا وقع فكيف إذا كان قايله عمر وهو اعلم بالسنن والشرائع وفيما روى الطحاوي والدار قطنى زيادة قوله سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول مبتداء للمطلقة ثلثا النفقة واسكني وهذا صريح فى الرفع والمعارضة وقال سعيد بن منصور ثنا المعاوية ثنا الأعمش عن ابراهيم قال كان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة قال ما كنا نغير فى ديننا بشهادة امرأة وهذا شاهد

على ان المعروف المشهور عندهم كان وجوب النفقة والسكنى ولمن رد حديثها عائشة وكانت اعلم الناس بأحوال النساء فقد كن يأتين الى منزلها ويستفتين من البنى - صلى الله عليه وسلم - روى الشيخان فى الصحيحين عن عروة انه قال لعائشة الم ترى الى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت فقالت بئس ما صنعت فقلت الم تسمعى اى قول فاطمة فقالت اما انه لا خير لها فى ذكر ذلك وفى صحيح البخاري عن عائشة انها قالت لفاطمة الا تتقى الله تعالى فى قولها لا سكنى لها ولا نفقة وممن رد حديثها اسامة بن زيد حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى عبد الله بن صالح قال حدثنى الليث بن سعد حدثنى جعفر عن ابى هريرة عن ابى سلمة بن عبد الرحمن قال كان محمد بن اسامة يقول كان اسامة إذا اذكرت فاطمة شيئا من ذلك يعنى من انتقالها فى عدتها رماها بما فى يده انتهى هذا مع انه هو الذي تزوجها بامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان اعرف بالحال وهذا لم يكن الا لعلمه بان ذلك غلط او لعلم بخصوص سبب جواز انتقالها من اللسن او خيفة المكان قال ابن همام وقال الليث حدثنى عقيل عن ابن اشباب انا ابو سلمة بن عبد الرحمن فذكرت حديث فاطمة فانكر الناس عليها كانت تحدث من خروجها قبل ان تحل وممن رد حديثها مروان روى مسلم فى صحيحه ان مروان بعث إليها قبيصة بن ابى ذويب فسالها عن الحديث فحدثته به فقال مروان لم تسمع الحديث الا من امرأة سناخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها قال ابن همام والناس إذ ذاك هم الصحابة فهذا فى المعنى حكاية عن اجماع الصحابة ووصفه بالعصمة قال ابن همام من رد حديثها زيد بن ثابت ومن التابعين ابن المسيب وشريح والشعبي والحسن والأسود بن يزيد وممن بعدهم الثوري واحمد بن حنبل وخلق كثير ممن تبعهم فالحديث شاذ واما المعارضة فما ذكرنا من رفع عمرو فى معجم الطبراني بسنده عن ابراهيم ان ابن مسعود وعمر قالا المطلقة ثلثا لها السكنى والنفقة واخرج الدار قطنى عن حزب بن العالية عن ابى الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال المطلقة ثلثا لها السكنى والنفقة لكن ضعف رفعه ابن معين وقال الأشبه وقفه على جابر (فائدة) وقيل فى توجيه حديث فاطمة بنت قيس على تقدير صحته انها كانت تطول لسانها على أحمائها وكان للسانها ذرابة ولذا أخرجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيتها روى القاضي اسمعيل بسنده عن عائشة قالت لفاطمة بنت قيس انما اخرجك هذا اللسان وقال سعيد بن المسيب تلك امرأة يعنى فاطمة بنت قيس فتنت الناس كانت لسنة فوضت على يد ابن أم مكتوم رواه ابو داود وقال سليمان بن يسار خروج فاطمة انما كان عن سوء الخلق رواه ابو داود

عنه وكان هذا سببا لخروجها من بيتها واما سبب عدم نفقتها فلان زوجها كان غائبا ولم يترك مالا عند أحد سوى الشعير الذي بعث به إليها فطالبت هى من اهله على ما فى مسلم من طريق انه طلقها ثلثا ثم انطلق الى اليمن فقال لها اهله ليس لك علينا نفقة الحديث فكانه لذلك قال لها عليه الصلاة والسلام لا نفقة لك ولا سكنى لانه لم يترك مالا عند أحد وليس يجب لك على اهله شىء فلا نفقة لك فلم تفهم فاطمة الغرض من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعلت تروى عدم النفقة مطلقا فوقع انكار الناس عليها (مسئلة:) المعتدة عن وفاة الزوج لا نفقة لها اجماعا حاملا كانت او حائلا واختلفوا فى سكناها للشافعى رح فيه قولان أحدهما انه لا سكنى لها تعتد حيث تشاء وهو قول عائشة وابن عباس وعلى وبه قال الحسن والجمهور على ان لها السكنى وهو قول عمر وعثمن وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو به قال مالك وسفيان والثوري واحمد واسحق قلت وكذا قال ابو حنيفة رح لكنه يقول ان كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها وأخرجها الورثة من نصيبهم انتقلت لان هذا انتقال بعذر والعبادات توثر فيها الاعذار فصارت كما إذا خافت سقوط المنزل او كانت فيها بأجر ولا تجد ما توويه ولا تخرج عما انتقلت اليه والحجة للجمهور حديث فريعة بنت مالك بن سنان اخت ابى سعيد الخدري وقد ذكرناه فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى والذين يتوفون منكم فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ اى المطلقات بعد وضع الحمل وتمام العدة أولادكم فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ على رضاعهن ذكرنا فى سورة البقر أن إرضاع الولد واجب على الام لقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن فان استاجر الرجل زوجة او معتدة لارضاع ولدها لا يجوز لانه أخذ الاجرة على فعل واجب عليها فلا يجوز وهذا كان يقتضى عدم جواز استيجار المطلقة بعد انقضاء العدة ايضا لكنا جوزنا ذلك بهذه الاية فظهر بهذه الاية ان وجوب الإرضاع على الام مقيد بوجوب رزقها على الأب بقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ففى حالة الزوجية والعدة بعد الطلاق أبوه قائم برزقها وفيما بعد العدة ليس عليه رزق فيقوم الاجرة وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ج خطاب للزوجين اى ليقبل بعضكم من بعض إذا امره الاخر بشئ معروف وما هو الأحسن ولا يقصد أحدهم إضرار الاخر قال الشافعي رح يعنى شاوروا

[سورة الطلاق (65) : آية 7]

وقال مقاتل بتراض الام والأب على اجر مسمى وقال البيضاوي وليامر بعضكم بعضا بجميل فى الإرضاع والاجر وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ ايها الأبوين اى لان عسر الإرضاع على الام فابت ان ترضع ولدها فليس للاب اجبارها عليه وعذرت قضاء لظن عجزها حين امتنعت عن الإرضاع مع وفور شفقتها فان كان الإرضاع غير متعسر عليها فى الواقع أتمت عند الله وان عسر على الأب إعطاء أجرتها وكانت ثمه من ترضعه بغير أجر أو بأجر اقل من اجر المثل لا يجبر على الأب فى إعطاء اجر المثل للام ويسترضع الأب من غيرها عند ابى حنيفة رح وهى رواية عن مالك رح وقول للشافعى رح وقال احمد رح يجبر على الأب فى إعطاء اجر المثل ولا يجوز للاب الإرضاع من غيرها وان وجد من ترضع بغير اجر وهى رواية عن مالك رح وقول للشافعى رح وهذه الاية حجة لابى حنيفة رح حيث قال الله تعالى فَسَتُرْضِعُ لَهُ اى للاب امرأة أُخْرى وفيه معاتبة للام على المعاسرة (مسئلة:) يشترط فى الإرضاع من غيرها ان يكون الإرضاع عند الام ما لم تنكح زوجا اخر غير محرم من الولد لان الحضانة لها لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان امرأة قالت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان ابني هذا كان بطني لها وعاء وثديى لها سقاء وحجرى لها حواء وان أباه طلقنى وأراد ان ينزعه منى فقال عليه الصلاة والسلام أنت أحق به ما لم تنكحى رواه ابو داود والحاكم وصححه وفى موطاء مالك رح عن القاسم بن محمد قال كانت عند عمر امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر ثم فارقها عمر فركب يوما الى قبا فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد فاخذه بعضده ووضعه بين يديه على الدابة فادركته جدة الغلام فنازعته إياه فاقبلا حتى أتيا أبا بكر فقال خل بينه وبينها فما راجعه عمر كذا روى عبد الرزاق وروى البيهقي وزاد ثم قال ابو بكر سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لابوى والدة عن ولدها وروى ابن ابى شيبة قال ابو بكر مسحها وحجرها وريحها خير لها منك حتى يشب الصبى فيختار لنفسه (مسئلة:) ان طلبت الام اجر مثل ما تطلب غيرها فليس للاب ان يسترضع عن غيرها اجماعا. لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ط اى على قدر غناه وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ ط على قدر طاقة (مسئلة:) اختلفوا فى ان نفقة الزوجات والمطلقات هل هى مقدرة بالشرع او معتبرة بحال الزوجين

او بحال الزوج فقط فقال مالك واحمد وهى رواية عن ابى حنيفة واختارها صاحب الهداية انها غير مقدرة بالشرع بل مفوض الى الاجتهاد ويعتبر بحال الزوجين فيجب على الموسر للموسرة نفقة الموسرين وعلى المعسر للمعسرة اقل الكفايات حالا والباقي فى ذمته إذا قضى القاضي بنفقة المتوسط او رضيا بقدر وهذا القول يوخذ من هذه الاية لا تقتضى اعتبار حال الزوجة وتقتضى ان يكون على الموسر للفقيرة نفقة اليسار بقوله تعالى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ويقتضى ان يكون على الفقير بقدر طاقته ولا يكون شىء فى ذمته وان كانت زوجة موسرة لقوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها ط فانه تعليل لعدم وجوب الزيادة وهذا هو ظاهر الرواية من مذهب ابى حنيفة قال ابن همام على ظاهر الرواية يجب فى صورة إعسار الزوج ويسار الزوجة نفقة الإعسار لانها وان كانت موسرة لكنها لما تزوجت معسرا فقد رضيت بنفقة المعسرين وفى صورة يسار الزوج وإعسار الزوجة نفقة الموسر زوجه ومن قال انه يجب على المعسر للموسرة نفقة متوسطة اعتبار حال الزوج ثبت بالقران واعتبار حال الزوجة بحديث عائشة ان هذا بنت عتبة قالت يا رسول الله ان أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطنى ما يكفينى وولدي الا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف متفق عليه ويورد عليه انه حديث احاد لا يجوز به تغيير حكم ثبت بالقاطع وأفاد صاحب الهداية دفع هذا الإيراد بقوله نحن نقول بموجبه اى موجب القران انه مخاطب بقدر وسعه والباقي فى ذمته فان المفاد بالنص باعتبار حاله فى الانفاق ونحن نقول ان المعسر لا ينفق فوق وسعه وهو لا ينفى اعتبار حالها فى قدر ما يجب لها عليه فى ذمته والحديث أفاده فلا زيادة على النص لان موجبه تكليف بإخراج بقدر حاله والحديث أفاد اعتبار حالها فى قدر الواجب الا المخرج فيجتمعان بان يكون الواجب عليه اكثر فيما إذا كانت موسرة وهو معسر ويخرج قدر حاله فبالضرورة يبقى الباقي فى ذمته وأورد عليه انه - صلى الله عليه وسلم - كان عالما بحال ابى سفيان لعله انه كان موسرا فلم ينص على حاله واطلق لها بان أخذ كفايتها وايضا ليس فى الحديث اعتبار حالها فان الكفاية تختلف ايضا وقوله عليه الصلاة والسلام بالمعروف اشارة الى رعاية حاله وأخذها من مال ابى سفيان ما يكفيها وولدها لا يمكن الا إذا كان ابو سفيان مالكا لما يكفيها وولدها ففيه دليل واضح على انه كان موسرا مانعا

[سورة الطلاق (65) : آية 8]

لاجل الشح والله اعلم وقال الشافعي هى مقدرة بالشرع لادخل للاجتهاد فيها معتبرة بحال الزوج كما ينطق به الاية فعلى الموسر مدان وعلى المتوسط مد ونصف وعلى المعسر مد واحد ولا دليل فى الاية على التقدير (مسئلة:) اتفقوا على ان الزوجة إذا احتاجت الى خادم وجب اخدامها بشرط يسار الزوج وقال محمد يجب على المعسر ايضا نفقة خادم ثم اختلفوا فيما إذا احتاجت الى اكثر من خادم فقال ابو حنيفة ومحمد والشافعي واحمد لا يلزم الا خادم واحد وقال مالك فى المشهور عنه إذا احتاجت خادمين او ثلثة لزمه ذلك وقال ابو يوسف عليه نفقة خادمين فقط أحدهما لمصالح الداخل والاخر لمصالح الخارج والله تعالى اعلم ثم ذكر الله تعالى لتطييب قلوب المعسرين وعد اليسر سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً اى عاجلا او أجلا. وَكَأَيِّنْ بمعنى كم الخبرية مبتداء مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ اى عتى أهلها حذف المضاف وأسند الفعل الى المضاف اليه وكذا فى حاسبناها وعذبناها خبر كاين او صفة له والخبر أعد الله لهم يعنى كثير من اهل القرية طعنت وأعرضت اعراض العاتي المعاند عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً حاسبنا مع ما عطف عليه عطف على عتت يعنى حسابا بالاستقصاء والمناقشة وعدم العفو والتجاوز يعنى حاسبناها بعملها فى الدنيا وجزينها فى الدنيا او المراد استقصاء ذنوبهم وإثباتها فى صحف الحفظة وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً قرأ نافع وابو بكر بضم الكاف والباقون بالسكون يعنى منكرا فظيعا بالجوع والقحط والسيف والاسر والإهلاك. فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها اى عقوبة كفرها ومعاصيها فى الدنيا وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها فى القبر والاخرة خُسْراً لا ربح فيه أصلا حيث يعوض لهم بالجنة النار. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فى الاخرة عَذاباً شَدِيداً كذا قال مقاتل فى تاويل الاية وقيل فى الاية تقديم وتأخير ومجازها فعذبناها فى الدنيا بالجوع والقحط وساير البلاء وحاسبناها فى الاخرة حسابا شديدا وكان عاقبة أمرها خسرا وقال اكثر المفسرين المراد فى الكل حساب الاخرة وعذابها والتعبير بلفظ الماضي للتحقيق وعلى هذين التأويلين لا يجوز الا ان يكون عتت خبرا من كاين فَاتَّقُوا اللَّهَ يعنى لا تطغوا ولا تعرضوا عن امر ربكم ورسله كيلا يصيبكم مثل ما أصابهم والفاء للسببية فان الوعيد على الجفاء بسبب الاتقاء يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا بدل او نعت كاشفة فان مقتضى اللب الايمان والجملة الندائية معترضة للتنبيه قَدْ أَنْزَلَ

[سورة الطلاق (65) : آية 11]

اللَّهُ حال من فاعل فاتقوا او تعليل إِلَيْكُمْ ذِكْراً يعنى القران. رَسُولًا منصوب بفعل مقدر يعنى وأرسل رسولا او هو منصوب بالمصدر على المفعولية والمعنى انزل إليكم ذكر رسول او على البدلية بدل الكل من ذكر على انه بمعنى الرسالة او على حذف المضاف يعنى كتاب رسول او بدل اشتمال من الذكر بمعنى القران يعنى انزل ذكرا رسولا معه وقيل المراد بالذكر جبرئيل عليه السلام لكثرة ذكره او لنزوله بالذكر وهو القران او لانه مذكور فى السموات او ذا ذكر اى شرف او محمد - صلى الله عليه وسلم - لمواظبته على الذكر وتلاوة القران او تبليغه الذكر وعبر من إرساله بالانزال ترشيحا او لانه مسبب عن إنزال الوحى اليه وعلى هذين التأويلين رسولا بدل من ذكرا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ صفة للرسول على الحقيقة او للقران مجازا وجاز ان يكون حالا من اسم الله آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ اى الكفر والجهل إِلَى النُّورِ اى الايمان والفقه والأعمال الصالحة الموجبة للنور فى الاخرة والمراد بالموصول المؤمن بعد نزول القران الذين علم الله وقدر ايمانهم بعد الكفر وعلمهم بعد الجهل اى ليحصل لهم ما هم عليه الان من الايمان والأعمال الصالحة والعلوم الحقة وقوله ليخرج متعلق بانزل وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ط قرأ نافع وابن عامر فدخله بالنون على المتكلم والباقون بالياء على الغيبة وحّد ضمير ندخله وجمع خالدين حملا على لفظ من ومعناه قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً يعنى الجنة التي لا ينقطع نعيمها فيه تعظيم لما رزقوا. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ مبتداء وخبر وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ط يعنى سبعا عن ابى هريرة قال بينما نبى الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وأصحابه إذا اتى عليهم سحاب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله اعلم قال هذا العنان هذه زوايا الأرض يسوقها الله الى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله اعلم قال فانها الرفيع سقف محفوظ وموج مكفوف ثم قال هل تدرون ما بينكم وبينها قالوا الله ورسوله اعلم قال بينكم وبينها خمسمائة عام ثم قال هل تدرون ما فوقه ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال سماء ان بعد ما بينهما خمسمائة سنة ثم قال كذلك حتى عد سبع سموات ما بين السماء والأرض

ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال ان فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين ثم قال هل تدرون ما الذي تحتكم قالوا الله ورسوله اعلم قال انها الأرض ثم قال هل تدرون ما تحت ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال ان تحتها ارض اخرى ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع ارضين بين كل ارضين خمسمائة سنة ثم قال والذي نفس محمد بيده لو انكم وليتم بحبل الى الأرض السفلى الهبط على الله ثم قرأ هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم رواه احمد والترمذي وقد ذكرنا هذا الحديث وتحقيقه فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى فسوّهن سبع سموات قال قتادة فى كل ارض من ارضه وسماء من سمائه من خلقه وامر من امر وقضاء من قضاء وقد ورد فى بعض الأحاديث ان فى كل ارض آدم كادمكم ونوح كنوحكم وابراهيم كابراهيمكم وموسى كموسى ونبى كنبيّكم يعنى محمد صلى الله عليه وسلم والله تعالى اعلم يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ اى يجرى امر الله وقضاءه بينهن وينفد حكمه فهن كلهن ولو صح حديث فى كل ارض آدم كادمكم فجاز ان يكون المعنى يتنزل بالوحى بينهن من السماء السابعة الى الأرض السابعة السفلى- لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً فلا يخفى عليه شىء وقوله لتعلموا علة لخلق او ليتنزل الأمر او لمقدر يعمها اى عمكم الخلق والتنزل لتعلموا الاية فان كلا منها يدل على كمال قدرته وعلمه وعلما منصوب على التميز من نسبة أحاط الى فاعله او مصدر من غير لفظه فمعنى أحاط بكل شىء علما علم كل شىء علما وجملة الله الذي خلق سبع سموت الاية تعليل لما سبق من قوله فاتّقوا الله.

سورة التحريم

سورة التّحريم مدنية وهى اثنتا عشرة اية وفيها ركوعان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فى الصحيحين عن عطاء انه سمع عبيد بن عمير يقول سمعت عائشة تقول ان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمكث عند زينب بنت جحش يشرب عندها عسلا فتواحيت انا وحفصة ان ايّتنا دخل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فليقل انى أجد منك ريح مغافير فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال لا بأس شربت عسلا عند زينب بنت حجش ولن أعود له فنزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ج الاية يعنى العسل والاستفهام للانكار يعنى لا ينبغى ان تحرم الحلال وفى رواية للبخارى عن عطاء بإسناده قال لا ولكن كنت اشرب عسلا عند زينب بنت جحش وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا يعنى بذلك مرضاة أزواجه واخرج الطبراني وابن مردوية من طريق ابن ابى مليكة بسند صحيح عن ابن عباس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب عند سودة العسل فيدخل على عائشة قالت انى أجد منك ريح مغافير ثم دخل على حفصة فقالت مثل ذلك فقال أراه من شراب شربته عند سودة والله لا اشربه فنزلت الاية قال الحافظ ابن الحجر فى شرح البخاري الراجح ان صاحة العسل زينب لا سودة لان طريق عبيد بن عميرا ثبت من طريق ابن ابى مليكة بكثير ويرجحه ايضا ما روى البخاري عن عائشة ان نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كن حزبين فخرب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الاخر أم سلمة وسائر نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا يرجح ان زينب هى صاحبة العسل ولهذا عارت عائشة منها لكونها من غير حزبها- (فائده) وقد ورد فى صحيح البخاري من حديث عروة عن عائشة ان صاحبة العسل حفصة وذلك انها قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلواء والعسل وكان إذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن فدخل على حفصة فاحتبس عندها اكثر مما كان يحتبس فسالت عن ذلك فقيل لى أهدت امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه شربة فقلت اما والله لنحتالن له فذكرت ذلك لسودة وقلت إذا دخل عليك فانه سيدنو منك فقولى يا رسول الله أكلت مغافير فيقول لا فقولى ما هذه الريح وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشتد عليه ان يوجد منه الريح فانه سيقول سقتنى حفصة شربة عسل قولى له يا رسول الله جرست نحله العرفط وساقول ذلك وقوليه أنت يا صفية فلما دخل على سودة

قالت والله الذي لا اله الا هو لقد كدت ان أناديه بالذي قلت لى وانه على الباب فرقا منك فلما دنى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت يا رسول الله أكلت مغافير قال لا قالت فما بال هذا الريح قال سقتنى حفصة شربة عسل قالت جرست نحله العرفط فدخل على فقلت له مثل ذلك فدخل على صفية فقالت له مثل ذلك فلما دخل على حفصة قالت يا رسول الله الا أسقيك منه قال لا حاجة لى به قالت يعنى عائشة تقول سودة سبحان الله لقد حرمناه قالت يعنى عائشة قلت لها اسكتي قال الحافظ ابن حجر وطريق الجمع بين هذا الحديث الدال على ان صاحبة العسل حفصة وبين ما سبق انها زينب الحمل على تعدد الوقعة فلا يمتنع تعدد السبب لامر واحد فان صح الى الترجيح فرواية عبيد بن عمير اثبت لموافقة ابن عباس لها على ان المتظاهرتين حفصة وعائشة فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرره فى المظاهر بعائشة لكن يمكن تعدد القصة فى شرب العسل وتحريمه واختصاص النزول بالقصة التي فيها ان عائشة وحفصة هما متظاهرتان ويمكن القصة التي وقع فيها شرب العسل عند حفصة كانت سابقة ويؤيد هذا الحمل انه لم يقع فى طريق هشام بن عروة التي فيها شرب العسل كان عند حفصة تعرض الاية ولا لذكر سبب النزول قال القرطبي الرواية التي فيها ان المتظاهرتان عائشة وحفصة وسودة ليست بصحيحة لانها مخالفة التلاوة بمجيئها بخطاب الاثنين دون خطاب جمع المؤنث فالتوفيق ما ذكرنا ان قصة شرب العسل عند حفصة كانت سابقة فلما قيل له ما قيل ترك الشرب من غير تصريح بتحريم ولم ينزل فى ذلك شىء ثم لما شرب فى بيت زينب تظاهرت عائشة وحفصة على ذلك القول حرم العسل فنزلت الاية واخرج ابن سعد عن عبد الله بن رافع قال سالت أم سلمة عن هذه الاية قالت كان عندى عكة من العسل ابيض فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلعق منها وكان يحبه وقالت عائشة نحلها تجرس عرفظا فحرمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت الاية كذا اخرج الطبري ورفع فى تفسير السدى قال الحافظ ابن حجر هذا مرجوح لارساله وشذوذه وقال اكثر المفسرين ان الاية نزلت فى تحريم مارية ذكر البغوي ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم بين نسائه فلما كانت يوم حفصة استأذنت زيارة أبيها فاذن له فلما خرجت أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى جاريته مارية القبطية فادخلها بيت حفصة فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجهه يقطر عرقا وحفصة تبكى فقال ما يبكيك فقالت انما أذنت لى من أجل هذا فدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها فى يومى وعلى فراشى اما رأيت لى حرمة وحقا ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس هى جاريتى أحلها الله لى اسكتي فهى حرام علىّ التمس بذلك رضاك

فلا تخبري بهذا امرأة منهن فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرعت حفصة الجدار التي بينها وبين عائشة فقالت الا أبشرك ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حرّم عليه أمته مارية وقدارا حنا الله منها وأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر ازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فغضبت عائشة فلم يزل نبى الله - صلى الله عليه وسلم - حتى حلف ان لا يقربها فانزل الله عز وجل هذه الاية واخرج البزاز بسند صحيح عن ابن عباس قال نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ الاية فى سرية روى ابن الجوزي فى التحقيق بسنده عن ابن عباس قال كانت حفصة وعائشة متحابتين فذهبت حفصة الى أبيها تحدث عنده فارسل النبي - صلى الله عليه وسلم - الى جارية فظلت معه فى بيت فرجعت حفصة فوجدتها فى بيتها فخرجت الجارية ودخلت حفصة وقالت قد رايت من كان عندك والله لقد سويتنى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لارضيك وانى اسر إليك سرا فاحفظه قالت ما هو قال أشهدك ان سريتى هذه علىّ حرام رضى لك فانزل الله هذه الاية واخرج الحاكم والنسائي بسند صحيح عن انس ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له امة يطأ فلم تزل به حفصة حتى جعلها على نفسه حراما فانزل الله هذه الاية واخرج فى المختار من حديث ابن عمر عن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحفصة لا تخبري أحدا ان أم ابراهيم على حرام فلم يقربها حتى أخبرت عائشة فانزل الله قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم واخرج الطبراني بسند ضعيف من حديث ابى هريرة قال دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما رية سرية بيت حفضة فجاءت فوجدتها معه فقالت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى بيتي دون بيوت نسائك فقال فانها علىّ حرام ان أمسها يا حفصة واكتمي هذا علىّ فخرجت حتى أتت عائشة فاخبرتها فانزل الله يايها النبي لم تحرم الآيات فهذه الأحاديث تدل على ان الآيات فى تحريمه عليه الصلاة والسلام على نفسه مارية القبطية على خلاف ما سبق من الأحاديث قال الحافظ ابن حجر يحتمل ان الاية نزلت فى السببين معا ويدل على هذا التوفيق ما وقع فى رواية يزيد ابن رومان عن عائشة عند ابن مردوية وفيه ان حفصة أهديت لها عكة فيها عسل وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل عليها حبسته حتى يلعقه او يستقيه منها فقالت عائشة بجارية لها حبشية يقال لها خضراء إذا دخل على حفصة فانظرى ما يصنع فاخبرتها الجارية بشان العسل فارسلت الى صواجها؟؟؟ فقالت إذا دخل عليكن فقلن انا نجد منك ريح مغافير فقال هو عسل والله لا أطعمه ابدا فلما كان يوم حفصة استأذنته ان تأتي أباها فاذن لها فذهبت فارسل الى جارية فادخلها بيت حفصة قالت فرجعت حفصة فوجدت الباب مظقا فخرج ووجهه يقطر وحفصة تبكى وعاينته فقال أشهدك

[سورة التحريم (66) : آية 2]

انها علىّ حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة وهى عندك امانة فلما خرج قرعت الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت أبشرك ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حرم أمته قلت هذا الحديث يوجب الجمع بين قصة مارية وقصة شرب العسل عند حفصة قبل ذلك ولعل الراوي جمع فى الرواية قصة شرب العسل عند حفصة وقصة تحريم مارية وترك ما بين ذلك من قصة شرب العسل عند زينب وتحريم العسل قال الحافظ ابن حجر والراجح من الأقوال كلها فى سبب نزول الاية قصة مارية لاختصاص عائشة وحفصة بها بخلاف العسل فانه اجتمع فيه جماعة منهن يعنى سودة وصفية مع عائشة رض كما مرو الله تعالى اعلم تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ تفسير للتحريم او حال من فاعله او استيناف ببيان الداعي اليه وَاللَّهُ غَفُورٌ لك هذه الزلة فانه لا ينبغى تحريم ما أحل الله بالحلف رَحِيمٌ رحمك فجعل لك مخرجا من التحريم ولم يواخذك به وعاتبك محاماة لك عمالا ينبغى. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ اى شرع لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ اى تحليل ما حرم باليمين او حل عقدة اليمين او المعنى أوجب عليكم ان تكفروا الايمان إذا حنثتم والكفارة هى ما تحل به اليمين اى يرفع اثم نقضة فان قيل صلة الوجوب تكون كلمة على دون اللام قلنا لما كان وجوب الكفارة جالبا لمنفعة الحل ورفع الإثم أورد كلمة اللام موضع على والكفارة ما ذكرت فى سورة المائدة وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ ج اى وليكم وناصركم الجملة حال من فاعل فرض او مستانفة وَهُوَ الْعَلِيمُ بما يصلحكم الْحَكِيمُ المتقن فى أفعاله وأحكامه اختلفوا فى انه - صلى الله عليه وسلم - هل كفر أم لا فقال مقاتل أعتق رقبة فى تحريم مارية وقال الحسن لم يكفر لانه مغفور له والصحيح عندى قول مقاتل فان قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم بعد قوله لم تحرم دليل واضح على افتراض الكفارة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتحريم المذكورة وكونه مغفورا له لا ينافى وجوب الكفارة كما لا ينافى وجوب سجود السهو وغيرها وايضا قول مقاتل شهادة على الإثبات فتقبل بخلاف قول الحسن ويؤيد قول المقاتل قول ابن عباس لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة واخرج الحارث ابن ابى اسامة فى مسنده عن عائشة رض قالت لما حلف ابو بكر ان لا ينفق على مسطح انزل الله تعالى قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم متفق عليه وهذا غريب جدا فى سبب نزولها (مسئلة:) من قال حرمت على نفسى أمتي هذه او طعامى هذا او طعاما كذا يكون يمينا عند ابى حنيفة واحمد والأوزاعي وهو المروي عن ابى بكر وعائشة رض والحجة لهذا القول هذه الاية حيث قال الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ حيث جعل تحريم الحلال يمينا وقال

[سورة التحريم (66) : آية 3]

البغوي أخبرنا عن سعيد بن جبير ان ابن عباس قال فى الحرام يكفر لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وقال الشافعي ره تحريم الحلال ليس بيمين لكن فى صورة تحريم الامة عليه كفارة اليمين بنفس اللفظ لا بالحنث وفى صورة تحريم الطعام لا شىء عليه وان قال لزوجته أنت علىّ حرام او حرمتك فان نوى طلاقا فهو طلاق وان نوى به ظهارا فهو ظهار وان نوى التحريم وأتتها او اطلق فعليه كفارة اليمين عند الشافعي رح وعند ابى حنيفة هو إيلاء يكفر بعد الفيء قال البيضاوي والاحتجاج بهذه الاية على كون التحريم مطلقا او تحريم المرأة يمينا ضعيف إذ لا يلزم من وجوب كفارة اليمين فيه كونه يمينا مع احتمال انه - صلى الله عليه وسلم - اتى بلفظ اليمين وقول البيضاوي هذا لا يخفى ضعفه فان الله سبحانه ذكر من النبي - صلى الله عليه وسلم - التحريم مطلقا ومن غير ذكر الحلف ومن غير تخصيص التحريم بالمرأة ثم سماه يمينا حيث قال قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم فهو دليل واضح على كون التحريم نفسه يمينا والله تعالى اعلم. وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ كما فى حديث عمر متعلق باذكر إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ يعنى حفصة حَدِيثاً ج هو تحريم العسل كما ورد فى الصحيحين فى حديث عبيد بن عمير عن عائشة رض فى اخر الحديث المذكور أولا وإذا سرّ النّبىّ الى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا او تحريم أمته مارية وهو الأرجح عند اهل التفسير والله اعلم بالحكمة فى الاسرار يظهر الحكمة فى الاسرار فيما رواه ابن سعد من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه قال خرجت حفصة من بيتها يوم عائشة فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية القبطية بيت حفصة فجاءت فرقبته حتى خرجت الجارية فقالت له اما انى قد رأيت ما صنعت قال فاكتمى علىّ وهى حرام فانطلقت حفصة الى عائشة فقالت اما يومى؟؟؟ فتعرس فيه بالقبطية وتسلم لنسائك ساير ايامهن فنزلت الاية فانه يعلم من هذا الحديث ان الاسرار كان لئلا تغضب عائشة بتعريسه - صلى الله عليه وسلم - بالقبطية فى يومها وقال سعد بن جبير عن ابن عباس اسرار الخلافة بعده فحدثت به حفصة قال الكلبي اسر إليها ان أباك وأبا عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي اخرج الواحدي عن ابن عباس قال والله ان امارة ابى بكر وعمر لفى كتاب الله تعالى قال الله تعالى وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً قال لحفصة أبوك وابو عائشة اولياء الناس بعدي ماياك ان تخبري به أحدا وله طرق وكذا روى عن على وميمون بن مهران وحبيب بن ثابت وعن الضحاك ومجاهد وقال ميمون بن مهران أسر أن أبا بكر خليفتى من بعدي فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ الضمير راجع الى بعض أزواجه يعنى أخبرت بذلك اسر حفصة عائشة وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ اى اطلع الله نبيّه على افشائها سره فيه دليل على ان عائشة لما غضبت بتعريسه - صلى الله عليه وسلم - بالقبطية لم يقل ان حفصة أطلقتني على هذا الأمر حتى اطلعه الله ان حفصة افشأت سره عَرَّفَ بَعْضَهُ قرأ الكسائي بتخفيف الراء جازاه على

[سورة التحريم (66) : آية 4]

الفعل الذي فعلت من افشاء السر من قول القائل لمن أساء اليه لاعرفن لك ما فعلت اى لأجازينك عليه وجاز إهابه عليه بان طلقها فلما بلغ ذلك عمر قال لو كان فى ال الخطاب خير لما طلقك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء جبرئيل وابره لمراجعتها واعتزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهرا وقعد فى مشربة أم ابراهيم مارية رض حتى نزلت اية التخيير كذا قال البغوي وقال مقاتل بن حيان لم يطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفصة وانما هم بطلاقها فاتاه جبرئيل فقال لا تطلقها فانها صوامة قوامة وانها من نسائك فى الجنة فلم يطلقها وقرأ الجمهور عرف بالتشديد اى أخبر حفصة ببعض ما قالت بعائشة من سره - صلى الله عليه وسلم - وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ج يعنى لم يخبرها به قال الحسن ما استقصى كريم قط قال الله تعالى عرف بعضه واعرض عن بعض وذلك ان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما راى الكراهة فى وجه حفصة لاجل تعريسه - صلى الله عليه وسلم - بالقبطية فى بيتها على فراشها أراد ان يرضيها فاسر إليها الشيئين تحريم الامة على نفسه وبشرها بان الخلافة بعده فى ابى بكر وأبيها عمر فاخبرت به حفصة عائشة واطلع الله عليه نبيه - صلى الله عليه وسلم - عرف حفصة ببعض ما أضمرت به عائشة وهى تحريم الامة واعرض عن بعض يعنى ذكر الخلافة كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان ينتشر ذلك فى الناس واخرج ابن مردوية من طريق الضحاك عن ابن عباس قال لما دخلت حفصة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بيتها فوجدت معه مارية فقال لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة ان أباك يلى هذا الأمر بعد ابى بكر إذا اقامت فذهبت الى عائشة فاخبرتها فقالت له عائشة ذلك والتمست منه ان يحرم مارية محرمها ثم جاء الى حفصة فقال امرتك ان لا تخبري عائشة فاخبرتها فعاتبها ولم يعاتبها على امر الخلافة فلذا قال الله تعالى عرف بعضه واعرض عن بعض واخرج الطبراني فى الأوسط وفى عشرة النساء عن ابى هريرة نحوه بتمامها وفى كل منهما ضعف فَلَمَّا نَبَّأَها يعنى اخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حفصة بِهِ اى بما أظهره الله عليه من افشائها سره هذه الاية يناسب قراءة الجمهور عرف بالتشديد فانه بمعنى الانباء لكنها لا ينفى قراءة الكسائي بالتخفيف لتحقق الاخبار والمحاذات جمعا ولا منافات بينهما قالَتْ حفصة مَنْ أَنْبَأَكَ هذا ط اى افشاي سرك قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِنْ تَتُوبا يعنى عائشة وحفصة فيه التفات من الغيبة الى الخطاب للمبالغة فى المعاتبة وروى فى الصحيحين فى حديث عبيد بن عمير عن عائشة فى اخر الحديث المذكور فى أول السورة قوله ان تتوبا الى الله لعائشة وحفصة يعنى تتوبا. إِلَى اللَّهِ من التعاون على النبي - صلى الله عليه وسلم - وافشاء سره وجزاء الشرط محذوف اى أتيتما بالواجب أقيم علة مقامه حيث قال فَقَدْ صَغَتْ اى زاغت ومالت قُلُوبُكُما عن الاستقامة على طريق الحق حيث رضيتما بما كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تحريم امة وافشاء سره والواجب على كل واحد ان يحب ما يحبه

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكره ما يكرهه اطلق القلوب على القلبين ولم يقل قلبا كما استثقالا للجمع بين التثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة والفاء لتعليل الجزاء فان زيغ القلوب سبب للمعصية والمعصية سبب لوجوب التوبة روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال قال لم ازل حريصا على ان أسال عمر بن الخطاب عن المرأتين من ازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - التي قال الله تعالى ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما حتى حج وحججت معه وعدل وعدلت معه باداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فقلت له يا امير المؤمنين من المرأتان من ازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتان قال الله تعالى ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما قال وا عجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه قال كنت أنا ورجال من الأنصار من بنى امية بن زيد وهم من عوالى المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي - صلى الله عليه وسلم - فينزل يوما وانزل يوما فاذا نزلت حدثته مما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحى او غيره وإذا انزل فعل مثله وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نسائهم فطفق نساؤنا يأخذن من ادب نساء الأنصار فصحت على امرأتى فراجعتنى فانكرت ان تراجعنى قالت ولم تنكران أراجعك فو الله ان ازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعته وان إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فافزعنى ذلك وقلت قد خابت من فعلت ذلك فيهن ثم جمعت على ثيابى فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها اى حفصة أتغاضب أحد يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - اليوم حتى الليل قالت نعم فقلت قد خبت وخسرت أفتأمنين ان يغضب الله بغضب رسوله فتهلكى لا تستكثرى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تراجعيه فى شى ولا تهجريه وسلينى ما بدا لك ولا يغيرنك ان كانت جارتك اوضأ منك وأحب الى النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد عائشة رض قال عمر وكنا نتحدثان ان غسان تنعل الخيل لتغزونا فنزل صاحبى الأنصار يوم توبته فرجع إلينا عشاء فضرب بابى ضربا شديدا فقال إثمه هو ففزعت فخرجت اليه فقال قد حدث اليوم امر عظيم قلت ما هو أجاء غسان قال لابل أعظم من ذلك وأطول طلق النبي - صلى الله عليه وسلم - نسائه فقلت خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن ان هذا يوشك ان يكون فجمعت على ثيابى فصليت صلوة الفجر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مشربة له فاعتزل فيها ودخلت على حفصة فاذا هى تبكى فقلت ما يبكيك الم أكن حذرتك هذا طلقكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت لا أدرى ما هو ذا معتزل فى المشربة فخرجت فجئت الى المنبر فاذا حوله رهط يبكى بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبنى ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت لغلام له استاذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع فقال كلمت البنى - صلى الله عليه وسلم - فذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذي عند المنبر ثم غلبنى ما أجد فقلت الغلام استاذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع فقال كلمت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرتك له فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذي عند المنبر ثم غلبنى ما أجد فجئت

الغلام فقلت استاذن لعمر فدخل ثم رجع الى فقال ذكرت له فصمت فلما وليت منصرفا فاذا الغلام يدعونى فقال قد اذن لك النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاذا مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد اثر الرمال فى جنبه متكيا على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وانا قايم يا رسول الله أطلقت نساءك فرفع الىّ بصره فقال لا الله اكبر ثمّ قلت وانا قائم استانس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو رايتنى وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساءهم فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قلت يا رسول الله لو رايتنى ودخلت على حفصة فقلت لها لا يغيرنك ان جارتك اوضاء منك وأحب الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد عائشة فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - تبسمته اخرى فجلست حين رأيته يتبسم فرفعت بصرى فى بيته فو الله ما رايت فيه شيا يرد البصر غير اهبة ثلثة فقلت يا رسول الله ادع الله فليتوسع على أمتك فان فارس والروم قد وسع عليهم واعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون الله فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان متكيا فقال او فى هذا أنت يا ابن الخطاب ان أولئك قوم عجلوا طيباتهم فى الحيوة الدنيا فقلت يا رسول الله استغفر لى فاعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - لنسائه من أجل ذلك الحديث حين افشته حفصة الى عائشة تسعا وعشرين ليلة وكان قال ما انا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدة عليهن حين عاتبه الله فما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة يا رسول الله انك كنت أقسمت ان لا تدخل علينا شهرا وانما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا فقال الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة قالت ثم انزل الله اية التخيير فبدأ بي؟؟؟ أول مرة من نسائه فاخترته ثم خير نسائه كلهن فقلن ما قالت عائشة رض وروى البخاري عن عائشة رض ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها انى ذاكر لك امرا فلا عليك ان تستعجلى حتى تستامرى أبويك وقد علم ان أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال ان الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ الى تمام الآيتين فقلت اوفى هذا استامر أبوي فانى أريد الله ورسوله والدار الاخرة هذا الحديث يدل على ان سبب اعتزال النبي - صلى الله عليه وسلم - نسائه الشهر كان افشاء حفصة سرها الى عائشة وما أخرجه مسلم عن جابر انه دخل ابو بكر رض يستاذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد الناس جلوسا بباب البنى - صلى الله عليه وسلم - لم يوذن لاحد منهم فاذن لابى بكر فدخل ثم جاء عمر فاستاذن فاذن له فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا وحوله نساءه واجما ساكتا قال فقال عمر لا قولن شيئا اضحك البنى - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله لو رايت بيت خارجة سالتنى النفقة إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال هن حولى كما ترى تسالنى النفقة فقام ابو بكر الى عائشة يجأ عنقها وقام عمر الى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقولان لا تسالين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابدا ما ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا او

[سورة التحريم (66) : آية 5]

تسعا وعشرين ليلة ثم نزلت اية التخيير فبدا؟؟؟ بعائشة الحديث قال الحافظ ابن حجر ويحتمل ان يكون مجموع هذه الأشياء يعنى قصة عسل وقصة مارية وافشاء حفصة السر وقصة سوال النفقة وقصة رد زينب الهدية ثلثا وزيادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فى هديتها كل مرة كما رواه ابن سعد من طريق عمرة ومن طريق عروة عن عائشة كان سببا لاعتزالهن وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - وسعة صدره وكثرة صفحه ان ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن ورضى عنهن - صلى الله عليه وسلم - والله اعلم وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ قرأ الكوفيون بتخفيف الظاء بحذف أحد التاءين والباقون بالتشديد وادغام أحد التاءين فى الظاء وأصله تظاهرا اى تتعاونا على البنى - صلى الله عليه وسلم - بما يسويه من الافراط فى الخيرة وافشاء سره ولم تتوبا وهذا شرط حذف جزائه اعنى لا تظفرا عليه فَإِنَّ اللَّهَ يعنى لان الله علة لعدم الظفر هُوَ ضمير فصل مَوْلاهُ ناصره وَجِبْرِيلُ رئيس الكروبين قرينه وناصره وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ج صالح صيغة المفرد أريد به الجنس ولذلك عم بالاضافة او صيغة جمع أسقط عنه الواو لالتقاء الساكنين وخطا ايضا باتباع اللفظ يعنى من صلح من المؤمنين أجمعين اتباعه وأعوانه وحواليه قال الكلبي هم الذين هم مخلصون ليسوا بمنافقين وروى عن ابن مسعود وابى بن كعب ان صالحوا المؤمنين ابو بكر وعمر وكذا روى ابن مسعود وابو امامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن ابن عمرو ابن عباس وسعيد بن جبير انها نزلت فى ابى بكر وعمر قوله جبريل وصالح المؤمنين اما معطوف على الله مرفوع حملا على محله واما مبتداء خبره مع ما عطف عليه ظهير وهذا اولى لان الله وحده كفى به ناصرا وانما ذكر جبريل وصالح المؤمنين والملائكة من جملة ما ينصره اليه به تعظيما لهؤلاء وخص جبرئيل من الملائكة لتعظيمه وَالْمَلائِكَةُ مع كثرتهم بَعْدَ ذلِكَ اى بعد نصرة الله وجبرئيل وصالح المؤمنين ظَهِيرٌ اى متظاهرون قال البغوي هذا من الواحد الذي يودى من الجمع كقوله تعالى وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً وهذه الاية تدل على ان جبرئيل الذي هو من خواص الملائكة أفضل من عوام البشر وهم صالح المؤمنين أفضل من عوام الملائكة روى البخاري عن عمر بن الخطاب قال لما اعتزل البنى - صلى الله عليه وسلم - نسائه وذكر الحديث وقال دخلت عليه وقلت يا رسول الله ما يشق عليك من شان النساء فان كنت طلقتهن فان الله معك والملائكة وجبرئيل وميكائيل وابو بكر والمؤمنون معك وقلما تكلمت واحمد الله بكلام الا رجوت ان يكون الله يصدق قولى الذي أقول فنزلت. عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ خيرا منكن الجملة جواب الشرط قرا نافع وابو عمر ويبد له بالتشديد

[سورة التحريم (66) : آية 6]

والباقون بالتخفيف أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ على التغليب فان الخطاب مع حفصة وعائشة او على تعميم الخطاب وليس فى الاية ما يدل على انه لم يطلق حفصة وان فى النساء خيرا منهن لان تعليق طلاق الكل لا ينافى تطليق واحدة والمعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه قال البغوي هذا اخبار عن القدرة لا عن الكون مُسْلِماتٍ خاضعات لله تعالى مُؤْمِناتٍ مصدقات للرسل قانِتاتٍ مواظبات على الطاعة او مصليات او داعيات تائِباتٍ عن الذنوب او راجعات الى الله تعالى والى امر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عابِداتٍ متعبدات لله تعالى او متذللات لامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سائِحاتٍ صائمات سمى الصائم سائحا لان السائح لا زاد معه فلا يزال متمسكا حتى يجد من يطعمه فشبه به الصائم فى إمساكه الى وقت إفطاره وقال بعضهم الصوم ضربان حقيقى وهو ترك المطعم والمنكح وحكى وهو حفظ الجوارح من السمع والبصر واللسان والأيدي والأرجل وغيرها عن المعاصي فالسائح الصائم الذي يصوم هذا الصوم او مهاجرات فى سبيل الله وقيل اللاتي يسحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ساح وقيل السائحون الذين يسيرون على ما اقتضاه قوله تعالى أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او أذان يسمعون بها ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً وسط العاطف بينهما لتنافيهما ولانهما فى حكم صفة واحدة إذا المعنى مشتملات على الثيابة فى بعضهن والبكارة فى بعض اخر. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ بأداء الواجبات وترك المعاصي وَأَهْلِيكُمْ بالتعليم والتأديب والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ صفة للنار يعنى تتقد بهما كما تتقد غيرها بالحطب عَلَيْها مَلائِكَةٌ صفة ثانية لنارا يعنى خزنتها غِلاظٌ فظاظ على اهل النار شِدادٌ قوياء يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا في النار وهم الزبانية اخرج الضياء المقاسى فى صفة النار عن انس قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول والذي نفسى بيده لقد خلقت ملايكة جهنم قبل ان يخلق جهنم بألف عام فهم فى كل يوم يزدادون قوة الى قوتهم حتى يفيضوا على من فيضوا عليه بالنواصي والاقدام واخرج القعنبي فى عيون الاخبار عن طاؤس ان الله تبارك وتعالى خلق مالكا وخلق له أصابع على عدد اهل النار لا يعذب الا ومالك يعذب به بإصبع من أصابع فو الله لو وضع إصبعا من أصابعه على السماء لاذابها لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ بدل اشتمال من الله والتقدير فيما أمرهم وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ اى لا تمنعون من قبول الأوامر والتزامها

[سورة التحريم (66) : آية 7]

ويوادون ما يؤمرون به. يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ علة للنهى من الاعتذار يقال لهم ذلك عند دخولهم النار والنهى عن الاعتذار لهم حقيقة وما يعتذرون به من قولهم والله ربنا ما كنا مشركين وقولهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا لا ينفعهم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ من المعاصي تَوْبَةً نَصُوحاً ط بفتح النون على قراءة العامة اى بالغة فى النصح والنصح تحرى قول او فعل فيه صلاح صاحبه فهو صفة للتائب فانه ينصح نفسه بالتوبة وصف به التوبة مجازا مبالغة او بالغة فى النصاحة بمعنى الخياطة فان التوبة تنصح ما افترق من الدين والتقوى بالذنب او النصح بمعنى الإخلاص يقال عسل ناصح إذا خلص والمعنى توبة خالصة من الريا والسمعة وقرأ ابو بكر بضم النون فهو مصدر بمعنى النصح كالشكر والشكور او النصاحة كالثبات والثبوت تقديره ذات نصوح او تنصح نصوحا او توبوا نصوحا لانفسكم قال البغوي قال عمر وابى معاذ التوبة النصوح ان يتوب ثم لا يعود الى الذنب كما لا يعود اللبن الى الضرع وقال الحسن هى ان يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على ان لا يعود وقال الكلبي هى ان يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن وقال القرظي يجمع اربعة أشياء الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وإضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سئ الاخوان وقال البيضاوي سئل على رض عن التوبة فقال يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندم وللفرائض الاعادة ورد المظالم واستحلال الخصوم وان تعزم على ان لا تعود وان تزكى نفسك على طاعة الله كما رايتها فى المعصية عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذكر بصيغة الاطماع اشعارا بانه تفضل والتوبة غير موجبة إذ لا يجب على الله شىء وان العبد لا بد من ان يكون بين خوف ورجاء اخرج ابو نعيم عن على رض قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله تبارك وتعالى اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم نانى لا اناصب عبد الحساب يوم القيامة لا أشاء ان أعذبه إلا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك لا تلقوا بايديهم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي واخرج البزاز عن انس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح وديوان فيه ذنوبه وديوان فيه النعم من الله تعالى يقول الله لاصغر نعمة فى ديوان النعم خذى منك من العمل الصالح فتستوعب له

[سورة التحريم (66) : آية 9]

الصالح فيقول وعزتك ما استوعبت وتبقى الذنوب وقد ذهب العمل الصالح كله فاذا أراد الله ان يرحم عبدا قال يا عبدى فاضاعفت لك حسناتك وتجاوزت عن سياتك وذهبت لك نعمتى وفى الصحيحين عن ابى هريرة رض قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لن ينجى أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى الله برحمة منه وفضل وفى الباب أحاديث كثيرة يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ ظرف ليدخلكم وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ج عطف على البنى احمادا لهم وتعريضا لمن ناواهم وعلى هذا جملة نُورُهُمْ يَسْعى علة لعدم اخزائهم وقيل الموصول مبتداء خبره نورهم يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَيكون بِأَيْمانِهِمْ على الصراط يَقُولُونَ مستانف او خبر بعد خبر للموصول يقولون ذلك إذا انطفى نور المنافقين رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تعليل للاتمام لتفاوة أنوارهم بحسب أعمالهم فيسالون إتمامه تفضلا وقد ذكرنا تفاوة الأنوار والأعمال الموجبة للنور فى سورة الحديد. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ بالسيف والحجة وَالْمُنافِقِينَ بالرد والتفضيح إذا ظهر نفاقهم وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ اى استعمل الخشونة فيما تجاهدهم ولا ترحمهم وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ط حال مقدرة من الكفار والمنافقين وَبِئْسَ الْمَصِيرُ جهنم او ما ولهم. ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ اسمها واعلة وَامْرَأَتَ لُوطٍ اسمها واهلة امراة نوح وامراة لوط بدلان من مثلا بحذف المضاف اى مثل امراة نوح وامراة لوط وكذا قوله امرأة فرعون فى الجملة التالية مثل الله تعالى حال الكفار فى انهم يعذبون بكفرهم ولا ينفعهم ما بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - من القرابات والواصلات كما لم ينفع المرأتين وصلتهما بالنبيين حيث كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ جملة مستانفة مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ يريد به تعظيم نوح ولوط مدحهما بالصلاح فان كمال الصلاح بالعصمة التي هى من النبوة- فَخانَتاهُما بالكفر والنفاق قال ابن عباس ما بغت امرأة بنى قط وانما كانت خيانتهما انهما كانتا على غير دينهما فكانت امرأة نوح تقول للناس انه مجنون وإذا أمن به أحد أخبرت الجبابرة واما امرأة لوط كانت تدل قومه على أضيافه إذا نزل به ضيف بالليل أوقدت نارا وإذا انزل بالنهار دخنت ليعلم قومه انه نزل به ضيف وقال الكلبي اسرتا النفاق وأظهرتا الايمان فَلَمْ يُغْنِيا اى لم يدفعا عَنْهُما مع نبوتيهما مِنْ عذاب اللَّهِ شَيْئاً او لم يغنيا بحق الأزواج شيئا من الأغنياء وَقِيلَ للمرأتين عند موتهما او يوم القيامة

[سورة التحريم (66) : آية 11]

ادْخُلَا النَّارَ مَعَ سائر الدَّاخِلِينَ من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء او أحد من المؤمنين قطع الله تعالى بهذه الاية طمع من يكفر ان ينفعه ايمان غيره ثم اخبر ان كفر غيره لا يضره إذا كان مؤمنا بقوله. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ وهى آسية بنت مزاحم فانها كانت تحت اعداء الله ولم يضرها كفره قال المفسرون لما غلب موسى السحرة امنت امرأة فرعون فلما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربع أوتاد والقاها فى الشمس قال سليمان امرأة فرعون تعذب فى الشمس فاذا انصرفوا عنها أظلها الملائكة إِذْ قالَتْ الظرف متعلق بكائن وهو صفة لمثل امرأة فرعون أي مثل امرأة فرعون كاين وقت قولها رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ عندية لا كيف لها فانه منزه من المكان بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فكشف الله لها من بيتها فى الجنة حتى راته وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ يعنى تعذيبه وقال مقاتل أرادت بعمله الشرك وقال ابو صالح عن ابن عباس أرادت به جماعة وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ على أنفسهم بالكفر والمعاصي على عباد الله التعذيب من القبط التابعين له فى القصة ان فرعون امر يصخرة عظيمة لتلقى عليها فلما أتوه بالصخرة قالت رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فابصرت بيتها فى الجنة من درة وانتزع روحها فالقيت الصخرة على جسد لا روح فيه ولم تجدا لما وقال الحسن ابن كيسان رفع الله امرأة فرعون الى الجنة فهى فيها تأكل وتشرب. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ عطف على امرأة فرعون الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الرجال فَنَفَخْنا فِيهِ اى نفخ جبرئيل عليه السلام بامرنا فى جيب درعها نفخا وأصلا الى فرجها فحملت بعيسى عليه السلام والضمير عايد الى الفرج ولما كان النفخ بامر الله تعالى وافعال العباد كلها بخلق الله أسند الله تعالى النفخ الى نفسه مِنْ رُوحِنا اى روحا خلقناه بلا توسط اصل ومن زائدة فى الإثبات على قول الأخفش وهو الظاهر وقال سيبويه للتبعيض يعنى بعض هذا النوع كما فى قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها اى بصحفه المنزلة او بما اوحى الى أنبيائه والمراد شرايع الله تعالى لعباده وَكُتُبِهِ قرأ ابو عمر وحفص على الجمع والباقون بالإفراد والمراد به ما كتب فى اللوح او جنس الكتب المنزلة وقرأ بكلمة الله وكتابه يعنى بعيسى وإنجيل وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ اى من جملة مواظبين على الطاعة والتذكير للتغليب ولاشعاران رتبتها لم تقصر عن رتبة الرجال الكاملين

حتى عدت من جملتهم عن ابى موسى قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام رواه احمد والشيخان فى الصحيحين والترمذي وابن ماجة ورواه الثعلبي وابو نعيم فى الحلية بلفظ كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا اربع آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام قلت لعل المراد بالكمال البلوغ الى كمالات النبوة وما فوقها ورواية الصحيحين كانها اخبار عن الأمم الماضية حيث كثر الأنبياء فيهم ولم يبلغ درجة كمالات النبوة من النساء الا آسية ومريم وعن انس ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - وآسية امرأة فرعون وعن على قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائنا خديجة بنت خويلد متفق عليه وفى رواية قال كريب وأشار الى السماء والأرض وعن أم سلمة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا فاطمة عام الفتح فناجاها فبكت ثم حدثها فضحكت فلما توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سالتها عن بكائها وضحكها قالت أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انه يموت فبكيت ثم أخبرني انى سيدة نساء اهل الجنة الا مريم بنت عمران فضحكت رواه الترمذي وقد ذكرنا بحث تفاضل مريم وآسية وخديجة وفاطمة وعائشة رض فى سورة ال عمران فى تفسير قوله يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (فائده) فى هاتين التمثيلتين تعريض لحفصة وعائشة رض فيما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كرهه وتوبيخ لهما على اغلظ الوجوه واشارة الى ان حقهما ان تكونا فى الايمان كهاتين المؤمنين وان لا تتكلا على انهما زوجا رسول الله صلى الله عليه وسلم تمت 29/ ربيع الثاني سنة 12 هـ وثمانية جمادى الاولى بتصحيح: مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى.

فهرست من سورة الفتح إلى سورة التحريم من تفسير المظهرى

فهرست من سورة الفتح الى سورة التحريم من تفسير المظهرى مضمون صفحه سورة الفتح قوله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم هى أحب الى مما طلعت عليه الشمس 2 قصّة غزوة الحديبية وبيعة الرضوان 12 قصّة ابى بصير وابى جندل 16 قصّة غزوة خيبر 24 قصّة نكاح أم المؤمنين صفيّة رضى الله تعالى عنها 28 حديث نهى أكل لحوم الحمير وكل ذى ناب حديث النهى عن بيع المغانم قيل القسمة وعن وطى الحبالى 28 معاملة رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم اهل خيبر 28 قصّة الشاة المسمومة 30 قصّة قدوم جعفر واهل الحبشة والأشعريين 31 قصّة قدوم ابى هريرة والدوسيين 31 قصّة فدك قسمة خيبر فتح وادي القرى 31 قوله تعالى محمد رسول الله والذين معه فى مدح الصحابة وما ورد فى ذم الروافض 35. سورة الحجرات مسئله ذبح الاضحية بعد صلوة العيد 40 ذكر ابى بكر وعمر فى غض الصوت رسول الله صلى الله عليه وسلم 41 قصّة ثابت بن قيس والبشارة له يعيش حميدا يقتل شهيدا ويدخل الجنة 42 قصّة شهادة ثابت ووصيته بعد الموت 42 قصّة مجىء بنى تميم وسرية بنى عنبر 43 قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فى قصّة بعث وليد بن عقبة الى بنى المصطلق مصدقا 45 قوله تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما 48 مسائل البغاة 49 قوله تعالى لا يسخر قوم من قوم 51 قوله تعالى لا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ما ورد فى النهى عن السخرية والقول لمؤمن فيه هتك حرمته 52 مسئلة التعزير والنهى عن سوء الظن والتجسس والغيبة 53 قوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ وما ورد فى الباب من الأحاديث 57. سورة ق حديث أكرموا عمتكم النخل وان مثلها مثل المسلم 63

سورة الذاريات

حديث ما بين النفختين أربعون 63 ما ورد فى كيف بعث الناس 63 ما ورد فى اصحاب الرّس بقية ثمود بعث إليهم حنظلة ابن صفوان او شعيب عليهما السلام 63 ذكر ثمود وما ورد فى فرعون واخوان لوط واصحاب الايكة 64 قصّة تبّع وانه أمن بالنبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم قبله بتسعمائة سنة 65 حديث ما أدرى تبّع كان نبيا او غير نبى 66 قوله تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد واقوال العلماء والصوفية فى معنى الاقربية 67 ما ورد فى كاتب الحسنات وكاتب السيئات من الملائكة قوله تعالى وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ 68 قال قرينه هذا ما لدىّ عتيد وقال قرينه ربنا ما أطغيته 70 حديث تقول جهنم هل من مزيد حتى يضع الجبار رب العزة قدمه فتزدى 72 قوله تعالى ولدينا مزيد 74 وما ورد انه انظر الى الرحمن 74 قوله تعالى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد 75 ذكر الكاملين والمريدين ما ورد فى ما خلق السموات والأرض والجبال والدواب وخلق آدم 75 وقوله فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس الاية 76 ما ورد فى التسبيحات والتحميدات بعد المكتوبات وغيرها 76 حديث وقف صلى الله عليه وسلم على قتلى بدر فقال يا فلان يا فلان هل وجدتم ما وعدتم ثم قال ما أنتم باسمع منهم غير انهم لا يستطيعون الرد 77. سورة الذاريات قوله تعالى قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون 81 حديث ينزل الله الى السماء الدنيا ويقول من يدعونى استجيب له 82 ما ورد فى الاذكار وقت السحر 82 ما ورد فى حسن الجوار وإكرام الضيف واطعام الطعام وافشاء السلام الضيافة ثلثة ايام 86 قوله وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ 90 حديث قدسى مرضت فلم تعدنى إلخ 91. سورة الطور فى ما ورد فى الحاق ذرية المؤمنين بهم فى الدرجة 95 فصل فى أطفال المشركين 96 ما ورد فى خدم اهل الجنة وتذاكرهم ما كانوا فيه فى الدنيا 97 قوله تعالى فسبح بحمد ربك حين تقوم الاية 101

سورة النجم

وما ورد فى كفارة المجلس وغير ذلك 101. سورة النجم قوله تعالى علّمه شديد القوى الاية يعنى دلى الجبار فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى 104 حديث رويته عليه الصلاة والسلام جبرئيل على صورتيه مرتين 107 هل راى محمد صلى الله عليه وسلم ربه بالبصر او بالفؤاد 109 قصّة المعراج 110 وان المعراج فى اليقظة حق 114 وحديث المعراج فى النوم ايضا 115 قصّة هدم اللات والعزى ومناة بعد فتح مكة 115 خروج جنية منها 116 مسئله لا يجوز اتباع الظن فيما يعارضه دليل قطعى ويجوز العمل بدليل ظنى فيما سوى ذلك 119 ما جاء فى اللهم وصغار الذنوب 121 مسئله ان شاء الله يغفر الكبائر ويعذب على الصغائر 122 أحاديث كناية مقادير الخلائق وخلق آدم ثم مسح ظهره يجمع خلق أحدكم فى بطن امه أربعين يوما 122 حديث قدسى اركع الى اربع ركعات أول النهار 124 قوله تعالى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى اى مع حديث من سن سنته سنيته 125 وأحاديث شمول العذاب بتركه الأمر بالمعروف 125 مسئله هل يعذب الميت ببكاء اهله عليه 125 مسئله هل يثاب أحد بعمل غيره 126 حديث ان الملكين الكاتبين يقومان على قبر المؤمن يسبحان ويهللان ويكتبان للمؤمن 127 ما ورد فى جعل ثواب الحسنات لغيره ووصول الثواب للميت 128 حديث تفكروا فى الخلق ولا تفكروا فى الخالق 129 مسئله نفى الفكر فى ذاته تعالى لا ينافى الوصول اليه وان الى ربك المنتهى 130 حديث كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تناشدون الشعر ويذكرون أشياء ويضحكون 131 والنبي عليه الصلاة والسلام يتبسم معهم 131 حديث ما رايت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا 131 حديث لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا وما تلذذ تم بالنساء 131 ما ورد فى سجود سورة النجم 134. سورة القمر معجزه شق القمر حديث سوال اليهودي عن تسع آيات بينات 135 قوله عليه السلام يوم بدر سيهزم الجمع ويولون الدير 142

سورة الرحمن

ما ورد فى الايمان بالقدر 143. سورة الرحمن مسئله من اشترى مكايلة ثم باعه مكايلة وجب إعادة الكيل 146 مسئله لا معتبر بكيل البائع قبل البيع 147 حديث أنطوا بيا ذى الجلال والإكرام سنفرغ لكم ايها الثقلان 150 حديث كلنا يرى ربه مخليا به 152 حديث تشقق السماء ونزول ملائكة كل سماء وصفوفهم وإذا رائهم اهل الأرض فدوا 153 ما ورد فى حشر المؤمنين والكافرين من قبورهم على صور واحوال مختلفة وظهور اثار المعاصي فى الوجود 154 ما ورد فى اطعام اهل النار وشرابهم 155 عدد الجنات ونعمائها 156 فائدة نساء الدنيا خير من الحور العين 163. سورة الواقعة السابقون ثلة من الأولين يعنى الصحابة واتباعهم وثلة من الآخرين اى اصحاب التجديد 166 اصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين 174 حديث هما جميعا من أمتي 174 وما ورد فى الفريقين وفى نعيم الجنة 175 مسائل مس القران وقرأته 181 مسئله يمنع الكافر من قرأة القران 182 مسئله الصوفي لا يجد بركات القران الا بعد القضاء 183 حديث قدسى من عبادى مؤمن بي وكافر من قال مطرنا بفضل الله ومن قال مطرنا بنوء كذا 183 مسئله قرب الله يدرك بفراسته المؤمن 184 حديث من قرء سورة الواقعة كل ليلة لم يصبه فاقة 186. سورة الحديد حديث كان النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم يقول وهو مضطجغ اللهمّ رب السموات إلخ 188 حديث وفدا لقيس أمرهم بأربع ونهاهم بأربع 189 ما ورد فى فضل الانفاق والقتال قبل الفتح وافضلية ابى بكر الصديق قوله تعالى يسعى نورهم بين أيديهم 190 ما ورد فى نور المؤمنين على الصراط 192 فصل فى موجبات النور والظلمة 193 مسئله عدم نور المنافقين وانتفاء نور اهل الهواء 194 من يطلق عليه الصديق فهو كاذب 199 ما ورد فى ان تفاوت درجات المؤمنين بالأعمال والتطبيق بينهما قوله تعالى رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها 203 ما ورد من الأحاديث فيها وفى رعايتها وعدم رعاية حديث ثلثة لهم أجران 205

سورة المجادلة

حديث انما اجلكم فى أجل من خلا من الأمم ما بين صلوة العصر الى مغرب الشمس 206 وانما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل الحديث 206 حديث لا تزال من أمتي امة قائمة بامر الله 207 حديث كان عليه الصلاة والسلام يقرأ المسبحات قبل ان يرقد 207. سورة المجادلة قصّة شكوى خولة حين ظاهر منها زوجها ومسائل الظهار 208 حديث قول اليهود السام عليكم 222 حديث عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش 222 حديث إذا سلم اهل الكتاب فقولوا وعليكم 222 حديث إذا كنتم ثلثة فلا تناجى رجلان دون الاخر تعظيمه صلى الله تعالى عليه واله وسلم اهل بدر 223 حديث لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ولكن تفسحوا 224 ما ورد فى فضل العلماء قول على رض اية فى كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلى ولا بعدي 224 اية التصدق عند المناجاة 225 ايمان المؤمن يفسد بمودة الكافر 226. سورة الحشر قصّه جنايات بنى نضير وغزوهم واجلائهم وما وقع فيه من المعجزات واقرار اليهود بصدق النبوة 229 مسئله إذا حاصر الامام الكفار جاز قطع أشجارهم وهدم بنيانهم 236 ما ورد فى ان اموال بنى النضير كانت خالصة للنبى صلى الله تعالى عليه واله وسلم فقسمها بين المهاجرين دون الأنصار لما اثرهم على أنفسهم 237 مسئله إذا استولى الكفار على اموال المسلمين ملكوها ثم إذا وجدها صاحبها بعد ما غنمها المسلمون او اشترى منهم تاجرا واستوجب منهم 240 ما ورد فى فضل المهاجرين 242 ما ورد فى فضل المدينة وفضائل الأنصار 242 ما ورد فى الشح 244 ما ورد فى المؤمنين الذين استغفروا للصحابة وأحبوهم وذم الروافض 245 كيفية قسمة ابى بكر وعمر اموال الخراج ونحو ذلك فى الناس 246 مسئله هل يخمس مال الفيء وكيف يقسم 249 قصّة اجلاء بنى قينقاع من اليهود 251 قصّة برصيصا الراهب وماله الى الكفر 252 حديث من قرأ حين يصبح وحين يمسى التعوذ ثلثا وثلث آيات اخر الحشر 257. سورة الممتحنة

سورة الصف

قصّة كتاب حاطب بن بلتعة كفار مكة 258 مسئله وجوب معادات اهل من الكفار وان كانوا أقارب 260 مسئله جواز الصلة لمن لم يقاتل من الكفار 262 اية الامتحان والمنع من رد المهاجرات الى الكفار 263 مسئله لا يجوز القيام على عقود المشركين من النكاح والموالاة وغير ذلك 265 قصة بيعة النساء يوم فتح مكة 267. سورة الصف شرح اسمه صلى الله تعالى عليه واله وسلم احمد 271 ما ورد فى جنتان عدن 273. سورة الجمعة ما ورد فى فضل رجال فارس واخر الامة وذكر أكابر النقشبندية والمجددية 275 ما ورد فى وجه تسمية الجمعة وأول جمعة صلّى بها اسعد بن زرارة ومصعب بن عمير قبل قدوم النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم المدينة 278 قصّة قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأول جمعة صلى وفرح اهل المدينة بقدومه ونزوله فى بيت ابى أيوب الذي بناه تبع لاجله صلى الله عليه وسلم 279 مسائل أذان الجمعة وحرمة البيع حينئذ 282 وفرضية الجمعة وشرائطها وما يتعلق بها وسننها وساعة الجمعة 285 وما كان عليه السلام يقرأ فى الجمعة 297 مسئله لا يقيم أحد أخاه يوم الجمعة 297 حديث من دخل فى السوق قال لا اله الا الله إلخ 298 حديث أحب الأعمال تسبحه الحديث وأبغضها التحريف 298 قصّة قدوم العير وانفضاض الناس اليه الا اثنى عشر رجلا وتسميتهم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب 299 مسئله لو شرع الامام صلوة الجمعة وذهب بعد ذلك القوم 299 مسئله إذا أدرك المسبوق شيئا من الجمعة 300 مسئله يستجب الإجمال فى طلب الرزق 300 وفضل القناعة وذم الحرص 300. سورة المنفقون قصّة غزوة بنى المصطلق ونزول سورة المنفقون فى عبد الله بن ابى وأصحابه ومقالته الخبيثة 301 وما ورد فيه من المعجزات واسلام بعض المنافقين 304 ذكر تزويجه صلى الله تعالى عليه واله وسلم أم المؤمنين جويرية واسلام أبيه حارث بن ابى ضرار وفيه المعجزة 306. سورة التغابن ما ورد فى التقدير قبل الخلق 311

سورة الطلاق

أحاديث ما منكم من أحد الا له منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار فاذا مات ودخل النار ورث اهل الجنة منزله 313 حديث من فرمن ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة 313 حديث يأخذ المظلوم حسنات الظالم فاذا لم يبق حسناته يضع عليه سياته 314 حديث الايمان بالقدر قوله تعالى ان من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم 315 قوله تعالى انما أموالكم وأولادكم فتنة 315. سورة الطّلاق مسئله الطلاق فى الحيض حرام 317 مسئله العدة بالحيضات دون الإظهار 317 مسئله الطلاق فى الطهر الذي جامع فيه حرام 318 مسئله لا يجوز للمطلقة فى العدة خروجها من بيت زوجها ولا إخراجها 318 مسئله يجوز فى العدة الوفاة خروجها نهارا لا ليلا 319 قوله تعالى من يتق الله يجعل له مخرجا وو يرزقه من حيث لا يحتسب 320 حديث من نزل به فاقة فانزلها بالناس لم يسدد من نزلت به فاقة فانزلها بالله 320 حديث من جاع واحتاج فكتمه 321 فايدة إكثار لا حول ولا قوة الا بالله 321 مسئله إذا دخل مسلم دار الحرب أسيرا او سارقا فاستولى على مال حربى 321 وقوله صلى الله تعالى عليه واله وسلم انى لاعلم اية لو أخذ الناس لكفيتهم من يتق الله الآية 322 ما ورد فى التوكل 322 مسائل عدة الآئسة والصغيرة 322 مسئله عدة الشابة التي ارتفع حيضها 323 مسئله عدة الحامل 324 مسئله وجوب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية والخلاف فى وجوب النفقة للمعتدة البائنة 325 وما ورد فيه من الأحاديث 325 مسئله المعتدة من وفاة لا نفقة لها 329 مسئله يجب اجرة المطلقة على إرضاع ولدها بعد العدة 329 مسئله لا يجبر على الام فى الإرضاع ولا على الأب فى إعطاء الاجرة ان كان ثمة مرضعة غيرها بلا اجر 330

سورة التحريم

مسئله يشترط فى الاسترضاع من غير الام ان يكون الإرضاع عند الامام ان الحضانة لها 330 ما ورد فى الحضانة 330 مسئله قدر نفقة الزوجات والمطلقات 330 مسئله نفقة خادم الزوجة والمطلقة 332 ما ورد فى عدد السموات والأرضين وبعد ما بينها 333. سورة التحريم قصّة تحريم النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم على نفسه العسل ومارية القبطية وطريق الجمع بين الأحاديث 335 مسئله تحريم الحلال يمين أو لا وان قال للزوجة أنت على حرام هل يكون طلاقا او ظهارا او إيلاء 338 حديث سوال ابن عباس عن عمر عن المرأتين اللتين صغت قلوبهما وبيان عمر 340 قصّة اعتزاله صلى الله عليه وسلم فى المشربة شهرا سبب اعتزاله صلى الله تعالى عليه واله وسلم 341 التوبة النصوح 345 مسئله قبول التوبة فضل من الله ولا يجب على الله شىء 345 ما ورد فى ان النجاة بالفضل وقد يغفر الله الذنوب العظيمة تفضلا 345 مسئله لا ينفع الكفار قرابة الأنبياء والصلحاء كامرأة نوح عليه السلام وامرأة لوط عليه السلام 346 ولا يضر الصلحاء قرابة الكفار كامرأة فرعون 347 فضائل مريم وامرأة فرعون وفاطمة وخديجة وعائشة رضى الله تعالى عنهن جمعاء 348 تمت تم الى سورة الملك.

الجزء العاشر

الجزء العاشر فهرست تفسير المظهرى من سورة الملك الى اخر القران مضمون صفحه بحث الموت والحيوة 18 ذكر الأعيان الثابتة وعالم المثال 19 حديث كفى بالموت واعظا وباليقين غنى 21 حديث بادروا بالأعمال سبعا وفى الحديث بادروا قبل ست مسئله ليس فى الإمكان أبدع مما كان 22 الكواكب كلها فى سماء الدنيا راس الحكمة مخافة الله 24 حديث ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى 25 السماء الدنيا حديث سئل عليه الصلاة والسلام كيف 27 يحشر الكافر على وجهه أحاديث فضائل سورة الملك 29 سورة ن حديث أول ما خلق الله القلم 30 حديث كتب الله مقادير الخلائق 30 حديث سجدت الأتان الى الكعبة حين ركبت 31 عليها حليمة مع النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وذكر بعض أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - 31 فضل فى فضائل حسن الخلق 31 قوله تعالى يوم يكشف عن ساق 39 مضمون صفحه أحاديث المحشر وروية الله سبحانه وكشف الساق 40 والمرور على الصراط والشفاعة 40 مسئله الروافض وغيرهم من اهل الهواء 42 لا يستطيعون من السجود أحاديث آيات المنافقين قصة يونس عليه السلام 43 مسئله الصبر على إيذاء الخلق أحاديث العين 45 حق حديث حنظلة إلخ 46 علامة اولياء الله دواء إصابة العين 46. سورة الحاقة قصة صالح عليه السلام 48 حديث ان هذه القلوب اوعية فخيرها 51 أوعاها 51 قوله تعالى إذا نفخ فى الصور 51 حديث بعد ما بين السماء والأرض وحملة العرش 52 حديث العرضات ونظاير المصحف 53 ما ورد فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا 55 حديث الكبرياء ردائى 56 الغسلين 56 مسئله تلاوة القرآن سبب لترقى بعد فناء 58 النفس الأحاديث الواردة فى تسبيحات الركوع 59

سورة المعارج

والسجود وفضل التسبيح 59 مسئله تسبيحات الركوع والسجود 59. سورة المعارج حديث فى الجنة مائة درجة إلخ 60 حديث ان اهل الجنة يتراوون اهل العرف 61 قوله تعالى فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ 61 ما من صاحب كنز ما من صاحب ابل وصاحب بقر لا يؤدى زكوته 61 مسئلة المسافة الى محدب العرش 62 حديث الشفاعة 64 حديث لو كان لابن آدم واديان من ذهب 65 حديث يهرم ابن آدم ويشب منه اثنان 65 حديث عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير 65 مسئله تفاوت استعدادات الإنسان 66 مسئله يجعل بصره موضع سجوده فى الصلاة 66 مسئله لا يجوز للرجل إتيان العبد فى دبره 67 ولا للمرأة الاستمتاع بفرج عبدها 67 حديث ايماء رجل راى امرأت تعجبه فليقم الى اهل 67 مسئله لا يجوز متعة النكاح ولا الاستنماء باليد 67 حديث بصق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى كفه فقال 69 يقول الله ابن آدم انى تعجزنى 69. سورة نوح حديث أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى إلخ 71 حديث فضلت على الأنبياء بست 71 حديث الإسلام يهدم ما كان قبله والهجرة والحج إلخ 71 مسئله القضاء على نوعين معلق ومبرم 73 حديث لا يرد القضاء الا الدعاء 73 حديث ارايت فى نسترقيها او دواء هل يرد من قدر الله 73 حديث أشد الناس بلاء الأمثل فالامثل 74 مسئله الايمان امر وهبى يعنى لا اختيار فى اكتسابه 84 مسئله لا بد للمفيض من النبي والولي كمالات العروج والنزول 84 أحاديث كيفيت استراق السمع للجن من 86 الملائكة من السماء الدنيا او السحاب 86 ثواب المطيع من الجن وعذاب المعاصي منهم 89 الأحاديث الواردة فى تطهير المساجد وتعظيمها 92 حديث أمرت ان اسجد على سبعة أعظم 93 قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه 95 أحدا الا من ارتضى من رسول 95 مسئله عالم الغيب منها ما هو غيب مطلقا وما هو غيب بالنسبة الى البعض بحث العلم الحاصل بالإلهام للاولياء 96

سورة المزمل

واثبات كرامات اولياء حديث لقد رايتنى فى الحجر وقريش يسألنى 95 عن مسراى حديث ان عمر بعث جيشا وأمرهم سارية 95 حديث مات النجاشي لا يزال يرى على قبره نور أحاديث العلماء ورثة الأنبياء وأمناء الرسل 96 حديث الرؤيا الصالحة جزء من ستة و 97 أربعين جزء من النبوة حديث الرؤيا الصالحة من الله والحلم إلخ 97 بحث العلم اللدني وتحقيق النسبة بين 97 الخالق والخلق بحث علم الكهان والمنجمين والأطباء علم 98 النقاط والخطوط والسحر حديث قال الله تعالى قد أصبح قوم من عبادى 99 مومن بي وكافر بالكواكب إلخ حديث من اقتبس علما من النجوم اقتبس 100 شعبة من السحر حديث لا تأتوا الكهان ولا يصدنكم الطيرة 100. سورة المزمل أحاديث قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى انتفخت أقدامهم 103 أحاديث استحباب الترتيل بالقراءة و 104 تحسين الصوت دون التغني والحكمة فى الترتيل التدبر 105 حديث كلمتان خفيفتان على اللسان إلخ 105 حديث شيبتنى 106. سورة هود مسئله علامة انكشاف حقيقة القرآن و 106 ورود ثقل عظيم حديث كان إذا انزل عليه الوحى كرب لذلك 106 وان جبهته ليفصد عرقا فى الشتاء بحث فضل النبوة على الولاية وبحث العروج 107 والنزول جعلت قرة عينى فى الصلاة ونحو ذلك 107 فصل فى فضائل صلاة الليل 108 مسئله ذكر القلب هو حقيقة الذكر 109 مسئله قراءة البسملة عند ابتداء قراءة القرآن وبين السورتين قالت الصوفية الطريقة خطوتان 110 مسئله التبتل الى الله لا يخل بالمعاش 110 حديث لو انكم تتوكلون على الله حق توكله 112 حديث ان روح القدس نفث فى روعى ان نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها حديث الزهادة فى الدنيا ليست بتحريم الحلال 112 الاشارة الى مقامات السلوك وأعلاها الصبر 112 ما ورد فى الأنكال وطعام اهل النار وعذابهم 113

سورة المدثر

حديث يقول الله يا آدم ابعث بعث النار من 113 كل الف تسع مائة وتسع وتسعين مسئله السبيل الى الله التذكر الموجب للمحبة والمعية مسئله قيام الليل هل كان واجبا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا 115 مسئله مقدار القراءة على المقتدى 116 مسئله هل يجب القرآن فى كل ركعة 120 مسئله يستحب التوسط فى العمل والمواظبة عليه 121 مسئله ادنى التوسط فى قراءة القرآن خمسين آية وأكثره الف آية حديث أيكم ماله أحب عنده من مال وارثه 123 مسئله الإنسان لا يعتبر باعمال البر بل لا بد مع ذلك من الاستغفار سورة المدثر مسئله وجوب تعظيم الله وتوحيده 124 مسئله اقوال العلماء فى تكبير التحريمة 124 مسئله طهارة المكان والثوب والبدن و 125 القلب والنفس ذكر الصور واسرافيل عليه السلام 126 مسئله صعود جبل فى النار صفة خزنة النار 128 عددهم تسعة عشرا وهذا عدد رؤسائهم ولا يعلم عددهم الا الله مسئله الكفار مواخذون بالفروع بالآخرة 132 والعبادات والعقوبات تسقط فى الدنيا عن 132 الكافر بالإسلام مسئله جواز الشفاعة لاهل الكبائر وما ورد من الأحاديث لا ينال الشفاعة لاهل الأهواء 134 مسئله ما ورد فى بعض المعاصي انها مانعة للشفاعة 134 سورة القيامة القيامة وذكر النفس الامارة واللوامة والمطمئنة 136 مسئله بيان القرآن محكمه ومتشابهه ضرورى 139 رؤية الله سبحانه 140 مسئله لعل الأنبياء والمقربون يرون الله 143 وانما بلا انقطاع من الناس من يرى كل يوم مرتين ومنهم من يرى 143 كل جمعة مرة او مرتين او كل سنة مرة او مرتين 143 سورة الدّهر فى هذه السورة ذكر اهل الجنة غالبا من النضرة 147 والسرور ولباسهم وحليهم وطعامهم وشرابهم وسعة ملكهم وخدمهم وسدرهم وتلا لا الجنة بلا حر وبرد وظلال لجنة وقطوفها مسئله تاويل الصوفية هل اتى على الإنسان حين من الدهر بالفناء 148

سورة المرسلات

حديث يوذينى ابن آدم يسب الدهر إلخ 148 فصل فى مسائل النذور وما ورد فيه من الأحاديث 150 أحاديث فضل الصلاة بالمسجد الحرام والأقصى 151 ومسجد المدينة وان ذلك مختص بالمكتوبات حديث اتقوا الله فى الضعيفين المملوك و 154 المرأة، حديث ان الصدقة ليطفى غضب الله الرب 156 مسئله مقادير أكواب الجنة على حسب استعدادات فى المعارف الالهية 158 مسئله المقربون يوتون شرابا طهورا بلا توسط ولدان وملائكة غالبا وكذا الأبرار أحيانا 161 حديث ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس 162 حديث ان قلوب بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن 163 سورة المرسلات ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة 169 حديث الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه 170 حديث شيبتنى هود والواقعة والمرسلات 170 سورة النّبإ ما ورد فى الصّور 173 حديث ان الناس يحشرون على ثلاثة أفواج 173 حديث يحشر أمتي على عشرة أفواج 173 أحاديث فى الصراط 174 قوله تعالى إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً التأويل ان المراد بالطاغين اهل الهواء ما ورد فى الاحقاب والحميم والغساق 176 مسئله اهل الهواء يكذبون بايات الله 178 مسئله عذاب اهل الكبائر من المؤمنين غير اهل الهواء 178 مسئله يجزى المتقون على حسب إخلاصهم ومراتب قربهم 180 حديث لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبه إلخ 180 مسئله الصحابة كانوا مستغرقين فى كمالات النبوة اى التجليات الذاتية الدائمة وكذا اكثر التابعين وقليل من اتباعهم ثم بعض الكرام بعد الف سنة 180 حديث مثل أمتي كمثل المطر إلخ 181 حديث ابشروا ابشروا انما مثل أمتي مثل الغيث 181 حديث انما اجلكم من أجل من خلا من الأمم ما بين العصر الى مغرب الشمس إلخ 181 ما ورد فى الروح 182

سورة النازعات

ما ورد فى عذاب القبر وثوابه 184 ما ورد فى قصاص البهائم وكونهم ترابا سورة النّازعات ما ورد فى نزع أرواح المؤمنين والكفار 185 مسئله تحقيق النفس والروح والقلب وكيفية أزواجها حديث من دنياه أضر بآخرته حديث حفت النار بالشهوات 192 حديث الدنيا ملعونة إلخ 192 مسئله رأس المنهيات اتباع الهوى وهو قبيح شرعا وعقلا ومنها الكفر وفساد العقائد والفسق 192 أحاديث بئس العبد عبد هوى يضله نحوه 193 فائدة مراتب ترك الهواء ثلثة 193 تصحيح العقائد تنزيه الأعمال سلب الارادة بالفناء 194 حديث لا يؤمن أحدكم حتى تكون هواه تبعا لما جئت به 195 حديث بعثت انا والساعة كهاتين سورة عبس حديث الذي يقرء القرآن وهو ما هو مع السفرة الكرام البررة حديث كن فى الدنيا كانك غريب او عابر سبيل حديث سيد بنى دارا ووضع مادبة إلخ 201 حديث سالت عن والديها ماتا فى الجاهلية 202 سوره كوّرت حديث من سره ان ينظر الى القيمة راى عين 203 حديث الوائدة والمودة فى النار 206 مسئله الواد كبيرة وفى حكمه إسقاط الحمل بعد اربعة أشهر واقل منه وزرا الاسقاط قبل ذلك 206 مسئله يحب الغرة بضرب حامل أسقطت ميتا 206 مسئله العزل عن الامة والحرة حديث انها اى الشمس تذهب وتسجد تحت العرش حديث إذا تكلم الله بالوحى أخذت السموات 208 منه رجفة وصعق أهلها وخروا سجدا 209 وأول من يرفع راسه جبرئيل قالوا ماذا قال ربكم إلخ مسئله بيان كون النبي - صلى الله عليه وسلم - ذى قوّة عنه ذى العرش مكين مطاع ثمّ أمين 209 مسئله الحقيقة المحمدية هى التعين الاول 209 مسئله هل راى محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه بفؤاده او بعينه 210 مسئله أقصى مقامات العابدية الحقيقة الاحمدية ووراء ذلك اللاتعين والسير هناك نظرى 210

سورة انفطرت

رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - جبرئيل على صورته 210 مسئله كونه - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين وشمول قصة الملائكة 212 سورة انفطرت حديث إذا قام الرجل فى الصلاة اقبل الله عليه بوجهه فاذا التفت إلخ 214 حديث ان النطفة إذا استقرت فى الرحم احضر كل عرق بينه وبين آدم 215 أحاديث عرض الجنة والنار فى القبور 216 سورة المطففين أحاديث عقوبة بعض المعاصي فى الدنيا 218 حديث ان المطففين يوقفون يوم القيمة حتى ان العرق ليلجمهم الى آذانهم ما ورد فى الموقف ودنو الشمس وحرها 219 والعرق وان المؤمنين على كرامى يظل عليهم الغمام ما ورد فى السجين انه موضع صحف 220 اعمال الكفار وهناك مقر أرواحهم وهو فى جهنم تحت الأرض السابعة حديث يجأ بجهنم يوم القيمة من الأرض السابعة لها الف زمام إلخ 221 حديث المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء فى قلبه 222 مسئله عليون فوق السماء السابعة تحت العرش او هو قائمة العرش او الجنة او السدرة المنتهى 223 الأحاديث الواردة فى مقر أرواح الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وفساق المؤمنين 224 مسئله التنافس لا يليق على الامتعة الدنيوية وهى رويلة ويليق بالنعم الاخروية وهى جميلة 226 سورة انشقت حديث من حوسب عذب يعنى ان نوقش فى الحساب عذب 229 حديث لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر ذراعا بذراع إلخ 230 مسائل سجود التلاوة وما يناسبه 232 سورة البروج البروج حديث أكرموا الشهود إلخ 225 حديث فى صدر اللوح لا اله الا الله وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله إلخ وهو من درة بيضا وطوله إلخ 239 سورة الطارق مسئله وجوب التسبيح 243 حديث كتب الله مقادير الخلائق 243

سورة الغاشية

حديث كل شىء بقدر 243 الأحاديث الواردة فى تعاهد القرآن والنهى عن نسيان القران مسئله تكبير التحريمة شرط للصلوة او ركن 245 صدقة الفطر قبل صلوة العيد 245 مسئله السنة فى الدعاء الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - اولا وآخرا وما ورد فيه من الأحاديث 246 مسئله أول منازل السلوك التوبة والتزكية ثم مداومة الذكر اللساني والقلبي والروحي والسرى ثم المشاهدات 247 مسئله اذكار الطريقة المجددية 247 مسئله هل يجوز القراءة فى الصلاة بالفارسية 248 ما ورد من الأحاديث فى سورة الأعلى وانه - صلى الله عليه وسلم - كان يحبها 248 فائدة فى سورة الأعلى تأثير فى العروج 248 سورة الغاشية مسئله شراب اهل النار وطعامهم 250 مسئله صفة الجنة وما فيها من الأنهار والأكواب والنمارق والزرابي 251 سورة الفجر حديث ما من ايام أحب الى الله من عشر ذى الحجة 253 حديث أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله 253 المحرم وأفضل الصلاة بعد المكتوب إلخ قصة امرأة فرعون وخازنه وزوجته 256 مسئله توسعة المال تفضل يوجب الشكر وقد يكون موجبا للاكرام فى الاخرة 258 حديث لا حسد الأعلى اثنين 258 مسئله التقتير لا يكون اهانة 258 أحاديث فخر الفقراء على الأغنياء 258 ما ورد فى صفوف الملائكة يوم القيامة 259 وقوله تعالى وجئ يومئذ بجهنم 260 اطمينان النفس والايمان الحقيقي 261 حديث ذاق طعم الايمان من رضى بالله 261 ربا إلخ قوله تعالى ارجعي الى ربك راضية مرضيه 261 ذكر عباد الله الصالحين 263 حديث عبد الدينار والدرهم 263 سورة البلد حديث فضل مكة حديث ابن آدم ان 264 نازعك لسانك فقد أعنتك بطبقتين إلخ 266 ما ورد فى فك الرقبة والإطعام وغير ذلك 267 سورة الشمس

سورة الليل

حديث ارايت ما يعمل الناس ويكدحون فيه شىء قضى عليهم 270 حديث ان قلوب بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن 270 حديث اللهم انى أعوذ بك من العجز والكسل إلخ 271 اللهم ات نفسى تقويها إلخ 271 حديث أشقى الناس عاقر ناقة ثمود وابن آدم الذي قتل أخاه 272 سورة اللّيل حديث كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها او موبقها 274 حديث اتق النار ولو بشق تمر حديث من ذكرت عنده فلم يصل على حديث ما منكم من 274 أحد الا وقد كتب مقعده من النار او من الجنة اعملوا فكل ميسر لما خلق له 275 الصحابة كلهم عدول لا يدخل أحد منهم فى النار الأحاديث الواردة فى مدح الصحابة 277 مسئله المؤمن لا يخلد فى النار وان كان فاسقا 278 مسئله ابو بكر أفضل الناس بعد الأنبياء حديث كنا فى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نعدل بابى بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان 280 سورة الضّحى حديث انا اهل بيت اختار الله لنا الاخرة على الدنيا 283 مسئله من استوى يوماه فهو مغبون 283 حديث اذن لا ارضى وواحد من أمتي فى النار 283 مسئله العروج والنزول وما يلحق الصوفي من الغم والحزن فى مقام النزول وفى هذا المقام سورة الضحى 284 حديث ما أوذي أحد مثل ما أوذيت 285 ما ورد فى القناعة وغنى النفس 286 حديث خير بيت فيه يتيم يحسن اليه إلخ 286 حديث اما انا وكافل اليتيم كهاتين 287 حديث من كتم علما من اهله الجم يوم القيامة 287 حديث الطاعم الشاكر له مثل اجر الصائم الصابر 287 أحاديث لا يشكر الله من لا يشكر الناس ونحو ذلك 287 مسئله يجب الشكر على نعمة الشكر ما هو 288 مسئله تحديث النعمة شكر وما يشترط 288 فصل فى التكبير من سورة الضحى الى الختم على قراءة ابن كثير 288 سورة الم نشرح ما ورد من الأحاديث فى شرح صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم 290 مسئله شرح الصدر والإسلام الحقيقي 291 باصطلاح الصوفية قال الله تعالى إذا ذكرت ذكرت معى 292

سورة والتين

اليسرين مع العسر فى مقام النزول 294 حديث ليس يتحسر اهل الجنة الأعلى ساعة لم يذكروا الله فيها 293 فائدة قراءة الم نشرح يويد فى النزول 295 سورة والتين حديث ما من مولود الا يولد على الفطرة 297 إذا عجز المؤمن عن العمل من الكبر او المرض او غير ذلك كتب له ما كان يعمل قبل ذلك 298 سورة اقرأ ذكر بدو نزول الوحى وخلوته - صلى الله عليه وسلم - مجراء 301 شهرا او أربعين يوما مسئله البسملة ليس جزء من كل سورة 301 مسئله الصوفي يلزم اولا ذكر الاسم كى يهتدى به الى المسمى 302 مسئله علوم العالمين بعض علوم الإنسان وأخص منه ولو من وجه لان العلم بكنه الذات علما حضوريا 304 حديث اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد 309 سورة القدر مسئله ليلة القدر منتقلة فى العشر الأواخر من رمضان الأحاديث الذي وردت فى تعين ليلة القدر 312 ما ورد فى فضل ليلة القدر 315 سورة لم يكن خواص البشر أفضل من خواص الملائكة وعوام البشر اعنى الصالحين ارباب القلوب والنفوس الزاكية أفضل من عوام الملئكة 319 حديث ان الله يقول لاهل الجنة هل رضيتم الا أعطيكم أفضل من ذلك أحل عليكم رضوانى إلخ 319 مسئله رضا العبد عن الله تعالى على اقسام ترك الاعتراض والاعتقاد وبحسن مقضيه وكون مقضية محبوبا له وبلوغ العبد أقصى ما يتمناه 319 حديث قال عليه السلام لابى ان الله أمرني ان اقرأ القران 320 سوره إذا زلزلت حديث يقول الله يوم القيمة لادم ابعث بعث النار 321 حديث يلقى الأرض أفلاذ كبدها فلا يأخذون منه شيئا 322 حديث يوشك الفرات ان يحسر عن كنز من ذهب فيقتل الناس عليه ووجه الجمع بينهما 322 حديث يشهد الأرض على كل بما عمل عليها 322 حديث من تصدق بعدل تمر إلخ 323

سورة العاديات

حديث لا يحقرن من المعروف شيئا 323 مسئله المؤمن المرتكب للكبائر غير التائب لا يخلد فى النار وبه تواترت الأحاديث 324 حديث يخرج من النار من قال لا اله الا الله إلخ ونحو ذلك 324 مسئله حسنات الكافر ليست بحسنات على الحقيقة 324 مسئله يجوز مغفرة العاصي من غير توبة 323 حديث والذي نفسى بيده ليغفر الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس 325 مسئله يجوز ان يعذب الله المؤمن على صغيرة او كبيرة خلافا للمرجية 325 ما ورد عن الأحاديث فى الاحتراز عن الصغائر وإياك والمحقرات من الذنوب 325 ما ورد فى فضائل السورة 326 سورة العاديات مسئله الواجب ان لا يدفع الحاج من المزدلفة الا مصبحا 327 سورة القارعة ذكر الميزان وثقلها بعوضة 330 حديث يوتى العبد فيوقف بين كفى الميزان ونادى الملك بانه سعيد او شقى مسئله من السعداء من لا يوذن عمله حديث تنصب الموازين فيوفون أجور الصلاة والصدقة والحج والشهادة فى سبيل الله بالميزان واهل النار لا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان 331 قلت لعل المراد باهل البلاء اهل الشق من الصوفية 331 حديث بخ بخ بخمس ما أثقلهن إلخ 331 حديث يوضع الموازين فيوتى بالرجل فيتمائل به كفة سياته فيبعث الى النار ثم يوتى ببطاقته فيها لا اله الا الله فيترحج به كفة الحسنات قلت ذلك لمن يشاء الله تفضله 332 سورة التكاثر ما ورد من الأحاديث فى النهى عنه والأمر بالتواضع 322 حديث على كنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت 334 حديث ليس الخبر كالمعائنة 335 ما ورد فى السؤال عن النعيم وان من النعيم 335 النعال وشرب الماء البارد وأكل خبز البر ونحو ذلك 335 حديث خيانة الرجل فى علمه أشد من خيانته فى ماله وان الله يسأ لكم عنه 336 سورة العصر

سورة الهمزة

مسئله الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب وتركه خسران وما ورد من الأحاديث فى ذلك 337 سورة الهمزة حديث خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطا مربعا فى الأمل والأجل 339 حديث أوقد على النار الف سنة حتى احمرت إلخ 339 حديث ان النار تأكل حتى إذا اطلعت افئدتهم إلخ 339 حديث إذا بقي فى النار من تخلد جعلوا فى التوابيت 340 سورة الفيل قصة اصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن إسحاق عن بعض اهل العلم سورة قريش فصل فى فضائل قريش لا يلف قريش 347 اما من كل سور سورة ارايت حديث سئل عن الذين هم عن صلوتهم ساهون قال اضاعة الوقت 349 حديث من صلى يراى فقد أشرك حديث ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء والملح والنار 350 حديث ذاك شيطان يقال له خسرت 350 إذا احسسته فتعوذ بالله الحديث سورة الكوثر الأحاديث الواردة فى الكوثر 352 سورة الكافرون ما ورد فى فضائل السورة 355 سورة النّصر قصة فتح مكة 356 حديث أتاكم اهل اليمن هم ارق افئدة وألين قلوبا للايمان إلخ 365 حديث لاستغفر الله فى اليوم سبعين مرة 366 مسئله سن تقديم التسبيح والحمد والصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم على الدعاء فى الاستغفار 366 حديث كان يكثر قول سبحان الله وبحمده استغفره وأتوب اليه وكان يكثر ذلك فى ركوعه 366 سوره تبّت حديث ان أطيب ما أكلتم من كسبكم وان أولادكم من كسبكم 367 سورة الإخلاص مسئله لا يشاركه تعالى أحد فى الوجود 370 ولا فى صفة من الصفات ومعنى

سورة الفلق

لا اله الا الله لا موجود الا هو مسئله لا يجوز البحث والتفتيش فى مسائل الذات والصفات وسائر المسائل الكلامية بعد الايمان بظاهر النصوص 371 مسئله ما هو مقصود لك فهو معبودك ومعنى لا اله الا الله لا مقصود الا الله 372 مسئله حديث كذبنى ابن آدم وشتمنى إلخ فصل فى فضائل سورة الإخلاص سورة الفلق حديث لن تقرأ شيئا ابلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق 378 سورة الناس حديث لولا رجال ركع وأطفال رضع إلخ 380 ما من آدمي الا وفى قلبه بيتان إلخ 380 فصل فى فضائل المعوذتين 381 فصل فى فضائل القران وحسن الصوت والترتيل 382 تمّت صلى الله تعالى على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين بتصحيح: مولانا غلام نبى تونسوى الراجي الى مغفرة ربه القوى 1410 هـ 1990.

سورة الملك

سورة الملك مكيّة وهى ثلثون اية نحمدك يا من لا اله الا أنت ونسبحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انك ملك الملك توتى الملك من نشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتزل من تشاء بيدك الخير انك على كل شىء قديره أنت ربنا ورب السموات والأرض ومن فيهن ونصلى ونسلم على رسولك وحبيبك سيدنا ومولانا محمد وعلى جميع النبيين والمرسلين وعلى عبادك الصالحين ربّ يسّر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وتمّم بالخير تَبارَكَ مشتق من البركة بمعنى الزيادة المقتضى للكمال وعدم النقصان والمأخوذ فى اسماء الله تعالى وصفاته من معانى الألفاظ هو الغايات دون المبادي فهو من صيغ التكبير ويستلزمه التنزه عن صفات المخلوقين فانها لا تخلو عن النقصان الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ اليد من المتشابهات لتنزهه سبحانه عن الجارحة واوله المتأخرون بالقدرة والملك وهو السلطان على كل شىء والتصرف فى الأمور كلها وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ اى على كل ما يشاء قَدِيرٌ لا يمكن لاحد دفع ما اراده فلا يجوز الخوف والرجاء الا منه تعالى ولما كانت هذه الاية بمنزلة الدعوى على وجوده تعالى وكمال صفاته وتنزيهه مستدعيا للبرهان عقبها بما يدل على ذلك من الآيات فى نفس المكلفين من خلق الموت والحيوة وفى خلق السموات بلا تفاوت وفطور وخلق الأرض وجعلها ذلولا وخلق ما فيها من الأرزاق والطير صافات وذكر فيها بين ذلك استطرادا عذاب الكفار الذين لم يسمعوا او لم يعقلوا البراهين والآيات وثواب الذين يخشون ربهم المنتفعين بالحجج والبينات فقال. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ الموصول مرفوع اما انه بدل من الموصول

السابق واما خبر مبتداء محذوف اى هو او منصوب على المدح والحيوة من الصفات الله تعالى وهى صفة يستتبع العلم والقدرة والارادة وغيرها من صفات الكمال وقد استودعها الله تعالى فى الممكنات وخلقها فيها على حسب إرادته واستعداداتها فظهرت فى الممكنات على مراتب شتى ظهرت فى بعضها بحيث تستتبع المعرفة التي لا كيف لها بذات الله تعالى وصفاته وهى الامانة التي حملها الإنسان وأشفقن منها السموات والأرض والجبال وذلك بإلقاء نور من الله تعالى وهذا القسم من الحيوة وما يقابلها من الموت المستفاد من قوله تعالى أفمن كان ميتا فاحييناه وقوله عليه الصلاة والسلام ان الله خلق خلقه فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله رواه احمد والترمذي وفى بعضها بحيث يستتبع الحس والحركة الحيوانية المعبر عنها وعما يقابلها بقوله تعالى كنتم أمواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم وفى بعضها لتستتبع النمو فقط المعبر عنها وعما يقابلها بقوله تعالى يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها اى يحيى نبات الأرض بعد يبسها وذلك القسمين من الحيوة ينفخ الروح الإنساني والحيواني والنباتي فى الأجسام وليس شىء من الاقسام الثلاثة المذكورة للحيوة فى الجمادات ولذا قال الله تعالى فى حق الأصنام أموات غير احياء ولكن الجمادات ايضا لا تخلو عن نوع من الحيوة كما يدل عليه قوله تعالى وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقد مر تفسيره فى سورة البقرة وهذا النوع من الحيوة لازم للوجود وقال الله تعالى وان من شىء الا يسبح بحمده والموت فى كل مرتبة من المراتب المذكورة عبارة عن عدم الحيوة او مطلقا او عدم الحيوة عما من شأنه انه يكون حيا فالتقابل بينهما اما تقابل العدم والملكة او الإيجاب والسلب فهى صفته عدمية مقتضاه الى الحقيقة الممكن مقدمة على الحيوة المستودعة من الله سبحانه كما يدل عليه ما تلونا من قوله تعالى او من كان ميتا فاحييناه وقوله تعالى كنتم أمواتا فاحييناكم ويحى الأرض بعد موتها وقوله تعالى كن فيكون ولاجل تقدم الموت على الحيوة فى كل مرتبة طبعا قدمت هاهنا على الحيوة ذكرا او لان افرغ فتقديمها فى الذكر مع الابتداء الأليق وقال بعض العلماء الموت صفة وجودية والتقابل بالتضاد فهى كيفية فى الأجسام مانعة من العلم والقدرة والحس والحركة ونحوها مستدلين بهذه الاية فان خلق الموت يقتضى وجوده والاعدام الاصلية

غير مخلوقة قلنا بديهة العقل شاهدة انا لا نجد فى الأموات امرا منضما الى ذواتها بل امرا انتزاعيا ينتزع منها كما ينتزع العمى من الأعمى وبصيرة الكشف حاكمة بان الصفات الله تعالى نقايض متمايزة فى مرتبة العلم فنقيض الحيوة الموت ونقيض العلم الجهل ونقيض القدرة العجز ونقيض البصر العمى وهكذا هى اعدام اصلية تقررت فى مرتبة العلم بالاضافة الى نقايضها وبصبغ الله سبحانه وكمال قدرته انصبغت تلك الاعدام فى تلك المرتبة بصبغ نقايضها التي هى صفات الكمال وتلك مخلوطة فى مرتبة العلم سميت أعيانا ثابتة وانصباغها فى تلك المرتبة بصبغ الوجود هو الكون الاول والسبب للكون فى الخارج كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى كُنْ فَيَكُونُ فى سورة البقرة فالاعيان الثابتة ظلال للصفات والممكنات فى الخارج الظلي ظلال لها ومعنى كون الممكنات ظلال لها ان افاضة الوجود وتوابعه من المبدأ الفياض على الممكنات الموجودة فى الخارج ليست الا بتوسط تلك الأعيان الثابتة كما ان نور المصباح الذي فى الزجاجة ينبسط على الأشياء بتوسط الزجاجة وأشير الى ذلك فى تفسير قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ثم اعلم ان توسط الأعيان الثابتة بين الصفات والممكنات انما هو فى دار الدنيا واما فى الاخرة فسيكون افاضة الوجود وتوابعه من الصفات بلا توسط الأعيان وهذا هو الوجه لطويان الفناء على الممكنات فى الدنيا لا فى الاخرة آيات القران اعنى قوله تعالى كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ وقوله تعالى أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وأمثالها ناطقة بان الموت صفة للممكن مقدمة على الإيجاد فتاويل قوله تعالى خلق الموت اى أظهره بايجاد الحيوة او أظهره بازالة الحيوة او خلق الأموات بحيث ينتزع منها عدم الحيوة والخلق بمعنى التقدير اى قدر الموت والحيوة (قال) البغوي قال عطاء عن ابن عباس يريد خلق الموت فى الدنيا والحيوة فى الاخرة قلت لعله أراد انه تعالى عبر الحيوة الدنيوية بالموت والحيوة الاخروية بالحياة قلت وذلك لما قلنا من كون الأعيان الثابتة مربيات لها فى الدنيا وكون الاعدام داخلة فى ماهياتها فكان الحيوة الدنيا لا يخلو من شائبة الموت ويصدق ان يقال إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ اى فى الحال وكذا كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ فان الحقيقة فى المشتق هو المعنى الحال وما كان او ما يؤل فهو مجازى والله تعالى اعلم وذهب جماعة الى ان الموت جسم ليس بعرض وانه مخلوق فى صورة كبش أملح والحياة فى صورة فرس أنثى واختاره السيوطي فى بدور السافرة ومبنى هذا القول

ما ذكر البغوي اثر ابن عباس فى تفسير هذه الاية قال خلق الموت فى صورة كبش أملح لا يمر بشئ ولا يجد ريحه شيء الا مات وخلق الحياة فى صورة فرس بلقاء أنثى وهى التي كان جبرئيل والأنبياء يركبونها لا يمر بشئ ولا يجد ريحها شى الا حيى وهى التي أخذ السامري قبضة من اثرها فالقاها فى العجل فحيى قلت وهذا الأثر لا يدل على ان الموت جسم وليس بعرض وكذا الحياة بل يدل على ان من المخلوقات جسم على صورة كبش أملح يقال لها الموت وجسم على صورة فرس يقال لها الحياة لا يمران بشئ ولا يجد ريحها الا مات بالأولى وحيى بالثانية فالموت والحياة فى الحيوان ليس نفس ذلك الجسم بل اثر يترتب على مرورها ووجدان ريحها كما يترتب على اقتراب السموم ونحو ذلك وما ورد فى الصحيحين عن ابن عمر قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صار اهل النار الى النار جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادى منادى يا اهل الجنة لا موت ويا اهل النار لا موت فيزداد اهل الجنة فرحا اى فرحهم ويزداد اهل النار حزنا اى حزنهم وفيهما عن ابن سعيد قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاء بالموت يوم القيامة كانه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار الحديث الى قوله فيؤمر به فيذبح إلخ واخرج الحاكم وصححه وابن حبان عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتى بالموت فى صورة كبش أملح إلخ نحوه فمذهب السلف الوقوف عن الخوض فى معناه والايمان به وتفويض علمه الى الله تعالى كما فى سائر المتشابهات كذا نقل السيوطي عن الحكيم الترمذي والصوفية العلية لما ظهر لهم من العوالم عالم المثال وفيه مثال لكل جوهر وعرض بل للمجردات ايضا بل لله سبحانه ايضا مع كونه متاعال عن الشبه والمثال ذلك هو المحل لحديث رايت ابى على صورة امرد شاب قطط فى رجله نعلا الذهب وقد ينتقل الصورة المثالية من عالم المثال الى عالم الشهادة بكمال قدرته تعالى وقد اشتهر ذلك كرامة عن كثير من الأولياء ولعل الله تعالى يحضر الصورة المثالية للموت من عالم المثال فى الآخرة الى عالم الشهادة فيومر بذبحه حتى يظهر اهل الجنة والنار انه خلود ولا موت وهكذا التأويل فى حشر الإسلام والايمان والقرآن والأعمال والامانة والرحم وايام الدنيا كما نطق به الأحاديث الصحيحة التي لا يسع ذكرها المقام قال السيوطي فى البدور السافرة الأعمال والمعاني كلها مخلوقة ولها صورة عند الله تعالى وان كنا لا نشاهدها وقد نص ارباب الحقيقة على ان من انواع الكشف الوقوف

[سورة الملك (67) : آية 3]

على حقائق المعاني وادراك صورها بصور الأجسام والأحاديث شاهدة لذلك وهى كثيرة انتهى وهذا القول من السيوطي حكاية عن عالم المثال والله تعالى اعلم لِيَبْلُوَكُمْ اى ليعاملكم معاملة مختبر بالتكليف ايها المكلفون أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا الجملة مفعول ثان ليبلوكم يتضمن معنى يعلم وليس هذا من التعليق لتقدم المفعول الاول على الاستفهام ولو كان تعليقا لتقدم الاستفهام عليه وقال الفراء لم يوقع البلوى على اى ويليها إضمار كما يقول بلونكم لا نظر أيكم أطوع قال البغوي روى عن ابن عمر مرفوعا احسن عملا احسن عقلا وأورع من محارم الله واسرع فى طاعة الله وقوله تعالى ليبلوكم متعلق بخلق الموت والحيوة يعنى الحكمة فى خلق الموت والحيوة ظهور المطيع من العاصي فان الحيوة مدار التكليف به تحصيل القدرة الممكنة والموت واعظ به يتعظ الزكي ومغتنم الفرصة لكسب الزاد للمعاد وانقلاب الأحوال من الحيوة والممات دليل على وجود الصانع الحكيم المختار وعن عمار بن ياسر مرفوعا كفى بالموت واعظا وكفى باليقين غنى رواه الطبراني ورواه الشافعي واحمد عن الربيع بن انس مرسلا كفى بالموت وهذا فى الدنيا مرغبا فى الاخرة وعن ابى هريرة بادروا بالأعمال سبعا ما تنظرون الا فقرا منسيا او غنى مطغيا او مرضا مفسدا او هرما مفتدا او موتا مجهرا والدجال فانه شر منتظر والساعة أدهى وامر رواه الترمذي والحاكم وصححه وروى احمد ومسلم عنه مرفوعا بادروا قبل ست طلوع الشمس من مغربها والدخان ودابة الأرض والدجال وخويصة أحدكم وامر العامة والمراد بخويصة أحدكم الموت وبامر العامة القيامة وعن ابى امامة عند البيهقي نحوه وَهُوَ الْعَزِيزُ فى انتقامه ممن عصا الْغَفُورُ لمن شاء. الَّذِي خَلَقَ خبرا آخر لهو او صفة من الغفور او بدل من الموصول السابق سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً اى ذات طباق جمع طبق كحبل وحبال او طبقة كرحبة ورحاب او مصدر فعل محذوف اى طوبقت طباقا من طابق النعل إذا خصفها طبقا على طبق وصف للسبع او حال وقد ذكرنا فى سورة البقرة وما ورد فى السموات السبع وبعد ما بينهن ما تَرى يا محمد - صلى الله عليه وسلم - او اى مخاطب كان وما نافية او استفهامية للانكار مفعول ترى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ الاضافة للعهد والمراد به ما ذكر من السموات السبع والاضافة الى الرحمن للتعظيم ولا يجوز ان يكون الاضافة لتعريف الجنس فان فى جنس الخلق تفاوتا فاحشا

[سورة الملك (67) : آية 4]

كما لا يخفى الا ان يقال المراد بالتفاوت فوت شىء مما ينبغى فيه وعدم التناسب فمقتضى العبارة انه ليس فى الإمكان أبدع مما كان يعنى باعتبار النظام الجملي مِنْ تَفاوُتٍ من زائدة او تبعيضية على تقدير كون ما نافية وبيانية على تقدير كونها استفهامية والجملة صفة للسبع او حال من فاعل خلق او مفعوله وضع المظهر يعنى لفظ الرحمن او لفظ خلق الرحمن موضع الضمير الرابط للتصريح على سبب عدم نقصانه فانه مستند الى من هو متنزه عن النقص متصف بالرحمة او مستأنفة فى جواب كيف خلقت قرأ حمزه والكسائي تفوت من التفعيل والباقون من التفاعل ومعناهما واحد كالتعهد والمتعاهد من الفوت فان كلا من المتفاوتين يفوت عنه بعض ما فى الاخر يعنى ليس اعوجاج ونقصان كما ترى فى ابنية البشر فَارْجِعِ الْبَصَرَ جواب شرط محذوف اى ان زعمت ان يظهر التفاوت بتكرار البصر فارجع البصر هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ اى شقوق من فطرة إذا شقه ومن زائدة او تبعيضية والاستفهام للتقرير. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ عطف على فارجع والتثنية للتكثير اى كرة بعد كرة كما فى لبيك يَنْقَلِبْ مجزوم على جواب الأمر إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً اى بعيدا طريدا عن إصابة المطلوب مع الذل والصغار وَهُوَ حَسِيرٌ كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة حال بعد حال من فاعل ينقلب قال البغوي روى عن كعب السماء الدنيا موج مكفوف والثانية من درة بيضاء والثالثة حديد والرابعة صفراء نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء ومن السّماء السابعة الى الحجب السبعة صحارى من نور. وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا اى السفلى وهى القريبة من الأرض بِمَصابِيحَ اى الكواكب فانها مصابيح الظلم يهتدى بها الطرق وظاهر الاية تدل على ان الكواكب كلها مرتكزة فى السماء الدنيا وما زعمت الفلاسفة خذلهم الله امر لا دليل عليه واستدلالهم بتعدد حركاتها على تعدد أفلاكها لا يتم الا بعد ثبوت امتناع الخرق والالتيام على السموات وذلك جايز عقلا واجب شرعا وَجَعَلْناها اى المصابيح رُجُوماً لا يزولها من مكانها بل بانتقاض الشهب فيها لِلشَّياطِينِ إذا استرقوا السمع وَأَعْتَدْنا لَهُمْ فى الاخرة عَذابَ السَّعِيرِ النار الموقدة ولما تضمن ما سبق من الكلام ذكر الشياطين عقبهم ذكر عذاب الكفار لكون الشياطين من زمرة الكفار وكونهم اخوان الشياطين فقال. وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

[سورة الملك (67) : آية 7]

هى. إِذا أُلْقُوا فِيها اى الذين كفروا فى جهنم سَمِعُوا لَها شَهِيقاً صوتا كصوت الحمار خارجا من النار نفسها او من الذين دخلوا فيها قبلهم او من أنفسهم لها حال من شهيقا قدم عليه لكونه نكرة وَهِيَ اى جهنم تَفُورُ تغلى كظيان المرجل اخرج هناد عن مجاهد تفور بهم كما تفور الجب القليل الماء كثيرا وهذا على سبيل الاستعارة. تَكادُ جهنم تَمَيَّزُ اى تنشق مِنَ الْغَيْظِ متعلق بتميز والجملة حال من فاعل تفور وجملة وهى تفور حال من ضمير لها والمراد بالغيظ اما غيظ الله سبحانه او غيظ ملائكة العذاب او غيظ النار نفسها على اعداء الله تعالى ونسبة الغيظ الى النار اما بالمجاز على سبيل الاستعارة او بالحقيقة بعد اثبات الشعور لها كما أثبتناه فى الجمادات كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ جماعة من الكفار سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها توبيخا وتبكيتا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ يخوفكم من عذاب الله جملة مستانفة فى جواب ما يقال لهم حين يلقون وكلما ظرف متعلق بسالهم والاستفهام للتقرير. قالُوا حكاية عن الحال المستقبل وهى مستانفة ايضا كانه فى جواب ما يقولون حين يسألون كذلك بَلى مفعول قالوا قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فعيل صفة بمعنى الجمع او مصدر مقدر بمضاف اى اهل إنذار او منعوت به للمبالغة او صفة بمعنى الواحد والمعنى قالوا قد جاء الى كل منا نذير والجملة مقررة لمعنى بلى فَكَذَّبْنا النذير وفرطنا فى التكذيب حتى وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ج صلى فيه نفى للانزال والإرسال إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ الظاهر انه من كلام الكفار مبالغة فى تكذيبهم بالنسبة الى الضلال الكبير ويحتمل ان يكون من كلام الزبانية للكفار على ارادة القول والنذير ان كان بمعنى الواحد فالخطاب له ولامثاله على التغليب او اقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل. وَقالُوا عطف على قالوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ كلام النذير سماع قبول من غير عناد فنؤمن بما ثبت بالادلة السمعية أَوْ نَعْقِلُ ويتفكر فى الآيات والدلائل العقلية الموجبة للايمان بالله تعالى والرسول وما جاء به وتقديم السمع على العقل لكون الادلة السمعية اولى بالاتباع واخرى باصابة الحق من الادلة العقلية والعقل غير كاف بالاستقلال والاية تدل على ان العقل السليم مطابق للوحى المنزل ويحتمل ان يكون كلمة او بمعنى الواو يعنى لو كنا نسمع كلام النذير ونعقل معناه فيتفكر فيه تفكر

[سورة الملك (67) : آية 11]

المستبصرين ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فى عددهم من جملتهم. فَاعْتَرَفُوا معطوف على قالوا عطف تفسير بِذَنْبِهِمْ حين لا ينفعهم الاعتراف وهو اقرار عن معرفة والمراد بالذنب الكفر ولم يجمع لانه فى الأصل مصدر فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ منصوب على المصدر اى فاسحقهم الله سحقا اى ابعدهم من رحمته والتغير للايجاز والمبالغة قرأ الكسائي بضم الحاء والباقون بالسكون وهما لغتان مثل الرعب والرعب والجملة الدعائية معترضة. إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ يخافون عذابه غائبا عنهم لم يعاقبوه بعد او غائبين عنه او عن أعين الناس لا كالمنافقين او بالمخفي منهم وهو قلوبهم لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ يصغر بالنسبة اليه كل ما يخطر بالبال من اللذة والجملة معترضة ذكر الله سبحانه وعد المؤمنين فى مقابلة وعيد الكفار وجعل عنوانهم خشية الله اشعارا بان الخشية هى المقصود من الايمان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راس الحكمة مخافته رواه الحكيم الترمذي عن ابن مسعود قال ابن عباس كان المشركون ينالون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بينهم فيخبره جبرئيل عليه السلام لو أسروا قولكم كيلا يسمع الله امر محمد فنزلت. وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ امر بمعنى الخبر يعنى هما سواء فى علم الله خطاب الى الكفار على الالتفات من الغيبة وفيه تهديد إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى بالضمار قبل ان يتكلم لها سرا او جهرا فهو تعليل للتسوية. أَلا يَعْلَمُ ما فى الصدور مَنْ خَلَقَ الصدور وما فيها وكل شىء او المعنى الا يعلم الله من خلقه الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات للعلم فهو تأكيد بما سبق وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ المتوصل علمه الى ما ظهر وما بطن حال من فاعل خلق ثم نبه الله تعالى على جهلهم ببيان بدايع صنعته الدالة على اتساع علمه وقدرته وعلى قبح صنعهم حيث كفروا فى مقابلة الانعام المقتضى للشكر. هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا سهلا لا يمنع المشي فيها كالناقة الذلول المنقادة فَامْشُوا فِي مَناكِبِها جوانبها ومنه منكب الرجل وقيل المراد بالمناكب الجبال وهذا مثل لفرط التذلل فان منكب البعير لا يطأ الراكب ولا يتذلل له فاذا جعل الأرض فى الذل بحيث يمكن المشي فى مناكبها لم يبق شىء لم يتذلل وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ والتمسوا من نعمة عطف على فامشوا

[سورة الملك (67) : آية 16]

وَإِلَيْهِ النُّشُورُ المرجع فيسالكم عن شكر ما أنعم الله عليكم. أَأَمِنْتُمْ قرأ قنبل النشور وأمنتم بقلب النشور وأمنتم بقلب همزة الاستفهام واوا فى الوصل ويمد بعد الواو مدة فى تقدير الف ولو وقف على النشور حقق الهمزة والكوفيون وابن ذكوان بتحقيق الهمزتين والباقون بتليين الثانية وهم على أصولهم فى إدخال الالف وعدمه مَنْ فِي السَّماءِ قال ابن عباس اى عذابه من فى السماء ان عصوا والمراد بمن فى السماء هو الله سبحانه عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر يقول من يدعونى فاستجيب له من يسالنى فاعطيته من يستغفر فاغفر له متفق عليه وفى رواية لمسلم ثم يبسط يديه ويقول من يعرض عير عدوم ولا ظلوم حتى يتفجر فالاية من المتشابهات لكونه تعالى منزها عن التمكين فى السماء فمذهب السلف السكوت وقول الصوفية كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى يأتيهم الله فى ظلل من الغمام وللمتاخرين تأويلات بان فى السماء امره وقضاءه او هو فيها على زعم العرب او المراد بالسماء الرفعة والعلو من حيث الرتبة دون المكان والاستفهام للانكار وقيل المراد بمن فى السماء الملائكة الموكلين على تدبير الأمور الذين هم بمنزلة الآلة الكاسبة لخسف الأرض وإرسال الحاصب أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل من بدل اشتمال فَإِذا هِيَ اى الأرض تَمُورُ تتحرك الجملة معطوفة على يخسف وإذا للمفاجات مضافة الى الجملة بعدها اى ففاجاء وقت كونها تضطرب وتتحرك. أَمْ أَمِنْتُمْ أم منقطع بمعنى هل وهمزة الاستفهام للانكار مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً اى ريحا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط فَسَتَعْلَمُونَ معطوف على مضمون ما سبق اى أنذركم فستعلمون كَيْفَ نَذِيرِ اى إنذاري إذا شاهدتموه ولا ينفعكم العلم به قرأ ورش نذيرى وكذا نكيرى بإثبات الياء فيهما وصلا وحذفها فيهما وقفا والباقون بالحذف فى الحالين. وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جواب قسم محذوف فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ إنكاري عليهم بانزال العذاب فيهم تسلية للرسول وتهديد للكفار والاستفهام للتعجب والتقرير والجملة الاستفهامية بتأويل الخبرية معطوفة على كذب يعنى كذبوا فعظم إنكاري عليهم وفى هذه الجملة التفات من الخطاب الى الغيبة. أَوَلَمْ يَرَوْا الهمزة للاستفهام والواو للعطف على محذوف تقديره الم ينظروا ما خلقنا من السماء والأرض وغيرهما ولم يرو

[سورة الملك (67) : آية 20]

إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ الظرف متعلق بصافات وهى حال من الطير والمراد بالروية روية البصر بقرينة تعدية بالى يعنى باسطات أجنحتهن فى الجو عند طيرانها فانهن إذا بسطن ضغفن قوادمها وَيَقْبِضْنَ أجنحتها الى جنوبهن عطف على صافات وانما عدل من الاسم الى الفعل ليدل على الحدوث والتجدد فان الأصل فى الطيران انما هو بسط الاجنحة والقبض يحدث فى وقت بعد وقت الاستظهار به على التحرك ويحتمل العطف على محذوف اى يبسطن تارة ويقبضن اخرى ما يُمْسِكُهُنَّ فى الجو على خلاف الطبع إِلَّا الرَّحْمنُ والجملة حال من فاعل صافات إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب. أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ أم متصلة لقوله تعالى او لم يروا على معنى الم ينظروا فى أمثال هذه الصنايع فلم يعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو الخسف وإرسال الحاصب أم لكم جند ينصركم من دون الرحمن ويدفع عنكم العذاب ان أرسل إليكم عذابه وقيل أم ابتدائية ليست بمتصلة ولا منقطعة بمعنى الهمزة وهل لئلا يلزم تكرار الاستفهام ومن استفهامية مبتداء وهذا خبره والموصول مع الصلة صفة او بدل منه وينصركم وصف لجند محمول على لفظه وانما ذكر اسم الاشارة والموصول مع انه يستفاد ذلك المعنى مع تركها من قوله أمن هو جند لكم إلخ لان فى ذكر المفصل بعد المبهم وقع عظيم فى القلب ويحتمل ان يكون هذا مبتداء والموصول مع الصلة خبره والجملة مفعول يقال محذوف تقديره أمن يقال هذا الذي هو جند لكم والمراد بالجند المشار اليه بهذا فى الاية وفيما بعدها الأصنام التي زعموها الهة يعنى تلك الأصنام لا يتصور منهم ان ينصروا ويرزقوا او المراد أعوانهم بعضهم لبعض إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ من الشيطان فانه يغرهم بان العذاب لا ينزل بهم من غير ما يعتمد عليه فيه التفات من الخطاب الى الغيبة. أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بامساك المطر ومنع الأسباب المحصلة والموصولة إليكم او ابطال تأثيراتها والكلام فيه كالكلام فى أمن هذا الذي فيما سبق بَلْ لَجُّوا يعنى الكفار تمادوا فِي عُتُوٍّ إضلال وَنُفُورٍ تباعد عن الحق بفرط جهلهم وتنفر طباعهم عنه. أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى الهمزة للاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب

[سورة الملك (67) : آية 23]

على الإقرار بالحق والفاء زائدة ومن موصولة مبتداء واهدى خبره ومكبّا حال من فاعل يمشى والإكباب من الكب يقال كببته فاكب وهو من الغرائب كقشع الله السحاب فاقشع او المعنى مكبا نفسه على وجهه قال فى القاموس كبه قلبه وصرعه كاكبه وكببته فاكب وهو لازم ومتعدى وقيل معناه صار ذاكب اى يمشى ويعثر كل ساعة ويخر على وجهه لوعور طريقه واختلاف أجزائه أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا قائما مائلا من العناد عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ مستوى الاجزاء او خبر من هاهنا محذوف اكتفاء على ما سبق فى المعطوف عليه فالواجب هاهنا الإقرار بان الماشي سويا على صراط مستقيم اهدى فكذلك المؤمن الذي يمشى على بصيرة على مسلك العقل والنقل اهدى من الكافر الذي لا يسمع ولا يعقل وكلمة اهدى لا يقتضى وجود اصل الهداية فى المفضل عليه تحقيقا بل يكفى وجوده فرضا وتقديرا قال قتادة من أكب على معاصى فى الدنيا يمشى مكبا على وجهه يوم القيمة والمؤمن يمشى يوم القيامة سويا اخرج الشيخان عن انس ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل كيف يحشر الكافر على وجهه قال أليس الذي أمشاه على رجليه فى الدنيا قادر على ان يمشيه على وجهه يوم القيامة وروى ابو داود عن ابى هريرة نحوه وفى هذه الجملة تشنيع اخر على الكفار ولما كان قوله تعالى أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم وقوله تعالى أمن هذا الذي يرزقكم لانكار النصر والرزق من جندهم اقتضى السؤال بان يقال فمن ينصرنا ويرزقنا أجيب بقوله تعالى. قُلْ انما ينصركم ويرزقكم هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ لتعرفوا ربك وتعبدوه وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ تسمعوا المواعظ وَالْأَبْصارَ لتنظروا صنايعه وَالْأَفْئِدَةَ لتتفكروا وتعتبروا ولما كان السمع فى الأصل مصدر او المصدر لا يجمع ذكره بصيغة الافراد بخلاف البصر والفؤاد وايضا العلم الحاصل بالسمع نوع واحد وهو الصوت والحاصل بالبصر والفؤاد انواع مختلفة قَلِيلًا اى شكرا قليلا وزمانا قليلا ما زائدة لتأكيد القلة تَشْكُرُونَ والمراد بالقلة النفي راسا مجازا. قُلْ كلمة قل زائدة أعيدت للتاكيد هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ بدل من هو الذي انشأكم وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ للجزاء حال مقدرة من فاعل ذرأكم فهذين الجملتين على طريقة جاء زيد وهو راكب. وَيَقُولُونَ يعنى الكفار انكار الوعد واستبطائه مَتى هذَا الْوَعْدُ اى وعد الحشر إِنْ كُنْتُمْ ايها النبي والمؤمنون صادِقِينَ فى قولكم بالحشر فبينوا وقته.

