التعليق على تفسير الجلالين - عبد الكريم الخضير

عبد الكريم الخضير

سورة الفاتحة (1)

تفسير الجلالين - سورة الفاتحة (1) (التفسير في اللغة - التفسير في الاصطلاح - التأويل في اللغة - التأويل في الاصطلاح - العلاقة بين التفسير والتأويل - تفسير الجلالين - ترجمة الجلالين - مذهب الجلالين الفقهي والعقدي - الكلام على الاستعاذة والبسملة - حكم الاستعاذة - صيغة الاستعاذة - الكلام على البسملة) الشيخ: عبد الكريم الخضير بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في هذا اليوم المبارك عصر الجمعة، الحادي والعشرين من شهر شوال سنة عشرين وأربعمائة وألف نبدأ بعون الله وتوفيقه بالكلام على تفسير الجلالين بطريقةٍ تختلف عن الطريقة السابقة، قد يكون فيها شيء من الترتيب والتنظيم أكثر من الطريقة التي كانت قبل رمضان، وقبل البدء بالتفسير نذكر مقدمات يحتاج إليها في هذا التفسير. التفسير في اللغة: فالتفسير في اللغة كما في القاموس واللسان الإبانة وكشف المغطى، قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [(33) سورة الفرقان] أي بياناً وتفصيلاً، وفي البحر المحيط لأبي حيان الجزء الأول صفحة ثلاث عشرة، قال: يطلق التفسير على التعرية للانطلاق، قال ثعلب: فسرت الفرس عريتَه، فسرت الفرس عريتُه، متى نفتح؟ ومتى نضم؟ فسرت الفرس أي عريتُه، فإذا جئنا بـ (إذا) نصبنا، فسرت الفرس عريتُه لينطلق في حضره، يعني المسافة التي تحدد لانطلاقة الفرس ورجوعه تسمى حضر، وهي في التفسير في البحر المحيط بدون نقطة، يعني صاد مهملة، وهو راجع لمعنى الكشف، فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الجري، وإذا أراد الإنسان أن يجري ولو لم يكن على فرس ماذا يفعل؟ يحسر عن ثوبه وإزاره لكي يسهل عليه الجري، الآن التفسير يطلق على المعاني كما أنه يطلق على المحسوسات، فتفسير الكلام وتوضيحه وإبانته وكشفه من باب إطلاقه على المعاني، وفسر الفرس الذي جاء في كلام ثعلب من باب إطلاقه على المحسوسات والأجسام. التفسير في الاصطلاح:

التفسير في الاصطلاح عرفه الزركشري بأنه: علم يفهم به كتاب الله تعالى المنزل على نبيه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه، علم يفهم به كتاب الله تعالى المنزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه. وعرفه أبو حيان في البحر في الموضع السابق بأنه: علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك، وهذا التعريف يحتاج إلى شرح، علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك. تولى أبو حيان شرح التعريف فقال: قولنا: علم جنس يشمل سائر العلوم، وقولنا: يُبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، هذا هو علم القراءات، وقولنا: ومدلولاتها أي مدلولات تلك الألفاظ، وهذا هو علم اللغة الذي يُحتاج إليه في هذا العلم، وقولنا: وأحكامها الإفرادية والتركيبية يقول: هذا يشمل علم التصريف، وعلم الإعراب، وعلم البيان، وعلم البديع، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب، الآن شمل التعريف علم القراءات في قوله: علم يُبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، والمدلولات دخل فيه علم اللغة، والأحكام الإفرادية والتركيبية دخل فيه علم التصريف والإعراب والبيان والبديع، وقولنا: كما يقول أبو حيان وقولنا: وتتمات لذلك هو معرفة النسخ، وسبب النزول، وقصةٍ توضح بعض ما أنبهم في القرآن ونحو ذلك، ولذا نجد كتب التفسير تشتمل على جميع ما ذكر، تشتمل على القراءات، وعلى التحليل اللفظي من خلال كتب اللغة ومن لغة العرب، وأيضاً تصاريف الكلمات، وما اشتملت عليه من بيان ومعاني وبديع، وغيرها من التتمات التي أشار إليها، وأراد بها: النسخ، وأسباب النزول، والقصص التي توضح بعض ما أنبهم في القرآن، وكل هذا موجود في التفاسير.

التأويل في اللغة:

وعلى هذا تعريف أبي حيان أشمل من سابقه، لماذا؟ لأنه أدخل علم القراءات، قد يقول قائل: علم القراءات علم مستقل، ولذا يقال له: علم القراءات، كما قال: علم التفسير، فلماذا يُدخل في علم التفسير؟ لا شك في دخول علم القراءات في التفسير، لماذا؟ لأن المعنى قد يختلف باختلاف القراءة، فاحتيج إليه في التفسير، احتاج المفسرون إلى إدخال علم القراءات في التفسير كما احتاجوا إلى غيره من العلوم، كعلم اللغة بفروعه، متن اللغة، وفقه اللغة، والنحو والصرف والبيان والمعاني والبديع وغيرها، كما أن علم التفسير بحاجةٍ ماسة إلى معرفة النسخ، وبيان الناسخ من المنسوخ، وهو من أهم ما ينبغي أن يعتنى به، سواء كان ذلك للمفسر أو المحدث أو الفقيه أو غيرهم، كل من يتعاطى ويزاول علوم الشريعة لا بد أن الناسخ من المنسوخ، وقف علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على قاص فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت، لكن ينبغي أن يعتنى ويحرر الناسخ من المنسوخ؛ لأن المفسرين ومن كتب في النسخ توسعوا في ذلك توسع مع أنه يمكن الاستغناء عن كثير مما ذكروا، حتى قال بعضهم: إنه ليس في القرآن من المنسوخ إلا خمسة مواضع، لا شك أن معرفة الناسخ والمنسوخ من أهم المهمات، إذ به يعرف كيف يعبد الله -سبحانه وتعالى- على مراده -سبحانه وتعالى-، فالذي لا يعرف الناسخ من المنسوخ قد يعمل بالمنسوخ مع وجود الناسخ، علماً بأن السلف يتوسعون في معنى النسخ، فيدخلون فيه التخصيص والتقييد والنسخ الكلي المعروف في اصطلاح المتأخرين، فيشمل النسخ الجزئي والنسخ الكلي، لكن المتأخرين خصوا النسخ بالرفع الكلي للحكم دون الجزئي. التأويل في اللغة: وأما التأويل فهو مأخوذ من الأوْل وهو الرجوع، قال في القاموس: آل إليه أولاً ومآلاً رجع، وعنه يعني آل عن الشيء ارتد ونكس، ثم قال: وأوَّل الكلام تأويلاً دبره وقدره وفسره، والتأويل عبارة الرؤيا، ونحو هذا الكلام في اللسان، ومنه آل الرجل، آل الرجل المراد بهم أهله، يقال لهم: آل وأهل لماذا؟ لأن الإنسان يرجع إليهم ويعود إليهم، كما قال الشاعر: أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيتٍ قعيدته لكاع

التأويل في الاصطلاح:

يخرج من بيته المرات بعد المرات لكن مرده على هذه المرأة أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيتٍ قعيدته لكاع التأويل في الاصطلاح: التأويل في الاصطلاح يطلق على معانٍ أحدها: تفسير الكلام وبيان معناه، وهو ما يعنيه كثير من المفسرين كابن جرير في قوله: القول في تأويل قوله تعالى، واختلف أهل التأويل، مرادهم في ذلك أهل التفسير، فعلى هذا التأويل والتفسير مترادفان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى الجزء الخامس صفحة خمسة وثلاثين وستة وثلاثين: "وهذا التأويل -يعني بهذا المعنى- يعلمه الراسخون في العلم" إذا قلنا: إن التأويل مرادف للتفسير فهذا يعلمه الراسخون في العلم، وهو موافق لوقف من وقف من السلف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [(7) سورة آل عمران] وهو قول ابن عباس ومجاهد وغيرهم، وعلى هذا المعنى الأول للتأويل: أنه بمعنى التفسير، فعلى هذا هما مترادفان، والمعنى الثاني: يطلق التأويل ويراد به الحقيقة التي يؤول الكلام إليها، فتأويل ما أخبر الله به -سبحانه وتعالى- في الجنة من الأكل والشرب واللباس والنكاح وغير ذلك هو الحقائق الموجودة في الجنة نفسها، لا ما يتصوره الإنسان من معانيها في ذهنه، وتأويل ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- من الأمور المستقبلة، سواء كانت قبل قيام الساعة أو بعدها، تأويله وقوعه، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "وهذا هو التأويل في لغة القرآن كما قال تعالى عن يوسف -عليه السلام- أنه قال: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [(100) سورة يوسف] هذا تأويل الرؤيا، يعني أنها تأولت بوقوعها، لكن ما معنى تأويل الرؤيا قبل وقوعها؟ {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} قال ذلك متى؟ بعد أن وقعت، لكن ماذا عن تأويل الرؤيا قبل وقوعها؟ نعم. طالب:. . . . . . . . . لا، قد تؤول ثم تقع الحقيقة على مقتضى هذا التأويل. طالب:. . . . . . . . .

هو بنسب ما في شك، لكن إذا كان المؤول ماهر في التأويل غالباً يقع كما يتأول، وهو علم له ضوابطه وقواعده، بيان تأويل الرؤيا قبل وقوعها، في كلام يوسف -عليه السلام- تأويلها بعد وقوعها {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} بعد أن وقعت، وفي الكلام الأول يراد به الحقيقة التي يؤول الكلام إليها. في قول عائشة -رضي الله عنها- في آخر عمره -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يكثر من التسبيح والاستغفار يتأول القرآن، تعني ما جاء في قوله تعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ} [(1 - 3) سورة النصر] الرسول يتأول القرآن، بمعنى أنه يُوقع ما أُمر به. طالب: أحسن الله إليكم علم تأويل الأحلام قبل وقوعها هل نقول: هو علم أو هو موهبة؟ يعني هل هو علم مرئي يمكن لأي إنسان أن يضبط قواعده ويؤول؟ ممكن، بالتدريب يمكن، هو علم يقبل المران، لكن ما في شك أن كون الإنسان يصرف وقته وجهده لتأويل الرؤى، وينصرف عن علم الكتاب والسنة الذي هو أهم، نعم إذا جاء من غير تعب لا بأس، لكن كونه يصرف له الوقت والجهد، وتقرأ الكتب المؤلفة في هذا، ويتصدى لتأويل رؤى الناس، ويستغرق وقته كله وجهده، هذا لا شك أنه مفضول، ما الذي يحدث لو لم يجب الرائي؟ يعني شخص رأى رؤيا ما وجد في الأمة من يعبرها له ماذا يصير؟ طالب:. . . . . . . . .

((من رأى منكم رؤيا)) لكن كون الإنسان يصرف جهده لتأويل الرؤيا، ويتصدى لتأويل رؤى الناس في وقته كله، وينشغل بهذا عما هو أهم، يعني لو شخص سأل في بلدٍ كبير مملوء بالعلماء، وما وجد من يعبر له الرؤيا، يأثمون الناس كلهم؟ لا ما يأثمون، ما في شك أنه في توسع في هذا، توسع في هذا الباب حتى أن بعض من يؤول كأنه يفتي بقال الله وقال رسوله، يجزم جزم بحيث لا يشك، ولا يتطرق إليه أدنى احتمال للنقيض، يسأل فيجيب مباشرة، أحياناً قد يستفصل من السائل، وأحياناً مباشرةً يعطي الجواب، أولاً: الرؤى تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأوضاع، فالذي يناسب هذا الشخص لا يناسب غيره، وكونه يحلف على شخص قد تكون ظروفه غير ظروف من ذهب وهمه وظنه إليه، لا سيما وأنهم كثيراً ما يؤولون الرؤى بالهاتف، مع أن مظهر الشخص له دخل في تعبير الرؤيا، لا نطيل في هذا؛ لأن الناس ارتكبوا هذا الأمر، ولا شك أن التعبير له شأن، وهو مما عرف به يوسف -عليه السلام-، وعرف به من المسلمين محمد بن سيرين، ويوجد في العصر الحديث من يتصدى لذلك، واشتهر بذلك لكن لا شك أن غيره من العلوم، العلوم التي تتعلق بالكتاب والسنة أولى من ضياع الوقت فيه، وإن كان له أصل في الشرع.

المعنى الثالث من معاني التأويل: يطلق التأويل ويراد به صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليلٍ يقترن بذلك، قال في جمع الجوامع وشرحه: التأويل حمل الظاهر على المحتَمل المرجوح، فإن حمل عليه لدليلٍ فصحيح، أو لما يظن دليلاً في الواقع ففاسد، أو لا لشيء فلعب لا تأويل، فإذا احتمل اللفظ أكثر من معنى، منها الراجح، ومنها المرجوح لكن حمله على الراجح له لوازم، والاحتمال المرجوح له ما يؤيده من الأدلة، يسوغ حينئذٍ، لكن إذا حمل والصارف عن الاحتمال الراجح ظن الدليل، يظنه دليل وليس بدليل، كالتنزيه الذي يدعيه كثير ممن يصرف نصوص الأسماء والصفات عن ظاهرها بدعوى التنزيه، دليلهم في صرفهم اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى المرجوح هو التنزيه، هو يظن أن هذا دليل وهو في الحقيقة ليس بدليل؛ لأنه لا منافاة بين التنزيه والإثبات، فهذا التأويل فاسد، أو لا لدليلٍ أصلاً، بل مجرد تشهي هذا لعب وليس بتأويل، هذا في الحقيقة لعب وليس بتأويل، ما العلاقة بين التفسير والتأويل؟ نعم. طالب:. . . . . . . . . يعني مثل المعية مثلاً، المعية الاحتمال الراجح أنها كغيرها من الصفات، أنها تكون حقيقية ذاتية، هذا الاحتمال الراجح، لكن من لوازم هذا القول الحلول، والدليل الصارف عن الاحتمال الراجح إلى المرجوح تأويل السلف، حتى نقل الإجماع على أن المراد بالمعية العلم، فهذا الدليل يصرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح. طالب:. . . . . . . . . إيه عندهم وجوباً إيه، إذا لزمت على الاحتمال الراجح لوازم، ووجد دليل معتبر ما هو بأي دليل؟ لا ما يظنه دليل وفي الحقيقة والواقع ليس بدليل، لا بد من صرفه. طالب: مثله يا شيخ قوله تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [(47) سورة الذاريات]؟ إيش فيه؟ طالب: هل تدخل في هذا أن ....

العلاقة بين التفسير والتأويل:

الأيدي القوة؟ وإيش الصارف؟ وإيش اللوازم؟ اللازم اللازم، ما الذي يلزم على حملها على لفظ .. الأيدي جمع يد، تعرف الفرق بين المشترك وال ... ؟ يعني مثل هذا اللفظ، الإخوان يقولون: مشترك، أولاً: هل هذه الآية من آيات الصفات أو ليست من آيات الصفات؟ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [(115) سورة البقرة] هذه من آيات الصفات أو ليست من آيات الصفات؟ ليست من آيات الصفات، إذاً لا نحتاج أن نقول مثل هذا الكلام. طالب: ما الذي جعلها ليست من آيات الصفات؟ حمل السلف على هذا، تفسير السلف لها، السلف ما في شك أنهم هم الذين يقتدى بهم في هذا الباب، المدار على أقوالهم هم لا شك أنهم أحفظ، وأفهم للنصوص ممن جاء بعدهم. العلاقة بين التفسير والتأويل:

ما العلاقة والرابط بين التفسير والتأويل؟ الراغب في المفردات يقول: التفسير أعم من التأويل، وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ، والتأويل في المعاني، كتأويل الرؤيا مثلاً، ويقول أيضاً: والتأويل أكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها، والتفسير أكثره يستعمل في مفردات الألفاظ، والتأويل أكثره يستعمل في الجمل، إذاً التفسير في الألفاظ، يعني في مقابل المعاني، يستعمل في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل في إيش؟ هذا التأويل يستعمل في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها، التفسير أكثر ما يستعمل في مفردات الألفاظ، والتأويل أكثر ما يستعمل في الجمل، الآن إذا أردنا أن نشرح اليمين التي كثيراً ما كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقسم بها: ((والذي نفسي بيده)) إذا قلنا: الواو واو القسم، الذي مقسمٌ به، مبني على السكون في محل جر، نفسي روحي بيده، فيه إثبات اليد لله -سبحانه وتعالى-، هذا تفسير وإلا تأويل؟ تفسير، تفسير تحليلي إفرادي لفظي، لكن إذا قلنا: والذي نفسي بيده روحي في تصرفه؟ تأويل، روحي في تصرفه، الأول ما في اعتراض ولا استدراك، لكن الثاني يمكن أن يعترض معترض ويقول: أن هذا تأويل غير صحيح؟ يعني من شخص يثبت صفة اليد لله -سبحانه وتعالى-، المسألة مفترضة في شخص يثبت صفة اليد لله -سبحانه وتعالى-؟ وقد يجمع بين التفسير والتأويل هنا، فيقول: تفسيرها كذا، تفسيرها إفرادياً وتحليلاً كذا، ومعناها الإجمالي كذا، هل نقول: إن الذي قال: روحي في تصرفه أخطأ؟ هذا هو مقتضاه، لكن قد يسلك هذا المسلك من يفر من إثبات صفة اليد، وحينئذٍ يُعترض عليه وينتقد.

سمع الله لمن حمده، بمعنى أجاب، هذا تفسير وإلا تأويل؟ تأويل لكن هو مقبول ممن يثبت صفة السمع لله -سبحانه وتعالى-؛ لأن مقتضى السمع الإجابة، في كلام الراغب التفسير أعمّ من التأويل، وقال أبو عبيدة وطائفة: التفسير والتأويل بمعنىً واحد، في كلام الراغب السابق يقول: أكثر ما يستعمل التأويل في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها، لكن عرْف أهل العلم نعم يخصون التفسير بالقرآن الكريم، وما عدا القرآن ما نقول: تأويل، شرح، شرح وإيضاح وبيان، وهو بمعنى التفسير، لكن هذا اصطلاح عرفي، لو وجدت مثلاً: تفسير ابن حجر على البخاري مستساغ وإلا ما هو مستساغ؟ هو صحيح، نعم لكن في العرف –عرف أهل العلم- كلمة نابية، غير مستساغة، بينما لو تقول: شرح ابن جرير على القرآن الكريم، فهذا اصطلاح عرفي، يعني خص التفسير بما يتعلق بالقرآن الكريم، والشرح للكتب الأخرى، سواء كانت من الحديث أو غيرها، العقائد والفقه واللغة وغيرها. البغوي في تفسيره الجزء الأول صفحة ثمان عشرة مع ابن كثير يقول: التأويل صرف الآية إلى معنىً محتمل يوافق ما قبلها وما بعدها، التأويل صرف الآية إلى معنىً محتملٍ يوافق ما قبلها وما بعدها غير مخالفٍ للكتاب والسنة من طريق الاستنباط، يقول: وهذا رخص فيه لأهل العلم، هذا كلام البغوي، التأويل صرف الآية إلى معنىً محتملٍ يوافق ما قبلها وما بعدها بحيث لا يكون هذا المعنى نابي، ينفر منه السياق، لا، غير مخالفٍ للكتاب والسنة، يعني عليه دلائل الكتاب والسنة، من طريق الاستنباط، هذا يقول: رخص فيه لأهل العلم، أما التفسير وهو الكلام في أسباب نزول الآية وشأنها وقصتها فلا يجوز إلا بالسماع بعد ثبوته من طريق النقل، الآن حمل التأويل على التفسير بالرأي السائغ الجائز الذي تدل عليه النصوص ولا ينافر السياق، وحمل التفسير على ما لا يجوز إلا بالنقل، كأسباب النزول، والقصة، نقول: مثل هذه لا يجوز ابتكارها، وإنما تثبت بالسماع من طريق النقل.

صاحب التفسير والمفسرون الشيخ محمد حسين الذهبي يقول: التفسير هو رجح أن التفسير ما كان راجعاً إلى الرواية، والتأويل ما كان راجعاً إلى الدراية، موافق لكلام البغوي أو لا؟ شوف كلام البغوي يقول: التأويل صرف الآية إلى معنىً محتمل، والتفسير الكلام في أسباب النزول وشأنها وقصتها .. الخ، أيهما الرواية؟ وأيهما الدراية؟ التأويل دراية، والتفسير رواية، يقول: صرف الآية إلى معنىً محتمل، هذا دراية، التأويل دراية، والتفسير رواية: هذا خلاصة كلام البغوي، اختار الشيخ محمد حسين الذهبي أن التفسير ما كان راجعاً إلى الرواية، والتأويل ما كان راجعاً إلى الدراية، إذاً الذهبي يوافق البغوي، يقول: وذلك لأن التفسير معناه الكشف والبيان، معناه، التفسير معناه الكشف والبيان كلام الذهبي، والكشف عن مراد الله تعالى لا نجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي، وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع، وخالطوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم، واضح كلامه؟ يقول: ذلك لأن التفسير معناه الكشف والبيان، والكشف عن مراد الله تعالى لا نجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي، وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع، وخالطوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم، وعلى هذا النوع يتنزل ما جاء في النهي عن تفسير القرآن بالرأي، هذا الكلام التفسير الذي يجزم صاحبه بأنه هو مراد الله -سبحانه وتعالى- من الآية هو الذي جاء به الوعيد من أن يفسر القرآن بالرأي، يقول: وأما التأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل، والترجيح ويعتمد على الاجتهاد، ويتوصل إليه بمفردات الألفاظ، واستنباط لغة العرب، واستعمالها بحسب السياق، ومعرفة الأساليب العربية، ومدلولها في المعاني من كل ذلك، هذا كلامه، وإن كان آخره ما هو .. لكن يقول: وأما التأويل، عرفنا أن التفسير بيان أن مراد الله -سبحانه وتعالى- من هذه اللفظة كذا، وهذا لا بد فيه من إيش؟ من نقل، إذ لا يجوز أن

نجزم أن هذا مراد الله -سبحانه وتعالى- من هذه اللفظة، أو من هذه الجملة إلا بنقل، وأما التأويل يقول: ملحوظ فيه الترجيح، عندك المعاني، لكن أنت بحاجة إلى ترجيح أحد المعاني على بعض، يقول: التأويل ملحوظ فيه ترجيح أحد متطلبات اللفظ بالدليل {أَلاَّ تَعْدِلُواْ} [(3) سورة النساء] إيش معنى تعولوا؟ تفتقروا، وقيل: تكثر العيال، مثل هذه الاحتمالات تحتاج إلى مرجح، فالذي يميل إلى المعنى الأول بدليلٍ أو لدليلٍ يظهر له لا يلام، والذي يميل إلى المعنى الثاني لدليلٍ يلوح له لا يلام، لكن أصل تفسير اللفظ، وأن مراد الله -سبحانه وتعالى- كذا، يحتاج إلى نقل، ولشدة ما جاء من تفسير القرآن بالرأي جعل بعض العلماء تفسير الصحابي له حكم الرفع، الحاكم يرى أن تفسير الصحابي له حكم الرفع، والباعث له على ذلك أن الصحابي لا يمكن مع ورعه وتحريه أن يفسر القرآن برأيه مع علمه بالوعيد الذي ورد في ذلك، لكن هذا قول مرجوح؛ لأنه ليس في القرآن يحتاج إلى نقل، بل تفسير القرآن على أضرب: منه ما يحتاج إلى نقل، ومنه ما تعرفه العرب بلغاتها إلى الوقت الحاضر، إلى العصر الحاضر، والذي يعاصر البادية قد يظهر له شيء من معاني القرآن كان خفياً عليه، الشيخ فيصل بن المبارك -رحمه الله- في مقدمة تفسيره أشار إلى هذا، يقول: إنه عاصر البادية في الشمال والجنوب والوسط، استفاد منهم في بيان معاني كثير من الألفاظ القرآنية، وذكر لذلك أمثلة في مقدمة تفسيره، كان يشكل عليّ في بداية الطلب يعني، في أوائل الطلب قول الفقهاء: "وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر" واستحيت في ذلك الوقت أن أسأل المدرس في أولى متوسط، فشربت من ماء كان في مجتمع للبادية والحاضرة هناك تسمى الاجردة، شربت من الزير، وكبيت الباقي في الزير، فقال أعرابي: لا تصب سؤرك في الزير، فعرفت أن السؤر هو الباقي من ذلك الوقت، فعلى كلٍ البادية ما زال فيهم شيء من الحفاظ على بعض الألفاظ العربية، وإن كانت اختلطت العرب بغيرها فأثروا عليهم، لكن لا يعني هذا أن اللغة انمحت بكاملها، لا، كثير من الآيات يفهمها العامي من تلاوتها، يعني إذا ألقيت لعامي لا يقرأ ولا يكتب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ

اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [(278) سورة البقرة] يفهم وإلا ما يفهم؟ يفهم، ما يحتاج أن تقول: ارجع إلى التفاسير، أو ارجع إلى أقوال أهل العلم في هذا، والشيخ فيصل -رحمه الله- في مقدمة التفسير ذكر على شخص أنكر على آخر التمسح بالقبور، والتبرك بالصالحين، مستدلاً بقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [(18) سورة الجن] قال له المُنَكر عليه: يا أخي لا يجوز لك وأنت عامي تفسر القرآن؟ يقول: وبعد مدةٍ يسيرة جاءت بنت عليها مسحة جمال فقلت له: ما هذه؟ قال: ابنتي، قال: ما لها ما تزوجت؟ قال: سبحان الله حرام ما تزوج البنت؟ قال: والدليل؟ قال: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [(23) سورة النساء] قال: أنت تفسر القرآن وأنت عامي؟ فكثير من ألفاظ القرآن وآياته يدركها الناس كلهم، فلا تحتاج إلى تفسير، فليس كل التفسير يحتاج إلى توقيف، بل منه ما تدركه العرب بلغاتها، ومنه ما يحتاج إلى نقل، أما ما ذكره الحاكم من أن تفسير الصحابي له حكم الرفع فهو محمول كما يقول الحافظ العراقي على الأسباب، على أسباب النزول ولذا يقول: وعدوا ما فسره الصحابي ... رفعاً فمحمولٌ على الأسبابِ يعني إذا ذكر الصحابي سبب نزول آية نقول له: حكم الرفع، لماذا؟ لأن سبب النزول لا بد وأن يكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيه طرف، ذُكر أو لم يُذكر، بخلاف تفسير لفظة من القرآن. طالب: أحسن الله إليكم الآن ترجحون أن ليس كل آية في القرآن يجب أن ننقل فيها أثر عن النبي، أو حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- طيب يا شيخ ما الضابط الآن في قضية التفسير بالرأي إذاً؟ ما دام يجوز في بعض الآيات أن تفهمها العرب بسليقتها السليمة، يعني تقول فيها برأيها من باب القول باللغة وبعض الآيات لا بد فيها من نقل؟ إذاً ما الضابط في حكم التفسير؟ وما الضابط أيضاً في المجالس التي يعقدها بعض مثلاً المتخصصون في اللغة بالذات، والمتبحرون في اللغة ويبدؤوا يفسرون القرآن؟

يفسرونه من خلال اللغة، يفسرون الألفاظ من خلال اللغة، يعني القرآن نزل بإيش؟ بلسانٍ عربي مبين، فالذي يفسر الحديث يفسر القرآن من خلال اللغة، لكن إذا كانت اللغة محتملة، أو كانت اللفظة محتملة لأكثر من معنى لا يجوز له حينئذٍٍ أن يجزم بأن هذا هو مراد الله -سبحانه وتعالى- من هذا المعنى إلا بمرجح، وش الضابط فيما يُرجع؟ الآن ما جاء عن ابن عباس وغيره أن التفسير على أنحاء ... طالب:. . . . . . . . .

طيب، أنت إذا سمعت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [(278) سورة البقرة] ذروا: ما تعرف أن معناها اتركوا؟ يحتاج إلى أن ترجع إلى تفسير؟ في ألفاظ مستفيضة يدركها الناس كلهم، وألفاظ .. {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء} [(33) سورة النور] كثير من الناس ما يعرف معنى البغاء، لا بد أن يرجع إلى معناه، إلى كتب التفسير، لا سيما التي تعتني بالأثر، بالمناسبة عامي من عامة الناس يعني في مقابل ما تقدم خطبت ابنته، فأجبرها على الزواج من شخصٍ لا تريده، فقال له أحد أبنائه وهو متعلم: هذا ما يجوز أن تجبر، لا تنكح البكر حتى تستأذن، قال: اترك عنك، الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء} [(33) سورة النور] إلى أن قال: {وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(33) سورة النور] يقول: أنا أريد هذه المغفرة، هي تقول: ما أبغي، وأنا أريد أن أكرهها على البغاء، نقول: الكلام متفاوت، الألفاظ متفاوتة منها ما يدرك، ومنها ما لا يدرك، الناس متفاوتون في مداركهم، أيضاً إذا لم يكن هناك سابق مطالعة في تفسير الآية، والآية محتملة لأكثر من معنى فاجتمع مجموعة من طلبة العلم على سبيل البحث لا على سبيل الجزم، فقال بعضهم: لعل المراد كذا، قال الآخر: لا، لعل المراد كذا، من غير جزم بأن هذا هو المراد هذا يسوغ عند أهل العلم، من غير جزم، إنما مجرد إيراد احتمالات، ثم الرجوع إلى الحقيقة، لما ذكر الرسول -عليه الصلاة والسلام- السبعين ألاف الذين يدخلون الجنة من غير حساب ولا عقاب، قال بعض الصحابة: لعلهم كذا، لعلهم كذا، بات الناس يدوكون، لعلهم كذا، لعلهم كذا، فخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عنّفهم، ولا قال: أنتم تشرحون النصوص، وتقعون في النصوص من غير علم، لكن كلهم من غير جزم، فإذا صدر الكلام بلفظ الترجي، فقيل: لعل المراد كذا، أو لعل الراجح كذا، كان الأمر أيسر.

طالب: عندي سؤال يا شيخ،. . . . . . . . . رجل مشهور وهذا. . . . . . . . . باب الانحراف به عن العقيدة، تعلمون -حفظكم الله- أنه بالكاد أنه يكون قد فسر القرآن كاملاً، اختلف فيه الناس، أو رأيت بعض الناس يختلفون فيه هل هو من التفسير بالرأي وما يجوز، والرجل ما عنده علم في التفسير بالأصل فما أدري؟ هو لا شك أن تفسيره بالرأي، تفسيره أيضاً في الغالب مبتكر من عنده، ويكاد يجزم بما يقول، ومن هنا يُؤتى، الرجل أفضى إلى ما قدم لكن لا شك أن تفسيره بالرأي، وأسوأ منه تفسير الجواهر، التفسير بالرأي متفاوت، قيل عن تفسير الرازي: أن فيه كل شيء إلا التفسير، لكن فيه تفسير، فيه تفسير كثير، يعني لو جرد عن بعض الشبه، لا شك أنه كتاب حافل ومفيد لكن فيه شبه كثيرة المتوسط في طلب العلم ينصح بأن لا يقرأ فيه؛ لأنه يقرر الشبه بقوة، ويدفعها بضعف، حتى قال بعضهم: إن الشبه نقد، والجواب نسيئة، قال بعضهم: فيه كل شيء إلا التفسير لكن هذا الكلام ليس بصحيح، نعم الكتاب فيه أخطاء في باب الاعتقاد، وفي تنقص لبعض أهل العلم، وحط من قدرهم، لكن فيه علم، وفيه تفسير. تفسير الجواهر للطنطاوي جوهري، الذي يطالع هذا التفسير كأنه يقرأ في كتاب علوم، كله صور ونظريات وكله من هذا أو في الغالب، يبدأ بتحليل اللفظ للآية، وتفسير يسير ثم يدخل، في ست وعشرين مجلد، فيه صور ذوات أرواح، وفيه نظريات وفيه .. ، فيه كلام كثير جداً لا علاقة له بالتفسير، ومن خطأه أنه فسر القرآن بنظريات غير ثابتة، كثير منها نقض، الملك عبد العزيز -رحمه الله- منع من دخول التفسير إلى المملكة، وأرسل خطاب يعتب فيه ويقول: أن هذا التفسير هو جاءه رسائل وخطابات شكر وتأييد من بقاع الأرض وأسقاعها، وقال: إنه ترجم إلى لغات العالم كلها بما في ذلك البوسنة والهرسك في وقته قبل خمسين سنة هذا الكلام، وبلاد الحرمين محرومة من هذا الكتاب، ولتحرم. طالب: طيب يا شيخ ما يأتي واحد يقول: هذا هو يفسر من باب اللغة، يعني تقول ... لا، لا، ما فيه لغة، في فهم، فهمه هو، لو يرجع إلى كتب اللغة، لو صار عمدته لسان العرب والقاموس وغيره ما يخالف، يصير التفسير لغوي بحت.

يقول: ما حكم ربط الآيات وتأويل بعضها بما يكون من الظواهر الفلكية، أو الآيات الكونية، وهو ما يسمى بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم علماً أنه قد يكون من مجالات الدعوة التي يتأثر بها بعض الناس؟ المحظور أن تنزل الآيات على نظريات، على مقررات وثوابت لا يمكن أن تنفى في يوم من الأيام، والآية محتملة لا مانع من أن يدخل بعضها في مراد الله -سبحانه وتعالى- من غير جزم. يقول: ألا ترون التفسير الميسر الذي صدر مؤخراً من المجمع أولى بالقراءة مثل تفسير الجلالين؟ أولاً: تفسير الجلالين تفسير معتبر، ومعتمد عند أهل العلم وهو كتاب قديم، وعليه حواشي، وعليه خدمات لأهل العلم، وتفسير الجديد التفسير الميسر هذا يصلح لعامة الناس لا شك لأنه أقل من .. ، والملاحظات عليه يسيرة إن وجدت، بخلاف تفسير الجلالين الذي يحتاج إلى شرح وبيان، لفظ متين، ويأتي الكلام عليه، وعلى طريقته ومنهجه، وفيه أيضاً أخطاء وأوهام في العقيدة وغيرها هو بحاجة إلى تنبيه، لك مباحث مثل ترجمة القرآن لغير العربية، معروف أنه ترجمته الحرفية الذي قرره أهل العلم أنها لا تجوز، وأنها لا تمكن، وأما ترجمة معانيه إلى لغات العلم فأجازها أهل العلم، وفعلوها، وترجماته إلى جميع اللغات مطبوعة وموجودة ومتداولة. طالب: ... هل يجوز إعطاؤهم نسخة من أجل يسلم ... ؟ ما يعطى نص القرآن، يعطى الترجمة ما في بأس، لو جرد بعض الطبعات لتكون من أجل أن تعطى مثل هؤلاء، أما تمكين الكافر من المصحف كامل ما .. ، يعني لو مُكّن من آية آيتين كما في خطاب النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل لا بأس. تفسير الجلالين:

ترجمة الجلالين:

نأتي إلى تفسير الجلالين، هو تفسير مختصر، الجلالين هو تفسير مختصر جداً كما ترون تقارب حروفه عدد حروف القرآن الكريم، فقد ذكر صاحب كشف الظنون عن بعض علماء اليمن أنه قال: عددت حروف القرآن وحروف تفسير الجلالين فوجدتهما متساويين إلى سورة المزمل، ومن سورة المدثر إلى آخر القرآن زاد التفسير على حروف القرآن شيئاً يسيراً، والباعث له على عدد حروف التفسير أنه أشكل عليه أن يقرأ في تفسير الجلالين من غير طهارة؛ لأن الحكم للغالب، إذا كان الغالب هو القرآن أخذ حكمه، الغالب غير القرآن أخذ حكمه، فعد التفسير، حروف التفسير، وحروف القرآن معروفة عددها، يقول: إلى سورة المزمل العدد واحد، ثم من المدثر إلى آخر القرآن زادت حروف التفسير، فانحلت عنده المشكلة، صار يقرأ في التفسير من غير طهارة. طالب: لمس الآيات؟ الآيات مع التفسير مدموجة؟ طالب:. . . . . . . . . لا بأس، لكن لمس الآيات في المفصول، المفصول لا المفصول قرآن، لا يمس إلا بطهارة، الآيات لا بأس، لأن حكمها حكم التفسير، يمسك التفسير لا بأس، البخاري أجاز حمل القرآن بعذاقته مستدلاً بإيش؟ قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- ورأسه في حجر عائشة، وهي حائض، فجعل صدره -عليه الصلاة والسلام- الذي فيه القرآن بمثابة الكيس في العَلَاقَة. طالب: من أهل العلم من جوز إدخال المصحف في الخلاء إذا أمن به النجاسة؟ لا، وهو مسمى الخلاء لا يجوز، مسماه لا يجوز؛ لأنه أصل المكان مكان مستقذر للجميع، ما دام تحوطه سور الخلاء فهو في حكمه. طالب:. . . . . . . . . لا، لا، ما دام المغاسل هي خارج سور محل قضاء الحاجة ما في شيء، هم يقولون: إذا خشي عليه السرقة والتلف وما أشبه ذلك، يتجاوزون في ذلك، لكن أمر القرآن عظيم، واحترامه واجب، الشيخ الطنطاوي -رحمه الله- سئل عن الشريط، وحمله لكن جاء باستنباطٍ قريب من استنباط الإمام البخاري، يقول: غلاف الشريط هذا حكم الكيس، الغلاف الأبيض، أما الشريط نفسه هذا حكم ورق المصحف، لكن هل الموجود حروف القرآن في الشريط؟ بحيث لو كبر هذا الشريط مرات متعددة توجد الحروف؟ ومثلها أقراص الحاسب وغيرها. ترجمة الجلالين:

أقول: هذا التفسير المختصر جداً اشترك في تأليفه شخصان: أحدهما: جلال الدين المحلي، والثاني: جلال الدين السيوطي، ومن لقبيهما أُخذ اسم التفسير، جلال الدين، إيش تثنيت جلال؟ نعم فقيل: تفسير الجلالين، أولهما: جلال الدين المحلي، نترجم له باختصار، نقول: هو محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلي الشافعي، ولد بمصر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، واشتغل وبرع في الفنون، وكان -رحمه الله- آيةً في الذكاء والفهم، حتى قال بعض أهل عصره: إن ذهنه يثقب الماس، لكنه مع قوة هذا الفهم والذكاء قال عن نفسه: إنه لم يك يقدر على الحفظ، تعب أراد أن يحفظ كراسة من كتاب تعِب تعَباً شديداً، وأصيب بحرارة فترك الحفظ، نعم يوجد من الناس من يحفظ، لكن فهمه أقل، ويوجد العكس من يفهم، يكون فهمه دقيق، لكن حفظه أقل، ومن الناس من جمع الله له بين النعمتين، يحفظ ويفهم، ومنهم من حرمه الله من النعمتين، فالقسمة رباعية، وكان -رحمه الله- على درجةٍ من الصلاح والورع، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، لا تأخذه في الحق لومةُ لائم، وقد ألّف كتباً كثيرة غاية في التحرير والاختصار والتنقيح، وسلامة العبارة، وحسن المزج منها: شرح جمع الجوامع، شرح الورقات، شرح المنهاج للنووي، القسم الثاني من هذا التفسير، توفي في أول يوم من سنة أربعٍ وستين وثمانمائة، مترجم في كتب الشافعية المتأخرة، وأيضاً مترجم في طبقات المفسرين للداودي، وشذرات الذهب لابن العماد. الثاني: السيوطي، وهو عبد الرحمن بن أبي بكر محمد خضيري السيوطي الشافعي، ولد سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ونشأ يتيماً، قد مات والده وعمره خمس سنوات، وأخذ عن جمعٍ غفير من أهل العلم، كان آية في سرعة الفهم والتأليف، وأخبر عن نفسه أنه كان يحفظ مائتي ألف حديث، حتى قال: لو وجدت أكثر من هذا لحفظته، هذا عنده فهم وحفظ، وادعى لنفسه أشياء، منها أنه مجدد المائة التاسعة، وبينه وبين السخاوي ردود ومناقشات واتهامات، والله المستعان، كل منهما برز في شيء، فالسيوطي برز في كثرة المصنفات في جميع العلوم، فيما يخطر على بال، وما لا يخطر، ألف في كل شيء، زادت مصنفاته على الستمائة، منها ما هو في مجلدات، ومنها ما هو في ورقة.

طالب:. . . . . . . . . يتهم السيوطي يا شيخ بالسرقة و. . . . . . . . . سرقة الكتب؟ طالب: إيه يقول واحد: يا شيخ القراءات يا شيخ، الشيخ قال له: ما في أحد عنده يسوي لك شاي فأعطاه شرح الشاطبية يقرؤه أخذ وراح و. . . . . . . . . أما السرقة، السرقة يأخذ كتاب ليس لغيره بجرمه وهيئته ويدعه! هذا لا، أما كونه يختصر كتب وينسبها إلى نفسه هذا واقع، وهذا هو مراد السخاوي، المقصود أن كلاً منهما أفضى إلى ما قدم، وكل منهما نفع الله به ومن مؤلفاته، وكل منهما لا يسلم أيضاً من انتقاد وملاحظة، والله المستعان. طالب: طلبة العلم في هذا الوقت يتكلمون على السيوطي بكلمات لاذعة، حتى في غير باب العقيدة، يقول لك: هذا مغرور، هذا لا يؤخذ منه، هذا .... أما ما يؤخذ منه فالعلم يؤخذ ممن جاء به، ومن اطلع على ترجمته لنفسه في حسن المحاضرة ادعى لنفسه أشياء الله يعفو عنا وعنه. طالب: من أجمع من ترجم له؟ هو ترجم لنفسه، ترجمةً طويلة. طالب: وغيره؟ ترجم له السخاوي ترجمةً مظلمة، ورد عليه السيوطي بكلامٍ، والله المستعان، الله يعفو. لما بلغ الأربعين السيوطي، نقفل الباب هذا، ما لنا داعي نخوض فيه. طالب:. . . . . . . . . عنده شيء من التصوف، ويصحح بالكشف، وإن ثبت له كتاب الرحمة فالأمر ليس بهين. طالب:. . . . . . . . . لا، لا، المسألة يعني .. ، لكن ما يهمنا تفسيره بالدرجة الأولى.

لما بلغ الأربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله، والاشتغال به، والإعراض عن الدنيا وأهلها، حتى كأنه لم يكن يعرف أحداً، وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس، واعتذر عن ذلك في مؤلفٍ سماه: التنفيس، اعتذر صار ما يفتي ولا يدرس، ولا يجلس إلى الناس، انقطع إلى العبادة والتأليف، خلف مصنفاتٍ كثيرة، ذوات فنون متعددة، فمن أشهرها: الدر المنثور، تفسير بالمأثور، له تفسير يُذكر أنه مطول جداً، لكن ليس عنه خبر، له أيضاً الإتقان في علوم القرآن، وأيضاً له نصيب من هذا التفسير، ومقداره النصف، وله الجامع الكبير والصغير في الحديث، حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، مات ليلة الجمعة التاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، مترجم في حسن المحاضرة له، وفي شذرات الذهب وغيرها. اشترك الجلالان .... طالب:. . . . . . . . . يعني من كثر ما يسمع الجلالين؟ طالب:. . . . . . . . .