[سورة الملك (67) : آية 26]

قُلْ مستانفة فى جواب ما أقول لهم فى الجواب إِنَّمَا الْعِلْمُ اى العلم بوقته عِنْدَ اللَّهِ لا يعلم غيره وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ والانذار يكفى له العلم بوقوع المحذر منه ولا يتوقف على العلم بوقته والجملتين بالعطف مقولة قل. فَلَمَّا رَأَوْهُ اى الوعد بمعنى الموعود قال اكثر المفسرين المراد به العذاب فى الاخرة وقال مجاهد العذاب ببدر زُلْفَةً اى ذا زلفة وقرب منهم حال من ضمير المفعول ولما ظرف متعلق بقوله تعالى سِيئَتْ اى اسودت قبحت وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بروية العذاب وَقِيلَ هذَا العذاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ اى تطلبون وتستعجلون من الدعاء او من الدعوى اى تدعون ان لا بعث. قُلْ يا محمد - صلى الله عليه وسلم - لمشركى مكة الذين يتمنون هلاككم أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بالفتح اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ قرأ ابو بكر وحمزة والكسائي بإسكان الياء والباقون بالفتح أَوْ رَحِمَنا بتأخير آجالنا الاستفهام فى ارايتم للتقرير والروية بمعنى العلم معناه أخبروني والجملة الشرطية بعد افعال القلوب كالنفى والاستفهام يوجب التعليق فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الاستفهام للانكار والجملة جزاء للشرط يعنى لا أحد يجيرهم والحاصل انه لا فائدة لكم فى هلاكنا حتى تطلبونه انما يفيدكم ان تتبعوا من يجيركم من عذاب الله ولا يتصور ذلك من الأصنام وقيل معناه ان أهلكني ومن معى يعنى المؤمنين يعذبهم الله بذنوبهم او رحمنا ويغفر لنا فنحن مع أيماننا خائفون عذاب الله لاجل ذنوبنا فان حكمه نافذ فينا فمن يجيركم من عذابه وأنتم كفار. قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ يعنى الذي ذكر فيما سبق دلائل وجوده وقدرته وسلطانه هو الرحمن الذي اعبده وأدعوكم اليه وهو مولى النعم كلها آمَنَّا بِهِ للعلم بذلك فيه تقرير بمضمون جملة هو الرحمن وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا لوثوق عليه المبنى على الايمان به وتقديم الظرف تفيد الحصر المستفاد من هو الرحمن فهذه الجملة يقرر مضمون الجملتين السابقتين وهذه الاية بمنزلة النتيجة للبراهين السابقة ويترتب عليه الحكم بحال الفريقين المؤمنين والكافرين ولذا جاء بفاء السببية فى قوله تعالى فَسَتَعْلَمُونَ يوم الجزاء قرأ الكسائي بالياء والباقون بالتاء وتعلمون معلق بالجملة الاستفهامية الواقعة بعده اعنى مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ

[سورة الملك (67) : آية 30]

نحن وأنتم وفيه تهديد وترهيب وكذا فى قوله تعالى. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ وزانه وزان قل ارايتم ان أهلكني الله الاية غَوْراً غايرا فى الأرض بحيث لا يناله الدلاء مصدر وصف به فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ مشتق من العين الجارية اى ماء جار او من العين الباصرة اى مرئى ظاهر سهل المأخذ فان بديهة العقل شاهد على ان هذه الأصنام لا تقدر على إتيانه بل لا يقدر عليه أحد الا الله سبحانه ويستحب للقارى ان يقول حين ختم هذه السورة الله رب العالمين قال الشيخ جلال الدين المحلى رحمة الله تعالى كذا ورد فى الحديث- (فصل) عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان سورة من القران ثلثون اية شفعت لرجل حتى غفر له وهى تبارك الذي بيده الملك رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ورواه البغوي بلفظ ان سورة من كتاب الله ما هى الا ثلثون اية شفعت لرجل فاخرجته يوم القيامة من النار وأدخلته الجنة وهى سورة تبارك وعن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هى المانعة هى المنجية من عذاب الله رواه الترمذي وعن جابر ان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل وتبارك الذي بيده الملك رواه احمد والترمذي والدارمي وقال الترمذي هذا حديث صحيح وعن خالد بن معدان قال بلغني فى الم تنزيل ومثله فى تبارك الذي ان رجلا كان يقرأهما ما يقرأ شيئا غيرهما وكان كثير الخطايا فنشرت جناحها عليه قالت رب اغفر له فانه كان يكثر قراءتى فشفعها الرب تعالى فيه وقال له اكتبوا له بكل خطيئه حسنة وارفعوا له درجة وقال ايضا انها تجادل عن صاحبها فى القبر تقول اللهم ان كنت من كتابك فشفعنى فيه وان لم أكن فى كتابك فامحنى عنه وانها تكون كالطير يجعل جناحها عليه فيشفع له فيمنعه من عذاب القبر وقال طاؤس فضلتا على كل سورة فى القرآن بستين حسنة رواه الدارمي تمت سورة الملك.

سورة القلم

سورة القلم مكيّة وهى اثنتان وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ن من الحروف المقطعة وقد مر البحث عنها فى أوائل سورة البقرة وقيل اسم للحوت والمراد به الجنس او البهموت وهو الذي عليه الأرض او الدوات فان بعض الحيتان يستخرج منه أشد سوادا من النفس يكتب به لكن كتابته بصورة الحروف قراءته بالسكون وصلا ووقفا يؤيد القول الاول ويابى عن غيره من الأقوال قرأ ابن عامر والكسائي ويعقوب بإخفاء النون اجراء للواو المنفصل كالمتصل والباقون بالإظهار وَالْقَلَمِ الواو للقسم والقلم هو الذي خط اللوح عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب القدر فكتب ما كان وما هو كائن الى الابد رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة قال وعرشه على الماء رواه مسلم قال البغوي هو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض ويحتمل ان يراد جنس القلم اقسم به لكثرة فوايده وَما يَسْطُرُونَ والضمير للقلم بالمعنى الاول على التعظيم او بالمعنى الثاني بارادة الجنس وأسند الفعل الى الآلة وأجريت مجرى اولى العلم بإقامتها مقامهم او لاصحابه على المعنى الثاني او بغير المذكور اى الحفظة الذين يكتبون اعمال بنى آدم او العلماء الذين يكتبون علوم الدين. ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ اى ملتبسا بنعمة ربك من النبوة والمروة وكمال العقل والفهم وجلال الفضل وانواع المكارم والعلوم والعامل فى الحال معنى النفي وقيل مجنون والباء لا يمنع كونه عاملا فيما قبله لكونه زائدة لكنه ضعيف من حيث المعنى بِمَجْنُونٍ قال البغوي هذا جواب لقول الكفار يا ايها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون وكذا اخرج ابن المنذر عن ابن جريج وانما قالوا ذلك استبعادا منهم ما ادعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرسالة من الله تعالى

[سورة القلم (68) : آية 3]

وما ارتكبه النبي - صلى الله عليه وسلم - من مخالفة جميع الناس فى ايام العسرة واستيلاء ظلمة الكفر ولما كان هذا الاستبعاد منهم مستقرا قويا فى زعمهم أكدوا قولهم انك لمجنون بان ولام القسم وبناء على شدة انكارهم أكد الله سبحانه الجواب بالقسم وزيادة الباء فى خبر بالتاكيد النفي وفيه نفى المجنون عنه - صلى الله عليه وسلم - بحال تلبسه بنعمة الله ليكون هذا القيد بمنزلة البينة والبرهان على النفي فانه من كان بهذه المثابة من العلم والعقل والفهم والكمال فالقول فيه بانه مجنون سفسطة لا يقول به الا من هو ابلد من الحمار وأحمق من ابن حنيفة الم تسمع ان الأتان سجدت الى الكعبة ثلثا حين ركبت حليمة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها وقالت الأتان على ظهره خير النبيين وسيد المرسلين وخير الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين - صلى الله عليه وسلم - كذا ذكر فى المواهب اللدنية فى حديث طويل فالكفار ابلد من الحمار. وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً على احتمال الأذى وتبليغ الرسالة والتنكير للتعظيم غَيْرَ مَمْنُونٍ اى مقطوع او ممنون به عليك من الناس فان الله يعطيك وعلى الناس منة منك والجملة معطوفة على جواب القسم او حال من أنت وكذلك قوله تعالى. وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فانك تحتمل من قولك ما لا يحتمل امثالك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أوذي أحد ما أوذيت فى الله رواه ابو نعيم فى الحلية عن انس وابن عساكر عن جابر نحوه وعن ابى هريرة قال يا رسول الله ادع على المشركين قال انى ما ابعث لعانا وانما بعثت رحمة رواه مسلم والكفار لما رموه - صلى الله عليه وسلم - بالجنون والجنون لا يستحق اجرا او لا يكون له حق حسن فايراد هذين الجملتين على العطف والحال تأكيد لما سبق من نفى الجنون ورد لقول الكفار على ابلغ الوجوه قال ابن عباس ومجاهد خلق عظيم دين عظيم ولا دين أحب الى ولا ارضى عندى منه وهو دين الإسلام قال الحسن هو آداب القران سئلت عايشة عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت كان خلقه القران الست تقرأ القران قد أفلح المؤمنون إلخ رواه مسلم وأخرجه البخاري فى الأدب المفرد وقال قتادة هو ما كان يأتمر به من امر الله وينتهى عنه من ما نهى الله عنه يعنى انك على الخلق الذي أمرك الله به فى القران وقال جند الخلق العظيم ان لا يكون همته غيره تعالى فصل فى أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - عن البراء قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احسن الناس وجها أحسنه

خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير عن انس قال خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لى ان قط وما قال لشئ صنعته لم صنعت ولا لشئ تركته لم تركت وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احسن الناس خلقا ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متفق عليه وعن انس ان امرأة كانت فى عقلها شيئا قالت يا رسول الله ان لى إليك حاجة فقال يا أم فلان اجلسي فى اى سلك المدينة شئت اجلس إليك فقعد إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قضت حاجتها رواه مسلم وعنه قال كانت الامة من إماء المدينة لياخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينطلق به حيث شاءت رواه البخاري وعنه ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه ولم ير مقدما ركبتيه بين يدى جليس رواه الترمذي وعن عائشة قالت ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده شيئا قط الا ان يجاهد فى سبيل الله ولا ضرب خادما ولا امرأة ولا ينسل شيئا منه قط فينتقم من صاحبه الا ان ينهتك لشئ من محارم الله فينتقم لله رواه مسلم وعن انس قال كنت امشى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبرد نجرانى غليظ الحاشية فادركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة حتى نظرت الى صفحة عاتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اثرت بها حاشية البرد من شدة جذبه ثم قال يا محمد - صلى الله عليه وسلم - مولى من مال الله الذي عندك فالتفت اليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ضحك ثم امر له بعطاء متفق عليه وعنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس الحديث متفق عليه وعن جابر قال ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فقال لا متفق عليه وعن جبير بن مطعم بينما هو يسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقفله من حنين فعلقت الاعراب يسالونه حتى اضطروه الى سمرة فخطفت ردائه فوقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أعطوني ردائى لو كان لى عدد هذا العصاة نعم لقسمته بينكم لا تجدونى بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا رواه البخاري وعن عائشة قالت لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا فى الأسواق ولا يجيز بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وفى الباب أحاديث لا تكاد تحصى فى فضل حسن الخلق عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثت لاتمم حسن الخلق رواه احمد وفى الموطإ بلاغا وعن ابى الدرداء

[سورة القلم (68) : آية 5]

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ان أثقل شىء يوضع فى الميزان للمومن يوم القيامة خلق حسن وان الله يبغض الفاحش البزي رواه الترمذي وقال حسن صحيح وروى ابو داود عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاصحابه أتدرون ما اكثر ما يدخل الناس الجنة قالوا الله ورسوله اعلم قال فان اكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق وعن عائشة قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ان المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار رواه ابو داود وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان من أحبكم الى أحسنكم أخلاقا رواه البخاري وفى الصحيحين بلفظ ان من خياركم أحسنكم أخلاقا وعن رجل من مزلة وعند البيهقي فى شعب الايمان وعن اسامة بن شريك فى شرح السنة قالوا يا رسول الله ما خير ما اعطى الإنسان قال الخلق الحسن وعن معاذ قال كان آخر ما وصّانى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وضعت رجلى فى الفرزان قال يا معاذ احسن خلقك للناس رواه مالك. فَسَتُبْصِرُ يا محمد والسين للتحقيق وَيُبْصِرُونَ اى الكفار يوم القيامة. بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أيكم مبتداء والباء زايدة والمفتون بمعنى المجنون خبره او المفتون مصدر بمعنى الجنون كالمعقول والمجلود مبتداء والخبر مقدم او المعنى باى الفريقين منكم الجنون بفريق المؤمنين او بفريق الكافرين فى أيهما من يستحق هذا الاسم والجملة الاستفهامية بتأويل المفرد مفعول للفعلين السابقين على سبيل التنازع والحاصل ان الجنون ليس بالكفار فانه لا شك ان مقتضى العقل انه من خبر بين الخبرين اختارا خبرهما ومن ابتلى ببليتين اختار أهونهما والمؤمنون اختاروا الاشتغال بالله سبحانه الجميل المتصف بجميع الكمالات المنزه عن جميع النقائص أنصار النافع وبذلوا همتهم فى ابتغاء مرضاته واجتنبوا موجبات سخطه واختاروا نعم الاخروية القوية الابدية على النعم الدنيوية الدنية الزائلة الكائنة كان لم تكن والكفار اختاروا الممكنات التي لا تضر ولا تنفع الا بإذن الله بل اختاروا للعبادة الحجارة وتركوا الله الواحد القهار القيام واختاروا الحظوظ العاجلة لا تدرك منها الا ما شاء الله على النعم الابدية واختاروا النار على الجنة. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ضمير فصل أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ متعلق بأعلم عَنْ سَبِيلِهِ فهم المجانين على الحقيقة فان مقتضى الجنون الضلال عن سبيل الحق وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ

[سورة القلم (68) : آية 8]

الفائزين بكمال العقل الواصلين الى الجميل المطلق. فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ الفاء للسببية يعنى إذا ظهر انك على الهدى والمكذبين على الضلال فلا تطعهم. وَدُّوا حال بتقدير قد من المكذبين لَوْ تُدْهِنُ لو للتمنى بيان للوداد والادهان اللين المشتق من الدهن فَيُدْهِنُونَ الفاء للعطف والتعقيب هى ودوا المداهنة من الجانبين لكن يحبون ان يكون ادهانهم بعد ادهانك او للسببية اى ودوا لو تدهن فهم يدهنون ودوا ادهانك فهم الان يدهنون طمعا فيه يعنى لو تلين لهم بترك نهيهم عن الشرك او توافقهم فى بعض الأمور أحيانا فينالونك بترك الطعن والموافقة فى بعض الأمور- (مسئله) وهذه الاية تدل على ان المداهنة فى امر الدين حرام. وَلا تُطِعْ تخصيص بعد تعميم قال قتادة نزلت فى الوليد بن المغيرة واخرج المنذر عن الكلبي وابن ابى حاتم عن السدى نزلت فى الأخنس بن شريق وكذا ذكر البغوي قول عطاء وقال ابن ابى حاتم عن مجاهد نزلت فى الأسود بن عبد يغوث كُلَّ حَلَّافٍ لفظه كل ورد لتاكيد شمول النهى كل فرد بقرينة المقام فلا يدل على جواز إطاعة البعض والمراد بالحلاف كثير الحلف بالباطل وقد مر فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ مسئله ان الإكثار بالحلف مكروه مَهِينٍ حقير فعيل من المهانة بمعنى الحقارة وهى قلة الرأي والتميز. هَمَّازٍ عياب مغتاب وقيل من يشير بعينه وحاجبه الى عيوب الناس مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ فعال للحديث على وجه السعاية. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يمنع الناس عن الخير من الايمان والانفاق والعمل الصالح مُعْتَدٍ متجاوز عن الحد فى الظلم أَثِيمٍ كثير الإثم. عُتُلٍّ قال فى فى القاموس الأكول المنيع الجافي الغليظ بَعْدَ ذلِكَ الظرف متعلق بزنيم وكلمة بعد بمعنى مع او المعنى بعد ما عدت من رزائله زَنِيمٍ قال فى القاموس الزنيم المستلحق فى قوم ليس منهم والدعي وفيه ايضا الدعي كغنى من تبنيته والمتهم فى النسبة قال البيضاوي الزنيم ماخوذ من زنمتى الشاه وهما المتدليتان من اذنها وحلفها وكان الوليد بن مغيرة ادعاه أبوه بعد ثمانى عشر سنة من مولده والأخنس بن شريق أصله من ثقيف وعداده فى زهرة قال البغوي فى الدنيا معصما فكان الناس ظلوما قال فذلك العقل الزنيم مرسل له شواهد روى عن عكرمة

[سورة القلم (68) : آية 14]

عن ابن عباس قال فى هذه الاية لعنت الله فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف وكان له زنمة فى عنقه يعرف بها واخرج ابن جرير عن ابن عباس قال نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا قطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم فلم نعرفه حتى نزل عليه بعد ذلك زنيم فعرفناه كان له زنمة كزنمة الشاة وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قال يعرف بالشر كما يعرف الشاة بزنمتها قلت ولعله لما كان هذه الصفة اعنى كونه زنيما ادنى فى القبح من الرذائل المقدمة ذكره بقوله بعد ذلك زنيم والله تعالى اعلم عن الحارث بن وهب الخزاعي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف لو يقسم على الله لابره الا أخبركم باهل النار كل عتل جواظ متكبر رواه البغوي وروى ابو داود والطبراني عن الدرداء نحوه. أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ قرأ ابو جعفر وابن عامر وحمزة وابو بكر ويعقوب ان كان بهمزتين أحدهما للاستفهام ثم حمزة وابو بكر يخففان الهمزتين بلا مد وبمد الهمزتين الاولى ابو جعفر وابن عامر ويعقوب ويلينون الثانية وقرأ الآخرون بهمزة واحدة بلا استفهام وتقديره لان كان متعلق بالنهى فى لا تطع فالمعنى على تقدير عدم الاستفهام لا يكن منك إطاعة من كان هذا شانه لكونه ذا مال وبنين كما ان عادة الناس إطاعة اصحاب المال والثروة وعلى تقدير الاستفهام أتطيعه لكونه ذا مال وبنين فالاستفهام للانكار او متعلق بمدلول جملة بعده اى كفر وكذب القران لاجل الغنى تكبرا وبطرا والمعنى كان الغنى موجبا للشكر فكفر على عكس ما ينبغى. إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اى شىء كتبوه كذبا من قصص الأولين فى القاموس الأساطير الأحاديث لا نظام لها إذا متعلق بقال اى قال ذلك ح. سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ على الالف كانه شبهه بالفيل والخنزير وانفه بالخرطوم جملة مستأنفة بالوعيد والتهديد قال الفراء المراد به الوجه فان بعض الشيء يعبر به عن الكل وقال ابو العاليه ومجاهد يسود وجهه فيجعل له علما فى الاخرة يعرف به وهو سواد الوجه وقال ابن عباس سخطه بالسيف وفعل ذلك يوم البدر. إِنَّا بَلَوْناهُمْ يعنى اهل مكة بالقحط والجوع لما دعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم وقال اللهم اجعل عليهم سنين كسنى يوسف حتى أكلوا العظام والجيف جملة مستانفة فى جواب سوال مقدر اى ما فعل لهم حين كذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا مجنون كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ صفة مصدر محذوف

[سورة القلم (68) : آية 18]

والاضافة واللام للعهد اخرج ابن ابى حاتم عن ابن جريح ان أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا فاربطوهم فى الجبال ولا تقتلوا منهم أحدا فنزلت انا بلوناهم فى قدرتهم عليهم كما باونا اصحاب الجنة فى اقتدارهم عليهم روى محمد بن مروان عن الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس قال كان بستان اليمن يقال له الصروان دون صنعاء بفرسخين غرسه رجل صالح وكان يترك للمساكين إذ اصرموا تخلهم كل شىء تعداه المنجل فاذا طرح من فوق النخل الى البساط فكل شىء يسقط عن البساط يترك ذلك ايضا للمساكين وإذا حصدوا زرعهم فكل شىء تعداه المنجل فهو للمساكين وإذا داسوه كان لهم كل شىء ينتشره ايضا فلما مات الرجل ورثه ثلثة بنيه فقالوا والله ان المال لقليل وان العيال كثير وانما كان هذا الأمر يفعل إذا كان المال كثير او العيال قليلا فاذا قل المال وكثر العيال فانا لا نستطيع ان نفعل هذا فتحالفوا بينهم إِذْ أَقْسَمُوا اى حلفوا متعلق ببلونا لَيَصْرِمُنَّها جواب قسم اى ليقطعن ثمرها اى الجنة مُصْبِحِينَ داخلين فى الصباح قبل ان يعلم المساكين حال من فاعل ليصرمنها. وَلا يَسْتَثْنُونَ حال من فاعل اقسموا اى اقسموا غبر مستثنين اى قائلين ان شاء الله وانما سماه استثناء لما فيه من الإخراج غير ان المخرج به خلاف المذكور والمخرج بالاستثناء عينه او لان افعل ان شاء الله ولا افعل الا ان شاء الله واحد ويحتمل ان يكون جملة لا يستثنون معطوفة على ليصر منها داخلة فى جواب القسم والمعنى ولا يستثنون حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم او يكون جملة مستانفة اى كان شانهم ذلك. فَطافَ معطوف على اقسموا عَلَيْها على جنتهم طائِفٌ بلاء نازل بالليل وهو نار نزلت من السماء فاحرقتها مِنْ رَبِّكَ من ابتدائية وَهُمْ نائِمُونَ قال. فَأَصْبَحَتْ الجنة كَالصَّرِيمِ اى كالبستان الذي صرم ثمارها بحيث لم يبق فيها شىء فعيل بمعنى المفعول او كالليل باحتراقها واسودادها او كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس سمى بالصريم لان كلا منها ينصرم عن صاحبه اى ينقطع وقال الحسن اى صرم منها الخير فليس فيها شىء وقال ابن عباس كالرماد الأسود بلغة خزيمة والجملة معطوفة على فطاف. فَتَنادَوْا اصحاب الجنة مُصْبِحِينَ الجملة معطوفة على أصحت. أَنِ اغْدُوا ان مفسرة لفعل معناه القول اعنى تنادوا

[سورة القلم (68) : آية 23]

عَلى حَرْثِكُمْ متعلق باغدوا اى اخرجوا الى حرثكم وتعديته بعلى اما لتضمنه بمعنى الإقبال او لتشبيه الغدو للصرام الغدو الغدو المتضمن بمعنى الاستيلاء ويحتمل ان اغدوا ناقصة وعلى حرثكم خبره إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ قاطعين شرط استغنى عن الجزاء بما مضى. فَانْطَلَقُوا اى اصحاب الجنة وَهُمْ يَتَخافَتُونَ اى يقولون بينهم سر او خفى وخفت وخفه بمعنى كتم. أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا اى الجنة وان مفسرة لقوله تعالى يتخافتون فانه فى معنى القول الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ نهى للمسكين عن الدخول موكدا والمراد به المبالغة فى النهى عن تمكينه عن الدخول كقوله لا أتيتك هاهنا. وَغَدَوْا عطف على انطلقوا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ على حرد متعلق بقادرين وهو خبر لغدوا او الجملة معطوفة على انطلقوا او الحرد فى اللغة يكون بمعنى القصد والمنع والغضب فقال الحسن والقتادة وابو العالية على جد وجهد وقال القرطبي ومجاهد وعكرمة على امر مجمع قد أسسوه بينهم وكل ذلك راجع الى المقصد وقال ابو عبيدة على منع المساكين وقول الشعبي وسفيان على غضب فى المساكين وقال ابن عباس على قدرة عند أنفسهم على جنتهم وثمارها. فَلَمَّا رَأَوْها اى الجنة محترقة قالُوا لما ظرف متعلق بقالوا إِنَّا لَضَالُّونَ الطريق فليس هذا جنتنا وانا لمخطئون حيث منعنا المساكين وتركنا الاستثناء. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قد حرمنا خير الجنة. قالَ أَوْسَطُهُمْ سنا او أعد لهم واعقلهم والجملة مستانفة أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ استفهام تقرير لَوْلا هلا تُسَبِّحُونَ اى تستثنون سمى الاستثناء تسبيحا لانه تعظيم لله تعالى واقرار بانه لا يقدر أحدكم على شىء الا بمشيته وقال ابو صالح كان استثناؤهم سبحان الله تعالى او هلا تسبحون الله وتشكروه على ما اعطاكم ولا تمنعوا المساكين فان الشكر صرف النعمة فى رضاء وقيل هلا تستغفرونه من فعلكم. قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا جملة مستأنفة نزهوا الله سبحانه من ان يكون ظالما فى ما فعل واقرار على أنفسهم بالظلم وقالوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ بمنع المساكين عن حقهم. فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ عطف على قالوا يَتَلاوَمُونَ حال من فاعل اقبل ومفعوله على طريقة لقيه راكبين اى يلوم بعضهم بعضا فى منع المساكين حقوقهم. قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ جملة مستانفة اى أعطينا نعم الله فلم نشكرها

[سورة القلم (68) : آية 32]

كما شكر أبونا ولما ندموا على ما فعلوا وتابوا عنه وعزموا على الشكر والانفاق رجعوا على أنفسهم وقالوا رجاء. عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا جنة خَيْراً مِنْها من ذلك الجنة التي أحرقت إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ الى الانتهاء الرغبة او لتضمنها معنى الرجوع والجملة فى مقام التعليل للرجاء فان الرغبة الى الله تعالى يوجب الانعام قال البغوي قال ابن مسعود بلغني ان القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فابدلهم جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا. كَذلِكَ خبر ما بعده مبتداء اى كما فعلنا باهل مكة واصحاب الجنة الْعَذابُ فى الدنيا على ترك الشكر وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ على الكفر والمعاصي وترك الشكر ومنع الزكوة أَكْبَرُ أشد وأبقى من عذاب الدنيا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ شرط استغنى عن الجزاء بما مضى اى لو كانوا يعلمون العذاب ما فعلوا فعلهم. إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ فى جوار القدس جَنَّاتِ النَّعِيمِ اى ليس فيها الا التنعيم الخالص جملة مستانفة سبقت الوعد للمتقين بعد وعيد المجرمين ولما قال المشركون من اهل مكة انا نعطى فى الاخرة على تقدير ثبوتها أفضل مما تعطون او مثله كما أعطينا فى الدنيا قال الله تعالى تكذيبا لهم. أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ الاستفهام لانكار مساوات المجرمين بالمسلمين ويوجب انكار تفضيل المجرمين بالطريق الاولى والجملة معطوفة محذوف الا نفضل المسلمين المطيعين على المجرمين فنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ كيف حال من فاعل تحكمون قدم عليه لاقتضائه صدر الكلام وتحكمون حال من معنى ما لكم تقديره ما تصنعون حال كونكم حاكمين كائنين على كيفية عجيبة مستبعدة جدا على خلاف العقل فان العقل يحكم ان المطيع يكون احسن حالا من العاصي وفيه التفات من الغيبة الى الخطاب. أَمْ لَكُمْ كِتابٌ نزل عند اللئام أم منقطعة بمعنى بل للاضراب من الحكم على وفق العقل والهمزة للانكار عن الدليل السمعي المنزل من السماء فِيهِ اى الكتاب تَدْرُسُونَ تقرءون. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ اى فى ذلك الكتاب لَما تَخَيَّرُونَ ما تختارون لانفسكم وتشتهونه حذف أحد التاءين من تخيرون والجملة مفعول لتدرسون اما بتأويل القول اى تدرسون هذا القول او لانه كان فى الأصل ان مفتوحة فلما جيئت باللام على ما تخيرون كسرت ويحتمل ان يكون استينافا على سبيل الإنكار.

[سورة القلم (68) : آية 39]

أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ فاعل لكم عَلَيْنا اى عهود مؤكدة بالايمان بالِغَةٌ متناهية فى التوكيد إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ متعلق بمقدر فى لكم اى ثابتة لكم علينا الى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى تحكم بحكمكم فى ذلك اليوم او متعلق ببالغة اى ايمان تبلغ ذلك اليوم إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ جواب للقسم المفهوم من ذكر الايمان يعنى أم اقسمنا لكم ان لكم ما تحكمون. سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ الحكم زَعِيمٌ قائم يدعيه ويصححه فليقدرونه فقد نبه سبحانه فى هذه الآيات على نفى كل ما يمكن ان يثبت به من عقل او نقل يدل عليه لاستحقاق او وعدا وتقليد لمن يقدر على اثبات ما يدعيه ثم لما نفى تسوية الكفار بالمؤمنين من الله تعالى نفى ان يكون هذا من الشركاء الذين يشركونها مع الله تعالى بنفي الشركاء فقال. أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ تجعلهم مثل المؤمنين فى الاخرة فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ ويثبتوا كونهم شركاء الله تعالى مماثلا له فى العلم والقدرة والارادة والتكوين الفاء للسببية والأمر للتعجيز إِنْ كانُوا صادِقِينَ فى دعوتهم شرط مستغنى عن الجزاء بما معنى. يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ الظرف متعلق باذكر وكشف الساق عبارة عن نوغ من تجلياته سبحانه تعالى فى الموقف روى الشيخان فى الصحيحين وغيرهما عن ابى سعيد الخدري ان ناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم هل تضارون فى روية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون روية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال ما تضارون فى روية الله تعالى يوم القيامة الا كما تضارون فى روية أحدهما إذا كان يوم القيامة اذن موذن ليتبع كل امة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد بغير الله من الأصنام والأنصاب ان يتساقطون فى النار حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد الله من بر وفاجر وفى رواية غير اهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم الا ترون فيحشرون الى جهنم كانها سراب يحطم لبعضها بعضا فيتساقطون فى النار ثم يدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم فذكر كما ذكر فى اليهود وفى رواية مسعود عند الحاكم وصححه الدار قطنى وغيرهما انه يمثل لكل من يعبد غير الله ما كانوا يعبدون من الشمس والقمر والأوثان

ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير وان كان يعبد المسيح شيطان المسيح فينطلقون معه الى جهنم وفى رواية عن ابى هريرة عند الطبراني وابى يعلى والبيهقي وغيرهم ان يجعل ملكا من الملائكة على صورة عزير وملكا من الملائكة على صورة عيسى بن مريم ويتبع هذا اليهود ويتبع هذا النصارى ثم تقودهم الهتهم الى النار وهم الذين يقولون لو كان هؤلاء الهة ما وردوها وكل فيها خالدون رجعنا الى رواية الصحيحين حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين قال فماذا تنظرون يتبع كل امة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس فى الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول انا ربكم فيقول نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين او ثلثا حتى ان بعضهم يكاد ان ينقلب فيقول هل بينكم وبينه اية لتعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد من تلقاء نفسه الا اذن له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد نفاقا ورياء الا جعل الله ظهره واحدة كلما أراد ان يسجد خر على قفاه ثم يضرب الجسر على جهنم وفى رواية قيل يا رسول الله ما الجسر قال وحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحكة تكون بنجد فيها شويكة يقال له السعدان وتحل الشفاعة ويقول الأنبياء اللهم سلم سلم فيمر المؤمنون كطرف العين وكالريح وكالطير وكاجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوش فى نار جهنم حتى إذا أخلص المؤمنون من النار فو الذي نفسى بيده ما من أحد منكم باشد منا شدة فى الحق قد تبين لكم من المؤمنين لله لاخوانهم الذين فى النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتم فيحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن امرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال دينار من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال نصف دينار من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال ذرة من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها خيرا فيقول شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق الا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقهم فى عمر من أفواه الجنة يقال له نهر الحيوة فيخرجون كما يخرج الحبة فى حميل السيل فيخرجون كاللؤلؤ فى رقابهم خواتم فيقول اهل الجنة عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه وقد وقع كشف الساق فى حديث ابن مسعود عند الحاكم وغيره

وفى رواية عن ابى هريرة فى الصحيحين فياتيهم الله فى غير الصورة التي يعرفونها وقال اللالكائى فى السنة والآجري فى كتاب الروية عن ابى موسى الأشعري قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فى دار الدنيا فيذهب كل قوم الى كل ما يعبدون ويبقى اهل التوحيد فيقال لهم وقد ذهب الناس فيقولون ان لنا ربا كنا نعبده فى الدنيا لم نره قال وتعرفونه إذا رايتموه فيقولون نعم فيقال لهم كيف تعرفونه ولم تروه قالوا انه لا شبه له فيكشف لهم عن الحجاب فينظرون الى الله تعالى فيخرون له سجدا ويبقى أقوام فى ظهورهم مثل صياصى البقر يريدون السجود فلا يستطيعون فيقول الله تبارك وتعالى ارفعوا رؤسكم قد جعلت بدل كل رجل منكم بدلا من اليهود والنصارى وهذه الأحاديث تدل على ان لله سبحانه تجليات على انواع شتى منها تجليات صورته وذلك فى عالم المثال وليس هى روية فى الحقيقة كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه فى المنام على صورة امرد شاب شطط فى رجليه نعلا الذهب وعند ذلك التجلي يقول القائلون فى الموقف نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا ومنها ما يكون على غير شبه ومثال فى الموقف وفيه شائبة من الظلية ولعل من هذا النوع ما أراد الله تعالى بقوله يكشف عن ساق فح راه المؤمنون الأبرار والفجار بلا حجاب كما ترون الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب والقمر ليلة البدر كما روينا من قبل ولا نصيب للكفار من هذا التجلي لقوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقوله عليه السلام حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد الله من برو فاجراتاهم رب العالمين الحديث الى قوله فيكشف عن ساق والساق من المتشابهات كاليد والوجهة لا يعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم يقولون أمنا به ومنها ما يكون فى الجنة بلا شائبة الظلية المعبر عنها بقوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وَيُدْعَوْنَ اى المؤمنون الأبرار والفجار الى السجود وهذه الدعوة إِلَى السُّجُودِ ليس من باب التكليف إذ ليس الاخرة دار تكليف بل هى دعوة طبيعية تقتضيه افتقار الحقيقة الامكانية عند كشف سرادقات العظمة والجلال ما لم يمنع مانع فَلا يَسْتَطِيعُونَ اى العصاة منهم لصيرورة ظهرهم طبقة واحدة لما يحملون أوزارهم فالضمير راجع الى بعض المدعوين الى السجود دون الكل كما فى قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن بعد قوله والمطلقات وبدل على هذا الأحاديث المذكورة فالذين لا يستطيعون السجود هم المؤمنون

[سورة القلم (68) : آية 43]

الذين لم يكونوا مصلين أصلا او لم يكونوا مصلين بجماعة الا اتقاء كأهل الهواء من الروافض وغيرهم او كانوا يسجدون رياءا للناس من غير اخلاص فى العمل فان قيل قد ورد فى بعض طرق حديث ابى هريرة وغيره فاذا لم يبق الا المؤمنون وفيهم المنافقون جاءهم الله الحديث الى قوله فيكشف لهم عن ساق ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون انه ربهم فيخرون ساجدين على وجوههم ويخر كل منافق على قفاه ويجعل الله أصلابهم كصياصى البقر قلنا الظاهر بالمنافق هاهنا المنافق فى الأعمال وفروع العقائد دون المنافق فى اصول الاعتقادات إذ المنافق فى اصول الاعتقادات أولئك هم الكافرون حقا بل أشد كفراوهم فى الدرك الأسفل من النار وهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فكيف يكون لهم ذلك الكرامة من روية الله تعالى وقد ورد فى الأحاديث لفظ المنافق فى حق العصاة حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اربع من كن فيه منافق خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو فى الصحيحين عن ابى هريرة مرفوعا اية المنافق ثلث رواه مسلم وان صام وصلى وزعم انه مسلم ثم اتفقا إذا حدث كذب وإذا وعد خاف وإذا ائتمن خان. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ الخشوع صفة للذوات أسند الى الابصار تجوز الظهوره فيها تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ اى يلحقهم ذلة وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فى الدنيا فلم يسجدوا كما أمرهم الله بالإخلاص وَهُمْ سالِمُونَ عن كون ظهورهم طبقة واحدة حال من فاعل يدعون الثاني وقوله تعالى خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون كلها احوال من فاعل يدعون الاول وفى قوله تعالى وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون تعليل لعدم استطاعتهم على السجود فى الاخرة. فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ معطوف على الضمير المنصوب فى ذرنى او مفعول بِهذَا الْحَدِيثِ القران جملة فذرنى معترضة لوعيد الكفار وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم اى لا تغتم وكله الى فانى أكفيكه سَنَسْتَدْرِجُهُمْ الضمير المنصوب راجع الى من اعتبارا بمعناه الدرج طى الكتاب والثوب يقال للمطوى ورجى استعير الدرج للموت كما استعير الطى له كذا قال الجوهري وقال قوله تعالى سنستدرجهم قيل معناه سنطويهم طى الكتاب عبارة عن إغفالهم

[سورة القلم (68) : آية 45]

وقيل معناه ناخذهم درجة فدرجة وذلك ادنائهم من امسى شيئا فشيئا كالمراتى والمنان والحاصل سنأخذهم بالعذاب بتدريج وامهال مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ كيف يجئ العذاب بهم. وَأُمْلِي لَهُمْ اى امهلهم إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ قوى لا يطاق دفعه جملة مستانفة والكيد المكر والحيلة واظهار خلاف ما أضمر من السوء فالكيد من الله الانتقام بصورة الانعام قال الجوهري فى قوله تعالى ان كيدى متين قال بعضهم أراد بالكيد العذاب والصحيح هو الاملاء والامهال يعنى ليس ما نعطيهم فى الدنيا من النعم تفضلا لهم على المؤمنين كما زعموا بل كيد واستدراج لهم (فائدة) من ارتكب المعصية فعوقب عليها بمصيبة فى الدنيا يرجى مغفرة ذنبه ومن ارتكب المعصية ثم يرى عليه ازدياد النعمة يخشى عليه المكر والاستدراج نعوذ بالله منه. أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً على التبليغ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة معطوفة على قوله تعالى أم لهم شركاء وما بينهما معترضات فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ فيعرضون عنك بلا حجة دفعا للغرامة الجملة الاسمية معطوفة بالفاء السببية على العقلية اى تسئلهم. أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ اى اللوح المحفوظ او المغيبات فَهُمْ يَكْتُبُونَ منه ما يحكمون جملة أم عندهم معطوفة على أم تسئلهم ذكر الله سبحانه فيما سبق نفى الدليل التحقيقى العقلي والسمعي والتقليد الذي يستدلون به العوام وذكر هاهنا نفى الكشف عن المغيبات والإلهام الذي هو سبب لحصول العلم للخواص من الأنبياء والملائكة وبعض الأولياء فان الله تعالى يكشف عليهم اللوح المحفوظ والمغيبات إذا شاء يعنى ليس شىء مما ذكرنا عندهم فما يحكمون به ليس الا باطلا لغوا. فَاصْبِرْ يا محمد - صلى الله عليه وسلم - على اذاهم فانهم لا يقولون ما يقولون الا بلا حجة لِحُكْمِ رَبِّكَ لقضائه بأخذ الكفار بالامهال والاستدراج ولا تضجر ولا تعجل وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ فى الضجر والاستعجال معطوف على فاصبر قال وهب ان يونس بن متى عليه السلام كان عبدا صالحا وكان فى خلقه ضيق فلما حمل عليه أثقال النبوة تضح تحتها تفسح الربع تحت الحمل الثقيل يقذفها بين يديه ويخرج هاربا منها فلذلك أخرجه الله من اولى العزم وقال للنبى - صلى الله عليه وسلم - فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تكن كصاحب الحوت وقصته على ما ذكره ابن مسعود وسعيد بن جبير ووهب ان الله تعالى أرسله الى اهل نينوى من ارض الموصل وهم مائة الف

او يزيدون فدعاهم الى الله تعالى فابوا فاخبرهم ان العذاب صبحهم الى ثلث فقالوا لم يحزب عليه كذبا فانظروا فان بات فيكم تلك الليلة فليس بشئ وان لم يبت فاعلموا ان العذاب مصبحكم فخرج يونس عليه السلام فى جوف تلك الليلة من بينهم فلما أصبحوا لفشاهم العذاب فكان فوق رؤسهم على قدر ميل وغامت السماء غيما اسودها بل يدخن دخانا شديدا فهبط حتى غشى مدينتهم واسودت سطوحهم فلما رأوا ذلك تيقنوا بالهلاك فطلبوا يونس بينهم فلم يجدوه فقذف الله فى قلوبهم التوبة فخرجوا الى الصعيد بانفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ولبسوا المسوح وأظهروا الايمان والتوبة وأخلصوا النية وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والانعام فحسن بعضهم الى بعض وعلت أصواتها وتضرعوا الى الله عز وجل وقالوا أمنا بما جاء به يونس فرحمهم ربهم واستجاب دعائهم فكشف عنهم العذاب بعد ما أظلهم وذلك يوم عاشوراء وكان يونس قد خرج ينتظر العذاب وهلاك قومه فلم ير شيئا وكان من كذب ولم يكن له بينة قبل فقال يونس عليه السلام كيف ارجع الى قومى وقد كذبتم فانطلق فاتى البحر فاذا قوم يركبون سفينة فعرفوه فحملوه بغير اجر فوقعت السفينة لا ترجع ولا يتقدم فقالوا ان لسفينتنا لشانا قال يونس عليه السلام قد عرفت شانها ركبها رجل ذو خطيئة قالوا ومن هو قال انا اقذفونى فى البحر قالوا ما كنا نطرحك من هاهنا حتى نفداك فى شانها فاستهموا فاعترفوا ثلث مرات فادحض سهمه والحوت عند رجل السفينة فاغرقاه منتظرا امر ربه فيه فقال يونس عليه السلام انكم والله لتهلكن جميعا او لتطرحونى فيها فقذفوه فيه فانطلقوا وأخذته الحوت وفى رواية ابن عباس انه قال الملاحون حين احتبست السفينة هاهنا رجل عاص او عبد ابق هذا رسم السفينة ومن رسمنا ان نقرع فاقترعوا ثلثا ووقعت القرعة على يونس فالقى نفسه فى الماء فابتلعه الحوت وابتلع هذا الحوت حوت اخر اكبر منه اوحى الله تعالى الى الحوت انا لم نجعل يونس لك قوتا انما جعلنا بطنك حرزا ومسجد او فى رواية سجنا وروى ان اقام قبل القرعة وقال انا العبد العاصي الآبق فقالوا لا نلقينك يا رسول الله حتى نستاهم فوجب القرعة عليه فالقى نفسه فى الماء وروى فى القصة انه لما وصل الى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب وأراد ان يركب فقدم امرأته لتركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب ثم جاءت موجة اخرى وأخذت ابنه الأكبر

[سورة القلم (68) : آية 49]

وجاء ذئب وأخذ الابن الأصغر فريدا فجاء مركب اخر فركبه فاحتبست السفينة إلخ قال ابن مسعود وابتلعه الحوت فاهوى به الى قرار الأرض السابعة وكان فى بطنه أربعين ليلة فسمع تسبيح الحصى فنادى فى الظلمات ان لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين وذلك قوله تعالى إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ اى حملوا غيظا وغما لاجل الوقوع فى المعصية والتعب والظرف متعلق بمحذوف اى اذكر لا بالنهى لان ندائه سبحانه امر حسن لا يمكن ان يكون منهيا عنه وتقدير الكلام لا تكن كصاحب الحوت مستعجلا فى عقوبة الكفار واذكر إذ نادى بالتوبة وهو مكظوم حيث لم يكظم الغيظ الا لاستعجاله وعدم صبره. لَوْلا امتناعية أَنْ تَدارَكَهُ فعل ماض بمعنى أدركه وحسن تذكير القول للفصل او مضارع منصوب بحذف تاء التفاعل حكاية عن الحال الماضي مبتداء بتأويل المصدر نِعْمَةٌ فاعل للفعل مِنْ رَبِّهِ صفة له اى رحمته وتوفيق التوبة وقبولها وخبر المبتدا محذوف تقديره لولا تدارك ونعمة ربه إياه موجود لَنُبِذَ جواب لولا بِالْعَراءِ اى الأرض الخالية عن الشجر والبناء وَهُوَ مَذْمُومٌ حال من فاعل نبذ يعتمد عليه الجواب ويتوجه النفي الى ذلك اى لولا الرحمة لنبذ مذموما على عدم التثبت والخروج من اظهر القوم بغير اذن من الله وترك الاولى يعد ذنبا بالنسبة الى الأنبياء لعظمة شانهم وان لم يكن ذنبا فى الحقيقة منافيا للعصمة لكن تداركه الرحمة لما نادى الله تعالى وتاب فنبذ بالعراء وهو سقيم كما فى سورة الصافات محمودا مرحوما وقع فى رواية العوفى وغيره عن ابن عباس قال كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة ونصفا من الأسباط وبقي سبطان ونصف فاوحى الله تعالى الى شعيا النبي ان اسر الى حزقيا الملك وقل له حتى يوجهه متينا قويا فانى القى فى قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بنى إسرائيل وكان فى مملكته خمسة من الأنبياء فدعى الملك يونس وامره ان يخرج فقال يونس هل أمرك الله باخراجى قال لا قال فهل سمانى قال لا قال فههنا غيرى أنبياء أقويا فالحوا عليه فخرج من بينهم مغاضبا فاتى بحر الروم فركبها الى اخر القصة. فَاجْتَباهُ رَبُّهُ ورد الوحى اليه فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ عطف على اجتباه اى جعله من الكاملين فى الصلاح بالعصمة من ان يقول ما تركه اولى لا بد للصوفى الصبر على إيذاء الخلق ولا يجوز له ان يدعو على من أنكره فان الله سبحانه وتعالى لم يأذن بالدعاء على الكفار وامر بالصبر

[سورة القلم (68) : آية 51]

فكيف على منكر الولي من المؤمنين والله اعلم قال البغوي أراد الكفار ان يصيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين فنظر اليه قوم من قريش قالوا ما راينا مثله ومثل حججه وقيل كانت العين من بنى اسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول يا جارية خذى المكتل والدرهم فأتينا بشئ من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر وقال الكلبي كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين او ثلثة ثم يرجع خبائه فتمر به الإبل والغنم فيقول لم ار كاليوم ابلا ولا غنما احسن من هذه فما يذهب قليلا الا يسقط منها طائفة وعدة فسال الكفار هذا الرجل ان يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل مثل ذلك فعصم الله نبيه وانزل. وَإِنْ مخففة من المثقلة يدل عليه اللام فى الخبر يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ خبر يكاد قرأ نافع بفتح الياء من المجرد والباقون بالضم من الافعال وهما لغتان يقال زلقه يزلقه ازلاقا ومعناه ينفذ ذلك يقال زلق ألسنتهم إذا نفذ قال السدى يصيبونك بعيونهم وقيل يزلقونك وقال الكلبي يصرعونك بِأَبْصارِهِمْ متعلق بيزلقون وكذا قوله لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ان العين ليدخل الرجل القبر والجمل القدر أخرجه ابو نعيم فى الحلية وابن عدى عن ابى ذر نحوه رواه ابن عدى وفى الصحيحين وغيرهما عن ابى هريرة العين حق وعند احمد ومسلم عن ابن عباس العين حق ولو كان شىء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا وفى رواية عن ابى هريرة العين حق يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم وعن صبيد بن رفاعة ان اسماء بنت عميس قالت يا رسول الله ان بنى جعفر يصيبهم العين فاسترق لهم قال نعم فلو كان شىء يسبق القضاء يسبقه العين رواه البغوي والله تعالى اعلم وقال ابن قتيبة ليس الله يريد انهم يصيبونك بأعينهم كما نصيب العائن بعينه أراد انهم ينظرون إليك إذا قرأت القران نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك يقال نظر الى نظرا يكاد يصرعنى ونظيرا يكاد يأكلني كناية عن العداوة ويدل على صحة هذا المعنى تقييده بسماع القران فانهم كانوا عنه ذلك كارهين أشد الكراهة ويجدون اليه النظر بالبغضاء وَيَقُولُونَ إذ يسمعونه يقرأ القرآن إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ جملة يقولون معطوفة على معنى ان يكاد الذين كفروا. وَما هُوَ اى القران إِلَّا ذِكْرٌ موعظة لِلْعالَمِينَ يعنى ما هو بمجنون والقران

ليس مما يتكلم به المجانين بل القران ذكر عام لا يدركه ولا يناطاه الا من كان من أكمل الناس وامتنهم رأيا قال شيخى وامامى مولانا يعقوب الكرخي رض يحتمل ان يكون الضمير هو راجعا الى النبي صلى الله عليه وسلم اى ما هو اى النبي الا ذكرا اى مذكرا للعالمين على طريق زيد عدل عن حنظلة قال لقينى ابو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قلت فكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالنار والجنة كانا راى عين فاذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عافينا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا قال ابو بكر انا لنلقى مثل هذا فانطلقت انا وابو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت نافق حنظلة يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كان رأى عين فاذا خرجنا من عندك عافينا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسى بيدي لو تدومون على ما تكونون عندى فى الذكر لصافحتكم الملئكة على فرشكم وفى طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلث مرات رواه مسلم- (فائده) وهذه علامة اولياء الله تعالى ان الله يذكر برويتهم وذكرهم وقد ورد فى بعض الاخبار المرفوعة ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل من اولياء الله تعالى قال الذين إذا رأوا ذكر الله ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ان أوليائي من عبادى الذين يذكرون بذكرى واذكر بذكرهم والله تعالى اعلم- (فائده) قال الحسن دواء إصابة العين ان يقرأ الإنسان وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ الاية والله تعالى اعلم بالصواب.

سورة الحاقة

سورة الحاقّة مكّيّة وهى اثنان وخمسون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَاقَّةُ اى القيامة لانها حق وثابت وقوعها لا ريب فيه او لانها يحق فيها الأمور اى يعرف حقيقتها او لانها يحق الجزاء على الأعمال يقال حق عليه الشيء إذا وجب قال الله تعالى حقت عليه كلمة العذاب على الكافرين والاسناد مجازى مبتداء وخبره. مَا الْحَاقَّةُ والرابط المظهر فى مقام المضمر والاستفهام لتفخم شانها والتهويل. وَما أَدْراكَ ما مبتدأ وادراك خبره والاستفهام للانكار مَا الْحَاقَّةُ جملة الاستفهامية للتهويل مفعول لادراك معنى الاية الحاقة ما هى اى شى عظيم الهول انك لا تعلم كنهها فانها أعظم من ان يبلغها ادراك أحد. كَذَّبَتْ ثَمُودُ قوم صالح عليه السلام وَعادٌ هود عليه السلام بِالْقارِعَةِ اى بالساعة التي تقرع الناس بالاقراع والإحرام بالانفطار والانتثار وهى القيامة التي مر ذكرها بلفظ الحاقة فههنا وضع المظهر موضع المضمر بلفظ مرادف لما سبق مع زيادة فى وصف شدتها بيانا لذلك الزيادة والجملة خبر للحاقة الاولى بعد خبر او الجملتان السابقتان معترضتان للتهويل او هذه الجملة مستانفة موكدة بعنوان المبتدا الاولى اى تحققها وثبوتها فان مضمون هذه الجملة مع ما عطف عليها ان إنكارها وتكذيبها يوجب الهلاك والاستيصال. فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ اما تفصيل لما أجمل والجملة معطوفة على كذبت الفاء للسببية تقديره كذبت ثمود وعاد بالقارعة فاهلكوا بسبب تكذيبها اما ثمود فاهلكوا بالطاغية اى بالصيحة التي جاوزت مقادير الصياح فاهلكتهم كذا قال قتادة وهو الصحيح وذلك ان جبرئيل عليه السلام صاح صيحة واحدة فهلكوا جميعا وقيل أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شىء فى الأرض فتقطفت قلوبهم فى صدورهم وقيل الطاغية مصدر كالعافية بمعنى الطغيان اى اهلكوا لطغيانهم من التكذيب وقتل الناقة

[سورة الحاقة (69) : آية 6]

وغير ذلك وقيل المراد بالطاغية قذار بن سالف عاقر ناقة صالح والتاء للمبالغة او الجماعة التي اتفقت على عقر الناقة وبعثت قذارا لعقرها فانها كانت سبب هلاكهم وذلك ان الله تعالى بعث صالحا الى ثمود فدعاهم الى الله تعالى فابوا وطلبوا منه ان يخرج ناقة عشراء من هذه الصخرة واشاروا الى صخرة اية حتى يؤمنوا به فدعا صالح ربه فخرجت منها ناقة عظمة مسافة ما بين جنبيها مائة وعشرون ذراعا عشراء وولدت فى الحال ولدا مثلها فلم يومنوا وقالوا هذا من سحره فجعل الله تعالى تلك الناقة نقمة لهم حيث كانوا قليل الماء فكانت الناقة تشرب ماءهم يوما وتترك الماء لهم يوما وكذا الكلاء فاجمع جماعة منهم على قتلها فبعثوا أشقى الناس وهو قذار بن سالف فعقروا الناقة وعتوا عن امر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين فقال صالح تمتعوا فى داركم بعد قتلها ثلثة ايام تصفر وجوهكم فى اليوم الاول وتحمر فى اليوم الثاني وتسود فى الثالث ويصبحكم العذاب فى الرابع فكان كذلك وأخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا فى ديارهم جاثمين كان لم يغنوا فيها لكن هذه التأويلات اى القول بان المراد طاغة المصدر او عاقر الناقة لا يصاعده العطف باما فى قوله تعالى. وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ فان فيه الباء للاستعانة فلا بد ان يكون فيما قبله ايضا كذلك حتى يكون الجملتان تفصيلا لجمل صَرْصَرٍ شديد البرد او شديد الصوت كذا فى القاموس عاتِيَةٍ تجاوزه عن الحد فى الشدة والبرودة قال فى القاموس عتى استكبر وجاوز الحد فهو عات-. سَخَّرَها اى سلطها الله سبحانه بقدرته استيناف او صفة جئ به لنفى ما يتوهم من انها كانت من اتصالات فلكية ونحو ذلك عَلَيْهِمْ اى على عاد سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ من صبيحة الأربعاء الى غروب الشمس من الأربعاء الاخر قال وهب فى الأيام التي تسميها العرب الأيام العجوز ذات برد ورياح شديد سميت عجوزا لانها عجز الشتاء الى آخره وقيل سميت بذلك لان عجوزا من قوم عاد دخلت سربا فتبعها الريح فقتلها فى اليوم الثامن نزول العذاب وانقطع العذاب حُسُوماً حال من مفعول سخر بمعنى متتابعات جمع حاسم من حسام الكي وهو ان يتتابع على موضع الداء بالمكواة حتى يبرأ كذا قال مجاهد وقتادة او نحسات كما فى قوله تعالى فى ايام نحسات اى حسمت كل خير واستأصله من أصله كذا قال عطية

[سورة الحاقة (69) : الآيات 8 إلى 9]

او قاطعات قطعن دابرهم كذا قال الزجاج والنضر بن شميل ويجوز ان يكون مصدرا منصوبا على العلية او على المصدرية من فعل مقدر اى يحسمهم حسوما فَتَرَى اى المخاطب الغير المعين حكاية عن الحال الماضية الْقَوْمَ اى عادا فِيها اى فى تلك الليالى والأيام او فى بينهما صَرْعى جمع صريع بمعنى مصروع مفعول ثان لترى ان كان من روية القلب والا فهو حال من المفعول كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ اصول نَخْلٍ خاوِيَةٍ متاكلة الأجواف جملة كانهم حال بعد حال مفرد ولذلك وايضا لكونها مصدرة بكان ترك الواو. فَهَلْ تَرى استفهام تقرير اى حمل المخاطب على الإقرار لَهُمْ اى لعاد مِنْ باقِيَةٍ وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ قرأ ابو عمرو الكسائي بكسر القاف وفتح الباء بمعنى الجانب اى من معه من جنوده واتباعه والباقون بفتح القاف وسكون الباء اى من تقدمه من الأمم الكافرة وَالْمُؤْتَفِكاتُ اى قرى قوم لوط قلبت عليهم من افك بمعنى قلب والمراد بها أهلها او المعنى الأمم الذين ايتفكوا يعنى قوم لوط بِالْخاطِئَةِ بالخطاء والمعصية يعنى الشرك او بفعلة او افعال خاطئة ذات خطاء. فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ يعنى عصى فرعون موسى عليه السلام وكل أمته كافرة نبيها عطف تفسيرى على جاء فَأَخَذَهُمْ معطوف على ما سبق والفاء للسببية أَخْذَةً رابِيَةً زائدة فى الشدة على كل اخذة مفعول مطلق لبيان النوع. إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ اى جاوز حده حتى على كل شىء وارتفع فوقه فى زمن نوح عليه السلام لما ظرف متعلق بما بعده حَمَلْناكُمْ اى حملنا ابائكم وأنتم فى أصلابكم فِي الْجارِيَةِ فى سفينة نوح عليه السلام جارية فى الماء. لِنَجْعَلَها السفينة او الفعلة وهى إنجاء المؤمنين الذين فى السفينة مع طغيان الماء وتجاوزه عن حده لَكُمْ تَذْكِرَةً عبرة وعظة لدلالتها على قدرة الصانع وحكمته وكمال قهره ورحمته وَتَعِيَها اى تحفظها وتعقلها وتتفكر فيها قرأ الجمهور بكسر العين وفتح الياء وروى عن ابن كثير باختلاس العين قال صاحب التيسير لا يصح ذلك أُذُنٌ قرأ نافع اذن بالتخفيف والجمهور بالضمتين واعِيَةٌ الوعى صفة القلب والنفس وانما أسند الى الاذن مجازا للتسبب او المراد اصحاب اذن واع حذف المضاف وأجرى على المضاف اليه ما كان يجرى على المضاف والتنكير فى واعية للدلالة على قلتها وان من هذا شانه فهو مع قلته

[سورة الحاقة (69) : آية 13]

سبب الانجاء الجم الغفير وادامة نسلهم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذه القلوب اوعية فخيرها أوعاها روى الطبراني ثم لما بالغ فى تهويل القيامة وذكر مال المكذبين بها عاد الى شرحها فقال. فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ عن عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الصور قرن ينفخ فيه روى الترمذي وابو داود والدارمي نَفْخَةٌ واحِدَةٌ احسن اسناد الفعل الى المصدر لتقييده حسن تذكيره للفصل والمراد بها نفخة الصعق واختلفوا فى عدد النفخات فقيل ثلث نفخات نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة البعث لقوله تعالى ويوم ينفخ فى الصور ففزع من فى السموات ومن فى الأرض الا من شاء الله وكل أتوه داخرين ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات والأرض الا من شاء الله ن ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون واختار هذا القول ابن العربي وكذا ورد صريحا فى حديث طويل عن ابى هريرة بلفظة فينفخ فيه ثلث نفخات الاولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العالمين روى ابن جرير فى تفسيره والطبراني فى المطولات وابو يعلى فى مسنده والبيهقي فى البعث وغيرهم وقيل بل نفختان فقط ونفخة الفزع نفخة الصعق لان الامرين متلازمان اى فزعوا فزعا ماتوا عنه وهذا القول صححه القرطبي واستدل بانه استثنى فى نفخة الفزع كما استثنى فى نفخة الصعق فدل على انهما واحد فى اكثر الأحاديث ذكر اثنتين فقط وما بينهما أربعون عاما والحديث الطويل فى اسناده من تكلم فيه واختلف الناس فى تصحيحه فصححه ابن العربي والقرطبي وضعفه البيهقي وعبد الحق ومدار هذا الحديث على اسمعيل بن رافع قاضى المدينة وقد تكلم فيه قال السيوطي فى بعض سياقه نكارة وقد قيل انه جمعه من طرق وأماكن متفرقة مساقة سياقا واحدا والله تعالى اعلم والمراد بالظرف اعنى قوله تعالى إذا نفخ الزمان الطويل الذي سماه الله تعالى فى كتابه بالحاقة والقارعة والقيامة والواقعة وغيرها من الأسماء الكثيرة وابتداء ذلك الزمان النفخة الاولى وانتهائه دخول اهل الجنة الجنة واهل النار النار اخرج ابن عساكر عن زياد ابن مخراق قال سال الحجاج عكرمة مولى ابن عباس عن يوم القيامة أمن الدنيا هو او من الاخرة قال صدر ذلك من الدنيا وآخره من الاخرة فعلى هذا جاز اضافة ذلك الزمان الى النفخ فى الصور النفخة الاولى والى كل ما وقع فى ذلك اليوم من الصعق والنشور والحساب والشقاق السموات وانتشار الكواكب ودخول الجنة والنار وغير ذلك فقوله تعالى إذا نفخ فى الصور نفخة واحدة بيان

[سورة الحاقة (69) : آية 14]

لابتداء ذلك الوقت وقوله تعالى فهو فى عيشة راضية الى آخره وقوله تعالى خذوه فغلوه الى آخره كلاهما بيان للانتهاء به. وَحُمِلَتِ اى رفعت الْأَرْضُ وَالْجِبالُ من أماكنها فَدُكَّتا اى الأرض والجبال دَكَّةً واحِدَةً الدك الدق والهدم كذا فى القاموس وقال الجوهري أصله الكسر كذا ذكر البغوي وقال الجوهري ايضا الدك الأرض اللينة السهلة قوله تعالى دكت الجبال دكّا اى جعلت بمنزلة الأرض اللينة والحاصل ان الأرض جعلنا مستوية دفعة واحدة لا ترى فيها عوجا ولا امتا واخرج البيهقي عن ابى بن كعب فى قوله تعالى وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة قال يصيران غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين وذلك وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة وجزاء الشرط محذوف اى إذا نفخ فى الصور وحملت الأرض انقضت الدنيا وحقت الحاقة. فَيَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده بدل من إذا نفخ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ اى الساعة المنتظرة التي وجب وقوعها بالكتاب والسنة او المعنى وقعت الأمور الواقعة الواجبة الوقوع من الحسنات والجزاء. وَانْشَقَّتِ السَّماءُ عطف على وقعت فَهِيَ اى السماء يَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده واهِيَةٌ ضعيفة مسترخية ليست على الشدة والقوة التي كانت عليها قال الفراء وهيها تشققها وفى القاموس الوهي الشق فى الشيء يقال وهى إذا انشق واسترخى رباطها. وَالْمَلَكُ اى الجنس المتعارف بالملك عَلى أَرْجائِها اى جوانب السماء وأطرافها التي بقيت بعد الانشقاق وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ اضافة العرش الى الله تعالى لتعظيمه ولاختصاصه بتجلى مخصوصة فَوْقَهُمْ الضمير يعود الى الثمانية لتقدمها فى المرتبة او الى الملائكة الذين هم على ارجاء السماء يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ اى ثمانية أفلاك روى ابو داود والترمذي عن العباس بن عبد المطلب زعم انه كان جالسا فى البطحاء فى عصابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فيهم فمرت سحابة فنظروا إليها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال والعنان قالوا والعنان قال هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض قالوا لا ندرى قال ان بعد ما بينهما اما واحدة او اثنان او ثلث وسبعون سنة والسماء التي فوقها كذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء الى السماء ثم فوق ذلك ثمانية او عال بين

[سورة الحاقة (69) : آية 18]

اطلاقين ودركهن مثل ما بين سماء الى سماء ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه ما بين سماء الى سماء ثم الله فوق ذلك وروى البغوي هذا الحديث نحوه غير انه ذكر ما بين السماء والأرض وكذا ما بين كل سماء الى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكذا ما بين أعلى البحر وأسفله واطلاق الا وعال ودركهن واختلاف المسافة باختلاف اعتبار السائرين والله تعالى اعلم قال البغوي جاء فى الحديث انهم اليوم رابعة فاذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى باربعة أخروهم على صورة او عال ما بين إطلاقهم ودركهم كما بين سماء الى سماء وجاء فى الحديث ان الواحد منهم وجه رجل والاخر وجه اسدد والا خروجه ثور والا خروجه نسر وروى عن ابن عباس انه قال يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية اى ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم الا الله تعالى. يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ ايها الناس كافة على الله تعالى للحساب وهذا بعد نفخة البعث والجملة مستانفة كانها فى جواب ما يفعل بنا ذلك اليوم لا تَخْفى قرأ الجمهور بالتاء نظرا الى تأنيث الفاعل وحمزة والكسائي بالياء للفصل مِنْكُمْ خافِيَةٌ اى فعله سريرة وجملة لا يخفى اما بدل اشتمال من تعرضون او حال من فاعله قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض الناس يوم القيمة ثلث عرضات اما عرضان فجدال ومعاذير واما الثالثة فعند ذلك تظاهر الصحف فى الأيدي فاخذ بيمينه وأخذ بشماله رواه الترمذي عن ابى هريرة وابن ماجة عن ابى موسى الأشعري والبيهقي عن ابن مسعود قال الحكيم الترمذي الجدال للاعداء يجادلون لانهم لا يعرفون ربهم فيظنون انهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم والمعاذير لله تعالى يعتذر الى آدم وأنبيائه ويقيم حجة عندهم على الأعداء ثم يبعثهم الى النار واما العرضة الثالثة للمومنين وهو العرض الا ان يخلوبهم فيعاتب مزيد عتابه فى تلك الخلوة حتى يذوق الحياء والخجل ثم يغفر لهم ويرضى منهم. فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ وذلك هو المؤمن والجملة معطوفة على تعرضون تفصيل للعرض اى العرضة الثالثة فَيَقُولُ ذلك المؤمن تحجا بحج خبر لمن هاؤُمُ اسم لخذ يقال هاء يا رجل ويا رجلان ويا امرأة ويا امرأتان وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نساء اقْرَؤُا كِتابِيَهْ تنازع الفعلان هاؤم واقرأوا فى مفعولية كتابيه فاعمل الثاني لقربه وحذف المفعول الاول ولو كان الأمر على العكس لقيل اقرؤوه والهاء فيه وفى حسابيه وماليه وسلطانيه للسكت تثبت فى الوقف ونسقط

[سورة الحاقة (69) : آية 20]

فى الوصل واستحب الوقف لثباتها فى الأيام الخالية ولذلك قرئ بإثباتها فى الوصل ايضا. إِنِّي ظَنَنْتُ اى علمت وأيقنت ولما كان اليقين بالحساب مستلزما للاتيان باعمال الصالحة كنى به عنه كانه قال انى عملت صالحا وانما لم يقل كذلك هضما لنفسه ولاجل ذلك عبر عن العلم بالظن استحقارا لنفسه عن دعوى العلم بحضرت ذى الجلال علام الغيوب قال البيضاوي لعله عبر عنه بالظن اشعارا بانه لا يقدح فى الاعتقاد الهجس فى النفس من الخطرات التي لا ينفك عنها العلوم النظرية أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ مفعول لظننت قائم مقام المفعولين اخرج ابن المبارك عن ابى عثمان النهدي قال ان المؤمن ليعطى كتابه فى ستر من الله تعالى فيقرأ سيئاته فيتغير لونه لم يقرأ حسناته فرجع عليه لونه ثم ينظر فاذا سيئاته قد بدلت حسنات فعند ذلك يقول هاؤم اقرأوا كتابيه. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ قال فى القاموس اى مرضية يقال رضيت لعيشة بالبناء للمفعول ولا يقال رضيت بالفتح على البناء الفاعل قال البيضاوي اى ذات رضاء على النسبة بالصيغة او جعل الفعل لها مجازا. فِي جَنَّةٍ متعلق بظرف مستقر قبله عالِيَةٍ رفيعة الرتبة عند الله تعالى من حيث القرب الذي كيف له او رفيعة المكان فانها فى السماء او رفيعة الدرجات والابنية والأشجار ولما كان رفعة الأشجار موهما لبعد الثمار وكونها غير سهل للاخذ عقبه الله تعالى بصفة اخرى بعد صفة فقال. قُطُوفُها اى ثمارها جمع قطف دانِيَةٌ قريبة بحيث يدون مناتنا ولها قائما وقاعدا او راقدا. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً اى أكلا هنيئا وشربا هنيئا والهنيء كل ما لا يلحق به مشقة ولا تعب وخامة او المعنى يهنئهم هنيئا وهذه الجملة بتقدير القول خبر بعد خبر بهو وجمع الضمير نظرا الى المعنى اى هو فى جنة وهم يقال لهم كلوا واشربوا او مستانفة فى جواب ما يقال لهم فيها بِما أَسْلَفْتُمْ متعلق بكلوا واشربوا على التنازع اى بما قدمتم من الأعمال الصالحة والسلف المتقدم من الشيء فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ الماضية من الأيام الدنيا فان الخالي فى الزمان والمكان ما لا يكون له مشاغل فهو من الزمان ما لم يبق اهله ويلزمه المضي والذهاب فيعبر عن الماضي بالخالي قال الله تعالى قد خلت من قبله الرسل. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ وهو الكافر يجعل شماله وراء ظهره فياخذ بها كتابه كذا اخرج البيهقي عن مجاهد قال ابن اسائب يلوى يده اليسرى خلف ظهره ثم يعطى كتابه

[سورة الحاقة (69) : آية 27]

وقيل ينزع يده اليسرى من صدره الى خلف ظهره فَيَقُولُ لقبيح ما يرى فيه من الأعمال وسوء العاقبة يا لَيْتَنِي المنادى محذوف اى يا قوم ليتنى لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ جملة استفهامية فى محل المفعول للم أدر وجملة لم أوت مع ما عطف عليه خبر ليت. يا لَيْتَها الضمير عائد الى النفخة او الى غير مذكور اى يا قوم ليت الموتة التي فى الدنيا او الحالة التي كنت عليها من العدم بعد الوجود كانَتِ الْقاضِيَةَ القاطعة للحيوة مطلقا بحيث لم احيى بعدها قال قتادة يتمنى الموت ولم يكن عذره فى الدنيا شىء اكره من الموت ولما كانت جملة يا ليتنى متمنى عدم الحساب وإيتاء الكتاب وهو من حيث المعنى كناية عن تمنى عدم البعث وجملة يا ليتها كانت القاضية تمنى لعدم البعث صريحا فلاجل كون الجملتين متحدى المعنى معنى لم يعطف إحداهما على الاخرى وجعلت الثانية تاكيدا للأولى. ما أَغْنى عَنِّي ما نافية او استفهامية للانكار مفعول لاغنى مالِيَهْ اى مالى من المال والتبع. هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ ملكى وتسلطى عن الناس او حجة اللتي كنت أحج بها فى الدنيا قرأ حمزة عنى مالى وعنى سلطانى بحذف الهائين فى الوصل والباقون باثباتهما فى الحالين فيقول الله عز وجل لخزنة جهنم. خُذُوهُ فَغُلُّوهُ اى اجمعوا يديه الى عنقه. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ وكلمة ثم التفاوت ما بينهما فى الشدة وكذا فيما بعده وقدم المفعول للحصر اى لا تصلوه الا الجحيم وهى النار العظمى وكذا فى قوله تعالى. ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ الفاء فى فاسلكوه زائدة لتحسين النظم وليست عاطفة حتى يلزم اجتماع العاطفتين ومعنى فاسلكوه اى أدخلوه فيها اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي من طريق العوفى عن ابن عباس قال يسلك فى دبره حتى يخرج من منخريه حتى لا يقوم على رجليه واخرج ابن ابى حاتم عن طريق ابن جرير عنه قال السلسلة تدخل من استه ثم يخرج من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد فى العود ثم يشوى قال نوف البكائى الشامي سبعون ذراعا كل ذراع سبعون باعا كل باع ابعد مما بينك وبين مكة وكان فى رحبة الكوفه أخرجه هناد وابن المبارك قال سفيان كل ذراع سبعون ذراعا قال الحسن الله اعلم اى ذراع هو قلت لعله أراد ذراع الملك من خزنة النار او ذراع الكافر فى النار وقد ورد فى الحديث فرأس الكافر فى النار مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلث رواه مسلم

[سورة الحاقة (69) : آية 33]

عن ابى هريرة مرفوعا واخرج احمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو ان رصاصه هذه وأشار الى مثل الجمجمة أرسلت من السماء الى الأرض وهى مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو أرسلت من راس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل ان يبلغ أصلها او قعرها واخرج ابن المبارك عن كعب قال ان حلقة من السلسلة مثل جميع حديد الدنيا واخرج ابو نعيم عن محمد بن المنكدر قال لو جمع حديد الدنيا كله ما خلى وما بقي ما عد لى حلقة من حلق جهنم. إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ استيناف لبيان سبب ذلك العذاب وذكر العظيم للاشعار بانه تعالى هو المستحق للعظمة فمن تعظم غيره استوجب العذاب عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته النار رواه مسلم. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ اى لا يحث على إطعامه فضلا ان يبذل من ماله ويجوز ان يكون ذكر الحض للاشعار بان تارك الحض بهذه المنزلة فكيف تارك الفعل وفيه دليل على ان الكفار يعذبون على فروع الأعمال ايضا ولعل تخصيص الامرين بالذكر لان أقبح القبائح الكفر بالله واشنع الشنائع البخل وقسوة القلب. فَلَيْسَ لَهُ الفاء للسببية الْيَوْمَ هاهُنا ظرفان للظرف المستقر- حَمِيمٌ قريب يحمه. وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ مستتنى مفرغ صفة للطعام ولا زائدة والقصر إضافي والغسلين غسالة اهل النار صديدهم فعلين من الغسل كذا اخرج ابن ابى حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال الغسلين صديد اهل النار وقال الضحاك والربيع شجر يأكله اهل النار وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن طريق مجاهد عن ابن عباس قال ما أدرى ما الغسلين ولكنى أظنه الزقوم. لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ مستثنى مفرغ فى محل الفاعل والجملة صفة لغسلين اى اصحاب الخطايا من خطى الرجل إذا تعمد الذنب لا من الخطاء ضد الصواب. فَلا أُقْسِمُ لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم او يقال لا زائدة ومعناه اقسم او المعنى فلا اى فليس كما يقول الكفار من ان محمدا - صلى الله عليه وسلم - تقول القران على الله تعالى من نفسه وهو شاعر او كاهن ولا بعث ولا نشور اقسم بِما تُبْصِرُونَ بالبصر او البصيرة من المظاهر والمعالي لصفات الله تعالى سبحانه. وَما لا تُبْصِرُونَ

[سورة الحاقة (69) : آية 40]

ما لا يدركه الابصار والبصائر من مراتب الصفات والشئونات وذات الله سبحانه وقيل ما تبصرون الدنيا وما لا تبصرون الاخرة وقيل ما تبصرون وما لا تبصرون الأجسام والأرواح او الانس والجن والملائكة او النعم الظاهرة والباطنة وقيل ما تبصرون ما أظهره الله من العلم على خلقه من الملئكة والجن والانس وما لا تبصرون ما استأثر الله تعالى بعلمه فلم يطلع عليه أحد. إِنَّهُ يعنى القران لَقَوْلُ رَسُولٍ يبلغه من الله سبحانه لا يقول عن نفسه كَرِيمٍ على الله تعالى وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - او جبرئيل عليه السلام. وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ كما تزعمونه تارة قَلِيلًا ما منصوب على المصدرية او الظرفية وما زائدة لتاكيد القلة متعلق بما بعده- تُؤْمِنُونَ اى تومنون إيمانا قليلا او زمانا قليلا لما يظهر لكم صدقه وقلة ايمانهم المستدعى نفى الايمان كثيرا مبنى على العناد والتعنت فانهم لا يومنون ايمانا كاملا تعنتا وعناد الا غير وقيل أراد بالقليل نفى ايمانهم أصلا كقولك لمن لا يزورك فاما تأتينا أصلا والجملة معترضة لمذمة الكفار. وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ لا زائدة وما بعده معطوف على خبر ما هو قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ط ذكر الايمان مع نفى الشاعرية والتذكر مع عدم الكاهنية لان عدم مشابهة القران الشعر امر بين لا ينكرها الا معاند واما مباينته لكهانة فهو يظهر عند تذكر احوال الرسول ومعانى القران المنافية لاحوال الكهنة ومعانى أقوالهم قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يومنون ويذكرون بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب. تَنْزِيلٌ مصدر بمعنى المفعول خبر مبتداء محذوف اى هو منزل مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ على لسان جبرئيل جملة مستانفة فى جواب ما يقال فما هو. وَلَوْ تَقَوَّلَ اى لو افترى وتكلف وتصنع فى القول عَلَيْنا من غير وحي منا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ جمع أقولة من القول كالاضاحيك سمى بها الأقوال المفتراة. لَأَخَذْنا مِنْهُ اى من المفترى بِالْيَمِينِ متعلق باخذنا اى بيمينه لاذلاله او بيمينا وعلى التقدير الثاني من زائدة واليمين من المتشابهات وقد يأول بالقوة والقدرة لان قوة كل شىء فى يمينه قال ابن عباس لاخذناه بالقوة والقدرة ويحتمل ان يكون من فى قوله تعالى لاخذنا منه هو للسببية والضمير عائد الى التقول اى لاخذنا من أجل التقول بيمينه او يمينا. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ صلى وهو عرق فى القلب إذا انقطع مات صاحبه. فَما مِنْكُمْ

[سورة الحاقة (69) : آية 48]

من بيانية لاخذ ظرف مستقر حال منه مِنْ أَحَدٍ اسم ما ومن زائدة عَنْهُ اى عن القتل او المقتول المفترى متعلق لما بعده حاجِزِينَ جزما وحمله على أحد لعمومه معنى وجملة فما منكم معطوف على جزاء الشرط اى لاخذنا والشرطية معترضة بين المعطوف عليه وهو انه لقول رسول كريم والمعطوف اعنى. وَإِنَّهُ اى القران لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ لانهم هم المنتفعون- (فائدة) - ومقتضى هذه الاية قاله المجدد ان تلاوة القران سبب للترقى بعد فناء النفس وزوال العين والأثر فان التقوى لا يتصور الا بعد الفناء وكون القران تذكرة مختص بالمتقي يدل عليه لام التخصيص واما قبل الفناء فالتلاوة داخل فى عمل الأبرار دون المقربين المتقين عن رذائل النفس. وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ فنجازيهم على تكذيبهم وعدم تذكرهم به. وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ اى سبب للحسرة عَلَى الْكافِرِينَ حين يرون ثواب المؤمنين المتذكرين به. وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ اليقين ازاحة الشك كذا فى القاموس وفى الصحاح اليقين من صفة العلم فوق المعرفة وحمله على القران من قبيل زيد عدل اى متيقن كمال اليقين كانه نفس اليقين يعنى ان القران لوضوحه وسطوع برهانه بحيث يتيقن به العاقل ولا يرتاب فيه والحق ضد الباطل قال صاحب البحر يعنى انه اليقين الحق لا اليقين الباطل الذي هو الجهل المركب فهو اضافة صفة الى موصوفه بالتجريد على طريقة جرد قطيفة فان قيل المراد باليقين هاهنا ما يجب ان يكون متيقنا للعاقل لوضوح امره وسطوع برهانه فاليقين بهذا المعنى هو الحق لا ما يعم اليقين الباطل الذي هو الجهل المركب فلا فائدة فى اضافة الحق اليه قلنا نعم لكن أضيف الحق اليه للتاكيد وزيادة التوضيح وقال البغوي الى نفسه لاختلاف اللفظين. فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ع اى فسبح الله بذكر اسمه العظيم تنزيها له عن الرضا بالتقول عليه وعن كل ما لا يليق به وشكرا له على ما اوحى إليك قيل معناه فصل بذكر ربك وامره وقيل الباء زائدة ولفظ الاسم مقحم ومعناه فسبح ربك العظيم عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبح باسم ربك العظيم قال اجعلوها فى ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجعلوها فى سجودكم رواه ابو داود وابن ماجه والدارمي وعن حذيفة انه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول فى ركوعه

سبحان ربى العظيم وفى سجوده سبحان ربى الأعلى وما اتى اية رحمة الا وقف وسأل وما اتى على اية العذاب الا وقف وتعوذ رواه الترمذي وابو داود والدارمي قال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه النسائي وابن ماجة الى نوله الأعلى وعن عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع أحدكم فقال فى ركوعه سبحان ربى العظيم ثلث مرات فقدتم ركوعه وذلك أدناه وإذا سجد فقال فى سجوده سبحان ربى الأعلى ثلث مرات فقدتم سجوده وذلك أدناه رواه الترمذي وابو داود وابن ماجه وقال الترمذي ليس اسناده بمتصل لان عونا لم يلق ابن مسعود وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم متفق عليه وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة فى الجنة رواه الترمذي- (مسئله) تسبيحات الركوع والسجود سنة عند الجمهور وادنى الكمال ثلث تسبيحات وقال احمد واجب وكذا الخلاف فى تكبيرات انتقالات والتسميع والتحميد فى القومة دون رب اغفر لى فى الجلسة فلم يقل أحد بوجوبه احتج احمد بقوله عليه الصلاة والسلام اجعلوها فى ركوعكم قال الأمر للوجوب وفى حديث ابن مسعود علق تمام الركوع به والجمهور يحملون الأمر على الندب- والله تعالى اعلم بالصواب تمت سورة الحاقة.

سورة المعارج

سورة المعارج مكيّة وهى اربع وأربعون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَأَلَ قرأ نافع وابن عامر سال بالألف ساكنة بدلا من الهمزة والباقون بهمزة وحمزة يجعلها فى الوقف بين بين سائِلٌ اخرج النسائي وابن ابى حاتم عن ابن عباس انه قال هو النضر ابن حارث قال اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال وكان عذابه يوم بدر فالمراد بالسؤال على هذا الدعاء ويدل على ذلك تعديته بالباء ويحتمل ان يكون سال على قراءة نافع من السيلان والمعنى سال واد بعذاب ومعنى الفعل لتحقق وقوعه اما فى الدنيا وهو قتل بدر او فى الاخرة وهو عذاب النار قال البغوي سائل واد من اودية جهنم يروى ذلك عن عبد الرحمن بن زيد بن اسلم واخرج ابن المنذر عن الحسن قال نزلت سال سائل بعذاب واقع فقال الناس على من يقع العذاب فانزل الله عز وجل على الكافرين ليس له دافع فح يكون السؤال للاستفهام فالباء ح فى قوله تعالى بِعَذابٍ بمعنى عن او يكون تعديته بالباء لتضمن سال معنى أهم واقِعٍ صفة لعذاب. لِلْكافِرينَ صفة اخرى لعذاب او صلة الواقع وان كان السؤال عمن يقع به العذاب كان جوابا ليس له دافع صفة اخرى للعذاب او هو فى حيز الجواب اى واقع للكافرين لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ من جهة الله لتعلق إرادته ذِي الْمَعارِجِ صفة لله تعالى اى ذى المصاعد قال سعيد بن جبير ذى الدرجات قلت وهى درجات القرب التي لا كيف لها التي تبلغ إليها الأنبياء والملئكة والأولياء ودرجات القبول يصعد فيها الكلم الطيب والعمل الصالح او المصاعد فى دار الثواب ودرجات الجنة عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة منها تفجرا نهار الجنة الاربعة ومن فوقها يكون العرش فاذا سالتموا الله تعالى

[سورة المعارج (70) : آية 4]

فاسئلوه الفردوس رواه الترمذي وعن ابى هريرة نحوه وفيه ما بين الدرجتين مائة عام وعن ابى سعيد الخدري ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان اهل الجنة يتراوون اهل العرف من بينهم كما تراوون الكواكب الدري الغابر فى الأفق من المشرق او المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك ينال الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسى بيده رجال أمنوا بالله وصدقوا المرسلين متفق عليه وقال ابن مسعود ذى السموات سماها معارج لان الملائكة يعرج فيها وقال قتادة ذى الفواضل. تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ قرأ الكسائي يعرج بالياء على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث والجملة صفة للمعارج على طريقة ولقد امر على اللئيم يسبنى والرابط محذوف اى تعرج فيها الملائكة والروح اليه والروح جبرئيل عليه السلام وأفرده لفضله او أعظم خلق من الملائكة قلت ويحتمل ان يكون المراد بالروح روح البشر الذي هو من عالم الأمر فان أرواح البشر من الأولياء والأنبياء تعرج من خفض البعد والغفلة الى معارج القرب والحضرة إِلَيْهِ اى الى الله سبحانه او الى عرشه فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ج الظرف متعلق بمحذوف دل عليه واقع اى يقع العذاب بهم فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة يعنى يوم القيامة كذا اخرج البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس وقال يمان يوم القيامة فيه خمسين موطنا كل موطن الف سنة روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من صاحب كنز لا يؤدى زكوة الكنز الا احمى عليه فى نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار وما من صاحب ابل لا يودى زكوتها الا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقركا وفرما كانت تستن عليه لا يفقد منها- فصيلا واحدا يطأ بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أوليها رد عليه أخريها فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار وما من صاحب غنم لا يودى زكوتها الأبطح له بقاع فرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلجاء ولا غضباء تنطحه بقرونها وتطأه باظلافها كما مر عليه أوليها رد عليه أخريها فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار واخرج احمد وابو يعلى وابن حبان والبيهقي بسند حسن عن ابى سعيد

قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن يوم كان مقداره خمسين الف سنة ما أطول هذا اليوم فقال والذي نفسى بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون من الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا قلت فعلى هذا التأويل لا تصادم بين هذه الاية وبين قوله تعالى فى تنزيل السجدة يدبّر الأمر من السماء الى الأرض ثم يعرج اليه فى يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون إذ معناه يحكم الله تعالى بالأمر وينزل به جبرئيل من السماء الى الأرض ثم يعرج اليه جبرئيل فى يوم من ايام الدنيا وكان قدر سيره الف سنة خمسمائة سنة نزوله وخمسمائة عروجه لان ما بين السماء والأرض خمسمائة عام يعنى لو سار تلك المسافة واحد من بنى آدم لم يقطعه الا فى الف سنة لكن الملائكة يقطعون فى يوم واحد بل فى ادنى زمان اخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى تعرج اليه فى يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون قال هذا فى الدنيا تعرج الملائكة فى يوم كان مقداره الف سنة وفى قوله تعالى فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة قال هذا يوم القيامة جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين الف سنة وقيل المراد من الآيتين يوم القيامة يكون على بعضهم أطول وعلى بعضهم اقصر حتى يكون على المؤمنين أهون من الصلاة المكتوبة كما مر واخرج الحاكم والبيهقي عن ابى هريرة مرفوعا وموقوفا يكون على المؤمنين كمقدار ما بين الظهر والعصر وحينئذ معنى قوله تعالى يدبّر الأمر من السماء الى الأرض مدة ايام الدنيا ثم يعرج اى يرجع الأمر والتدبير اليه بعد فناء الدنيا وانقطاع امر الأمراء وحكم الحكام فى يوم كان مقداره الف سنة وقيل الظرف فى هذه الاية اعنى قوله تعالى فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة متعلق بيعرج كما هو متعلق فى سورة التنزيل ووجه الجمع بين الآيتين ان المراد فى اية سورة التنزيل انه يدبر الأمر من السماء الى الأرض ثم يعرج اليه من الأرض الى السماء فى يوم وقدر مسيره الف سنة لان ما بين السماء والأرض خمسمائة عام فصار نزوله وعروجه الف سنة والمراد فى هذه السورة مدة المسافة من منتهى الأرض السابعة الى منتهى أعلى السموات فوق السماء السابعة قال البغوي روى ليث عن مجاهد ان مقدار هذا خمسين الف سنة وقال محمد بن اسحق لو سار ابن آدم من الدنيا الى موضع العرش سيرا طبيعنا له سار خمسين الف سنة ومن هاهنا قالت الصوافية العلية ان فناء القلب الذي يحصل للصوفى بالجذب من الله تعالى بتوسط النبي - صلى الله عليه وسلم - والمشائخ لو أراد

[سورة المعارج (70) : آية 5]

واحد ان يحصله بالعبادات والرياضات من غير جذب من الشيخ فانما يحصل له فى زمان كان مقداره خمسين الف سنة وإذا لم يتصور بقاء أحد بل بقاء الدنيا الى هذه المدة ظهران الوصول الى الله تعالى من غير جذب منه تعالى بتوسط أحد من المشائخ كما هو المعتاد وبلا توسط روح رجل كما يكون لبعض الآيسين من الافراد محال والله المستعان. فَاصْبِرْ يا محمد على تكذيبهم صَبْراً جَمِيلًا لا يشعر به استعجال واضطراب وجزع والفاء للسببية متعلق بسال فان السؤال عن تعنت واستهزاء وذلك مما نضجر به فالمعنى فاصبر ولا نضجر عن سوالهم ولا تستعجل فى عقوبتهم او متعلق بسال على قراءة نافع او بمحذوف متعلق به فى يوم على معنى فاصبر فقد سال بهم العذاب وقرب وقوعه يقع. إِنَّهُمْ اى الكفار يَرَوْنَهُ اى العذاب بَعِيداً من الإمكان او مستبعدا فى العقل محتملا احتمالا ضعيفا. وَنَراهُ قَرِيباً فى الوقوع فان كل ما هو ات قريب والقرب فى الوقوع يستلزم على تقدير كونه متعلقا بمحذوف وان كان هو متعلقا بيعرج فهذا متعلق بمضمر دل عليه واقع. يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ المذاب من النحاس وغيره من الفلزات او دردى الزيت اخرج البيهقي عن ابن مسعود قال السماء يكون الوانا تكون كالمهل وتكون وردا كالدهان وتكون واهية تشقق فيكون حالا بعد حال. وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ اى كالصوف المصبوغ الوانا لان الجبال مختلفة الألوان فاذا بسطت وطيرت فى الهواء اشتبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح. وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً لا يسئل قريب لشدة ما يقع على نفسه معطوف على تكون أضيف اليه يوم بواسطة حرف العطف قرأ البراء عن ابن كثير لا يسال بضم الياء على بناء المفعول اى لا يطلب حميم من حميم او لا يسال منه حاله وهذا الاختلاف ليس فى المشهور ولم يذكره فى التيسير. يُبَصَّرُونَهُمْ ط اى يرونهم صفة لحميم او استيناف يدل على ان المانع من السؤال ليس الخفاء بل اما تشاغل كل عن السؤال عن غيره لشدة على نفسه او الغيبة عن السؤال بمشاهدة الحال كبياض الوجه وسواده ونحو ذلك وجمع الضميرين لعموم الحميم لوقوعه نكرة فى حيز النفي قال البغوي ليس فى القيامة مخلوق الا وهو نصب عين صاحبه من الجن والانس فيكون للرجل أباه وأخاه وقرابته ويبصر حميمه فلا يكلمه لاشتغاله بنفسه وقيل معنى يبصرونهم يعترفونهم اما المؤمن فبياض الوجه

[سورة المعارج (70) : الآيات 12 إلى 13]

واما الكافر فبسواد الوجه يَوَدُّ يتمنى الْمُجْرِمُ المشرك الجملة حال من فاعل يبصرونهم او من مفعوله والعائد وضع المظهر موضع الضمير او مستأنفة فى جواب ما يصنع المجرم يعنى ان المجرم يشتغل بنفسه عن غيره بحيث يتمنى ان يفتدى بأقرب الناس وأحبهم اليه فى الدنيا فضلا ان يهتم بحاله ويساله وعلى هذا قوله تعالى لا يسئل حميم حميما مختص بالكفار واما المؤمنون فيسالون احمامهم ويشفعون لهم وقد تواتر فى ذلك الأحاديث بالمعنى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسى بيده ما منكم من أحد باشد منا شدة فى الحق قد تبين لكم من المؤمنين لله تعالى يوم القيامة لاخوانهم الذين فى النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا الحديث متفق عليه وفى حديث طويل عن ابى سعيد الخدري لَوْ يَفْتَدِي اى المجرم او المتمنى والجملة بيان للوداد مِنْ عَذابِ متعلق بيفتدى مضاف الى يَوْمِئِذٍ قرأه الجمهور مجرورا بالاضافة وقرأ نافع والكسائي بفتح الميم لاكتسابه البناء من المضاف اليه بِبَنِيهِ مع ما عطف عليه متعلق بيفتدى. وَصاحِبَتِهِ زوجته وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ اى عشيرته الذين فصل عنهم الَّتِي تُؤْوِيهِ عند الشدائد. وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً من الثقلين والخلائق ثُمَّ يُنْجِيهِ ذلك الافتداء معطوف على يفتدى عطف بثم للاستبعاد. كَلَّا لا ينجيه من عذاب الله شىء ردع المجرم عن الوداد إِنَّها الضمير لغير مذكور وهى النار يدل عليه العذاب او ضمير مبهم يفسره لَظى وهو خبر او بدل او الضمير للقصة ولظى مبتداء وخبره ما بعده على تقدير كونه مرفوعا واللظى اللهب الخالص قال البغوي هو اسم من اسماء الجهنم وقيل هى الدركة الثانية سميت بذلك لانها تتلظى اى تتلهب امال الحمزة والكسائي لظى وللشوى وتولىّ وفاوعى وورش وابو عمر بين بين والباقون بالفتح. نَزَّاعَةً لِلشَّوى اى الأطراف اليدان والرجلان او جمع شواة وهى لجلدة الراس كذا قال مجاهد وروى ابراهيم بن مهاجر عنه اللحم دون العظام قال سعيد بن جبير عن ابن عباس العصب والعقب وقال الكلبي يأكل الدماغ كله ثم يعود كما كان قرأ حفص عن عاصم نزاعة بالنصب على الاختصاص او الحال الموكدة مرادف او المنتقلة على ان لظى بمعنى ملتظية والباقون بالرفع. تَدْعُوا اى النار خبر بعد خبر لان او للظى مَنْ أَدْبَرَ عن الحق وَتَوَلَّى عن الطاعة فيقول النار الىّ يا مشرك الىّ يا منافق الىّ الىّ- قال ابن عباس يدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح ثم يلتقطهم

[سورة المعارج (70) : آية 18]

كما يلتقط الطير الحب. وَجَمَعَ المال فَأَوْعى اى جعله فى وعاء وامسكه ولم يود حق الله تعالى عنه. إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً حال مقدرة ان أريد اتصافه بالهلع بالفعل ومحققة ان أريد اشتماله على مبدأ تلك الصفة فانها من امور الجبلية التي هى من رذائل النفس المقتضى للاتصاف به بالقوة وجملة ان الإنسان فى محل التعليل لقوله أدبر إلخ والهلوع الحريص على ما لا يحل له رواه السدى عن ابى صالح عن ابن عباس وقال سعيد بن جبير الشحيح وقال عكرمة الضجور وقال قتادة الجزوع وقال مقاتل ضيق القلب والهلع شدة الحرص وقلة الصبر وقال عطية عن ابن عباس تفسيره ما بعده وهو قوله تعالى. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً لا يصبر. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ المال مَنُوعاً لا ينفق فى سبيل الله ولا يشكر عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب متفق عليه وعن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهرم ابن آدم ويشب منه اثنان الحرص على المال والحرص على العمر متفق عليه. إِلَّا الْمُصَلِّينَ اى المؤمنين الكاملين عبر بالمصلى عن المؤمن اى المؤمن الكامل كما عبر بالايمان عن الصلاة فى قوله تعالى ان الله لا يضيع ايمانكم فان الصلاة أعلى مقامات المؤمن وهى معراج المؤمن وعماد الدين قال المجدد حقيقة الصلاة فوق سائر المقامات التي يمكن حصولها للبشر والاستثناء متصل ان كان اللام فى الإنسان للجنس او للاستغراق فهو مفرد فى معنى الجمع او المعنى ان المجرم أدبر وتولى إلخ لان جنس الإنسان او كل فرد منه خلق مقدرا منه الهلع الا المؤمنين الكاملين الموصوفين بالصفات المذكورة الدالة على الاستغراق فى طاعة الله تعالى والإشفاق على الخلق والايمان بالجزاء والخوف من العقوبة وكسر الشهوة وعدم إيثار العاجل على الاجل فانهم لم يخلقوا هلوعا بل خلقوا مقدرا منهم الصبر على الضراء والشكر على السراء الموجبين للاكرام فى الجنات روى مسلم عن حبيب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عجبا لامر المؤمن ان امره كله له خير وليس ذلك لاحد الا المؤمن ان أصابته السراء شكر فكان خير اله وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا فعلى هذا التأويل وزان هذه الاية وزان قوله تعالى ان الإنسان لفى خسر الا الذين أمنوا إلخ ويجوز ان يكون الاستثناء منقطعا ان كان اللام فى الإنسان للعهد والمعنى ح المجرم الذي أدبر وتولى إلخ خلق هلوعا لكن المؤمن الموصوف بتلك الصفات

[سورة المعارج (70) : آية 23]

لم يخلق كذلك بل خلق مستعدا للاكرام فى الجنات وعلى كلا التأويلين تدل هذه الاية على ان استعدادات الإنسان مختلفة فى اصل الخلقة كما قال به المجدد ان مبادى تعينات المؤمن جزئيات للاسم الهادي ومبادى تعينات الكفار جزئيات لاسم المضل وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام وعن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب ابائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب ابائهم رواه مسلم وفى الباب أحاديث كثيرة جدا. الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ اى مقبلون فى الصلاة بقلوبهم الى الله تعالى وبأبصارهم الى موضع السجود دائما ما داموا فى الصلاة فهذا بمعنى ما أورد فى سورة المؤمنين الذين هم فى صلوتهم خاشعون فلا يلزم التكرار بقوله تعالى والذين هم على صلوتهم يحافظون إذ المراد بالدوام دوام الحضور بالمحافظة التحرز عن فواتها وفوات شرائطها وأركانها وآدابها روى البغوي بسنده عن ابى الخير انه قال سالنا عقبة بن عامر عن قول الله عز وجل الذين هم على صلوتهم دائمون الذين يصلون ابدا قال لا ولكنه إذا صلى لا يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه وروى احمد وابو داود والنسائي والدارمي عن ابى ذر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد وهو فى صلوته ما لم يلتفت فاذا التفت انصرف عنه وروى البيهقي فى السنن الكبير عن انس ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يا انس اجعل بصرك حيث تسجد وروى الترمذي عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الالتفات فى الصلاة هلكة (فائدة) فى جعل البصر حيث يسجد تأثير عظيم لدفع الخطرات وحضور القلب. وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ كالزكوة والصدقات الموظفة. لِلسَّائِلِ الذي يسال وَالْمَحْرُومِ الذي لا يسال فيحرم عن العطاء غالبا قوله للسائل إلخ صفة لحق بعد صفة. وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ فان التصديق بيوم الدين لو كان على حقيقة لا يكون الإنسان جزوعا فى الشر بل صابرا تحسبا ولا منوعا فى الخير فتقف طالبا للثواب. وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ج خائفون على أنفسهم فان مقتضى التصديق والايمان الخوف والرجاء. إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ص لا يقدر على منعه أحد. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ

[سورة المعارج (70) : آية 30]

قدم المفعول لرعاية الفواصل وزيدت اللام لتقوية عمل المشتق والفرج اسم سوئة الرجل والمرأة وحفظ الفرج عدم استعماله فيما يشتهيه. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ استثناء مفرغ وانما صح فى الإثبات لتضمن الحفظ معنى النفي وعلى صلة للحافظين من قولك احفظ على عنان فرسى اى يحفظون فروجهم على النساء الا على أزواجهم فهى حينئذ بمعنى من او حال اى حفظوها فى كافة الأحوال الا فى حال التزوج او التسرى ويحتمل ان يكون الاستثناء من فعل منفى مقدر دل عليه الحفظ اى يحفظون فروجهم لا يبذلونها على امرأة الا على أزواجهم أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ اى سرياتهم وانما قال ما بإجراء المماليك مجرى غير العقلاء فان الشرع ألحقهم بها عقابا على كفرهم فاجاز بيعهم واستخدامهم والمراد بها ملكت ايمانهم السرايا دون العبيد فانه لا يجوز للرجال إتيان العبد فى دبره لما بيّنا حرمته فى سورة البقرة بالسنة والقياس فى تفسير قوله تعالى ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فان قيل كيف يقدم السنة والقياس على نص الكتاب الوارد هاهنا لعموم قوله تعالى ما ملكت ايمانهم العبيد والإماء قلنا ليس على هذا اجماعا فانه لا يجوز وطى امرأة فى حالة الحيض والظهار ولا وطى امة محرمة عليه بالرضاع فيجوز تخصيص هذا النص بخبر الآحاد والقياس ولا يجوز للمرأة الاستمتاع بفرج عبده فان كلمة على فى قوله تعالى على أزواجهم وكلمة ما التي هى لغير العقلاء تدلان على جواز استعمال المماليك استعمال المفترش لا على عكس ذلك فى وطى الامة دون تمكين العبد فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ج تعليل لمضمون الاستثناء فان عدم حفظ الفرج عن الزوجة والسرية وإتيانهن على وجه مشروع لا يلام عليه فانه مباح ضرورة ابقاء النسل وسياق الكلام يدل على ان الأصل فى الجماع الحرمة كما ذكرنا فى سورة البقرة وانما صح بشرائط من النكاح او ملك اليمين وعدم الجزئية والطهارة من الحيض والنفاس والإتيان فى محل الولد دون الدبر. فَمَنِ الفاء للسببية ابْتَغى اى طلب الإتيان وَراءَ ذلِكَ اى وراء الزوجات والسرايا فَأُولئِكَ المبتغين وراء ذلك هُمُ العادُونَ ج الكاملون فى العدوان حيث اتى بفعل حرام مع الكفاية بما أحل الله تعالى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيما رجل راى امرأة تعجبه فليقم الى اهله فان معها مثل الذي معها رواه الدارمي عن ابن مسعود (مسئلة:) وهذه الاية تدل على انه لا يجوز متعة النكاح فان المرأة لا تدخل بالمتعة فى الزوجات حتى ان القائلين بإباحتها لا يقولون بجريان التوارث بالمتعة وقال

[سورة المعارج (70) : آية 32]

البغوي وفيه دليل على ان الاستمناء باليد حرام وهو قول العلماء قال ابن جريح سالت عطاء عنه فقال مكروه سمعت ان قوما يحشرون وأيديهم حبالى فاظن انهم هؤلاء وعن سعيد بن جبير قال عذب الله امّة كانوا يعبثون بمذاكيرهم قلت وفى الباب حديث انس رض قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملعون من نكح يده رواه الأزدي فى الضعفاء وابن الجوزي من طريق الحسن بن عرفة فى جزئية المشهور بلفظ سبعة لا ينظر الله إليهم فذكر الناكح يده واسناده ضعيف. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ قرأ ابن كثير لاماناتهم هاهنا وفى المؤمنين بغير الف على التوحيد والباقون على الجمع وَعَهْدِهِمْ راعُونَ حافظون اى يحفظون الأمانات ويودونها الى أهلها فمنها ما هى بينه وبين الله تعالى كالصلوة والصوم والغسل من الجنابة وغير ذلك والفرائض الواجبة حقا لله تعالى ومن هذا الباب اضافة الكمالات من الوجود وتوابعها والنعماء الظاهرة والباطنة كله الى الله تعالى فيجب العلم والإقرار بانها كلها من عواردى الله المستودعة حتى يجد نفسه فقرا خاليا عنها حين وجودها كلابس ثوب العارية عارى فى الحقيقة فيعلم ان الكبرياء والعظمة رداء الله تعالى وإزاره لا يجوز لاحد التنازع فيه ويشكر عند وجود النعم ويصير عند سلبها ولا يجزع ومنها ما هى بين العباد كالودائع والبضائع والعواري فعلى العبد الوفاء لجميعها ويحفظون العهود التي عاهدوا الله تعالى يوم الميثاق وغير ذلك كما ان الله تعالى أخذ العهد من اهل الكتاب ان بينو نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يكتمونه والعهود التي عاهدوا فيما بينهم فى المعاملات والمعاشرات فابقاء كلها واجب روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة رض قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اية المنافق ثلث زاد مسلم وان صام وصلى وزعم انه مسلم ثم اتفقا إذا حدث كذب وإذا وعد خلف وإذا ائتمن خان وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عهد غدر وإذا خاصم فجر وروى ابو داود عن عبد الله بن ابى الحسماء قال بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ان يبعث وبقيت له بقية فوعدته ان اتيه بها فى مكانه فنسيت فذكرت بعد ثلث فاذا هو فى مكانه فقال لقد شققت على انا هاهنا منذ ثلث انتظرك. وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قرأ حفص عن عاصم ويعقوب بشهادات على الجمع والباقون بالإفراد قائِمُونَ اى يقومون فيها بالحق فلا يكتمونها ولا يغيرونها ولا يخافون لومة لائم سواء كانت الشهادة قط خالصا لله تعالى

[سورة المعارج (70) : آية 34]

كالشهادة على التوحيد والرسالة وشهادة اهل الكتاب على ما فى التوراة من نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - والشهادة بهلال رمضان وبالحدود ونحو ذلك او كانت الشهادة حقا للعباد بالمداينات ونحوها على أنفسهم او الوالدين والأقربين. وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ط اى يراعون أوقاتها وأركانها وسننها وآدابها ويحترزون عن فواتها وتكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها اولا وآخرا بوجهين مختلفتين للدلالة على فضلها على غيرها من اركان الإسلام. أُولئِكَ اى أهلي هذه الصفات فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ع خبر لاولئك وفى جنات ظرف متعلق به قدم عليه لرعاية الفواصل. فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا الفاء للسببية وما استفهامية للتوبيخ مبتداء خبره ما بعده قال البغوي نزلت فى جماعة من الكفار كانوا يجتمعون حول النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمعون كلامه ويستهزؤن به ويكذبونه فقال الله تعالى توبيخا ما لهم ينظرون إليك ويجلسون عندك ولا ينتفعون بما يستمعون منك قِبَلَكَ ظرف متعلق بما بعده مُهْطِعِينَ حال من الذين كفروا وعامله معنى الفعل اى ما يصنع الكافرون مهطعين قبلك اى مسرعين مقبلين إليك مادى أعناقهم ومدى النظر إليك متطلعين إليك كذا قال البغوي وفى القاموس هطع كمنع هطوعا وهطعا اسرع مقبلا خائفا واقبل يبصره على الشيء لا يقلع عنه واهطع مدعنقه وصوب راسه. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ متعلق بمهطعين عِزِينَ جماعات فى تفرقة واحدتها عزة كذا فى الصحاح وفى القاموس عزة كعدة العصبة من الناس. أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ بلا ايمان وعمل صالح استفهام انكار ردا لقولهم مع زعمهم كون البعث مستحيلا لو كان كما يقول محمد لنكون فيها أفضل حظا منهم كما فى الدنيا. كَلَّا ط ردع من ذلك الطمع الباطل إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ استدلال بالنشأة الاولى على إمكان النشأة الثانية وبطلان دعوى استحالة البعث وتعليل لبطلان طمعهم فى دخول الجنة بلا ايمان والمعنى انا خلقناهم من نطفة مستقذرة ثم من علقة كذلك ثم من مضغة لا يقتضى شىء منها للاكرام ولا يناسب عالم القدس فمن لم يستكمل نفسه بالايمان والطاعة ولم يتخلق بالأخلاق المرضية لله سبحانه لم يستعد دخولها روى البغوي بسنده عن بسر بن حجاش قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويصق يوما فى كفه ووضع عليها إصبعه فقال يقول الله ابن آدم انى تعجزنى وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك

[سورة المعارج (70) : الآيات 40 إلى 41]

وعدلتك ومشيت بين يردين والأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقى قلت الصدق فانى او ان الصدق او المعنى انا خلقناهم من أجل ما تعملون حيث قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون اى ليعرفون فمن لم يستكمل نفسه بالعلم والعمل كيف يطمع منازل الكاملين. فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ يعنى مشارق الكواكب ومغاربها ومشرق الشمس والقمر كل يوم من ايام السنة ومغربها إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ اى نهلكهم وناتى بخلق أمثل منهم او نعطى محمدا - صلى الله عليه وسلم - بدلكم من هو خير منكم وهم المؤمنون الأنصار لله ولرسوله وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ بمغلوبين ان أردنا ان نهلكهم معطوف على انا لقادرون وفى ذكره بوب المشارق والمغارب الاستدلال بقدرته تعالى على خلق السموات وما فيها من الشمس والقمر والكواكب واختلاف مشارق كل منها كل يوم ومغاربها على قدرته تعالى وعدم عجزه من تبديلهم عمن هم خير منهم. فَذَرْهُمْ الفاء للسببية يعنى إذا علمت قدرتنا على إهلاكهم فلا تهتم بهم فانما أردنا استدراجهم وتعذيبهم أشد العذاب يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا فى دنياهم الفعلان مجزومان على جواب الأمر حَتَّى يُلاقُوا متعلق بقوله ذرهم يعنى ذرهم كى يلاقوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ العذاب فيه. يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ اى القبور بدل من يومهم سِراعاً جمع سريع ككراما جمع كريم حال بما أسند اليه يخرجون كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ متعلق بما بعده اى يُوفِضُونَ اى يسرعون حال بعد حال قرأ ابن عامر وحفص بضم النون والباقون بفتح النون واسكان الصاد قال مقاتل والكسائي يعنى الى أوثانهم الذي كانوا يعبدونها من دون الله يعنى انهم كما كانوا يسرعون الى أوثانهم أيهم يستلمها اولا كذلك يسرعون من الأجداث الى المحشر ليرو جزاء أعمالهم وقال الكلبي الى علم وإرادته يعنى كما ان اهل العسكر يسرعون الى اعلامهم. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ حال ايضا تَرْهَقُهُمْ تغشاهم ذِلَّةٌ ط القليل للخشوع او بيان له ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ فى الدنيا وينكرونها تأكيد لما سبق او استيناف- والله اعلم.

سورة نوح

سورة نوح مكّيّة وهى ثمان وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ جئ بان فى ابتداء الكلام لاظهار الاهتمام وتقييد إرساله الى قومه يدل على انه عليه السلام لم يكن مبعوثا الى الناس كافة كما يدل عليه حديث جابر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا فاينما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لى الغنائم ولم يحل لاحد قبلى وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة متفق عليه وحديث ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فضلت على الأنبياء بست فذكر نحوه غير انه لم يذكر وأعطيت الشفاعة وذكر فيه وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبوة رواه مسلم أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ان مفسره لتضمن الإرسال معنى القول ويحتمل ان يكون مصدرية بمعنى بان قلنا له انذر لا بمعنى بان انذر قومك فانه يختبط ح الكلام بضمير الغيبة والخطاب مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فى الاخرة والطوفان ان لم يؤمنوا. قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أنذركم وأبين لكم. أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ فلا تشركوا به شيئا وَأَطِيعُونِ فيما أمركم به من التوحيد والطاعة لله. يَغْفِرْ لَكُمْ مجزوم على جواب الأمر فان الايمان والطاعة سبب للمغفرة عن عمرو بن العاص قال أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت ابسط يمينك فلا بايعك فبسط يمينه فقبضت يديه فقال مالك يا عمرو قلت أردت ان اشترط قال تشترط ماذا قلت ان يغفر لى قال اما علمت يا عمرو ان الإسلام يهدم ما كان قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله رواه مسلم وعن معاذ قال كنت ردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حمار ليس بينى وبينه الا مؤخرة الرحل فقال يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله قلت الله ورسوله اعلم قال فان حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا

وعن

وحق العباد على الله ان لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول الله أفلا ابشر به الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا متفق عليه وعن انس هذه القصة نحوه وفيه فاخبر بها معاذ عند موته تأثما متفق عليه مِنْ ذُنُوبِكُمْ من زائدة او للتبعيض اى بعض ذنوبكم يعنى ما هو حق الله تعالى وَيُؤَخِّرْكُمْ اى يعافيكم فلا يعاقبكم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ط هو أقصى ما قدر لكم بشرط الايمان والطاعة مسئله اعلم ان القضاء على نوعين قضاء مبرم ومعلق فالمعلق ما كتب فى اللوح المحفوظ ان فلانا ان أطاع الله تعالى عوفى الى مدة كذا مثلا وان عصى الله يرسل عليه الطوفان مثلا او غير ذلك وهذا النوع من القضاء يجوز تبديله بفقدان الشرط وهو معنى قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وعن سلمان الفارسي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرد القضاء الا الدعاء ولا يزيد فى العمر الا البر رواه الترمذي والمبرم وهو المراد بقوله تعالى لا تبديل لكلمات الله إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ اى الاجل الذي قدره الله تعالى إِذا جاءَ على الوجه المقدر به لا يُؤَخَّرُ فاما المبرم فلا يوخر قط اما المعلق فلا يوخران جاء على ما علق به فبادروا بالطاعات فى اوقات الامهال والتأخير قبل الاجل المبرم ولا ترتكبوا المعاصي الموجبة للتعذيب المفضية الى الاجل المعلق فان قيل مذهب اهل السنة ان الاجل واحد لا يزيد ولا ينقص حتى قالوا المقتول ميت بأجله وما ورد فى الحديث لا يزيد فى العمر الا البر تأويله عندهم ان البر يزيد بركات العمر بكثرة الثواب وما ذكرت يشبه مذهب المعتزلة قلنا ليس كذلك بل المعتزلة ينكرون القدر ويجعلون القاتلون خالقا لموت المقتول ما ذكرت هو مذهب اهل السنة فان معنى قولهم الاجل واحد لا يزيد ولا ينقص هو الاجل الثابت بالقضاء المبرم لا تبديل فيه لا يستقدمون ساعة ولا يستاخرون والمقتول ميت بأجله المبرم وان كان التعليق فى اللوح المحفوظ انه ان قتله فلان مات والا لم يمت لكنه المبرم فى القضاء انه يقتله فلان البتة وانه يموت فى ذلك الوقت بقتله البتة ولا يوجد شرط بقاءه بعد ذلك الوقت البتة فح لا حاجة الى تاويل الحديث عن ابى حزامة عن أبيه قال قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارايت رقى نسترقيها ودواء نتداوى بها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا قال هى من قدر الله رواه احمد والترمذي وابن ماجة يعنى ان الله تعالى قدر انه يتداوى فيحصل له الشفاء بالدواء لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعنى لو كنتم من اهل العلم

[سورة نوح (71) : آية 5]

والنظر لمصلحتهم وفيه انهم لانهماكهم فى الشهوات كانهم كانوا شاكين فى الموت قال ابن عباس بعث نوح وهو ابن أربعين وعاش بعد الطوفان ستين سنة وقال مقاتل بعث وهو ابن مائة سنة وقيل ابن خمسين سنة وقيل مائتين وخمسين سنة وكان عمره الفا واربعمائة وخمسين سنة ولا شك فى انه لبث يدعوا قومه الف سنة الا خمسين عاما وروى الضحاك عن ابن عباس ان قوم نوح كانوا يضربون نوحا حتى يسقط فيلقونه فى لبد ويلقونه فى بيت انه قد مات فيخرج فى اليوم الثاني ويدعوهم الى الله سبحانه وتعالى وحكى محمد بن اسحق عن عبيد بن عمر الليثي انه بلغه انهم كانوا يبطشون بنوح عليه السلام فيخنقونه حتى تغشى عليه فاذا أفاق قال رب اغفر لقومى فانهم لا يعلمون حتى إذا عادوا فى المعصية واشتد عليه منهم البلاء انتظر النجل فلا يأتي قرن الا كان أخبث من الذين قبلهم حتى كان الآخرون منهم ليقولن قد كان هذا مع ابائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا فح شكى الى الله عز وجل و. قالَ وفى الكلام حذف اختصارا تقديره قال نوح كذا فكذبوه فلم يزل نوح على دعوتهم والقوم على إنكاره حتى قال نوح رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً اى دائما. فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي قرأ الكوفيون دعائى بإسكان الياء والباقون بالفتح إِلَّا فِراراً عن الايمان والطاعة واسناد الزيادة الى الدعاء على السببية كقوله تعالى فزادتهم ايمانا زادتهم رجسا. وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ الى الايمان لِتَغْفِرَ لَهُمْ بسبب الايمان جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة- وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ يغطوا بها لئلا يروه وَأَصَرُّوا على الكفر والمعاصي وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً عظيما. ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً منصوب على المصدرية لانه أحد نوعى الدعاء او صفة مصدر محذوف اى دعاء جهارا اى مجاهرا به او عن الحال بمعنى مجاهرا ثُمَّ إِنِّي قرأ الكوفيون وابن عامر بإسكان الياء والباقون بالفتح. أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً وكلمة ثم لتفاوت الوجوه فان الجهار اغلظ من الاسرار والجمع بينهما اغلظ من الافراد والتراخي بعضها عن بعض. فَقُلْتُ بيان لقوله دعوتهم وقال البغوي ان قوم نوح لما كذبوه زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر وأعقم

[سورة نوح (71) : آية 11]

أرحام نسائهم أربعين سنة فهلكت أولادهم وأموالهم ومواشيهم فحينئذ قال لهم نوح عليه السلام- اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ط بالتوبة عن الكفر والندم عن المعاصي وتركها فيما يستقبل إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً للتائبين تعليل لقوله استغفروا. يُرْسِلِ السَّماءَ اى المطر تسمية الحال باسم المحل عَلَيْكُمْ مِدْراراً حال من السماء اى كثير دره ويستوى فى هذا البيان المذكر والمؤنث ويرسل مع ما عطف عليه مجزوم فى جواب الأمر بالاستغفار فدل على ان الاستغفار سبب للمطر وغير ذلك من النعم الدنيوية ودفع البلاء اما عموما او فى مادة مخصوصة حيث كان نزول البلاء نقمة الشوم المعاصي كما كان فى قوم نوح عليه السلام وكما يدل عليه قوله تعالى ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ اما إذا كان ذلك نعمة لرفع الدرجات فلا كما كان بايوب عليه السلام وغيره من الأنبياء وعن سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان فى دينه صلبا اشتده بلائه وان كان فى دينه رقة ابتلى حسب دينه فما يبرح البلاء بالعهد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة رواه احمد والبخاري والترمذي وابن ماجه ورواه البخاري فى التاريخ عن بعض ازواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ أشد الناس بلاء فى الدنيا نبى او صفى- روى الحاكم فى المستدرك وابن ماجه وعبد الرزاق عن ابى سعيد نحوه وفيه ولاحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء ويمكن ان يقال قحط المطر بلاء عام لا يتصور الا بشوم المعاصي من العوام فالاستغفار سبب للمطر عموما ومن ثم شرع الاستغفار فى الاستسقاء روى مطرف عن الشعبي ان عمر خرج يستسقى بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فقيل له سمعناك استسقيت فقال طلبت الغيث بمجارى السماء الذي يستنزل بها القطر ثم قرأ استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ قال عطاء يكثر أموالكم وأولادكم وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ بساتين وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً ط يعنى كما كانت قبل تكذيب نوح عليه السلام-. ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً ج ما استفهامية مبتداء ولكم خبره وجملة لا ترجون حال من ضمير المخاطب والعامل معنى الفعل اى ما تصنعون لا ترجون ولله حال من وقارا قدم على ذى الحال لنكارته والوقار بمعنى العظمة اسم من التوقير بمعنى التعظيم

[سورة نوح (71) : آية 14]

قال ابن عباس ومجاهد رض لا ترون لله عظمة فى الرجاء بمعنى الاعتقاد عير عن الاعتقاد بالرجاء الذي يتبع ادنى الظن مبالغة وقال الكلبي معناه لا تخافون لله عظمة فالرجاء على هذا بمعنى الخوف وقال الحسن لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة وقال ابن كيسان ما لكم لا ترجون فى عبادة ان يثيبكم على توقيركم إياه جزاء ويحتمل ان يكون المعنى ما لكم لا ترجون فى عبادة الله تعظيمه إياكم ولله بيان للموقر. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً اى تارات حالا بعد حال حلقكم عناصر ثم مركبات اغذية للانسان ثم اخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم انشأكم خلقا اخر اى خلقا إنسانا بنفخ الروح فتبارك الله احسن الخالقين- ثم يميتكم ويقبركم ثم يعيدكم احياء تارة اخرى فيعظم المطيع منكم بالثواب ويعاقب العاصي والجملة حال من فاعل ترجون او من الله ثم اتبع ذكر آيات فى الأنفس بايات فى الآفاق فقال. أَلَمْ تَرَوْا مجاز عن التعجيب كَيْفَ استفهام للاستعظام حال عن الفاعل او المفعول من الجملة التالية قدم لاقتضاء صدر الكلام خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً بعضهن فوق بعض وبين كل من السافل وو العالي مسيرة خمسمائة سنة كما دل عليه الأحاديث وذكر فيما قبل. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً اى فى بعضهن وهى السماء الدنيا كما يقال نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دور بنى النجار قال البغوي قال عبد الله بن عمرو ان الشمس والقمر وجوههما الى السموات وضوء الشمس والقمر فيهن يعنى كليهن واشعتهما الى الأرض ويروى هذا عن ابن عباس وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً مثلها به لانها تزيل الظلمة عما تقابله كما يريلها السراج عما حوله وانما مثل الشمس بالسراج مع كون السراج ادنى منها ضياء لظهور امر السراج فى أذهان السامعين وفقد ما يمثل به غيره ولعله فى قوله تعالى جعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا اشعار بان نور القمر مستفاد من الشمس فان النور انما يستفاد من السراج. وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ كرر اسم الله تعالى ولم يكتف بالضمير التذاذا باسم المحبوب واظهار المقصودة اى انشأكم فاستعير الإنبات للانشاء لانه ادل على الحدوث مِنَ الْأَرْضِ بان خلق أباكم آدم منها او بانه خلقكم من النطف والنطف من الغذاء المنبت من الأرض نَباتاً مصدر من غير ما به نحو تبتل اليه وقيل اسم جعل موضع المصدر او هو مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره والله

[سورة نوح (71) : آية 18]

أنبتكم فنبتم نباتا فاقتصر اكتفاء بالدلالة الالتزامية. ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها مقبورين بعد الموت وَيُخْرِجُكُمْ بالحشر إِخْراجاً أكده بالمصدر كما أكد به الاول للدلالة على تحقيق البعث كالبدأ. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً تنقلبون عليها. لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً ع واسعة جمع فج ومن لتضمن الفعل معنى الاتخاذ. قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي فيما امرتهم وهذه الجملة بمنزلة التأكيد لما سبق من قوله تعالى قال رب انى دعوت قومى ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائى الا فرارا إلخ قال مال الجملتين واحد إذ الفرار عن الدعاء وسد المسامع وتغطية الابصار هو عين العصيان او من موجباته ولذا لم يذكر العاطف بين قال وقال وانما كرر القول بالعصيان مع ذكره فيما سبق لان سوق الكلام الاول لبيان ادائه فريضة التبليغ على ابلغ الوجوه وسوق هذا الكلام ليكون تمهيدا للدعاء عليهم وَاتَّبَعُوا اى السفلة منهم مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً اى رؤسائهم البطرين باموالهم المغترين باولادهم بحيث صار ذلك سببا لزيادة خسارهم فى الاخرة قرأ نافع وعاصم وابن عامر ولده بفتح الواو واللام والباقون بضم الواو وسكون اللام على انه لغة كالحزن او جمع كالاسد. وَمَكَرُوا عطف على من لم يزده والضمير لمن وجمعه للمعنى او على اتبعوا مَكْراً كُبَّاراً ج هو أشد مبالغة فى الكبر من الكبار بلا تشديد وهو من الكبير يعنى مكروا مكرا كبيرا فى غاية الكبر وذلك احتيالهم فى الدين والمكر من الرؤساء تحريش الناس على أذى نوح والكفر بالله ومن السفلة القيام على انواع إيذائه. وَقالُوا اى قال بعضهم لبعض عطف على مكروا على الوجهين لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ اى عبادتها وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا قرأ نافع ودا بضم الواو والباقون بفتحها وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ج تخصيص بعد التعميم لزيادة الاهتمام قال البغوي قال محمد بن كعب هذه اسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان لهم اتباع يقتدون بهم ويأخذون بعدهم ماخذهم فى العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم لو صورتم صورهم كان انشط لكم وأشوق الى العبادة ففعلوه ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس ان الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم فابتدأ عبادة الأوثان كان من ذلك وسميت تلك الصور بهذه الأسماء وقال عطاء

[سورة نوح (71) : آية 24]

عن ابن عباس رض صارت الأوثان التي كانت تعبد فى قوم نوح فى العرب بعده اما ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل واما سواع فكانت لهذيل واما يغوث فكانت لمرو ثم لبنى غطيف بالجرف عند سبأ واما يعوق فكانت لهمدان واما نسر فكانت لحمير لال ذى الكلاع فهذه اسماء رجال صالحين من اسلام قوم نوح فلما هلكوا اوحى الشيطان الى قومهم ان انصبوا الى مجالسهم التي كانوا يجلسون انصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك عبدت وروى عن ابن عباس رض ان تلك الأوثان رفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل مدمونة حتى أخرجها الشيطان لمشركى مكة. وَقَدْ أَضَلُّوا اى الأوثان او رؤساء قوم نوح كَثِيراً ج من الناس والاسناد الى الأوثان مجاز كما فى قوله تعالى رب انهن اضللن كثيرا من الناس حيث أضلهم الشيطان بسببها والجملة اما حال من فاعل قالوا او من مفعول لا تذرن واما معترضة وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ اى الكافرين إِلَّا ضَلالًا اى هلاكا وضياعا كقوله تعالى إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ او المراد بالضلال عدم اهتدائهم الى ما أرادوا بمكرهم او الى مصالح دنياهم والجملة معطوفة على مقولة قال رب انهم عصونى يعنى قال نوح هذا القول فهو فى المعنى من قبيل عطف المفرد على المفرد لا عطف الإنشاء على الخبر. مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ على قراءة الجمهور وقرأ ابو عمر وخطاياهم ما مزيده للتاكيد والتفخيم ومن للسببية متعلق باغرقوا اى من أجل خطاياهم أُغْرِقُوا بالطوفان فَأُدْخِلُوا ناراً فى عالم البرزخ المسمى بالقبر فانه روضة من رياض الجنة او حفرة من حفرات النيران فهذه الاية دليل على اثبات عذاب القبر لان الفاء للتعقيب وصيغة ادخلوا للمضى خلافا للمعتزلة وغيرهم من اهل الهواء قالوا فى تاويل هذه الاية انه أورد بفاء التعقيب لعدم اعتداد لما بين الإغراق والإدخال او لان المسبب كالمتعقب للسبب وصيغة الماضي لان المتيقن كالواقع قلنا الأصل فى الكلام الحقيقة وهذه التأويلات حمل على المجاز فلا يجوز بلا دليل كيف وقد دلت من الأحاديث ما لا يحصى على عذاب القبر وانعقد عليه اجماع السلف عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه انه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقول ما كنت تقول فى هذا الرجل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فاما المؤمن فيقول اشهد

[سورة نوح (71) : آية 26]

انه عبد الله ورسوله فيقال له انظر الى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيريهما جميعا واما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين متفق عليه وعن عائشة قالت ما رايت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلوة الا تعوذ بالله من عذاب القبر متفق عليه وعن عثمان انه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة فلا تبكى وتبكى من هذا فقال ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان القبر أول منزلة من منازل الاخرة فان نجا منه فما بعده أيسر منه وان لم ينج منه فما بعده أشد منه قال وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رايت نظرا قط الا والقبر اقطع منه رواه الترمذي ابن ماجة وعن ابى سعيد قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلط على الكافر فى قبره تسعة وتسعين تنينا تنهسه وتلدغه حتى تقوم الساعة ولو ان تنينا منها نفخ فى الأرض ما أنبتت خضراء رواه الدارمي وروى الترمذي نحوه وقال سبعون بدل تسعة وتسعون وتنكير نارا للتعظيم او لان المراد نوع من النيران غير نار جهنم وجملة اغرقوا مع ما عطف عليه استيناف كانه فى جواب ما فعل لهم إذا شتكى نوح الى الله عصيانهم فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً اى لا يجد أحد منهم أحدا ينصرهم فان مقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد وأحد نكرة فى حيز النفي يعم والجملة تعريض لهم باتخاذ الهة من دون الله لا يقدر على نصرهم. وَقالَ نُوحٌ عطف على قال نوح رب انهم عصونى رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ اى ارض قومه واللام للعهد مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً أحدا يسكن دارا وهو نكرة فى حيز النفي فيعم فيقال أصله ديوار ادغم الياء بالواو بعد قلبه ياء على طريقة سيد لافعال والا فكان دوارا. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ تعليل للدعاء عليهم يُضِلُّوا اى يريدوا إضلال عِبادَكَ المؤمنين وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً قال محمد بن كعب ومقاتل والربيع انما قال نوح هذا الدعاء على قومه حين اخرج كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم ويئس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة وقيل تسعين سنة فاخبر الله نوحا ان هم لا يومنون ولا يلدون مؤمنا ولم يكن فيهم صبى وقت العذاب لان الله تعالى قال وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم ولا يوجد التكذيب من الأطفال وبهذا يستدل على ان الطوفان لم يستغرق الأرض كلها بل قومه فقط كيلا يلزم التعذيب من غير تكذيب. رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ كان اسم أبيه ملك بن منو شلخ واسم امه سمجار بنت أنوش وكانا مؤمنين وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ قرأ بفتح الياء حفص وهشام والباقون بالإسكان اى منزلى وقال الضحاك مسجدى وقيل سفينتى مُؤْمِناً قيل خرج بهذا إبليس فانه كان دخل فى سفينة وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ط الى يوم القيامة وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ اى الكافرين إِلَّا تَباراً ع اى هلاكا واستجاب الله تعالى دعاءه.

سورة الجن

سورة الجن مكيّة وهى ثمان وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ النفر من الثلاثة الى العشرة فقيل كانوا تسعة من جن نصيبين وقيل كانوا سبعة والجن أجسام ذات أرواح كالحيوان عاقلة كالانسان خفية عن أعين الناس ولذا سميت جنا خلقت من النار كما خلق آدم من طين قال الله تعالى والجان خلقناه من قبل من نار السموم تتصف بالذكورة والأنوثة وتتوالد والظاهر ان الشياطين قسم منهم بخلاف الملائكة فانهم لا يتصفون بالذكورة ولا بالانوثة ووجود الجن والشياطين والملائكة ثابت بالشرع وأنكره الفلاسفة وليست العقول العشرة التي اخترعها الفلاسفة من الملائكة من شى حيث يزعمونها مجردات بخلاف الملائكة فانها أجسام ذات أرواح والله تعالى اعلم وسوق هذا الكلام يقتضى ان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير الجن وانما اتفق حضورهم فى بعض اوقات قراءته فاستمعوها فقص الله ذلك على رسوله فيما اوحى اليه اخرج الشيخان والترمذي وغيرهم عن ابن عباس رض قال ما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجن ولا رايهم ولكنه انطلق مع طائفة من أصحابه عامدين الى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فقالوا ما هذا الا بشى قد حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا هذا الذي حدث فانطلقوا فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامه لى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بنخلة يصلى بأصحابه صلوة الفجر فلما سمعوا القران استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك رجعوا الى قومهم فقالوا يا قومنا انا سمعنا قرانا عجبا إلخ فانزل الله تعالى على نبيه قل اوحى الى قول الجن وقال اكثر المفسرين لما مات ابو طالب خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده الى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه فروى محمد بن اسحق عن يزيد بن زياد عن محمد للقرظى انه قال لما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى الطائف عمد الى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادت ثقيف واشرافهم وهم اخوة ثلثة عبد يا ليل ومسعود وحبيب بنو عمير وعند أحدهم امرأة من قريش

من بنى جمح فجلس إليهم فدعاهم الى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة ان كان أرسلك الله وقال الاخر اما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله ما أكلمك ابدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول لانت أعظم خطرا من ان أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله فلا ينبغى لى ان أكلمك فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد يئس من خير ثقيف وقال لهم إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عنّى وكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان يبلغ قومه فيزيد ذلك فى تجرئهم عليه فلم يفعلوا واغروا به سفهائهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس والجره الى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما فيه فرجع عنه سفهاء ثقيف ومن كان تبعه فعمد الى ظل جنة من عتب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران اليه ويريان ما لقى من سفهاء ثقيف وقد لقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك المرأة من بنى جمح فقال لها ماذا لقينا من احمانك فلما اطمئن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال اللهم انى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهو انى على الناس وأنت ارحم الراحمين وأنت رب المستضعفين فانت ربى الى من تكلنى الى بعيد يتجّهمنى الى او الى عدو ملكته امرى ان لم يكن بك على غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هى أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا والاخرة من ان تنزل بي غضبك او يحل علىّ سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة الا بك فلما رأه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب وضعه فى ذلك الطبق ثم اذهب به الى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ففعل عداس ثم اقبل به حتى وضعه بين يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما وضع ومد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده قال باسم الله ثم أكل فنظر عداس الى وجهه فقال والله ان هذا الكلام ما يقول اهل هذه البلدة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اى البلاد أنت يا عداس وما دينك قال انا نصرانى وانا رجل من اهل نينوى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال وما يدريك يونس بن متى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أخي كان نبيا وانا نبى فاكب عداس على رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم فقبل راسه ويديه وقدميه قال فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه اما غلامك فقد أفسده عليك فلما جائهما عداس قالا له ويلك يا عداس ما لك تقبل راس هذا الرجل ويديه وقدميه قال يا سيدى ما على الأرض خير من

هذا الرجل فقد أخبرني بامر ما يعلمه الا نبى فقال ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فان دينك خير من دينه ثم ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من الطائف راجعا الى مكة حين يئس من خبر ثقيف حتى إذا قام بنخلة قام من جوف الليل يصلى فمر به نفر من جن نصيبين اليمن فاستمعوا له فلما فرغ من صلوته ولوا الى قومهم منذرين قد أمنوا وأجابوا لما سمعو فقص الله سبحانه تعالى خبرهم عليه واخرج ابن الجوزي فى كتاب الصفوة بسنده عن سهل بن عبد الله قال كنت فى ناحية وزاعا وإذا رايت مدينة من حجر منقور فى وسطها قصر من حجارة تأويه الجن فدخلت فاذا شيخ عظيم الخلق يصلى الى الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبى من طرارة جبته فسلمت عليه فرد على السلام وقال يا سهل ان الأبدان لا يخلق الثياب وانما يخلقها روايح الذنوب ومطاعم السحت وان هذه الجبة على منذ سبع مائة سنة لقيت بها عيسى ومحمدا عليهما السلام فامنت بهما فقلت له ومن أنت قال من الذين نزلت فيهم قل اوحى الى نفر من الجن وقال جماعه بل امر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان ينذر الجن ويدعوهم الى الله يقرأ عليهم القران فصرفوا اليه نفر من الجن من نينوى وجمعهم له فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انى أمرت ان اقرأ على الجن الليلة فايكم يتبعنى فاطرقوا ثم استتبعهم فاتبعه عبد الله بن مسعود رض قال عبد الله ولم يحضر معنا غيرى فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة دخل بنى الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وأصحابه وسلم شعبا يقال له شعب الحجون وخط الى خطا ثم أمرني ان اجلس فيه وقال لا يخرج منه حتى أعود إليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القران فجعلت ارى مثل النسور تهوى وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبى الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم وغشيته اسودة كثيرة حالت بينى وبينه حتى ما اسمع صوته ثم طفقوا ينقطعون مثل قطع السحاب الذاهبين ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر فانطلق الى فقال أنمت قلت لا والله يا رسول الله ولقد هممت مرارا ان استغيث بالناس حتى سمعتك تقرع بعصاك تقول اجلسوا قال لو خرجت لم أمن عليك ان يتخطفك بعضهم ثم قال رأيت شيئا قلت نعم رأيت رجلا اسود مشتفرى ثياب بيض قال أولئك جن نصيبين سألونى المتاع والمتاع الزاد فمنعتهم لكل عظم عايل وروث وبعرة فقال يا رسول الله يقذرها الناس فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يستنجى بالعظم والروث قال فقلت يا رسول الله وما يغنى ذلك عنهم قال انهم لا يجدون عظما الا وجدوا عليه لحمه يوم يوكل ولا روثة الا وجدوا فيها حبها يوم

[سورة الجن (72) : آية 2]

أكلت فقلت يا رسول الله سمعت لغطا شديدا فقال ان الجن تدارت فى قتيل قتل منهم فتحاكموا الى فقضيت بينهم بالحق قال ثم تبرز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أتاني فقال هل معك ماء قلت يا رسول الله معى اداوة فيها بشئ من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يديه فتوضأ فقال تمرة طيبة وماء طهور وروى مسلم عن على بن محمد حدثنا اسمعيل بن ابراهيم عن داود عن عامر قال سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وأصحابه وسلم ليلة الجن قال فقال علقمة انا سألت ابن مسعود عنه فقلت هل شهد أحد منكم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة تفقدناه فالتمسناه فى الاودية والشعاب فقلنا استطير أو اغتيل قال بشر ليلة بات بها قوم فقال أتاني داعى الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القران قال فأنطلق بنا فارانا اثارهم واثار نيرانهم قال الشعبي وسألوه الزاد وكانوا من جن جزيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع فى ايديكم او ما يكون فيه لحم وذلك بعرة علف دوابكم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تستنجوا بهما فانهما طعام إخوانكم من الجن وروى عن ابن مسعود انه رأى قوما من الزط فقال هؤلاء أشبه ما رايت من الجن ليلة الجن قلت والظاهر عندى ان استماع الجن القران من النبي - صلى الله عليه وسلم - عامدا الى سوق عكاظ وقافلا من الطائف كان اولا وهو المحكي عنه بقوله تعالى قل اوحى الى واما ليلة الجن التي رواها ابن مسعود فكانت بعد ذلك قال البغوي فى تفسير سورة الأحقاف انه قال ابن عباس فاستجاب لهم اى تفر من الجن بعد ما استمعوا القران من النبي - صلى الله عليه وسلم - بنخلة ورجعوا الى قومهم منذرين من قومهم سبعين رجلا من الجن فرجعوا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوافقوه فى البطحاء فقرأ عليهم القران وأمرهم ونهاهم وذكر الخفاجي انه قد دلت الأحاديث على ان وفادة الجن كانت ستة مرات وهذا يدل على انه صلى الله عليه واله وسلم كان مبعوثا الى الجن والانس جميعا وقال مقاتل لم يبعث قبله نبى الى الانس والجن والله تعالى اعلم فَقالُوا هؤلاء النفر من الجن حين رجعوا الى قومهم إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً بديعا مباينا لكلام المخلوق مصدر وصف به للمبالغة. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ الى الحق والصواب من التوحيد والإحسان الذي يقتضيه العقل والبرهان صفة اخرى للقران فَآمَنَّا بِهِ ط اى بالقران وَلَنْ نُشْرِكَ فى العبادة بِرَبِّنا أَحَداً من خلقه حيث نهى الله سبحانه عنه. وَأَنَّهُ الضمير عائد الى ربنا او للشان

[سورة الجن (72) : آية 4]

قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو وشعبة بكسر الهمزة عطفا على مقولة قالوا يعنى انا سمعنا وهكذا فى أحد عشر موضعا غيره الى قوله وانا منا المسلمون وهذا ظاهر غير ان فى قوله تعالى وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن الاية التفات من المتكلم الى الغيبة وفى قوله تعالى وانهم ظنوا كما ظننتم التفات من الغيبة الى الخطاب وقرأ ابو جعفر وانه وانهم فى ثلثة مواضع بالفتح على انه استمع نفر بمعنى لوحى الى انه تعالى جد ربنا واوحى الى انه كان واوحى الى انهم ظنوا وفى تسعة مواضع الباقية بالكسر لما ذكرنا وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بفتح الهمزة فى المواضع كلها قال المفسرون فى توجيه هذه القراءات انه معطوف على انه استمع يعنى اوحى الى انه تعالى جد ربنا وهذا لا يستقيم الا الى الثلاثة الذي قرأها ابو جعفر بالفتح دون البواقي وقيل انه معطوف على حمل الجار والمجرور فى أمنا به يعنى صدقنا انه تعالى جد ربنا وهذا ايضا لا يستقيم الا فى بعض المواضع كما هو الظاهر ولولا هذه القراءة فى المتواترات لما احتجنا الى تكلفات فى توجيهها لكنها من المتواترات فوجب ارتكاب التكلفات والله تعالى اعلم تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجملة خبر لان والعائد وضع المظهر موضع المضمر على تقدير كون الضمير عائدا الى تقديره انه تعالى جده فوضع المظهر موضع الضمير للتصريح على الربوبية فان الربوبية تقتضى ان يكون عظمته وشانه أعلى وارفع عن شان المربوبين ومعنى جد ربنا جلاله وعظمته كذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة ومنه قول انس كان الرجل إذا قرأ بقرة وال عمران- جد فينا اى عظم قدره وقال السدى جد ربنا امر ربنا وقال الحسن غنا ربنا وقال ابن عباس قدرة ربنا وقال الضحاك فعله وقال القرطبي آلاؤه ونعمائه على خلقه وقال الأخفش ملك ربنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً خبر بعد خبر لان كانه تأكيد وبيان للجزاء الاول يعنى تعالى جلاله عن اتخاذ الصاحبة والولد كما هو شان المربوبين كانهم سمعوا من القرآن ما ينههم على خطاء ما اعتقدوه من الشرك فى العبادة ونسبة الصاحبة والولد اليه تعالى. وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا جاهلنا قال قتادة ومجاهد هو إبليس وقيل المراد به مردة الجن عَلَى اللَّهِ شَطَطاً اى قولا ذا شطط وهو ابعد اى قولا بعيدا عن شانه والجور فى الحكم او التجاوز عن الحد فى القاموس شط عليه فى حكم جار فى سلعته جاوز القدر والحد وتباعد عن الحق اى كان يقول على الله تعالى ويحكم بالجور والتباعد عن الحق وهو نسبة الصاحبة والولد اليه تعالى. وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ

الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً اعتذار عن اتباع بعضهم السفيه فى ذلك بظنهم انه لا يكذب على الله أحد وكذبا منصوب على المصدرية لانه نوع من القول او على المفعولية على انه مقولة تقول او على انه وصف لمحذوف اى قولا مكذوبا وقرأ ابو جعفر تقول بفتح الواو والتشديد وعلى هذا مصدر البتة لان التقول لا يكون الا كذبا وان بعد الظن مصدرية او مخففة ومعنى الآيتين على تقدير فتح همزة ان وكونها معطوفة على به فى أمنا به- انه تيقنا انه كان قول سفيهنا بعيدا عن الحق حوازا فى الحكم وان زعمنا بعدم كذب الجن كان باطلا فان قيل كان الجن قبل مبعث النبي صلى الله عليه واله وسلم يقعدون من السماء مقاعد السمع فيستمعون كلام الملائكة من التسبيح وغير ذلك فما الوجه فى اتباعهم سفيههم وظنهم انهم لا يقولون كذبا وعدم ايمانهم مع استماعهم كلام الملائكة كثيرا وايمانهم لما سمعوا القران من النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة واحدة قلت الايمان امر وهبى لا يتصور وجوده فهذه تلقى الهداية من الله الهادي على الإطلاق وذلك التلقي لا يكون الا بواسطة يأخذ الفيض من الله تعالى لمناسبة المعنوية به تعالى بعلو استعداده ويفيض على العالمين لمناسبة بهم صورية وذلك الواسطة هى من الأنبياء عليهم السلام فان لهم مع الله مناسبة معنوية لاجل كون مبادى تعيناتهم ومربياتهم الصفات العاليات ولهم على قدر كمالهم فى مراتب النزول مناسبة صورية بالاسفلين واما الملاء الا على من الملائكة فلهم مناسبة مع الله كهيئة الأنبياء ولا مناسبة لهم بالاسفلين لكونهم متصاعدين مراتب غير محصلين كمالات النزول وكذلك لم يتاثر الجن منهم هداية ولا إيمانا وان سمعوا منهم كلمات الهداية وتأثروا من سفهاء الجن والشياطين لكمال المناسبة وكذا لم يتاثر من المكلفين من نوح عليه السلام وغيره من الأنبياء الذين لم يبلغوا فى مراتب النزول غاية وتأثروا من سيد الأنبياء فانه كان هاديا لكمالات الفروع والأصول محدد الدرجات العروج والنزول لاجل ذلك بعثه الله تعالى الى الناس كافة بل الى الجن والانس عامة فاستنار بنور هدايته العالمين واستضاء بضوع إرشاده جماهير المكلفين الا من ختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله حيث لم يخلق فيه استعداد قبول الحق والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم وهذا معنى قول الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح لما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمدا كان من القران صلى الله عليه وعلى اله وسلم وعلى جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين وبارك وسلم.

[سورة الجن (72) : آية 6]

وَأَنَّهُ الضمير الشان كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم وابن ابى الشيخ عن كروم بن السائب الأنصاري قال خرجت مع ابى المدينة فى حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاوانا المبيت الى راعى غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فاخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال يا عامر الوادي جارك فنادى منادى لا نراه يا سرحان أرسله فاتى الحمل يشتد حتى دخل فى الغنم ولم تصبه كدمته فانزل الله تعالى على رسوله بمكة وانه كان رجال من الانس الاية واخرج ابن سعد عن ابى رجاء العطاردي قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رعيت على أهلي وكفيت فبهتهم فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم خرجنا هرابا فاتينا على قلاة من الأرض وكنا إذا أمسينا بمثلها قال شيخنا انا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة فقال ذلك فقيل لنا انما السبيل لهذا الرجل شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله من أقربها أمن على دمه وماله فرجعنا فى الإسلام قال ابو رجاء انى لارى هذه الاية نزلت فى وفى أصحابي وانه كان رجال من الانس الاية واخرج الجزائفى فى كتاب هو هواتف الجن بسنده عن سعيد بن جبير ان رجلا من بنى تميم يقال له رافع بن عمير يحدث عن بدأ إسلامه قال اتى لاسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبنى النوم فنزلت على راحلتى وأنختها ونمت وقد تعوذت قبل نومى فقلت أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن فرأيت فى منامى رجلا بيده حربة يريدان يضعها فى نحر ناقتى فانتبهت فزعا فنظرت يمينا وشمالا فلم ار شيأ فقلت هذا حلمهم ثم عدت فغفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فدرت حول ناقتى فلم ار شيأ فاذا ناقتى ترعد ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فرايت ناقتى تضطرب والتفت فاذا انا برجل شاب كالذى رايته فى المنام بيده حربة ورجل شيخ ممسك بيده يرد عنها فبينما هما يتنازعان إذا طلعت ثلثة أثوار من الوحش فقال الشيخ للفتى قم فخذايها شئت فداء ناقة جا الانسى فقام الفتى فاخذ منها ثورا عظيما وانصرف ثم التفت الى الشيخ فقال يا هذا إذا نزلت واديا من الاودية فخفت هو له فقل أعوذ بالله رب محمد من هول هذا الوادي وو لا تعد بأحد من الجن فقد بطل أمرها قال فقلت له من محمد هذا قال نبى عربى لا شرقى ولا غربى بعث يوم الاثنين قلت فاين مسكنه قال يثرب ذات النخل فركبت راحلتى حين برق الصبح وجددت السير حتى أتيت المدينة فراتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثنى بحديثي قبل ان اذكر له شيئا ودعانى الى الإسلام فاسلمت قال سعيد بن جبير وكنا نرى انه هو الذي انزل الله فيه وانه كان رجال

[سورة الجن (72) : آية 7]

من الانس يعوذون برجال من الجن فَزادُوهُمْ اى زاد الانس الجن باستعاذتهم بقادتهم رَهَقاً قال ابن عباس اثما وقال المجاهد طغيانا وقال مقاتل غيا وقال الحسن شرا وقال ابراهيم عظمة وذلك ان الجن كانوا يقولون سدنا الجن والانس او المعنى فزاد الجن الانس غيابان أضلوهم حتى استعاذوا بهم والرهق غشيان الشيء والمراد هاهنا غشيان المحارم والإثم وفى هذه الجملة ايضا اعتراف بسوء عقيدتهم فيما قيل. وَأَنَّهُمْ اى الانس ظَنُّوا ظنا كَما ظَنَنْتُمْ يا معشر الجن أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً بعد موته ان لن يبعث قائم مقام المفعولين يعنى نزل القران أمنوا بالغيب بعد فساد ظنهم فانتم ايضا ايها الجن أمنوا بالبعث كايمانهم قال ذلك بعضهم لبعض هذا على قراءة كسر ان واما على تقدير فتحها فهذه الجملة وما قبلها اعنى كان رجال إلخ معترضات من كلام الله تعالى معطوفتان على انه استمع يعنى اوحى الى هذين الامرين وتاويل الاية على هذا التقدير انهم اى الجن ظنوا كما ظننتم ايها الكفار من قريش مكة عدم البعث فلما نزل القران واستمع الجن أمنوا بالبعث فعليكم ايها الكفار ان تؤمنوا كما أمنوا. وَأَنَّا لَمَسْنَا أردنا المس السَّماءَ بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم والظاهر ان المراد بالسماء السحاب فان السماء يطلق على ما هو فوقك ويدل على هذا التأويل حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الملائكة تنزل فى العنان وهو السحاب فتذكر لامر الذي قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتتوجه الى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري فان قيل قد وقع فى بعض الاخبار بلفظ يدل على حقيقة السماء عن ابى هريرة رض ان النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم قال إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها فضعانا لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فرغ عن قولهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الذي قال الحق وهو العلى الكبير فسمعها مسترقوا السمع هكذا بعضه فوق بعض ووضع سفيان بكفه ليستمع الكلمة فيلقها الى من تحته ثم يلقها الاخر الى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل ان يلقيها وربما ألقيها قبل ان يدركه فيكذب معه مائة كذبة الحديث رواه البخاري وفى حديث ابن عباس ربنا تبارك وتعالى إذا قضى امرا سبح حملة العرش ثم سبح اهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح اهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يحملون العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم

[سورة الجن (72) : آية 9]

ما قال فبستخبر بعض اهل السموات بعضا حتى يبلغ هذا السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون الى أوليائهم ويرمون فما جاؤا به على وجهه فهو حق ولكنهم يغرقون فيه ويزيدون رواه مسلم قلنا ليس فى هذين الحديثين وما فى معناهما ان الجن يخطف من السماء الدنيا ولعل معناه حتى يبلغ الخبر هذا السماء الدنيا ثم اهل السماء الدنيا ينزلون الى العنان فتذكر الأمر الذي قضى فى السماء فيخطف الجن مسترقو السمع وهم بعض فوق بعض الى العنان فحينئذ يدركه الشهاب الثاقب من نجوم السماء والله تعالى اعلم فَوَجَدْناها اى السماء مُلِئَتْ حَرَساً حراسا اسم الجمع كالخدم شَدِيداً قويا من الملائكة الذين يمنعون هم عنها وَشُهُباً جمع شهاب وهو شعلة نار انتشرت من النجوم. وَأَنَّا كُنَّا قبل ذلك نَقْعُدُ مِنْها اى من السماء اى من السحاب حال من مَقاعِدَ خالية عن الحرس والشهب صالحة للترصد والاستماع ظرف لتقعد لِلسَّمْعِ متعلق بنقعد او صفة لمقاعد فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يعنى بعد مبعث النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً اى رصدا له ولاجله يمنعه من الاستماع بالرجم او ذوى شهاب راصدين على انه جمع للراصد فصار هذا معجزة للنبى صلى الله تعالى عليه واله وسلم لاجل الجن أمنوا به. وَأَنَّا لا نَدْرِي يعنى انا كنا لا ندرى قبل ذلك أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ بحراسة أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً فاما الان إذا سمعنا القران ان الذي حال بينكم وبين خبر السماء هو بعث هذا النبي حتى يكون معجزة له يعجزه الكهنة عن إتيان خبر السماء مثله فظهر ان الله سبحانه تعالى انما أراد للعالمين هداية ورشدا ففى هذه الجمل الثلث احتجاج على حقية القران ورسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم والشر والخير وان كانا جميعا بخلقه تعالى وإرادته لكنهم اسندوا ارادة الخير اليه تعالى صريحا وارادة الشر كناية بذكره على صيغة المجهول رعاية الأدب. وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ عنوا بهم الذين كانوا منهم مؤمنين بالتورية وغيره من الكتب السماوية والأنبياء السابقين عليه السلام وَمِنَّا قوم دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ اى ذوى طرائق اى مذاهب او مثل طرائق فى اختلاف الأحوال او كانت طرائق قِدَداً متفرقة مختلفة وهذه الجملة اعنى قولهم كنا طرائق قددا تأكيد لمضمون ما سبق من قولهم انا منا الصالحون إلخ وقددا جمع قدة بمعنى القطعة من الشيء قال الحسن والسدى

[سورة الجن (72) : آية 12]

الجن أمثالكم فمنهم قدرية ومرجية ورافضية وغير ذلك وقولهم فيما بينهم انا منا الصالحون إلخ تمهيد لما سياتى من قولهم انا ظننا ان لن نعجز الله الاية وانا لما سمعنا الهدى الاية يعنى ان الايمان والتصديق ليس امرا مبدعا منا بل كان الجن قبل ذلك طرائق قددا بعضهم كانوا صالحين وبعضهم دون ذلك وانا ان اتبعنا السفيه فى القول فى الشطط لكنا لما سمعنا قرانا ظننا ان لن نعجز الله وسمعنا الهدى وأمنا به كما كان بعض أسلافنا مومنين. وَأَنَّا ظَنَنَّا اى علمنا وتيقنا بتعليم الله تعالى فى القران وهدايته او المعنى كنا نظن ذلك قبل هذا او المعنى كنا نتيقن ذلك بعلمنا ما فى التورية أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ اى لن تفوته ان أراد بنا سوأ وكائنا فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً اى هاربين من الأرض الى السماء ان طلبنا مهربا وهذا على كونه حالا من فاعل نعجز ويحتمل ان يكون مفعولا مطلقا بمعنى تهرب هربا او مفعولا له اى نعجزه للهرب او ظرفا اى نعجزه فى الهرب او تميزا من نسبة الفاعل اى نعجزه هربها. وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى اى القران فانه موجب للهدى آمَنَّا بِهِ فامنوا به أنتم ايضا يا قومنا معاشر الجن فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ شرط والفاء للسببية والجزاء ما بعده فَلا يَخافُ خبر مبتداء محذوف اى فهو لا يخاف بَخْساً نقصا فى الثواب وَلا رَهَقاً اى ولا ان ترهقه وتغشياه ذلة او المعنى لا يخاف جزاء نقص فى الطاعات ولا جزاء له رهوق ظلم اى غشيان ظلم لان من حق الايمان بالقران ان يحبب ذلك. وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ الأبرار وَمِنَّا الْقاسِطُونَ ط اى الجائرون عن الحق يقال اقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار فهو قاسط انما ذكر هذه الجملة مع ذكر مفهون فيما سبق بقوله وانا منا الصالحون ومنا دون ذلك ليكون تمهيد التفصيل حال الفريقين والمقصود هاهنا تفصيل الحال وفيما سبق التفرق فحسب لدفع كون الإسلام امرا مبدعا ويحتمل ان يكون الذين يستمعون القران بعضهم اسلموا وبعضهم لم يسلموا وهذا مقولة المسلمين منهم لما رجعوا الى قومهم فَمَنْ أَسْلَمَ بالله ورسله فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً قصدوا طريقا موصلا الى الفلاح. أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً توقد بهم جهنم كما توقد النار بالحطب وهذه الجمل السبعة من قوله تعالى وانا لمسنا السماء الى قوله وانا منا المسلمون فمن اسلم إلخ لا شك انها من كلام الجن فلا غبار على قراءة انا بالكسر واما على قراءة الفتح فلا بد ارتكاب تكلف

بان يقال انها معطوفة بهاء به فى أمنا به والمعنى أمنا بالقران ويتبعنا بمعجزاته فى الآفاق من ان لمسنا السماء الاية وانا كنا نقعد منها مقاعد الاية وانا لا ندرى ما أراد الله بالشهب حتى سمعناه وبمعجزاته وتأثيراته فى الأنفس وانا كنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ولان تيقنا ان لن نعجز الله وانا لما سمعنا الهدى أمنا به وتيقنا ان المسلمين منا تحروا رشدا واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا والله تعالى اعلم بمراده ولا يتصور عطف هذه الجمل السبعة على انه استمع نفر من الجن كما لا يخفى (مسئلة:) اتفقت الائمة على ان الكفار من الجن يعذبون بالنار كما يدل عليه قوله تعالى واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا واختلفوا فى ثواب المؤمنين منهم فقال قوم ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار وتأولوا قوله تعالى يا قومنا أجيبوا داعى الله وأمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم- قال البغوي واليه ذهب ابو حنيفة وحكى سفيان عن ليث قال الجن ثوابهم ان يجاروا من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا مثل بهائم وعن ابى الزياد قال إذا قضى بين الناس قيل لمومنين الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا وعند ذلك يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا وقيل مذهب ابى حنيفة فيه التوقف لقوله عليه السلام أبهموا ما أبهم الله- وقد ذكر الله تعالى عذاب الكفار منهم ولم يذكر ثواب المطيعين منهم الا المقر والجوار من النار وقال الآخرون يكون لهم ثواب فى الإحسان كما يكون لهم عذاب فى الاساءة كالانس واليه ذهب مالك وابن ابى ليلى وقال جرير عن الضحاك الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون اخرج ابو الشيخ وذكر النقاش فى تفسيره حديثا انهم يدخلون الجنة فقيل له هل يصيبون من نعمها قال يلههم الله تسبيحه وذكره فيصيبون من لذته ما يصيبون بنو آدم من نعيم الجنة قلت كانه الحق المؤمنين من الجن بالملائكة وقال الطاءة ابن المنذر سألت حمزة بن حبيب هل للجن ثواب قال نعم وقرأ لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان قال فالانسيات للانس والجنيات للجن- أخرجه ابو الشيخ من طريق الضحاك عن ابن عباس رض قال الخلق باركة فخلق فى الجنة كلهم وهم الملائكة وخلق فى النار كلهم وهم الشيطان وخلقان فى الجنة والنار وهم الجن والانس لهم العذاب والثواب واخرج عن ابن وهب انه سئل هل للجن تواب وعقاب قال نعم قال الله تعالى أولئك الذين حق عليهم القول فى امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس انهم كانوا خاسرين ولكل درجات فيما عملوا وقال عمرو بن العزيز ان مومن الجن

[سورة الجن (72) : آية 16]

حول الجنة فى ربض ورحاب وليسوا فيها احتج القائلون بثواب الجن بالعمومات ان الذين أمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ونحو ذلك بالخطابات الواردة فى سورة الرحمن حيث قال الله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فباى آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات فى الخيام فباى آلاء ربكما تكذبن لم يطمئهن انس قبلهم ولا جان فباى آلاء ربكما تكذبان قالت الحنفية فى الجواب ان العمومات محمولة على الانس بدلالة العرف فان اهل العرف لا يفهمون منه الا الانس واما الخطابات فى سورة الرحمن بقوله فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ط توبيخ للجن وللانس على مطلق التكذيب بآلاء الله سبحانه لايما ذكر قبل تلك الاية خاصة كيف وذلك لا يتصور فى مثل قوله تعالى يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فباى آلاء ربكما تكذبان يعرف للجرمون بسيماهم فيوخذ بالنواصي والاقدام فباى آلاء ربّكما تكذبان ونحو ذلك وقد ذكر من الآلاء ما هى مختصة بالانس دون الجن حيث قال وله الجوار المنشأت فى البحر كالاعلام فباى آلاء ربكما تكذبان فيحتمل ان يكون نعيم الجنة مختصة بالانس وخوطب الثقلين بها توبيخا على تكذيب الطائفتين مطلق الآلاء والصحيح عندى ما قاله الجمهور وبه قال ابو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قال من اثبت الثواب فقوله مبنى على دليل وشهادة على الإثبات فيقبل بخلاف قول ابى حنيفة فانه متوقف بناء على عدم بدليل ولا شك ان قول ابن عباس واقوال عمرو بن عبد العزيز ونحوه من ثقات الصحابة والتابعين لها حكم الرفع وقد اخرج البيهقي عن انس رض عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم مرفوعا ان مومنى الجن لهم ثواب وعليهم عقاب فسالنا عن ثوابهم وعن مومنهم فقال على الأعراف وليسوا فى الجنة فسألنا وما الأعراف قال خارج الجنة تجرى فيه الأنهار وتنبت فيه الأشجار والأثمار والله تعالى اعلم. وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا ان مفتوحة بإجماع القراء مخففة من المثقلة واسمها ضمير الشأن محذوف وجملة الشرطية خبرها والجملة معطوفة على انه استمع نفر من الجن والمعنى انه اوحى الى انه لو استقاموا اى الجن والانس عَلَى الطَّرِيقَةِ المرضية لله تعالى وهى دين الإسلام والفطرة التي فطر الناس عليها لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً اى كثيرا قال مقاتل نزلت هذه الاية بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين وقيل المراد من الماء الغدق الرزق الواسع على التجوز لان الماء سبب للرزق كما أريد من الرزق المطر فى قوله تعالى وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الأرض والمعنى لاعطينهم مالا كثيرا وعيشا رغدا وهذه الاية فى المعنى قوله تعالى ولو انهم أقاموا التورية والإنجيل وما انزل إليهم من ربهم لاكلون من فوقهم ومن تحت أرجلهم

[سورة الجن (72) : آية 17]

وقوله تعالى ولو ان اهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السما. لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ط متعلق باسقيناهم اى لنختبرهم كيف شكرهم وهذا التأويل قول سعيد بن المسيب وعطاء بن ابى رباح والضحاك وقتادة ومقاتل والحسن وقيل معناه ان لو استقاموا على طريقة الكفر لاعطيناهم مالا كثيرا لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجا حتى يفتنوا بها فتذهب بهم نحو قوله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء وهذا قول الربيع بن انس وزيد بن اسلم والكلبي وابن كيسان وهذا القول ليس بسديد والا يلزم ان يكون الكفر موجبا لسعة الرزق وحسن المعيشة ويابى ذلك قوله تعالى ولو انهم أقاموا التورية والإنجيل الاية وقوله تعالى ولو ان اهل القرى أمنوا الاية وكذا قوله تعالى ولولا ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمان سقفا من فضة الاية فان كلمة لولا لامتناع الثاني لا لاجل امتناع الاول واما قوله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم واقعة حال ماضى لا يدل على العموم والا يلزم التعارض فيما لا يحتمل النسخ وايضا وقائع اهل مكة حالة على صحة التأويل الاول دون الثاني فان أبا جهل وغيره من كفار مكة الذين لم يومنوا ابتلوا بالقحط سبع سنين حتى أكلوا الروث ثم قتلوا ببدر فى أقبح حال والذين أمنوا مع النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم واستقاموا على الطريق أعطاهم الله ملك كسرى وقيصر وغيرهما وايضا يدل على صحة التأويل الاول مقابلته بقوله تعالى وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ حيث حكم بلزوم العذاب بالاعراض عن الذكر وذلك يقتضى الحكم بضد ذلك اى بحسن العيش على هذا الاعراض وهو المراد بالاستقامة على الشريعة كما هو عادة الله سبحانه فى كتابه والله تعالى اعلم يَسْلُكْهُ قرأ اهل كوفة ويعقوب بالياء على الغيبة اى يدخله ربه وآخرون بالنون على التكلم عَذاباً صَعَداً شاقا يعلو المعذب ويغلبه معهد وصف به والمراد بالعذاب منها اما عذاب الدنيا او عذاب القبر او عذاب الاخرة وكذلك فى قوله تعالى ومن اعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى والظاهر ان المراد به هاهنا عذاب الدنيا بدليل المقابلة وكذلك من ضنك المعيشة هنالك لعطف قوله ونحشره كما ان المراد بالحياة الطيبة فى قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر او أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون روى عن ابن عباس رض انه قال كل مال قل او كثر فلم؟؟؟ فيه فلا خير فيه وهو الضنك فى المعيشة وان قوما اعرضوا عن الحق وكانوا أول سعة من الدنيا

[سورة الجن (72) : آية 18]

مكثرين فكانت معيشتهم ضنكا وذلك انهم يرون ان الله ليس بمخلف عليهم فاشتدت عليهم معائشهم من سوء ظنهم بالله وقال سعيد بن جبير رض تسلبه القناعة حتى لا يشبع قلت وهذا الأمر ظاهر فان اهل الدنيا لما سلب منهم القناعة فهم دائمون فى جد واجتهاد لاجل اكتساب المال وحفظه خائفون على فواته متحاسدون متباغضون فيما بينهم لاجله غير امنين على أنفسهم لكثرة الأعداء والحساد ولا شك ان هذا عذاب صعد ومعيشة ضنك ولو يعلمون ما للصوفية من الحيوة الطيبة وطمانينة القلب بذكر الله وشرح الصدور ورفع الحاجة بالقليل والاستغناء عن الخلق والشفقة على خلق الله تعالى كلهم أجمعين والشكر والسرور فى الضراء رجاء لكفارة المعاصي وحسن الجزاء فضلا عن الرخاء والسراء ليتحاسدوهم على ذلك والله يؤتى من يشاء من الدنيا والاخرة. وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ عطف على ان لو استقاموا على الوحى به قيل المراد بالمساجد المواضع التي بنيت للصلوة- فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً قال قتادة كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعتهم وكنائسهم أشركوا بالله فأمر الله تعالى المؤمنين ان يخلصو الله الدعوات إذا دخلوا المساجد وأراد به المساجد كلها وامر بتطهيرها فقال طهرا بيتي للطائفين الاية وامر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال جنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم وشركائكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم واقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على ابوابها المطاهر وجمروها فى الجمع رواه ابن ماجة عن واصلة مرفوعا ونهى عن تناشد الاشعار فى المسجد وعن البيع والشراء فيه وان يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة فى المسجد رواه ابو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال البزاق فى المسجد خطيئة وكفارتها دفنها متفق عليه عن انس رض قال عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد رواه ابو داود والترمذي عنه وقال من سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فيقول لا ردها الله عليك فان المساجد لم تبن لهذا رواه مسلم عن ابى هريرة رض وروى الترمذي والدارمي وزاد إذا رأيتم من يبيع او يبتاع فى المسجد فقولوا لا اربح الله تجارتك والله تعالى اعلم وقال الحسن أراد بها البقاع كلها لان الأرض جعلت كلها مسجدا لهذه الامة يعنى لا تدعوا مع الله أحدا فى شىء من البقاع واخرج ابن ابى حاتم من طريق ابى صالح عن ابن عباس رض قال قالت الجن أتأذن لنا فنشهد معك الصلاة فى مسجدك فانزل الله تعالى ان المساجد لله فلا تدعوا

[سورة الجن (72) : آية 19]

مع الله أحدا واخرج ابن جرير عن جبير قال قالت الجن للنبى صلى الله عليه وسلم كيف لنا ان ناتى المسجد ونحن ما دون عنك او كيف نشهد الصلاة ونحن ما دون عنك فنزلت وقيل المراد بالمسجد أعضاء السجود يعنى انها مخلوقة لله تعالى فلا تسجدوا عليها غيره عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرت ان اسجد على سبعة أعظم على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا يكفت الثياب ولا الشعر. وَأَنَّهُ الضمير للشان قرأ نافع وابو بكر بكسر الهمزة على الاستيناف والباقون بالفتح عطفا على الموحى به لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ محمد صلى الله عليه وسلم انما ذكر لفظ العبد دون الرسول او النبي او غير ذلك للتواضع فانه واقع موقع كلامه عن نفسه والاشعار بما هو المقتضى لقيامه وقال المجدد العبودية أقصى مراتب الكمال يَدْعُوهُ حال من عبد الله اى يعبده ويذكره كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ع قرأ هشام لبد بضم اللام والباقون بالكسر وهو جمع لبدة واصل اللبد الجماعات بعضها فوق بعض ومعناه على ما قال الحسن وقتادة وابن زيد انه لما قام عبد الله بالدعوة الى التوحيد كاد الجن والانس يكونوا مجتمعين لابطال امره يريدون ان يطفؤا نور الله بأفواههم ويابى الله الا ان يتم نوره وينصره على من عاداه ويحتمل ان يكون معناه انه لما قام عبد الله يدعوه ويقرأ القران بنخلة كان الجن يكون عليه لبدا متراكمين من ازدحامهم عليه شوقا لاستماع القرآن. قُلْ كذا قرأ عاصم وحمزة وابو جعفر بصيغة الأمر موافقا لما بعده والباقون بصيغة الماضي اى قال عبد الله إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً فما لكم يجتمعون على ابطال امرى او المعنى قال عبد الله حين اشتاق الجن الى كلامه انما ادعوا ربى فادعوا أنتم ايضا كدعائى ولا تشركوا به أحدا وقال مقاتل قال كفار مكة للنبى صلى الله عليه وسلم لقد جئت بامر عظيم فارجع عنه فنحن بخيرك فنزلت هذه الاية وما بعدها. قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً يعنى ضرا ولا نفعا او غيا ولا رشدا عبر عن أحدهما باسم وعن الاخر باسم سببه او مسببه اشعارا بالمعنيين. قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ملتجأ أميل اليه ان أرادني سوء وهذين الجملتين المستانفتين كانهما فى جواب ما أقول حين يقول الكفار الذين اجتمعون لابطال امرى انك لن كنت نبيا فاتنا بعذاب من عند الله او يقول الكفار ارجع عن دينك فنحن بخيرك ويحتمل ان يكون الجملة الاولى

[سورة الجن (72) : آية 23]

فى جواب ما أقول فى وقت اشتياق الجن الى رويتى ولقائى فان ازدحامهم عليه دليل على زعمهم بان النبي صلى الله عليه وسلم يملك لهم ضرا ورشدا او الجملة الثانية تأكيد لمضمون السابقة على عجز النبي صلى الله عليه وسلم واخرج ابن جرير عن حضرمى انه ذكر له ان جنيا من الجن من اشرافهم إذا تبع قال انما يريد محمد ان نجيره وانا أجيره فانزل الله تعالى قل لن يجيرنى الاية. إِلَّا بَلاغاً كائنا مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ عطف على بلغا والاستثناء اما من قوله لا املك فان التبليغ ارشاد وإنفاع وما بينهما اعتراض موكد لنفى الاستطاعة فلا يلزم الفصل بأجنبي يعنى لا املك لكم من رفع الضرر او إيصال الرشد الا التبليغ والرسالة فانى أملكه واما من قوله أحد او ملتحدا على سبيل التنازع واعمال الثاني يعنى لا يجيرنى من الله أحد من دونه ملتحدا الا التبليغ والرسالة فان التبليغ والرسالة فريضة على من الله تعالى يجيرنى من عذاب الله ويعذبنى الله ان لم افعل كذلك قال الحسن ومقاتل قيل المعنى لا املك لكم خيرا ولا شرا ولا رشدا ولكن بلاغا من الله ورسالة ثابت وقيل الا مركب من ان الشرطية ولا النافية وجزاء الشرط محذوف اكتفاء بما مضى يعنى ان لا أبلغكم بلاغا كائنا من الله ورسالاته لن يجيرنى من الله أحد وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى الأمر بالتوحيد ولم يؤمن به فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أفرد ضمير يعص الله وضمير له نظرا الى لفظة من وجمع ضمير خالدين نظرا الى معناه وجملة ومن يعص الله معطوفة على مقدر يعنى ملك لكم بلاغا من الله ورسالاته فمن يطع الله ورسوله فاولئك تحروا رشدا ومن يعص الله ورسوله الاية حتى إذا رأوا اى الكفار غاية لقوله تعالى يكونون عليه لبدا ان كان المراد به اجتماع الكفار لابطال امر النبي صلى الله عليه واله وسلم والا فهو غاية لمحذوف دل عليه الحال من استضعاف الكفار له وعصيانهم له كانه قيل لا يزالون يعصونه ويستضعفونه. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ اما العذاب فى الدنيا كوقعة بدر واما الساعة ساعة الموت فان من مات فقد قامت له القيامة المشتملة على جهنم والساعة أدهى وامر فَسَيَعْلَمُونَ حين حلوله بهم مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً أهم أم النبي صلى الله عليه واله وسلم جملة استفهامية قائمة مقام المفعولين لقوله تعالى فسيعلمون فقال بعض الكفار متى هذا الوعد فنزل. قُلْ يا محمد إِنْ أَدْرِي لا أدرى أَقَرِيبٌ خبر مبتداء بعده او مبتداء من القسم الثاني

[سورة الجن (72) : آية 26]

وما بعده فاعله ما تُوعَدُونَ من العذاب او الساعة أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بالسكون أَمَداً غاية وأجلا لتطول مدتها لا يعلمه الا الله والجملة الاستفهامية قائم مقام مفعولى ان أدرى. عالِمُ الْغَيْبِ صفة ربى او خبر مبتداء محذوف اى هو عالم الغيب لا غيره فكانه تعليل لقوله لا أدرى والمراد بالغيب ما لم يوجد بعد كاخبار المعاد او العدم بعد الوجود كاخبار المبدأ والقصص الماضية التي انقطعت الرواية عنها واما ما غاب عن العباد من اسماء الله تعالى وصفاته التوقيفية التي لا يدل عليه البرهان واما ما قام عليه الدليل والبرهان كوجوده تعالى ووجوبه وتوحده وكونه متصفا بصفات الكمال منزها عن سمات النقص والزوال فليس من الغيب بل من الشهادة لشهود ما يدل عليه من العالم وكذا مسئلة حدوث العالم مثلا ليس من الغيب بل من الشهادة لمشاهدة قابلية التغير الدال على الحدوث وهذه الاقسام من الغيب لا يمكن العلم بها الا بتوفيق من الله تعالى ومن الغيب ما هو غيب بالنسبة الى بعض دون بعض كاحوال الجن واحوال بعض أشياء البعيدة غيب بالنسبة الى الانس دون الجن ومن ثم زعم الانس ان الجن يعلمون الغيب وهم لا يعلمون الا ما يشهدونه قال الله تعالى فى قصة سليمان عليه السلام فلما خر تبينت الجن ان لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين وكاحوال السموات بالنسبة الى اهل الأرض دون اهل السماء واحوال المشرق بالنسبة الى اهل المغرب وهذا القسم من علم الغيب قد يحصل بالوحى والإلهام وقد يحصل برفع الحجب وجعلها مثل الحجب الزجاجة روى مسلم عن ابى هريرة رض انه صلى الله عليه وآله وسلم قال لقد رايتنى فى الحجر وقريش سالنى عن مسراى فسألتنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله فرفعه الله الى النظر اليه ما يسألنى عن شىء الا انبأتهم وروى البيهقي عن ابى عمران عمر بعث جيشا وامر عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح يا سارية الجبل وروى ابو داود عن عائشة قالت لما مات النجاشي كنا نتحدث انه لا يزال يرى على قبره نور وعند رفع الحجب لا يكون هذا من علم الغيب بل من علم الشهادة وان كان من قبيل المعجزة او الكرامة فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً من الخلق. إِلَّا مَنِ ارْتَضى العائد الى الموصول محذوف فانه يطلع من ارتضاه أحيانا ليكون معجزة ويبشر المطيعين ومنذر العاملين مِنْ رَسُولٍ أعم من البشر والملائكة ويشتمل لفظة الرسول الأنبياء ايضا قال الله تعالى

أرسلهم الى الناس لتبليغ الاحكام وتخصيص لفظ الرسول بمن أرسله الله بشريعة جديدة وكتاب اصطلاح وقيل بل يشتمل الأولياء ايضا بعموم المجاز قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم العلماء ورثة الأنبياء رواه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجة والدارمي فى حديث عن كثير بن قيس وابن البخاري عن انس وابن عدى عن على بلفظ العلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء او ورثتى وورثة الأنبياء وابن عقيل عن انس بلفظ العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا الحديث وقال اهل السنة والجماعة كرامات الأولياء معجزة لنبيهم قال الله تعالى وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه وقد بعث الله تعالى خاتم النبيين الى كافة فاعتبر اهل السنة اتباعه صلى الله عليه وسلم من العلماء والأولياء لسانا له صلى الله عليه وسلم حتى يستقيم الحصر واستغراق الاضافة فى لسان قومه فعلى تقدير شمول لفظ الرسول للاولياء لا يلزم نقص بحصول علم الغيب لهم على وجه الكرامة وعلى تقدير عدم شموله نقول المراد بالعلم العلم القطعي والعلم الحاصل للاولياء بالإلهام وغيره ظنى ليس بقطعى ومن ثم قالت الصوفية العلية انه لا بد من عرض العلوم الحاصلة للصوفية على الكتاب والسنة فان طابقت قبلت إذ المطابق للقطعى قطعى وان خالفت ردت قالوا كل حقيقة ردته الشرع فهو زندقة وان كانت الشريعة عنها ساكنة قبلت مع احتمال الخطاء فاندفع ما قال صاحب الكشاف بناء على اعتزاله ان فى هذه الاية ابطال الكرامات لان الذين يضاف إليهم الكرامات وان كانوا اولياء مرتضين فليسوا الرسل إلخ وكفى التكذيب اهل الهواء قوله تعالى وأوحينا الى أم موسى ان أرضعيه فاذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافي ولا تحزنى انا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين- وقوله تعالى وإذا وحيت الى الحواريين ان أمنوا بي وبرسولى وقوله تعالى وناديها من تحتها ان لا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا وهزى إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيّا فكلى واشربى وقرى عينا فاما ترين من البشر أحدا فقولى انى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيّا- فان أم موسى وأم عيسى والحواريين لم يكونوا أنبياء واعلم ان ما ذكرت لك ان العلم الحاصل للاولياء ظنى- المراد به العلم الحاصل علما حصوليا وذلك قد يكون بالإلهام بتوسط الملك وبغير توسطه وقد يكون بكشف الحجب كما ذكرنا فى حديث عمر يا سارية الجبل ومن هذا القبيل ما قيل انه قد ينكشف على بعض الأولياء فى بعض الأحيان اللوح المحفوظ

فينظرون فيه القضاء المبرم والمعلق وقد يكون بمطالعة عالم المثال فى المنام او المعاملة عن انس رض قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة متفق عليه وعن ابى هريرة رض قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق من النبوة الا المبشرات قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة رواه البخاري وهذه الأنواع من العلم قد يقع فيه الخطاء بغير الأنبياء لوقوع الغلط وتخليط الشيطان فى الإلهام فان فى قلب بنى آدم بيتان فى أحدهما الملك وفى الاخر الشيطان فاحيانا يلتبس لمعة الملك بلمعة الشيطان وقوع تخليط الوهم وتلبيس الشيطان فى الكشف وروية عالم المثال عن ابى قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان متفق عليه وقال محمد بن سيرين قال الرؤيا ثلث حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله متفق عليه ووقوع الغلط فى تأويل الرؤيا لكن وقوع الخطايا فى علوم الأولياء نادر لتشبههم بالأنبياء فالانبياء معصومون والأولياء محفوظون غالبا واما العلم الحاصل للاولياء علما حضوريا بل فوق الحضوري وهو العلم المتعلق بذات الله تعالى وصفاته المسمى بالعلم اللدني فهو لا يحتمل الخطاء وهو قطع وجداني بل فوق القطعي لان علم المرأ بنفسه علم حضورى وجداني فانه بحضور نفس المعلوم عند العالم من غير حصول صورة فيه وعلم الصوفي بالله فوق هذا العلم لان الله تعالى اقرب من نفسه بنفسه قال الله تعالى نحن اقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون ايها العوام ويبصره من أبصره الله تعالى وهذا العلم اللدني يحصل للاولياء بتوسط الرسول صلى الله عليه وسلم ولو بوسائط فان قيل نحن اقرب إليكم منكم خطاب لسائر الناس ويلزم منه ان يكون لسائر الناس علما بالله تعالى حضور يا فوق علمه بنفسه قلنا نعم لكن العلم تابع للحيوة لا يتصور بدونها وقد ذكر فى تفسير سورة الملك ان الحيوة على اربعة اقسام منها ما يستتبع المعرفة وتلك الحيوة بالتجليات الذاتية والصفاتية ولاجل حصول هذه الحيوة الاكتساب والتصوف فان قيل لو كان هذا العلم الثاني قطعيا لما اخطأه فيه ولما تعارض أقوالهم وقد يخطئون كما يدل عليه تعارض أقوالهم المقتضى خطاء أحد المتنافيين فانه يقول بعضهم بالتوحيد الوجودي وبعضهم بالتوحيد الشهودى ونحو ذلك قلت هذا الخطاء انما يقع فى علم العلم الذي من قبيل العلم الحصولى دون نفسه وقد يقع فى بيانه وتصويره حيث لم يوضع لهذه المعاني ألفاظ فى اللغات قال الشاعر بالفارسي گفتگوى كفر ودين آخر بكجا ميكشد ... خواب يك خوابست باشد مختلف تعبيرها المراد بالكفر فى

هذا الشعر كفر الطريقة المسمى بالتوحيد الوجودي وبالدين الشريعة وفذلكة الكلام فى هذا المقام ان بين الخالق والخلق نسبة ليست بين اى الشيئين فرضتا من الأشياء إذ لا خالق الا هو فلا يمكن ان يشتبه تلك النسبة بما عداها من النسب لا يقال ليس نسبة الخالق مع المخلوق كنسبة النقش مع النقاش او نسبة القدح مع النجار لانه ليس كذلك فان القدح مادته الخشب والنقش مادته اللون ونحو ذلك مخلوقة لله تعالى والصورة الخاصة بعد فعل النجار ايضا مخلوقة لله تعالى وفعل النجار ايضا مخلوق لله تعالى على رغم انف المعتزلة والنجار انما هو كاسب لبعض من المعاملات فما لكم لا تعقلون ولما كانت النسب التي تدرك فى العقل بين اى الشيئين الموجودين فى الخارج او الذهن من العينيّة والغيرية والظلية وغيرها مسلوبة من تلك النسبة وهى وراء النسب ولم يوضع لها لفظ يدل عليها فقد يعبر عنها بانه تعالى ليس عين خلقه فيوهم انه غيره او ان الخلق ظله وقد يعبر بانه تعالى ليس غير الخلق وليس هناك نسبة الظلية فيوهم انه عين الأشياء ثم قد يطلق بالمجاز باعتبار الملازمة بين العينية وسلب الغيرية فى الأذهان بانه تعالى عين الأشياء كلها كذا قد يقال بانه غيرها وقد يقال انها ظله وليس ذلك الاختلاف والتعارض الا فى مراتب العلم الحضوري فى تعبيراتهم لضيق العبارات واحسن التعبيرات فى هذا المقام قوله تعالى ليس كمثله شىء وهو السميع البصير والمقصود من التصورات هو هذا العلم اللدني دون العلوم الحاصلة فى الظنون فانه لا اعتداد بها وان الظن لا يغنى من الحق شيئا والله تعرا علم فان قيل سلمنا ان علوم الأولياء داخلة فى المستثنى او خارجه من المستثنى منه لكونها ظنية فما قولكم فى علوم الكهنة والمنجمين وعلم الأطباء بالامراض وبما فيه شفاء المريض وبخواص النباتات ونحوها فان الاخبار والتجربة تشهد على صدق بعض اخبارهم روى البخاري عن ابى الناطور حديث صاحب ايليا وقد اسلم يحدث ان هرقل حين قدم ايليا أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناظور وكان هرقل ينظر فى النجوم فقال لهم حين سألوه انى رأيت الليلة حين نظرت فى النجوم ملك الختان قد ظهر الحديث. ثم كتب هرقل الى صاحب له برويته وكان نظيره فى العلم فاتاه كتاب من صاحبه يوافق راى هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وانه بنى وقد صح ان الكهنة والمنجمون اخبروه الخروج بموسى لفرعون وبزوال ملكه على يد غلام من بنى إسرائيل حتى كان فرعون يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم قلنا اما علم الكهنة فما كان منها مطابقا

للواقع فذالك ما استراق السمع من الملائكة والملائكة رسل الله لكن الكهنة والشياطين يختلطون فيه أكاذيب ولذلك نهى الشرع عن تصديقهم ثم قد منع الجن بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستراق اما مطلقا او غالبا فبطل الكهانة عن عائشة رض قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان وقيل انهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فنقرها فى اذن وليه قرأ الدجاجة فيخلطون فيه اكثر من مائة كذبة متفق عليه واما علم الطب والنجوم فمبناهما اما التجارب وذلك من علم الشهادة دون الغيب والا ظهران ذينك العلمين اعنى العلم بخواص الادوية والطبائع وكذا بخواص النجوم من السعادة والنحوسة وغيرها مقتبسان من علوم الأنبياء فبقى العلمان فى الكتب ونسبحت عناكب النسيان على سلاسل الرواة واكتفوا بشهادة التجارب فى معرفتها قال الله تعالى فى قصة ابراهيم عليه السلام فنظر نظرة فى النجوم فقال انى سقيم اى ساسقم وذكر البغوي فى تفسير سورة سبأ ان سليمان عليه السلام ما يأتي عليه يوم الا تثبت فى محراب بيت المقدس شجرة فيسالها ما اسمك فيقول اسمى كذا فيقول لاى شى أنت فيقول لكذا وكذا فامر بها فينقطع فان كانت بنت الغرس غرس لها وان كانت الدواء كتب حتى تنبت الخروبة فقال لها ما أنت قالت الخروبة قال لاى شىء أنبتت قالت لخراب مسجدك كذا ذكر الامام حجة الإسلام محمد الغزالي رحمة الله تعالى فى رسالة المنقذ من الضلال ثم ان علم الطب والنجوم ليسا بوجهان للقطع فان التاثيرات المودعة فى الادوية والكواكب امر عادى جرت العادة الالهية على خلق تلك الآثار بعد استعمال تلك الادوية وبعد طلوع تلك النجوم ويتخلف تلك الآثار عنها كثيرا ان شاء الله ومن هاهنا يعلم ان من استدل بالنجوم على شىء وزعم ان الله تعالى يفعل كذلك بعد طلوع ذلك النجم جريا على عادته فلا يكفر كمن زعم ان الله تعالى يخلق الشفاء بعد شرب الدواء ويخلق الموت بعد شرب السم واما من زعم ان حدوث ذلك الشيء بذلك النجم فيكفر كما زعم ان الدواء علة تامة على الشفاء عن زيد بن خالد الجهني قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة الصبح بالحديبية على اثر سماء كانت من الليل فلما انصرف اقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال قد أصبح قوم من عبادى مؤمن بي وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مومن بي والكافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب متفق عليه فهذا الحديث انما يدل

[سورة الجن (72) : آية 28]

على كفر الثاني دون الاول غير ان الاشتغال بالنجوم مطلقا مكروه لكونه مما لا يعنيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد وما زاد رواه احمد وابو داود وابن ماجة عن ابن عباس رض وكذلك علم النقاط والخطوط الذين يسمونها إملاء فهو ايضا مقتبس من الأنبياء ويفيد ظنا لا قطعا واما الطيرة فليس بشئ عن معوية بن الحكم قال قلت يا رسول الله امور كنا نصنعه فى الجاهلية كنا ناتى الكهان قال فلا تأتوا الكهان قال قلت كنا نتطير قال ذلك شىء يجده أحدكم فى نفسه فلا يصدنكم قال قلت ومنا يخطون قال كان نبى من الأنبياء يخط فمن كان وافق خطه فذاك رواه مسلم وكذلك علم السحر منزل من السماء لكنه كفر قال الله تعالى وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر وقدر فى سورة البقرة فان قيل قد يظهر علم الغيب على اهل الجوع والرياضة من الكفار استدراجا قلنا منشأ ذلك العلم الكشف او مطالعة عالم المثال والكشف ومطالعة عالم المثال يكون إذا تجلى للصوفى مشاعرة الظاهرة والباطنة اما باتباع الشريعة ونور السنة ويسمى بفراسة المؤمن واما بالجوع والرياضة ومخالفة النفس فحينئذ تنكشف الحجب عن بعض المغيبات فى بعض الأحيان او عن الصور المثالية فيرى ذلك عيانا فهو من العلم بالشهادة وليس من الغيب فى شىء على انه لما كان العلم الحاصل لاولياء الله تعالى بالكشف والمثال كشفا ظنيا محتملا للخطاء فكيف العلوم الحاصلة للكفار فانهم تلامذة للشياطين يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه ولكن الله يفعل ما يريد ومما يدل على ان المراد بظهور الغيب فى تلك الاية هو العلم القطعي الذي لا يكون للشيطان اليه سبيل قوله تعالى فَإِنَّهُ الفاء للسببية لان الله تعالى يَسْلُكُ اى يجعل مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ اى الرسول وَمِنْ خَلْفِهِ ذكر بعض الجهات وأراد جميعها رَصَداً جمع راصد اى حفظة من الملائكة يحفظونه من الشيطان ان يسترق السمع او يخلطوا فى الوحى بما ليس منه قال مقاتل وغيره كان إذا بعث الله رسولا أتاه إبليس فى صورة ملك يخبره فبعث الله من بين يديه ومن خلفه رصدا من الملائكة يحرسونه ويطرد والشياطين فاذا جاء الشيطان فى صورة ملك اخبروه بانه شيطان فاحذره وإذا حاء ملك قال له هذا رسول ربك ونظيره هذه الاية قوله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه. لِيَعْلَمَ الله اى ليتعلق علمه به موجودا نظيره قوله تعالى ليعلم الله من

يخافه ورسله بالغيب متعلق بقوله تعالى يسلك علة للحفظ من الشياطين أَنْ مخففة من المثقلة اسمها ضمير الشان محذوف قَدْ أَبْلَغُوا اى الرسل رِسالاتِ رَبِّهِمْ كما هى والمعنى ليوجد من الرسل تبليغ رسالات ربهم بلا تغيير وتخليط وقيل ضمير ليعلم عائد الى الرسول اى ليعلم الرسول قطعا ولا شك انه قد ابلغ هو وإخوانه من الرسل رسالت ربهم ولم يقع فيه تغيير وتخليط من الشيطان او ليعلم الرسول انه قد ابلغ الملائكة رسالات ربهم ولم يتطرق فيه شيطان وقرأ يعقوب ليعلم بضم الياء على البناء للمجهول اى ليعلم الناس قطعا ان الرسل قد بلغوا وَأَحاطَ الله بِما لَدَيْهِمْ اى ما علم الله عند الرسل لا يخفى عليه شىء وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ع عدد مثاقيل الجبال وميكائيل البحار وعدد قطرات الأمطار وعدد ورق الأشجار وعدد ما اظلم عليه الليل وأشرق عليها النهار ونصب عدد أعلى الحال او على المصدر اى عدّد عددا او التميز اى احصى عدد كل شىء- والله اعلم.

سورة المزمل

سورة المزّمّل مكيّة وهى عشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ التزمل من تزمل تيابه إذا تلفف بها فادغم التاء فى الزاء ومثله المدثر تدثر بثوبه اما القطع كان هذا الخطاب للنبى صلى الله عليه واله وسلم فى أول الوحى قبل تبليغ الرسالة ثم خوطب بعده بالنبي والرسول وقد تزمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثيابه فى بدو الوحى خوفا منه لهيبته عن جابر انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فطرة الوحى فبينا انا امشى سمعت صوتا فرفعت السماء بصرى فاذا الملك الذي جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فخشيت منه رعبا حتى هويت الى الأرض فجئت أهلي فقلت زملونى فانزل الله تعالى يايّها المدثر الى قوله فاهجر ثم حمى الوحى وتتابع متفق عليه وفى حديث عائشة فى الصحيحين فى حديث طويل انه صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة فقال زملونى زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع وسنذكر هذا الحديث ان شاء الله تعالى فى سورة اقرأ باسم ربك واخرج البزار والطبراني بسند ضعيف عن جابر قال اجتمعت قريش فى دار الندوة فقالت سموا هذا الرجل اسما يصدر الناس عنه قالوا كاهن قالوا ليس بكاهن قالوا مجنون قالوا ليس بمجنون قالوا ساحر قالوا ليس بساحر فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل فى ثيابه وتدثر فيها فاتاه جبرئيل فقال يايها المزمل يايها المدثر. قُمِ اى صل عبر عنها بالقيام تسمية الشيء باسم جزئه وركنه وهذا يقتضى كون القيام ركنا للصلوة وعليه انعقد الإجماع اللَّيْلَ ظرف زمان وحذف حرف الجر يدل على الاستيعاب كما يقال صمت شهرا بخلاف صمت فى الشهر إِلَّا قَلِيلًا بهذا الاستثناء بقي الحكم بقيام بعض الليل ولما كان الاستثناء مبهما طرق الإبهام فى المستثنى منه فصار المحكوم به مجملا لا بد له من بيان فبينه الله تعالى بقوله. نِصْفَهُ فهو بدل من الليل المستثنى منه القليل بدل الكل فان الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا فتقدير الكلام قم بعض الليل اى نصفه وقيل هو بدل من القليل وبيان له

[سورة المزمل (73) : آية 4]

وببيان المستثنى تبين الباقي ويزول الإبهام وحينئذ تقدير الكلام قم الليل الا نصفه والمعنى واحد واطلاق القليل على النصف بالنسبة الى الكل ولان عدم القيام اى النوم فى نصف الليل قليل من النوم المعتاد فان الله تعالى جعل الليل لتسكنوا فيه ولانه إذا قام نصف الليل للتهجد بقي نصف الاخر وفيه صلوة المغرب والعشاء وحوائج البشر من الاكل والشرب والخلاء فلم يبق لاجل النوم الا قليل من النصف وقيل نصفه بدل من الليل والاستثناء منه اى من النصف وتقديره قم نصف الليل الا قليلا فحينئذ يلزم الاستثناء من النصف قبل ذكره مع ان كلمة نصفه حينئذ بدل البعض من الليل وحكم بدل البعض فى القصر حكم الاستثناء فمقتضى الكلام تقديم القصر بالاستثناء على القصر بالبدل وايضا يلزم حينئذ كون الكلام مجملا بعد البيان أَوِ انْقُصْ عطف على قم الليل مِنْهُ اى من النصف الباقي بعد الاستثناء قَلِيلًا اى زمانا قليلا او نقصانا قليلا وذلك ان يكون القيام اكثر من نصف النصف اى الربع. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ اى على النصف ما شئت فالمامور به فى هذه الاية القيام اكثر من الربع ولو ساعة والظاهر ان الأمر بالقيام فى هذه الاية للوجوب كما هو مقتضى الأمر فى الأصل فمقتضى الكلام البغوي وهو المستفاد من قول عائشة وغيرها ان قيام الليل بهذه الاية كان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته ثم نسخ قال البغوي كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقومون على هذه المقادير فكان الرجل لا يدرى متى ثلث الليل ومتى النصف ومتى الثلثان فكان يقوم حتى يصبح مخافة ان لا يحفظ القدر الواجب واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم فرحمهم الله تعالى وخفف عنهم ونسخها بقوله فاقرءوا ما تيسر منه وكان بين أول السورة وآخرها سنة عن سعيد بن هشام قال انطلقت الى عائشة فقلت يا أم المؤمنين انبئينى عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الست تقرأ القران قلت بلى قالت فان خلق نبى الله كان القران قلت فقيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم المؤمنين قالت الست تقرأ يايها المزمل قلت بلى قالت فان الله افترض القيام فى أول هذه السورة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وامسك الله تعالى خاتمتها اثنى عشر شهرا فى السماء ثم انزل التخفيف فى اخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة رواه ابو داود والنسائي والبغوي وكذا اخرج الحاكم واخرج ابن جرير مثله عن ابن عباس وغيره قال مقاتل وابن كيسان كان هذا بمكة قبل ان يفرض الصلوات الخمس ثم نسخ ذلك بالصلوة الخمس والظاهر عندى ان الوجوب

كان مختصا بالنبي صلى الله عليه واله وسلم بدليل قوله تعالى ان ربك يعلم انك تقوم ادنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك فان كلمة من للتبعيض صريح فى ان الصحابة بعضهم كانوا يقومون دون بعض فان قيل لو كان وجوبه مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم فكيف يصح تعليل التخفيف لقوله تعالى علم ان سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقتلون فى سبيل الله فان هذه الاية تقتضى رعاية حال الامة وضعفهم قلنا خفف الله سبحانه عن النبي صلى الله عليه وسلم لرعاية ضعف الامة واعذارهم لان الناس بما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم مسنون للامة مطلوب الإتيان منهم من غير إيجاب بل بحيث يلام تاركه قال الله تعالى ولكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يؤمن بالله واليوم الاخر وما قيل ان المسنون ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التطوع احترازا عن صوم الوصال ونحوه فليس بشئ لان الأصل التأسي والاقتداء مطلقا فلا يترك الا إذا كان ذلك الأمر ممنوعا محرما او مكروها فى حق الامة كصوم الوصال ووصل النكاح فوق الاربعة وغير ذلك ولا وجه لتخصيص التأسي بما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التطوع وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ط عطف على قم الليل وما قيل الترتيل مندوب اجماعا فعطفه على القيام يقتضى كون الأمر بالقيام ايضا للندب فليس بشئ عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فان منزلتك عند اخر آية تقرءها رواه احمد والترمذي وابو داود والنسائي والترتيل عبارة عن إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة كذا فى الصراح وفى القاموس نحوه وعن ابن عباس معناه بينه بيانا وعن الحسن نحوه وقال مجاهد ترتيل فيه ترسلا عن قتادة قال سئل عن انس رض كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد ببسم الله ويمد بالرحمن يمد بالرحيم رواه البخاري قلت معنى قوله يمد ببسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم انه يظهر فيه الالف من الله بعد اللام ومن الرحمن بعد الميم بقدر حركة واما مد الرحيم فيجوز فيه المد بقدر الحركتين واربع وست عند الوقف وفى الوصل لا يجوز الا بقدر حركة اجمع عليه القراء وعن أم سلمة انها سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فاذا هى تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا رواه الترمذي وابو داود والنسائي وعنهما قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته يقول الحمد لله رب العلمين ثم يقف ثم يقول الرحمن الرحيم ثم يقف رواه الترمذي قلت ويتضمن الترتيل تحسين الصوت بالقرآن عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اذن الله لشئ ما اذن لنبى يتغنى

[سورة المزمل (73) : آية 5]

بالقران متفق عليه وفى رواية عنه ما اذن الله ما اذن لنبى حسن الصوت بالقران يجهر به متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقران رواه البخاري وليس المراد الا تحسين الصوت كما خرج به فى بعض الروايات دون إخراجه على وجه الغناء فانه حرام ممنوع عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤا القران بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون اهل العشق ولحون اهل الكتابين وسيجئ بعدي قوم يرجعون بالقران ترجيع الغناء والنوح لا يتجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شانهم رواه البيهقي فى شعب (فائدة) والحكمة فى الترتيل التدبر فى معانى القران والألفاظ بموعظة والخوف عند اية الوعيد والرجاء عند اية الوعد ونحو ذلك روى البغوي عن ابن مسعود رض قال لا تنثروه نثر الدقل ولا تهزوه هذا الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن بهم أحدكم اخر السورة وعن حذيفة رض قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صلوة الليل فما مر باية فيها ذكر الجنة الا وقف وسال الله الجنة وما مر باية فيها ذكر النار الا وقف وتعوذ من النار وعن عبيد المليكي وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا اهل القران لا تتوسدوا القران واتلوه حق تلاوته اناء الليل والنهار وأفشوه وتغنوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون ولا تعجلوا هرابه فان له ثوابا رواه البيهقي فى الشعب وعن سهل بن عبد الساعدي قال بينا نحن نقرأ إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحمد لله كتاب الله واحد وفيكم الأخيار وفيكم الأحمر والأسود والأبيض اقرؤا القران قبل ان يأتي أقوام يقرأونه يقيمون حروفه كما يقام السهم ولا يجاوز تراقيهم يتعجلون اجره ولا يتاجلونه. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا قيل المراد بالقول الثقيل الأمر بقيام الليل فانه ثقيل شاق على النفس فهذه الجملة على هذا التأويل تذئيل وتأكيد لما سبق والسين حينئذ للتاكيد دون الاستقبال وقيل المراد به القران قال محمد بن كعب القرآن ثقيل على المنافقين قلت فهو نظير قوله تعالى كبر على المشركين ما تدعوهم وقال الحسن بن الفضل ثقيل فى الميزان قلت نظير قوله صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان جيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم متفق عليه عن ابى هريرة وقال مقاتل ثقيل لما فيه من الأمر والنهى والحدود كذا قال قتادة وقال ابو العالية ثقيل بالوعد والوعيد وحاصل هذه الأقوال انه لما فيه من التكاليف الشاقة

والوعد والوعيد وذكر القيامة ثقيل على المكلفين لا سيما على الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان عليه ان يتحملها ويحملها أمته ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيبتنى سورة هود وأخواتها رواه الطبراني عن عتبة ابن عامر وعن ابى جحيفة يعنى لما فيه من قوله تعالى فاستقم كما أمرت ومن تاب معك او لما فيه من ذكر القيامة وعذاب الأمم الماضية يدل عليه ما رواه الحاكم عن ابى بكر بلفظ شيبتنى سورة هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت رواه الترمذي عن ابن عباس والحاكم عن ابى بكر وابن مردويه عن سعد ونحوه عن انس رض رواه عبد الله بن احمد بلفظ شيبتنى هود وأخواتها لما فيها ذكر يوم القيمة وقصص الأمم وقيل ثقيل على أتأمل فيه لافتقاره الى مزيد تصفيته للسر وتجريد للنظر لزرانته ومتانته معناه وهذا أوفق لما سبق وما لحق فان الترتيل لاجل التدبر والتفهم وناشئة الليل أشد لمواطاة القلب اللسان وقيل ثقيل على باطن الصوفي وعظيمة فان الخالق العظيم المتعالي يتجلى على قلب المخلوق يحقر السافل كذا قال الفراء حيث قال ثقيل ليس بالخفيف ولا بالسفساف لانه كلام ربنا قال الشيخ الاجل الأكرم الهادي سبيل اليقين محبوب رب العالمين سيف الملة والدين ابد الآبدين ان علامة انكشاف حقيقة القران ورود ثقل عظيم على باطن السالك ومن ثم قال الله تعالى سنلقى عليك قولا ثقيلا قلت ويؤيده هذا المعرفة قوله تعالى لو أنزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وهذا معنى ما قيل ثقيل تلقيه رواه مسلم عن عبادة بن الصامت قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحى كرب لذلك وتربد وجهه وفى رواية نكس راسه ونكس أصحابه رؤسهم فلما اتلى عنه رفع رأسه وفى الصحيحين عن عائشة ان الحارث بن هشام سال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله كيف يأتيك الوحى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا تأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد على فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فاعى ما يقول قالت عائشة ولقد رايته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد عرقا متفق عليه ويحتمل ان يقال انه ثقيل لما فيه من الأمر بالتوجه الى الخلق لاجل الدعوة والتبليغ والإرشاد والتكميل بقوله تعالى قم فانذر وقوله وانذر عشيرتك الأقربين بعد ما كان متوجها الى الله تعالى مشتغلا به تعالى حيث كان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو تعبد الليالى ذوات العدد وقيل ان ينزع الى اهله ويتزود لذلك ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها كذا فى الصحيحين فى حديث عائشة ودرجة الإرشاد والتكميل وان كان أفضل من درجة الاستكمال

[سورة المزمل (73) : آية 6]

والخلوة لكنه قد يكون عند الصوفي على خلاف الطبع فيثقل عليه ويزعمه الصوفي فى بادى الرأي ان هذا أحط مرتبة من التوجه الى الله تعالى والخلوة به ولهذا قيل الولاية به أفضل من النبوة يعنى ولاية النبي أفضل من نبوة ذلك النبي زعما من القائل ان فى الولاية التوجه الى الله سبحانه وفى النبوة التوجه الى الخلق وقال المجدد الف ثانى رضى الله عنه ليس هذا القول مبنيا على التحقيق بل النبوة مطلقا أفضل من الولاية وهى عبارة عند الصوفية عن السير فى الذات والولاية عن السير فى الصفات وشتان ما بينهما والتوجه الى الله سبحانه تعالى يسمى فى الاصطلاح بالعروج والى الخلق يسمى بالنزول وكلاهما يعترضان للصوفى فى كلا السيرين غير ان النازل فى مقام الولاية وان كان له توجها الى الخلق لكنه لم يبلغ فى العروج غاية فهو ملتفت الى الأعالي طمعا لغاية الكمال والنازل فى مقام النبوة لا يكون نازلا الا بعد ما يبلغ الكتاب فى الكمال اجله فهو بكلية يتوجهه الى الخلق للتكميل على مراد الله سبحانه تعالى وان كانت على خلاف مراده وطبعه فهو أفضل وأكمل وهذا الجهاد باق ما دامت هذه النشأة الثانية الباقية وبعد فراغ منها يتادى باملهم الى الرفيق الأعلى فحينئذ يتوجه بكليته الى الدرجات العلى بأجره واجر من اهتدى به على سبيل الأكمل والا وفى والله تعالى اعلم وجملة انا سنلقى اما تذئيل وتأكيد لما سبق كما ذكرنا او معترضة لبيان الحكمة فى الأمر بقيام الليل فان فى القيام تمرين النفس على المشفة ومشق مخالفات الطبع او لان الصلاة كانت قرة للنبى صلى الله عليه وسلم حيث قال جعلت قرة عينى فى الصلاة رواه احمد والنسائي والبيهقي عن انس وقال أقم الصلاة يا بلال أرحنا به رواه ابو داود عن رجل صحابى عن خزاعة فحينئذ يكون فى التهجد تحصيل ما يعالج به ثقل التوجه الى الخلق او لان لقيام الليل تأثير التأثر نفسه لشريعة فى نفوس الامة كى يجيبوا دعوته حين يستمعوا قوله كما أجاب الجن دعوته حين يستمعوا القران او لان لقيام الليل مدخل فى قيامه مقام الشفاعة لانه حيث قال الله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا. إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ اى قيام الليل مصدر جاء على فاعلة كعافية بمعنى العفو كذا قال الأزهري وقالت عائشة الناشية قيام الليل بعد النوم فهو بمعنى التهجد وقال ابن كيسان هى القيام من اخر الليل وقال سعيد بن جبير وابن زيد اى ساعة قام من الليل فقد نشأ وهو بلسان الحبش نشأ فلان اى قام وقال عكرمة هى القيام من أول الليل قال البغوي روى عن على بن الحسين رضى الله تعالى عنهما انه كان يصلى بين المغرب والعشاء الاخرة يقول

[سورة المزمل (73) : آية 7]

هذا ناشية الليل والظاهر ان هذين القولين لا يلائمان هذا المقام فانه صلى الله عليه وسلم كان مامور القيام اخر الليل وقال الحسن كل الصلاة بعد العشاء الاخرة فهى ناشية وقيل صفة الفاعل بمعناه والمراد النفس التي تنشأ من مضجعها الى العبادة من نشأ من مكانه إذا نهض ساعات الليل كلها وكل ساعة منه ناشية لانها منشئ اى مبتداء ومنه نشأت السخابة وأبدت فكل ما حدث بالليل وبدأ فقد نشأ وهو ناشئ والجمع ناشية وقال ابن ابى مليكة سالت عن ابن عباس رض وابن الزبير عنها فقالا الليل كلها ناشية فالاضافة حينئذ بيانية هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً قرأ ابن عامر وابو عمرو بكسر الواو وفتح الطاء والمد بمعنى الموافقة اى هى أشد موافقة للقلب مع اللسان فان ذلك يكون بالليل اكثر منه بالنهار وقرأ الجمهور بفتح الواو وسكون الطاء اى أشد ثقلا من صلوة النهار لان الليل للنوم والراحة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام اللهم اشدد وطأتك على مضر وإذا اعتاد المرء باشد العبادات ثقلا هان عليه مشقة سائر التكاليف وكلما هو أشد وأثقل على النفس مع مراعات السنة كان اكثر ثوابا وأثقل فى الميزان وأشد تأثيرا فى النفوس وقال ابن عباس رض كانت صلوتهم أول الليل هى أشد وطأ بمعنى أجدر ان يحصوا ما فرض الله عليكم من القيام لان الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ وقال قتادة اثبت فى الخير واحفظ للقرأة وقال الفراء اثبت وطأ للقيام وأسهل للمصلى من ساعات النهار لان النهار خلق لتصرف العباد والليل للخلوة والعبادة وقيل أشد نشاطا فان من كان أشد على النفس ثقلا كان ألذّ للصوفى وقال ابن زيد افرغ له قلبا من النهار لانه لا تعرض له بالليل حوائج وموانع وقال الحسن أشد وطأ فى الخير وامنع من الشيطان وَأَقْوَمُ قِيلًا ط اثبت قراءة واضح قولا لهداة وسكون الأصوات. إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا ط والسبح سرعة الذهاب ومنه السباحة فى الماء يعنى ان لك بالنهار ذهابا فى مهامك ولدعوة الخلق وتبليغ الاحكام واشتغالا بها فعليك بالتهجد فان الليل افرغ لها فهذا بمنزلة التعليل لما سبق- (فصل فى فضائل صلوة الليل) عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر يقول من يدعونى فاستجيب من يسألنى فأعطيه من يستغفر لى فاغفر له متفق عليه وفى رواية لمسلم ثم يبسط يديه ويقول من يقرض غير عدوم ولا ظلوم وعن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان فى الليل ساعة

[سورة المزمل (73) : آية 8]

لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله فيها خيرا من امر الدنيا والاخرة الا أعطاه إياه وذلك رواه مسلم وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الصلاة الى الله صلوة داود وأحب الصيام الى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما متفق عليه وعن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل فانه داب الصالحين قبلكم وهو قربة لكم الى ربكم ومكفر للسيات ومنهيات للاثم رواه الترمذي وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثة يضحك الله عليهم الرجل إذا قام بالليل يصلى والقوم إذا صفوا فى الصلاة وإذا صفوا فى قتال العدو رواه البغوي فى شرح السنة وعن عمرو بن عيينة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرب ما يكون الرب الى العبد فى جوف الليل الاخر فان استطعت ان تكون ممن يذكر الله فى تلك الساعة فكن رواه الترمذي وقال الحسن صحيح وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشرف أمتي حملة القران واصحاب الليل رواه البغوي فى الشعب. وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ عطف على قم الليل والمراد به دوام الذكر ليلا ونهارا بحيث لا يطرق اليه النتور ولا يلحقه الذهول وذا لا يتصور باللسان فان كل ما كان باللسان والجوارح من التسبيح والتحميد والصلاة والقراءة ونحو ذلك يتطرق اليه فتور النية فليس هو الا ذكر القلب وهو حقيقة الذكر فان الذكر عبارة عن طرد الغفلة كما يقتضيه المقابلة فى قوله صلى الله عليه وسلم ذكر الله فى الغافلين بمنزلة الصابر فى الغارمين فكل صلوة وتسبيح وقراءة كان عن قلب لاه فلا يعتد به ويل للمصلين الذين هم عن صلوتهم ساهون وانما قلنا ان المراد دوام الذكر لان العطف يقتضى المغايرة ومطلق الذكر يتضمنه قيام الليل وترتيل القران وحمل الكلام عليه اولى منه على التأكيد وقيل معناه ان قل بسم الله الرحمن الرحيم عند ابتداء تلاوة القران (مسئلة) اجمعوا على قراءة البسملة فى أول الفاتحة وأول كل سورة ابتدأ القاري القراءة بها ولم يصلها بما قبلها سنة واختلفوا فى التسمية بين السورتين فكان ابن كثير وقالون وعاصم يبسملون بين كل سورتين فى جميع القران ما خلا الأنفال وبراءة فانه لا خلاف فى ترك البسملة هناك والباقون لا يبسملون بين السور فاصحاب حمزة يصلون اخر كل سورة باول الاخرى والمختار من مذهب ورش وعن ابى عمرو وابن عامر السكتة من غير قطع واما عند الابتداء بما بين السورة فالقارى فيه مخير بين التسمية وتركها فى مذهب الجميع هذا فى القراءة خارج الصلاة واما إذا قرأه فى الصلاة

فقال الشافعي هى اية من الفاتحة ومن كل سورة فيجب قراءتها مع الفاتحة ويسن قرأتها مع غيرها ويبسمل جهرا وقال الائمة الثلاثة ليست هى جزأ من شىء من السور قال ابو حنيفة رض هى اية من القران نزلت للفصل فلا يقرأ البسملة وعند مالك رض فى الصلاة أصلا ولا مع الفاتحة ولا مع غيرها وعند ابى حنيفة رض واحمد رض يسن قرأتها مع الفاتحة سرا ولا يقرأ مع غيرها من السور وفى رواية عن محمد رض يستحب ان يقرأ سرا مع كل سورة وقد ذكرنا فى تفسير سورة الفاتحة الحجة على انها ليست من الفاتحة ولا من شىء من السور وان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لم يجهروا بها فى الصلاة وقد ذكر الشافعية فى الجهر بالتسمية تسعة أحاديث رواه دار قطنى والخطيب أورد كلها ابن الجوزي وقال ابن الجوزي قال الدار قطنى كلما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فى الجهر بالتسمية فليس بصحيح فاما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف وقد روى ابو داود ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وكان مسيلمة يدعى رحمن اليمامة فقال اهل مكة انما يدعوا محمد الله يمامة فامر الله رسوله فاخفاها حتى مات وهذا يدل على ان يجهر بها وعدم الجهر بالبسملة مروى عن ابى بكر وعمر وعثمن وعلى وابن مسعود وعمار بن ياسر وعبد الله بن مغفل وابن الزبير وابن عباس ومن كبار التابعين منهم الحسن والشعبي وسعيد بن جبير وابراهيم وقتادة وعمرو بن عبد العزيز والأعمش والثوري وانما يرون خلاف هذا عن معاوية وعطاء وطاؤس ومجاهد كذا قال ابن الجوزي وَتَبَتَّلْ اى انقطع عما سواه إِلَيْهِ تعالى تَبْتِيلًا مصدر من غير بابه وضع موضع تبتلا لرعاية الفواصل والاشارة الى ان التبتل فى الغالب امر كسبى يحتاج الى تعمق واجتهاد فالتبتيل مقدم على التبتل ومن ثم قال الحسن فى تفسيرها اجتهد وقال ابن زيد التبتل رخص الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله فكانه قال تبتل قلبك عما سوى ربك تبتيلا فتبتل لله تعالى وليس المراد بالتبتل ترك الملاقاة بالناس او التقصير فى أداء حقوق العباد او قطع نحو ذلك مما امر الله به ان يوصل إذ لا رهبانية فى الدين وان لنفسك عليك حقا ولاهلك عليك حقا ولضيفك عليك حقا بل المراد به قطع العلاقة الحسية والعلمية عن القلب وهو معنى القلب قالت الصوفية العلية الطريق الذي نحن بصدده قطعه خطوتان الخطوة الاولى الانقطاع عن الخلق والثانية الوصول الى الحق وأحدهما لازم للاخر ومن ثم ذكر الله سبحانه كلا الخطوتين بالعطف بالواو الذي هى للجمع وقدم قوله واذكر اسم ربك الذي هو عبارة عن

[سورة المزمل (73) : آية 9]

الوصول الى الحق على التبتل لانه هو المقصود بالتبتل وانما قلنا انه عبارة عن الوصول لان الذكر الذي لا يتطرق اليه الفتور ولا يستعقبه الذهول هو العلم الحضوري إذ لا يتصور ذلك فى العلم الحصولى بداهة والعلم الحضوري عبارة عن حضور نفس المعلوم عند العالم وذلك يعبر بدوام الحضور والوصول والاتصال والاتحاد والبقاء ونحو ذلك بألفاظ شتى وكانت الأوائل يعبرون عنها بالإخلاص قال ابن عباس وغيره فى تفسير هذه الاية أخلص الله إخلاصا وانما قال واذكر اسم ربك ولم يقل واذكر ربك لان الملازم للتبتل الذي هو المعبر بالفناء وانما هو علم الأسماء والصفات دون العلم المتعلق بالذات فانه بعد وراء الوراء ويحتمل ان يكون المراد بالذكر الذكر باللسان بموافقة القلب وبدوام الذكر الدوام العرفي بمعنى الإكثار بقدر الطاقة البشرية وذلك يفضى الى التبتل ووسيلة اليه بشرط الاجتباء عن الله تعالى كما يكون للانبياء والافراد من الأولياء او جذب من الشيخ وعلى هذا وجه التقديم على التبتل بأظهر تقدم طبعا واعلم ان على هذا التأويل فى قوله تعالى واذكر اسم ربك اشارة الى تكرير اسم الذات وفى قوله تعالى. رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ على قرأة الجر اشارة الى التصور احاطته تعالى بالممكنات ذكر النفي والإثبات وكلا التكريرين اساسان بطريقة ارباب كمالات الولايات وعلى هذا التأويل يثبت المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه اعنى قم الليل ورتل القران واذكر اسم ربك ويظهران كلا من الأمور الاربعة الصلاة وتلاوة القران وذكر اسم الذات والنفي والإثبات مدار لحصول مراتب القرب والدرجات غير ان الأولين لاهل الانتهاء والآخرين لاهل الابتداء وانما قدم الأولين على الآخرين لان المخاطب اولا هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو أكمل اهل الانتهاء والله تعالى اعلم رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو وحفص بالرفع على انه خبر مبتداء محذوف اى هو رب المشرق والمغرب او مبتداء خبره لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وقرأ الباقون بالجر على البدل من ربك وقيل بإضمار حرف القسم وجوابه لا اله الا هو فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا الفاء للسببية فان كونه ربا لجميع المخلوقات وتوحده بالالوهية يقتضى ان يوكل اليه الأمور كلها وفى هذه الاية دفع توهم ان التبتل عن الخلق يوشك ان يخل فى أموره المعايشة فان الإنسان مدنى الطبع لا يستغنى بعضهم عن بعض فابطل هذا الوهم بانه تعالى رب المشرق والمغرب وما بينهما من العباد والبلاد وأفعالهم ومنافعهم والقلوب كلها بيده يصرفها

[سورة المزمل (73) : آية 10]

كيف يشاء لا اله الا هو لا يتصور النفع ولا الضرر من أحد الا باذنه وإرادته فاتخذه وكيلا حسبك عن غيره ونعم الوكيل عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير فغدو خماصا وتروح بطانا رواه الترمذي وابن ماجة وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان روح القدس نفث فى روعى ان نفسا لم تمت حتى تستكمل رزقها الا فاتقوا الله واجملوا فى الطلب رواه البغوي فى شرح السنة والبيهقي فى الشعب وعن ابى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الزهادة فى الدنيا ليس بتحريم الحلال واضاعة المال ولكن الزهادة فى الدنيا ان لا يكون بما فى يديك أوثق مما فى يد الله وان تكون فى ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها ارغب فيها لو انها أبقيت لك رواه الترمذي قال الشيخ الاجل امامنا وقبلتنا يعقوب الكرخي رض ان من أول السورة الى هذه الاية اشارة الى مقامات السلوك من الخلوة بالليل والاشتغال بالقران وذكر الرحمن ونفى ما سواه والتوكل به ثم أشار الى أعلى مقامات السلوك وهو ابصر على جفاء الأعداء فقال. وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ اى الكفار من الخرافات فانهم كانوا يقولون كاهن شاعر مجنون وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا بان تجانبهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم الى الله هذه الاية نسختها اية القتال. وَذَرْنِي اى دعنى وَالْمُكَذِّبِينَ اى مع المكذبين فان الواو بمعنى مع ولا يجوز ان يكون للعطف والمعنى كل أمرهم الى فان لى غنية عنك فى مجازاتهم ولا يحزنك أقوالهم أُولِي النَّعْمَةِ ارباب النعمة يريد صناديد قريش وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا زمانا قليلا او امهالا قليلا الى ان يموتوا او يأتي امر الله بالقتال فيعذبهم الله بايديكم ويشف صدور قوم مومنين ويذهب غيظ قلوبهم قال مقاتل بن حسان نزلت فيمن هلكوا ببدر فلم يلبثوا الا يسيرا حتى قتلوا ببدر. إِنَّ لَدَيْنا تعليل للامر أَنْكالًا النكل القيد الثقيل اخرج البيهقي عن الحسن قال الأنكال قيود من النار وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ غير مبالغة تأخذ بالحلق لا تنزل ولا تخرج اخرج ابن جرير وابن ابى الدنيا فى صفة النار والحاكم والبيهقي عن ابن عباس فى قوله تعالى وطعاما ذا غصة قال شجرة الزقوم واخرج عبد الله بن احمد عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الضريع شىء يكون فى النار شبه الشوك امر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار إذا اطعم صاحبه لا يدخل البطن ولا يرفع الى الفم فيبقى بين ذلك لا يسمن ولا يغنى من جوع وَعَذاباً أَلِيماً اخرج ابن ابى الدنيا عن حذيفة مرفوعا انها

[سورة المزمل (73) : آية 14]

لتسقط عليهم اى على اهل النار حيات من النار وعقارب من نار ولو ان حية منها نفخت بالمشرق احرق من فى المغرب ولو ان عقربا منها ضربت اهل الدنيا احرقوا من آخرهم وانها لتسقط عليهم فيكون بين لحومهم وجلودهم واخرج مسلم عن ابى سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان أهون اهل النار عذابا ابو طالب وهو منعل بنعلين يغلى منهما دماغه واخرج مسلم عن النعمان بن بشير ان أهون اهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كغلى المرجل ما يرى ان أحدا أشد منه عذابا وانه لاهونهم عذابا واخرج الحاكم عن ابى هريرة نحوه. يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ ظرف لما فى لدنيا أنكالا من معنى الفعل والظاهر ان رجفة الأرض والجبال يكون قبل النفخة الاولى وعذاب الكفار بالانكال والجحيم بعد البعث فوجه الظرفية ان يوم القيامة زمان ممتد مما قبل النفخة الاولى ان يدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا عطف على ترجف اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس رض اى رملا سائلا قال الكلبي هو الرمل الذي إذا أخذت منه شيئا تبعك ما بعده. إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ يا اهل مكة رَسُولًا فى الكلام التفات فان فيما سبق من الكلام كان الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الكفار فى قوله واصبر على ما يقولون إلخ الى الغيبة وهذا خطاب مع الكفار وذكر النبي صلى الله عليه وسلم على الغيبة وفى هذا الكلام تأكيد لما سبق قال الله تعالى انا سنلقى عليك قولا ثقيلا ومضمون هذه الاية انا أرسلناك فمضمون الآيتين واحد- شاهِداً عَلَيْكُمْ بالاجابة او الامتناع كَما أَرْسَلْنا صفة لمصدر محذوف اى رسالا كارسالنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا يعنى موسى عليه السلام. فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ موسى عليه السلام فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا شديدا ثقيلا بعد طعام وبيل اى ثقيل لا يستمرئ ومنه الوابل للمطر العظيم أغرقه الله تعالى فى البحر ثم ادخله فى النار فكذا يفعل بكم ان تعصوا رسولكم. فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يا اهل مكة برسولكم يَوْماً اى عذاب يوم حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وأعرب باعرابه وظرف متعلق بتتقون اى كيف تتقون العذاب فى يوم ويحتمل ان يكون مفعولا لكفرتم اى كيف تتقون العذاب ان كفرتم يوما اى بيوم يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً من شدة هوله وطول زمانه فانه هذا على الفرض او التمثيل وأصله ان بالهموم يضعف القوى يسرع الشيب وشيبا جمع أشيب كما ان بيضا جمع ابيض عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك

[سورة المزمل (73) : آية 18]

قال اخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد قالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد قال ابشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج وماجوج الف ثم قال والذي نفسى بيده أرجو ان تكونوا ربع اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا نصف اهل الجنة فكبرنا فقال ما أنتم فى الناس الا كالشعرة السوداء فى جلد ثور ابيض او كشعرة بيضاء فى جلد ثور اسود متفق عليه وهذه الجملة صفة ليوم والعائد ضمير الفاعل على المجاز كما فى قولهم صام نهاره والعائد محذوف لقديره يوما يجعل الله فيه الولدان شيبا. السَّماءُ مع عظمتها وأحكامها مُنْفَطِرٌ منشق والتذكير على تاويل الشقف او إضمار كلمة شىء اى شىء منفطر بِهِ اى بذلك اليوم اى بشدته فكيف غير السماء الجملة صفة ثانية ليوما كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا هذه الجملة صفة ثالثة ليوما والوعد مصدر مضاف الى ضمير المفعول العائد الى اليوم او العائد محذوف والمصدر مضاف الى الفاعل اى كان وعد الله بالعذاب فيه مفعولا أورد الجملتين معطوفتين بغير العطف على طريقة الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان. إِنَّ هذِهِ الآيات نلقيه عليك تَذْكِرَةٌ تذكر العباد المبدأ والمعاد وتوضيح السبيل الموصل الى الله تعالى الى جوده والى انعامه ورضوانه والرشاد فَمَنْ شاءَ التذكر وسلوك السبيل الى ربه اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا الفاء للسببية اى ليس السبيل الى الله تعالى الا التذكرة فانه سبحانه اقرب إلينا من أنفسنا وليس الحجاب بيننا إلا حجاب الغفلة وحجاب العظمة والكبرياء منه تعالى والى تلك الحجب أشار النبي صلى الله عليه وسلم ان لله تعالى سبعون الف حجابا من نور وظلمة فحجب العظمة والكبرياء حجب نورانية قال الله تعالى الكبرياء ردائى والعظمة إزاري وحجب الغفلة العباد حجب ظلمانية لو كشف لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه وكشف تلك الحجب يتيسر بالتذكير فان التذكير يذيل الغفلة ويستوجب المحبة للمعية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحبه فالمحبة يفضى المحب الى المحبوب بحيث لا تمنعه سرادقات العظمة والكبرياء وإحراق سبحات الوجه كناية عن الفناء والبقاء وان كان ذلك فى مرتبة العلم قيل الجملة مضمونها التحير وهو مجاز عن التهديد. إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى اى اقرب مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ قرأ هشام بسكون اللام والباقون بضمها وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ قرأ ابن كثير والكوفيون بنصبهما

عطفا على ادنى يعنى تقوم اقرب من الثلثين وتقوم النصف وتقوم الثلث والباقون بجرهما يعنى اقرب من النصف ومن الثلث وهذه القراءة يدل على القيام اقل من الثلث فوق الربع وانما قلنا فوق الربع لما ذكرنا فيما قبل ان قوله تعالى او انقص منه قليلا يقتضى ان يكون القيام فوق الربع وَطائِفَةٌ عطف على فاعل تقوم مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ط اى جماعة أصحابك يقومون على ذلك المقدار اقتداء لسنتك كذا قال البيضاوي وقال البغوي فى تفسيره يعنى المؤمنين كانوا يقومون معه وهذا التأويل بعيد جدا فان الذين معه هم المؤمنون دون الكفار كما فى قوله نظر محمد رسول الله والذين معه فكلمة من للتبعيض يدل على ان القائمين كانوا بعض الصحابة دون كلهم وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عطف على ان ربك وفيه وضع المظهر موضع المضمر تقديره وهو يقدر الليل والنهار اى يعلم مقاديرهما كما هى وأنتم لا تعلمون كما هى قال البيضاوي تقديم اسم الله مبتداء مبنيا عليه يقدر يشعر بالاختصاص وهى مذهب عبد القاهر والزمخشري دون السكاكي عَلِمَ أَنْ مخففة واسمها ضمير الشان محذوف لَنْ تُحْصُوهُ اى تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات ومن ثم ربط وجوب الصلاة الخمس بامور ظاهرة كطلوع الصبح والشمس وزوالها وغروبها وقدر الظل وغروب الشفق فَتابَ عَلَيْكُمْ اى رجع عليكم من التشديد الى التخفيف فاسقط عنك ذلك القدر كيلا يشق على أمتك التأسي به فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ط الفاء للسببية ومعناه صلوا ما تيسر من الصلاة بالليل عبر عن الصلاة بالقراءة هاهنا كما عبر بالقيام فيما سبق تسمية الكل باسم الجزء فهذه الاية يقتضى كون القراءة ركنا للصلوة كما تقتضى تلك الاية بركنية القيام وعلى هذا العقد الإجماع ايضا فهذه الآية نسخ قيام الليل ذلك المقدار وبقي مطلق القيام بالليل واجبا ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس فصار تطوعا بعد فريضة يدل على ذلك ما ذكر من قول عائشة رض وابن عباس رض ومقاتل وابن كيسان قلت على تقدير كون القيام بالليل واجبا فى الابتداء على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته فكون ذلك منسوخا فى حق أمته امر مجمع عليه واما كونه منسوخا فى حق النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان فى الابتداء واجبا عليه خاصة او عليه وعلى أمته عامة فقد اختلف فيه فقيل لم ينسخ فى حق النبي صلى الله عليه وسلم بل كان قيام الليل واجبا عليه صلى الله عليه وسلم خاصة الى اخر عمره وقيل بل نسخ عنه صلى الله عليه وسلم ايضا وكان عليه الصلاة نافلة وهو الصحيح المختار عندى ويدل عليه قوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك فانه صريح فى كونه نافلة فان قيل معنى النافلة الزائدة يعنى زائدة فى الوجوب عليك لا على أمتك قلت لو كان كذلك يقال عليك فان صلة الوجوب تكون على

دون اللامم فان قيل فى وجه تخصيصه به عليه الصلاة والسلام فانها نافلة لجميع الناس غير ممنوعة عن أحد قلنا وجه التخصيص على ما روى عن مجاهد والحسن وابى امامة ان تسميتها نافلة فى حقه صلى الله عليه وسلم خاصة باعتبار كونها عامة فى رفع الدرجات بخلاف غيره فانها فى حق غيره نافلة فى تكفير السيئات غالبا ويدل ايضا على كون قيام الليل تطوعا فى حق النبي صلى الله عليه وسلم حديث المغيرة قال قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه فقيل له لم تصنع هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا ولم يقل انها فريضة على خاصة وحديث ابن عمر رض قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة الليل الا الفرائض ويوتر على راحلته متفق عليه (مسئلة:) اختلفوا فى ان صلوة الليل فى حق الامة من سنن الهدى المؤكدات او من المستحبات فقيل هى مندوب فى حقنا وهذا قول من قال هى كانت فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات قالوا الادلة القولية يفيد الندب والمواظبة الفعلية لم يكن على سبيل التطوع والسنة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التطوع والمختار عندى انها من سنن الهدى كما ذكرنا ان مواظبته صلى الله عليه وسلم كان على وجه التطوع وعلى تقدير تسليم كون المواظبة على سبيل الوجوب فمواظبته صلى الله عليه وسلم اى وجه كان يقتضى كون الفعل مسنونا ما لم يكن ممنوعا فى حق غيره كصوم الوصال مثلا وممّا يدل على كونه سنة مؤكدة حديث ابن مسعود قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل له ما زال نائما حتى أصبح ما قام الى الصلاة قال ذلك رجل بال الشيطان فى اذنه او قال فى اذنيه متفق عليه فان ترك المندوب لا يستحق عليه اللوم والعتاب والله تعالى اعلم- وقيل المراد بقوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القران القران فى الصلاة الخمس وقال الحسن يعنى فى صلوة المغرب والعشاء قال البغوي قال قيس بن حازم صليت خلف ابن عباس رض بالبصرة فقرأ فى أول ركعته بالحمد وأول اية من البقرة ثم قام فى الثانية فقرأ بالحمد والاية الثانية من البقرة ثم ركع فلما انصرف اقبل علينا بوجهه فقال ان الله عز وجل يقول فاقرؤا ما تيسر منه ويحتمل ان يكون المراد منه فاقرؤا القران بعينه كيف ما تيسر لكم (مسئلة:) اختلفوا فى مقدار القراءة التي لا يجوز الصلاة الا بها ومقدار الواجب منها فى الصلاة فقال ابو حنيفة رض فى احدى الروايات عنه ان ما هو ركن للصلوة ولا يصح الصلاة الا به هو ادنى ما يطلق عليه اسم القران ولم يشبه قصد الخطاب واحد او نحوه ويقتضى هذه الروايات الجواز بدون الاية وبه جزم القدورى وفى رواية عنه وعن احمد هو اية تامة لا يجوز الصلاة بما دون ذلك واختاره صاحب الهداية وفى رواية عنه وبه قال ابو يوسف رض ومحمد رض انه ثلث آيات قصار مثل

سورة الكوثر او اية طويلة تساوى الثلث لكن يجب عند ابى حنيفة رض وصاحبيه قراءة الفاتحة وقدر سورة معه فان ترك شيئا منها يجب سجدة السهو ان كان ترك سهوا فان لم يسجد وترك عمدا يأثم ويجب عليه الاعادة من غير افتراض وقال مالك رض والشافعي رض واحمد رض لا يصح الصلاة الا بفاتحة الكتاب وسن عندهم ضم السورة ولا يجب احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم لا صلوة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت ورواه الدار قطنى بلفظ لا يجوز صلوة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقال اسناده صحيح رواه ابن خزيمة وابن حبان بهذه اللفظ من حديث ابى هريرة رض وفيه قال الراوي قلت ان كنت خلف الامام قال فاخذ بيدي وقال اقرأ بها فى نفسك وروى مسلم واحمد عن ابى هريرة رض بلفظ من صلى صلوة لم يقرأ فيها بام القران فهى خداج هى خداج غير تمام فقلت يا أبا هريرة أحيانا أكون وراء الامام فقال اقرأ بها فى نفسك يا فارسى وروى الحاكم من طريق اشهب عن ابى عتبة عن ابى هريرة عن محمد بن الربيع عن عبادة مرفوعا أم القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضا عنها وبما ذكرنا من اختلاف ألفاظ الحديث ظهر لك اندفاع ما قيل ان معنى قوله لا صلوة الا بفاتحة الكتاب صلوة كاملة كما فى قوله عليه الصلاة والسلام لا صلوة لجار المسجد الا فى المسجد لان هذا التأويل لا يجرى فى اكثر ما ذكرنا من الألفاظ على ان متعلق الجار والمجرور الواقع خبر الا يقدر الا عاما اى لا صلوة كائنة وعدم الوجود شرعا هو عدم الصحة غير ان فى حديث لا صلوة الا فى المسجد لما قام الدليل عليه وهو الإجماع قلنا المراد هناك كون خاص اى كاملة فهو من باب حذف الخبر لا من باب وقوع الجار والمجرور خبرا وما مر فى تفسير سورة الفاتحة حديث قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين الحديث يدل على ان الصلاة لا يكون الا بفاتحة الكتاب وابو حنيفة رض أخذ بهذا الحديث قال بوجوب الفاتحة فى الصلاة ووجوب ضم السورة ايضا لما روى فى بعض الروايات لا صلوة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا رواه مسلم وابو داود وابن حبان وروى ابن ماجة عن ابى سعيد بلفظ لا صلوة لمن لم يقرأ فى كل ركعة بالحمد وسورة فى فريضة او غيرها واسناده ضعيف ولابى داود من طريق همام عن قتادة عن ابى بصر عن ابى سعيد قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر واسناده صحيح ولم يقل ابو حنيفة رض بكون الفاتحة ركنا للصلوة بحيث لا يجوز الصلاة الا بها عملا بهذه الاية فاقرؤا ما تيسر من القرآن قال صاحب الهداية الزيادة على الكتاب القطعي غير الواحد لا يجوز لكنه يوجب العمل

فقلنا بوجوبهما والصحيح عندى ان الفاتحة وكذا ضم السورة ركن للصلوة لا يجوز الصلاة الا بهما والاستدلال بهذه الاية على نفى الركنية لا يصح لان الظاهر فى تاويل الاية كما ذكرنا ان المراد بالقراءة نفس الصلاة بالليل ومعنى قوله تعالى فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسر انه خفف عنكم فى قيام الليل فصلوا ما تيسر لكم الصلاة فلا دلالة بهذه الاية على قدر القراءة وما لا بد منه وما قيل فى تأويله انه ما تيسر من القران فى الصلاة الخمس فتاويل بعيد واحتمال ضعيف والاحتمال لا يتصور كونه حجة للوجوب فكيف يحكم عليه بكونه قطعيا لا يجوز الزيادة عليه بخبر الواحد كيف والحديث تلقته الامة بالقبول وانعقد الإجماع على العمل به وتوارث النقل وتواتر المعنى ان النبي صلى الله عليه وسلم واحد من السلف والخلف لم يصل بغير الفاتحة وبمثل هذا الخبر والنقل التوارث يزاد على الكتاب اجماعا على ان الصلاة مجمل وأحاديث الآحاد يحتمل ان يكون بيانا للجمل ويبين أركانا لها ولقد قالت الحنفية القعدة الاخرة واستدلوا عليه بحديث ابن مسعود رض فى التشهد إذا قلت هذا او فعلت هذا فقد نمت صلوتك ان شئت ان تقوم فقم وان شئت ان تقعد فاقعد قالوا علق التمام بأحد الامرين فهو فرض مع ان الحديث من الآحاد ايضا والله تعالى اعلم وقد يستدل الحنفية على عدم ركنية الفاتحة بحديث ابى هريرة فى قصة المسيئ صلوته انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قمت الى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسرك من القران الحديث متفق عليه والجواب ان هذا الحديث وجوب القراءة مطلقا وما مر من قوله صلى الله عليه وسلم الا بفاتحة الكتاب يدل التعيين فالعمل بالحديثين بحمل المطلق على المقيد قلنا بركنية الفاتحة وقد ورد فى بعض طرق حديث المسيئ صلوته بلفظ فكبر ثم اقرأ بام القران ثم اقرأ بما شئت به الحديث رواه احمد من حديث رفاعة بن رافع ورواه الدار قطنى من حديثه بلفظ ثم يكبر الله ويثنى عليه ثم يقرأ بام القران وما اذن له فيه وما تيسر الحديث (مسئلة:) هل يجب القراءة على المقتدى أم لا فقال الشافعي رض يجب عليه قرأة الفاتحة كالامام والمنفرد قال البغوي كذا روى عن عمر رض وعثمان رض وعلى رض وابن عباس رض ومعاذ رض وقال ابو حنيفة رض ومالك رض واحمد رض لا يجب ثم اختلفوا فقال ابو حنيفة رض يكره مطلقا وقال مالك رض واحمد رض يكره فى الجهرية فقط وقال احمد رض يستحب فى السرية وكذا فى الجهرية عند سكتات الامام ان سكت لا مع قرأته وبه قال الزهري رض ومالك رض وابن المبارك رض ويروى ذلك عن ابن عمرو عروة بن الزبير وابو القاسم بن محمد وجه القول بسقوط القراءة عن المقتدى حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان له امام فقرأة الامام قرأة له رواه احمد والدار قطنى من طريق جابر الجعفي وضعفه الدار قطنى وقال ابن الجوزي وثقه الثوري

وشعبة ورواه الدار قطنى من طريق اخر وفيه لبث وقال ضعفه ابن علية وقال احمد حدث عن الناس ومن طريق اخر فيه يحى بن سلام بلفظة كل صلوة لا يقرأ فيها بام الكتاب فهى خداج الا ان يكون وراء الامام قال الدار قطنى يحى بن سلام ضعيف وقال ابن الجوزي لم نر أحدا ضعفه قال الدار قطنى والبيهقي وابن عدى الصحيح انه مرسل فان الحفاظ كسفيانين وابى الأحوص وشعبة وإسرائيل وشريك وابن خلد الدالاني وجرير وعبد الحميد وزائدة وزهير رووه عن موسى بن عائشة عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قلنا المرسل عندنا حجة وما ذكر فى الطرف المتصلة قد سمعت ان ابن الجوزي أنكر تضعيفه على انه قد رواه ابو حنيفة بسند صحيح على شرط الشيخين روى محمد فى مؤطاه انا ابو حنيفة ثنا ابو الحسن موسى بن ابى عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه احمد ابن منيع فى مسنده بسند صحيح على شرط مسلم قال انا اسحق الأرزق ثنا سقيان وشريك عن موسى ابن ابى عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر وفى الباب أحاديث اخر ضعيفة لم نذكرها كراهة الاطناب فان قيل قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القران عام فى المصلين فلا يجوز تخصيصه بخبر الآحاد وعلى اصل ابى حنيفة قلنا هى عام خص منه البعض وهو المدرك فى الركوع اجماعا فجاز تخصيصها بعده فى المقتدى ووجه القول بالاستحباب فى السرية حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأن أحد منكم شيئا من القران إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القران رواه الدارقطني وقال رجاله كلهم ثقات فتخصيص المنع بالجهرية يقتضى الاستحباب فى السرية واستثناء أم القران يقتضى قرأتها عند السكتات جمعا بين الأحاديث وعملا بقوله تعالى وإذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا والله تعالى اعلم وروى عن جماعة من الصحابة ترك القراءة خلف الامام رواه مالك فى المؤطا عن نافع عن ابن عمر انه كان لا يقرأ خلف الامام وروى الطحاوي عن زيد بن ثابت وجابر قالوا لا تقرأ خلف الامام فى شىء من الصلاة وروى محمد فى المؤطا انه سئل ابن مسعود رض عن القراءة خلف الامام قال انصت فان فى الصلاة شغلا ويكفيك الامام وروى محمد بن سعد قال وددت الذي يقرأ خلف الامام فى فيه جمرة وروى نحوه عبد الرزاق الا انه قال فى فيه حجر وروى محمد عن داود بن قيس عن عجلان ان عمر بن الخطاب قال ليت فى فم الذي يقرأ خلف الامام حجرا وروى ابن ابى شيبة فى مصنفه عن جابر قال لا يقرأ خلف الامام ان جهر ولا ان خافت وهذه الأقوال وجه الكراهة فى الجهرية بل فى السرية ايضا بإطلاقها وايضا ترك القراءة فى الجهرية مقتضى فى قوله تعالى

وإذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا وقوله صلى الله عليه وسلم إذا قرئ فانصتوا رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة من حديث ابى هريرة وسنذكر تفسير تلك الاية ان شاء الله تعالى (مسئلة:) هل يجب القراءة فى كل ركعة من فرض ونفل فقال الشافعي رض واحمد رض ومالك رض يجب فى كل ركعة مطلقا لان الأمر بالقراءة كالامر بالركوع والسجود وغير انه فى رواية عن مالك ان ترك القراءة فى ركعة واحدة من الفرض الثلاثي والرباعي ينجر بسجود السهو وقال ابو حنيفة فى الوتر والنفل يجب فى كل ركعة ولا ينجر بالسجود فان كل شفعة منه صلوة واما فى الفرض فلا يجب الا فى الركعتين وكان القياس وجوبها فى ركعة واحدة لان الأمر لا يقتضى التكرار ولكن قلنا القراءة وقدرها فلا يلتحقان بهما وهذا الكلام يتوقف على كون المراد بقوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القران فى القراءة فى الصلاة وذلك ممنوع وللجمهور حديث ابى هريرة قال دخل رجل المسجد فصلى والنبي صلى الله عليه وسلم فى المسجد ثم جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه السلام وقال ارجع فصل فانك لم تصل ففعل ذلك ثلث مرات فقال والذي بعثك بالحق نبيا ما احسن غير هذا فعلمنى فقال إذا قمت الى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القران ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وفى رواية ثم ارفع حتى تستوى قائما ثم افعل ذلك فى صلوتك كلها متفق عليه وحديث رفاعة الرزقي نحوه رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وحديث ابى قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى فيقرأ فى الظهر والعصر فى الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وفى الركعتين الأخريين بام القران وكان يطيل أول ركعة من صلوة الفجر وأول ركعة من صلوة الظهر متفق عليه وهذا الحديث مع قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتمونى أصلي التحق بيانا بجمل الكتاب وحديث ابى الدرداء ان رجلا قال يا رسول الله أفي كل صلوة قران قال نعم فقال رجل من الأنصار وجبت هذه فان قيل هذه الأحاديث من الآحاد ولا يجوز به الزيادة على الكتاب أجيب بانه على تقدير تسليم هذه المسألة الاصولية نقول بان هذا الحكم انما هو إذا كان الكتاب قطعى الدلالة وقوله تعالى فاقرؤا ليس بل يحتمل وجوه التأويل وان القراءة المأمور بها فى الصلاة مجمل يجوز ان يلتحق أحاديث الآحاد بها بيانا والله تعالى اعلم عَلِمَ الله إِنَّ مخففة من المثقلة وضمير الشان محذوف سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى بدل اشتمال من قوله تعالى علم ان لن تحصوه وتكرار فاقرؤا للتاكيد وقيل استيناف لبيان حكمة اخرى مقتضية للتخفيف

ولذلك كرر الحكم مرتبا عليه وَآخَرُونَ عطف على اسم يكون يَضْرِبُونَ اى يسافرون فِي الْأَرْضِ للتجارة او لتحصيل العلم وللحج يَبْتَغُونَ حال من ضمير يضربون مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الربح فى التجارة او العلم والثواب وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فلا يطيقون هؤلاء الأصناف سنة قيام الليل ذكر البغوي عن ابراهيم عن ابن مسعود رض قال أيما رجل جلب شيئا الى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء ثم قرأ عبد الله وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون فى سبيل الله فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ اى من القرآن فان قيل كلمة ما عام شامل يشتمل جميع ما تيسر فيلزم ان يكون المأمور به ذلك قلنا سوق الكلام يقتضى تخير المكلفين فى جميع افراد ما تيسر فاى فرد منها اتى به فقد اتى بالمأمور به (مسئلة) ويستحب القصد فى العمل والتوسط دون الافراط والتفريط ويستحب المواظبة على المتوسط دون الافراط تارة وترك اخرى واد فى المتوسط يقرأ خمسين اية ومائة وأكثره الف اية حتى يكون الختم فى الأسبوع اخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فاقرءوا ما تيسر منه قال مائة اية قال ابن كثير غريب جدا وروى البغوي بسنده عن انس انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ خمسين اية فى يوم وليلة لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائة اية كتب من القانتين ومن قرأ مائتى اية لم تحاجه القران يوم القيامة ومن قرأ خمسمائة اية كتب له قنطار من الاجر وروى الدارمي عن الحسن مرسلا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من قرأ فى ليلة مائة اية لم يحاجه القرآن تلك الليلة ومن قرأ فى ليلة مائتى اية كتب له قنوت ليلة ومن قرأ خمسمائة اية الى الف له صحيح فله قنطار من الاجر قالوا وما القنطار قال اثنى عشر الف درجة وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرء القرآن فى كل شهر قال قلت انّى أجد قوة قال فاقرءه فى عشرين ليلة قال قلت انى أجد قوة قال فاقرأ فى سبع ولا تزد على ذلك وفى الصحيحين عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الأعمال الى الله أدومها وان قل وفيهما عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا من الأعمال ما يطيقون فان الله لا يمل حتى تملوا وفيهما عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصل أحدكم نشاطه وإذ فتر فليقعد وفيهما عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نعس أحدكم وهو يصلى فليرقد حتى يذهب عنه النوم فان أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدرى لعله يستغفر فيسب نفسه وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ المكتوبة الجملة مع

ما عطف عليه معطوفة على فاقرؤا وكلمة الواو للجمعية فهذا العطف يقتضى ان قيام الليل بما تيسر من القران لم ينسخ بالصلوات الخمس كما قيل فثبت ان الأمر كان للندب دون الوجوب والله تعالى اعلم وَآتُوا الزَّكاةَ المفروضة وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قال ابن عباس المراد به الانفاق سوى الزكوة من صلة الرحم وقرى الضيف قلت ويحتمل ان يكون المراد به مطلق الطاعات لله تعالى وان يكون المراد به الزكوة على احسن الوجه يدل عليه قوله تعالى قَرْضاً مفعول مطلق من قبيل أنبته الله نباتا حَسَناً صفة للمصدر وفيه ترغيب لوعد العوض وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ عبادة بدنية او ما فيه شرط جزاءه تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ط من الذي توخرونه الى الوصية عند الموت ومن متاع الدنيا وخيرا ثانى مفعولى تجدوه وهو الضمير الفصل لا محل له من الاعراب لان افعل من حكمه حكم المعرفة فلذلك يمتنع من حرف التعريف عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم ماله أحب اليه من مال وارثه قالوا ما منا أحد الا ماله أحب اليه من مال وارثه قال اعلموا ما تقولون قالوا ما نعلم الا ذلك يا رسول الله قال ما منكم رجل الا مال وارثه أحب اليه من ماله قالوا كيف يا رسول الله قال انما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما اخر رواه البغوي وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ط لذنوبكم الجملة معطوفة على اقيموا الصلاة إلخ وفيه اشارة الى ان الإنسان لا يعتبر باعمال البر ولا يتكل عليه بل لا بد مع ذلك من الاستغفار فان ما صدر منه من الطاعات قلما يخلو من التقصيرات ثم كلما صدر من العبد وان جل فهو بالنسبة الى جناب قدسه وجلالته وعظمته لا يليق به تعالى ما لم ينضم معه الاعتراف بالعجز والقصور والذل إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ عن تقصيراتكم رَحِيمٌ بكم يعطى الثواب الجزيل على العمل القليل.

سورة المدثر

سورة المدّثر مكيّة وهى ست وخمسون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى الشيخان فى الصحيحين عن يحى بن كثير قال سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القران قال يايها المدثر قلت يقولون اقرء باسم ربك قال ابو سلمة سالت جابرا عن ذلك وقلت له مثل الذي قلت لى فقال لى لا أحدثك الا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت هبطت فنوديت فنظرت عن يمينى فلم ار شيئا ونظرت عن شمالى فلم ار شيئا ونظرت عن خلف فلم ار شيئا فرفعت راسى فرايت شيئا فاتيت خديجة فقلت دثرونى دثرونى وصبوا على ماء باردا فنزلت يايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر وذلك قبل ان يفرض الصلاة قلت والمرفوع من الحديث لا يدل على نزول هذه السورة قبل اقرأ والصحيح ان نزول اقرء قبل ذلك كما سنذكر فى شان نزوله فى تلك السورة ان شاء الله تعالى ويدل على هذا ما رواه الشيخان عن جابر ايضا انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحى فبينا انا امشى سمعت صوتا من السماء فرفعت بصرى فاذا الملك الذي جاء فى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فجئت فيه رعبا حتى هويت الأرض فجئت أهلي فقلت زملونى زملونى فانزل الله تعالى يايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ثم حمى الوحى وتتابع فان هذه الرواية صريحة فى ان نزول سورة المدثر بعد فترة الوحى وكان روية الملك بحراء قبل ذلك واخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس ان وليد بن مغيرة صنع لقريش طعاما فلما أكلوا قالوا ما تقولون فى هذا الرجل فقال بعضهم ساحر وقال بعضهم ليس بساحر وقال بعضهم كاهن وقال بعضهم ليس بكاهن وقال بعضهم شاعر وقال بعضهم ليس بشاعر وقال بعضهم سحر يوثر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزن ورفع راسه وتدثر فانزل الله تعالى يايها المدثر الى قوله وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ... يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ من مضجعك او قم قيام عزم وجد فَأَنْذِرْ حذف المفعول ليدل على التعميم يعنى انذر الناس أجمعين بعذاب العالمين لمن أشرك به. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ الفاء فيه وفيما بعده لافادة معنى الشرط تقديره اما ربك

[سورة المدثر (74) : آية 4]

فكبر يعنى مهما يمكن من شىء وكنت على اى حال فكبر ربك قلت ويحتمل ان يكون تقديره وكبر ربك فكبره والغرض بالتكرار استمرار نفسه عليه ومعنى كبر عظمه عن الحدوث وعن سمات النقص والزوال وعن التشريك فى وجوب الوجود والالوهية والتشريك فى العبادة والتشبيه بشىء من الممكنات فى شىء من الذات والصفات والافعال وصفه باوصاف الكمال ما لا يتصف به غيره وهذا أول ما يجب على الإنسان وأهم من جميع الواجبات ولا يحتمل العفو والسقوط ويحكم به العقل قبل النقل لكن العقل غير كاف فى دركه كما ينبغى (مسئلة:) احتج الفقهاء لهذه الاية على فرضية التكبير لتحريمة الصلاة لكن قال ابو حنيفة رض ومحمد رض انها تنعقد لكل لفظ يوجب التعظيم نحو الله أجل والله أعظم ولا اله الا الله والرحمن اكبر وغير ذلك لا بلفظة الله اكبر وحده لان المأمور به التكبير وهو التعظيم وقال ابو يوسف رض ان كان يحسن ان يقول الله اكبر فلا يجزيه الا ذاك او الله الأكبر او الله الكبير لان الالف واللام ابلغ فى الثناء وافعل وفعيل فى أوصافه سواء وقال الشافعي رض لا يجوز الا الله اكبر والله الأكبر وقال مالك رض واحمد لا يجوز الا الله اكبر فقط والصحيح ان هذه الاية ليست فى تكبير التحريمة كما فى الصحيحين انه أول القران نزولا وذلك قبل ان يفرض الصلاة والقول بان التكبير لم يجب خارج الصلاة واصل الأمر للوجوب فالثابت بهذه الاية وجوبها فى الصلاة ممنوع بل التحقيق ان التكبير هو التوحيد أول ما يجب على الإنسان ولا يحتمل السقوط والتحقيق فى باب التحريمة ان الصلاة مجمل الحق بها فعل النبي صلى الله عليه وسلم بيانا وقد تواتر صيغة الله اكبر للتحريمة ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة شروع الصلاة بغير ذلك ولو كان الشروع بغير ذلك جائز الفعل ذلك للجواز فظهر انه بعينه هو الفريضة لا غير وقد ورد فى بعض طرق حديث رفاعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقبل الله صلوة امرأ حتى يسبغ الوضوء ثم يستقبل ويقول الله اكبر. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال قتادة ومجاهد نفسك فطهرها من الذنب كنى عن النفس بالثوب وهو قول ابراهيم والضحاك والشعبي والزهري وقال عكرمة سئل عن ابن عباس عن قوله وثيابك فطهر قال لا تلبسها على معصية وعلى عذرة ثم قال سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي وانى بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من عذرة أتقنع- وكذا قال ابى بن كعب وروى عن الضحاك معناه عملك فاصلح وقال السدى يقال للرجل إذا كان صالحا انه طاهر الثياب وإذا كان فاجرا انه لخبيث الثياب وقال سعيد بن جبير وقلبك وبيتك فطهر وقال الحسن وخلقك فحسن وقال ابن سيرين وابن زيد امر بتطهير الثياب

[سورة المدثر (74) : آية 5]

من النجاسات التي لا يجوز الصلاة معها وذلك ان المشركين لا يتطهرون ثيابهم وقال طاؤس وثيابك فقصر لان تقصير الثوب طهارة لها قلت والظاهر عندى انه امر بتطهير الثياب فالواجب بالمنطوق وعبارة النص انما هو تطهير الثوب وبدلالة النص يجب تطهير البدن بالطريق الاولى فان الله سبحانه القدوس المطهر الطاهر لما لم يرض بنجاسة الثوب فكيف يرضى بنجاسة البدن وهو فوق ذلك واقرب منه وبنجاسة النفس او القلب فانه اقرب من البدن ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (مسئلة:) احتج الفقهاء بهذه الاية لاشتراط طهارة الثوب والمكان والبدن عن النجاسة الحقيقية للصلوة والصحيح عندى انه لا دلالة على اشتراطها للصلوة بل على وجوب الطهارة الثلث فى جميع الأحوال لكن انعقد الإجماع على اشتراطها للصلوة والسند للاجماع انه ثبت بمحكم التنزيل الطهارة من الأحداث فيجب لطهارة عن الاخباث بالطريق الاولى قال الله تعالى فى اية الوضوء ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وقال الله تعالى طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود والله تعالى اعلم- عن ابن عباس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال انهما يعذبان وما يعذبان فى كبيرة اما أحدهما فكان لا يستتر من البول وفى رواية لمسلم لا يستنزه من البول واما الاخر فكان يمشى بالنميمة الحديث متفق عليه. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ قرأ ابو جعفر وحفص عن عاصم ويعقوب الرجز بضم الراء والباقون بكسرها وهما لغتان ومعناهما واحد قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد وابو سلمة المراد بالرجز الأوثان قال فاهجرها ولا تقربها وروى عن ابن عباس ان معناه اترك الإثم وقال ابو العالية والربيع الرجز بضم الراء الصنم وبالكسر النجاسة والمعصية وقال الضحاك يعنى الشرك وقال الكلبي يعنى العذاب يعنى اهجر ما يوجب العذاب من العقائد والأعمال. وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ اى لا تعط مالك لتعطى اكثر منه هذا قول اكثر المفسرين قال قتادة لا تعط شيئا طمعا لمجازاة الدنيا بل لوجه الله خالصا وجملة تستكثر حال من فاعل لا تمنن قيل هذا نهى تنزيهى وقال الضحاك ومجاهد كان هذا الحكم فى حق النبي صلى الله عليه وسلم خاصة قال الضحاك بهما ربوان حلال وحرام اما الحلال فالهدايا اما الحرام فالربوا وقال الحسن معناه لا تمنن على الله بعملك فتستكثر يعنى مستكثرا عملك وقال لا تستكثرون عملك فى عينك فانه فيما أنعم الله عليك قليل وروى خصيف عن مجاهد ولا تضعف ان تستكثر من الخير عن قولهم جهل منين اى ضعيف وقال ابن زيد معناه لا تمنن بالنبوة على الناس فتاخذ عليها عوضا واجرا من الدنيا وقيل معناه لا تمنن على الفقير

[سورة المدثر (74) : آية 7]

إذا أعطيته مستكثرا اعطائك. وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ط تقديره واما لربك فاصبر على طاعاته وأوامره ونواهيه والمصائب لاجل ثواب الله تعالى وابتغاء مرضاته والتقدير واصبر لربك فاصبر كرر للتاكيد او لتنوع انواع الصبر وقال مجاهد فاصبر اليه على ما أوذيت وقال ابن زيد معناه حملت امرا عظيما محاربة العرب والعجم فاصبر عليه لله عز وجل وقيل فاصبر تحت موارد القضاء لاجل الله. فَإِذا نُقِرَ اى نفخ فِي النَّاقُورِ فى الصور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله قرع الشيء المفضى الى النقب ومنه المنقار للطائر كذا فى الصحاح قال ابو الشيخ بن حيان فى كتاب العظيمة عن وهب بن منبة قال خلق الله الصور من اللؤلؤ البيضاء فى صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان اسرافيل فامره ان يأخذ الصور فاخذه وبه نقب بعد وكل روح مخلوقة ونفس منفوسة لا يخرج روحان من نقب واحد وفى وسط الصور كوة كاستدارة السماء والأرض واسرافيل واضع فيه على تلك الكرة ثم قال له الرب تبارك وتعالى قد وكلتك فانت بالنفخة والصيحة فدخل فى مقدم العرش ادخل رجله اليمنى تحت العرش وقدم اليسرى ولم يطرف قد خلقه الله ينتظر متى يوم مروا اخرج احمد والترمذي والطبراني بسند جيد عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحتى جبهته وأصغى بالسمع متى يومر فشق ذلك على الصحابة فقال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل واخرج احمد والحاكم عن ابن عباس نحوه بزيادة على الله توكلنا والفاء فى فاذا نقر لسببية كانه قال اصبر على اذاهم فبين أيديهم زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك وإذا ظرف لما دل عليه قوله. فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ معناه يعسر الأمر على الكافرين يومئذ لتضمن إذا معنى الشرط دخل الفاء فى قوله فذلك وذلك اشارة الى وقت النقر مبتداء خبره يوم عسير ويومئذ بدله فهو فى محل الرفع مبنى الاضافة الى غير متمكن غَيْرُ يَسِيرٍ تأكيد بمنع ان يكون عسيرا من وجه ويسيرا من وجه وفيه اشارة الى كونه يسيرا على المؤمنين ذكر البغوي ان الله تعالى لما انزل على النبي صلى الله عليه وسلم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لا اله الا الله هو اليه المصير قام النبي صلى الله عليه واله وسلم بالمسجد والوليد بن مغيرة قريب منه يسمع قرأته فلما فطن النبي صلى الله عليه وسلم لاستماعه قرأته أعاد قراءة الاية فانطلق الوليد حتى اتى مجلس قومه بنى مخذوم فقال والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا هو من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لعلاوة وان أعلاه لمثمر

[سورة المدثر (74) : آية 11]

وان أسفله لمعذق وان يعلو ولا يعلى ثم انصرف الى منزله فقالت قريش صبا والله الوليد والله ليصبان قريش كلهم وكان يقال للوليد ريحانة قريش فقال ابو جهل انا أكفيكموه فانطلق فقعد الى جنبه حزينا فقال مالى أراك حزينا يا ابن أخي فقال ما يمنعنى ان لا احزن وهذه قريش يجمعون لك بقية يعنونك على كبر سنك ويزعمون انك زينت كلام محمد وتدخل على ابن كثير وابن ابى قحافة ليتنال من فضل طعامهم فغضب الوليد فقال الم يعلم قريش ان من أكثرهم مالا وولدا وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل ثم قام مع ابى جهل حتى اتى مجلس قومه فقال لهم تزعمون ان محمدا مجنون فهل رايتموه ينطق قط قالوا اللهم لا قال تزعمون انه كاهن فهل رأيتموه قط يكهن قالوا اللهم لا قال تزعمون انه شاعر فهل رأيتموه ينطق يشعر قالوا اللهم لا قال تزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب قالوا اللهم لا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى الامين قبل النبوة من صدقه وقالت قريش للوليد فما هو فتفكر فى نفسه ثم نظر وعبس فقال ما هو الا ساحر من رايتموه تفرق بين الرجل واهله وولده ومواليه فهو ساحر بقوله سحر يوثر واخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس نحوه وقال فحينئذ نزلت. ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم من طرق اخر نحوه والواو بمعنى مع كما مر فى قوله ذرنى والمكذبين اى ذرنى معه وَحِيداً حال من مفعول ذرنى يعنى لاتهتم به وذرنى وحدي معه فانى أكفيكه او من فاعل خلقت اى خلقته وحيدا لم يشاركنى فى خلقه غيره رد من ضمير مفعول العائد المحذوف اى من خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولدا والمعنى خلقته وحيدا فى الشرارة ووحيدا غير منسوب الى اب لانه كان زنيما قال البغوي انه كان يسمى فى قومه وحيدا فسماه الله به تهكما واستهزاء وما على تسمية نفسه وحيدا. وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً مبسوطا كثيرا اى ممدودا بالنماء كالزرع والضرع والتجارة قال مجاهد وسعيد بن جبير الف دينار وقال قتادة اربعة آلاف دينار وقال سفيان الف الف وقال ابن عباس تسعة آلاف مثقال فضة وقال مقاتل كان له بسمتان بالطائف لا ينقطع ثماره شتاء وصيفا وقال عطاء عن ابن عباس كان له بين مكة والطائف ابل وخيل وغنم وكان له عين كثيرة وعبيد وجوارى. وَبَنِينَ شُهُوداً حضورا بمكة بلقائهم لا يحتاجون الى السفر بطلب المعاش وكانوا عشرة وقال مقاتل كانوا سبعة وهم الوليد بن الوليد وخالد وعمارة وهشام والعاص وقيس وعبد الشمس اسلم منهم خالد وهشام وعمارة. وَمَهَّدْتُ لَهُ اى بسطت له الرياسة وألحاه العريض حتى يقال ريحانة قريش والتوحد باستحقاق الرياسة والتقدم او مهدت له فى طول العمر تَمْهِيداً بسطا.