فإذا قيل: اشترك الجلالان نبت عن الأسماع، نعم، في تأليف هذا الكتاب رغم اختصاره، فقد ابتدأ الجلال المحلي في النصف الأخير من أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس، ثم ابتدأ بتفسير الفاتحة، وبعد أن أتمها اخترمته المنية فلم يفسر ما بعدها، بدأ من الكهف إلى نهاية الفاتحة، ثم وقف، ثم جاء السيوطي فكمل فابتدأ التفسير من أول تفسير سورة البقرة إلى آخر سورة الإسراء، أما لماذا بدأ المحلي بالكهف ولم يبدأ من الفاتحة، هذا أمر لم يبين، لكن في الغالب أنه يكون عنده تفسير لطلابه، أو لشبههم، يبدأ به في الأول لا يكتب ثم يكتب في الأخير، ثم يعود على بقيه بالكتابة في الغالب، كما بدء تفسير ابن كثير -رحمه الله- بسورة الأنعام، تفسير ابن كثير بدء بسورة الأنعام؛ لأنه كان يلقيه على الطلبة من غير تحرير ولا كتابة، ثم لما أتمّه رجع إلى الأول، وعاد إليه، وهم صاحب كشف الظنون حيث قال: تفسير الجلالين من أوله إلى آخر سورة الإسراء للعلامة المحلي، ولما مات أكمله جلال الدين السيوطي، هذا لا شك أنه وهم، قلب للحقيقة، وسببه، سبب هذا الوهم أن المحلي متقدم على السيوطي، وفي الغالب أن المتقدم يأخذ النصف الأول، وخطؤه ووهمه ظاهر لا يحتاج إلى برهان، يقول السيوطي في مقدمة التفسير، مقدمة تفسيره الذي يبدأ من أين؟ من سورة البقرة، يقول: "هذا ما اشتدت إليه حاجات الراغبين في تكملة تفسير القرآن الكريم الذي ألفه الإمام العلامة المحقق جلال الدين المحلي، وتتميم ما فاته من أول سورة البقرة إلى آخر سورة الإسراء بتتمةٍ على نمطه من ذكر ما يفهم به كلام الله تعالى، والاعتماد على أرجح الأقوال، وإعراب ما يحتاج إليه، وتنبيهٍ على القراءات المختلفة المشهورة على وجهٍ لطيف، وتعبيرٍ وجيز، وتركٍ للتطويل، بذكرٍ أقوالٍ غير مرضية، وأعاريب محلها كتب العربية" ونعرف بهذا منهج السيوطي، أنه احتذى أو حذا حذو المحلي في الاختصار الشديد، واقتصر على ما يفهم به كلام الله -سبحانه وتعالى-، واعتماد على أرجح الأقوال، وإعراب ما يحتاج إليه، يحتاج إليه في معاني الكلمات، معاني الآيات، إعراب ما يحتاج إليه فقط، وترك ما لا يحتاج إليه، وأحال على كتب العربية، ويقول: وتنبيهٍ على

القراءات المختلفة، فأعرب ما يحتاج إليه، ونبه على القراءات المختلفة المشهورة على وجهٍ لطيف، يعني باختصار، وتعبيرٍ وجيز، وترك للتطويل بذكر أقوال غير مرضية وأعاريب محلها كتب العربية، هذا وقد أتم السيوطي تكملته في مدةٍ وجيزة قدرها أربعون يوماً، على قدر ميعاد الكليم كما ذكر ذلك في خاتمة تكملته، في أربعين يوماً، وادعى صاحب كشف الظنون أيضاً أن المحلي لم يفسر الفاتحة، وإنما الذي فسرها هو السيوطي، وهي دعوى غير صحيحة، فقد قال الجمل في حاشيته على الجلالين: "وأما الفاتحة ففسرها المحلي، فجعلها السيوطي في آخر تفسير المحلي لتكون منضمةً لتفسيره، وابتدأ هو من أول سورة البقرة، وقال في خاتمة حاشيته عند نهاية ما كتبه على تفسير سورة الفاتحة: إنه أي الجلال المحلي -كلام الجمل- أنه أي جلال المحلي كان قد شرع في تفسير النصف الأول، وأنه ابتدأ بالفاتحة وأنه اخترمته المنية بعد الفراغ منها، وقبل الشروع في البقرة وما بعدها. العناية بتفسير الجلالين ظاهرة، عني بها أهل العلم فكتبوا عليه الحواشي، لكن بالمقارنة إلى تفسير البيضاوي العناية به أقل بكثير، يعني كتب على تفسير البيضاوي ما يزيد على مائة حاشية طالب:. . . . . . . . . إيه تفسير متوسط، تفسير متوسط فيه فوائد ونكات، ذكرت على سبيل الاختصار، يعني صالح للتدريس في المساجد، لكن معروف أنه على طريقة الأشاعرة في العقيدة، وهو معتنىً به في الأقطار الإسلامية كلها، وله حواشي مطولة وكبيرة ومختصرة وتامة وناقصة، المقصود أن عليه أكثر من مائة حاشية، وما لم يذكر في كتب التراجم الشيء الكثير، يعني يأتي نسخ من تفسير البيضاوي من تركيا عليها حواشي قلمية بالقلم شيء لا يعد ولا يحصى، يعني كل نسخة تأتي من تركيا عليها حاشية، الحواشي أيضاً حاشية القونوي عليها حاشية، قلمية يعني ما هي بمطبوعة، مطولة، وحاشية زاد عليها حاشية، حاشية الشهاب أيضاً كتب عليها الشيء الكثير، من النسخ التي، النسخ الفردية التي تأتي من العلماء في تلك الأقطار، المقصود أن عناية الأمة بتفسير البيضاوي لا نظير لها لأي تفسيرٍ من التفاسير المختصرة التي تقاربه وتساويه في حجمه.

والآن مع الدرس الثاني:

أما تفسير الجلالين فعليه حواشي من أهمها وأجودها حاشية الشيخ سليمان الجمل الشافعي المتوفى سنة أربع ومائتين وألف، وحاشية الصاوي أحمد الصاوي المالكي وهي مختصرة من حاشية الجمل كما نص على ذلك الصاوي في المقدمة، وزادها فوائد وزوائد وطرائف، لكن حاشية الجمل تغني عنها، لا سيما وأنه حشاها بأقوال هذه الزوائد كثير منها من الاصطلاحات الصوفية، والألفاظ البدعية، وفيه أيضاً كلام حول التقليد ينفر منه طالب العلم، يعني في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(23 - 24) سورة الكهف] ولا أدري ما المناسبة؟ يقول: "ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة" يقول الصاوي: "ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، ولو خالف الكتاب والسنة وقول الصحابي؛ لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر" كلام كلام .. ، إضافةً إلى أنه تكلم على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ووصفه بالخروج وغير ذلك. فالحاشية لطالب العلم أن يستغني عنها بما .. ، بأصلها التي هي حاشية الجمل، فهي حاشية نفيسة ومفيدة، فهاتان الحاشيتان مطبوعتان متداولتان، ذكر صاحب كشف الظنون أيضاً أن عليه حاشية لشمس الدين العلقمي سماها: قبس النيرين، فرغ من تأليفها سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، وللشيخ أيضاً علي بن سلطان القاري الملا، المعروف بالملا قاري حاشية سماها: بالجمالين، وطبع الجلالين بالهند وعليه حاشية اسمها: الكمالين على الجلالين، للشيخ المحدث الفاضل الشيخ سلام الله الدهلوي، لشيخنا الشيخ عبد الرازق العفيفي -رحمه الله- تعليقات على مقرر المعاهد العلمية من تفسير الجلالين، نبه فيها على ما وقع في الكتاب من أخطاء عقدية، وله أيضاً تنبيهات لطيفة، وهي مختصرة جداً، على طريقة الشيخ -رحمه الله- فيه كونه لا يرى كثرة التأليف، وكثرة الكلام فرحمه الله رحمةً واسعة، وليته أتم الكتاب، لكن قدر الله، وما شاء فعل، والله المستعان. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والآن مع الدرس الثاني:

سبق القول أنه على التفسير المراد شرحه وتوضيحه أكثر من حاشية، وعرفنا أن أجود هذه الحواشي المطبوعة المتداولة هي حاشية الجمل، حاشية وافية، على ما فيها من خلافٍ في العقيدة، تبعاً للأصل، لكن هي أمثل من حاشية الصاوي، وحاشية الصاوي ذكرت لكم أن فيها بعض الكلام الذي لا يسوغ نقله، فضلاً عن ابتدائه، فقد قال في تفسير سورة الكهف عند قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(23 - 24) سورة الكهف] ماذا قال؟ سبق التنبيه عليه مراراً، لكن لا مانع من إعادته، يقول: "ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافق قول الصحابي والحديث الصحيح والآية" يعني لا يجوز الخروج عن مذاهب الأئمة الأربعة، ولو كان القول الذي صار إليه من انتقل عن المذاهب الأربعة موافقاً لقول الصحابي والحديث الصحيح والآية، يقول: "فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل، وربما أداه ذلك إلى الكفر؛ لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر" نسأل الله العافية. وقال عن الدعوة السلفية المباركة التي انطلقت من هذه البلاد، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قال عنها في تفسير سورة فاطر أشرنا إلى شيءٍ من هذا إجمالاً لكن ننقل كلامه بحروفه، في تفسير سورة فاطر في تفسير قوله تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [(8) سورة فاطر] قال: "وقيل: هذه الآية نزلت في الخوارج الذين يحرفون تأويل الكتاب والسنة، ويستحلون بذلك دماء المسلمين وأموالهم، كما هو مشاهد الآن في نظائرهم، وهم فرقة بأرض الحجاز يقال لهم: الوهابية، يحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون، استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون"، يقول: "نسأل الله الكريم أن يقطع دابرهم" نسأل الله العافية. إضافةً إلى نقوله الكثيرة عن المتصوفة الغلاة ينقل كلامهم مقراً له على جهة الإقرار، ينقله على سبيل الإقرار، بل على سبيل الاستفادة منها، فعلى هذا ينبغي العدول عن مثل هذه الحاشية إلى حاشية الجمل، وإن كان الصاوي أخصر، تقدم القول بأن حاشية الصاوي مختصرة عن حاشية الجمل، فيكتفى بالأصل.

مذهب الجلالين الفقهي والعقدي:

مذهب الجلالين الفقهي والعقدي: مذهب الجلالين الفقهي والعقدي أولاً: المذهب الفقهي هما شافعيان، كما تقدم في ترجمتيهما، وأثر ذلك على فهمهما للنصوص، وترجيحهما في آيات الأحكام، في آية المحاربة يقول السيوطي: " (أو) لترتيب الأحوال، فالقتل لمن قتل فقط، والصلب لمن قتل وأخذ المال، والقطع لمن أخذ المال ولم يقتل، والنفي لمن أخاف فقط، قاله ابن عباس، وعليه الشافعي"، وفي آية: {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(39) سورة المائدة] "في التعبير بهذا ما تقدم، فلا يسقط بتوبته حق الآدمي من القطع ورد المال، نعم بيّنت السنة أنه إن عفا عنه قبل الرفع إلى الإمام سقط القطع، وعليه الشافعي" إلى غير ذلك من المواضع الكثيرة. المحلي يقول في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ} [(49) سورة الأحزاب] يقول المحلي: "أعطوهن ما يستمتعن به، أي إن لم يسمّ لهن صداق وإلا فلهن نصف المسمى فقط، قاله ابن عباس وعليه الشافعي" المقصود أنهما شافعيان، وأثر المذهب على فهمهما للنصوص، ودارا على قول الشافعي أينما دار، كما هو معروف. أما المذهب العقدي .... طالب:. . . . . . . . . بغض النظر عن قولهم عاد راجح ومرجوح، لا. طالب: أحسن الله إليك، كما هو معلوم أن كثير من المحدثين على مذهب الشافعي، ومذهب الشافعية منتشر انتشاراً عظيماً كما في السابق، عليه أكثر العلماء، يقول أحدهم: أن السبب في ذلك أن مذهب الشافعي هو أقرب المذاهب للظاهرية، هل هذا صحيح؟ وما ... شلون أقرب المذاهب إلى الظاهرية؟ طالب: يعني أقرب يعني ما يأخذ إلا من الكتاب والسنة والإجماع والقياس؟ وش يختلف عن أحمد؟ وش الفرق بين الشافعي وأحمد في هذا؟ طالب: أظن أن أحمد يا شيخ يرى بعض الأدلة الأخرى غير هذه كالاستصحاب وقول الصحابي. طيب، الشافعية قولهم أقوى في قول الصحابي من قول الحنابلة.

طالب: إذاً السائل هذا أخطأ، إذاً ما سبب انتشار مذهب الشافعي لا سيما عند كثيرٍ من العلماء خاصة المحدثين؟ السبب الرئيس في انتشار المذاهب واتساعها أولاً: نعرف أن المذهب الحنفي هو أوسع المذاهب انتشاراً، هو أوسع المذاهب انتشاراً، ثم يليها الشافعي، ثم المالكي، ثم الحنبلي، هناك مذاهب أخرى انقرضت مثل مذهب الثوري، ومذهب الطبري، ومذاهب انقرضت، لكن المذاهب الباقية أوسعها انتشاراً مذهب الحنفية، ثم الشافعية ثم المالكية، ثم الحنابلة، السبب في هذا تبنّي الدول لهذه المذاهب، فالمذهب الذي تتبناه دولة ينتشر، والمذهب الذي لا تنوء به دولة يكاد أن ينقرض؛ لأن الدول إذا تبنّت المذهب أوقفت عليه الأوقاف، وصرفت له الأموال، ووظفت عليه الوظائف، حتى في كثيرٍ من العصور، في كثير من البلدان لا يولى القضاء إلا حنفي، فيضطر الناس أن يكونوا حنفية، في بعض البلدان مثل المشرق قاطبة كلها، المشرق كله حنفية، المغرب مالكي، والوسط غالبه شافعي، المذهب الحنبلي قليل جداً بالنسبة للمذاهب الأربعة، وإن كثر في بعض الأوقات دون بعض. أما المذهب العقدي بالنسبة للجلالين فقد سلكا مسلك التأويل لكثير من الصفات التي يؤولها الأشاعرة، من الأمثلة على ذلك: {إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ} [(210) سورة البقرة] أي أمره {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [(88) سورة القصص] أي إلا إياه {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [(67) سورة الزمر] بقدرته {وَجَاء رَبُّكَ} [(22) سورة الفجر] أي أمره، ومثل هذا كثير، أما آيات الاستواء على العرش معروف مذهب الأشاعرة في الاستواء أنهم يقولون: استولى، إيش عندك يا أشرف؟ طالب: يا شيخ أحسن الله إليك آخر سورة القصص {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [(88) سورة القصص] في قول السلف يا شيخ يقولون: عبر هنا بالوجه عن الذات، فهل يوافقونهم في ذلك يا شيخ؟ هناك آيات فيها بعض الألفاظ الموهمة بأنها من آيات الصفات، وهي في الحقيقة ليست من آيات الصفات. طالب: يا شيخ هذه الآية؟

الكلام على الاستعاذة والبسملة:

إيه {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [(115) سورة البقرة] هذه آيات صفات؟ في آيات مشبهة لآيات الصفات، وآيات يتنازع فيها العلماء هل هي من هذا أو من هذا؟ لكن الآيات التي اتفق على أنها من آيات الصفات يتفق السلف على أنها كما قالوا: تمر كما جاءت، وأن الله -سبحانه وتعالى- يوصف بما وصف به نفسه، آيات الاستواء السبع في القرآن جاءت هكذا {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(54) سورة الأعراف] قال: "هو في اللغة سرير الملْك أو الملِك، استواءً يليق به" في الموضع الثاني: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(3) سورة يونس] "استواءً يليق به" في الثالث: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طه] "استواءً يليق به" {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [(59) سورة الفرقان] "استواءً يليق به" {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [(4) سورة السجدة] "استواءً يليق به" .. الخ، كلها قالوا فيها: يليق به. الآن الأشاعرة وغيرهم من المبتدعة هل هم على وتيرة في الإثبات والنفي؟ أو أنهم يختلفون بعضهم يثبت أكثر من غيره، وبعضهم ينفي أكثر، حتى ممن ينتسب إلى السنة قد يؤول شيء يسير من الصفات مما يحتمل التأويل، من ينتسب إلى السنة قد ينكر ما أثبته غيره إما لعدم ثبوت الدليل عنده، وإما لقوة المعارض عنده، المقصود أن جميع الطوائف فيهم المغرق، وفيهم المعتدل، فمثل هذا القول يعد اعتدال بالنسبة لمذهب الأشاعرة، الأشاعرة كما تعلمون منهم من يثبت سبع صفات، ومنهم من يثبت عشرين صفة، وينفي ما عداها، المقصود أن الجلالين مشيا على مذهب التأويل في الغالب، أما في مسألة الاستواء فقالا: "استواءً يليق به" ما دام قالوا: "استواءً يليق به" أهل السنة يقولون بذلك. الكلام على الاستعاذة والبسملة:

عندنا مسألتان الاستعاذة والبسملة، والبحث فيهما طويل جداً، طويل الذيول، والمطولات من كتب التفسير بسطوا القول فيهما، فممن بسطه القرطبي في تفسيره، والحافظ ابن كثير، والرازي، وأيضاً الطبري، لكن كلامهم كأنه أنظم وأرتب، كلام القرطبي والرازي أنظم من ابن كثير؛ لأن ابن كثير قدم وأخر وأشياء، وأما الطبري فعلى طريقة المتقدمين في عدم الدقة في الترتيب، ما يعتنون في كون الترتيب يوافق ترتيب المناطقة في تقديم بعض الأشياء، وتأخير بعض الأمور، المقصود أن التفاسير الأربعة كفيلة وحافلة بهذه المباحث، في الاستعاذة جاء قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [(98) سورة النحل] وجاء قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [(200) سورة الأعراف] وجاء أيضاً قوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} [(97 - 98) سورة المؤمنون] وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [(36) سورة فصلت] معنى الاستعاذة: الالتجاء إلى الله -سبحانه وتعالى-، والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر، والعياذة إنما تكون لدفع الشر، كما أن اللياذة لطلب الخير، العياذ والعياذة: إنما تكون لدفع الشر، بخلاف اللياذ الذي يكون لجلب الخير وطلبه.

حكم الاستعاذة:

فمعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أستجير به وألتجئ إليه من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه، فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله -سبحانه وتعالى-، والشيطان مشتق، فعلان مشتق: إما من شطن إذا بعد، أو من شاط إذا احترق، فالشيطان بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير، منهم من قال: إنه مشتق من شاط إذا احترق؛ لأنه مخلوق من نار، لكن الأول أصح، لماذا؟ لأن الشيطان يطلق على الإنسي أيضاً، فإذا قلنا: أن الشيطان مشتق من شاط إذا احترق؛ لأنه مخلوق من نار يدخل في هذا الإنسي؟ ما يدخل فيه الإنسي؛ لأنه يطلق على الإنسي وليس من نار، كما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [(112) سورة الأنعام] في المسند من حديث أبي ذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا ذر تعوّذ بالله من شياطين الإنس والجن)) فقلت: أو للإنس شياطين؟ قال: ((نعم)). والرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي مرجوم، فهو مطرود عن الخير كله، قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ} [(5) سورة الملك] وقيل: فعيل رجيم، فعيل بمعنى فاعل، فهو راجم، كونه مرجوم ظاهر، لكنه كونه راجم؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس؛ لأنه يرجم الناس ويرميهم بالوساوس، لكن الأول أشهر. حكم الاستعاذة:

حكم الاستعاذة: جماهير العلماء على أن الاستعاذة مستحبة وليست بواجبة، الاستعاذة مستحبة والإتيان بها سنة وليست بواجبة عند جماهير العلماء، حكى الرازي عن عطاء بن أبي رباح القول بوجوبها، واستدل له بظاهر الأمر في الآية: {فَاسْتَعِذْ} [(98) سورة النحل] وبمواظبة النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها؛ ولأنها تدرأ الشيطان، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، الجمهور على أنها مستحبة، نقل عن عطاء القول بوجوبها عند كل قراءة، وعند ابن سيرين أنه إذا استعاذ مرةً واحدة في عمره كفاه، سقط الوجوب عنه، حكي عن الإمام مالك أن المصلي لا يتعوذ في المكتوبة، ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلةٍ منه، الاستعاذة مستحبة عند جماهير العلماء على ما ذكر، فهل يستعيذ عند كل قراءة؟ وفي كل ركعة؟ الاستعاذة مستحبة، وفي كل ركعة، وهل يستعيذ للفاتحة والسورة؟ أم يقتصر على الاستعاذة في الركعة الأولى في سورة الفاتحة فقط؟ اختلف العلماء هل يتعوذ فيما عدا الركعة الأولى أو لا؟ على قولين مبناهما على الاستعاذة هل هي للصلاة وهل هي للقراءة؟ الاستعاذة للصلاة أو للقراءة؟ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] فعلى هذا هي للقراءة، إذا قلنا: إنها للصلاة صارت تابعة للاستفتاح، وليست تابعة للقراءة، فعلى هذا يستعيذ من لا يرى قراءة الفاتحة من مأموم وغيره، يستفتح ويستعيذ ويترك، يقف، وإذا قلنا: إن الاستعاذة للقراءة فعلى هذا يقرأ يستعيذ في كل ركعة، إذا قلنا: إن الصلاة فيها أكثر من قراءة، أما إذا قلنا: إن القراءة في الصلاة حكمها واحد فيستعيذ مرة واحدة، فإذا قلنا: إن القراءة في جميع الصلاة قراءة واحدة، أو قراءات متعددة بينها فواصل يترتب على هذا أننا إذا قلنا: قراءة واحدة يستعيذ مرة واحدة في الركعة الأولى، وإذا قلنا: قراءات متعددة، كل ركعة قراءتها مستقلة فيستعيذ فيها.

وجماهير العلماء على أن الاستعاذة لدفع الوسواس في القراءة، فعلى هذا تكون قبل التلاوة، الأمر في الآية: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] وعرفنا أن قول الجمهور أن الاستعاذة إنما تكون بعد القراءة وإلا قبلها؟ قبل القراءة، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] إذا قرأت، قرأ: فعل ماض، معناه إذا فعلت وانتهيت، هذا ظاهر اللفظ، وقيل بهذا، لكن الجمهور قالوا: إن المراد بقوله: إذا قرأت، إذا أردت القراءة، كما في قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] يعني إذا أردتم القيام، يطلق الفعل ويراد به إرادته، ويطلق الفعل ويراد به الفراغ منه، ويطلق الفعل ويراد به الشروع فيه، ((إذا كبر فكبروا)) معناه إذا فرغ من التكبير فكبر، ((إذا كبر فكبروا)) يعني إذا فرغ من التكبير فكبروا، لكن ((إذا ركع فاركعوا)) نقول: إذا فرغ من الركوع فاركعوا؟ أو إذا شرع في الركوع فاشرعوا فيه؟ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] يعني إذا أردتم فيطلق الفعل ويراد به إرادته، ويراد به الفراغ منه، ويراد منه الشروع فيه. طالب:. . . . . . . . . نعم، السياق، السياق هو اللي .. ، والنصوص الأخرى.

صيغة الاستعاذة:

قالت طائفة: إنما تكون الاستعاذة بعد القراءة، يعني بعد الفراغ منها، اعتمدوا على ظاهر سياق الآية، ظاهر السياق يدل على هذا، ولدفع الإعجاب بعد الفراغ من هذه العبادة، ولدفع الإعجاب بعد الفراغ من هذه العبادة، وسبب الإعجاب الشيطان، وممن قال بذلك حمزة وأبو حاتم السجستاني، ونقله الرازي في تفسيره عن ابن سيرين، في رواية عنه، وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الظاهري، نعم هو لائق بمذهب داود، ونقل عمن ذكر سواه، ابن العربي في تفسيره في أحكام القرآن قال: "ومن أغرب ما وجدناه -في الجزء الثالث (صفحة 1063) - يقول: "ومن أغرب ما وجدناه قول مالك في المجموعة في تفسير هذه الآية: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] .. الآية، قال: بعد قراءة أم القرآن لمن قرأ في الصلاة، بعد قراءة أم القرآن لمن قرأ في الصلاة، هذا قول مالك، يقول ابن العربي: "وهذا قول لم يرد به أثر، ولا يعضده نظر، ولو كان هذا كما قال بعض الناس أن الاستعاذة بعد القراءة لكان تخصيص ذلك بقراءة أم القرآن في الصلاة دعوى عريضة، لا تشبه أصول مالك، ولا فهمه، والله أعلم بسر هذه الرواية" معروف أن الإمام مالك لا يرى الاستعاذة، ولا يرى بسملة، ولا يرى استفتاح، ثم بعد ذلك يقول: إنه يستعيذ بعد الفراغ من الفاتحة؟ يقول: هذا قول لا يعضده أثر، ولا يؤيده نظر، يقول: "فالله أعلم بسرّ هذه الرواية". صيغة الاستعاذة: صيغة الاستعاذة: تسمعون من يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، والأمر {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [(98) سورة النحل] فيه السميع العليم؟ في غير آية القراءة، في غير آية القراءة فيه {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [(36) سورة فصلت] يقول الحافظ ابن الكثير في تفسيره: إذا قال المستعيذ ... طالب:. . . . . . . . .

نعم، هذه بعد هذه، منهم من يقول: هذا خاص بصلاة الليل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، يقول الحافظ ابن كثير: "إذا قال المستعيذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة، وقال القرطبي: وهذا هو الذي عليه الجمهور من العلماء؛ لأنه لفظ كتاب الله تعالى، وزاد بعضهم: أعوذ بالله السميع العليم، وقال آخرون: بل يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم، هذا قال به الثوري والأوزاعي، وحكي عن بعضهم أنه يقول: أستعيذ بالله، ما يقول: أعوذ بالله، أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لأي شيء؟ لمطابقة الأمر في الآية، فليستعذ، فيقول: أستعيذ، لكن الأحاديث الصحيحة أولى بالاتباع من هذا، المقصود أن الأمر (فليستعذ) أمر بإيجاد الاستعاذة، والاستعاذة كما تقول في البسملة، الاستعاذة كالبسملة والحوقلة وغيرها، فإذا قيل لك: أستعذ، تقول: أستعيذ، وإذا قيل: بسمل، تقول: أبسمل، الذي قال: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لمطابقة أمر الآية إذا قيل له: بسمل، هل يستطيع أن يقول: أبسملة ليمتثل الأمر، أو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فدل على أن البسملة عنوان على بسم الله الرحمن الرحيم كما أن الاستعاذة عنوان على أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والحوقلة عنوان على لا حول ولا قوة إلا بالله، إلى غير ذلك من العناوين التي تدل على بعض الجمل. طالب: أحسن الله إليكم، ما هو الصارف بالاستعاذة من الوجوب إلى السنية؟ الصارف؟ جاء الأمر بها، والأمر الأصل فيه الوجوب {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] ما الصارف لهذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب عند جمهور العلماء؟ عرفنا أن في من يقول بالوجوب، لكن الجمهور صرفوه إلى الاستحباب، الصارف أن أصل القراءة، الأصل –أصل القراءة- هو واجب وإلا سنة؟ واجب وإلا مستحب؟ والاستعاذة إنما هي من أجل القراءة، فإذا كانت الاستعاذة من أجل المستحب، الاستعاذة ليست مطلوبة لذاتها، وإنما هي مطلوبة لغيرها، وإذا كان ذلك الغير مستحباً فما طلب من أجله من باب أولى، هذه عند الجمهور، نعم. طالب:. . . . . . . . .

الكلام على البسملة:

لا، هو إذا صرف الأمر في الآية صار حكمه عاماً مضطرداً، ولذا صرف في بعض صوره وهو الكثير الغالب صار الحكم مطرداً؛ لأنه لفظ واحد، لا يستعمل اللفظ الواحد في أكثر من معنى. الكلام على البسملة: بعد هذا البسملة، البسملة عنوان على قول: بسم الله الرحمن الرحيم، الاسم هل هو مشتق من السمو، وهو العلو، أو من السمة وهي العلامة؟ قولان مشهوران عند أهل العلم، قال بالأول البصريون، وبالثاني قال الكوفيون، وقول البصريين أصح؛ لأنه يقال في تصغير الاسم: سُمي، ويقال في جمعه: أسماء، والتصغير يرد الحروف إلى أصولها، ولا يقال: وسيم ولا أوسام، يمكن أن تدخل العلامة والسمة، أو يدخل الاسم في باب السمة في الاشتقاق الأكبر وإلا الأصغر؟ إذا اتفق الأصل مع الفرع في مجموع الحروف ولو اختلف ترتيبها؟ هذا نوع من أنواع الاشتقاق، إذا اتفقا معه في الحروف وترتيبها، وإن زاد بعضها عن بعض لكن على نفس الترتيب هذا نوع أيضاً من أنواع الاشتقاق، فهنا الاسم والوسم، الاسم والسمة يتفقان في غالب الحروف مع الاختلاف في الترتيب، هذا يسمى الاشتقاق الأصغر.

الاسم هل هو المسمى أو غير المسمى؟ هل هو عينه أو غيره؟ أولاً: الخلاف حادث وطارئ هذا من جهة، الأمر الثاني: من قال: إن الاسم عين المسمى لا يقصد أن هذه الحروف هي عين المسمى بها، والذي قال غيره لا يقصد أن للاسم ذات تمكن رؤيتها والإشارة إليها، والإشارة إليها ومخاطبتها دون مسمى، فأقوال العلماء في هذا طويلة وعريضة، وأدلتهم كثيرة لكن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: النزاع في ذلك اشتهر بعد الأئمة، بعد أحمد وغيره، والذي كان معروفاً –كلام شيخ الإسلام- والذي كان معروفاً عند أئمة السنة أحمد وغيره الإنكار على الجهمية الذين يقولون: أسماء الله مخلوقة، فيقولون: الاسم غير المسمى، وأسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق، يعني إنكار الأئمة في هذه المسألة منصب على أسماء الله -سبحانه وتعالى- وأنها غيره عند الجهمية ليتوصلوا بذلك إلى كونها مخلوقة، وقال -رحمه الله تعالى-: يروى عن الشافعي والأصمعي وغيرهما القول: إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة، ثم قال: ولم يعرف أيضاً عن أحد من السلف أنه قال: الاسم هو المسمى، بل هذا قاله كثير من المنتسبين إلى السنة بعد الأئمة، وأنكره أكثر أهل السنة عليهم، ثم منهم من أمسك عن القول في هذه المسألة نفياً وإثباتاً، يقول: لا أقول: الاسم عين المسمى ولا غيره، إذا كان كل من الإطلاقين بدعة، كما ذكره الخلال عن إبراهيم الحربي وغيره، وقال -رحمه الله-: والذين قالوا: إن الاسم هو المسمى لم يريدوا بذلك أن اللفظ المؤلف من الحروف هو نفس الشخص المسمى به، فإن هذا لا يقول عاقل، ولهذا لو كان المراد بالقول الاسم نفس المسمى وعينه لكان من قال: نار احترق لسانه، هل يقول بهذا قائل؟ هل يقول شخص: لو كتب محمد في ورقة قال: هذا هو ولدي أو أخي أو ابني؟ يشير إلى هذه الورقة أن هذا هو ابنه؟ ما يقول بهذا عاقل، يقول الشيخ -رحمه الله-: ومن الناس من يظن أن هذا مرادهم، بعض المبتدعة يقولون بالنسبة لمن ينتسب إلى السنة ممن يقول بهذا القول أن الاسم عين المسمى ومراده بذلك نقل قول الجهمية الذين يقولون: إنه غير المسمى ليتوصلوا أن أسماء الله مخلوقة، بعض الناس يرمي من قال: بأن الاسم

عين المسمى ويقول: إن هذا هو مرادهم، مرادهم أن الحروف هي ذات المسمى، هي عينه، يقول: ويشنع عليهم وهذا غلط عليهم، بل هؤلاء يقولون: اللفظ هو التسمية، والاسم ليس هو اللفظ، بل هو المراد باللفظ، يقول: فإنك إذا قلت: يا زيد، يا عمرو، فليس مرادك دعاء اللفظ، يعني إذا قلت: يا زيد هل مرادك أن هذه الحروف تحضر عندك؟ أو أن الشخص المسمى بهذا الاسم هو المدعو والمنادى؟ فليس مرادك دعاء اللفظ، بل مرادك دعاء المسمى باللفظ، وذكرت الاسم فصار المراد بالاسم هو المسمى، إذا عُرف هذا فقد ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام وهو من أئمة أهل السنة إلا أن اسم الشيء هو عينه وذاته، واسم الله هو الله، وتقدير قول القائل: باسم الله أفعل، أي بالله أفعل، واستدل بقول لبيد. إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبكِ حولاً كاملاً فقد اعتذر ثم اسم السلام، يعني ثم السلام عليكم، حقيقةً النصوص جاء فيها ما يدل على أن الاسم لفظ الاسم مراد أحياناً وما يدل على أن لفظ الاسم غير مراد، فمثلاً {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [(74) سورة الواقعة] جاء في الأولى: ((اجعلوها في سجودكم)) وفي الثانية: ((اجعلوها في ركوعكم)) هل الساجد يقول: سبحان اسم ربي الأعلى أو يقول: سبحان ربي الأعلى؟ كما بينت السنة؟ سبحان ربي الأعلى، هل الراكع يقول: سبحان اسم ربي العظيم أو يقول: سبحان ربي العظيم؟ ...

سورة الفاتحة (2)

تفسير الجلالين - سورة الفاتحة (2) الكلام على لفظ الجلالة (الله) - الكلام على الرحمن الرحيم - الخلاف في البسملة - الجهر بالبسملة - سورة الفاتحة - ما ورد في فضل الفاتحة - الكلام على [الحمد لله] الشيخ: عبد الكريم الخضير ففي مثل هذه النصوص يدل على أن الاسم المراد به الله -سبحانه وتعالى-، فالمراد به ذكر الله لا ذكر الاسم، في بعض النصوص دل على أن لفظ الاسم مراد، فإذا قيل: سم الله وكل، تقول بالله أو بسم الله؟ بسم الله، منهم من يقول: إن الاسم صلة، وهو قريب من قول أبي عبيد، فالمراد بقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] سبح ربك الأعلى، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [(78) سورة الرحمن] أي تبارك ربك، قال شيخ الإسلام: "والتحقيق أنه ليس بصلة، بل المراد .. إيش معنى الصلة؟ يعني زايد، تشبيهاً له بصلة الموصول التي لا محل لها من الإعراب، لكن هل في القرآن على وجه الخصوص ما يمكن أن يقال: إنه صلة أو زائد؟ طالب: تأدباً مع القرآن، في بعض الحروف موقعها الإعرابي لو كانت في غير القرآن تكون زائدة، ولكن العلماء تأدباً مع القرآن لا يقولون: إن في القرآن حروف زائدة يقولون: صلة؛ لأن الصلة في الإعراب لا محل لها؟ إيه، لكن هل هي زائدة من كل وجه؟ يعني حذفها ووجودها سواء؟ طالب: في القرآن لا، القرآن ما نستطيع نحذف، لكن لو كانت ... لكن من حيث الإعراب هي لا محل لها من الإعراب. طالب: لو قلنا: ليس كمثله شيء، مثلما نقول: ليس مثله شيء في غير القرآن، لكن في القرآن ما نستطيع نحذف الكاف لأنه محفوظ، لفظه محفوظ، بالإضافة إلى أننا متعبدين بتلاوة هذا الحرف؟ إيه، لكن الكاف في {لَيْسَ كَمِثْلِهِ} [(11) سورة الشورى] لها معنى وإلا ليس لها معنى؟ لها معنى. طالب: ما يستغنى عنه لو كان في كلامٍ غير القرآن؟ ليس مثله شيء؟ لكن أيهما أبلغ أن تقول: ليس كمثله شيء، أو ليس مثله شيء؟ طالب: في غير القرآن؟ في غير القرآن، نعم. هو من ضمن كلامهم أنها زائدة سواء. كلام أهل اللغة يقولون: إنها زائدة، يعني يستوي ...

أما من حيث الإعراب فقد أثرت في مدخولها فجرته، هذا من حيث الإعراب، وأما من حيث المعنى فنفيه مثل المثل أبلغ من نفيه المثل، نفي مثل المثل أبلغ من نفي المثل، وهذا ظاهر، ما يقول .. ، أبلغ بلا شك، فوجودها من حيث المعنى أبلغ من عدمها، ليست كما يقولونه: إن وجودها وإثبات وجودها في المعنى خطأ، لماذا؟ لأنهم يقولون: إن وجودها يثبت المثل، نقول: لا، هذا الكلام ليس بصحيح، يقول: إذا قلت: ليس مثل مثل الله شيء، فأنت تثبت لله مثل، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، نقول: إن نفي مثل المثل أبلغ من نفي المثل. طالب: مثال آخر، أقول: في مثال آخر؟ على إيش؟ طالب: في الحرف الزائد؟ {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ} [(155) سورة النساء] الأصل: فبنقضهم. طالب: هل (فبنقضهم) تستوي في اللغة في غير القرآن كـ (فبما نقضهم)؟ هذا الجواب عليك، ابحث، ما تستفيد؟ إيه. طالب: في كتب اللغات وإلا كتب التفسير؟ ابحث، ابحث عندك ما شاء الله الكتب كلها. يقول: "والتحقيق أنه ليس بصلة، بل المراد تسبيح الاسم كما أمر بذكر اسمه، والمقصود بتسبيحه وذكره وتسبيح المسمى وذكره، فإن المسبح والذاكر إنما يسبح اسمه، ويذكر اسمه فيقول: سبحان ربي الأعلى" كلام الشيخ هنا، يقول: "والتحقيق أنه ليس بصلة" المسألة دقيقة يالإخوان، قال: "منهم من قال: إنه ليس بصلة، فالمراد بقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] سبح ربك، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [(78) سورة الرحمن] تبارك ربك، شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: "والتحقيق أنه ليس بصلة" الآن امتثال الأمر: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [(1) سورة الأعلى] هل الآن امتثال الأمر يتم بقولك: سبحان اسم ربي، أو سبحان ربي؟ سبحان اسم ربي؟ طالب:. . . . . . . . . إيه، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] هل الامتثال يتم بقولك: سبحان اسم ربي، أو سبحان ربي؟ طالب: على كلام الرازي. . . . . . . . . وعلى كلام شيخ الإسلام أنها ليست اسم، كلمة اسم ...

لكن انظر آخر كلامه، يقول: "والتحقيق أنه ليس بصلة، بل المراد تسبيح الاسم" تابع: "كما أمر بذكر اسمه والمقصود بتسبيحه وذكره هو تسبيح المسمى، فإن المسبح والذاكر إنما يسبح اسمه، ويذكر اسمه، فيقول: سبحان ربي الأعلى، ما قال: سبحان اسم ربي الأعلى" إيش الكلام هذا؟ طالب: ما صرح، وأحس في فهمي القاصر؛ لأنه قال: فالمراد أنه يسبح المسمى، وبعدين قال: يسبح باسمه؟ هو أمر بذكر الاسم، وأمر بتسبيح الاسم، والمراد تسبيح المسمى، الشيخ يرد على من يقول: إن الاسم صلة، الذي يقول: إن الاسم صلة واضح كلامه ما فيه إشكال {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] تقول: سبحان ربي الأعلى ما تقول: سبحان اسم ربي الأعلى. إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... . . . . . . . . . يعني السلام عليكم، نعم هذا كلام أبي عبيدة الأول، والثاني عند من يقول: إنه صلة، وهو قريب من كلام أبي عبيد، شيخ الإسلام -رحمه الله- صفحة تسعة وتسعين ومائة من الجزء السادس يقول: "والتحقيق أنه ليس بصلة، بل المراد تسبيح الاسم، كما أمر بذكر اسمه، والمقصود بتسبيحه وذكره هو تسبيح المسمى، يقول: إنه لا يريد الاسم لذاته، وإنما يريد الاسم لمسماه، تسبيح الاسم لوقوعه على مسمى، أنت لا تسبح الحروف اسم، إنما تسبح المسمى بهذا الاسم. بعد هذا يقول الشيخ -رحمه الله-: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] هو قراءة بسم الله في أول السور، وهذه الآية تدل على أن القارئ مأمور بأن يقرأ باسم الله، وأنها ليست كسائر القرآن، بل هي تابعة لغيرها، وهنا يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، على هذا من قال: بسم الله الرحمن الرحيم من غير مناسبة يؤجر وإلا ما يؤجر؟ من غير مناسبة، لا لأكل ولا لقراءة ولا لذبح ولا لوضوء ولا لغير ذلك، لغير مناسبة؟ يعني إذا قلنا: أنها قرآن مستقل قلنا: يؤجر، كل حرف عشر حسنات، وإذا قلنا: كما يقول الشيخ: وأنها ليست كسائر القرآن بل هي تابعة لغيرها، وهنا يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، والخلاف في كونها آية أو ليست بآية سيأتي يعني بسطه -إن شاء الله-.

بل هي تابعة لغيرها، وهنا يقول: باسم الله الرحمن الرحيم، كما كتب سليمان، وكما جاءت به السنة المتواترة وأجمع المسلمون عليه، فينطق بنفس الاسم الذي هو اسم المسمى، لا يقول: بالله الرحمن الرحيم. يعني الله -سبحانه وتعالى- حينما يقول: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] هل الاسم مراد ذكره أو ليس بمراد؟ إذاً تقول: باسم الله ما تقول: بالله الرحمن الرحيم، وهذا يدل على أن لفظ الاسم أحياناً يكون مراد ومقصود، وأحياناً بعض النصوص تدل على أنه ليس بمراد، دقيقة جداً. الخلاصة أن الحروف الألف والسين والميم غير مسمى باعتبار أن من يطلق هذا الاسم لا يريد إلا مسماه وكما تقدم في قولهم: أن من قال: نار لا يحترق لسانه، وإنما يدل على المسمى، فالمراد بالاسم المسمى كما في النداء، فإذا قيل: يا محمد لم يرد بذلك الحروف فقط، وإنما يراد المسمى بهذا الاسم،. . . . . . . . . والاسم هو عين التسمية، وهو عين المسمى باعتبار وغيره باعتبار، والباء للاستعانة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: ابدأ أو اقرأ أو ابتدائي أو قراءتي أو باسم الله ابدأ تقدره متقدماً أو متأخراً، وإن قدرته متأخر وهو اسم وليس بفعل، إذا قلت: ابدأ باسم الله الرحمن الرحيم، قدرت فعل متقدم، أو تقول: ابتدائي باسم الله الرحمن الرحيم، قدرته اسم متقدم، إذا قلت: باسم الله الرحمن الرحيم ابدأ قدرته فعل متأخر، وإذا قلت: بسم الله الرحمن الرحيم ابتدائي، أربع صور؟ أيها أبلغ؟ ابدأ بسم الله الرحمن الرحيم فعل متقدم، ابتدائي بسم الله الرحمن الرحيم اسم متقدم، المتعلق، بسم الله الرحمن الرحيم ابدأ المتعلق فعل متأخر، بسم الله الرحمن الرحيم ابتدائي اسم متأخر، أيها أبلغ؟ فعل متأخر، لاحظوا يا لإخوان، لا تستعجلوا، لماذا صار الفعل المتأخر أبلغ؟ طالب:. . . . . . . . .