[سورة المدثر (74) : آية 15]

ثُمَّ يَطْمَعُ يرجو أَنْ أَزِيدَ له مالا وولدا وتمهيدا. كَلَّا ط ردع اى لا افعل ذلك لكفرانه قال البغوي قالوا فما زال الوليد بعد نزول هذه الاية فى نقصان ماله وولده حتى هلك إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً ط معاندا حيث أنكر وقال سحر يوثر تعليل للردع فان الكفران ومعاندة آيات النعم زوال النعمة وبمنع الزيادة. سَأُرْهِقُهُ ساغشيه صَعُوداً عذابا شاقا يغلبه ويعلوا كل عذاب عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى سارهقه صعودا قال هو جبل فى النار من نار يكلف ان يصعده فاذا وضع يده ذابت فاذا رفعها عادت فاذا وضع رجليه ذابت فاذا رفعها عادت رواه البغوي عنه وعن عمر بن الخطاب ورواه احمد والترمذي وابن حبان والحاكم وصححه عن ابى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه جبل فى النار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى وهو كذلك فيه ابدا وقال الكلبي الصعود صخرة ملساء فى النار يكلف ان يصعدها لا يترك نفس فى صعوده بجذب سلاسل الحديد ويضرب من خلفه بمقامع من حديد فيصعدها فى أربعين عاما فاذا بلغ ذروتها أحد الى أسفلها ثم يكلف ان يصعدها يجذب من امامه ويضرب من خلفه فذلك دابه ابدا. إِنَّهُ فَكَّرَ فيما تخيل طعنا فى القران وَقَدَّرَ فى تفسير ما يقول هذه الجملة بيان لعناده وتعليل لما يستحقه من العذاب. فَقُتِلَ لعن وقال الزهري عذب كَيْفَ قَدَّرَ تعجيب من تقدير استهزاء به وفيه انكار وتوبيخ وكيف حال من فاعل قدر والجملة تعليل لقوله قتل وجملة فقتل معترضة دعائية والفاء فيه للاعتراض. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ كرر للتاكيد وكلمة ثم للدلالة على ان الثانية ابلغ من الاولى. ثُمَّ نَظَرَ عطف على فكر وقدر اى فكر وقدر ثم نظر فى أم القران متراخيا مرة بعد اخرى. ثُمَّ عَبَسَ وجهه لما لم يجد فيه طعنا ولم يدر ما يقول او نظر الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعبس وجهه عداوة وَبَسَرَ بمعنى عبس وقهر تأكيد له. ثُمَّ أَدْبَرَ عن الحق والايمان به او الرسول صلى الله عليه وسلم وَاسْتَكْبَرَ عن اتباعه. فَقالَ الفاء للدلالة على انه لما خطرت هذه الكلمة بباله تقولها من غير تلبث وتفكر إِنْ هذا اى القران إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ يروى عن غيره. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ تأكيد للجملة الاولى ولذا لم يعطف. سَأُصْلِيهِ سَقَرَ بدل اشتمال من سارهقه صعودا وسقر اسم من اسماء جهنم. وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ تفخيم لشانها وجملة ما سقر بتأويل المفرد

[سورة المدثر (74) : آية 28]

مفعول لادريك. لا تُبْقِي شيئا يلقى فيها وَلا تَذَرُ ج اى لا تدع حتى تهلكه قال مجاهد معناه لا تبقى حيا ولا تذر من فيها ميتا كلما احترقوا جددوا قال الضحاك لكل شىء ملال وفطرة الا سقر هذه الجملة والجملتين بعدها مستأنفات لبيان تفخيم شأن سقر واحوال من سقر. لَوَّاحَةٌ اى هى لواحة لِلْبَشَرِ ج جمع بشرة مغيرة للجلد من البياض الى السواد فقال ابن عباس وزيد بن اسلم محترقة للجلد وقيل معناه لائحة للناس قال الحسن وابن كيسان يلوح لهم حتى يردها عيانا نظيره وبرزت الجحيم للغاوين. عَلَيْها اى على النار تِسْعَةَ عَشَرَ من الملائكة وهم خزنتها مالك مع ثمانية عشر اخرج ابن المبارك والبيهقي أحدهم عن ابى العوام قال هم تسعة عشر ملكا بين منكبى كل منهم مسيرة كذا وكذا واخرج ابن وهب عن زيد بن اسلم قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين منكبى أحدهم مسيرة سنة نزعت عنهم الرحمة برفع أحد منهم سبعين الفا فيرميهم حيث أراد من جهنم قال البغوي قال ابن عباس وقتادة والضحاك وكذا اخرج البيهقي عن ابن اسحق انه لما نزلت هذه الاية قال ابو جهل لقريش ثكلتكم أمهاتكم اسمع ابن ابى كبشة يخبر ان خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم الشجعان أفيعجز كل عشر منكم ان تبطشوا لواحد من خزنة جهنم قال ابو الأسد بن كلده الجمعى انا أكفيكم منهم سبعة عشر عشرة على ظهرى وسبعة على بطني وكفونى أنتم اثنين واخرج البيهقي عن السدى لما نزلت عليها تسعة عشر قال رجل من قريش يدعى أبا الاسدين يا معشر قريش لا يهولنكم التسعة عشر انا ادفع عنكم بمنكبي الايمن عشرة وبمنكبي الأيسر تسعة فانزل الله تعالى. وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ يعنى خزنتها إِلَّا مَلائِكَةً ص لا رجالا آدميين حتى يمكن من الكفار تدافعهم وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ اى عددهم فى القلة إِلَّا فِتْنَةً عدو الذي اقتضى فتنتهم اى ضلالتهم وكفرهم لاستقلالهم والاستهزاء بهم واستبعادهم ان يتولى هذا العدد القليل تعذيب جميع الكفار لِلَّذِينَ كَفَرُوا حتى قالوا ما قالوا لِيَسْتَيْقِنَ متعلق بفعل محذوف دل عليه السباق اى نبئناك بعددهم ليستيقن الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ نبوتك وصدق القران حين يوافق ذلك فى التورية والإنجيل وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا بالايمان او بتصديق اهل الكتاب له إِيماناً مصدر او تميز من النسبة وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ فى عددهم تأكيد للاستيقان وزيادة الايمان فعطف لا يرتاب عطف تفسيرى

[سورة المدثر (74) : آية 34]

اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي فى البعث عن البراء بن عاذب ان رهطا من اليهود سألوا أرجلا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن خزنة جهنم فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه ساعتئذ عليها تسعة عشر فصار هذا سببا لاستيقان الذين أوتوا الكتاب وازدياد المؤمنين ايمانا وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شك او نفاق عطف على ليستيقن وهذا اخبار بمكة بما سيكون فى المدينة بعد الهجرة من المنافقين ولم يكن بمكة منافق وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا ط المستغرب استغراب المثل وقيل لما استبعدوه حسوا انه مثل مضروب فكلمة مثلا اما حال من هذا وعامل فيه معنى الاشارة او تنبيه او تميز وهذا اسم تام بتنوين مقدر كَذلِكَ متعلق بما بعده اى كما أضل الله بذكر عدد الخزنة قوما وهدى به قوما يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ ط اى الله تعالى إضلاله وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ الله هدايته وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ يعنى كنههم وكيفية قوتهم واما عددهم فقد ذكر انهم تسعة عشر لا يحتمل الزيادة والنقصان إِلَّا هُوَ ط قال مقاتل هذا جواب ابى جهل حين قال ما لمحمد أعوان الا تسعة عشر قال عطاء وما يعلم جنود ربك الا هو يعنى الملائكة الذين خلقهم لتعذيب اهل النار لا يعلم عدتهم لا الله يعنى ان تسعة عشر خزنة النار ولهم من الأعوان والجنود ما لا يعلم الا الله اخرج هناد عن كعب قال يومر بالرجل الى النار فيبتدر مائة الف ملك قال القرطبي المراد بقوله تسعة عشر رؤسائهم اما جملة خزنة فلا يعلم عددهم الا الله وَما هِيَ وما سقر او عدة الخزنة او السورة إِلَّا ذِكْرى اى تذكرة لِلْبَشَرِ كَلَّا ردع لمن أنكرها او انكار لان يتذكر بها وان كان فى نفسه ذكرى وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ قرأ نافع وحفص وحمزة ويعقوب بإسكان الذال وأدبر على وزن افعل والباقون إذا بالألف بعد الذال دبر على وزن فعل ومعنى دبروا دبروا حد كقيل بمعنى أقيل يقال دبر الليل وأدبر إذا ولى ذاهبا وقال ابو عمرو بلغة قريش وقال قطرب دبر بمعنى اقبل تقول العرب دبرنى فلان اى جاء خلفى والليل يأتي خلف النهار. وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ اى أضاء. إِنَّها اى سقر لَإِحْدَى الْكُبَرِ اى أحد البلايا الكبرى فانها كثيرة والسقر واحد منها او المعنى انها اى احدى البلايا الكبر جهنم وجهنم ولظى والحطمة والسعيرة والجحيم والهاوية وانما جمع كبرى على كبر الحاقا لها بفعله تنزيلا للالف منزلة التاء كما ألحقت قاصعا بقاصعة فجمعت

[سورة المدثر (74) : آية 36]

على قواصع والجملة جواب القسم او تعليل لكلا والقسم معترض للتاكيد. نَذِيراً لِلْبَشَرِ تميز عن احدى الكبر انذارا او حال عما دلت عليها الجملة اى كبرت منذرة قال الحسن والله ما انذر بشئ أدهى منها وقال الخليل النذير مصدر كالنكير والمذكر وصف به المؤنث يعنى جعل حالا للمؤنث وقيل نذيرا حال من فاعل وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة منذرا للبشر وقيل معناه يايها المدثر قم نذير البشر فانذر. لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ بدل من قوله للبشر اى نذيرا للفريقين وحينئذ قوله أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ط مفعول لشاء اى من شاء ان يتقدم فى الخير والطاعة ومن شاء ان يتاخر فى الشر والمعصية ويحتمل ان يتقدم او يتاخر مبتداء ومن شاء منكم خبرا مقدما عليه والمعنى لان يتقدم من شاء منكم ويتاخر من شاء نظيره قوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فهو توبيخ وإنذار. كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ من السيئات رَهِينَةٌ مصدر كالشتيمة بمعنى رهن لا بمعنى المفعول اى مرهون ولو كان صفة لقيل رهين لان الفعيل بمعنى المفعول يستوى فيه المؤنث والمذكر والمعنى كل نفس بما كسبت من السيئات بكفرها محبوسة فى النار ابدا. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ اى الذين يعطون كتبهم بايمانهم كذا روى عن ابن عباس اخرج ابن المبارك عن رجل من بنى اسد قال قال عمر لكعب قل من حديث الاخرة قال نعم يا امير المؤمنين إذا كان يوم القيامة وضع اللوح المحفوظ فلم يبق أحد من الخلائق الا هو ينظر الى عمله ثم يوتى بالصحف التي فيها اعمال العباد فتنشر من حول العرش ثم يدعى المؤمن فيعطى كتابه بيمينه فينظر فيه وقال مقاتل هم اهل الجنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق قال لهم الله هؤلاء للجنة ولا أبالي وعن ابن عباس انهم الذين كانوا ميامين على أنفسهم ومال هؤلاء الأقوال واحد يعنى الا المؤمنين فانهم غير محبوسين فى النار ابدا بل ينجون اما بالمغفرة بعد العذاب بقدر ذنوبهم او بلا تعذيب بالشفاعة او بمحض الفضل وقال الحسن هم المسلمون المخلصون وقال القاسم كل نفس ماخوذة بكسبها من خير او شر الا من اعتمد على الفضل فان كل من اعتمد على الكسب رهين ومن اعتمد على الفضل فهو غير ماخوذ وعلى هدين القولين معنى الاية كل نفس مرهونة اى ماخوذة باعمالها واو فى الجملة الا المسلمين الكاملين فانهم غير ماخوذين أصلا لكن اطلاق اصحاب اليمين على هؤلاء المخلصين لا دليل عليه وكذا روى سعد بن منصور وابن ابى حاتم والحكيم فى نوادر الأصول عن علىّ انهم أطفال المسلمين وزاد الحكيم لم يكسبوا فيرتهنوا بكسبهم وما روى

[سورة المدثر (74) : آية 40]

ابو ظبيان عن ابن عباس انهم الملائكة فما لم يصح الأثر به لا يمكن حمل اصحاب اليمين عليه. فِي جَنَّاتٍ خبر مبتداء محذوف اى هم فى جنات والجملة فى مقام التعليل للاستثناء ويحتمل ان يكون حالا من اصحاب اليمين او من ضميرهم فى قوله يَتَساءَلُونَ اى يسأل بعضهم بعضا اى يسئل غيرهم والتفاعل لاجل تشاركهم فى السؤال. عَنِ الْمُجْرِمِينَ اى عن حال المجرمين الكفار. ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ هذا الاستفهام مع جوابه حكاية لما جرى بين المسئولين والمجرمين وما أجاب المجرمون به السائلين المسئولين وايضا ان فى الكلام حذف للاختصار تقديره يتساءلون عن المجرمين فيقولون المسئولون ما سلككم فى سقر إلخ وقيل كلمة عن زائدة تقديره يتساءلون المجرمين بقولهم ما سلككم فى سقر. قالُوا اى المجرمين فى جوابهم لَمْ نَكُ سقطت النون بالجزم لمشابهته بحرف العلة فى امتداد الصوت فان النون غنة فى الخيشوم كما ان حرف العلة مدة فى الحلق مِنَ الْمُصَلِّينَ الصلاة الواجبة. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ما يجب اعطائهم فيه دليل على ان الكفار مخاطبون بفروع الأعمال لاجل المؤاخذة فى الاخرة وانما سقط عنهم الخطاب فى الدنيا لفقد شرط ادائه وهو الايمان ولا وجه بسقوط التكليف فان الكفر موجب للتشديد دون التخفيف لكن حقوق الله تعالى من العبادات والعقوبات تسقط بالإسلام فلا يوخذ من اسلم على ما فات عنه فى حالة الكفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام يهدم ما كان قبله وقد مر هذا الحديث فيما قبل. وَكُنَّا نَخُوضُ فى اللهو والباطل ما نهى الله تعالى عنه مَعَ الْخائِضِينَ فيه. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ آخره لتعظيمه اى وكنا بعد ذلك كله مكذبين يوم الجزاء. حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ط يعنى الموت. فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ط ولو شفعوا جميعا هذه الجملة اما متصلة بقوله كل نفس رهينة او بقوله قالوا لم نك من المصلين ومفهوم هذا الاية تقتضى ان المؤمنين وان كانوا فساقا تنفعهم شفاعة الشافعين اخرج اسحق بن راهويه فى مسنده عن أم حبيبة او أم سلمة قالت كنا فى بيت عائشة فدخل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال ما من مسلم يموت له ثلثة من الولد أطفال لم يبلغوا الحلم الا جئ بهم حتى يوقفوا على باب الجنة فيقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون ان دخل ابوانا فيقال فى الثانية والثالثة ادخلوا الجنة وآبائكم فذلك قوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وقال ابن مسعود يشفع الملائكة والنبيون والشهداء

والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى فى النار الا اربعة ثم تلى قالوا لم نك من المصلين الى قوله بيوم الدين وقال عمران بن حصين الشفاعة نافعة دون هؤلاء الذين تسمعون فقول ابن مسعود وعمران هذا مشعر بان الشفاعة لا تنال لتاركى الصلاة ومانعى الزكوة والخائضين فى اللهو والباطل وان كانوا مؤمنين ومبنى قولهما هذه الاية فان تعقبها بالفاء للسببية وترتبها على الاربعة المذكورة يدل على كونها سببا لعدم نيل الشفاعة والصحيح انها معقب على مجموع الأمور الاربعة فيها التكذيب بيوم الدين لا على كل واحد منها فلا تمنع الشفاعة الا المجموع دون كل واحد منها وقد انعقد الإجماع على جواز الشفاعة لكل مؤمن فبعض من يستحق النار من المؤمنين لا يدخلها بالشفاعة وبعض من يدخلها يخرج منها بالشفاعة وأنكر الشفاعة اهل الهواء من المعتزلة والخوارج وغيرهم قبحهم الله تعالى وقد تواترت فى ذلك الأحاديث تواترا معنويا ولو ذكرنا الأحاديث كلها لطال الكلام ولنذكر منها طائفة عن على قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اشفع لامتى حتى ينادى ربى أرضيت يا محمد فاقول اى ربى رضيت رواه البزار والطبراني وابو نعيم وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي رواه الترمذي وابن حبان والحاكم واحمد وابو داود وعن جابر نحوه رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وابن ماجة وعن ابن عباس نحوه رواه الطبراني وعن ابن عمر وكعب بن عجرة نحوه رواه الخطيب عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه واله وسلم يجاء بالعالم والعائد فيقال للعائد ادخل الجنة ويقال للعالم قف حتى تشفع رواه الاصبهانى وعنه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم نعم الرجل الا شرار أمتي قيل كيف يا رسول الله قال اما اشرار أمتي فيدخلهم الله الجنة بشفاعتى واما خيارهم فيدخلهم الله الجنة بأعمالهم رواه الطبراني وابو نعيم وعن ابن عمر موقوفا يقال للعالم اشفع فى تلا مذتك ولو بلغت عدد النجوم السماء رواه الديلمي وعن ابى الدرداء مرفوعا الشهيد يشفع فى سبعين من اهل بيته رواه ابو داود عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يصف الناس يوم القيامة صفوفا ثم يمر الرجل من اهل الجنة على الرجل من اهل النار فيقول يا فلان اما تذكر يوم استسقيتنى فاسقيتك شربة فيشفع له فيمر الرجل على الرجل فيقول اما تذكر يوم ناولتك طهورا فيشفع له ويمر الرجل على الرجل فيقول يا فلان اما تذكر يوم نمشى لحاجة كذا وكذا فذهبت لك فيشفع له مسئله لا تنال الشفاعة لحديث انس قال قال

[سورة المدثر (74) : آية 49]

رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من كذب بالشفاعة فلا نصيب له ومن كذب بالحوض فليس له فيه نصيب رواه سعيد بن منصور وعن زيد بن أرقم وبضعة عشر من الصحابة قوله صلى الله عليه وسلم شفاعتى يوم القيامة حق فمن لم يؤمن بها لم يكن من أهلها رواه ابن منيع وعن عبد الرحمن...... ...... قوله صلى الله عليه واله وسلم شفاعتى مباحة الا لمن سب أصحابي رواه ابو نعيم فى الحلية وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتى يوم القيامة المرجئة والقدرية رواه ابو نعيم (مسئلة:) وقد ورد فى بعض المعاصي انها مانعة للشفاعة عن عثمن بن عفان رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غش العرب لم ينله شفاعتى رواه البيهقي بسند جيد وعن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم رجلان لا تنالهما شفاعتى يوم القيامة اما ظلوم خشوم عسوف واخر غال فى الدنيا مارق منه رواه البيهقي والطبراني بسند جيد وعن الدرداء وغيره قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذروا المراء فان الممارى لا اشفع له يوم القيامة رواه الطبراني. فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ يعنى عن القران او ما يعمه من المذكرات مُعْرِضِينَ الفاء للسببية وما استفهامية مبتداء ولهم خبره وعن التذكرة استفهام للانكار عن شفاعة حالهم فى الدنيا المفضى الى العذاب فى الاخرة فان عذاب الاخرة سبب للانكار. كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ قرأ نافع وابن عامر بفتح الفاء والباقون بكسرها فمن قرأ بالكسر فمعناها نفرة يقال نفر واستنفر كما يقال عجب واستعجب ومن قرأ بالفتح فمعناها منفرة مذعورة. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ط الجملة صفة لحمر وجملة كانهم بعد حال وضمير لهم فى مالهم وكلمة كانهم اغنى عن واو الحال شبههم فى اعراضهم ونفورهم عن استماع الذكر بحمر نافرة من قسورة فعولة من القسر بمعنى القهر قال ابو هريرة هى الأسود وهو قول العطاء والكلبي وقال مجاهد وقتادة والضحاك القسورة الرماة ولا واحد لها من لفظها وهى رواية عن عطاء عن ابن عباس وقال زيد بن اسلم عن رجال أقوياء وكل ضخم شديد عند العرب قسورة وعن ابى المتوكل لغط القوم وأصواتهم وروى عكرمة عن ابن عباس قال هى حيال الصيادين قال سعيد بن جبير هى القناص يعنى الصياد اخرج ابن المنذر عن السدى قال قالوا لئن كان محمد صادقا فليصبح تحت راس كل رجل منا صحيفة فيها براءة وامنة من النار فنزلت. بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ

[سورة المدثر (74) : آية 53]

يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً بل ابتدائية وليست للاعراض عن التوبيخ بل هو انتقال من شىء اى أمر أهم منه وقال المفسرون ان كفار قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليصبح عند راس كل رجل منا كتاب منشور من انك لرسوله تومر فيه باتباعك والمنشرة جمع منشورة. كَلَّا ط ردع عن اقتراح الآيات بعد وضوح الأمر بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ فلذلك اعرضوا عن التذكرة واقترحوا الآيات قيل ابتدائية كما سبق وليس إضرابا عن الردع ويحتمل ان يكون إضرابا دل عليه السياق وتقديره انه لو أوتوا صحفا منشرة لا يومنون فان طلبهم ذلك ليس لان يتضح الأمر عندهم بل الأمر عندهم واضح وليس ذلك الاقتراح الا لانهم لا يخافون الاخرة ووضوح الأمر لا يستلزم الخوف والخشية بل هو امر وهبى. كَلَّا ردع وانكار على عدم الخوف وتأكيد للردع السابق او هو بمعنى حقا إِنَّهُ اى القران تَذْكِرَةٌ ج يذكر الله سبحانه وتعالى بصفاته الجمالية والجلالية والرحمة والعذاب. فَمَنْ شاءَ التذكر ذَكَرَهُ ط الفاء للسببية وتعليق الذكر بالمشية تخيبر لفظا وتوبيخ معنى. وَما يَذْكُرُونَ قرأ نافع بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة فى وقت من الأوقات إِلَّا وقت أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ط مشيتهم وذكرهم فيه تصريح بان افعال العباد بمشية الله وإرادته هُوَ أَهْلُ التَّقْوى حقيق بان يتقى عقابه بالتقوى عما نهى عنه وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ع حقيق بأن يغفر عباده المؤمنين عن انس ان رسول قال فى هذه الاية هو اهل التقوى قال ربكم عز وجل انا اهل ان اتقى الشرك ولا يشرك بي غيرى وانا اهل لمن اتقى ولا يشرك بي ان اغفر له رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم نحوه- والله تعالى اعلم تمت سورة المدثر.

سورة القيمة

سورة القيمة مكّيّة وهى أربعون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ قرأ قنبل لا قسم بغير الالف بعد اللام تأكيد القسم وكذا روى النقاش عن ابى ربيعة عن البزي والباقون بالألف بما بعد اللام فقيل لا زائدة كما فى قوله. وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ والمعنى فيهما القسم وجواب القسم محذوف دل عليه ما بعده اى لتبعثن ولتحاسبن وليجزين كل نفس بما كسبت ان خير فخير وان شر فشر وقال ابو بكر بن عياش هو تأكيد للقسم قال البيضاوي إدخال لا النافية على فعل القسم للتاكيد شائع فى كلام العرب قلت وفيه اشعار بان هذا الأمر ظاهر مستغن عن التأكيد بالقسم وذلك لان من له عقل وفهم لو تأمل بعد ما يرى من الناس من هو كافر للمنعم ظالم على الخلق قاطع للرحم مرتكب الأمور بجزم العقل بقبحها وهو فى نعمة ورغد من العيش ومن هو شاكر لله تعالى راض عنه الخلق فى محبته وبلاء يحكم ان للجزاء دارا غير هذا الدار والا يلزم من الله تعالى ترجيح الشنيع على المليح وذلك شنيع يستحيل انصاف الصانع به تعالى عن ذلك علوا كبيرا والنفس اللوامة المراد بها اما الجنس قال الفراء ليس من نفس برة ولا فاجرة الا وهى تلوم نفسها يعنى فى الاخرة ان كانت عملت خيرا قالت هلازدت وان عملت سوءا قالت ليتنى لم افعل وقال الحسن هى النفس المؤمنة قال ان المؤمن والله ما تراه الا يلوم نفسه يعنى فى الدنيا ما أردت بكلامي وما أردت باكلى وان الفاجر لا يحاسب نفسه ولا يعاتبها وقال مقاتل النفس الكافرة تلوم نفسه فى الاخرة على ما فرط فى امر الله تعالى فى الدنيا وقيل المراد به الذي يقول لو فعلت كذا ولو لم افعل كذا لكان كذا ولا يرضى بالقضاء قائلا ما شاء الله ويقدر الله وقالت الصوفية النفس امارة بالسوء ثم إذا اجتهد فى الذكر وتداركه الجذب من الله تعالى يظهر له قبائح نفسه ويرى مشتغلا لغير الله سبحانه ولا يقدر على القطع عنه بالكلية فحينئذ تلوم نفسها ويقال لها النفس اللوامة ثم إذا حصل له الفناء والبقاء وانخلع عما سوى الله واطمئن بذكره

[سورة القيامة (75) : آية 3]

فحينئذ يقال له النفس المطمئنة. أَيَحْسَبُ استفهام انكار على التوبيخ الْإِنْسانُ المراد به الجنس لان فيهم من يحسب او المراد الذي نزل فيه واللام للعهد قال البغوي نزلت فى عدى بن ربيعة حليف بنى زهرة ختن الأخنس بن شريق الثقفي وكان النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول اللهم اكفنى جارى السوء يعنى عديا والأخنس وذلك ان عديا اتى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال يا محمد حدثنى عن القيامة متى تكون وكيف أمرها وحالها فاخبره النبي صلى الله عليه واله وسلم لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أومن بك او يجمع الله العظام فانزل الله تعالى أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بعد التفريق والبلى وأنكر جمع العظام والغرض منه انكار البعث فان العظام قلب الروح وإعادة الروح متفرع على جمعها وان مخففة او مصدرية مفعول يحسب قائم مقام مفعوليه. بَلى يجمعها فيحيه قادِرِينَ حال من فاعل الفاعل المقدر ذكرها للترقى على ما أنكر كما يقال أيحسب ان لن نقدر عليك بلى نقدر عليك قادرين على أقوى منك والمعنى بل نجمها ونقدر على جمعها قادرين عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ اى أنامله او أطراف أنامله لجمع سلامياته وضم بعضها الى بعض كما كانت مع صغرها ولطافتها فكيف بكبار العظام. بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ عطف على يحسب فيجوز ان يكون استفهاما وان يكون إيجابا لجواز ان يكون الاضراب عن المستفهم او عن الاستفهام لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يفجر منصوب بان مقدرة واللام زائدة قال مجاهد والحسن وعكرمه والسدى معناه لا يجهل ابن آدم ان ربه قادر على جمع عظامه لكنه يزيد ان يفجر ان يكفر امامه اى ما يأتي عليه من الزمان المستقبل فيدوم على الكفر لا ينزع عنه ولا يتوب وقال سعد بن جبير معناه يقدم الذنب ويوخر التوبة ويقول سوف أتقرب سوف اعمل حتى يأتيه الموت على شر حاله وقال الضحاك هو الأمل يقول اعيش فاصيب من الدنيا كذا وكذا ولا يذكر الموت وقال ابن عباس وابن زيد يكذب بما امامه من القيامة والبعث والحساب والفجور الميل سمى فاجرا لميله عن الحق. يَسْئَلُ حال من فاعل يفجر اى سائلا واستبعادا واستهزاء أَيَّانَ متى يَوْمُ الْقِيامَةِ ط اى لا يكون ذلك. فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ قرأ نافع برق بفتح الراء والباقون بكسرها وهما لغتان قال فى القاموس برق كفرح ونصر برقا وبروقا تحير حتى لا يطرف

[سورة القيامة (75) : آية 8]

او دهش فلم يبصر وقال الفراء والخليل برق بالكسر اى تحير وفزع لا يرى من العجائب التي كان يكذبها فى الدنيا قيل ذلك عند الموت والصحيح انه يوم القيامة بقرينة ما عطف عليه. وَخَسَفَ الْقَمَرُ اى اظلم وذهب ضوءه. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أسودين مكورين قيل معناه انهما يطلعان معا من المغرب اية للقيامة والخسوف مستعار للمحاق وقيل عطاء بن يسار يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان فى البحر فتكون نار اله الكبرى وقيل يجمع بينهما فى ذهاب الضوء وعن جمل برق البصر إلخ على ما قيل الموت لفسر الخسوف بذهاب ضوء البصر والجميع باستتباع الروح الحاسة فى الذهاب او لوصوله الى مكان يقتبس منه نور العقل من سكان القدس وتذكير الفعل لتقدمه وتغليب المعطوف وإذا مضاف الى البرق والخسف والجمع ظرف لقوله. يَقُولُ الْإِنْسانُ والجملة الكاملة معطوفة على مضمون قوله بلى قادرين اى بلى نجمع العظام فيقول الإنسان الكافر اين المفر يقول ذلك إذا برق البصر إلخ يَوْمَئِذٍ بدل من إذا برق إلخ أَيْنَ الْمَفَرُّ مقول ليقول. كَلَّا ردع من طلب المفر بيانه لا وَزَرَ اى لا ملجأ ولا حصن مستعار من الجبل فانهم كانوا يلجؤن بالجبل واستقامة من أنوار بمعنى الثقل. إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ط المصير والمرجع والى مشيته وحكمه موضع قرارهم. يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ قال ابن مسعود وابن عباس بما قدم قبل موته من عمل صالح او شىء وما اخر بعد موته من سنته حسنة او سيئة يعمل وقال قتادة بما قدم من طاعه الله وما اخر منه فضيعه وقال مجاهد باول عمله وآخره وقال زيد بن اسلم بما قدم من أمواله لنفسه وما اخر لورثته وقيل بما قدم واخر بمعنى بل قدم امور الدنيا على امور الاخرة او بالعكس. بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ اى يبصر بتذكير ما عمل فى الدنيا لا يحتاج الى الانباء والهاء للمبالغة نظيره قوله تعالى كفى بنفسك اليوم حسيبا كذا قال ابو العالية وعطاء ورواه البغوي عن ابن عباس ويحتمل ان يكون بصيرة صفة لمحذوف تقديره بل الإنسان عين بصيرة على نفسه وعلى التقديرين على نفسه متعلق ببصيرة وهو خبر الإنسان والبصيرة بمعنى الحجة كما فى قوله تعالى قد جاءكم بصائر من ربكم اى الإنسان هو حجة بينة على نفسه شاهد عليها وحينئذ على نفسه ظرف مستقر خبره بصيرة والجملة خبر الإنسان ويحتمل ان يراد

[سورة القيامة (75) : آية 15]

بالبصيرة ذالحجة الملك الموكل وقال مقاتل والكلبي معناه بل الإنسان على نفسه بصيرة رقباء يرقبونه ويشهدون عليه بعمله وهو سمعه وبصره وجوارحه وحينئذ دخول الهاء فى البصيرة لان المراد الإنسان جوارحه ويحتمل ان يكون معناه بل الإنسان على نفسه بصيرة يعنى جوارحه فحذف حرف الجر كما فى قوله تعالى ان أردتم ان تسترضعوا أولادكم اى لاولادكم. وَلَوْ أَلْقى الإنسان مَعاذِيرَهُ ط قال الضحاك والسدى معناه ولو ارخى الستور واغلق الأبواب عند فعل المعصية ليخفى ما يعمل فلا ينفع فان نفسه عليه شاهد وكذا الموكل به والله على كل شىء شهيد واهل اليمن يسمون الستر معذارا وجمعه معاذيرة وقال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير معناه يشهد عليه الشاهد من الجوارح والملائكة ولو اعتذر وجادل عن نفسه كما قال لا ينفع الظالمين معذرتهم قال الفراء ولو اعتذر فعليه من نفسه من يكذبه ومعنى إلقاء القول كما قال الله تعالى والقوا إليهم القول انكم لكاذبون وعلى هذا معاذير جمع معذار بمعنى العذر وجمع معذرة على غير قياس كمناكير فى المنكر والظاهر انه اسم جمع وجمعها معاذر وكذا المناكير والله تعالى اعلم- اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا نزل جبرئيل بالوحى يحرك لسانه وشفتيه فيشتد عليه وكان يعرف عنه يريد ان يحفظ ما انزل الله فانزل الله تعالى. لا تُحَرِّكْ يا محمد بِهِ بالقران لِسانَكَ قبل ان يتم وحيه لِتَعْجَلَ بِهِ ط اى لتاخذه على عجلة فى الصحيحين عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يحرك شفتيه إذا نزل يخشى ان ينفلت-. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ فى صدرك وَقُرْآنَهُ ج اثبات قرأته على لسانك تعليل للنهى. فَإِذا قَرَأْناهُ اى القران بلسان جبرئيل أضاف قراءة جبريل الى نفسه مجازا لانه بامره ورسالته فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ج قراءته يعنى فاقرأ بعد قراءة جبريل حتى يرسخك فى ذهنك كذلك لا بد للتلميذ ان يقرأ بعد قراءة الشيخ ولا يقرأ معه كيلا يقع المزاحمة والتشويش فى القراءة والحفظ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ط اى القران اى اظهار المراد منه إذا أشكل شىء من معانيه قلت الاية على ان بيان القران محكمه ومتشابهه من الله تعالى للنبى صلى الله تعالى عليه واله وسلم لا يجوز ان يكون شىء منها غير مبين له عليه الصلاة والسلام والا يخلو الخطاب من الفائدة ويلزم الخلف فى الوعد كما ذكرنا هذه المسألة فى تفسير قوله تعالى وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وكلمة

[سورة القيامة (75) : آية 20]

ثم تدل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لكن لا يجوز عن وقت الحاجة وجملة لا تحرك به لسانك معترضة على طريقة من يتكلم فطفق المخاطب يتكلم ويقطع كلامه فقال اسكت ولا تقطع الحديث انما لك حق التكلم بعد تمام الاستماع ثم عاد الى ما كان يتكلم فيه فقال. كَلَّا ردع على انكار البعث او الفجور امامه او على الغاء المعاذير الباطلة بَلْ تُحِبُّونَ الضمير راجع الى الإنسان المذكور سابقا وجمع الضمير نظرا الى المعنى لان المراد به الجنس او الذي الكلام فيه ومن فى معناه الْعاجِلَةَ يعنى الدنيا وشهواتها. وَتَذَرُونَ اى الإنسان على ما مر هذا على قراءة ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بالياء للغيبة فيهما وقرأ الكوفيون ونافع بالتاء على الخطاب فيهما على طريقه الالتفات من الغيبة الى الخطاب الْآخِرَةَ ط وتعميمها يعنى انهم لا يعلمون ان الله تعالى لا يقدر على البعث والاعادة او ان معاذيره ينفعهم بل يحبون العاجلة ويتبعون الشهوات الدنيا فاعمى الشهوات بأبصارهم وأعمه قلوبهم ويذرون الاخرة ثم ذكر احوال الاخرة فقال. وُجُوهٌ مبتداء اما معترضة بتقدير الاضافة اى وجوه المؤمنين المقربين واما نكرة مخصصة بصفة مقدرة اى وجوه كثير او وجوه منهم اى من جنس الإنسان الذي مر ذكره يَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده يعنى يوم إذا كان ما سبق من برق البصر وغيره او يوم إذا كانت الاخرة ناضِرَةٌ خبر ناعمة حسنة متهللة. إِلى رَبِّها متعلق بما بعده ناظِرَةٌ ج بروية البصر بلا كيف ولا جهة ولا ثبوت مسافة ولا بقياس الغائب على الشاهد خبر ثان لوجوه واخرج الآجري والبيهقي فى كتاب الروية من طريقين عن ابن عباس قال وجوه يومئذ ناضرة قال حسنة الى ربها ناظرة نظرة الى الخالق واخرجوا عن الحسن نحوه وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان ادنى اهل الجنة منزلة من ينظر ال جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة الف سنة وأكرمهم على الله من ينظر الى وجه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة رواه احمد والترمذي والدار قطنى واللالكائى والآجري نحوه وفى لفظ الآجري ادنى اهل الجنة منزلة من ينظر فى ملكه مسيرة الفى عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وفى الباب حديث انس رواه البزار والطبراني والبيهقي وابو يعلى بطوله وفيه يوم الجمعة يزداد فيها نظرا الى وجهه تعالى ولذلك دعى يوم المزيد رواه البزار والاصفهانى عن نحوه واخرج الآجري

عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ان اهل الجنة يرون ربهم كل جمعة وعن الحسن مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان اهل الجنة ينظرون الى ربهم كل جمعة الحديث أخرجه يحى بن سلام وعن انس مرفوعا قال الله تعالى من سلبت كريميته جزائه الحلول فى دارى والنظر الى وجهى رواه الطبراني وغيره وحديث جرير البجلي قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر الى القمر ليلة البدر فقال انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ليلة البدر لا تضامون فى روية فان استطعتم ان لا تغلبوا على صلوة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها متفق عليه وكذا روى اللالكائى عن حذيفة وفى الصحيحين عن ابى هريرة نحوه وعن زيد بن ثابت قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يدعو اللهم انى أسئلك برد العيش بعد الموت ولذة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك فى غير ضرار مضرة ولا فتنة مضلة رواه اللالكائى وعن عبادة بن صامت لن ترون ربكم حتى تموتون رواه الدار قطنى وكذا رواه اللالكائى عن ابى هريرة واخرج ابو نعيم فى الحلية عن ابن عباس قال تلا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم رب أرني انظر إليك قال قال الله تعالى يا موسى انه لا يرانى حتى الا مات ولا يابس الا تدهده ولا رطب الا تغرق وانما يرانى اهل الجنة لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم وعن على فى قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا قال من أراد ان ينظر الى خالقه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك به أحدا رواه البيهقي وبالجملة صح تفسير هذه الاية وتفسير قوله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزيادة وقوله تعالى ولدينا مزيد وغيره من الآيات بروية الله تعالى مسندة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم وأصحابه والتابعين بحيث بلغت مبلغ التواتر عند اهل الحديث كذا ذكر السيوطي وغيره وبما ذكرنا فى هذا المقام كفاية ونذكر فى تفسير كل اية منها ما يتعلق به ان شاء الله تعالى وعلى روية الله تعالى انعقد اجماع اهل السنة والجماعة وخالفهم اهل الهواء من المعتزلة والخوارج وغيرهم بامتناعها زعما منهم بانها تتوقف على كون المرئي حسما كثيفا بلا حجاب وكون المسافة بين الرائي والمرئي متوسطة لا فى غاية القرب ولا فى غاية البعد وخروج شعاع البصر من الرائي ووصوله الى المرئي المقتضى ثبوت الجهة له تعالى واستدلوا على امتناع الروية من المنقول بقوله تعالى لا تدركه الابصار وقالوا تاويل هذه الاية ان ناظرة بمعنى منتظرة امر ربها وانعامه ويابى عنه العربية فان الانتظار يتعدى باللام دون الى

والنظر بالبصر يعدى بالى وقال اهل السنة الروية لا تتوقف الا على كون المرئي موجود او كذلك فى جانب الرائي لا يشترط الا الوجود والحيوة والعلم والابصار واما توقف الروية على غير ذلك من الشرائط فامر عادى فى خصوص المادة ولا يجوز قياس الغائب على الشاهد ولا شك ان الله سبحانه تعالى يرى خلقه من الماديات والمجردات من غير مسافة بينهما ولا خروج شعاع وهو السميع البصير كيف ينكر كونه مرئيا بعد ما نطق به البشير النذير وقوله تعالى لا تدركه الابصار انما ينفى الدرك وهو يقتضى الإحاطة وحصول العلم بكنهه وذلك محال واما العلم الحضوري بالكنه بمعنى حضور كنه المعلوم عند العالم فليس بمحال لكنه متعال عن درك الابصار والله تعالى اعلم- (فائدة) هذه الاية تدل على انهم يرون الله تعالى دائما مستمرا لا ينقطع رويتهم كما يدل على دوام النضرة لهم ابدا فان الجملة الاسمية للدوام والاستمرار ولا منافاة بينها وبين ما ثبت بالأحاديث ان من الناس من يرى الله تعالى كل جمعة ومنهم من يرى الله تعالى فى كل جمعة اى أسبوع مرتين كذا احرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة ومنهم من يرى ربه فى مقدار كل عيد لهم فى الدنيا يعنى فى كل سنة مرتين كذا روى يحى بن سلام عن ابى بكر بن عبد الله المزني ومنهم من يرى فى كل يوم مرتين غدوة وعشية كما مر من حديث ابن عمر لان ثبوت دوام الروية انما هو لجمع منكر وهى لا تدل على العموم او بقدر ما هو أخص من المؤمنين فيقدر المقربين فتقديره وجوه المقربين يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة دائما ابدا اخرج ابو نعيم عن ابى يزيد البسطامي قال ان لله تعالى خواص من عباده لو حجبهم فى الجنة عن روية لاستغاثوا كما يستغيث اهل النار بالخروج من النار فظهر ان الناس فى الروية على درجات لا تكاد تحصى وليس المقصود من الأحاديث استيفاء درجاتهم ومعنى قوله صلى الله عليه واله وسلم أكرمهم على الله من ينظر الى وجهه غدوة وعشية انهم من أكرمهم وهذا لا يقتضى ان لا يكون أحد أكرم منهم وإذا تقرر هذا فاعلم ان الذين يدومون النظر الى الله سبحانه والله تعالى اعلم بهم هم الأنبياء والمقربون من العباد الواصلين الى الذات المجرد عن الشيون والاعتبارات الذين كان حظهم فى دار الدنيا من الذات التجلي الدائمى لا كالبرق الخاطف لان من كان حظه فى دار الدنيا دوام التجلي ولم يكن له الروية فى الدنيا لعدم صلاحيته تعين هذه النشأة الروية كما أشير اليه فى حديث ابن عباس عند ابى نعيم فى الحلية فاذا زال المانع فلا جرم ينظر ذلك الرجل الى الله

دائما وإلا لزم انعكاس الأمر ورجوعه القهقرى ومن لم يكن فى الدنيا دوام التجلي والحضوري فيكون الروية لهم على تفاوت الدرجات فمن كان حظه تجليا برقيا يرى فى كل يوم مرتين او مرارا ومن لم يكن كذلك ففى كل جمعة او شهر او سنة على ما شاء الله- (فائدة) قال المجدد رضى الله تعالى عنه فى المكتوب المائة من المجلد الثالث فى تحقيق سر اشتغال قلب يعقوب عليه السلام بمحبة يوسف عليه السلام مع ان قلوب الخواص من الناس تكون فارغة عن حب غير الله تعالى ان جنة كل رجل عبارة عن ظهور اسم من اسماء الله تعالى الذي هو مبدأ التعين ذلك الرجل وان ذلك الاسم يتجلى بصورة الأشجار والأنهار والقصور والحور والغلمان واستحكم هذا المكشوف بقوله صلى الله عليه واله وسلم ان الجنة طيبة التربة عذبة اى أنهارها قيغان وان غراسها هذه يعنى سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ثم قال المجدد رضى الله تعالى عنه ان تلك الأشجار والأنهار قد تصير فى حين من الأحيان على هيئة الاجرام الزجاجة فتصير وسيلة الى روية الله سبحانه غير متكيفة ثم تعود الى حالها الذي كانت عليه فيشتغل المؤمن بنفسها وهكذا الى ابد الآبدين وقال كما ان التجلي الذاتي للصوفى فى الدار الدنيا تكون من وراء حجب الأسماء او الصفات وقد يرتفع تلك الحجب فيحصل له التجلي الذاتي كالبرق الخاطف كذلك حال الروية فى الاخرة لكل رجل يتعلق بذات الله سبحانه وتعالى باعتبار اسم هو مبدأ الجنة وتجلى وتمثل لجنة وتلك الروية تكون كالبرق الخاطف فى زمان يسير ثم تحجب عنه ويبقى نوره وبركته من وراء نعيم الجنة وأشجارها قلت هذا تحقيق روية العوام من اهل الجنة واما الخواص منهم فلما كان التجلي لهم فى الدنيا دائما فكذلك الروية تكون لهم دائما فان قيل قال المفسرون تقديم الجار والمجرور فى قوله تعالى الى ربها ناظرة يقتضى الحصر ويفيد انهم إذا أراد ربهم يستغرقون فى رويته تعالى لا ينظرون حينئذ الى غيره ويؤيده حديث جابر رض قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اهل الجنة فى نعيمهم إذ سطع عليهم نور فرفعوا رؤسهم فاذ الرب تبارك وتعالى قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا اهل الجنة وذلك قوله تعالى سلام قولا من رب رحيم قال فينظر إليهم وينظرون اليه فلا يلتفتون الى شىء من النعيم ما داموا ينظرون اليه حتى يحجب عنهم ويبقى نوره وبركته فى ديارهم رواه ابن ماجة وابن ابى الدنيا والدار قطنى فحينئذ لو كان لبعض الناس دوام الروية فكيف يتصور الحصر وعدم الالتفات الى النعيم

[سورة القيامة (75) : آية 24]

دائما قلنا إفادة الحصر ممنوع وتقديم الجار والمجرور لرعاية الفواصل ولعل الالتفات الى النعيم فى حق ذلك البعض لا يزاحم الروية بل تكون نعيم الجنة فى حقه مثل الاجرام الزجاجية ابدا موبدة للروية وذلك الصوفي يجتمع له الرؤيتان روية الاحجاب وروية بتوسط النعيم ومع ذلك يرى النعيم ويلتذ به ايضا وان من هذا شانه فلان يشغله شان عن شأن واما غيره من اهل الجنة فالالتفات الى نعيم الجنة يشغلهم عن الروية وبالعكس لضيق استعدادهم او نقول معنى الحصر فى حق من له الروية واما ما روى من حديث جابر فهو حكاية عن حال عامة اهل الجنة لا يقال سلمنا ان التفاته للنعيم لا يشغله عن الروية فكيف يجوز له التوجه الى النعيم مع حصول شرف الروية لما ذكرنا ان نعيم الجنة محابى اسماء الله تعالى فلا محذور فى الالتفات إليها مع الروية (فائدة) وقع فى بعض كلام الائمة ان روية الله خاصة لمؤمن البشر وان الملائكة لا يرونه ونص البيهقي على خلافه محتجا بحديث عبد الله بن عمرو ابن العاص قال خلق الله تعالى الملائكة بعبادته أصنافا وان منهم الملائكة قياما صافين من يوم خلقهم الى يوم القيامة فاذا كان يوم القيامة تجلى لها تبارك وتعالى فنظروا الى وجه الكريم وقالوا ما عبدناك حق عبادتك واخرج نحوه من وجه اخر عن عدى بن ارطاف عن رجل من الصحابة وبما ذكرنا روية كل رجل على حسب مبدأ تعينه يظهر فضل الملائكة على عوام مومنى البشر لكون مبادى تعيناتهم فوق مبادى تعينات البشر كما حققه المجدد رضى الله عنه وبما ذكرنا ان روية الخواص البشر دائمة غير منقطعة يظهر فقيل خواص البشر أفضل على خواص الملائكة كما بين فى كتب العقائد. وَوُجُوهٌ اى وجوه الكافرين او وجوه كثيرة يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ كالحة عابسة شديد العبوس. تَظُنُّ تستيقن أربابها خبر ثان أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ واهية عظيمة فقال الظهر قال ابن زيد هى دخول النار وقال الكلبي هى ان يحجب عن روية الرب عز وجل. كَلَّا روع عن إيثار الدنيا على الاخرة كانه قيل ارتدعوا عن ذلك واذكروا الموت الذي عنده ينقطع الدنيا وتقبل الاخرة مخلدة إِذا بَلَغَتِ النفس كناية عن غير مذكور دل عليه الكلام وإذا شرطية جزاءه الى ربك يومئذ المساق او ظرف متعلق بفعل دل عليه المساق اى يساقون الى ربكم إذا بلغت التَّراقِيَ العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال ويكنى ببلوغ النفس التراقى عن الاشراف على الموت. وَقِيلَ مَنْ راقٍ

[سورة القيامة (75) : آية 28]

يسكت حفص على من ويدغم غيره اى قال حاضر والمحتضر من يرقيه مما به من الترقية كذا قال قتادة او قالت الملائكة الموت أيكم يرقى بر وجه ملائكة الرحمة او ملائكة العذاب من الرق كذا قال سليمان التميمي ومقاتل بن سليمان. وَظَنَّ المحتضر أَنَّهُ اى الذي نزل به الْفِراقُ اى سبب للفراق من الدنيا ومما يحبه. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ اى التوت ساقه بساقه فلا يقدر تحريكهما كذا قال الشعبي والحسن ونحوه وقال ابن عباس التوت امر الدنيا بامر الاخرة فكان اخر يوم من ايام الدنيا وأول يوم من ايام الاخرة فيجتمع عليه شدة فراق الدنيا بشدة اقبال الاخرة وقال الضحاك معناه ان الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه. إِلى رَبِّكَ لا الى غيره يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ط اى سوق ومرجعه يحكم فيه ما يشاء. فَلا صَدَّقَ الرسول والقران او لا صدق ماله اى لم يزك وَلا صَلَّى لله ما فرض عليه قوله فلا صدق عطف على مضمون أيحسب الإنسان فان التوبيخ يستلزم الوقوع تقديره حسب الإنسان ان لن نجمع عظامه ولا نبعثه فلا صدق ولا صلى والضمير فيهما راجع الى الإنسان فالسياق يقتضى ان يكون ذلك حكاية عن عدى بن ربيعة المذكور وقال البغوي المراد ابو جهل ولو حمل الإنسان على الجنس لكان شاملا لهما. وَلكِنْ كَذَّبَ النبي صلى الله عليه واله وسلم وَتَوَلَّى عن الايمان به. ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ط اى يسرع فى سيره فى القاموس مطى جد فى السير والسرع فى الصحاح معناه يمد مطاه اى ظهره ومنه يقال لا يركب ظهره مطيه كالبعير وقيل أصله يتمطط أبدلت الطاء ياء اجتماع ثلثة أحرف مماثلة والطا هو المد وحاصل المعنى يتبختر لان المتبختر يمد عنقه ويمد خطاياه. أَوْلى لَكَ جملة دعائية بمعنى ويل لك او تهديد ووعيد وفيه التفات من الغيبة الى الخطاب فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ط كرره للتاكيد ويحتمل ان يراد به ويل لك فى الدنيا بالقتل واللعن وذكر السوء والتعذيب وويل لك يوم الموت وويل لك إذ بعثت ويل لك إذا دخلت النار فهو نقيض ما قيل فى يحى عليه السلام والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا فهو افعل من الويل بعد القلب كاونى من دون وقيل أصله أولاك الله ما تكريهه واللام مزيدة كما فى قوله ردف لكم اى ردفكم وقيل أصله اولى لك الهلاك وقيل

[سورة القيامة (75) : آية 36]

هو فعل من ال يول أمرك الى الشرك وقيل هو اسم فعل بمعنى وليك ما تكرهه فى القاموس اولى لك تهدد ووعيد اى قاربك الهلاك فهو من الولي بمعنى القرب قال قتادة ذكر لنا ان النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الاية أخذ بمجامع ثوب ابى جهل بالبطحاء وقال له اولى لك فاولى ثم اولى لك فاولى فقال ابو جهل أتوعدني يا محمد والله لا تستطيع أنت وربك ان تفعلا بي شيئا والى لاغر من مشى بين جبلها فلما كان يوم بدر صرعه الله أشد مصرع وقتله أسوأ قتل وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ان لكل امة فرعونا وان فرعون هذه ابو جهل واخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس قال لما نزلت عليها تسعة عشر قال ابو جهل للقريش ثكلتكم أمهاتكم يخبركم ابن ابى كبشة ان خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم أيعجز كل عشرة منكم ان يبطشوا برجل من خزنته جهنم فأوحى الله تعالى الى رسوله ان يأتي أبا جهل فيقول له اولى لك فأولى ثم اولى لك فاولى واخرج النسائي عن سعيد بن جبير انه سال ابن عباس عن قوله اولى لك فاولى قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل نفسه أم امره الله به قال بل قاله من قبل نفسه ثم انزل الله. أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ط امال حمزة والكسائي مهملا لا يومر ولا ينهى ولا يبعث ولا يجازى حيث ينكر البعث فان انكار البعث يقتضى كونه مهملا مع ان الحكمة فى خلقه ليس الا التكليف قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وقال قل لا يعبأ بكم ربى لولا دعاءكم وكيف ينكر الإنسان البعث ويستحيله. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى يصب فى الرحم قرأ حفص بالياء على التذكير راجعا الى المنى والباقون بالتاء ردا الى النطفة. ثُمَّ كانَ الإنسان بعد كونه نطفة عَلَقَةً بعد أربعين يوما ثم مضغة كذلك ثم عظاما فكسبت لحما فَخَلَقَ الله تعالى إياه وإيانا بنفخ روحه فيه فَسَوَّى وعدل خلقه بلا نقصان. فَجَعَلَ الله سبحانه مِنْهُ اى من المنى الذي صار علقة ثم مضغة ثم عظاما ولحما الزَّوْجَيْنِ الصنفين يجتمعان فى الرحم تارة وينفرد كل منهما عن الاخر اخرى الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أَلَيْسَ ذلِكَ الله الذي يفعل ذلك ويوجد بلا سبق وجود بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ع انكار جواز البعث مع مشاهدة ما هو اعجب منه يقتضى كمال الحمق او العناد عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قرأ منكم بالتين فانتهى الى آخرها أليس الله ما حكم الحكمين فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ لا اقسم بيوم القيمة فانتهى الى أليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ والمرسلات فبلغ فباى حديث بعده يومنون فليقل أمنا بالله وعن موسى بن عائشة قال كان رجل يصلى فوق بيته فكان إذا قرأ أليس ذلك ويقدر على ان يحيى الموتى قال سبحانك بلى فسالوه عن ذلك فقال سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى الحديثين ابو داود.

سورة الدهر

سورة الدّهر مكيّة وهى احدى وثلثون اية قال قتادة ومجاهد مدنية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتى استفهام تقرير ومعناه قد اتى ومضى عَلَى الْإِنْسانِ المراد به الجنس او آدم عليه السلام حِينٌ قال البيضاوي اى طائفة محدودة من الزمان وفى القاموس الجنس وقت مبهم يصلح لجميع الا زمان طال او قصر وقيل يختص بأربعين سنة او ستين سنة او شهر او شهرين مِنَ الدَّهْرِ اى من الممتد الغير المحدود وفى القاموس الدهر الزمان الطويل او الف سنة قلت هو مدة عمر آدم عليه السلام وفى الصحاح الدهر فى الأصل اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده الى انقضائه وعلى ذلك قوله هل اتى على الإنسان حين من الدهر الاية ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة دهر فلان مدة حيوته لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً حال من الإنسان اى حال كونه لا يذكر ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد او صفة لحين والعائد محذوف اى لم يكن فيه شيئا مذكورا وهذا الكلام يقتضى كونه شيئا والا لم يوصف بانه قد اتى عليه ويقتضى كونه غير مذكور بل منسيا فقال المفسرون وذلك ان أريد به آدم عليه السلام فذلك الحين حين صورة الله تعالى من الطين فكان ملقى بين مكة والطائف أربعين سنة قبل ان ينفخ فيه الروح وقال ابن عباس ثم خلقه الله تعالى بعد عشرين ومائة سنة وان أريد به الجنس فذلك الحين اربعة أشهر حين كان نطفة او علقة او مضغة الى نفخ الروح وستة أشهر اقل مدة الحمل وسنتين أكثرها وقيل اكثر مدة الحمل سبع سنين وعلى التقديرين لا يخلو الكلام عن التسامح لان ذلك الحين لم يأت على الإنسان بل على الطين المصور النطفة ونحوها والظاهر ان الكلام يقتضى كونه إنسانا لان عقد الوضع قبل عقد الحمل فالاولى ان يحتمل ذلك الكون على كونه فى مرتبة الأعيان الثابتة التي اهتدى إليها الصوفية ويدل على هذا التأويل تنكير حين فانه للتكثير روى عن ابن عمر انه سمع رجلا يقرأ هذه الاية لم يكن شيئا مذكورا فقال ليتها تمت يريد ليته بقي على ما كان غير مذكور ابدا وهذا القول اولى بالتأويل الأخير دون ما سبق وللصوفية هاهنا

[سورة الإنسان (76) : آية 2]

تاويل اخر هل اتى على الإنسان اى على الصوفي حين من الدهر لم يكن لا شيئا مذكورا بعد ما كان مذكورا بالانسانية وغيرها من الصفات وذلك حين الاستهلاك والفناء الأتم بحيث لا يبقى فى علمه شيئا مذكورا قال المجدد رض نعم رب قد اتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا لا عينا ولا اثرا ولا شهودا ولا وجودا ثم يصير بعد ذلك ان شئت حيا بحياتك وباقيا ببقائك ومتخلقا باخلاقك بل صار باقيا بك وبفضلك فى عين الفناء وما ينافيك فى عين البقاء قلت وقول المجدد رض ثم يصير بعد ذلك إلخ كانه تفسير لقوله تعالى فمن ابتدائية والدهر يعد من اسماء الله تعالى الحسنى كذا فى القاموس وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى يوذينى ابن آدم يسب الدهر وانا الدهر بيدي الأمر اقلب الليل والنهار. إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اى ذريته ان كان المراد بالإنسان الاول آدم عليه السلام والا فالمراد فيهما الجنس مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ ق جمع شئيج او شيج من الشجب الشيء إذا خلطته وصف النطفة بالجمع لان المراد به مجموع منى الرجل والمرأة وكل منها مختلفة الاجزاء والأوصاف فى الرقة والقوام والخواص وقيل أمشاج مفرد بمعنى مختلطة يختلط فيه منى الرجل والمرأة فهو حينئذ على وزن أعشار يقال برمة أعشار بمعنى يحمله عشرة يقال يمان كل يومين اختلطا فهو أمشاج وقال قتادة معناه أطوار أي ذات أطوار فان النطفة تصير علقة ثم مضغة اى تمام الخلق نَبْتَلِيهِ حال من الإنسان ذكر الابتلاء وأراد به نقله من حال الى حال مجازا او حال مقدرة اى مقدرين ابتلائه فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ج لتمكن من استماع الدلائل ومشاهدة الآيات فهو كالمسبب للابتلاء ولذا عطف على ما قيد به. إِنَّا هَدَيْناهُ اى بيناه اى الإنسان السَّبِيلَ الى الله والى مرضياته وجنته بنصب الدلائل وبعث الرسل وإنزال الكتب والمراد بالهداية هاهنا اراءة الطريق دون إيصال بخلاف قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً حالان من الهاء اى هديناه السبيل مقدرين منه أحد الامرين امر الشكر على الهداية وقبولها او الكفر والإنكار وقيل حال من السبيل يعنى هديناه السبيل حال كون السبيل سبيل الشكر او الكفر ان وصف السبيل بالشكر والكفر مجازا والترديد انما هو فى حالتى السبيل من الشكر والكفران دون الاراءة تعلقت يقسمى السبيل وحاليته معافلا يجوز يقال ان هذا التأويل غير مستحسن فان اراءة طريق الحق حقا وطريق الباطل باطلا مستلزم أحدهما

[سورة الإنسان (76) : آية 4]

الاخر فلا يتصور هناك الترديد فالترديد يقتضى ان يكون معناه أريناه أحد الطريقين دون الاخر أريناه الحق او الباطل حقا فسلك تلك الطريق وحينئذ يلزم كون الإنسان مقدورا على سلوك طريق الباطل وقيل معنى الكلام الشرط والجزاء فاما مركبا ان الشرطية وما الزائدة فمعناه ان كان شاكرا او كفورا فقد هديناه السبيل ولم نترك عذرا وقال كفورا ولم يقل كافرا حتى طابقت قسميه لرعاية الفواصل ولان الشاكر فلما يخلو عن نوع من الكفران فقسمه هو المبالغ فى الكفران وجملة انا هديناه السبيل مستأنفة فكانه فى جواب من قال فما فعل بالإنسان وما فعل هو بعد ما خلق وجعل له السمع والبصر. إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ فى جهنم سَلاسِلَ قرأ نافع والكسائي وابو بكر وهشام سلاسلا بالتنوين للمناسبة وصلا وقفوا بالألف عوضا منه وقرأ الباقون بغير تنوين وصلا وقف حمزه وقنبل وحفص بغير الف وكذا روى عن البزي وابن ذكوان وقف الباقون بالألف صلة للفتحة وَأَغْلالًا فى أيديهم نقل الى عنقهم وَسَعِيراً وقودا شديدا وهذه الجملة والتي بعدها مستانفين كانهما فى جواب ما نصيب الشاكرين وما نصيب الكافرين وقدم وعيد الكافرين مع تأخر ذكرهم لان إنذارهم انفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين احسن. إِنَّ الْأَبْرارَ جمع بر بفتح الباء كارباب او بار كالشهادة يعنى المؤمنين الصادقين فى ايمانهم والمطيعين لربهم ومصدره البر كسر الباء بمعنى الصلة والخير والاتساع فى الإحسان والصدق والطاعة كذا فى القاموس وكل ذلك صفات المؤمنين يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ قال فى الصحاح الكأس الا نائما فيه من الشراب ويسمى كل واحد منهما بانفراده كاسا يقال كأس خال ويقال شربت كأسا وكاسا طيبة وفى القاموس الكأس الإناء يشرب فيه او ما دام الشراب فيه ولا تخصيص فى الشراب بخمر او لبن او عسل او ماء وهاهنا يحتمل ان يكون الإناء او من للابتداء والمعنى يشربون مشروبا خمرا ولبنا وماء وعسلا من كاس اى من ظرفه ويحتمل ان يكون بمعنى المشروب اما حقيقة او مجازا تسمية الحال باسم المحل نحو جرى النهر ومن حينئذ اما زايدة او للتبعيض او للبيان ويحتمل ان يكون الإناء بما فيه ويكون من للابتداء كانَ مِزاجُها ما تمزج الضمير عايد الى كاس حقيقة ان كان بمعنى الشرب ومجازا على طريقة إذا نزل السماء بأرض قوم وعينا ان كان بمعنى الإناء يعنى كان مزاج ما فيها كافُوراً ج قال قتادة يمزج بهم بالكافور ويختم بالمسك وقال عكرمة مزاجها

[سورة الإنسان (76) : آية 6]

طعمها كافورا اى ككافور فى طيب الطعم والريح كما فى قوله تعالى حتى إذا جعله نارا اى كنار وقال عطاء والكلبي الكافور اسم لعين الماء فى الجنة ونظيره قوله تعالى ومزاجه من تسنيم. عَيْناً بدل من كافور ان جعل اسم ماء او بدل من محل من كاس على تقدير مضاف اى ماء عين او منصوب على الاختصاص او المدح او بفعل يفسره ما بعده يَشْرَبُ بِها الباء زائدة اى يشربها او صلة على تضمين يعنى ملتذا بها او ممزوجا بها او بمعنى من الابتداء عِبادُ اللَّهِ الذين عبدوا الله وحده مخلصين له الدين يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً اى يقودون تلك العين ويجرونها اجراء سهلا حيث شاؤا من منازلهم وقصورهم اخرج عبد الله بن احمد فى رواية الزهد عن ابن شوذب قال فهم قضيان من ذهب يفجرونها بها بتبع قضائهم. يُوفُونَ بِالنَّذْرِ جملة مستانفة فى جواب ما بالهم يثأبون كذلك او فى جواب الأبرار ما هم فهو تعريف للابرار بانهم يودون الواجبات ويخافون الله فيجتنبون المكروهات ويرحمون العباد ويفعلون الحسنات خالصا لله تعالى ابتغاء مرضاته هذا شأن الأبرار ويحصل ذلك المراتب بعد فناء النفس وزوال رزائله واما المقربون فشأنهم ارفع من ذلك او تعليل لما سبق يعنى ان الأبرار يشربون إلخ لانهم يوفون النذر فى الدنيا والنذر فى اللغة ان توجب على نفسك ما ليس بواجب كذا فى الصحاح وايفائهم ما يوجبوا على أنفسهم ما ليس بواجب عليه يدل بالطريق الاولى على ايفائهم ما فرض الله عليهم من الصلاة والزكوة والصوم والحج والعمرة والجهاد وغيرها فلعله هو المراد بما قال قتادة يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكوة والحج والعمرة وغيرها من الواجبات- (فصل) للايجاب ولما كان النذر عبارة عن إيجابه على نفس ما ليس بواجب ظهر انه لا بد لانعقاده من شرطين أحدهما ان يكون طاعة فان ما ليس بطاعة لا يصلح للايجاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انما النذر ما ابتغى به وجه الله رواه احمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص والثاني ان لا يكون واجبا بايجاب الله تعالى وقال ابو حنيفة ولا بد ايضا ان يكون العبادة مقصودة بنفسها وان يكون من جنسها واجب بايجاب الله وعند الجمهور لا يشترط ذينك الشرطين والإجماع على وجوب الاعتكاف بالنذر يقتضى انتفاء هذين الشرطين فانه عبادة لاجل انتظار الصلاة لا بنفسه وليس منه عينه واجب ومن ثم قال الشافعي يجب بالنذر كل قربة لا تجب ابتداء كعيادة المريض

وتشييع الجنازة والسلام ويدل على التعميم حديث عائشة من نذر ان يطيع الله فليطعه ومن نذران يعصى الله فلا يعصه رواه البخاري وزاد الطحاوي وفى هذه الوجه وليكفر عنه عن يمينه قال ابن العطاء عند الشك فى رفع هذه الزيادة (مسئلة:) من نذر بطاعة وقيده بقيود للطاعة فيها يلغو تلك القيود وينعقد النذر بالطاعة كمن نذر بالصلوة فى مكان معين وبالصوم قايما ونحو ذلك فيجب الصلاة والصوم ويتادى بكل مكان وعلى كل حال اجماعا الا ان أبا يوسف والشافعي وغيرهما قالوا لو نذران يصلى فى المسجد الحرام لم يجزه فى غيره ولو نذر فى المسجد الأقصى او مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له الأداء فى المسجد الحرام ولم يجزه فيما هو اقل منه فضلا وقال ابو حنيفة رض فى جميع الصور يجوز الأداء فى كل مكان وفى حديث جابر ان رجلا قال يوم الفتح يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انى نذرت ان افتح الله عليك مكة ان أصلي فى البيت المقدس فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صل هاهنا فاعادها على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين او ثلثا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - شانك إذا رواه ابو داود والدارمي فبهذا الحديث الغى ابو حنيفة تقييده بالمسجد الأقصى قال ابو يوسف والشافعي تقييده الصلاة بمسجد من هذا المساجد الثلاثة كثرة الثواب والمعنى الطاعة فلا يلغى عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلوة فى مسجدى هذا خير من الف صلوة فيما سواه الا المسجد الحرام متفق عليه وعن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلوة الرجل فى بيته بصلوة وصلوته فى مسجد القبائل بخمس وعشرين صلوة وصلوته فى المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلوة وصلوته فى المسجد الأقصى بألف صلوة وصلوته فى مسجدى بخمسين الف صلوة وصلوته فى المسجد الحرام مائة الف صلوة رواه ابن ماجه وقال انما ذلك على الصلاة المكتوبات لا على النوافل عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلوة المرأ فى بيته أفضل من صلوته فى مسجدى هذا الا المكتوبة رواه ابو داود والترمذي وما يدل على الغاء قيود لا طاعة وفيها حديث ابن عباس قال بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم فى الشمس فسال عنه فقال ابو إسرائيل نذران يكون ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ولا يصوم فقال مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه رواه ابو داود وابن ماجة وابن حبان ورواه البخاري وليس فيه فى الشمس ورواه مالك فى المؤطأ مرسلا وفيه تأمره بإتمام ما كان لله طاعة وتترك ما كان معصية قال مالك ولم يبلغنى انه امر بكفارة

وأخرجه الشافعي وفى آخره ولم يأمره بكفارة ورواه البيهقي من حديث محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس وفيه الأمر بالكفارة ومحمد بن كريب ضعيف (مسئلة:) من فاته ما وجب عليه بالنذر يجب قضاءه بمثله حقيقة او حكما فيقتضى الصلاة بالصلوة والصوم بالصوم والشيخ الفاني يطعم بكل صوم مسكينا ومن نذر الحج ماشيا فركب بعذر يهدى هديا وبه قال الجمهور وهو الصحيح من مذهب ابى حنيفة وفى رواية الأصل عن ابى حنيفة لا يجب عليه المشي فى الحج بالنذر فلا يجب عليه الهدى لحديث عقبة بن عامر الجهني قال نذرت أختي ان تمشى الى الكعبة حافية حاسرة فاتى عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما بال هذه قالوا نذرت ان تمشى الى الكعبة حافية حاسرة قال مروها فلتركب ولتخمر متفق عليه وحديث انس ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راى شيخا يهادى بين ابنين له فسأل عنه فقال نذران يمشى فقال ان الله لغنى عن تعذيب هذا ويأمره بان يركب متفق عليه قلنا اما حديث عقبة بن عامر فقد رواه ابو داود بسند جيد نذرت أختي ان تمشى الى البيت فامر النبي - صلى الله عليه وسلم - ان تركب وتهدى هديا وروى داود من حديث زيد بن عباس بلفظ ان اخت عقبة بن عامر نذرت ان تحج ماشية وان لا تطيق ذلك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ان الله غنى عن مشى أختك فلتركب ولتهد بدنة وروى الطحاوي من حديث عقبة بن عامر نحوه بسند حسن فظهران ما فى الصحيحين فيه اختصار على ذكر بعض المروي وما ذكرنا من الروايات يقتضى تخصيص البدنة بالهدى وروى عبد الرزاق عن على بسند صحيح فيمن نذران يمشى الى البيت قال يمشى فان عيى ركبوا هدى جذورا واخرج نحوه عن ابن عمر وابن عباس وقتادة والحسن (مسئلة) ومن نذر بمعصية او بامر مباح لا يصلح للطاعة لا يجب ولا ينعقد النذر اجماعا فيلغو عند ابى حنيفة وعند الجمهور يتعقد يمينا للتحرز عن الغاء كلام العاقل وصيغته أكيد يصلح لكونه يمينا لفظا لاشتماله على ذكر اسم الله تعالى ومعنى لان فيه تحريم ضد المنذور فضدهم يجب ان يحنث ويكفر فى المعصية وفى المباح يخير بين ان يفعل او يكفر والحجة لهم أحاديث حديث عقبة بن عامر كفارة النذر كفارة اليمين رواه مسلم وحديث عمران بن حصين مرفوعا لا نذر فى معصية الله وكفارته اليمين رواه النسائي والحاكم والبيهقي ومداره على محمد بن زبير الحنظلي وهو ليس بالقوى وقال الحافظ بن الحجر له طرق اخر إسنادها صحيح الا انه معلول ورواه احمد واصحاب السنن

والبيهقي من رواية الزهري عن ابى سلمة عن ابى هريرة وهو منقطع لم يسمع ابو سلمة عن ابى هريرة ورواه اصحاب السنن عن عائشة وفيه سليمان بن أرقم متروك ورواه الدار قطنى عن عائشة مرفوعا من جعل عليه نذرا فى معصية الله فكفارته كفارة اليمين وفيه غالب بن عبد الله متروك وروى ابو داود من حديث كريب عن ابن عباس واسناده حسن قال النووي حديث لا نذر فى معصية الله فكفارته كفارة يمين ضعيف باتفاق المحدثين وقال الحافظ قد صححه الطحاوي وابو على ابن السكن وحديث ابن عباس ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا فى معصية فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا اطاقته فليف به رواه ابو داود وابن ماجة وحديث ثابت بن الضحاك ان رجلا نذر ان ينحرا بلا فى موضع وفى رواية ببوانة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل كان فيه وثن من الأوثان الجاهلية تعبد قالوا لا قال هل كان فيها عيد من أعيادهم قالوا لا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوف بنذرك رواه ابو داود وسنده صحيح وروى من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ونحوه روى ابن ماجة عن ابن عباس وهذا الحديث يدل على جواز وفاء النذر بما ليس بطاعة ولا معصية وكذا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان امرأة قالت يا رسول الله انى نذرت ان اضرب على راسك بالدف تعنى عند قدومك قال او فى بنذرك رواه ابو داود ولعل ذلك قبل تحريم الضرب بالدف والنذر المعلق عند وجود الشرط حكمه حكم المنجز مطلقا عند ابى حنيفة فى ظاهر الرواية وعند ابى يوسف وهى رواية عن الشافعي وبه قال مالك غير انه قال فى صدقة جميع المال يلزمه التصدق بالثلث وفيما سوى ذلك فعنده يجب عليه الوفاء بما أوجب لا غير وروى عن ابى حنيفة انه رجع عن هذا القول وقال أجزأه عن المعلق كفارة يمين ويخرج عن العهدة بفعله وبه قال محمد واختار صاحب الهداية والمحققون عن علماء الحنفية ان المراد بالشرط الذي يجزء عنه الكفارة عند ابى حنيفة الشرط الذي لا يريد وجوده نحو ان دخلت الدار وكلمت فلانا او فعلت كذا فعلىّ حج او صوم سنة ويسمى هذا النذر نذر الحاج واما الشرط الذي يريد وجوده نحو ان شعبت او قدم غايبى او مات عدوى او ولدت امرأتى ابنا فعلىّ كذا قالوا وجب عليه الوفاء لا غير ويسمى هذا النذر نذر تبرد ولهذا التفصيل قال احمد وهى الأظهر من الروايات عن الشافعي

[سورة الإنسان (76) : آية 8]

والرواية الثالث عن الشافعي ان الواجب فى النذر الحاج الكفارة لا غير وهى رواية عن احمد عن سعيد بن المسيب ان أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسال أحدهما صاحب القسمة فقال ان عدت بشانهما القسمة فكل مالى فى رباح الكعبة فقال له عمران الكعبة غنية عن مالك كفر عن يمينك وكلم أخاك فانى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لا يمين عليك ولا نذر فى معصية الرب ولا فى قطعة الرحم ولا فى فيما لا يملك رواه ابو داود- (مسئلة:) ومن نذر بعبادة لا يطيقها جاز له ان يكفر عنه وقال ابو حنيفة يستغفر الله ولا كفارة عليه لنا ما مر من حديث ابن عباس من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين وحديث فى قصة اخت عقبة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ان الله لا يصنع بشقاء أختك مشيا فلتركب ولتحج راكبة وتكفر يمينها رواه ابو داود وعن عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر قال نذرت أختي ان أحج لله ماشية غير مختمرة فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال قل لاختك فلتخمر ولتركب ولتصم ثلثة رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وروى الطحاوي نحوه ووجه الجمع ان النبي - صلى الله عليه وسلم - لعله امر بالكفارة بعد ما علم عجزها عن هذا والله تعالى اعلم وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ اى مكروهة وفى الصحاح الشر الذي يرغب عنه مُسْتَطِيراً منتشر غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر قال مقاتل كان شره فاشيا فى السموات فانشقت وتناثر كواكبها وكورت الشمس والقمر وفزعت الملائكة وفى الأرض فنسفت الجبال وغارت المياه فكسر كل شىء على الأرض من جبال وبناء فيه اشعار الى حسن عقيدتهم واجتنابهم عن المعاصي كما ان فى يوفون بالنذر دلالة على إتيانهم الواجبات وقوله تعالى. وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ الى آخره اشارة الى ترحمهم على عباد الله وإتيانهم الحسنات النافلات خالصا لله تعالى ابتغاء مرضاته عَلى حُبِّهِ اى على حب الله تعالى او على حبهم الإطعام وحاجتهم اليه مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً اخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ياسر اهل الإسلام ولكنها نزلت فى اهل الشرك كانوا يأسرونهم فى الله فنزلت فيهم فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالإحسان إليهم كذا قال قتادة وقال مجاهد وسعيد بن جبير هو المسبحون من اهل القبلة والاول اظهر وقيل الأسير المملوك وقيل المرأة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتقوا الله سبحانه فى الضعيفين المملوك والمرأة رواه ابن عساكر عن ابى عمرو عن أم سلمة اتقوا الله فى الصلاة وما ملكت

[سورة الإنسان (76) : آية 9]

رواه الخطيب وروى البخاري فى الأدب عن على مرفوعا اتقوا الله فى ما ملكت ايمانكم وروى البغوي اتقوا الله فى النساء فانهن عندكم عوان قال البغوي اختلفوا فى سبب نزول هذه الاية قال مقاتل نزلت فى رجل من الأنصار اطعم فى يوم واحد مسكينا ويتيما وأسيرا وروى مجاهد وعطاء عن ابن عباس انها نزلت فى على بن ابى طالب وذلك انه عمل لليهودى بشئ من شعير فقبض الشعير فطحن منه ثلثه، فاصلحوا منه شيئا لياكلوه فلما تم إنضاجه اتى مسكين فساله فاخرجوا اليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما ثم إنضاجه اتى يتيم فسال فاطعموه ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه اتى أسير من المشركين فسال فاطعموه وطووا ليومهم ذلك وروى الثعلبي عن ابن عباس ان الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك فنذر على وفاطمة وقضة جاريته لهما ان يصوموا ثلثة ايام ان برأ فشفيا وما معهم طعام فاستقرض علىّ من سمعون الخيبري ثلث أصوع من الشعير فطحنت فاطمة رضى الله عنها صاعا وأخبزت خمسة أقراص فوضعوا بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم مسكين فاثروه وباتوا ولم يذوقوا الا الماء وأصبحوا صياما فلما امسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم فوقف عليهم فى الثالثة أسير فافعلوا مثل ذلك فنزل جبرئيل بهذه السورة وقال خذها يا محمد هناك الله فى اهل بيتك قال الحكيم الترمذي هذا حديث مفصل لا يروح الا على أحمق وجاهل وأورده ابن الجوزي فى الموضوعات وقال هذا لا يشك فى وضعه قال السيوطي لان السورة مكية ودخول على على فاطمة بعد الهجرة بسنتين قلت وهذا الاعتراض ملحق بما قال مقاتل وما قال مجاهد وعطاء ايضا فان نزول الاية فى رجل من الأنصار يقتضى كون الاية مدنية وكذا عمل على لليهودى بشئ من الشعير ايضا لا يتصور الا فى المدينة لان اليهود لم يكونوا بمكة بل نفس الاية يقتضى كونها مدنية لان الأسارى لم تكن الا بالمدينة لم يكن بمكة جهاد اولا اسرا فالظاهر ان بعض هذه الصورة مدنية وان كانت بعضها مكية وعلى كون كلها مكية ففى الاية اخبار بالغيب عن حال المسلمين بعد الهجرة. إِنَّما نُطْعِمُكُمْ حال من يطعمون بتقدير القول اى قائلين نطعم لهم هذا القول اما تحقيقا او تقدير القول بلسان الحال قال المجاهد وسعيد بن جبير انهم لم يتكلموا به ولكن علم الله ذلك من قلوبهم فاثنى عليهم لِوَجْهِ اللَّهِ لفظ الوجه مقحم اى لله وطلب مرضاته ثوابه لا نُرِيدُ مِنْكُمْ

[سورة الإنسان (76) : آية 10]

جَزاءً عوضا بدنيا ولا ماليا وَلا شُكُوراً مصدر كالدخول والجروح والقبول روى عن عائشة انها كانت تبعث بالصدقة الى اهل بيت ثم تسال المبعوث ما قالوا فان ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى صواب الصدقة لها خالصا عند الله. إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا تعليل للاطعام بعد تعليل كانه معطوف على لوجه الله بحذف العاطفة وحذف حرف الجر يعنى نطعمكم طمعا وخوفا من الله المطلوب مرضاته وثوابه للخوف من غضبه وعذابه عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الصدقة لتطفى غضب الرب ويدفع منه السوء رواه الترمذي يَوْماً ظرف لمقدر اى نخاف من عذاب ربنا عَبُوساً العبوس الذي يجمع ما بين عينيه حزنا وصف اليوم به مجازا على طريقة نهارك صايم قَمْطَرِيراً شديد العبوس كذا قال الكلبي وقال اخفش قمطرير أشد ما يكون من الأيام وأطوله فى بلاء وفى القاموس القمطرير الشديد واقمطر اشتد نفسه ترقى من الأدنى الى الأعلى. فَوَقاهُمُ اللَّهُ ذكر المستقبل بلفظ الماضي اشعار القطع وقوعه الفاء للسببية اى لاجل خوفهم واجتنابا بموجب العذاب فى ذلك اليوم وقاهم الله شَرَّ اى مكاره ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ أعطاهم بدل العبوسة نَضْرَةً حسنا فى الوجه وَسُرُوراً فى القلب. وَجَزاهُمْ الله حيث لم يطلب الجزاء عن غيره بِما صَبَرُوا على طاعات الله عن معاصية وعلى الجوع عند اطعام المسكين وعلى القتل فى الجهاد وعلى المعصية عند الصدقة جَنَّةً دخلوها وَحَرِيراً ألبسوه. مُتَّكِئِينَ حال من الضمير المنصوب فى جزاء او من المرفوع فى ادخلوا المقدر فِيها فى الجنة عَلَى الْأَرائِكِ ج اى السرر فى الحجال اخرج البيهقي عن ابن عباس قال لا يكون الأرائك حتى يكون السرير فى الحجلة فان كان سرير بغير حجلة لا يكون أرائكه وان كان حجلته بغير سرير لا يكون أرائكه فاذا اجتمعا كان أرائكه لا يَرَوْنَ حال من فاعل متكئين او من ذى حاله فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً قال فى القاموس الزمهرير شدة البرد القمر وازمهرت الكواكب اى لمعت فالمراد بالزمهرير اما شدة البرد وبالشمس لازمه اى الحر فالمعنى لا حر فيها ولا برد ليدوم فيها هواء معتدل اخرج ابن المبارك وعبد الله بن احمد فى زوايدة وابن مسعود قال الجنة سجيح لاحر فيها ولا قرا والمراد بالزمهرير القمر اولا مع من الكواكب

[سورة الإنسان (76) : آية 14]

فالمعنى ان الجنة مضية بنفسها ومشرقة بنور ربها لا يحتاج الى شمس ولا الى قمر اخرج البيهقي عن شعيب بن الجيحان قال خرجت انا وابو عالية الرباحي قبل طلوع الشمس فقال ينسب ان الجنة هكذا ثم تلا وظلّ مّمدود وقلت ليس معنى قول ابى العالية الجنة هكذا تشبيه بنور الصبح فانه نور ضعيف مختلط بالظلمة كما لا يخفى بل تشبيه فى انبساط نوره بل انقطاع. وَدانِيَةً اى قريبة عطف على متكئين او على محل لا يرون ويرون دانية او على جنة بتقدير الموصوف اى وجنة اخرى دانية عليهم ظلالها فيكون نظير القوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان لكن لهذا التأويل ضعف لاقتضائه ان لا يكون الجنة الاولى دانيه الظلال إذا القسمة تنافى الشركة عَلَيْهِمْ اى منهم ظِلالُها فاعل دانية وَذُلِّلَتْ حال من ظلالها بتقدير قد او عطف على دانية على طريقة فالق الإصباح وجعل الليل سكنا او حال من ذى حال دانية والعائد محذوف اى ذللت لهم قُطُوفُها اى ثمارا تَذْلِيلًا اى جعلت سهل التناول لا يمتنع على قطوفها كيف شاؤا اخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن البراء بن عازب ان اهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين على اى حال شاؤا. وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ اى أباريق بلا عرى كذا اخرج هناد عن مجاهد كانَتْ اى الكواكب الجملة صفة بها قَوارِيرَا حال من فاعل كانت على تقدير كونها تامة اى تكونت أكواب حال كونها قوارير اى مثل قوارير وخبرها على تقدير كونها ناقصة اى تكون مثلها فى الصفاء اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس قال آنية من فضة صفائها كصفاء القوارير واخرج سعيد بن مسعود بن عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس لو أخذت فضة من فضة الدنيا فضربتها حتى تجعلها مثل جناح الذباب لم يرى الماء من ورائها لكن من أواني الجنة بياض الفضة فى صفاء القوارير. قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ بدل من الاول اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال ليس فى الجنة شىء الا قد أعطيتم فى الدنيا شبه القوارير من فضة قال الكلبي ان الله جعل قوارير كل قوم من تراب ارضهم وان ارض الجنة من فضة فجعل منها قوارير يشربون فيها قرأ ابن كثير قوارير الاول بالتنوين لتناسب رؤس الاى والثاني بلا تنوين بعدم الانصراف وقرأ نافع والكسائي وابو بكر كلاهما بالألف تبعا للخط لا حمرة

[سورة الإنسان (76) : آية 17]

فيغير الالف ومن نون الثاني ايضا بالألف عوضا من التنوين ومن لم ينون وقف بغير الف على القياس الا هشام فبالالف صلة للفتحة على الرواية قَدَّرُوها تَقْدِيراً صفة ثانية لاكواب او حال بتقدير قد والمعنى قدرها لهم السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم على قدر ريهم لا يزيد ولا ينقص كذا اخرج الفريابي فى نفسه عن ابن عباس قال الشيخ الاجل يعقوب الكرخي رضى الله عنه لعل هذا اشارة الى ان مقادير الأكواب يكون على حسب مقادير استعدادات الأرواح فى المعارف الالهية واخرج هناه عن مجاهد تقديرها انها ليست بالملأى التي تفيضه ولا ناقصة بقدر او المعنى قدرها اهل الجنة فى أنفسهم فجاءت مقاديرها وأشكالها لما تمنوه او قدروه بأعمالهم الصالحة فجاءت على حسبها. وَيُسْقَوْنَ فِيها معطوف على يطاف عليهم كَأْساً المراد بالكأس هاهنا المشروب اما حقيقة او على طريق جرى النهر كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا صفة لكاس كانت العرب يستلذون الشراب الممزوج بالزنجبيل قواعد الله بذلك قال ابن عباس ما ذكر الله فى القران بما فى الجنة وسماه ليس له فى الدنيا مثل وقيل عين فى الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل وقال قتادة يشربها المقربون صرفا ويمزج لسائر اهل الجنة قلت ذكر الله تعالى فى الجنة كاسا كان مزاجها كافورا وكاسا كان مزاجها زنجبيلا ذلك على اختلاف رغبة الشاربين فان محرور الطبيعة يعجبه التبريد فيرغب الى كاس كان مزاجها كافورا والمبرود يعجبه التسخين فيرغب الى كاس كان مزاجها زنجبيلا ولكل يرغب فيه. عَيْناً بدل من زنجبيلا ان كان الزنجبيل اسما لعين والا فهو بدل من كاس على حذف المضاف اى كاس عين فِيها تُسَمَّى تلك العين سَلْسَبِيلًا اخرج سعيد ابن منصور وهناد والبيهقي عن مجاهد قال هى حديدة الحربة انتهى ويقر شراب سهل الانحدار فى الخلق والمساغ سلسل سلسالا وسلسبيلا فقيل الباء فيه زائدة وقال الزجاج سميت بذلك لانها منقادة لهم يصرفونها حيث شاؤا وقال مقاتل وابو العالية سميت به لانها تسيل عليهم فى الطريق....... وفى منازلهم ينبع من اصل العرش من جنة عدن الى اهل الجنان وشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ عطف على الجملة السابقة- وِلْدانٌ ينشئهم الله لخدمة المؤمنين او ولدان الكفرة يجعلهم الله خدما لاهل الجنة مُخَلَّدُونَ اى لا يموتون ولا يهرمون إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً لا يموتون ولا يهرمون

[سورة الإنسان (76) : آية 20]

إذا رأيتهم لانتثارهم فى الخدمة ولو كانوا صفا شبهوا بالمنظوم والجملة الشرطية صفة ثانية للولدان اخرج ابن المبارك وهناد والبيهقي عن ابن عمر قال ان ادنى اهل الجنة من يسعى عليه الف خادم على عمل ليس معه صاحبه وتلى هذه الاية واخرج ابن ابى الدنيا عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان أسفل اهل الجنة أجمعين درجة من يقوم على راسه عشرة آلاف خادم واخرج ابن ابى الدنيا عن ابى هريرة ان ادنى اهل الجنة منزلا من يغدوا ويروح عليه خمسة آلاف خادم ليس منهم خادم الا ومعا ظرف ليس مع صاحبه والله تعالى اعلم اخرج ابن المنذر عن عكرمة قال دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه واله وسلم وهو راقد على حصير من جريد فاثر فى جنبه فبكى عمر فقال ما يبكيك قال ذكرت كسرى وملكه وهرمز وملكه وصاحب الحبشة وملكه وأنت رسول الله على حصير من جريد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اما ترضى ان لهم الدنيا ولنا الاخرة فأنزل الله تعالى. وَإِذا رَأَيْتَ حذف مفعوله ونزل منزلة اللازم- ثَمَّ ظرف لرايت اى فى الجنة رَأَيْتَ نَعِيماً كثيرا وَمُلْكاً كَبِيراً الجملة الشرطية معترضة فى الجنة وقد مر فيما سبق عن ابن عمر مرفوعا ادنى اهل الجنة منزلة لمن ينظر الى جناته وأزواجه وخدمه وسرره مسيرة الف سنة وفى رواية مسيرة الفى عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وقيل «لك لا يزول ويسلم عليهم الملائكة ويستاذنهم فى الدخول ولهم فيها ما يشاؤن ويرون الرب الجليل. عالِيَهُمْ قرأ نافع وحمزة بإسكان الياء على انه مبتداء وما بعده خبره من جملته حال من ضمير عليهم فى يطوف عليهم او من المنصوب فى حسبتهم او من ملكا كبيرا بحذف المضاف اى اهل ملك كبير والباقون بالنصب على انه ظرف مستقر بمعنى فوقهم خبر لما بعده او حال مما ذكرنا وما بعده فاعل الظرف ثِيابُ سُندُسٍ بالاضافة مبتداء او خبر او فاعل لما قبله والسندس معرب ضرب من رقيق الديباج كذا فى القاموس خُضْرٌ اخضر قرأ نافع وحفص وابو عمرو ابن عامر بالرفع على انه صفة ثياب والباقون بالجر على انه صفة سندس وَإِسْتَبْرَقٌ زاى الديباج الغلظ معرب استبره او ديباج يعمل بالذهب او ثياب حرير صفاق نحو الديباج كذا فى القاموس قرأ نافع وابن كثير وعاصم بالرفع عطفا على ثياب والباقون بالجر عطفا على سندس عن ابن عمر قال قال رجل يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا عن ثياب اهل الجنة اخلق يخلق أم نسج ينسج فقال بلى ينشق عنها

ثمر الجنة رواه النسائي والبزار والبيهقي بسند جيد وعن جابر قال فى الجنة شجرة ينبت السندس يكون ثياب اهل الجنة رواه البزار والطبراني وابو يعلى بسند صحيح وعن عمر بن الخطاب ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الاخرة متفق عليه وروى النسائي والحاكم وعن ابى هريرة نحوه وزاد ومن شرب الخمر فى الدنيا لم يشربه فى الاخرة ومن شرب من آنية الذهب والفضة فى الدنيا لم يشرب بهما فى الاخرة وفى الصحيحين عن انس والزبير نحو حديث عمر وعن ابى سعيد الخدري ايضا نحو حديث عمر وزاد وان دخل الجنة لم يلبسه رواه الطيالسي بسند صحيح والنسائي وابن حبان والحاكم وَحُلُّوا عطف على ويطوف عليهم او حال من الضمير فى عاليهم بإضمار قد أَساوِرَ منصوب بنزع الخافض مِنْ فِضَّةٍ ج من بيانية وهذا لا يخالف قوله تعالى أساور من ذهب لا مكان الجمع والعاقبة والتبعيض وعلى تقدير كون الجملة حالا من ضمير للخدم فيجوز ان يكون أساور من فضة للخدم ومن ذهب وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ واخرج ابو الشيخ فى العظمة عن كعب الأحبار قال ان لله تعالى ملكا يصوغ على اهل الجنة من أول خلقه الى ان تقوم الساعة ولو ان حليا يخرج من حلى اهل الجنة لذهب بضوء الشمس وفى الصحيحين عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يبلغ الحلي من المؤمن حيث يبلغ الضوء واخرج النسائي والحاكم عن عقبة بن عامر قوله صلى الله عليه واله وسلم ان كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها فى الدنيا وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ معطوف على الجمل السابقة شَراباً طَهُوراً من الاقذار لم تمسه الأيدي كخمر الدنيا قال ابو قلابة وابراهيم انه لا يصير لولا نجسا ولكن يصير رشحا فى أبدانهم كريح المسك وذلك انهم يوتون بالطعام وإذا كان اخر ذلك أتوا بالشراب الطهور فيشربون فيطهر بذلك بطونهم ويصير ما أكلوا رشحا يخرج من جلودهم أطيب من المسك الأذفر تعود شهوتهم وقال مقاتل هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع الله ما كان فى قلبه من غل او حسد قال البيضاوي ولنعم ما قال هو ان الله سبحانه يريد نوعا اخر من الشراب يفوق على النوعين المتقدمين ولذلك أسند الى نفسه ووصفه بالطهورية فانه يطهر شاربه عن الميل الى الذات الحسنة والركون الى ما سوى الحق فتجرد لمعاينة جماله ملتذا بلقائه وهى منتهى درجة الصديقين ذلك ختم به ثواب الأبرار وتختم ثوابهم ومبدأ ثواب الصادقين وادنى درجتهم قال فى المدارك قيل ان الملائكة تعرضون

[سورة الإنسان (76) : آية 22]

عليهم الشراب فيأبون قبوله منهم ويقولون لقد طال أخذنا من الوسائط فاذا هم بكأسات تلاقى أفواههم بغير اكف من غيب الى عبد ويؤيد هذا القول ما اخرج ابن ابى الدنيا بسند جيد عن ابى امامة قال ان الرجل من اهل الجنة يشتهى الشراب من شراب الجنة فيقع فى يده فيشرب ثم يعود الى مكانه قال الشيخ الاجل يعقوب الكرخي رض ان السابقين المقربين يعطون الكاسات من تحت العرش بلا واسطة والمقتصدين يعنى الأبرار يعطيهم الملائكة وغيرهم من اهل الجنة يعنى الذين دخلوها بعد المغفرة او العذاب يعطيهم الولدان انتهى قلت وهذه الآيات اخبار عن شان الأبرار فلعلهم يعطون الكاسات تارة بتوسط الولدان وتارة بتوسط الملائكة وتارة بلا توسط واما المقربون فلعلهم يعطون بلا توسط غالبا. إِنَّ هذا النعيم كانَ لَكُمْ جَزاءً لاعمالكم وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ع محمودا مقبولا مرضيا عندنا مجازا فقال فهذا قول لهم من الله تعالى كأنهم شكر لهم من الله تعالى حيث لم يريدوا مشكورا من غيره تعالى من المسكين واليتيم قلت جعل الله سبحانه نعيم الجنة جزاء لاعمالهم تفضلا لهم والا فأى عمل يتصور ان يكون جزاءه كذلك. إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا ج قال ابن عباس يعنى متفرقا اية بعد اية ولم ينزل جملة واحدة وتأكيد الجملة بتقديم المسند اليه على الجزاء الفعلى وتصديرها بان وتكرير الضمير لاشعار بأن الحكمة والصواب منحصر فى هذا النوع من التنزيل كانه كرر الاسناد الى نفسه وجعله مختصا به والحكيم لا يفعل الا ما هو حكمته. فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ الفاء للسببية يعنى إذا عرفت حال الأبرار والفجار وتأخير جزاء الفريقين اى دار القرار فاصبر على أذى الكفار ولا تعجل فى عقوبتهم ولا تحزن بتأخير نصرك عليهم وإذا علمت ان تنزيل القران مختص به تعالى فاصبر نفسك على ما امر به وعما نهى عنه وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ اى من الكفار للضجر من تأخير الظفر آثِماً اى مرتكبا لاثم داعيا لك اليه وان لم يكن ذلك كفرا- أَوْ كَفُوراً ج مرتكبا للكفر داعيا لك الى الكفر فاو لاحد الامرين منكر وقعت فى حيز النفي فافادت العموم اى لا تطع أحدا دعاك الى اثم او دعاك الى كفر او إليهما جميعا فانه داع الى كل واحد منهما ولو وقعت هناك الواو لكان المعنى لا تطع من دعاك الى الكفر والإثم جميعا ولا يستفاد منه عدم إطاعة الداعي الى الإثم فقط ومقتضى هذه الاية انه لا بأس فى إطاعة كافر فيما ليس بإثم ولا كفر

[سورة الإنسان (76) : آية 25]

وقيل او هاهنا بمعنى الواو والمراد بالإثم والكفور ابو جهل لعنه الله تعالى وذلك انه لما فرضت الصلاة نهى ابو جهل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها وقال لان رايت محمدا يصلى لاطان عنقه فانزل الله هذه الاية كذا روى عبد الرزاق وابن المنذر وابن جرير عن قتادة وقال مقاتل أراد بالإثم عتبة بن ربيعة وبالكفور وليد بن المغيرة قالا للنبى - صلى الله عليه وسلم - ان صنعت ما صنعت لاجل النساء والمال فارجع عن هذه الأمر وقال عتبة فانا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر وقال الوليد انا أعطيك من المال ما ترضى فارجع من هذه الأمر فانزل الله تعالى هذه الاية. وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ اى صل شبه عن الصلاة بذكر اسم الله تعالى تسمية الشيء باسم جزئه فان التحريمة ركن من اركان الصلاة او يقال افعال الصلاة وأقوالها كلها ذكر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان هذه الصلاة ليس فيها شىء من كلام الناس انما هى التسبيح والتكبير وقراءة القران رواه المسلم من حديث معاوية بن حكم بُكْرَةً اى أول النهار عنى به صلوة الفجر منصوب على الظرفية وكذا وَأَصِيلًا اى اخر النهار عنى به صلوة الظهر والعصر. وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ عبر هاهنا عن الصلاة بالسجود وأراد به صلوة المغرب والعشاء ولما كان فى صلوة الليل زيادة كلفته أكده بتقديم الظرف وزيادة الفاء فى فاسجد على تقدير اما اى واما من الليل فاسجد وَسَبِّحْهُ لَيْلًا عبر هاهنا عن الصلاة بالتسبيح والمراد به قيام الليل طَوِيلًا صفة لمصدر محذوف اى تسبيحا طويلا نصف الليل او اقل او اكثر منه. إِنَّ هؤُلاءِ يعنى الكفار مكة يُحِبُّونَ الدار الْعاجِلَةَ فى الدنيا وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ اى قدامهم او خلف ظهورهم يَوْماً ثَقِيلًا شديدا مستعار من الشغل البالغ فى المشقة على الحال وجملة ان هؤلاء تعليل لقوله تعالى لاتطع منهم اثما او كفورا يعنى انهم آثمون لا يعملون ما يعملون فى الدنيا ولا يصأون بالاخرة فلا تطعهم. نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ ج أحكمنا اسرهم خلقهم وارحالهم وربط مفاصلهم وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ فى الخلق وشدة الاسر تَبْدِيلًا مصدر للتاكيد وجملة الشرطية معطوفة على شددنا وجملة نحن خلقناهم مع ما عطف عليه لبيان تشنيع الكفار على كفرهم فى مقابلة النعم وذكر نعمة إيجادهم وتمكينهم لانها اصل النعمة كلها وفى جملة إذا شئنا تسلية للنبى صلى الله عليه واله وسلم فى احتمال الاذية منهم ووعد لهم باهلاكهم وتبديلهم بقوم

[سورة الإنسان (76) : آية 29]

مطيع فى الخلق وقد اهلكهم يوم بدر وقيل إذا هاهنا بمعنى ان يعنى ان يشاء الله لكن لم يشاء. إِنَّ هذِهِ السورة او الآيات تَذْكِرَةٌ ج وموعظة وتذكرة توضح السبيل الى الله سبحانه والى مرضاته فَمَنْ شاءَ التقرب الى الله وسلوك السبيل اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا بالطاعة ودوام الذكر والإخلاص وتقليد النبي صلى الله عليه واله وسلم. وَما تَشاؤُنَ قرأ نافع والكوفيون بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ لا توجد مشيتكم ايها الناس او مشية الكفار باتخاذ السبيل الى الله وبشئ من الأشياء فى وقت من الأوقات الا وقت مشية الله تلك المشية عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم مصرف القلوب صرف قلبى على طاعتك رواه مسلم فلما وجد مشية الله بهداية المؤمنين شاء اتخذ السبيل الى الله ولما لم توجد مشية الله بهداية الكفار لم يشأ ذلك إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بما يستاهل كل أحد فيفعل به ما هو اهل له وذلك يستدعى سبق استعدادهم الخير والشر وانما هو يكون المبادي تعينات المؤمنين ماشية من اسم الله الهادي ومبادى تعينات الكفار من اسم المضل حَكِيماً لا يشاء الا ما تقضيه الحكمة. يُدْخِلُ الله سبحانه مَنْ يَشاءُ من عباده ورحمته فِي رَحْمَتِهِ ط اى فى جنته فانها محل الرحمة يقذف الايمان والتصديق فى قلبه ومحبة الله فى سره وتوفيقه للطاعة وحفظه وتنفيره عن الكفر والمعصية وَالظَّالِمِينَ منصوب بفعل محذوف تفسيره بعده ويعذب الظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ع جملة والظالمين معطوف على يدخل والجملتين يقرر ان مضمون ما يشاؤن الا ان يشاء الله- والله تعالى اعلم- تمت سورة الدهر.

سورة المرسلات

سورة المرسلات مكيّة وهى خمسون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِراتِ نَشْراً فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً ادغم ابو عمرو الخلاد التاء فى الذال واظهر الجمهور قال مقاتل معنى الملائكة التي أرسلت بالمعروف من امر الله ونهيه وهى رواية عن مسروق عن ابن مسعود فعرفا حينئذ مفعول له ويحتمل ان يكون عرفا حالا بمعنى متتابعات من عرف الفرس يعنى أرسلت للاحكام متتابعات فغصفن الى عصر من عصف الرياح فى امتثال ما أمروا به ونشرن الشرائع فى الأرض بنشر الكتب وانزالها ونشرن ان احين النفوس الموتى بالجهل بما اوتين من العلم ففرقن بين الحق والباطل فالقينا الى الأنبياء ذكرا اى وحيا او اليقين فى قلوب المؤمنين ذكر الله سبحانه وقال مجاهد وقتادة هى الرياح المرسلات أرسلت متتابعة وقيل عرفا كثير العاصفات شديدة الهبوب عصفا الناشرات السحاب فى الجو نشر الفارقات بين السحاب بالقصر فرقا او فارقات السحاب بعد المطر فالملقيات ذكر اى تستبين لذلك فان العاقل إذا شاهد هبوبها واثارها ذكر الله تعالى وكمال قدرته وشكره على نعمة المطر بعد ما قنطوا ويحتمل ان يكون المراد به آيات القران المرسلات الى محمد - صلى الله عليه وسلم - بكل عرف اى معروف فعصفن الاكتاب والأديان بالنسخ ونشرن اثارى الهدى والاحكام فى الشرق والغرب وفرقن بين الحق والباطل فايقين ذكر الله بين العالمين او المراد بها نفوس الأنبياء المرسلات الى الخلق للهداية والإرشاد وتبليغ الاحكام فغصفن واسرعن وامتثال الأوامر والانتهاء عن المناهي ونشرن الهداية وفرقن بين الحق والباطل فالقين ذكر الله تعالى فى قلوب الامة وألسنتهم. عُذْراً روى عن ابى بكر عن عاصم ضم الذال وهو قراءة الحسن والمشهور عنه ونحن ساير القراء السكون أَوْ نُذْراً قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وابو بكر بضم الذال والباقون باسكاتها وهما

[سورة المرسلات (77) : آية 7]

بسكون الذال مصدران العذر او امحى اساءة وانذر إذا خوف وبالضم جمعان للعذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الانذار او المعنى العاذر والمنذر ونصبهما على أولين بالعلية اى عذر المؤمنين إمحاء لاساتهم ونذر للكفار تخويفا لهم والرياح سبب بوعيد الكفار بالعذاب إذا أسند والمطرا الى الأنواء مثلا او هما منصوبان بالبدلية من ذكر على ان المراد به الوحى وعلى الثالث بالحالية. إِنَّما تُوعَدُونَ من القيامة والجزاء لَواقِعٌ ط كائن لا محالة الجملة جواب للقسم. فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ محقت وذهبت بنورها جواب إذا محذوف وهو العامل فيها اى يفصل بين اهل الجنة واهل النار. وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ اى شقت فصارت لها فرجا. وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ قلعت من أماكنها وإذا مليت. وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ قرأ ابو عمر وقتت بالواو وعن ابى جعفر رواية بالواو بالهمزة كالجمهور عوضا عن الواو اى أظهرت وقت جمعهم وشهادتهم على الأمم. لِأَيِّ يَوْمٍ متعلق بما بعده وقدم عليه لاقتضاء صدر الكلام أُجِّلَتْ ط أخرت وضرب الاجل لذلك الوقت استفهام استعير للتعجب والتهويل. لِيَوْمِ الْفَصْلِ بدل من لاى يوم وبيان له وجملة لاى يوم معترضة ويحتمل ان يكون ثانى مفعولى أقتت لتضمينه معنى أعلمت. وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ ط تعجيب اخر وتعظيم امره يعنى انه شىء أعظم لا تعلم كنهه ولم تر مثله. وَيْلٌ مصدر بمعنى حلول الشر والهلاك فى الأصل منصوب على المصدرية بإضمار فعله عدل به الى الرفع يجعله مبتداء لدلالته على ثبات الهلاك والشر والجملة دعائية اخرج احمد والترمذي وابن جرير وابن ابى حاتم والحاكم وصححه والبيهقي وابن ابى الدنيا وهناد عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ويل واد فى جهنم يهويه الكافر أربعين خريفا قبل ان يبلغ قعره واخرج البيهقي وابن المنذر عن مسعود قال الويل واد فى جهنم يسيل صديد اهل النار جعل الله للمكذبين واخرج ابن ابى حاتم عن النعمان بن بشير نحوه واخرج البيهقي وابن جرير وابن المبارك عن عطاء بن يسار قال الويل واد من صديد جهنم لو سيرت فيه الجبال لانذابت من حره واخرج ابن جرير عن عثمن بن عفان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الويل جبل فى النار واخرج البزار بسند ضعيف عن سعيد بن ابى وقاص قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان فى النار حجرا يقال له ويل يصعد عليه

[سورة المرسلات (77) : آية 16]

العرفاء وينزلون يَوْمَئِذٍ اى يوم إذا النجوم طمست الى آخره لِلْمُكَذِّبِينَ ليوم الفصل ظرف مستقر خبر لويل يومئذ متعلق به ويحتمل ان يكون يومئذ ظرفا مستقرا صفة لويل. أَلَمْ نُهْلِكِ بالعذاب المكذبين او الْأَوَّلِينَ نحو قوم نوح وعاد وثمود استفهام تقرير. ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ يعنى كفار مكة السالكين سبيل الأولين فى تكذيب الرسل عطف على مضمون الم نهلك يعنى أهلكنا الأولين ثم نتبعهم الآخرين. كَذلِكَ صفة مصدر محذوف اى فعلا مثل ذلك الفعل نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ اى نجس المجرمين. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بما اوعدنا. أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ استفهام تقرير اى خلقناكم مِنْ ماءٍ مَهِينٍ حقير قدرا وهى النطفة. فَجَعَلْناهُ اى الماء فِي قَرارٍ مَكِينٍ ما يتمكن فيه وهو الرحم ظرف مستقر مفعول ثان لجعلناه ان كان ناقصا بمعنى صيرناه والا فظرف لغو متعلق به وجملة جعلناه معطوفة على مضمون الم نخلقكم الفاء للتفسير لا للتعقيب او محمول على القلب فى التركيب. إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ متعلق بقوله فى قرار مكين ان كان ظرفا مستقرا والا فبفعل محذوف اى مؤخرا اى مقدار من الوقت المعلوم عرفا أدناه ستة أشهر وأكثره سنتين او معلوم عند الله مدة لبثه. فَقَدَرْنا قرأ نافع والكسائي بالتشديد من التقدير اى فقدرنا مدة لبثه فى بطن امه وقت ولادته وعمله واجله ورزقه وشقى او سعيد عن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق ان حلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما النطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله اليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله واجله ورزقه وشقى او سعيد ثم ينفح فيه الروح فو الذي لا اله غيره ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها متفق عليه والباقون من القراء قرؤا بالتخفيف من القدرة يعنى فقدرنا يعنى إيجاده واعدامه وإعادته فَنِعْمَ الْقادِرُونَ نحن اى على كل شىء ويحتمل ان يكون القادر بمعنى المقدر على قراءة نافع. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بقدرتنا وهم الكفار او بتقديرنا وهم القدرية مجوس هذه الامة. أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ استفهام تقرير كِفاتاً اسم لما يكفت فيه بضم او مصدر نعت به مبالغة او جمع كافت

[سورة المرسلات (77) : آية 26]

كصيام وصائم او جمع كفت بمعنى الوفاء اجرى الجمع على الأرض باعتبار اقطاعها. أَحْياءً وَأَمْواتاً حال عن المفعول المحذوف لكفاتا ان كان مشتقا والا فالفعل محذوف دل عليه كفاتا يعنى نكفت الناس احياء على ظهرها فى دورهم ومنازلهم وأمواتا فى بطنها بخروجهم كذا قال الفراء وانما حذف المفعول للعلم به ويحتمل ان يكون مفعولين لكذلك اى نكفت الاحياء والأموات وتنكيرهما للتفخيم او لان احياء الناس وأمواتهم بعض الاحياء والأموات ويحتمل ان يكونا ثانى مفعول نجعل وكفاتا حال منهما قدم عليهما لتنكيرهما ويحتمل ان يكونا حالين عن مفعول نجعل يعنى الأرض او كفاتا والمراد بالاحياء والأموات ما ينبت من الأرض وما لا ينبت. وَجَعَلْنا عطف على مضمون لم نجعل فِيها اى فى الأرض رَواسِيَ جبال شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً ط عاليات والتنكير للتعظيم نابعات من الأرض. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بامثال هذه النعم قال مقاتل وهذه الأمور المذكورة كلها اعجب من المبعث. انْطَلِقُوا جملة مستأنفة كانه فى جواب ما يصنع بالمكذبين يومئذ وتقديره يقال لهم يومئذ انطلقوا اى سيروا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ج فى الدنيا يعنى نار جهنم. انْطَلِقُوا بدل من الاول وتأكيد وفيه بيان لما يسيرون اليه إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ قال المفسرون أريد به دخان جهنم قال البيضاوي وغيره الدخان العظيم إذ يرتفع يتفرق ذوائب وفى خصوصية شعب دخان جهنم بالثلث ذكر البيضاوي وغيره وجوها لا ترضيه وعندى وجه الخصوصية بالثلث ان اسباب الدخول فى نار جهنم منحصرة فى ثلث أحدها الكفر بالله وتكذيب الرسل صريحا وعبارة كقول الكفار افترى على الله كذبا ثانيها اتباع الهوى وتكذيب الرسل وآيات الله اقتضاء كقوله اهل الهواء من المجسمة والقدرية والروافض والخوارج والمرجئة على خلاف ظواهر النصوص القطعية بتأويلات فاسدة على خلاف الإجماع كما ان المجسمة يكذبون قوله تعالى وجوه يومئذ ناظرة وما دلت من الآيات على وزن الأعمال والصراط ونحو ذلك والروافض والخوارج يكذبون ما تواتر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى مدح ابى بكر وعمر وعثمان وعلى تواترا معنويا ثالثها اتباع الشهوات فى ارتكاب الكبائر والصغائر وترك الواجبات فهذه الأمور الثلاثة تصلح ان تكونا أسبابا لانشعاب دخان جهنم الى

[سورة المرسلات (77) : آية 31]

ثلث وشعب قال البغوي قيل يخرج عنق من النار فيشعب ثلث شعب اما النور فتقف على رؤس المؤمنين والدخان تقف على روس المنافقين واللهب تقف على رؤس الكافرين قلت وايضا يكون هذا القول مرفوعا لكونه مما لا يدرك بالرأي فتأويله انه عبر عن شعبة من شعب الثلث الدخان جهنم بالنور لخفته فى الظلمة بالنسبة الى أختيه والا فما معنى النور فى نار جهنم وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوقد على نار جهنم الف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة اخرج الترمذي والبيهقي عن ابى هريرة فهذه الشعبة الخفيفة الظلمة بالنسبة الى أختيها تقف على رؤس عصاة المؤمنين من اهل النار وعن الشعبة.... الثانية بالدخان لكثرة اجزاء النار فيها وشدة ظلمتها فهى تقف على رؤس المنافقين والمراد بالمنافقين هاهنا هم اهل الهواء الذين يدعون الايمان ويلزمهم الكفر وتكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام وليس المراد بالمنافقين هاهنا الذين قالوا أمنا بأفواههم فى العلانية دون السر ولم يؤمن قلوبهم فانهم أشد فى الكفر من الجاهرين وهم فى الدرك الأسفل من النار وقد ذكرنا فى تفسير سورة البقرة وجه اطلاق المنافقين على اهل الهواء وتطبيق ما ضرب الله تعالى به مثل المنافقين عليهم وعن الشعبة الثالثة باللهب لكمال احتراقها وشدة التهابها فهو تقف على رؤس الكافرين قلت ويمكن ان يقال المراد بالظل نار جهنم نفسها عبر عنها بالظل مجازا لظلمته واسوداده فان الظل لا يخلو من الظلمة وفيه استهزاء وتهكم بالكفار كما فى ذق انك أنت العزيز الكريم وفى بشره بعذاب اليم فمعنى قوله تعالى انطلقوا الى ظل ذى ثلث شعب انطلقوا الى نار جهنم التي هى ذى ثلث طرق موصلة إليها أحدها تكذيب الرسل صريحا ثانيها تكذيبهم اقتضاء ثالثها ارتكاب المعاصي لما ذكرنا. لا ظَلِيلٍ كظل العرش وظل الجنة للمؤمنين صفة الظل بعد صفة وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ط اى لا يرد لهب جهنم صفة لموصوف محذوف اى ولا ظل يغنى من اللهب ويحتمل ان يكون معطوفا على ظليل على طريقة فالق الإصباح وجعل الليل فيكون صفة ثالثة لظل مذكورة فى هاتين الصفتين تهكم بهم وروى أوهم لفظ الظل من وقاية الحر والإغناء من اللهب. إِنَّها الضمير راجع الى ظل من حيث المعنى ان كان المراد به النار كما ذكرت والا فهو راجع الى غير مذكور دل عليه الكلام اى جهنم تَرْمِي تعليل لعدم الإغناء بِشَرَرٍ جمع شررة وهى ما تطاير من النار كَالْقَصْرِ ج اى كل شررة فى عظمها كالقصر اى كبيت من حجر او قرية او حصن كذا فى القاموس فهو مفرد وقيل هو جمع

[سورة المرسلات (77) : آية 33]

قصرة بمعنى اصل النخل او الشجر الغليظ. كَأَنَّهُ اى القصر أفرد الضمير نظرا الى لفظه جِمالَتٌ جملة كانه صفة ثانية لشرر قرأ حفص وحمزة والكسائي جملة بغير الف وهو جمع جمل والباقون جمالات بالألف على انه جمع جمال فهو جمع الجمع صُفْرٌ جمع اصفر فان الشرر لما فيه من النار به يكون اصفر وقيل معناه اسود كما جاء فى الحديث ان شرر نار جهنم سود كالقير والعرب يسمى سواد الإبل صفر الضربة الى الصفرة والاول تشبيه فى العظمة وهذا فى اللون والكثرة والتتابع والاختلاط وسرعة الحركة. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالنار والعذاب-. هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ اى الكفار نطقا يفيدهم او لا ينطقون شيئا من فرطا الدهشة والحيرة وهذا فى بعض المواقف وينطقون فى بعضها. وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فى الاعتذار عطف على لا ينطقون فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ عطف على لا يوذن فيدل على نفى الاذن والاعتذار مطلقا ولعله لم يجعل جوابا عن النفي كيلا يدل على ان عدم اعتذارهم بعد الاذن فيوهم ان لهم عذرا قال حينئذ اى عذرا لمن اعرض عن منعمه وكفر باياديه ونعمه. هذا يَوْمُ الْفَصْلِ ج بين اهل الجنة واهل النار جَمَعْناكُمْ خبر ثان لهذا او حال عن يوم الفصل والعامل معنى الاشارة والعائد محذوف اى جمعناكم فيه او تعليل يعنى هذا يوم الفصل لانا جمعناكم فيه للفصل بين المؤمن والمكذب او تقرير وبيان للفصل وَالْأَوَّلِينَ فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ حيلة لدفع العذاب كما كنتم تكيدون بالمؤمنين فى الدنيا كما كنتم تقولون أيعجز كل عشرة منكم ان يبطش بواحد من تسعة عشر خزنة. فَكِيدُونِ الياء محذوفة اى فكيدونى الان توبيخ وتعجيز جملة الشرطية بتقدير فيقال لكم معطوفة على جمعناكم. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ع بالعذاب إذ لا حيلة لهم يومئذ فى تخليص أنفسهم من العذاب. إِنَّ الْمُتَّقِينَ من الشركة او من المعاصي مطلقا على تفاوت درجاتهم فِي ظِلالٍ كناية عن تكاسف أشجار الجنة كقوله زيد طويل النجاد بمعنى طويل القامة وان لم يكن له نجاد والا فلا شمس حتى يتصور الظل وَعُيُونٍ جارية من ماء غير أسن ولبن لم يتغير طعمه وخمر لذة للشاربين وعسل مصفى. وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ط اى لذيذة شتهاه وفيه اشعار بان المآكل والمشارب فى الجنة بحسب شهواتهم بخلاف الدنيا فان فيها يحسب ما يجد الناس. كُلُوا وَاشْرَبُوا حال من ضمير المرفوع فى الظرف اى مستقرون فى ظلل حال كونهم مقولا لهم ذلك

[سورة المرسلات (77) : آية 44]

او جملة معترضة بتأويل يقال لهم هَنِيئاً صفة المصدر المحذوف اى أكلا هنيئا او حال اى مهنئين والهنأ ما لا يلحق فيه مشقة ولا يعقبه وخامة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من عقد القلب بالايمانيات ومعالجته الطاعات وجملة ان المتقين مستأنفة كانه فى جواب سائل يسئل عن حال غير المكذبين بعد ما سمع حال المكذبين. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ كذلك فى محل النصب على المصدرية لما بعده والجملة الفعلية خبر ان والاسمية تأكيد لما سبق فان المراد بالمحسنين هم المتقون لا ما هو أخص منه والا يلزم تشبيه الا على بالأدنى وفيه حث على الإحسان يعنى فأحسنوا ايها الناس يجزينكم كما ذكرنا والإحسان بالمعنى الأخص ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك كذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى جواب جبرئيل سال عنه رواه الشيخان فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالجنة حيث يحرمون من النعيم. كُلُوا وَتَمَتَّعُوا كلام مستأنف خطاب للمكذبين فى الدنيا على وجه التهديد قَلِيلًا منصوب على المصدرية وعلى الظرفية اى أكلا قليلا او زمانا قليلا ما دمتم فى الدنيا ثم ينقطع ذلك عنكم إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ تعليل للتهديد. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ حيث عرضوا أنفسهم على العذاب الأليم لاجل التمتع القليل اخرج ابن المنذر عن مجاهد ان النبي - صلى الله عليه وسلم - امر وفد ثقيف بالايمان والصلاة فقالوا ولكن لا نجبى فانها مسبة فى القاموس التجبية وضع يديه على ركبة او على الأرض او الإكباب على وجهه قولهم فانها مسبة الى عار فنزلت. وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ فهذه جملة معترضة لذم الكفار ويحتمل ان يكون معطوفة على المجرمون على سبيل الالتفات من الخطاب الى الغيبة يعنى انكم مجرمون وانهم لا تركعون إذا دعيتم الى الصلاة ويحتمل ان يكون معطوفة على مضمون المكذبين يعنى ويل الذين كذبوا ولم يصلوا عند الدعاء إليها. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالأوامر والنواهي. فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ اى بعد القران يُؤْمِنُونَ استفهام إنكاري اى لا يومنون بشئ من الحجج إذ لم يؤمنوا بالقران الذي هو مشتمل على وجوه من الاعجاز نظما ومعنى وعلى الحجج الواضحة والبراهين الساطعة ولما كان سياق هذه السورة على التخويف والتهديد غالبا كما ان كان سياق سورة الإنسان على اللطف لتطيع غالبا قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم شيبتنى هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت رواه الحاكم وصححه عن ابن عباس وابن مردوية عن سعيد.

سورة النبإ

سورة النّبإ مكيّة وهى أربعون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عَمَّ أصله عن ما يحذف الالف من ما الاستفهامية إذا وقعت بعد حرف الجر نحو لم وفيم وعم ومم تخفيفا لكثرة الاستعمال وفرقا بينهما وبين الموصولة وضم الميم بعن فى الخط لبقائه على حرف واحد بعد الحذف والاستفهام فى كلامه تعالى مستعار عن التفخيم والتهويل فى شان ما وقع فيه الاستفهام فانه تعالى لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء يَتَساءَلُونَ ج والضمير لاهل مكة وذلك ان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دعاهم الى التوحيد وأخبرهم عن البعث بعد الموت وتلا عليهم القران جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون ماذا جاء بهم محمد - صلى الله عليه وسلم - كذا ذكر البغوي واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن الحسن نحوه عن المعنى يتساءلون الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين عنه استهزاء كقوله يتداعون لهم اى يدعون لهم. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ متعلق بيتساءلون المذكور وعلى هذا النبأ متعلق بفعل مضمر يفسره ما بعده او متعلق بيتساءلون مضمر وهذه الجملة جواب للسوال لفظا بيان لشان المفخم معنى ويحتمل ان يكون عن النبأ العظيم ويحتمل ان يكون هذه الجملة استفهامية بتقدير حرف الاستفهام فتكون تأكيدا للجملة السابقة وتفخيم بعد تفخيم تقديره عم يتساءلون أيتساءلون عن النبأ العظيم ويحتمل ان يكون الاستفهام الثاني للانكار يعنى لا ينبغى السؤال عن النبأ العظيم بل الواجب الايمان به فانه واضح عظيم شانه وشديد وضوحه عن ان يسال والمراد بالنبإ العظيم على قول مجاهد والأكثرين القران بدليل قوله تعالى قل هو نبأ عظيم وقال قتادة هو البعث ويحتمل ان يكون خبر بعث النبي - صلى الله عليه وسلم -. الَّذِي الموصول مع صلة صفة للنباء هُمْ الضمير راجع الى ما رجع اليه المرفوع فى يتساءلون وهم كفار مكة على تقدير كون السؤال استهزاء او انكار او على هذا فمعنى قوله فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ط ان منهم من يقطع بانكاره ومنهم من يشك ويحتمل ان يكون ضمير يتساءلون راجعا الى اهل مكة مومنهم وكافرهم أجمعين وعلى هذا فالمعنى

[سورة النبإ (78) : آية 4]

ان منهم من يصدق ويسال عنه لكشف الحال وازدياد اليقين ومنهم من ينكر ويسأل عنه استهزاء وإنكارا. كَلَّا ردع عن الاختلاف المبنى على انكار بعضهم او كلهم سَيَعْلَمُونَ اى الكافرون المنكرون كونه حقا عند الشرع وفى القبر. ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ يوم القيامة والتكرير للمبالغة والدلالة على لحوق الوعيد مرتين أحدهما فى القبر وثانيهما بعد البعث وكلمة ثم يشعر بأن الوعيد الثاني ابلغ من الاول ثم ذكر الله سبحانه صنائعه ما يستدل به على التوحيد والقدرة على البعث بعد الموت ووجوب شكر النعم باتباع من يدعو الى التوحيد والعبادة فقال. أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً فراشا لكم استفهام تقرير اى حمل المخاطب على الإقرار والعبادة اخرى استفهام انكار وانكار النفي اثبات فمضمونه جعلنا الأرض مهادا. وَالْجِبالَ أَوْتاداً ص للارض كيلا تميد بكم. وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً أصنافا ذكورا وإناثا. وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً قطعا لاعمالكم حتى تستريح أبدانكم والسبت القطع. وَجَعَلْنَا عطف على خلقنا اللَّيْلَ لِباساً لبسه كل شىء بظلمة فبمنع الابصار ويسكن الأصوات فيستريح النائم فيه. وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً ص اى سببا للمعاش من فضل الله ما قسم لكم من رزقه حيث ينقلبون فيه فى حوائجكم وفيما لا بد منه فى الحيوة. وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً اى سبع سموات شِداداً محكمات لا يوثر فيه مر الدهور. وَجَعَلْنا اى خلقنا ويحتمل ان يكون المفعول الاول محذوفا اى جعلنا الشمس سِراجاً وَهَّاجاً متلاليا وقادا قال مقاتل جعل فيه نورا وحرارة والوهج يجمع النور والحرارة. وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ قال مجاهد ومقاتل والكلبي هى الرياح التي تعصر السحاب وهى رواية العوفى عن ابن عباس فعلى هذا من للنسبة وقال ابو العالية والضحاك المعصرات هى السحائب وهى رواية الوالي عن ابن عباس قال الفراء المعصرات السحاب ينجلب بالمطر ولم يمطر كالمرأة المعصرة هى التي دنا حيضها ولم تحض يعد وقال ابن كيسان هى المغيثات من قوله وفيه تعصرون وقال الحسن وسعيد بن جبير وزيد بن اسلم ومقاتل بن حبان من المعصرات من السموات فمن على هذه التأويلات للابتداء ماءً ثَجَّاجاً قال مجاهد صبابا مدراراة قال قتادة متتابعا وقال ابن زيد كثيرا ومرجع الكل واحد. لِنُخْرِجَ بِهِ اى بذلك حَبًّا يأكله الناس كالبر والشعير

[سورة النبإ (78) : آية 16]

وَنَباتاً تأكله الدواب. وَجَنَّاتٍ بساتين أَلْفافاً ط ملتفة بالأشجار بعضها ببعض واحدها لف كجذع وجذاع او لفيف كشريف واشراف او لا واحد له كاوضاع وهى جمع الجمع فهى جمع لف واللف جمع لفافة وهى شجرة محتمعة يقال جنة لفاف ولما ثبت ان من هو قادر على اختراع تلك الأمور قادر على إعادتها وان تلك الأمور العظام لا يتصور وجودها الا من فاعل الحكيم ولا يتصور ان يكون عبثا او منافيا للحكمة فكان السامع اشتاق الى معرفة صفات وقت الفصل فاستأنف وقال. إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ بين الحق والباطل كانَ فى علم الله او حكمه مِيقاتاً ميعادا للثواب والعقاب وقتا معينا لهما او المعنى حدا يؤقت فى الدنيا وينتهى عنده او حدا للخلائق ينتهون اليه. يَوْمَ يُنْفَخُ بدل من يوم الفصل او عطف بيان له او بدل من ميقاتا او خبر ثان لكان فِي الصُّورِ اخرج مسدد بسند صحيح عن ابن مسعود قال الصور كهيئة القران ينفخ فيه وعن ابن عمر نحوه وقد مر فى الحاقة وعن وهب انها من لؤلؤ بيضاء فى صفاء الزجاجة وبه ثقب بعدد كل زوج وقد مر فى المدثر فَتَأْتُونَ عطف على ينفخ أَفْواجاً حال من فاعل تأتون يعنى جماعات مختلفة من القبور الى مكان الحساب عن ابى ذر قال حدثنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ان الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاث أفواج فوج طاعمين كاسيين راكبين وفوج يمشون ويسعون وفوج يسحبون على وجوههم رواه النسائي والحاكم والبيهقي وعن معاذ بن جبل ان النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الاية يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً قال يحشر أمتي عشرة أفواج صف على صورة القردة وهم القدرية وصف على صورة الخنازير وهم المرجئة وصف على صورة القردة والكلاب وهم الحرورية وصف على صورة الحمر وهم الروافضة وصف على صورة الذر وهم المتكبرون وصف على صورة البهائم وهم أكلة الربوا وصف على صورة السباع وهم الزنادقة وصف يحشرون على وجوههم وهم المصورون والهمازون واللمازون وصف دكيان وهم المقربون وصف مشبعاة وهم اهل اليمين رواه ابن عساكر وقال هذا حديث منكر فى اسناده مجاهيل ورواه الخطيب بلفظ يحشر عشر اصناف من أمتي اسباتا فمنهم على صورة القردة وهم النامون وبعضهم على صورة الخنازير وهم اهل السحت والحرام وبعضهم منكبين أرجلهم فوق وأعينهم ووجوههم أسفل يسحبون عليهم وهم أكلة الربوا وبعضهم عمى يترددون وهم من يجوز فى الحكم وبعضهم صم بكم

[سورة النبإ (78) : آية 19]

لا يعقلون وهم الذين يعجبون بأعمالهم وبعضهم يمضقون ألسنتهم مدلاة على صدورهم لسيل ايقح من أفواههم يقذرون اهل الجمع وهم العلماء والقصاص الذين يخالف قولهم فعلهم وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم وهم الذين يوذون الجيران وبعضهم مصلبين على جزوع من النار وهم السعاة بالناس الى السلطان وبعضهم أشد نتنا من الجيف وهم الذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حق الله فى أموالهم وبعضهم يلبسون جلابيب سابغة من القطران وهم اهل الكبر والفخر والخيلاء وكذا روى الثعلبي من حديث البراء بن عاذب عن معاذ. وَفُتِحَتِ السَّماءُ اى شقت قرأ اهل الكوفة بالتخفيف والباقون بالتشديد للمبالغة والتكثير عطف على تأتون ومعناه الاستقبال او حال بتقدير قد وكذا سيرت فَكانَتْ السماء أَبْواباً اى ذات أبواب او حمل على المبالغة يعنى صارت من كثرة الشقوق كانها كلها أبواب. وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ عن وجه الأرض فى الهواء كالهباء فَكانَتْ الجبال سَراباً ط السرب فى الأصل الذهاب كذا فى الصحاح ويقال للامع فى المفازة كالماء سرابا مالا سرابه فى راى العين والمراد هاهنا صارت الجبال شيئا لا حقيقة لها لتفتت اجزائها ولما ذكر الله سبحانه مجيئ الناس أجمعين للحساب بقوله فتاتون أفواجا فكان السامع اشتاق الى تفصيل أحوالهم فذكر اهل الطاغين اولا لان الترهيب أهم من يرصد عند أذهان الناس فقال. إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً الرصد الاستعداد للترقيب وموضع يرصد فيه والمعنى ملائكة العذاب وملائكة الرحمة يرصدون الناس جسر جهنم فاما ملائكة العذاب فيرصدون الكفار لياخذوهم ويلقونهم فى النار ويعذبونهم واما ملائكة الرحمة فيرصدون المؤمنين ليحرسونهم فى مجاوزتهم عليها من قيح جهنم وكل ليب الصراط فهذه الاية بهذا التأويل تدل على كون جهنم طريقا وممرا للناس أجمعين كقوله تعالى وان منكم الا واردها فمن فسر المرصاد بالطريق او المعنى الالتزامي وقيل مرصاد اى معدة للكفار يقال أرصدت الشيء إذا اعددته ويحتمل ان يكون المرصاد صيغة مبالغة اى مجدة مجتهد فى ترصد الكفار كيلا يشذ منها واحد اخرج البيهقي عن انس قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول الصراط أحد كحد السيف وان الملائكة يحفظون للمؤمنين والمؤمنات وان جبرئيل لاخذ بحجزتي وانى لا قول يا رب سلم سلم والزالون والذالات كثير واخرج ابن المبارك والبيهقي وابن ابى الدنيا عن عبيد بن عمير

[سورة النبإ (78) : آية 22]

عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال الصراط على جهنم مثل حد السيف بجهة الكلاليب والجسك فى ركبه الناس فيخطفون والذي نفسى بيده وانه ليوخذ بالكلوب الواحد اكثر من ربيعة ومضر والملئكة على جهة يقولون رب سلم سلم واخرج البيهقي عنه قال ان الصراط مثل حد السيف دحض منزلة تنكفاء الملائكة والأنبياء قياما يقولون رب سلم سلم والملائكة يخطفون بكلاليب قال البيهقي روى مقسم عن ابن عباس ان على جسر بجهنم سبع محابس يسأل العبد عند أولها عن شهادة ان لا اله الا الله فان جاء بها تامة جاز الى الثاني فيسأل عن الصلاة فان جاء بها تامة جاز الى الثالث فيسأل عن الزكوة فأن جاء بها تامة جاز بها الى الرابع فيسأل عن الصوم فان جاء بها قامة جاز الى الخامس فيسأل عن الحج فان جاء به تاما جاز الى السادس فيسأل عن العمرة فان جاء بها تامة جاز الى السابع فيسأل عن المظالم فان خرج منها والا يقال انظروا فان كان له تطوع أكمل به اعماله فاذا فرغ به انطلق به الى الجنة. لِلطَّاغِينَ يجوز بخمسة أوجه ان يكون خبر ثانيا لكانت او صفة لمرصاد او لماب قدم عليه ما انتصب حالا او ظرف مرصاد او لماب والطاغي الذي جاوز الحد فى العصيان ولا يكون ذلك حتى يقطع فى الكفر والتكذيب اما صريحا فحينئذ يسمى كافرا او اما التزاما واقتضاء فيسمى رافضيا او قدريا او مرجئا او نحو ذلك من اهل الهواء مَآباً خبر اخر لكانت. لابِثِينَ قرأ حمزة ويعقوب لبثين بغير الالف والباقون بألف حال مقدرة من الضمير فى الطاغين فِيها فى جهنم أَحْقاباً ج جمع حقب والحقب الواحد ثمانون سنة كل سنة اثنى شهرا كل شهر ثلثون يوما كل يوم الف سنة قال البغوي روى ذلك عن على بن ابى طالب رض وكذا اخرج هناد عن ابى هريرة وقال مجاهد الاحقاب ثلثة وأربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما كل يوم الف سنة وقال مقاتل بن حبان الحقب الواحد سبعة عشر الف سنة لما كانت هذا المدة متناهية وقد دلت الآيات المحكمات على خلود الكفار فى النار والعذاب حيث قال الله تعالى وفى العذاب هم خالدون وعليه انعقد الإجماع وروى السدى عن مرة بن عبد الله قال لو علم اهل النار انهم يلبثون فى النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ولو علم اهل الجنة انهم يلبثون فى الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا ذهب المفسرون الى تأويل هذه الآيات فقيل انها منسوخة بقوله تعالى فلن نزيدكم الا عذابا قالوا

[سورة النبإ (78) : الآيات 24 إلى 25]

فالعدد قد ارتفع والخلود قد حصل قلت هذه خبر والخبر لا يحتمل النسخ وقال الحسن فى تأويلها ان الله لم يجعل لاهل النار مدة بل قال لابثين فيها أحقابا فو الله ما هو الا انه إذا مضى حقب دخل حقب اخر ثم اخرى الى الابد فليس للاحقاب مدة الا الخلود ومن هاهنا قال البيضاوي والمراد دهورا متتابعة وليس فيه دلالة على خروجهم منها وان كان فمن قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق الدال على الخلود الكفار قلنا نعم المنطوق لا يزاحمه المفهوم ومن ثم قلنا بخلود الكفار فى النار وعليه انعقد الإجماع ووجب تأويل هذه الاية وتأويله بالاحقاب الغير المتناهية والدهور المتتابعة ضعيف إذ لا يظهر حينئذ فائدة لتقييد بالاحقاب الرهم خلاف المراد كيف والاحقاب بالنسبة الى غير المتناهي من الزمان كالايام بالنسبة إليها ولا شك انه لو قيل لابثين فيها أياما لا يتبادر الذهن منه الى الخلود بل الى الخروج فكذا هنا وقيل أحقابا جمع حقب من حقب الرجل إذا اخطأ الرزق وحقب العالم إذا قل مطره وخيره فيكون حالا بمعنى لابثين فيها حقبين اى ممنوعين عنهم الرزق كلمه وقوله لا يذوقون تفسير له قلت وهذا التأويل يأبى عنه الآثار المروية عن على رض وغيره المذكورة مع انها فى حكم المرفوع لعدم مساغ الرأي فيه وقول ان قوله تعالى. لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً حالا من المستكن فى لابثين او صفة لاحقابا او أحقابا ظرف بلا يذوقون فالمعنى انهم يلبثون أحقابا على هذه الصفة غير ذائقين الا حميما وغساقا فالاحقاب زمان بعدم الذوق لا المطلق اللبث فلعلهم يبدلون بعد ذلك جنسا اخر من العذاب أشد من ذلك والظاهر انه حال مرادف بقوله تعالى لابثين والتأويل عندى ان لفظ الطاغين ليس على عموم اتفاقا فانتم تحملونه على الكفار دون اهل الهواء فيلزمكم التكلفات فى هذا الاية ليندفع المعارضة بينها وبين المحكمات ونحن نحمل الطاغين هاهنا على اهل الهواء دون الكفار فلا يلزمنا ما يلزمكم ويويد ما قلت ما اخرج البزار عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال والله لا يخرج أحد من النار حتى يمكث فيه أحقابا والحقب بضع وثمانون سنة وكل سنة ثلاثمائة وستون يوما مما تعدون فان هذا الحديث يدل على الخروج بعد تلك المدة والله تعالى اعلم قرأ الحمزة والكسائي وحفص غساقا بالتشديد كالخباز والباقون بالتخفيف كالعذاب اما الحميم فماء فى غاية الحرارة وفى الحديث يرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فاذا دنت وجوههم شوت وجوههم فاذا دخلت بطونهم قطعت ما فى بطونهم الحديث

[سورة النبإ (78) : آية 26]

رواة الترمذي والبيهقي عن ابى الدرداء واما الغساق فاخرج هناد عن مجاهد قال الغساق الذي لا يستطيعون ان يذوقوه لشدة برده قال البغوي قال ابن عباس يحرقهم ببرده كما يحرق النار بحرها قال مقاتل هو الذي انتهى برده واخرج هناد عن ابى العالية فى هذه الاية انه استثنى من الشراب الحميم ومن البرد الغساق قال البيضاوي اخر الغساق ليوافق رؤس الاى واخرج هناد عن عطية قال الغساق الذي يسيل من صديدهم واخرج مثله عن ابراهيم وابى زرين فهو مشتق من قولهم غسقت وانصبت والغساق الانصباب واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا وايضا عن كعب قال الغساق عين فى جهنم يسيل إليها حمة كل ذى حمة من حية وعقرب وغير ذلك فيستنقع يوتى بالآدمي فينغمس غمسة واحدة فيخرج وقد سقط جلده عن العظام وتعلق جلده ولحمه فى كعبيه فتجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه فعلى هذه الأقوال ان كان الغساق باردا كان المستثنى من البرد والا فهو والحميم كلاهما مستثنى من الشراب والمراد بالبرد حينئذ برد جهنم ويستثنى عن حر النار او المراد بالبرد النوم وقيل الاستثناء منقطع والمراد بالشراب ما يسكن عطشهم. جَزاءً منصوب على المصدرية من فعل المحذوف اى يجزون جزاء وِفاقاً ط اى وافقا او موافقا او يوافق وفاقا لاعمالهم وأباطيلهم قال مقاتل وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الشرك هذا على تفسير القوم بان المراد بالطاغين الكفار فعلى هذا جزاء مصدر وقع بعد جملة لا محتمل لها غيره من قبيل له على الف درهم اعترافا إذ لا محتمل من جملة ان جهنم إلخ الا الجزاء فهو تأكيد لنفسه واما على ما ذكرت من ان المراد بالطاغين اهل الهواء فمعناه يجزون لجنس ما ذكر من العذاب موافقا لبعدهم عن الحق فى عقائدهم فيكون لبث بعضهم فى جهنم اكثر من بعض وعذابهم أشد منهم غير انه يبلغ هذا اللبث او ما هم فيه الى الاحقاب وأذاه حقب وعلى هذا التأويل فالمصدر تأكيد لغيره إذا الجملة السابقة عليه يحتمل غير ذلك والحمل على كونه تاكيدا لغيره اولى من الحمل على كونه تاكيدا لنفسه فان التأسيس اولى من التأكيد. إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ اى لا يخافون ولا يعتقدون حِساباً تعليل لما سبق من الجزاء فالكافرون لا يعتقدون البعث والحساب والجزاء مطلقا واما اهل الهواء فان هذه الصفة موجودة فى بعضهم فان المرجبة لا يعتقدون الحساب والجزاء وكذا الروافض يقولون شيعة على ومحبه لا يعذب بشئ من الذنوب كبيرة

[سورة النبإ (78) : آية 28]

كانت او صغيرة. وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً ط عطف على كانوا وهذه الصفة عامة فى جميع اهل الهواء كما ذكرنا فى المرسلات الا ترى الى الروافض انهم ينكرون مناقب جميع الصحابة ويدعون ارتدادهم او نفاقهم أجمعين الا ثلثة منهم او نحو ذلك ويزعمون ان عمر بن الخطاب وغيره من الخلفاء حين مكنهم الله تعالى فى الأرض أفسدوا فى الأرض ويزعمون ان الصحابة شر الأمم وأسوأ القرون وقد قال الله تعالى كنتم خير امة وقال الله تعالى الذين اخرجوا من ديارهم الى قوله الذين مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة الاية وقال الله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ وقال السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الاية الى غير ذلك من آيات لا تكاد تحصى وكذابا المصدر بمعنى التكذيب مطرد شايع او بمعنى المكاذبة فانهم كاذبون عند المسلمين والمسلمون كاذبون عندهم او المعنى انهم مبالغون فى الكذب مبالغة المبالغين فيه وعلى المعنيين يجوز ان يكون حالا بمعنى كاذبين او مكاذبين ويجوز ان يكون صفة لمصدر محذوف اى تكذيبا مفرطا كذبه- (مسئلة:) هذه الاية على ما ذكرت من التأويل تدل على عذاب اهل الهواء واما عذاب اهل الكبائر من المؤمنين فاطول مدة مكثهم بقدر الدنيا سبعة آلاف سنة ولا يجرعون الحميم ونحو ذلك اخرج ابن ابى حاتم وابن شاهين عن على بن ابى طالب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان اصحاب الكبائر من موحدى الأمم كلها الذين ماتوا على الكبائر غير تائبين من دخل منهم جهنم لا يرزق أعينهم ولا تسود وجوههم ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران حرم الله أجسادهم على الخلود وصورهم على النار من أجل السجود فمنهم من تأخذه النار الى قدميه ومنهم من تأخذه النار الى عقبيه ومنهم من تأخذه النار الى حنجرة ومنهم من تأخذه الى عنقه على قدر ذنوبهم وأعمالهم ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ خلقت الى ان تفنى الحديث واخرج الحاكم فى نوادر الأصول عن ابى هريرة نحوه فهم فى الباب الاول من جهنم ولا يضربون بالمقامع ولا يطرحون فى الدرك فمنهم من يمكث فيها ساعة ثم يخرج منها ومنهم من يمكث وفيها يوما ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها سنة وأطولهم فيها مكثا منذ خلقت الدنيا الى يوم فنيت وذلك سبعة آلاف قلت والمراد بالسنة هاهنا السنة الدنيوية حتى يتحقق مساواتهم فيها بمدة الدنيا

[سورة النبإ (78) : آية 29]

وورد فى بعض الروايات عن ابن سعيد مرفوعا ان ناسا أصابتهم النار بذنوبهم يميتهم الله فى النار فاذا كانوا اذن بالشفاعة يحيون بخلاف الكفار فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون. وَكُلَّ شَيْءٍ منصوب بفعل مضمر على شريطة التفسير اى أحصينا كل شىء من اعمال الطاغين وأباطيلهم أَحْصَيْناهُ كِتاباً منصوب على التميز او على الحال بمعنى مكتوبا او على المصدرية من قبيل ضربتهم سوطا اى أحصيناه إحصاء كتاب او بفعل محذوف اى أحصيناه كتبناه كتابا فى اللوح المحفوظ او فى صحف الحفظة قيل هذه الجملة معترضة والظاهر عندى انها تعليل لقوله تعالى وفاقا كما ان قوله انهم كانوا لا يرجون إلخ تعليل لقوله جزاء يعنى جزيناهم كذلك لاجل انكارهم للحساب وتكذيبهم بالآيات ويوافق الجزاء أعمالهم وفاقا حيث كتبنا أعمالهم وأباطيلهم لا يغادر فيها شىء فيجزيهم وفاق ذلك. فَذُوقُوا الفاء للسببية بمعنى ذوقوا العذاب بسبب إحصاء أعمالهم خطاب مع الطاغين على طريقة التفات للمبالغة فَلَنْ نَزِيدَكُمْ ايها الطاغون ما دمتم فى النار إِلَّا عَذاباً ع اخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية وابن ابى هريرة الأسلمي مرفوعا ان هذه الاية أشد ما فى القرآن على اهل النار ورواه الطبراني والبيهقي فى البعث موقوفا والله اعلم ولما ذكر الطاغين ذكر الله سبحانه حال المتقين فقال. إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً فوزا ونجاة من النار او موضع فوز. حَدائِقَ بدل بعض من مفاز ان كان بمعنى الموضع والا فبدل اشتمال وَأَعْناباً هذا وما بعده بدل اشتمال من مفازا ويجوز عطفه على بدل البعض تقول أعجبني زيد وجهه وعلمه. وَكَواعِبَ جوارى نواهد قد تكعبت ثديهن واحدتها كاعب أَتْراباً مستويات السن. وَكَأْساً دِهاقاً قال ابن عباس والحسن وقتادة مملوة وقال سعيد بن جبير متابعة وقال عكرمة صافية-. لا يَسْمَعُونَ حال من الضمير فى للمتقين الراجع الى مفازا وهو الحدائق والجنات او صفة لكاسا وعلى هذا فالضمير فِيها راجع الى كاس اى لا يسمعون فى شربها كما كانوا يسمعون فى شرب كاسات الدنيا لَغْواً باطلا من الكلام وَلا كِذَّاباً ج قرأه الكسائي بالتخفيف على انه مصدر الكاذبة وقيل هو الكذب وقيل هو كالمشدد فى المعنى والباقون بالتشديد بمعنى التكذيب يعنى لا يكذب بعضهم بعضا ولا يوجد فى الجنة الكذب. جَزاءً مِنْ رَبِّكَ

[سورة النبإ (78) : آية 37]

مصدر فعل محذوف موكد بجملة وقعت قبله كما ذكرنا فى قوله تعالى جزاء وفاقا عَطاءً مصدر كذلك اى يجزون جزاءا ويعطون عطاء حِساباً صفة لعطاء بمعنى كافيا وافيا من أحسبت فلانا اى أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبى قال ابن عتبة عطاء حسابا اى كثيرا فعلى هذا يكون تأكيدا لنفسه من قبيل الله اكبر دعوة الحق وله على الف اعترافا وقيل حسابا معناه على حسب الأعمال وقدرها فى القاموس هذا بحسبه اى بعدده وعلى هذا يستقيم المقابلة بما سبق جزاء وفاقا يعنى الطاغون يجزون جزاء موافقا لاعمالهم وأباطيلهم والمتقون يجزون جزاء على حسب أعمالهم وقدرها قلت بل على حسب مشية الله تعالى وفضله لقوله تعالى كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مأته حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ط وعلى حسب اخلاص العالمين ومراتب قربهم فان المقربين يعطون الاجر على القليل من العمل لا يعطى الأبرار على الكثير لما روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وهذا التفاوت فيما بين المقربين على تفاوت درجات قربهم قال المجدد رضى الله عنه الصحابة كانوا كلهم مستغرقين فى التجليات الذاتية الدائمة بكمالات النبوة وكثيرا من التابعين وقليل من اتباعهم كانوا كذلك وهم المقربون وبعد القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير انطفت أنوار تلك الدولة العظمى ودرست اثارها ثم بعد مضى الف سنة من الهجرة خلق الله سبحانه بعض الكرام وأعطاهم كمالات مثل كمالات الأولين كما نطق به الصادق المصدوق صلى الله عليه واله وسلم مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره رواه الترمذي عن انس شبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اخر هذه الامة باوله بحيث لا يدرى ايها خير من الاخر وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبشروا ابشروا ان مثل أمتي مثل الغيث لا يدرى آخره خير أم اوله او كحديقة اطعم منها فوج عاما وفوج عاما لعل آخرها أفواجا يكون اعرضهم عرضا واعمقهم عمقا وأحسنهم حسنات الحديث رواه البيهقي ورواه رزين وعن صحابى بهم سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - انه يقول سيكون فى اخر هذه الامة قوم لهم اجر مثل اجرا ولهم رواه البيهقي فى دلائل النبوة وعلى هذا التأويل يكون قوله تعالى جزاء من ربك عطاء حسابا تأكيد الغيرة كما ذكرت فى جزاء وفاقا والله تعالى اعلم. رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا

[سورة النبإ (78) : آية 38]

قرأ الكوفيون بالجر والباقون بالرفع الرَّحْمنِ قرأ عاصم وابن عامر بالجر والباقون بالرفع فعلى قراءة عاصم بالجر فيهما كلا الا سماين صفتان لربك فى قوله تعالى جزاء من ربك او بدل منه وعلى قراءة اهل الحجار والبصرة بالرفع فيهما رب السموات مبتداء والرحمن صفة له وما بعده خبره ويحتمل ان يكون رب السموات خبر مبتداء المحذوف اى هو رب السموات الرحمن صفة له او خبر ثان وما بعده خبر ثالث ويحتمل ان يكون الرحمن مبتداء وما بعده خبره وعلى قراءة حمزة والكسائي بالجر فى الاول والجر فى الثاني رب السموات خبر مبتداء محذوف فهو جملة معترضة والرحمن بدل من ربك وما بعده استيناف لا يَمْلِكُونَ اى اهل السموات والأرض مِنْهُ اى من الرحمن خِطاباً ج اى لا يقدر أحد ان يخاطبه منه وقال الكلبي معناه لا يملكون الشفاعة الا باذنه ويحتمل ان يكون معناه لا يمكن لاحد الاعتراض عليه سبحانه فى إعطاء الاجر بعضهم اكثر من بعضهم لانهم مملوكون على الإطلاق ولا يستحق أحد عليه شيئا والاجر تفضل منه فعلى هذا لا اعتراض عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال انما اجلكم من أجل ما خلا من الأمم من العصر الى مغرب الشمس وانما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عملا فقال من يعمل لى من نصف النهار على قيراط فعملت اليهود الى النصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من نصب النهار الى صلوة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار الى صلوة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من صلوة العصر الى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين الا فانتم الذين تعملون من صلوة العصر الى مغرب الشمس الا لكم الاجر مرتين فغضبت اليهود والنصارى فقالوا نحن اكثر عملا واقل إعطاء قال الله تعالى فهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال الله تعالى فانه فضلى أعطيته من شئت رواه البخاري قلت معناه قوله صلى الله تعالى عليه واله وسلم انما اجلكم من أجل ما خلا من الأمم مانين العصر الى مغرب الشمس ان أعمار هذه الامة قصيرة وأعمالهم قليلة والمراد بالقيراطين الكثرة مطلقا كما فى قوله تعالى ارجع البصر كرتين لا تعيين الكثرة بقدر التضعيف والله اعلم وبتأويلنا هذا يرتبط هذه الاية بما سبق اى جزاء من ربك عطاء حسابا والله تعالى اعلم. يَوْمَ يَقُومُ ظرف للا يملكون او للا يتكلمون والاول اظهر الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ فى ذلك اليوم واختلفوا فى الروح فاخرج ابن جرير عن ابن مسعود

قال الروح فى السماء الرابعة وهو أعظم من السموات والجبال ومن الملائكة وزاد البغوي انه يسبح كل يوم اثنى عشر الف تسبيح يخلق الله من كل تسبيحه ملكا يجئ يوم القيامة صفا واحدا واخرج ابو الشيخ عن الضحاك فى هذه الاية قال الروح صاحب الله يقوم بين يدى الله وهو أعظم ملائكة لو فتح فاه لوسع جميع الملائكة ما يخلق ينظرون اليه فمن مخافته لا يرفعون طرفهم الى من فوقهم واخرج ابو الشيخ عن على بن ابى طالب رض قال الروح ملك له سبعون الف وجهة لكل وجهة سبعون الف لسان لكل لسان سبعون لغة يسبح الله بتلك اللغات كلها واخرج من طريق عطاء عن ابن عباس قال الروح ملك واحد له عشرة وآلاف جناح ومن طريق ابى طلحة عنه انه من أعظم الملائكة خلقا وزاد البغوي فى قول عطاء عنه انه قال إذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا والملائكة صفا واحدا فيكون أعظم خلقة مثلهم واخرج ابو الشيخ عن مقاتل بن حبان قال الروح اشرف الملائكة وأقربهم الى الله وهو صاحب الوحى واخرج من وجه اخر عن الضحاك فى هذه الاية فالروح جبرئيل عليه السلام واخرج عن ابن عباس ان جبرئيل عليه السلام يوم القيامة لقايم بين يدى الجبار تبارك وتعالى يرغد فرايصه فرقا من عذاب الله يقول سبحانك لا اله الا أنت ما عبدناك حق عبادتك وان ما بين المشرق والمغرب وذلك قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا واخرج ابو نعيم عن مجاهد وابن المبارك عن ابى صالح مولى أم هانى قال الروح خلق على صورة ابن آدم وليسوا بالإنسان زاد البغوي يقومون صفا والملائكة صفا هؤلاء جند وهؤلاء جند وكذا ذكر البغوي عن قتادة واخرج ابو الشيخ من طريق مجاهد عن ابن عباس مرفوعا قال الروح جند من جنود الله ليسوا بالملائكة لهم رؤس وايدوا رجل ثم قرأ يوم يقوم الروح والملائكة صفا قال هؤلاء جنده وهؤلاء جنده وذكر البغوي عن مجاهد عنه قال خلق على صورة بنى آدم وما ينزل من السماء ملك الا معه واحد منهم اخرج ابن المبارك وابو الشيخ فى العظمة عن البيهقي قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا قال يقوم سماطين لرب العالمين يوم القيامة سماط من الملائكة وسماط من الروح وذكر البغوي

[سورة النبإ (78) : آية 39]

انه قال الحسن هم بنو آدم ورواه قتادة عن ابن عباس وقال هذا مما كان يكتمه ابن عباس صَفًّا حال مفرد من فاعل يقومون او مصدر بفعل محذوف اى يصفون صفا والجملة حالان يتكلمون يعنى الروح والملائكة وهذه الجملة حال من فاعل يقوم وجملة يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يَتَكَلَّمُونَ تقرير وتوكيد لقوله لا يملكون منه خطابا فان هؤلاء الذين أفضل الخلائق وأقربهم الى الله إذا لم يقدروا على التكلم فكيف من عداهم إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ فى الكلام او الشفاعة استثناء من فاعل لا يتكلمون او من فاعل لا يملكون والاول اظهر لفظا لاتصاله والثاني معنى فان الاذن فى الشفاعة والكلام غير مختص بالروح والملائكة وَقالَ صَواباً اى حقا وصدقا واعتقد به فالقول هاهنا كانه كناية عن الاعتقاد والاعتقاد لا يظهر الا بالقول عطف على اذن له الرحمن يعنى من قال صوابا فى الدنيا يعنى لم يقل باطلا من الكلام كاذبا وأكذب الكذب الكفر بالله العظيم لعدم إمكان صدقه ثم قول اهل الهواء لان القران يكذبهم وقيل معنى قال صوابا قال لا اله الا الله فالكفار لا يوذن لهم ان يتكلموا او يعتذروا واهل الهواء وانى لهم درجة الشفاعة. ذلِكَ الْيَوْمُ اشارة الى ما سبق من اليوم المذكور بالصفات المذكورة مبتدأ الْحَقُّ خبره عرف للقصر على كونه حقا ثابتا لا شبهة فيه فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً مرجعا وسبيلا مقربا اليه بطاعاته واتباع رسله والهادين الى سبيله بالجذب والتسليك فليتخذ الفاء السببية فان كون ذلك اليوم حقا موجب الاتخاذ السبيل الى الله والى ربه متعلق بمآبا او ظرف مستقر حال منه. َّا أَنْذَرْناكُمْ ايها الكفارذاباً قَرِيباً ج يعنى عذاب الاخرة فان كل ما هوات قريب او عذاب القبر والموت اقرب من شراك النعل وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ الظرف متعلق بعذابا فانه بمعنى التعذيب اقَدَّمَتْ يَداهُ ما استفهامية منصوبة بقدمت او موصولة منصوبة بينظر والعائد من الصلة محذوف المعنى لتعذيب انه يرى كل امرأ يوم القيامة ما قدم من العمل شيئا فى صحيفة او يرى جزائه فى الاخرة او فى القبر انما أسند تقديم الأعمال الى اليد لان عامة الأعمال الجوارح منها او لان اليد كناية عن القدرة والقوة عن عثمان قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان القبر أول منزلة من منازل الاخرة فان نجا منه

فما بعده أيسر منه وان لم ينج منه فما بعده أشد منه والأحاديث فى العذاب القبر كثيرة وفى الصحيحين عن ابن عباس قال مر النبي صلى الله عليه واله وسلم بقبرين فقال انهما يعذبان فى الكبيرة اما أحدهما فكان لا يستتر من البول وفى رواية لمسلم لا يستنزه من البول واما الاخر فكان يمشى بالنميمة الحديث ويدل على روية العمل فى القبر حديث البراء بن عاذب بطوله وفيه فى ذكر المؤمن فيفسح له فى قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول ابشر بالذي يسرك هذا يومك كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه تجئ بالخير فيقول انا عملك الصالح الحديث وفيه فى ذكر الكافر ويضيق عليه قبره حتى يختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه وقبيح الثياب نتن الريح فيقول انا عملك الصالح الحديث ابشر بالذي يسؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه تجئ بالشر فيقول انا عملك الخبيث الحديث رواه احمد يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ع اخرج الحاكم عن عبد الله بن عمر وقال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر الله تعالى الخلائق الانس والجن والدواب والوحش فاذا كان ذلك اليوم جعل الله القصاص بين الدواب حتى يقضى للشاة الجماء من القرناء فاذا فرغ الله من القصاص بين الدواب قال لها كونى ترابا فيرنها الكافة فيقول يا ليتنى كنت ترابا واخرج الدينوري عن يحى بن جعدة نحوه واخرج ابن جرير وابن حاتم والبيهقي عن ابى هريرة نحوه وذكر البغوي قول مقاتل نحوه وفيه يقول الكافر يا ليتنى كنت فى الدنيا فى صورة خنزير وكنت اليوم ترابا وذكر البغوي عن الزياد وعبد الله بن ذكوان قال إذا قضى بين الناس وامر اهل الجنة الى الجنة واهل النار الى النار قيل لسائر الأمم ولمومنى الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا فحينئذ يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا وبه قال ابن ابى سليم مومنوا الجن يعودون ترابا وقيل المراد بالكافر هاهنا إبليس وذلك انه عاب آدم انه خلق من التراب وافتخر بانه خلق من النار فاذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه المؤمنون من الثواب والرحمة وما هو فيه من الشدة والعقاب قال يا ليتنى كنت ترابا قال ابو هريرة فيقول التراب لا ولا كرامة لك من جعلك مثلى.

سورة النازعت

سورة النّازعت مكيّة وهى ست وأربعون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً الواو للقسم وجواب القسم محذوف اى لتبعثن ولتحاسبين يدل عليه ما بعده والمراد بالنازعت غرقا الملائكة التي تنزع أرواح الكفار غرقا فى النزع فغرقا اسم أقيم مقام المصدر فهو مفعول مطلق من غير لفظ العامل نحو قعدت جلوسا يقال أغرق النازع فى القوس اى استوفى مدها بقوة وشدة وبالناشطات نشطا الملائكة التي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو إذا اخرج بلا كره او من نشط الحبل او امده حتى انحل فان المؤمن كان فى مصائب الدنيا كانه معقود محبوس فالملائكة الناشطات أخلصته وحلت حلا رقيقا كما ينشط العقال من يد البعير كذا حكى القراء وفى الحديث فى حال أرواح المؤمن كانما انشط من عقال عن البراء بن عاذب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا واقبال من الاخرة تنزل اليه ملائكة بيص الوجوه كان وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند راسه فيقول أيتها النفس المطمئنة اخرجى الى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فياخذها فاذا أخذها لم يدعها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلها فى ذلك الكفن وفى ذلك الحنوط ويخرج كاطيب نفحة مسك الحديث وان العبد الكافر إذا كان فى انقطاع من الدنيا تنزل اليه من السماء ملائكة سوداء الوجوه معهم المسوح فيجسلون منه مد البصر ثم تجئ ملك الموت حتى تجلس عند راسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجى الى سخط من الله قال فتفرق فى جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فياخذها فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يجعلوها فى تلك المسوح ويخرج منها كنتن ريح جيفة وفى رواية وينزع نفسه يعنى الكافر مع العروق

[سورة النازعات (79) : آية 3]

رواه احمد قال البغوي قال ابن مسعود ينزعها يعنى نفس الكافر ملك الموت من تحت كل شعره ومن الأظافير واصول القدمين ويرددها فى جسده بعد ما ينزعها حتى إذا كادت تخرج ردها جسده فهذا عمله بالكافر وقال مقاتل ملك الموت وأعوانه ينزعون روح الكافر كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل (فائده) ومن هاهنا يظهر ان النفس جسم لطيف على حسب الجسم الكثيف سار فى البدن ناش من العناصر الاربعة تفاميه الروح والقلب وغيرهما من لطايف عالم الأمر الجواهر المجردة الا مكانية التي تظهر فى النظر الكشف للطافتها وتجردها فى عالم المثال فوق العرش قالت الصوفية انه بكمال قدرته تعالى لا جعلت النفس فى معاملتها بمنزلة المرآة فى مقابلة الشمس فى النفس واقتلت النفس بها كما تمتلى المرآة بالشمس إذا قوبلت بها واتضاءت كالقمر إذا اتسق بانوار الشمس على راى الفلاسفة فحيوة البدن بالنفس وحيوة النفس بالأرواح المجردة وتنزع النفس من البدن عند أجل مسمى ولا يحل انتزاع الأرواح المجردة بالنفس ابدا كذا ما ورد فى الحديث ان النفس ينزع من البدن ويجعل فى الأكفان والحنوط والمسوح يسعد بها فيفتح أبواب السماء لنفس المؤمنة الى السماء السابعة فيقول الله تعالى اكتبوا كتاب عبدى فى عليين واعيدوه الى الأرض فانى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة اخرى ولا يفتح أبواب السماء للكافر بل يطرح روحه الى الأرض صريح على كونه جسما مخلوقا من الأرض وعلى هذا التحقيق لا مجال لانكار عذاب القبر على ما ذهب اليه اهل الهواء مع قطع النظر من البدن الكثيف وعند اهل الحق عذاب القبر يمكن على البدن الكثيف ايضا ولا يمنعه الموت كما مر تحقيقه فى سورة البقرة والله تعالى اعلم. وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً قال مجاهدهم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد. فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً قال مجاهد هى الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح وقال مقاتل هى الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين الى الجنة يعنى الى الثواب قلت وأرواح الكفار الى العذاب قلت وهم الذين ورد ذكرهم فى حديث البراء المذكور ان ملك الموت إذا أخذ نفسا لم يدعها فى يده طرفة عين حتى يأخذها وعن ابن مسعود السابقات هى انفس المؤمنين تستبق الى الملائكة الذين يقبضونها شوقا الى لقاء الله وكرامة غاية السرور. فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً اخرج ابن ابى الدنيا عن ابن عباس فى المدبرات امرا قال

[سورة النازعات (79) : آية 6]

ملائكة مع ملك الموت يحضرون الموتى عند قبض أرواحهم فمنهم من يعرج بالروح ومنهم من يؤمن على الدعاء ومنهم من يستغفر للميت حتى يصلى عليه ويدلى فى حفرته وقال البغوي قال ابن عباس هم الملائكة الذين وكلوا بامور عرفهم الله عز وجل العمل بها قال عبد الرحمن بن سابط يدبر الأمر فى الدنيا اربعة جبرئيل وميكائيل وملك الموت واسرافيل اما جبرئيل فوكل بالرياح والجنود واما ميكائيل فوكل بالمطر والنبات واما ملك الموت فوكل بقبض الأنفس واما اسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم قال قتادة. غير بجمعيتها غير المدبرات بالنجوم فانها تنزع من أفق الى أفق ثم تغيب وتنشط من أفق الى أفق اى تذهب وقال الله تعالى فيها كل فلك يسبحون وتسبق بعضها على بعض فى السير وهذا قول ضعيف فانه لا فرق حينئذ بين النزع والنشط والسبح ولا وجه لذكر شىء واحد اربع مرات والفرق بين النزع والنشط بان حركتها من المشرق الى المغرب قسرية فتغرب بالنزع غرقا وحركاتها من برج الى برج طبعية ملايمة فسمت بالنشط مبنى على مذهب الفلاسفة القائلين بانطباق السموات بعضها على بعض حتى يتصور القصر والثابت من الشرع ان مسافة ما بين السماء الى السماء خمسمائة عام وذكر فى تاويل هذه الاية وجوه اخر بناء على احتمال العقل من غير نقل من السلف قال البيضاوي هى صفات للنفوس الفاضلة حال المفارقة فانها تنزع من الأبدان نزعا شديدا من إغراق النازع فى القوس فتنشط الى عالم الملكوت وتسبح فيه وتستبق فى خطاير القدس حتى يصير لشرفها وقوتها من المدبرات او حال سلوكها فانها تنزع عن الشهوات وتنشط الى عالم القدس فتسبح فى مراتب الارتقاء فتسبق الى الكمالات حتى تصير من الكمالات او صفات انفس الغزاة اى أيديهم بنزع القسي بإغراق السهم وينشطون بالسهم للرحى ويسبحون فى البر والبحر فيسبقون الى حرب العدو فيدبرون أمرها او صفات خيلهم فانها تنزع فى أعنتها وتغرق فى عرقها والاعنة أطول أعناقها ويخرج من دار الإسلام الى دار الكفر وتسبح فى جريها وتسبق الى العدو فتدبر امر الظفر والله تعالى اعلم. يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ متعلق بجواب القسم المحذوف يعنى لتبعثن ولتحاسبين يوم ترجف الراجفة وظرفية ذلك اليوم باعتبار اجزائها فان مقدار ذلك اليوم خمسين الف سنة من النفخة الاولى الى دخول الجنة او النار اخرج البيهقي عن مجاهد فى قوله تعالى ترجف الراجفة فقال ترجف الأرض والجبال وهى الزلزلة

[سورة النازعات (79) : آية 7]

تتبعها الرادفة قال دكتا دكة واحدة. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ فى موضع الحال من فاعل ترجف والمراد بالراجفة النفخة الاولى وبالرادفة النفخة الثانية كذا اخرج البيهقي عن ابن عباس وانما سميت الاولى بالراجفة لانها توقع الزلزلة فيحرك بها كل شىء ويموت منها الخلائق والثانية بالرادفة لانها رديفة الاولى اخرج ابن المبارك من مرسل الحسن بين النفختين أربعون سنة الاولى يميت الله بها كل ميت قال الحليمي اتفقت الروايات على ان بين النفختين أربعون سنة وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا بريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شى الا يبلى الا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة واخرج ابن ابى داود فى البعث عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وفيه بين النفختين أربعون عاما والاول أصح واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس يسيل واد من ماء فيما بين النفختين ومقدار ما بينهما أربعون فينبت كل خلق بلى من انسان او حيوان ودابه ولو مر عليهم مار قد عرفهم قيل ذلك على وجه الأرض لعرفهم فتنبتون ثم يرسل الأرواح فيزوج بالأجساد فذلك قول الله تعالى. وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ. قُلُوبٌ مبتداء يَوْمَئِذٍ متعلق بفعل يدل عليه واجِفَةٌ خبر اى مضطربه اضطرابا شديدا مستعار من الواجف بمعنى سريع السير. أَبْصارُها اى أبصار أصحابها خاشِعَةٌ ذليلة من الخوف الجملة خبر بعد خبر لقلوب او صفة لواجفة. يَقُولُونَ تعليل لواجف قلوبهم وخشوع أبصارهم يعنى يلحقهم الاضطراب والزلزلة انهم ينكرون البعث ويقولون فى الدنيا هذا القول أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ الاستفهام للانكار يعنى كنا مردودين قرأ ابو جعفر انا بحذف همزة الاستفهام لفظا وإرادته معنى فِي الْحافِرَةِ اى فى الحيوة الاولى يعنى حيوة بعد الموت يقال رجع فلان فى الحافرة يعنى طريقه التي جاء فيها فحفرها اى اثر فيها بمشيته كقولهم عيشة راضية او على تشبيه القابل ما يقابل وقال ابن زيد الحافرة النار. أَإِذا كُنَّا عِظاماً قرأ نافع والكسائي ويعقوب والحمزة وعامر إذا كنا بغير همزة الاستفهام والباقون بالهمزة للانكار بعد الإنكار للتاكيد والظرف متعلق بمحذوف تقديره انبعث إذا كنا ويحتمل ان يكون متعلقا بمردودون نَخِرَةً يابسة قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي

[سورة النازعات (79) : آية 12]

بالألف ناخرة والباقون بغير الف اخرج سعيد بن منصور عن محمد بن كعب قال لما نزل قوله تعالى يقولونء إنا لمردودون فى الحافرة قال كفار قريش لئن رجعنا بعد الموت لنخسرن فنزل. قالُوا عطف على يقولون او حال بتقدير قد من فاعل يقولون لكن نزول تلك الاية كما يدل عليه رواية سعيد بن منصور عن محمد بن كعب يابى على كونه حالا تِلْكَ اشارة الى الرجعة المفهوم من قولهء إنا لمردودون فى الحافرة مبتداء إِذاً اى كان كذلك اى كما يقول محمد شرط استغنى عن الجزاء لوقوعه فى وسط جملة تدل على الجزاء تقديره إذا كان كذلك فتلك الرجعة كَرَّةٌ رجعة خاسِرَةٌ اى ذات خسران وخاسر أصحابها والمعنى انها ان صحت فنحن خاسرون لتكذيبنا وهذا استهزاء منهم. فَإِنَّما هِيَ اى النفخة الثانية زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فى الصحاح الزجر الطرد بالصوت يقال زجرته فانزجر ومنه هذه الاية فان الناس يطردون فى الأرض بصوت ينفخ فى الصور ثم يستعمل تارة فى الصوت كما فى قوله تعالى والزاجرات زجرا يعنى الملائكة التي زجرن السحاب بالصوت وتارة بالطرد كما فى قوله تعالى مجنون وازدجر يعنى طرد ومنع. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ الفاء للعطف وإذا للمفاجاة أضيفت الى جملة اسمية جعلها فى قوة الفعلية معطوفا على فعلية تقديره يقولون فى الدنيا كذا فيفاجئون وقت كونهم بالساهرة وجملة فانما هى زجرة واحدة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لبيان كون الرجفة التي أنكروها سهلة بينة عند الله تعالى استفهام اى قد اتيك الى غير مستصعبة والساهرة وجه الأرض يعنى إذا هم احياء بوجه الأرض وقيل هى ارض القيامة وقال قتادة هى جهنم. هَلْ أَتاكَ استفهام تقرير اى قد اتيك حَدِيثُ مُوسى جملة معترضية تسلية النبي صلى الله عليه واله وسلم على تكذيب قومه وتهديدهم بأن يصيبهم مثل ما أصاب من كان أعظم منهم. إِذْ ناداهُ رَبُّهُ الظرف متعلق مفهوم حديث موسى اى هل اتيك الحديث المتعلق بموسى وقت نداء ربه إياه بِالْوادِ والباء بمعنى فى الْمُقَدَّسِ طُوىً قرأ الكوفيون بالتنوين ويكسرون نونها لالتقاء الساكنين بتأويل كونه علما للمكان وقيل هى كثنى من الطى مصدر لنودى او المقدس اى نودى ندائين او قدس مرتين وقرأ الباقون بغير تنوين لانه معدول تقديرى اى عن طاو واسم لواد فعدل عن الصرف او لانه علم لمونث بتأويل البقعة

[سورة النازعات (79) : آية 17]

فهو عطف بيان للوادى واذهب بيان لنادى بتقدير القول اى قال. اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى قبيل الذهاب. فَقُلْ عطف على اذهب هَلْ لَكَ ميل إِلى أَنْ تَزَكَّى قرأ اهل الحجاز ويعقوب بتشديد الزاء والباقون بالتخفيف بحذف احدى التاءين اى تسلم وتطهر من الشرك قال ابن عباس تشهد ان لا اله الا الله. وَأَهْدِيَكَ أريك لسبيل إِلى رَبِّكَ اى معرفته وعبادته وتوحيده فَتَخْشى ج عقابه فتؤدى الواجبات وتترك المحرمات على ان أهديك والفاء للسببية فان الخشية مسبب للمعرفة والمعرفة مسبب للهداية. فَأَراهُ معطوف على محذوف يعنى ذهب وبلغ فاراه الْآيَةَ على صدقه الْكُبْرى صلى اى المعجزات الباهرة العظيمة فى الدلالة على صدقه وافرادها لان كلها من حيث الدلالة كالاية الواحدة او المراد بها قلب العصى حية. فَكَذَّبَ فرعون موسى وَعَصى الله ورسوله بعد ظهور صدقه بالمعجزات. ثُمَّ أَدْبَرَ من ذلك المكان حين راى الثعبان مسرعا فى مشيه اليه يَسْعى صلى حال من فاعل أدبر او المعنى عن الايمان والطاعة حال كونه يسعى فى الفساد فى الأرض. فَحَشَرَ جمع جنودا والسحرة فَنادى صلى فى مجمعه. فَقالَ بيان لنادى والفاء للتفسير أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى صلى يعنى لا رب لكم فوقى او ان أعلى من كل من يلى أمركم وقيل أراد ان الأصنام ارباب وانا ربها وربكم. فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى ط النكل فى اللغة الضعف والعجز ويقال لا يمنع الشيء عن الشيء ويعجزه عنه فيطلق على قيد الدابة وحديدة اللجام لكونهما مانعين والنكال اسم من التنكيل يقال نكلت به إذا فعلت به من عقاب الشديد ما يمنع غيره عن ارتكاب مثله فالنكال هاهنا اما صفة لمصدر محذوف مؤكد لما قبله اى اخذه الله أخذ أنكالا مانعا لمن أراه او سمعه ان يفعل مثله او اخذه الله نكله نكالا وإضافته اما بمعنى فى يغنى نكالا فى الاخرة بالإحراق وفى الدنيا بالاغراق كذا قال الحصن وقتادة او بمعنى اللام يعنى نكله نكالا للكلمة الاخرة وهى هذه قوله ما علمت لكم من اله غيرى وكان بينهما أربعون سنة كذا قال مجاهد وجماعة. إِنَّ فِي ذلِكَ الاخذ والنكال لَعِبْرَةً موعظة لِمَنْ يَخْشى ط لمن كان من شانه الخشية صفة لعبرة ثم خاطب منكرى البعث على سبيل الالتفات واحتج عليهم على البعث وكونه تعالى قادرا عليه بما ظهر من قدرته

[سورة النازعات (79) : آية 27]

فى إيجاد العالم فقال. أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ ط مبتداء محذوف الخبر تقديره أنتم أشد خلقا أم السماء أشد خلقا منكم والاستفهام للتقرير والمراد بالسماء هى وما فيها بقرينة ذكر الأرض والجبال فى مقام التفصيل والحاصل ان السماء وما فيها أشد خلقا منكم البتة لانكم بعض ما فيها والكل أعظم وأشد من الجزء بالبداية والاعادة أهون من الله بَناها صفة للسماء اما على ان اللام زايدة على طريقة لقد امر على اللئيم يسبنى او على حذف الموصول اى التي بناها او جملة ثانية معطوفة على الاول بحرف مقدر ويحصل من القضيتين مادة البرهان تقديره ان الله بنى السماء التي هى أشد خلقا منكم وكل من هو قادر على بناءها قادر على إعادة ما هو أضعف منها. رَفَعَ سَمْكَها السمك الارتفاع والمعنى جعل مقدار ارتفاعها من الأرض او جعل تحتها الذاهب فى العلو رفيعها والجملة بيان لجملة بناها او بدل اشتمال منه فَسَوَّاها عمد لها وجعلها مستوية بلا قطور. وَأَغْطَشَ لَيْلَها اى جعلها ذا ظلمة يقال غطش الليل إذا اظلم أضاف الليل الى السماء لحدوثها بحركة الشمس المستقر فيها وَأَخْرَجَ ضُحاها اى ابرز ضوء شمسها وجعل النهار موجودا منها. وَالْأَرْضَ منصوب بفعل محذوف على شريطة التفسير يعنى ودحى الأرض بَعْدَ ذلِكَ اى بعد خلق السماء دَحاها بسطها للسكنى قال ابن عباس خلق الله الأرض بأقواتها فى يومين من غير ان يدحوها قبل السماء ثم استوى الى السماء فسويهن سبع سموات فى يومين بعد ذلك ثم دحى الأرض فى يومين بعد ذلك فخلقت الأرض وما فيها من شىء فى اربعة ايام وقيل معناه الأرض مع ذلك دحيها كقوله تعالى عتلّ بعد ذلك زنيم فى التفسير البيضاوي حمل كلمة بعد هاهنا على الحقيقة وقال فى قوله تعالى ثم استوى الى السماء ان ثم لتفاوة ما بين خلقتى السماء والأرض من الفصل كما فى قوله تعالى ثم كان من الذين أمنوا والتأويل الاول لكونه مستفادا من كلام السلف اولى. أَخْرَجَ مِنْها اى من الأرض ماءَها ينفجر العيون فيها وَمَرْعاها ص كلائها تسمية الحال باسم المحل او مصدر بمعنى المفعول وجملة اخرج معطوفة على الأرض نظيره له. وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً اى تمتيعا منصوب على العلية من دحى وارسى على سبيل التنازع لَكُمْ ايها الناس وَلِأَنْعامِكُمْ فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى

[سورة النازعات (79) : آية 35]

الفاء للسببية يعنى إذا ثبت البعث بأخبار الله تعالى بعد إمكانه وظهور قدرته سبحانه تعالى عليه بما ظهر من قدرته فى إيجاد العالم فاعلموا صفته وقت مجيئه وغيرها بالطامة الكبرى ليعلم بعض صفاته من عنوانه والطم فى اللغة الغلبة ويقال للبحر لانه يغلب كل شىء والطامة عند العرب الداهية التي لا يستطاع من ذلك سميت القيامة طامة لانها تطم الدواهي كلها وتغلبها ثم وصفها بالكبرى لمزيد تأكيدها فى الطم وإذا ظرف يتضمن معنى الشرط و. يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ بدل منه ما سَعى ما مصدرية او موصولة يعنى يرى اعماله عدد ما فى صحيفته وكان قد نسيها من قبل لفرط الغفلة او طول المدة. وَبُرِّزَتِ عطف على يتذكر اى يوم يبرز يظهر الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى لكل من يرى قال مقاتل يكشف عنها الغطاء فيظهر إليها الخلق اما الكفار فيدخلها واما المؤمن فيمرون من الصراط على ظهرها او المراد لمن يرى الكفار وجواب إذا قيل محذوف دل عليه يوم يتذكر والظاهر ان جوابه ما بعده من التفضل ولا ضرورة فى التقدير. فَأَمَّا مَنْ طَغى اى جاوز الحد فى العصيان حتى كفر. وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا على الاخرة باتباع الشهوات وهواء النفس. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى هى فصل او مبتداء واللام فى المأوى يدل على المضاف اليه عند الكوفيين اى ماواه وعند السيبويه والبصريين تقديره هى المأوى له عن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أحب دنياه اخر آخرته ومن أحب آخرته اخر بدنياه فاثروا ما يبقى على ما يغنى رواه احمد والبيهقي فى الشعب وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره متفق عليه وعند مسلم حفت مكان حجبت وعنه ان الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالم او متعلم رواه الترمذي وابن ماجه. وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ اى مقامه يوم القيامة لحساب ربه وَنَهَى النَّفْسَ الامارة بالسوء عَنِ الْهَوى فى الصحاح الهوى ميل النفس مما يشتهيه قيل سمى به لانه يهوى صاحبه فى الدنيا الى كل داهية وفى الاخرة الى الهاوية والهوى الانهدار والسقوط عن علو اعلم ان الهوى راس المنهيات وأساس المحرمات قال ابو بكر الوراق ان الله لم يخلق خلقا أخبث من الهوى قلت وهو قبيح عقلا وشرعا اما عقلا فلان حقايق الأشياء كما هى فى نفس الأمر لا سيما حقائق المبدأ والمعاد وعواقب الأمور

من الأخلاق والافعال وغيرها المستدعية لحسنها وقبحها مما لا يدرك غالبا بالرأي وان أدرك بعضها بالرأي فلا يليق بالوثوق ما لم يستفاد من علام الغيوب بتوسط الرسل عليهم السلام والا لما احتيج الى الرسل فتحصيل العقائد الصحيحة والعلم بالأعمال الحسنة والقبيحة والعمل بها وبالأخلاق الشريفة والرذيلة لا يتصور الا باتباع الرسل على خلاف الهوى واتباع الهوى يضاده واما شرعا فلان الله سبحانه قال وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وفى الصحاح العبودية اظهار التدلل والعبادة ابلغ منها وهى ضربان عبادة بالتسخير كما يدل عليه قوله تعالى ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعا وكرها وعبادة بالاختيار وهو مطلوبة من الثقلين فكما ان الأشياء كلها بالتسخير والاضطرار لا يتصور منه الا ما شاء الله وأراد فلا بد ان يكون كذلك بالاختيار لا يصدر منه شىء من افعال القلوب والجوارح وصفات النفس الا ما أراد الله وامر به بلا مدخل للهواء فيه وضده واتباع الهوى فهو ينافى العبودية فكل باطل قبيح منشعب من الهوى ومنبعث من الآراء الكاسدة قالت الكفار بناء على فساد رأيهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ابشرا منا واحدا نتبعه قالت المجسمة الباري موجود وكل موجود جسم متحيز وقالت المعتزلة وغيرهم لا يتصور عذاب القبر ووزن الأعمال والصراط ونحو ذلك والفساق مع اعترافهم بوجوب امتثال الرسول والقران وعلمهم بعذاب الاخرة وعلى مساوى الأخلاق والأعمال لم يثبتوا على الشرائع باتباع الهوى والشهوات فتركوا الواجبات وارتكبوا المحرمات والمكروهات فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثلث مهلكات هوى الى بئس العبد عبد الهوى يضله رواه الترمذي والبيهقي عن اسماء بنت عميس وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثلث مهلكات هوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرأ بنفسه وهى أشد هن رواه البيهقي عن ابى هريرة قلت والثلث كلها راجعة الى الهوى وان كان المراد فى الحديث بالهوى بعض افرادها (فائدة) ترك الهوى على مراتب أدناه اجتناب ما هو يخالف ظاهر النصوص واجماع السلف فى العقائد وبه يصير مسلما سنيا وأوسطه ما قال مقاتل ان يهم الرجل المعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها ومن تمام هذه المرتبة ترك المشتبهات واجتناب عمالا بأس به حذرا

عما به بأس قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من اتقى المشتبهات ويتر العرضه ودينه ومن وقع فى المشتهيات وقع فى المحرمات كراعى يرعى حول الحمى يوشك ان يواقع متفق عليه عن النعمان بن بشير وايضا من تمامه قصر دايرة المباح على بالابد منه وترك الهوى فى الفضول منها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الإسراف ان تأكل كل ما اشتهيت رواه ابن ماجه والبيهقي عن انس قال المجدد رض قال سيدنا قبلتنا الشيخ الاجل الشيخ بهاء والدين النقشبندي وجدت طريقا اقرب طرق الى الله سبحانه وهى المخالفة مع النفس يعنى مع زيادة الرعاية الشريعة والله تعالى اعلم وهاهنا تدقيق وهى ان المعصية منها ما هو ظاهر يمكن التحرز عنها مخالفة المقام لجانب ربه العلام ومنها ما هو أدق من دبيب النمل وذلك ما كان منها فى لباس الحسنات كالرياء او العجب وتزكية النفس المنهي عنها فى كثرة النوافل والطاعات وهذا من مزال الاقدام قال بعض الاكابرة لمريده يا بنى لا أخاف طرق الشيطان إليك من سبيل السيئات ولكن أخاف ان يطرق إليك من طريق الحسنات والتحفظ فى هذا المقام اتهام نفسه فى كل مأتى به والتضرع والاستغفار- (أبيات) خالف النفس والشيطان واعصهما ... وان هما محضاك النصح فاتهم ولا تطع منهما خصما ولا حكما ... فانت تعرف كيد الخصم والحكم استغفر الله من قول بلا عمل ... لقد نسبت به نسلا لذى عقم والحصين فى كل الحصين فى هذه المقام التشبث بذيل شيخ فإن فى الله باق به وان لا يفعل شيئا الا بامره واجازته ذكر الشيخ الامام يعقوب الكرخي رحمة الله عليه من بدأ حاله انه قال كنت نجارا فادركت فى نفسى تكاسلا وفى باطني شيئا من الظلمة فاردت ان أصوم أياما ليذهب ذلك فصمت وأصبحت عند الشيخ الامام الاجل بهاء الملة والدين النقشبندي فامر الشيخ بإحضار الطعام وقال لى كل فانه بئس العبد عبد هوى تضاله وقال ان الاكل أفضل من الصوم ان كان بهوى النفس ففهمت انه لا بد فى العبادة النافلة ايضا من اذن من الشيخ الفاني فى الله المستخلص عن الهوى قال قلت للشيخ بهاء الدين ان لم يوجد شيخ كذلك فماذا يفعل المرء قال فقال الشيخ ليستغفر الله كثيرا او يستغفر بعد كل صلوة عشرين مرة فانه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله كل يوم مأية مرة وأعلى المراتب الانتهاء عن الهوى سلب الهوى عن نفسه بالكلية بحيث لا يكون له مراد ومطلب غير الله سبحانه وغير مراده ولتحصيل هذه المرتبة تكثير الصوفية تكرار لا اله الا الله بملاحظة

[سورة النازعات (79) : آية 41]

لا مقصود الا الله قال المجدد رض ان العبد ما دام فى هوى نفسه فهو عبد نفسه مطيع الشيطان وهذه الدولة العظمى يعنى سلب الهوى بالكلية منوط بالولاية الخالصة ومربوط بالفناء والبقاء الأكملين قلت وفى هذه المرتبة يحصل للصوفى الرضاء بما قدر الله له وان كان خلاف طبعه وانه يدعو لدفع ضرر نزل به بناء على انه مامور بالدعاء او طلب العافية لا لاجل ضيق صدره من فقدان مراده وفى هذه المرتبة يكون عبد الله تعالى بالاختيار كما هو عبد الله بالتسخير والاضطرار وح لا يجد الشيطان اليه سبيلا الا نادر الان سبيله الى الإنسان غالبا يكون بتوسط لهوى الا ترى ان من هو محرور المزاج مغلوب الغضب يزين له الشيطان من اعماله القتل والظلم ونحو ذلك ومن هو مبرود المزاج ضعيف القلب يزين له الشيطان القرار من الزحف وترك الغيرة فى الحق والنفاق ونحو ذلك وقس على هذا فاذا أزال الهوى منه انسد طرق الشيطان اليه كلها وذلك مصداق قوله تعالى ان عبادى ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ومن هذا المقام قال شيخ الاجل يعقوب الكرخي ان الرجل لا يبلغ مبلغ الرجال حتى يخلص من الهوى وفى هذا المقام يطلق على العبد انه مومن حقيقى وهو المراد من قوله صلى الله عليه واله وسلم لا يومن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به رواه البغوي فى الشرح الستة وقال النووي فى اربعينه حديث صحيح. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ليس له ماوى سواها اخرج ابن حاتم من طريق جبير عن الضحاك عن ابن عباس ان مشركى مكة سالوا النبي صلى الله عليه واله وسلم فقالوا متى تقوم الساعة استهزاء منهم فأنزل الله تعالى. يَسْئَلُونَكَ اى كفار قريش عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ط اى متى قيامها مصدر من الراس بمعنى القيام والثبوت واخرج الحاكم وابن جرير عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يسال عن الساعة حتى انزل الله عليه يسالونك عن الساعة إلخ فانتهى واخرج الطبراني وابن جرير عن طارق بن شهاب قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يكثر ذكر الساعة حتى نزلت. فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ط احرج ابن حاتم عن عروة مثله والحاصل ان النبي - صلى الله عليه وسلم - بشدة حرصه على جواب السائلين عن وقت قيامها كان يسال الله سبحانه عنها نزلت هذه الاية فظهران فى اخفائها حكمة وانه لا يرجى علمها فانتهى عن السؤال عنها وما فى فيم استفهامية للانكار

[سورة النازعات (79) : آية 44]

ومن ذكريها بيان لما اى فى شىء أنت فى ذكر الساعة وبيان وقتها لا يجوز كذلك ولا يتصور لانك لا تعلمها ولا يجوز ان يعلم لحكمة فى اخفائها او المعنى فى اى شىء أنت حال كون ذلك الشيء من ذكر الساعة وبيان وقتها يعنى لست فى شىء من ذكرها وعلمها يعنى ليس شىء من علمها عندك يقال ليس فلان فى العلم من شىء يعنى ليس شىء من العلم عنده ويحتمل ان يكون فيم خبر مبتداء محذوف يعنى فيم هذا السؤال واى فايدة فيه ثم استأنف وقال أنت من ذكريها اى من علاماتها وموجب تذكرها فانك ختم الأنبياء عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثت انا والساعة كهاتين متفق عليه وعن المستورد بن شداد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعثت فى نفس الساعة فاسبقتها كما سبقت هذه هذه بإصبعيه السبابة والوسطى رواه الترمذي وقيل فيم أنت من ذكريها متصل بالسؤال يعنى يسئلونك عن الساعة أيان مرسها ويقولون واين أنت من ذكرانها وبيان وقتها فتذكر وقتها على التعيين. إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها ط يعنى مدة تقوم الساعة عند انقضائها مفوض الى ربك لا يعلمها غيره فهذه التعليل للانكار السابق جوابا للسوال وان كان من تتمة السؤال فهذا جواب. إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ط يعنى لم تبعث لبيان وقت الساعة انما بعثت لتنذر منها من يخشى شدايدها حتى تجتنب من موجباتها من يخشى لانه هو المنتفع الشدائد والعلم بوقوع الساعة قطعا يكفى للانذار ولا حاجة فيه الى بيان وقت وقوعها وتخصيص من يخشى لانه هو المنتفع بالإنذار وهذه الجملة تأكيد لما سبق من التعليل لانكار السؤال. كَأَنَّهُمْ اى الناس يَوْمَ يَرَوْنَها اى الساعة والظرف متعلق بمعنى التشبيه المفهوم من كان لَمْ يَلْبَثُوا خبر كان اى لم يلبثوا فى الدنيا والقبور زمانا إِلَّا عَشِيَّةً اى عشية يوم واحد أَوْ ضُحاها امال حمزة والكسائي اواخر هذه السورة من قوله تعالى هل اتيك حديث موسى الى آخرها الا دحيها فان حمزة فتحها وورش ما ليس فيه هاؤ الف بين بين وغيرها بالفتح الا ذكريها فبين بين وابو عمرو ما فيه راء امال وغيرها بين بين والباقون بالفتح كلها اى ضحى تلك العشية أضيف الضحى الى العشية لملابسة اجتماعها فى يوم واحد يعنى انهم يزعمون مدة لبثهم فى الدنيا والقبور لكونها متناهية ولانقضائها وانعدامها كان لم يكن ولعدم تناهى زمان للعذاب ولشدة ذلك العذاب زمان قصير جدا نظيره قوله تعالى لبثنا يوما او بعض يوم وهذه الاية كانه جواب لسوالهم عن وقت مجيئها يعنى ان قيام الساعة قريب جدا.

سورة عبس

سورة عبس مكيّة وهى اثنتان وأربعون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ذكر البغوي ان ابن أم مكتوم واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بنى عامر ابن لوى اتى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يناجى عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وابى وامية ابني خلف يدعوهم الى الله يرجوا إسلامهم فقال ابن أم مكتوم يا رسول الله اقرئنى وعلمنى مما علمك الله فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدرى انه مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية فى وجهه - صلى الله عليه وسلم - لقطع كلامه وقال فى نفسه يقول هؤلاء الصناديد انما اتباعه العميان والعبيد والسفلة فعبس وجهه واعرض عنه واقبل على القوم الذين كان يكلمهم فانزل الله تعالى عَبَسَ محمد اى كلح وَتَوَلَّى اعرض وجهه. أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ومحله النصب على انه مفعول لاحد الفعلين على التنازع او لان جاءه الأعمى وهو ابن أم مكتوم المذكور كذا اخرج الترمذي والحاكم عن عائشة وفيه قال ابن أم مكتوم أترى عما أقوله بأسا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا واخرج مثله عن انس وكذا روى ابن ابى حاتم عن ابن عباس وفيه فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إذا راه يكرمه ويقول مرحبا بمن عاتبتى فيه ربى ويقول له هل لك من حاجة وفيما روى الترمذي والحاكم عن عائشة ان النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلفه على المدينة مرتين فى غزوتين غزاهما وذكر الأعمى فى الاية اشعار بعذره فى الاقدام على قطع كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وَما يُدْرِيكَ ما نافية او استفهامية للانكار ومعناه النفي يعنى أنت ما أدريت بحاله واى شىء يجعلك داريا بحاله وفيه ايماء إلى العذر فى حق النبي - صلى الله عليه وسلم - يعنى انك لو كنت عالما بحال الأعمى لم تعرض عنه مقبلا على غيره وفى الاية إجلال للنبى - صلى الله عليه وسلم - بوجوه أحدها انه ذكر موجب الإنكار والاعراض عنه فى بدأ الكلام بلفظ الغيبة ولم يسند ذلك الفعل اليه بالتخاطب إيهاما بان من صدر ذلك الفعل كانه غيره وليس من شأنه ان يصدر منه مثله وتوجيه ذلك

[سورة عبس (80) : آية 4]

ان الأعمال انما هى بالنيات وما كانت فى نية النبي - صلى الله عليه وسلم - الاعراض عنه مطلقا بل كان غرضه ان هذا الرجل مؤمن لا يضره التأخير فى تعليمه ولا يخاف منه التولي والانحراف وان صناديد قريش عند الاعراض عنهم يذهبون ولا ينظرون ولو انهم أمنوا لا من معهم خلق كثير وتساع كلمة الله فبهذا الغرض كانه لم يصدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التولي عن الأعمى وان وجد منه صورة التولي وثانيها انه ذكر الإيماء الى الاعتذار منه صلى الله عليه وسلم بانك لم تكن تعلم والا لما صدر عنك ذلك وثالثها الالتفات اليه من الغيبة الى التخاطب أينا ساله دفعا للايحاش وإقبالا عليه دفعا لتوهم الاعراض ورابعها اسناد موجب العذر اليه صلى الله عليه وسلم بالتخاطب تصريحا بكونه معذورا فيما صدر عنه لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أصله يتزكى اى يتطهر بكماله من الشرك الجلى والخفي ورزائل النفس وهوائها وتعلق القلب بغير الله سبحانه وذهاب الغفلة عن سائر لطايف عالم الأمر وزوال صولة كل عنصر من عناصر عالم الخلق بفيض صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبركة أنفاسه الشريفة واقتباس أنواره الظاهرة والباطنة. أَوْ يَذَّكَّرُ أصله يتذكر اى يشتغل بما يذكر الله سبحانه ويزيد حضوره ويفيد خشيته من عذابه ورجاء ثوابه فَتَنْفَعَهُ قرأ عاصم بالنصب على جواب لعل والباقون بالرفع عطفا على يذكر الذِّكْرى فى الصحاح الذكرى كثرة الذكر وهو ابلغ من الذكر لقوله تعالى لعله يزكى اشعار الى غاية منازل الأبرار وقوله او يذكر اشارة الى بداية حال الأخيار ولم يذكر هاهنا حال المقربين الصديقين لان المقام مقام الانانية واما المقربون فملاك أمرهم على الاجتباء وذلك بالاصالة مختص بالأنبياء وبالوراثة والطفيل لمن شاء الله تعالى من الأصفياء وكلمة او بين لمنع الخلو دون الجمع كما فى قوله جالس الحسن او ابن سيرين والجملة معترضة لما ذكرنا من الفوائد والبيان صلوح الأعمى للخطاب وفيه تعريض بان صناديد قريش ليسوا بأهل للخطاب وفيه تعريض لا يرجى ما يقصد منهم كمن يقرا مسئلة لمن لا يفهمها وعنده اخر قابل لفهمها فيقال بل هذا يفهم ما تقول وقيل ضمير لعله راجع الى الكافر يعنى انك تطمع منه تزكى او تذكر وما يدريك ان ما تطمع فيه كاين وعلى هذا جملة لعله يزكى مفعول ثان ليدريك والله تعالى اعلم. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى قال ابن عباس استغنى عن الله وعن الايمان بماله من المال. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى قرأ نافع وابن كثير بتشديد الصاد

[سورة عبس (80) : آية 7]

بإدغام التاء التفعل فى الصاد والباقون بالتخفيف بحذف احدى التاءين وأصله يتصدى اى تعرض له وتقبل عليه كيلا يفوت منه التزكى والتطهر. وَما عَلَيْكَ بأس فى أَلَّا يَزَّكَّى ط حتى يبعثك الحرص على إسلامه الى الاعراض عمن اسلم انما عليك البلاغ ويحتمل ان يكون لا زائدة والا يزكى اسم ما عليك خبره والمعنى انه ليس الواجب عليك تزكية انما عليك البلاغ والجملة فاعل تصدى او معترضة. وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى حال اى ساعيا طالبا لما عندك من الخير. وَهُوَ يَخْشى الله عز وجل حال مرادف يسعى او متداخل. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ج امال حمزة والكسائي او اخر الآيات من أول السورة الى هاهنا وورش بين بين الا ذكرى فاما لها والباقون بالفتح اى تتشاغل الى غيره الجملتين تفصيل لما أجمل فى عبس وتولى وبيان لما عليه العتاب وهو إهمال الطالب وبذل الجهد فى الغافل مع ان الاولى عكس ذلك. كَلَّا ردع عما فعل اى لا نفعل مثل ذلك ابدا إِنَّها اى القرآن انث الضمير لتأنيث خبره او بتأويل الآيات تَذْكِرَةٌ ج عظة وموجب لذكر الله سبحانه. فَمَنْ شاءَ الاتعاظ وذكره تعالى ذَكَرَهُ حفظه اى القرآن والجملة معترضة تعليق الذكر بالمشية تخيير صيغة وتوبيخ للمعرضين عنه وثناء للمشتغلين به معنى. فِي صُحُفٍ اى مثبة مكتوبة فيها صفة لتذكرة او خبر ثان لان او خبر مبتداء محذوف اى هى فى صحف والمراد بالصحف اللوح المحفوظ او صحف ينسخها الملائكة من اللوح او صحف الأنبياء بدليل قوله تعالى وانه لفى الزبر الأولين ان هذا لفى الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى او المصاحف التي كتبها الصحابة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم مُكَرَّمَةٍ عند الله. مَرْفُوعَةٍ القدر عند الله سبحانه وقيل مرفوعة فى السماء السابعة مُطَهَّرَةٍ منزهة عن مس الجنب والحائض والنفساء والمحدث. بِأَيْدِي سَفَرَةٍ جمع سافر بمعنى كاتب ومنه يقال الكتاب سفر وجمعه اسفار كذا قال ابن عباس ومجاهد فالمراد بهم الملائكة الكرام الكاتبون او الأنبياء او كتبة الوحى وقال الآخرون هم الرسل جمع سفير بمعنى الرسل يقال سفير القوم للذى يسعى بينهم للصلح فالمراد هم الرسل من الملائكة ومن المبشر قلت وكذا اكتبه الوحى وعلماء الامة فان كل منهم سفير بين الرسول وبين الامة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يقرؤن القران وهو ماهر به مع السفرة الكرام الأبرار والذي يقرأه وينتفع فيه وهو عليه شاق له اجر ان رواه الشيخان عن عائشة رضى الله عنها

[سورة عبس (80) : آية 16]

يعنى له أجران اجر القراءة واجر المشقة وبهذا يظهران للماهر أجور غير متناهية. كِرامٍ على الله منعطفين على المؤمنين يكملونهم ويستغفرون لهم بَرَرَةٍ ط أتقياء صفة بعد صفة لسفرة هكذا ينبغى شان العلماء. قُتِلَ الْإِنْسانُ اى لعن ما أَكْفَرَهُ دعاء عليه باشنع الدعوات وتعجب من افراطه فى الكفر بعد هجوم الدواعي على التشكر والايمان وهذا الكلام مع قصره يدل على سخط عظيم وذم بليغ اخرج ابن المنذر عن عكرمة وكذا قال مقاتل انها نزلت فى عتبة بن ابى لهب قال كفرت برب النجم قلت وقصة ذلك على ما فى السير انه كان النبي صلى الله عليه واله وسلم زوّجه ابنة أم كلثوم وزوّج أخيه عتبة أختها عليهما السلام فلما نزلت تبّت يدا ابى لهب وتبّ قال ابو لهب راسى من راسكما حرام ان لم تطلقا ابنتي محمد فطلقا لهما ولم يبنيا بهما وجاء عتبة حين فارق أم كلثوم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال كفرت بدينك وفارقتك ابنتك وسطا عليه وشق قميص النبي صلى الله عليه واله وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم اما انى أسأل الله ان يسلط عليك كلبا من كلابه وكان خارجا الى الشام تاجرا مع نفر من قريش حتى نزّلوا مكانا من الشام (يقال له الزوراء) ليلا فطاف بهم الأسد تلك الليلة عتبة يقول يا ويل فانى أخاف دعوة محمد فجمعوا حمالهم فعرشوا العتبة فى أعلاها وناموا حوله فقيل ان الأسد انصرف عنهم حتى ناموا وعتبة فى وسطهم ثم اقبل الأسد يتخطاهم ويتفشمهم حتى أخذ برأس عتبة فقدعه قلت واما عتبة ومعيتيب ابني ابى لهب فقد اسلم بعد ذلك وكان من التائبين مع النبي صلى الله عليه واله وسلم يوم حنين. مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ط بيان لموجبات الايمان والشكر وذكر مبدأ خلقه لكونها اسبق النعم وضمير الفاعل راجعا الى مذكور تقديرا يعنى من اى شىء خلقه الله الاستفهام للتقرير الى حمل المخاطب على الإقرار بانه خلقه الله من نطفة بيان لما وهذا الوجه أوقع فى الذهن وفيه تحقير ينافى التكبر. مِنْ نُطْفَةٍ ط متعلق بمحذوف اى خلق الله من نطفة بيان لما أبهم ثم بين ما اعترض عليه من الأحوال من مبدأ خلقه الى منتهاه فقال خَلَقَهُ أوجده فى الرحم من نطفة تاما فَقَدَّرَهُ اى كتب باذنه ملك الموكل اربع كلمات مقدرة مقادير عمله واجله ورزقه وسعادته او شقاوته كما ذكرنا فى سورة المرسلات حديث ابن مسعود المتفق عليه وهذا التأويل اولى مما ذكره المفسرون بان معناه هاهنا لا يصلح من الأعضاء والاشكال او قدره أطوارا

[سورة عبس (80) : آية 20]

من نطفة الى ان تم خلقه. ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ إضمار على شريطة التفسير معطوف على قدر يعنى سهل طريق خروجه من بطن امه كذا قال السدى والمقاتل او المعنى سهل له طريق الحق وسبيل الوصول الى الله تعالى ببعث الرسل وإنزال الكتاب ليتم عليه الحجة نظيره قوله تعالى امّا من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى او المعنى سهل له الحيوة الدنيا وما يتوقف عليه فان الدنيا سبيل اما الى الجنة واما الى النار وليست بدار القرار قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كن فى الدنيا كانك غريب او عابر سبيل رواه البخاري من حديث ابن عمرو رواه احمد والترمذي وابن ماجة ورادوا وعد نفسك من اصحاب القبور ويناسب هذا التأويل قوله. ثُمَّ أَماتَهُ عد الاماتة من النعم لكونها موصلة الى دار القرار قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحفة المؤمن الموت رواه الطبراني والحاكم والبيهقي فى الشعب وابو نعيم فى الحلية من حديث ابن عمرو اما كونه سبيلا الى النار فلفساد اختياره ولا جبر بالكلية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل لى سيد بنى دار او وضع مأدبة وأرسل داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد فقال فالله السيد ومحمد الداعي والدار الإسلام والمأدبة الجنة رواه الدارمي من حديث ربيعة الجرسى والبخاري عن جابر نحوه فَأَقْبَرَهُ اى امر الناس بجعل الميت فى القبر صيانة عن السباع وهذا نعمة اخرى صبت أكرم الإنسان ولم يجعله كساير الحيوانات جيفة ملقاة. ثُمَّ إِذا شاءَ الله بعثه من القبر أَنْشَرَهُ أحياه بعد الموتة فان من هو قادر على خلقه قادر على نشره من القبر وقد اخبر بذلك على لسان رسله ولولا البعث والجزاء لصار الشاكر كالكافر وذلك قبيح. كَلَّا ردع عما عليه الكافر من الإنكار والكفران مع تلك الدلائل الموجبة للايمان والنعماء المستوجبة للشكر لَمَّا يَقْضِ اى بعد ما علم تلك النعم الجليلة والدلائل الواضحة لم يقض الى الان ما أَمَرَهُ الله من الايمان والنعماء المستوجبة لشكر المنعم. فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ عطف على مفهوم ما سبق اى لينظر اولا الى نفسه من مبدأ خلقه الى منتهاه وما أنعم عليه وفيه فينظر إِلى طَعامِهِ كيف خلقناه ومتعناه به. أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ المطر من السماء

[سورة عبس (80) : آية 26]

قرأ الكوفيون بفتح همزة انا على انه بدل اشتمال للطعام لبيان كيفية خلقه والباقون بالكسر على الاستيناف صَبًّا مفعول مطلق للتاكيد. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا بإخراج شطأ الزرع من الأرض او بالكراب وحينئذ اسناد الفعل الى الله اسناد الى السبب. فَأَنْبَتْنا فِيها اى فى الأرض حَبًّا كالحنطة والشعير وغير ذلك. وَعِنَباً وَقَضْباً يعنى الرطبة سميت بمصدر قضبه او اقطعه لانها يقضب مرة بعد اخرى وفى الصحاح القضب يستعمل فى البقل وفى القاموس القضب كل شجرة طالت وبسطت أغصانها. وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وهى الحديقة المتكاثفة أشجارها كذا فى القاموس. وَفاكِهَةً ما يراد بها التفكه فقط من الثمار ومن ثم قال الفقهاء من حلف لا يأكل فاكهة لا يحنث بأكل التمر والعنب والزيتون ولان العطف دليل المغايرة وكذا أكل ما يراد به الغذاء والدواء كالرمان وَأَبًّا اى كلاء ومرعى كذا فى القاموس. مَتاعاً مفعول له لانبتنا لَكُمْ كالحب من الحنطة وغيرها وَلِأَنْعامِكُمْ كالاب. فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ فى القاموس الصاخة صيحة بضم شدتها والمراد بها نفخة الصور وفى الصحاح الصاخة الشدة الصوت ذى نطق وعلى هذا وصفت نفخة الصور بها مجازا لان الناس يصيحون بها وهذا الشرط محذوف الجزاء والجملة متصل لقوله تعالى انها تذكرة او بقوله قتل الإنسان ما اكفره فعلى الاول تقديره انها تذكرة وعظته فاذا جاءت الصاخة يختلف حال المتعظين بها وغير المتعظين وبيانه وجوه يومئذ إلخ ويحتمل حينئذ ان يكون جزاءه وجوه يومئذ إلخ وعلى الثاني تقديره قتل الإنسان ما اكفره فاذا جاءت الصاخة يرى جزاء كفرانه. يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ط لاشتغاله بشان نفسه وعلمه بانهم لا ينفعونهم او لبغضهم وكراهتهم لاجل كفرهم وسوء حالهم عن على رضى الله تعالى عنه قال سالت خديجة ولدين ماتا لها فى الجاهلية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هما فى النار فلما راى الكراهة فى وجهها قال لو رايت مكانهما لا بغضتهما الحديث رواه احمد وتأخير الأحب للمبالغة كانه قيل يفر المرء من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته وبنيه والظرف اعنى يوم يفر بدل من إذا. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ اى من الناس يَوْمَئِذٍ متعلق بالظرف المستقر شَأْنٌ فاعل للظرف المستقر

[سورة عبس (80) : آية 38]

او مبتداء والظرف خبره يُغْنِيهِ ط اى يشغله عن شأن غيره صفة لشأن وهذا التعليل للفراء عن سودة زوج النبي صلى الله عليه واله وسلم قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث الله الناس حفاة عراة غرلا لقد الجسم العرق وبلغ شحوم الاذان فقلت يا رسول الله وا سوأتاه ينظر بعضنا الى بعض فقال قد شغل الناس لكل امرئ منهم يومئذ شان يغنيه رواه الطبراني والبيهقي والبغوي وفى الصحيحين عن عائشة نحوه وفيه قالت عائشة الأمر منهم يومئذ أشد من ذلك يعنى من ان ينظر بعضهم الى بعض واخرج البيهقي عن ابن عباس نحوه. وُجُوهٌ المؤمنين او وجوه كثيرة او وجوه منهم اى من الناس المفهوم من كل امرئ يَوْمَئِذٍ متعلق بما بعده مُسْفِرَةٌ اى مضية من اسفار الصبح. ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ج وصفت الوجوه بصفة أصحابها مجازا. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ متعلق بظرف مستقر بعده عَلَيْها ظرف مستقر غَبَرَةٌ فاعل الظرف او مبتداء اى استقر عليها غبار او كدورة والجملة خبر لوجوه. تَرْهَقُها تعلوها وتغشاها قَتَرَةٌ اى سواد وظلمة قال ابن عباس تغشاها ذلة قال ابن زيد فرق بين الغبرة والقترة ان القترة ما ارتفع من الغبار فلحق بالماء والغبرة ما كان أسفل فى الأرض وجملة ترهقها صفة بغبرة او خبر بعد خبر بوجوه. أُولئِكَ مبتداء يعنى الذين وجوههم عليها غبرة هُمُ ضمير الفصل الْكَفَرَةُ جمع كفر خبر الْفَجَرَةُ ع جمع فاجر صفة لكفرة او خبر والجملة مستانفة كانها جواب من اصحاب تلك الوجوه والفجور شق شر الدين والديانة وكماله فى الكفر- والله اعلم بالصواب.

سورة كورت

سورة كوّرت مكية وهى تسع وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من سره ان ينظر الى يوم القيامة راى العين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت رواه احمد والترمذي وحسنه ورواه البغوي من غير ذكر إذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت إِذَا الشَّمْسُ إذا شرطية والشمس مرفوعة بفعل شرط محذوف يفسره كُوِّرَتْ وكذا كل ما عطف عليه اى لغت فذهب ضوءه واظلمت اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قال اظلمت واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا فى كتاب فى البحر والأحوال وابو الشيخ فى كتاب العظمة عنه فى تلك الآيات قال يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة فى البحر ويبعث الله ريحا دبورا فينفخه حتى يرجع نارا قال بعضهم إذا ألقيت الشمس فى البحر فيه انحمى وتنقلب نارا واخرج ابن ابى حاتم عن ابن ابى مريم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فى قوله تعالى إذا الشمس كورت فى جهنم وإذ النجوم انكدرت قال انكدرت فى جهنم وكل من عبد من دون الله فهو فى جهنم الا ما كان من عيسى وامه قلت لعل التطبيق بين تكويرها فى البحر وفى جهنم ان البحر يصير نارا حميما لاهل النار واخرج البخاري عن ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الشمس والقمر يكوران يوم القيمة واخرج البزار فى مسنده وزاد فى النار. وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ص اى انقضت وتناثرت من السماء وتساقطت الى الأرض يقال انكدر الطير اى أسقط قال الكلبي يمطر السماء يومئذ نجوما فلا يبقى نجم الا وقع. وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ ص عن وجه الأرض فصارت هباء منبثا. وَإِذَا الْعِشارُ اى التوق اللاتي مر على حملها عشرة أشهر جمع عشراء ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع لتمام سنة وهى النفيس اموال العرب يكونون ملازمى اذنابهن عُطِّلَتْ تركت بلا راع

[سورة التكوير (81) : آية 5]

أهملها أهلها لما جاء اهوال يوم القيامة او المراد بالعشار السحايب عطلت عن المطر. وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ قال ابى بن كعب معناه اجتلت وماجت بعضها فى بعضها وقيل معناه جمعت بعد البعث للقصاص بين الدواب كما مر فى تفسير قوله تعالى يا ليتنى كنت ترابا وروى عكرمة عن ابن عباس حشرها موتها قال حشر كل شى الموت غير الجن والانس. وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ص قرأ ابن كثير وابو عمرو بالتخفيف والباقون بالتشديد قال ابن عباس أوقدت فصارت نارا تضطرم وهو قول ابى وقال الكلبي ملئت يقال المسجور المملو وقال مجاهد ومقاتل يعنى قحم بعضها فى بعض العذب والملح فصارت البحور كلها بحرا واحدا من الحميم لاهل النار وقال الحسن وقتادة يبست وذهب ماءها فلم يبق من الماء قطرة قلت والجمع بين الأقوال انه يجمع البحار كلها وملئت بحرا واحدا وكورت الشمس فيها فحينئذ تحمى البحر وتصير نارا ولم يبق من الماء قطرة بصيرورتها نارا وماء حميما لاهل النار واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا عن ابى بن كعب قال ست آيات قبل يوم القيامة بينما الناس فى أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذا وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت وفزعت الإنس والجن فتقول الجن للانس نحن ناتيكم بالخبر فانطلقوا الى البحر فاذا هو نار تأجج فبينما هم كذلك إذا جاءت بهم ريح فاماتتهم وقال البغوي روى ابو العالية عنه فذكر نحوه غير ان فى رواية فانطلقوا الجن الى البحر فاذا هى نار تأجج فبينما هم كذلك إذ انصدعت الأرض صدعة واحدة اى الأرض السابعة السفلى الى السماء العليا فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فاماتتهم وعن ابن عباس ايضا قال هى اثنى عشر خصلة ست فى الدنيا ستة فى الاخرة وهى ما ذكر بعدها. وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ اخرج ابن ابى حاتم عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى هذه الاية الضرباء كل رجل مع قومه كانوا يعملون عمله وذلك بإذن الله ويقول وكنتم أزواجا ثلثة فأصحب الميمنة ما اصحب الميمنة واصحب المشئمة ما اصحب المشئمة والسابقون السابقون واخرج البيهقي من النعمان بن بشير قال سمعت عمر بن الخطاب يقول وإذا النفوس زوجت قال هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة او النار وسمعته يقول احشروا الذين ظلموا

[سورة التكوير (81) : آية 8]

وأزواجهم قال ضربائهم واخرج سعيد بن منصور بلفظ يقرن الرجل الصالح مع الصالح فى الجنة ويقرن الرجل السوء مع السوء فى النار واخرج البيهقي عن ابن عباس قال احشروا الذين ظلموا وأزواجهم قال أشياعهم وقيل تزوجت النفوس باعمالها وقال عطاء ومقاتل زوجت النفوس المؤمنين بالحور العين وقرنت نفوس الكفار بالشياطين وروى عن عكرمة قال إذا النفوس زوجت اى ردت الأرواح فى الأجساد. وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ وهى الجارية المدفونة حية سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب فيودها اى يثقلها حتى تموت وكانت العرب تدفن البنات مخافة العار والفقر تبكيتا للوائدة كتبكيت النصارى بقوله تعالى يا عيسى بن مريم أنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين او يقال أسند الفعل الى الموؤدة محازا والمعنى سُئِلَتْ عنها كما فى قوله تعالى ان العهد كان مسئولا اى مسئولا عنه او المراد بالموؤدة الوائدة وقد يطلق المفعول بمعنى الفاعل كما فى قوله تعالى كان وعده ماتيا والمراد بالموءودة الموؤدة لهما كما فى قوله عليه السلام الوائدة والموؤدة فى النار رواه ابو داود بسند حسن عن ابن مسعود قال وائدة هى القابلة والموؤدة لها هى الام ولا يمكن فى الحديث الا هذا التأويل- (فائده) الواد كبيرة لانه قتل النفس بغير حق وفى حكمه إسقاط الحمل بعد اربعة أشهر لتمام خلقة الجنين ونفخ الروح فى تلك المدة واقل منه وزرا إسقاط الحمل قبل اربعة أشهر لكنه حرام ولذلك تجب الغرة اجماعا فيما ضرب بطن امرأة حبلى فسقط جنينا كامل الخلقة او ناقصا إذ تصور فيها خلق آدمي هذا إذا انفصل ميتا واما إذا انفصل حيا فمات ففيه كمال دية الكبير عن ابى هريرة قال قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى جنين امرأة من بنى لحيان سقط بغرة عبدا وامة متفق عليه (مسئلة:) يجوز العزل عن الامة ولا يجوز عن الحرة الا بإذنها لكنه يكره مطلقا لما روى مسلم عن حذامة بنت وهب انهم سالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الواد الخفي وهى وإذا الموؤدة سئلت ووجه الجواز حديث جابر كنا نعزل والقران ينزل متفق عليه وزاد مسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا وفى رواية عنه - صلى الله عليه وسلم - قال فى الامة اعزل عنها ان شئت فانه سيأتيها ما قدر لها وفى روايتها ما عليكم ان لا تفعلوا ما من نسمة كاينة الى يوم القيامة الا وهى كاينة متفق عليه ووجه الاحتياج

[سورة التكوير (81) : آية 9]

الى الاذن فى الحرة حديث عمر بن الخطاب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعزل عن الحرة الا بإذنها رواه ابن ماجة. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ اى الموؤدة قرأ ابو جعفر بالتشديد المبالغة والجمهور بالتخفيف فى التاء. وَإِذَا الصُّحُفُ صحف الأعمال نُشِرَتْ للحساب او فرقت بين أصحابها قراءة نافع وابن عامر وعاصم بتخفيف الشين والباقون بالتشديد للمبالغة فى النشر او لكثرة الصحف او شدة الطائر. وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ قلعت وأزيلت كما تكشط الإهاب عن الذبيحة قلت والظاهر ان يكون هذا قبل نفخة الصعق حين كورت الشمس وانتشرت الكواكب او عند تلك النفخة ويحتمل ان يكون بين النفختين فتطوى السماء والأرض وتبدل السماء سماء اخر وتبدل الأرض غير الأرض قال القرظي جمع صاحب الإفصاح بين الاخبار فقال تبديل السموات والأرض تقع مرتين إحداهما تبديل صفاتها فقط وذلك قبل نفخة الصعق فتنثر الكواكب وتخسف الشمس والقمر وتصير السماء كالمهل وتكشط عن الروس وتسير الجبال ويصير البحر نارا وعوج الأرض وينشق الى ان تصير الهيئة غير الهيئة ثم بين النفختين تطوى السماء والأرض وتبدل السماء بسماء اخرى. وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ قرأ نافع وحفص وابن زكوان بتشديد العين والباقون بالتخفيف اى أوقدت إيقاد شديدا لاعداء الله تعالى. وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ أدنيت للمتقين قال الله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد. عَلِمَتْ نَفْسٌ مكرمة عامة فى الأسباط بمعاونة المقام اى كل نفس ما أَحْضَرَتْ ط اى ما فعلت من خير او شر وهذا جواب لاذا الشرطية فى إذا الشمس كورت وفيما عطف عليه والمراد بذلك الزمان الزمان المتسع الشامل لجميع ما ذكرهما قبل النفخة الاولى الى دخول الجنة. فَلا أُقْسِمُ الكلام هاهنا كالكلام فى المفتتح «1» سورة القيامة والفاء يعنى لما أنزلنا عليكم الآيات فى شأن الساعة فاعلموا انه كلام الله غير متقول اقسم بِالْخُنَّسِ الخنوس الرجوع من منتهى السير الى مكان ابتدأ منه والمراد بها الكواكب الخمسة المسمات بالمتحيرة وهى عطارد والزهرة والمشترى والمريخ والزحل فانها ترى سيارة من المغرب

_ (1) مضت التفصيل فى سورة القيامة لكن خلاصة كلامه ان قنبل وفى رواية البزي ايضا قرأ لاقسم من دون الالف واللام لتاكيد القسم اما الباقون من القراء فقراءتهم كقراءة حفص فحينئذ لا زائدة 12-

[سورة التكوير (81) : آية 16]

الى المشرق ثم ترجع الى المغرب وقد ترى ساكنة ولذلك سميت متحيرة والسبب فى ذلك عند الهيئة انها مرتكزة فى أفلاك جزئية غير مجوفة تسمى تدويرات وللتدويرات حركات برأسها وحركات أعاليها على نسق أفلاكها من المغرب الى المشرق وحركات أسافلها على عكس ذلك فالكواكب إذا كان فى أعلى التدوير فتساعد الحركتين حركة التدوير وحركة الفلك الكلى يرى متحركا الى المشرق بسرعته وإذا كان فى أسفلها فلتراجم الحركتين او عدم التساعد قد يرى متحركا نحو المغرب وهو الرجوع والخنوس وقد يرى ساكنا واما عندنا فالكواكب كل منها فى فلك يسبحون على ما أراد الله سبحانه ولا امتناع لخرق السموات والتيامها فحركات الخمسة المتحيرة قد تكون نحو المشرق وقد تكون نحو المغرب وقد تكون بطيئة وقد تكون سريعة كما أراد الله تعالى وجرى به عادته وحركات ساير الكواكب جرت العادة بكونها دائما على نسق واحد وقال قتادة الخنس هى النجوم كلها تبدوا بالليل وتخنس بالنهار فتخفى فالمراد بالخنوس حينئذ الخفاء وهو لازم يعنى الرجوع وقيل خنوسها ان يغيب قلت وعلى هذا يكون الخنس والكنس مترادفين فلا وجه للتكرار. الْجَوارِ فى الفلك الْكُنَّسِ والكنوس ان تأوي الأرنب والظبى فى مكانها والمراد هاهنا بالكنس اختفائها عند غروبها او عند المحاق قلت ويحتمل ان يقال المراد بمكانها مستقرها تحت العرش عن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين غربت الشمس أتدري اين تذهب قلت الله ورسوله اعلم قال فانها تذهب حتى نسجد تحت العرش الحديث. وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ قال الحسن اقبل بظلامه وقال أدبر وهو من الاضداد. وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ اى بدأ اوله وقبل امتد ضوئه وارتفع جواب القسم. إِنَّهُ يعنى القران لَقَوْلُ رَسُولٍ من حيث انه رسول يعنى ليس بمتقول محمد عليه الصلاة والسلام بل هو قول مرسل وهو الله سبحانه والمراد بالرسول جبرئيل او محمد صلى الله عليه وسلم كَرِيمٍ على الله صفة رسول. ذِي قُوَّةٍ ان المراد جبرئيل فمن قوته انه اقتلع قريات قوم لوط ومن الماء الأسود حملها على جناحه فرفعها الى السماء ثم قلبها وانه صاح صيحة بثمود فاصبحوا جاثمين وانه يهبط من السماء الى الأرض ويصعد فى اسرع من الطرف وان المراد به محمد صلى الله عليه واله وسلم فهو ذو قوة فى الجذب الى الله من الإرشاد لبث

[سورة التكوير (81) : آية 21]

نوح عليه السلام فى قومه الف سنة الا خمسين عاما وما أمن قوم الا قليل ولبث محمد صلى الله عليه واله وسلم فى أمته ثلثا وعشرين سنة وانتشر دينه فى الآفاق كان الناس يدخلون فى دين الله أفواجا وكان معه حجة الوداع ماية الف واربعة وعشرين الفا من الصحابة وانه صعد من السماء السابعة والى ما لم يستطع جبرئيل الصعود اليه ثم هبط الأرض فى اقل من ساعة وانه راى ربه ولم يستطع أحد غيره فلما تجلّى ربه للجبل جعله دكا وخرّ موسى صعقا عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ اى الله سبحانه الظرف متعلق بما بعده مَكِينٍ ذى مكانة وجاه ومنزلة. مُطاعٍ للعالمين قال الله تعالى من يطع الرّسول فقد أطاع الله ثَمَّ اى عند ذى العرش أَمِينٍ ط على الوحى والظرف اعنى ثمّ الظاهر انه متعلق بامين ويجوز ان يكون متعلق بمطاع يعنى مطاع فى الملاء الا على قال البغوي من إطاعة الملائكة إياه يعنى جبرئيل انهم فتحوا أبواب السماوات ليلة المعراج بقوله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفتح خزنة الجنة ابوابها قلت وهذا بعينه إطاعة لمحمد صلى الله عليه واله وسلم ويحتمل ان يراد بالاطاعة ان الاحكام الالهية تنزل اولا عليه ثم بواسطته تصل تلك الاحكام الى غيره من الملائكة عن النواس بن سمعان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله ان يوحى بالأمر تكلم بالوحى أخذت السموات منه رجفة او قال رعدة شديدة خوفا من الله تعالى فاذا سمع ذلك اهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا فيكون أول من يرفع راسه جبرئيل فيكلمه الله وحيه بما أراد ثم يمر جبرئيل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبرئيل فيقول جبرئيل قال الحق وهو العلى الكبير قال فيقول كلهم مثل ما قال جبرئيل بالوحى حيث امره الله وهذا يدل على كون جبرئيل مطاعا واما كون محمد صلى الله عليه وسلم مطاعا فى الملائكة فوجه ذلك ان الحقيقة المحمدية عند اهل التحقيق هو التعين الاول بفيوض الوجود ومراتب القرب ومنها مرتبة كونه يوحى اليه كليما لله لا يصل فى أحد الا بتوسط الحقيقة المحمدية وهذا امر كشفى ويشهد من النصوص قوله تعالى وما أرسلناك الا رحمة للعالمين وقوله عليه السلام اما وزير اى فى السماء فجبرئيل وميكائيل ووزير اى فى الأرض ابو بكر وعمر فجبرئيل مطاع بالطريق الاولى. وَما صاحِبُكُمْ يعنى محمد صلى الله عليه واله وسلم عطف على انه فهو ايضا جواب للقسم فان كان المراد بالرسل

[سورة التكوير (81) : آية 23]

فيما سبق محمد صلى الله عليه وسلم فوضع المظهر موضع المضمر للتنبيه على انه صاحبكم منذ أربعين سنة قبل ذلك لم يظهر منه الا وفور العقل وكماله فالحكم فيه بِمَجْنُونٍ ج مكابرة او جنون ففى هذا الكلام رد لقول الكفار افترى على الله كذبا أم به جنة. وَلَقَدْ رَآهُ الضمير المرفوع راجع الى صاحبكم محمد صلى الله عليه وسلم بالاتفاق والضمير المنصوب اما راجع الى ذى العرش فعلى هذا قوله تعالى بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ج ظرف مستقر حال من الضمير المرفوع والمعنى انه راى محمد ذا العرش ليلة المعراج حال كون محمد بالأفق للعالم على منتهى السموات السبع قال البغوي روينا فى قصة المعراج عن شريك بن عبد الله عن انس قال دنى جبار رب العزة فتدلى كان حتى قاب قوسين او ادنى وهو رواية ابى سلمة عن ابن عباس وكذا قال الضحاك والقائلون بهذا القول اختلفوا فقال بعضهم جعل بصره فى فؤاده فراه بفؤاد استنباطا من قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما راى وهذا قول ابن عباس روى مسلم عن ابى العالية عنه ما كذب الفؤاد ما راى ولقد راه نزلة اخرى قال راه بفؤاده مرتين وذهب جماعة الى انه راه بعينه وهو قول انس والحسن وعكرمة قالوا راى محمد ربه وروى عكرمة عن ابن عباس قال ان الله اصطفى ابراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمد بالروية وعن ابى ذر قال سالت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هل رايت ربك قال نورانى راه رواه مسلم قلت ويحتمل ان يراد بالأفق المبين والأفق الأعلى منتهى درجات سير السالكين ان أقصى حقايق العابدية وهى الحقيقة الاحمدية المعبر فيها بالمحبوبية الصرفة وراء ذلك مرتبة اللائعين ولا مساغ للسير والسلوك فى مرتبة اللاتعين والسير فى تلك المرتبة العليا السير النظري فحسب كذا قال المجدد رض وقال الجمهور المفسرين الضمير المنصوب راجع الى رسول كريم والمراد بالرسول جبرئيل قال قتادة ومجاهد الأفق المبين هو الأفق الأعلى من ناحية المشرق روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبرئيل انى أحب ان أراك فى صورتك التي تكون فيها فى السماء قال لن تقوى على ذلك قال بلى قال فاين تشاء ان اتخيل لك قال بالأبطح قال لا يسعنى قال فى منى قال لا يسعنى قال فبعرفات قال لا يسعنى ذلك قال بحراء قال ان يسعنى قواعده فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - للوقت فاذا هو بجبرئيل قد اقبل من جبال عرفات بخشخشة وكلكلة قد ملأ ما بين المشرق والمغرب

[سورة التكوير (81) : آية 24]

وراسه فى السماء ورجلاه فى الأرض فلما راه النبي صلى الله عليه واله وسلم كبر وخر مغشيا عليه قال فتحول جبرئيل فى صورته فضمه الى صدره وقال يا محمد لا تخف فكيف لك لو رايت اسرافيل وراسه من تحت العرش ورجلاه فى تخوم الأرض السابعة وان العرش لعلى كاهله وانه ليتضاول أحيانا من مخافة الله عز وجل حتى يصير مثل الصعو يعنى العصفور حتى ما يحمل عرش ربك الا عظمته ومن القائلين بهذا القول عائشة رضى الله عنها روى البخاري فى صحيحه وغيره انها كذب من فال راى محمد ربه مستدلة بقوله تعالى لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وقوله تعالى ما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب الاية والفقه فى الباب ان المثبتين للروية اولى من قولها وقوله تعالى لا تدركه الابصار لا ينفى الروية فى الاخرة اجماعا فكذا فى ليلة المعراج حين خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فى الدنيا وراى الجنة والنار وما ذكر ابن عباس وعائشة قصة روية النبي صلى الله عليه واله وسلم جبرئيل على صورته حق لكن لا يستلزم ان يكون المراد بالآية تلك القصة كيف وسوق الكلام لبيان فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيان كماله وروية جبرئيل وهو مفضول من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإجماع ليست من الفضائل كيف وقوله عند ذى العرش مكين يدل على كمال قربه والترقي منه اثبات روية الله دون روية الجبرئيل ولو كان عند ذى العرش صفة جبرئيل وروية جبرئيل صفة محمد عليه الصلاة والسلام يلزم الانعكاس الأمر فى الفضل والله تعالى اعلم. وَما هُوَ يعنى محمد صلى الله عليه واله وسلم عَلَى الْغَيْبِ اى على ما يخبره من ما يوحى اليه بِضَنِينٍ قرأ ابن كثير وابو عمرو الكسائي بظنين بالظاء اى ليس هو بمتهم يعنى لا يجوز ان يتهم والباقون بالضاد اى ليس هو ببخيل عن تبليغ ما يوحى اليه وتعليمه. وَما هُوَ اى القران بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ اسرق سمعه فالقاه على وليه الكاهن رد لقول الكفار انه كاهن هذه الجملة وما عطف عليه من الجمل السابقة جواب للقسم معطوفات على انه لقول رسول كريم. فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ الفاء المسببة والاستفهام للانكار على ذهابهم الى الباطل فيما قالوا انه شاعر تقوله او مجنون او كاهن قال الزجاج اى طريق يسلكون أبين من هذه الطريقة التي بنيت لكم ثم بين ما هو كانه فى جواب سائل يقوله فما هو. إِنْ هُوَ اى القرآن إِلَّا ذِكْرٌ فى القاموس الذكر بالكسر الحفظ للشئ كالتذكار

[سورة التكوير (81) : آية 28]

والشيء الذي يجرى على اللسان والصيت والشتاء والشرف والصلاة والدعاء وكتاب فيه تفصيل الذين ووضع الملة والمعنى الأخير ظاهر هاهنا لا غبار عليه ويمكن الحمل على معان اخر ايضا فان القران ذكر الله وحفظ ما يجب حفظه وشىء ينبغى ان يكون جاريا على اللسان دايما او غالبا وثناء لله تعالى وصلوة له وشرف للانسان ودعاء له لِلْعالَمِينَ عموما لا النبي صلى الله عليه واله وسلم مبعوث الى كافة الأنام الانس والجن بل هو رحمة للعالمين وفيوض القران شامل للملائكة ايضا يدل عليه قوله تعالى بايدى سفرة كرام بررة وروى الحاكم فى المستدرك عن جابر انه قال لما نزلت سورة الانعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لقد سبح هذه من الملائكة فسدو الأفق ثم خصه وقال. لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ اى القران لمن يتبع الحق ويستقيم عليه خصوصا من حيث انهم هم المنتفعون به بدل بعض من العالمين والاستقامة لفظ جامع لجميع الاحكام عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله قل لى فى الإسلام قولا لا اسئل عنه أحدا بعدك وفى رواية غيرك قال عليه الصلاة والسلام قل امنت بالله ثم استقم رواه مسلم اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن سليمان بن يسار قال لما نزلت لمن شاء منكم ان يستقيم قال ابو جهل جعل الأمر إلينا ان شئنا استقمنا وان شئنا لم تستقم فانزل الله تعالى. وَما تَشاؤُنَ الاستقامة على الحق إِلَّا وقت أَنْ يَشاءَ اللَّهُ شئكم واستقامتكم رَبُّ الْعالَمِينَ ع فانه رب كل شىء وخالق كل شىء من الأعيان والاعراض وافعال العباد وغير ذلك حتى مشيتكم فمن شاء الاستقامة واستقام فذلك من فضل الله ونعمه واخرج ابن ابى حاتم من طريق بقية عن عمر بن محمد عن زيد بن مسلم عن ابى هريرة مثل ما روى عن سليمان واخرج ابن المنذر من طريق سليمان عن القاسم بن مخيمرة نحوه والله اعلم بالصواب.

سورة الانفطار

سورة الانفطار مكيّة وهى تسع عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ انشقت. وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ تساقطت متفرقة. وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ فتح بعضها فى بعض واختلط العذب بالملح فصار الكل بحرا واحدا. وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ قلب ترابها واخرج موتاها. عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ط جواب إذا وهذا نظير ما مر فى إذا الشمس كورت الى قوله علمت قيل معناه ما قدمت من عمل صالح وسئ ما أخرت من سنة حسنة او سيئة والمعنى ما قدمت اى ضعت وما أخرت اى تركت من العمل وقيل ما قدمت من الصدقات وأخرت من الزكوة وقيل معناه بل قدمت الدنيا على الاخرة او بالعكس وقد مر نظيره قوله تعالى ينبّأ الإنسان بما قدم واخر. يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ اى ما خدعك وسوّل لك الباطل غرورا ملصقا بِرَبِّكَ موجبا للجرأة على عصيانه وترك ما امر به الْكَرِيمِ الصفوح جملة يايّها الإنسان معترضة ذكر توبيخا على الاساءة فى أعمالهم المفهوم من قوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت قال نزلت فى الوليد بن مغيرة كذا قال البغوي واخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة انها نزلت فى ابى بن خلف وقال الكلبي نزلت فى الاسيد بن كلده ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعاقب الله عز وجل فانزل الله تعالى هذه الاية يقول ما الذي غرك بربك الكريم التجاوز عنك او لم يعاقبك عاجلا بكفرك وصفه بالكريم لانه منشأ غروره وبه يغره الشيطان فانه يقول له ان شئت فربك لا يعذب أحدا ولا يعاجل فى العقوبة وهو المعنى من قول مقاتل غره عفو الله حين لم يعاقبه فى امره وقال السدى غره رفق الله به والاستفهام للانكار ولا يجوز ذلك الغرور بكرمه وعدم تعجيله بالعقوبة ان تمحض لا يقتضى إهمال الظالم مطلقا وتسوية الموالي والمعادى فكيف قد انضم معه صفات اخر من القهر والانتقام وغيره وفيه مبالغة فى الإنكار على الكفر

[سورة الانفطار (82) : آية 7]

فان كثرة كرمه يقتضى ان يشكر ولا يكفر ويستدعى الجد فى الطاعة لا الانهماك فى عصيانه اغترارا بكرمه وقال بعض اهل الإشارة انما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كانه لقنه الإجابة حتى يقول غرنى كرم الكريم وهو المعنى مما قال يحيى بن معاذ لو إقامتي بين يديه فقال يا يحيى ما غرك بي قلت غرنى برك بي سابقا وآنفا وقال ابو بكر الوراق لو قال بي ما غرك بربك الكريم لقلت غرنى كرم الكريم قال ابن مسعود ما منكم من أحد الا يسخر الله به يوم القيامة فقال يا ابن آدم ما غرك بي يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين قال عطاء تاويل الاية ما غرك بربك وقطعك وأشغلك عنه الى نفس بئس للظالمين بدلا حكى ان امرأة رفعت الى قاض ان زوجها نكح عليها امرأة اخرى فقال القاضي لا سبيل لك بالاعتراض عليه فان الله تعالى أباح للرجال ما طاب لهم من النساء مثنى وثلث ورباع فقال الضعيفة ايها القاضي لولا منعنى الحجاب والحياء لبرزت حسنى لك وسألتك بان من كان له فى الجمال والحسن مصاحبا مثلى هل يجوز له ان يشتغل عنه بغيره فسمع قولها رجل من اهل القلوب فصاح وخر مغشيا عليه فلما أفاق قال سمعت الهاتف يقول الم تسمع قول الضعيفة ولولا حجاب الكبرياء والعظمة لا برزت لكم من الجلال والجمال الذي لا يسعه المقابل وسألتكم انه من استطاع الاشتغال بمثلى فهل يجوز الاشتغال بغيري ومن مثلى واين يكون مثلى فليس يكون فاطلبنى تجدنى عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام الرجل فى الصلاة اقبل الله عز وجل بوجهه فاذا التفت قال يا ابن آدم الى من تلتفت الى من هو خير منى اقبل الى فاذا التفت الثانية قال مثل ذلك فاذا التفت الثالثة صرف الله تبارك وتعالى عنه وجهه رواه البزار. الَّذِي خَلَقَكَ من تراب ثم من نطفة بعد ما لم يكن شيئا- فَسَوَّاكَ اى فجعلك بشرا سويا مستوى الخلق وتسويته جعل أعضائه سليمة معدة لمنافعها فَعَدَلَكَ قرأ الكوفيون بالتخفيف اى فصرفك وامالك الى اى صورة شاء او صرفك عن خلقه غيرك حتى تميزت وفارقت عن ساير الحيوانات او صرف طبعة بعض اجزائك الى بعض فكسر حرارة الصفراء ويبوستها ببرودة البلغم ورطوبته وبالعكس ويبوسة السوداء وبرودتها برطوبة الدم وحرارته حتى اعتدلت وصرت اعدل الحيوانات مزاجا وقرأ الباقون بالتشديد اى جعل بنيتك متناسبة الأعضاء لعدلته معدة لا يستعدها من القوى. فِي أَيِّ صُورَةٍ

[سورة الانفطار (82) : آية 9]

ما مزيدة لتأكيد التنكير والتنكير للتكثير ما شاءَ صفة لصورة ركبك قال مجاهد والكلبي ومقاتل فى اى شبيه من اب او أم او خال او عم وحاء فى الحديث ان النطفة إذا استقرت فى الرحم احضر كل بينه وبين آدم ثم قرأ فى اى صورة ما شاء رَكَّبَكَ ط رواه ابن جرير والطبراني بسند ضعيف من طريق موسى بن على بن رباح عن أبيه عن جده عنه صلى الله عليه وسلم قوله فى اى صورة اما متعلق بركبك او ظرف مستقر حال من مفعول ركبك وفيه معنى الشرط والجزاء والجملة بيان لعدلك ومن ثم لم يعطف الموصول مع صلاته صفة اخرى لربك مقررة للربوبية مبينة للكرم منبه على ان من قدر على ذلك اولا قدر عليه ثانيا موكدة للانكار والتوبيخ على الغرور والكفر فان من هذا شانه لا يجوز كفرانه. كَلَّا ردع على الاغترار بكرم الله تعالى بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ لا بالإسلام او بالجزاء إضراب عن الاغترار بكرم الكريم يعنى ليس أمركم ايها الناس مقتصرا على الإقرار بل مع ذلك تكذبون بالدين ويحتمل ان يكون إضرابا عن مفهوم علمت نفس ما قدمت وأخرت اى ما قدمت من العصيان وأخرت من الطاعة فان حاصل المعنى انكم تعصون بل تكذبون. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ اى والحال ان عليكم لَحافِظِينَ لاعمالكم وأقوالكم من الملائكة. كِراماً على الله كاتِبِينَ صحف الأعمال للجزاء. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ من خير وشر عقب الحافظين بتلك الصفات تعظيما لهم وتنبيها على انه لا يفوت من علمهم شىء من الأعمال والأقوال فيه توبيخ على تكذيبهم وتحقيق لما يكذبون به وروى يتوقعون من التسامح والإهمال. إِنَّ الْأَبْرارَ الذين بروا وصدقوا بايمانهم باجتنابهم عما نهى الله عنه من العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة والأعمال القبيحة وامتثالهم أوامره واخرج ابن عساكر فى تاريخه عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال انما سماهم الله الأبرار لانهم بروا الآباء والأبناء لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ الذين شقوا ستر الدين والديانة بالكفر والمعاصي والفجور الشقي لَفِي جَحِيمٍ جملة ان الأبرار الى اخر السورة متصل بقوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت فان فى هذا الكلام بيان لا يعلم كل نفس من خير او شر عمله بإدراك جزائه روى ابن سليمان بن عبد الملك قال لابى حازم المدني ليت شعرى ما لنا عند الله قال اعرض عملك الى كتاب الله فانك تعلم

[سورة الانفطار (82) : آية 15]

مالك عند الله قال فاين أجد فى كتاب الله فقال عند قوله ان الأبرار لفى نعيم وان الفجار لفى حجيم قال سليمان فاين رحمة الله قال قريب من المحسنين انتهى. يَصْلَوْنَها يدخلونها يَوْمَ الدِّينِ يوم الجزاء. وَما هُمْ الضمير الى بعض الفجار اعنى الكفار او المراد بالفجار الكفار عَنْها اى عن الجحيم بِغائِبِينَ ط لخلودهم فيها او المعنى ما هم كانوا عنها غائبين قبل ذلك او كانوا يجدون سمومها فى القبور عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى ان كان من اهل الجنة فمن اهل الجنة وان كان من اهل النار فمن اهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله اليه يوم القيمة متفق عليه وفى حديث البراء بن عاذب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر حال الكافر فى القبر يسال عن دينه فيقول هاه هاه لا أدرى فقال فينادى من السماء ان كذب فافرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا الى النار ثم عظم ذلك اليوم فقال. وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ الاستفهام للتعجب والتوبيخ يعنى انه يوم عظيم البلاء شديد غاية الشدة لا تدرى عظمته وشدته حيث لا يدرك كنه امره دراية دار. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ط تأكيد للتفخيم. يَوْمَ لا تَمْلِكُ قرأ ابن كثير وابو عمرو بالرفع على انه بدل من اليوم فى ما يوم الدين او خبر مبتداء محذوف اى هو والباقون بالنصب على انه بدل من اليوم فى يصلونها يوم الدين او متعلق بمحذوف اى يجزى الفريقان كذلك فى يوم لا تملك نفس او اذكر يوم لا تملك او هو مبنى على الفتح لاضافة الى غير التمكن ومحله الرفع نَفْسٌ اى أحد لِنَفْسٍ يعنى كافرة كذا قال مقاتل شَيْئاً ط من المنفعة- وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ع وحده لا يملك الله فى ذلك اليوم أحدا شيئا من الأمر كما ملكهم فى الدنيا واما الاذن فى الشفاعة للمؤمنين فليس بتمليك او يقال الأمر يومئذ عيانا وفى زعم كل أحد كما كان الأمر كله لله فى الحقيقة وفى زعم اهل البصيرة والله اعلم بالصواب.

سورة التطفيف

سورة التطفيف مكيّة وهى ستّ وثلثون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عن ابن عباس قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فانزل الله تعالى ويل للمطففين فاحسنوا الكيل بعد ذلك رواه الحاكم والنسائي وابن ماجة بسند صحيح وقال السدى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وبها رجل يقال له ابو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالاخر فانزل الله تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ والطف الحقير والمراد بالمطففين ما بين بقوله. الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا اى أخذوا الكيل او اتزنوا ولم يذكره اكتفاء بذكر الوزن فى القرنية الثانية ولعل الكيل كان هو الغالب فى الاستعمال عَلَى النَّاسِ متعلق بقوله اكتالوا او بقوله يَسْتَوْفُونَ وقع على موضع من تقديره إذا اكتالوا من الناس يستوفون منهم للدلة على ان اكتيالهم لما لهم على الناس او ان اكتيالهم بتحامل فيهم عليهم قال الفراء من وعلى يتعاقبان فى هذه الموضع فاذا اكتلت عليك كانه قال أخذت ما عليك وإذا قال اكتلت منك فكأنه قال استوفيت منك. وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ الضمير المنصوب راجع الى الناس اى كالوهم او وزنوهم حذف الجار وأوصل الفعل روى التقدير كالوا مكيلهم فحذف المضاف وأقيم مضاف اليه مقامه وليس تأكيد المتصل بالمنفصل إذ المقصود بيان اختلاف حالهم فى الاخذ والإعطاء لا فى المباشرة وعدمها وايضا يابى عنه الخط فانه يستدعى عن اثبات الف بعد الواو يُخْسِرُونَ ط اى ينقصون الكيل والوزن يقال خسر الميزان واخسره وسمى هذا العمل بالتطفيف لان ما يبخس فى الكيل والوزن لا يكون الا حقيرا وفيه ايماء الى ان بخس الحقير موجب للويل والعذاب فبخس الكثير بالطريق الاولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس بخمس ما نقض العهد قوم الا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما انزل الله الا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة الا فشا فيهم الموت ولا طففوا

[سورة المطففين (83) : آية 4]

المكيال الا منعوا لنبات وأخذوا بالسنين ولامنعوا الزكوة الا حبس عنهم القطر رواه الحاكم من حديث بريدة ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رواه الطبراني من حديث ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ظهر الغلول فى قوم الا القى الله فى قلوبهم الرعب ولا فشا الربوا فى قوم الأكثر فيهم الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان الا قطع عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق الا فشا فيهم الدم وماختر قوم بالعهد الا سلط الله عليهم العدو رواه مالك موقوفا والختر الغدر قلت وقطع الرزق بالتطفيف قد يكون بجعله فقيرا لا يقدر على شىء يكون بمنع الرزق عنه مع قدرته عليه فلا يقدر الاكل منه فى حقه كما فى البقالين من ديارنا قال البغوي كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول اتق الله أوف الكيل والوزن فان المطففين يوقفون يوم القيمة حتى ان العرق ليلجمهم الى انصاف آذانهم. أَلا يَظُنُّ ذكر الظن مكان اليقين ايماء الى ان من كان يظن ذلك ينبغى ان لا يرتكب موجبات تلك الشدائد فكيف من يستيقن والاستفهام للانكار وفيه تعجيب من مالهم وتوبيخ أُولئِكَ المطففين فاعل ليظن أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ قام مقام المفعولين ليظن. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ متعلق مبعوثون وللتعليل اى لحساب يوم عظيم او بمعنى فى يوم عظيم وهو يوم القيمة عظمه لعظم ما يكون فيه اخرج ابن المبارك عن الحسن قال لقد مضى بين ايديكم أقوام لو ان أحدهم اتفق عدد هذا الحصى تخشى ان لا ينجوا من عظمة ذلك اليوم. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ من القبور منصوب بمبعوثون على الظرفية او بدل من يوم عظيم وفتحه على البناء لاضافته الى غير متمكن لرب العلمين اى لحسابه وجزائه عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم يقوم النّاس لِرَبِّ الْعالَمِينَ ط اى حسابه وجزائه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم يقوم النّاس لرب العالمين حين يغيب أحدهم فى رشحه الى انصاف اذنيه متفق عليه واخرج الحاكم مثله عن ابى سعيد الخدري وفى الصحيحين عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يعرق الناس يوم القيمة حتى يذهب عرقهم فى الأرض سبعين باعا ويلجمهم حتى آذانهم واخرج الطبراني وابو يعلى وابن حبان عن ابن عباس ان الكافر يلجم بعرقه يوم القيمة حتى يقول يا رب أرحني ولو الى النار واخرج الحاكم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان العرق ليلجم الرجل فى الموقف

[سورة المطففين (83) : آية 7]

حتى يقول يا رب ارسالك لى الى النار أهون على مما أجد وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب واخرج البيهقي عن قتادة فى قوله تعالى يوم يقوم الناس لرب العلمين قال بلغني ان كعبا كان يقول يقومون مقدار ثلاثمائة عام واخرج مسلم عن المقداد بن الأسود قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول تدنوا الشمس يوم القيمة من الخلق حتى يكون منهم مقداد ميل قال سليم بن عامر فو الله ما أدرى ما يعنى بالميل أمساق الأرض أم الميل الذي يكحل به العين فيكون الناس على قدر أعمالهم فى العرق فمنهم من يكون الى كعبه ومنهم من يكون الى ركبته ومنهم من يكون الى حقوته ومنهم من يلجمه العرق الجاما وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الى فيه واخرج احمد والطبراني وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عقبة بن عامر نحوه واخرج احمد والطبراني عن ابى امامة الباهلي عنه صلى الله عليه وسلم وفيه ويزاد فى حرها كذا وكذا تغلى منها الهوام كما تغلى القدور واخرج احمد والطبراني بسند جيد عن انس رفعه قال لم يلق ابن آدم شيئا منذ خلق الله أشد عليه من الموت وهو أهون مما بعده وانهم ليلقون من هول ذلك اليوم شدة حتى يلجمهم حتى ان السفن لو أجريت لجرت واخرج البيهقي عن ابن عمر وقال يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجمهم الكافر العرق قبل الحساب قيل له فاين المؤمنون قال على كراسى من ذهب ويظلل عليهم الغمام واخرج هناد عن ابن مسعود نحو هذا كله وفيه ما طول ذلك اليوم عليهم اى على المؤمنين الا كساعته من نهار واخرج هناد وابن المبارك عن سلمان قال تدنى الشمس من رؤس الخلائق يوم القيمة قاب قوسين او قوسين ويعطى حر عشر سنين وليس أحد من الناس عليه يومئذ صحره الى خرقة ولا يرى عورة مومن ولا مؤمنة ولا يجد حرها مومن ولا مؤمنة واما الكافر فيطبخهم طبخا حتى يسمع لاجوافهم عق عق. كَلَّا ردع عن التطفيف وتم الكلام وقال الحسن كلا ابتداء يتصل بما بعده بمعنى حقا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ يعنى صحف أعمالهم التي كتبتها الحفظة الكرام والمراد بالفجار الكفار لَفِي سِجِّينٍ مشتق من السجن بمعنى الحبس فى القاموس السجين كالسكين الحبس الدائم الشديد قال الأخفش فعيل من السجن كما يقال فسيق وشريب معناه لفى حبس شديد وقال عكرمة لفى سجين اى فى خساء وضلال لما كان كتاب الفجار اى ما فى الكتاب من الأعمال موجبا لكونهم فى الحبس والخساء والضلال أسند ذلك الى الكفار مجازا والظاهر من الأحاديث والآثار ان السجين اسم موضع فى كتاب الفجار كذا فى القاموس وكون الكتاب فى ذلك الموضع بان يوضع صحف أعمالهم هناك او يكتب هناك كتاب جامع الصحف

اعمال الفجار من الثقلين ووجه تسمية ذلك الموضع بالسجين ان هناك يحبس أرواح الكفار أجمعين وذلك الموضع هو الأرض السابعة او تحت الأرض السابعة اخرج ابن مندة والطبراني وابو الشيخ عن حمزة بن حبيب مرسلا قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أرواح المؤمنين فقال فى طير خضر تسرح فى الجنة حيث شاءت قالوا يا رسول الله وأرواح الكفار قال محبوسة فى سجين وروى ابن المبارك والحكيم الترمذي وابن ابى الدنيا وابن مندة عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال نفس الكافر فى سجين قال البغوي قال عبد الله بن عمر وقتادة ومجاهد والضحاك سجين هى الأرض السابعة السفلى فيها أرواح الكفار وقلت كذا اخرج ابن ابى الدنيا عن عبد الله بن عمر روى البغوي بسنده عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سجين أسفل سبع ارضين وعلّيون فى السماء السابعة تحت العرش وقد ورد فى حديث طويل عن البراء بن عازب مرفوعا فى ذكر موت المؤمنين وموت الكفار فذكر فى الكفار انه لا يفتح لهم أبواب السماء فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه فى سجين فى الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا الحديث اخرج احمد وغيره وذكر البغوي قول شبرمة بن عطاء جاء ابن عباس الى كعب الأحبار فقال أخبرني عن قول الله عز وجل ان كتب الفجار لفى سجين فقال ان روح الفاجر يصعد بها الى السماء فتابى السماء ان تقبلها ثم تهبط بها الى الأرض فتابى الأرض ان تقبلها فتدخل تحت سبع ارضين حتى ينتهى بها الى سجين وهى موضع جند إبليس فيخرج لها من سجين من تحت جند إبليس رق فيرقم ويختم ويوضع تحت جند إبليس لمعرفتها الهلاك بحساب يوم القيمة وقال الكلبي هى صخرة تحت الأرض السابعة السفلى خضراء خضرة السماء منها يجعل كتاب الفجار تحتها وروى عن ابن نجيح عن مجاهد قال سجين صخرة تحت الأرض السفلى تقلب فيجعل كتاب الفجار فيها وقال البغوي جاء فى الحديث الفلق جب فى جهنم مغطى والسجين جب فى جهنم مفتوح قلت ويمكن الجمع بينهما اعنى بين كون السجين تحت الأرض السابعة وكونه فى جهنم ان جهنم تحت الأرض السابعة السفلى اخرج ابو الشيخ فى العظمة والبيهقي من طريق ابى الزعراء عن عبد الله قال الجنة فى السماء السابعة والنار فى الأرض السابعة السفلى واخرج البيهقي فى الدلائل

[سورة المطففين (83) : آية 8]

عن عبد الله بن سلام الجنة فى السماء والنار فى الأرض واخرج ابن جرير فى تفسيره عن معاذ قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اين يجاء بجهنم يوم القيمة قال لجاء بها من الأرض السابعة بها الف زمام لكل زمام سبعون الف ملك فاذا كانت من العباد على مسيرة الف سنة زفرت زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول رب نفسى نفسى. وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ط تفخيم وتهويل قال الزجاج ليس ذلك مما كنت تعلمها أنت ولا قومك. كِتابٌ مَرْقُومٌ ط اى مكتوم فيه أعمالهم ثبت عليهم كالرقم فى الثوب لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به او المعنى معلم يعلمه من راه انه عرف لا خير فيه وقيل معناه مختوم بلغة حمير قال البغوي ليس هذا تفسيرا للسجين بل هو بيان الكتاب المذكور ان كتب الفجار وقال البيضاوي هذا تفسير للسجين لقب به الكتاب لانه سبب للحبس فقال هذا ظرفية السجين الكتاب لكونه كتابا جامعا لكتب الفجار من الثقلين والظاهر ان السجين فيه مقر أرواح الكفار ومقر صحف أعمالهم وفى الكلام حذف مضاف اما اى فى السجين اى ما كتاب سجين او فى كتاب مرقوم اى محل كتاب مرقوم بالشر. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالحق. الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ط صفة موضحة او ذامة او مخصصة او بدل من المكذبين وجملة ويل يومئذ إلخ معترضة للذم قلت ويحتمل ان يكون فى محل الرفع من مرقوم بمعنى رقم فيه ويل يومئذ إلخ او صفة الكتاب اى كتاب موجب للويل والتأويل الاول اظهر من حيث اللفظ وللاخيرين من حيث المعنى لان كونه كتابا مرقوما ليس من خصائص كتاب الفجار بل قيل مثل ذلك فى كتب الأبرار ايضا يتصور كونه جوابا لقوله ما سجين. وَما يُكَذِّبُ بِهِ اى بيوم الدين إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ مجاوز عن الحد فى الجهل وتقليد الآباء الجهلة حتى أنكر قدرة الله على الاعادة أَثِيمٍ منهمك فى الشهوات اشتغل بها عما ورائها وحمله على الإنكار لما عداها. إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا يعنى القران شرط جزائه قالَ من فرط جهله وغفلته عن كونه معجزا او من غباوته واعراضه عن الحق تعنتا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ط خبر مبتداء محذوف اى هى والأساطير جمع اسطورا واسطارا او اسطر بمعنى الأحاديث التي لا نظام بها فى القاموس وفى الصراح أساطير الأولين اى شى كتبوه كذبا والجملة الشرطية

[سورة المطففين (83) : آية 14]

صفة بعد صفة لمعتد لبيان انه لا ينفعه من الادلة العقلية والنقلية شى والجملة وما يكذب به معترضة. كَلَّا ردع عن التكذيب وعما قالوا وقال مقاتل معناه اى لا يومنون بَلْ سكته إضراب عن الردع ينفى قابلية قلوبهم عن درك الحق وتميزه من الباطل يسكت حفص هاهنا سكتة ويدغم غيره رانَ قال ابو بكر وحمزه والكسائي فتح الراء والباقون بتفخيمها عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ والرين الغلبة يقال ران الخمر على قلبه إذا غلب عليه سكره والمعنى غلب على قلوبهم ظلمت ما كانوا يكسبون من المعاصي حتى عمى قلوبهم عن التميز بين الحق والباطل عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء فى قلبه فان تاب وفزع واستغفر صقل قلبه منها وان زاد زادت حتى تعلو قلبه فذالكم الران الذي ذكر الله فى كتابه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون رواه البغوي وكذا اخرج احمد والترمذي وصححه واحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وفى بعض الروايات ان العبد كلما أذنب ذنبا الحديث ولفظ المؤمن يدل على شدة السوداء قلب الكافر بطريق الاولى. كَلَّا ردع عن كسب المعاصي الموجبة للرين او هو بمعنى حقا لتحقيق الرين قال يريد انهم لا يصدقون إِنَّهُمْ اى الكفار عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ اى يوم الدين يوم يرى الله سبحانه المؤمنون لَمَحْجُوبُونَ ط لحجب ظلماتهم الناسبة عنهم فلا يرون الله سبحانه كما كانوا لا يرون الحق من الباطل فى الدنيا قال الحسن لو علم الزاهدون والعابدون انهم لا يرون ربهم لزهقت أنفسهم فى الدنيا سئل مالك عن هذه الاية فقال لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لاولياءه حتى رأوه وقال الشافعي فى الاية دلالة على ان اولياء الله يرون الله. ثُمَّ اى بعد كونهم محجوبين عن روية الله إِنَّهُمْ لَصالُوا اى لداخلوا الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقالُ يقول لهم خزنة جهنم هذَا هذا العذاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ كَلَّا ان التطفيف تكرير للاول ليعقب وعد الأبرار كما عقب وعيد الفجار اشعارا بأن التطفيف فجور كما ان الإيفاء برا وردع عن تكذيب العذاب او هو بمعنى حقا وقال مقاتل معناه لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ قال بعض اهل المعاني هو علو وشرف بعد شرف ولذلك جمع بالواو والنون وقال الفراء

[سورة المطففين (83) : الآيات 19 إلى 20]

اسم موضع على صيغة الجمع لا واحد له من لفظ كعشرين وقال بعض المحققين هو منقول من جمع على وزن فعيل من العلو وقد مر حديث البراء المرفوع عليين فى السماء السابعة تحت العرش وفى الحديث البراء الطويل فى ذكر الموت المؤمنين والكفار ذكر فى نفس المؤمن انه يصعد بها حتى ينتهى بها الى السماء السابعة فيقول الله تعالى اكتبوا كتاب عبدى فى عليين وأعيدوا الأرض الحديث أخرجه احمد وابو داود والحاكم وغيرهم من طرق صحيحة وقال ابن عباس هو يعنى عليين لوح زبرجد خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيها ومن هاهنا قالوا هو كتاب جامع الأعمال الخير من الملئكة ومومنى الثقلين وقال كعب وقتادة هو قائمة العرش اليمنى وقال عطاء عن ابن عباس هو الجنة وقال عطاء والضحاك هو سدرة المنتهى. وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ الكلام فيه كما مر فى نظيره. يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ط صفة لكتاب كما كان ويل للمكذبين صفة هناك والمقربون قال البغوي يعنى الملائكة قلت وأرواح الأنبياء والصديقين والشهداء ايضا فان هناك لعزها كما اخرج مسلم عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أرواح الشهداء عند الله فى حواصل طير خضر تسرح فى انهار الجنة حيث شاءت تأوي الى قناديل تحت العرش وكذا روى سعيد بن منصور عن ابن عباس وتقى بن مخلد عن ابن ابى سعيد الخدري وروى ابو الشيخ عن انس قال يبعث الله شهداء من حواصل طير بيض كانوا فى قناديل معلقة بالعرش واخرج ابن مندة عن ابن شهاب بلاغا بلغني ان أرواح الشهداء كطير خضر المعلقة بالعرش تغدوا ثم ترجع الى رياض الجنة يأتى ربها سبحانه وتعالى كل يوم يسلم عليه واخرج ابن ابى حاتم عن ابى الدرداء قال هى يعنى أرواح الشهداء طائر خضر فى قناديل الحديث واخرج البخاري عن انس انه قال لما قتل حارثة قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه جنان وانه فى الفردوس الأعلى وقال الله تعالى فى حبيب نجار قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى الاية ولا منافاة بين كونهم فى الجنة وكونهم تحت العرش فى قناديل لان العرش بمنزلة السماء للجنة قلت وهذا الحكم غير مختص بالشهداء فان الأنبياء والصديقين أعلى منهم منزلة وقد ورد فى الحديث بلفظ المؤمنين مطلقا اخرج مالك والنسائي بسند صحيح عن كعب بن مالك ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

قال انما نسمة المؤمن طاير المتعلقة فى شجرة الجنة حتى ترجع الى جسده يوم القيمة وكذا اخرج احمد والطبراني عن أم هانئ عنه صلى الله عليه واله وسلم قال يكون النسم طير التعلقه بالشجر حتى إذا كان يوم القيمة دخلت كل نفس فى جسده واخرج ابن عساكر عن أم بشر امرأة ابى معروف نحوه والمراد فى تلك الأحاديث الكاملين منهم كما يدل عليه قوله تعالى يشهده المقربون وقد ورد فى بعض الأحاديث ان مقر أرواح المؤمنين فى السماء السابعة ينظرون الى منازلهم فى الجنة أخرجه ابو نعيم بسند ضعيف عن ابى هريرة واخرج ايضا عن وهب بن منبه ان لله تعالى فى السماء السابعة دارا يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين وفى بعض الأحاديث إذا اخرج من الجسد كان بين السماء والأرض رواه سعيد بن منصور عن سلمان وروى ابن المبارك والحكيم الترمذي وابن ابى الدنيا وابن مندة عن سعيد بن المسيب عن سلمان أرواح المؤمنين فى برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت ونفس الكافر فى سجين وفى هذه الحديث حكاية عن حال المؤمنين على تفاوت درجاتهم قال الشعبي فى بحر الكلام الأرواح على اربعة أوجه أرواح الأنبياء تخرج من جسدها وتصير مثل صورتها المسك والكافور وتكون فى الجنة تأكل وتشرب وتنعم وتأوي بالليل الى قناديل معلقة بالعرش وأرواح الشهداء تخرج من جسدها ويكون فى أجواف طير خضر فى الجنة تأكل وتشرب وتنعم وتأوي بالليل الى قناديل معلقة بالعرش وأرواح المطيعين من المؤمنين يربص بالجنة لا تأكل ولا تتمتع ولكن تنظر فى الجنة وأرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء والأرض فى الهواء واما أرواح الكفار فهى فى السجين فى جوف طير سود تحت الأرض السابعة قلت وما ذكر فى أرواح الأنبياء انها تصير فى مثل صورتها المسك والكافور يعنى ان لها أجسادا كالاجساد الإنسان وعبرها بالمسك لتطيب ريحها وعبر المجدد عن تلك الأجساد بالجسم الموهب ويكون ذلك للانبياء ولكمل اتباعهم الصديقين قبل الموت فان قيل بعض الأحاديث الصحاح تدل على ان أرواح المؤمنين حتى الأنبياء وأرواح الكفار كلها فى القبور كما ورد فى حديث البراء الطويل يقول الله تعالى فى حق المؤمنين اكتبوا كتاب عبدى فى عليين واعيدوه الى الأرض فانى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة اخرى فيعاد روجه فى جسده وكذا قال فى الكافر فيعاد روحه فى قبره قال ابن عبد البر هذا أصح ما قيل

[سورة المطففين (83) : آية 22]

وقد راى النبي صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام فى قبره يصلى ليلة اسرى به وانه صلى الله عليه وسلم قال من صلى على عند قبرى سمعته ومن صلى على غائبا بلغته فكيف تطبيق قلنا وجه التطبيق أن مقر أرواح المؤمنين فى عليين او فى السماء السابعة ونحو ذلك كما مر ومقر أرواح الكفار فى سجين ومع ذلك لكل روح منها اتصال لجسده فى قبره لا يدرك كنهه الا الله تعالى وبذلك الاتصال يصح ان يعرض على الإنسان المجموع المركب من الجسد والروح مقعده من الجنة او النار ويحس اللذة او الألم ويسمع سلام الزائر ويجيب المنكر والنكير ونحو ذلك بما ثبت بالكتاب والسنة كما ان جبرئيل مع كون مستقره من السموات كان يدنوا من النبي صلى الله عليه وسلم حتى يضع يديه على فخذيه قال الشعبي فى بحر الكلام هى متصلة بأجسادها فتعذب الأرواح ويتالم الأجساد منها كالشمس فى السماء ونورها فى الأرض والله تعالى اعلم. إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ مستأنفة. عَلَى الْأَرائِكِ اى على الاسرة فى الحجال حال من المستكن فى ظرف المستقر يَنْظُرُونَ حال بعد حال مترادف لما سبق او متداخل قال اكثر المفسرين يعنى ينظرون الى ما أعطاهم الله تعالى من الكرامة والنعمة وقال قتادة ينظرون الى أعدائهم كيف يعذبون فى النار قلت ينظرون الى ربهم تبارك وتعالى كما ان الكفار عن ربهم يومئذ لمحجوبون. تَعْرِفُ ايها المخاطب كذا قرأ الجمهور وقرأ ابو جعفر ويعقوب على المبنى للمفعول فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ بالرفع عند جعفر ويعقوب وبالنصب عند الجمهور النَّعِيمِ ج اى بجنة النعيم قال الحسن النضرة فى الوجه والسرور فى القلب. يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ اى جنة صافية طيبة بيضاء مَخْتُومٍ اى ممنوع من ان تمسه يد الى ان يفك ختامه الأبرار. خِتامُهُ مِسْكٌ ط قرأ الكسائي خاتمه بتقديم الالف على التاء على وزن عالم والباقون على وزن كتاب فى القاموس ختام ككتاب الطين يختم على الشيء والخاتم ما يوضع على الطينة والمراد بالقراءتين واحد اى مختوم او آنية بالمسك مكان الطين وكذا قال ابن زيد وقال ابن مسعود مختوم اى ممزوج ختامه اى اخر طعمه وعاقبته مسك فى القاموس والختام من كل شىء آخره وَفِي ذلِكَ الرحيق والنعيم فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ط التنافس مشتق من النفس او من النفيس ومعناه اختيار الشيء النفيس لنفسه بحيث ينفسه به اى يضن به على غيره وحاصل المعنى فليرغب

[سورة المطففين (83) : آية 27]

الراغبون يعنى ان التنافس لا يليق على الامتعة الدنيوية لبخستها وقلتها ونفادها بل على النعم الاخروية فان قيل التنافس من الرذائل فكيف يكون مرغوبا فيه قلت انما هو من الرذائل إذا كان متعلقا بالأمور الدنيوية لانها غير مرضية لله تعالى ولانها يستلزم الإضرار بغيره إذا لامتعة الدنيوية فافدة قليلة إذا اختار لنفسه فات عن غيره بخلاف النعم الاخروية فانها مرضية لله تعالى ولا ينفد فايثارها لنفسه لا يضر بغيره. وَمِزاجُهُ اى يمزج به الرحيق مِنْ تَسْنِيمٍ قال البغوي شراب ينصب عليهم من علو فى غرفهم ومنازلهم قلت الظاهر انها تنصب من فوق العرش فان العرش بمنزلة السقف للجنة وقيل يجرى فى الهواء متسنما فينصب فى أواني اهل الجنة على قدر ملئها فاذا امتلئت امسك وهذا معنى قول قتادة واصل الكلمة من العلو يقال للشئ المرتفع سنام ومنه سنام البعير قال الضحاك هو شراب اسمه تسنيم وهو من اشرف اشربة الجنة قال ابن مسعود وابن عباس هو خالص للمقربين يشربونها صرفا ويمزج لساير اهل الجنة ثم فسره بقوله. عَيْناً منصوب على المدح او بتقدير اعنى او حال من تسنيم يَشْرَبُ بِهَا اى منها او بتضمين يلتذ صفة لعينا الْمُقَرَّبُونَ ط اى اصحاب كمالات النبوة بالاصالة او بالوراثة وهم الصديقون قال البغوي روى يوسف بن مهران عن ابن عباس انه سئل عن قوله من تسنيم قال هذا مما قال الله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين. إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا يعنى كفار قريش ابو جهل والوليد بن مغيرة والعاص بن وائل وأصحابهم من مشركى مكة كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا عمار وصهيب وخباب وبلال وأصحابهم من فقراء المؤمنين يَضْحَكُونَ استهزاء بهم. وَإِذا مَرُّوا اى المؤمنون بِهِمْ اى بالكفار يَتَغامَزُونَ اى الكفار يشيرون إليهم بالجفن والحواجب استهزاء والجملة الشرطية معطوفة على يضحكون خبر لكانوا وكذا الشرطيتين الأخريين. وَإِذَا انْقَلَبُوا اى الكفار إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ معجبين ملتذين بالسخرية منهم قرأ حفص فكهين بغير الف والباقون بالألف فاكهين. وَإِذا رَأَوْهُمْ يعنى الكفار المؤمنين قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ اى خدعهم محمد فضلوا عن دين ابائهم وتركوا اللذات لما يرجون فى الاخرة من الكرامات فقد تركوا الحقيقة بالخيال. وَما أُرْسِلُوا اى الكفار عَلَيْهِمْ

[سورة المطففين (83) : آية 34]

على المؤمنين حافِظِينَ ط لاعمالهم ويشهدون برشدهم وصلاحهم جملة وما أرسلوا حال من فاعل قالوا. فَالْيَوْمَ اى يوم كون المؤمنين على الأرائك ينظرون الى الله تعالى الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ حين يرونهم فى السلاسل والاغلال فى النار قال البغوي قال ابو صالح وذلك انه يفتح للكفار فى النار ابوابها ويقال لهم اخرجوا فاذا رأوها مفتوحة اقبلوا إليها ليخرجوا والمؤمنون ينظرون إليهم فاذا انتهوا الى ابوابها غلقت دونهم يفعل بهم ذلك مرارا والمؤمنون يضحكون من الكفار كما كان الكفار يضحكون منهم فى الدنيا وقال كعب بين الجنة والنار كوى فاذا أراد المؤمن ان ينظر الى عدو له فى الدنيا اطلع عليه من تلك الكوى كما قال الله تعالى فاطلع فراه فى سواء الجحيم فاذا اطلعوا من الجنة الى أعدائهم وهم يعذبون فى النار فضحكوا فذلك قوله تعالى هذه الاية واخرج البيهقي عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم باب من الجنة فيقال لاحدهم هلم فجيئ بكربه وغمه فاذا جاء اغلق دونه فما زال كذلك حتى ان أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال له هلم فما يأتيه من الا يأس. عَلَى الْأَرائِكِ حال من فاعل يضحكون يَنْظُرُونَ اى الكفار فى النار حال مترادف او متداخل لما قبله-. هَلْ ثُوِّبَ اى جوزى الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ع اى جزاء ما كانوا يعملون من الاستهزاء والاستفهام للتقرير اى نعم والله اعلم بالصواب.