الكلام على لفظ الجلالة (الله):

إيه تقديم المعمول على العامل يدل على إيش؟ يفيد الحصر، وهذا مقصود، لكن كونه فعل أو اسم أيهما أبلغ؟ سلام الملائكة أو سلام إبراهيم؟ {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [(25) سورة الذاريات] المفسرون يتفقون على أن سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة، لماذا؟ لأن سلام الملائكة منصوب، وهو مصدر والمصدر نائب عن فعل، وسلامٌ اسم والاسم أبلغ من الفعل؛ لأن الاسم يدل على الاستمرار بخلاف الفعل الذي يدل على التجدد، وحينئذٍ يكون الأبلغ تقدير المتعلق متأخر ليفيد الحصر، واسم أيضاً يدل على الاستمرار. طالب:. . . . . . . . . أو قراءتي أو ما أشبه، أو أكلي أو شربي .. إلخ. والله: علم على الذات الإلهية -ترى باقي كلام كثير في البسملة- يقال: إنه الاسم الأعظم؛ لأنه يوصف بجميع الصفات، ويتبعه جميع الأسماء، كما في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ} [(22 - 23) سورة الحشر] ... إلخ. طالب: بالنسبة لـ (باسم فلان)؟ الجار والمجرور متعلق بأي شيء؟ طالب: مثلاً باسم مثلا ًالأمير الفلاني أو الملك الفلاني؟ إذا كان استعانة لا يجوز، إذا كانت الباء للاستعانة لا يجوز، هذا معناه، يعني مشابهةً بسم الله -سبحانه وتعالى- لا يجوز. طالب: باسمكم جميعاً مثلاً نحيي فلان .... إيه، متعلق بنحي، كونك تحيي أنت وهم ما فيها شيء، ما في بأس. طالب:. . . . . . . . . كونك تستعيذ بسم الله الرحمن الرحيم تقول: بسم فلان بن فلان. طالب: تقول: بسم فلان نفتتح هذا المجلس. شلون باسمه؟ إيش معنى باسمه؟ طالب:. . . . . . . . . لا ما ينفع، هذا ما ينفع، شوف الحرف الذي أنت أدخلته، الباء وش معناها هنا؟ الكلام على لفظ الجلالة (الله):

لفظ الجلالة (الله) هو أعرف المعارف على الإطلاق عند سيبويه، عند غيره من النحاة أعرف المعارف الضمير، يذكر أن سيبويه رؤي في المنام فقيل له: بم صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي، فقيل لي: بم؟ فقال: بقولي: الله أعرف المعارف، وهذه حكاية لا يترتب عليها شيء، لكن هذا قول وهو حري وجدير بأن يكون راجحاً، ولم يسمّ به غيره -سبحانه وتعالى-، لا في جاهلية ولا في الإسلام. اختلف العلماء هل لفظ الجلالة مشتق أو غير مشتق؟ فمن قال: إنه مشتق قال: إنه مشتق من وله إذا تحير، والوله ذهاب العقل، فالله -سبحانه وتعالى- تتحير العقول في حقائق صفاته، ومعرفة كنه ذاته، وقيل: مشتق من أله الرجل إذا تعبد، وتأله إذا تنسّك، ومنه قوله تعالى: {وَيَذَرَكَ وإلآهتك} [(127) سورة الأعراف] أي عبادتك، وقيل: مشتق من ألهت فلان إذا سكنت إليه، فالعقول لا تسكن إلا إلى ذكره، ومنهم من يقول: هو علم غير مشتق، وهو قول الخليل وسيبويه، ونقل الرازي عن أكثر الفقهاء والأصوليين، ودليل ذلك أنه لو كان مشتقاً لاشترك في معناه كثيرون؛ ولأن بقية الأسماء تذكر صفات له، فتقول: الله الرحمن الرحيم الملك القدوس .. الخ، هذه أدلتهم على أنه ليس بمشتق، أنه علم غير مشتق، لكن كثير من أهل العلم يرون أنه مشتق، مشتق من أحد ما تقدم، المشتق له أصل، فالمشتقات كلها إنما تؤخذ من إيش؟ الأصل إش هو؟ الفعل هو الأصل؟ المصدر. . . . . . . . . . ... وكونه أصلاً لهذين انتخب

فالمصدر هو الأصل، فالله مشتق من مصدر، من الإلهية أو الألوهية، وإذا قلنا: إنه مشتق وله أصل قلنا: بأن الألوهية والإلهية متقدمة على ما اشتق منه، كما هو الشأن في المصادر وما اشتق منها، فالأصل متقدم على فرعه، وبهذا يمنع كونه مشتقاً، لكن الذين قالوا: بأنه مشتق يقولون: هذا الميزان في لغة العرب، أما كونه متقدم أو متأخر فهذه مسألة أخرى، لكن ميزانه في لغة العرب من المشتقات، وهو مشتق من كذا باعتبار الوزن العربي، ولا يلزم عليه أن يكون مصدره متقدماً عليه، إذا قلنا: ضرب زيد عمراً، هل نقول: إن ضَرَبَ قبل الضرب أو بعده؟ بعد الضرب، إنما يعبر بالفعل بعد المصدر، فعلى هذا منعوا كونه مشتقاً، فقالوا: إن المشتق له أصل والأصل متقدم على غيره، والله -سبحانه وتعالى- لم يتقدمه شيء، والذين قالوا: بأنه مشتق أبدوا أكثر من وجه للاشتقاق، وقالوا: إن المقصود من كونه مشتقاً أن هذا ميزانه في لغة العرب، وأما كونه سابق أو مسبوق فهذه مسألة أخرى. قولهم: الاسم الأعظم لأنه يوصف بجميع الصفات كما تقول: هو الله الذي لا إله إلا هو .. ، يعني جميع الأسماء تأتي تابعة له، وجاء في الحديث الصحيح: ((إن لله تسعةً وتسعين اسماً)) لله، جعله هو الأصل والأسماء تابعة له، ماذا عن قوله -سبحانه وتعالى-: {صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللهِ} [(1 - 2) سورة إبراهيم] في أول سورة إبراهيم، {صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللهِ} [(1 - 2) سورة إبراهيم] هم يقولون: يأتي متبوع، ولا يأتي تابع؟ ها؟ طالب:. . . . . . . . . عطف بيان، وأما قوله: {صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللهِ} على قراءة الجر، فجعل ذلك الرازي من باب عطف البيان، وليس من باب النعت، هم يمنعون أن يكون لفظ الجلالة تابع، بل يقولون: إنه دائماً متبوع، وهذا لفظ ابن القيم -رحمه الله-، عطف البيان ليس من التوابع؟ حتى على كلام الرازي؟ إذا قلنا: بدل أو بيان أو نعت كلها توابع، ما جاء بجديد، فكونه يقول: عطف بيان، عطف البيان تابع، وش الفرق؟ هم يمنعون أن يكون لفظ الجلالة تابع، وإنما يكون متبوع، سواء قلنا: نعت أو بدل أو بيان كلها توابع.

يتبع في الإعراب الأسماء الأُوَلْ ... نعت وتوكيد وعطف وبدل فهو تابع سواء قلنا: بيان أو بدل أو نعت، لكن إذا قلنا: نعت صار تابع لا محالة، وإذا قلنا: إنه عطف بيان، وعطف البيان وإن كان تابع في الإعراب لكنه في الأصل حكمه التقديم، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ إيش الفرق بين عطف البيان والبدل؟ قالوا: هنا من باب عطف البيان، لماذا لا نقول: هنا بدل؟ {صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللهِ} [(1 - 2) سورة إبراهيم] لماذا لا نقول: بدل فيمكن أن نقول: (صراط اللهِ العزيزِ الحميدِ). طالب: البدل يستوي أحسن الله إليك مع المبدل منه. يستوي مع المبدل منه. طالب: لكن عطف البيان لا يستوي، عطف البيان هو الأصل. المعطوف هو الأصل. طالب: المعطوف عليه هو الأصل. ما جاء بشيء، أنت تدري أن كل بدل يصلح أن يكون عطف بيان إلا في ثلاث مسائل، تعرف هذا وإلا ما تعرف؟ ابحثوا ابحثوا يا إخوان ابحثوا. الرحمن والرحيم اسمان مشتقان نعم ... طالب:. . . . . . . . . إيه على كلام الرازي. طالب:. . . . . . . . . لا، لا، منصوص عليه في الألفية: وصالحاً لبدليةٍ يُرى ... في غير نحو يا غلام يعمرا إلخ، راجع الألفية وشروحها. طالب: لو أن الله يا شيخ الأصل فيه أنه إله، دخلت الألف واللام يا شيخ أحسن الله إليك الإله، صارت ... همزتين الثانية لتخفيف، وصارت ألّه تدغم اللام في اللام صارت الله يا شيخ. نقول: عُوض عنها الألف، عوض عن الهمزة المحذوفة الألف. طالب: تدغم اللام في اللام يا شيخ فصارت الله. فصارت أل بدل الهمزة المحذوفة أصلية، ولذا يقال: يا الله، نعم كلام طويل في هذا ولو استرسلنا فيه ما يكفيه درسين ولا ثلاثة ولا ... والرحمن الرحيم اسمان ها ... طالب:. . . . . . . . . درس للمقدمات ودرس لل .... اسمعوا وش يقول هذا: تعلمون أن التفسير بهذه الطريقة يحتاج إلى وقتٍ طويل، ولن ننتهي من التفسير إلا بعد عشر سنوات تقريباً، فنرجو أن تجعلوا التفسير فجر كل يوم ما عدا الخميس؛ لأن كثير من الإخوة يحضرون دروس الخميس في بعض المساجد؟

الكلام على الرحمن الرحيم:

هو ما في شك أنه جدير بالتنفيذ لكن التنفيذ صعب، كثير من الإخوان ما يستطيعون، لا صعب عليهم الذي عنده دوام ما يمكن، خصوصاً في أيام الشتاء ما يمكن. والرحمن الرحيم اسمان مشتقان. هو كونه يُدْرَس أن يُحدث درس ثاني هذه مسألة، يكون في وقتٍ يتفق عليه غالب الإخوان هذا ما فيه -إن شاء الله- إشكال، لكن فجر كل يوم؟ ما أدري والله، والفجر باعتبار ارتباط كثير من الإخوان بالوظائف، الوظائف ما يتمكنون من الحضور، لا سيما بعد المسافات، فيه مشقة عليهم. على كلٍ استحداث درس ثاني ما هو بعيد، وسهل يعني، ما في إشكال -إن شاء الله-، لكن السنة هذي بتمشي على هذا، وبعدها ننظر، وكوننا بهذه الطريقة يعني درس بيستمر سنتين أو ثلاث سنوات يقدم له بمقدمة بدرس أو درسين أو ثلاثة دروس أظن المسألة ما هي بكبيرة يعني، وأيضاً هذه ألفاظ تبي ترد علينا كثيراً في القرآن يعني في تفسيره ما نحتاج إلى إعادتها. الكلام على الرحمن الرحيم: الرحمن الرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم؛ لأنهم يقولون: إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا، في كلام ابن جرير يفهم أن العلماء متفقون على أن الرحمن أبلغ من الرحيم، زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغةً من الرحمن؛ لأنه أكد به، والتأكيد لا يكون إلا أقوى من المؤكد، قال ابن كثير: والجواب أن هذا ليس من باب التوكيد، وإنما هو من باب النعت بعد النعت، ولا يلزم فيه ما ذكروه.

الخلاف في البسملة:

وهما اسمان مشتقان، والدليل على الاشتقاق ما رواه الترمذي وغيره عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله تعالى: ((أنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته)) فدل على أن الجميع مأخوذ من أصل واحد وهو الرحمن، قال القرطبي: "وهذا نص في الاشتقاق، فلا معنى للمخالفة والشقاق" ومنهم من زعم أن الرحمن غير مشتق؛ لأن العرب لا تعرفه {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [(60) سورة الفرقان] وفي صلح الحديبية لما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- كتابة "بسم الله الرحمن الرحيم" قالوا: لا نعرف الرحمن، فالعرب لا يعرفونه حقيقة وإلا يعرفونه وأنكروه؟ نعم، قال القرطبي: "وإنكار العرب له لجهلهم بالله، وبما يجب له" وقيل: هما بمعنىً واحد، رحمن ورحيم كندمان ونديم، هذا ذكره القرطبي أيضاً. الخلاف في البسملة: واختلف العلماء في البسملة هل هي آية أو ليست بآية؟ أولاً: نحتاج إلى تحرير محل النزاع والخلاف، فنقول: لا خلاف أن البسملة بعض آية من سورة النمل، هذا محل إجماع، وأيضاً لا خلاف في كونها ليست بآية في أول سورة براءة، إنما الخلاف فيما عدا ذلك، في كم موضع؟ مائة وثلاثة عشر موضعاً، هذا محل الخلاف، اختلف العلماء فيما عدا ذلك، وممن حكي عنه أنها آية من كل سورةٍ إلا براءة: ابن عباس، ابن عمر، ابن الزبير، وأبو هريرة، وعلي، وعطاء، وطاووس، ومكحول، والزهري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد في رواية، وإسحاق، وأبو عبيد، أبو عبيد القاسمي، وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما: ليست آية من الفاتحة، ولا من غيرها من السور، القول الأول: أنها آية من كل سورة إلا براءة، وهو معروف عن الشافعي، ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد، ومن ذكر السلف، قال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما: ليست آية لا من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقال الشافعي في قولٍ في بعض طرق مذهبه: هي آية من الفاتحة، وليست من غيرها، الشافعي في قول في بعض طرق مذهبه: هي آية من الفاتحة وليست من غيرها، شلون في بعض طرق مذهبه؟ طالب:. . . . . . . . .

إيه، لكن نقول: طرقه في المذهب الثابت وإلا غير الثابت؟ أو بغض النظر عن كونه ثابت أو ليس بثابت؟ ولذا عقبه ابن كثير بقوله: "هو غريب" هي آية من الفاتحة وليست من غيرها، وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة، بعض آية، عن الشافعي أنها بعض آية وليست بآية، تتمتها ما يليها من القرآن، قال ابن كثير: "وهما غريبان" وقال داود: "هي آية مستقلة في أول كل سورةٍ لا منها" وهذه رواية عن الإمام أحمد، وحكاه الجصاص عن أبي الحسن الكرخي من أكابر الحنفية. أعدها؟ طالب: قول بين جماهير السلف أنها آية من كل سورة. ذولا جماهير ذولا؟ طالب: قول بعض السلف أنها آية من كل سورة عدا الفاتحة، قول مالك وأبو حنيفة وأصحابهما: أنها ليست بآية لا من الفاتحة ولا من غيرها، قول الشافعي في بعض طرق مذهبه أنها .. ، قول للشافعي أنها بعض آية من كل سورة، قول داود: أنها آية من كل سورة ليست مستقلة، ليست منها. ليست مستقلة، أو مستقلة ليست منها؟ طالب: مستقلة ليست منها. اسمع كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- في الجزء الثاني والعشرين صفحة أربعمائة وثمانية وثلاثين وتسع وثلاثين، يقول: تنازعوا في البسملة في أوائل السور حيث كتبت على ثلاثة أقوال، حيث كتبت يخرج إيش؟ يخرج براءة، أحدها: أنها ليست من القرآن، وإنما كتبت تبركاً بها، وهذا مذهب مالك وطائفة من الحنفية، ويحكى روايةً عن أحمد، ولا يصح عنه، وإن كان قولاً في مذهبه، يحكى رواية عن الإمام أحمد، ولا يصح عنه، وإن كان قولاً في مذهبي، يعني قول متداول عند الحنابلة، ليست من القرآن أصلاً، وإنما كتبت للتبرك، هذا مذهب مالك وطائفة من الحنفية، ورواية عن أحمد تحكى عنه، ولا تصح عنه من لفظه، وإن كانت قولاً من مذهبه يعني متداولة في كتب الحنابلة، والقول الثاني: أنها من كل سورة، إما آية، وإما بعض آية، وهذا مذهب الشافعي -رحمه الله-، والثالث: أنها من القرآن حيث كتبت آية من كتاب الله من أول كل سورة، وليست من السورة، وهذا مذهب ابن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما، وذكر الرازي أنه مقتضى مذهب أبي حنيفة عنده، هذا من الرازي هذا؟ وذكر الرازي أنه مقتضى مذهب أبي حنيفة عنده، أبو بكر الرازي معروف بالجصاص، نعم.

قال شيخ الإسلام: "وهذا أعدل الأقوال" يعني آية نزلت للفصل بين السور، ليست من السور، وإنما هي قرآن، هي قرآن لكنها ليست تابعة لسورة من السور، يقول شيخ الإسلام: "كتابتها في المصحف بقلم القرآن تدل على أنها من القرآن، وكتابتها مفردةً مفصولةً عما قبلها، وعما بعدها تدل على أنها ليست من السور". طالب: هي قرآن يا شيخ. هي قرآن إيه. طالب: يؤجر على تلاوتها. أيه نعم، إيه. طالب: طيب يا شيخ أحسن الله إليك في فرق بين هذا القول الذي رجحه شيخ الإسلام، وبين قولكم الأول الذي قلتموه أنه قول كثير من السلف. القول الأول قول الشافعي، ما قلنا: قول كثير من السلف، ابن عباس وابن عمر وابن الزبير .. طالب: في فرق بين القولين هذين؟ إيه، تكون من السورة، ترقم، تعطي البسملة رقم واحد. طالب: يعني هذا الفرق الوحيد؟ أيه نعم، إيه. طالب: أنها في قول ابن عباس أنها تعد من آيات السورة؟ أيه نعم، إيه. طالب: أما القول الذي رجحه شيخ الإسلام أنها لا ... لا نقول: قول ابن عباس هو يروى عنه، قل: قول الشافعي، هو الذي تبناه. طالب: أحسن الله إليكم يا شيخ، على قول شيخ الإسلام يعتبر أن المنكر لها كافر؟ يعني لو شخص، المسألة مفترضة في شخص كتب مصحف وجرده من البسملة، كونهم أجمعوا واتفقوا على كتابتها في القرآن بحرف القرآن يدل على أنها قرآن عندهم، يأتي في كلام العرب ما يدل على كلامك، وكونها كتبت مفصولة لا مع السورة ولا مع التي قبلها يدل على أنها ليست من السورة، لا التي قبلها ولا التي بعدها. يقول: "وكونها آيةً من الفاتحة فيه نزاع على قولين هما روايتان عن أحمد". طالب: قراءة حمزة الزيات من القراء العشرة يا شيخ قراءة القرآن كاملاً بدون بسملة. إيه هذا على قول أنها ليست بآية، قول مالك. طالب: حتى ما يفصل بين السور بالإتيان بالبسملة؟ إيه، لكن يكتب المصحف بدونها؟ طالب: لا، في أول الفاتحة فقط. يكتب المصحف بدون البسملة؟ أو يقرأ؟ طالب: في أول الفاتحة فقط، وبعد كذا ....

هذا يشبه صحيح مسلم، اسمع كلام شيخ الإسلام: "وكونها آيةً من الفاتحة فيه نزاع على قولين هما روايتان عن أحمد، والأظهر أنها ليست منها؛ لأنه ثبت في الصحيح من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) ولم يذكر البسملة، قال ابن العربي في أحكام القرآن الجزء الأول صفحة اثنين وثلاثة: "يكفيك أنها ليست بقرآن الاختلاف فيها" يعني من أقوى الأدلة على كونها ليست بقرآن الاختلاف فيها، كما أن من أقوى الأدلة على كونها قرآن الاتفاق على كتابتها في المصحف، يقول: "يكفيك أنها ليست بقرآن الاختلاف فيها، والقرآن لا يختلف فيه، فإن إنكار القرآن كفر، فإن قيل: ولو لم تكن قرآناً لكان مدخلها في القرآن كافراً" يزيد في القرآن، المسألة يمكن فيها الاحتياط أو لا يمكن؟ ما يمكن؛ لأنه كافر على القولين، إن قال: قرآن ليش تنفيها؟ وإن كانت ليست بقرآن ليش تكتبها؟ "فإن قيل: ولو لم تكن قرآناً لكان مدخلها في القرآن كافراً، قلنا: الاختلاف فيها يمنع من أن تكون آية، ويمنع من تكفير من يعدها من القرآن، الاختلاف فيها يمنع من أن تكون آية، ويمنع من تكفير من يعدها من القرآن، فإن الكفر لا يكون إلا بمخالفة النص والإجماع". مسألة الجهر بالبسملة: مسألة الجهر بالبسملة الظاهر أنها سهلة يعني ما تبي شيء، نسردها، ونبدأ بها الأسبوع القادم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب: شيخ الإسلام يقول:. . . . . . . . . والآن مع الدرس الثالث الجهر بالبسملة:

مسألة الجهر بالبسملة، أولاً: من يرى أنها آية من الفاتحة معروف أنه يرى الجهر بها، ويكون معنى الحديث: "صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكرٍ وعمر فكانوا يفتتحون القرآن بالحمد لله" يعني بالسورة، بما في ذلك البسملة عند من يقول: بأنها آية منها، الذي يقول: بأنها ليست بآية من الفاتحة، وليست بآية من القرآن مطلقاً كالمالكية مثلاً إلا في سورة النمل، يقول: لا تقرأ لا سراً ولا جهراً؛ لأنهم لا يرون حتى دعاء الاستفتاح ولا التعوذ ولا غيره، الذين يرون أنها قرآن نزل للفصل بين السور، أنها ليست من الفاتحة بعينها يختلفون أيضاً، منهم من يرى الجهر، ومنهم من يرى الإسرار تبعاً للنصوص المختلفة في ذلك، فجاء في النصوص ما يدل على عدم الجهر وهو الأكثر والأصح، وجاء ما يدل على الجهر، وإن لم يكن في الصحيحين منه شيء، وجاء نفي الذكر، ذكر البسملة أصلاً، وهو في صحيح مسلم، وجاء في الحديث السابق: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها، ومُثّل بهذا الحديث في علوم الحديث لعلة المتن؛ لأن الراوي لما سمع أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين فهم أنهم لا يقولون: بسم الله الرحمن الرحيم لا سراً ولا جهراً، فقال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في ألفيته: وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله ظن الراوي أن مراد الصحابي حينما قال: يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، فصرّح بنفيها، المقصود أن هذه المسألة مسألة الجهر وعدمه الشافعية يقولون: بالجهر، والحنابلة وغيرهم يقولون: بالإسرار لأنها تقال: سراً، وهو المروي، السرية هو المروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأسانيد الصحيحة، وعن الخلفاء الأربعة، وطوائف من السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.

ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: "صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكرٍ وعمر فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين" لكن لو جهر بها أحياناً لا تثريب عليه، لو جهر الإمام أحياناً بالبسملة لا تثريب عليه، ويتابع أيضاً، ولا ينكر على الإمام الذي يجهر بها، ولذا جاء في رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن الوهاب إلى أهل مكة قوله: "ولا ننكر على الشافعي جهره بالبسملة، ولا قنوته في صلاة الصبح، وننكر على الحنفي ترك الطمأنينة" فرق بين المسألتين. سورة الفاتحة: سورة الفاتحة: السورة جمعها سور كخطبة وخطب، وغرفة وغرف، يقول ابن جرير في تفسيره: "السورة بغير همز المنزلة من منازل الارتفاع، ومن ذلك سور المدينة، سمي بذلك الحائط الذي يحويها لارتفاعها على ما يحويها" انتهى كلامه، أقول: ومن ذلكم قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [(21) سورة ص] تسوروا: يعني علوه وتسلقوه، يقول ابن جرير: "ومن الدليل على أن معنى السورة المنزلة من الارتفاع قول نابغة بني ذبيان: ألم تر أن الله أعطاك سورةً ... ترى كل ملْكٍ دونها يتذبذبُ

أعطاك منزلة رفيعة، يقصر دونها ملوك الدنيا، وقد همز بعضهم السورة وتأويلها في لغتهم القطعة التي أفضلت من القرآن عما سواها، وأبقيت، وذلك أن سؤر الشيء البقية منه تبقى بعد الذي يؤخذ منه، ولذلك سميت الفضلة من شراب الرجل يشربه ثم يفضلها فيبقيها في الإناء سؤراً، وأما الآية من آي القرآن، فقد قال ابن جرير: "تحتمل وجهين في كلام العرب، أحدهما: أن تكون سميت آية لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالةً على الشيء يُستدل بها عليه، قال الله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} [(248) سورة البقرة] يعني علامة ملكه، وقال تعالى في المائدة: {رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ} [(114) سورة المائدة] يعني علامة لإجابتك دعاءنا، وإعطاءك إيانا سؤلنا، لكن هل نزلت المائدة أو لم تنزل؟ أو فيه خلاف؟ المسألة فيها خلاف، هل نزلت أو لم تنزل؟ لأن الخبر، قال الله: {قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ} [(115) سورة المائدة] خبر مقرون بهذا الشرط، وتمامه يتوقف على التزامهم بهذا الشرط، ما في احتمال أنهم قالوا: لا، إذا كانت مقيدة بهذا الشرط لا نريدها قال الله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا} [(115) سورة المائدة] كأنه قال: إن أردتم إنزالها فإني أنزلها بهذا الشرط، وإن كان الأكثر على أنها نزلت، وذكروا من أوصافها ما ذكروا على ما سيأتي -إن الله تعالى- في سورة المائدة. والمعنى الآخر للآية: القصة، يقول كعب بن زهير: ألا أبلغا هذا المعرّضَ آيةً ... أيقضان قال القول إذ قال أم حلم يعني هل قال قوله هذا في الحلم أو في العلم؟ في الرؤيا أو في اليقظة؟ أبلغوه آية، يعني بقوله آية، رسالة مني وقصةً وخبراً عني، فيكون معنى الآيات القصص، قصةً تتلو قصة بفصولٍ ووصول، والبيت في ديوان كعب روي: ألا أبلغا هذا المعرّضَ إنه ... أيقضان قال القول إذ قال أم حلم

ما ورد في فضل الفاتحة:

وهذا تصحيف يذكرنا بتصحيف العكبري لحديث: ((آية الإيمان حب الأنصار)) حيث رواه: (إنه الإيمان حب الأنصار). وقال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وقيل: لأنها جماعة حروف من القرآن، وطائفة منه، كما يقال: خرج القوم بآيتهم، أي بجماعتهم" ثم استدل على ذلك بقول الشاعر: خرجنا من النقبين لا حيّ مثلنا ... بآيتنا نزجي اللقاح المطافلا يعني بجمعنا. ما ورد في فضل الفاتحة: ثم بعد هذا الفاتحة، وورد في فضلها ما لا يخفى عليكم، مما رواه البخاري وغيره من حديث أبي سعيد ابن المعلى -رضي الله عنه- قال: "كنت أصلي فدعاني النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم أجبه، قلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، قال: ((ألم يقل الله {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [(24) سورة الأنفال] ثم قال: ((ألا أعلمك أعظم سورةٍ في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ )) فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله: إنك قلت: ((لأعلمنّك أعظم سورةٍ في القرآن)) قال: ((الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)) هذا مخرج في البخاري وغيره، ورواه مسلم والنسائي وغيرهما عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: "بينما جبريل قاعد عند النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، -وإن شئت فقل- فاتحة الكتاب، يعني هما، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرفٍ منهما إلا أعطيته" وهذا في مسلم والنسائي وغيرهما. والأحاديث الدالة على فضل سورة الفاتحة كثيرة، ولو لم يكن من شأنها وعظمها إلا أنها لم يفرض من القرآن شيء في الصلاة سواها، وهي ركن على ما سيأتي تقريره -إن شاء الله تعالى-. ولها أسماء فمن أسماءها الفاتحة، وهذا هو المشهور، وبها يفتتح الكتاب، وبها تفتتح القراءة في الصلاة وخارجها، وفي الحديث السابق سميت فاتحة الكتاب. طالب:. . . . . . . . .

في الصلاة وخارج الصلاة، يفتتح القراءة، قراءة القرآن بها، وبها افتتح القرآن كتابةً. طالب:. . . . . . . . . يعني لو أراد أن يقرأ من المائدة مثلاً؟ قال: اقرأ الفاتحة؟ طالب:. . . . . . . . . هذا له أصل وإلا ما هل أصل؟ يعني ما في شك أن الصحابة أجمعوا على كتابتها في أول المصحف تفتتح بها القراءة لمن أراد أن يقرأ القرآن من أوله، تفتتح بها القراءة في الصلاة كما هو معروف، أما أن يفتتح بها في كل قراءة من أثناء القرآن هذا يحتاج إلى نقل. سميت أيضاً أم الكتاب عند جمهور العلماء، وكره أنس والحسن وابن سيرين تسميتها بذلك، قال الحسن وابن سيرين: "إنما ذلك اللوح المحفوظ"، إنما ذلك .. وعنده إيش؟ أم الكتاب، يعني اللوح المحفوظ، فكره أن يطلق على الفاتحة أم الكتاب، قال البخاري في صحيحه -رحمه الله تعالى-: "سميت أم الكتاب أنه يُبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة" فكونها يبدأ بها استحقت أن تسمى أماً، كما سميت مكة أم القرى، سميت مكة أم القرى، لماذا؟ لماذا سميت أم القرى؟ نريد أن نربط التسمية بالتسمية، قالوا: سميت أم الكتاب أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة، فهل أم القرى سميت بذلك لأنه بدئ بها؟ طالب: الإسلام بدأ منها يا شيخ. الإسلام بدأ منها {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [(96) سورة آل عمران] يقولون أيضاً: أنه بدئ بدحوها قبل غيرها {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [(30) سورة النازعات] فبدئ بمكة لأنها كما قالوا: هي المركز، والله أعلم.

ثالثاً: تسمى أيضاً أم القرآن، ثبت هذا في الترمذي من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، والقرآن العظيم)) أم القرآن وأم الكتاب وهو دليل لما قبله، والسبع المثاني، والقرآن العظيم، ويدل له أيضاً، ويشهد له حديث أبي سعيد سابق الذكر، وتسمى أيضاً سورة الحمد، نظراً لأول كلمة فيها؛ لأنها افتتحت بالحمد يقال لها: سورة الحمد، ويقال لها أيضاً: الصلاة لحديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) ثم ذكر الفاتحة، ويقال لها أيضاً: الشفاء، لما روى الدارمي عن أبي سعيد مرفوعاً: ((فاتحة الكتاب شفاء من كل سم)) وقد جرب ذلك من؟ أبو سعيد، حينما رقى اللديغ، وتسمى أيضاً الرقية لحديث أبي سعيد في الصحيح حيث رقى بها الرجل السليم فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما يدريك أنها رقية)) لكن هذا استفهام وإلا إقرار؟ لو كان استفهام أجاب، إقرار نعم، روى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها أيضاً أساس القرآن، وسماها سفيان بن عيينة بالواقية، وسماها يحيى بن أبي كثير بالكافية، وذلكم لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها، وذكر الزمخشري في كشافه أنها تسمى الكنز، وفي حديث أبي سعيد السابق أنها السبع المثاني، أي السبع آيات، اختلف في سبب تسميتها بذلك، فقيل: لأنها تثنى في كل ركعة، وقيل: لأنها يثنى بها على الله تعالى، وقيل: لأنها استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها، هي السبع المثاني هذا الحديث في الصحيح، وروى النسائي بإسنادٍ صحيح عن ابن عباس أن السبع المثاني هي السبع الطوال، روى النسائي بإسنادٍ صحيح عن ابن عباس أن السبع المثاني هي إيش؟ السبع الطوال، يعني السبع السور الطوال، وهي إيش؟ البقرة، آل عمران النساء، المائدة، الأنعام، الأعراف، الأنفال مع التوبة، والفاتحة ... طالب: قول .... السبع المثاني. . . . . . . . . هل نزلت في مكة؟ لا. طالب: ليش. . . . . . . . . نزلت في المدينة. . . . . . . . .؟

لكن هذا كلام ابن عباس، كلام ابن عباس، يضعف كلام ابن عباس، يضعف قول ابن عباس ويدل للقول الأول الحديث الصحيح في البخاري وغيره، حديث أبي سعيد، هي السبع المثاني، هي السبع المثاني، وتأتي الإشارة إلى الآية عند تقريرها هل هي مكية أو مدنية؟ والسورة مكية في قول ابن عباس وقتادة وأبي العالية والجمهور، وقيل: مدنية، ونسب القول بذلك ابن كثير إلى أبي هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري، وإن كان الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول: "أغرب بعض المتأخرين فنسب القول بذلك لأبي هريرة والزهري وعطاء بن يسار" الحافظ ابن كثير: "وقيل: مدنية قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري" هذا كلام ابن كثير، والحافظ يقول: "وأغرب بعض المتأخرين -ولعله يقصد ابن كثير- فنسب القول بذلك لأبي هريرة والزهري وعطاء بن يسار" إذاً من يبقى ممن يقول: بأنها مدنية؟ مجاهد، وقيل: نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة، حكاه القرطبي عن بعضهم، وفي تفسير أبي الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة، ونصفها الآخر نزل بالمدينة، وهذا غريب جداً، ابن ليث السمرقندي ذكر في تفسيره أن نصفها نزل بمكة، ونصفها الآخر نزل بالمدينة، وهذا غريب جداً بلا شك، قول ابن كثير والأول أشبه، يعني كونها مكية، لأن قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [(87) سورة الحجر] في سورة الحجر، وهي مكية اتفاقاً، آياتها اقرأ. طالب:. . . . . . . . . وكل من، مثل من قال: أنها الكافية، يحيى بن أبي كثير قال: تكفي عن غيرها فهي كافية، من قال: أنها واقية يظهر إلا أنها تنفع في الرقية وتقي المريض من استمرار المرض مثلاً. طالب: يا شيخ أحسن الله إليكم هل أسماء السور توقيفية وإلا اجتهادية؟

هو لا شك أنه جاءت تسميات في الأحاديث المرفوعة، وجاءت من قبل الصحابة، "هذا موقف من أنزلت عليه سورة البقرة" ولذا من كره أن يقال: سورة كذا، وإنما ينبغي أن يقول: السورة التي يذكر فيها كذا، رد عليه بمثل كلام ابن مسعود، على كلٍ التسميات جاءت في النصوص، جاء في الأحاديث الصحيحة تسمية بعض السور، والصحابة سموا، ولا شك أن التسميات مطابقة للمضمون، وإن كانت أحياناً التسمية بالجزء، يطلق الجزء على الكل، قصة البقرة شيء يسير من السورة. طالب:. . . . . . . . . لا توقيفية، ((سورة هي ثلاثون آية)) يعني سورة الملك، هي ثلاثون آية، السبع المثاني، السبع آيات. طالب:. . . . . . . . . التحزيب هذا من الحجاج. طالب:. . . . . . . . . لا الترتيب على الخلاف بينهما، هل هو اجتهادي أو توقيفي؟ لكن الأكثر على أنه توقيفي. طالب: ما يحصل يا شيخ في اختلاف عدد الآيات، بعض السور يكون. . . . . . . . . على اعتبار أن الحروف المقطعة تعدّ آية مثلاً مستقلة مثل (ق) هل هي آية؟ البسملة هل هي من السورة أو ليست منها؟ هذا خلاف عاد ما يترتب عليه شيء. طالب: هل لمتأخرٍ أن يسمي مثلاً سورة البقرة بسورة الدين؟ لا، ليس له ذلك؛ لأنه يخالف ما اتفق عليه، كما أنه ليس له أن يرتب القرآن غير هذا الترتيب، ولو كان على النزول، لو قال مثلاً: أول ما نزل اقرأ، أنا بحط اقرأ أول المصحف، تبعاً للنزول، نقول: لا، لا يجوز ذلك، وهو موجود في بعض ... طالب:. . . . . . . . . يعني مثلاً يقرأ ألهاكم ثم يقرأ القارعة، لا، لا ينكر عليه؛ لأنه ثبت في الصحيح أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قدم النساء على آل عمران، لكن منهم من يقول .. ، الحنابلة يكرهون مثل هذا كراهة شديدة، ويقولون: إن قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- للنساء قبل آل عمران قبل أن يستقر الاتفاق على هذا الترتيب، نعم، اقرأ. طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى-: سورة الفاتحة مكية، سبع آيات بالبسملة إن كانت منها، والسابعة: صراط الذين إلى آخر غير. إلى آخرها، إلى آخرها. إلى أخرها.

كيف إلى آخر غيرها عندكم؟ طالب: إلى خير غير يا شيخ. تجي إلى آخر غيرها؟ طالب: إلى آخر غير المغضوب عليهم؟ إلى آخر غيرها، هو كذا مطبوع، لكن مو بصحيح طالب: إلى آخر غير. طالب آخر: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وإن كانت البسملة منها فالسابعة: صراط الذين أنعمت عليهم إلى وين؟ إلى آخر السورة. طالب: إلى آخر آية غير، هو يقصد كذا يعني، يقصد إلى آخر جملة (غير) بس التعبير قد يكون فيه ... إلى آخر غيرها؟ طالب: ما في هاء. إلا في، هذا المطبوع، لا تقول: ما فيه. طالب: ما عندنا هنا؟ وين ما عندك؟ طالب: إلى غير. نفس الطبعة، بس مسحت عندك، وإلا نفس الطبعة، إلى آخر غيرها، حتى افرض أنها إلى آخر غير، إيش اللي إلى آخر غير؟ هو لو شال غير وترك (هاء) كان أفضل من أن يشيل (هاء) ويترك غير. طالب:. . . . . . . . . إلى آخرها؟ هذا هو الصحيح، هذا هو الصحيح، الآن عندنا في الطبعة هذه من طبعة ابن كثير التي على المصحف "إلى آخر غيرها" طبعتهم هم أنفسهم مو طبعة ابن كثير، وش شالوا؟ شالوا الهاء، فصارت إلى آخر غير، والأولى أن يشيلوا غير، تبقى الهاء ليكون إلى آخرها هذا الصحيح، يعني إلى آخر السورة. طالب: وإن لم تكن منها فالسابعة غير المغضوب إلى آخرها، ويقدر ....

لحظة لحظة، الفاتحة سبع آيات نقل عن ذلك الاتفاق، وحديث: (هي السبع المثاني) يدل على ذلك، وقال عمرو بن عبيد: هي ثمان، وقال حسين الجعفي: هي ست، قال عمرو بن عبيد: هي ثمان، وقال حسين الجعفي: هي ست، وهذان القولان شاذان، وقول عمرو بن عبيد: هي ثمان بناءً على أن البسملة آية، والآية الأخيرة السابعة: غير المغضوب عليهم، فهو موافق لقول من يقول في عدّ الآيات: إن البسملة ليست بآية وهي سبع إلا أنه أضاف البسملة فتكون ثمان، قول حسين الجعفي أنها ست موافق لقول من يقول .. ، الذي يقول: إنها ست، أن البسملة آية، لكنه يحذفها، فتكون ست، يعني عدّه موافق لمن قال: إن البسملة آية، وحينئذٍ يكون آخر السورة، صراط الذين أنعمت عليهم إلى آخرها إلا أنه حذف البسملة فتكون ست، هما قولان شاذان غريبان من حيث العدد، لكن من حيث المضمون يرجع إلى قول الغير، فكون عمرو بن عبيد يعد البسملة آية، ويقسم الآية الأخيرة إلى آيتين، يكون المجموع ثمان، وكون حسين الجعفي يقول: إن البسملة ليست بآية فله سلف، وكونه يجمع الآيتين أيضاً له سلف، فتكون ست، أظن هذا ظاهر.

قال ابن حجر: "ونقلوا الإجماع على أنها سبع آيات"، يقول: "لكن جاء عن حسين بن علي الجعفي أنها ست آيات؛ لأنه لم يعد البسملة، وعن عمرو بن عبيد أنها ثمان آيات لأنه عدها .. الخ، الآن الإجماع على أنها سبع على العدد فقط، على أنها سبع، لكن ما في اتفاق على كيفية العدد، إنما هما جاءا بقولين منتزعين من الأقوال السابقة، يعني الخلاف مثلاً في رضاع الكبير يجوز وإلا ما يجوز؟ عائشة تقول: يجوز مطلقاً، ويحرم، والجمهور يقولون: لا يحرم، ولا قيمة له مطلقاً، يعني من جاء بقولٍ وسط بين هذين القولين فقال: إنما جوازه للحاجة، حينما قيد هذا التحريم بالحاجة خالف قول عائشة؛ لأنها أطلقت، وحينما قال بأنه ينشر الحرمة خالف قول الجمهور، يكون جاء بقولٍ جديد أو ملفق بين القولين؟ وهذا اختيار شيخ الإسلام -رحمه الله-، أنا أسأل سؤال؛ لأنه على الخلاف أيضاً في إحداث قولٍ ثالث بعد الاتفاق على قولين هل لعالمٍ من العلماء أن يحدث قولاً ثالثاً، يعني إذا انحصرت أقوال العلماء في قولين مثلاً فجاء عالم فلفّق من القولين أو من غيرهما قول ثالث، باعتبار أن خلافهم، وعدم الاتفاق على قولٍ واحد يجعل الإنسان في سعة أن ينظر في النصوص ويرجح ما يشاء، إذا كان أهل للنظر، وباعتبار أنه جاء بقولٍ لم يسبق إليه فقد تولى غير سبيل المؤمنين؛ لأن المؤمنين اتفقوا على قولين فقط فأحدث ثالث، احدث قول غير أقوال من تقدموا، المسألة خلافية، لكن المتجه؟ طالب:. . . . . . . . .