سورة الانشقاق

سورة الانشقاق مكيّة وهى خمس وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ السماء مرفوع بفعل مقدر يفسره ما بعده. وَأَذِنَتْ اى استمعت وانقادت لِرَبِّها لامره بالانشقاق وَحُقَّتْ اى حق لها الانقياد وإذ الممكن لا يمكن منه الا الانقياد لما أراده الواجب جل شانه إذا هو فى نفسه لا يقتضى شيئا. وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وزيدت فى سعتها قال المقاتل سويت كمد الأديم فلا يبقى فيها جبل ولا بناء اخرج الحاكم عن ابن عمرو قال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض كالاديم وحشر الخلائق واخرج الحاكم بسند جيد عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تمد الأرض يوم القيمة مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم منها الا موضع قدميه ثم ادعى أول الناس فاخر ساجدا فيوذن لى فاقول يا رب يا رب أخبرني هذا جبرئيل وهو عن يمين الرحمن والله ما راه جبرئيل قبلها قطانك أرسلته الى قال وجبرئيل ساكت لا يتكلم حتى يقول الله صدق ثم يأذن الله لى فى الشفاعة فاقول يا رب عبادك أطراف الأرض فذلك المقام المحمود. وَأَلْقَتْ الأرض ما فِيها من الموتى والكنوز وَتَخَلَّتْ اى تكلفت فى خلوها عما فيها حتى لم يبق شىء فى بطنها. وَأَذِنَتْ لِرَبِّها فى الإلقاء والتخلية وَحُقَّتْ ط جواب إذا محذوف يدل عليه ما بعده اى يلاقى الإنسان ما كدح ويوتى كتابه اما بيمينه فينقلب مسرورا او بشماله فيدعوا ثبورا وتكرير إذا لاستقلال كل من الجملتين بنوع من القدرة اخرج ابو القاسم الختلي فى الديباج بسند حسن عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى قوله تعالى إذا السماء انشقت الاية قال اما أول من ينشق عنه الأرض فاجلس جالسا فى قبرى فيفتح باب الى السماء بحيال رسى حتى انظر الى العرش ثم يفتح لى باب من تحتى حتى انظر الى الأرض السابعة حتى انظر الى الثرى ثم يفتح باب عن يمينى حتى انظر الى الجنة ومنازل أصحابي وان الأرض تحركت بي

[سورة الانشقاق (84) : آية 6]

فقلت لها مالك أيتها لارض فقالت ان ربى أمرني أن القى ما فى جوفى وان أتخلى فاكون كما كنت ان لا شى فى ذلك قوله تعالى والقت ما فيها وتخلت واخرج ابن المنذر فى تفسيره عن ابن عباس فى قوله تعالى والقت ما فيها وتخلت قال سوارى الذهب وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن عطية يعنى ما فيها من الكنوز واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس والفريابي عن مجاهد أخرجت الأرض اثقالها قال الموتى. يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ خطاب للجنس إِنَّكَ كادِحٌ اى كدح عمل الإنسان وجهده فى الأمر من خير او شر حتى يكدح ذلك فيه اى يوثر من كدحه إذا خدشه إِلى رَبِّكَ الى لقاء ربك يعنى الموت وما بعده يعنى انك جاهد فى العمل الى الموت كَدْحاً سعيا بليغا مصدر للتأكيد فَمُلاقِيهِ ج عطف على كادح والضمير اما راجع الى الكدح يعنى فملاقى كدحه يعنى جزاء ما عمل او الى الرب اى فملاقى ربك بعد الموت يوم يقوم الناس لرب العالمين او بحذف المضاف اى فملاقى حساب ربك وجملة يايها الإنسان مستأنفة للوعد والوعيد ولما بين الله سبحانه اولا بعض الناس ولقاء كل منهم كدحد اجمالا فصل ذلك بقوله. فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ ديوان عمله بِيَمِينِهِ وهم المؤمنون. فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً روى البخاري بسنده عن ابن ابى مليكة ان عائشة كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه الا راجعت فيه حتى تعرفه وان النبي صلى الله عليه وسلم قال من حوسب عذب قالت عائشة او ليس الله يقول فسوف يحاسب حسابا يسيرا قالت فقال انما ذلك العرض ولكن من نوقش فى الحساب يهلك واخرج احمد عن عائشة قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير قال اى ينظر فى كتابه فيتجاوز عنه انه من نوقشه فى الحساب يهلك واخرج احمد يومئذ هلك. وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ اخرج البيهقي عن مجاهد فى هذه الاية قال يجعل شماله وراء ظهره فياخذ بها كتابه قال ابن السابت بلوى يده اليسرى من صدره انى خلف ظهره. فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً والثبور الهلاك اى يتمنى الهلاك ويقول وا ثبوراه. وَيَصْلى قرأ عاصم وحمزة وابو عمرو بفتح الياء وسكون الصاد وتخفيف اللام والباقون بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من التصلية على البناء للمفعول اى يدخل سَعِيراً إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ فى الدنيا مَسْرُوراً بالمال والجاه غافلا عن الاخرة غير خائف

[سورة الانشقاق (84) : آية 14]

وهذا تعليل لقوله تعالى فسوف يدعوا ثبورا. إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ج اى لن يرجع الى ربه للحساب والجزاء تكذيبا بالبعث تعليل للسرور. بَلى ج إيجاب للنفى اى بلى ليحورن إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً ط فى موضع التعليل لاثبات الرجوع اى ليحورن وليعذبن لان الله بصير بما يعمل فلا يهمله بل ينتقم منه. فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ البيضاء بعد الحمرة. وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ اى جمعه الليل بعد ما كان منتشرا بالنهار من الدواب وروى منصور عن المجاهد الف واظلم عليه وقال سعيد بن جبير وما عمل فيه. وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ اى اجتمع وثم نوره فى الليالى البيض افتعال من الوسق بمعنى الجمع. لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ اما صفة بطبقا او حال من الضمير المرفوع فى لتركبن بمعنى مجاوز عن طبق او بمجاوزين له على اختلاف القراءتين قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بفتح التاء اما على صيغة المخاطب الواحد المذكر خطابا للنبى - صلى الله عليه وسلم - قال الشعبي ومجاهد يعنى لتركبن يا محمد سماء بعد سماء وقال الله تعالى وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سموات طباقا ففى هذه الاية بشارة للنبى صلى الله عليه واله وسلم بالمعراج والأحاديث الواردة فى قصة المعراج ذكرت فى سورة الأسرى وسورة النجم ويجوز ان يكون المراد انه يصعد درجة بعد درجة تتبع بعد رتبه فى القرب من الله والرفعة روى البخاري بسنده وعن ابن عباس قال لتركبن طبقا عن طبق حال بعد حال قال هذا نبيكم - صلى الله عليه وسلم - واما على صيغة الواحد المؤنث والضمير حينئذ عايد الى السماء يعنى لتركبن السماء حالا بعد حال اخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن مسعود فى هذه الاية قال يعنى السماء تنفطر ثم تنشق ثم تحمر واخرج البيهقي عنه قال السماء تكون الوانا تكون كالمهل وتكون وردة كالدهان وتكون واهية وتشق فيكون حالا بعد حال وقرأ الآخرون بضم الياء على صيغة جمع المخاطبين يعنى لتركبن ايها الناس حالا بعد حال وامرا بعد امر فى مواقف القيمة وقال مقاتل يعنى الموت ثم الحيوة وقال عطاء حالا فى الدنيا مرة فقيرا ومرة غنيا وقال عمرو ابن دينار عن ابن عباس يعنى الشدائد والأهوال والموت ثم البعث ثم العرض وقال عكرمة حالا بعد حال رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ وقال ابو عبيدة لتركبن سنن من كان قبلكم روى الحاكم وصححه عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر

[سورة الانشقاق (84) : آية 20]

وذراعا بذراع حتى لو ان أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم وحتى لو ان أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه وروى البخاري عن ابى سعيد الخدري نحوه. فَما لَهُمْ استفهام للانكار والتعجب متصل بما مر من الوعد والوعيد وجملة فلا اقسم معترضة قلت ويحتمل ان يكون هذه الجملة متصلة لقوله تعالى لتركبن طبقا عن طبق يعنى انقلابهم عن حال الى حال دليل على تحول الأحوال فما لهم لا يُؤْمِنُونَ حال من الضمير المجرور والعامل فيه معنى الفعل اى ما يصنعون. وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ط إذا متعلق بلا يسجدون والجملة الشرطية معطوفة على لا يومنون حال مرادف له وهذه الاية نزل على وجوب السجود حين استماع القرآن فانه ذم لمن سمع القران ولم يسجد فاما ان يكون المراد بالسجود الخضوع مجازا وهو الظاهر لاطلاق القران على كل اية وان لم يكن اية السجدة مع الإجماع على عدم وجوب السجود عند استماع القران مطلقا واما يكون المراد بالسجود سجود التلاوة واللام فى القران للعهد والمراد اية السجدة فحينئذ يكون حجة لابى حنيفة فى القول بوجوب التلاوة ولم يقل بالافتراض للشك فى التأويل ووقوع الخلاف فى المسألة والظاهر ان الوجوب لا يثبت بالشك بل بدليل ظنى يفيد الوجوب واحتج ابو حنيفة وصاحبيه بحديث ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكى يقول يا ويله امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فابيت فلى النار رواه مسلم ووجه الاحتجاج ان الحكيم إذا حكى عن غير الحكيم كلاما ولم يعقبه بالإنكار كان دليلا على صحته واخرج ابن ابى شيبة فى مصنفه عن ابن عمر انه قال السجدة على من سمعها وعند جمهور الفقهاء والمحدثين سجود التلاوة سنة واحتجوا بحديث زيد بن ثابت قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم فلم يسجد اخرجاه فى الصحيحين وأخرجه اصحاب السنن والدار قطنى وزاد ولم يسجد منا أحد قالت الحنفية هذا لا يدل على عدم وجوب السجدة لانه واقعة حال ويجوز ان يكون ترك السجود لكون القراءة فى وقت مكروه او على غير وضوء او لتبين انه غير واجب على الفور قلنا لو كان الترك لاحد هذه الأمور لبين ذلك ولئلا يلزم ترك بيان المجمل فى وقت الحاجة وبحديث عمر بن الخطاب انه قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل فسجد وسجد الناس معه ثم قرأها يوم الجمعة الاخرى فتهيا الناس السجود وفقال على المنبر رسلكم الله لم يكبتها

الا ان يشاء رواه البخاري ومالك فى المؤطا قال الشيخ ابن حجر زعم المزني انه من تعليقات البخاري وهم رواه البيهقي وابو نعيم قلت فى هذه الحديث حكاية عن الإجماع حيث لم ينكر أحد على قول عمر مع حضورهم لصلوة الجمعة وما ورد فى قول الشيطان امر ابن آدم بالسجود والظاهر ان المراد بالسجود هناك الجنس دون السجود المخصوص عند التلاوة كيف وانما امر الشيطان بالسجود لله تعالى متوجها الى آدم من غير سبق تلاوة اية (مسئلة) اختلف العلماء فى سجود المفضل فقال الجمهور بالسجود فى النجم وإذا السماء انشقت واقرأ فعندهم سجود القران اربعة عشر او خمسة عشر بناء على خلافهم فى الثاني سجدتى الحج وسجدة ص ويذكر هناك إنشاء الله تعالى وقال مالك فى رواية لا سجود فى المفصل محتجا بحديث ابن عباس انه صلى الله عليه واله وسلم لم يسجد فى شىء من المفصل منذ تحول الى المدينة رواه ابو داود وابو على ابن السكن من طريق ابى قدامة الحارث بن عبيد عن مطر عن عكرمة وابو قدامة ومطر قال الشيخ ابن حجرهما من رجال مسلم لكنهما مضعفان وقال ابن الجوزي قال احمد ابو قدامة مضطرب الحديث وقال يحيى ليس بشئ ولا يكتب حديثه وروى الطحاوي وغيره سئل ابى بن كعب هل فى المفصل سجدة قال لا لنا حديث ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد فى إذا السماء انشقت واقرأ انفرد بإخراجه مسلم وفى الصحيحين من طريق اخر عن ابى نافع قال صليت مع ابى هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت فسجد فقلت ما هذا قال سجدت بها خلف ابى القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال اسجد هنا حتى ألقاه واسلام ابى هريرة كان سنة ست من الهجرة وحديث ابن عباس قال سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يعنى النجم والمشركون رواه البخاري ورواه الترمذي وصححه وحديث عمرو بن العاص ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ خمس عشر سجدة فى القران منها ثلث فى المفصل وفى سورة الحج سجدتان رواه ابو داود وابن ماجة والدار قطنى والحاكم وحسنه المنذرى والنووي وضعفه عبد الحق وقال ابن الجوزي لا يعتمد عليه فيه محمد بن راشد كذبوه وحديث عبد الرحمن بن عوف قال رايت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد فى إذا السماء انشقت عشر مرات رواه البزار (مسئلة) قال ابو حنيفة يجب السجدة على التالي والسامع سواء قصد سماع القران او لم يقصد لاطلاق الموجب اعنى الذم على ترك السجود فى هذه الاية وعند الجمهور لا يتاكد السجود

[سورة الانشقاق (84) : آية 22]

على السامع ما لم يقصد السماع لحديث عثمن انه مر بعاص فقرأ اية السجدة يسجد معه عثمان فقال عثمن انما السجود على من استمع ثم مضى ولم يسجد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عنه وذكره البخاري تعليقا وفى مصنف ابن ابى شيبة عن عثمان انما السجدة على من جلس لها وحديث ابن عباس انه قال انما السجدة لمن جلس لها رواه البيهقي وابن ابى شيبة (مسئلة) يجب السجود على السامع وان لم يسجد القاري عند ابى حنيفة لاطلاق الأمر وعند الجمهور لا يتاكد على السامع ما لم يسجد القاري لحديث زيد بن اسلم ان رجلا قرأ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قرأ اخر عنده السجدة فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال سجدت لقراءة فلان ولم تسجد لقراءتى قال كنت اماما فلو سجدت سجدنا رواه ابو داود فى المراسيل عن زيد ابن اسلم ورواه ايضا زيد ابن اسلم عن عطاء بن يسار بلاغا وكذا روى الشافعي وقال البيهقي رواه قرة عن الزهري عن ابى هريرة وقرة ضعيف وعند البخاري معلقا عن ابن مسعود (مسئلة) قال ابو حنيفة يكره قراءة اية السجدة فيما يسر فيها القراءة من الصلاة ان كان اماما لا فيما يجهر بها ولا ان كان مفردا به قال احمد حتى قال ان اسر بها لا يسجد وعند الشافعي لا يكره مطلقا لحديث ابن عمر سجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى الظهر فراى أصحابه انه قرأ اية السجدة فسجدوا رواه ابو داود والطحاوي والحاكم (مسئلة) إذا سجد الامام سجدوا وكذا عند الشافعي مع قوله انها سنة وكذا قوله فى القنوت-. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ القران إضراب عن السجود عند استماع القران. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ بما يجمعون فى الصدور من الكفر والعداوة قال مجاهد بما يكتمون والجملة حال من فاعل يكذبون. فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ الفاء للسببية فان التكذيب سبب للتبشير وذكر التبشير مقام التنذير تهكم واستهزاء. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا منهم وتابوا عن الكفر ما لاستثناء متصل او منقطع بمعنى لكن الذين أمنوا غير مبشرين بالعذاب وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ غير مقطوع ولا منقوص او ممنون عليهم تعليل الاستثناء.

سورة البروج

سورة البروج مكيّة وهى اثنتان وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ البرج الحصن سمى الحصن بها لظهوره يقال تبرجت المرأة اى ظهرت والظاهر ان فى السماء بيوتا سميت بالبروج قال عطية العوفى البروج اى القصور فيها الحرس ورد فى الصحيحين فى حديث المعراج ثم رفع الى البيت المعمور يعنى فى السماء السابعة بحذاء الكعبة وقد مر فى سورة المطففين قول وهب بن منبه ان لله فى السماء السابعة دارا يقال لها البيضاء يجتمع فيها أرواح المؤمنين او المراد بالبروج أبواب السماء فان النوازل يخرج منها وتظهر وزعم العوام باتباع الفلاسفة ان السماء منقسم بالقسمة الوهمية الى اثنى عشر حصة سميت كل حصة منها ببرج يكون فيها الثوابت وينزلها السيارات وسموا البروج بالحمل والثور والجوزاء ونحوها نظرا الى هيئة الكواكب الثوابت على سورة الحمل والثور ونحو ذلك وهذا ليس بشئ لان مبنى ذلك على كون السموات متحركة دائما وكون الكواكب مرتكزة فيها وكل ذلك باطل والثابت من الكتاب والسنة ان الكواكب كل منها فى فلك يسبحون فليس فى السموات كواكب ثوابت حتى يسمى حصة من السماء برجا بحسب تلك الثوابت ولا يجوز ان يكون المراد فى كلام الله تعالى مصطلح الفلاسفة الكفرة فكيف الحصص الموهومة بالبروج التي اصل تركيبها الظهور والله تعالى اعلم وقيل المراد بالبروج عظام الكواكب سميت بروجا لظهورها كذا قال الحسن ومجاهد وقتادة. وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ اى يوم القيمة. وَشاهِدٍ اى يوم الجمعة او جنس شاهد يشهد بالحق- وَمَشْهُودٍ ط اى يوم عرفة او جنس ما شهد عليه شاهد صدق اقسم الله تعالى بهذه الأمور لتعظيمها روى احمد والترمذي عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليوم الموعود يوم القيمة والمشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مومن يدعو الله فيها بخير الا استجاب له ولا يستعيذ من شر الا أعاذه منه قال الترمذي هذا حديث غريب لا يعرف الا من حديث موسى

[سورة البروج (85) : آية 4]

ابن عبيدة وهو يضعف وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابى مالك الأشعري نحوه وفيه يوم الجمعة خصه الله لنا والصلاة الوسطى صلوة العصر وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس الشاهد محمد - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى وجئنا بك على هؤلاء شهيدا والمشهود يوم القيمة قال الله تعالى ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ولكن هذا يلزم التكرار فى اليوم الموعود والمشهود وقيل الشاهد الحفظة والمشهود ابن ادعم وقال الحسين بن الفضل الشاهد هذه الامة والمشهود سائر الأمم قال الله تعالى جعلنكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس وقال سالم بن عبد الله سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى وشاهد ومشهود قال الشاهد هو الله تعالى والمشهود نحن بيانه وكفى بالله شهيدا وقيل الشاهد أعضاء بنى آدم قال الله تعالى يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم وقيل الشاهد الأنبياء والمشهود محمد صلى الله عليه وسلم وإذ أخذ الله ميثاق النبيين الى قوله فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين قلت وعندى انه لو صح الحديث فى تاويل الاية فذاك والّا فلا وجه للتخصيص بل المقسم جنس شاهد يشهد بالحق وجنس الحق المشهود به قال الله تعالى شهد الله انه لا اله الا الله الا هو والملائكة وأولوا العلم فالشاهد هو الله تعالى والملائكة والحفظة منهم والأنبياء ومحمد صلى الله عليه واله وسلم والمؤمنون خصوصا امة محمد - صلى الله عليه وسلم - خصوصا أولوا العلم منهم ومن يشهد بالحق الخصومات واقامة الحدود ومشهود هو كلمة التوحيد وصدق الأنبياء وتبليغهم واعمال بنى آدم وكل كلمة حق اشهد به شاهد صدق قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكرموا الشهود فان الله يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم رواه الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس بسند ضعيف والله تعالى اعلم وجواب القسم قيل قوله تعالى. قُتِلَ اى لعن لكن هذا القول ضعيف لشذوذ جواب القسم بدون اللام والاولى ان يقال جواب القسم محذوف يدل عليه ما بعده يعنى اقسم ان كفار قريش ملعونون كما قيل وقال أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ عن صهيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان ملك باليمن فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر الساحر قال للملك انى قد كبرت فابعث الى غلاما اعلمه السحر فبعث الله غلاما يعلمه وكان فى طريقه راهب إذا سلك اليه وسمع كلامه فاعجبه فكان إذا اتى الساحر مر بالراهب فقعد اليه فاذا اتى الساحر ضربه وإذا رجع من عند الساحر فقعد الى الراهب وسمع كلامه فاذا اتى اهله ضربوه فشكى الى الراهب فقال إذا خشيت الساحر فقل حبسنى أهلي فاذا خشيت أهلك فقل حبسنى الساحر فبينما هو كذلك إذ اتى عليه دابة عظيمة قد حبست الناس فقال اليوم اعلم

ان الراهب أفضل أم الساحر فاخذ حجرا فقال اللهم ان كان امر الراهب أحب إليك من امر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس فرماها فقتلها فمضى الناس فاتى الراهب فأخبره فقال الراهب اى بنى أنت اليوم أفضل منى قد بلغ من أمرك ما ترى وانك ستبتلى فان ابتليت فلا تدل على فكان الغلام يبرء الأكمه والأبرص ويداوى الناس لسائر الأدواء فسمع جليس للملك وكان قد عمى فاتاه بهدايا كثيرة فقال انها لك ان أنت شفيتنى قال لا أشفي أحدا انما يشفى الله فان امنت بالله دعوت الله فشفاك فامن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس اليه كما كان يجلس فقال له الملك ومن رد عليك بصرك قال ربى قال ولك رب غيرى قال ربى وربك الله فاخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيئ بالغلام فقال له الملك اى بنى قد بلغ من سحرك ما يبرء الأكمه والأبرص وتفعل ما تفعل قال انى لا أشفي أحدا انما يشفى الله فاخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجئ بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعى ووضع المنشار فى مفرق راسه حتى وقع شقاه ثم جئ بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فابى فدفعه الى نفر من أصحابه فقال اذهبوا الى جبل كذا وكذا فاصعدوا به فاذا بلغتم ذروته فان رجع عن دينه والا فاطرحوا فذهبوا به الجبل فقال اللهم اكفينهم بما شئت فرجعت بهم الجيل فسقطوا فجاء يمشى الى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك فقال كفانيهم الله فدفعه الى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه فى قرقور فتوسطوا به البحر فان رجع عن دينه والا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم اكفينهم بما شئت فانكفات بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشى الى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله فقال للملك لست بقاتلي حتى تفعل ما أمرك قال وما هو قال تجمع الناس فى صعيد واحد وتصلبنى على جذع ثم خذ سهما من كنانتى ثم ضع السهم فى كبد القوس وقل بسم الله رب الغلام ثم ارمنى فانك إذ فعلت ذلك قتلتنى فجمع الناس فى صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم فى كبد قوسه ثم قال بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم فى صدغه فمات فقال الناس أمنا برب الغلام ثلثا فاتى الملك فقيل له رايت بما كنت تحذر قد نزل بك حذرك قد أمن الناس فامر بالأخدود بأفواه السكك فخدت واضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها او قيل لاقتحم قال فافعلوا حتى جاءت امرأة معها صبى لها فتقاعست ان تقع فيها فقال لها الغلام يا أماه اصبري فانك على الحق رواه مسلم فى صحيحه و

[سورة البروج (85) : آية 5]

روى عطاء عن ابن عباس نحو هذه القصة وذكر انه كان بنجران ملك من ملوك حمير يقال له يوسف ذو نواس بن شرحبيل فى الفترة قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين سنة وذكر اسم الغلام عبد الله بن تامر وذكر محمد بن اسحق عن وهب بن منبه القصة وذكر انه احرق اثنى عشر الفا ثم غلب ارباط على اليمين فخرج ذو نواس هاربا فاقتحم البحر بفرسه فغرق فقال الكلبي ذو نواس قتل عبد الله بن تامر وقال محمد بن عبد الله بن ابى بكر ان جارية اختفرت فى زمن عمر بن الخطاب فوجد عبد الله بن تامر واضعا يده على ضربة فى راسه إذا بسطت يده عنها انبعث دما وإذا تركت ارتدت مكانها وفى يده خاتم من حديد فيه ربى الله فبلغ ذلك عمر فكتب ان العبد والخاتم على اى على الذي وجدتم عليه وقد روى فى اصحاب الأخدود روايات اخر، لا يوازى رواية المسلم فى القوة فلا يلتفت إليها. النَّارِ بدل اشتمال من الأخدود ذاتِ الْوَقُودِ وصف اى النار بالعظمة لكثرة الالتهاب واللام للجنس قال الربيع بن انس نجى الله المؤمنين الذين القوا فى النار بقبض أرواحهم قبل ان تمسهم النار وخرجت النار الى من على شفير الأخدود من الكفار فاحرقتهم. إِذْ هُمْ عَلَيْها اى على حافات الأخدود قُعُودٌ قال مجاهد كانوا قعودا على الكراسي عند الأخدود والظرف متعلق بقعود. وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ من التعذيب شُهُودٌ اى حضور لم يكن هذا التعذيب منهم على غفلة او المعنى كان يشهد بعضهم لبعض عند الملك بانه لم يقصر فيما امر به او يشهدون على أنفسهم يوم القيمة حين يشهد ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم والجملة اما معطوفة على هم عليها قعود او حال من فاعل قعود. وَما نَقَمُوا اى ما كره الكفار وما أنكروا مِنْهُمْ اى من المؤمنين إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا اى لايمانهم فعلى هذا مفعول له وصيغة المضارع بمعنى الماضي بقرينة نقموا اى لان أمنوا بِاللَّهِ يعنى ما كان منهم حسنا لذاته وكمالا وشرفا زعموه لفرط جهلهم وشقاوتهم عيبا منكرا موجبا للعذاب الْعَزِيزِ فى ملكه الغالب على كل شىء يخشى عذابه الْحَمِيدِ المحمود المنعم الذي يرجى ثوابه. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ط وما فيهن لا اله غيره تقرير لحصر الخوف والرجاء عليه سبحانه وصف الله سبحانه نفسه بهذه الأوصاف لدلالته على كون المؤمنين محقين فى ايمانهم مستحقين للثواب وكون الكفار مبطلين ظالمين فيما فعلوا مستحقين اللعن والعذاب وَاللَّهُ

[سورة البروج (85) : آية 10]

عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ يجازى كلا على حسب ما عمل من خير او شر والجملة تذئيل او حال من مفعول يومنوا وجملة ما نقموا معترضة او حال من شهود. إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا اى عذبوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الموصول شامل لاصحاب الأخدود وغيرهم سواء كانوا مؤمنين او كفارا والمؤمنون يعم المطروحين فى الأخدود وغيرهم ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا من تلك المعصية فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ فى الاخرة يعنى هم مستحقون العذاب بتعذيبهم وذلك لا ينافى المغفرة ان كانوا مؤمنين ويحتمل ان يكون المراد بالموصول الكفار فقط للملاحظة الحيثية فى المؤمنين يعنى الذين فتنوا المؤمنين لاجل ايمانهم وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ تأكيد لما سبق او المراد لهم عذاب الحريق فى الدنيا فان من الغالب انه من حفر بيرا لاخيه فقد وقع فيه وقد مر فى ما سبق انها خرجت النار الى من على شفر الأخدود من الكفار فاحترقتهم وان ذو نواس غرق فى البحر وجملة ان الذين فتنوا مستأنفة كانه قيل ما يفعل باصحاب الأخدود وأمثالهم. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ يصغر بالنسبة إليها الدنيا وما فيها. إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ اى اخذه بعنف لَشَدِيدٌ لا يمكن مدافعته هذه الجملة متصلة بجملة ان الذين فتنوا كانها تعليل لها وجملة ان الذين أمنوا معترضة بينهما لذكر جزاء المؤمنين رديف الجزاء الكفار كما هو عادة الله تعالى فى المثال. إِنَّهُ اى ربك هُوَ يُبْدِئُ الخلق وَيُعِيدُ لا اله غيره حتى يمكنه دفع بطشه او المعنى يبدء البطش بالكفار فى الدنيا ويعيده فى الاخرة. وَهُوَ الْغَفُورُ لذنوب المؤمنين الْوَدُودُ المحب لمن أطاعه والمحبوب إليهم. ذُو الْعَرْشِ قال العرش مالكه القاهر على كل شىء الْمَجِيدُ قرأ حمزة والكسائي بالجر صفة للعرش ومجده وعظمته وكونه مطرحا لتجليات رحمانية مختصة به والباقون بالرفع على انه خبر بعد حبر لهو ومجده تعالى كونه عظيما فى ذاته وصفاته واجبا وجوده تاما قدرته وحكمته. فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ لا يعجزه شىء ولا يمنع عليه ما أراد خبر بعد خبر لهو او خبر مبتداء محذوف اى هو فعال لما يريد وجملة انه هو يبدء ويعيد إلخ معترضة مادحة لله تعالى يوضح ما يفعل بالمؤمنين من المغفرة والمودة وبالكافرين من انواع التعذيب. هَلْ أَتاكَ استفهام للتقرير بمعنى قد اتيك حَدِيثُ الْجُنُودِ الكافرة الذين يجندوا على الأنبياء. فِرْعَوْنَ بدل من الجنود وبحذف المضاف اى جنود فرعون وَثَمُودَ أمثالها انهم

[سورة البروج (85) : آية 19]

اهلكوا بالغرق او الصيحة او نحو ذلك ثم ادخلوا نارا واصبر على تكذيب قومك وحذرهم بمثل ما أصاب من كان من قبلهم أمثالهم فى الكفر. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا من قومك اولى بنزول العذاب من الجنود الماضية والأمم الخالية فانهم سمعوا قصة السابقين وراوا اثار هلاكهم ومع ذلك هم فِي تَكْذِيبٍ عظيم للقران أشد من تكذيبهم مع انه معجز نظمه دون الكتب السابقة والتنكير للتعظيم وقيل بل هنا ليس للاضراب بل ابتدائية بمعنى لكن والجملة للاستدراك متصلة بجواب القسم وما بينهما معترضات وجه الاتصال انه لما اتضح جواب القسم بالقسم نشأ تصديق السامعين من الكفار فلدفع هذا الوهم استدرك وقال بل الذين كفروا اى لكن الذين كفروا فى تكذيب وقوله فى تكذيب ظرف اعتباري فان الصفة يعتبر محيطا بالموصوف بناء على المبالغة. وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ ط احاطة ذاتية بلا كيف مستكرما لقربه وقهرمانه فهو عالم بأحوالهم قادر على الانتقام منهم لا يمكن ان يفوتون والجملة معترضة للوعيد او حال من فاعل الظرف المستقر فى تكذيب. بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ كريم شريف عالى الطبقة فى الكتب وحيد معجز نظمه ومعناه والجملة معناه متصل بقوله بل الذين كفروا فى تكذيب يعنى ليس تكذيبهم على شايبة من الحق بل هو يعنى ما كذبوا به لا ينبغى ان يكذب به من له ادنى شعور فى النظم والمعنى. فِي لَوْحٍ اخرج الطبراني عن ابن عباس ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء وصفحاتها من ياقوت حمراء قلمه نور وكتابته نور الله فى كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة يخلق ويرزق ويميت ويحى ويعز ويذل ويفعل ما يشاء روى البغوي بسند عن ابن عباس قال ان فى صدر اللوح لا اله الا الله وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن أمن بالله عز وجل وصدق بوعده واتبع رسله ادخله الجنة قال واللوح لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق الى المغرب وحافتاه الدر والياقوت ودفتاه ياقوت حمراء وقلمه نور وكتابه نور وكل شىء فيه مسطور وقيل أعلاه معقود بالعرش وأصله فى حجر ملك قال مقاتل اللوح المحفوظ عن يمين العرش مَحْفُوظٍ قرأ الجمهور بالجر على انه صفة لوح فانه محفوظ من الشياطين ومن الزيادة والنقصان ولذلك سمى باللوح المحفوظ وهو أم الكتاب ومنه نسخ الكتاب وقرأ نافع بالرفع على انه صفة القران قال الله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون فلا يجوز اى لا يمكن فيه الإلحاق لحفظه تعالى وايضا لاعجاز نظمه ولا التحريف ولا الحذف وقالت الروافض الحق بالقرآن ما ليس منه وحذف منه بقدر عشرة اجزاء من أربعين جزء فبقيت ثلثون جزء مغيرة محرفة فعليهم قوله تعالى بل الذين كفروا فى تكذيب لما بين دفتى المصحف والله من ورائهم محيط بل هو قران مجيد فى لوح محفوظ- والله تعالى اعلمه.

سورة الطارق

سورة الطّارق مكيّة وهى سبع عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال الكلبي اتى ابو طالب النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتحفه بخبز ولبن فبينما هو جالس يأكل إذا نحط نجم فامتلأ ماء ثم نارا ففزع ابو طالب وقال اى شى هذا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا نجم رمى به وهو اية من آيات الله عز وجل فعجب ابو طالب فانزل الله تعالى وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ وهو فى الأصل لسانك الطريق واختص عرفا بالآتي ليلا ثم استعمل للبادى وفيه الإجمال هاهنا فسره فيما بعد. وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ فانه مجمل ويحتمل ان يكون الاستفهام لتعظيم امره فان فيه منافع كثيرة من طرد الشياطين وزينة السماء وتخويف العباد وغير ذلك وجملة ما الطارق فى محل المفعول الثاني لادريك ثم فسر المجمل فقال. النَّجْمُ اللام للجنس والمراد به جنس النجوم او جنس الشهب التي يرجم بها او للعهد والمراد به الثريا كذا قال ابن زيد والعرب تسميه النجم وقيل هو الزحل الثَّاقِبُ فمن قال المراد بالنجم الزحل قال انما سمى به لارتفاعه قال العرب للطاير إذ الحق ببطن السماء ارتفاعا قد ثقب وهذا لا يستقيم الأعلى قول الحكماء القائلين بكون الزحل فى السماء السابعة والظاهر ان المراد بالثاقب المعنى المتوهج كذا قال مجاهد كانه يثقب الظلام لضوئه فينفذ فيه. إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة لما بتشديد الميم بمعنى الا على لغة هذيل استثناء مفرغ فعلى هذا ان نافية والمعنى ماكل نفس كاينا على حال الأعلى حال ثبوت حافظ عليها والباقون بالتخفيف فعلى هذا ان مخففة من المثقلة واسمها ضمير الشان محذوف فاصلة وما مزيدة يعنى انه كل نفس من البشر ثابت او ثبت عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصى عليها ما يكتب من خير او شر قال ابن عباس هم الحفظة من الملائكة وقيل حافظ يحفظها من الآفات فاذا استوفى رزقها وأجلها ماتت والمراد بحافظ الجنس حتى يصدق على الواحد والكثير فلا منافاة بين هذه الاية وقوله تعالى وان عليكم لحافظين بصيغة الجمع او المراد لحافظ هاهنا هو الله سبحانه والحفظة ان يحفظون بامره فيضاف فعلهم اليه تعالى والجملة على القراءتين

[سورة الطارق (86) : آية 5]

جواب للقسم اخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة ان أبا اسد كان يقوم على الأديم فيقول يا معشر قريش من أذى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه فله كذا ويقول ان محمدا يزعم ان خزنة جهنم تسعة عشر فانا أكفيكموهم وحدي عشرة واكفوني تسعة فنزلت. فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ط الفاء للسببية فان وجود الحفظة سبب لوجوب المراقبة على اعماله حتى يستدل به على صحة إعادة فيستوجب الايمان بالله ورسوله والإتيان بما امر به من الأعمال والانتهاء عما نهى عنه ومن ابتدائية وما استفهامية والجار والمجرور متعلق بخلق نايب مناب فاعله والجملة فى محل النصب بالمفعولية من النظر اى فى جواب هذا السؤال الحاصل بالنظر فقال. خُلِقَ مِنْ ماءٍ اى منى والمراد به الممزوج من المائين ماء الرجل وماء المرأة دافِقٍ صفة لماء أسند الدفق الى الماء مجازا او كما فى عيشة الراضية اى مرضية فهو فاعل بمعنى المفعول اى مدفوق والدفق هو الصب بمرة فالاسناد على الحقيقة. يَخْرُجُ صفة اخرى لماء مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ صلب الرجل اى ظهره قال فى الصراح الصلب الشديد باعتبار الشدة سمى الظهر صلبا وَالتَّرائِبِ ط اى ترائب المرأة فى القاموس الترائب عظام الصدر او ما ولى الترقوتين او ما بين الثديين والترقوتين او لربع أضلاع من يمين الصدر واربع من يسرته او لليدان والرجلان والعينان او موضع القلادة فى البيضاوي ان النطفة تتولد من فضل الهضم الرابع وتنفصل عن جميع الأعضاء حتى تستعد بان يتولد منها مثل تلك الأعضاء ومقرها عروق ملتف بعضها عند البيضتين والدماغ أعظم الأعضاء معونة لى توليدها لذلك تشيع وتسرع الفراط فى الجماع بالضعيفة وله خليفة وهو النخاع وهو فى الصلب وشعب كثيرة نازلة الى الترائب وهما اقرب الى اوعية المنى فلذلك خصا بالذكر. إِنَّهُ الضمير راجع الى الخالق المفهوم من قوله خلق من ماء عَلى رَجْعِهِ اى إعادته بعد الموت كذا قال قتادة لَقادِرٌ ط لامكان الاعادة فمن خلق اولا فلا يجوز إنكاره بعد ما اخبر به مخبر صادق شهد المعجزة على صدقة والجملة مستأنفة. يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ متعلق برجعه او بمضمر دل عليه رجعه اى يبعث الإنسان يوم يظهر الخفايا من الأعمال والعقائد والنيات والضمائر يعنى يوم القيمة قال ابن عمر يبدئ الله يوم القيامة كل سر فيكون زينا فى وجوه. فَما لَهُ اى للانسان المنكر للبعث والفاء جزاء لشرط مقدر تقديره فاذا رجع فما له مِنْ قُوَّةٍ منعة فى نفسه يمتنع بها من العذاب وَلا ناصِرٍ ط يعينه ويدفع عنه العذاب. وَالسَّماءِ قسم اخر معطوف على القسم السابقة ذاتِ الرَّجْعِ اى المطر سمى لانه يرجع كل عام ويتكرر الكواكب فيها الى موضع

[سورة الطارق (86) : آية 12]

من السماء الذي يتحرك منها بعد يوم وليلة او بعد شهر او بعد سنة. وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ اى الشق بالنبات والعيون ونحو ذلك وجواب القسم. إِنَّهُ اى القران لَقَوْلٌ فَصْلٌ فاصل بين الحق والباطل. وَما هُوَ بِالْهَزْلِ باللعب والباطل بل هو جد كله فمن حقه يرتفع قاريه وسامعه من ان يلم بهزل او يتفكه بمزاح وان يخشع له القلب. إِنَّهُمْ اى اهل مكة يَكِيدُونَ النبي صلى الله عليه واله وسلم كَيْداً ويظهرون ما هم على خلافه او المعنى انهم يجيلون فى ابطال امر النبي صلى الله عليه واله وسلم واطفاء نور الحق حيلة. وَأَكِيدُ كَيْداً ج كيد الله استدراجه إياهم من حيث لا يعلمون او المعنى اجزيهم فى الاخرة جزاء كيدهم وجملة انهم يكيدون كيدا مستانفة كانه فى جواب سائل فما شان منكرى البعث. فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ ولا تشتغل بالانتقام منهم او لا تستعجل باهلاكهم بالدعاء عليهم وهذا منسوخ باية القتال على تقدير النهى عن الانتقام منهم أَمْهِلْهُمْ تأكيد لمهل والتأكيد مع تغير البناء لزيادة التسكين او التحسين فى اللفظ رُوَيْداً ع اى اروادا اى امهالا يسيرا او رويدا تصغير اى الارواد بحذف الزوائد ويسمى تصغير ترخيم مشتق من راودت الريح ترود رودا إذا تحركت حركة ضعيفة ولا يستعمل بها الا مصغرة قال ابن عباس هذا وعيد من الله عز وجل قد أخذهم الله يوم بدر- والله تعالى اعلم.

سورة الأعلى

سورة الأعلى مكيّة وهى تسع عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى اى نزه اسم ربك عن الحاد فيه وإطلاقه على غيره او المعنى نزه تسمية ربك بان تذكره وأنت له معظم ولذكره محترم وان لا تسمية باسم من قبل نفسك بل سمى به نفسه فى كتابه او على لسان نبيه وقيل أريد بالاسم الذات المسماة كما فى قوله تعالى ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها أنتم واباءكم اى مسميات وقيل لفظ الاسم مقحم والمعنى سبح ربك الأعلى قولا ونزهه عما يصفه الملحدون وهذا امر بالتسبيح قولا قال البغوي يعنى قل سبحان ربى الأعلى واليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين واحتج عليه البغوي بما رواه بسند عن ابن عباس ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربى الأعلى وقال قوم امر بالتنزيه مطلقا قولا واعتقادا او عملا ولا وجه للتخصيص بالقول والحديث المذكور لا يصلح حجة للتخصيص بالقول بل التسبيح باللسان بمواطاة القلب أحد محتملاته وقول من غير مواطأ القلب لا يعتاد به قال البغوي قال ابن عباس سبح اى صل بامر ربك الأعلى فهو امر بالصلوة ويحتمل ان يكون امرا بالتسبيح باللسان فى الصلاة يدل عليه ما ذكرنا فى سورة الحاقة من حديث عقبة بن عامر اجعلوها فى سجودكم وحديث حذيفة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول فى سجوده سبحان ربى الأعلى وحديث ابن مسعود وقد ذكرنا (مسئلة:) تسبيحات الركوع والسجود هناك فلا نعيدها وتوصيفه بالأعلى اشارة الى موجب التسبيح فان علو شانه عن ادراك العقول وكما قال قهرمانه واقتداره بمنع عن تسميته بشئ الا بما وصف به نفسه ويوجب تنزيهه عما وصف به الملحدون سبحانه ما أعظم شانه. الَّذِي خَلَقَ حذف المفعول للدلالة على العموم اى خلق كل شىء من الجواهر والاعراض وافعال العباد- فَسَوَّى اى جعل كل شىء متناسب الاجزاء غير متفاوت او المعنى سوى ما شاء تسويه بحيث لا يتطرق اليه تصور مما خلق لاجله من منفعة ومصلحة او المعنى سوى مجموع الخلق على ما يقتضيه النظام الجملي ومن ثم قالوا ليس فى الإمكان أبدع مما قد كان يعنى بحسب النظام. وَالَّذِي

[سورة الأعلى (87) : آية 4]

قَدَّرَ قرأ الكسائي بتخفيف الدال يعنى هو قادر على كل ممكن والباقون بالتشديد وقال البغوي هما بمعنى واحد اى قدر أجناس الأشياء وأنواعها واشخاصها ومقاديرها وصفاتها وافعالها وأرزاقها واجالها على ما يشاء عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال وكان عرشه على الماء رواه مسلم وعن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل شىء بقدر حتى العجز والكيس رواه مسلم فَهَدى الى ما خلق لاجله من خير او شر قال مجاهد هدى الإنسان سبيل الخير والشر والسعادة وهدى الحيوان لمراتعها وقال مقاتل والكلبي عرف الذكر كيف يأتي ذكر الأنثى وقيل خلق المنافع فى الأشياء وهدى الإنسان بوجه استخراجها منها وقال السدى قدر مدة الجنين فى الرحم ثم هدى للخروج من الرحم او المعنى فهدى من شاء هدايته وأضل من شاء ضلالته والتقدير فهدى وأضل لكن حذف وأضل اكتفاء لقوله يضل من يشاء ويهدى من يشاء. وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى اى أنبت ما ترغاه الدواب. فَجَعَلَهُ بعد خضرته غُثاءً يابسا منفتتا أَحْوى ط اسود صفة لغثاء وقيل حال من مرعى اى أخرجه احوى من شدة حضرته كان النبي إذا نزل عليه جبرئيل يفرغ من اخر الاية حتى يتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باولها مخافة ان ينساها فانزل الله. سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى وفى اسناده جويبر ضعيف جدا وكذا قال مجاهد والكلبي وقال فلم ينس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شيئا يعنى سنجعلك قاريا بالهام القراءة كما أنزلنا عليك بلسان جبرئيل وقيل لا تنس والالف مزيد الفاصلة عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعاهدوا القران فو الذي نفسى بيده وهو أشد تفصيا من الإبل فى عقلها متفق عليه وفى الصحيحين عن ابن مسعود نحوه وعن ابن عمران رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال انما مثل صاحب القران كمثل صاحب الإبل المعقلة ان عاهدها أمسكها وان أطلقها ذهبت متفق عليه وعن سعد بن مسعد قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من امرئ يقرأ القران ثم ينساه الا لقى الله يوم القيامة أجذم رواه ابو داود والدارمي. إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ط ان ينساه والاستثناء مفرغ فى محل النصب والمراد على تاويل الجمهور كما هو الظاهر ما نسخ الله تلاوته وحكمه معا كما قال ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها والانساء نوع من النسخ وعلى هذا التأويل فى الاية المعجزة بوجهين فان عدم النسيان مطلقا مع ان النسيان مجبول فى الإنسان معجزة وفى الاخبار فيما يستقبل وقوعه كذلك معجزة اخرى واما على ما قيل ان لا ينسى تهى فمعنى الاستثناء ان معاهدة القرآن بقدر الطاقة البشرية واجب

[سورة الأعلى (87) : آية 8]

فان شاء الله نسيانه مع معاهدته فهو معذور له إِنَّهُ اى الله يَعْلَمُ الْجَهْرَ من القول والفعل وَما يَخْفى ط منهما اى يعلم السر والعلانية ويعلم جهرك بالقراءة مع جبرئيل وما دعاك اليه من مخافة النسيان. وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى اى لوفقك ونهون عليك عمل الجنة ومنه القراءة على حسب ما انزل عليك وحفظه والعمل بمضمونه وفى الكلام قلب تقديره نيسر اليسرى لك وفيه مبالغة فان اليسرى كان مطلوبا للنبى - صلى الله عليه وسلم - فجعل طالبا له - صلى الله عليه وسلم - قلت وهذا هو شان المحبوبية الصرفة قال ابن عباس اليسرى عمل الخير وقيل معناه نوفقك للشريعة السمحة الحنيفية والجملة معطوفة على سنقرءك وجملة انه يعلم الجهر وما يخفى معترضة مادحة فذكر الفاء للسببية يعنى لما يسرنا لك القران والشريعة السمحة. فَذَكِّرْ به إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ط شرط مستغن عن الجزاء بما سبق قيل انما جاءت الشرطية بعد تكرير التذكير وحصول الياس عن البعض لئلا يتعب نفسه ويتلهف عليهم كقوله وما أنت عليهم بجبار وقيل ظاهره شرط ومعناه استبعاد لتأثير الذكرى فيهم وذم لهم وقيل التذكير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر انما يجب إذا ظن نفعه ولذلك امر بالاعراض عمن تولى وقيل شرط الجملة محذوف والمراد انه ذكر ان نفعت الذكرى او لم ينفع كما فى قوله سرابيل تقيكم الحر وأراد الحر والبرد جميعا ثم بعد ذلك من ينفعه فقال. سَيَذَّكَّرُ اى يتعظ وينفع بها مَنْ يَخْشى الله تعالى فانه يتامل فيها ويعمل بمضمونها مخافة عذاب الله تعالى. يَتَجَنَّبُهَا اى الذكرَْشْقَى اى الكافر فانه أشقى من الفاسق او الأشقى من الكفرة لتوغله فى الكفر واللام حينئذ للعهد قيل هو الوليد بن المغيرة او عتبة بن ربيعة. الَّذِي يَصْلَى اى يدخل النَّارَ الْكُبْرى ج اى نار جهنم او ما فى الدرك الأسفل منها انه. ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها فتستريح من العذاب وَلا يَحْيى ط حيوة طيبة عطف على يصلى بثم لان التأبيد فى العذاب أفزع من التصلى فهو متراخ عنه فى مراتب الشدة وفى فى الوجود ايضا. قَدْ أَفْلَحَ اى فاز مَنْ تَزَكَّى اى تطهر باطنه عن الشرك وظاهره عن النجاسة للصلوة وما له عن الخبث بالزكاة وقلبه من الاشتغال بذكر الله سبحانه ونفسه عن الرذائل وجوارحه عن خبث المعاصي من الزكوة كتصدق من الصدقة وجملة قد أفلح مستانفة كانه فى جواب من نجا منها. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ط اخرج البزار عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قد أفلح من تزكى قال من شهد ان لا اله الا الله وخلع الانداد وشهد انى

رسول الله وذكر اسم ربه فصلى قال هى الصلاة الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها قالت الحنفية كبر لافتتاح الصلاة فصلى ومن ثم قالوا ان تكبيرة الافتتاح ليست ركنا من الصلاة بل هو شرط عملا بمقتضى الفاء العاطفة الدالة على المغايرة والتعقيب لا يقال عطف العام على الخاص جايز اجماعا مع كون العام مشتملا على الخاص فكذا عطف الكل على الجزء لانا نقول جواز عطف العام على الخاص لنكتة بلاغية وهى منعدمة فى عطف الكل على الجزء ولا نظير له فى الاستعمال فعلى هذا جوز وأبناء النافلة على الفريضة وعلى النافلة وروى عن ابى اليسر جواز بناء الفريضة على النافلة ايضا وجمهور الحنفية على منعه وكذا على منع بناء الفرض على الفرض قلت وكونه شرطا لا يقتضى جواز البناء الا ترى ان النية شرط ولا يجوز الصلاتان بنية واحدة والوضوء شرط وكان فى صدر الإسلام واجبا لكل صلوة غير ان بناء النفل على الفرض يجوز تبعا كمن صلى الظهر خمسا ناصيا وقعد للاخيرة ضم إليها السادسة وسجد للسهو والركعتان نافلة وقال الشافعي وغيره تكبيرة الإحرام ركن لانه يشترط له كسائر الأركان وهذا اية الركنية قالت الحنفية مراعاة الشرائط لما يتصل بها من القيام لا لنفسها ولذا قالوا لو تحرم حامل النجاسة او مكشوف العورة او قبل ظهور الزوال او متحرفا عن القبلة والقاها واستتر لعمل يسير وظهر الزوال واستقبل مع اخر الجزء من التحريمة جاز وذكر فى الكافي انها عند بعض أصحابنا ركن انتهى وهو ظاهر كلام الطحاوي فيجب على قول هؤلاء ان لا يصح هذا الفروع والله تعالى اعلم قلت ويحتمل ان يكون المراد بذكر اسم ربه الاذان والاقامة يعنى اذن واقام فصلى وحينئذ لا دليل على نفى ركنية تكبيرة الافتتاح وقيل تزكى اى تصدق للفطر وذكر اسم اى كبر يوم العيد فصلى صلوته كذا قال عطاء وقال ابن مسعود رحم الله امرأ تصدق ثم صلى ثم قرأ هذه الاية وقال نافع كان ابن عمر إذا صلى الغداة يعنى يوم العيد قال يا نافع أخرجت الصدقة فان قلت نعم مضى الى المصلى وان قلت لا قال فالان فاخرج فانما نزلت هذه الاية فى هذا قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وهو قول ابو العالية وابن سيرين وقال بعضهم لا أدرى ما وجه هذا التأويل فان هذه السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكوة ولا فطر قال البغوي يجوز ان يكون النزول سابقا عن الحكم قال الله تعالى وأنت حل بهذا البلد فان السورة مكية وظهر اثر الحل يوم الفتح وكذا نزل بمكة سيهزم الجمع ويولون الدبر قال عمر بن الخطاب لا أدرى اى جمع يهزم فلما كان يوم بدر رايت النبي - صلى الله عليه وسلم - يثب فى الدرع ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر قلت سيهزم الجمع

[سورة الأعلى (87) : آية 16]

صيغة الاستقبال فلا محذور فى نزوله سابقا واما هنا فقوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى صيغة لا يتصور الحكاية عن شىء من قبل وجوده وقيل المراد بالصلوة هاهنا الدعاء فان من سنة الدعا الثناء على الله اولا وآخرا عن فضالة قال بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد إذ دخل رجل وصلى فقال اللهم اغفر لى وارحمني قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عجلت ايها المصلى إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو اهله وصل على ثم ادعه قال ثم صلى رجل اخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ايها المصلى ادع تجب رواه الترمذي وروى ابو داود والنسائي نحوه عن عبد الله بن مسعود قال كنت أصلي والنبي - صلى الله عليه وسلم - وابو بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم دعوت لنفسى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - سل تعط سل تعط رواه الترمذي قال الشيخ الاجل يعقوب الكرخي رض ان فى الاية اشارة الى منازل السلوك الاول التوبة والتزكية بقوله قد أفلح من تزكى والثاني المداومة بالذكر اللساني والقلبي والروحي والسرى بقوله وذكر اسم ربه والثالث بالمشاهدات بقوله فصلى فان الصلاة معراج المؤمنين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعلت قرة عينى فى الصلاة رواه احمد والنسائي والحاكم والبيهقي قلت وايضا فى عطف الذكر على التزكى بالواو وعطف الصلاة عليه بالفاء اشارة الى ما ذكر المجدد رض من الترتيب فى اذكار الطريقة حيث عين للمبتدى الذكر باسم الذات او النفي والإثبات فى أثناء تزكية النفس وقال ان الصلاة لا تقيد فائدة تامة الا بعد تزكية النفس وفى التجليات الذاتية والترقي هناك بالصلوة والله تعالى اعلم. بَلْ تُؤْثِرُونَ قرأ ابو عمرو بالياء على الغيبة والضمير عائد الى الأشقياء والباقون بالتاء على الخطاب لهم على سبيل الالتفات او على إضمار قل جملة بل توثرون على محذوف اى وهم يعنى الأشقياء لا يزكون وأنتم ايها الأشقياء لا تزكون ولا تذكرون اسم ربكم ولا يصلون بل توترون الْحَياةَ الدُّنْيا على الحيوة الاخرى. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ فان نعمها فلذات بالذات خال عن الغوائل وأجل نعمها الروبة والوصال ورضوان الله ذى الجلال وَأَبْقى اى الانقطاع لها بخلاف الدنيا وهذه الجملة حال من فاعل توثرون. إِنَّ هذا يعنى ما ذكر من قوله تعالى قد أفلح من تزكى الى اخر اربع آيات لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى اى الكتب السماوية على الأنبياء والماضين فانه جامع امور الديانة وخلاصة الكتب كلها. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى ع بدل بعض تخصيص بعد التعميم امال حمزة والكسائي اواخر السورة وورش بين بين.

وامال ابو عمرو الذكرى واليسرى وما عداها بين بين والباقون بالفتح اخرج البزار عن ابن عباس قال لما نزلت ان هذا لفى الصحف الاولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كان هذا وكل هذا فى صحف ابراهيم وموسى وقيل هذا فى ان هذا اشارة الى ما فى السورة كلها واستدل بعض الحنفية بهذه الاية على جواز قراءة القران فى الصلاة بالفارسية لان الله سبحانه امر بقراءة ما تيسر من القران ثم قال ان هذا لفى الصحف الاولى وقال انه لفى زبر الأولين ولم يكن فى الصحف الاولى بهذا النظم بل بالمعنى قلت هذا ليس بشى فان القرآن اسم للنظم والمعنى جميعا لقوله تعالى قرانا عربيا غير ذى عوج وقوله تعالى فاتوا بسورة من مثله يغنى فى النظم فانه هو المعجز فى كل سورة غالبا ولذا جاز مس المحدث والجنب وقراءة الجنب والحائض ترجمة القران بالفارسية والاشارة الى المعنى فى هذه الاية وكذا إرجاع الضمير الى القران من حيث المعنى مجاز الا يستلزم كون القران اسما للمعنى فقط والله تعالى اعلم عن على قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب هذه السورة سبح اسم ربك الأعلى رواه احمد وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين يوتر بعدهما سبح اسم ربك الأعلى وقل يايها الكافرون وفى الوتر بقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة وفى حديث ابى بن كعب عند ابى داود والترمذي وحديث ابن عباس عند ابى داود والنسائي واحمد وابن ماجة وقال وإذا صلى الوتر ثلثا يقرأ فى الاولى سبح اسم ربك الأعلى وفى الثانية قل يايها الكافرون وفى الثالث قل هو الله أحد وعن النعمان بن بشير قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ فى العيدين والجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل اتيك حديث الغاشية رواه مسلم وروى ابو داود والنسائي وابن حبان من حديث سمرة انه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ فى صلوة الجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل اتيك حديث الغاشية- (فائده) فى هذه السورة تأثير عظيم فى العروج كما ان فى سورة الم نشرح تأثير قوى فى النزول كذا قال المجدد رض- والله تعالى اعلم.

سورة الغاشية

سورة الغاشية مكيّة وهى ست وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتاكَ استفهام تقرير اى قد اتيك حَدِيثُ الْغاشِيَةِ اى الساعة التي تغشى كل شىء بالشدائد والأهوال وقيل المراد بالغاشية النار قال الله تعالى وتغشى وجوههم النار لكن تعقيبها بذكر الكفار والمؤمنين بقوله وجوه يومئذ يدل على صحة التأويل الاول. وُجُوهٌ تنوينه للتكثير او عوض عن المضاف اليه اى وجوه كثيرة او وجوه الكفار فصح جعلها مبتداء لانه مخصصة او فى قوة المعرفة والمراد بها اصحاب وجوه حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وأعرب باعرابه واجرى عليه من الاخبار ما كانت جارية على المضاف يَوْمَئِذٍ متعلق بغاشية اى يوم إذا كانت الغاشية وجوه خاشِعَةٌ ذليلة من الحزن والهوان. عامِلَةٌ ناصِبَةٌ يعنى فى النار والنصب التعب قال الحسن لم تعمل لله فى الدنيا فاعملها وأنصبها فى النار بمعالجة السلاسل والاغلال وبه قال قتادة وهو رواية العوفى عن ابن عباس قال ابن مسعود يخوض فى النار كما يخوض الإبل فى الوحل وقال الكلبي يجرون على وجوههم فى النار وقال الضحاك يرتقى جبلا من حديد فى النار وقيل معناه الذين عملوا ونصبوا فى الدنيا على غير دين حق من عبده الأوثان وكفار اهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم لا يقبل الله منهم اجتهادا فى ضلالته يدخلون النار يوم القيمة وهو قول سعيد بن جبير وزيد بن اسلم رواه عطاء عن ابن عباس وقال عكرمة والسدى عاملة فى الدنيا بالمعاصي ناصبة فى الاخرة فى النار. تَصْلى قرأ ابو عمرو ابو بكر تصلى بضم التاء والباقون بفتح التاء ناراً حامِيَةً قال ابن عباس قد حميت فهى تتلظى على اعداء الله. تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ط اخرج ابن ابى حاتم عن السدى انه قال يعنى ما انتهى حرها فلا يكون فوقه حروا خرج البيهقي عن الحسن انه قال كانت العرب يقول للشئ إذا انتهى حره حتى لا يكون شيئا أحر منه قد انى حره فقال الله سبحانه من عين آنية يقال قد أوقدت عليها فى جهنم منذ خلقت يانى حرها قال المفسرون

[سورة الغاشية (88) : آية 6]

وردوا الى جهنم ورودا عطاشا فسقوا من عين آنية لو وقعت منها قطرة على الجبال الدنيا لذابت. لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ اخرج عبد الله بن احمد من طريق نهشل عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الضريع شىء يكون فى النار شبه الشوك امر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار إذا اطعم صاحبه لا يدخل البطن ولا يرتفع الى الفم فسقى بين ذلك لا يسمن ولا يغنى من جوع واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال هو الزقوم واخرج الترمذي والبيهقي عن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى على اهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب وقد مر فيما قبل وقال مجاهد وعكرمة وقتادة نبت ذو شوكة لا لحى بالأرض تسميه قريش الشبرق فاذا هاج العود تسميه الضريع هو أخبث طعام قال الكلبي لا يقربه دابة إذا يبس وقال ابن ابى زيدا ما فى الدنيا فان الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق وهو فى الاخرة شوك من نار قال المفسرون لما نزلت هذه الاية قال المشركون ان إبلنا يسمن من الضريع وكذا فى ذلك فان الإبل انما يرعاه ما دام رطبا وسيما شدقا فاذا يبس لا يأكله شىء فانزل الله تعالى. لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ صفة ضريع والمقصود من الطعام أحد الامرين والمراد ايضا فى ليس لهم طعام الا من ضريع او شبه لا يسمن او يغنى من جوع كما فى قوله تعالى وما محمد الا رسول يعنى ليس كاهنا او شاعرا ونحو ذلك مما ينافى الرسالة والمراد هاهنا بعض من الكفار لا يكون طعامهم الا من ضريع ويكون الضريع والزقوم طعام غيرهم من الكفار. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ كثيرة او وجوه المؤمنين يعنى أصحابها مبتداء وما بعد اخبار ناعِمَةٌ منتعمة ذات بهجة. لِسَعْيِها فى الدنيا فى طاعة الله متعلق بقوله راضِيَةٌ فى الاخرة لما رأت ثوابها. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ المحل والقدر. لا تَسْمَعُ قرأ ابن كثير وابو عمرو بالياء المضمومة على البناء للمفعول الواحد المذكر فِيها لاغِيَةً ط بالرفع على انه مسند اليه والتأنيث غير حقيقى وقرأ نافع ذلك الا انه قرأ لا تسمع بالتاء التأنيث المسند اليه والباقون بالتاء المفتوحة على البناء للفاعل والضمير للمؤنث راجع الى وجوه او للخطاب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمخاطب غير معين وقرأ لاغية بالنصب على المفعولية يعنى لا تسمع لغوا او باطلا او كلمة ذات لغو المراد نفسا تلغوا فان كلام اهل الجنة للذكر والحكمة اخرج البيهقي فى هذه الاية قال لا تسمع صفة لجنة بعد صفة وكذا الجملة بعدها. فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ

[سورة الغاشية (88) : آية 13]

لا يقطع جريانها والتنكير للتعظيم اخرج ابن حبان والحاكم والبيهقي والطبراني عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انهار الجنة تفجر من جبل مسك. فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ رفيعة السمك والقدر اخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى سرر مصفوفة واخرج احمد والترمذي وحسنه وابن ماجة عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى قوله تعالى وفرش مرفوعة قال ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض ولفظ الترمذي ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة قال الترمذي قال بعض اهل العلم فى تفسيره معناه ان الفرش فى الدرجات كما بين السماء والأرض اخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة فى قوله تعالى وفرش مرفوعة قال لو ان أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا واخرج الطبراني عنه مرفوعا لو طرح منها فراش من أعلاها لهوى الى قرارها مائة خريف قال البغوي قال ابن عباس الواح السرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة ما لم يجئ أهلها فاذا أراد ان يجلس عليها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم يرتفع الى مواضعها. وَأَكْوابٌ جمع كوب اخرج هناد عن مجاهد قال التي ليست لها اذن يعنى لا عروة له مَوْضُوعَةٌ على حافة العيون معدة للشرب. وَنَمارِقُ جمع نمرقة بالفتح والضم مَصْفُوفَةٌ بعضها الى جنب بعضها أينما أراد ان يجلس جلس واستند. وَزَرابِيُّ بسط عريضه فاخرة جمع زربية مَبْثُوثَةٌ ط مبسوطة او متفرقة فى المجالس اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن قتادة قال لما نعت الله ما فى الجنة عجب من ذلك اهل الضلالة فكذبوه فأنزل الله تعالى. أَفَلا يَنْظُرُونَ قال صاحب المدارك لما انزل الله فيها سرر مرفوعة إلخ وفسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بان ارتفاع السرائر كذا والأكواب الموضوعة لا تدخل فى حساب الخلق لكثرتها وطول النمارق كذا وعرض الزرابي كذا أنكر الكفار وقالوا كيف يصعد على تلك السرر وكيف يكثر الأكواب هذه الكثرة وطول النمارق هذا الطول وبسط الزرابي هذا الانبساط ولم تشاهد ذلك فى الدنيا قال الله تعالى أفلا ينظرون نظر اعتبار الاستفهام للتوبيخ والفاء للعطف والمعطوف عليه محذوف تقديره أتعجبون ويغفلون أفلا ينظرون. إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وقفه طويلة ثم يبرك لركوب ثم تقوم فكذا سرر يطأطأ للمومنين كما يطأطأ الإبل. وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ رفعا بعيدا ونجومها تكثر هذه الكثيرة فلا يدخل فى حساب الخلق فكذا الأكواب. وَإِلَى الْجِبالِ

[سورة الغاشية (88) : آية 20]

كَيْفَ نُصِبَتْ وقفه راسخة لا تميل مع طولها فكذا النمارق. وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ سطحا مستويا بساطا واحدا فكذا الزرابي ويجوز ان يكون المعنى أفلا ينظرون الى أنواع المخلوقات من البسائط والمركبات الشاهد على كمال قدرة الخالق فيستدلوا به على اقتداره على البعث فيسمعوا الى اخبار مخبر الصادق الصدوق بشهادة المعجزات وليؤمنوا به ويستعدوا للغاية وتخصيص الإبل من المركبات والثلاثة من البسائط لان الخطاب للعرب والمراد انما يستدل به بما يكثر مشاهدته والعرب تكون فى البوادي ونظرهم فيها الى السماء والأرض والجبال والإبل وكان الإبل أعز أموالهم وهم لها اكثر استعمالا منهم لسائر الحيوانات وهى تجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان من النسل والدر والحمل والركب والأكل بخلاف غيرها فقال أفلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت خلقا والأعلى كمال قدرته وحسن تدبيره حيث جعلها مع عظمها باركة للحمل ناهضة بالحمل منقادة لمن اقتادها طويلة الأعناق ليناول الأوراق من الأشجار ولترعى كل نابت ويحتمل العطش الى عشرة فصاعدا ليتاتى بها قطع البوادي وقيل المراد بالإبل السحاب قال فى القاموس الإبل بكسرتين ويسكن بالمعروف السحاب الذي يحمل ماء المطر والله تعالى اعلم عن ابن عباس قال هل يقدر أحد ان يخلق مثل الإبل وليرفع مثل السماء وينصب مثل الجبال ويسطح مثل الأرض غبرى. فَذَكِّرْ لهم بالادلة ليتفكروا فيها ولتهتم إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ تعليل التذكير اى ليس عليك ان لم ينظروا ولم يذكروا انما أنت عليك البلاغ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ تأكيد لمضمون انما أنت مذكر قرأ هشام بمسيطر بالسين وحمزة بخلاف عنه فلاوين الصادة والباقون بالصاد خالصة اى لست بمسلط عليهم قايم وحافظ عليهم كما فى قوله تعالى لست عليهم بجبار. إِلَّا مَنْ تَوَلَّى عن الايمان وكفر بالله استثناء منقطع بمعنى لكن والخبر محذوف يعنى لكن من تولى منهم وَكَفَرَ فالله مسلط قاهر عليه. فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ ط بالنار فى الاخرة وقيل استثناء متصل كانه أوعد بالجهاد فى الدنيا وعذاب النار فى الاخرة وقيل استثناء متصل من الضمير المنصوب المحذوف فى قوله تعالى فذكر يعنى فذكرهم الا من تولى منهم وكفر واخر طلبه بحيث انقطع طمعك فى إيمانه وما بينهما اعراض. إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ رجوعهم وتقديم الظرف لتشديد الوعيد يعنى ليس إيابهم الا الى جبار قهار مقتدر على الانتقام. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ع فتحاسبهم ويجازيهم على حسب غلوهم فى الكفر وعلى فى الأصل للوجوب واستعير هاهنا لتأكيد الوعيد إذ لا يجب على الله شىء فان الوجوب ينافى الالوهية- والله تعالى اعلم.

سورة الفجر

سورة الفجر مكيّة وهى ثلثون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ اقسم الله تعالى بالفجر اى انفجار صبح كل يوم كذا روى ابو صالح عن ابن عباس وهو قول عكرمة وقال عطية هو صلوة الفجر وقال قتادة هو أول فجر المحرم ينفجر منه السنة وقال الضحاك فجر أول يوم من ذى الحجة لانه قرن به الليالى العشرة. وَلَيالٍ عَشْرٍ تنكير للتعظيم روى عن ابن عباس انها العشر الاول من ذى الحجة وهو قول قتادة ومجاهد والضحاك والسدى والكلبي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ايام أحب الى الله ان يتعبد فيها من عشر ذى الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر رواه الترمذي وابن ماجة بسند ضعيف وقال ابو روق عن الضحاك هى العشر الاول من شهر رمضان وروى ابو ظبيان هى العشر الاخر من شهر رمضان وقد ذكرنا فضايل رمضان فى سورة البقرة وايضا فى العشر الأخير ليلة القدر وسنذكرها فى سورة ليلة القدر إنشاء الله تعالى وقال ايمان بن رباب هى العشر الاول من المحرم التي عاشرها يوم عاشوراء عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلوة الليل رواه مسلم. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ قرأ حمزة والكسائي بكسر الواو والباقون بالفتح قيل الشفع الخلق قال الله تعالى وخلقناكم أزواجا والوتر الخالق الواحد روى ذلك عن ابى سعيد الخدري وهو قول عطية والعوفى وقال مجاهد ومسروق نحوه فقال الخلق كله شفع يعنى يقابل بعضها بعضا قال الله تعالى ومن كل شىء خلقنا زوجين الكفر والايمان والهدى والضلال والسعادة والشقاوة والليل والنهار والسماء والأرض والبر والبحر والشمس والقمر والجن والانس والذكر والأنثى والوتر هو الله أحد سئل أبو بكر عن الشفع والوتر قال الشفع تضاد أوصاف المخلوقين الحيوة والموت والعز والذل والعجز والقدرة والقوة والضعف والعلم والجهل والبصر والعمى والسمع وإليكم والكلام والسكوت والغنى والفقر والوتر انفراد صفات الله تعالى حيوة بلا موت وعز بلا ذل وقدرة بلا عجز

[سورة الفجر (89) : آية 4]

وقوة بلا ضعف وعلم بلا جهل وكلام بلا سكوت وغنا بلا فقر وقال الحسن وابن زيد الشفع والوتر الخلق كله شفع ومنه وتر وروى قتادة عن الحسن قال هو العدد منه شفع ومنه وتر قال هى الصلاة منها شفع ومنها وتر روى ملك عن ابن حصين مرفوعا رواه احمد والترمذي وعن عبد الله بن زبير الشفع النفر الاول من الحج والوتر النفر الثاني قال الله تعالى فمن تعجل فى يومين فلا اثم عليه وقال مقاتل بن حيان الشفع الأيام والليالى والوتر يوم القيمة لا ليلة لها وقال الحسن الشفع درجات الجنة الثمان والوتر درجات النار لانها سبع كانه اقسم بالجنة والنار. وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ إذا سار وذهب كما قال والليل إذا أدبر وقال قتادة إذا جاء واقبل وانما قيد بذلك لما فى التعاقب من قوة الدالة على كمال القدرة ووفور النعمة المراد يسرى فيه من قولهم صلى المقام بمعنى صلى فيه وأراد بالليل كل ليلة وقال مجاهد وعكرمة هى ليلة مزدلفة قرأ ابن كثير يسرى بإثبات الياء وصلا ووقفا لانها لام الفعل فلا يحذف منه وقرأ نافع وابو عمرو بالياء وصلا وبالحذف وقفا والباقون بالحذف فى الحالين لوفاق روس الاى سئل الأخفش عن العلة فى سقوط الياء فقال الليل ما يسرى ولكن يسرى فيه فهو مصروف فلما صرف بحسبه صفة من الاعراب كقوله وما كانت أمك بغيا ولم يقل بغية لانه صرف عنه باغية. هَلْ فِي ذلِكَ اى فيما ذكرت قَسَمٌ التنكير للتعظيم مقنع ويكتفى فى القسم والاستفهام للتقرير والجملة الاستفهامية معترضة لتفخيم شأن المقسم به فانه من عجائب قدرة الله تعالى وبدايع حكمته لِذِي حِجْرٍ ص اى لذى عقل سمى العقل بذلك لانه يحجر صاحبه عن القبائح وجواب القسم ان ربك لبالمرصاد وما بينهما اعتراض جيئ لتاكيد الجواب او الجواب محذوف وهو لا هلكن هؤلاء الكفار ان لم يومنوا كما أهلكنا عاد او ثمود يدل عليه ما بعده. أَلَمْ تَرَ استفهام لانكار النفي فهو للتقرير للاثبات وللتعجب والروية هنا لمعنى اليقين والجملة الاستفهامية بعده فى محل النصب بالمفعولية كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ كانوا أطول أعمارا وأشد قوى من هؤلاء الكفار يعنى اهلكهم وسلط عليهم ريحا دمرهم فكيف هؤلاء. إِرَمَ بدل او عطف بيان ومنع الصرف للعلمية والعجمية والتأنيث وانها اسم قبيلة من عاد كان فيهم الملك وكانوا يموت وكان فى الأصل اسما لابى قبيلة وهو ارم بن عاد بن سام بن نوح عليه السلام وقال محمد بن اسحق هو جدعاء وهو عاد بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام وعلى هذا التقرير عاد سبط ارم وقال الكلبي ارم هو الذي يجتمع اليه نسب عاد

[سورة الفجر (89) : الآيات 8 إلى 9]

وثمود واهل السواد واهل الجزيرة كان يقال عاد ارم وثمود ارم فاهلك الله عادا ثم ثمود وبقي اهل السواد والجزيرة فعلى هذا الأقوال ارم اسم امة قال مجاهد ثم وصف تلك الامه بقوله ذاتِ الْعِمادِ ص اى ذات العدد والطوال كذا قال ابن عباس يعنى كان طولهم مثل عماد قال مقاتل كان طولهم اثنى عشر ذراعا يعنى من ذراع النبي عليه السلام وقيل اكثر من ذلك وقيل سمى تلك الامة بذلك لانهم كانوا اهل اعمدة وخيام وماشية سيارة فى الربيع فاذا أباح العود رجعوا الى منازلهم وكان اهل جنان وزروع ومنازلهم بوادي القرى وقيل سموا ذات عماد لبناء بعضهم فشدا عمدة ورفع بنائه يقال بناء شداد بن عاد على صفة لم يخلق فى الدنيا مثله وسار اليه فى قومه فلما كان منه على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى من معه صيحة من السماء فاهلكتهم جميعا وقال سعيد بن المسيب ارم ذات العماد بلدة يقال لها دمشق وقال القرطبي هى الاسكندرية فتقدير الكلام عاد اهل ارم ذات العماد اى ذات البناء الرفيع وأساطين. الَّتِي صفة اخرى لارم سواء كانت بلدة او قبيلة لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها اى مثل ذلك الامة فى القامة والقوة او مثل تلك البلدة فى رفعة البناء والاستحكام والحسن إليها فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ عطف على عاد الَّذِينَ جابُوا اى قطعوا الصَّخْرَ واحدتها صخرة وهى الحجر كانوا ينحتون بيوتا بِالْوادِ ص اى بواد القرى اثبت ياء الوادي فى الحالين البذي وكذا روى عن قنبل وفى الوصل فقط ورش وقنبل وحذف الباقون فى الحالين لموافقة روس الاى. وَفِرْعَوْنَ عطف على ثمود ذِي الْأَوْتادِ ص قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرطبي اى ذى البناء المحكم وقيل المراد باوتاد الملك الشديد الثابت يقول العرب هم فى العز ثابت الأوتاد ويريدون الدائم الشديد وقال عطية ذى الجنود والجوع الكثيرة وسميت الجنود الأوتاد لكثرة المضار التي كانوا يضربونها ويرتدونها فى أسفارهم وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال مقاتل والكلبي الأوتاد جمع الوتد وكانت له أوتاد يعذب الناس عليها فكان إذا غضب على أحد مده مستلقيا بين اربعة أوتاد وشد كل يدو كل رجل الى سارية وتركه كذلك فى الهواء بين السماء والأرض حتى يموت وقال مجاهد ومقاتل بن حيان كان يمد الرجل مستلقيا على الأرض ثم يمديديه ورجليه على الأرض بالأوتاد وقال السدى كان يمد الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقارب والحيات وقال قتادة وعطاء كانت له أوتاد

وأرسان وملاعب يلعب عليها بين يدى روى البغوي بسنده عن ابن عباس ان فرعون سمى بذي الأوتاد لانه كانت له امرأة وهى امرأة خازنه حزقيل وكان مؤمنا وكتم إيمانه مائة سنة وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون فبينما هى ذات يوم يمشط رأس بنت فرعون إذ سقط للشطه من يدها فقالت تعس من كفر بالله فقالت بنت فرعون وهل لك من اله غير ابى فقالت الهى واله أبيك واله السموات والأرض واحد لا شريك له فقامت ودخلت على أبيها وهى تبكى فقال ما يبكيك فقالت الماشطة امرأة خازنك تزعم ان إلهك والهها واله السموات والأرض واحد لا شريك له فارسل إليها فسألها عن ذلك فقالت يوعدينى سبعين شهرا ما كفرت بالله وكانت لها ابنتان فجاء ابنتها الكبرى فذبحها على فيها وقال لها اكفر بالله والا ذبحت الصغرى على فيك وكانت رضيعا فقالت لو ذبحت من على الأرض على فى ما كفرت بالله عز وجل فاتى فلما أضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة فاطلق الله لسان ابنتها فتكلمت وهى من الاربعة الذين تكلموا أطفالا فقالت يا أماه لا تجزعى فان الله قد بنى لك بيتا فى الجنة أميري فانك تفضين الى رحمة الله وكرامته فذبحت فلم تلبث ان ماتت فاسكنها الله الجنة قال وبعث فى طلب زوجها حزقيل فلما تقدروا عليه فقيل لفرعون انه قد راى فى موضع كذا فى جبل كذا فبعث رجلين فى طلبه فلما انتهيا اليه وهو يصلى وثلثة صفوف من الوحوش خلفه يصلون فلما رأى ذلك انصرفا فقال حزقيل اللهم كتمت إيماني مأية سنة ولم يظهر على أحد فايما هذين الرجلين اظهر علىّ فعجل عقوبته فى الدنيا واجعل مصيره فى الاخرة الى النار فانصرف رجلان الى فرعون فاما أحدهما فاعتبروا من واما الاخر فاخبر فرعون بالقصة على رؤس الملأ فقال وهل كان معك غيرك قال نعم فلان فدعا به فقال أحق ما يقول هذا قال لا ما رايت مما قال شيئا فاعطاه فرعون وأجزل واما الاخر فقتله ثم صلبه وكان فرعون قد تزوج امرأة من أجمل نساء بنى إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاهم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت كيف يسعنى ان اصبر على ما يأتي فرعون وانا مسلمة وهو كافر فبينما هى كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريبا منها فقالت يا فرعون أنت اشر الخلق وأخبثه عمدت الى الماشطة فقتلتها فقال فلعل بك الجنون الذي كان بها قالت ما بي جنون وان الهى والهها وإلهك واله السموات والأرض واحد لا شريك له فمزق عليها ثيابها وضربها وأرسل الى أبويها فدعاهما فقال لهما الا تريان ان الجنون الذي كان بالماشطة أصابها قالت أعوذ بالله

[سورة الفجر (89) : آية 11]

من ذلك انى اشهد ان ربى وربك رب السموات والأرض واحد لا شريك له فقال أبوها يا آسية الست من خير نساء عماليق وزوجك اله العماليق قالت أعوذ بالله من ذلك ان كان ما تقول حقا فقولا له ان يتوجنى تاجا تكون الشمس امامه والقمر خلفه والكواكب حوله فقال لهما فرعون اخرجا عنى فمدها بين اربعة أوتاد يعذبها ففتح الله لها بابا الى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة ونجنى من فرعون وعمله فقبض الله روحها وأسكنها فى الجنة انتهى وامرأة فرعون هذا هى التي منعت فرعون عن قتل موسى عليه السلام حين التقطه آل فرعون من اليم وقد ألقيها أمها بإذن ربها حين خافت القتل على موسى وذكر القصة فى سورة القصص وقالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك عسى ان ينفعنا وقد نفعها الله به حيث امنت. الَّذِينَ مجرور صفة للمذكورين او منصوب على الذم او مرفوع خبر مبتداء محذوف اى هم الذين طَغَوْا اى جاوزوا فى الحد والعصيان فِي الْبِلادِ متعلق بطغوا-. فَأَكْثَرُوا عطف على طغوا فِيهَا اى فى البلاد الْفَسادَ بالكفر والظلم. فَصَبَّ عطف على طغوا والفاء للسببية عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ اى عذابا مختلطا بعضها ببعض فهى اضافة صفة الى موصوفها كاخلاق ثياب واصل السوط الخلط ومنه يقال السوط للحد لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض وشبه بالسوط ما حل بهم فى الدنيا من العذاب اشعارا بانه بالقياس الى ما أعد لهم فى الاخرة من العذاب كالسوط إذا قبس بالسيف وقال قتادة يعنى سوطا من العذاب صبه عليهم وقال اهل المعاني هذا على الاستعارة لان السوط عندهم غاية العذاب فالمعنى انه دفع العذاب بهم على ابلغ الوجوه دفعة واحدة كما يشير به الصب. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ط جواب للقسم او مقرر بجواب محذوف والمرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد وكونه بالمرصاد كناية من انه تعالى يريد من العباد الطاعة والسمع لاجل الاخرة فيترصد أعمالهم ويحيط علمه بها بحيث لا يفوته شىء منها كما لا يفوت ممن يرصد فى المرصاد من يمر بها يجازيهم عليها والإنسان غافل عن ذلك لابيهم الا لدنيا ولذاتها ولذلك عطف عليه قوله. فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ اى امتحنه بالغنى واليسرى حتى يظهر انه يشكر المنعم او يكفر والظرف متعلق بيقول فَأَكْرَمَهُ فى الدنيا بالجاه وَنَعَّمَهُ بالأموال والأزواج

[سورة الفجر (89) : آية 16]

والأولاد وغير ذلك بيان للابتلاء فَيَقُولُ اخبر للانسان والفاء بمعنى الشرط فى افادته معلولية القول رَبِّي قرأ الكوفيون وابن عامر بسكون الياء والباقون بالفتح وكذا فى ربى أهانن أَكْرَمَنِ ط اى فضلنى بما أعطني اثبت الياء فى أكرمني وأهانني يعقوب والبزي وصلا ووقفا ونافع فى الوصل فقط وجر فيها ابو عمرو قياس قوله فى رؤس الآي يوجب حذفها فى الحالين قال ابو عمر الدالاني بذلك قرأت وبه أخذوا والباقون حذفها فى الحالين. وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ اى امتحنه بالفقر حتى يظهر انه يصبر ويرجع الى الله تعالى او يحزع ويكفر من غير رجوع اليه تعالى فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ قرأ ابن عامر وابو جعفر قدر بالتشديد والباقون بالتخفيف فقيل اولى بمعنى قتر والثاني بمعنى أعطاه ما يكفيه وقيل معناهما واحد اى ضيق ولم يقل هاهنا اهانه وقدر عليه رزقه كما قال هناك فاكرمه ونعمه لان توسعته المال فى الدنيا تفضل يوجب الشكر وقد يكون موجبا للاكرام فى الاخرة ايضا عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا حسد الأعلى اثنين رجل أتاه الله القران فهو يقوم به اناء الليل واناء النهار ورجل أتاه مالا فهو ينفق منه اناء الليل واناء النهار متفق عليه واما التقتير فلا يكون اهانة فقط فَيَقُولُ الإنسان رَبِّي أَهانَنِ ويقول ذلك لقصور نظره على الدنيا وانهماكه فيها قال الكلبي ومقاتل نزلت فى امية ابن خلف الجمحي الكافر والله تعالى اعلم. كَلَّا اى ليس الأمر كما يقول فان الغنى والنعماء الدنيوية قد يكون استدراجا من الله إذا لم يقترن بالشكر بل مع الشكر ايضا لا تقبل عند الله للغنى الشاكر على الفقير الصابر عند مصعب بن سعد قال راى سعد ان له فضلا على من دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تنصرون وترزقون الا بضعفائكم رواه البخاري وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان فقراء المهاجرين اسبقون الأغنياء يوم القيمة الى الجنة بأربعين خريفا رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ونصف يوم رواه الترمذي والفقر والضعف إذا اقترن بالصبر والرضا يكون نعمة لا اهانة عن قتادة بن النعمان ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما بطل أحدكم تحمى سقيمه الماء رواه احمد والترمذي وفى الباب أحاديث كثيرة بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ بالنفقة ولا تحبون اليه مع ان الله تعالى

[سورة الفجر (89) : آية 18]

أكرمكم بالغنى وقيل لا تعطونه حقه عطف على يقولون يعنى بل قولهم دال على انهماكهم فى الدنيا حيث لا يكرمون اليتيم قال مقاتل كان قدامة بن مظعون يتيما فى حجر امية بن خلف فكان يدفعه عنه حقه قرأ ابو عمرو لا يكرمون ولا يحضون ويأكلون ويحبون بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الإنسان نظرا الى معناه الجمعى من حيث كونه جنسا وما سبق من الضمائر المفردة راجع اليه نظرا الى لفظه والباقون الافعال الاربعة بالتاء الخطاب إليهم على سبيل الالتفات. وَلا تَحَاضُّونَ قرأ الكوفيون بالألف بعد الحاء من التفاعل بحذف أحد التاءين اى لا يحض بعضكم بعضا والباقون بغير الالف اى لا تحضون غيركم عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ فضلا ان تطعموا من أموالكم. وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ اى الميراث أصله الوارث أَكْلًا لَمًّا اى ذا لم اى جمع بين الحلال والحرام كانوا يأكلون مع أبضاعهم ابضاع ضعفاء من النساء والصبيان قال ابن زيد الاكل اللم الذي يأكل شيئا يجده لا يسال عنه إحلال أم حرام وقيل يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين بذلك. وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا اى كثيرا مع حرص وشره. كَلَّا ردع عما يفعلون وقال مقاتل اى لا يفعلون ما أمروا به او هو بمعنى حقا تحقيقا لما يذكر بعده من الوعيد ويخبر عنه تحسرهم حين لا ينفعهم الحسرة إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا اى زلزالا بعد زلزال حتى تنكسر ما عليها من الجبال والأشجار والابنية وصارت هباء منبثا. وَجاءَ رَبُّكَ عطف على دكت وهى من المتشابهات وقد ذكرنا ما فيها من القول السلف والخلف واصحاب القلوب فى سورة البقرة فى قوله تعالى ان يأتيهم الله فى ظلل من الغمام وَالْمَلَكُ اللام للجنس اى وجاءت الملائكة صَفًّا صَفًّا ج حال من الملك اى جاؤا يصفون صفا بعد صف اخرج ابن جرير وابن المبارك عن الضحاك قال إذا كان يوم القيامة امر الله سبحانه السماء الدنيا فنشققت باهلها فتكون الملائكة على حافاتها حين يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها ثم الثانية ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فصفوا صفا دون صف ثم ينزل الملك الا على بجنبه اليسرى جهنم فاذا أراها اهل الأرض فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض الا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فرجعوا الى مكان الذي كانوا فيه وذلك قوله تعالى انى أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين الاية وذلك قوله تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا وجئ يومئذ بجهنم وقوله تعالى يا معشر

[سورة الفجر (89) : آية 24]

الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السموات والأرض الاية قوله تعالى وانشقت السماء فهى يومئذ واهية والملك على أرجائها يعنى ما تشقق منها فبينما كذلك إذ سمعوا الصوت فأقبلوا الى الحساب. وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ عطف على جاء اخرج مسلم والترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتى بجهنم يومئذ لها سبعون الف زمام مع كل زمام سبعون الف ملك يجرونها واخرج ابن وهب فى كتاب الأهوال عن زيد بن اسلم قال اتى جبرئيل الى النبي صلى الله عليه وسلم لتكسر الطرف فساله على رضى الله عنه فقال أتاني جبرئيل فقال لى كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ بما تقاد سبعين الف زمام تقاد سبعين الف ملك فبينما هم إذا خردت انفلتت من أيديهم فلولا انهم أدركوها لاحرقت من فى الجمع فاخذوها قال القرطبي يجاء بها من المحل الذي خلقها الله فيه فيدار بأرض الحشر لا يبقى للجنة طريق الا الصراط واخرج ابو نعيم عن كعب قال إذا كان يوم القيامة فنزلت الملائكة فصاروا صفوفا فيقول الله لجبرئيل ايت بجهنم فياتى بها تقاد سبعين زماما حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مأية عام زفرت طارت بها افئدة الخلائق ثم زفرت الثانية فلا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل إلا جثى لركبته ثم تزفر الثالثة فبلغ القلوب الحناجر وتزيل العقول فيفزع كل امرؤ عمله حتى ابراهيم يقول بخلتي لا أسئلك الا نفسى ويقول موسى بمناجاتي لا أسألك الا نفسى وقال عيسى بما أكرمني لا أسألك الا نفسى ولا أسألك مريم التي ولدتني ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول أمتي أمتي لا أسئلك اليوم نفسى فيجيب جل جلاله ان الأولياء من أمتك لا حوف عليهم ولا هم يحزنون فو عزتى لا قرن عينيك فى أمتك فقم تقف الملائكة بين يدى الله ينتظرون ما يومرون يَوْمَئِذٍ بدل من إذا دكت اى يوم إذا دكت الأرض وجئ بجهنم والعامل يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ الكافر الذي قال ربى أكرمن ربى أهانن على سراء الدنيا وضرائها جزاء بمعنى الشرط فى الظرف اى يتذكر معاضيه بتعظ ويتوب وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى ط استفهام للانكار اى ليس له منفعة الذكر فان من شرط قبول التوبة الايمان بالغيب. يَقُولُ ذلك الإنسان تحسرا جملة مستانفة كانه فى جواب فما يصنع حين يتذكر يا لَيْتَنِي يعنى يقول يا ليتنى

[سورة الفجر (89) : الآيات 25 إلى 26]

قَدَّمْتُ فى الدنيا أعمالا صالحا لِحَياتِي ج التي لا ينطلق إليها الموت او اللام بمعنى الوقت والمعنى يا ليتنى قدمت الأعمال الصالحة وقت حياتى فى الدنيا. فَيَوْمَئِذٍ عطف على يومئذ السابق والظرف متعلق بما بعده لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ منصوب بنزع الخافض اى كعذابه وكذا وثاقه أحد أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ قرأ الكسائي ويعقوب لا يعذب ولا يوثق بفتح العين على البناء للمفعول اى لا يعذب أحد من الناس يعنى عصاة المؤمنين كعذاب ذلك الإنسان اى الكافر ان كان المراد بالأمم الجنس او المعنى لا يعذب أحد كعذاب ذلك الإنسان المعهود وهو امية بن خلف ولا يوثق أحد فى السلاسل والاغلال كوثاقه والباقون بكسر العين فيهما على البناء للفاعل وحينئذ الضمير المجرور فى عذابه ووثاقه اما راجع الى الله سبحانه والاضافة الى الفاعل اى لا يتولى عذاب الله ووثاقه يوم القيمة أحد سواه والأمر يومئذ كله لله اى والإنسان الكافر والاضافة اى المفعول اى لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه أحدا وعلى هذا التأويلات يومئذ متعلق بلا يعذب ولا يوثق على سبيل التنازع والمعنى لا يعذب أحد أحدا من الأزل الى الابد كعذاب الله يومئذ ولا يوثق أحد أحدا من الأزل الى الابد كوثاق الله يومئذ فيومئذ وحينئذ متعلق بالمصدر اى عذابه وثاقه. يا أَيَّتُهَا بتقدير يقال جملة مستانفة كانه فى جواب السائل انما ذكر شان الكفر فما شان المؤمن فقال وتقديره يقال للمومنين يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ فى ذكر الله تعالى وطاعته كما تطمئن السمكة فى الماء وذلك الاطمينان لا يتصور الا بعد زوال صفاتها الرذائل الموجبة لكونه امارة بالسوء وزوال تلك الصفات لا يمكن الا بتجليات صفات الله الحميدة الحسناء وفنائها فيها وبقائها فتصير حينئذ مومنة ايمانا حقيقيا كما ان الكلب لا يمكن طهارته الا بوقوعه فى الملح وفنائه فيها وبقائه بصفات الملح حتى يصير حلالا طيبا. ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ اى الى ذات البحت بلا حجب الأسماء والصفات راضِيَةً بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وبما قدر الله لها حال من فاعل ارجعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الايمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا متفق عليه وذاق طعم الايمان المراد به

هو الايمان الحقيقي مَرْضِيَّةً ج فان رضا العبد بالله موجب لرضاء الله سبحانه عنه بل رضاء العبد اثر لرضائه تعالى ودليل عليه قال الحسن إذا أراد الله قبضها اطمأنت ورضيت عن الله ورضى الله عنها عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ومن كره لقاء الله كره الله لقائه فقالت عائشة او بعض أزواجه انا نكره الموت فقال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت يبشر برضوان الله وكرامته فليس شىء أحب اليه مما امامه فاحب لقاء الله فاحب الله لقاءه واما الكافر إذا حضره الموت يبشر بعذاب الله وعقوبته فليس شىء اكره اليه مما امامه فكره لقاء الله وكره الله لقائه متفق عليه وفى رواية عائشة والموت قبل لقاء الله وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حضر المؤمن الموت أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون اخرجى راضية مرضية عنك الى روح الله وريحانه ورب غير غضبان فيخرج كاطيب ريح المسك حتى انه ليناوله بعضه بعضا حتى يأتوا به أبواب السماء فيقولون ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض فياتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائب يقدم عليه فيسئلوا ماذا فعل فلان فيقول دعوه فانه كان فى غم الدنيا فيقول قد مات اما أتاكم فيقولون قد ذهب به الى امه الهاوية وان الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون اخرجى ساخطة مسخوطا إليك اى عذاب الله عز وجل فتخرج كانتن ريح جيفة حتى يأتون به الى باب الأرض فيقولون ما أنتن هذه الريح حتى يأتون به أرواح الكفار رواه احمد والنسائي وفى رواية ابن ماجة نحوه وفيه ثم يعرج بها اى بالمؤمنة الى السماء فيفتح لها فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت فى الجسد الطيب الحديث وقال فى النفس الكافر ثم يعرج بها الى السماء فيقال لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت فى الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فانها لا يفتح لك أبواب السماء ثم ترسل من السماء ثم يصير الى القبور وفى الباب أحاديث كثيرة واختلفوا فى وقت هذا المقالة فقال قوم يقال لها ذلك عند الموت كما دلت عليه الأحاديث وقال ابو صالح فى قوله ارجعي الى ربك راضية مرضية قال هذا عند خروجها من الدنيا فاذا كان يوم القيمة قيل فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى وقال آخرون انها يقال لها ذلك عند البعث ارجعي

[سورة الفجر (89) : آية 29]

الى ربك وادخلى فى أجساد عبادى يعنى جسدك فيامر الله تعالى الأرواح ان ترجعى الى الأجساد وهذا قول عكرمة وعطاء والضحاك ورواية العوفى عن ابن عباس وقال الحسن معناه ارجعي الى ثواب ربك وكرامة راضية من الله تعالى بما أعد الله مرضية رضى عنها ربها فادخلى فى عبادى اى مع عبادى جنتى قلت سياق الاية يؤيد هذا القول يعنى انها يقال عند البعث لان الله ذكر حال الكفار عند البعث بقوله فيومئذ لا يعذب عذابه إلخ فكذلك ذكر ما يقال للمؤمنين يومئذ والأحاديث المذكورة يؤيد القول الاول والجمع بينهما انه يقال فى الوقتين جميعا عند الموت وعند البعث بل التحقيق ان استحقاق هذا الخطاب يحصل للنفس فى الدنيا حصول الاطمينان فيقال لها ارجعي الى ربك اى مدارج قربه وتجلياته الذاتية راضية مرضية. فَادْخُلِي فِي عِبادِي اى فى جملة عبادى الصالحين الذين سال سليمان عليه السلام الدخول فيهم فقال وأدخلني برحمتك فى عبادك الصالحين وسال يوسف عليه السلام اللحوق بهم حيث قال توفنى مسلما والحقنى بالصالحين وقال الله تعالى فيهم لابليس ان عبادى ليس لك عليهم سلطان والفاء فى فادخلى للسببية فان اطمينان النفس وكونها راضية مرضية سبب لخلوص العبودية لله سبحانه وذلك رقبة عن رقبة الالهية الباطلة الهوائية ووساوس الخناسية قال الله تعالى أفمن اتخذ الهه هواه وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفس عبد الدينار والدراهم والقطيفة والخميسة الحديث. وَادْخُلِي جَنَّتِي ع اضافة الجنة الى الله سبحانه يقتضى خصوصا تلك الجنة من بين الجنات كما لا يخفى قال البغوي قال سعيد بن جبير مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طاير لم ير على خلقه فدخل نعشه ثم لم نر خارجا منه فلما دفن تليت هذه الاية على شعير القبر لم يدر من تلاها يايّتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى واخرج ابن ابى حاتم عن بريدة فى قوله تعالى يايتها النفس المطمئنة إلخ قالت نزلت فى حمزة رضى الله عنه واخرج من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال من اشترى هذه الامة يستعذب بها غفر الله له فاشتر بها عثمان يايتها النفس المطمئنة الاية (فائده) قال بعض الصوفية تاويل هذه الاية يايتها النفس المطمئنة الى الدنيا ارجعي الى ربك بترك الدنيا والسلوك اليه فى الطريق الصوفية- والله تعالى اعلم.

سورة البلد

سورة البلد مكيّة وهى عشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لا زايد لتاكيد القسم اشارة الى وضوح المقسم بحيث استغنى عن القسم أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ يعنى مكة. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ الجملة حال من المقسم به اقسم الله سبحانه بمكة مقيدا بحلوله صلى الله عليه واله وسلم اظهار المزيد فضائلها بشرف المتمكن على فضل لها فى نفسها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكة ما اطيبك من بلد وأحبك الى الله ولولا ان قومى أخرجوني منك ما سكنت غيرك رواه الترمذي عن ابن عباس وقال حديث حسن صحيح غريب اسنادا وكذا روى الترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن عدى بلفظ والله انك لخير ارض الله وأحب ارض الله الى الله ولولا انى أخرجت منك ما خرجت وقيل معنى مستحل لاخراجك فيه كما يستحل تعرض الصيد فى غيرها والجملة معترضة لذم الكفار بهذا البلد فيستحلون اخراجك وقتلك فان الله سبحانه اقسم بمكة إظهارا لتحريمها وشرفها ثم قال وأنت مستحل فى زعم الكفار بهذا البلد فيستحلون اخراجك وقتلك مع انهم يحرمون قتل الصيد فيها وقيل معناه وأنت حلال ان تصنع فيه ما تريد من قتل واسر ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم فهو وعد بما أحل الله له مكة يوم الفتح حتى قاتل فيه وامر بقتل عبد الله بن حنظل وهو متعلق بأستار الكعبة ومقيس بن خبابة وغيرهما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق الله السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى الى يوم القيمة وانه لن يحل القتال فيه لاحد قبلى ولم يحل لى الا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيمة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقيطه الا من عرفها ولا يختلا خلاها الحديث متفق عليه. وَوالِدٍ عطف على بلد والمراد آدم وابراهيم عليهما السلام او اى والد كان وَما وَلَدَ ذريته آدم عليه السلام او الأنبياء من أولاد ابراهيم عليه السلام او محمد صلى الله عليه واله وسلم

[سورة البلد (90) : آية 4]

والتنكير للتعظيم وإيثار ما على من لمعنى التعجب كما فى قوله والله اعلم بما وضعت وجواب القسم. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اللام للجنس او للعهد على ما قيل انها نزلت فى ابى الأشر اسمه أسيد بن كلدة بن حج وكان شديدا قويا يصنع الأديم العكاظي تحت قدميه فيقول من ازالنى عنه فله كذا وكذا فلا يطاق ان ينزع من تحت قدميه الا قطعا ويبقى موضع قدميه فِي كَبَدٍ على تقدير كون المراد من الإنسان الجنس فالمراد من كبد النصب والمشقة كذا روى عن ابن عباس وقتادة قال عطاء عن ابن عباس فى شدة حمله وولايته ورضاعته وقطامه ومعاشه وحيوته وموته وقال عمرو بن دينار منه نبات أسنانه قلت وما ذكر من المكابد يشارك فيها الإنسان وغيره من الحيوانات فتخصيصه بالذكر لاجل عقله وشعوره فان مشقة تحمل المكايد مع كمال الشعور أشد منها ما كان وعندى ان المراد بالمكابد حمل ميثاق الامانة التي ابى عن تحملها السموات والأرض والجبال وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا فان ادى ما وجب فاز ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وان صبها تردى فى مكابد الاخرة ليعذب الله المنافقين والمنافقات والكافرين والكافرات فعلى هذا النظير الاية فى المعنى قوله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وفيه تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم على تحمل المكابد من قومه فيما وجد عليه من التبليغ وقال مقاتل بناء على نزول الاية فى ابى الأشد ان معنى فى كبد فى قوة وشدة. أَيَحْسَبُ الضمير راجع الى الإنسان والاستفهام للانكار والتوبيخ فان كان المراد بانسان المعهود يعنى ابى الأشد فظاهر ان الله سبحانه أنكر على اغتراره وبقوله وان كان المراد به الجنس فالضمير راجع اليه باعتبار بعض افراده وهو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم فى كبد منه اكثر من غيره وهو ابو الأشد وقيل الوليد بن مغيرة أَنْ لَنْ يَقْدِرَ ان مخففة من المثقلة اسمها ضمير الشان محذوف والجملة قائمة مقام المفعولين ليحسب عَلَيْهِ أَحَدٌ نكرة موضع النفي للعموم كان ابو الأشد يزعم انه لا يقدر عليه ملائكة العذاب او المراد به الأحد الصمد يعنى أيحسب ابو الأشد انه لا يقدر عليه الله الذي خلقه بهذه القوة فلا ينتقم منه. يَقُولُ ذلك الإنسان حال من فاعل يحسب ومقولة القول أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً ط اى كثرا جمع لبدة وهى ما تلبد وكثر واجتمع لعله كان يذكر كثرة إنفاقه مفاخرة ورياء او بعد ما أنفق فى معادات النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يعترف بفضله كفار قريش

[سورة البلد (90) : آية 7]

أعدائه صلى الله عليه وسلم. أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بل الله سبحانه يراه حين أنفق رياء وفى معادات النبي صلى الله عليه وسلم فيسأل من اين اكتسبه واين أنفقه فيجازيه وينتقم منه كذا قال سعيد بن جبير وقتادة وقال الكلبي انه كان كاذبا فى افتخاره وقوله أنفقت كذا وكذا لم يكن أنفق جميع ما قال وهذه الجملة بعد قوله أيحسب ان لن يقدر عليه أحد تأكيد التوبيخ والإنكار بمنزل النكير ثم عد الله سبحانه نعمه ليقره وليكون دليلا وتقريرا على كون الله سبحانه مقتدرا على انتقامه فقال. أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ يبصر بهما. وَلِساناً يتكلم به وَشَفَتَيْنِ ليستر بهما فاه ويستعين بهما على النطق والاكل والشرب والنفخ قال البغوي جاء فى الحديث ان الله عز وجل يقول ابن آدم ان نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فاطبق وان نازعك بصرك على ما حرمت عليك فقد امنتك عليه بطبقتين فاطبق وان نازعك فرجك اى ما حرمت عليك فقد أعنتك بطبقتين فاطبق. وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ج يعنى الثديين كذا روى محمد بن كعب عن ابن عباس وهو قول سعيد بن المسيب والضحاك وقال اكثر المفسرين طريقى الخير والشر والحق والباطل والهدى والضلال يعنى أظهرنا له الخير من الشر بايجاد العقل فيه وإرسال الرسل فمن ضل واختار طريق الشر بعد ذلك فلا عذر له. فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قيل لا هاهنا ليس على معناها فانها لا تدخل على الماضي الا مكررا فهى بمعنى هلا والمعنى فهلا اقتحم العقبة بانفاق ماله فيما يجوز به العقبة من الطاعات فيكون خيرا له من إنفاقه فى عداوة النبي صلى الله عليه وسلم والجملة معطوف يقال أهلكت مالا لبدا وقيل هاهنا تكرار تقدير التعدد معنى العقبة فكان تقديره فلا فك رقبة ولا اطعم مسكينا ولا كان من الذين أمنوا فلا هاهنا بمعناها والجملة معطوف على جواب القسم يعنى لقد خلقنا الإنسان فى كبد التكليفات فلا اقتحم ما كلف به دكان عليه الاقتحام وإتيان ما خلق لاجله او معطوفة على مضمون الم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة بإتيان الطاعات حتى يكون شكر النعم وصرفا للنعمة فيما ينبغى والعقبة فى الأصل الطريق فى الجبل استعير هاهنا لمشاق التكاليف واقتحامها الدخول فيها وهذا معنى قول قتادة وقيل اقتحامها التجاوز عنها والخروج من عهدة ما وجب عليه فانه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها واشتغال الذمة بالواجبات بالغفلة فاذا أعتق رقبة او اطعم مسكينا يزكوة ماله كان كمن

[سورة البلد (90) : آية 12]

اقتحمها وجاوز عنها روى عن ابن عمران هذه العقبة جبل فى جهنم وقال الحسن وقتادة عقبة شديدة فى النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله وقال مجاهد بطاعة الله وقال المجاهد والضحاك والكلبي هى الصراط على جهنم كحد السيف مسيرة ثلثة آلاف سنة سهلا وصعودا وهبوطا وان لجنبيه كلاليب وخطاطيف كانها شوك السعدان فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس فى النار منكوس فمنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح العاصف ومنهم من يمر كالفارس ومنهم من يمر كالراجل ومنهم من يزحف ومنهم كالزالون ومنهم من يكردس فى النار فقال ابن زيد يقول فهلا يسلك الطريق التي فيه النجاة ثم بين ما هى فقال ما أدريك. وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ ط فانك لم تدر صعوبتها على النفس وكثرة ثوابها وقال سفيان ابن عيينة كل شىء قال وما أدريك فانه اخبر به وما قال وما يدريك فانه لم يخبر به انتهى فان كان المراد بالعقبة الطاعات فلا حاجة الى التقدير وان كان المراد به ثقل الذنوب فالتقدير ما أدريك ما اقتحام العقبة والخروج عنها. فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ قرأ ابن كثير وابو عمرو الكسائي فك بفتح الكاف على الماضي ورقبة بالنصب على المفعولية واطعم بفتح الهمزة على الماضي بناء على انه بدل من اقتحم او بيان له وما أدريك ما العقبة اعتراض والباقون بضم الكاف ورقبة بالجر على الاضافة واطعام بالتنوين على المصدر بناء على انه خبر مبتداء محذوف اى هى فك رقبة والمراد بفك الرقبة أعم من الإعتاق ومن ان يعين فى ثمنها يريد عتقها او يعين المكاتب او معتق البعض فى فك رقبتها عن البراء بن عازب قال جاء أعرابي الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال علمنى عملا يدخلنى الجنة قال لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة قال او ليسا واحد قال لاعتق النسمة ان تفرد بعتقها وفك الرقبة ان تعين فى ثمها والمنحة الوكوف والفيء على ذى الرحم الظالم فان لم تطق ذلك فاطعم الجائع واسق الظمآن وامر بالمعروف وانه عن المنكر فان لم تطق ذلك فكف لسانك الا من خير رواه البيهقي فى شعب الايمان عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بدل عضو منه عضوا من النار حتى فرجه بفرجه متفق عليه وقال عكرمة قوله فك رقبة يعنى من الذنوب بالتوبة. فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ.

[سورة البلد (90) : آية 16]

أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ المسغبة والمتربة والمقربة مفعلات من مسغب إذا جاع وقرب فى النسب والترب إذا أفقر اى التصق بالتراب بشدة الحاجة ووصف اليوم لمسغبة مجازى والظرف متعلق باطعام وانتصب على المفعولية يتيما ومسكينا. ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على اقتحم أو فك وعطفه بثم لتباعد الايمان عن العتق والإطعام بالرتبة واستقلاله واشتراط الطاعات به وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ عن المعاصي وعلى الطاعة والمصائب وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ عباد الله او بموجبات رحمة الله. أُولئِكَ اشارة الموصوفين بتلك الأوصاف أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ط اى اصحاب اليمين والبركة فى أنفسهم والجملة مستانفة كانه فى جواب ما شان من اقتحم. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا الذي نصبنا دلايل على الحق من كتاب وحجة او بالقران هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ اى اصحاب الشمال او الشوم والتكرير ذكر المؤمنين بالاشارة والكفار بالضمير الشان لا يخفى. عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ مطبقة من أوصدت الباب إذا طبق او اغلق قرأ حفص وابو عمرو حمزة وهناد فى سورة الهمز بالهمزة وهمزة إذا وقف أبدلها واوا والباقون بغير همزة وهما لغتان- والله تعالى اعلم.

سورة الشمس

سورة الشمس مكيّة وهى خمس عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالشَّمْسِ وَضُحاها قال مجاهد والكلبي يعنى ضوءها حين تطلع الشمس فيصفوا ضوئها وقال قتادة هو النهار كله وقال مقاتل حرها فى القاموس الضحية كالعشية ارتفاع النهار والضحى ويذكر ويصغر ضحيها بلا هاء والضحاء بالمد إذ اقرب انتصاب النهار. وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها اى تبع طلوعه طلوع الشمس وذلك فى النصف الاول من الشهر او تبع طلوعه غروب الشمس او تبع فى الاستدارة وكمال النور كذا قال الزجاج وكلا الامرين فى الليالى البيض. وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها اسناد التجلية الى النهار مجازى كما فى صام نهاره والضمير المنصوب اما عايد الى الشمس فانها تتجلى إذا انبسط النهار واما الى غير مذكور يعنى جلية الظلمة او الأرض والدنيا. وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها يعنى يغشى الشمس او الآفاق او الأرض والظروف اعنى إذا تليها وإذا جلّها وإذا يغشيها متعلقة بفعل القسم عند الجمهور وقال فى البحر المواج لا يجوز ذلك فان الاقسام ليس فى تلك الأوقات وايضا لا يجوز ان يكون صفة للقمر والنهار والليل فان ظرف الزمان لا يكون صفة لامر حسى فتاويله ان يقال بحذف المضاف وتقديره وانجلاء القمر إذا تليها اى وقت تبيعتها للشمس وحصول النهار إذا جلّيها اى وقت تجلية الشمس وحدوث الليل إذا يغشيها اى وقت غشيانها فالظرف اما صفة للمضاف فانه اسم معنى او متعلق به ويحتمل ان يقال ان إذا هاهنا بمعنى الوقت من غير الظرفية على طريقة إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو فيكون حينئذ بدل اشتمال مما قبله فيكون مقسما به. وَالسَّماءِ وَما بَناها ومن بنيها وهو الله سبحانه كذا قال عطاء والكلبي لا يقال يلزم حينئذ اساءة الأدب بتقديم القسم لغير الله تعالى على القسم بدلا نقول فيه ترق من الأدنى الى الأعلى وذلك هو الأدب واوثرت ما على الارادة معنى الوصفية كانه قيل والشيء القادر الذي بناها ودل على وجوده كمال قدرته بناءها وقال الزجاج والفراء ما مصدرية اى وبناها وكذا الكلام فى قوله.

[سورة الشمس (91) : آية 6]

وَالْأَرْضِ وَما طَحاها اى بسطها وكذا الكلام فى. وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها اى عدل خلقها وسوى بقضائها على ما يقتضيها الحكمة قال البيضاوي تبعا لصاحب الكشاف جعل ما مصدرية تجرد الفعل عن الفاعل ويخيل بنظم قوله تعالى. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها بقوله وما سوّيها حيث يلزم عطف الفعل على المصدر الا ان الضمير فيها اسم الله المعلم به وقال فى بحر الأمواج ألهمها معطوفة على سوّيها والمعنى ونفس وتسويه فالهمها فجورها وتقويها فلا يلزم ما ذكر انتهى وتنكير نفس للتكثير والتعميم كما فى قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت او للتعظيم والافراد والمراد به نفس آدم عليه السلام وقال عطاء يريد جميع ما خلق الله من الانس والجن والمراد بالهام الفجور والتقوى ان بين لها الخير والشر والطاعة والمعصية حتى يأتي بالخير والطاعة ويتقى عن الشر والمعصية كذا روى عن ابن عباس والمراد به إلزامها الفجور او التقوى وخلق الميل فى قلبه الى أيهما شاء وتوفيقه إياها بالتقوى وخلق بالتقوى على يد المؤمن وخذلانه إياها للفجور وخلق الفجور يد الكافر كذا قال سعيد بن جبير وابن زيد واختاره الزجاج عن عمران بن حصين ان رجلين من مزنية قالا يا رسول الله ارايت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه شىء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر سبق او فيما يستقبلون به مما أتاهم به تبيهم وثبت الحجة عليهم فقال لا بل شىء قضى عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك فى كتاب الله ونفس وما سوّيها فالهمها فجورها وتقويها رواه مسلم وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعاتك رواه مسلم قدم الفجور على التقوى لان الأصل كونها امارة بالسوء ايضا فيه رعاية رؤس الاى والواو الاول للقسم بالاتفاق وكذا الثانية والثالثة وما بعدها عند البعض وليست للعطف لزم العطف على معمول عاملين مختلفين فى مثل قوله والليل إذا يغشيها فان قوله الليل مجرور بواو القسم وإذا يغشى منصوب بفعل القسم المقدر فلو جعلت الواو فى والنهار إذا جليها للعطف كانت الواو قايمة مقام الفعل وحرف الجر معا والصحيح ان كلها للعطف سوى الاولى منها فان إدخال القسم فى القسم قبل تمام الاول لا يجوز وواو العطف قائمة مقام واو القسم فقط لكن واو القسم نزلت منزلة الباء

[سورة الشمس (91) : آية 9]

والفعل حتى لم يجز إبراز الفعل معها فصارت كانها هى العاملة نصبا وجرا فصارت كعامل واحد له عملان فيجوز العطف على معموليه وذلك جائز بالاتفاق ونحو ضرب زيد عمرو او بكر خالدا هذا إذا كانت الظروف متعلقة بفعل القسم واما على تاويل صاحب البحر فلا حاجة الى هذا التوجيه. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ص الضمير المرفوع راجع الى الله سبحانه والمنصوب الى من باعتبار انه عبارة عن النفس يعنى فازت وسمعت نفس طهر الله تعالى عن الرذائل بتجليات صنافه الكاملة عليها حتى صارت راضية بالله تعالى وأحكامه مطمئنة بذكره وطاعته محترزة عما نهى عنه وما يشغلها عنه لما اخرج ابن جرير من طريق جويبر عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول فى قول الله تعالى قد أفلح من زكيها افلحت نفس زكيها الله كذا قال عكرمة روى مسلم والترمذي والنسائي وابن ابى شيبة عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال اللهم انى أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم ات نسى تقويها وزكيها أنت خير من زكيها أنت وليها وهو موليها- اللهم انى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يستجاب لها وقال الحسن معناه قد أفلح من زكى نفسه فاصلحها وحملها على طاعة الله يعنى ان الضمير المرفوع راجع الى من معنى الإنسان والمنسوب الى نفسه فعلى التأويل الاول بيان لحال المرادين وعلى الثاني لحال المريدين فان الله يجتبى اليه من يشاء ويهدى اليه من ينيب والجملة جواب للقسم قال الزجاج صار طول الكلام عوضا عن اللام وكانه لما أراد من الحث على تزكية النفس والمبالغة والمجاهدة فيه اقسم عليه مجاهدا لهم على وجود الصانع ووجوب ذاته وكمال صفاته فيستفاد منها أقصى درجات القوة النظرية ويذكرهم عظايم الاية لحملهم على الاستغراق فى شكر نعمائه الذي هو منتهى كمال القوة العملية فيترتب على العلم والعمل الجذب من الله سبحانه بفضله ومن قبلهم التقوى ويحصل التزكية وقيل هذه الجملة معترضة جيئت بعد قوله فالهمها فجورها وتقويها استرادا لبيان الفرق بين الفريقين وجواب القسم محذوف يدل عليه قوله تعالى كذبت ثمود حين كذبت بطغويها وهو انه يدمدم الله تعالى على الكفار بمكة بتكذيبهم محمدا صلى الله عليه واله وسلم كما دمدم على ثمود حين كذبت صالحا عليه السلام. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها

[سورة الشمس (91) : آية 11]

والكلام فى هذه الجملة كما فى قبلها واصل دسا دسس أبدلت حرف التضعيف بحرف العلة كتقضى وتقضض ومعنى التدسس الإخفاء قال الله تعالى أم يدسه فى التراب والمراد هاهنا الإهلاك فأنه يستلزم الإخفاء يعنى خابت وخسرت نفس أهلكها الله تعالى بالإضلال او أهلك هو نفسه بكسب الضلالة. كَذَّبَتْ ثَمُودُ هذه الجملة الى اخر السورة تأكيد لقوله تعالى قد خاب من دسيها والمفعول ما وقع فيه التكذيب محذوف والباء فى قوله بِطَغْواها للسببية وتقديره كذبت ثمود بطغويها بسبب طغيانها فى الكفر صالحا علم بالتوحيد والنبوة حين قال انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون قالوا انما أنت بشر مثلنا فات باية ان كنت من الصادقين وطلبوا منه اية على صدقه ان يخرج ناقة عشراء من صخرة عينوه فدعا صالحا فخرجت من تلك الصخرة ناقة وولدت فى الحال ولدا مثلها وكانت الناقة تشرب الماء كله فجعل صالحا لها نصيبا من الماء وقال هذه ناقة لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم فارادوا قتل الناقة ليسلم لهم الماء كله ذلك قوله تعالى. إِذِ انْبَعَثَ اى قام لعقر الناقة بالاسراع حين أمروها كما قال الله تعالى فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقروا لانبعاث هو الاسراع بالطاعة للباعث والظرف متعلق بكذبت أَشْقاها اى أشقى ثمود وهو قدار بن سالف كان رجلا أشقر ازرق قصيرا فضلت شقاوته غيره لتولية العقر روى البخاري عن عبد الله بن زمعة انه سمع النبي صلى الله عليه واله وسلم يخطب ذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذ انبعث أشقيها انبعث لها عزيز عازم فى اهله مثل ابى زمعة وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشقى الناس عاقر ناقة ثمود وابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك على الأرض من دم إلا لحقه منه لانه أول من سن القتل رواه الطبراني والحاكم وابو نعيم فى الحلية بسند صحيح. فَقالَ فقال عطف على انبعث لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صالح ناقَةَ اللَّهِ اى ذروا ناقة الله واحذروا عقرها لله والاضافة الى الله لتعظيم الناقة وكمال التحذير وَسُقْياها ط عطف على الناقة اى ذروا سقيها فلا ترددوها علينا ولا تمسوها بسوء اى يعقر فياخذكم عذاب عظيم-. فَكَذَّبُوهُ اى صالحا فيما أوعدهم من نزول العذاب ان عقروها فَعَقَرُوها اى الناقة عطف على كذبوا أسند الفعل إليهم وان كان العاقر واحدا منهم لامرهم به وقال مقاتل

[سورة الشمس (91) : آية 15]

الذين عقروا الناقة كانوا تسعة ويجوز التعبير عن التسعة بقوله تعالى أشقاها لان افعل التفضيل إذا أضيفه صلح للواحد والجمع فقال صالح تمتعوا فى ثلثة ايام فتصبحوا فى اليوم الاول وجوهكم مصغرة وفى اليوم الثاني وجوهكم محمرة وفى اليوم الثالث وجوهكم مسودة ثم تهلكون بعد ثلثة فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بعد ثلثة ايام قال فى المواج الدمدمة الإهلاك باستيصال قال عطاء ومقاتل اى دمر عليهم ربهم اى هلكهم وقيل الدمدمة حكاية صوت لا مده وفى القاموس الدمدمة الغضب ودمدم عليه كلمته مغضبا وقيل دمدم عليهم أطبق عليهم بِذَنْبِهِمْ اى بسبب ذنبهم وهو تكذيب الرسول وعقر الناقة- فَسَوَّاها اى سوى الدمدمة عليهم جميعا وعمهم لها ولم يفلت فيها صغير منهم ولا كبير. وَلا يَخافُ قرأ نافع وابن عامر فلا يخاف بالفاء وكذلك هو فى مصاحفهم والباقون بالواو والضمير راجع الى الله يعنى لا يخاف الله عُقْباها ع امال حمزة والكسائي اواخر هذا السورة الا تلاها وضحها فان حمزة فتحها وابو عمرو كلها بين بين والباقون بالفتح اى عاقبته الدمدمة او عاقبته إهلاك ثمود فيبقى بعض الإبقاء كذا قال الحسن وهى رواية على بن طلحة عن ابن عباس قال الضحاك والسدى والكلبي الضمير راجع الى العاقر وفى الكلام تقديم وتأخير تقديره إذ انبعث أشقيها ولا يخاف عقبيها والجملة حال من فاعل دمدم او من فاعل انبعث على ما قيل والواو للحال وعلى قراءة الفاء عطف على فسويها- والله تعالى اعلم.