كيف؟ هو ما في شك أن الحجة الملزمة التي لا تجوز مخالفتها الإجماع، فهل حصل إجماع لنسد الباب على من جاء بعد هذا الإجماع؟ هذا الاتفاق؟ حصل إجماع وإلا لا؟ ما حصل إجماع، فمن أتى بقول وهو من أهل النظر، نظر في الأدلة فجاء بقول ولا هناك ما يعارضه ولا ما يخالفه، يعني أن الأمة في وقتٍ من الأوقات ظلت عن الحق، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله- حينما قال بأن رضاع الكبير يحرم وينشر والحرمة للحاجة، قيّد قول عائشة نظراً لحال الواقعة التي حصلت، سالم مولى أبي حذيفة احتيج إليه فأرضع، وعلى هذا من عنده سائق يحتاج إليه يجعل أحد محارمه ترضع هذا السائق، ويرتاحون منه، أو نقول: إنه لا رضاع إلا في الحولين، ورضاع الكبير لا ينشر الحرمة ولا قيمة له ((إنما الرضاعة من المجاعة)) وغير ذلك من النصوص، التقييد بالحاجة ما قال به أحد، ولذا شيخ الإسلام تنقسم اختياراته إلى أربعة أقسام: القسم الأول عُد فيها أنه خالف فيها الإجماع، مسائل قال بها شيخ الإسلام وندر فيها المخالف حتى نسب إلى شيخ الإسلام أنه خالف الاتفاق، والقسم الثالث: خالف فيها الأئمة الأربعة كلهم، القسم الثالث: خالف المشهور من المذهب، الرابع: خالف المذهب، المقصود أن شيخ الإسلام وهو إمام من أئمة المسلمين، وإحاطته واطلاعه على أقوال العلماء من السلف والخلف من المعاصرين ومن تقدمهم، إضافةً إلى أحاطته بالنصوص، شيء لا يمكن أن يقدح به في مثل هذا المجال، حتى سئل محمد رشيد رضا في فتاويه عن شيخ الإسلام هل هو أعلم من الأئمة الأربعة أو هم أعلم منه؟ نعم، فصّل، فقال: لكونه تخرج على كتبهم، وكتب أتباعهم فلهم الفضل عليه من هذه الحيثية، وكونه أحاط بكلامهم كلهم، وكلام أتباعهم فهو أوسع منهم، وأشمل وأعلم من هذه الجهة، المقصود أن هذا يمكن أن يقال في غيره ممن جمع أطراف العلوم، لكن إحاطة شيخ الإسلام شيء لا .. ، مذهل، إحاطته بالأقوال من النصوص والآثار، وأقوال المخالفين، والأقوال التي قد لا يستطيع الإنسان ولا حكايتها من أهل الخلاف والشقاق. طالب:. . . . . . . . .

لا هو مثل ما قال الإخوان يترتب عليه أن الأمة ظلت في وقتٍ من الأوقات عن الوصول إلى الحق والصواب، ويمنع للازمه، وإلا ليس له دليل بذاته؛ لأن الدليل في الإجماع، هو الحجة الملزمة، ولا إجماع. طالب: من يقول: أن كل طائفة معها جزء من الحق. . . . . . . . . ولا يكون الحق بعد عنهم. . . . . . . . . إيه، لكن من قال: إنه يجوز مطلقاً معه حق؟ من وجهة نظر شيخ الإسلام؟ ومن قال: إنه لا يجوز مطلقاً معه حق؟ على كلٍ المسألة مبحوثة في كتب الأصول، من أرادها والتمثيل عليها موجودة بكثرة، قبل أن يقدم الإنسان على بحث مسألة عليه أن ينظر في أقوال العلماء، وينظر إلى مواطن الإجماع والخلاف؛ لئلا يخالف الإجماع؛ لأن مخالفة الإجماع وإن كان كثير من دعاوى الإجماع حقيقةً لا أصل لها، كثير ممن ينقل الإجماع ويدعيه يشهد الواقع بخلافه. طالب: ومن الأئمة المشهورين بنقل الإجماع ممكن أن تدرس إجماعاتهم. كلهم عليهم ... طالب: إيه، أنا أقول: نعم، أنا أقول: يعني بإمكان مثل ما قلتَ: تدرس مواطن الإجماع. لكن ما في شك أن حتى نقل الإجماع، وإن كان فيه شيء من الخلل، وعليه شيء من الاستدراك إلا أنه يجعل طالب العلم يهاب، يهاب هذه الجماهير، لا شك أنه إذا نقل الإجماع هو قول الجمهور بلا شك، وإن وجد في مسائل، وهي نادرة جداً أن ينقل الإجماع على الطرفين، فمثلاً ابن خير نقل الإجماع على أنه لا يجوز لأحدٍ أن ينقل أو يستدل أو يعمل بخبرٍ ليست له به رواية، وابن برهان نقل الإجماع على خلافه. قلت ولابن خيرٍ امتناعُ ... نقل سوى مرويه إجماعُ

ابن برهان نقل الإجماع على خلافه، معنى هذا أنك إذا وجدت حديثاً في صحيح البخاري، وأنت ما تروي صحيح البخاري بالسند، ما عندك سند منك إلى البخاري، ثم من البخاري إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجوز لك أن تنقل، ولا تستدل، ولا تستشهد، ولا تعمل، ولا تفتي، بمضمون هذا الخبر، حتى تكون لك به رواية، هذا نقل عليه الاتفاق، ونقل الاتفاق على خلافه، هذه مسائل نادرة، معدودة، مسائل يسيرة جداً نقل .. ، لكن الغالب، والأصل أنه إذا نقل الإجماع إما أن يكون له حقيقة، وهو إجماع بالفعل، أو يكون قول الأكثر، وعلى كلٍ قول الأكثر ليس بحجة، قد يكون الحق والصواب مع الأقل. طالب: في خضم الإجماع هل له ضوابط بالنسبة للمخالف .... يعني هل يشترط في انعقاد الإجماع انقراض العصر؟ هل يشترط انقراض العصر؟ وهل تموت الأقوال بموت أصحابها؟ يعني هل يشترط أن ينقرض العصر وهم ما زالوا مجمعين؟ وهل يموت القول بموت صاحبه؟ نعم وجد مسائل وجد فيها الخلاف في الصدر الأول، ثم اتفق العلماء على قول من الأقوال، مثل كتابة الحديث مثلاً، ومثل المتعة، متعة النساء، وجد الخلاف في الصدر الأول ثم انعقد الإجماع على جواز الكتابة، كتابة الحديث، وعلى حرمة نكاح المتعة، ولذا يختلفون في ناكح المتعة، هل يعزر أو يحد؟ من قال إن الإجماع بعد الخلاف إجماع معتبر قال: يحد؛ لأن الخلاف الأول ارتفع ولا قيمة له، ماتت أقوالهم أو ماتت الأقوال بموت أصحابها، ثم انعقد الإجماع، والذي يقول: لا إن الخلاف معتبر، ولأقوال تبقى وإن مات أصحابها ولو انعقد الاتفاق بعد ذلك قال: يعزر ولا يحد؛ لأن عنده شبهة. طالب:. . . . . . . . . على كلٍ المسائل واقعة، يعني الخلاف موجود بين الصحابة في حكم الكتابة، كتابة السنة. طالب: إيه المخالف نفسه هل له ضوابط. . . . . . . . . المخالف إذا كان من أهل النظر، من أهل الاجتهاد، ولذا عرفوا الإجماع بأنه اتفاق مجتهدي العصر، ما قالوا: مجتهدي الأمة، ولذا هل نقول مثلاً: إن هيئة كبار العلماء اتفاقهم على مسألة إجماع؟ لا ليس بإجماع، ولذا في رواية في مذهب الحنابلة أنه لا إجماع بعد عصر الصحابة. طالب:. . . . . . . . .

إيه ما يمكن ضبط الأقوال، الأمة تفرقت شرقاً وغرباً، وصار من العلوم في المغرب ما يخفى على أهل المشرق، والعكس فلا إجماع حينئذٍ، والإجماع المعتبر هو إجماع الصحابة، هذه رواية في المذهب، وهي قائمة أيضاً، ولها حظها من النظر، على كلٍ الاطلاع على الأقوال، على مذاهب العلماء، الاطلاع على مواطن الخلاف والإجماع أمر لا بد منه لطالب العلم، لئلا يقع في مخالفة إجماع ولا يشعر، ولئلا يخرج عن مجموع أقوالهم في الجملة. طالب: بما. . . . . . . . . النووي. . . . . . . . . لا لا، ما هو منضبط، النووي يقول: وعيادة المريض سنة بالإجماع، والبخاري يقول: باب وجوب عيادة المريض، صلاة الكسوف سنة اتفاقاً، وأبو عوانة في صحيحه يقول: باب وجوب صلاة الكسوف، تراجم كبار. طالب:. . . . . . . . . لا، لا، منخرم، منخرم، قد ينقل الخلاف بنفسه في الكتاب نفسه، وأحياناً في غيره من كتبه، لا، ما هي منضبطة، ولذا لكثرة الخوارق التي تخرق الإجماعات التي ينقلها كثير من أهل العلم قال الشوكاني: "وجميع هذا يجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع" هو ما في شك أنه إذا أكثر الإنسان من ذكر إجماعاً، واتفاقاً، وهو مخروم بكثرة، تجعل الطالب يستصحب أن كل إجماع مخروم. طالب:. . . . . . . . . إيه، هذا من جهة، من جهة نظر ابن عبد البر فقط، لكن إجماعات النووي لو تُجمع وشاف خوارمها وجد الكثير، ابن المنذر كذلك، ابن قدامة كذلك، كلهم مستدرك عليهم. طالب: نقول: لو ينتهج منهج هذا الباحث في بقية إجماعات الأئمة ....

إيه، لكن وش صفى له من إجماعات ابن عبد البر؟ هو أولاً: لا بد أن ندرس طريقة هذا العالم الذي هو منهجه الذي ينقل الإجماع، هل هو يرى مثل الجمهور أن الإجماع قول الكل، أو قول الأكثر؟ الترمذي ينقل الإجماع، وأحياناً يقول: هذا قول عامة أهل العلم، واتفاق أهل العلم، والخلاف موجود، فهو قول الأكثر، الطبري في تفسيره ينقل الإجماع ومراده بذلك قول الأكثر، وعرف قوله من كتب الأصول، أيضاً ذكروا أن الطبري يرى أن الإجماع قول الأكثر، أحياناً يرجح، يذكر خلاف في مسألة، سواء كان معنى من المعاني أو قراءة من القراءات، أو حكم شرعي، ثم يقول: والصواب في ذلك عندنا كذا لإجماع القرأة على ذلك، كيف إجماع وأنت سقت الخلاف بنفسك؟ لكنه يرى الإجماع قول الأكثر، أما البقية ابن المنذر والنووي وابن عبد البر كلهم يروا أن الإجماع قول الكل، ما عرف لهم قول يخالف هذا، لكن لا نغفل أن النووي لا يعتد بأقوال بعض الناس، فلا يستدرك عليه مثلاً أنه نقل الإجماع في مسألة، ثم ذكر خلاف داود مثلاً، لماذا؟ لأنه لا يعتد برأي داود، وصرّح في شرح مسلم في الجزء الرابع عشر صفحة تسعة وعشرين أنه لا يعتد بقول داود لماذا؟ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، يعني فلا نكثر من انتقاد النووي بهذا، انتهى، استغفر الله، استغفر الله، والله ما أدري عن الفاتحة متى تبي تكمل؟ اقرأ. "وان لم يكن منها فالسابعة غير المغضوب إلى آخرها، ويقدَّر في أولها: قولوا؛ ليكون ما قبل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة] مناسباً له بكونها من مقول العباد".

ويقدّر في أولها: قولوا؛ ليكون ما قبل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} مناسباً له بكونها من مقول العباد، في أول السورة يعني قبل البسملة عند من يقول بأنها آية من الفاتحة وبعدها عند من يقول: أنها ليست بآية تقدر قولوا، وهذا أمر من الله -سبحانه وتعالى- بأن نقول: الحمد لله رب العالمين، وقوله: ليكون ما قبل إياك نعبد مناسباً، الحمد لله رب العالمين، هنا هل يناسب قول الحمد لله رب العالمين يناسب إياك نعبد وإياك نستعين؟ لكن إذا كان القائل هو العبد، هو القائل الحمد لله رب العالمين، يعني إذا كان القائل ابتداءً هو الله -سبحانه وتعالى- حمد نفسه في مطلع هذه السورة، القائل هو الله -سبحانه وتعالى- من غير تقدير قولوا، ابتداءً قال: الحمد لله رب العالمين، وفيما بعد ذلك قال: إياك نعبد، ما في مناسبة، لكن إذا قدر قولوا الحمد لله رب العالمين فنحن نقول، العبد يقول، الحمد لله رب العالمين، إياك نعبد، يكون الكلام متسق، ولذا قال: ليكون ما قبل إياك نعبد مناسباً له بكونها من مقول العباد، فالعباد هم الذين يقولون الحمد لله رب العالمين امتثالاً للأمر المقدر، أي لتكون السورة كلها من مقول العباد، ولو ترك هذا التقدير لاحتمل أن قوله الحمد لله رب العالمين إلى آخرها ثناء من الله -سبحانه وتعالى- على نفسه، فيكون من مقوله، فيكون بعض السورة من مقول الله، وبعضها من مقول العباد، وهو صحيح في حد ذاته، صحيح في حد ذاته، يعني جاء في بعض السور ما يتعين أنه من مقول الله -سبحانه وتعالى-، وتلاه ما يتعين أنه من مقول العباد، هذا صحيح بحد ذاته، لكن سلوك التقدير يؤدي إلى التوافق في كون الكل من مقول العباد، والتوافق على ما قالوا أبلغ من التخالف، يقول ابن جرير: "فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله: الحمد لله، أحمد اللهُ نفسه جل ثناؤه فأثنى عليها، ثم علمناه لنقول ذلك كما قال ووصف به نفسه؟ يقول: "فإن كان ذلك كذلك فما وجه قوله تعالى ذكره إذاً: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] وهو عز ذكره معبود لا عابد، يقول: إذا كان السورة مساقها واحد، وهي كلها من مقول الله، يعني يتصور أن الله -سبحانه وتعالى- يثني على نفسه بقوله: الحمد لله

رب العالمين، لكن هل يتصور الله -سبحانه وتعالى- من تلقاء نفسه: إياك نعبد وإياك نستعين؟ يقول: "فما وجه قوله تعالى ذكره إذاً {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] وهو عز ذكره معبود لا عابد، أم ذلك من قيل جبريل أو محمد -صلى الله عليهما وسلم-، يقول: "فقد بطل أن يكون ذلك لله كلاماً، قيل: بل ذلك كله كلام الله جل ثناؤه، ولكنه جل ذكره حمد نفسه، وأثنى عليها بما هو له أهل، ثم علّم ذلك عباده، وفرض عليهم تلاوته، اختباراً منه لهم وابتلاءً فقال لهم: قولوا الحمد لله رب العالمين، وقولوا: إياك نعبد وإياك نستعين، فقوله: إياك نعبد مما علمهم -جل ذكره- أن يقولوه، ويدينوا له بمعناه، وذلك موصول بقوله: الحمد لله رب العالمين، وكأنه قال: قولوا هذا وهذا فأفضى كلام ابن جرير -رحمه الله- إلى أنه لا بد من التقدير كما في كلام المفسر عندنا. طالب: وكلام ابن جرير يعني أوضح من كلام السيوطي على طوله ... لا، لا، ما هو بطويل، سطر، ولا بالسيوطي بعد، المحلي. طالب: قصدي المحلي، كلام ابن جرير الطويل .... لا، "ويقدر في أولها قولوا؛ ليكون ما قبل إياك نعبد مناسباً له بكونها من مقول العباد" هذا كلام ابن حجر. طالب: أقول: يا شيخ كلام ابن جرير أطول وأوضح. لكن هذا واضح كلام السيوطي، وكلام ابن جرير معروف رزالته وزنته عند أهل العلم، التفسير كله بهذه الطريقة، ولذا استحق أن يسمى إمام المفسرين، كلام متين، ورصين، وغالبه منقول، إما من الأحاديث المرفوعة، أو من أقوال السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ممن له عناية بالتفسير، ويأتي بكلامٍ يوفق به بين النصوص ويوجه بكلام متين لا مثيل له عند غيره. طالب: يا شيخ. . . . . . . . . نقل الآثار عن ابن كثير .... لا، لا، ابن كثير جزء، لا، لا، ما بينهما نسبة. طالب: يعني يستحق إمام المفسرين (ابن جرير)؟

إمام المفسرين بلا شك، بلا شك نعم، وفيه نظر أيضاً، الآن الحمد لله جملة خبرية وإلا إنشائية؟ خبرية باعتبار أنها مركبة من مبتدأ وخبر، لكن ماذا قصد بها؟ قصد بها الإنشاء، الآن القائل: الحمد لله رب العالمين، نعود إلى التقدير، قولوا: الحمد لله رب العالمين، وهذا ما اختاره المفسر عندنا، واختاره الطبري أيضاً، ومنهم من يقول: لا مانع من أن يكون أولها من قول الله -سبحانه وتعالى- يثني به على نفسه، وآخرها من مقول العباد، وحينئذٍ يكون فيها الالتفات، لكن إذا قلنا: الحمد لله رب العالمين من مقول العباد أيضاً، امتثالاً للأمر المقدر قولوا ما في التفات، كله كلام متسق من كلام العباد. طالب: ما هي الحاجة للتقدير، والرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي .. )) فهذا خبر أنها قسمت .. فما لها حاجة إلى هذا ... ؟ هم يقولون: ليكون الكلام كله متناسق، لا يوجد ما يمنع من أن يكون أولها من كلام الله، وآخرها من كلام العباد. طالب: أين تقدر (قولوا) على هذا القول؟ في أولها، قولوا الحمد لله رب العالمين، وقولوا: إياك نعبد وإياك نستعين. طالب: إذا قلنا: تقدر (قولوا) في أولها يصبح أولها من مقول العباد، قولوا: الحمد لله .. لا، قولوا أمر من الله -سبحانه وتعالى-، ويكون الحمد لله رب العالمين، امتثال من العباد من مقول العباد امتثال لذلك الأمر. طالب: إذاً من مقول العباد، عندنا أحسن الله إليك قولين. إذا قلت لك: سم، فقلتَ: بسم الله الرحمن الرحيم، أيهما من مقولك؟ طالب: بسم الله الرحمن الرحيم. وقولي؟ طالب: مقولك: سم. سم، سم مقولي، أمرك بالتسمية من مقولي، وامتثالك لهذا الأمر وقولك: بسم الله الرحمن الرحيم من مقولك، فحينما نقدر قولوا من الذي يقولوا: الحمد لله رب العالمين؟ طالب: الله -سبحانه وتعالى- يأمر عباده. نعم يأمر عباده بأن يقولوا الحمد لله رب العالمين، فمقول العباد امتثال هذا الأمر. طالب: إذاً ما فرق بين أن تكون الفاتحة كلها من مقول، في الجزء الأول منها ما في فرق بين أن تكون كلها من مقول العباد، أو أولها من مقول الله، كلاهما يبدأ بكلمة قولوا، أو يقدر بكلمة قولوا.

لا،. . . . . . . . . ما يحتاج إلى تقدير. طالب: وين؟ ما نحتاج إلى تقدير الله -سبحانه وتعالى- في أولها أثنى على نفسه. طالب: هذا سؤالي أنا أقول: على القول الذي يقول: أن أولها من كلام الله -سبحانه وتعالى- لا نحتاج (قولوا) في أولها؟ أين نقدر؟ توك تفهم هذا الكلام، وتوك تقرره، وإلا قبل ما ... ؟ طالب: أقول أين نقدر ... لا تقدر. طالب: حتى في آخرها؟ إيه، إياك نعبد معروف أنه ليس من مقول الله. طالب: يعني نقدر (قولوا) على هذا القول عند إياك نعبد، قولوا إياك نعبد وإياك نستعين؟ إيه، لكن كونك تقدر من أول السورة يقولوا: على شان تكون مساقها واحد، كلها من مقول العباد أولى، وهذا ما قرره ابن جرير وغيره، وعرفنا أنه لا مانع من أن يكون أولها من قول الله، وآخرها من مقول العباد يعني، والقائل هو الله -سبحانه وتعالى-، وهو المتكلم بالقرآن أوله وآخره، يعني ما يتصور أن القرآن بعضه من الله، وبعضه حكاية عن الله، وما أشبه ذلك، كله من كلام الله -سبحانه وتعالى-، فقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] الله -سبحانه وتعالى- هو الذي قاله على لسان خلقه، وفي أيضاً في القرآن ما جاء على ألسنة الكفار، وهو من مقول الله -سبحانه وتعالى-، ولمن قرأه بكل حرف عشر حسنات، يعني حينما يقول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] حينما يقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [(38) سورة القصص] تقول: لا هذا شرك ما يجوز أقوله؟ لا، الله الذي قاله، وأنت مأمور بقراءته، وأيضاً تؤجر على قراءته، والله -سبحانه وتعالى- هو الذي نطق به على لسان فرعون، هذا ظاهر، يعني لا نقول: إن مثل هذا الكلام حكاية عن الله -سبحانه وتعالى- لا، بل هو حكاية الله -سبحانه وتعالى-، وقوله على ألسنة من نسب إليهم. البسملة تقدم الحديث عنها من حيث المعنى والحكم، وهل هي آية أو ليست بآية؟ ومن حيث الجهر وعدمه؟ طالب: يمكن لمتكلم أن يقول مثلاً: فرعون قال: ذروني أقتل موسى وليدع ربه، بدون ابتداء يا شيخ؟ قالها بالعربية؟ طالب: لا، يعني ابتداءً يعني كخطيب أو كذا؟

لكن هل قالها بالعربية؟ أو الله -سبحانه وتعالى- قالها بالعربية على لسانه؟ الله الذي قاله، هذا كلام الله، يعني هل يجوز للجنب أن يقرأ مثل هذا الكلام؟ إذاً هو كلام الله بلا شك. طالب:. . . . . . . . . الآن استدلوا به على أن كلام أهل الجنة بالعربية أو ليس بالعربية؟ طالب:. . . . . . . . . وجه الدلالة؟ طالب:. . . . . . . . . إيه هل قالها مرة أو مرتين؟ {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [(25) سورة النازعات] الأولى {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [(38) سورة القصص] والثاني: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] وكان بينهما على ما قيل أربعون سنة {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [(25) سورة النازعات] كونه اختلف مرة قال كذا، ومرة قال كذا، هو مرة قال كذا، ومرة قال كذا، ظاهر؟ طالب: أحسن الله إليك، سمعت أحدهم يقول وهو يرغّب في الحفظ، يقول: إن القرآن عبارة، المصحف هذا عبارة عن ملك يحوله الله -سبحانه وتعالى- يوم القيامة يدافع عن أصحابه هل هذا صحيح؟ الأمر الثاني: هل يلزم على قوله القول أن القرآن مخلوق؟ القرآن يحول إلى ملك؟! القرآن نفسه يحاجّ عن أصحابه، البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما. طالب: كيف تحاجان؟ القدرة الإلهية تنطقه. طالب: السورة نفسها تنطق؟ سبحان الله القادر على أن يقول للسماء والأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين، وش قالوا؟ وشلون تكلموا؟ لهم لسان يتكلمون؟ القدرة الإلهية صالحة لكل شيء، ما تتخيله وما لا تتخيله. طالب: يعني إذاً كلامه هذا يعتبر خطأ أن يقال: أنه يتحول إلى ملك؟ ملك، ليس بملك أبداً، القرآن هو القرآن. طالب: لكن يلزم على كلامه .... لكن هل الكلام والمحاجة حقيقية أو مجازية؟ هذا محل الكلام، يعني هل حقيقة يتكلم بحرف وصوت ويحاجّ؟ نقول: لا مانع أن يتكلم بحرف وصوت ويحاج ويجادل عن صاحبه، طالب:. . . . . . . . . يعني ليش نحوله لملك؟ طالب: لا، أنا أقول: يعني إذا كلامه خطأ، هل يلزم عليه أن القرآن مخلوق؟ لا، لا، ما يلزم أبداً. طالب: والصحيح أن المحاجة حقيقية؟ حقيقية إيه وش اللي يمنع؟ لا مانع منها.

كأنك مليت أنت يا أبو عبد الله، ضامر، الله المستعان، محنا مسوين شيء؟ أطول من الأول، بس أننا اللغة خففناه وإلا أطول من الأول. طالب:. . . . . . . . . والله الأسئلة أنا حقيقةً منعها فيه ما فيه؛ لأنها توضح بعض المراد، أحياناً أنا ما أستطيع أن أبين عما في نفسي فيسأل سائل يكون سبب في الإيضاح، وأحياناً أنا أغفل عن بعض الشيء يكون السائل سبب .. ، وإن كان العلم ما ينتهي، الفاتحة عند الرازي في مجلد، واستنبط منها عشرة آلاف مسألة، وهي محتملة لأضعاف ذلك، لكن العلم ما ينتهي، لا بد من الحسم، إن أردتم النهاية لا بد من الحسم، وإن أردتم الفائدة المسألة مفتوحة. والآن مع الدرس الرابع بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال المصنف -رحمه الله تعالى-: {الْحَمْدُ للهِ} [(2) سورة الفاتحة] جملة خبرية قصد بها الثناء على الله بمضمونها على أنه تعالى مالك ... بمضمونها؟ بمضمونها على أنه تعالى ... كذا عندكم؟ من أنه؟ من أنه من أنه تعالى مالك لجميع الحمد من الخلق، أو مستحق لأن يحمدوه، والله علم على المعبود بحق. نعم إيه عدّل من أنه تعالى. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المفسر -رحمه الله تعالى-: {الْحَمْدُ للهِ} [(2) سورة الفاتحة] جملة خبرية، وإذا قدرنا الأمر (قولوا) فتكون هذه الجملة في موقع مقول القول، وحينئذٍ يكون محلها النصب، فهي جملة خبرية قصد بها الثناء على الله -سبحانه وتعالى-، بلفظها أو بمضمونها؟ ويكون قصد بها الثناء على الله بمضمونها من أنه تعالى مالك لجميع الحمد، اللفظ: الحمد لله، وأيضاً قوله: قصد بها الثناء، هذا ما عليه الجمهور من تفسير الحمد بالثناء، فالحمد عندهم سواء كانوا من المفسرين أو من غيرهم يطلق ويراد به الثناء على الله -سبحانه وتعالى-، هذا إذا أضيف إلى الله، وإذا أطلق فالمراد به الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية بخلاف الصفات الإجبارية، متى يحمد الإنسان؟ يحمد إذا كانت خصاله الاختيارية محلاً للحمد والثناء، أما الصفات الإجبارية كون الإنسان أبيض، كونه طويل أو قصير أو غير ذلك من الصفات الإجبارية التي لا يد له بها، يحمد عليها؟ لا، إنما يحمد على الصفات الاختيارية التي يستطيع فعلها، ويستطيع مفارقتها، وفسّر ابن جرير -رحمه الله تعالى- الحمد بالشكر خالصاً لله -جل ثناؤه- دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برء من خلقه، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد، فالجمهور فسروا الحمد بالثناء، وابن جرير فسره بالشكر، وروى بسنده عن ابن عباس تفسير الحمد بالشكر، والسند إلى ابن عباس ضعيف، وأيضاً روى بسنده مرفوعاً إذا قلت: الحمد لله رب العالمين فقد شكرت الله فزادك، وسنده أيضاً ضعيف. تفسير الحمد بالشكر، وهو ما ذهب إليه ابن جرير معروف أنه على خلاف ما قال جمهور العلماء من أن الحمد غير الشكر، بين الحمد والشكر عموم وخصوص وجهي، فالحمد أعم مطلقاً، وأخص من وجه، أعم من وجه، وأخص من وجه، والشكر أعم من وجه، وأخص من وجه، فالحمد أعم من حيث المتعلق؛ لأنه -سبحانه وتعالى- يحمد على كل حال، في مقابل النعم وفي غير مقابل النعم، بل لا يحمد على مكروهٍ سواه، فهو أعم من هذه الحيثية، فإذا أصاب المرء مصيبة قال: الحمد لله، لكن هل يشكر الله على هذه المصيبة؟ لا، فهو أعم من هذه الحيثية، وأخص من حيث تعلقه باللسان فقط، بخلاف

الشكر، أما الشكر فلا يقع إلا في مقابل نعمة، ويكون باللسان والجوارح والقلب وغيره، فبينهما عموم وخصوص وجهي، هذا ما قرره أهل العلم بالنسبة للحمد والشكر، أما بالنسبة للحمد مع الثناء فالجمهور على ما ذكرنا، يفسرون الحمد بالثناء، والذي حرره ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الوابل الصيب أن الحمد غير الثناء، فالحمد هو الإخبار عن الله -سبحانه وتعالى- بصفات كماله مع محبته والرضا به، الإخبار عن الله -سبحانه وتعالى- بصفات كماله مع محبته والرضا به، فلا يكون المحب الساكت حامداً، ولا المثني بلا محبة حامداً، حتى تجتمع له المحبة والثناء، فإن كرر هذا الإخبار عن الله -سبحانه وتعالى- بصفاته، إن كرره كان هذا التكرار ثناءً، يقول: فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء كان مجداً، إذاً صفات كمال وصفات جلال، وبعضهم يضيف صفات جمال، هذا لا يوجد في كلام المتقدمين من السلف، تقسيم الصفات إلى ثلاثة أقسام، نعم يوجد في كلام المتأخرين ..

سورة الفاتحة (3)

تفسير الجلالين - سورة الفاتحة (3) إلى قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] الشيخ: عبد الكريم الخضير فالإخبار عن الله بصفات كماله هذا حمد، المدح والثناء بصفات الجلال والعظمة والكبرياء هذا مجد، تكرار المحامد ثناء، يقول: "وقد جمع الله تعالى لعبده الأنواع الثلاثة في أول الفاتحة، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، هذا في الحديث الصحيح ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى عليّ عبدي)) فغاير بين الحمد والثناء، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، و (أل) في الحمد لله هذه للاستغراق، فجميع أجناس الحمد، وصنوفه وأفراده لله -سبحانه وتعالى-، كما جاء في الحديث: ((اللهم لك الحمد كله)) واللام في لله للاختصاص، نقول: للاختصاص أو للملك؟ إذا كان ما قبل اللام معنى كان للاختصاص، إذا قلنا: المسجد لله ملك، وإذا قلنا: المسجد لبني حارثة، وش يجي؟ أو المسجد لبني زريق، جاءت النصوص بهذا، في الحديث الصحيح، اللام هذه لإيش؟ هم يقولون: إذا كان ما قبل اللام معنى كان للاختصاص، المسجد لبني زريق، إذا قلنا هذا، أو مسجد بني زريق، الإضافة تفيد، تفيد الملك؟ لا، شبه الملك؟ لا، القفل للباب، الجل للفرس، المقبرة لبني فلان، على القول بأن المصحف لا يملك، المصحف لفلان، مصحف زيد، طالب:. . . . . . . . . نعم، لكن التعريف وش فائدته؟ يعني أيهما أعلى مرتبة الملك أو الاختصاص؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؛ لأن المالك يتصرف في المملوك، بينما المختص لا يتصرف فيما اختص به، قالوا: اللام هنا للاختصاص؛ لأن ما قبلها معنى، هذا جاري على قاعدتهم، لكن إذا قلنا: الملك أرفع من الاختصاص، نعم هو أرفع من الاختصاص في الأجسام، فيما يتصرف فيه، والاختصاص هنا معناه القصر، فقصر الحمد المستغرق بـ (أل) لجميع أنواع المحامد وصنوفه مخصوص لله -سبحانه وتعالى-. اقرؤوا يالإخوان، خلينا نمشي.

طالب: بالنسبة للتقسيم عند المتأخرين للصفات ما يخالف منهج السلف؟ حصر القسمة في الثلاثة جلال وجمال وكمال، لا يوجد في كلام السلف، تقسيم أو حصر حادث طارئ، لكن وجد في كلامهم صفات الكمال، وجد أن هذا من صفات الكمال لله -سبحانه وتعالى-، وأيضاً الجلال والعظمة لله -سبحانه وتعالى- معروف هذا، والجمال وصف الجمال، أما تصنيف الصفات إلى ثلاثة أقسام وحصر القسمة فيها هذا لا يعرف، نعم يوجد الألفاظ الثلاثة في كلامهم متفرق، الألفاظ الثلاثة موجودة في كلامهم متفرق، يعني نظير ما قالوا في تقسيم الحديث إلى ثلاثة أقسام، يوجد في كلامهم الصحيح، يوجد في كلامهم الضعيف، يوجد في كلامهم الحسن، لكن حصر القسمة في الثلاثة أول من قال به من؟ حصر القسمة في الثلاثة؟ الخطابي، الخطابي هو أول من حصر القسمة في الثلاثة، وأورد عليه ابن كثير، وأجيب هذه الإيرادات، والقسمة صحيحة، نعم الحصر لا يوجد في كلام المتقدمين، لكن أفرادها موجودة. {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(2) سورة الفاتحة] أي مالك جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة والدواب وغيرهم، وكل منها يطلق عليه عالم، يقال: عالم الإنس وعالم الجن إلى غير ذلك، وغُلّب في جمعه بالياء والنون أولي العلم على غيرهم، وهو من العلامة؛ لأنه علامة على موجده.

رب العالمين، الرب يطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح، وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى؛ لأن الرب من التربية، فالرب هو الذي ربى جميع العالمين بنعمه، وهو سيدهم، وهو خالقهم ومالكهم، ولا يستعمل الرب بغير إضافة إلا لله -سبحانه وتعالى-، أما بالإضافة فيجوز أن يطلق على غير الله -سبحانه وتعالى-، فتقول: رب الدار، رب الدابة، وغير ذلك، يقول ابن جرير: "والعالمون جمع عالم، والعالم لا واحد له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش ونحو ذلك" العالم لا واحد له من لفظه، والعالم اسم لأصناف الأمم فكل صنف منها عالم، وأهل كل قرنٍ من كل صنفٍ منها عالم ذلك القرن، وعالم ذلك الزمان، ولذا جاء تفضيل بن إسرائيل على العالمين، والمراد بهم على زمانهم، وإلا فهذه الأمة أفضل من بني إسرائيل، وغُلّب في جمعه بالياء والنون أولو العلم على غيرهم، أي جمع العالمون جمع مذكر سالم، ومن شرطه أن يكون إيش؟ من شرط جمع المذكر السالم أن يكون لعاقل، فإذا قلنا: من شرط الجمع المذكر السالم أن يكون لعاقل فكيف نقول: من كل صنف من المخلوقات عالم الدواب عالم الطير عالم .. ، كيف نجمعهم جمع مذكر سالم؟ يقول الشارح: غلّبوا يعني العقلاء على غيرهم لشرفهم، فلا شك أن من يعقل أشرف ممن لا يعقل، ومنهم من خصّ العالم بالعقلاء، وعلى هذا إذا خصصنا العالم بالعقلاء، لا نحتاج إلى أن نقول: خصوا بذلك لشرفهم، بل جاء الجمع جمع المذكر السالم على أصله، وهو مروي عن ابن عباس قال في تفسير الآية: رب العالمين رب الإنس والجن، واستدل له القرطبي بقوله تعالى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [(1) سورة الفرقان] والعالمون هنا الإنس والجن، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] وقال الفراء وأبو عبيدة: "العالم عبارة عما يعقل، وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين" يعني ذكر الشياطين له داعي وإلا ما له داعي؟ طالب: ما له داعي. لماذا؟ لأنهم من الجن والإنس {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [(112) سورة الأنعام] فالشياطين عقلاء، لكن لهم قلوب لا يفقهون بها، أو لا يعقلون بها، الإنس والجن والملائكة، الملائكة عقلاء وإلا ليسوا عقلاء؟

طالب:. . . . . . . . . ما في خلاف؟ طالب:. . . . . . . . . الإنس والجن عقلاء؛ لأنهم مكلفون، والتكليف مناطه العقل، الملائكة؟ طالب:. . . . . . . . . وش هو؟ إذاً ما عندهم عقل! طالب:. . . . . . . . . فهم من أعقل المخلوقات، في رسالة اسمها: تنبيه النبلاء إلى الرد على حامد الفقيه في قوله أن الملائكة غير عقلاء، رسالة مطبوعة، الظاهر أنها للمعصومي الخجندي، المقصود أن بحث مثل هذه المسألة يعني إن كان العقل الذي به تشريف العاقل فهم أولى الناس به، وإن كان المراد به العقل الذي هو مناط التكليف، وأنهم به صاروا مكلفين باتباع الأوامر والنواهي فهم متبعون، لا يعصون، ويفعلون ما يؤمرون، فإذا فعلوا ما أمروا به، ولم يعصوا، ولم يرتكبوا ما نهوا عنه، هذا هو عين العقل.

وقوله: وهو العلامة؛ لأنه علامة على موجده، فالعالم هو ما سوى الله -سبحانه وتعالى- حادث، وكل حادث لا بد له من محدث وموجود، فهذه الموجودات وهذه المخلوقات علامة ودليل برهان على موجدها، كما أن الأثر يدل .. ، وكما أن البعرة تدل على البعير، فإذا وجدت أثراً لماشٍ على الأرض تجزم بأن هناك مسير، هناك من سار على هذه الأرض، وإذا وجدت بعرة بعيرة تجزم بأنه قد حل هنا بعير، يقول تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [(35) سورة الطور] فلا يعقل أنهم خلقوا من غير خالق، ولا يتصور أنهم هم الخالقون لأنفسهم؛ لأن المعدوم لا يخلق ولا يوجد، فلا بد لهم من خالقٍ غيرهم، وهو الله -سبحانه وتعالى-، وجاء في حديث عن قصة جبير بن مطعم أنه لما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في سورة المغرب من سورة الطور وصل إلى هذه الآية كاد قلبه يطير، حجة دامغة، حجة ملزمة {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [(35) سورة الطور] كما جاء في المثل، وأن هناك سفينة كبيرة تجري في البحر على ظهرها ما على ظهرها من أنواع البضائع، وصنوف المأكولات والمركوبات والمشروبات وغيرها هذه لا بد لها من موجد، لا بد لها من صانع، وهذه المخلوقات لا بد لها من صانع؛ لأنها لا يتصور أن تخلق نفسها، ولا يتصور أنها وجدت هكذا من غير سبب، ومن غير موجود، لهذا يقول الشاعر: وفي كل شيءٍ له آية ... تدل على أنه واحد -سبحانه وتعالى-. طالب:. . . . . . . . . جاء في الحديث الصحيح ((والحمد لله)) نعم ها؟ طالب:. . . . . . . . . أين هي التي تملا؟ من يذكر الحديث كامل؟ طالب:. . . . . . . . . ((الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء ... )) طالب:. . . . . . . . .

((وسبحان الله، والحمد لله تملآن، أو تملأ)) الآن المفاضلة بين التسبيح والحمد، أيهما أفضل؟ المفاضلة بين التسبيح والحمد، إذا قلنا: تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، ولا إله إلا الله لو وضعت في كفة والسماوات السبع والأراضين السبع لمالت ورجحت بهن لا إله إلا الله، لا شك أن لا إله إلا الله، هي أفضل الأذكار، وجاء في الحديث الصحيح: ((خير الدعاء، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله)) فأفضل الأذكار على الإطلاق لا إله إلا الله، والمفاضلة عند أهل العلم بين التسبيح والتحميد، فالتسبيح هو التنزيه، والتحميد هو الإخبار عن الله -سبحانه وتعالى- بصفات كماله، وعلى كلٍ هن الباقيات الصالحات، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا يضرك بأيهن بدأت، وفي كل واحدةٍ منها شجرة في الجنة، في الحديث الصحيح عن إبراهيم -عليه السلام-: ((أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان وغراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) أو ما علمت بأنها القيعان ... فاغرس ما تشاء بذا الزمان الفاني وغراسها التسبيح والتحميد ... والتكبير والتوحيد للرحمنِ المقصود أن هذه الكلمات الأربع خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، ثوابها عظيم، وهن الباقيات الصالحات، {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [(46) سورة الكهف] والحديث الصحيح الذي ختم به الإمام البخاري صحيحه: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) لكن الحرمان لا نهاية له، وفضل الله لا يحد، فمن وفّق، وجعل لسانه رطباً بذكر الله سواءً كان بتسبيح أو تحميد أو تهليل أو تكبير أو غيرها مما جاءت به الأخبار فهو الموفق، ومن حرم فصمت فهو محروم، ومن نطق بمفضول أو ممنوع فأشد في الحرمان، فهو الخسران، نسأل الله العافية. طالب: الاشتقاق -يا شيخ- العالم من العِلْم وإلا العَلَم؟

العالم مشتق من إيش؟ من العلامة؛ لأنه علامة على خالقه وموجده، أو من العِلْم لأن من شأنه أن يعلم، فالذي يخص العالم بالعقلاء يقول: من العِلْم، والذي يجعل العالم عام لجميع ما سوى الله -جل وعلا- هو قول الأكثر يجعله من العلامة. {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} [(3) سورة الفاتحة] أي ذي الرحمة، وهي إرادة الخير لأهله. نعم، تقدم تفسير الرحمن الرحيم في تفسير البسملة، والمفسر هنا جرى على طريقة الأشعرية في تأويل صفة الرحمة لله -سبحانه وتعالى- بإرادة الخير، تفسير الصفة بلازمها، بإرادة الخير لأهله أي لمن يستحقه، فراراً من إثبات صفة الرحمة لله -سبحانه وتعالى-، والذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله -سبحانه وتعالى- لنفسه، وما أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من صفات الكمال، ونعوت الجلال على ما يليق بجلاله وعظمته من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تأويل، ولا وتعطيل، وفي صحيح البخاري: الرحمن الرحيم اسمان من الرحمة، الرحيم والراحم بمعنىً واحد، كالعليم والعالم، وذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري عن ابن المبارك: الرحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب، الرحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب، ثم قال: ومن الشاذ ما روي عن المبرد وثعلب أن الرحمن عبراني، والرحيم عربي، وقد ضعفه ابن الأنباري والزجاج وغيرهما، وقد وجد في اللسان العبراني لكنه بالخاء المعجمة، يقول: الرحمن عبراني، نعم هو وجد بالعبرانية لكنه بالخاء المعجمة، ومعروف اللغة العبرية أكثرها خاء، الشين والخاء لا تكاد تخلو منها جملة من جمله. {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [(4) سورة الفاتحة] أي الجزاء، وهو يوم القيامة، وخص بالذكر لأنه لا ملك ظاهراً فيه لأحد إلا لله تعالى، بدليل {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ} [(16) سورة غافر] ومن قرأ مالك فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة، أو هو موصوف بذلك دائماً كغافر الذنب، فصح وقوعه صفةً لمعرفة.

{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [(4) سورة الفاتحة] أي الجزاء، قرئ مالك وملك وكلاهما صحيح، بل متواتر، ويقال أيضاً: مليك بالياء، وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ ملكي يوم الدين، وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ: ملَك يوم الدين، على أنه فعل وفاعل ومفعول، ملَك يوم الدين، قال ابن كثير: وهذا غريب شاذ جداً، يعني ينقل عن أبي حنيفة قراءات كما هنا: ملَك يوم الدين، والله أعلم بثبوتها عنه، ونقل عنه أيضاً: إنما يخشى اللهُ من عباده العلماء، هذه قراءة منقولة عن أبي حنيفة، ولا تثبت عنه، لا هذه ولا تلك، قال ابن كثير: "وهذا غريب شاذ جداً، أما القراءتان المتواتران مالك وملك فقد رجّح كلاً منهما مرجحون، من حيث المعنى، ملك ومالك، فمن رجح ملك بدون ألف استدل بما أشار إليه المفسر؛ لأنه لا ملك ظاهراً فيه لأحد إلا لله -سبحانه وتعالى-، بدليل قوله تعالى: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}؟ الجواب: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [(16) سورة غافر] لا ملك لأحد يوم القيامة، وقد أضيف الملك إلى يوم الدين الذي هو يوم الجزاء يوم القيامة، ولا ملك لأحدٍ معه -سبحانه وتعالى-، فمن رجح ملك بدون ألف استدل بما أشار إليه المفسر بدليل قوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}؟ وجوابه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [(16) سورة غافر] أي لا ملك لأحدٍ إلا لله -سبحانه وتعالى-، كما قال تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [(26) سورة الفرقان] {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ} متى؟ يوم القيامة، {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [(26) سورة الفرقان] بدليل: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [(26) سورة الفرقان] قال ابن كثير: "وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه" يقول ابن كثير: "وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه" لماذا؟ لأنه تقدم الإخبار بأن الله -سبحانه وتعالى- رب العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئاً، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه -سبحانه وتعالى-، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ}

[(38) سورة النبأ] ومن قرأ: مالك بالألف، فمعناه مالك الأمر كله يقول: ومن قرأ مالك يعني بالألف معناه مالك الأمر كله متى؟ في يوم القيامة، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [(40) سورة مريم] فالوارث مالك، {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [(40) سورة مريم] قال القرطبي: "اختلف العلماء أيما أبلغ ملك أو مالك؟ فقيل: ملك أعم وأبلغ من مالك، لماذا؟ إذ كل ملكٍ مالك، وليس كل مالك ملكاً؛ ولأن أمر المُلك، أو أمر المَلك نافذ على المالك في ملكه، حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك، قاله أبو عبيدة والمبرد" ملك أعم وأبلغ من مالك إذ كل ملكٍ مالك، وليس كل مالكٍ مالكاً؛ ولأن أمر المَلك نافذ على المالك في ملكه، حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك قاله أبو عبيدة والمبرد" هذا مشاهد، أقول: هذا مشاهد، شخص عنده قطعة أرض يريد أن يعمرها، قال له الملك ولي الأمر، أو من ينيبه ادخل عن الشارع، قدر عرض الشارع، ادخل مترين ثلاثة عن الشارع، كما هو مطبق الآن لما يرون من المصلحة، الآن أمر الملك نفذ على المالك في ملكه، نفذ عليه في ملكه، لكن هل المالك يتصرف دون إذن الملك؟ وقيل: مالك أبلغ، مالك أبلغ؛ لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفاً وأعظم، إذ إليه إجراء قوانين الشرع، ثم عنده زيادة التملك، مالك أبلغ؛ لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفاً وأعظم إذ إليه إجراء قوانين الشرع، نفترض المسألة في الأرض السابقة، أيهما أبلغ تصرف في هذه الأرض المالك أو الملك؟ أيهما أبلغ تصرف؟ الآن في الصورة السابقة قلنا: أن أمر الملك نفذ على المالك؟ لكن هل يستطيع الملك بوصفه ملكاً أن يتصرف في هذه الأرض بجملتها ويأخذها من صاحبها، ويلغي ملكه عليها وتصرفه فيها؟ لا يمكن؛ لأن هذا هو الظلم بعينه، فالمالك أبلغ في التصرف فيما يخصه من الملك، لكن الملك تصرفه من حيث العموم والشمول، بحيث أنه يستطيع أن يتصرف تصرفاً لا يضر بالمالك في ملك هذا المالك وملك غيره، فهو أبلغ من هذه الحيثية، لكن التصرف الخاص إنما هو للمالك لا للملك، ثم قال القرطبي بعد ذلك: "وقد احتج بعضهم على أن مالكاً أبلغ -يعني

من ملك- لأنه فيه زيادة حرف الألف، فلقارئه عشر حسنات زيادةً عمّن قرأ ملك" وهذا نظر إلى الصيغة لا إلى المعنى، كونه يزداد أجراً لا يعني أنه أبلغ من غيره، بدليل أن حذر أبلغ من حاذر، نعم القاعدة عندهم أن الزيادة في المبنى تدل على زيادة المعنى، وبذا رجحوا الرحمن على الرحيم، قالوا: لإن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، لكن الثواب المرتب على القراءة غير البلاغة، والمسألة في أيهما أبلغ؟ وقد يتكلم الإنسان بكلامٍ طويل فيه إطناب أو مساواة، وأبلغ منه الاختصار والإيجاز، فكونه فيه زيادة حرف، ويترتب على القراءة به زيادة الفضل، مسألة خارجة عن كونه أبلغ أو أقل بلاغة، لكن إذا قلنا: إن هذا أبلغ، وهذا أكثر أجر، فماذا نرجح؟ إذا قلنا: ملك كما نقول: حذر أبلغ من مالك كحاذر، ومالك فيه زيادة حرف، وفيه زيادة عشر حسنات، فأيهما أرجح؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . أكثر حسنات، أولاً: نعرف أن القراءتين متواترتان، فبأيهما قرأ القارئ فمصيب، لكن ما الذي يختاره الإنسان لنفسه؟ هل يقرأ مالك؛ لأن فيه زيادة حرف، وفيه زيادة عشر حسنات، أو يقرأ ملك لأنها أبلغ؟ طالب:. . . . . . . . . لكن إذا قرأ ملك فرط بعشر حسنات، أولاً: ما المراد بالحرف الذي يرتب عليه الثواب؟ نعم هل هو حرف المبنى أو حرف المعنى؟ معنى وإلا مبنى؟ طالب:. . . . . . . . .

ما قال: (أ َ) حرف؟ لكن أيهما أكثر ثواباً (ألف لام ميم) أو (ألم)؟ إذا قلنا: إن المقصود حرف المبنى، قلنا: أن (ألم) في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} [(6) سورة الفجر] مثل: {الم} [(1) سورة البقرة] لا فرق، بل نحتاج إلى أن نقول: {الم} ما هي ثلاثة حروف، تسعة حروف، والفرق ليس بالشيء اليسير، إما أن يكون القرآن ثلاثمائة ألف حرف أو سبعين ألف حرف، الفرق كبير، إما أن تكون الختمة بثلاثة ملايين حسنة، أو سبعمائة ألف حسنة، الفرق ليس باليسير، وعلى كلٍ في لغة العرب يطلق الحرف ويراد به هذا، ويراد به ذاك، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يميل إلى أن المراد بالحرف حرف المعنى، ولذا لو قرأت: مالك وملك أجرك واحد، يعني إذا قلنا: مالك وملك حرف واحد، وإذا قلنا: ملك ثلاثة حروف، ومالك أربعة على أن المراد حرف المبنى اختلف، لكن على أن المراد حرف المعنى الكلمة حرف واحد، كلها كلمة واحدة ملك ومالك، ما في فرق، والذي يراه الأكثر أن المراد حروف المباني، ولا شك أن فضل الله -سبحانه وتعالى- وما يرجوه المسلم ثواب عظيم جزيل في قراءة القرآن يطمعه في أن يكون المراد حرف المبنى، وإن عظم القائل بالقول الآخر، بل ثقتنا بفضل الله -سبحانه وتعالى- وكرمه وجوده أعظم من ثقتنا بعلم شيخ الإسلام وقوة حجته ودليله، نعم. طالب:. . . . . . . . . الكلمة حرف عندهم، سواءً كانت حرف أو اسم أو فعل، هي حرف، فملك حرف، وكيف حرف، والهمزة بمفردها حرف. طالب:. . . . . . . . . هو ما قاله زميلك قبل قليل، لكن تظن أن قولك: {الم} [(1) سورة البقرة] فيها من الأجر مثل (ألم)؟ {الم} [(1) سورة البقرة] مثل (ألم)؟ طالب:. . . . . . . . . لا، أنت إذا نطقت بالكلمة خرج لك من {الم} [(1) سورة البقرة] تسعة حروف، ما هي ثلاثة ها؟ طالب:. . . . . . . . . وش الصوت؟ طالب:. . . . . . . . . طيب الفاء هذه أليس لها اعتبار في ألف؟ ما لها أجر وليس لها ثواب؟ لا، لا، المسألة ترى ما هي بسهلة مثل ما تتصور. طالب:. . . . . . . . .

أن تكون {الم} [(1) سورة البقرة] حرف واحد، لا، لكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، نفى أن يكون {الم} [(1) سورة البقرة] الثلاثة الحروف نفى أن تكون حرفاً واحداً. طالب:. . . . . . . . . كيف كلمة واحدة؟ لا، إذا فصلتها ثلاث كلمات، ألف كلمة، ولام كلمة، وميم كلمة. والله إني بعيد العهد جداً، وكأن ابن الجزري نقله عنه أيضاً، بعيد عن موضعه من كلام شيخ الإسلام. طالب:. . . . . . . . . الحرف الذي ينطق به، باسمه غير الذي ينطق بلفظه، فرق بين أن تقول: (أ َ) وألف؟ وبين أن تقول: (كَ) وكاف؟ طالب: يعني لو كتبت (كَ) إذا سئل ما هذا الحرف قال: كاف، ولو قيل له انطق: قال: (كَ) إن كان في كلمة، وإن كان مفرد قال: كاف، فكيفية نطق الحرف. . . . . . . . . تركيبه من عدمه .. ؟ لكن الثواب المرتب على النطق وإلا على الصورة؟ طالب: الثواب مرتب على أن يقرأ هذا الحرف أيِّ كان على صفته التي أنزله الله بها. تأمل، تأمل تجد، على كلٍ كون القرآن ثلاثمائة ألف حرف أحسن للقارئ من أن يكون سبعين ألف حرف، والمراد بالحرف الكلمة.

في صحيح البخاري: الدين الجزاء في الخير والشر، كما تدين تدان، وقال مجاهد: بالدين الحساب، مدينين: محاسبين، قال ابن حجر: "وللدين معانٍ أخرى منها: العادة والعمل والحكم والحال والخلق والطاعة والقهر والملة والشريعة والورع والسياسة وشواهد ذلك يطول ذكرها" {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [(76) سورة يوسف] إيش معنى دين الملك؟ من معاني الدين السياسة، من معاني الدين الشريعة، وقوله: ومن قرأ مالك فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة، أي هو موصوف بذلك دائماً كغافر الذنب، فصح وقوعه صفةً للمعرفة، هو الآن يريد أن يتنصل من إشكال، وإلا ما الداعي لذلك كله، مالك معناه مالك الأمر كله في يوم القيامة، وينتهي الإشكال، لكن قال: أي هو موصوف بذلك دائماً، فصح وقوعه صفةً للمعرفة، وقوله: أي هو موصوف بذلك دائماً، أي بكونه مالكاً بالألف، وهذا جواب عن سؤال، وهو أن إضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية، فلا تكون معطيةً بمعنى التعريف، فكيف ساغ وقوعه صفةً للمعرفة؟ الآن مالك يوم الدين صفة لإيش؟ لله، والله معرفة، بل هو أعرف المعارف على ما تقدم عند سيبويه، مالك يوم الدين اسم فاعل مالك، وإضافة اسم الفاعل تفيد التعريف وإلا ما تفيد؟ لأنها غير حقيقية، إضافة لفظية، فكيف يوصف المعرفة بما لم يستفد التعريف من المضاف إليه؟ الجواب كما في قول المفسر أنه موصوف بذلك دائماً، فهو موصوف بذلك بكونه مالك على الاستمرار والدوام، وحينئذٍ تكون إضافته حقيقية، إذا كان موصوف بذلك على الدوام كانت إضافته حقيقية، لماذا؟ لأنه إنما تكون إضافة اسم الفاعل غير حقيقية إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال، وحينئذٍ تكون الإضافة في تقدير الانفصال كقولك: مالك الدار الساعة أو غداً، فأما إذا قصد المضي أو الاستمرار كانت الإضافة حقيقية، كما في قوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنبِ} [(3) سورة غافر] أي أنه -سبحانه وتعالى- يغفر الذنوب دائماً، يغفر الذنوب في الحال وفي الاستقبال، كما أنه يغفرها في الماضي، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة، أي هو موصوف بذلك دائماً، الآن عندنا الأصل القواعد، القواعد هي الأصل، وما خالف

القواعد يحتاج إلى تأويل، هذا عند من؟ عند النحاة، وإذا كان المخالف من النصوص حديث هذا لا يشكل عليهم كثيراً؛ لأنهم يقولون: الحديث مروي بالمعنى، والراوي قد يكون ممن لا يحتج به في اللغة، لكن إذا كان المخالف للقاعدة آية من كتاب الله متواترة يحتاجون أن يؤولوا، وأن يقدروا من أجل أن تنضبط قواعدهم {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [(1) سورة الانشقاق] {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} [(1) سورة الانفطار] السماء مرفوع إيش؟ فاعل بإيش؟ بفعلٍ محذوف يفسره المذكور، لا بد أن تقول: إذا انشقت السماء انشقت، إذا انفطرت السماء انفطرت، على شان إيش؟ على شان تنضبط قاعدتهم، لماذا لا نضبط القواعد على القرآن؟ المحفوظ من التغيير والتبديل، علماً بأن هذه القواعد مهما حاولوا وجدّوا في ضبطها فهي مخرومة، سواء كانت بالنصوص، أو كانت لغات العرب الأخرى، ولذا تجدون الخلاف الطويل العريض بين الكوفيين والبصريين، وعلل النحاة تكاد تنضبط، فهم يحاولون أن ينزلوا النصوص على قواعدهم، الآن إذا كان معك ساعة تريد أن تضبط الساعة أنت تضبطها على الشمس وطلوعها وغروبها زوالها، أو تحكم على الشمس بزوالها وغروبها وطلوعها تحكم على ذلك بساعتك؟ أيهما الأصل أن تضبط ساعتك على الثوابت التي تعرف بها الأوقات، بخلاف من يضبط هذه الأوقات بالساعة، لو افترضنا أن ساعته قدمت أو أخرت، ضعف الحجر أو نسي؛ لأنه كانت الساعات ما هي على الأحجار تتعبى، يعشيها نعم، هذا نظير ما عندنا، يعني نضبط الثابت بالمتغير، والأصل العكس أن نضبط المتغير بالثابت، الآن القرآن محفوظ من التغيير والتبديل، ولذلك تجدون الإشكال كبير عندهم في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ} [(69) سورة المائدة] طالب:. . . . . . . . .

لا المشكلة إيش؟ الصابئون، هذه التي تشكل عليهم، وهذه التي تحتاج إلى جواب؟ ليس البرُّ أن تولوا، أو ليس البرَّ؟ على كلٍ هذه أمرها سهل؛ لأن أنّ وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسم ليس، هذا ما فيه إشكال، الإشكال في مثل قوله تعالى: {وَالصَّابِؤُونَ} [(69) سورة المائدة] وهي معطوفة على اسم (إنّ) فتحتاج أن تقدر لـ (إنّ) خبر، لكي تكون الجملة قد تمّت، ثم تستأنف. وجائز رفعك معطوفاً على ... معمول إنّ بعد أن تستكملا هنا كلامهم كثير في كتب التفسير من أجل أن إضافة اسم الفاعل لفظية، وليست محضة معنوية، وحينئذٍ كيف يوصف المعرفة بما إضافته لفظية؟ لم يكتسب التعريف من الإضافة، فاضطروا أن يقولوا مثل هذا الكلام أن مالك يوم الدين يقصد به الاستمرار، كيف يقصد الاستمرار وهو مضاف إلى يوم الدين؟ هو في المعنى مستمر بلا شك؛ لأنه -سبحانه وتعالى- مالك ليوم الدين، وما قبل يوم الدين، فهو موصوف بـ (مالك) على الاستمرار، وصفه بالملك مستمر، وحينئذٍ ساغ وصف المعرفة به. {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] أي نخصك بالعبادة من توحيد وغيره ونطلب المعونة على العبادة وغيرها.

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي نخصك بالعبادة من توحيدٍ وغيره وبطلب أو ونطلب؟ نخصك بالعبادة ونخصك بطلب المعونة على العبادة وغيرها؛ لأن الاختصاص كما جاء في العبادة جاء في الاستعانة، جاء في طلب الاستعانة، والاختصاص مأخوذ من أين؟ من تقديم المعمول على عامله، والاختصاص بالعبادة، يعني نخصك بالعبادة من توحيدٍ وغيره، وهو أيضاً مخصوص بطلب المعونة على العبادة وغيرها من الأمور، في حاشية الجمل يقول: "لما ذكر الحقيقة بالحمد، ووصفه بصفاتٍ عظامٍ تميّز بها عن سائل الذوات خوطب بإياك نعبد، والمعنى: يا من هذا شأنه نخصك بالعبادة والاستقامة ليكون أدل على الاختصاص والترقي من البرهان إلى العيان، والانتقال من الغيبة إلى الشهود، وكأن المعلوم صار عياناً، والمعقول مشاهداً، والغيبة حضوراً، كيف جاء الترقي؟ ترقي بعد أن كنت تثني على الله -سبحانه وتعالى-، فتقول: الحمد لله، وأنت تتصوره غائباً عنك، لكن لما زدت في ثنائك عليه قلت: لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، كأنك وصلت إلى الحضرة، فكأنك تراه وتخاطبه، ولهذا التفت من الغيبة إلى الخطاب فقلت: إياك، ما قلت: إياه، الحمد لله إياه، هذا مناسب، لكن فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب فقلت: إياك نعبد وإياك نستعين، هذا يسمونه التفات، ابن جني -أبو الفتح- يسمي الالتفات شجاعة العربية، كأنه عنى أنه دليل على حدة ذهن البليغ، وتمكّنه من تصريف أساليب كلامه كيف شاء، كما يتصرف الشجاع في مجال الوغى بالكر والفر، شجاعة العربية، من أمثلة الالتفات قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} [(22) سورة يونس] ما قال: وجرين بكم ويقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب مناسب" لماذا؟ لأنه لما أثنى على الله -سبحانه وتعالى- فكأن اقترب وحضر بين يديه، فلهذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى، وإرشاد لعباده أن يثنوا عليه بذلك، يقول: في هذا دليل على أن أول السورة خبر من

الله تعالى، بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى، خبر، وتقدم لنا في الدرس الماضي في قول المفسر أنه لا بد أن يقدّر، ويقدّر في أولها قولوا ليكون ما قبل إياك نعبد مناسباً له لكونها من مقول العباد، نعم هو من الله -سبحانه وتعالى- ابتداءً، وهو إرشاد للعباد بأن يقولوا هذا الذكر. و {إِيَّاكَ} بتشديد الياء في قراءة السبعة، وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر، وين أبو عمر؟ من عمرو بن فايد هذا؟ يقولون: وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر، بن فايد، إيا، إيا، قالوا: وهي قراءة شاذة مردودة، قال ابن كثير: لأن إيا ضوء الشمس. طالب:. . . . . . . . . لا، لا، هذا عمرو بن فايد، وقراءته هذه شاذة مردودة، قال: لأن إيا ضوء الشمس، على هذا كأنهم قالوا: ضوء شمسك نعبد، هذا مردود بلا شك، وقرأ بعضهم: أيّاك، بفتح الهمزة وتشديد الياء، وقرأ بعضهم: هياك بالهاء بدل الهمزة، وإياك ضمير خطاب، ضمير نصب، قالوا: والأظهر أن كلمة إيا جعلت ليعتمد عليها الضمير، يعني ليست بجزء من الضمير، إنما جيء بها ليعتمد عليها الضمير، لماذا؟ لأن الضمير الكاف ضمير متصل، وضمير المتصل ضابطه لا يُبتدئ به، ضابطه أن لا يُبتدئ به، ولا يقع بعد إلا في حالة الاختيار، يعني جاء في حالة الاضطرار مثاله؟ طالب:. . . . . . . . . هاته، صحيح، على كلٍ إيا هنا جيء بها ليعتمد عليها الضمير، ليصح أن يقع في أول الكلام، وإلا فالضمير هو الكاف، ولذلك لزمها الضمائر نحو: إيّاي وإياك وإياهم، ومن النحاة من جعل إيَّ ضميراً منفصلاً ملازماً حالةً واحدة، وجعل الضمائر التي معه أضيفت إليه للتأكيد، وجعل الضمائر التي معه أضيفت إليه للتأكيد، ومنهم من جعل إيا اسماً ظاهراً مضافاً للمضمرات، يعني ومنهم من جعل إياك كلها ضمير نصب، كما جعل إياهم وإياي وإيانا وإياكِ .. الخ.

{نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة] قرأ الحسن وأبو المتوكل وأبو مجلز: يُعبد، بضم الياء وفتح الباء، اختلف في المراد بالعبادة على ثلاثة أقوال، أحدها: أنها بمعنى التوحيد، روي عن علي وابن عباس في آخرين، والثاني: أنها بمعنى الطاعة، كما في قوله تعالى: {أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [(60) سورة يس] والثالثة: أنها بمعنى الدعاء كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [(60) سورة غافر] والعبادة في اللغة التذلل، يقال: طريق معبد، وبعير معبد، أي مذلل، وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف، قاله ابن كثير، وقال شيخ الإسلام: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ويقول ابن القيم -رحمه الله- في نونيته: وعبادة الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده هما قطبانِ و {نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] بفتح النون في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب والأعمش فإنهما كسراها قالوا: نِستِعين، هي موجودة في قراءة بعض العوام من بعض الجهات، وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم وقيس، وقدّم الضمير المفعول، وكرر للاهتمام والحصر، إياك نعبد وإياك نستعين، قدم للاهتمام والحصر، أي لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، قال الحافظ ابن كثير والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين، وهذا كما قال بعض السلف، الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة: إياك نعبد وإياك نستعين، فالأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله -عز وجل-، وهذا المعنى في غير ما آيةٍ من كتاب الله -سبحانه وتعالى-، كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [(123) سورة هود] وقال: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [(29) سورة الملك] ولابن القيم -رحمه الله تعالى- كتاب عظيم أسماه: مدارج السالكين من منازل إياك نعبد وإياك نستعين. والآن مع الدرس الخامس بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال -رحمه الله تعالى-: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] أي نخصك بالعبادة من توحيد وغيره ونطلب المعونة على العبادة وغيرها. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في تفسير هذه الآية: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أشار الشارح إلى أن تقديم المعمول يفيد الاختصاص، ولذا قال: نخصك بالعبادة، وهذا مأخوذ من تقديم المعمول على عامله، والعبادة تشمل التوحيد، التوحيد العلمي والتوحيد العملي، والعبادات من زكاةٍ وصيام وحجٍ وغيرها وجهاد وغيرها مما يبتغى به وجه الله -سبحانه وتعالى-، نخصك بالعبادة، ونخصك أيضاً بطلب المعونة على هذه العبادة وغيرها، فالله -سبحانه وتعالى- هو المستعان على أمور الدنيا، وأمور الآخرة، وفي حاشية الجمل قال: لما ذكر الحقيقة بالحمد ووصفه بصفاتٍ عظام تميز بها عن سائر الذوات خوطب بإياك نعبد، فبداية السورة الحمد لله رب العالمين، ذكر المفسر سابقاً أنه لا بد من تقدير: قولوا: الحمد لله رب العالمين، لماذا؟ قولوا: الحمد لله رب العالمين؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، ليناسب هذه الآية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] ليكون ما جاء في السورة كلها من مقول الخلق بأمر الله -سبحانه وتعالى-، ثم يقول الجمل: "والمعنى يا من هذا شأنه نخصك بالعبادة والاستعانة ليكون أدل على الاختصاص والترقي من البرهان إلى العيان، والانتقال من الغيبة إلى الشهود، الحمد لله، هذا ذكر لغائب، وإن كان حاضراً مع حامده وذاكره بمعيته الخاصة والعامة، لكن الأسلوب أسلوب غيبة، الحمد لله، ولذا ما قيل: الحمد لك يا الله، الترقي من البرهان إلى العيان، والانتقال من الغيبة إلى الشهود، لكن لما قال: إياك نعبد، انتقل من أسلوب الغيبة إلى أسلوب الشهود، يقول: وكأن المعلوم صار عياناً، والمعقول مشاهداً، والغيبة حضوراً. طالب:. . . . . . . . .

في العربية التفات، وابن جني يسمي الالتفات: شجاعة العربية، إيش معنى شجاعة العربية؟ يقول: كأنه عنى أنه دليل على حدة ذهن البليغ، وتمكنه من تصريف أساليب كلامه كيف يشاء؟ كما يتصرف الشجاع في مجال الوغى بالكر والفر، ومن الأمثلة على الالتفات في القرآن: {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} [(22) سورة يونس] وإلا في الأصل أن يقال: وجرين بكم، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "تحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب، وهو مناسب لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى فلهذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى، وإرشاد لعباده أن يثنوا عليه بذلك" هل في هذا مخالفة لما قدره المفسر سابقاً؟ بقوله: قولوا الحمد لله رب العالمين، يقول: وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى، وإرشاد لعباده أن يثنوا عليه بذلك، يعني إذا قدرنا قولوا فالحمد لله رب العالمين في أول السورة يكون كلام من؟ طالب:. . . . . . . . .

القرآن كله كلام الله، لكن قد يكون كلام الله على لسان أحدٍ من خلقه، فقوله تعالى على لسان فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] هو كلام الله -سبحانه وتعالى- لكنه على لسان ذلك الطاغية، فقولنا: الحمد لله رب العالمين، يعني قاله الله -سبحانه وتعالى- من تلقاء نفسه، وأمر بقوله، ولذا قدرنا في أوله: قولوا الحمد لله رب العالمين، فهل نقول: إن الحمد لله رب العالمين من مقول الله حمد من الله لنفسه؟ أو حمد من المخلوق لله -سبحانه وتعالى-؟ يعني هل الآية الحمد لله رب العالمين حمد من الله لنفسه؟ وهذا مما يقال في تقسيم الحمد أنه حمد قديم لقديم كما قالوا، وهو حمد الله لنفسه، وحمد قديم لحادث، كحمد الله -سبحانه وتعالى- ومدحه لبعض خلقه، وحمد حادثٍ لقديم وهو حمد المخلوق لربه، وحمد حادثٍ لحادث، وتقدم الفرق بين الحمد والمدح، وهو أنه هل يتأتى بالنسبة للمخلوق أن يحمد أو يمدح؟ والخلاف في ذلك تقدم كله، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة، يعني حينما نقول في ابتداء قراءتنا الحمد لله رب العالمين فنحن نثني على الله -سبحانه وتعالى- بذلك، هل نقول: بعد أن أمرنا الله -سبحانه وتعالى- بالثناء عليه، وبحمده، أو نقول: اقتداءً بثناء الله -سبحانه وتعالى- على نفسه، وإرشاد لعباده أن يثنوا عليه بذلك، وعلى كل سواء كانت خبر، أو امتثال أمر، فالخبر يأتي ويقصد به الأمر، وحينئذٍ يكون أبلغ في المراد من الأمر الصريح {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [(228) سورة البقرة] هذا خبر، لكن مفاده الأمر، ولذا ما في أحدٍ من أهل العلم قال بأن العدة مباحة؛ لأن هذا خبر وليس بأمر، وليس فيه من قال: إن العدة مندوبة فقط، بل أوجبوا الاعتداد، اعتداد المطلقة، والآية وإن كان لفظها الخبر إلا أن المراد منها الأمر، والحمد سواء قدرنا قولوا أو لم نقدر، فنحن مطالبون بأن نحمد الله -سبحانه وتعالى-، نعم، بإيش؟ طالب:. . . . . . . . . هو ما في تقدير قولوا إلا لتكون السورة كلها متسقة من كلام العباد بس.

{إِيَّاكَ} [(5) سورة الفاتحة] قرأ السبعة بتشديد الياء، وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر إياك، وهي قراءة شاذة مردودة قال ابن كثير: لأن إيا ضوء الشمس، وقرأ بعضهم أياك بفتح الهمزة وتشديد الياء، وقرأ بعضهم هياك بالهاء بدل الهمزة، وإياك ضمير خطاب، ضمير رفع وإلا نصب؟ ضمير نصب، والأظهر أن كلمة إيا .. ، الآن هل الضمير إياك كلها أو الكاف؟ لأن الخلاف قائم، هل هو جميع الكلمة هو الضمير؟ أو الكاف أو إيا، والأظهر أن كلمة إيا جعلت ليعتمد عليها الضمير عند انفصاله، ولذلك لزمها الضمائر نحو إياي وإياك وإياهم .. الخ، ومن النحاة من جعل إيا ضميراً منفصلاً ملازماً حالةً واحدةً، وجعل الضمائر التي معه أضيفت إليه للتأكيد، ومنهم من جعل إيا اعتماداً للضمير كما كانت أي اعتماداً للمنادى الذي فيه (أل)، يعني كما سيأتي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [(21) سورة البقرة] ومنهم من جعل إيا اسماً ظاهراً مضافاً للمضمرات، على كلٍ سواء كانت الكلمة كلها ضمير، أو الضمير الكاف، فالمقصود ظاهر منها، هل يجوز حذف إيا إذا قلنا: إن الضمير كاف، في مثل هذا؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ لا بد له من معتمد، لا بد له من شيء يعتمد عليه؛ لأن المضير المتصل لا يبدأ به في الكلام، ولا يقع بعد إلا، في حال الاختيار، وإن وقع في حال الاضطرار.

{نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة] قرأ أبو المتوكل والحسن وأبو مجلز: يُعبد، بضم الياء وفتح الباء، اختلف في المراد على العباد بالعبادة على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها بمعنى التوحيد، وهذا مروي عن علي وابن عباس في آخرين، والثاني: أنها معنى الطاعة كقوله تعالى: {لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [(60) سورة يس] والثالث: أنها بمعنى الدعاء، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [(60) سورة غافر] والمراد دعائي، والعبادة في اللغة من الذلة، يقال: طريق معبد، وبعير معبد، أي مذلل، وفي الشرع: عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تعريفها: "العبادة اسم جامع لما يحبه الله -سبحانه وتعالى- من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة" ابن القيم -رحمه الله- يقول: وعبادة الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده هما قطبانِ

و {نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] بفتح النون في قراءة الجمع سوى الأعمش ويحيى بن وثاب فإنهما كسراها قالا: نِستِعين، وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم وقيس، وما زالت قائمة عند بعض الجهات وبعض القبائل، وقدم الضمير إياك في الموضعين، وكرر للاهتمام والحصر، وإلا فالأصل: نعبدك ونستعينك، ولو قيل: إياك نعبد ونستعين صح التعبير، لكن كرر للاهتمام والحصر، قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] أي لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين" يعني العبادة والاستعانة، وهذا كما قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالأول: تبرؤ من الشرك، والثاني: تبرؤ من الحول والقوة، وهذا المعنى جاء في القرآن في آياتٍ كثيرة من كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [(123) سورة هود] وقال: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [(29) سورة الملك] ابن القيم -رحمه الله تعالى- كتاب عظيم، أقول: له كتاب عظيم في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، في ثلاثة مجلدات اسمه معروف: مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، وعلى كلٍ من السلف من قال: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة، وهذا خلافاً لما يقوله بعض الغلاة، ممن يعتني بالإشارة دون العبارة، فيقول: الفاتحة سر القرآن، وسرها البسملة، وسر البسملة الباء، وسر الباء في نقطتها، هم يهتمون بإشارة، ما يهتمون بعبارة هم، هذا موروث، مذكور عن بعضهم، بعض الصوفية من يهتم بالإشارة يقول: إن أسرار القرآن في الفاتحة، وأسرار الفاتحة في البسملة، وأسرار البسملة في الباء، وأسرار الباء في نقطتها، وعلى كلٍ هذا قول مخترع لا يدل عليه أي دليل عقلي أو نقلي، ولم يؤثر عن أحدٍ ممن يعتبر ...

سورة الفاتحة (4)

تفسير الجلالين - سورة الفاتحة (4) من قوله تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [(6) سورة الفاتحة] إلى آخر السورة الشيخ: عبد الكريم الخضير

على كلٍ النقطة وإن كانت مفقودة سابقاً، فهي مروية، يعني فرق بين السين والشين، فهي وإن لم تذكر فهي مقصودة يعني، وتقديم أيهما؟ العبادة أو الاستعانة؟ الاستعانة على العبادة وغيرها، لكن نظراً لأهمية العبادة وأنها هي المقصود من خلق الخلق قدمت، وإلا بالنسبة للوجود الاستعانة طلب المعونة من الله -سبحانه وتعالى- في جميع الأحوال، وعلى سائر الصفات على العبادة وغيرها، لكن لما كانت العبادة هي المقصود من خلق الجن والإنس قدمت؛ لأنها هي الغاية من باب تقديم الغاية على الوسيلة، في الأهمية وإن كان الترتيب الزمني ينبغي أن تكون الاستعانة متقدمة على العبادة، لكن إذا تصورنا أن الإنسان لا يستطيع أن يزاول أي عمل إلا بمعونة الله -سبحانه وتعالى- سواء كان من أمور دينه أو دنياه، لا يستطيع أن يزاول أي عمل إلا بعون الله -سبحانه وتعالى- وتوفيقه وتسديده، فيستعين الله -سبحانه وتعالى- على جميع أعماله التي منها العبادة، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "فإن قيل فما معنى النون في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] فإن كانت للجميع فالداعي واحد -يعني الفرد وهو يقرأ القرآن يقول: إياك نعبد ما يقول: إياك أعبد- فإن كانت للجميع فالداعي واحد، وإن كانت للتعظيم فلا تناسب المقام، وقد أجيب بأن المراد بذلك الإخبار عن جنس العبادة، الإخبار عن جنس العباد، والمصلي فرد منهم لا سيما إن كان في جماعة أو إمام، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها وتوسط لهم بالخير، ومنهم من قال: يجوز أن تكون للتعظيم، كأن العبد قيل له: إذا كنت في العبادة فأنت شريف، وجاهك عريض، فقل: إياك نعبد وإياك نستعين، ومنهم من قال: إياك نعبد ألطف في التواضع من إياك أعبد، لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعله نفسه وحده أهلاً لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته، ولا يثني عليه كما يليق به، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في تفسير سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [(1) سورة القدر] قال: إن العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، يعني ولو كان واحداً، يجوز أن يقول: نعبد ونستعين مؤكداً

فعله بهذا، فإذا كان من معاني النون التعظيم فليكن من معانيها التأكيد، لما ذكره الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-. والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى، وقد سمى الله رسوله بعبده في أشرف مقاماته، فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [(1) سورة الكهف] وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} [(19) سورة الجن] وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [(1) سورة الإسراء] .. الخ، هذه المقامات الثلاثة، وهي أشرف مقامات النبي -عليه الصلاة والسلام- عبّر فيها بالعبودية، وحكى الرازي في تفسيره عن بعضهم أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة، لماذا؟ يقول: لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق، والرسالة من الحق إلى الخلق، هذا يقتضي شرف؟ نعم، يقتضي العكس، لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق، والرسالة من الحق إلى الخلق؛ ولأن الله متولي مصالح عبده، والرسول متولي مصالح أمته، يقول الحافظ ابن كثير: "وهذا القول خطأ، والتوجيه أيضاً ضعيف لا حاصل له مع أن الرازي لم يتعرض له بتضعيفٍ ولا رد، اقرأ. {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [(6) سورة الفاتحة] أي أرشدنا إليه، ويبدل منه {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} [(7) سورة الفاتحة] بالهداية، ويبدل من الذين بصلته، {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} [(7) سورة الفاتحة] وهم اليهود، {وَلاَ} وغير {الضَّالِّينَ} وهم النصارى، ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا يهوداً ولا نصارى، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. هذه الخاتمة لمن؟ لجلال الدين المحلي، في نهاية تفسير سورة الفاتحة انتهى نصيبه الذي يبدأ من الكهف إلى نهاية سورة الفاتحة، ثم يبدأ نصيب السيوطي من أول البقرة إلى نهاية سورة الإسراء على ما تقدم.

يقول: اهدنا الصراط المستقيم أي أرشدنا إليه، ولما تقدم الثناء على المسؤول -تبارك وتعالى- ناسب أن يُعقَب بالسؤال، كما جاء في الحديث الصحيح ((فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل)) وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله، ثم يسأل حاجته، وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: اهدنا؛ لأنه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة، والهداية: الدلالة والإرشاد، والتوفيق والإلهام، وطلبها هنا ممن اهتدى؛ لأن الذي يقول: هو القارئ للقرآن سواء كان في الصلاة أو في غيرها، وهو ممن هدى الله، فطلبها ممن اهتدى للدوام والاستمرار، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ} [(136) سورة النساء] يعني اثبتوا على إيمانكم ودوموا عليه، واستمروا عليه، وجاء في الحديث: ((قل آمنت بالله ثم استقم)) أيضاً يستفاد من طلب الهداية هنا الزيادة منها {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [(17) سورة محمد] فالعبد بحاجة إلى أن يدعو الله -سبحانه وتعالى- ليل نهار في أن يثبته ليستمر على هذه الهداية، وأن لا يزيغ قلبه، ويصرفه عن هذه الهداية، وجاء في دعاءه -عليه الصلاة والسلام-: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) وهو أشرف الخلق، وأيضاً العبد وإن كان ممن اهتدى إلا أنه بحاجة إلى مزيدٍ من هذه الهداية؛ لأن الإيمان قابل للزيادة والنقصان على مذهب أهل الحق من أهل السنة والجماعة، فنحن بحاجة إلى أن نسأل الله -سبحانه وتعالى- طلب المزيد من الهداية ومن الإيمان، وأن نبذل السبب يعني نسأل الهداية، ونسأل المزيد منها، ونسأل الثبات ونترك الأسباب؟! لا، لا بد من بذل الأسباب، والهداية نوعان: هداية الدلالة والإرشاد، وهذه مثبتة لغير الله -سبحانه وتعالى- كما قال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(52) سورة الشورى] وأما النوع الثاني من أنواع الهداية: وهو التوفيق والقبول، هذه منفية عمن سوى الله -سبحانه وتعالى-، كما في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص] الهداية في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [(9) سورة الإسراء] من النوع الأول

أو الثاني؟ يعني يدل الناس ويرشدهم؟ طالب:. . . . . . . . . من النوعين، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي} [(9) سورة الإسراء] {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(52) سورة الشورى] هنا دلالة وإرشاد {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [(9) سورة الإسراء] أما هداية الدلالة والإرشاد فلا إشكال فيها موجودة، من اتبع القرآن قادة ودله إلى طريق الجنة، لكن الهادي هو القرآن أو الله -سبحانه وتعالى- المتصف بهذه الصفة وهي صفة الكلام؟ هل نستطيع أن نقول: إن القرآن يهدي بمعنى يوفق ويلهم؟ طالب:. . . . . . . . . هو كلام الله بلا شك، ومنه بدأ وإليه يعود .. إلى آخر ما هو مقرر في مكانه، وكون القرآن يدل ويقود إلى الطريق المستقيم وإلى جناتٍ نعيم ورضوانه -سبحانه وتعالى-، هذا لا إشكال فيه، لكن هل نستطيع أن نقول: إن القرآن يوفق. طالب:. . . . . . . . . هل نستطيع أن نقول: شاءت الإرادة الإلهية، أو الله -سبحانه وتعالى- شاء؟ الآن القسم بالله -سبحانه وتعالى-، القسم بصفة من صفات الله -سبحانه وتعالى- يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز، نسبة بعض أفعال الله -سبحانه وتعالى- إلى بعض صفاته كما هنا، التوفيق والقبول لله -سبحانه وتعالى-، {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] وهو أفضل الخلق، {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} بمعنى يوفق، ويجعل الإنسان يذعن ويقبل من الله -سبحانه وتعالى-، لا من غيره، ولذا نفاه عن أشرف خلقه، والقرآن كلام الله، ليس بمخلوق ليدخل في هذا النفي، فالهداية المنسوبة إلى القرآن لا شك أنها هداية دلالة وإرشاد، هذا ما في إشكال، لكن بقية النوع الثاني: الدلالة والقبول، القبول والإذعان قالوا: هذه منفية عما سوى الله -سبحانه وتعالى-. طالب:. . . . . . . . . يهدي المؤمن بكلامه، لكن من الذي هدى المؤمن كلام الله أو الله -سبحانه وتعالى-؟ طالب:. . . . . . . . . يهتدي، يهتدي بلا شك، لكن هداية دلالة بمعنى أن القرآن دله، والله وفقه، الله -سبحانه وتعالى- هو الموفق أولاً وآخراً، لكن هل نقول: إن مثل هذا مثل القسم يجوز أن يقسم به؟ طالب:. . . . . . . . .

بلا شك أن له ميزة، والله -سبحانه وتعالى- يوفق من اعتنى بكتابه، هذا ما فيه إشكال، لكن هل الذي وفقه الكتاب أو الله -سبحانه وتعالى- بكتابه كما أنه أدخل المؤمن الجنة برحمته، ترى الموضوع دقيق يا إخوان ما هو .. طالب: لو صح أن يسأل التوفيق و. . . . . . . . . لكلام الله صح أن يدعى، يدعى كلام الله، وأن كلام الله يهديه .. إيه دعاء الصفة معروف عندهم، دعاء الصفة معروف عندهم. طالب:. . . . . . . . . إيه، قد يقرأ القرآن ولا يوفق، إذا لم يرد الله له التوفيق قد يقرأ القرآن، إيه بلا شك، بلا شك أن الموفق هو الله -سبحانه وتعالى-. طالب: لكن يا شيخ حفظك الله لما تدل الآية على دلالة التوفيق والإلهام ليست .... ، بناءً على القرآن صفة من صفات الله -جل وعلا-؟ طيب لكن هل هذه الصفة توفق أو أن الموفق هو الله -سبحانه وتعالى-؟ طالب: وهل في فرق بين الله -جل وعلا- وبين كلامه؟ أو بين الله وبين صفاته؟ طالب آخر: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ} [(82) سورة الإسراء] القرآن ما هو الذي يشفي، الشفاء يكون بهذه الصفة، بهذا الأمر، لبركة هذا الكلام ليست لغيره من المخلوقات .... إذاً يكون سبب للشفاء، والشافي هو الله -سبحانه وتعالى-، كما أنه سبب للهداية، والهادي هو الله -سبحانه وتعالى-. طالب:. . . . . . . . . يهتدي نعم. طالب:. . . . . . . . . وضل، وضل، نعم. طالب:. . . . . . . . . لا حتى من المسلمين، من اتبع المتشابه وهو من القرآن زاغ. طالب:. . . . . . . . . ما قال من قرأ القرآن ... لا إذا قلنا: لذاته بغض النظر عن قائله يلزم عليه هذا، وعلى كلٍ المسألة ظاهرة، الهادي هو الله -سبحانه وتعالى-، الهادي أولاً وآخراً هو الله -سبحانه وتعالى-. طالب: الأمر الثاني يا شيخ هل يجوز .... لا ما يجوز؛ لأن دعاء الصفة ما يجوز، على كلٍ ما نطيل أكثر من كذا؛ لأن المسألة تحتاج إلى تحرير. طالب: حفظك الله يا شيخ الثاني. . . . . . . . . أيُ؟ طالب:. . . . . . . . . التوفيق والإلهام؟ يعني القرآن يلهم؟ طالب:. . . . . . . . . على كلٍ تبحث المسألة -إن شاء الله تعالى-.