سورة الليل

سورة اللّيل مكّيّة وهى احدى وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى الشمس او النهار كما فى قوله تعالى يغشى الليل النهار او كل شىء يوارى بظلامه والكلام فى إذا يغشى كما مر فى والليل إذا يغشها من كونه متعلقا بفعل القسم او بمضاف محذوف اى حصول الليل وكونه صفة له او بمعنى الوقت فينسلخا عن الظرفية. وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى اى ظهر يزوال ظلمة الليل او بطلوع الشمس. وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى اى القادر الذي خلق صنفى الذكر والأنثى من كل نوع له توالد او آدم وحوا ويجوز ان يكون مصدرية وجواب القسم. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ط يعنى ان عملكم لمختلف منكم ساغ فكاك رقبة من النار وصعود درجات القرب ومدارج الجنة ومنكم ساع فى عطيها قال البغوي عن ابى مالك الأشعري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها او موبقها ثم فصل الله سبحانه فقال. فَأَمَّا مَنْ أَعْطى ماله فى سبيل الله او ادى كل ما وجب عليه وَاتَّقى عذاب ربه فاجتنب مجاريه وفى الحديث اتقوا النار ولو بشق ثمرة رواه الشيخان عن عدى بن حاتم واحمد عن عائشة والبزار والطبراني عن انس فى الأوسط وعن ابن عباس وابى امامة فى الكبير والبراء عن النعمان بن بشير وابى هريرة. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى قال ابو عبد الرحمن السلمى والضحاك وصدق بلا اله الا الله وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال مجاهد بالجنة قال الله تعالى للذين أحسنوا الحسنى يعنى الجنة وقيل أيقن ان الله سيخلفه وهو رواية عكرمة عن ابن عباس وقال قتادة ومقاتل والكلبي بموعود الله تعالى ان يفى به. فَسَنُيَسِّرُهُ اى نسهله ونهيئه لِلْيُسْرى اى للخلقت اليسرى التي يودى الى يسر وراحة وهى العمل وما يرضى الله ودخول الجنة من يسر الفرس لا هبته المركوب باليسر بالسرج واللجام. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بالنفقة بالخير وبما امر به الله تعالى وفى الحديث البخيل

[سورة الليل (92) : آية 9]

من ذكرت عنده فلم يصل على رواه الترمذي والنسائي عن على وابن حبان والحاكم عن انس وَاسْتَغْنى بشهوات الدنيا عن الثواب فى الاخرة وعن القادر به. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى بالكلمة الحسنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى اى لخصلة التي يودى الى العسر والشدة وهى العمل بما يكرهه الله تعالى ودخول النار قال مقاتل يعسر عليه ان يأتي خيرا عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من اهل السعادة فسنيسره بعمل اهل السعادة واما من كان من اهل الشقاوة فسنيسره بعمل اهل الشقاوة ثم قرأ فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى قسنيسره لليسرى متفق عليه قال البغوي قيل نزلت فى ابى بكر الصديق اشترى بلالا عن امية بن خلف ببردة وعشر أواق فانزل الله تعالى سورة الليل الى قوله ان سعيكم لشتى سعى ابو بكر وسعى امية كذا روى عن ابن مسعود واخرج ابن ابى حاتم وغيره من طريق الحاكم بن ابان عن عكرمة عن ابن عباس ان رجلا كانت له نخلة فرعها فى دار رجل فقير ذى عيال فكان الرجل إذا جاء فدخل الدار فصعد الى النخلة لياخذ منها الثمرة وبما يقع التمرة فياخذها صبيان الفقير فينزل من نخلة فياخذ الثمرة من أيديهم وان وجدها فى فم أحدهم ادخل إصبعيه يخرج التمرة من فيه فشكى ذلك الرجل يعنى الفقير الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اذهب ولقى النبي - صلى الله عليه وسلم - صاحب النخلة فقال له أعطني نخلتك التي فرعها فى دار فلان لك نخلة فى الجنة فقال الرجل لقد أعطيت وان لى نخلا كثيرا وما فيه نخلة اعجب الى تمرة منها ثم ذهب الرجل ولقى رجلا كان يسمع الكلام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن صاحب النخلة فاتى الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أتعطيني يا رسول الله ما أعطيت الرجل يعنى صاحب النخلة وان انا أخذتها قال نعم فذهب الرجل فلقى صاحب النخلة ولكليهما نخل فقال له أشعرت ان محمدا صلى الله عليه واله وسلم أعطاني بنخلتك التي فى دار فلان نخلة فى الجنة فقلت له لقد أعطيت ولكن يعجبنى تمرها ولى نخل كثير ما فيه نخل اعجب الى تمرة منها فقال له الاخر أتريد بيعها فقال لا الا ان أعطني بها ما أريد ولا أظنه اعطى وقال فكم فيها قال أربعين نخلة قال لقد جئت بامر عظيم ثم سكت عنه فقال له انا أعطيك أربعين نخلة قال فاشهد لى

[سورة الليل (92) : آية 11]

ان كنت صادقا فدعا قومه فاشهد له ثم ذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان النخلة قد صارت لى فهى لك فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى صاحب الدار فقال النخلة لك فأنزل الله تعالى والليل إذا يغشى قال ابن كثير غريب جدا وذكر البغوي عن على بن حجر عن اسحق بن نجيح عن عطاء نحوه وفيه ان صاحب النخلة شكى الى النبي - صلى الله عليه وسلم - تناول صبيان الجار من نخلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعينها بنخلة فى الجنة فابى فخرج فلقيه ابو الدحداح الى اخر القصة قال فأنزل الله تعالى والليل إذا يغشى الى قوله ان سعيكم لشتى والصحيح هى الرواية الاولى يعنى نزلت فى ابى بكر الصديق وامية بن خلف لان السورة مكية وقصة صاحب النخلة وابى الدحداح يقتضى كونها مدنية وعلى تقدير صحة الرواية الثانية فنقول نزول الاية بمدح ابى الدحداح رضى الله عنه قال الله تعالى فاما من اعطى واتقى كابى الدحداح وصدق بالحسنى اى بما وعد النبي صلى الله عليه وسلم فسنيسره لليسرى يعنى الجنة ولما كان حكم الاية عاما وان كان موردها خاصا عقبه بما يقيده من الوعيد فقال واما من بخل واستغنى الاية وليست هذه الجملة للوعيد فى حق صاحب النخلة فانه كان رجلا من الأنصار لم يكن ممن استغنى من ثواب الله تعالى ونعيم الجنة وكذب بالحسنى بل كان مصدقا بها والنخل المستوجب للنار انما هو منع الزكوة المفروضة كما لا يخفى والله تعالى اعلم. وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ الذي بخل فيه نفى او استفهام انكار إِذا تَرَدَّى الظرف متعلق بيغنى وتردى تفعل من الردى بمعنى الهلاك قال مجاهد اى بات إذ المراد بالهلاك استيجاب العذاب او بمعنى السقوط يعنى تردى فى حفرة القبر او قعر جهنم قال قتادة وابو صالح هوى فى جهنم. إِنَّ عَلَيْنا كلمة على للتاكيد يعنى التزمنا الهداية بموجب قضائنا السابق او بمقتضى كلمتنا لَلْهُدى اى الإرشاد الى الحق بنصب الدلائل وبيان الشرائع كذا قال الزجاج وقتادة وقال الفراء معناه من سلك الهدى فعلى الله سبيله كقوله تعالى وعلى الله قصد السبيل يقول من أراد الله فهو على السبيل القاصد يعنى من سلك على طريق الهدى يصل الى الله سبحانه. وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى ملكا وخلقا وتقديم الخبر للحصر فمن طلبها من غير مالكهما فقد اخطأ الطريق او فنعطى ثواب الهداية للمهتدين او فلا يضرنا ترككم الاهتداء. فَأَنْذَرْتُكُمْ اى خوفتكم والفاء للسببية فان كون الاخرة والاولى

[سورة الليل (92) : آية 15]

كلاهما خالصا لله تعالى سبب للتخويف ناراً تَلَظَّى ج احدى التاءين محذوف اى تتلظى تتوقد وتتلهب صفة للنار. لا يَصْلاها صفة اخرى إِلَّا الْأَشْقَى قيل الأشقى هاهنا بمعنى الشقي فهو يعم الكافر والفاسق الغير المغفور وصفه تعالى. الَّذِي كَذَّبَ الرسول صلى الله عليه وسلم وَتَوَلَّى عن الايمان باعتبار بعض افراده وليس الاحتراز بل لان العادة ومقتضى الايمان ان لا يكون المؤمن شقيا إذ الايمان يقتضى التقوى والسعادة والكافر المكذب هو الذي يكون شقيا عاصيا غالبا فتقيد الشقي بوصف التكذيب والتولي خرج مخرج العادة كما فى قوله تعالى وربائبكم اللّتى فى حجوركم او المراد بالتكذيب أعم من التكذيب صريحا وهو الكفر او دلالة وهو ارتكاب المحرمات مع الايمان بتحريمها او أعم مما هو صادر عن اللسان والقلب فيكون كفر او نفاقا ومما هو صادر عن النفس الامارة بالسوء حال كون قلبه مطمئنة بالايمان ولسانه ما خلقنا به فيكون ايمانا مجازيا عاما وقيل الأشقى بمعناه للتفضيل والمراد به الكافر فانه أشقى من الفاسق لكن يصلى هاهنا ليس على إطلاقه بل المراد منه المقيد باللزوم والشدة قال البيضاوي لا يصليها لا يلزمها مقاسيا شدتها الا الأشقى اى الكافر فان الفاسق وان دخلها ان لم يغفر لا يلزمها فلا نقض فى الحصر وقيل لا حاجة الى هذه التكليف بل الضمير فى لا يصلها عائد الى نارا تلظى ولا يصلى نارا تتلظى وتتلهب الا الكافر واما الفاسق فادخل جهنم لا يصلى نارا تتلهب بل نارا ضعيفة بالنسبة الى الكافر وهى الطبقة العليا من النار وعندى ان المراد بالأشقى هو الكافر كما هو الظاهر النار ايضا على عمومها فان التلهب توصف بها نار الدنيا ايضا ونار جهنم وان كانت ضعيفة فهى أشد من نار الدنيا البتة لكن الحصر فى الاية إضافي بالنسبة الى المؤمنين الموجودين فى زمان النبي صلى الله عليه وسلم فالاية تدل على عدم دخول أحد من الصحابة فى النار كيف وقد انعقد الإجماع على ان الصحابة كلهم عدول وقد قال الله تعالى وكلا وعد الله الحسنى وقال كنتم خير امة أخرجت للناس وقال محمد رسول الله والذين معه الاية وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تمس النار مسلما رانى او راى من رانى رواه الترمذي عن جابر وقال أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم رواه رزين عن عمر بن الخطاب فمن صدر منه معصية فهم على سبيل الندرة وفق غالبا للتوبة فان التائب كمن لا ذنب له رواه ابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعا او أدركته الرحمة ببركة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حق الصلحاء من أمته هم قوم لا يشقى جليسهم ولا يخاب انيسهم

[سورة الليل (92) : آية 17]

فى حديث فى الصحيحين والترمذي عن ابى هريرة فما أظنك فيمن جالس سيد المرسلين فى حين من الدهر والله تعالى اعلم ولما كان الناس فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم منحصرين فى فريقين اما مومن تقى اتقى الناس ممن سواهم او كافر فلذلك ترى كلام الله مشحونا من ذكر هذين الفريقين وقلما يستفاد حال عصاة المؤمنين من القران لان الكلام غالبا يبحث عن احوال الموجودين والله تعالى اعلم فلا يجوز بهذه الاية استدلال المرجئة على ان المؤمن ان كان فاسقا لا يدخل النار وان السيئات من الكبائر والصغائر مطلقا لا يضر مع الايمان لان الحسنات مطلقا لا تنفع مع الكفر وبه قال الروافض شيعة على ولا استدلال المعتزلة على ان مرتكب الكبيرة مخلد فى النار وليس بمؤمن وجه استدلالهم ان ارتكاب الكبيرة موجب لدخول النار بالإجماع وان خالف المرجئة فلو كان مرتكب الكبيرة مومنا لم يكن أشقى الناس فلا يصلها بهذه الاية واهل السنة يأولون هذه الاية بما ذكرنا من التأويلات جمعا بين النصوص وجريا على ما انعقد عليه الإجماع من ان الله تعالى لا يغفران يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء سواء تاب او لم يتب وقال الله تعالى يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وقال يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقال من يعمل مثقال ذرة خيرا يره فلا يجوز فى حق المؤمن الخلود فى النار وان كان فاسقا غير مغفور وقد تواتر قوله صلى الله عليه وسلم من قال لا اله الا الله دخل الجنة وقال الله تعالى ومن يعمل مثقال ذرة شرايره يعنى ان شاء الله ان يعذبه ولم يغفره يرى جزاء السيئة فى النار ولولا مقتضى إتيان المحرمات وترك الواجبات دخول النار كما قالت المرجئة لصارت الشريعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر كلها سفسطة ولا يقولها الا كاهن او مجنون. وَسَيُجَنَّبُهَا عطف على لا يصليها والسين للتحقيق الْأَتْقَى اى الذي اتقى الشرك الجلى والخفي والمعاصي القلبية والقالبية والنفسانية وذلك بعد تزكية النفس واطمينانها. الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ الفقراء وفى فك الرقاب ووجوه الخير يَتَزَكَّى بدل من يوتى ولا محل له من الاعراب او منصوب على الحالية من فاعله اى يطلب ان يكون عند الله زاكيا لا يريد به رياء ولا سمعة او يتفعل من الزكوة والمفهوم عندنا غير معتبر فلا تدل تلك الاية

على دخول تقى فى النار وكذا عند الشافعي إذا الكلام خارج مخرج الجواب فى حادثة لاتفاق المفسرين على ان الاية نزلت فى ابى بكر الصديق فالغرض منه توصيف الصديق بكونه اتقى الناس أجمعين غير الأنبياء وانما خصصنا بغير الأنبياء دلالة العقل والإجماع والنصوص وليس الغرض منه الاحتراز والحكم بدخول التقى دون اتقى فى النار ولو سلمنا المفهوم فالمراد بالتقى الذي جاز دخوله فى النار التقى عن الشرك فقط دون المعاصي والله تعالى اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن عروة ان أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب فى الله فنزلت وسيجنبها الأتقى الى اخر السورة قلت فحينئذ اللام للعهد واخرج حاكم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قال ابو قحافة لابى بكر أراك تعتق رقابا ضعفا فلو انك اعتقت رجالا اجلد يمنعونك ويقومونك دونك فقال يا أبت انما أريد ما عند الله فنزلت هذه الاية فاما من اعطى واتقى الى اخر السورة وذكر محمد بن اسحق قال كان بلال لبعض بنى جمع وهو بلال بن رباح واسم امه حمامه وكان صادق الإسلام طاهر القلب وكان امية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا يزال على هذا حتى يموت او تكفر لمحمد فيقول وهو فى ذلك البلاء أحد أحد قال محمد بن اسحق عن هشام بن عروة عن أبيه قال مر به ابو بكر يوما وهم يصنعون به ذلك وكانت دارابى بكر فى جمح فقال لاميّة الا تتقى فى هذا المسكين قال أنت أخذته فانقذه مما ترى قال افعل عندى غلام أسودا جلد منه وأقوى على ذلك أعطيتك قال قد فعلت فاعطاه ابو بكر غلامه واخذه فاعتقه ثم أعتق معه على الإسلام قبل ان يهاجر رقاب بلال سابعهم عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بير معونة شهداء وأم عميس وزبير فاصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش ما اذهب بصرها وأعتق ابنتها الهدنة وكانتا لامراة من عبد الدار بمنزلهما وقد بعثتها سيدتها يطحنان وهى تقول والله لا اعتقكما ابدا فقال ابو بكر حلا فلان فقالت حلا أنت افدتهما فاعتقهما قال فيكم قالت بكذا وكذا قال فاخذتهما وهما حرتان ومر بجارية بنى مومل وهى يعذب فابتاعها فاعتقها وقال سعيد بن المسيب بلغني ان امية بن خلف قال لابى بكر فى بلال حين قال ابتعيه قال نعم أبيعه بنسطاس عبد لابى بكر صاحب عشر آلاف دينار وغلمان وجوارى ومواش وكان حمله ابو بكر على الإسلام

[سورة الليل (92) : آية 19]

على ان يكون ماله له فابى فابغضه ابو بكر فلما قال له امية أبيعه بغلامك نسطاش اغتنمه ابو بكر وباعه منه فقال المشركون ما فعل ذلك ابو بكر ببلال الا ليد كان له عنده فانزل الله عز وجل. وَما لِأَحَدٍ بلال ولا لغيره من الغلمان عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى وكذا اخرج البزار عن ابن الزبير انها نزلت فى ابى بكر والجملة حال من فاعل يوتى ماله او مستأنفة كانه فى جواب بل كان لاحد ممن يوتيه ماله عنده يجزى ان يكافيه عليهما ويقصد بإعطائه او اعتاقه مجازا بها. إِلَّا استثناء منقطع اى لكن يفعل ذلك ابو بكر ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ج طلبا لرضاه ويجوز ان يكون متصلا عن محذوف تقديره لا يوتى ماله لغرض من الأغراض ومكافاته لنعمة الا لغرض ابتغاء وجه الله وطلب رضائه. وَلَسَوْفَ يَرْضى ع الله عنه بما يفعل او يرضى عن الله تعالى بما يعطيه من الجزاء فى الاخرة من الجنة والكرامة عطف على وسيجنبها وهذه الاية لابى بكر كقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله وسلم ولسوف يعطيك ربك فترضى وكون ابى بكر اتقى الناس بعد الأنبياء دليل على كونه أفضلهم لقوله تعالى ان أكرمكم عند الله أتقاكم وعليه انعقد الإجماع عن ابن عمر قال كنا فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بابى بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك اصحاب النبي صلى الله عليه واله وسلم لا تفاضل بينهم رواه البخاري وسال محمد بن الحنيفة عن على اى الناس خير بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ابو بكر قال ثم من قال عمر رواه البخاري وقد بسطنا الكلام فى هذه المسألة وذكرنا فيها الأحاديث والآثار وروايات الإجماع والمنقول فى كتابنا السيف المسلول انصرافا على الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا امال حمزة والكسائي اواخر هاتين السورتين والليل والضحى الا قرنه تعالى سبحى فان حمزة فتحها وامال ابو عمرو للعسرى ولليسرى وما سواهما بين بين وورش جميع ذلك بين بين والباقون بإخلاص الفتح فى الكل- والله تعالى اعلم.

سورة الضحى

سورة الضّحى مكيّة وهى احدى عشر اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الشيخان فى الصحيحين وغيرهما عن جندب بن عبد الله قال اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلة وليلتين فقالت امرأة يا محمد ما ارى لشيطانك الا قد تركك فانزل الله تعالى وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وقال البغوي قال يعنى جندب ان امرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة ابى لهب واخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال مكث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أياما لا ينزل عليه الوحى فقالت أم جميل امرأة ابى لهب ما ارى صاحبك الا قد ودعك وقلاك فانزل الله والضحى الآيات واخرج سعيد بن منصور وغيره عن جندب قال ابطأ جبرئيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال المشركون قد ودع محمد فنزلت واخرج ابن جرير عن عبد الله بن شداد ان خديجة قالت للنبى - صلى الله عليه وسلم - ما ارى ربك الا قد قلاك مما ترى من جزعك فنزلت وكلاهما مرسل ورجالهما ثقات قال الحافظ ابن حجر والذي يظهر ان كلا من أم جميل وخديجة قالت ذلك لكن أم جميل قالت شماتة وخديجة قالت توجعا واخرج ابن شيبة والطبراني بسنه فيه من لا يعرف عن حفص بن ميسرة القرشي عن امه عن أمها وكانت خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم اربعة ايام لا ينزل عليه الوحى فقال يا خولة ما حدت فى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبرئيل لا يأتيني فقلت فى نفسى لو نقيات البيت وكنسة فاهويت بالكناسة تحت السرير فاخرجت الجر وفجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا انزل عليه أخذته الرعد فانزل الله والضحى الى قوله ترضى قال الحافظ ابن حجر قصة إبطاء جبرئيل بسبب الجر ومشهورة لكن كونها سبب نزول الاية غريب بل شاذ مردود كما فى الصحيح قال البغوي

[سورة الضحى (93) : آية 4]

فى مدة احتباس الوحى عنه اختلاف فقال ابن جريج اثنى عشر يوما وقال مقاتل أربعون يوما فقال المشركون ان محمدا ودعه ربه وقلاه فانزل الله تعالى هذه السورة كذا اخرج ابن مردوية عن ابن عباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبرئيل ما جئت اشتقت إليك فقال جبرئيل انى كنت أشد شوقا إليك ولكنى عبد مامور بما انزل الله وما نتنزل الا بامر ربك قوله تعالى والضحى قبل أريد به النهار كله بدليل مقابلة الليل نظيره قوله تعالى ان يأتيهم بأسنا ضحى يعنى نهارا وقال قتادة ومقاتل يعنى وقت الضحى وهى الساعة التي فيها ارتفاع الشمس قيل خص ذلك الوقت لانها الساعة التي كلم فيها موسى عليه السلام والقى فيها السحرة سجدة وهى الساعة يعدل فيها النهار فى الحر والبرد فى الصيف والشتاء والليل إذا سجى الظرف اما متعلق بفعل القسم او بمضاف مقدر على الليل اى وحصول الليل إذا سجى او صفة الليل بتقدير المضاف وإذا بمعنى الوقت منسلخا عن معنى الظرفية بدل من الليل مقسم به قال الحسن اقبل بظلام وهى رواية العوفى عن ابن عباس وقال الوالبي إذا ذهب وقال عطاء والضحاك غطى كل شىء بالظلمة وقال مجاهد استوى وقال قتادة وابن سكن استقر ظلامه فلا يزداد بعد ذلك او المراد سكن الناس فيه والأصوات يقال ليل ساج وبحر ساج إذا كان ساكنا وتقديم الليل فى السورة السابقة باعتبار الأصل وتقديم الضحى هاهنا للشرف وجواب القسم قوله تعالى ما وَدَّعَكَ اى ما تركك وقطع عنك قطع مودع ربّك وما قلى وما أبغضك حذف الضمير المنصوب اكتفاء بما سبق اختصار او رعاية للفواصل اخرج الطبراني فى الأوسط بإسناد حسن عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض على ما هو مفتوح لامتى بعدي فسرنى فانزل الله تعالى. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ط يجوز ان يكون هذه الاية متصلا بما سبق ووجه اتصاله ان قوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى يتضمن ان الله مواصلك بالوحى إليك وانك حبيب الله ولا يكون كرامته أعظم ذلك فاخبره بأن حاله فى الدار الاخرة خير له وأعظم من ذلك لتقدمه على الأنبياء واختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه الأولون والآخرون وشهادة أمته على الأمم وقد ذكرنا بعد ما يختص به النبي صلى الله عليه وسلم فى الاخرة من الفضائل

[سورة الضحى (93) : آية 5]

فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض الاية وروى البغوي بسنده من طريق ابن ابى شيبة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انا اهل بيت اختار الله لنا الاخرة على الدنيا او المعنى وللاخرة اى الحالة الاخرة خير لك من الاولى ونهاية أمرك خير من بداية يعنى لا تزال تتصاعد فى الرفعة والكمال قالت الصوفية من استوى يوماه فهو مغبون واخرج الحاكم والبيهقي فى الدلائل والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال عرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هو مفتوح على أمته فسرته فأنزل الله تعالى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى حذف المفعول الثاني ليعطيك ليدل على العموم والشمول اى يعطيك عطاء جزيلا من النصر والتمكين وكثرة المؤمنين وشيوع دينك فى الأرضين فى الدنيا ومن الشفاعة وكثرة الثواب وغير ذلك لا يخفى وما لا يعلمه الا الله تعالى فى الاخرة وأفضل العطيات روية الله سبحانه على حسب كمال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعلى درجات القرب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اذن لا ارضى وواحد من أمتي فى النار وعن على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اشفع لامتى حتى ينادى ربى أرضيت يا محمد فاقول اى ربى رضيت وقال عطا عن ابن عباس المراد يعطيك ربك الشفاعة فى أمتك حتى ترضى وهو قول على والحسن عليهما السلام وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله يا جبرئيل اذهب الى محمد فقل انا سنرضيك فى أمتك ولا تسؤك به رواه مسلم وروى حرب بن شريح سمعت أبا جعفر محمد بن على يقول انكم معشر اهل العراق تقولون أرجى اية فى القران يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله وانا اهل البيت نقول أرجى اية فى كتب الله ولسوف يعطيك ربك فترضى واللام قيل للابتداء دخل على الخبر بعد حذف المبتدا والتقدير ولانت سوف يعطيك لا للقسم فانها لا تدخل على المضارع الا مع النون المؤكدة وجمعها مع سوف للدلالة على ان اللام لام القسم لا لاما لابتداء وقد علم انها ليس للابتداء لدخولها على سوف ولام الابتداء لا تدخل على سوف ثم عد الله سبحانه ما أنعم عليه من أول حاله ليقيس ما يترقب من فضل الله على ما سلف منه فقال. أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً ان كان من وجدت بمعنى علمت يتيما مفعول الثاني وان كان بمعنى المصادفة فمنصوب على الحال والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والغرض منه التقرير اى اقرار المخاطب به

والمعنى وجدك يتيما يعنى صغيرا فقيرا حين مات أبوك ولم يخلف لك مالا ولا ماوى وفى هذه الجملة تأكيد لقوله فاودعك فَآوى يعنى اولك الى عمك ابى طالب وضمك اليه حتى كفلك روى البغوي من طريق الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سالت ربى مسالة وددت انى لم أكن سالته قلت يا رب انك أتيت سليمان بن داود ملكا عظيما وأتيت فلانا كذا قال يا محمد الم يجدك يتيما فاويتك قلت بلى اى رب قال الم أجدك ضالا فهديتك قلت بلى اى رب قال الم أجدك عائلا فاغنيتك قلت بلى اى رب وزاد فى بعض الروايات الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك بلى اى رب زعم اكثر الناس ان النبي صلى الله عليه وسلم سال ربه هذه المسألة المال والغنى حيث قالوا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان مفلسا وكانت قريش تعير بذلك حتى قالوا ان كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كايسر اهل مكة فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم وظن ان قومه انما كذبوه بفقره فسال ربه هذه المسألة فعدد الله عليه نعمه ووعده الغنى ليسليه وهذا ليس بشئ بوجوه أحدها ان رفعة شأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتضى ان سال ربه الدنيا وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فاراها أيما شمم وأكدت وهذه فيها ضرورته ان الضرورة لا تعدوا على العصم وثانيها ان قوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى يابى عنه فان صيغة الماضي تدل على الحصول وسوال الغنى بعد حصول محال وثالثها انه لو سال ربه لاعطاه وقد صح انه ما شبع ال محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فى الصحيحين من حديث عائشة وقالت الصوفية العلية فى تحقيق مثل هذا المقام ان الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه الى الله سبحانه ويسمونها بالعروج والسير الى الله او السير في الله وقد يعترضه حالة التوجه الى الخلق لاجل الإرشاد والدعوة الى الله فيسرى نفسه فى هذه الحالة فى بادى النظر منقطعا عن الله متوجها الى الخلق وهو فى الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وايضا لما كان هذا الانقطاع مامورا به مرضيا للمحبوب فهو فى حكم الوصل والاتصال بل اولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم الصوفي فى هذه الحالة غاية يكون فى الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر الى الصحراء وقد ذكر مرارا ان من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم

[سورة الضحى (93) : آية 7]

قالوا ان نوحا عليه السلام لم يبلغ فى النزول غاية ولذلك ما أمن معه الا قليل وهم اصحاب السفينة مع لبثه فيهم الف سنة الا خمسين عاما وان محمدا صلى الله عليه وسلم كان نزوله أتم واوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء ولذلك شاع دينه فى الورى مع لبثه فيهم ثلثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين او ادنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بما كان من القران ولاجل كمال نزول كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دايم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ما أوذي أحد مثل ما أوذيت رواه ابن عدى وابن عساكر عن جابر وابو نعيم فى الحلية عن انس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام الف سنة الا خمسين عاما وأوذي عيسى ع حتى ارتقى الى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا فى البلاء فلعل نزول هاتين السورتين اعنى والضحى والم نشرح كان لتسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - فى حالة النزول فى بدو امره حين راى نفسه فى بادى النظر منقطعا عن الله متوجها الى الخلق ووافق ذلك فترة الوحى وحزن حزنا شديدا حتى قال فى صحيح البخاري بلغنا انه غدا مرارا كى يتردى من رؤس شواهق الجبل وكلما او فى بذروة الجبل لكى يلقى نفسه منه ينادى جبرئيل فقال يا محمد انك رسول الله حقا فيسكن لذلك جاشه تقر نفسه وقالت خديجة انى ارى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سوال النبي صلى الله عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوجه الى الخلق التي زعمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله ما ودعك ربك وما قلى انه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وان كان هبوطا وفراقا صورة وللاخرة خير لك من الاولى يعنى كل حالة آخرة تأتى عليك خير من الحالة الاولى لا يتطرق فى أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون فى الدار الاخرة روية ووصالا بالكلية ولا يكون هناك تكليف التبليغ والتوجه الى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وأجلا ما تحب وترضى ألم يجدك يتيما فاوى. وَوَجَدَكَ عطف على معنى الم يجدك يتيما فان معناه وجدك فهو عطف الخبر على الخبر دون الإنشاء ضَالًّا عن معالم النبوة واحكام الشريعة غافلا

[سورة الضحى (93) : آية 8]

عن كل مالا طريق الى دركه الا السمع نظيره قوله تعالى وان كنت من قبله لمن الغافلين وقوله ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان كذا قال الحسن والضحاك وابن كيسان وقيل ووجدك ضالا فى شعاب مكة صبيا صغيرا حين فطمتك حليمة وجاءت بك لترد الى جدك عبد المطلب كذا روى ابو الضحى عن ابن عباس وقال السعيد بن المسيب خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمه ابى طالب فى قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء ناقة جاء إبليس فاخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق فجاء جبرئيل فنفخ إبليس نفخة وقع منها الى الحبش ورده الى القافلة وقيل وجدك ضالا نفسك لا تدرى من أنت وقال بعض الصوفية معناه وجدك محبا عاشقا مفرطا فى الحب والعشق يكنى باتصال لاستلزام السكر غالبا والسكران يغاط الطريق غالبا وفى الحديث حبك الشيء يعمى ويصم فهى تسمية السبب باسم المسبب كما فى قوله تعالى انزل الله من السماء من رزق يعنى من مطر قال الله تعالى عن اخوة يوسف ان أبانا لفى ضلال مبين وانك لفى ضلالك القديم وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبّا انّا لنريها فى ضلال مبين فَهَدى اى فهداك الى معالم الدين او الى جدك عبد المطلب او الى القافلة او عرفك نفسك وحالك ومن عرف نفسه فقد عرف ربه او هديك الى وصل محبوبك حتى كنت قاب قوسين او ادنى. وَوَجَدَكَ عائِلًا فقيرا فَأَغْنى اى اعطاك بمال خديجة او بما حصل لك ربح فى التجارة بالغنائم والمراد بالغناء على هذا التقادير دفع الحاجة وان كان بالقليل لا بمالكية النصاب وقال مقاتل يعنى اغنى قلبك فارخاك بما اعطاك من الرزق واختاره الفراء وقال لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم غنيا بكثرة المال والعرض لكن الغنى عنى النفس متفق عليه وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أفلح من اسلم ورزق كفافا فقنعه الله بما أتاه رواه مسلم. فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ هذه الجملة وما بعدها الى اخر السورة معترضات أوردت استطرادا بين قوله الم يجدك الى آخره الم نشرح لك او هى تذئيل بما سبق ذكر اليتيم والعائل الفقير السائل غالبا واتصال السائل للارشاد غالبا وذكر نعمة الإيواء والهداية والغناء فضل ما أجمل ذكره باما وأورد بالفاء للسببية فى فاما اليتيم فلا تقهر لان كونه صلى الله عليه وسلم يتيما وقال الفراء والزجاج لا تقهر على ماله فتذهب بحقه بضعفه كما كانت العرب تفعل كذلك نهى لامته وان كان

[سورة الضحى (93) : آية 10]

خطاب اليه بشرفه عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم بحسن اليه وشر بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم يساء اليه قال - صلى الله عليه وسلم - اما انا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا يشير بإصبعيه رواه البغوي وكذا روى البخاري فى الأدب وابن ماجة وابو نعيم فى الحلية. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ قال المفسرون السائل على الباب لا تنهره وتزجره فقد كنت فقيرا عائلا فاما ان تطعمه واما ان ترده رد إلينا برفق وروى عن الحسن فى قوله واما السائل فلا تنهر قال طالب العلم إذا سال عن مسئلة فلا تنهره وعن ابن مسعود من كتم علما عن اهله الجم يوم القيامة لجام من نار وهذه الجملة على التأويل الثاني يتصل بقوله ووجدك ضالا فهدى ويكون النشر على ترتيب اللف واما على التأويل الاول فيتصل بقوله ووجدك عائلا. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ع يعنى اشكر على ما أنعم ربك عليك وهذه الجملة على تقدير اللف والنشر المرتب متصل بقوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى عن سنان بن سنية عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطاعم الشاكر له مثل اجر الصائم الصابر رواه احمد وابن ماجة والدارمي بإسناد صحيح ورواه الترمذي من حديث ابى هريرة وعن اشعث بن قيس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان اشكر الناس لله اشكرهم للناس وفى رواية لا يشكر الله من لا يشكر الناس رواه احمد ورواته ثقاة وعن جابر بن عبد الله ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من صنع اليه معروف فليجزيه فان لم يجد ما يجزيه فليثن عليه فانه إذا اثنى عليه فقد شكر وان كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبين من زور رواه البغوي وعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير من لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر والجماعة رحمة الله والفرقة عذاب الله رواه البغوي هذه الأحاديث يقتضى شكر المشائخ والاساتذة وحسن الثناء عليهم ورضوان الله عليهم أجمعين قال المجاهد المراد بالنعمة فى الاية النبوة روى عنه بشير واختاره الزجاج والمعنى بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي أتاك وقال الليث عن مجاهد يعنى القران وهو قول الكلبي امره ان يقراه فعلى هذا هذه الاية متصل بقوله ووجدك ضالا فهدى قال مقاتل اشكر ما ذكر فى هذه الاية مما أنعمنا عليك من الإيواء والهداية والأغنياء والتحدث

بنعمة الله شكر وهذا اظهر فان النعمة المذكورة مطلق لا وجه للتخصيص والشكر على كل نعمة دينية كانت او دنيوية واجب فعلى هذا هذه الاية متصل بالجمل الثلث المذكورات وقد ذكر ما فى هذه الاية من اختلاف القراءة فى الامالة والفتح فى اخر سورة الليل- (مسئله) يجب الشكر على كل نعمة والشكر صرف النعمة فى رضاء المنعم فشكر نعمة المال صرفها بالإخلاص فى سبيل الحق وشكر نعمة البدن أداء الواجبات والاجتناب عن المعاصي وشكر نعمة العلم والعرفان التعليم والإرشاد- (مسئله) تحديث النعمة شكر ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم انا سيد ولد آدم ولا فخر ونحو ذلك وقد ذكرنا فى سورة البقرة ومن هذا القبيل ما قال الشيخ محى الدين عبد القادر رضى الله عنه وكل ولى له قدم وانى على قدم النبي بدر الكمال وقوله قدمى هذه على رقبة كل ولى الله ومنه ما ذكر المجدد رض مما أعطاه الله سبحانه مدارج القرب من الولايات الثلاث وكمالات النبوة والرسالة واولى العزم ايضا بالتبعية والوراثة وحقائق الأنبياء كذلك وغير ذلك وكونه مخلوقا فى طينة النبي صلى الله عليه وسلم وكونه مجددا وقيوما فمن أنكر على ما هؤلاء الرجال فى مثل هذه المقال فكانه أنكر هذه الاية الكريمة من الله ذى الجلال غير انه لا بد للتحديث بمثل هذه الأقوال تنزه القائل عن صفات النفس بالكلية فلا يجوز لكل أحد الاجزاء على مثل هذه الأقوال كيلا يتردى فى ورطة انا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين- (فصل) قال البغوي السنة فى قراءة اهل مكة ان يكبروا من أول السورة والضحى على راس كل سورة حتى يختم القران فيقول الله اكبر قال البغوي كذلك قرائته على الامام المقري ابى نصر محمد وذكر سلسلة اسناد قراءة ابى كثير وقال ابن كثير انه قرأ على مجاهد وهو على ابن عباس وهو على ابن كعب ثم ذكر سلسلة اخرى لاسناد قراءة ابى اسمعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد قال فلما بلغت والضحى قال لى كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة فانا قرأنا على ابن كثير فامرنا بذلك وأخبره ابن عباس انه قرأ على ابى بن كعب فامره بذلك وأخبره انه قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فامره بذلك وكان سبب التكبير ان الوحى لما احتبس قال المشركون هجره شيطانه وردعه فاغتم النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك فلما نزل والضحى كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرحا بنزول الوحى فاخذوه سنة انتهى

وما ذكره البغوي آخرا ذكره ابو عمرو الداني فى التيسير اولا وما ذكره اولا ذكره الداني آخرا فانه قال ان البزي روى عن ابن كثير بإسناده انه كان يكبر اخر والضحى مع فراغته ومن كل سورة الى اخر قل أعوذ برب الناس يصل التكبير فان كان اخر السورة متحركا نحو إذا حسد والناس والأبتر وصل التكبير وأسقط همزة الوصل منه وان كان ساكنا نحو فحدّث وفارغب او منونا نحو توابا ولخبير ومن مسد حرك الساكن ونون التنوين بالكسر ووصل بالتكبير فان شاء القاري قطع عليه اى على التكبير وابتداء بالبسملة موصولة باول السورة التي بعدها قلت او مفصولة وان شاء وصل التكبير بالبسملة ووصل البسملة باول السورة ولا يجوز القطع على بسملة إذا وصلت التكبير بها يعنى إذا وصلت التكبير باخر السورة فالاحتمالات اربعة القطع على التكبير والبسملة او الوصل فيها او القطع على الاول دون الثاني او بالعكس فيجوز الثلاثة الاول ولا يجوز الرابع قال الداني وقد كان بعض اهل الأداء يقطع على اواخر السورة ثم يبتدئ بالتكبير موصولا بالبسملة قال ابو عمرو كذلك روى النقاش عن ابى ربيعة عن البزي وبذلك قرأه على الفارسي عنه وهذا ما ذكره البغوي اولا قلت وبكلا الوجهين قرأت على الشيخ المقري صالح المصري وهو على شيخ القراء قدوة المتأخرين الشيخ عبد الخالق المتوفى وذكر الشيخ الصالح المصري صفة التكبير على رواية البزي لا اله الا الله والله اكبر فان قرأ التكبير أول سورة والضحى لا يقرأ بعد سورة والناس ولا يقطع على التكبير بين السورتين موصوله للتكبير بالأولى منها فان وصل التكبير باخر السورة الاولى وجب الوصل بين التكبير والبسملة وأول السورة جميعا وان قطع التكبير عن اخر السورة فله الخيار فى الوصل والقطع بين التكبير والبسملة وبينها وبين السورة والله تعالى اعلم.

سورة الانشراح

سورة الانشراح مكية وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ هذه الجملة وما بعدها على ما روى البغوي عن ابن عباس متصل بقوله تعالى الم يجدك يتيما فاوى الى قوله تعالى فاغنى فان صح تلك الرواية فذلك والا فالظاهر ان هذه السورة ايضا نازلة فى مثل تلك الحالة بعد سوال من النبي صلى الله عليه وسلم محققا او مقدرا ومعنى الاية على مثل ما سبق شرحنا لك صدرك حتى اتسع فى صدرك من العلوم الحقة والمعارف الدينية المبصرة بنور الله تعالى ما لا سبيل إليها لعقل العقلاء واجمع فيه التوجه الى الله تعالى والحضور التام مع التوجه الى الخلق لاجل الدعوة فى مرتبة النزول فليس لك فى حالة النزول انقطاعا عن الله تعالى فى الحقيقة حتى تغتم به وشرح الصدر قد وقع للنبى صلى الله عليه وسلم فى مرتبة العيان مرتين مرة فى صباه كما روى مسلم عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبرئيل وهو يلعب فى الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله فى طشت من ماء الزمزم ثم لأمه وإعادة فى مكانه وجاء الغلمان يسعون الى امه اى ظئره فقالوا ان محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال انس فكنت ارى اثر المخيط فى صدره ومرة ثانية ليلة المعراج كما فى الصحيحين عن انس قال كان أبو ذر يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذكر ايضا قصة المعراج وفيه فنزل جبرئيل ففرج صدرى ثم غسله بماء الزمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلى حكمة وايمانا فافرغه فى صدرى ثم اطبقه وفى رواية فى الصحيحين عن انس عن مالك بن صعصعة ان نبى الله حدثهم فشق ما بين هذه الى هذه يعنى من ثغرة نحره الى شعرته فاستخرج قلبى ثم أتيت بطست من ذهب مملو ايمانا فغسل قلبى ثم حشى ثم أعيد وفى رواية ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملى ايمانا وحكمة الحديث

[سورة الشرح (94) : آية 2]

قلت والعلقة التي أخرجت من قلب النبي صلى الله عليه واله وسلم هى رزائل العناصر والنفس والقلب الداعية للنفس على كونها امارة بالسوء وباعثة للجوارح على المعاصي ثم عطف على شرحنا لك صدرك المفهوم من الم نشرح قوله تعالى. وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الوزر فى الأصل الجبل قال الله تعالى كلّا لا وزر يعنى جبل هناك يلتجى اليه والمراد هاهنا الثقل على سبيل الاستعارة وذلك الثقل اما ان يراد به غم الفراق وتوهم الوداع الذي احزن النبي صلى الله عليه واله وسلم وانقض ظهره فزال الله سبحانه ذلك الغم والحزن بانزال الآيات من سورة الضحى والم نشرح حتى سكن للنبى صلى الله عليه واله وسلم جاشه واستقر نفسه وعلم ان ذلك الفراق ليس على سبيل الوداع والقلى بل لحكمة ومنفعة فعد الله سبحانه ازالة هذا النعم من النعم واما ان يراد به ثقل التكاليف الشرعية من دعوة الحق وتبليغ الاحكام وإتيان ما امر الله به وانتهاء كل ما نهى فان التكاليف الشرعية شاق إتيانها الم تر ان السموات والأرض والجبال أبين ان يحملنها وأشفقن منها وقال الله تعالى وانها لكبيرة الا على الخاشعين فلما شرح الله صدره صلى الله عليه وسلم للايمان والحكمة وأزال عنه حظ الشيطان ورزائل النفس التي جبلت عليها النفوس صارت التكاليف الشرعية له صلى الله عليه واله وسلم طبيعته ومرغوبة ومحبوبة حتى قال وجعلت قرة عينى فى الصلاة وهذه المرتبة التي عبر الله سبحانه عنها بوضع الوزر يسمونها الصوفية بالايمان الحقيقي وهذا هو المعنى من قولهم بسقوط التكليف عن الصوفي وهذه المرتبة العليا اعنى شرح الصدر ووضع الوزر حصلت للنبى - صلى الله عليه وسلم - ظاهرا وعيانا كما روينا وتحصل لاولياء أمته بوراثته باطنا بحيث يظهر فى المثال وذلك بعد فناء النفس وزوال العين والأثر وهناك يحكم الصوفية العلمية ويبشرون بشرح الصدر والايمان الحقيقي كذا قال المجدد رض واستعدنا من المشائخ الكرام عليهم الرحمة والرضوان وما قال عبد الله بن يحى وابو عبيدة يعنى حققنا عنك أعباء النبوة والقيام بامرها يناسب التأويل الثاني مما قلنا وما ذكرنا من التأويلين اولى مما قيل ان معناه خططنا عنك ما سلف منك فى الجاهلية من الزلات لان النبي - صلى الله عليه وسلم - ارفع شانا من ان يصدر عنه زلة وما قيل المراد بالوزر ترك الأفضل مع إتيان الفاضل وغيرها من التكلفات. الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ اى أثقله فاوهنه حتى سمع له نقيض اى صوت مثل صوت الرجل عند ثقل الحمل صفة الوزر فان كان المراد من الوزر غم الفراق كما ذكرنا اولا فلا حاجة الى التكلف

[سورة الشرح (94) : آية 4]

والتأويل فأنه كان انقض ظهره وان كان المراد به كلفة التكليف كما ذكرنا ثانيا فمعناه لولا شرحنا صدرك ووضعنا وزرك انقض كلفة التكليف ظهرك ولم تستطع إذا ما وجب عليك حق ادائه قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا يعنى لولا فضل الله ولما كان كلفة التكليف موجبا لنقض الظهر فى الدنيا مانعا عن إتيان الواجبات أورد النقض بصيغة الماضي كما قيل مع كون النبي صلى الله عليه واله وسلم معصوما كان المناسب حينئذ إيراد صيغة المستقبل فان المعاصي لا تنقض الظهر الا فى الاخرة حين يجازى عليها. وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ط روى البخاري عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم انه سال جبرئيل عن هذه الاية ورفعنا لك ذكرك قال الله تعالى إذا ذكرت ذكرت معى قلت هذه الاية والحديث يقتضى ان الملأ الأعلى إذا يذكرون الله تعالى يذكرون معه محمدا صلى الله عليه واله وسلم وقد سبق انه مكتوب على ساق العرش وقد مر فى سورة البروج ما روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال ان فى صدر اللوح لا اله الا الله وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله الحديث قال عطاء عن ابن عباس يريد الاذان والاقامة والتشهد والخطبة على المنابر ولو ان عبدا عبد الله وصدقه فى كل شىء ولم يشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينفع بشئ وكان كافرا قال الحسان ابن ثابت رض أعز عليه بالنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي باسمه إذا قال فى الخمس الاذان اشهد فشق له من اسمه لحله فذو العرش محمود ذاك محمد صلى الله عليه واله وسلم وقيل رفعه بأخذ ميثاقه على النبيين والزمهم الايمان به والإقرار بفضله. فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ الذي أنت فيه يُسْراً عظيما فان تنكيره للتعظيم وهذه الجملة واقع موقع التعليل المحذوف تقديره لا تحزن على ما أصابك من العسر فان مع العسر يسرا انّ مع العسر يسرا قيل التنكير لتاكيد الوعد وتعظيم الرجاء والصحيح انه استيناف وعده بان العسر مشفوع ميسر اخر لما روى عبد الرزاق فى تفسيره والحاكم فى المستدرك والبيهقي فى شعب الايمان مرسلا انه لما نزلت هذه الاية قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ابشروا قد جاءكم اليسر انه لن يغلب عسر يسرين ورواه ابن مردويه بإسناد ضعيف عن جابر وله شاهد موقوف على عمر رواه مالك فى الموطإ والحاكم وقال هذا أصح طرقه وقال البغوي قال ابن مسعود لو كان العسر

[سورة الشرح (94) : آية 6]

فى حجر لطلبه اليسر حتى يدخله انه لن يغلب عسر يسرين قال اهل العربية ان الكلمة إذا أعيد معرفة فالثانية عين الاولى سواء كانت اولى معرفة او نكرة لان الأصل فى اللام العهد وإذا أعيدت نكرة فالثانية غير الاولى سواء كانت اولى معرفة او نكرة لان حمل الكلام على التأسيس اولى من حمله على التكرير والتأكيد قال فى تنقيح الأصول ان أقر بألف مقيدا بصك مرتين يجب الالف وان أقربه منكرا يجب الفان عند ابى حنيفة رحمة الله تعالى الا ان يتحد المجلس قلت معنى إذا قامت القرينة ان المراد بالثاني هو الاول فان قيل هذا قول مدخول فيه فانه إذا قال الرجل ان مع الفارس سيفا ان مع الفارس سيفا لا يوجب ان يكون الفارس واحدا والسيف اثنان قلنا نعم إذا قامت القرينة ان الثانية هى الاولى يحمل على الاتحاد ومثال الفارس والسيف من هذا القبيل واما الاية فانه تصلح التأويلين لكن ما فسر به النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضى الله تعالى عنهم هو التأويل الصحيح وقال البغوي ما حاصله ان المراد بالآية ان مع العسر الواحد يسران لكن لا لتكرير النكرة بل لاجل ان قوله تعالى مع العسر يسرا متصل بما سبق ليليه ووعده النبي صلى الله عليه وسلم خاصة باليسر والغنى فى الدنيا عاجلا بعد الفقر الذي كان فيه ثم أنجز ما وعد وفتح عليه القرى ووسع ذات يده حتى كان يعطى المائتن من الإبل ويهب الهبات المسنية وقوله. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ط كلام مبتداء يدل عليه بقرينة عن الفاء والواو وهذا وعد لجميع المؤمنين ومجازة ان مع العسر فى الدنيا للمومنين يسر فى الاخرة فصار للنبى صلى الله عليه وسلم مع عسر واحد يسران يسر فى الدين ويسر فى الاخرة وقوله لن يغلب عسر يسرين فانه وان غلب يسرا واحدا وهو اليسر فى الدنيا فلن يغلب يسر الاخرة البتة وهو قوى أبدى قال البغوي رحمة الله تعالى جعل اللام فى العسر للعهد وفى الثاني للجنس والله تعالى اعلم فبعض المفسرين قالوا المراد بالعسر الفقر والشدة والبلاء من المشركين الذين كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه واشتكى منه الى ربه والمراد باليسر الاول زوال تلك الحالة بنصر الله تعالى والغنى بعد الفقر وقال البيضاوي المراد بالعسر ضيق الصدر والوزر المنقض للظهر وضلال القوم وإيذائهم وباليسر الاول شرح الصدر ووضع الوزر والتوفيق للاهتداء والطاعة واما اليسر الثاني فالمراد به

[سورة الشرح (94) : آية 7]

عند كلهم ثواب الاخرة قالوا معنى الكلام ان بعد العسر يسرا وانما أورد مع موضع بعد مبالغة فى معاقبة اليسر للعسر واتصاله به اتصال المتقاربين وعندى المراد بالعسر التوجه الى الخلق فى مقام النزول الموجب للحزن والغم والمراد باليسر الاول التوجه الى الخالق فى عين مقام النزول فان الصوفي فى تلك الحالة وان كان فى بادى النظر معرضا من الله تعالى متوجها الى الخلق لكنه فى الحقيقة ليس بمعرض عنه تعالى بل مقبل اليه ايضا واتسع صدره للتوجهين جميعا بل التوجه الى الخلق لما كان بإذن الله وعلى حسب امره ومرضاته فهو ايضا فى الحقيقة توجه الى الله سبحانه ومن ثم سمى هذا اليسر السير من الله بالله فعلى هذا كلمة مع فى قوله تعالى فان مع العسر يسرا بمعناه الحقيقي بمعنى المقارنة واما كلمة مع فى الجملة الثانية فلا شك انه على المجاز كما قالوا او معنى الكلام على هذا التأويل لا تحزن فان مع العسر والتوجه الى الخلق الموجب لحزنك يسرا وتوجها الى الخالق ليست بهجوب عنه الاخرة وخلوص التوجه الى الله تعالى فى الاخرة من غير شائبة حجاب وغيبة. فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ قال المفسرون النصب التعب والمعنى فاذا فرغت من دعوة الخلق فانصب واتعب بالعبادة شكرا لما عددنا عليك من النعم السابقة ووعدناك بالنعم الآتية او المعنى إذا فرغت من عبادة فانصب فى عبادة اخرى ولا تجعل وقتا من أوقاتك ضائعا خاليا قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليس يتحسر اهل الجنة الأعلى ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله فيها وقال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي إذا فرغت من الصلاة المكتوبة او مطلق الصلاة فانصب الى ربك فى الدعاء وارغب اليه فى المسألة يعنى قبل السلام بعد التشهد او بعد السلام وقال الشعبي إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك وقال ابن مسعود إذا فرغت من الفرائض فانصب فى قيام الليل وقال الحسن وزيد بن اسلم إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب فى عبادة ربك وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر وقال منصور عن مجاهد إذا فرغت من امر الدنيا فانصب فى عبادة ربك وقال حبان عن الكلبي إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب اى استغفر لذنبك وللمومنين فوجه اتصال هذه الاية بما سبق ان عند النعماء سبب للشكر واما على تأويلنا فمعنى الاية إذا فرغت

[سورة الشرح (94) : آية 8]

من دعوة الخلق المقصود من النزول الأتم فانصب اى انتصب وارتفع الى مدارج العروج ومقام الشهود فى الصحاح نصب الشيء وضعه وضعا ثانيا كنصب الزرع والبناء والحجر وفى القاموس نصب كفرج اعنى وهم ناصب اى منصب ونصب الشيء وضعه ورفعه ضد كنصبه فانتصب وتنصب وناقة نصباء مرتفعة الصدر وتنصب الغراب ارتفع فعلى هذا التأويل هذه الاية فى مقام التسلية مرادف بقوله تعالى ان مع العسر يسرا الاية. وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ ع عطف تفسيرى يقوله فانصب يعنى ارغب بالسؤال الى ربك ولا تسال غيره قال عطاء تضرع اليه راهبا من النار راغبا فى الجنة وقيل فارغب اليه فى جميع أحوالك قال الزجاج اجعل رغبتك الى الله وحده والجار والمجرور متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده يعنى فانصب وارغب الى ربك فارغب قلت تكرار الأمر بالرغبة لان الرغبة الاولى الى آلاء الله وصفاته والثانية الى ذاته المجردة الرفيعة عن الشيون والاعتبارات قرأة سورة الم نشرح لك صدرك يؤيد فى مقام النزول كما ان سبح اسم ربك الأعلى يؤيد فى مقام العروج وقد ذكرنا هناك والله تعالى اعلم.

سورة التين

سورة التّين مكّيّة وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ قال ابن عباس والمجاهد والحسن وابراهيم وعطاء ومقاتل والكلبي تينكم الذي تأكلون وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت قيل خص التين بالقسم لانه فاكهة مخلقة لا عجم لها شبيهة بفاكهة الجنة قيل فى الحديث انه بقطع البواسير وينفع من النقرس رواه الثعلبي وابو نعيم فى الطب من حديث ابى ذر بإسناد مجهول والزيتون شجرة مباركة وهو ثمر دهن يصلح للاصطباع وقال عكرمة هما جبلان وقال قتادة التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس وقال ابو محمد بن كعب التين مسجد اصحاب كهف والزيتون ايليا. وَطُورِ يعنى الجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام بين مصر وايلة سِينِينَ قال الضحاك هو لغة نبطية ومعناه الحسن وقال مقاتل كل جبل فيه أشجار شمرة فهو سنين وسينا بلغة بنط وقال عكرمة اسم للمكان الذي به هذا الجبل وكذا سيناء وقيل سريانية معناه الملتف بالأشجار وقيل لغة حبشية وقال مجاهد معناه البركة اى جبل مبارك وقال قتادة معناه الحسن اى جبل حسن وقال الكلبي معناه الشجر اى جبل ذو شجر وقيل اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها بوجودها عنده. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ اى ذا امانة يحفظ من دخل فيه كما يحفظ الامين ما ائتمن عليه او بمعنى فاعل او مفعول يعنى أمن من دخل فيه او المأمون فيه يا من فيه من دخله والمراد به مكة يا من الناس فيه فى الجاهلية والإسلام اقسم الله سبحانه بهذه الأشياء لان منبت التين والزيتون مهاجر ابراهيم ومقر الأنبياء ومهبط الوحى وطور المكان الذي نودى به موسى ومكة بيت الله الحرام ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ومهبط الوحى اليه جواب القسم. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اى الجنس فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ تفعيل من القيام والقوام قال فى الصحاح القيام والقوام اسم لما يقوم به الشيء اى تثبت قلت وهو ما يتحقق به الشيء يعنى احسن حقيقته وماهيته وذلك لاستجماعه ما فى عالم الكبير من لطائف عالم الأمر وعناصر عالم الخلق والنفس الناطقة المنشاة عن العناصر ولذلك

[سورة التين (95) : آية 5]

الاستجماع يظهر فيه خصائص الكائنات كلها من الصفات الملكية والسبعية والبهيمية والشيطانية ويتصف بالصفات الكاملة المنعكسة من الصفات الالهية من الحيوة والعلم والقدرة والارادة والسمع والبصر والكلام والمجنة التي سميت بناء العشق يتزين بنور العقل ويستعد للتجليات الظلية والصفاتية والذاتية ومن ثم اعطى خلعة الخلافة انى جاعل فى الأرض خليفة وقيل معنى احسن تقويم اى احسن صورة فان التقويم مصدر بمعنى التعديل فى القاموس قومته عدلته فهو قويم ومستقيم والمصدر هاهنا بمعنى المفعول او بمعنى الفعيل اى احسن صورة ومعدل قويم وذلك لان كل حيوان خلق مكبا على وجهه الا الإنسان خلق مستقيم القامة بادى البشرة يتناول ماكوله بيده. ثُمَّ رَدَدْناهُ اى صيرناه أَسْفَلَ سافِلِينَ قال البغوي نكرة تعم الجنس يعنى بمعونة المقام كما يقال كريم قائم ويؤيده ما فى مصحف ابن مسعود أسفل سافلين وان لم تعم فهو مهملة فى قوة الجزئية فيجوز ان يكون بعض السافلين أسفل منه ويوافق هذه الاية اعنى خلق الإنسان فى احسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين قوله عليه الصلاة والسلام ما من مولد الا يولد على فطرة الإسلام ثم أبويه يهوادنه وينصرانه ويمجسانه متفق عليه من حديث ابى هريرة غير ان فى الاية أسند الرد الى الله تعالى نظرا الى انه خالق لافعال العباد وفى الحديث الى الأبوين نظرا الى الكسب ولعل المراد بالسافلين ما جعله الله سبحانه سافل الاستعداد بحيث لا يمكنه تحصيل كمال من الكمالات الانسانية والصعود الى مصاعد القرب والتجليات الرحمانية من السباع والبهائم والشياطين والاجنة وجمعه سالما تغليبا للعقلاء منهم على غيرهم وهم الشياطين ومردة الجن فالانسان لما ضيع استعداده وترك شكر المنعم وإتيان موجبات الفوز ورضوان الله تعالى واتى بموجبات سخطه من الكفر ومقتضياته جعل أخبث من كل خبيث وأحط مرتبة من كل دنى وأسوأ حالا وابتر مالا من الكلاب والخنازير بل من الشياطين ايضا لما ورد فى حديث انس قال ويعرج له اى للكافر فرجة قبل الجنة فينتظر الى زمرتها وما فيها فيقال به انظر الى ما صرف الله عنك ثم يعرج له فرجة الى النار الحديث رواه ابن ماجة من حديث ابى هريرة وذلك ليفرح المؤمن كمال الفرح ويتحسر الكافر كمال الحسرة وروى البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل الجنة أحد الا ارى مقعده

[سورة التين (95) : آية 6]

من النار لو أساء ليزداد شكرا ولا يدخل النار أحد الا ارى مقعده من الجنة لو احسن ليكون عليه حسرة واما الشياطين فليس كذلك ولم يكن لهم مقعد فى الجنة لعدم استعدادهم دخولها وقال الحسن ومجاهد وقتادة معنى الاية ثم رددناه أسفل سافلين يعنى الى النار لان جهنم بعضها أسفل من بعض وقال ابو العالية يعنى الى النار فى شر صورة فى صورة خنزير ونحوه. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ استثناء متصل من الإنسان لاخراجهم من حكم الرد فانهم لا يرددون الى النار ولا يصيرون الى أخبث الأحوال فَلَهُمْ اى للمومنين الصالحين أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ط اى غير مقطوع او لا يمن به عليهم الفاء للسببية والجملة فى مقام التعليل للاستثناء مقرر له وقيل معنى الاية خلقنا الإنسان فى احسن تقويم اى اعدل صورة او أقوم حالة بحيث تيسر له كل ما أراد به وبتسخير له الحيوانات كلها والبر والبحر بل الجن والشياطين ايضا ثم رددناه فى بعض الافراد اى صيرناه بالهرم وأرذل العمر أسفل السافلين والسافلون هم الضعفاء والزمناء والأطفال فان الشيخ الكبير إذا زال عقله وضعف بدنه وغلب عليه العوارض والأمراض يصير أضعف من الضعفاء فعلى هذا قوله تعالى الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات استثناء منقطع بمعنى لكن للاستدراك ودفع توهم نشأ وهو ان المؤمنين ايضا بعد الهرم وسوء الكبر يكونون أسوأ حالا من الضعفاء ووجودهم فى هذه الحالة وبال عليهم فقال الله لكن الذين أمنوا وعملوا الصالحات قبل الهرم فى حالة القوة والشباب فاجورهم غير مقطوعة لا يزال يكتب حسناتهم على حسب ما كانوا يعملون قال الضحاك اجرا بغير عمل اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس فى هذه الاية قال هم نفر ردوا الى أرذل العمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسئل حين اسفت عقولهم فأنزل الله عذرهم ان لهم أجرهم الذي عملوا قبل ان تذهب عقولهم قال البغوي قال عكرمة لا يضر هذا الشيخ كبره إذا ختم الله له بأحسن ما كان يعمل وروى العاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات قال الا الذين قرؤا القران لم يردوا الى ارزل العمر وقال جلال الدين المحلى رحمة الله تعالى إذا بلغ المؤمن من الكبر بالعجز عن العمل كتب له ما كان يعمل وروى عن انس ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا ابتلى المسلم ببلاء فى جسده قال للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل وعن عبد الله ابن عمر ونحوه رواهما البغوي فى شرح السنة وروى البخاري عن ابى موسى نحوه فى المريض

[سورة التين (95) : آية 7]

والمسافر فان قيل مقتضى البلاغة تأكيد الكلام على قدر انكار المخاطب وكون الإنسان مخلوقا على احسن صورة ثم رده بالهرم الى ضعف امر بديهي لا ينكره أحد فكيف أورد الكلام بالقسم ولام التأكيد وكلمة قد على هذا التأويل قلنا لما كان تحول الأحوال على الإنسان دليلا واضحا على جواز الاعادة والجزاء والكفار كانوا ينكرون الاعادة والجزاء كانهم أنكروا التحول لانه من أنكر المدلول فكانه أنكر الدليل الواضح لاستلزام أحدهما الاخر. فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ المخاطب به الإنسان على سبيل الالتفات يعنى فاى شىء يحملك ايها الإنسان على التكذيب بالجزاء أو اى شىء جعلك كاذبا حيث تقول خلاف الحق ان لا بعث ولا جزاء بعد تلك الدلائل الواضحة من نفسك ان خلقك فقويك ثم ضعفك فاماتك قادر على اعادتك وجزاء أعمالك والاستفهام للتوبيخ والإنكار يعنى لا ينبغى لك التكذيب بالجزاء او المخاطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - وما للنفى وللاستفهام الإنكاري والمعنى لا شىء يكذبك او فاى شىء يكذبك اى يدل على كذبك فى قولك بالجزاء بالدلائل الواضحة على صدقك فينظر هذه الاية قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين وقيل ما بمعنى من والاستفهام للتعجب يعنى من ينسبك الى الكذب بعد تلك الشواهد على الصدق عجبا منه. أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ ع استفهام إنكاري للنفى ونفى النفي اثبات فهو تحقيق وتقرير لما سبق والمعنى أليس الذي فعل ذلك من الخلق والرد باحكم الحاكمين صنعا وتدبير او من كان كذلك كان قادرا على الاعادة والجزاء والجملة لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على تكذيب الكفار إياه مكابرة وعنادا او وعيد للكفار والمعنى أليس الله باقضى القاضين فهو يحكم بينك وبين من كذبك يا محمد كذا قال مقاتل او هى فى مقام التعليل بقوله تعالى فما يكذبك لا ينبغى لك ايها الإنسان التكذيب قال الله احكم الحاكمين عليك بالعذاب عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ بالتين فانتهى الى آخرها أليس الله باحكم الحاكمين فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين رواه ابو داود وعن البراء ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان فى سفر فقرأ فى العشاء فى أحد الركعتين بالتين والزيتون رواه البخاري والله تعالى اعلم.

سورة العلق

سورة العلق مكيّة وهى تسع عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى البغوي بسنده عن عائشة قالت أول سورة نزلت اقرأ باسم ربك وعليه اكثر المفسرين وأول ما نزل خمس الآيات من أولها الى قوله تعالى ما لم يعلم عن عائشة أم المؤمنين انها قالت ما بدأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم وكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو تعبد الليالى ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذلك ثم يرجع الى خديجة فيتزود امثلها حتى جاءه الحق وهو فى حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر وقال لقد خشيت على نفسى فقالت كلا والله ما يحزنك الله ابدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على توايب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسيد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر بالجاهلية وكان يكتب الكتاب العبرى فيكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله ان يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فاخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما راى فقال له ورقة هذا الناموس انزل الله على موسى يا ليتنى فيها جذعا يا ليتنى أكون حيا او يخرجك قومك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - او مخرجىّ هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به الا أوذي

وان يدركنى يومك ينصرك نصرا مؤزرا ثم لم يلبث ورقة ان توفى وفتر الوحى متفق عليه وقيل المدثر أول القرآن نزولا وقد ذكرنا هناك وقيل أول ما انزل سورة الفاتحة لما روى البيهقي فى الدلائل ان خديجة قالت لابى بكر يا عتيق اذهب به الى ورقة فاخذه ابو بكر فقص عليه ما راى فقال عليه الصلاة والسلام إذا خلوت وحدي سمعت نداء يقول يا محمد يا محمد فانطلق هاربا فقال لا تفعل إذا قال فاثبت حتى تسمع ثم انتهى فأخبرنى فلما خلا فناداه يا محمد فثبت فقال قل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الى آخرها ثم قال قل لا اله الا الله الحديث والصحيح هو الاول قال البغوي وهو الصواب الذي عليه جماهير الخلف والسلف وما قيل انه أول ما نزل فيها يايها المدثر فمحمول على انه أول ما نزل بعد فترة الوحى وأول سورة نزلت بكمالها الفاتحة او يقال أوليتها اضافية أول اكثر القران بعد اقرأ والمدثر واختلفوا فى مدة الخلو بغار حراء وفى الصحيحين جاورت بحراء شهرا وهو شهر رمضان كما رواه ابن اسحق فى السيرة وأفاد الزرقانى انه لم يصح اكثر منه وروى مسوار بن مصعب أربعون يوما لكنه متروك الحديث قاله الحاكم وغيره ورجح بعض العلماء هذا قياما على ميقات موسى عليه السلام واستدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم من أخلص لله أربعين يوما ظهر ينابيع الحكمة من قلبه الى لسانه رواه ابو نعيم فى الحلية عن أيوب لكن الحديث ضعيف وكذا القياس لان ميعاد موسى كان ثلثين ليلة فاتمها الله أربعين بعارضة قال الله تعالى وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً واختلفوا فى كيفية تعبده فقيل مشرع نوح وابراهيم وعيسى وليس بشئ لكونه اميا والصحيح انه كان يتعبد بالانقطاع عن الخلق والنيل الى الحق والتفكر قال القسطلاني ولم تكن الرجفة المذكورة فى الحديث خوفا من جبرئيل عليه السلام فانه صلى الله عليه وسلم أجل من ذلك واثبت جنانا بل خشية ان يشتغل بغير الله عنه تعالى قيل خاف من ثقل أعباء النبوة وروى ابو نعيم ان جبرئيل وميكائيل شقا صدره هنا وغسلاه ثم قالا اقرأ باسم ربك الآيات (مسئلة) وهذه القصة تدل على ان التسمية ليست جزء من كل سورة لكن روى ابن جرير عن ابن عباس قال أول ما نزل جبرئيل على محمد - صلى الله عليه وسلم - قال يا محمد استعذ قال

أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال قل بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق وهذه الرواية شاذة فى مقابلة الصحاح- (فائده) ومدة فترة الوحى ذكر السهيلي ان الفترة كانت سنتين ونصفا ووقع فى التاريخ الامام احمد عن الشعبي أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين فقرن نبوته اسرافيل ثلث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القران على لسانه فلما مضت ثلث سنين قرن نبوته جبرئيل فينزل عليه القران على لسانه عشرين سنة وقد ذكرنا حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى ايام الفترة فى سورة والضحى قوله تعالى اقْرَأْ امر بالقراءة والمفعول محذوف اى اقرأ القران مفتحا او متبركا بِاسْمِ رَبِّكَ فهو منصوب على الحال يعنى قل باسم الله ثم اقرأ القران ويحتمل ان يكون باسم ربك فى محل النصب على المفعولية والباء زائدة يعنى اقرأ اسم ربك ولم يقل اسم الله لان الله علم لذات الواجب ولا بسبيل الى معرفة الذات الا بالتفكر فى الآثار والصفات واظهر الصفات بالنسبة إلينا صفة الخلق والتربية التي تنبه على التحول احوال الممكنات الدال على حدوث العالم الموصل الى العلم بالمحدث القديم المنزه عن شوايب النقص والزوال واحتمال التحول عن حال الى حال وفيه اشارة الى ان الصوفي يلتزم او لا على ذكر الاسم لكى يهتدى به الى المسمى لكن الصوفية اختاروا من الأسماء اسم الذات لان سلوك الطريقة يكون بعد الايمان المجازى بذات الواجب فالاول فى حقه اسم الذات لاستجماعه فى الدلالة على الصفات كلها ولو اجمالا ولكونه اقرب من الذات والمقصود هو الذات وقال الطيبي هذا امر بايجاد القراءة مطلقا وهو لا يختص بمفرد دون مفرد فهو بمنزلة اللام والباء للاستعانة والجملة فى جواب قوله صلى الله عليه وسلم ما انا بقاري والمعنى قاريا لا بقوتك ومعرفتك بل باعانة ربك وقوته لفظة اسم على هذا مقحم كما فى قوله تعالى سبح اسم ربك الَّذِي خَلَقَ ج صفة موضحة للرب فان الربوبية يقتضى الخلق والتربية من النقصان الى الكمال وحذف مفعول خلق للدلالة على التعميم اى خلق كل شىء ومن جملته خلق القدرة على القراءة ونزل خلق منزلة اللازم يعنى الذي له صفة الخلق والتكوين ولا يمكن اتصاف أحد غيره بتلك الصفة خَلَقَ الْإِنْسانَ الظاهر انه جملة مستانفة كانه فى جواب سوال ما خلق وانما خص الإنسان بالذكر بوجوه أحدها انه أشمل المخلوقات اجزاء فان كل ما هو

فى العالم الكبير فهو ثابت فيه ولذا سمى عالما صغيرا فالحكم بانه خلق الإنسان حكم بخلق كل شىء من عوالم الخلق والأمر ثانيها انه اشرف المخلوقات مستعد لتجليات الصفات والذات اولى بالمعرفة التي هى المقصود بخلق الكائنات قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون اى ليعرفون وفى الحديث القدسي لولاك لما خلقت الافلاك ولما أظهرت الربوبية خص النبي - صلى الله عليه وسلم - هاهنا بالذكر لكونه أكمل افراد الناس معرفة وفى الحديث كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق فخص الإنسان فى هذه الاية بالذكر إظهارا لشرفه وبيانا لانه المقصود بالخلق وثالثها انه هو المخاطب بالشرائع والمكلف بالتكليفات الشرعية اولا وانه اعرف بحاله من حال غيره فاستدلاله على الصانع بانقلابات أحواله اولى واقرب لحصول المعرفة ويجوز ان يكون المحذوف من الجملة الاولى كاف الخطاب اى الذي خلقك الجملة الثانية مستانفة فى جواب سوال مقدر وهو من اى شىء خلقه قال الله تعالى خلق الإنسان بلفظ الجنس لاشتراك افراد الإنسان فيه اختصاص ما منه الخلق بالمخاطب ويحتمل ان يكون المفعول المحذوف من الجملة الاولى هو الإنسان والجملة الثانية تأكيد لها فسر بعد الإبهام تفخيما لخلقه وليكون أوقع فى النفس ويحتمل ان يكون المراد بالإنسان هو النبي صلى الله عليه وسلم خص بالذكر إظهارا لشرفه ولانه هو المخاطب به مِنْ عَلَقٍ ج جمع علقة أورد صيغة جمع لان الإنسان جنس فى معنى الجمع ولعل العدول من قوله خلق الإنسان من نطفة او من تراب لمراعاة الفواصل والاشارة الى جميع أطوار خلقه حيث أشار الى ما توسط منها فان هذا خلقه من الطين ثم من الاغذية التي تصير بعد تحويلات منيا ثم تصير المنى علقة ثم العلقة مضغة ثم المضغة عظاما ثم تكسى العظام لحما ثم ينفخ فيه الروح فذكر المتوسط يشعر بما سبقه وما لحقه من الأطوار اقْرَأْ تكرير للتاكيد وللمبالغة والاول مطلق والثاني للتبليغ او فى الصلاة وجاز ان يكون باسم ربك متعلقا بهذا ويكون الاول نازلا منزلة اللازم والثاني مستانفة تقديره اقرأ اى صرقاريا فكانه قال ما اقرء وكيف اقرء فقال الله تعالى اسم ربك اقرأ او باسم ربك اقرأ القران وعلى هذا يحتمل ان يكون ما فى قوله صلى الله عليه وسلم ما انا بقاري فى جواب قول جبرئيل اقرأ استفهامية والباء فى الخبر زائدة على لغة اهل المصر ويمكن ان يقال ما فى المرتبة الاولى

نافية وبعد ما غطه جبرئيل كانت استفهامية وَرَبُّكَ مبتداء والواو للحال الْأَكْرَمُ صفة للمبتداء او خبر له الزائد فى الكرم على كل كريم فرض وجوده حيث ينعم بلا غرض ما لا يمكن إحصاءه كمّا وكيفا ومورد او بحلم عن جهل العباد فاما ان يعفو اولا يعجل فى العقوبة مع العلم وكمال القدرة على الانتقام فورا فالافضلية على سبيل الفرض ولو كان المفروض محالا او فى الحقيقة هو الكريم وحده لا شريك له فى الذات ولا فى صفة من الصفات ولذا قالوا افعل وفعيل فى صفات الله تعالى بمعنى واحد فاطلاق لفظ الكريم او الرحيم او السميع او البصير ونحو ذلك على غيره تعالى كأنه بالمجاز لكونه مرأة لصفة كرمه ورحمته وغير ذلك الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ قيل بالقلم متعلق بمفعول محذوف بعلم تقديره علم الخط بالقلم ليفيد به العلوم والكتب المنزلة فيبقى بعد مضى الدهور ويعلم به البعيد وانما خص علم الخط اولا بذكر اظهار الشرفة فان الغرض من التعلم الحفظ وتبقية العلوم وحفظها غالبا بالكتابة عادة قيل أول من خط إدريس عليه السلام قلت والظاهر ان قوله بالقلم متعلق بعلم معنى علم العلوم بتوسط القلم وانما قدمه فى الذكر لكون التعليم بالقلم اسبق التعليمات قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان أول ما خلق الله القلم الحديث وقد مر فى سورة ن والقلم والموصول مع الصلة خبر للمبتداء اولا او بعد خبر او صفة بعد صفة كاشفة للتكريم فان من كمال كرمه تعليم العلوم وتعليم ما يفيد به العلوم عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ بخلق العقل والقوى ونصب الدلائل والوحى والإلهام وخلق العلم الضروري فى الأذهان وإنزال الكتب وإرسال الرسل وتواتر الاخبار وغير ذلك هذه الجملة خبر للمبتداء ان كان ما سبق صفات وبدل اشتمال من علم بالقلم ان كان الموصول خبر للمبتداء تقييد العلم اولا بالقلم مع حذف المفعول الاول على التعميم وعدم تقييده به ثانيا مع تقييده بالإنسان دليل على ان علوم العالمين بعض علم الإنسان وأخص ولو من وجه فان علوم الملائكة مثلا بتوسط القلم وقد أحاط بها اللوح المحفوظ الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها ولا رطب ولا يابس الا فيه واما علم الإنسان فمنها ما هو فى اللوح مكتوب بالقلم ومنها ما لا يحيط به الكتاب ولا يتصد به القلم يدل عليه قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها الاية وذلك لان العلم بكنه ذات الله تعالى ليس من قبيل العلم الحصولى حتى يتسعه اللوح ويكتبه القلم

بل هو من قبيل العلم الحضوري بل وراء العالمين يحصل للانسان بعد ماهية الله تعالى ذاتا موهوما ومن هاهنا قال قائل فان من جودك الدنيا وحزنتها ومن علومك علم اللوح والقلم وجملة وربك الأكرم حال من فاعل اقرأ فانه لما قيل للنبى صلى الله عليه وسلم اقرأ فقال ما انا بقاري قيل له اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان يعنى آدم عليه السلام او جنس الإنسان الشامل لجميع الأنبياء ما لم يعلم فيعلمك القراءة وان لم يكن قاريا ويحتمل ان يكون المراد بالإنسان محمدا صلى الله عليه وسلم فلعله قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما انا بقاري فأخذه جبرئيل فغطه ثلثا حتى بلغ منه الجهد وافعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى فالله سبحانه علم نبيه صلى الله عليه وسلم بتلك اللفظات الثلاث علوم الأولين والآخرين ثم عد نعمة عليه فقال علّم الإنسان ما لم يعلم وقال فى موضع اخر وعلّمك ما لم تكن تعلم فان قيل اى فائدة فى إيراد قوله ما لم يعلم مع ان التعليم لا يتصور الا فيما لا يعلم قلنا فائدته التصريح بعجز الإنسان التعرف بجهله من قبل العلم ويشكر على تلك النعمة العظمى وذكر فى مواهب اللدنية روى ان جبرئيل بدأ له صلى الله عليه وسلم فى احسن صورة وأطيب رائحة فقال يا محمد ان الله يقرأك السلام ويقول لك أنت رسول الى الجن والانس فادعهم الى قول لا اله الا الله ثم ضرب برجله الأرض فنبعت عين ماء فتوضا منها جبرئيل ثم امره ان يتوضا وقام جبرئيل يصلى وامره ان يصلى معه فعلمه الوضوء والصلاة ثم عرج الى السماء ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يمر بحجر ولا مدر ولا شجر وهو يقول السلام عليكم يا رسول الله حتى اتى خديجة فاخبرها فغشى عليها من الفرح ثم أمرها فتوضأ وصلى بها كما صلى له جبرئيل فكان ذلك أول فرضها ركعتين ثم ان الله أمرها فى السفر كذلك وأتمها فى الحضر وقال ابن حجر فى فتح الباري كان صلى الله عليه وسلم قبل الاسراء يصلى قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل فرض قبل الخمس شىء من الصلاة فقيل ان الفرض كان صلوة قبل طلوع الشمس وغروبها انتهى وقال أول ما وجب الانذار والدعاء الى التوحيد ثم فرض من قيام الليل ما ذكره فى أول سورة المزمل ثم نسخه بما فى آخرها ثم نسخه بايجاب الصلاة الخمس ليلة الاسراء بمكة واما ذكره فى هذه الرواية من ان جبرئيل علمه الوضوء وامره فيدل على فرضية

[سورة العلق (96) : آية 6]

الوضوء قبل الاسراء والله تعالى اعلم واخرج ابن المنذر عن ابى هريرة قال قال ابو جهل هل يغفر محمد وجهه بين أظهركم فقيل نعم فقال واللات والعزى لئن رايته يفعل لاطان على رقبته ولاغفرن وجهه فى التراب فأنزل الله تعالى. كَلَّا ردع لمن كفر بالله لطغيانه وينهى عن الصلاة وان لم يذكر فى الكلام لدلالة الكلام او الحال عليه او هى بمعنى حقا تحقيقا لما بعده إِنَّ الْإِنْسانَ اطلق لفظ الجنس باعتبار بعض افراده يعنى أبا جهل لَيَطْغى ليجاوز حده فى الكفر والتكبر على ربه. أَنْ رَآهُ قرأ قنبل بقصر الهمزة والباقون بالمد اسْتَغْنى ط ان راى نفسه منصوب على العلية او على الظرفية بتقدير المضاف اى لان راى او وقت ان راى نفسه غنيا استغنى مفعول ثان للروية فانها من افعال القلوب ولو كان بمعنى الابصار لا متنع كون الشيء الواحد مرجعا للضميرين المرفوع والمنصوب كان ابو جهل إذا أصاب ما لا ارتفع فى طعامه وثيابه ومركبه. إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى ط الرجعى مصدر كالبشرى اسم ان والظرف خبره والجملة مستأنفة للتهديد والتحذير كانه فى جواب ما عاقبة الطاغي والخطاب للانسان على سبيل الالتفات اى رجوعك الى ربك فيجازيك على طغيانك واخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى فجاءه ابو جهل فنهاه فانزل الله تعالى. أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى الى قوله كاذبة خاطئة قوله تعالى أَرَأَيْتَ يا محمد استفهام عن الروية للتقرير فهو بمعنى قد رايت فأقر به او يقال الغرض من الاستفهام الروية ان يخبر المخاطب عما راى فحاصل المعنى أخبرني ويستعمل فى مقام التعجب والروية من الافعال القلوب يتعدى الى المفعولين وهما مبتداء او خبر فى المعنى والغرض هاهنا تقرير نسبة بينهما والاستخبار عنها الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى ط الظرف متعلق بينهى والمراد بالموصول ابو جهل وبالعبد محمد صلى الله عليه وسلم على الالتفات من الخطاب الى الغيبة أورد الله سبحانه لفظ العبد موقع كاف الخطاب للدلالة على كمال عبوديته وكونه على الحق المبين فان المقتضى العبودية العبادة وعلى كمال طغيان الناهي وتقبيحه والموصول مع الصلة أحد مفعولى رايت ومفعول الثاني محذوف فى حكم المذكور حملا

[سورة العلق (96) : آية 11]

على ذكره فى قوله تعالى ليطغى تقديره أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى كيف يطغى. أَرَأَيْتَ يا محمد إِنْ كانَ العبد عَلَى الْهُدى حين يصلى. أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى ط حين يدعون الناس الى التوحيد والصلاة والظاهر النهى كان عن الصلاة وعن الأمر بالتقوى معا فاقتصر فى الجملة الاولى على أحدهما اكتفاء بذكرهما فى الثانية ولانه دعوة بالفعل ولان نهى العبد إذا صلى يحتمل ان يكون لها ولغيرها وعامة أحواله محصورة فى تكميل نفسه بالعبادة وتكميل غيره بالدعوة وهذا شرط حذف جزاءه بدلالة السياق وهو كيف ينهاه او فيهلك الناهي ويفوز العبد والشرطية قايم مقام مفعولين لرايت وكذا فى قوله تعالى. أَرَأَيْتَ يا محمد إِنْ كَذَّبَ الناهي ما هو الحق وَتَوَلَّى ط عن الايمان كيف ينجو من عذاب الله بل يهلك والدليل على المحذوف فى الجملتين قوله تعالى. أَلَمْ يَعْلَمْ استفهام إنكاري للتوبيخ والوعيد فان انكار النفي اثبات تقديره وقد علم بِأَنَّ اللَّهَ يَرى ط متعلق بيعلم قايم مقام مفعولية ويرى بمعنى يعلم حذف مفعولية بدلالة ما سبق اى يرى الله الناهي ناهيا عن الهدى والأمر بالتقوى بكذبا بالحق متوليا عن الايمان والعبد على الهدى والأمر بالتقوى وعلم الله يستلزم الجزاء على حسب ما علم فاطلق الروية وأريد به الجزاء تسمية اللازم باسم الملزوم فتقدير الكلام وقد علم الناهي ان الله يجزى كلا من الناهي والعبد المصلى على حسب ما علم فهذه جمل اربع وقال صاحب البحر المواج مثل ما قلت غير انه قال الم يعلم جزاء الشرطية الثانية وجزاء الشرطية اولى محذوف يقدر مثل الثانية تقديره ارايت ان كان على الهدى أو أمر بالتقوى الم يعلم بان الله يرى وقيل الخطاب فى ارايت الاولى والثالثة الى النبي صلى الله عليه وسلم وفى الثانية الى الكافر تقديره ارايت يا محمد الذي ينهى إذا صليت طغى ارايت يا أبا جهل ان كان محمد على الهدى أو أمر بالتقوى كيف نهاه ارايت يا محمد ان كذب ابو جهل وتولى فكيف ينجو الم يعلم بان الله يرى كما ان الحاكم بين الخصمين يخاطب تارة هذا وتارة ذاك وقال الشيخ الجلال الدين المحلى معناه وعجب منه يا مخاطب من حيث نهيه عن الصلاة ومن حيث ان المنهي على الهدى امر بالتقوى ومن حيث ان الناهي مكذب متول عن الايمان فعلى هذا ايضا الجمل اربع وقيل معناه ارايت

[سورة العلق (96) : آية 15]

يا محمد الذي ينهى عبدا إذا صلى كيف صددناه عنك ارايت يا محمد ان كان ابو جهل على الهدى او امر بالتقوى لكان خيرا له ارايت يا محمد ان كذب ابو جهل وتولى لاعذبنه الم يعلم بان الله يرى فيجازى على حسب ما عمل وكرر لفظ ارايت ثلثا ولم يكتف على الاول ولم يعطف الشرطيتين على الذي ينهى لغاية التعجب وقال البيضاوي الذي ينهى أول مفعولى ارايت والشرطتين مفعوله الثاني على التوزيع وجزاء الشرطية الثانية قوله تعالى الم يعلم بان الله يرى وجزاء الاولى محذوف اكتفاء بذكره فى الثانية وكلمة ارايت فى الأخريين لتكرير الاولى غير عاملة فى ما بعدها والمعنى أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلوته ان كان ذلك الناهي على الهدى فيما ينهى عنه أو أمر بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده او ان كان على التكذيب بالحق والتولي عن الصواب كما تقول الم يعلم ذلك الناهي بان الله يرى ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فالكل على هذا جملة واحدة قال البغوي تقدير النظم ارايت الذي ينهى عبدا إذا صلى وهو على الهدى امر بالتقوى الناهي مكذب متولى عن الايمان فما اعجب من هذا فالشرطتين فى محل النصب على الحالية اولى عن مفعول ينهى والثانية عن فاعله والم يعلم جملة مستأنفة للوعيد وضمير الفاعل راجع الى الذي ينهى. كَلَّا ردع للناهى الذي كذب وتولى لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الذي ينهى عما هو فيه من النهى عن المعروف وتكذيب الحق والتولي عن الايمان لَنَسْفَعاً جواب للقسم لفظا وللشرط معنى ويكتب النون الخفيفة كتنوين المنصوب على صورة الالف والسفع القبض على الشيء وجذبه بشدة اى لنا جذبة فلنجذبه الى النار بِالنَّاصِيَةِ وهى مقدم الراس اى ناصيه والاكتفاء باللام عن الاضافة للعلم بان المراد ناصية المذكور. ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ ج وصف الناصية بالكذب والخطأ وهما لصاحبها على الاسناد المجازى المبالغة وناصية بدل من الناصية وانما جاز لوصفها وجملة لئن لم ينته مستانفة كانها من جواب ما يفعل الله بالطاغي اخرج الترمذي وصححه وابن جرير عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى فجاء ابو جهل فقال الم أنهك عن هذا فزجره النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابو جهل أشهرني فو الله لأملان عليك هذا الوادي خيلا جردا ورجالا مردا فانزل الله تعالى. فَلْيَدْعُ نادِيَهُ

[سورة العلق (96) : آية 18]

النادي المكان الذي يجتمع فيه القوم والمراد اهل النادي اى قومه وعشيرته بحذف المضاف فى اللفظ او بالمجاز بالإسناد. سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ قال ابن عباس يريد زبانية جهنم قال الزجاج هم الملائكة الغلاظ الشداد والزبانية جمع زنبى او زبينة كعفرية وفى الأصل الشرط ماخوذ من الزبن بمعنى الدفع قال ابن عباس لو دعا ناديه لاخذته زبانية الله عيانا وذكر المحلى هذا الحديث مرفوعا. كَلَّا ط اى حقا ما ذكر من السفع بالناصية ودعاء الزبانية ان دعانا به او المعنى لا يستطيع ان يدعو ناديه- لا تُطِعْهُ فى ترك الصلاة جملة مستانفة كانه فى جواب ماذا اصنع حين ينهى- وَاسْجُدْ عطف على لا تطعه لفظا وتأكيد معنى وَاقْتَرِبْ ع من الله بالصلوة روى ابو داود وغيره عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء امال حمزة والكسائي اواخر هذه السورة من قوله عز وجل ليطفى الى قوله بان الله يرى واما ابو عمرو يرى وحده وما عداه بين بين ودرش جميع ذلك بين بين والباقون بالفتح وقد ذكرنا بحث سجدة التلاوة فى سورة انشقت فعند ابى حنيفة رحمه الله تعالى اسجد امر بسجدة التلاوة بدلالة فعله عليه الصلاة والسلام انه صلى الله تعالى عليه وسلم سجد فى إذا السماء انشقت واقرأ رواه مسلم من حديث ابى هريرة والجمهور على انه امر بالصلوة تسمية الكل باسم الجزء فانه معطوف على لا تطعه عطفا تفسير يا قالوا بسنية السجود اقتداء بفعله صلى الله تعالى عليه واله وسلم وذا لا يقتضى الوجوب- والله تعالى اعلم.

سورة القدر

سورة القدر مكّيّة وهى خمس آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الترمذي والحاكم وابن جرير عن الحسن بن على عليهما السلام قال ان النبي صلى الله عليه وسلم ارى بنى امية على منبره فساءه ذلك فنزلت انا أعطيناك الكوثر ونزلت إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ يملكها بنى امية قال القاسم بن الفضل الهمداني فعددنا فاذا هى الف شهر لا يزيد ولا ينقص قال الترمذي غريب وقال المزني وابن كثير منكر جدا واخرج ابن ابى حاتم والواحدي عن المجاهد ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلا من بنى إسرائيل لبس من السلام فى سبيل الله الف شهر فحجب المسلمون من ذلك فنزلت انا أنزلناه فى ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر التي ليس ذلك الرجل السلاح فى سبيل الله فيها واخرج ابن جرير عن مجاهد قال كان فى بنى إسرائيل رجلا يقوم حتى يصبح ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسى فعمل ذلك الف شهر فانزل الله تعالى ليلة القدر خير من الف شهر عملها ذلك الرجل وروى مالك فى المؤطا انه سمع من يثق به من اهل العلم يقول ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفاصر فى أعمار أمته لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم فى طول العمر فاعطاه الله ليلة القدر خير من الف شهر قلت هذا مرسل لكنه أصح ما ورد فى الباب وهذا يدل على ان ليلة القدر من خصائص هذه الامة وبه جزم ابن حبيب من المالكية ونقله عن الجمهور صاحب العدة من الشافعية ويرد عليه حديث ابى ذر عند النسائي حيث قال قلت يا رسول الله أيكون مع الأنبياء فاذا ماتوا رفعت قال بل هى باقية ورجح الحافظ ابن حجر كونها فى الأمم الماضية وقال ما رواه المالك بلاغا يحمل التأويل فلم يدفع الصريح قلت ما رواه مالك اصرح فى الدلالة من المرفوع فى حديث ابى ذر فان لفظ المرفوع بل هى باقية يحتمل ان يكون معناه بل هى باقية بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - لكن حديث ابى ذر يدفع قول من قال انها لم تكن الا فى سنة واحدة فى حبور النبي - صلى الله عليه وسلم - وما قيل انها رفعت بعده صلى الله عليه وسلم وكذا يدل على تأييده ما روى عن ابى هريرة قيل زعموا ان ليلة القدر رفعت قال كذب من قال ذلك رواه عبد الرزاق قال الراوي قلت هى فى كل شهر

رمضان استقبله قال نعم قوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْناهُ يعنى القران كناية عن غير مذكور تفخيما وشهادة له بالعظمة المغنية عن تصريح فى انتقال الذهن اليه كما عظمه بان أسند انزاله الى نفسه وقدم المسند اليه على الخبر الفعلى لزيادة التأكيد والتقوى او للتخصيص ثم عظمه باعتبار وقت نزوله فقال فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يقدر الله تعالى فيها امر السنة فى عباده وبلاده الى السنة المستقبلة قيل للحسين بن الفضل أليس قد قدر الله تعالى المقادير قبل ان يخلق السموات والأرض قال نعم قيل فما معنى ليلة القدر قال سوق المقادير الى المواقيت وتنفيذ القضاء المقدر يعنى اطلاع الملائكة الموكلة على الأمور فى تلك الليلة على ما قدر الله تعالى امر السنة فى عباده وبلاده الى السنة المقبلة وقال عكرمة تقدير المقادير وإبرام الأمور فى ليلة النصف من الشعبان فيها ينسخ الاحياء من الأموات فلا يزداد فيهم ولا ينقص منهم ويؤيده ما رواه البغوي ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يقطع الآجال من شعبان الى شعبان حتى ان الرجل لينكح ويولد له ولقد خرج اسمه فى الموتى قلت لعل تقدير المقادير بنحو من الانجاء او بعضها فى ليلة النصف من شعبان وتقديرها كلها وتسليمها الى أربابها انما هو فى ليلة القدر قال الله تعالى فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ قال ابن عباس يكتب من أم الكتاب فى ليلة القدر ما هو كاين فى السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحاج يقال يحج فلان وفلان وروى ابو الضحى عن ابن عباس ان الله يقضى الا قضية ليلة النصف من شعبان ويسلمها الى أربابها فى ليلة القدر كذا ذكر البغوي وقال الزهري سميت بها للعظمة والشرف قال الله تعالى وما قدروا الله حق قدره اى ما عظموه وقيل لان العمل الصالح فيه يكون ذا قدر عند الله واجر جزيل ومعنى نزول القران فى ليلة القدر على ما روى مفهم عن ابن عباس انه قال انزل القران جملة واحدة من اللوح المحفوظ ليلة القدر من شهر رمضان الى بيت العزة فى السماء الدنيا ثم نزل به جبرئيل عليه السلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نجوما نجوما فى عشرين سنة فذلك قوله بمواقع النجوم وروى عن ابى ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال انزل صحف ابراهيم فى ثلث مضين من رمضان ويروى فى أول ليلة من رمضان وأنزلت تورية موسى فى ست ليال مضين من رمضان وإنزال الإنجيل فى ثلث عشرة مضت من رمضان وانزل

زبور داود فى ثمان عشرة ليلة من رمضان وانزل القران على النبي - صلى الله عليه وسلم - فى اربعة وعشرين لست بقين بعدها واخرج احمد والطبراني من حديث وأيلة بن الأسقع نزلت صحف ابراهيم أول ليلة من رمضان وأنزلت التورية لست مضين والإنجيل لثلث عشرة والقران لاربع وعشرين وبناء على تلك الأحاديث قال بعض العلماء ان ليلة القدر ليلة اربع وعشرين من رمضان وروى هذا القول عن ابن مسعود والشعبي والحسن وقتادة ويويد قولهم ما روى احمد عن بلال مرفوعا التمسوا ليلة القدر ليلة اربع وعشرين وفيه ابن لهيعة قال الحافظ ابن حجر اخطأ ابن لهيعة فى رفعه قلت وتلك الأحاديث لو صحت لا تدل على ان يكون ليلة القدر فى كل عام ليلة اربع وعشرين بل كونها كذلك سنة نزول القران الى بيت العزة او فى سنة حكى عنه بلال (فائدة) اختلف العلماء فى تعيين ليلة القدر على نحو من أربعين قولا والصحيح انها ليلة منتقلة فى العشر الأواخر من كل رمضان جمعا بين الأحاديث الصحاح وإعراضا عما يخالفها منها حديث سلمان الفارسي قال خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى اخر يوم من شعبان فقال يا ايها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من الف شهر وقد مر هذا الحديث فى سورة البقر وفضائل رمضان وهذا الحديث يدفع ما قيل انها يكون فى رمضان وغيره كذا ذكر قاضيخان مذهب ابى حنيفة لا يقال لعلها كانت فى سنة نزول القرآن او عما حكى عنه سلمان خاصة فى رمضان فلا يدفع بهذا الحديث ولا بالآية لانا نقول ورد فى حديث سلمان نعوت شهر رمضان مطلقا حيث قال جعل الله صيامه فريضة وقيام ليلة تطوعا ومن تطوع فيه كان كمن ادى فريضة فى غيره ومن ادى فريضة كان كمن ادى سبعين فريضة وانه شهر الصبر وشهر المواساة وغير ذلك وليس شىء من تلك النعوت مختصا برمضان تلك السنة فكذا هذا ومنها حديث عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد فى عشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيره رواه مسلم وقالت كان إذا دخل العشر شد ميزره وأحيا ليله وأيقظه اهله متفق عليه وقالت كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه بعده متفق عليه وقالت كان يجاور العشر الأواخر من رمضان ويقول تحروا الليلة القدر فى العشر الأواخر من رمضان رواه البخاري ومنها حديث ابى سعيد الخدري ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الاول

من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط فى قبة تركية ثم اطلع رأسه فقال انى اعتكف العشر الاول التمس هذه الليلة ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لى انها فى العشر الأواخر فمن اعتكف معى ظيعتكف العشر الأواخر فانى اريت هذه الليلة ثم أتيتها وقد رايتنى اسجد فى الماء والطين من صبيحتها فالتمسوها فى كل وتر قال فمطر السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فيضرب عينى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى جبهته اثر الماء والطين من صبيحة احدى وعشرين متفق عليه فى المعنى وروى مسلم من حديث ابى سعيد قال اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر فلما انقضين امر بالبناء نوقض ثم أنسيت وانها فى العشرة الأواخر فامر بالبناء فاعيد ثم خرج على الناس فقال يا ايها الناس انها كانت اريت لى ليلة القدر وانى خرجت لاخبركم فجاء رجلان معهما شيطان فنسيتها فالتمسوها فى العشرة الأواخر من رمضان والتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة قال قلت يا أبا سعيد انكم اعلم بالعدد منا قال أجل نحن أحق بذلك منكم قال التاسعة والسابعة والخامسة قال إذا مضت واحدة وعشرون فالتى تليها ثنتان وعشرون فهى التاسعة وإذا مضى ثلث وعشرون فالتى تليها السابعة وإذا مضى خمس وعشرون فالتى تليها الخامسة وروى الطيالسي عن ابى سعيد مرفوعا ليلة القدر ليلة اربع وعشرين ومنها حديث عبد الله بن أنيس مرفوعا اريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبيحتها اسجد فى الماء والطين قال فمطرنا ليلة ثلث وعشرين فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعنى الفجر فانصرف واثر الماء والطين على جبهته وانفه رواه مسلم وابو داود عنه قال قلت يا رسول الله ان لى بادية أكون فيها فمر لى بليلة انزل فقال انزل ليلة ثلث وعشرين وفى رواية عنه انه سال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة القدر صبيحة احدى وعشرين فقال كم الليلة قلت ليلة اثنين وعشرين قال هى الليلة او القابلة ومنها حديث ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كان متحريا فليتحرها ليلة سبع وعشرين رواه احمد وابن المنذر معناه وحديث جابر بن سمرة نحوه أخرجه الطبراني وحديث معاوية بن ابى سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى ليلة القدر قال ليلة القدر سبع وعشرين رواه ابو داود بأحاديث ليلة سبع وعشرين أخذ احمد وهى رواية عن ابى حنيفة وبه جزم ابى بن كعب وحلف عليه فقيل لابى باى شىء تقول ذلك يا أبا المنذر

قال بالعلامة التي أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انها يعنى الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها رواه مسلم وروى هذا القول ابن ابى شيبة عن عمرو حذيفة وأناس من الصحابة ويستدل بهذه المقالة بما رواه مسلم عن ابى هريرة قال تذاكرنا ليلة القدر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيكم يذكركم حين طلع القمر كانه شق جفنه قال ابو الحسن الفارسي اى ليلة سابع وعشرين فان القمر يطلع فيها بتلك الصفة قال المراد به كمال وقته وذا بالسابع والعشرين وهذا الاستدلال ضعيف لان الظاهر من الحديث انه كما ان الشمس من صبيحتها تطلع بلا شعاع كذلك القمر فى تلك الليلة يطلع بلا شعاع لا لاجل كمال وقته بل لمعنى اخر فهذه الأحاديث لا تدل الا على كون ليلة القدر تارة ليلة سابع وعشرين لا على انها لا تكون الا تلك الليلة ومنها حديث ابن عمر راى رجل ليلة القدر ليلة السابعة وعشرين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اراى روياكم فى العشر الأواخر فاطلبوها فى الوتر فيها رواه مسلم ومنها حديث ابن عمر مرفوعا فليتحرها ليلة السابعة رواه عبد الرزاق وروى احمد عن ابن عباس نحوه يعنى السابعة بعد العشرين او السابعة من الليالى الباقية ومنها حديث النعمان بن بشير مرفوعا سابعة تمضى او سابعة تبقى رواه احمد عن ابن عباس مرفوعا هى فى العشر الأواخر فى تسع يمضين او سبع يبقين وفى لفظ تسع يمضين رواه البخاري وفى لفظ للبخارى التمسوها فى العشر الأواخر فى تاسعة تبقى فى سابعة تبقى فى خامسة تبقى ومنها حديث عبادة بن الصامت قال خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخبرنا بليلة القدر فتلاقى رجلان من المسلمين فقال خرجت لاخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت عسى ان يكون خيرا لكم فالتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة اواه او سبع يبقين ومنها حديث ابى بكر فقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول التمسوها يعنى ليلة القدر فى تسع يبقين او خمس يبقين او ثلث اواخر ليلة رواه الترمذي وروى احمد من حديث عبادة بن الصامت نحوه منها حديث ابن عمران رجلا من اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - راى ليلة القدر فى المنام فى السبع الأواخر فقال عليه السلام ارى روياكم قد تواطئت فى السبع الأواخر فمن كان متحريا فليتحرها فى السبع الأواخر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - التمسوها فى السبع الأواخر ومنها عن على مرفوعا ان غلبتم فلا تغلبوا فى

[سورة القدر (97) : آية 4]

السبع البواقي رواه احمد وحديث ابن عمر مرفوعا التمسوها فى العشر الأواخر فان ضعف أحدكم او عجز فلا يغلبن على السبع البواقي رواه مسلم ويظهر من هذه الأحاديث كلها ان ليلة القدر تكون فى العشر الأواخر من رمضان فتارة تكون ليلة احدى وعشرين كما ثبت من حديث ابى سعيد نحوه وتارة تكون ليلة ثلث وعشرين كما ثبت بحديث عبد الله بن أنيس وتارة ليلة اربع وعشرين التي انزل فيها القران وتارة ليلة سبع وعشرين كما ظهر على ابى بن كعب بالعلامة وتارة ليلة تاسع تبقى يعنى الثانية والعشرين او خامسة تبقى وهى السادسة والعشرين او ثلث تبقين وهى الثامنة والعشرين او تسع تمضين وهى التاسعة والعشرين اواخر ليلة وهى الثلثين فلا تعارض فى الأحاديث على هذا التأويل والله تعالى اعلم وقيل معنى الاية انا أنزلنا القران فى فضل ليلة القدر وذلك قوله تعالى وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ما فى قوله ما أدريك استفهامية للانكار والغرض منه التعظيم والتعجب وكذا فى ما ليلة القدر وجملة ما ليلة القدر بتأويل المفرد مفعول ثان لادراك والمعنى اى شىء ادراك عظمة ليلة القدر وفضلها فان عظمتها وفضلها اكثر من ان يدرك والجملة معترضة ثم بين الله فضلها وعظمها بجملة مستأنفة فقال لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ط ليس فيها ليلة القدر يعنى ان من أحياها بالعبادة كان له اجرا كثيرا لمن عمر الف شهر بالعبادة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري وعند مسلم بلفظ من يقم ليلة القدر فيوافقها وعند احمد من حديث عبادة بن الصامت من قامها ثم وافقت له يعنى قامها بطن ليلة القدر فوافقها فى نفس الأمر غفر له. تَنَزَّلُ حذف أحد التاءين من تتنزل الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ مر تحقيق الروح فيما سبق فِيها فى تلك الليلة من السماء الى الأرض عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان ليلة القدر ينزل جبرئيل فى كبكبة من الملائكة يصلون على كل عبد قائم او قاعد يذكروا الله عز وجل بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ج متعلق بتنزل وجملة تنزل خبر بعد خبر لليلة القدر بين فضله اخرى لها او واقع مواقع التعليل للخبرية مِنْ كُلِّ أَمْرٍ قدر فيها. سَلامٌ اما خبر مبتداء محذوف اى هو سلام والجملة صفة الأمر والمعنى تنزل الملائكة والروح من أجل كل امر هو سلام والحمل على المبالغة نحو زيد عدل او بحذف المضاف اى امر هو موجب للسلامة عن كل مكروه والظاهر ان هذا الأمر هو الرحمة والبركة فى أجور الأعمال والسكينة النازلة على المؤمنين الذاكرين الله تعالى وعلى هذا قوله هِيَ مبتداء خبره حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ع والضمير هى راجع الى الليل لا مطلقا فانه حمل غير مفيد فان ثبوت الليل الى مطلع الفجر امر معلوم

بديهي بل مقيد بصفة الخيرية ونزول الملائكة او يقال هى مبتداء وسلام خبر مقدم عليه والجملة خبر بعد خبر ليلة القدر وتقديم الخبر على المبتدا لقصد الحصر اى ما هى الإسلام وخير كلها ليس فيها شر قال الضحاك لا يقدر الله فى تلك الليلة الشر ولا يقتضى الإسلام وقال مجاهد ليلة شاملة لا يستطيع الشيطان ان يعمل فيها سوء اولا ان يحدث فيها أذى وقيل ما هى الإسلام لكثرة ما يسلم الملائكة على المؤمنين وعلى هذا الظرف اعنى حتى مطلع الفجر اما متعلق بمفهوم سلام بمعنى تسليم يعنى ما تلك الليلة الا مقصورة على التسليم حتى مطلع الفجر او هو ظرف مستقر خبر مبتداء محذوف اى تلك حتى مطلع الفجر وهذه الجملة خبر اخر لليلة القدر او متعلق يتنزل وعلى هذين التقديرين سلام هى جملة معترضة قرأ الكسائي مطلع الفجر بكسر اللام والباقون بفتح اللام وهو اما مصدرا بمعنى الطلوع او ظرف زمان وقت طلوعه- (فائدة) قيل يرى فى ليلة القدر كل شىء ساجدا والأنوار فى كل مكان ساطعة ويسمع سلام وخطاب من الملائكة قلت وهذا امر قد يظهر بنظر الكشف على بعض الأكابر لا على كل منهم ولا يشترط لحصول الثواب ظهور شىء فيها ولو كان ظهور تلك الأشياء امرا كليا او أكثريا لم يتصور خفاءها وابهامها على الامة لا سيما على الصحابة والتابعين ومن يليهم وأكابر الأولياء ولكن يشترط لحصول ثواب ليلة القدر عبادة الله تعالى كما يدل عليه قوله عليه السلام من قام ليلة القدر ايمانا وقوله عليه السلام يصلون على كل عبد قائم او قاعد يذكر الله (مسئلة) من ادى صلوة العشاء والفجر فى تلك الليلة بالجماعة فقد أدرك ثواب تلك الليلة ومن زاد زاده الله عن عثمن رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء فى جماعة فكانما قام نصف الليل ومن صلى الصبح فى جماعة فكانما صلى الليل كله رواه مسلم يعنى من صلى الصبح فى جماعة بعد ما صلى العشاء فكانما صلى الليل كله فكل صلوة قايم مقام نصف الليل فانهما فريضتى الليل واما المغرب فانها وتر النهار يستحب ان يكثر فى ليلة القدر اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى لحديث عايشة قالت قلت يا رسول الله ارايت ان علمت اى ليلة القدر ما أقول فيها قال قولى اللهم انك عفو إلخ رواه احمد وابن ماجة والترمذي- والله تعالى اعلم.

سورة البينة

سورة البيّنة مدنيّة وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا فى زمان الماضي قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ من لبيان الموصول وكفرهم بالإلحاد فى صفات الله تعالى وقولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله وَالْمُشْرِكِينَ يعنى عبدة الأوثان عطف على اهل الكتاب مُنْفَكِّينَ زائلين متعضلين عن كفرهم الذي كانوا عليه حذف صلة منفكين لدلالة صلة الذين عليه حَتَّى تَأْتِيَهُمُ لفظه مستقبل أريد به الماضي اى حتى أتتهم الْبَيِّنَةُ يعنى ما يبين الحق من الباطل وهو. رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم بدل من البينة يَتْلُوا صُحُفاً الجملة صفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانه صلى الله عليه وسلم وان كان اميا لكنه لما كان متلوه مما يكتب فى الصحف كان كمن يتلو صحفا اى مصاحف مُطَهَّرَةً من الباطل وتصرف الشياطين او ممنوعة من مس المحدث والجنب والحائض قال الله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقال لا يمسه الا المطهرون. فِيها اى فى تلك الصحف كُتُبٌ مكتوب قَيِّمَةٌ ط عادلة مستقيمة لا عوج فيها فاذا أتاهم الرسول بين لهم ضلالتهم وأزال عنهم جهلهم ودعاهم الى الايمان فانفك عن كفره من وفقه الله للايمان وقدر له السعادة. وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ فى الايمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وكفرهم به إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ما مصدرية والاستثناء مفرغ منصوب المحل على الظرفية متعلق بتفرق اى ما تفرقوا فى امر النبي - صلى الله عليه وسلم - فى وقت من الأوقات الا بعد مجيئه وكانوا قبل ذلك مجتمعين على تصديقه منتظرين لمجيئه يَسْتَفْتِحُونَ به عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ حسدا وعنادا وجملة ما تفرق عطف على لم يكن والحاصل ان اهل الكتاب وان كان بعضهم ملحدا فى صفات الله ونسبة الولد اليه لكنهم كانوا مجتمعين فى امر النبي - صلى الله عليه وسلم - لوضوح بيان امره فى كتبهم ولما كان صفة اجتماعهم على تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - مختصا باهل الكتاب دون المشركين أفرد فى هذه الاية ذكرهم لاظهار زيادة شتاعة من بقي منهم على الكفر والاية الاولى لبيان حال المؤمنين

[سورة البينة (98) : آية 5]

من اهل الكتاب ومن المشركين والاية الثانية لبيان من بقي على الكفر من اهل الكتاب قال البغوي وقال بعض ائمة اللغة معنى قوله منفكين هالكين من قولهم انفك صدر المرأة عند الولادة وهو ان ينفصل فلا يلتئم حتى تهلك ومعنى الاية لم يكونوا هالكين معذبين الا بعد قيام الحجة عليهم من إرسال الرسول وإنزال الكتاب نظيره قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. وَما أُمِرُوا يعنى هؤلاء الكفار كلهم إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ قيل اللام زايدة والفعل منصوب بان مقدرة حذفت ان وزيدت اللام والجملة فى محل النصب على انه مفعول به لامروا اى ما أمروا الا بان يعبدوا الله وقيل المفعول به محذوف واللام لام كى والجملة فى محل النصب على العلية والمعنى ما أمروا بما أمروا به بشئ الا ليعبدوا والحاصل انهم ما أمروا على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - الا بشئ حسن ذاته تدل الادلة العقلية على حسنه وقد أمروا بذلك فيما سبق من الكتب المنزلة فعجبا من المنكرين كيف أنكروا وكيف يفرقوا فيه مُخْلِصِينَ حال من فاعل يعبدوا لَهُ اى لله الدِّينَ اى الاعتقاد عن الشرك بغيره حُنَفاءَ حال مرادف او متداخل لمخلصين اى مائلين عن الأديان الباطلة كلها قال ابن عباس معناه وما أمروا فى التورية والإنجيل الا بإخلاص العبادة لله موحدين وَيُقِيمُوا عطف على يعبدوا الصَّلاةَ المكتوبة فى أوقاتها وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ عند محلها وَذلِكَ الذي أمروا به على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - دِينُ الْقَيِّمَةِ ط اى الامة القائمة الراسخة على الحق من الأنبياء والماضيين واتباعهم الصالحين قال البغوي قال النضر بن شميل سالت الخليل بن احمد عن قوله تعالى ذلك دين القيمة فقال القيمة والقيم والقائم واحد مجازا الاية وذلك دين القيمة لله بالتوحيد او المعنى وذلك دين الكتب القيمة التي لا عوج فيها التي جرى ذكرها فى ضمن الذين أوتوا الكتاب وقيل معناه ذلك طريق الملة والشريعة القيمة المستقيمة قال البغوي أضاف الدين الى القيمة وهى لغة لاختلاف اللفظين وأنت القيمة بتأويلها الى الملة ولما ورد ذكر المؤمنين والكافرين استأنف الله سبحانه بالوعد والوعيد للفريقين فقال. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ اسم وخبره ما بعده فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ط حال مقدرة من فاعل الظرف أُولئِكَ

[سورة البينة (98) : آية 7]

هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ اى شر الخلائق أجمعين حتى الكلاب والخنازير والجملة اما تذئيل او خبر لان بعد خبروهم ضمير الفصل قرأ نافع وابن ذكوان البرية فى الموضعين بالهمزة والباقون بتشديد الياء بغير همزة. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ أجمعين حتى الْبَرِيَّةِ ط الملائكة المعصومين ومن هاهنا قالوا ان خواص البشر أفضل من خواص الملائكة وعوام البشر اعنى المؤمنين الصالحين ارباب القلوب الصافية النفوس الزاكية أفضل من عوام الملائكة واما غير الصالحين من المؤمنين فيلتحقون بالصالحين بعد ما يتمحضون من الذنوب اما بالمغفرة او بالعقاب ويدخلون الجنة. جَزاؤُهُمْ مبتداء عِنْدَ رَبِّهِمْ ظرف لجزاءهم جَنَّاتُ عَدْنٍ اى اقامة خبر لجزائهم تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى من تحت قصورها وأشجارها الْأَنْهارُ فاعل تجرى على المجاز والجملة صفة لجنات خالِدِينَ فِيها فى جنات حال منهم فى جزاءهم أَبَداً ط ظرف لخالدين قال البيضاوي فيه مبالغات تقديم المدح وذكر الجزاء المؤذن بان ما منحوا فى مقابلة ما وصفوا به والحكم عليه بأنه من عند ربهم وجمع جنات وتقيدها اضافة ووصفها بما يزداد بها نعيما وتأكيد الخلود بالتابيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هذا نعمة زاد من الجنات وما فيها فضل الله عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله يقول لاهل الجنة يا اهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير كله فى يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم يعط أحد من خلقك فيقول الا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب اى شىء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده ابدا متفق عليه قلت لعل المراد من قوله ما لم يعط أحد من خلقك ما لم يعط الملائكة والا فليس غير اهل الجنة الا اهل النار ولا يجوز القول بالتفضيل عليهم وَرَضُوا عَنْهُ ط قال البغوي قيل الرضاء ينقسم قسمين رضى الله به ورضى عنه رضى به ربا ومدبرا ورضى عنه فيها يقضى ويقدر قلت والرضى عنه على اقسام قسم منه معناه ترك الاعتراض عليه والاعتقاد بان كل ما فعل هو الحسن فى نفس الأمر وان خفى علينا وجه حسنه وهذا القسم من الرضا واجب على العباد فى كل ما قضى الله عليه من مرغوب ومكروه عنده غير انه ان صدر عنه المعصية او عن غيره لا يرضى عن الكفر والمعصية من حيث صدوره عن العبد وكسبه فان صدور الكفر والمعصية عن العبد وكسبه به غير مرضى الله وان كان صادرا

بارادة الله وخلقه ومناط التكليف فى وجوب هذا القسم من الرضاء العقل والاستدلال فان العاقل إذ لاحظ ان الله تعالى مالك للاشياء كلها والمالك يتصرف فى ملكه كيف يشاء والاعتراض انما يتوجه على من يتصرف فى ملك غيره بغير اذنه ولاحظ انه تعالى حكيم لا يفعل الأعلى ما اقتضاه الحكمة رضى الله به وان اختلج شىء فى صدره فذلك لاجل نقصان فى عقله ودينه وبقية كفر فى نفسه الامارة بالسوء والى هذا القسم من الرضاء أشار السرى السقطي رضى الله عنه إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تساله الرضى عنك وقسم منه معناه كون مقتضيات الله محبوبا له مرغوبا عنده وان كان على خلاف هواه ومنشأه العشق والمحبة بالله سبحانه فان فعل المحبوب ومراده أحب عند المحب من مراد نفسه ومن هاهنا قال الشاعر فان فرحت بهجرى رضيت بالضروري وقسم منه معناه بلوغ المراد أقصى ما يتمناه ويشتهيه وهو المراد هاهنا ومن قوله تعالى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن لا ارضى وواحد من أمتي فى النار وقد مر فى سورة والضحى ذلك المذكور من الجزاء والرضوان لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ع فان الخشية ملاك الأمر والباعث على كل خير والناهي عن كل معصية وشر وجملة ذلك لمن خشى ربه فى مقام التعليل بقوله تعالى جزاءهم عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لابى ان الله أمرني ان اقرأ عليك القران وفى رواية ان اقرء عليك لم يكن الذين كفروا قال أالله سمانى لك قال نعم قال وقد ذكرت عند رب العالمين قال نعم قذرفت عينه متفق عليه قلت وما ذكر فى الحديث من حال ابى هواية عشاق- والله تعالى اعلم.

سورة الزلزال

سورة الزّلزال مدنيّة وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها اى حركت حركة واضطرابا مناسبا بشأنها فى العظمة ولابقاء بها فى الحكمة او حركة ممكنا لها او مقدرا لها اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال تحركت من أسفلها واختلفوا فى تلك الزلزلة هل هى بعد النفخة الثانية وقيام الناس من قبورهم او قبل النفخة الاولى فى الدنيا من اشراط الساعة فاختاره الحليمي وغيره الاول وابن العربي ومن معه الثاني محتجين بقوله تعالى يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وأجاب اهل المقالة الاولى انه خرج مخرج المجاز والتمثيل لشدة الهول لا على حقيقته مستدلين بما اخرج الترمذي وصححه عن عمران ابن حصين قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كل مرضعة الاية فقال أتدرون اى يوم ذلك يوم يقول الله لادم ابعث بعث النار الحديث وله طرق وفى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الله يوم القيامة لادم قم فابعث بعث النار من ذريتك فيقول اى رب وما بعث النار فيقول من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون ويبقى واحد فعتد ذلك يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد فشق ذلك على الناس فقالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد فقال من يأجوج وماجوج الف ومنكم واحد وهل أنتم فى الأمم الا كالشعرة السوداء فى الثور الأبيض او كالشعر البيضاء فى الثور الأسود وقال اهل المقالة الثانية هذا الحديث لا يدل على ان الزلزلة يكون حين الأمر ببعث النار بل فى ذلك اليوم والأمر متاخر عنها فكانه صلى الله عليه وسلم لما اخبر عن الزلزلة التي يكون متقدمة على النفخة الاولى ذكر ما يكون فى ذلك اليوم من الأهوال الى العظام قلت وعبارة حديث الصحيحين يابى عن هذا التأويل فانه فيه فعند ذلك اى عند بعث النار

[سورة الزلزلة (99) : آية 2]

يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها والله تعالى اعلم قلت جاز ان يتكرر الزلزلة مرة فى اشراط الساعة ومرة بعد البعث. وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ اسناد الإخراج الى الأرض مجازى أَثْقالَها اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يعنى الموتى من القبور كذا اخرج الفريابي عن ابن مجاهد وعلى هذا فهى حكاية عما بعد النفخة الثانية واخرج ابن ابى حاتم عن عطية قال يعنى ما فيها من الكنوز عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقى الأرض أفلاذ كبدها أمثال أسطوان من الذهب والفضة ويجئ القاتل فيقول فى هذا قتلت ويجئ القاطع فيقول فى هذا قطعت رحمى فيقول فى هذا قطعت يدى ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا رواه مسلم وفى الصحيحين عنه مرفوعا يوشك الفرات ان يحسر عن اكثر من ذهب فمن حضر فلا يأخذ منه شيئا وفى رواية لمسلم عنه لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فتقتل الناس عليه فتقتل من مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلى أكون انا الذي أنجو قلت لعل القتال يكون فى بادى الأمر ثم يؤل الأمر الى ان لا يأخذ أحد منهم شيئا. وَقالَ الْإِنْسانُ تعجبا ما لَها ج اى ما للارض تزلزل هذه الزلزلة الشديدة وتلفظ ما فى بطنها قيل المراد بالإنسان الكافر يقول ذلك حين يبعث ولم يكن يرجو البعث واما المؤمن فيقول هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون قال البغوي فى الاية تقديم وتأخير تقديره. يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ الأرض أَخْبارَها فيقول الإنسان مالها تخبر وتتكلم بما عمل عليها يومئذ بدل من إذا زلزلت والعامل فيه تحدث ويحتمل ان يكون يومئذ أصلا وإذا اقتضى بمحذوف اى لتحاسبن إذا زلزلت يومئذ تحدث اخبارها عن ابى هريرة قال قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الاية فقال أتدرون ما اخبارها قالوا الله ورسوله اعلم قال فان اخبارها ان تشهد على كل عبدو امة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا فذاك اخبارها رواه احمد والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان والبيهقي واخرج الطبراني عن ربيعة الحرثى ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال تحفظوا من الأرض فانها امكم وانه ليس من أحد عمل عليها خيرا وشرا الا وهى مخبرة وكذا اخرج الطبراني عن مجاهد. بِأَنَّ اى بسبب ان رَبَّكَ أَوْحى لَها ط اللام بمعنى الى يعنى اوحى ربك إليها ان تخبر او بمعناها

[سورة الزلزلة (99) : آية 6]

اذن لها فى ذلك تشقى فى العصاة وجاز ان يكون بان ربك بدلا من اخبارها يقول أخبرته كذا وأخبرته هكذا وحينئذ يكون جوابا لقول الإنسان مالها يعنى تقول اوحى ربك الى وحكم بالزلزلة وإخراج الأثقال. يَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده يَصْدُرُ اى يرجع النَّاسُ عن موقع الحساب بعد عرض أَشْتاتاً متفرقين فاخذ ذات اليمين الى الجنة وأخذ ذات الشمال الى النار قوله تعالى يومئذ يتفرقون لِيُرَوْا متعلق بيصدر اى لكن يروا أعمالهم قال ابن عباس اى ليروا جزاء أَعْمالَهُمْ ط يعنى يرجعون عن الموقف لينزلوا منازلهم من الجنة او النار وجملة يومئذ يصدر مستأنفة وقول. فَمَنْ يَعْمَلْ الى اخر السورة تفصيل ليروا واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير انه لما نزلت ويطعمون الطعام على حبه كان المسلمون يرون انهم يوجرون على الشيء القليل إذا اعطوا وكان آخرون يرون انهم لا يلامون على الذنبا ليسير الكذبة والنظرة وأشباه ذلك وانما وعد الله على الكبائر فانزل الله تعالى فمن يعمل مِثْقالَ ذَرَّةٍ الاية اى وزن نملة صغيرة او أصغر من نملة خَيْراً تميز المثقال ذرة يَرَهُ ط قرأ هشام بإسكان الهاء فى الموضعين والباقون بالإشباع فيهما اى يرى جزاءه قال مقاتل يرغبهم فى القليل من الخير ان يعطوه فانه يوشك ان يكبر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربى أحدكم فلوة حتى تكون مثل الجبل متفق عليه وعن ابى ذر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تحقرن من المعروف شيئا ولو ان تلقى أخاك بوجه طليق رواه مسلم وهذا الاية حجة لاهل السنة على المعتزلة ان المؤمن وان كان مرتكبا للكبائر لا يخلد فى النار بل يصير عاقبته الى الجنة فان الله وعد بايفاء الجزاء على مثقال ذرة من الخير والخلف عن وعد الله محال والايمان نفسه راس الخيرات وأساس العبادات كلها فكيف يتلاشى بارتكاب المعاصي ومحل روية الجزاء انما هو الجنة فالمؤمن وان كان فاسقا ومات من غير توبة يصير لا محالة الى الجنة وعليه انعقد الإجماع وبه تواترت الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من النار من قالها وفى قلبه وزن ذرة من خير ومن ايمان متفق عليه من حديث انس وعند مسلم عن عثمان بلفظ من مات وهو يعلم ان لا اله الا الله دخل الجنة وعنده عن جابر بلفظ من مات

[سورة الزلزلة (99) : آية 8]

يشرك بالله دخل النار ومن مات لا يشرك بالله دخل الجنة وعنده عن عبادة بن الصامت بلفظ من شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله حرم الله عليه النار وكذا عن انس وعن عتبان بن مالك فى الصحيحين وعن عمر عند الحاكم وعن معاذ عند مسلم وعنده عن ابن مسعود بلفظ لا يدخل النار أحد فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان يعنى حرم الله عليه النار المؤبد ولا يدخل نارا مقدر الخلود فيه وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما من عبد قال لا اله الا الله ثم مات على ذلك دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق على رغم انف ابى ذر متفق عليه وعند احمد والبزاز والطبراني مثله قال السيوطي الأحاديث فى ذلك كثيرة زائدة على التواتر فان قيل هذه الاية يشتمل من عمل صالحا كانفاق وصلة الرحم ونحو ذلك من الكفار مع دلالة النصوص والإجماع على خلودهم فى النار قلنا الاية لا يشملهم لان شرط إتيان الحسنات الايمان بالله واخلاص العمل له تعالى قال عليه الصلاة والسلام انما الأعمال بالنيات فاذا فات منهم شرط فات المشروط فمثل حسناتهم كمثل صلوة بلا وضوء فانها ليست بصلوة حقيقة بل يعد استهزاء ومعصية ومن ثم قال العلماء انه من نذر بالصلوة او بالصوم او بالاعتكاف فى حالة الكفر ثم اسلم لا يجب عليه الوفاء لان الصلاة والصوم والاعتكاف من الكافر ليس لله خالصا فهى كفر ومعصية ليس من الطاعة فى شىء ولا نذر بالمعصية وأَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ع اى يرى جزاءه ان لم يتداركه المغفرة والدليل على هذا التقييد الآيات والأحاديث الدالة على جواز مغفرة المعاصي من غير توبة قال الله تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقال من يقنط من رحمة ربه الا الضالون وقال لا تقنطوا من رحمة الله ونحو ذلك وعن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

والذي نفسى بيده ليغفر الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس وجاء ان يصيبه رواه البيهقي وفى الباب أحاديث كثيرة بالغة حد التواتر وهذه الاية حجة لاهل السنة على المرجئة فى قولهم ان الله لا يعذب المؤمن وان كان فاسقا وان المؤمن لا يضره سيئة كما ان الكافر لا ينفعه حسنة وقد ورد فى تعذيب المؤمنين على الصغائر والكبائر آيات وأحاديث كثيرة لا يحصى يطول الكلام بذكرها فثبت ان الحق ما قال اهل السنة ان الله سبحانه ان شاء يعذب على صغيرة عدلا وان شاء يغفر الكبائر فضلا قال مقاتل الإثم الصغير فى عين صاحبه أعظم من الجبال يوم القيامة عن سعيد بن حبان قال لما فرغ النبي صلى الله عليه واله وسلم من حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيها شىء فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم اجمعوا من وجد شيئا فليات به قال فما كان الا ساعة حتى اجمعوا ركابا فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم أترون هذا فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله عز وجل فلا يذنب صغيرة ولا كبيرة فانها محصاة عليه رواه الطبراني وعن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فان لها من الله طالبا رواه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وعن انس انكم لتعملون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات رواه البخاري ولاحمد مثله من حديث ابى سعيد بسند صحيح قال ابن مسعود احكم اية فى كتاب الله فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وورد فى الحديث الطويل عن انس عند مسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى هذه الاية الفاذة الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقال الربيع بن حيثم مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة فلما بلغ آخرها قال حسبى قد انتهيت الموعظة عن عبد الله بن عمرو قال اتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقرأني يا رسول الله قال اقرأ ثلثا من ذوات الرا قال كبر سنى واشتد قلبى وغلظ لسانى قال فاقرأ ثلثا من ذوات حم فقال مثل مقاله فقال الرجل يا رسول الله أقرأني

سورة العاديات

سورة الجامعة فاقرأ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا زلزلت الأرض حتى فرغ منها فقال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليه ابدا ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أفلح الرويجل مرتين رواه احمد وابو داود وعن انس وابن عباس قالا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم إذا زلزلت تعدل نصف القران وقل هو الله أحد يعدل ثلث القران وقل يايها الكافرون ربع القران رواه الترمذي والبغوي وفى رواية عند الترمذي وابن ابى شيبة عن انس إذا زلزلت الأرض ربع القران قال الجزري كونها ربع القران لانها مشتملة على الحسنات وهو بالنسبة الى الحيوة والموت والبعث والحساب ربع وكونها نصف القران لانها مشتملة على احوال الاخرة واحوال الاخرة بالنسبة الى احوال الدنيا والاخرة نصف فهى ربع من وجه ونصف من وجه وروى من حديث على بسند ضعيف جدا قوله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ إذا زلزلت اربع مرات كان كمن قرأ القران كله- والله تعالى اعلم. سورة العاديات مكيّة وهى احدى عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج البزاز والدار قطنى والحاكم وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا فلبث شهرا الا يأتيه فيها خيرا فنزلت وَالْعادِياتِ قرأ ابو عمرو بالإدغام الكبير بين التاء والضاد اقسم بخيل الغزاة التي تعدو فى سبيل الله كذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والكلبي وقتادة ومقاتل وابو العالية وغيره ولهذا التأويل وبما ذكرنا من سبب النزول يظهر ان السورة مدنية لانه لم يكن قبل الهجرة جهاد وجاز ان يكون القسم بها

[سورة العاديات (100) : آية 2]

بمنزلة الاخبار لوجودها فى الاستقبال على تقدير كونها مكية ضَبْحاً اى تضبح ضبحا مصدر موقع الجملة التي وقعت حالا من فاعل العاديات وهى صوت أنفاس الخيل إذا عدون قال ابن عباس لا يضبح من الحيوانات غير الفرس والكلب والثعلب وما يضبحن الا إذا تغير حالهن من التعب وقال على العاديات هى الإبل فى الحج تعدو من عرفة الى مزدلفة ومن مزدلفة الى منى وقال كانت أول غزوة فى الإسلام بدرا وما كان معنا الا فرسان فرس الزبير وفرس المقداد بن الأسود فكيف تكون العاديات واليه ذهب ابن مسعود ومحمد بن كعب والسدى وعلى هذا معنى قوله ضبحا يعنى تمد أعناقها فى السير مدا. فَالْمُورِياتِ الخيل التي نورى النار إذا سارت ليلا فى ارض ذات حجارة قَدْحاً يعنى تقدح اى تفك الحجارة بحوافرها قدحا. فَالْمُغِيراتِ قرأ ابو عمرو وخلاد بالإدغام بين التاء والصاد اى الخيل التي تغير بفرسانها على عدو والاغارة سرعة سير صُبْحاً ظرف للمغيرات اى التي تغير فى وقت الصبح هذا قول اكثر المفسرين وقال القرظي هى الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من جمع بمنى وقت الصبح وهو السنة بل الواجب ان لا يدفع حتى يصبح وقد رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء والضعفاء بالدفع بعد طلوع الفجر من ليلة النحر. فَأَثَرْنَ عطف على مضمون صلة اللام الموصول يعنى اللاتي عدون قادرين فاغرن فاثرن اى هيجن بِهِ الباء بمعنى فى والضمير عائد الى الزمان المفهوم تضمنا من مضمون الصلة اى اثرن فى ذلك الوقت اى وقت الاغارة على العدو او الى المكان المفهوم منه اقتضاء اى اثرن فى مكان العدو نَقْعاً غبارا مفعول لاثرن. فَوَسَطْنَ اى فوسطن تلك الخيل بِهِ الضمير عائد الى النقع اى متلبسا بالنقع او الى الوقت او المكان كما مر فى ذلك الوقت او المكان جَمْعاً من جموع الأعداء وجواب القسم. إِنَّ الْإِنْسانَ أريد به الجنس نظرا الى اكثر افراده حيث قال الله تعالى وقليل من عبادى الشكور لِرَبِّهِ متعلق بما بعده قدم لرعاية الفواصل لَكَنُودٌ ج اى لكنود لنعمة ربه بلسان مضر كذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة او العاصي بلغة كنده او البخيل بلغة بنى مالك قال ابو عبيدة هو قليل الخير والأرض الكنود مالا ينبت شيئا. وَإِنَّهُ قال ابن كيسان الضمير للانسان اى وان الإنسان عَلى ذلِكَ اى على كونه كفورا عاصيا بخيلا لَشَهِيدٌ ج يشهد به

[سورة العاديات (100) : آية 8]

على نفسه عند ادنى تأمل بظهور اثره او يشهد على نفسه ويعترف بذنبه فى الاخرة يقول لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وقال اكثر المفسرين ضمير انه راجع الى ربه يعنى وان ربه على كونه كنود الشهيد لا يعزب عنه شىء فيواخذ به فهو وعيد. وَإِنَّهُ اى الإنسان لِحُبِّ الْخَيْرِ اى المال كما فى قوله تعالى ان ترك خيرا لَشَدِيدٌ ط لقوى مبالغ فيه فلا ينفقه فى سبيل المنعم شكرا للنعمة او المعنى البخيل شديد وعلى هذا فاللام فى لحب الخير للتعليل اى لاجل حب المال لبخيل وعلى الاول لام الصلة. أَفَلا يَعْلَمُ همزة الاستفهام للتعجب والفاء للعطف على محذوف تقديره الا ينظر الإنسان فلا يعلم ومعناه لينظر وليعلم الان ما سيعلم غدا ان ربهم خبير لهم يجازيهم على ما يفعلون يوم نبعث من فى القبور ويبرز ما فى الصدور إِذا بُعْثِرَ اى بعث واثير ما فِي الْقُبُورِ من الموتى أورد لفظ ما بمعنى من لمشاكلة ما فى الصدور او لانه فى هذه الحالة مما لا يعقل لكونه موتى ملحقا بالجمادات. وَحُصِّلَ اى جمع محصلا فى الصحف او ميز وابرز ما فِي الصُّدُورِ اى ما فى صدورهم يعنى صدور جنس الإنسان من الخير والشر وتخصيص ما فى الصدور بالذكر دون اعمال الجوارح لانه الأصل إذا بعثر شرط حذف جزاءه لتوسط فى جملة تدل على جزائه تقديره إذا بعثر ما فى القبور يعلم والجملة الشرطية معترضة للتهديد والفظاعة. إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ع هذه الجملة قائم مقام المفعولين ليعلم لدخول اللام على الخبر او يقال مفعولاه محذوفان يدل عليهما هذه الجملة يعنى انا نجازيه وقت ما ذكروا بهم ويومئذ متعلق بمضمون خبير خص ذلك اليوم بالذكر وهو عالم بهم فى جميع الا زمان لان الجزاء يقع يومئذ فيظهر كونه خبيرا يومئذ او يقال الخبير مجاز عن المجازى والمعنى ان ربهم يجازى بهم يومئذ كذا قال الزجاج والله تعالى اعلم.