و {الصِّرَاطَ} [(6) سورة الفاتحة] وقرئ بالسين، وقرئ بالزاي، والزاي كما قال الفراء: لغة بني عذرة، وبني كلب وبني القين، والصراط كما قال ابن جرير: الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، ويقول جرير: أمير المؤمنين على صراطٍ ... إذا اعوج الموارد مستقيم وقد تستعيره العرب فتستعمله في كل قولٍ وعملٍ وصف باستقامةٍ أو اعوجاج، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوج باعوجاجه، ويقول ابن الجوزي: "يقال: إن أصله بالسين السراط؛ لأنه من الاستراط وهو الابتلاع، فالسراط كأنه يسترط المارين عليه، ومن قرأه بالصاد فلأنها أخف على اللسان" هذا كلام ابن الجوزي، والمراد بالصراط هاهنا أربعة أقوال: اختلف في المراد بالصراط هنا على أربعة أقوال: أحدهما: أنه كتاب الله، وهذا رواه علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث الترمذي الطويل، والثاني: أنه دين الإسلام كما قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن وآخرون، والثالث: أنه الطريق الهادي إلى دين الله، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والرابع: أنه طريق الجنة، نقل عن ابن عباس أيضاً، ننظر في الأقوال: كتاب الله –الصراط-، ودين الإسلام، الطريق الهادي إلى دين الله، طريق الجنة، في اختلاف بينها وإلا ما في؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم، اختلاف تنوع وليس باختلاف تضاد، ويبدل منه من الصراط، المنصوب بإهدانا، اهدنا الصراط يبدل منه صراط الذين أنعمت عليهم، أنعم عليهم بأي شيء؟ بالهداية؛ لأنه كما سيأتي أن ممن ضل منعم عليه بأنواع من النعم، لكن المطلوب الهداية إلى صراطهم المنعم عليهم بالهداية، ويبدل من الذين بصلته الذين أنعمت عليهم يبدل منه غير المغضوب عليهم، ولذا وافقه في الإعراب، الذين مجرور بصراط مضاف إليه وغير مجرور؛ لأنه تابع للذين، ولذا قال: "ويبدل من الذين بصلته غير المغضوب عليهم، وهم اليهود، ولا غير، كما جاء في بعض القراءات، ولعلها عن عمر -رضي الله عنه- غير المغضوب عليهم وغير الضالين، ولذا قال: "ولا يعني غير الضالين، وهم النصارى، ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا يهوداً ولا نصارى، ونكتة البدل صراط الذين أنعمت عليهم، ألا يكفي ويغني عن قولنا: غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ في الأصل يكفي، صراط الذين أنعمت عليهم، وهم مَن يُذكرون في آية النساء على ما سيأتي، ويكفي عن قولنا: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، هذا في الأصل، لكن لأن من المغضوب عليهم ومن الضالين اليهود والنصارى ممن يدعي أنهم منعم عليهم، بل ممن من غيرهم من الطوائف من يزعم أن اليهود والنصارى منعم عليهم؛ لأنهم أهل كتاب، فاحتيج إلى التنصيص عليهم؛ لأنهم أهل كتاب، فهم وإن أنعم عليهم بكتاب، وإن أنعم الله عليهم بكتاب إلا أنهم غضبوا عليهم لأنهم علموا وعرفوا ما في هذا الكتاب وخالفوه، وأيضاً أنعم على آخرين بكتاب لكنهم أعرضوا عن تعلمه فجهلوه، وعبدوا الله -سبحانه وتعالى- على جهل، فضلوا بسبب ذلك، ولذا في حديث أنس وغيره: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً -أو لم يبق عالم- اتخذ الناس رؤوساً)) وفي روايةٍ: ((رؤساء جهالاً سئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) ولذا من عبد الله -سبحانه وتعالى- على جهل ضل، ومن عرف الحق وحاد عنه ومال عنه إلى غيره لأي شيء من الأسباب فهو مغضوب عليه لمشابهته اليهود، ولذا يقول بعضهم: "من ضل أو من حاد من علماء هذه الأمة ففيه شبه باليهود، ومن حاد عن الطريق من عباد هذه الأمة ففيه شبه

بالنصارى" نسأل الله العافية. يبدل من اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، فصراط الثانية بدل كل من كل، من الصراط الأولى، وهو في حكم تكرير العامل، اهدنا الصراط المستقيم، صراط في حكم تكرير العامل، فكأن فيه اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، وفائدته التوكيد والتنصيص على أن الصراط المستقيم هو المشهود، والمشهود عليه بالاستقامة على آكد وجهٍ وابلغه، ويبدل من الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، أي بدل كل من كل، وقيل: بدل نكرة من معرفة، وقيل: نعت وهو مشكل؛ لأن غير نكرة والذين معرفة وقد أجيب .. الخ، الآن قولهم: بدل كل من كل، ويبدل من الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، ولا الضالين، بدل كل من كل، فالذين أنعم الله عليهم إذا قلنا: كما قال المفسر: المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى فكيف نقول: إن غير المغضوب عليهم وغير الضالين غير اليهود والنصارى منعم عليهم؟ لأنه يقول: بدل كل من كل مفهومه أن من عدا اليهود والنصارى منعم عليه؟ لكن ألا يوجد من فرق الضلال، وفرق المغضوب عليهم من غير اليهود والنصارى؟ إذاً كيف يقولون: بدل كل من كل؟ طالب:. . . . . . . . . إذاً الآية ما عليها استدراك، الاستدراك على تخصيص التفسير بالمغضوب عليهم هم اليهود فقط، بحيث لا يدخل فيهم غيرهم ممن شابههم، والضالين هم النصارى فقط بحيث لا يدخل في الآية من شابههم؟ طالب: أغلب المغضوب عليهم اليهود، أغلب الضالين النصارى.

لكن إذا قلنا: بدل كل من كل إذا نظرنا إلى الآية من غير تفسير الكلام ما فيه إشكال، فكل شخص لم يغضب عليه ولم يضل فهو منعم عليه، وكل منعم عليه ليس بمغضوبٍ عليه، وليس بضال، هذا بدل كل من كل، لكن إذا قلنا: إن المغضوب عليهم هم اليهود فقط، والضالون هم النصارى فقط نحتاج إلى ألا نقول: بدل كل من كل، بل بدل بعض من كل، وعلى كلٍ التفسير جاء مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث عدي بن حاتم على ما سيأتي أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى، لكن هذا تفسير بالمثال، ولا يعني هذا أن له مفهوم أن غيرهم اليهود والنصارى ليسوا بمغضوب عليهم ولا ضالين، لا، بل يدخل في هذا الوصف من شابه اليهود، فيكون مغضوباً عليه، ويدخل في الضلال من شابه النصارى فيمن عبد الله على جهل، اليهود هم ضالون، والنصارى مغضوب عليهم؛ لأن منهم علماء شابهوا اليهود، ومن اليهود من هم جهال وعبدوا على .. ، شابهوا النصارى، لكن هذا تفسير باعتبار الأعم، اليهود الغالب عليهم العلم، والغالب عليهم أيضاً الانحراف مع العلم، والنصارى الغالب عليهم العمل لكنه على جهل، ولذا جاء في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} [(82) سورة المائدة] عباد، لكنهم عبدوا الله على جهل، فيدخل في وصفهم من شابههم، وكل ممن هذه صفته له نصيبه من هذه الآية. طالب:. . . . . . . . .

بدل كل من كل إذا نظرنا إلى الآية من غير تفسيرها، أو إذا فسرنا الآية بأن المغضوب عليهم هم اليهود، ومن شابههم، والضالين النصارى ومن شابههم، فيدخل فيهم من غضب عليهم ممن ينتسب إلى الإسلام وغيرهم من طوائف الزيغ، قالوا: هو مشكل، إذا قلنا: بدل كل من كل، غير المغضوب عليهم بدل من الذين أنعمت عليهم، وقيل: نعت وهو مشكل، (غير) مجرورة نعت للذين، وهو مشكل لماذا؟ لأن (غير) نكرة، و (الذين) معرفة، طيب (غير) مضاف و (المغضوب عليهم) مضاف إليه، كيف صارت نكرة؟ الإضافة لفظية لا تفيد التعريف فـ (الذين) الموصولات من المعارف، و (غير المغضوب) إضافتها لفظية فلا تفيد التعريف، فكيف يوصف المعرفة بنكرة؟ أجيب عن هذا بجوابين: أحدهما: أن (غير) إنما تكون نكرة إذا لم تقع بين ضدين، أحدهما: أن (غير) إنما تكون نكرة إذا لم تقع بين ضدين، فأما إذا وقعت بين ضدين فقد انحصرت الغيرية، فتتعرف حينئذٍ بالإضافة كما تقول: الحركة غير السكون، والثاني: وهو أن الموصول أشبه بالنكرات في الإبهام الذي فيه، فعومل معاملة النكرات، الموصول فيه شمول، وفيه عموم، ولذا من صيغ العموم الموصولات، فهي من حيث عمومها وعدم تخصيصها تشبه النكرة، فجاز وصفها بالنكرة لقربها منها، والمراد بالمنعم عليهم المذكورون في قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [(69) سورة النساء] الآن نحن مأمورون بأن نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يهدينا صراط الذين أنعم الله عليهم، ومن هؤلاء المنعم عليهم ما جاء في سورة النساء: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ} [(69) سورة النساء] لأن الترتيب على طريق التدني من الأعلى إلى الأدنى، النبيين يليهم الصديقون، يليهم الشهداء، يليهم الصالحون، بهذا استدل على صحة إمامة أبي بكر -رضي الله عنه-، لماذا؟ لأنه من الصديقين، أبو بكر صديق بالنص، ونحن مأمورون بأن نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يهدينا طريق

الصديقين الذين منهم أبو بكر -رضي الله عنه-، لماذا؟ لأنه داخل فيمن أمرنا الله -سبحانه وتعالى- في السبع المثاني، والقرآن العظيم بأن نسأله أن يهدينا صراطهم، فدل ذلك على أن صراطهم هو الصراط المستقيم، وذلك في قوله: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} [(6 - 7) سورة الفاتحة] وقد بيّن الذين أنعم الله عليهم، فعدّ منهم الصديقين، وقد بيّن -صلى الله عليه وسلم- أن أبا بكرٍ -رضي الله عنه- من الصديقين، في أي مناسبة؟ نعم في قصة الإسراء، فاتضح أنه داخل في الذين أنعم الله عليهم، الذين أمرنا الله -سبحانه وتعالى- أن نسأله الهداية إلى صراطهم وطريقهم، فلم يبق لبس في أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- على الصراط المستقيم، وأن إمامته حق. طيب الله -سبحانه وتعالى- قال عن مريم ابنة عمران: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} [(75) سورة المائدة] دخول أبي بكر في الآية ما فيه إشكال، مريم ابنة عمران، أم عيسى -عليه السلام- قال الله -سبحانه وتعالى- عنها: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} [(75) سورة المائدة] فهل مريم ممن أمرنا بأن نسأل الله -سبحانه وتعالى- طريقهم وصراطهم؟ عرفنا أن أبا بكر لا إشكال فيه، لكن مريم ابنة عمران أم عيسى -عليه السلام-؟ أقول: هل تدخل في قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} [(7) سورة الفاتحة]؟ الجواب يتفرع على معرفة مسألة أصولية، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، خلينا شرع من قبلنا هذه مسألة أخرى، افرض أنها من هذه الملة، افرض أن مريم لو قيل هذا الكلام في عائشة، أو في خديجة مثلاً، في شرعنا، من أمتنا، الجواب عن هذا يتفرع عن مسألة أصولية، وهي دخول النساء فيما يخص الرجال من جمع المذكر السالم مثلاً، يعني إذا قيل: المؤمنون يدخل فيهم النساء؟ لأن جمع مذكر سالم، يعني في جميع التكسير تدخل النساء، في جمع المذكر السالم؛ لأن لهن ما يقابله من جمع المؤنث السالم، ها؟ طالب:. . . . . . . . .

المسألة خلافية في دخول النساء في جمع المذكر السالم، فمن العلماء من يقول: تدخل النساء في جمع المذكر السالم، وقد جاء في مريم بخصوصها في آخر سورة التحريم {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [(12) سورة التحريم] ما قال: وكانت من القانتات، فدخلت في جمع المذكر السالم، وهذا لجمع من العلماء، وقيل: لا يدخل النساء في جمع المذكر إلا لدليل خارجي، وإلا لو دخل النساء في جمع المذكر السالم لما احتيج إلى قوله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] يعني يكفي {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ} [(30) سورة النور] من رجال ونساء، {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] الخ الآية، ثم قال: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ} [(31) سورة النور] في بعض الآيات: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] العطف يقتضي المغايرة، فالمؤمنات غير المؤمنين، فدل العطف على عدم دخول النساء في جمع الرجال، لا شك في دخول النساء في خطاب الرجال إذا دلت القرينة على ذلك، هذا ما فيه إشكال، ولا يخالف فيه أحد إذا دلت القرينة على ذلك، فالأصل أن الخطاب بـ (يا أيها الذين آمنوا) يدخل فيه الرجال والنساء، يا أيها الذين آمنوا يدخل فيه الرجال والنساء، والخطاب للجميع، نعم إذا دل الدليل على عدم دخول النساء في الخطاب دلت القرينة على ذلك فلا تدخل، يبقى إذا تجرد الخطاب عن القرينة، كما هنا، فتجرد الخطاب عن القرينة، فهل تدخل الصديقات في الصديقين هو محل الخلاف. طالب:. . . . . . . . .

نعم؛ لأن النساء شقائق الرجال في الأحكام، فأي خطابٍ يتجه للرجال -إلا ما دل الدليل على استثنائه- فمطالب به النساء؛ لأن الشرع نزل للرجال والنساء، لكل مكلف من الرجال والنساء، نعم إذا كان هناك ما يخص المرأة من أحكام تستثنى من خطاب الرجال، أولاً: الموصول من صيغ العموم، والعموم يشمل الجميع، يشمل الرجال والنساء إلا أن تفسيره بالفعل (آمنوا) يغلب جانب الرجال، وإلا فالأصل أن الموصول يشمل الرجال والنساء؛ لأنه من صيغ العموم، لكن تفسيره بصلته (آمنوا) ولم يقل: آمنا فدل على أن المقصود بالأصل الرجال، وتدخل النساء تبعاً للرجال. جماهير المفسرين على أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى، وقد جاء بذلك حديث عدي بن حاتم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن المغضوب عليهم اليهود، وأن الضالين النصارى)) وهذا مروي في المسند والترمذي وابن حبان وغيرهم، وإنما استثني المغضوب عليهم والضالون من المنعم عليهم؛ لأن الكفار قد شاركوا المؤمنين في إنعام كثير أو في إنعام الله -سبحانه وتعالى- على كثيرٍ منهم، فبيّن بالوصف أن المراد بالدعاء ليس هو النعم العامة، ليس المراد بـ (أنعمت عليهم) النعم العامة من صحة ومال وغيرهما، بل المراد بذلك نعمة خاصة، وهي نعمة الدين والاستقامة. في النهاية هناك فوائد بالنسبة للتأمين، ما هو التأمين على الأموال ولا على الأنفس، لا بل يستحب لمن قرأ الفاتحة في الصلاة وخارجها أن يقول بعدها: آمين. طالب: هذه يا شيخ بإمكان أن نرجح في مسألة هل تدخل مريم أم لا في الصديقين على. . . . . . . . . من الأدلة المتعارضة؟ أصل مريم أولاً: من أمةٍ متقدمةٍ علينا، والخلاف في شرع من قبلنا هل هو شرع لنا، وأيضاً هل هي متعبدة بشريعةٍ خاصة؟ الجمهور لا، بل هي تابعة لشريعة .. ، الأمر الثاني: حتى على قول من يقول: إن من النساء أنبياء كابن حزم، وذكر منهن مريم، حتى على هذا القول إذا كان الخلاف في الأنبياء من الذكور المتفق على نبوتهم ورسالتهم، نحن متعبدون بشرائعهم أم لا؟ والقول الوسط في هذه المسألة أننا متعبدون فيما لم يرد شرعنا بخلافه، فالنساء من باب أولى. طالب: الآن طريق الهداية واحد ... ؟

مثلنا مثلنا. يستحب لمن قرأ الفاتحة في الصلاة وخارجها أن يقول بعدها: آمين، ومعناها: "اللهم استجب" وليست من القرآن بدليل أنه لم يثبتها أحد في المصاحف، والدليل على استحبابها ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أمّن الإمام فأمّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) في صحيح مسلم عن أبي موسى إذا قال يعني الإمام: "ولا الضالين" فقولوا: "آمين يجبكم الله" في المسند وسنن أبي داود والترمذي من حديث وائل بن حجر، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] فقال: ((آمين)) مد بها صوته، أولاً: بالنسبة للفظها: آمين، بالمد والتخفيف، قرئت أمين بالقصر مع التخفيف، وقرئت: آمّين، بالمد مع التشديد والمراد قاصدين، لكن .. ، نقول: قرئت، نقول: قرئت وإلا رويت؟ طالب:. . . . . . . . . نعم هي ليست من القرآن، ويجهر بها أيضاً إذا جهر بالقراءة، كما هو معروف خلافاً للحنفية. الأمر الثاني: اشتملت هذه السورة من العلوم على حمد الله وتمجيده، والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا، وعلى ذكر المعاد، وهو يوم الدين، وعلى إرشاد العبيد إلى سؤال الله -سبحانه وتعالى-، والتضرع إليه، والتبرؤ من الحول والقوة إلى الإخلاص، وتوحيد الألوهية، وتنزيه الله أن يكون له شريك أو نظير، وإلى سؤال الهداية إلى الصراط المستقيم، والثبات عليه حتى يفضي إلى جناتٍ نعيم في جوار المنعم عليه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اشتملت السورة أيضاً الترغيب في الأعمال الصالحة؛ ليكونوا من أهلها يوم القيامة، والتحذير من مسالك أهل الباطل لئلا يحشرون مع سالكيها يوم القيامة وهم المغضوب عليهم والضالون.

المسألة الثالثة في تفسير الرازي في أوله قال: "اعلم أنه مرّ على لساني في بعض الأوقات أن هذه السورة الكريمة يمكن أن يستنبط من فوائدها ونفائسها عشرة آلاف مسألة، فاستبعد هذا بعض الحساد، وقوم من أهل الجهل والغي والعناد، وحملوا ذلك على ما ألفوه من أنفسهم من التعلقات الفارغة من المعاني، والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمباني، فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب قدمت هذه المقدمة لتصير كالتنبيه على أن ما ذكرناه أمر ممكن الحصول، قريب الوصول" ثم شرع في تفسير الفاتحة في مجلد، ما حددت يعني بالضبط واحد اثنين ثلاثة، لا، لكن يمكن أن تستنبط، إذا أتينا إلى: بسم الله الرحمن الرحيم على اعتبار أنها آية، وأخذنا الباء، وذكرنا معاني الباء كلها، وكيف ترسم الباء، ولماذا حذفت الألف بعدها؟ الباء هذه تحتاج إلى مسائل كثيرة، ثم عاد السين، ومن أي حروف هل هي .. ؟ ثم تناول السين من الناحية الهجائية، ومن ناحية التجويد، ومن ناحية الأصوات وغيرها .. الخ، تجد ألوف مؤلفة من المسائل، فضلاً عما اشتملت عليه السورة بكاملها من المقاصد الشرعية. طالب: يا شيخ، هذا ما ينطبق عليه كلمة ابن حجر: "هذا تعب ليس وراءه أرب"؟ أنت إذا مسكت الباء وذكرت معانيها في اللغة هذا تعب؟ يعني الباء حينما ترد في البسملة، وحينما ترد في غيرها، معاني الباء، يعني مغني اللبيب كله تعب ليس وراءه أرب؟ طالب: لا، ما قصدت هذا ... هذا من أفضل ما كتب في علم العربية؛ لأنه يذكر معاني الحروف. طالب:. . . . . . . . . لا، لا، إيش تعب، لا، لا، هذه كلها فوائد، كلام بعض الصوفية في كون الفاتحة سر القرآن، وسر الفاتحة البسملة .. الخ، هذا تقدم.

هنا مسألة: وهي إبدال الظاء من الضاد، يعني حينما نقرأ: غير المغضوب عليهم ولا الظالين؟ كثير من الناس يقرؤها ولا الظالين، بالظاء بدلاً من الضاد، وأهل العلم يختلفون في حكم إبدال مثل هذا الحرف على أقوالٍ ثالثها: يعذر بالجهل دون من علم، وهذا بخلاف ما إذا أبدل غير هذا الحرف بحرفٍ آخر، لو أبدل الحاء من قوله: الحمد بالهاء مثلاً، يجوز وإلا ما يجوز؟ لو افترضنا أنه أعجمي، وهذا حال كثيرٍ منهم، أعجمي يقول: الهمد؟ تبطل صلاته وإلا ما تبطل؟ إذا عجز عن النطق بالحاء صحت صلاته، كما لو عجز عن تعلم الفاتحة صحت صلاته، أما إذا قدر ... طالب:. . . . . . . . . إيه، ما في شك، هذا بالنسبة للعاجز، وإبدال الضاد بالظاء، الضاد أخت الصاد بالظاء المشالة، عرفنا أن العلماء يختلفون فيها على أقوالٍ ثالثها: العذر مع الجهل، بحيث لا يعذر من عرف واستطاع أن ينطق بالضاد، أما القولان الآخران فهما متقابلان، الجواز المطلق، والمنع المطلق، وهذه عادة لهم في سياق الخلاف، إذا ساقوا الخلاف وقالوا: في المسألة ثلاثة أقوالٍ: ثالثها كذا، فمرادهم أن الأول والثاني متقابلان، الأول الجواز بالإطلاق، والثاني المنع بالإطلاق، والثالث التفصيل، فيغتفر في حق الجاهل ما لا يغتفر في حق العالم. يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما، وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظاء من طرف اللسان، وأطراف الثنايا العليا، ولأن كلاً من الحرفين من الحروف المجهورة، ومن الحروف الرخوة، ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك، والله أعلم، وأما حديث: ((أنا أفصح من نطق بالضاد)) فلا أصل له، والله أعلم" انتهى كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-. وفي كلامه: لأن كلاً منهما من الحروف المجهورة، ومن الحروف الرخوة، يقابلها الشدة، ومن الحروف المطبقة، إيش معناه؟ طالب: الانفتاح. الانفتاح، يقول: فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك، ومعنى كلامه أن الذي يميز لا يغتفر له مثل هذا الإبدال.

في تهذيب اللغة للأزهري، وهو كتاب من أهم كتب اللغة وأنفسها، ومؤلفه إمام ثقة في الجزء الثاني عشر صفحة ثلاثين يقول: "قال المفضل: "من العرب من يبدل الظاء ضاداً فيقول: قد اشتكى ضهري، الأصل أن الظهر بالظاء المشالة، فيبدل هذه الظاء ضاد، يقول: "ومنهم من يبدل الضاد ضاءً، فيقول: قد عظت الحرب بني تميم" والأصل أن عظ بالضاد لا بالظاء، وعلى هذا على الإنسان أن يحتاط لدينه لا سيما صلاته، وأن يتعلم ما يصحح صلاته من الشروط والأركان، وأن يعرف هذه الشروط وهذه الأركان بالتفصيل؛ لئلا يعرض صلاته للخطر، ومن ذلكم ضبط الحروف، وإتقانها، وإخراجها من مخارجها لا سيما الفاتحة التي لا تصح الصلاة إلا بها، وقد صح من حديث عبادة بن الصامت: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وقد تقدم. طالب: أحسن الله إليك، الآن القائلين بعدم .... قضية أن الضلالة تختلف عن الظلال؟ الضلالة والظلالة لا تختلف بهذا فيه مجرد إبدال، لكن الظلال والظل يختلفان، أنت تقول: الضلالة والظلال لا، أما الظلالة والظل يختلفان. طالب: هل كلامهم هذا مستنبط ... لكن ضلالة وظلالة هذا فيه إبدال، إن شئت ...

سورة ق (1)

تفسير الجلالين - سورة ق (1) من آية: (1 - 8) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: ففي هذا المكان الطيب المبارك من بيوت الله -جل وعلا- نتذاكر معاً تفسير سورة من أعظم السور، طالما كررها النبي -عليه الصلاة والسلام- ورددها على صحابته من خلال منبر الجمعة، وفي هذا تقول الصحابية الجليلة أم هشام: "ما حفظت ق والقرآن المجيد إلا من فيِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأها على المنبر كل جمعة" فلعظمها وعظم ما اشتملت عليه من مسائل المبدأ والمعاد والبعث والنشور والحساب والجزاء فهي سورة وعظ وتذكير بما لله -جل وعلا- على عباده، ولذا ختمها الله -جل وعلا- بقوله: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] وابن القيم -رحمه الله تعالى- رسم منهجاً لتدبر القرآن، والإفادة من معانيه وحكمه وعبره، افتتح كتابه الفوائد بهذه الفائدة العظيمة وهي الإفادة من كتاب الله -جل وعلا-، ولا يكون ذلك إلا بقراءته على الوجه المأمور به، وانطلق في كلامه كله وجعل محور كلامه ينطلق من هذه السورة العظيمة، ولعلنا في ختام السورة غداً -إن شاء الله تعالى- نجمع أطراف كلامه -رحمه الله- لأن أكثر كلام ابن القيم منصب على أواخر السورة، ونظراً لطول السورة وكثرة مطالبها، وعظم فوائدها فإننا لن نستطيع أن نأتي بكل ما نريد، وما يتوقعه طالب العلم في مثل هذه الدروس المختصرة، قليلة في وقتها، لكن نسأل الله -جل وعلا- أن يعننا على إبداء الأهم من هذه المطالب.

هذه السورة أعني سورة (ق) هي بداية المفصل عند أكثر العلماء، وإن كان منهم من يرى أن بداية المفصل الحجرات، ولا وجه لمن قال: إن المفصل يبدأ من الجزء الأخير من عم يتساءلون، هذا قول شاذ لم يقل به أحد ممن يعتد بقوله، كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير، إنما الأكثر على أنه يبدأ من (ق)، ومنهم من يقول: إنه من الحجرات، وعلى كل حال إذا نظرنا إلى تحزيب القرآن عند الصحابة كما في سنن أبي داود، كانوا يحزبون القرآن إلى سبعة أحزاب، سبعة أسباع، على عدد أيام الأسبوع، امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع)) فإذا اعتمد طالب العلم هذه الطريقة وقرأ القرآن في سبع امتثالاً لهذه الوصية المباركة التي وجد أثرها على ملتزمها من غير أن تعوقه عن أي عمل ينفعه في دينه أو دنياه، هذا التحزيب تقسيم، تقسيم القرآن إلى سبعة أحزاب يدل على أن المفصل يبدأ من (ق) كيف ذلكم؟ يقول الصحابي: كانوا يقرءون في اليوم الأول ثلاث، يعني ثلاث سور، وفي الثاني خمس، وفي الثالث سبع، وفي الرابع تسع، وفي الخامس إحدى عشرة وفي السادس ثلاثة عشرة، وفي السابع المفصل، فإذا قرأ في الستة الأيام ثمان وأربعين سورة وقف على (ق) فإذا اعتبرنا الثلاث في اليوم الأول: البقرة وآل عمران والنساء، ثم الخمس التي تليها إلى آخر براءة، ثم من يونس إلى الإسراء سورة بني إسرائيل في اليوم الثالث، ثم الرابع من الإسراء إلى آخر الفرقان، والخامس من الشعراء إلى الصافات، ثم من الصافات إلى (ق) هذا ثلاث، ثم خمس، ثم سبع، ثم تسع .. إلى آخره، الذي يقول: إن أول المفصل يبدأ من الحجرات يعتمد هذا التقسيم لكنه يدخل الفاتحة في الثلاث، فإذا أدخلنا الفاتحة وقف التقسيم في اليوم السابع على الحجرات، وهذا بيناه بياناً شافياً -إن شاء الله تعالى- في أول تفسير سورة الحجرات، وهي موجودة ومتداولة في شريطين، لا نحتاج إلى شيء من البسط في هذه المسألة بعد أن ذكرناها هناك.

هذه السورة ننبه على أننا نعتمد في تفسيرنا غالباً على تفسير الجلالين، وذلكم لأنه متن متين متقن محرر، يمكن أن يربى عليه طالب علم في التفسير، إلا أنه في مسائل الاعتقاد له مخالفات في التأويل في الصفات وغيرها ينبه عليها، والسبب في ذلك أن الاعتماد على هذا التفسير أولاً: لأنه تفسير متين، كالمتن، يمكن أن يربى عليه طالب علم، بخلاف تربية طلاب العلم على كتب المعاصرين ومختصرات المعاصرين؛ لأن مختصرات المعاصرين مناسبة لطلاب الوقت، لكنهم يقرءونها بأنفسهم ما يحتاجون إلى أن تشرح في دروس أو دورات، فطالب العلم يربى على المتون المتينة، كون الإنسان يعتمد كتاباً ينطلق منه ويشرح، هذا لا سيما بالنسبة لي أنا أفضل من كونه يفسر تفسيراً مرسلاً لا يرجع فيه إلى كتاب معين، وذلكم لأن الاستطرادات قد تذهب بالشارح يميناً وشمالاً تنسيه المقصود، تنسيه المقصود، فكون الإنسان له قاعدة ينطلق منها كهذا التفسير يكون أضبط لتفسيره، ولا يبعد عن المقصود بحيث ينسى أهم المهمات ويستطرد في أمور قد يظنها بعض طلاب العلم أن فائدتها أقل، وإن كان كثير من طلاب العلم يفرح بهذه الاستطرادات ويأنس بها، ويطلب المزيد منها؛ لأن هذه الاستطرادات ما جاءت من فراغ، أو من .. ، إنما جاءت من كلام أهل العلم، وقد لا توجد في الكتب التي خصصت لتفسير هذه السورة مثلاً، إنما جمعت من قراءات متفرقة، لكن نظراً لضيق الوقت، يعني الدورة كلها لا تزيد يعني عن ثلاث ساعات أربع ساعات ما تحتمل هذا البسط وهذا التفصيل. على كل حال نعتمد تفسير الجلالين ونقرأ فيه، ونعلق عليه بما تيسير، ونرجو أن يكون في ذلك فائدة للإخوان. يقول -رحمه الله تعالى- ...

أولاً: هذا التفسير مؤلف من شيخين جليلين، ولا يعني هذا أن هذه تزكية أو تبرئة لهذين الشيخين من كل وجه، لا، لكن دلالة الكتاب على محلهما من العلم والدقة تدعو إلى هذا، وإلا فعندهم شيء من التأويل، تأويل الصفات، وهما يجريان في الغالب على مذهب الأشعرية التي هي عقيدة زمنهما ومكانهما، الكتاب ألف من قبل جلال الدين المحلي من سورة الكهف إلى آخر القرآن ثم رجع إلى أوله ففسر الفاتحة وانتهى تفسيره عند هذا، وأكمله الجلال السيوطي من البقرة إلى آخر الإسراء، بنفس الطريقة ونفس النفس، أكمله في أربعين يوماً السيوطي.

وبينهما بين الرجلين من المناقضات العجيبة ما يثير الدهشة، السيوطي معروف بالحفظ، ويذكر عن نفسه أنه حفظ مائتي ألف حديث، ولو وجد غير هذه العدة لحفظه، معروف بالحفظ، وكثرة التصانيف، والمحلي على العكس، الحافظة عنده ضعيفة جداً، حتى أنه حاول جاهداً أن يحفظ ورقة من التنبيه، التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي من كتب الشافعية المعتمدة عندهم، يقول: فارتفعت حرارته وظهر فيه من أثرها بثور وحبوب، عجز يحفظ هذه الورقة، والآخر يحفظ مائتي ألف حديث، وهذا يجعل طالب العلم لا ييأس؛ لأن بعض طلاب العلم يكون عنده ضعف في الحافظة، وقد يكون الضعف شديداً، ثم يقول: ما دام ما أحفظ شيء ليش أتعب نفسي؟ قد تنال الإمامة وأنت حافظتك ضعيفة، نعم العلم الشرعي علم الوحيين مبني على الحفظ، لكن لا تيأس، اسلك الطريق ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) وذكرنا في مناسبات كثيرة كيفية التحصيل لضعيف الحافظة، بعض الناس يقول: أنا أقرأ تفسير ابن كثير مرتين وثلاث لو تسألني عن شيء ما أجبتك، نقول: أنت عندك ضعف في الحافظة، وقد يكون فهمك قوياً، وهذا كثير أن من عندهم ضعف في الحافظة تجد الله -جل وعلا- يعوضه بالفهم، وهكذا كان الجلال المحلي، قالوا: إن فهمه يثقب الفلواذ، قوي الفهم، نقول: طالب العلم هذا الذي عنده ضعف في الحافظة له ما يعينه على تثبيت العلم، تقول: عجزت أن أستوعب تفسير ابن كثير نقول: خذ القلم والورق واختصر تفسير ابن كثير، إذا انتهيت من الاختصار يكون عندك من الإحاطة والعلم بتفسير ابن كثير ما لا يدركه كثير من الحفاظ؛ لأن العلم بالمعاناة يثبت، وهذه طريقة مجربة، اختصار الكتب من أنفع وسائل التحصيل، ولا يعني هذا أنك تختصر هذا الكتاب لتنشره تبيعه على الناس، لا، أول من يستفيد منه أنت، ثم بعد ذلك إذا رأيت أن الناس بحاجة إليه لا مانع.

وقد يقول قائل: إنك ذكرت في مناسبات كثيرة أن الاعتماد على المختصرات مضر بطالب العلم، نقول: نعم كذلك فهل في هذا تناقض؟ لا، ليس فيه تناقض، كونك تعتمد على مختصرات غيرك هذا مضر بتحصيلك، كونك تختصر أنت هذا معين لك على التحصيل، كيف؟ اعتمادك على مختصرات غيرك يجعلك تكتفي بما ذكر، ولعل فيما حذف المختصر أهم مما ذكر بالنسبة إليك، لكن إذا اختصرت أنت كان علمك بما حذفت كعلمك بما أثبت، وهذا بسطناه في مناسبات كثيرة، يعني لنا أشرطة في هذا الموضوع يعني يمكن وصلتكم في هذه المنطقة، فلا نحتاج إلى الإفاضة بمثل هذا، وهذا أيضاً مثال لما ذكرته أولاً من أن عدم الاعتماد على الكتاب يجعل الإنسان يستطرد ويسترسل وينسى الموضوع، والله المستعان. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "سورة (ق) يقول: "مكية" مكية يعني: أنها نزلت بمكة، وعلى التعبير الأدق عند أهل العلم: أن المكي ما نزل قبل الهجرة، ما نزل قبل الهجرة ولو كان خارج مكة، والمدني ما نزل بعد الهجرة ولو نزل بمكة، في عام الفتح وحجة الوداع، ومنهم من يقول: المكي ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة، لكن هذا يرد عليه أن ما نزل خارج مكة والمدينة ماذا يسمى؟ نعم من القرآن السفري والحضري، لكن ضبط هذه الأمور ما يمكن أن يتم بهذه الطريقة؛ لأن الفائدة من معرفة المكي والمدني معرفة المتقدم من المتأخر؛ ليعرف الناسخ من المنسوخ، فإذا قلنا: إن ما نزل قبل الهجرة وما نزل بعدها مدني عرفنا المتقدم من المتأخر، يعني ولو نزل عام الفتح بمكة شيء قلنا: مدني، ولو نزل في حجة الوداع آيات: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة] هذه الآية مدنية ولو نزلت في الموقف بمكة، ليتحرر التقسيم وينضبط وتترتب عليه فائدته وهي معرفة الناسخ والمنسوخ، فالقول المعتمد عند أهل العلم: أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعد الهجرة.

"مكية إلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [(38) سورة ق] هذه الآية مدنية، هذه الآية مدنية، وأما بقية السورة مكية، يعني آية مدنية تدخل بين آيات مكية؟! هذا يدل على أن الترتيب، ترتيب الآيات توقيفي، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا نزلت الآية قال: ((اكتبوها في موضع كذا)) كهذه الآية، ووضعت بين آيات مكية، هذه الآية المدنية وضعت بين آيات مكية، وهذا يدلنا دلالة واضحة قطعية على أن ترتيب الآيات توقيفي من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا لا يجوز التقديم والتأخير فيها، لا يجوز التقديم والتأخير في ترتيب هذه الآيات لمخالفته لهذا الأمر التوقيفي، ولمخالفته ما أجمع عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- في كتابة المصحف في عهد عثمان -رضي الله عنه وأرضاه-.

ترتيب السور يختلفون فيه، والأكثر على أنه أيضاً توقيفي، لا سيما وقد أجمع عليه الصحابة حينما كتب عثمان المصاحف وأرسلها إلى الأمصار على هذه الكيفية وعلى هذا الترتيب، ولذا يخطئ من قدم وأخر ورتب السور على حسب النزول، هذا مخطئ، يوجد أكثر من تفسير على هذه الطريقة، ترتيب السور على النزول، (التفسير الحديث) لمحمد عزة دروزة، هذا رتبه على السور، بدأ بـ (اقرأ) وانتهى بـ (الكوثر) هل هذا الكلام مقبول؟ هل هذا الصنيع معقول؟ أبداً، أولاً: يخالف ما أجمع عليه الصحابة، ولا شك أن هذه هفوة وزلة عظيمة، هناك أيضاً تفسير اسمه: (البيان) لسوري يقال له: عبد العزيز ملا حويش، مطبوع في سبعة مجلدات، والأول في اثني عشر جزءاً، كلها رتبت على التنزيل، لكن إذا أمكن ترتيب السور على التنزيل كيف يمكن ترتيب الآيات؟ يعني إذا وضعت (ق) في السور المدنية في أوائل الترتيب، كيف تضع هذه الآية وهي مدنية؟ أو تخرج هذه الآية من هذه السورة المكية ليتسنى لك الترتيب هذا لا يمكن، دون هذا خرط القتاد، فمع أنه مخالفة صريحة واضحة لما أجمع عليه الصحابة إلا أنه لا يمكن تطبيقه، لا يمكن تطبيقه؛ لأنه إذا أمكن في السور لا يمكن في الآيات، فيبقى المصحف كما رتبه الصحابة -رضوان الله عليهم-، وكما أجمعوا عليه فلا يجوز التعرض له بتقديم ولا تأخير لا سيما والقرآن محفوظ مصون، لا يجوز .. ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] نعم وجد مثل هذه التصرفات، وهي ليس فيها زيادة ولا نقصان في القرآن، لكنها إعادة لترتيب القرآن، مخالفة لما أجمع عليه الصحابة -رضوان الله عليهم-، ودرجت عليه الأمة وتلقوه جيلاً عن جيل، حتى تواتر تواتراً قطعياً على هذا الترتيب، وعلى هذا النمط، فلا شك أن هذا الترتيب الجديد غير ترتيب الصحابة زلة وهفوة عظيمة، وحينما ينبه على مثل هذا يذكر طلاب العلم بأن مثل هذين التفسيرين وقد يوجد غيرهما مما لم يطلع عليه، لكن هذا لا يجوز بحال.

هناك نوع من التفسير فيه شيء من الترف ولا يليق بعظمة كتاب الله -جل وعلا-، وهذا سلكه بعضهم بتفسير القرآن بالحروف المهملة، يعني ما في ولا حرف منقوط، هل هذا مقصد وهذه غاية؟ أبداً والله، إنما يظهر فيه في كثير من مواضعه التعسف، تحتاج إلى تفسير آية فتأتي إلى .. ، تأتي بكلمات لا نقط فيها ولا إعجام، فتضطر إلى كلمات غريبة، أو كلمات وحشية أيضاً، وأسلوب قد يكون ركيكاً، وهذا لا يعرف عند أئمة الإسلام ولا سلفهم، سلف الأمة، أيضاً بعض المفسرين، أو كثير من المفسرين شان تفسيره بما حشاه فيه من البدع المغلظة أحياناً والمخففة والمتوسطة، وهذا كثير في التفاسير، فليحذر طالب العلم من هذه التفاسير المملوءة بالبدع، تفسير الزمخشري، تفسير الرازي، تفسير ابن عربي، تفسير المهايمي، تفاسير كثيرة، تفاسير للمعتزلة، تفاسير للأشعرية، تفاسير للخوارج، هذا موجود، كلها موجودة، وتفاسير للصوفية، تفاسير إشارية، باطنية، كل هذه تفاسير يتقيها طالب العلم، وعليه بتفاسير أهل العلم الموثوقين؛ لأن معاناة كتاب الله -جل وعلا- عبادة، والعبادة يرجى ثوابها من الله -جل وعلا- فكيف نرجو ونطلب ما عند الله بسخطه؟ هذا لا يمكن، بعض المعاصرين حشا تفسيره بنظريات عصرية وعلوم بعيدة كل البعد عن مراد الله -جل وعلا- في كلامه، وهناك تفاسير مملوءة بالصور، صور ذوات الأرواح، وهي أشبه إلى كتب العلوم من الكيمياء والفيزياء وغيرها من أن تكون بياناً وشرحاً لكتاب الله -جل وعلا-، إذا كان التفسير بالرأي جاء ذمه والتشديد فيه، فدخول مثل هذه التفاسير في هذا المذموم دخولاً أولياً. يقول: "مكية إلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [(38) سورة ق] .. الآية فمدنية، خمس وأربعون آية" خمس وأربعون آية. بسم الله الرحمن الرحيم.

البسملة يختلف أهل العلم في كونها آية من السورة يعني من جميع السور، أو آية من الفاتحة فقط؟ أو آية واحدة في القرآن كله نزلت للفصل بين السور، بعد إجماعهم على أنها بعض آية في سورة النمل في أثنائها هذا محل إجماع, وعلى أنها ليست بآية في أول براءة، والخلاف فيما عدا ذلك، هل هي آية من الفاتحة؟ من أهل العلم من يقول: إنها آية من الفاتحة، ويوجبون قراءتها في الصلاة، ويجهرون بها فيما تجهر فيه الفاتحة، والمرجح أنها ليست بآية من أي سورة من السور إلا أنها نزلت آية واحدة نزلت للفصل بين السور، وحديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) صريح في أن البسملة ليست من الفاتحة، يعني ((فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، ثم إذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)) ثم ذكر الآيات الثلاث بعدها، فهي سبع آيات، وهذا الموضوع ذكرناه في تفسير الفاتحة وأطلنا فيه وذكرنا الأقوال في عدد آي الفاتحة، وعامة أهل العلم على أنها سبع، وإن قال بعضهم: إنها ثمان، وشذ بعضهم فقال: ست، لكن ليس هذا محل البسط. بسم الله الرحمن الرحيم لا نحتاج إلى إعادة تفسير البسملة أو إعراب البسملة هذا نكتفي بما ذكرناه في تفسير الفاتحة. يقول -رحمه الله تعالى- في قوله -جل وعلا-: {ق .. } [(1) سورة ق] يقول: "الله أعلم بمراده به" الله أعلم بمراده به، وسلك المفسران الجلالان في تفسيرهما هذا المختصر هذه الجملة: "الله أعلم بمراده به" في جميع السور المفتتحة بالحروف المقطعة، فخرجوا من خلاف طويل بسطه أهل العلم في المطولات، فنأتي إلى (ق) (ق) يقول المؤلف: "الله أعلم بمراده به".

منهم من يقول ويري في ذلك خبراً مطولاً: أن (ق) جبل محيط بالأرض، محيط بالأرض من ياقوت، وبالغوا في صفته وعظمته، وذكروا أشياء لا يقبلها عقل، ولم يرد بها نقل، حتى قال الحافظ ابن كثير: إنه من وضع زنادقة أهل الكتاب، من وضع زنادقة أهل الكتاب، وتتابع المفسرون على ذكره اعتماداً على قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) وهذا في الصحيح، وفي رواية البزار: ((فإن فيهم الأعاجيب)) بعض الناس مغرم بذكر هذه الإسرائيليات وترديدها بناءً على أن فيها شيء لم يسمعه من قبل، وفي الغالب أن الأشياء التي لا تنفع ينساق وراءها الناس، النفوس ترتاح إليها؛ لأنها في الغالب ليس فيها شيء من التكليف، هي مجرد قصص، فتجد الناس يغرمون بمثل التفاسير المملوءة من الإسرائيليات، وتبعاً لذلك تجد كثير من طلاب العلم يصعب عليه قراءة كتب العلم المتينة مما يخدم الوحيين من التفاسير وشروح الأحاديث، كتب العقائد، كتب الأحكام، هذه صعبة على النفوس؛ لأنها تخالف ما تشتهيه النفوس، لكن تجده يقرأ في كتب الأدب؛ لأن فيها أخبار وسواليف ويقل وقال ويقرأ في كتب التواريخ، القراءة في كتب التواريخ والأدب فيها راحة، فيها استجمام، فيها متعة، فيها عبرة أحياناً، فيها عظة، لكن الاسترسال وراءها بحيث تكون على حساب النصوص وما يخدم النصوص هذا لا يليق بطالب العلم، أيضاً الانسياق وراء هذه القصص التي جاء الإذن بقراءتها ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) هذا إذن مطلق لكنه ينبغي أن يكون مقيداً بما لم يرد شرعنا بخلافه، فإذا ورد شرعنا بخلافه فإنه لا يجوز أن يحدث به، ولا يعتمد عليه، وإنما يذكر لبيان مخالفته.

تجد بعض طلاب العلم مغرم بكتب الرحلات؛ لأنها سواليف، تسهل على النفس قراءتها وتلقيها والتحدث بها سهل، تجده إذا كان مدعو إلى جلسة وإلا شيء، نظر في بعض هذه الكتب ليتحدث به في المجلس، أو يكون ديدنه ذلك، بعضهم مغرم بقراءة الذكريات، وهذه الرحلات والذكريات أغلى ما يباع في الأسواق على الإطلاق الآن، أغلى من كتب التفسير وشروح الحديث والعقائد والفقه والعلوم النافعة؛ لأن الناس اتجهوا إليها، تجد هذه الإسرائيليات التي منها أن (ق) جبل محيط بالأرض وصفته كذا وكذا، المقصود أنهم هولوا من شأنه بشيء لا يقبله عقل، لا يمكن أن يدخل في عقل، ولم يرد به نقل، بل وردت النقول بخلافه، حشيت كتب التفاسير بمثل هذه الإسرائيليات، حتى أن واحد من طلاب العلم، ممن ينتسب إلى طلب العلم عتب على من اختصروا تفسير ابن كثير وجردوه عن ذكر هذه الإسرائيليات، مع أن الإمام الحافظ ابن كثير ناقد، إذا أورد هذه الأخبار ينقدها ولا يسكت عليها، وهو الذي قال في هذا الجبل إنه من وضع زنادقة أهل الكتاب، فلا يلام من ذكرها للنقد. القرطبي في تفسيره الجامع ذكر في مقدمة كتابه أنه لا يذكر الأخبار الإسرائيلية، ويكتفي بذكر الأحكام ومعاني الآيات من حيث اللغة والمنقول، ويفيض في الأحكام، لكنه مع ذلك ذكر من الأخبار الإسرائيلية؛ لأن بعض الأمور تفرض نفسها، إذا كانت جميع المراجع التي بين يديه فيها ذكر هذه الإسرائيليات، قد ينساق الإنسان وراءها من حيث يشعر أو لا يشعر، وعلى كل حال تفسير القرطبي من أنظف الكتب بالنسبة للإسرائيليات، وإن وجدت فيه، تفسير الخازن الذي صار ديدناً لكثير من طلاب العلم في بعض الأقطار، الرجل صوفي، ومغرم بالإسرائيليات، وهو في الأصل مختصر من تفسير البغوي، لكنه أفاض في ذكر هذه الإسرائيليات، فصار الناس يتتبعونه تبعاً لهذه الإسرائيليات التي تروح عن قلوبهم على حسب ما يزعمون.

منهم من يقول: إن (ق) اسم السورة، وأنتم ترون أنها وضعت في المصحف: (سورة ق) كونها اسم للسورة ما في أدنى إشكال باعتبار أن السورة قد تسمى بجزء منها، كما قيل: سورة البقرة مثلاً، وقد يكون للسورة الواحدة أكثر من اسم كما هو معروف، فمثل هذا أمره سهل، منهم من يقول: إن (ق) افتتاح الأسماء الحسنى المفتتحة بالقاف قدير، قاهر، قهار، قابض، منهم من يقول هذا، وهذا موجود في كتب التفسير، لكن الاقتصار على حرف وحذف الباقي مع عدم وجود ما يدل عليه، هذا فهي ما فيه، لا يوجد ما يسنده من لغة العرب، ولم يرد به أثر، وإن نسب إلى بعض الصحابة، منهم من يقول: إن (ق) معناها: قضي الأمر، وهذا مثل سابقه، يعني لو قلنا: (ق) أول الاسم القدير لله -جل وعلا-، أو القاهر، أو القهار، يعني لا يوجد ما يدل على أن (ق) معناها قضي الأمر، لا يوجد ما يدل عليها، والحذف لا يسوغ إلا مع وجود ما يدل عليه، هم يقولون: يوجد الحذف في لغة العرب: قلت لها: قفي فقالت: قاف ... . . . . . . . . . يعني وقفت، قالت: وقفت، هذا الحذف يوجد ما يدل عليه من قوله: قفي، فقولها: قاف يعني وقفت لوجود ما يدل عليه، لكن عندنا في قضي الأمر من (ق) هل يستطيع إنسان مهما بلغ من الذكاء والنبوغ أن يعرف أن (ق) معناها قضي الأمر من هذا الحرف فقط؟ ما يمكن مستحيل، ما في ما يدل عليه.

أقوال أهل العلم في الحروف المقطعة كثيرة مثل (ق)، مثل (ص)، مثل (ن)، مثل: (آلم)، (ألمر)، (طس)، (طسم)، (كهيعص)، (حم)، (عسق)، هذه حروف مقطعة، من أهل العلم من يرى أنها إنما أنزلت لتحدي من نزل عليهم القرآن، وتعجيزهم، ولذلك في الغالب يذكر بعد هذه الحروف القرآن؛ للدلالة على أن القرآن مركب من هذه الحروف، وأنتم تعرفونها وتحفظونها، الحروف حروف المعجم يوجد من لا يحفظ حروف المعجم؟ الحروف المقطعة من ألف إلى الياء، يوجد طفل ما يحفظها؟ إلا شخص غير مميز، يعني من سن التمييز تحفظ هذه الحروف، والعرب يعرفونها، سواءً كانت على حروف ترتيبها على التهجي ألف باء تاء ثاء .. إلى آخره، أو على الأبجد، على كل حال هي معروفة ويستخدمها العرب في التاريخ، يعني أمر معروف عندهم، فإذا كان القرآن مركب من حروف تعرفونها كالقاف مثلاً أو الصاد أو الألف أو اللام، أو الميم، أو ما أشبه ذلك، فأتونا بمثله وأنتم أهل الفصاحة والبيان، والله -جل وعلا- تحدى العرب أن يأتوا بمثله، وتحداهم أن يأتوا بعشر سور، وتحداهم أن يأتوا بسورة، لكن هل تحداهم أن يأتوا بآية؟ نعم؟ تحداهم أن يأتوا بآية؟ لا، سورة، نعم آية بقدر سورة، بقدر أقصر السور لا يمكن أن يأتوا بها، لكن آية وجدت في القرآن العربي لا يعجز أن يقول: {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] هل يعجز العربي أن يقول: {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر]؟ هذه آية، ما حصل التحدي بآية، لكن آية أطول من هذه يتحدى بها، بقدر سورة الكوثر يمكن أن يتحدى به، أيضاً: {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] و {مُدْهَامَّتَانِ} [(64) سورة الرحمن] وهما آيتان في سياقهما لا يمكن أن يؤتى بمثل هذه الدقة، في هذا المقام، فهو معجز من هذه الحيثية، لكن التحدي بالآية بمفردها ما حصل.

{وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] الواو معروف أنها واو القسم، و (ق) الوقوف عليها بالسكون، هذا عامة القراء عليه، ومنهم من يقول: تنطق مكسورة (قِ والقرآن) لأن الكسر يقوم مقام السكون، نعم يقوم مقام السكون متى؟ إذا وليه ساكن، لكن الذي ولي (ق) ساكن وإلا متحرك؟ {يَرْفَعِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] الأصل ساكن، لكن حرك بالكسر لالتقاء الساكنين، وهنا في التقاء ساكنين؟ لا، ليس في التقاء ساكنين، فلا مبرر للكسر. ومنهم من يقول: إن (ق) كلمة والأصل في الكلمة إذا تصدرت الكلام تكون مرفوعة فيقول: (قُ والقرآن) ومنهم من يقول: أخف الحركات الفتحة فتفتح، وعلى كل حال عامة القراء على أنها ساكنة. {وَالْقُرْآنِ} [(1) سورة ق] الواو واو القسم، وحروف القسم الثلاثة معروفة الواو والباء والتاء، القرآن: والمراد به المقروء المنزل من عند الله -جل وعلا- المتلو المكتوب المسموع، هو كلام الله -جل وعلا- تكلم به وسمعه منه جبريل، ونزل به على محمد -عليه الصلاة والسلام- منه بدأ وإليه يعود، فهو منزل غير مخلوق كما تقول المعتزلة، ومن يضاهيهم ويشابه قولهم من وجه كالأشعرية والماتريدية. {وَالْقُرْآنِ} [(1) سورة ق] مجرور؛ لأن حروف القسم من حروف الجر، حروف القسم من حروف الجر، القرآن: مقسم به مجرور، وجواب القسم؛ لأنه يقول هنا: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] ما آمن كفار مكة بمحمد بل عجبوا" كأنه يرى أن جواب القسم محذوف تقديره: ما آمن كفار مكة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- بل عجبوا" ومنهم من يقول: الجواب: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} [(4) سورة ق] وحذفت اللام الواقعة في جواب القسم لطول الكلام، لوجود الفاصل بين المقسم به وجوابه، ومنهم من يقول: إن جواب القسم: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} [(37) سورة ق] وقيل: الجواب: {مَا يَلْفِظُ} [(18) سورة ق] وقيل: جوابه: {بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ} [(2) سورة ق] لكن هذا الإضراب يقتضي أن يتقدمه كلام يضرب عنه، وهو ما قدره المفسر الجلال: "ما آمن كفار مكة بل عجبوا"، فقولهم في جوابه: بل عجبوا لا بد من التقدير الذي ذكره المؤلف.

يقول الأخفش: جوابه محذوف، الأخفش معروف أن الأخافش من النحاة من اللغويين بضعة عشر، لكن أشهرهم إذا أطلق الأوسط، سعيد بن مسعدة المجاشعي، هذا الأخفش الأوسط هو أشهرهم بحيث ينصرف إليه اللقب عند الإطلاق. يقول الأخفش: جوابه محذوف تقديره لتبعثن، {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] لتبعثن، يدل عليه قوله: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [(3) سورة ق] الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يقول: جواب القسم مضمون الكلام الآتي كله، مضمون الكلام الآتي من إثبات النبوة والمعاد وما يتبع ذلك، هذا كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-. {الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] يقول المفسر: "الكريم" والمراد به الرفيع القدر، الكريم كما قال المفسر أو الرفيع القدر، وقيل: الكبير، وقيل: الكثير، المقصود أن المجد صفة لهذا القرآن الكريم، كما أنها صفة للمتكلم به، وهو الله -جل وعلا-، وصفة للعامل به، فهي من الصفات المشتركة اسم من أسماء الله، وصفة لبعض خلقه ممن اعتنى بهذا الكتاب لا شك أنه يعظم قدره ويرتفع شأنه، وقد جاء في الحديث الصحيح: ((إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً، ويضع به آخرين)) فالمجد منزلة مرتفعة ينالها من كانت له عناية بهذا القرآن المجيد.

{بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ} [(2) سورة ق] "رسول من أنفسهم يخوفهم بالنار بعد البعث"، {بَلْ عَجِبُوا} [(2) سورة ق] الضمير يعود إلى الكفار، ولم يجر لهم ذكر، لكن قد يحذف الشيء لعدم وجود اللبس {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [(32) سورة ص] ما هي التي توارت بالحجاب؟ الشمس أحد يشك في هذا؟ أحد يختلف في هذا؟ فلا يحتاج إلى وجود ما يدل عليه، {بَلْ عَجِبُوا} [(2) سورة ق] من الذي يعجب من مجيء النبي -عليه الصلاة والسلام- وكونه منهم؟ هل المؤمن يعجب؟ إنما الذي يعجب من ذلك هو الكافر، بدليل ما يتلوه من الكلام {بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ} [(2) سورة ق] "رسول من أنفسهم يخوفهم بالنار بعد البعث" {فَقَالَ الْكَافِرُونَ} [(2) سورة ق] لماذا أعيد لفظ الكفار ما اكتفى بالضمير بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقالوا: هذا شيء عجيب؟ لماذا أعيد الكفار باللفظ مع أنهم ذكروا بالضمير؟ فالأولى أن يذكروا هنا بالضمير أو يصرح بهم في الموضع الأول بل عجب الكفار أن جاءهم منذر منهم فقالوا: هذا شيء عجيب، الآن العكس الموضع الأول بالضمير والثاني بالتصريح، ذكروا ولم يقل فقالوا، تقبيحاً لحالهم، تقبيحاً لحالهم، ووصفهم بالكفر، ووصفهم بالكفر. ومنهم من يقول: {بَلْ عَجِبُوا} [(2) سورة ق] يعود إلى الجميع، إلى جميع من أرسل إليهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، من آمن ومن لم يؤمن، ثم بعد ذلك ميز الكفار بقولهم: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} [(3) سورة ق] لكن السياق كما في سورة (ص) يدل على أن المراد بقوله: {بَلْ عَجِبُوا} [(2) سورة ق] هم الكفار.

{بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ} [(2) سورة ق] أي: "رسول من أنفسهم لا من غيرهم يخوفهم بالنار بعد البعث" {فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا} [(2) سورة ق] يعني هذا الإرسال، أو هذا الإنذار كما يقول المؤلف {شَيْءٌ عَجِيبٌ} وبيان عجبه هذا الإنذار بالبعث يقول: {شَيْءٌ عَجِيبٌ} لماذا صار عجيباً؟ الموت هل ينكره أحد؟ هل يوجد من ينكر الموت؟ ما يوجد، لماذا؟ لأنه محسوس كل يراه، الأب بين أولاده وبين أفراد أسرته اليوم وغداً في المقبرة، والولد كذلك والأم كذلك، ما في أحد ينكر الموت إلا من في عقله شيء، نعم هناك من يقول بالتناسخ، يقول: لو مات رجع ثانية، أو حلت روحه في كذا ما انتهت، ما انقطع، لكن هذا هلوسة، المقصود أنهم لا ينكرون الموت، إنما يتعجبون من الإحياء بعد الموت، يعني ما عرف بينهم أن واحد مات ودفن ثم رجع إليهم، فهم يستبعدون البعث من هذه الحيثية، فتعجبوا {أَئِذَا مِتْنَا} [(3) سورة ق] قالوا: {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [(2) سورة ق] بيان ذلك قولهم: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} [(3) سورة ق] نبعث ونرجع؟ {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [(2) سورة ق] عندهم.

{أَئِذَا} [(3) سورة ق] يقول المؤلف: "بتحقيق الهمزتين -أئ أئذا- وبتسهيل الثانية -أيذا- وإدخال ألف بينهما على الوجهين وتركه" فتكون الوجوه أربعة، الوجوه أربعة بتحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية، وإدخال ألف بينهما على الوجهين المذكورين، وتركه، فتكون الوجوه أربعة، {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} [(3) سورة ق] "نرجع" ونعود إلى الدنيا بعد أن فارقت أرواحنا أجسادنا، وطمرنا بالتراب، ودفنا في الأرض؟! {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [(3) سورة ق] "في غاية البعد" يستبعدون هذا، غاية البعد، {ذَلِكَ رَجْعٌ} [(3) سورة ق] أي: رد بعيد، والرجع هو الرد، وبعده يعني استحالته عندهم، يعني محال أن يرجع؛ لأنهم ما عهدوا أن ميتاً حيا من جديد، ولا يؤمنون بالأخبار، إذا كانوا لم يروا ولم يشاهدوا بحواسهم أن هناك من رجع بعد دفنه، وهم لا يصدقون بالأخبار عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، إذن ما في وسيلة للإثبات، هل في وسيلة لإثبات الرجوع؟ ما دام ينكرون الأخبار، وما رأوا بحواسهم أحداً رجع، إذن هذا بعيد، بل محال. {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ} [(4) سورة ق] يعني ما تأكله منهم، وما يتحلل وما يتفتت وما يذوب، وما يفنى من أجسامهم.

{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ} [(4) سورة ق] أي: ما تأكله من أجسامهم، فلا يضل عنا شيء، ولا يغيب عن قدرتنا شيء، وإذا كان الرجل الذي شك في القدرة الإلهية، وحديثه وقصته في الصحيح، قال: ((لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحد، لكن إذا أنا مت -يوصي أهله- فأحرقوني ثم ذروني في يوم شديد الرياح)) يظن أن اجتماع هذه الأجزاء تصعب على الله -جل وعلا- فشك في قدرته، وما عمل خيراً قط، في بعض الروايات: "إلا التوحيد" في المسند: "إلا كلمة التوحيد" هو مفرط تارك للأوامر، مرتكب النواهي، ومع ذلك معه التوحيد، وشك في القدرة، والذي يشك في قدرة الله -جل وعلا- يكفر وإلا ما يكفر؟ يكفر، لكنه لما جمعت أجزاءه قيل له: ما الذي حملك على هذا؟ فذكر الخوف الشديد من الله -جل وعلا-، فمن أهل العلم من يقول: إنه عذر بجهله، ومنهم من يقول: إنه بلغ به الخوف مبلغاً غطى عقله، ورفع عنه التكليف في تلك اللحظة، والمغلوب غير مكلف، المغلوب غير مكلف. كلام أهل العلم في هذه المسألة كثير، لكن فيها دلالة على القدرة الإلهية بجمع ما تفرق من أجزاء البدن في الأرض، من أكلته السباع، من أحرق بالنار، وما أشبه ذلك كله يجمع ويبعث مع الناس كما كان -والله المستعان- كاملاً حتى ما أخذ منه في حياته يرد إليه، حفاة عراة غرلاً بهماً، يعني كما خلقوا. في الصحيح: ((كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب)) ((كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق، ومنه يركب)) عجب الذنب الذي يسمونه نعم العصعص، هذا لا يأكله التراب، وهو من أحد الثمانية التي لا تفنى. ثمانية حكم البقاء يعمها ... من الخلق والباقون في حيز العدم هي العرش والكرسي نار وجنة ... وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم

الأنبياء والشهداء لا تأكل الأرض أجسادهم، الله -جل وعلا- حرم على الأنبياء أن تأكلهم، حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وكذلك الشهداء؛ لأنهم أحياء، يعايا برجل لا تأكل جسده الأرض ليس بنبي ولا شهيد بل ولا صالح، وهو الرجل الذي خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، هذا تأكله الأرض وإلا ما تأكله؟ نعم، إذا كانت حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، طيب هذا الرجل الذي خسف به، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم المقصود أنه مما يعايا به، فيقال: رجل لا تأكل جسده الأرض، ليس بنبي ولا شهيد، بل ولا صالح، هذا خسف به الأرض، يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ} [(4) سورة ق] أي: "تأكل" {مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} وعندنا كتاب حفيظ هو اللوح المحفوظ، فيه جميع الأشياء المقدرة، فيه جميع الأشياء المقدرة، فهو محفوظ، وهو أيضاً حافظ، حافظ لأفعال العباد، ما يند عنه شيء، وهو محفوظ من التغيير والتبديل، ومحفوظ فيه كل شيء، وحافظ أيضاً هو لكل شيء، فيه جميع الأشياء المقدرة.

{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} [(5) سورة ق] يعني: القرآن، ومنهم من يقول: الإسلام، ومنهم من يقول: محمد -عليه الصلاة والسلام-، القرآن والإسلام ومحمد -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من اختلاف التضاد وإلا التنوع؟ التنوع؛ لأنه لو قيل: المراد به كل هذه الأمور لما بعد، بين -سبحانه وتعالى- سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد، وهذا حال كل من خرج عن الحق، {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} [(5) سورة ق] أي: "بالقرآن" {لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ} [(5) سورة ق] هؤلاء المكذبون الكفار في شأن النبي -صلى الله عليه وسلم-، "في شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن" {فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} يعني: مختلط، مضطرب، حيث قالوا مرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: إنه ساحر، وقالوا عن القرآن: سحر، ومرة قالوا: شاعر، ومرة قالوا عن القرآن: إنه شعر، ومرة قالوا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: كاهن، وقالوا عن القرآن: كهانة، فأمرهم مضطرب مختلط، ملتبس {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} [(5) سورة ق] وقيل: فاسد، فكل شيء مرج فقد فسد، ومنه قيل للبيض إيش؟ مارج يعني: فاسد، وفي آخر الزمان من يأتي ممن مرجت عهودهم وفسدت.

{أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] لم ينظروا معطوف بالفاء على أمر مقدر على شيء مقدر، يعني أغفلوا فلم ينظروا، أغفلوا فلم ينظروا نظر اعتبار، ونظر تفكر، {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] "أفلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم حين أنكروا البعث" {إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] كائنة فوقهم، الظرف فوقهم متعلق بكائن أو مستقر كائنة أو مستقرة {فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} [(6) سورة ق] نظر اعتبار، ونظر تفكر، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(190 - 191) سورة آل عمران] هؤلاء هم الذين يوفقون في النظر في هذه الآيات، والنظر في الآيات سواءً كانت الكونية أو الآيات الشرعية من أقوى أو من أعظم ما يزيد الإيمان، من أعظم ما يزيد الإيمان، "أفلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم حين أنكروا البعث" {إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] كائنة فوقهم، {كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} [(6) سورة ق] القادر على خلق هذه السماء وعلى سعتها هل يعجز عن إعادتهم؟ القادر على خلقهم هل يعجز عن إعادتهم؟ لا، الإعادة أسهل من البدء؛ لأن الإيجاد من لا شيء أعظم من الإيجاد من شيء، وكل ذلك على الله يسير، وكله بالنسبة له مستوٍ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [(82) سورة يس].

يقول: "كيف بنيناها بلا عمد" كيف بنيناها بلا عمد، يعني لو أن إنساناً أراد أن يبني سقفاً عشرة في عشرة اضطر أن يضع عمود، أو يضع احتياطات كبيرة جداً؛ لئلا يسقط السقف، فكيف إذا زادت المسافة عن هذا؟ فكيف بالسماوات التي خلقت بلا عمد؟ الله -جل وعلا- يقول: {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد] بغير عمد ترونها، الجملة وصف للعمد، فهل لهذه الجملة مفهوم أو ليس لها مفهوم؟ لها مفهوم وإلا لا مفهوم لها؟ نعم؟ يعني هل مفهومهما معتبر أو مفهومها ملغى؟ وما الفرق بينهما؟ خلق السماوات بغير عمد ترونها، إذا قلنا: لا مفهوم له قلنا: ليس لها عمد أصلاً، إذا قلنا: إن الجملة لا مفهوم لها، وألغينا المفهوم، وقد يلغى المفهوم لا سيما إذا عورض بما هو أقوى منه كالمنطوق، فهل يوجد ما يعارض هذا المفهوم؟ هل نقول: إن القدرة لا تتم إلا إذا كانت بغير عمد؛ لنقول: إن هذا معارض فنلغي المفهوم؟ أو نقول: المفهوم معتبر وأن السماوات على عمد لكنها لا ترى؟ نعم يا الإخوان هل نقول: إن السماوات بغير عمد وقوله: لا ترونها هذا لا مفهوم له والتعبير صادق على أنها ليس لها عمد أصلاً؟ أو نقول: إن لها عمد ومفهوم الجملة معتبر لكن هذه العمد لا ترى؟ وأيهما أدخل في القدرة وأقوى أن تبنى بغير عمد أو تبنى بعمد لا ترى؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ما نحتاج إلى أن نقول: لا ترى، إذا قلنا: بدون عمد ما في عمد من أجل أن ترى أو لا ترى، فما الداعي ما الحاجة إلى قوله: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد]؟ بغير عمد ترونها المفهوم ملغى، إذن هي ليست على عمد أصلاً، قبة على الأرضين بغير عمد، ولا شك أن في هذا ما فيه من بيان عظمة الخالق -جل وعلا-، لكن إذا قال: إنها بغير عمد ترونها المفهوم معتبر وهي مبنية على عمد لكنها لا ترى، أليس هذا من أعجب العجب أن يوجد عمد تحمل هذه السماوات، هذه الأجرام العظيمة ولا ترى بالعين المجردة؟ هذا أيضاً فيه بيان عظمة، يعني هناك يستطيع بعض المهرة أن يبنوا على أشياء، أو يصورا أشياء مخفية، لكن هل يمكن أن يجعلوا عمد مخفية؟ ما يمكن أن يوجد عمد مخفية، في قدرة البشر لا يمكن.

فإذا قلنا: إن السماوات مبنية على عمد لكنها لا ترى، هذا أيضاً فيه بيان لعظمة الله -جل وعلا- مما يذهل ويدهش العقول، قالوا: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد] وهو صادق ألا عمد لها أصلاً، فلا مفهوم للجملة، وقيل: لها مفهوم وأنها بنيت على عمد لكنها لا ترى، والذي اعتمده المؤلف: "فوقهم كيف بنيناها بلا عمد". {وَزَيَّنَّاهَا} [(6) سورة ق] زيناها بالكواكب والنجوم، فالنجوم لها حكم، من حكمها أنها زينة للسماء {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [(5) سورة الملك] وزيناها بالكواكب {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} [(6) سورة ق] الفروج: هي الشقوق والفتوق، لا شك أن الفروج والشقوق تعيبها، لكنها لا يوجد فيها هذا العيب. {وَالْأَرْضَ} [(7) سورة ق] "معطوف على موضع (إلى السماء) " {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] ولم ينظروا إلى الأرض كيف مددناها إذا عطفنا على اللفظ، وإذا عطفنا على المعنى نصبنا، ولذا قال: {وَالْأَرْضَ} [(7) سورة ق] "معطوف على موضع (إلى السماء) " {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] السماء لفظها مجرور، مجرور بإيش؟ بـ (إلى) بالحرف، والأرض: منصوب، منصوب على إيش؟ على موضع السماء؛ لأن الأمر بالنظر إلى السماء، والأصل أن الفعل يتعدى بنفسه، أفلم ينظروا السماء فعدي بالحرف، وما عطف عليه يجوز فيه الجر والنصب، الجر على اللفظ، والنصب على المعنى، الجر على اللفظ والنصب على المعنى.

يقول: {وَالْأَرْضَ} [(7) سورة ق] "معطوف على موضع (إلى السماء) "، "كيف مددناها: دحوناها على وجه الماء" ووسعناها وبسطناها، كيف مددناها فهي ممدودة مبسوطة {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [(7) سورة ق] يعني: "جبال تثبتها" {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [(32) سورة النازعات] فلولا هذه الجبال لمادت بأهلها، لمادت بأهلها، وأكثر ما يخشى مما يخشى من عمليات إزالة الجبال والآن في بعض البلدان العمل جار على أشده، يعني تنظرون في مكة مثلاً العمل جاري ليل ونهار على إزالة هذه الجبال، ولا شك أن هذه الجبال لها هذه المصلحة العظيمة؛ لئلا تميد بأهلها، فهم يزيلونها، لكنهم يقولون: إننا نزيل الجبال ونضع مكانها أبنية شاهقة، تقوم مقامها، لكن هل هذه الأبنية على ارتفاعها وسعتها وطولها وعرضها تقوم مقام الجبال؟ لماذا؟ لأن الجبال صماء ما فيها تجاويف، والأبنية فيها تجاويف، فلن تقوم مقامها، والحكمة الإلهية من وجود الجبال تقتضي ألا يتعرض لها بشيء. {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [(7) سورة ق] "جبالاً تثبتها" {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ} [(7) سورة ق] "صنف" من كل زوج: صنف، من أصناف النباتات {بَهِيجٍ} [(7) سورة ق] يبهج أو "يُبهج به لحسنه" فهو حسن نظر، فهو حسن نظر. {تَبْصِرَةً} [(8) سورة ق] "مفعول له" مفعول لأجله، يعني من أجل التبصرة، "فعلنا ذلك" تبصرة، يعني من أجل التبصرة، فهو "مفعول له أي: فعلنا ذلك تبصيراً منا" {وَذِكْرَى} [(8) سورة ق] تذكيراً {لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} [(8) سورة ق] رجاع، تواب، أواب "رجاع إلى طاعتنا" ولا شك أن هذا النظر مما يقوي الإيمان. تبصرة لمن؟ وتذكرة لمن؟ تبصرة للجاهل، وتذكرة للناسي، تبصرة للجاهل، وتذكرة للناسي الغافل تذكره، {لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} [(8) سورة ق] يعني: رجاع إلى طاعة الله -جل وعلا- بعد أن غفل عنها، يرجع عنها، فتجده كل ما غفل رجع، كل ما أذنب تاب واستغفر وهكذا. ألفية العراقي سماها التبصرة والتذكرة؛ لأنه يقول في أوائلها: نظمتها تبصرة للمبتدئ ... تذكرة للمنتهي والمسندي

فهي تبصرة للمبتدئ الجاهل، وهي تذكرة أيضاً للمنتهي الذي أخذ من هذا العلم بنصيب وغفل عن بعضه يتذكر بهذا الكتاب. والله -جل وعلا- فعل ما فعل من خلق السماوات والأرض وزين السماء، وأنزل من السماء ماءاً، وألقى في الأرض رواسي وهكذا، لماذا؟ تبصرة: من أجل تبصرة هذا الجاهل، أي فعلنا ذلك تبصيراً منا، وذكرى: تذكيراً لكل عبد منيب: رجاع إلى طاعتنا، ولعلنا نكتفي بهذا ليرتاح الإخوان قليلاً إلى درس المغرب، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة ق (2)

تفسير الجلالين - سورة ق (2) من آية: (8 - 15) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: هنا أسئلة بعضها يتعلق بما تقدم في الدرس السابق. يقول: ألم يجد الصحابة المشقة والعناء في حفظ القرآن بسبب إدخال آيات متأخرة النزول في مقاطع كانوا يحفظونها؟ أولاً: القرآن نزل منجماً مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة، وكون الشيء ينزل بالتدريج ويؤخذ تدريجياً، ليست مشقته مثل مشقة ما يؤخذ دفعة واحدة. الأمر الثاني: أن قراءة القرآن في أول الأمر كان فيها شيء من السعة مناسبة لحال الصحابة وظرفهم في أول الأمر، فإنهم دخلوا في الإسلام وفيهم الكبير، وفيهم الصغير، وكلهم بل جلهم أميون، لا يقرؤون ولا يكتبون، فشرع التخفيف عليهم، فأنزل القرآن على سبعة أحرف، كل هذا مراعاةً لحالهم، كل هذا مراعاةً لحالهم، فلا يجدون مشقة، مع أنه قليل منهم من جمع القرآن كاملاً في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنهم كانوا مشغلون بتأسيس الدولة النبوية معه -عليه الصلاة والسلام-، بالدعوة إلى دين الله في أول الأمر، ثم بالجهاد وما يعين على إقامة هذه الدولة بالهجرة ومفارقة الأوطان وغير ذلك، وكان أيضاً يشغلهم ما هم بصدده من أمور دنياهم، كما قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "كان إخواننا من المهاجرين يشغلهم الصفق في الأسواق، وإخواننا من الأنصار يشغلهم العمل في زروعهم وحروثهم" فلم يتفرغوا كما تفرغ أبو هريرة لحفظ السنة، وعلى كل حال الأمر في أول الأمر فيه شيء من السعة؛ لأنه كما ذكرنا القرآن نزل منجماً تنزل الآية والآيتان والثلاث فتحفظ، ليست مثل ما يجده الإنسان بعد ذلك بعد جمع القرآن، يجده كاملاً بين الدفتين وقد يكون عنده من الحرص على حفظه في أقصر مدة ما يجعله يشق على نفسه، فلو أخذ بالتدريج لثبت ورسخ، لكن لا على التراخي الذي يؤدي إلى التفريط في حفظه، كما فعل كثير من طلاب العلم، تجدهم تراخوا وقدموا عليه علوم أخرى ثم في النهاية صعب عليهم حفظ القرآن.

على كل حال هذه طريقته -عليه الصلاة والسلام- إذا نزلت الآية قال: ((اكتبوها في الموضع الفلاني، في السورة التي يذكر فيها كذا، بعد قوله كذا)). هذا يقول: الحرص على أخذ السند عن المشايخ المقرئين في حفظ القرآن وعرضه على المشايخ هل هو منهج صحيح؟ وهل يفرق بين من معه سند ومن ليس معه سند؟

الحرص على الأسانيد سواءً كانت في القراءات أو في السنة النبوية لا شك أنه حرص على ما تمتاز به هذه الأمة، وتختص به، من بقاء الإسناد إلى آخر الزمان، إلى آخر الزمان، بينما الأمم السابقة انقطعت صلتها بأنبيائها، لا يوجد عندهم أسانيد، فالأسانيد من خصائص هذه الأمة، لكن أثر هذه الأسانيد في الواقع أثر لا .. ، لا يوجد لها أثر من حيث الثبوت وعدمه، يعني الأسانيد كان معول أهل العلم عليها في الإثبات والنفي، لكن بعد ذلك، بعد أن دونت الأحاديث في الكتب هذه الأسانيد قيمتها في المحافظة على خصيصة هذه الأمة، أما كونه يصحح حديث أو يضعف حديث؛ لأن فلاناً يرويه بالأسانيد منه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد التدوين هذا لا قيمة له، يعني يفترض أنا عندي رواية في صحيح البخاري هل يتأثر صحيح البخاري إذا كان بيني وبين البخاري رواة ضعفاء؟ ما يتأثر ما له قيمة، لكن مع ذلك الحرص على هذه الأسانيد إنما هي لمجرد المحافظة على خصيصة هذه الأمة، وهي أنها أمة أسانيد، ما تقبل الدعاوى بدون ما يثبتها، ومع ذلك على طالب العلم أن يسدد ويقارب، يعني ما يمنع أن ينتقي من الشيوخ من شيوخ عصره من يشرف بالانتساب إليه، إذا كان عنده أسانيد، فيروي عنه ولو بالإجازة، أما تتبع هذه الأسانيد، وهذه الأثبات في الأقطار والأقاليم يوماً في المغرب، ويوماً في المشرق من أجل أن يأخذ إجازة من فلان أو علان، وينفق عمره ويضيع أوقاته لا فائدة في هذا، ولا أثر يترتب على ذلك، وأما بالنسبة لقراءة القرآن بالأسانيد فهي مثل ما قلنا في السنة، والقرآن ثبوته قطعي ولو لم يروه القارئ بالأسانيد؛ لأن فيه تواتر الطبقة، تواتر الطبقة، يعني منذ نزوله على النبي -عليه الصلاة والسلام- من الله -جل وعلا- بواسطة جبريل -عليه السلام-، والصحابة يتلقونه، ويتلقاه عنهم التابعون، وهكذا إلى يومنا هذا، إلى يومنا هذا وإلى أن يرفع في آخر الزمان. يقول: ما السنة في كيفية تلاوة سورة (ق) على المنبر هل يقرأها الخطيب بترتيل وتحسين صوت؟

نعم، يقرأها على الوجه المأمور به، يقرأها على الوجه المأمور به، بالترتيل وتحسين الصوت وتزيينه؛ لأنه بهذه الطريقة يحصل تحريك القلوب بهذه السورة العظيمة، فأمرنا أن نرتل القرآن وهذا قرآن، أمرنا أن نزين القرآن، أمرنا أن نحسن أصواتنا بالقرآن، كل هذا مأمور به، وقراءة القرآن على الوجه المأمور به، هي التي تؤثر الأثر المبني على ذلك كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "قراءة القرآن على الوجه المأمور به هي التي تزيد القلب طمأنينة ويقين وإيمان وعلم" كما يقول ابن القيم: فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ ما الرؤية الصحيحة لتفسير القرآن بالإعجاز العلمي في القرآن؟ مسألة التوسع في إدخال الإعجاز والاختراعات العصرية، وما جد وما استحدث، وإدخاله تحت آي القرآن، أو تحت نصوص السنة، التوسع في هذا لا شك أنه غير مرضي، حتى أن بعضهم بل كثير منهم توسع فأدخل في ذلك نظريات قابلة للنقض، قابلة للنقض، فماذا عن هذه النظرية إذا نقضت هل ينقض ما فسر به أو ما فسرت به ما كانت تفسيراً له من كتاب أو سنة؟ التوسع في هذا غير مرضي، والجزم بذلك مزلة قدم، وقد ألف بعضهم: (مطابقة الاختراعات العصرية لما جاء عن خير البرية) ورد عليه، رد عليه بكتاب اسمه: (إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة) المؤلف مغربي فرد عليه. على كل حال تجد بعض الناس مغرم بهذا إذا وجد أدنى شيء له علاقة ذكره، يعني ذكروا الهندسة كلها تحت قوله -جل وعلا-: {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} [(30) سورة المرسلات] إيش الرابط بين هذا وهذا؟ {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [(31) سورة الأعراف] أودعوا فيه كل ما في الطب، نعم هذه إشارات، إشارات لكن لا ينبغي أن تجعل مرتعاً لتخصصات لا علاقة لها بالقرآن، وإن كان الإسلام شاملاً عاماً لجميع نواحي الحياة، يعني ما في فصل بين أمور الحياة وبين أمور الدين، لكن نحمل النصوص ما لا تحتمل، نجعل نصوص الكتاب والسنة عرضة للنفي والإثبات تبعاً لهذه النظريات؟ لا. يقول: ما المنهجية الصحيحة في البدء بدراسة علم التفسير؟

دراسة علم التفسير لا شك أن التفاسير كثيرة جداً، وفيها المطولات التي تنقطع دونها الأعناق، وإذا كان تفسير البيضاوي عليه ما يقرب من مائة وعشرين حاشية، فكيف يتسع العمر لما هو أهم من البيضاوي فضلاً عن هذه الحواشي؟ طالب العلم في بادئ الأمر عليه أن يقرأ القرآن مثل ما ذكرنا، على الوجه المأمور به، ويكون معه ورقة وقلم يدون فيه الألفاظ التي يعجز عن فهمها، وكذلك الجمل والتراكيب التي فيها إشكال من وجهة نظره، ثم يراجع عليها كتب الغريب، ومن أخصر ما كتب في الغريب وأنفعه كتاب: (غريب القرآن) للسجستاني (نزهة القلوب) مطبوع مفرد، ومطبوع على هامش المصحف، ويراجع أيضاً المختصرات، التفاسير الموثوقة مثل تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، أو الشيخ فيصل بن مبارك، هذه كتب مباركة ونافعة وموثوقة، ثم بعد ذلك يقرأ عاد في التفاسير، هذه مختصرة يجردها كاملة، ثم يرتقي إلى التي فوقها من تفسير ابن كثير ونحوه، ثم بعد ذلك يقرأ في المطولات، وهناك شريط اسمه: (المنهجية في قراءة الكتب في المتون والمطولات والشروح والحواشي) يرجع إليه من أراده. يقول: أنا عندي همة في حفظ كتاب مختصر لمعاني كلمات القرآن فما هو الكتاب المناسب؟ الكتاب مثل ما ذكرنا أن كتاب السجستاني مناسب جداً. يقول: ما رأيك في تفسير (في ظلال القرآن) وتفسير الصابوني؟ تفسير (في ظلال القرآن) أولاً: ليس بتفسير على طريقة أهل العلم بالمأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعن الصحابة وعن التابعين هو تفسير أشبه ما يكون بكتب الأدب، والمؤلف أديب، ولذا حصل منه المخالفات، ووجد فيه بعض ما يستنكر، فهو يقرأ مثل ما يقرأ غيره من الكتب الأدبية المرتبطة بالقرآن، يبين جمال الأسلوب، وهو أشبه ما يكون بالتفسير البياني، مثل: التفسير البياني للقرآن لعائشة بنت الشاطئ، ومثل: إعجاز القرآن للرماني ونحوه، هذه الكتب يعني كتب ثانوية جانبية، ليست هي الأصول التي يعول عليها، ومع ذلك لو أن طالب العلم ما نظر فيها ما فقد شيء، ما يفقد شيء حينما لا ينظر فيها، الجادة معروفة عند أهل العلم، والتدرج في قراءة هذا العلم كغيره من العلوم.