سورة القارعة

سورة القارعة مكّيّة وهى احدى عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْقارِعَةُ سبق بيانه فى الحاقة والتاء اما لتانيث الساعة او للمبالغة فى القرع. مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ الظرف اما متصف بفعل مضمر دلت عليه القارعة اى تقرع الناس يوم يكون الناس او مبنى على الفتح لاضافته الى الجملة فى محل الرفع على انه خبر مبتداء محذوف اى هى يوم يكون بيان للقارعة كَالْفَراشِ الطير التي يتهافت فى النار الْمَبْثُوثِ المفرق وجه الشبه كثرتهم وهو انهم وتموج بعضهم فى بعض وركوب بعضهم على بعض بشدة الهول. وَتَكُونُ الْجِبالُ عطف على يكون كَالْعِهْنِ الصوف ذى الألوان لاجل اختلاف ألوان الجبال الْمَنْفُوشِ ط المندوف لتفرق اجزائها وتطائرها فى الجو. فَأَمَّا تفصيل لما أجمل حاله من الناس عطف على يكون ذكر الناس فريقين مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ جمع موزون يعنى اعماله التي توازن معه والمراد بها الأعمال الصالحة فانها المقص بوجودها او هو جمع ميزان وعلى هذا ايضا المراد به كفة الحسنات من ميزانه وقد صح ان الميزان له لسان وكفتان أخرجه ابن المبارك فى الزهد والآجري وابو الشيخ فى تفسير عن ابن عباس واخرج ابن مردوية عن عائشة قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول خلق الله عز وجل كفتى الميزان مثل السماء والأرض وأورد الموازين بلفظ الجمع لان من ثقلت جمع معنى وافراد الضمير الراجع اليه نظرا الى افراد لفظه فمقابلة الجمع بالجمع تقتضى انقسام الآحاد على الآحاد لكن على هذا التأويل تدل الاية على كون الميزان كل رجل على حدة وجاز ان يعتبر تعدد الموازين من حيث تعدد من يوزن أعمالهم. فَهُوَ هذا ايضا باعتبار لفظة من فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ط أسند الرضى الى العيشة مجازا وهى صفة لصاحبها كما فى ناصية كاذبة وقيل الفاعل هاهنا بمعنى المفعول اى عيشة مرضية كعكسه فى وعدا ماتيا او بمعنى ذات رضى. وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ اى اعماله الحسنة او كفة حسناته وهذا يعم الكافر الذي لا حسنة له لفقد الايمان الذي

[سورة القارعة (101) : آية 9]

هو شرط إتيان الحسنات والمؤمن الفاسق الذي ترجحت سيئاته على حسناته بخلاف الاول يعنى من ثقلت موازينه فانه لا يكون الا مؤمنا معصوما او مغفورا او ترجحت حسناته على سياته قال القرطبي قال علماؤنا الناس فى الاخرة على ثلث طبقات فرقة متقون لا كبائر لهم توضع حسناته فى اكفة النيرة فلا ترتفع وترتفع المظلمة ارتفاع الفارغ الخالي وفرقة كفار توضع كفرهم وأوزارهم فى الكفة المظلمة وان كان له عمل برّ كصلة الرحم ونحوها وضعت فى الكفة الاخرى فلا يقاومها ويرتفع كفة الحسنات ارتفاع الفارغ الخالي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انه لياتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا تزن عند الله جناح بعوضة ثم قرأ لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا متفق عليه من حديث ابى هريرة وفرقة فساق المؤمنين يوضع حسناتهم فى كفة النيرة وسيئاتهم فى كفة المظلمة ان كانت كفة الحسنات أثقل دخل الجنة او السيئات أثقل ففى مشية الله يعنى ان شاء ادخل النار وان شاء غفروا دخل الجنة وان كان مساويا كان من اصحاب الأعراف هذا إذا كانت الكبائر بينه وبين الله وان كان عليه تيعات اختص من ثواب حسناته بقدرها فان لم يوف زيد عليه من أوزار من ظلمة ثم يعذب على الجميع قال احمد بن حرث يبعث الناس يوم القيامة ثلث فرق فرقة اغنياء بالأعمال الصالحة وفرقة الفقراء وفرقة اغنياء ثم يصيرون فقراء مفاليس بالتبعات وقال سفيان الثوري انك ان تلقى الله تبارك وتعالى بسبعين ذنبا فيما بينك وبينه أهون عليك من ان تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال تحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته اكثر من سياته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سياته اكثر من حسناته دخل النار قال وان الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ومن استوت حسناته وسياته كان من اصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط يعنى حتى يوفوا جزاء بعض سياته ويرجح حسناته فيدخل الجنة قال السيوطي وانما يوزن اعمال المتقى من لا سيئة عليه اظهار الفضلة واعمال الكافر اظهار الذلة قلت والمذكور فى القران غالبا جزاء الكفار فى مقابله جزاء الصلحاء المؤمنين واما حال الذين خلطوا صالحا واخر سيئا من المؤمنين فمسكوت عنه غالبا فى القران فالظاهر ان المراد هاهنا بمن خفت موازينه هم الكفار فهم المحكوم عليهم بقوله تعالى. فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ط يعنى مسكنه النار

يسمى المسكن اما لان الأصل سكون الأولاد الى الأمهات والهاوية اسم من اسماء جهنم وهو المهواة لا يدرك قعرها الا الله وقال قتادة كلمة عربية كان الرجل إذا وقع فى امر شديد يقال هوت امه وقيل أراد راسه يعنى انهم يهوون فى النار على رؤسهم قال البغوي والى هذا التأويل ذهب قتادة وابو صالح قلت وكذا الكفار هم المرادون فى مقابلة المتقين فى حديث انس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوفى ابن آدم فيوقف بين كفتى الميزان به ملك فان ثقلت موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعده ابدا وان خفت ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعده ابدا وحال المخلط مسكوت فى الحديث والظاهر ان الملك لا ينادى عليه شىء من الصوتين ولذلك لم يذكر- (فائدة) قال القرطبي الميزان لا يكون فى حق كل أحد وان الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان وكذلك من يعجل به الى النار بغير حساب وهم المذكورون فى قوله تعالى يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والاقدام وقال السيوطي يحتمل تخصيص الكفار الذين يوزن أعمالهم ولا يجدون ثقلا بالمنافقين فانهم يبقون فى المسلمين بعد لحوق كل مسلم امة بما يعيدوهم يصلون ويصومون مع المؤمنين فى الدنيا رياء وسمعة فيميز الله الخبيث من الطّيّب بالميزان وقال الغزالي السبعون الف الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يوضع لهم ميزان ولا يأخذون صحفا انما هى براة مكتوبة هذه براة فلان بن فلان اخرج الاصبهانى عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنصب الموازين ويوتون باهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين ويوتون بأهل الحج فيوفور أجورهم بالموازين ويوتون باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب لهم أجرا صبا بغير حساب حتى يتمنى اهل العافية انهم كانوا فى الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به اهل البلاء من الفضل وذلك انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب واخرج الطبراني وابو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب ثم يوفى بالمتصدق فينصب للحساب ثم يوتى باهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان ولا ينشر لهم ديوان فيصب عليهم الاجر صبا حتى ان اهل العافية ليتمنون بالموقف ان أجسادهم قرضت بالمقاريض من حيث

[سورة القارعة (101) : آية 10]

ثواب الله لهم وقد ذكر فيما سبق ان الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الصوفية العلية لعل المراد بأهل البلاء هاهنا ايضا بلاء العشاق المحبين لله لرضائهم بالبلاء كرضائهم بالعطاء وكذا المراد بالبكاء فى قوله صلى الله عليه وسلم ما من شىء الا وله مقدار وميزان الا الدمعة فانها يطفى بها بحار من نار رواه البيهقي من حديث معقل بن يسار بكاء اهل العشق والا فقد صح فى الأحاديث وزن اعمال اهل البلاء كما فى قوله صلى الله عليه وسلم بخ بخ بخمس ما أثقلهن فى الميزان لا اله الا الله وسبحان الله والحمد لله والله اكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فتحبسه رواه النسائي وابن حبان والحاكم والبزار واحمد والطبراني من حديث ثوبان وابو سلمى ولا شك ان وفات الولد من البلاء والشهادة التي ذكرت فى حديث ابن عباس ايضا من البلاء والله تعالى اعلم فان قيل روى احمد بسند صحيح عن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوضع الموازين يوم القيامة فيوتى بالرجل فيوضع فى كفة ويوضع ما احصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به الى النار فاذا أدبر إذ صايح يصيح من عند الرحمن لا تعجلوا فانه قد بقي له فيوتى ببطاقة فيها لا اله الا الله فيوضع مع الرجل حتى يميل به الميزان وروى الحاكم وصححه وابن حبان والترمذي عنه نحوه وعن ابى سعيد وابن عباس وغيرهما ما يؤيده فى عمره فكيف يخف ميزان المؤمن فانه لا يخلو مؤمن من قول لا اله الا الله ولو مرة واحدة فى عمره قلنا احكام الاخرة كلها يعنى أكثرها من القضايا المهملة فى قوة الجزئية فلما تكون منها كلية والأمر منوط بفضل الله ومدار الأعمال على الإخلاص ومقداره والله اعلم. وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ ط قرأ حمزة ما هى بغير الهاء وصلا فقط والباقون بالهاء للسكت فى الحالين والضمير راجع الى الهاوية والاستفهام للتهويل وجملة ما أدريك معترضة لاستعظام أمرها وقوله تعالى نار بدل من هاوبة او بيان لها او خبر مبتداء المحذوف اى هى. نارٌ حامِيَةٌ ع ذات حمى بلغت النهاية فى الحرارة.

سورة التكاثر

سورة التكاثر مكّيّة وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلْهاكُمُ اى إلهكم فى اللهو وهو الباطل من الأمر وما لا يعيد فائدة معتبرة وشغلكم عن طاعة الله وما ينجيكم من سخطه التَّكاثُرُ التباهي والتفاخر بكثرة المال والجاه والعدد. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ط يعنى حتى متم ودفنتم بالمقابر اخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن اسلم قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألهيكم التكاثر عن الطاعة حتى زرتم المقابر حتى يأتيكم الموت قال قتادة كانت اليهود يتفاخرون بكثرتهم ويقولون نحن اكثر من بنى فلان شغلهم ذلك حتى ماتوا فنزلت هذه الاية فيهم فعلى هذا حتى للغاية واخرج ابن ابى حاتم عن ابن بريدة قال نزلت الاية فى قبيلتين من قبائل الأنصار بنى حارثة وبنى الحارث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما فيكم مثل فلان وفلان وقال آخرون مثل ذلك تفاخروا بالاحباء ثم قال انطلقوا بنا الى القبور فجعلت احدى الطائفتين يقول فيكم مثل فلان ومثل فلان ويشيرون الى القبور وقال الكلبي نزلت فى حيين من قريش بنى عبد مناف وبنى قصى وبنى سهم قالت كل واحد نحن اكثر سيدا وأعز عزيزا واكثر عددا فكثرهم بنو عبد مناف ثم قالوا نعد موتانا حتى زارو القبور فعدوهم فقالوا هذا القبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لانهم كانوا فى الجاهلية اكثر عددا فانزل الله تعالى هذه الاية وعلى هذين الروايتين معنى قوله حتى زرتم المقابر حتى عددتم الأموات لاجل التكاثر بالأموات بعد ما استوعبتم عدد الاحياء فعبر عن انتقالهم الى ذكر الأموات بزيارة القبور مجازا او يحمل على زيارة القبور حقيقة حيث انطلقوا الى المقابر بعد القبور حتى هذا للسببية عن عبد الله ابن السخير قال انتهيت الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو يقرأ هذه الاية ألهيكم التكاثر قال ابن آدم مالى مالى وهل لك من مالك الا ما أكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت رواه البغوي وعن انس بن مالك قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبع الميت ثلثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه اهله وماله وعمله فيرجع اهله وماله ويبقى عمله رواه البخاري وعن عياض بن حمار المجاشعي ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان الله اوحى الى ان تواضعوا حتى لا يفتخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد رواه مسلم وعن ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لينتهين أقوام يفخرون بآبائهم الذين ماثوا انما هم محم من جهنم او ليكونن أهون

[سورة التكاثر (102) : آية 3]

على الله من الجعل الذي يد هده الخراء بانفه ان الله قد اذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء انما هو مؤمن تقى او فاجر شقى الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب رواه الترمذي وابو داود عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انسابكم هذه ليست بمسبة على أحد كلكم بنو آدم طف الصاع بالصاع لم تملوه ليس لاحد على أحد فضل الآبدين وتقوى كفى بالرجل ان يكون بذيا فاحشا بخيلا رواه احمد والبيهقي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم القيامة امر الله مناديا ينادى الا انى جعلت نسبا وجعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم فابيتم الا ان تقولوا فلان ابن فلان خير من فلان بن فلان فاليوم ارفع نسبى واضع نسبكم اين المتقون رواه الطبراني فى الأوسط. كَلَّا ردع عن التكاثر سَوْفَ تَعْلَمُونَ حذف مفعوله لدلالة السياق اى سوف تعلمون سوأ عاقبة تفاخركم وتكاثركم حين تعذبون عليه. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ط تكرير لتأكيد الوعيد او تنصيص بوعيد اخر وفى ثم دلالة على ان الثاني ابلغ من الاول قيل الاول عند الموت او فى القبر والثاني بعد البعث اخرج ابن جرير عن على قال كنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت إلهكم التكاثر الى كلا سوف تعلمون فى عذاب القبر. كَلَّا تأكيد للردع بعد تأكيد لَوْ تَعْلَمُونَ ما بين ايديكم عِلْمَ الْيَقِينِ ط اى علما كعلم الأمر المتيقن الموجود عندكم وجواب لو محذوف لتفخيمه يعنى لشغلكم ذلك عن غيره او لما تكاثرتم قال قتادة كنا نحدث ان علم اليقين ان يعلم ان الله باعث بعد الموت قلت يعنى علما بالغيب حاصلا بالاستدلال ولا يجوز ان يكون. لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ جوابا للشرط لانه محقق الوقوع بل هو جواب قسم محذوف أكد به الوعيد وأوعد ما انذرهم به بعد إبهامه تفخيما لشانه قلت وجاز ان يكون لو مجازا عن إذا تعلمون علم اليقين وذلك عند الموت لترون الجحيم ولا ينفعكم علمكم حينئذ لفوات وقت التدارك قرأ ابن عامر والكسائي لترون بضم التاء على البناء للمجهول من اريت الشيء والباقون بفتح التاء والمراد بالروية هاهنا المعرفة والعلم وجاز ان يكون الروية بالأبصار فى القبور فان الكافرين يعرضون على النار فى القبور غدوا وعشيا كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى وما هم عنها بغائبين. ثُمَّ لَتَرَوُنَّها بفتح التاء بلا خلاف يعنى ثم لترون الجحيم بعد النشور عَيْنَ الْيَقِينِ

[سورة التكاثر (102) : آية 8]

منصوب على المصدرية عن غير لفظ الفعل فان راى وعاين بمعنى واحد وبه اندفع احتمال ان يكون الروية هاهنا بمعنى العلم والمعنى لترون رويته موجبة لليقين ومن هاهنا سمى عين اليقين علما حاصلا بالروية والمشاهدة ولا شك ان الروية أقوى من اسباب العلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس الخبر كالمعائنة أخرجه الخطيب عن ابى هريرة والطبراني عن انس بسند حسن وروى احمد والطبراني بسند صحيح والحاكم عن ابن عباس هذا ومع زيادة ان الله تعالى اخبر موسى بما صنع قومه فى العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا القى الألواح فانكسرت وقيل عين اليقين صفة لمصدر محذوف اى روية هى نفس اليقين مبالغة. ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ يعنى لم تركتم شكر النعم وكفرتم بها قال البغوي فيسألون يوم القيمة عن شكر ما كانوا فيه قال مقاتل كان كفار مكة فى الدنيا فى الخير والنعمة ولم يشكروا رب النعم حيث عبدوا غيره ثم يعذبون على ترك الشكر هذا قول الحسن وعن ابن مسعود رفعه انتهى والخطاب فى الاية مخصوص بالكفار الذين ألهاكم التكاثر وجاز ان يكون قوله تعالى لترون الجحيم الى اخر السورة خطابا عاما للناس أجمعين كقوله تعالى ان منكم الا واردها الاية وقد مر فى الحديث ان المؤمن يرى فى القبر اولا مقعدا من النار الذي أبدل منها مقعدا فى الجنة ليزداد شكرا (فائده) السؤال عن النعيم وان كان بدلالة سياق الاية واحد تأويلها مختصا باهل التكاثر لكن ثبت بما تواتر من الأحاديث ان السؤال عام يسأل الكفار والمؤمنون اخرج ابن ابى حاتم عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى هذه الاية قال الا من والصحة وكذا عن ابن عباس فى الاية قال صحة الأبدان والاسماع والابصار يسال الله العباد فيما استعملوها واخرج الفريابي وابو نعيم عن مجاهد فى هذه الاية قال كل شىء من لذة الدنيا وعبد الرزاق عن قتادة فى هذه الاية انه قال ان الله سائل كل نعمة فيما أنعم عليه واخرج احمد فى الزهد عن ابى قلابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى هذه الاية قال ناس من أمتي يعقدون الثمن والعسل بالنفي فياكلونه واخرج الترمذي عن ابى هريرة قال لما نزلت هذه الاية قال الناس يا رسول الله عن اى النعيم نسال وانما هى الأسود ان والعدو حاضر وسيوفنا على عواتقنا قال اما ان ذلك سيكون واخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة قال لما نزلت هذه الاية قالوا يا رسول الله واى نعيم نحن فيه وانما نأكل فى انصاف بطوننا خيز الشعير فاوحى إليهم أليس تتخذون النعال

وتشربون الماء البارد فهذا من النعيم وعن على رضى الله عنه قال من أكل خبز البرّ وكان له ظل وشرب الماء الفرات فذلك من النعيم الذي يسئل عنه وروى الحاكم فى المستدرك عن ابى هريرة فى حديث مسيره صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر الى بيت ابى الهيثم وأكلهم الرطب واللحم وشربهم الماء قوله - صلى الله عليه وسلم - ان هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة فلما كبر أصحابه قال إذا أصبتم مثل هذا وخبزتم بايديكم فقولوا بسم الله وعلى بركة الله وإذا أشبعتم فقولوا الحمد لله الذي هو أشبعنا وأروانا وأنعم علينا وأفضل فان هذا وعن ابن عباس هذه القصة نحوه وعن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تناصحوا فى العلم ولا يكتم بعضكم بعضا فانه خيانة الرجل فى علمه أشد من خيانة فى ماله وان الله يسألكم عنه رواه الطبراني والاصبهانى وعن ابى الدرداء أول ما يسئل عنه العبد ما عملت فيما علمت رواه احمد وابن المبارك وعن ابن عمر مرفوعا يسئل العبد عن جاهه كما يسئل عن ماله رواه الطبراني وعن ابن عباس ما من عبد يخطو خطوة الا يسئل الله عنها ما أراد بها رواه ابو نعيم وعن معاذ مرفوعا ان المؤمن يسئل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى كحل عينيه رواه ابو نعيم وابن ابى حاتم عن الحسن مرفوعا ما من عبد يخطب الا الله سائله منها ماذا أراد بها مرسل جيد الاسناد رواه البيهقي وكلمة ثم فى الاية تدل على ان السؤال بعد روية الجحيم قلت وذلك لاجل ان السؤال يكون على الصراط قال الله تعالى وقفوهم انهم مسئولون وعن ابى هريرة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال قد ما عبد عن الصراط حتى يسئل عن اربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه فيما عمل فيه وعن ماله من اين اكتسبه وفيما أنفقه رواه مسلم وروى الترمذي وابن مردويه عن ابن مسعود مثله قال القرطبي هذه العمومات مخصوصة بأحاديث من يدخل الجنة بغير حساب عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يستطيع أحدكم ان يقرأ الف اية فى كل يوم قالوا ومن يستطيع ان يقرأ الف اية فى يوم قال اما يستطيع أحدكم ألهيكم التكاثر رواه الحاكم والبيهقي والله تعالى اعلم .

سورة العصر

سورة العصر مكيّة وهى ثلث آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ قال ابن عباس والدهر قيل اقسم به لان فيه عبرة للناظرين وقال ابن كيسان أراد بالعصر الليل والنهار وقال الحسن بعد زوال الشمس الى غروبها وقال قتادة اخر ساعة من نهار وقال مقاتل صلوة العصر وهى الصلاة الوسطى كما ذكرنا فى سورة البقر. إِنَّ الْإِنْسانَ اى جنسه لَفِي خُسْرٍ التنكير للتعظيم اى فى خسر عظيم فان الخسر ذهاب راس المال والإنسان فى هلاك نفسه وعمره وماله فيما لا يفيد له فى حيوة الابدية شعر ومن يبع أجلا منه بعاجله بين له الغبن فى بيع وفى سلم. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فانهم اشتروا الاخرة القوية الباقية بالدنيا الفانية فربحت تجارتهم وَتَواصَوْا بينهم بِالْحَقِّ بالمعروف قال الحسن وقتادة بالقران وقال مقاتل بالايمان والتوحيد وَتَواصَوْا بينهم بِالصَّبْرِ ع وكف النفس عن المنكرات فالشهوات الغير المرضية لله تعالى او بالصبر مطلقا على الطاعات والمصائب وترك المنكرات فالمراد بالأعمال الصالحة اما مطلقا فهو عطف الخاص على العام للمبالغة واما مقصورا على موجبات الكمال فالمراد بالمواصات موجبات التكميل وما عدا ذلك موجبات خسر وروى عن ابراهيم ان الإنسان إذا عمر فى الدنيا وهرم فهو لفى نقص وتراجع الا المؤمنين فانهم يكتب لهم أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها فى شبابهم وصحتهم فهو نظير قوله تعالى. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (مسئلة:) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب من ترك كان من الخاسرين عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان رواه مسلم وروى البغوي فى شرح السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا يعذب الله العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكرين ظهرانيهم وهم قادرون على ان ينكروه فلم ينكروه فاذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة وروى ابو داود وابن ماجة عن جرير بن عبد الله مرفوعا نحوه وابو داود عن ابى بكر الصديق ما من قوم يعمل فيهم المعاصي ثم يقدرون على ان يغيروا ثم لا يغيرون الا يوشك ان يعمهم العقاب وفى الباب أحاديث كثيرة- والله تعالى اعلم.

سورة الهمزة

سورة الهمزة مكيّة وهى تسع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قال ابن عباس هم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الاحبة الباغون للبراء العيب ومعناهما واحد وهو عياب وقال مقاتل الهمزة الذي يعيبك فى الوجه واللمزة الذي يعيبك فى الغيبة وقال ابو العالية والحسن على ضده وقال سعيد بن جبير وقتادة الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم واللمزة الطعان فيهم وقال ابن زيد الهمزة من يهمز الناس بيده ويضرهم واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم وقال سفيان الثوري يهمزه بلسانه ويلمز بعينه ومثله وقال ابن كيسان الهمزة الذي يوذى جليسه باللفظ واللمزة الذي يومض بعينه ويشير برأسه ويرمز بحاجبه قلت الهمزة فى الأصل الكسر والنخس فى الحديث اللهم انى أعوذ بك من همزات الشياطين واللمز الطعن ثم شاعا فيما ذكره هو الكسر فى اعراض الناس والطعن فيهم وبناء فعله للاعتياد فلا يق ضحكة وشجرة ولعهة وهمزة ولمزة الا للمكثر المتعود واخرج ابن ابى حاتم عن عثمن بن عمر قال مازلنا نسمع ان ويل لكل همزة نزلت فى ابى بن خلف واخرج عن السدى قال نزلت فى اخنس بن شريق بن وهب الثقفي واخرج ابن جرير عن رجل من اهل الرقة قال نزلت فى جميل بن عامر واخرج ابن المنذر عن ابن اسحق كان امية بن خلف الجمحي إذا راى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - همزة ولمزة فانزل الله تعالى ويل لكل همزة السورة كلها وقال مقاتل نزلت فى الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ورائه ويطعن عليه فى وجهه والاية عامة بصيغتها لكل من هذه صفة وان كانت نازلة فى واحد منهم. الَّذِي جَمَعَ قرأ جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد الميم على التكثير والباقون بالتخفيف والموصول اما مجرور بدل من كل او منصوب على الذم او مرفوع خبر مبتداء محذوف اى هو الذي جمع مالًا وَعَدَّدَهُ اى أحصاه وجعله عدة للنوازل وعده مرة بعد اخرى. يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ ان مع الجملة قائم مقام المفعولين ليحسب اى يجعله خالدا فى الدنيا لا يموت مع يساره كانه يزعم ان من لا مال له يموت بالجوع ومن كان

[سورة الهمزة (104) : آية 4]

له مال لا يموت ابدا وهذا كناية عن طول أمله وغفلته عن الموت وحبه للمال وليس على الحقيقة فان أحدا لا يزعم انه لا يموت ابدا او فيه تعريض بان المخلد هو الايمان والأعمال الصالحة دون المال عن عبد الله بن مسعود قال خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطا مربعا وخط خطا فى الوسط خارجا منه وخط خطوطا صغارا الى هذا الذي فى الوسط من جانب الذي فى الوسط فقال هذا انسان وهذا اجله محيط به وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الاعراض فان أخطأه هذا نهشه هذا وان أخطأه نهشه هذا وعن انس قال خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا فقال هذا الأمل وهذا اجله فبينما هو كذلك إذ جاءه الخطا الأقرب روى من المحدثين البخاري. كَلَّا ردع عن الخصال المذكورة من الهمزة واللمزة وحب المال وطول الأمل لَيُنْبَذَنَّ جواب قسم محذوف وجاز ان يكون كلا بمعنى حقا مفيد المعنى القسم فعلى هذا قوله لينبذن جواب قسم مذكور فِي الْحُطَمَةِ ج وهى اسم من اسماء جهنم وانما سميت به لانها تحطم وتكسر كل ما يطرح فيها ثم بين شدة أمرها بقوله. وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ ط استفهام للتفخيم والتهويل والجملة معترضة لاستعظام شانها يعنى أنت لا تدرى شدة أمرها فانها أعظم من ان يدرك او يخيل ثم فسرها بعد الإبهام بقوله. نارُ اللَّهِ خبر مبتداء محذوف اى هى نار الله أضاف الى نفسه للتعظيم فانها مظهر قهر الله نعوذ بالله منها وصفات الله تعالى كلها جلالية كانت او جمالية بالغة فى الكمال الى مرتبة لا يمكن فوقها ولا يدرك قدرها الْمُوقَدَةُ صفة للنار على البناء للمجهول يعنى أوقدها الله تعالى وما اوقده الله تعالى لا يقدر غيره ان يطفئه عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أوقد على النار الف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها الف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة رواه الترمذي. الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ط اى تبلغ الى الافئدة والاطلاع والبلوغ بمعنى واحد يحكى عن العرب من اطلعت ارضنا اى بلغت اخرج ابن المبارك عن خالد بن عمران بسنده الى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ان النار تأكل أهلها حتى إذا طلعت الى افئدتهم انتهت ثم يعود كما كان ثم تستقبله فتظلع على فواده فهو كذلك فذلك قوله تعالى نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة

[سورة الهمزة (104) : آية 8]

وكذا قال القرطبي والكلبي قلت فذكر الفواد هاهنا للدلالة على تابيد العذاب فان نار الدنيا إذا أحرقت أحدا تميته قبل ان تطلع على فواده بخلاف نار جهنم او لان الفواد ألطف ما فى البدن وأشد تألما او لأنه محل العقائد الزائغة ومنشأ الأعمال القبيحة فكانه هو منبع نار جهنم. إِنَّها عَلَيْهِمْ جمع الضمير رعاية لمعنى كل والظرف متعلق بما بعده مُؤْصَدَةٌ جملة مستانفة كانها فى جواب ما بالهم لا يخرجون ولا يفرون فقال انها عليهم موصدة اى مطبقة كذا اخرج ابن مردوية عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم يعنى مغلقة من أوصدت الباب إذا اطبقه اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال إذا بقي فى النار من يخلد فيها جعلوا فى توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت فى توابيت من حديد ثم قذفوا فى أسفل الجحيم فما يرى أحدا بعذاب غيره واخرج ابو نعيم والبيهقي عن سويد بن غفلة نحوه. فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ع الظرف متعلق بمحذوف فى محل النصب على الحالية اى موثقين فى عمد وجاز ان يكون متعلقا بمؤصدة فيكون النار داخل العمد قرأ حمزة والكسائي وابو بكر عمد بضم العين والميم والآخرون بفتحها وهما جمع عمود مثل أديم وآدم وآدم قاله القراء وقال ابو عبيد جمع عماد مثل إهاب واهب قال ابن عباس أدخلهم فى عمد فمدت عليهم بعماد وفى أعناقهم السلاسل وسدت عليهم بعماد لهما الأبواب وقال قتادة بلغنا انها عمد يعذبون بها فى النار وقيل هى أوتاد الاطباق الذي يطبق على اهل النار اى انها مطبقة عليهم بأوتاد ممدودة وهى فى قراءة عبد الله بعمد بالباء وقال مقاتل أطبقت الأبواب عليهم ثم سدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم باب ولا يدخل عليهم ممددة صفة لعمد اى مطولة فتكون ارسخ من القصيرة- والله تعالى اعلم.

سورة الفيل

سورة الفيل مكيّة وهى تسع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ خطاب للنبى - صلى الله عليه وسلم - والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والغرض منه التقرير يعنى قد رايت يا محمد وهو صلى الله عليه وسلم وان لم يشهد تلك الوقعة لكن شاهد اثارها وسمع بالتواتر اخبارها فكانه راها وجاز ان يكون الروية بمعنى العلم والجملة الاستفهامية التي بعدها سدت مسد مفعولى ترو فيه اشارة الى نظره - صلى الله عليه وسلم - وان يفعل باعدائه مثل ما فعل باصحاب الفيل كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ استفهام للتعجب ولذا لم يقل ما فعل لان المراد تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم الله وقدرته وعزة بيته وشرف نبيه - صلى الله عليه وسلم - فانها من الارهامات وكانت قصة الفيل توطية لنبوته ومقدمة لظهوره وبعثته والا فاصحاب الفيل كما قال ابن نعيم كانوا نصارى اهل الكتاب وكان دينهم خيرا من دين اهل مكة إذ ذلك لانهم كانوا عبدة الأوثان وكان قدوم الفيل يوم الأحد لثلث عشر ليلة بقيت من المحرم وبه قال ابن عباس ومن العلماء من حكى الاتفاق عليه وقال كل قول يخالفه وهم وفى ذلك العام ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نحو من الشهرين فى شهر ربيع الاول من تلك السنة كذا قال الأكثرون وهر الأصح وقيل بعده بثلثين عاما وقال مقاتل بأربعين عاما وقيل بسبعين عاما وقال الكلبي بثلث وعشرين سنة والاول أصح كذا فى خلاصة السير بِأَصْحابِ الْفِيلِ وهم ابرهة ملك اليمن وأصحابه قال الضحاك وكانت الفيلة ثمانية وقيل اثنى عشر سوى الفيل الأعظم الذي يقال له المحمود وانما وحد لانه نسبهم الى الفيل الأعظم وقيل لوفاق رءوس الآي وقصة اصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن اسحق عن بعض اهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس وذكره الواقدي ان النجاشي ملك الحبشة كان قد بعث ارياطا الى الأرض اليمن فغلب عليها فقام رجل يقال له ابرهة بن الصباح من رجال الحبشة فساخط ارياط فى امر الحبشة حتى انصدعوا صدعين فكانت طائفة مع ارياط وطائفة مع ابرهة فتزاحما فقتل ابرهة ارياطا

واجتمعت الحبشة لابرهة وغلب على اليمن وأفرد النجاشي ثم ان ابرهة راى الناس يتجهزون ايام الموسم الى مكة لحج بيت الله فبنى كنيسة بصنعاء وكتب الى النجاشي انى صنعت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها بيت فتهيأ حتى اصرف إليها حج العرب فسمع به رجل من بنى مالك بن كنانة فخرج إليها ليلا فقعد فيها ليلا ولطخ بالعذرة قبلتها فبلغ ذلك ابرهة فحلف ابرهة ليسيرن الى كعبة حتى يهدمها فكتب الى النجاشي يخبره بذلك وساله ان يبعث اليه بفيلة يقال له محمود ولم ير مثله عظيما وقوة فبعث اليه فخرج ابرهة سايرا الى مكة فسمعت العرب بذلك فعظموه ورأو جهاده حقا عليهم فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له ذو نفر مقاتله فهزمه ابرهة وأخذ ذا نفر ولم يقتله وأوثقه ثم سار حتى إذا دنى من بلاد خثعم خرج نفيل بن حبيب الخثعمي فى خثعم واجتمع اليه قبائل اليمن فقاتلوه وأخذ نفيلا فقال نفيل ايها الملك انى دليل بأرض العرب فاستبقاه وخرج معه يدله على الطريق حتى إذا مر بالطائف خرج مسعود بن مغيث الثقفي فى رجال من ثقيف فقال ايها الملك نحن عبيدك ليس لك عندنا خلاف انما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه فبعثوا بارغال مولى لهم فخرج حتى إذا كان بالمغمس يأت ابو رغال وهو الذي يرجم قبره فبعث ابرهة من المغمس رجلا من الحبشة يقال له الأسود يسوق اليه اموال الحرم وأصاب لعبد المطلب مأتى بعير ثم ان ابرهة بعث بحناطة الحميرى الى اهل مكة فقال أسأل عن شريفها ثم أخبره انى لم ات لقتال انما جئت لاهدم هذا البيت فانطلق حتى دخل مكة فلقى عبد المطلب وقال له ما قال ابرهة فقال عبد المطلب ماله عندنا قتال فتخلى به وبين ما جاء به فان هذا بيت الله الحرام وبيت خليل عليه السلام فان يمنعه فهو بيته وحرمه وان يخل بينه وبين ذلك فو الله ما لنا به قوة فقدم عبد المطلب العسكر لطلب ابله وكان ذو نفر صديقا له فاتاه فقال له ذو نفر الى رجل أسير ولكن سابعثك الى أنيس سائس الفيل فانه لى صديق قال ذو نفر لا تيس هذا سيد القريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس فى السهل والوحوش فى الجبال ليستاذن عليك وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك فاذن له وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما فلما رآه ابرهة أعظمه وأكرمه وكره ان يجلس معه على سريره وان يجلس تحته فهبظ الى البساط فجلس عليه ثم دعاه فاجلسه معه وقال لترجمانه قل له ما حاجتك الى الملك فقال عبد المطلب حاجتى مأتى بغير

فقال ابرهة لقد كنت أعجبتني حين رايتك ولقد زهدت فيك جيئت الى بيت هو دينك ودين ابائك وهو شرفكم وعصمتكم لاهدمه لم لا تكلمنى فيه وتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها فقال عبد المطلب انا رب هذا الإبل وان لهذا البيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمنعه منى فأمر بإبله فردت عليه وجاء عبد المطلب واخبر قريشا الخبر وأمرهم ان يتفرقوا فى الشعاب ويتحرزوا فى رؤس الجبال تخوفا عليهم من معرفة الحبش ففعلوا واتى عبد المطلب الكعبة وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول يا رب لا رجو لهم سواك يا رب فامنع منهم حماك ان عدو البيت من عداك امنعهم ان يخربوا قراك وقال ايضا لا هم ان العبد يمنع رحلة فامنع رحالك وانصر على ال الصليب وعابد له اليوم الك لا يغلبن صليبهم ومحالهم وعدو محالك جروا هموع بلادهم والفيل كى يسبو عيالك عمدوا حماك بكيدهم جهلا وما رقبوا جلالك ان كنت تاركهم وكعبتنا فامر ما بدا لك ثم ترك عبد المطلب الحلقة وتوجه فى بعض تلك الوجوه مع قومه وأصبح ابرهة بالمغمس قد تهيا للدخول وهيأ جيشه وهيأ فيله وكان فيلا لم ير مثله فى العظمة والقوة ويقال كانت معه اثنى عشر فيلا فأقبل نفيل الى الفيل الأعظم ثم أخذ باذنه وقال ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت فانك فى بلد الله الحرام فبرك الفيل فبعثوه فأبى فضربوه بالمعول راسه فأبى فادخلوا محاجنهم تحت مراثقة ففزعوه ليقوم فأبى فوجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول ووجهوه الى الشام ففعل ذلك ووجهوه الى المشرق ففعل مثل ذلك فصرفوه الى الحرم فابى ان يقوم وخرج نفيل يشتد حتى صعد الى الجبل وأرسل الله عز وجل طيرا من البحر مثل الخطاطيف مع كل طاير منها ثلثة أحجار حجران فى رجليه وحجر فى منقاره مثل الحمص والعدس فلما غشين القوم ارسلنها عليهم فلم يصب تلك الحجارة أحدا الا هلك وليس كل القوم أصاب وخرجوا هاربين لا يهتدون الى الطريق الذين جاؤا يتساءلون عن نفيل بن حبيب ليدلهم الى الطريق الى اليمن ونفيل ينظر إليهم من بعض تلك الجبال وصرح القوم وماج بعضهم فى بعض يتساقطون كل طريق ويهلكون على كل منهل ما كان على الطريق وبعث الله الى ابرهة داء فى جسده فجعل يتساقط أنامله كلما سقطت انملة اتبعتها مدة من قيح ودم فانتهى الى صنعاء وهو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه وما مات حتى انصدع صدره من قبله ثم هلك قال الواقدي واما محمود فيل النجاشي فركض

ولم يشجع على الحرم فنجا والفيل الاخر شجع يضرب اى رمى بالحصاء وزعم مقاتل بن سليمن ان السبب الذي جرى اصحاب الفيل ان فئة من قريش خرجوا تجارا الى الأرض النجاشي فدنوا من ساحل البحر ثم بيعة النصارى تسميا قريش الهيكل فنزلوا فاججوا نارا فاشتورا فلما ارتحلوا تركوا النار كما هى فى يوم عاصف فهبت الريح فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصريخ الى النجاشي فاسف غضبا للبيعة فبعث ابرهة لهدم الكعبة وقال انه كان بمكة يومئذ سعيد الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتوا بمكة وكان رجلا نبيها ونبيلا يستقيم الأمور برايه وكان خليل عبد المطلب فقال له عبد المطلب ماذا عندك هذا يوم يستغنى فيه من رايك فقال ابو مسعود اصعد بنا الى حراء وصعد الجبل فقال ابو مسعود لعبد المطلب اعمد الى مائة ابل فاجعلها الله وقلدها فعلا ثم ابعثها فى الحرم لعل بعض هذا السودان يعقر منها فيغضب رب هذا البيت فياخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم الى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو فقال ابو مسعود ان لهذا البيت ربا يمنعه وقد نزل تبع ملك من اليمن صحن هذا البيت وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه واظلم عليه ثلثة ايام فلما راى تبع ذلك كساه القباطي البيض وعظمه ونحر له الجزور فنظر ابو مسعود الى البحر فراى شيئا فقال لعبد المطلب فانظر نحو البحر فنظر عبد المطلب فقال ارى طيرا بيضا نشأت من شاطى البحر فقال ارفعها يبصرك اين قرارها فدارت على رؤسنا قال هل تعرفها قال والله ما اعرفها ما هى نجدية ولا تهامية ولا عربية ولا شامية قال ما قدرها قال أشباه اليعاسيب فى منقارها حصى كانها حصى الحذف قد أقبلت كالليل يتبع امام كل فرقة طير يقودها احمر المنقار اسود الراس طويل العنق فجاءت حتى حاذت بعسكر القوم ركدت فوق رؤسهم فلما توافقت الرجال كلها اهالت الطير ما فى مناقيرها على ما تحتها مكتوب فى كل حجر اسم صاحبه ثم انها انضاغت راجعة من حيث جاءت فلما أصبحا تحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يونسا أحدا ثم أتوا ربوة فلم يسمعها حسا فقال بات القوم خامدين فاصبحوا نياما فلما دنوا عن عسكر القوم فاذا هم خامدون فكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع فى دماغه ويخرق الفيل والدابة ويغيب الحجر فى الأرض من شدة وقعة فعمد عبد المطلب فاخذ فأسا من قوسهم فتحفر حتى اعمق من الأرض فملاه من الذهب الأحمر والجوهر وحفر لصاحبه فملاه ثم قال لانى مسعود هات فاختر ان شئت حفرتى

[سورة الفيل (105) : آية 2]

وان شئت حفرتك وان شئت فهما لك معا قال ابو مسعود اختر على نفسك قال عبد المطلب انى لم ال ان اجعل أجود المتاع فى حفرتى فهو لك وجلس كل منها على حفرته ونادى عبد المطلب فى الناس فراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا وساد عبد المطلب بذلك قريشا فاعطته القادة فلم يزل عبد المطلب وابو مسعود فى أهلها فى غناء من ذلك المال ودفع الله عن كعبة. أَلَمْ يَجْعَلْ استفهام للانكار مثل الم تر كَيْدَهُمْ مكرهم وسعيهم فى تخريب البيت فِي تَضْلِيلٍ تضيع وابطال. وَأَرْسَلَ عطف على مضمون الم يجعل اى جعل عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ صفة طيراى كثيرة متفرفة تبع بعض جماعة جماعة اخرى يقال جاءت الخيل ابابيلا من هاهنا ومن هاهنا جمع ابالة وهى الحزمة الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير فى تضامها كذا قال ابو عبيد وقال الفراء لا واحد لها من لفظها وقال الكسائي جمع أبول مثل عجول وعجاجيل وقيل جمع ابل. تَرْمِيهِمْ اى اصحاب الفيل صفة اخرى للطير بِحِجارَةٍ كائنة مِنْ سِجِّيلٍ من طين متحجر معرب سنك كل وقيل مشتق من السجل وهو الدلو الكبير او الاسجال وهو إرسال او من السجل ومعناه من الجملة العذاب المكتوب لاجلهم قال ابن عباس طيرا لها خراطيم الطير واكف كاكف الكلاب قال عكرمة لها روس كرؤس السباع وقال الربيع لها أنياب كانياب السباع وقال سعيد بن جبير طير خضر لها مناقير صفر وقال قتادة طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا قال ابن مسعود صاحب الطير ورقهم بالحجارة وبعث الله له بها فضربت الحجارة فزادته شدة فما وقع منها حجر على رجل الا خرج من الجانب الاخر وان وقع فى راسه خرج من دبره. فَجَعَلَهُمْ عطف على أرسل كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ع مفعول ثان لجعل اى جعلهم كزرع وتبن أكلته الدواب فراتّه وتفرقت اجزاءه شبه تقطع أوصالهم بتفرق اجزاء الروث وقال مجاهد العصف ورق الحنطة وقال قتادة هو التبن وقال ابن عباس هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف ومعنى مأكول يعنى أكلته الدواب- والله تعالى اعلم.

سورة قريش

سورة قريش مكيّة وهى اربع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ قرأ ابن عامر لالاف بغير ياء بعد الهمزة وابو جعفر ليلاف بغير همزة والباقون بهمزة وياء بعدها واللام للتعجب عند الكسائي والأخفش متعلق بمحذوف اى اعجبوا لايلاف قريش وقال الزجاج هى مردودة الى ما بعدها تقديره فليعبدوا رب هذا البيت لايلاف قريش والفاء للجزاء لان الكلام فى معنى الشرط إذ المعنى ان نعم الله عليهم لا تحصى فان لم يعبدوا لساير نعمته فليعبدوا لايلاف قريش لكن يرد عليه ان ما فى حيز الجزاء لا يعمل قبله فالاولى ان يقال حينئذ الفاء زائدة وجاز ان يكون متعلقا بما قبله فى السورة السابقة كالنظمين فى الشعر وهو ان يتعلق معنى البيت التالي بالذي قبله تعلقا لا يصلح الا به والمعنى انه أهلك اصحاب الفيل وجعلهم كعصف مأكول لايلاف قريش رحلة الشتاء والصيف اى ليتسامع الناس ذلك الإهلاك لاجلهم فيحرموهم فضل إحرام حتى ينتظم لهم الا من فى رحيلتهم فلا يجترئ عليهم أحد ولاجل هذا التعلق المعنوي عد بعض الناس سورة الفيل وهذه السورة سورة واحدة منهم ابى بن كعب لافضل بينهما فى مصحفه فاللام على هذا متعلق بجعل وقريش هم ولد النضر بن كنانة فمن ولده النضر فهو قريش ومن لم يلده فليس بقريش سموا قريشا من القرش والتقرش وهو التكسب والجمع يقال فلان يقرش لعياله ويتقرش اى يكتسب وهم كانوا تجارا حراصا على جمع المال والإفضال وسأل معاوية عن عبد الله بن عباس لم سميت قريشا قال الدابة فى البحر من أعظم الدواب يقال لها القرش لا تمر بشى من الغيث والسمين الا أكلته وهى تأكل ولا توكل تعلو ولا تعلى وفى القاموس قرشه اى قطعه وجمعه من هاهنا وهاهنا وضم بعضه الى بعض ومنه قريش لتجمعهم الى الحرم ولانهم كانوا يتفرشون البياعات فيشترونها ولان نضر بن كنانه اجتمع فى ثوبه يوما فقالوا تقرش او لانه جاء الى قومه فقالوا كانه جمل قريش اى شديدا ولانهم كانوا يقرشون الحاج فيسدون خلتها او سميت؟؟؟ القرش وهى دابة بحرية يخافها دواب البحر كلها (فائدة) عن واثلة بن الاشقع قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله اصطفى كنانة من بنى اسمعيل

[سورة قريش (106) : آية 2]

واصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفاني من بنى هاشم رواه البغوي وعن ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس تبع بقريش فى هذا الشان مسلمهم وكافرهم متفق عليه وعن جابر مرفوعا الناس تبع لقريش فى الخير والشر رواه مسلم قلت لعل المراد من الحديث الاول قوة استعداد قريش ومن ثم ترى أفضل الصحابة واكثر اولياء منهم وبالآخرين انه تعالى لما بعث خاتم النبيين منهم فكانهم هم المخاطبون اولا بالشرائع والايمان وساير الناس تبع لهم قال الله تعالى وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم وقال الله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين فمن أمن منهم سن سنة حسنة باتباع الرسول فلهم أجرهم واجر من تبعهم ولذا صاروا أفضل الناس بعد الأنبياء ومن كفر منهم وسلك طريق مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - فى بدو الأمر ثم مات على ذلك فعليه اثم من كفر بعدهم كما ان قابيل أول من قتل يقاسم اهل النار بضعف عذاب جهنم قسمه صحابا أخرجه البيهقي عن ابن عمرو قد مر فى سورة والشمس فى حديث انه أشقى الناس وعن ابن عمر مرفوعا قال لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقي منهم اثنان متفق عليه وعن معاوية قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ان هذا الأمر فى قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين رواه البخاري قلت المراد بالأمر الخلافة والغرض من حديث ابن عمر وجواب استخلاف قريش وليس الغرض منه الاخبار والغرض من حديث معاوية الدعاء بالسوء على من نبى من خليفة قريشى عادل وعن سعد رض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من يرد هو ان قريش اهانه الله رواه الترمذي وعن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضل الله قريشا بسبع خصال لم يعطها أحدا قبلهم ولا يعطها أحدا بعدهم فضل الله قريشا انى منهم وان النبوة فيهم وان الحجابة فيهم وان السقاية فيهم ونصرهم على الفيل وعبدوا الله عشر سنين لم يعبدوه غيرهم وانزل الله فيهم سورة من القران لم يذكر فيها أحدا غيرهم ليلاف قريش رواه الحاكم والطبراني والبخاري فى التاريخ وعن زبير بن العوام مثله غير انه لم يذكر انى منهم بل ذكران فيهم النبوة والخلافة والحجابة والسقاية والثلاثة النصر على الفيل وعبدوا الله عشر سنين ونزلت فيهم ليلاف قريش رواه الطبراني فى الأوسط. إِيلافِهِمْ بدل من الإيلاف الاول اتفق غير ابى جعفر على انها بياء بعد الهمزة فى اللفظ دون الخط الا عبد الوهاب بن فليح عن ابن كثير فانه قرأ الفهم ساكنة اللام واطلاق الإيلاف اولا

[سورة قريش (106) : آية 3]

ثم ابدال المقيد عنه بقوله رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ ج للتفخيم فانه كان من أعظم نعم الله عليهم وذاك لان الحرم كان واديا جديا لا زرع فيه ولا ضرع فلولا الرحلتان لهم بالتجارة لم يكن لهم مقام ولا معاش ولولا ان جعل الله مكة حرما محترما بحيث يكون الناس ويتقرضون لهم بالسوء قائلين قريش سكان حرم الله ولاة بيته لم يقدروا على الرحلتين فكانوا يرتحلون رحلة فى الشتاء الى اليمن لانها ادفأ وفى الصيف الى الشام لانها برد فيمتارون ويتجرون ويربحون قال عطاء عن ابن عباس انهم كانوا فى ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغنى حتى كان فقيرهم كغنيهم قال الكلبي كان أول من حمل السمراء من الشام ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف قال البغوي فشق عليهم الاختلاف الى اليمن والشام فاخصبت تبالة وحرش من اليمن فحملوا الطعام الى مكة اهل الساحل من البحر على السفن واهل البر على الإبل والحمير فألقى اهل الساحل بجدة واهل البر بالمحصب وأخصبت اهل الشام فحملوا الطعام الى مكة فالقوا بالأبطح فامتاروا من قريب وكفاهم الله مونة الرحلتين وأمرهم بعبادة رب هذا البيت فقال. ْيَعْبُدُوا ان كان لام لايلاف متعلقا بما قبله او للتعجب فالفاء للعطف والسببية وان كان متعلقا بما بعده فهى زايدة او فى جواب شرط مقدر كما مربَّ هذَا الْبَيْتِ اى الكعبة يعنى الله سبحانه ذكر الله تعالى بصفة ربوبية البيت ولكون البيت باعثا لامنهم. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ع خوف اصحاب الفيل او التخطف ببلدهم او فى السفر يجعلهم من اصحاب الحرم وقال الضحاك والربيع والسفيان امنهم من خوف انهدام فلا يصيب ببلدهم ذلك كله بدعاء ابراهيم عليه السلام رب اجعل هذا بلدا أمنا وارزق اهله من الثمرات عن ابى الحسن القزويني موقوفا ان خاف من عدو او غيره فقراءة لايلاف قريش أمان عن كل سوء ذكره الجزري فى الحصن الحصين وقال مجرب قلت وقد أمرني شيخى وامامى قدس الله سره السامي بقراءته فى المخاوف لدفع كل سوء وبلاء وقال مجرب قلت وقد جربته كثيرا والله تعالى اعلم.

سورة الماعون

سورة الماعون مكّيّة وهى سبع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ الاستفهام للتعجب والروية بمعنى الابصار والمعرفة فاقتصر على مفعول واحد وهو الموصول مع الصلة وقال فى البحر المواج الاستفهام للتقرير والروية بمعنى العلم والموصول خبر محذوف يعنى ذلك تقديره ارايت ذلك الذي يكذب بالدين قال مقاتل نزلت فى العاص بن وائل السهمي وقال السدى ومقاتل وابن كيسان هو الوليد بن مغيرة وقال الضحاك نزلت فى عمرو بن عائذ المخزومي فصدر السورة على هذا الأقوال مكية واخر السورة مدنية كذا قيل وقال عطاء عن ابن عباس ارايت الذي يكذب بالدين نزلت فى رجل من المنافقين فالموصول للعهد وقيل للجنس بِالدِّينِ ط اى بالإسلام او بالجزاء. فَذلِكَ خبر مبتداء محذوف تقديره فهو ذلك والفاء للسببية والجملة فى مقام التعليل للجملة السابقة وقيل الفاء جزائية والشرط محذوف تقديره ارايت وعرفت الذي يكذب بالدين فان لم تعرفه فهو ذلك الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ اى يقهره ويدفعه عن حقه والدع والدفع بالعنف. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ط اى لا يأمر نفسه واهله وغيره باطعامه لانه يكذب بالجزاء. فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الفاء جزائية يعنى إذا كان عدم المبالات باليتيم من ضعف الدين والموجب للذم والتوبيخ فالسهو عن الصلاة التي هى عماد الدين والريا الذي هو شعبة الكفر ومنع الزكوة التي هى قنطرة الإسلام اولى بذلك ولذلك رتب عليه الويل او للسببية على معنى فويل لهم وانما وضع المصلين موضع الضمير للدلالة على معاملتهم مع الخالق وساهون اى غافلون غير مبالين به روى البغوي بسنده عن مصعب بن سعد بن ابى وقاص عن أبيه قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم عن صلاتهم ساهون قال اضاعة الوقت وفى رواية ابن جرير وابى يعلى قال هم الذين يوخرون الصلاة عن وقتها قال ابو العالية صلوتها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها وسجودها وقال قتادة سأه عنها لا يبالى صلى او لم يصل قيل لا يرجون ثوابا ان صلوا ولا يخافون عليها عقابا ان تركوا وقال مجاهد غافلون فيها متهاونون بها

[سورة الماعون (107) : آية 6]

وقال الحسن وهو الذي عليها ان صليها رياء وان فاتته لم يندم. الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ مفاعلة من الروية اى يراؤن الناس أعمالهم ليردوا الثناء عليها قال عليه الصلاة والسلام من صلى يراى فقه أشرك ومن صام يراى فقد أشرك ومن تصدق يراى فقد أشرك رواه احمد عن شداد بن أوس. وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ع قال قطرب الماعون فى الأصل الشيء القليل والمراد هاهنا الزكوة كذا روى عن على وابن عمر والحسن وقتادة والضحاك وانما سمى الزكوة ماعونا لكونها قليلا من الكثير وقال ابن مسعود الماعون الفاس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهى رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال مجاهد الماعون العارية وقال عكرمة أعلاها الزكوة المفروضة وأدناها عارية المتاع وقال محمد بن كعب والكلبي الماعون المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم وقيل الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار قال قلت يا رسول الله هذا الماء فما بال الملح والنار قال يا حميراء من اعطى نارا فكانما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار من اعطى ملحا فكانما تصدقت بجميع ما طيب تلك الملح ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكانما أعتق رقبة ومن سقى مسلما شربة من ماء من حيث لا يوجد الماء فكانما أحياها رواه ابن ماجة واخرج ابن المنذر من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قال قوله تعالى فويل للمصلين الذين إلخ نزلت فى المنافقين كانوا يراؤن المؤمنين بصلوتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا ويمنعون العارية قال فى المدارك روى عن انس والحسن قالا الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ساهون ولم يفل فى صلاتهم لان معنى عن سهو ترك واعراض عنها وقلة التفات إليها وذلك فعل المنافقين ومعنى فيما يقع فى الصلاة من حديث النفس ووسوسة الشيطان والحكم فى ذلك التعوذ ودفع الوسوسة ما استطاع والعفو فيما لم يستطع عن عثمن ابن ابى العاص قال قلت يا رسول الله ان الشيطان قد حال بين صلوتى وبين قراءتى يلبسها على فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذاك شيطان يقال لها خسرت فاذا احسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلثا ففعلت ذلك فاذهبه الله عنى رواه مسلم وعن القاسم بن محمد ان رجلا ساله فقال انى أهم فى صلوتى فيكثر ذلك على فقال امض فى صلوتك فانه لم يذهب ذلك عنك حتى تنصرف وتقول ما أتممت صلوتى والله تعالى اعلم.

سورة الكوثر

سورة الكوثر مكيّة وهى ثلث آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى مسلم عن انس قال بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا إذا أغفى اغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما اضحكك يا رسول الله قال أنزلت على آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم انا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ان شانئك هو الأبتر قال أتدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله اعلم قال فانه نهر وعدنيه ربى عليه خير كثير هو حوض يرد عليه أمتي يوم القيامة انيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فاقول رب انه أمتي فيقول ما تدرى ما أحدث بعدك واخرج الطيراني بسند ضعيف عن ابى أيوب قال لما مات ابراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشى المشركون بعضهم الى بعض فقالوا ان هذا الصابي قد بتر الليلة فانزل الله تعالى انا أعطيناك الكوثر وكذا اخرج ابن المنذر عن ابن جريج واخرج ابن جرير عن شهر بن عطية قال كان عقبة بن ابى معيط يقول لا يبقى لمحمد ولد وهو ابتر فانزل الله فيه ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير فى قوله فصل لربك وانحر قال أنزلت يوم الحديبية أتاه جبرئيل فقال انحر وارجع فقام فخطب خطبة القصر والنحر ثم ركع ركعتين ثم انصرف الى البدن فنحرها وفيه غرابة شديدة واخرج البزار وغيره بسند صحيح عن ابن عباس قال قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش أنت سيد اهل المدينة الا ترى الى هذا المتصبر المنتبز من قومه يزعم انه جرمنا ونحن اهل الحجيح واهل السقاية واهل السدانة قال أنتم خير منه فنزلت ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن ابى شيبة فى المصنف وابن المنذر عن عكرمة قال لما اوحى الى النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت قريش بتر محمد منا فنزلت ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال كانت قريش تقول إذا مات ذكورا الرجل بتر فلان فلما مات ولد النبي صلى الله عليه وسلم قال العاص بن وائل بتر محمد فنزلت واخرج البيهقي فى الدلائل مثله عن محمد ابن على بن الحسين وسمى الولد القاسم واخرج البيهقي فى الدلائل عن مجاهد قال فنزلت فى العاص ابن وائل قال انا شاتى محمد وذكر البغوي ان العاص بن وائل السهمي راى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بنى سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش جلوس فى المسجد

[سورة الكوثر (108) : آية 1]

فلما دخل العاص قالوا من الذي تحدث معه قال ذلك الأبتر يعنى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان قد توفى ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خديجة وذكر محمد بن اسحق عن يزيد بن رومان قال كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال دعوه فانه رجل ابتر لا عقب له فاذا هلك انقطع ذكره فانزل الله هذه السورة قلت والصحيح عندى ان نزول انا أعطيناك الكوثر لم يكن عند وفات ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - فان القاسم مات بمكة قبل الهجرة وفى رواية قبل البعثة وما روى عن محمد بن على فهو من رواية جابر الجعفي وهو كذاب وابراهيم مات سنة عشر جزم به الواقدي وقال يوم الثلثاء بعشر خلون من ربيع الاول كذا فى سبيل الرشاد والصحيح فى نزول هذه السورة رواية مسلم عن انس ورواية البزار عن ابن عباس حين قدم كعب بن الأشرف مكة والله اعلم قوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال اهل اللغة الكوثر فوعل من الكثرة كنوفل من النفل والعرب تسمى كل شىء كثير فى العدد او كثير فى القدر والخطر كوثر ومن هاهنا ما روى البخاري ومن طريق ابى بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه قال ابو بشر قلت لسعيد بن جبير ان ناسا يزعمون انه نهر فى الجنة قال سعيد النهر الذي فى الجنة من الخير الذي أعطاه إياه فعلى هذا احمل ابن عباس اللام فى الكوثر للجنس وزعم ان الحوض فرد من افراده وكذا من قال هو النبوة والقران والاولى حمل اللام على العهد تفسيره بما فسر به النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكرنا حديث مسلم عن انس وفى الصحيحين عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخلت الجنة فاذا انا ينهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت يدى الى ما يجرى فيه الماء فاذا مسك ازفر قلت ما هذا يا جبرئيل قال هذا الكوثر الذي اعطاك الله وعند احمد والترمذي عنه مرفوعا قال هو أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل وفيه طيور أعناقها كاعناق الجزر قال عمر يا رسول الله انها لناعمة قال أكلها أنعم منها يا عمر واخرج الطبراني عن اسامة بن زيد ان امرأة حمزة بن عبد المطلب قالت يا رسول الله انك أعطيت نهرا فى الجنة تدعى الكوثر قال أجل وارضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ هو ما بين ايله وصنعاء فيه أباريق مثل عدد النجوم واخرج الطبراني عن حذيفة فى قوله تعالى انا أعطيناك الكوثر قال نهر فى الجنة أجوف فيه آنية من الذهب والفضة لا يعلمها الا الله تعالى واخرج احمد والترمذي وصححه وابن ماجة عن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكوثر نهر فى الجنة حافتاه من ذهب والماء

[سورة الكوثر (108) : آية 2]

يجرى على اللؤلؤ الحديث واخرج البخاري عن عائشة انها سالت عن قوله تعالى انا أعطيناك الكوثر قالت نهر أعطاه الله تعالى نبيكم صلى الله عليه وسلم ذكر الحوض فى رواية بضع وخمسين صحابيا الخلفاء الاربعة وابن مسعود وابن عباس والحسن بن على وحمزة بن عبد المطلب وعائشة وأم سلمة وابو هريرة وابى بن كعب وعبد الرحمن بن عوف وجابر بن عبد الله وغيرهم وسرد السيوطي فى البدور السافرة الأحاديث الواردة فيه نحوا من سبعين. فَصَلِّ الفاء للسببية يعنى فصل شكر الله تعالى على ما اعطاك فان الصلاة جامعة لاقسام الشكر باللسان والقلب والجوارح وقيل معناه دم على الصلاة لِرَبِّكَ خالصا بوجهه خلافا لمن يصلون وينحرون بغير الله وخلافا لمن يراؤن فيها وَانْحَرْ ط البدن التي هى خيار اموال العرب وتصدق على اليتامى والمساكين خلافا لمن يدعون اليتامى والمساكين ويمنعون الماعون فهذه السورة كالمقابلة لسورة المقدمة قال عكرمة وعطاء وقتادة فصل لربك صلوة العيد يوم النحر ونحر نسكك فعلى هذا يثبت به وجوب صلوة العيد والاضحية وقال سعيد بن جبير فصل الصلاة المفروضة بجمع وانحر البدن بمنى وروى عن ابن الجوزاء عن ابن عباس قال فصل لربك وانحر وضع اليمين على الشمال فى الصلاة عند النحر. إِنَّ شانِئَكَ عدوك مبغضك هُوَ الْأَبْتَرُ ع اى لا عقب له بمعنى انه لا يعقبه ذكر حسن ويعقبه اللعنة من الله والملائكة والناس أجمعين فلا يرد ما قيل ان العاص بن وائل كان له عقب وهو عمرو وهشام فكيف يثبت له البتر وانقطاع الولد وان عمرو وهشام أسلما فقد انقطعت بينه وبينهما حتى لا يرثانه فهم من أبناء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه أمهاتهم وذكر خبر ان معرفا باللام وإيراد ضمير الفصل للدلالة على الحصر يعنى لست بأبتر فانه يبقى ذكرك مع ذكر الله تعالى ابدا ويدوم حسن صيتك واثار فضلك الى يوم القيامة والاخرة خير لك من الاولى ويبقى ذكر المؤمنين من أمتك على السنة الملائكة والمؤمنين فى قولهم اللهم اغفر للمومنين والمؤمنات والله تعالى اعلم.

سورة الكافرون

سورة الكافرون مكّيّة وهى ست آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الطبراني وابن ابى حاتم عن ابن عباس ان قريشا دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى ان يعطوه ما لا فيكون اغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا هذا لك يا محمد وكف عن شتم الهتنا ولا تذكرها بسوء فان لم تفعل فاعبد الهتنا سنة ونعبد إلهك سنة قال حتى انظر ما يأتيني من ربى واخرج عبد الرزاق عن وهب بلفظ قالت قريش ان سرك ان يعقبك عاما وترجع فى ديننا عاما واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن ميناء لقى الوليد بن مغيرة والعاص ابن وائل والأسود بن عبد المطلب وامية بن خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد ونشترك نحن وأنت فى امر ناكله فانزل الله تعالى قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ خطاب لجماعة مخصوصة سالوا المسالمة قد علم الله منهم انهم لا يومنون. لا أَعْبُدُ ابدا ما تَعْبُدُونَ غير الله تعالى من الأوثان نفى لموافقهم فى العبادة فى المستقبل من الزمان حتى يطابق السؤال لان سوالهم كان عن المسالمة والمصالحة فى الاستقبال مع ظهور مباينة النبي - صلى الله عليه وسلم - الكفار فى الحال وكما قال البيضاوي ان لا لا يدخل على المضارع بمعنى الاستقبال كما ان ما لا يدخل الا على المضارع بمعنى الحال. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ فيما يستقبل لانه فى مقابلة لا اعبد ما أَعْبُدُ ج أورد ما موضع من للمطابقة او لان المراد الصفة كانه قال لا اعبد الباطل ولا أنتم عابدون الحق وقيل ما مصدرية. وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ط قرأ هشام عابدون فى الموضعين وعابد بالامالة والباقون بالفتح قال اكثر اهل المعاني ان القران نزلت بلسان العرب وعلى مجارى خطابهم وعلى هذا مذاهبهم التكرار لارادة التوكيد والافهام كما ان من مذاهب الاختصار لارادة التخفيف والإيجاز فهذا تكرير للتأكيد وقال القيبتى تكرار الكلام لتكرار الوقت وذلك انهم قالوا ان سرك ان تدخل دينك عاما فادخل فى ديننا عاما فنزلت السورة كانه نفى المشاركة فى الوقتين وقيل كلمتان الأوليان بمعنى الذي والأخريان مصدريتان فالمقصود نفى المشاركة

[سورة الكافرون (109) : آية 6]

من حيث المعبودون حيث كيفية العبادة. لَكُمْ دِينُكُمْ الذي أنتم عليه لا تتركونه ابدا فهو اخبار كقوله تعالى وَلِيَ دِينِ ع اى دينى الذي انا عليه لا ارفضه ابدأ إنشاء الله تعالى فليس فيه اذن فى الكفر ولا منع عن الجهاد بل تذئيل وتأكيد لما سبق وتقديم الخبر للحصر فلا يحكم بكون الاية منسوخة باية القتال ولا يجوز تفسيره بالمشاركة وتقرير كل من الفريقين الاخر على دينه لان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يدعوهم الى الإسلام ما زال الكفار على إيذائه وإيذاء أصحابه وجاز ان يكون المعنى لكم جزاء أعمالكم ولى جزاء أعمالي قرأ نافع وحفص وهشام لى دين والباقون بإسكانها وهى رواية مشهورة عن البزي وقال الدالاني وبه أخذ وقد مر فى حديث انس وابن عباس فى تفسير إذا زلزلت قوله عليه السلام قل يايها الكافرون تعدل ربع القران وعن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم السورتان هما تقران فى الركعتين قبل الفجر الكافرون والإخلاص رواه ابن هشام وعن فروة بن نوفل بن معاوية عن أبيه انه قال يا رسول الله علمنى شيئا أقوله إذا أويت الى فراشى قال اقرأ قل يايها الكافرون فانها براءة من الشرك رواه الترمذي وابو داود والدارمي وعن جبير بن مطعم قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتحب يا جبير إذا خرجت فى سفر تكون أمثل أصحابك هيئة واكثر زادا فقلت نعم بابى أنت وأمي قال فاقرأ هذه السورة الخمس قل يايها الكافرون وإذا جاء نصر الله وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وافتح كل سورة ببسم الله الرّحمن الرّحيم واختم قراءتك بها قال جبير وكنت غنيا وكثير المال فكنت اخرج فى سفر فاكون ابذلهم هيئة وأقلهم زادا فما تركت منذ علمتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأت بهن أكون أحسنهم هيئة وأكثرهم زادا حتى ارجع من سفرى رواه ابو يعلى وعن على رض قال لدغت النبي صلى الله عليه واله وسلم عقرب فدعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرء قل يا ايها الكافرون وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس والله تعالى اعلم.

سورة النصر

سورة النّصر مدنيّة وهى ثلث آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج عبد الرزاق فى مصنفه عن معمر عن الزهري قال لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عام الفتح بعث خالد بن وليد فقاتل بمن معه صفوف قريش بأسفل مكة حتى هزمهم الله ثم امر بالسلاح فرفع عنهم فدخلوا فى الدين فانزل الله تعالى إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ اى إظهاره إياك على أعدائك وعلى تقدير نزول هذا السورة بعد فتح مكة يعنى يوم الفتح فاذا هاهنا بمعنى إذ كما فى قوله تعالى حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور وقوله تعالى حتى إذا بلغ مغرب الشمس وَالْفَتْحُ يعنى فتح مكة روى الطبراني عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح هذا ما وعدني ربى ثم قرأ إذا جاء نصر الله والفتح وكانت قصة الفتح على ما ذكر اصحاب الاخبار ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما صالح قريشا عام الحديبية على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيه الناس وانه من أحب ان يدخل فى عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل فيه ومن أحب ان يدخل فى عقد قريش دخل فيه فدخلت بنو بكر فى عقد قريش وخزاعة فى عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان بينهما شر قديم ثم ان بنى نفاثة من بنى بكر عدت على خزاعة فخرج نوفل بن معاوية الديلمي منهم حتى بيت خزاعة بالوتير موضع أسفل مكة وقاتلوهم حتى دخلوا الحرم وما تركوا القتال وامدت قريش بنى بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلا مستخفيا منهم صفوان بن امية وعكرمة بن ابى جهل وسهيل بن عمرو وشيبة بن عثمن وخويطب بن عبد العزى مع عبيدهم ثم ندم قريش على نقض العهد ولام بعضهم بعضا وخرج عمرو بن سالم الخزاعي فى أربعين راكبا بعد القتال الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبرونه بالذي أصابهم ويستنصرونه واخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوقفه بنى نفاثة وخزاعة قبل بلوغ الخبر وقال ينقضون العهد لامر يريد الله قالت عائشة خير قال خير روى محمد بن عمرو عنها والطبراني عن ميمونة نحوها ولما قدم عمرو بن سالم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر رداءه ويقول لا نصرت ان لم أنصرك يا عمرو وبما انصر به نفسى وذلك فى شعبان على راس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية فارسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمزة الى قريش يخبرهم بين امور ثلثة ان أدوا دية قتلى خزاعة وهم ثلثة وعشرون قتيلا او نيروا

من خلف من نقض الصلح وهم بنو نفاثة او ينبذ إليكم على سواء فاختلف قول قريش ثم ال أمرهم الى نبذ الصلح ورجع حمزة بالنبذ وشاور النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر فاشار ابو بكر بالصلح واللين وقال هم قومك حتى راى انه سيتبعنى وأشار عمر بالحرب وقال هم راس الكفو زعموا انك ساحر كاهن كذاب ولم يدع شيئا مما كان يقولونه وقال لا تذل العرب حتى يذل اهل مكة فاختار النبي - صلى الله عليه وسلم - راى عمر فخير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخفيا امره وحرض العرب فجاء اسلم وغفار ومزنية وحرفية وأشجع وسليم فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه فى الطريق والمسلمون عشرة آلاف وقيل اثنا عشر الفا ويجمع بان العشرة حين الخروج من المدينة وتلاحق به الفان ثم ندم قريش على نبذ الصلح فبعث أبا سفيان ودخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوته عنه وقالت هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر قالت هدانى الله للاسلام وأنت يا أبت سيد قريش وكبيرها كيف يسقط عنك الدخول فى الإسلام وتعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر فقام من عندها فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه فلم يرد عليه شيئا ثم ذهب الى ابى بكر فكلمه وان يكلم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما انا بفاعل ثم اتى عمر فكلمه فقال والله لو لم أجد الا الذر لجاهدتكم به فدخل على على وعنده فاطمة والحسن فقال يا على انك أمس القوم منى رحيما اشفع لنا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ويحك يا أبا سفيان لقد عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يستطيع أحد ان يكلمه فالتفت الى فاطمة فقال هل لك ان تامرى نبيك هذا فيجبر بين الناس فابت فقال يا أبا الحسن اشتد الأمر على فانصحنى فقال والله لا اعلم شيئا يغنيك ولكنك سيد بنى كنانة فقم فاجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال وترى ذلك مغنيا عنى شيئا قال لا ولكن لا أجد غير ذلك فقام ابو سفيان فى المسجد فقال يايها الناس انى قد اجرت بين الناس ثم ركب بعيرة فانطلق وقدم على قريش وقضى القصة قالوا والله ان أراد على الا ان لعب لك فاستخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة ابن أم كلثوم وقيل أبا ذر الغفاري وهو الصحيح رواه الطبراني خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأربعاء لعشر خلون من رمضان سنة ثمان من الهجرة وقيل غير ذلك وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش روى البخاري عن على يقول بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انا وزبير او المقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب فخذوا منها قال فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى اتينا روضة فاذا نحن

بالظعينة قلنا اخرجى الكتاب قالت ما معى كتاب فقلنا لتخرجى الكتاب او لتلقين الثياب فاخرجته من عقاصها فاتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاذا فيه من حاطب بن بلتعة الى الناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض امر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علىّ انى كنت امرأ ملصقا فى قريش وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فاحببت إذا فاتنى ذلك من انتسب فيهم ان اتخذوا عندهم هذا يحمون قرابتى ولم افعله ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اما انه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعنى اضرب عنق هذا المنافق فقال انه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر ان الله تعالى عز وجل اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فرقت عينا عمر فانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ الى قوله سواء السبيل وصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصام الناس معه فلما بلغ الكديد أفطروا فطروا فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر وخرج العباس بن عبد المطلب مهاجرا فلقيه بالجحفة وكان قبل مقيما بمكة على سقاية برضاه ولقيه بالأبواء ابو سفيان بن الحارث ابن عمه وابنه جعفر بن ابى سفيان وأسلما قبل دخول مكة قيل بل لقيه هو وعبد الله بن امية ابن عمته عاتكة فاعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهما وقال لا حاجة لى بهما فقد هتكا عرضى وقالا لى ما قالا فالجئا وكلمت أم سلمة فيهما فاذن لهما فلما كان لقديد عقد الالوية والرايات ودفعها الى القبائل وراية النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الزبير ثم نزل بمر الظهران عشاء وقد عميت الاخبار عن قريش فخرج تلك الليلة ابو سفيان بن حرب وحكم بن حزام وبديل بن ورقة يتجسسون الاخبار وامر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فاوقدوا عشر آلاف نارا وقال العباس بن عبد المطلب ليلتئذ ووا صباح قريش والله لئن دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة انها لهلاك قريش الى اخر الدهر فخرج عباس على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليرى حطابا او صاحب لبن او ذا حاجة يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستامنونه قبل ان يدخلها عليهم عنوة فسمع عباس صوت ابى سفيان يقول والله ما رايت كالليل نيرانا فقال عباس ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بما لا قبل لكم به فقال ما الحيلة فقال عباس يا أبا سفيان لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب فى عجز هذه البغلة حتى اتى بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتستامنه فرجع فكلما مرا بنار نظروا اليه وقالوا هذا عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مرا بنار عمر فلما راى عمر أبا سفيان قام عمر فقال هذا ابو سفيان عدو الله

الحمد لله الذي أمكن منه بغير عهد ولا عقد فاشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عباس مع ابى سفيان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل عليه عمر ما تصنع هذا الا انه رجل من بنى عبد مناف ولو كان من بنى كعب ما قلت هذا قال مهلا يا عباس لاسلامك يوم أسلمت كان أحب الى من اسلام الخطاب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اذهب به يا عباس الى رحلك فلما أصبح غدا به عباس الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك ان تعلم ان لا اله الا الله قال بابى أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت ان لو كان مع الله غيره لقد اغنى شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن ان تعلم انى رسول الله قال بابى أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك اما هذه ففى نفسى منها شىء قال عباس ويحك اسلم واشهد ان لا اله الا الله قبل ان يضرب عنقك فشهد شهادة الحق واسلم واسلم حكيم وبديل قبل ابى سفيان هذا رواية اسحق بن راهويه بسند صحيح وعند الطبراني ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يعنى يا عباد الله ان أبا سفيان بالأراك فخذوه وعند ابن ابى شيبة ان أبا سفيان وأصحابه أخذهم حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار وكان الحرس تلك الليلة عمر فقال احبسوه فحبسوه حتى أصبح وعند ابن ابى شيبة قال ابو سفيان دلونى على العباس وفى رواية فيهم عباس فذهب به الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى اخر القصة وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دخل دار ابى سفيان فهو أمن ومن دخل المسجد فهو أمن ومن اغلق بابه فهو أمن فصرخ ابو سفيان فى المسجد يا على صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به واخبر بما اتى به من الامان فتفرق الناس الى دورهم والى المسجد ولما اسلم حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وبايعاه بعثهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه الى قريش يدعوهم الى الإسلام وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزبير وأعطاه الراية وامره على خيل المهاجرين والأنصار وامره ان يركز راية با على مكة بالجحون وقال لا تبرح حتى امرتك ومن ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضربت هناك قبت وامر خالد بن وليد فيمن اسلم من قضاعنة وبنى سليم ان يدخل من أسفل مكة وبها بنو بكر قد استنفرتهم قريش وبنو الحارث بن عبد مناف ومن كان من الأحابيش امرتهم قريش ان يكونوا بأسفل مكة وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالد والزبير حين بعثهما لا تقاتلا الا من قاتلكم وامر سعد بن عبادة ان يدخل فى بعض الناس من كداء وأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راية فقال سعد حين توجه داخلا اليوم يوم الملحمة اليوم يستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله اسمع ما قال

سعد بن عبادة من ابن يكون له فى قريش صولة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلى أدركه فخذ الراية فكن أنت تدخل بها فذهب على بالراية حتى غرزها عند الركن وروى ابو يعلى عن الزبير ان النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع الراية اليه فدخل مكة بلوائين فلم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير فقال واما خالد ابن وليد فلما دخل من أسفل مكة منعه من كان هناك من المشركين قريش وغيرهم ان تشتهروا له السلاح ورموه بالنبل وقالوا لا تدخلها عنوة فصاح خالد فى أصحابه فقاتلهم وقتل منهم اربعة وعشرون رجلا من قريش واربعة من هذيل وقال ابن اسحق أصيب من المشركين اثنى او ثلاثة عشر وانهزموا أقبح الانهزام حتى قتلوا بالحروة وهم مولون من كل وجه وانطلقت طائفة منهم فوق رؤس الجبال واتبعهم المسلمون ولم يقتل من المسلمين الا رجل من جهينة يقال له سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد ورجلان يقال لهما كرز بن جابر الفهري وحبيش بن خالد بن ربيعة كانا فى خيل خالد بن الوليد فشذا عنه وسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عهد الى امرائه من المسلمين حين أمرهم ان يدخلوا بمكة ان لا تقتلوا أحدا الا من قاتلهم الا نفر أسماهم فامرهم بقتلهم وان وجدوا تحت أستار الكعبة عبد الله بن ابى سرح كان اسلم ثم ارتد فشفع فيه عثمن يوم الفتح فحقن دمه واسلم بعد ذلك وعكرمة ابن ابى جهل فقبل إسلامه وحويرث بن نقيد كان يوذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نرهب حين هاجرت الى المدينة فقتله على ومقيس بن صبابة كان اسلم ثم اتى على رجل من الأنصار فقتله وكان الأنصاري قتل أخاه هشاما خطاء فى غزوة ذى قردة ظنه من العدو فجاء مقيس فاخذ الدية ثم ارتد فقتله غيلة بن عبد الله رجل من قومه وهبار بن الأسود كان شديد الأذى للمسلمين وعرض لزينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتحس بها فاسقطت ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت اسلم يوم الفتح فعفا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحارث بن الطلاطل الخزاعي قتله على رض ذكره.... ابو معشر وكعب بن الزبير الشاعر كان يهجو فاسلم ومدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكره الحاكم ووحش ابن حرب قاتل بن حمزة فهرب الى الطائف ثم جاء فاسلم وعبد الله بن حنظل كان اسمه عبد العزى كان قد اسلم وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله وبعثه ساعيا وبعث معه رجلا من خزاعة وكان يصنع له طعاما ويخدمه فنزلا منزلا وامره ان يذبح له.... ويصنع طعاما وقام نصف النهار فاستيقظ

ولم يضع له شيئا قعدا عليه فقتله ثم ارتد وهرب الى مكة وكانت له قينتان تغنيان بهجا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلهما معه فقتلت يوم الفتح إحداهما وهربت الاخرى فقتله سعيد بن حريث المخزومي وابو برزة الأسلمي اشتركا فى دمه وأسلمت التي هربت وسارة مولاة عمر ابن هاشم كانت مغنية نواحة بمكة وهى التي وجد معها كتاب حاطب بن بلتعة أسلمت وهند بنت ابن عتبة امرأة ابى سفيان تنقت عن كبد حمزة عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسلمت فعفى عنها وهرب صفوان بن امية الى جدة ليركب منها الى اليمن فاستامن له عمير بن وهب فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجعلنى فى امرى بالخيار الى شهرين فخيره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى اربعة أشهر ثم اسلم بعد ذلك ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وعلى راسه سواء رواه احمد ومسلم واربعة فى الصحيحين على راسه المغفر وجمع بانه كان على راسه المغفر ثم نزع المغفر ولبس العمامة وكان يقرأ سورة الفتح يرجع صوته بالقراءة كذا فى الصحيحين فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أم سلمة وميمونة روجتيه فى قبة من آدم بالحجون لخيف بنى كنانة حيث تقاسم قريش وكنانة على بنى هاشم وبنى المطلب ان لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل الا تنزل منزلك من الشعب فقال هل تركت لنا عقيل منزلا وقد باع عقيل منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنزل اخوته من الرجال والنساء بمكة فقيل فانزل فى بعض بيوت مكة غير منازلك فأبى وقال لا ادخل البيوت وكان يأتي فى المسجد لكل صلوة من الحجون فمكث فى منزله ساعة من النهار فاغتسل وسترها فاطمة وصلى ثمان ركعات سبحة الضحى رواه مسلم وعند البخاري عن أم هانى انه صلى الله عليه واله وسلم اغتسل فى بيتها وصلى ثم ركب راحلة واتى الكعبة واستلم الركن بمحجنه وكبر وكبر المسلمون حتى ارتجت مكة تكبيرا وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشير إليهم ان اسكنوا والمشركون فوق الجبال ينظرون ثم طاف بالبيت على راحلة سبعا يستلم الركن بمحجنه وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مرصعة بالرصاص وكان هبل أعظمها وهو وجاه الكعبة على بابها واساف ونايله حيث ينحرون ويذبحون فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما مر بصنم منها يشير اليه ويطعن فى عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فما يشير بصنم الا سقط بوجهه او بقفاه من غير ان يمسه وأراد فضالة بن عمر الليثي قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف فلما دنى منه قال يا فضالة قال نعم قال ماذا كنت

تحدث به نفسك قال لا شىء كنت اذكر الله فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال استغفر الله ثم وضع يده على صدره فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدرى حتى لم يكن شىء أحب الى منه فلما فرغ من طوافه نزل عن راحلته على أيدي الرجال لم يجد مناخا فى المسجد وأناخ البعير خارج المسجد ثم انتهى الى مقام وهو لاحق بالكعبة والدرع عليه والمغفر وعمامة بين كتفيه فصلى ركعتين ثم انصرف الى زمزم فاطلع فيها وقال لولا ان يغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلوا فنزعه عباس ويقال الحارث بن عبد المطلب دلوا فشرب منه وتوضأ المسلمون يتبدرون بوضوئه يصبونه على وجوههم والمشركون ينظرون إليهم ويتعجبون ويقولون ما راينا ملكا قط ابلغ منه فلا سمعنا به امر يهبل فكسر وعن على قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجلس فجلست الى جنب الكعبة فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال يا على اصعد على منكبى ففعلت فلما نهض بي خيل الى لو شئت نلت أفق السماء فصعدت فوق الكعبة فقال انقض صنمهم الأكبر وكان من نحاس موتدا باوتاد من حديد الى الأرض فقال عالجة ويقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فرميت به فارسل بلا لا الى عثمن بن طلحة يأتي بمفتاح الكعبة فقال عثمن هو عند أمي فارسل إليها فقالت لا واللات والعزى لا ادفعه إليك ابدا فقال لها عثمان لا لات ولا عزى ان لم تفعلى قتلت انا وأخي فابطأ عثمن ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظره فبعث أبا بكر وعمر فلما سمعت صوت ابى بكر وعمر قالت يا بنى خذ المفتاح فان تأخذ أنت أحب الى من ان يأخذوا منه هم عدوى فاخذه عثمن فجاء به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فتناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه المفتاح ففتح الكعبة بيده وكان هو طلحة يقولون لا يفتح الكعبة الا هم فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بازالة الصور عن البيت قبل دخوله فتجرد المسلمون فى الأزر وأخذ الولاء وارتجزوا على زمزم ويغسلون الكعبة ظهرها وبطنها فلم يدعوا اثرا من المشركين الا محوه وغسلوه فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة هو واسامة بن زيد وطلحة وأغلقوا عليهم الباب فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمودا عن يمينه وعمودين عن يساره وثلثة اعمدة نحو باب البيت ورائه بينه وبين الجدار ثلثة ازرع او ذراعين فصلى ركعتين ثم خرج وصلى ركعتين قبل القبلة وقال هذه القبلة ثم قام على باب البيت قال لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده

الا ان كل ماثرة ودم او مال يدعى فهو تحت قدمى هاتين وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة البيت وسقاية الحاج الا فى قتيل العصاء والسوط والخطا شبه والعمد الدية المغلظة مائة ناقة منها أربعون فى بطونها أولادها ولا وصية لوارث وان الولد للفراش وللعاهر الحجر ولا يحل لامراة ان تعطى من مال زوجها الا باذنه والمسلمون يد واحد على من سواهم ولا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد فى عهده ولا يتوارث اهل ملتين ولا جلب ولا جنب ولا يوخذ صدقات المسلمين الا فى بيوتهم وأفنيتهم ولا تنكح امرأة على عمتها ولا على خالتها والبينة على من ادعى واليمين على من أنكر ولا تسافر امراة الا مع ذى محرم ولا صلوة بعد العصر وبعد الصبح وأنهاكم عن صوم يومين يوم الفطر ويوم الأضحى وعن اللبستين لا يحتبى فى ثوب واحد ولا يشتمل الصماء يا معشر قريش ان الله قد ذهب عنكم الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس ابن آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا يايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى الاية يا اهل مكة ماذا ترون انى فاعل بكم قالوا خير أخ كريم وابن أخ كريم قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين اذهبوا فانتم طلقاء فاعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجوا كما نشروا من القبور وروى البخاري عن ابى هريرة ان عام الفتح قتلت خزاعة رجلا من بنى ليث بقتيل لهم فى الجاهلية فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ان الله قد حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين الا وانها لم تحل لاحد قبلى ولا يحل لاحد بعدي وانما حلت لى ساعة من نهار الا وانها ساعتى هذه حرام لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرتها ولا يلتقط ساقطها الا متشدد من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما يودى واما يقاد فقال له رجل من اهل اليمن يقال له ابو شاه اكتب لى يا رسول الله فقال اكتبوا له وقام رجل من قريش فقال يا رسول الله الا الاذخر قال الا الاذخر وفى رواية قام رجل فقال يا رسول الله انى قد عاهرت فى الجاهلية فقال عليه السلام من عاهر بامرأة لا يملكها او امة قوم آخرين ثم ادعى ولده بعد ذلك فانه لا يجوز له ولا يرث ولا يورث ولاء خالكم الا قد عرفتموها أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم ونادى منادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة من كان يومن بالله وباليوم الاخر فلا يدع ما فى بيته صنما الا كسره فلما حانت الظهر امر بلالا ان يوذن بالظهر يومئذ فوق الكعبة يغبط بذلك المشركون وقريش فوق رؤس الجبال وقد فسر وجوههم وتعيبوا

وابو سفيان وخالد بن أسيد وحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال خالد بن أسيد لقد أكرم الله أسيدا ان لا يكون يسمع هذا وقال الحارث اما والله لو اعلم انه محق لاتبعه وقال بعض بنى سعيد بن العاص لقد أكرم الله سعيدا إذ قبضه قبل ان يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة وقال ابو سفيان لا أقول شيئا لو تكلمت لاخبرت عنى هذه الحصا فاتى جبرئيل بما قالو فاخبرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قالوا فقالوا شهد انك رسول الله فاسلم اهل مكة ورمى بعض المسلمين أبا قحافة فشبحه فاخذت قلادة اسماء بنت فادركه ابو بكر وهو يستد من فمسح الدم على وجهه وجاء به الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال هلا تركت الشيخ حتى ايته فمسح صدره فاسلم وكان راس ابى قحافة ولحيته كالثغامة فقال عليه الصلاة والسلام غيروا هذا الشيء وجنبوه السواد فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصفا وعمر أسفل منه يأخذ عن الناس البيعة على الايمان بالله وشهادة ان لا اله الا الله وحده وان محمدا عبده ورسوله فجاء الكبار والصغار والرجال والنساء فبايعهم ولما فرغ عن بيعة الرجال بايع النساء قالت عائشة والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة قط ما كان يبايعهن الا كلاما وروى مسلم عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من طوافه اتى الصفا فعلا منه حتى يرى البيت فرفع يديه وجعل يحمد الله تعالى ويذكره ويدعو بما شاء الله ان يدعوه والأنصار تحته فقال بعضهم لبعض اما الرجل فادركته رغبة فى قربته ورافة فى عشيرته فجاء الوحى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله قال قلتم كذا قالوا نعم قال فحاشا وكلا انى عبد الله ورسوله هاجرت الى الله وإليكم المحيا محياكم والممات مماتكم فاقبلوا اليه يبكون ويقولون والله يا رسول الله ما قلنا الذي قلنا الا للضنين بالله وبرسوله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فان الله ورسوله بعد ردتكم بصدقاتكم واستقرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثلثة نفر من قريش خمسين الف درهم من صفوان بن امية وأربعين الف درهم من عبد الله بن ربيعة وأربعين الف من حويطب بن عبد العزى فقسمها بين اهل الضعف من أصحابه فلما فتح الله هوازن ردها وقال انما جزاء السلف الحمد والأداء وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تعزى مكة بعد اليوم وقال لا هجرة بعد الفتح وروى ابو يعلى وابو نعيم عن ابن عباس قال لما فتح مكة ان إبليس ان رنة فاجتمعت ذريته فقال ايئسوا ان ترد امة محمد الى الشرك وروى

[سورة النصر (110) : آية 2]

ابن ابى شيبة عن مكحول لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة تلقته الجن يرمونه بالشرر فقال جبرئيل عليه السلام تعوذ يا محمد بهؤلاء الكلمات أعوذ بكلمات الله التامة التي لا يجاوزهن برو لا فاجر من شر ما نزلا من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما بث فى الأرض وما يخرج منها ومن شر الليل والنهار ومن شر كل طارق يطرق الا طارق يطرق بخير يا رحمن وروى البيهقي عن ابن ابى بزى قال لما فتح مكة جاءت عجوز حبشية شمطاء تخمش وجها وتدعو بالويل فقيل يا رسول الله راينا عجوزا شمطاء حبشية تخمش وجهها وتدعو بالويل فقال تلك قائلة أيست ان تعبد ببلدكم هذا ابدا ونزلت يوم الفتح ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى أهلها الآية فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمن بن طلحة فدفع اليه المفتاح وقال خذها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم ان الله استامنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف وروى انه جاء جبرئيل فقال ما دام هذا البيت أوليته من لبناته قائمة فان المفتاح والسدانة فى ال عثمن فكان المفتاح معه فلما مات دفعه الى أخيه شيبة فالمفتاح والسدانة فى أولادهم الى يوم القيمة واقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة تسع عشرة ليلة يقصر الصلاة رواه البخاري وفى رواية ابى داود سبع عشرة وعند الترمذي والبخاري ثمان عشر وجه الجمع انه تسع عشر مع يوم الدخول والخروج وسبع عشر باسقاطهما وثمان عشر من حيث الساعات وما روى خمس عشرة فضعفها النووي فى الخلاصة ولما فتح الله مكة قالت العرب بعضهم لبعض إذا ظفر محمد يا اهل الحرم وقد كان الله اجارهم من اصحاب الفيل فليس لكم به يدان فكانوا يدخلون فى دين الله أفواجا بعد ان كانوا يدخلون واحدا وواحدا واثنين اثنين وهو قوله تعالى. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ جملة يدخلون حال من مفعول رايت ان كان بمعنى روية البصر والا فمفعوله الثاني أَفْواجاً حال من فاعل يدخلون قال مقاتل وعكرمة أراد بالناس اهل اليمن عن ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أمتكم اهل اليمن هم ارق افئدة وألين قلوبا للايمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء فى اصحاب الإبل والسكينة والوقار فى اهل الغنم متفق عليه وجواب إذا جاء قوله تعالى. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ اى متلبسا بحمد ربك يعنى قل سبحان الله وبحمده متعجبا حامدا لما تيسر الله لك ما لم يخطر ببال أحد ان يفتح عنوة وقد منعها الله من اصحاب الفيل عن انس قال لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة استشرفه الناس فوضع راسه صلى الله عليه وسلم على رحله متخشعا رواه الحاكم بسند جيد وعن ابى هريرة نحوه بلفظ ليمس وسط رحله ويقرب منها

تواضعا حتى راى من فتح الله وكثرة المسلمين ثم قال اللهم ان العيش عيش الاخرة رواه ابو يعلى وَاسْتَغْفِرْهُ تواضعا وهضما لنفسك واستغفارا لعملك واستدراكا لما فات منك الأفضل باختيار الفاضل شفقة على الامة او المعنى استغفر لامتك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انى لاستغفر الله فى اليوم والليلة سبعين مرة وفى رواية اكثر من سبعين مرة وفى رواية مائة مرة رواه البخاري والنسائي وابن ماجة والطبراني وابو يعلى من حديث ابى هريرة وانس وشداد بن أوس وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار على طريقه النزول من الخالق الى الخلق وهذا من سنة الدعاء ولا بد لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - تقديم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ايضا على استغفار إِنَّهُ لم يزل كانَ تَوَّاباً للمستغفرين منذ خلق المكلفين روى الثعلبي ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قرئها بكى عباس فقال عليه السلام ما يبكيك فقال نعيت نفسك إليك فقال انه لكما تقول قال البيضاوي وجه الاستدلال بالسورة على نعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دلالتها على تمام الدعوة وكمال امر الدين كقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم الاية او لان الأمر بالاستغفار تنبيه له على دنو الاجل وروى البخاري عن ابن عباس قال كان عمر يدخلنى مع أشياخ بدر فقال بعضهم لم يدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله فقال انه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعانى معهم قال وما رايته دعانى يومئذ الا ليريهم منى فقال ما تقول إذا جاء نصر الله والفتح حتى ختم السورة فقال بعضهم أمرنا ان نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم لا ندرى ولم يقل بعضهم شيئا قال لى ابن عباس كذلك تقول قلت لا قال فما تقول قلت هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعلمه الله إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة فذاك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا قال عمر ما اعلم الا ما تعلم اخرج احمد عن ابن عباس قال لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعت الى نفسى اخرج الترمذي من حديث انس إذا جاء نصر الله والفتح ربع القران وروى البخاري عن عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر فى ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر يتاول وروى مسلم عنها قالت كان يكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب اليه قال أخبرني ربى الى سارى علامة فى أمتي فاذا رايتها اكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب اليه رايتها إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة ورايت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا قال الحسن اعلمه قد اقترب اجله فامر بالتسبيح والتوبة ليختم له بالزيادة فى العمل الصالح قال قتادة ومقاتل عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين- والله اعلم.

سورة اللهب

سورة اللهب مكيّة وهى خمس آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى الشيخان فى الصحيحين انه لما نزلت قوله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقاربه فانذرهم وفى رواية عند البخاري وغيره صعد على الصفا فنادى فاجتمعت اليه قريش ارايتم لو أخبرتكم ان العدو مصبحكم او ممسيكم اما كنتم مصدقى قالوا بلى قال فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد فقال ابو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا وأخذ حجرا ليرميه فنزلت تَبَّتْ التباب خسران يودى الى الهلاك اى هلكت يَدا أَبِي لَهَبٍ اى نفسه كما فى قوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة وقيل انما خصتا بالذكر لما أخذ حجر الرمي وقيل أراد بها دنياه وآخرته وقيل أراد ماله وملكه يقال فلان قليل ذات يد قرأ ابن كثير ابى لهب بإسكان الهاء والباقون بفتحها واسمه عبد العزى بن عبد المطلب قال مقاتل كنى باللهب لحسنه واشراق وجهه وانما ذكر هاهنا بالكنية لاستكراه ذكر اسمه ولانه لما كان من اصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله وبمجانسة قوله ذات لهب وَتَبَّ ط اخبار بعد اخبار للتاكيد او الاولى دعائية والثاني اخبارية والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه قال ابن مسعود لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرباءه الى الله عز وجل قال ابو لهب ان كان ما يقول ابن أخي حقا فاننى افتدى نفسى بمالى وولدي فانزل الله تعالى. ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ ما نافية او استفهامية للانكار يعنى ما يدفع عنه عذاب ما جمع من المال او اى شىء يغنى عنه ماله وكان صاحب مال ومواش وَما كَسَبَ ط من المال والولد عن عائشة مرفوعا أطيب ما أكلتم من كسبكم وان أولادكم كسبكم رواه البخاري فى التاريخ والترمذي وقد افترس ولده عتبة اسد فى طريق الشام كما ذكرنا فى سورة عبس ومات ابو لهب بالعدس بعد وقعة بدر بايام معدودة وترك ثلثا حتى أنتن ثم استاجروا بعض السودان حتى دفنوه أوعده الله تعالى بالنار فقال. سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ اى تلتهب جملة مستانفة او فى مقام التعليل لقوله ما اغنى اتفق القراءة على فتحة هاء لهب هاهنا لرعاية القوافي. وَامْرَأَتُهُ ط عطف على المستكن فى سيصلى سوغه الفصل او مبتداء بعده خبره وهى أم جميل بنت حرب بن امية اخت ابى سفيان حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ج قرأ عاصم بالنصب على الذم والشتم والباقون بالرفع على انه خبر مبتداء اخرج ابن جرير عن ابن اسحق عن رجل من همدان يقال له

[سورة المسد (111) : آية 5]

يزيد ان امرأة ابى لهب كانت تلقى فى طريق النبي صلى الله عليه وسلم الشوك والعضاة لتعقرهم فنزلت وكذا روى عن الضحاك واخرج ابن المنذر عن عكرمة مثله وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال قتادة ومجاهد والسدى كانت تمشى بالنميمة وتنقل الحديث فتلقى العداوة بين الناس وتوقد نارا كما توقد الحطب نارا وقال سعيد بن جبير حمالة الخطايا قال الله تعالى وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم. فِي جِيدِها عنقها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ع خبر لامرأته بعد خبر على تقدير كونه مبتداء او حال منه على تقدير كونه فاعلا سيصلى قال ابن عباس وعروة بن الزبير المراد به سلسلة فتلت من حديد قتلا محكما ذرعها سبعون ذراعا يدخل فى فمها ويخرج من دبرها ويكون سائرها فى عنقها والمسد ما قتل واحكم من اى شىء كان وروى الأعمش عن مجاهد من مسد اى من حديد وقال الشعبي ومقاتل من ليف مقتول وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به فبينما هى ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فاتيها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها وقال ابن زيد حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد وقال قتادة هى قلادة قال الحسن كانت خرزات فى عنقها وقال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فى عنقها فأخرة فقالت لانفقها فى عداوة محمد - صلى الله عليه وسلم - قلت فان كان المراد بثبوت حبل كائنا من مسد اى حديد فى جيدها فى الاخرة فهى اما خبر لامرأته بعد خبر ان كان مبتداء او حال منه إن كان فاعلا سيصلى وحمالة الحطب على تقدير النصب يكون معترضة للذم ولا يجوز ان يكون فى جيدها حبل من مسد حالا من الضمير المستكن فى حمالة الحطب لعدم اتحاد زمان الحال حينئذ لان حمل الحطب كان فى الدنيا الا ان يقال معنى حمالة الحطب انها تحمل حطب جهنم كالزقوم والضريع او ما يوقد به جهنم جزاء لما كانت تحمل الحطب فى الدنيا بعداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كذا ذكر البيضاوي لكن لم ينقل هذا التأويل من السلف وان المراد به ثبوت حبل فى عنقها فى الدنيا فحينئذ اما خبر مبتداء محذوف اى هى او خبر بعد خبر لامرأته او حال من الضمير المستكن فى حمالة الحطب بلا إشكال والظاهر على هذا التأويل ان يكون فى الكلام ترشيحا للمجازا وتصويرا لها بصورة الخطابة التي يحتمل لتحرمه وتربطها فى جيدها كيلا يسقط من راسها لتحقيرها ولا يكون الكلام على الحقيقة وما قال الشعبي فهو مستبعد جدا لكونها وزوجها فى بيت عز وثروة وجدة- والله تعالى اعلم.

سورة الإخلاص

سورة الإخلاص مكيّة وهى اربع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الترمذي والحاكم وابن خزيمة من طريق ابى العالية عن ابى بن كعب ان المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم انسب من ربك فانزل الله تعالى قل هو الله أحد الى اخر السورة واخرج الطبراني وابن جرير مثله من حديث جابر بن عبد الله فبناء على هذين الروايتين قيل السورة مكية واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس ان اليهود جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم منهم كعب بن الأشرف وحيى بن اخطب فقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك فانزل الله قل هو الله أحد الى آخرها واخرج ابن جرير عن قتادة وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله وذكر البغوي قول الضحاك وقتادة ومقاتل جاء ناس من أحبار اليهود الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا صف لنا ربك لعلنا نومن بك فان الله انزل نعته فى التورية فأخبرنا من اى شىء هو وهل يأكل ويشرب ممن ورث ومن يرثه فانزل الله هذه السورة واخرج ابو شيخ فى كتاب العظمة من طريق ابان عن انس قال أتت يهود خيبر الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمأ مسنون وإبليس من لهب النار والسماء من دخان والأرض من زبد الماء فاخيرنا عن ربك فلم يجبهم فاتاه جبرئيل بهذه السورة وبناء على هذا الروايات قيل السورة مدنية واخرج ابن جرير عن ابى العالية قال قادة الأحزاب انسب لنا ربك فاتاه جبرئيل بهذه السورة وعلى هذا الرواية يرتفع التعارض ويظهر ان السورة مدنية والمراد بالمشركين من حديث ابى بن كعب هم قادة الأحزاب ولعل اليهود وقادة الأحزاب من المشركين كلا الفريقين سالوا عن الله تعالى حين نزلت السورة وذكر البغوي عن ابى الظبيان وابى صالح عن ابن عباس ان عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال عامر الى ما تدعونا يا محمد قال الى الله تعالى قال صفه لنا أمن ذهب هو

[سورة الإخلاص (112) : آية 1]

أم من فضة أم من حديد أم من خشب فنزلت هذه السورة فاهلك الله أريد بالصاعقة وعامرا بالطاعون قوله تعالى قُلْ يا محمد هُوَ الضمير اما للشأن والجملة الواقعة بعدها خبر له ولا حاجة الى العائد لانه هى هو واما عائد الى ما سئل عنه يعنى الذي سالتمونى هو اللَّهُ خبر لهو أَحَدٌ ج بدل من الله او خبر ثان لهو أصله وحد بمعنى واحد أبدلت الواو همزة وفى قراءة ابن مسعود قل هو الله لواحد وكذا قرأ عمر بن الخطاب وعلى تقدير كون الضمير للشأن وكون الله أحد مبتداء وخبر فالكلام ليس على ظاهره لان الله علم للجزء الحقيقي لا يكون الا واحدا يمتنع فرض صدقه على كثيرين كزيد فيلزم الاستدراك ولا يفيد الكلام فالواجب ان يراد بلفظ الله معنى كليا يعنى مستحقا للعبادة لكل من سواه وذلك الاستحقاق لا يتصور الا بافاضة الوجود وتوابعه على ما عداه وذلك الافاضة لا يتصور الا من الذات الواجب وجوده وصفات كماله الممتنع عليه صفات النقص والزوال المباين للممكنات فى حقيقة ذاته وصفاته لان اقتضاء وجود غيره فرع اقتضاء وجوده فى نفسه وما لا يقتضى وجوده فى نفسه كيف يقتضى وجود غيره سواء كان ذلك الغير جوهرا او عرضا او فعلا من افعال العباد وذلك معنى الوجوب والنقص والزوال ومشابهة الممكنات ينافى الوجود واستحقاق العبادة فمعنى الجملة المستحق للعبادة على الإطلاق الواجب لذاته وجوده وصفاته الكاملة الممتنع عليه صفات النقص والزوال واحد لا شريك له وحينئذ أفاد الكلام فائدة تامة غير انه على هذا التأويل لا يطابق الجواب السؤال لانهم لم يسالوا النبي صلى الله عليه واله وسلم عن كونه تعالى واحدا او متكثرا فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم بأعلى صوته الى التوحيد وقول لا اله الا الله بل سالوه عن حقيقة الذاتية وقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك أمن الذهب هو أم من فضة او نحو ذلك وكذا إن كان الضمير عائدا الى المسئول عنه لا جائز ان يقال معنى الجملة انه واحد غير متكثر فانه لا يطابق السؤال فالواجب على كلا التأويلين ان يكون المراد بأحد ما يكون منزها عن أنحاء التركيب والتعدد وما يستلزم أحدهما من الجسمية والمتحيز والمشاركة لشئ من الأشياء فى الحقيقة والمشابهة لشئ من الأشياء فى صفة من صفات الكمال وإذا لم يشابهه أحد فى الذات

[سورة الإخلاص (112) : آية 2]

ولا فى صفة من الصفات لا يكون له ند ولا ضد ولا مثل ومن هاهنا قالت الصوفية العلية أحديته تعالى وعدم مشابهة أحد له تعالى فى صفة من الصفات يقتضى ان لا يشاركه أحد فى الوجود فانه اصل الصفات والحيوة التي هى أم الصفات وامامها من العلم والقدرة والارادة والكلام والسمع والتكوين فرع للوجود بالمعنى المصدري فهو امر انتزاعي مترتب عليه ومن ثم قالوا يعنى لا اله الا الله لا موجود الا الله فالموجود الحقيقي فى الخارج ليس الا الله تعالى وما عداه من الممكنات الموجودة متصفة بوجوده كالظل لوجوده فى الخارج او هو كالظل للخارج الحقيقي وكذا الحال فى العلم والقدرة وسائر الصفات قال الله تعالى ذلك بان الله هو الحق يعنى الثابت المتحقق المتأصل فى وجوده وصفاته وان ما يدعون من دونه هو الباطل يعنى اللاشيء فى نفسه وقال الله تعالى كل شىء هالك الا وجهه فصفات الممكنات انما يشارك صفات الواجب تعالى اشتراكا اسميا لا اشتراكا حقيقيا ومن لا يفهم كلام الصوفية فعليه التشبث باذيا لهم حتى يتبين لهم انه الحق او لم يكف بربك انه على كل شىء شهيد الا انهم فى مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شىء محيط ففى جملة واحدة ثم الاشارة الى مباحث الذات والصفات كلها فى كلمة قل اشارة الى النبوة والتبليغ واعجاز الاية شاهد على النبوة فكفى بقل هو الله أحد عن المجلدات وان بقي الكلام فى مثل ان صفاته تعالى عين ذاته او زائدة عليها فلا محذور فيه ولا يتعلق به غرض بل البحث عن مثل هذه الأبحاث الفلسفة يقضى الى المهلكة قال الله تعالى يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربى وما أوتيتم من العلم الا قليلا فاذا لم يوت البشر العلم بحقيقة الروح وهو من الخلائق فانى له العلم بذات الخالق وصفاته الا العجز عن درك إدراكه..... والبحث عنه اشراك والسبيل اليه المعية الجيبية لا غير عن ابى هريرة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ونحن متنازع فى القدر فغضب حتى احمر وجهه حتى كانما فقئ وجنتيه حب الرمان فقال أبهذا أمرتم أبهذا أرسلت إليكم انما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا فى هذا الأمر عزمت عليكم الا تنازعوا فيه رواه الترمذي وروى ابن ماجة نحوه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. اللَّهُ الصَّمَدُ ج قال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير الصمد الذي لا خوف له كذا اخرج ابن جرير عن بريدة

الا اعلمه الا قد رفعه قلت لعله مجاز مما لا ينفذ اليه العقول والأوهام ولا يدركه الافهام وقال الشعبي الذي لا يأكل ولا يشرب وقيل تفسيره وما بعده ولذا روى ابو العالية عن ابى بن كعب وقال ابو الوائل شقيق بن سلمة هو السيد الذي قد انتهى سودده وهى رواية عن ابى طلحة عن ابن عباس يعنى الذي قد كمل فى جميع انواع السودد وعن سعيد ابن جبير هو الكامل فى جميع صفاته وأفعاله وقيل هو السيد المقصود فى الحوائج قال السيد هو المقصود اليه فى الرغائب المستغاث به عند المصائب يقال صمدته إذا قصدته قال قتادة الصمد الباقي بعد فناء خلقه وقال عكرمة الصمد الذي ليس فوقه أحد وهو قول على رض وقال الربيع الصمد الذي لا يعتريه الآفات قال مقاتل بن حبان الذي لا عيب فيه قلت وعندى معناه الحقيقي المقصود قال فى القاموس الصمد القصد بالتحريك السيد لانه يقصد وإدخال اللام عليه لافادة كونه فى أجل درجات الصمدية وأعلاها وأكملها فان الناس قد يقصدون غير الله سبحانه من الدنيا وما فيها لفساد رايهم وعدم اهتدائهم الى مرتبة حق اليقين فكل ما ذكر فى اقوال السلف من المعاني فهى تعبيرات عن لوازمه لان المقصود على الإطلاق من يحتاج كل ما عداه اليه ولا يحتاج هو الى غيره فى شىء من الأشياء فيكون البتة جامعا لجميع الكمالات وانواع السودد ومنزها عن العيوب وان تعتريه الآفات غير محتاج الى الاكل والشرب قديما بما لم يولد غير مجانس لاحد حتى يلد مثله ولا يكون فوقه بل ليس مثله أحد فيكون البتة بحيث لا ينفذ اليه فهم وادراك ولما كانت الجملة السابقة تغنيه عن هذه الجملة وعن الجمل الثلث اللاحقة وهذه الجملة وما بعدها كالتأكيد للاولى أوردت لزيادة الاهتمام من قبيل إيراد الخاص بعد العام للمبالغة فى التنزيه والتصريح بالرد على المخاطبين المنكرين المشركين فى القصد والعبادة غيره تعالى القائلين باتخاذ الله تعالى البنات والبنين بغيره لم يذكر العاطف على هذه الجملة ولا على ما بعدها وكرر اسم الله تعالى للاشعار بان لم يتصف به لم يستحق الالوهية وان المقصد يجب ان لا يكون غيره تعالى ومن ثم قالت الصوفية معنى لا اله الا الله لا مقصود الا الله وقالوا ما هو مقصد لك فهو معبود لك فان المرء لا تزال يلقى نفسه فى كمال التذلل لتحصيل مقصوده والعبادة عبارة عن كمال التذلل

[سورة الإخلاص (112) : آية 3]

فالصوفية العلية يذكرون النفي والإثبات مع ملاحظة نفى مقصودية ما عدا الله ويجتهدون فيه غاية الاجتهاد حتى يزول عن صدورهم كون غيره تعالى مقصودا بوجه من الوجوه والله الميسر لكل عسير. لَمْ يَلِدْ كما زعمت المشركون ان الملائكة بنات الله واليهود بان عزير ابن الله والنصارى بان المسيح ابن الله لاستحالة المجانسة وعدم الاقتضاء الى من يعينه او يخلف عنه لاستحالة الاحتياج والفناء عليه تعالى أورد بلفظ الماضي وان كان عدم توالده ابدا ردا على ما قالوا ولمطابقة قوله وَلَمْ يُولَدْ لان الحدوث ينافى الالوهية. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ع اى مكافيا ومماثلا قرا حفص كفوا بضم الفاء وفتح الواو وحمزة بإسكان الفاء مع الهمزة فى الوصل فاذا وقف أبدل الهمزة واوا مفتوحة اتباعا للخط والقياس ان يلقى حركتها على الفاء والباقون بضم الفاء مع الهمزة أحد اسم يكن وكفوا خبره والظرف متعلق بكفوا قدم الخبر على الاسم والظرف التعلق بالخبر عليه للاهتمام لان المقصد تنزيه الله تعالى ونفى المكافاة عنه تعالى الرعاية الفواصل ويجوز ان يكون الظرف حالا من المستكن فى كفوا وان يكون خبرا او كفوا حال من أحد أورد الجمل الثلث منتسقات بالعطف لان المقصد منها نفى اقسام الأمثال وتنزيهه عن كل ما يتصف به فهى كجملة واحدة عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال قال الله تعالى كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمنى ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي بان يقول لن يعيدنى كما بدأنى وليس أول الخلق باهون على من إعادته واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الأحد الصمد لم الد ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد- (فصل) - عن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أيعجز أحدكم ان يقرأ فى ليلة ثلث القران بالواو كيف يقرأ ثلث القرآن قال قل هو الله أحد تعدل ثلث القران رواه مسلم ورواه البخاري عن ابى سعيد ومثله فى حديث ابن عباس وانس وذكرناه فى تفسير سورة الزلزال وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لاصحابه فى صلوتهم بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه واله وسلم فقال سلوه لاى شىء تصنع ذلك فسالوه فقال لانها صفة الرحمن

وانا أحب ان اقرءها فقال النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم اخبروه ان الله يحبه متفق عليه وعن انس قال رجل يا رسول الله انى أحب هذا السورة قل هو الله أحد قال ان حبك إياها أدخلك الجنة رواه الترمذي وروى البخاري معناه وعن ابى هريرة ان النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال وجبت قلت ما وجبت قال الجنة رواه مالك والترمذي والنسائي وعن انس عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم قال من أراد ان ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ مائة مرة قل هو الله أحد إذا كان يوم القيامة يقول له الرب يا عبدى ادخل على يمينك الجنة رواه الترمذي وقال حسن غريب وعنه عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم قال من قرأ كل يوم مأية مرة قل هو الله أحد محى عنه ذنوب خمسين الا ان يكون عليه دين رواه الترمذي والدارمي وفى رواية خمسين مرة ولم يذكر الا ان يكون عليه دين وعن سعيد بن المسيب مرسلا عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى له قصر فى الجنة ومن قرأ عشرين مرة بنى له قصر ان فى الجنة ومن قرأها ثلثين مرة بنى له بها ثلثة قصور فى الجنة فقال عمر بن الخطاب والله يا رسول الله إذا لتكثرن قصورنا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم الله أوسع من ذلك والله تعالى اعلم.

سورة الفلق

سورة الفلق مدنيّة وهى خمس آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج البيهقي فى دلائل النبوة من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال مرض رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم مرضا شديدا فاتاه ملكان فقعد أحدهما عند راسه والاخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذى عند راسه ما ترى قال طب قال ما طب قال سحر قال من سحره قال لبيد بن الأعصم اليهودي قال اين هو قال فى شراك فلان تحت صخرة فى ركية فاتو الركية فانزحوا وارفعوا الصخرة ثم خذوا الكدية وأحرقها فلما أصبح رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم بعث عمار بن ياسر فى نفر فاتوا الركية فاذا ماءها مثل ماء الحناء ثم رفعوا الصخرة واخرجوا الكدية واحرقوها فاذا فيها وتد فيه أحد عشر عقدة وأنزلت عليه هاتان السورتان فجعل كلما قرأ اية انحلت عقدة قل أعوذ برب الفلق قل أعوذ برب الناس واخرج ابو نعيم فى الدلائل من طريق ابى جعفر الرازي عن انس قال صنعت اليهود لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم شيئا فاصابه من ذلك وجع شديد فدخل عليه أصحابه فظنوا انه المايه فاتاه جبرئيل بالمعوذتين فعوذبهما فخرج الى الصحابة صحيحا وله شاهد فى الصحيحين بدون نزول السورة وذكر البغوي قول ابن عباس وعائشة كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فدبت اليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذوا مشاطة راس النبي صلى الله عليه واله وسلم وعدة أسنان مشطة فاعطاها اليهود فسحروا فيها وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود فنزلت السورتان وروى البغوي بسنده عن عائشة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم طب حتى انه ليخيل انه قد صنع شيئا وما صنعه وانه دعا ربه ثم قال ان الله أفتاني فيما استفتيته فيه فقالت عائشة وما ذاك يا رسول الله قال جاءنى رجلان فجلس أحدهما عند راسى والاخر عند رجلى

[سورة الفلق (113) : آية 1]

فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال الاخر مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيما ذا قال فى مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فاين هو قال فى ذروان بير بنى زريق قالت عائشة فاتاها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثم رجع الى عائشة فقال والله لكان ماءها نقاعة الحناء ولكان نخلها رؤس الشياطين فقلت يا رسول الله فلا أخرجته قال اما انا قد شفانى الله كرهت ان اثير على الناس شرا قال البغوي وروى انه كان تحت صخرة فى البير فرفعوا الصخرة واخرجوا جف الطلعة فاذا فيه مشاطة راسه وأسنان مشطة وروى البغوي بسنده عن يزيد بن أرقم قال سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك إياها قال فاتاه جبرئيل فقال ان رجلا من اليهود سحرك فعقد لك عقدا فارسل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عليا فاستخرجها كلما حل عقد وجد لذلك خفة فقام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كانما نشط عن عقال فما ذكر ذلك اليهودي ولا راه فى وجهه واخرج ابن مردوية والبيهقي فى الدلائل عن عائشة ان يهوديا سحر النبي صلى الله عليه واله وسلم فى أجد عشر عقدة فى وتردسه فى بير فمرض النبي صلى الله عليه واله وسلم ونزلت معوذتان وأخبره جبرئيل بموضع السحر فارسل عليا فجاء به فقرأهما عليه فكان كلما قرأ اية انحلت عقدة ووجد بعض الخفة وروى انه لبث فيه ستة أشهر واشتد عليه ثلث ليال فنزلت معوذتين وروى مسلم عن ابى سعيد ان جبرئيل اتى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال يا محمد اشتكيت فقال نعم قال بسم الله أرقيك من كل شىء يؤذيك من شر كل نفس او عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك قوله تعالى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ اى فلق الصبح وهو قول جابر بن الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة من قوله تعالى فالق الإصباح وقيل فلق الحب والنوى بالشطا والسحاب بالماء والأرض بالعيون والأرحام بالأولاد وقال الضحاك يعنى الفلق وهى رواية الوالبي عن ابن عباس والمشهور هو الاول وقال اكثر المفسرين وهى رواية عن ابن عباس انه سجن فى جهنم رواه ابن جرير وقال الكلبي واد فى جهنم واخرج ابن جرير عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الفلق جب فى جهنم مغطى واخرج ابن جرير والبيهقي

[سورة الفلق (113) : آية 2]

عند عبد الجبار الخولاني قال قدم علينا رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى دمشق فراى ما فيه الناس من الدنيا قال وما يغنى عنهم أليس ورائهم الفلق قالوا وما الفلق قال جب فى النار إذا فتح هرب منه اهل النار واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا وايضا عن عمرو بن عتبة قال الفلق بير فى جهنم إذا سعرت جهنم فمنه تسعر جهنم لتتاذى منه كما يتاذى بنو آدم من جهنم عليها الغطاء فاذا كشفت عنه خرجت منه نار تصيح منه جهنم من شدة حرما يخرج منه واخرج ابن ابى حاتم وابن جرير عن كعب قال الفلق بيت فى جهنم إذا فتح صاح اهل النار من شدة حره واخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن على عن ابائه الكرام الفلق جب فى قعر جهنم وانما خص ذكر الله سبحانه فى الاستعاذة بهذه الصفة لان جهنم والفلق الذي هو أشد من اجزائه لما كان أدهى الا داهى وأعظم الأشياء شرا فخالقه وربه اقدر على دفع كل شر وان كان المراد بالفلق الصبح فالصبح دافع ومظهر الشرور غسق الليل فربه قادر على دفع كل شر فذكره تعالى بهذه الصفة داع الى دفع الشرور والله تعالى اعلم. مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ اى من شر كل مخلوق فان الممكن لا يخلو من شر لان العدم داخل فى ماهيته غير انه كلما استضاء بالتجليات الذاتية والصفاتية زال شره وتبدل بالخير أولئك يبدل الله سياتهم حسنات وقال عليه الصلاة والسلام اسلم شيطانى فلا يأمرنى الا بخير قال البيضاوي خص عالم الخلق بالاستعاذة منه لانحصار الشر فيه فان عالم الأمر خير كله وشر عالم الخلق اما اختياري لازم كالكفر متعد كالظلم واما طبيعى كاحراق النار وإهلاك السموم. وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ الغسق معناه الامتلاء قال الله تعالى انى غسق الليل اى امتلاءها ظلمة ويقال غسق العين إذا امتلئت دمعا وغسق القمر إذا امتلأ نورا وفى القاموس الغاسق القمر والليل إذا غاب الشفق والغسوق والاغساق الاظلام وقيل معناه السيلان غسق الليل الضباب ظلامه وغسق العين سيلان دمعه وغسق القمر سرعة سيره وقيل الغسق البرد سمى الليل غاسقا لانها أبرد من النهار والقمر غاسقا لكونه أبرد من الشمس ولهذا يقال للقمر الزمهرير والمراد بالغاسق هاهنا القمر لحديث عائشة قالت أخذ النبي صلى الله عليه واله وسلم بيدي فنظر الى القمر فقال يا عائشة

[سورة الفلق (113) : آية 4]

استعيذى بالله من شر غاسق إذا وقب رواه البغوي بسنده فعلى هذا التقدير معنى قوله تعالى إِذا وَقَبَ إذا دخل فى الخسوف وأخذ فى الغيبوبة فان القمر لا يتخسف الا عند امتلاء نور الليلة البدر قال ابن عباس والحسن ومجاهد المراد به الليل إذا اقبل ودخل سواده فى ضوء النهار وقال ابن زيد المراد به الثريا إذا أسقطت يقال الانتظام تكثر عند وقوعها وترفع عند طلوعها. وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ يعنى النفوس السواحر او النساء الساحرات اللاتي ينفثن فى عقد الخيط حين يرقين ويسحرن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابو عبيد بناته بامره. وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ اى إذا اظهر حسده وعمل فى الإضرار بمقتضى حسده وانما قيد به لان ضرر الحسد قبل ذلك يعود الى نفس الحاسد لاغتمامه لسرور غيره ولا يتجاوز الى المحسود انما خص هذه الأشياء بالذكر بعد التعميم بقوله من شر ما خلق لكون دخل هذه الأشياء الثلاثة فى هذا الشر المخصوص اعنى سحر النبي صلى الله عليه وسلم ووسوسة شيطان الجن اعنى إبليس وشيطان الانس اعنى لبيد بن الأعصم أورد النفاثات بصيغة الجمع ولام العهد بخلاف غاسق وحاسد حيث أوردهما منكرا إذا الغرض فى الاستعاذة ملاحظة بنات لبيد بالتخصيص والتعين بخلاف غاسق وحاسد فان الغرض هناك استعاذة من شر اى غاسق وحاسد كان لان حساد النبي صلى الله عليه واله وسلم كانوا اكثر من ان يحصى وكانوا دائمين فى الحسد فاستعاذ منهم على وجه يأمن من شرهم فى المستقبل ايضا عن عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله اقرأ سورة هود وسورة يوسف قال لن تقرأ شيئا ابلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق رواه احمد والنسائي والدارمي والله تعالى اعلم.

سورة الناس

سورة النّاس مدنيّة وهى ست آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ يا محمد أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ خالقهم ومربيهم ومصلح أمورهم. م مَلِكِ النَّاسِ مالكهم ومدبر أمورهم. إِلهِ النَّاسِ معبودهم هما عطف بيان لرب الناس فان المربى قد يطلق على الوالد ورب الدار ويطلق على المالك وهو لا يكون ملكا ولا معبودا والملك قد يطلق على السلطان وهو لا يكون معبودا مستحقا للعبادة واللام فى الناس للعهد والمراد به النبي صلى الله عليه واله وسلم واتباعه وتخصيصهم بالذكر مع كونه تعالى ربا وملكا والها بكل شىء لاظهار شرفهم ولان المقصود بانزال السورتين دفع شر السحر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن اتباعه لان من حق الرب والملك والا له حفظ المربوب والمملوك والعائد عن الشر قال غوث الثقلين أيدركني صنم وأنت ظهرى أأظلم فى الدنيا وأنت نصيرى فعار على حامى الحمى وهو قادر إذا أضاع فى البيداء عقال بعيري والكفار وان كانوا مربوبين مملوكين لكن لعدم اعترافهم به غير مستحقين للحماية ولدا قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم الأحزاب الله مولانا ولا مولا لكم وتكرير الناس بالإظهار من غير إضمار لان عطف البيان موضوع للبيان وفى الإظهار زيادة البيان وللاشعار بشرف النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه وقال البيضاوي ولما كانت الاستعاذة فى السورة المتقدمة من المضار البدنية وهى تعم الإنسان وغيره والاستعاذة فى هذه السورة من الإضرار اللتي تعرض النفوس البشرية وتخصها عمم الاضافة ثمه وخصصها بالناس هاهنا فكانه قال أعوذ من شر الموسوس الى الناس بربهم الذي يملك أمورهم ويستحق عبادتهم وقيل وجه التكرير لفظ الناس ان المراد بالناس الاول الأطفال ومعنى الربوبية يدل عليه وبالثاني الشاب المجاهدين فى سبيل الله ولفظ الملك المنبئ عن السياسة يدل عليه وبالثالث

[سورة الناس (114) : آية 4]

الشيوخ المنقطعين الى الله تعالى ولفظ الإله المنبئ عن العبادة يدل عليه وبالرابع الصالحون إذا الشيطان حريص على عداوتهم وبالخامس المفسدون لعطفه على معوذ منه وفى ذكر أطفال المؤمنين والرجال الصالحين استجلاب للرحمة واستدفاع للعذاب قال رسول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لولا رجال ركع وأطفال وضع وبهائم رتع نصب عليكم صبا رواه ابو يعلى والبزار والبيهقي من حديث ابى هريرة وله شاهد مرسل أخرجه ابو نعيم عن الزهري وقال الله تعالى لولا رجال مومنون ونساء مومنات لم تعلموهم الاية قال البيضاوي فى هذا النظم دلالة على انه تعالى حقيق بالاعادة قادر عليها غير ممنوع عنها واشعار على مراتب الناظر فى العارف فانه يعلم اولا بما يرى عليه من النعم الظاهرة والباطنة ان لم ربا ثم بعد النظر يتحقق انه غنى عن الكل ذوات كل شى ملكه ومصارف أمورهم منه فهو الملك الحق ثم يستدل على انه هو المستحق للعبادة. مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الوسواس اسم بمعنى الوسوسة وهو الصوت الخفي الذي يصل مفهومه الى القلب من غير سماع كالزلزال والمراد هاهنا الموسوس يعنى الشيطان على طريقه المبالغة او بتقدير المضاف اى ذى الوسواس كذا قال الزجاج الْخَنَّاسِ صفة للوسواس يعنى الشيطان لان عادته ان يخنس اى يتاخر عند ذكر الله تعالى عن عبد الله بن شقيق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من آدمي الا بقلبه بيتان فى أحدهما الملك وفى الاخر الشيطان فاذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر الله وضع الشيطان منقاره فى قلبه ووسوس له رواه ابو يعلى وروى ابو يعلى عن انس عنه صلى الله تعالى عليه واله وسلم نحوه. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ إذا لم يذكر الله والموصول فى محل الجر على انه صفة بعد صفة للوسواس وجاز ان يكون منصوبا على الذم او مرفوعا على انه خبر لمبتداء محذوف اى هو. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ع بيان للوسواس او الذي فالوسوسة فعل من الجنة والناس جميعا قال الله تعالى وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الانس والجن الاية امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله وسلم ان يستعيذ من شر الجن والانس جميعا فان قيل الناس لا يوسوسون فى صدور الناس انما هى فعل بالجن قلنا الناس ايضا يوسوسون بمعنى يليق بهم

يقولون أقوالا يرتكز فى صدور الناس منها الوسوسة او هو متعلق بيوسوس اى يوسوس فى صدورهم من جهة الجنة والناس وقال الكلبي هو بيان للناس من قوله فى صدور الناس وأراد بالناس هناك ما يعم القبيلتين سمى الجن ناسا كما سموا رجالا فى قوله تعالى وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن قال البغوي فقد ذكر من بعض العرب انه قال وهو يحدث جاء قوم من الجن فوقفوا ففيل من أنتم فقالوا أناس من الجن وهذا معنى قول الفراء وجاز ان يكون من الجنة بيانا للوسواس ويكون الناس هاهنا معطوفا على الوسواس والمعنى أعوذ برب الناس من شر الشيطان الموسوس من الجنة ومن شر الناس عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الم تر آيات أنزلت الليلة لم تر مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس رواه مسلم ورواه احمد بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الا أعلمك سورا ما انزل فى التورية ولا فى الزبور ولا فى الإنجيل ولا فى القران بمثلها قلت بلى قال قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال إذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على راسه ووجهه وما اقبل من جسده يفعل ذلك ثلث مرات متفق عليه وعن عقبة بن عامر بينا انا أسير مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديده فجعل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يتعوذ بأعوذ برب الفلق وأعوذ برب الناس ويقول يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما رواه ابو داود وعن عبد الله بن حبيب قال خرجنا فى ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما دركناه فقال قل قلت ما أقول قال قل هو الله أحد والمعوذتين حين تصبح وحين تمسى ثلث مرات يكفيك من كل شىء رواه الترمذي وابو داود والنسائي وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد

وجعه كنت اقرأ عليه وامسح عنه بيده رجاء بركتها رواه البغوي- (فصل) - فى فضائل القران العظيم عن عثمان بن عفان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خيركم من تعلم القران وعلمه رواه البخاري ومسلم وزاد البيهقي فى الأسماء وفضل القران على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا حسد الا على الاثنين رجل أتاه الله القران يقوم به اناء الليل واناء النهار ورجل أتاه الله مالا فهو ينفق منه اناء الليل واناء النهار متفق عليه وعن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ثلث تحت العرش يوم القيامة القران يحاج العباد له ظهر وبطن والامانة والرحم ينادى الا من وصلني وصله الله ومن قطعى قطعه الله رواه البغوي فى شرح السنة وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فان منزلتك عند اخر الاية تقرأها رواه احمد والترمذي وابو داود والنسائي وعن ابى سعيد الخدري رض قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القران عن ذكرى ومسئلتى أعطيته أفضل ما اعطى السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه رواه الترمذي والدارمي والبيهقي وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف الف حرف ولام حرف وميم حرف رواه الترمذي والدارمي وقال الترمذي حسن صحيح غريب اسناده وعن الحارث الأعور قال مررت بالمسجد فاذا الناس يخوضون فى الأحاديث فدخلت على على رضى الله تعالى عنه فاخبرته قال او قد فعلوها قلت نعم قال واما انى سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الا انها ستكون فتنة قلت ما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه عن جبار فصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم

هو الذي لا يزيغ الأهواء ولا تلتبس به الا السنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا ينقضى عجايبه هو الذي لم ينبه الجن إذا سمعته حتى قالوا انا سمعنا قرانا عجبا يهدى الى الرشد فأمنا به من قال به صدق ومن عمل به اجر ومن حكم به عدل ومن دعى اليه هدى الى صراط مستقيم رواه الترمذي والدارمي وعن معاذ الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ القران وعمل به بما فيه البس والداه تاجا يوم القيامة ضوءه احسن من ضوء الشمس فى بيوت الدنيا لو كانت فيكم فما ظنكم بالذي عمل بهذا رواه احمد وابو داود وعن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول لو جعل القران فى إهاب ثم القى فى النار ما احترق رواه الدارمي وعن على رض قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ القران فاستظهره وأحل حلاله وحرم حرامه ادخله الله الجنة وشفعه فى عشرة من اهل بيت كلهم قد وجبت لهم النار رواه احمد والترمذي وابن ماجة والدارمي وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قراءة القران فى الصلاة أفضل من قراءة القران فى غير الصلاة وقراءة القران فى غير الصلاة أفضل من التسبيح والتكبير والتسبيح أفضل من الصدقة والصدقة أفضل من الصوم والصوم جنة من النار وعن أوس الثقفي.... قال قال رسول الله صلى الله...... عليه واله وسلم قراءة الرجل القران فى غير المصحف الف درجة وقراءته فى المصحف المضعف ذلك الفى درجة وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء قيل يا رسول الله وما جلاء ذلك قال كثرة ذكر الموت وتلاوة القران روى الأحاديث الثلاثة البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اذن الله لشئ ما اذن لبنى يتغنى بالقران متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اذن الله لشئ يعنى حسن الصوت بالقران يجهر به متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقران رواه البخاري وعن جابر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن نقرأ القران وفينا الاعرابى والعجمي فقال اقرؤا فكل حسن وسيجئ أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه

رواه ابو داود والبيهقي يعنى يتعجلون ثوابه فى الدنيا وعن حذيفة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ القران بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون اهل العشق ولحون اهل الكتابيين وسيجئ بعدي قوم يرجعون القران ترجيع الغناء والنوح لا يتجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شانهم رواه البيهقي وابن رزين وعن عبيدة المليكي رضى الله عنه وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا اهل القران لا تتوسدوا القران واتلوه حق تلاوته من اناء الليل والنهار وأفشوه وتغنوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون ولا تعجلوا ثوابه فان له ثوابا رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن على رض عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الدواء القران رواه ابن ماجة وفى اللفظ القرآن هو الدواء وروى عن ابن مسعود عليكم بالشفاءين العسل والقرآن وعن واثلة بن الأسقع رضى الله عنه ان رجلا شكى النبي صلى الله عليه واله وسلم وجع حلقه قال عليك بقراءة القران رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه جاء رجل الى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال انى اشتكى صدرى قال اقرأ القران يقول الله تعالى شفاء لما فى الصدور وعن طلحة بن مطرف رضى الله عنه قال كان يقال إذا قرأ القران عند المريض وجد لذلك خفة رواه ابو عبيدة والله تعالى اعلم- والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين ط.

§1/1