على كل حال هذه التفاسير فيها مخالفات، ولا ينكر أن فيها شيء من بيان أسلوب القرآن وجمال الأسلوب، والقرآن على كل حال أفصح الكلام، وهو معجز بألفاظه ومعانيه. تفسير الصابوني إن كان المقصود به مختصره لابن كثير فهذا رد عليه فيه، تولى أهل العلم الرد عليه في مخالفات، قد يقول قائل: كيف يكون مخالفات وهو مختصر من تفسير لإمام محقق؟ نعم قد توجد مخالفات؛ لأن هذا الإمام المحقق يذكر أكثر من وجه في تأويل الآية وفي معنى الكلمة، ثم هذا الذي يأتي بعده ويختصر كلامه يقتصر على الوجه المرجوح عند ذلك الإمام، فتحصل هنا المخالفات، وله تفسير أيضاً جمعه من تفاسير، وكذلك أيضاً وجد فيه بعض المخالفات. يقول: ذكرتم تفسير للخوارج وللصوفية وغيرهم السؤال: لو ضربتم أمثلة؟ في تفسير للخوارج الإباضية طبع، طبعته دار الغرب في أربعة مجلدات، مؤلفه: هود بن محكم الهواري، موجود في الأسواق، على طريقة الإباضية الخوارج، وفيه غيره من التفاسير، في أيضاً تفاسير للصوفية، تفسير: ابن عربي، تفسير: المهايمي تفاسير موجودة يعني في الأسواق، وهناك تفاسير للرافضة وغيرهم والزيدية، والأسواق مملوءة من هذا وهذا. يقول: هل يجوز الاستدلال ببعض الآيات بالمعنى؟ أي نقول: في ما معنى الآية كذا وكذا؟ القرآن متعبد بلفظه، فلا تجوز روايته بالمعنى بخلاف السنة، التي جمهور أهل العلم على جواز الرواية بالمعنى بشرطه، بشرطه، من عارف بالألفاظ وما يحيل المعاني، أما القرآن فلا بد من لفظه. يقول: هل هناك من أمور الدين أمور لا تقبل بالعقل كالبعث؟

أولاً: الدين والشرع لا يأتي بالمحال، قد يأتي بما تحتار فيه العقول، لكن لا يأتي بالمحالات، فالعقل الصريح لا يمكن أن يناقض النقل الصحيح، والمقصود بالعقل العقل الباقي على فطرته، أما العقول التي لعبت بها الأهواء واجتالتها الشياطين، هذا لا عبرة بها، لا عبرة بها، المعول على العقل الباقي على فطرته، ولشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- كتاب اسمه: (درء تعارض العقل والنقل) من أبدع ما كتب في الباب، كتاب كبير، يعني في عشرة مجلدات، الكتاب عظيم جداً، لكن الإشكال في الكتاب أن المتوسط بل الكبار من طلاب العلم قد لا يفهم جملة كبيرة من الكتاب، يعني مستوى الكتاب غاية في الدقة والصعوبة، لذا يقول ابن القيم -رحمه الله-: واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثانِ الكتاب عظيم، لكن متوسط الطلاب لا يقرأ فيه؛ لأنه لا يستفيد إلا الشيء اليسير، ونعرف من العلماء الكبار المتمكنين من قرئ عليهم في هذا الكتاب، ويقول: اترك، اترك، يعني امش، الصفحات العشر العشرين صفحة كلها كأنها طلاسم لدى طلاب العلم المعاصرين، ورده على الرافضي في المجلد الأول ما يقرب من ثلاثمائة صفحة من هذا النوع، وفي المجلد السادس كذلك، يعني قراءتها عبث بالنسبة لكثير من طلاب العلم، بعض الطلاب من الصغار يسمع كلام ابن القيم ومدح (درء تعارض العقل والنقل) ثم يقرأ فيه، ثم بعد ذلك يترك القراءة بالكلية؛ لأنه يحكم على نفسه بالفشل التام، وهذه الإشكال في عدم التدرج في القراءة، فلا يتطاول طالب العلم على مثل هذه الكتب كما يسمع ثناء ابن كثير وإطراء ابن كثير لعلل الدارقطني ثم يذهب يقرأ في علل الدارقطني، ثم بعد ذلك يترك القراءة، لا، على طالب العلم أن يعرف قدر نفسه، هناك كتب للمبتدئين، كتب للمتوسطين، كتب للمتقدمين والمنتهين، فالذي جرنا إلى هذا أن العقل قد لا يدرك جميع ما جاء به الشرع، وإن كان لا يأتي الشرع بالمحال، قد يأتي بمحارات العقول، لكنه لا يأتي بمحال. يقول: ما منهج طلبة العلم فيمن ركب شاذ الفتوى؟

نعم وجد من يفتي بالقنوات وغيرها من وسائل الإعلام بفتاوى شاذة يخالف فيها المتقدمين والمتأخرين، فمثل هذا لا يقلد، ولا يعتنى بجمع فتاواه، ولا يعتنى أيضاً بالرد عليه إلا بقدر الحاجة، يترك الرد عليه للكبار، إن قاموا به وإلا فمن دونهم. يقول: ذكرت تحزيب الصحابة للقرآن الكريم بالسور، ونرى الآن التحزيب بتقسيم القرآن إلى ثلاثين جزءاً والحفظ والمراجعة عن طريق هذا التحزيب، وكأن الأمة أجمعت على ذلك فهل الأفضل لي في القراءة والمراجعة وتثبيت الحفظ عن طريق السور أو عن طريق الأجزاء؟ يا إخوان القراءة التي هي حزبك اليومي، ونصيبك اليومي من كتاب الله -جل وعلا- بحيث تقرأها نظراً بالتدبر والترتيل ينبغي أن يكون على طريقة الصحابة؛ لأن تقسيمهم مقسم على أيام الأسبوع، وهو مناسب لذلك جداً، لكن قد يقول قائل: أنا والله لا أستطيع أن اقرأ في اليوم خمسة أجزاء، نقول: اقرأ ما تستطيع لكن لا تهجر القرآن، وكلما أكثرت فالله أكثر، وكل حرف بعشر حسنات، والختمة بثلاثة ملايين حسنة، وإن حرمت حرمت نفسك، فالقراءة هذه قراءة الحروف يعني جلب الحسنات أو اكتساب الحسنات عن طريق الحروف، هذا لا شك أنها بواسطة تحزيب الصحابة، أما بالنسبة للحفظ ومراجعة الحفظ فكل إنسان أعرف بنفسه، كل إنسان أعرف بنفسه، ضعيف الحافظة يقتصر على آيتين، ثلاث، خمس، لا يزيد على ذلك؛ لأنه لو زاد على ذلك تفلت عليه وما استطاع الإحاطة به، الذي أقوى منه حافظة يزيد إلى عشر مثلاً، أقوى منه حافظة يزيد إلى عشرين، المقصود أن مثل هذا كل إنسان يعرف قدرته واستطاعته، وتقسيم القرآن إلى ثلاثين جزءاً هذا لا ينافي تحزيب الصحابة، لا ينافيه أبداً. يقول: هل حافظ القرآن لا تأكل جسده الأرض؟ ما أدري، الله أعلم. يقول: ما رأيكم في تفسير ابن عاشور، وتفسير حدائق الروح والريحان؟ تفسير ابن عاشور اللي هو التحرير والتنوير تفسير رائع، من أجمل ما كتبه المعاصرون، وعنايته ببيان القرآن، وإعجاز القرآن، ولغة القرآن واضحة، فيستفيد منه طالب العلم، وهو كتاب متعوب عليه، يعني ألف في أربعين عاماً، ما هو مجرد نقل هو تحرير وتحليل، ولا شك أن فيه جهد مبذول ونافع على كل حال.

(حدائق الروح والريحان) هذا إن كان تفسير الهرري الذي أكثر من اثنين وثلاثين جزء، هذا أنا اقتنيته أخيراً ولا قرأت فيه، فلا أستطيع الحكم عليه. يقول: هل يقال: من آداب طلب العلم إغلاق الجوال في حلقات العلم؟ لا شك أن طالب العلم عليه أن يهتم وينتبه لما هو بصدده من التحصيل، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، إذا كان ينتبه إلى الجوال، وينتبه للرايح والغادي هذا ما يدرك شيء، هذا لا يدرك شيء، هذا لا بد أن يأتي إلى الدرس بكليته، ويترك الدنيا كلها وراء ظهره، من أجل أن يستفيد، أما إذا أراد أن يأتي للدرس وعلى التراخي مع شيء من الفتور ويستند إلى جدار أو إلى عمود، ولا يدافع النوم، إن جاء فأهلاً وسهلاً، وإن راح سمعنا ما يقال، هذا ما يدرك علم، فلا بد لطالب العلم أن يهتم لذلك، وأن يعنى به، ولا يترك مجالاً للشيطان يضيع به وقته، لا جوال ولا غير الجوال، ومع ذلك إذا كان .. ، إذا كانت الغفلة من طالب العلم مؤثرة عليه هو فالجوال يؤثر على غيره، وهذا فيه أذية للحاضرين، ويخشى أن يدخل في الذين يؤذون المؤمنين. يقول: ما رأيكم في تفسير: ابن عطية وابن عاشور؟ تفسير ابن عطية تفسير متقدم ونافع، فيه تحريرات لغوية وفقهية، ويستفيد منه طالب العلم، ويكثر عنه المفسرون النقل، وفيه فوائد عظيمة، ابن عاشور تكلمنا عنه. إذا مات إنسان ووضع في الثلاجة مثلاً مدة شهرين ثم دفن، فهل سؤال الملكين يكون بعد موته مباشرة أو بعد دفنه؟ الأدلة تدل على أنه بعد دفنه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، بعد الدفن يأتيه ملكان إلى آخره، ولكن لو قدر أنه لم يدفن أكله سبع، أو مزقته .. ، مزقه حريق أو حادث أو ما أشبه ذلك ما استطيع دفنه، أو لم يوقف عليه، فالله -جل وعلا- قادر على أن يسأله على الكيفية التي يراها. يقول: ما الدليل على أن أجسام الشهداء لا تأكلها الأرض؟ وهل يجوز ذلك على غير الشهداء كالصالحين وغيرهم؟

أما بالنسبة للأنبياء فالله -جل وعلا- حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وأما الشهداء فهم أحياء، فهم أحياء، والوقائع تدل على أنهم .. ، أن أجسادهم محفوظة، غيرهم من الصالحين قد، لكنه ليس بمطرد كالأنبياء والشهداء، وقد يحفظ العبد الصالح كرامة له من أن تأكله الأرض، لكنه ليس بمطرد. يقول: هل كان ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يقول بفناء الجنة والنار؟ الذي يقول بفناء الجنة والنار هم المعتزلة، هم المعتزلة، يوافقهم منذر بن سعيد البلوطي من غيرهم، شيخ الإسلام يذكر عنه القول بفناء النار، وكلام ابن القيم قد يفهم منه في آخر (حادي الأرواح) و (مفتاح دار السعادة) وبعض كتبه إشارات تدل على أنه يتوقف؛ لأنه لم يرجح ترجيحاً واضحاً في هذه المسألة. على كل حال لو قالوا بهذا وهم أئمة ومعتبرون، لا شك أن الحق الذي دلت عليه النصوص أن الجنة والنار باقيتان، وأن أصحابها أصحاب الجنة خالدون مخلدون، وأصحاب النار كذلك. يقول: هل تنصح بحفظ نونية ابن القيم؟ إي وربي، إن كانت هناك حافظة تسعف فمن أفضل ما تنفق فيه الأوقات بعد نصوص الوحيين مثل هذه النونية، إن كانت الحافظة تسعف؛ لأن النونية خمسة آلاف وثمانمائة وستين بيت، تحتاج إلى معاناة، وفيها صعوبة، وفي فهمها أيضاً خفاء في بعض الأحيان، لكن طالب العلم متوسط الحافظة قد لو انتقى منها ألف بيت مثلاً واهتم بها، وحفظها جيد. يقول: ما هي أفضل كتب التفسير إلى الوقت الحاضر؟

التفاسير بالأثر هي أولى ما يهتم به طالب العلم، ومن أعلاها وأغلاها وأنفسها تفسير ابن جرير الطبري فهو أصلها، ثم بعد ذلك تفسري الحافظ ابن كثير والبغوي، هذه لا يستغني عنها طالب علم، ثم بعد ذلك يأتي إلى التفاسير التي تهتم بالصناعة اللفظية مثل تفسير القرطبي مع أحكام القرآن؛ لأن أصل التأليف للقرطبي الجامع لأحكام القرآن، لكن عنايته باللغة بارزة وواضحة، بحيث لو جرد اهتمامه باللغة لجاء تفسير متوسط، ويستشهد على ذلك من لغة العرب، الذي يستطيع أن يخرج سالماً من تفسير الزمخشري، الذي يستطيع؛ لأنه معتزلي، ومعروف يعني خفاء الاعتزال في تفسيره، حتى أن العلماء أخرجوا اعتزالياته بالمناقيش، لكن طالب العلم المتوسط لا يصلح أن يقرأ في مثل هذا، ولا في تفسير الرازي، فعلى كل حال تفسير البيضاوي أخف منهما، وما كتب عليه من الحواشي كحاشية: زادة، وكحاشية: الشهاب، حاشية: القينوي، حواشي مفيدة جداً لطالب العلم. ما حكم من قال: إن البسملة من سورة الفاتحة؟ عرفنا أن المسألة خلافية، هل هي آية من سورة الفاتحة كما يقول الشافعية ورواية عن أحمد؟ أو ليست بآية كما يقوله غيرهم؟ المسألة معروف الخلاف فيها، فمن قال بذلك فله سلف، من قال: بأنها آية له سلف، ومن قال: بأنها ليست بآية له سلف أيضاً. يقول: ذكرتم القولين في قوله تعالى: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد] فما هو المعتمد منها؟ أكثر المفسرين على أنه لا مفهوم لقوله: {تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد] وأنها بنيت بغير عمد، ومنهم من قال عن ترونها لها مفهوم، وهذا أيضاً فيه دلالة على عظمة الخالق، حيث يوجد أعمدة تسند هذه السماوات لكنها لا ترى. يقول: ما رأيكم بتفسير ابن كثير لأحمد شاكر؟

ما تجي، تفسير ابن كثير لابن كثير، أما مختصر ابن كثير المسمى: عمدة التفسير للشيخ أحمد شاكر، أما ثلثه الأول الذي طبع في وقته فهذا بلغ فيه إلى الغاية، أتقنه إتقاناً عجيباً، وأما الثلثان اللذان طبعا بعده متأخران فهذا ليست جودتهما مثل الثلث الأول، إنما الذي يظهر أن الطابع طبع ما أقره الشيخ أحمد شاكر في نسخته؛ لأنه عمد إلى نسخة طبعة الاستقامة من خلال التصوير الذي رأيناه أنها طبعة الاستقامة أو التجارية؛ لأن الاستقامة مأخوذة عن التجارية، فالشيخ يقرأ ويخطط بالقلم، يضع علامات يشطب على بعض المقاطع، فالطابع طبع ما تركه الشيخ فيه، وحذف ما عليه هذا الضرب الذي وضعه عليه، فسموه: مختصر ابن كثير للشيخ أحمد شاكر، أما الثلث الأول الذي وصل فيه إلى الأنفال هذا في غاية الجودة. يقول: ما رأيكم بتفسير ابن سعدي وتفسير الشيخ فيصل؟ هذا في كل مناسبة نذكر هذين التفسيرين، وأن طالب العلم يفيد منهما فائدة عظيمة. يقول: ما حكم حضور مجالس العلم على جنابة؟ أما الجنب فلا يدخل المسجد إلا عابر سبيل، وإذا كان الدرس في غير المسجد ولم يحتج إلى مس مصحف ولا قراءة آيات، فهذا لا إشكال فيه. يقول: قرض البنك العقاري على المتوفى هل يعتبر مثل بقية الدين؟ وما معنى الميت مرتهن بدينه؟

نعم هو دين من الديون، الدين لبيت المال مثل غيره من الديون، كغيره من الديون، وأما معنى: "الميت مرتهن بدينه" فلا شك أنه يعفى عن حقوق الله -جل وعلا- أكثر مما يعفى عن حقوق الآدميين، وإذا كانت الشهادة والقتل في سبيل الله تمحو كل شيء إلا الدين، فالدين شأنه عظيم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- رفض أن يصلي على المدين حتى ضمن الدين، ومعلوم أن هذا كان في أول الأمر، فلما فتحت الفتوح وكثر الدخل والوارد إلى بيت المال قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أنا أولى المؤمنين من أنفسهم، من ترك ديناً فعلي، ومن ترك مالاً فلورتثه)) فإذا قام بيت المال بتسديد الديون، فلا شك أن هذا من أولى الأولويات، لكن شريطة ألا يكون الدين ناشئاً عن تفريط؛ لأن بعض الناس إذا سمع مثل هذا الكلام يقول: خلاص ما دام بيت المال بيسدد أو ولي الأمر بيسدد يتساهل، علماً أنه إذا تساهل متساهل بذمته، الإنسان ذمته مرهونة ومعلقة بدينه. يقول: كيف تصلي المرأة مع الإمام إذا كانت لا ترى الإمام ولا المأمومين، فهي إذا دخلت الجامع مثلاً في الصلاة السرية والإمام قد أنهى الركعة الأولى فهي لا تعلم أساجد هو أم راكع؟ أولاً: في مثل هذه الحالة لا يجوز الدخول مع الإمام، حتى يعلم المصلي المؤتم ما يصنع إمامه ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) وإذا كان لا يعرف ما الذي يصنعه الإمام لا يجوز اقتداؤه به. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف في قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا} [(9) سورة ق] يقول: "كثير البركة" ماءً مباركاً نفعه للخلق عظيم، والماء عموماً جعل منه كل شيء حي، فهو مادة الحياة، هذا الماء لا يمكن أن يعيش بدونه أي نام من حيوان أو جماد، بدون الماء يموت، وهذا سر بركته، اعتماد كل شيء عليه بإذن الله -جل وعلا-، {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [(68 - 69) سورة الواقعة] ومع الأسف أنه يدار في مجالس الناس مسألة الاستمطار، مسألة الاستمطار، وأنهم يستطيعون بآلاتهم واختراعاتهم إنزال المطر، والله -جل وعلا-: {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [(69) سورة الواقعة] لا يستطيع أحد أن يمطر على الناس، أو ينزل من السماء ماءً بحال من الأحوال، قد يرشون الأرض بوسائلهم بطائراتهم بمراكبهم بغيرها، المقصود أن إنزال المطر لا يستطيعه غير الرب -جل وعلا- {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [(69) سورة الواقعة]. {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا} [(9) سورة ق] وهو أيضاً جاء في وصفه أنه طهور، {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} [(48) سورة الفرقان] فهو غاية في الطهارة، وفيه أيضاً البركة، ولذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا نزل المطر يكشف عن ساقه ورأسه، ويقول: ((إنه حديث عهد بربه)). {فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ} [(9) سورة ق] والمراد بالجنات البساتين، والزروع والثمار، وأيضاً العشب، وغيره مما يحتاجه الخلق من الأناسي والدواب وغيرهم.

{فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [(9) سورة ق] الحب: الزرع، والحصيد: المحصود فعيل بمعنى مفعول، {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [(9) سورة ق] هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، من إضافة الشيء إلى نفسه، كقولهم: مسجد الجامع، وصلاة الأولى، ولا بد حينئذٍ من تقدير، قالوا: مسجد المكان الجامع وهكذا، ويجوز إضافة الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظ، وهو وارد في النصوص ووارد في لغة العرب كما هنا، {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [(9) سورة ق] الحب هو الحصيد، الحب هو المحصود، إلا إذا قلنا: إن الحصيد أعم من الحب، فالحب يؤخذ من الحصيد، يؤخذ من المحصود، من السنبلة المحصودة، الحب يؤخذ من السنبلة المحصودة، فتصح الإضافة هنا من إضافة الشيء الجزئي إلى الكل.

{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [(10) سورة ق] يقول: "طوالاً" وإعرابها حال، {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} يعني حال كونها باسقات، والبسوق: الطول، والعرب بسليقتهم يدركون أي خلل في الأسلوب، ولذا لما قرأ بعضهم: "والنحل باسقات" قال الأعرابي: لا يستقيم الكلم إلا إذا كانت لاسعات، ما تجي نحل باسقات، ما تجي، نعم إن كانت لاسعات صحيح، فأين هذه السليقة مما يفهمه كثير من الناس من كتاب الله -جل وعلا- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-؟! يعني إذا كانت الحقائق العرفية قد تختلف مع الحقائق الشرعية فأين نحن من هؤلاء؟ حقائق عرفية؛ لأن الحقائق ثلاث كما هو معلوم: لغوية، وشرعية، وعرفية، فبعضهم يرى أن الشخص إذا كانت عنده الأرصدة الملايين لكنه بخيل وشحيح على نفسه وعلى أولاده، يأخذ من الزكاة، الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، هذا محروم، هذا محروم في عرف الناس وإلا في الشرع؟ في العرف، لكن تدفع له زكاة وإلا لا؟ ما تدفع له زكاة؛ لأنه ليس بمحروم شرعاً، المحروم الذي لا يتعرض للناس، ولا يسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه، وفي المقابل السائل، فأين هذا من هذا؟ يعني المحروم شرعاً غير المحروم عرفاً، فتعارضت الحقيقة الشرعية مع الحقيقة العرفية، بعض الناس يعني إذا قلت مثل هذا التأويل قد يسنده شيء من اللغة، فهناك تآويل على ألسنة الناس لا يسندها لغة، ولا حتى ولا عقل، يقول: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء} [(33) سورة النور] أجبر ابنته على الزواج ممن لا تريده، وقيل له: لا تنكح البكر حتى تستأذن، قال: لكن الله -جل وعلا- قال: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [(33) سورة النور] ثم قال بعد ذلك: {وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(33) سورة النور] يقول: أنا أريد هذه المغفرة وهذه الرحمة، كيف حمل الآية ما لا تحتمل؟ البغاء قالت: والله أنا ما أبغيه أنا ما يصلح لي، قال: لا بد نكرهها على البغاء، هو ما يدري إن البغاء الزنا الحين، فهذا يذكر لبيان بُعد الناس عن فهم القرآن، بُعد الناس عن فهم القرآن، هذا يقول: ما يمكن تجي النحل هنا

أبداً، النحل باسقات ما يمكن، فكيف؟ يقول: النحلة هي النحلة ما تجي طويلة وإلا قصيرة، إن كانت لاسعات صح، هذا أمي لا يقرأ ولا يكتب، فأين هذا ممن يفسر القرآن بهذه الطريقة، ويجرؤ على كتاب الله -جل وعلا-، ويهجم على النصوص ويفسرها بهذه الطريقة؟ فعلى الإنسان أن يهتم لكتاب الله -جل وعلا-، وقد جاء الوعيد الشديد على من فسر القرآن برأيه، يعني إذا كان ما عندنا ما نعتمد عليه، ولا نستند إليه من مأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في تفسير القرآن، ولا من أقاويل الصحابة، ولا من أقاويل التابعين، ولا حتى من لغة العرب، ما عندنا شيء فكيف نهجم على القرآن؟ ونحن نسمع من يفسر القرآن برأيه، وقد فسر بعضهم آية فيها سبعة أقوال لأهل العلم، سبعة أقوال لأهل العلم فسرها بتفسير لا يوافق ولا قول من السبعة، لا شك أن هذه جرأة يأثم بسببها. والإمام أحمد يُسأل عن معنى حديث فيتحرى ويتوقى، وكثيراً ما يقول: اسأل غيري، هذه طريقة السلف، وهذا ورعهم عن أن يهجم المسلم على كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن هذا من القول على الله بلا علم. {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [(10) سورة ق] يعني طوال، وباسقات: حال {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} "متراكم بعضه فوق بعض" طلع: ما يطلع منها، وما ينتج منها بدايةً من اللقاح الذي هو يسمونه إيش؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . البار؟ طالب:. . . . . . . . . لا بعض الجهات يسمونه كافور، وفي الأصل: كفَّاراً، هو هذا الطلع الذي يلقح به، بدأً من هذا إلى الطعام الشهي اللذيذ الذي يجمع بين التفكه والغذاء، التمر، نضيد: يعني متراكم بعضه على بعض، يعني وقت خروجه متراكم؛ لأن بعض الناس يظن النضيد هو المكبوس بعضه على بعض، يعني بعد ما يجنى وييبس يكبس بعضه على بعض يقول: هذا نضيد، لا، النضيد إنما يطلع من أمه، ولا يمنع أن يكون ذاك نضيد، لكن المقصود بالآية ليس المقصود به في المآل، إنما المقصود به في الحال.

{رِزْقًا لِّلْعِبَادِ} [(11) سورة ق] رزقاً: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ} [(9 - 11) سورة ق] مفعول لأجله، مفعول لأجله يعني أنزل الله -جل وعلا- هذا الماء المبارك، وأنبت هذا وهذا وهذا من أجل رزق العباد، رزقاً للعباد مفعولاً له. {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [(11) سورة ق] يقول المفسر: "يستوي فيه المذكر والمؤنث" لأن البلدة لفظها مؤنث، وما قال: ميتة، بلدة ميتاً، ما قال: ميتة؛ لأن الميت مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، والميت بالتخفيف من مات بالفعل، بخلاف الميّت بالتشديد الذي سيموت، الذي مات ميْت، والذي سيموت يقال له: ميِّت، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر] يعني ستموتون، وهذا يستوي فيه المذكر والمؤنث، تقول: زيد ميت، وهند ميت، وهنا التذكير ميتاً التذكير على معنى البلدة التي يراد بها المكان، التي يراد بها المكان، كذلك أي مثل هذا الإحياء لهذه البلدة الميتة الخروج من القبور، فكيف تنكرونه؟ إذا كانوا يقولون: إن الميت من مات بالفعل، والميت من سيموت. ليس من مات فاستراح، ليس من مات فاستراح إيش؟ بميْت، وإلا بميِّت؟ نبي نشوف البيت جاري على القاعدة وإلا ما هو بجاري؟ ليس من مات فاستراح بميِّتٍ ... لكن الميت ميت الأحياءِ هل هذا جاري على القاعدة وإلا ما هو بجاري؟ هذا مات واستراح انتهى، نقول له: ميِّت وإلا ميْت؟ الأصل نقول: ميْت، ولكن الميِّت الذي سيموت ميت الأحياء، والشطر الأول مخالف والثاني موافق، وعلى كل حال مثل هذه القواعد، ومثل هذه الألفاظ التي يطردونها هي أغلبية ليست بكلية.

{كَذَلِكَ} [(11) سورة ق] أي: "مثل هذا الإحياء الخروج من القبور -يعني البعث- فكيف تنكرونه؟ وهذا من الأمثال التي يضربها للناس، يضربها الرب -جل وعلا- للناس، يضرب المعقول المعنوي بالمحسوس، يعني هل ينكر الناس أن السماء ينزل منها المطر، ينزل الله -جل وعلا- منها المطر على الأرض الميتة ثم ينبت فيها العشب والكلاء، ما ينكرون هذا، لماذا ينكرون البعث وهذا مثله؟ فكيف تنكرونه؟ يقول: "والاستفهام للتقرير" الاستفهام للتقرير، ولا يمنع أن يكون الاستفهام للتوبيخ والإنكار، "والاستفهام للتقرير، والمعنى أنهم نظروا وعلموا ما ذكر" هذا مثل ضربه الله -جل وعلا- لهؤلاء من أجل أن يقيسوا الغائب على الحاضر، المعنوي بالمحسوس، الخفي بالمشاهد، لكن الأمثال من يعقلها؟ ما يعقلها إلا العالمون، ولذا كثير من أهل العلم إذا أشكل عليه فهم مثل رجع إلى نفسه بالتأنيب، كيف يدعي العلم؟! والله -جل وعلا- يقول عن هذه الأمثال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] فعلينا معاشر طلاب العلم أن نعنى بالأمثال {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [(21) سورة الحشر] هذه الأمثال من أغلى وأنفس ما يدرس من فروع علوم القرآن؛ لأن النفي والإثبات الحصر {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] معناه أن الجهال لا يعقلونها، فإذا أنت جربت نفسك في مثل من الأمثال لم تفهمه فأنت جاهل؛ لأن الجهال لا يعقلون هذه الأمثال، والله -جل وعلا- لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها، فالله -جل وعلا- يضرب الأمثال؛ لأنه بالأمثال يتضح المقال، هناك أمور معنوية لا يحسها الإنسان، ولا يدركها بحواسه، يدركها بالخبر، لكن لا يستطيع أن يدركها على حقيقتها إلا بالمثل؛ لأن الشيء الذي لم تره هل يكفي السماع بالإحاطة به؟ ما يكفي، الآن أنت تسمع عن عالم في الهند مثلاً تعرف عنه ما بلغك من علمه، وما بلغك من وصفه، لكن هل تستدل باسمه على حقيقته؟ لو مثلاً قيل لك: زيد بن فلان في المغرب، وألف كتاب كذا وكذا، تعرف منه بهذا القدر المحدود، بخلاف ما لو رأيته، إذا لم تره ولم يتسنَ لك لقياه قيل لك: إنه

مثل فلان، خلاص الآن الصورة قربت، وكثيراً ما نسمع من خلال وسائل في المذياع مثلاً أو بالهاتف تتوقع غير الحقيقة تماماً، تسمع الصوت تقول: أكيد إن هذا لونه أبيض وطويل، وما أدري إيش؟ ثم تفاجئ إذا نظرته إلى العكس تماماً، ليش؟ لأن العقول ما تدرك ما وراء الحيطان، العقل محدود، لكن إذا جيء بالمثال، إذا قيل لك: والله فلان العالم الفلاني الذي تسمع كلامه وتسمع شهرته كأنك ترى فلان، بالمثل اتضح، لو استطردنا قليلاً -والله المستعان- يعني يحتاج إلى شيء من البسط لأن المسألة مهمة جداً قد لا يدركها طلاب العلم إلا بالأمثلة والمزيد من ذلك. الآن طريقة أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، وما أثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام-، على ما يليق بجلاله وعظمته من غير كيفية، الآن يكتب في المواقع أن مذهب أهل السنة هو التفويض، والمحققون من أهل العلم يصفون المفوضة مع المبتدعة مثل المعطلة ومثل الجهمية ومثل .. ، يعني لا شك أنه يؤثر عن أهل السنة أنها تمر كما جاءت، لكن هل يعني هذا أنها لا معنى لها؟ هل هذا أن لا معنى لها؟ لا، فالذي يكتب الآن، ويدار في هذه المواقع أن مذهب أهل السنة هو التفويض، هذا الكلام ليس بصحيح، ومرفوض، بل أهل السنة يشددون النكير على المفوضة، نعم قال أهل السنة: تمر كما جاءت لئلا يستغرق الإنسان ويسترسل فيصل إلى حد التكييف والتشبيه.

ما الفرق بين قول أهل السنة إيمانهم واعترافهم وإقرارهم بما جاء عن الله على مراد الله، والمعاني معلومة، الاستواء معلوم، والكيف مجهول، وبين قول المفوضة؟ الفرق بينهما أنك مثل ما تقول: زيد وديز، زيد عالم بالمغرب، وديز عكس كلمة زيد، ديز لها معنى وإلا لا؟ ليس لها معنى، التفويض مثل هذا، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طه] مثل ديز ما نعرف شيء البتة عن هذا، وإقرار السلف بأن لها معنى مثل إقرارنا بأن زيد العالم في المغرب زيد نعرف أن هذه الكلمة لها حقيقة، وأنها تدل على شخص مسمى بهذا الاسم، والأصل أنه خلق على أحسن تقويم كبني آدم، لكن ما نعرف كيفيته، ما نعرف وراء ذلك شيء، لا نعرف هل هو طويل وإلا قصير وإلا أبيض وإلا أسود، ما نعرف شيء، فالمعنى معلوم، والكيف مجهول، فنريد أن نفرق بين قولهم بالتفويض، التفويض مثل ديز، تسمع كلمة ديز ويش معناها؟ عكس زيد، لكن لها معنى وإلا لا؟ ليس لها معنى، يعني كالطلاسم، وكالأسماء الأعجمية عند من لا يحسن الأعجمية، لكن إثبات السلف وإقرارهم بمعرفة المعنى دون الكيف مثل كلمة زيد، وهذا مثال تقريبي وإلا فالله -جل وعلا- أعلى وأعظم من أن يقارن بمثل هذه الأمثلة، لكن نريد أن نفرق بين مذهب السلف وبين من يقول بالتفويض، وأنا أحتاج إلى مثل هذا؛ لأن هذه المواقع حقيقة صار لها جمهور، وصار يروج مثل هذا الكلام من حسن نية أو سوء نية، الله أعلم. يقول: "فكيف تنكرونه؟ والاستفهام للتقرير، والمعنى أنهم نظروا وعلموا ما ذكر" يعني المحسوس شاهدوه، فغير المحسوس يجب أن يقاس على هذا المحسوس، فالمثال ضرب بالمحسوس لغير المحسوس من أجل أن يقاس عليه، ويعتبر به. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في قوله: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [(12) سورة ق] يقول: "تأنيث الفعل لمعنى قوم" لمعنى قوم، وأنهم جمع، والجمع يذكر له الفعل ويؤنث، باعتبار الجمع والجماعة، تقول: قام الرجال، وقامت الرجال، فإذا قلت: قام الرجال، نظرت إلى الجمع، وإذا قلت: قامت الرجال، نظرت إلى الجماعة، وهو هنا يقول: "تأنيث الفعل لمعنى قوم" كذبت قبلهم يعني قبل قريش، قوم نوح -عليه السلام-، الذين بعث فيهم، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، وزاول معهم من أساليب الدعوة ما زاول، فلم يجدي فيهم، ثم في الأخير دعا عليهم فأغرقوا. {وَأَصْحَابُ الرَّسِّ} [(12) سورة ق] يقول: "هي بئر كانوا مقيمين عليها بمواشيهم يعبدون الأصنام، ونبيهم قيل: حنظلة بن صفوان، وقيل: غيره" أصحاب الرس: "هي بئر كانوا مقيمين عليها بمواشيهم يعبدون الأصنام، ونبيهم قيل: حنظلة بن صفوان، وقيل: غير ذلك".

على كل حال المفسرون يختلفون في نبي أصحاب الرس، الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ذكر أكثر من قول، وكذلك الحواشي على الجلالين، وهنا اقتصر على قوله: "ونبيهم قيل" و (قيل) كما تعلمون صيغة تمريض؛ لأنه لم يجزم به، "قيل: حنظلة بن صفوان، وقيل غيره" {وَثَمُودُ} [(12) سورة ق] "قوم صالح"، {وَعَادٌ} [(13) سورة ق] "قوم هود"، {وَفِرْعَوْنُ} [(13) سورة ق] يعني وقومه، {وَإِخْوَانُ لُوطٍ} [(13) سورة ق] الذين بعث فيهم لوط -عليه السلام-، كل هؤلاء كذبوا الرسل، كذبوا أنبياءهم، وكذلك أصحاب الأيكة، الغيضة التي هي الشجر الملتف وهم قوم شعيب، وهم قوم شعيب، وشعيب أرسل إلى أصحاب الأيكة، وأرسل أيضاً إلى مدين، وأرسل إلى مدين، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [(85) سورة الأعراف] وأما صاحب مدين الذي له القصة مع موسى -عليه السلام-، لما ورد ماء مدين موسى في سورة القصص، {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [(23) سورة القصص] .. إلى آخر القصة، فوالد المرأتين صاحب مدين، لكن هل هو شعيب أو غيره؟ كثير من المفسرين يستبعد أن يكون هو؛ لأن بين شعيب صاحب مدين وبين صاحب موسى مفاوز؛ لأن صاحب مدين قريب من لوط، ولذا قال: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} [(89) سورة هود] وهل البعد زمان أو بعد عمل؟ يعني هم ليسوا ببعيدين، المسألة قرب زمان وإلا قرب عمل؟ يعني أنتم تشبهونهم في المخالفة؟ الذي يظهر أنه قرب زمان، وبين لوط الذي شعيب قريب منه وموسى -عليه السلام- مفاوز، قرون عديدة، فمنهم من يجزم بأنهما اثنان، ومنهم من يقول: واحد، ولا يستغرب أن يعمر هذه المدة الطويلة، وعلى كل حال المسألة خلافية ولا يترتب عليها أثر، {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} [(14) سورة ق] أي: "الغيضة قوم شعيب"، {وَقَوْمُ تُبَّعٍ} [(14) سورة ق] يقول: "هو ملك كان باليمن أسلم ودعا قومه إلى الإسلام فكذبوه" يعني الاقتران هنا أولاً: قوم تبع مثل قوم لوط ومثل قوم نوح ومثل .. ، هؤلاء كذبوا، والاقتران يدل على أن تبع إما نبي أو رجل صالح دعا قومه إلى الدين فكذبوه، وتقدم في التفسير نفسه هنا في سورة الدخان {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [(37) سورة

الدخان] قال: "هو نبي أو رجل صالح"، هنا: "هو ملك كان باليمن أسلم ودعا قومه إلى الإسلام فكذبوه" وتبع علم، علم جنس على من ملك اليمن، كما يقال بالنسبة لمن ملك مصر: فرعون، ولمن ملك فارس: كسرى، ولمن ملك الروم يقال له: قيصر، ولمن ملك الحبشة يقال له: النجاشي وهكذا، كل من المذكورين، من المذكورين قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وقوم فرعون وإخوان لوط، فرعون وقومه، كل هؤلاء كذبوا الرسل. كلٌ من المذكورين كذب الرسل، التنوين في كلٌ يقولون: هو تنوين عوض، تنوين عوض، إيش معنى تنوين عوض؟ يعني أنه عوض عن المضاف إليه، الأصل كل هؤلاء كذب الرسل، كل هذا كذب الرسل كقريش، فقريش حينما كذبوا النبي -عليه الصلاة والسلام- لهم سلف، {فَحَقَّ وَعِيدِ} [(14) سورة ق] فحق وعيدي أي "وجب نزول العذاب على الجميع، فلا يضيق صدرك من كفر قريش بك" يعني السنة الإلهية بالنسبة للمخالفين لا تتغير ولا تتبدل، فمتى وجدت المخالفة وأيس من الاستجابة حق الوعيد، وحقت كلمة العذاب، والسنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، وما نعيشه في زماننا من مخالفات مع أن الله -جل وعلا- يوالي علينا من النعم ما لا نقوم بشكره، يخشى منه من سوء العاقبة، فلو قرأنا في المجلد السادس من نفح الطيب وجدنا الصورة مطابقة، لكن نسأل الله -جل وعلا- أن يتداركنا، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، فالسنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، يعني ما استثني من الوعيد الذي حق على هؤلاء المكذبين إلا قوم يونس، استثنوا لما رأوا العذاب آمنوا، وإلا حق الوعيد ورأوا العذاب ما فيه، السنن لا تتغير ولا تتبدل، ما في إذا رأيت المقدمات، مقدمات الفتن، ومقدمات الشرور والعذاب تقول: آمنت، ما يكفي، أعطيت فرصة ومهلة وعندك ما يدلك على الصراط المستقيم، ومع ذلك خالفت بطوعك واختيارك تحمل.

يقول: {فَحَقَّ وَعِيدِ} [(14) سورة ق] أي: "وجب نزول العذاب على الجميع، فلا يضيق صدرك من كفر قريش بك" لا يضيق صدرك من كفر قريش بك، وفي هذا تسلية للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان -عليه الصلاة والسلام- يعني الأرجح عنده والمفضل عنده أن يستجيبوا له، وينجون بسببه، لكن الذي يخالف مع الإصرار والعناد يتحمل، الذمة برئت من تبليغه، وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله -جل وعلا-: أولاً: يجب أن يكونوا على بصيرة من أمرهم، وأن يقتدوا بنبيهم -عليه الصلاة والسلام-، وما عليهم بعد ذلك إلا البلاغ، مع أنك تدعو وتدعو وتدعو لا ترى مستجيب لا يعني أن هذا خلل فيك أو في دعوتك، وإنما النتائج بيد الله -جل وعلا- القلوب بيده -سبحانه وتعالى-، أنت عليك أن تبذل السبب تأمر وتنهى وتدعو إن استجاب المدعو وإلا فالأمر ليس إليك، ليس لك من الأمر شيء، هذه قيلت لأشرف الخلق، فلا يضيق صدرك بمثل هذا، نعم، ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) لكن لا يعني أنك تحترق أو تبخع نفسك أو تقتل نفسك إذا لم يستجب لك أحد، أنت أجرك ثابت، وكما يقال: العقوبة على المخالف، النتائج بيد الله -جل وعلا-، ومن نعم الله -جل وعلا- أن رتب الأجر على بذل السبب، لا على النتيجة. وبعض الكتاب المعاصرين مع الأسف أن كتبهم تتداول في المكتبات يقول: إن نوحاً فشل في دعوته، يعني ألف سنة إلا خمسين عام ما استجاب إلا نفر يسير، ما استطاع أن يؤثر على ولده ولا على زوجته، دعوته فاشلة، مثل هذا يقال في حق نبي؟ في حق رسول؟!

ويتطاول أيضاً على أشرف الخلق ويقول: إن محمداً فشل في دعوته في مكة والطائف ونجح في المدينة، ما على الرسل إلا البلاغ، الدعاة أتباع الرسل الذين يدعون إلى الله على بصيرة قد لا يستجيب لهم أقرب الناس إليهم، ولو فتشنا في بيوت العلماء الكبار وجدنا في أبنائهم مخالفات، وجدنا في نسائهم مخالفات، لكن هل يعني هذا أنهم ما بذلوا؟ بذلوا يا أخي، لكن الهداية بيد الله -جل وعلا-، لا يملك القلوب إلا الله -جل وعلا-، أنت عليك بذل السبب، وكثير حتى من طلاب العلم يتندر يقول: شوف فلان انشغل بدعوة الناس وتعليم الناس والمصالح العامة والخاصة وشوف أولاده وش لونهم؟ إنا نعرف من شيوخنا أنه يتقطع أسى على أولاده، وبذل لهم من جهده ووقته وماله ما يسعى به إلى إصلاحهم، لكن ما بيده حيلة، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يفرط في تربية أولاده ونسائه وأطرهم على الحق ثم يقول: النتائج بيد الله، ابذل والنتائج بيد الله، أنت عليك بذل السبب. {أَفَعَيِينَا} [(15) سورة ق] يعني: أعجزنا بالخلق الأول، الجواب؟ الخلق الأول يعني بدأ الخلق، أفعيينا به، يعني عجزنا عنه؟ نعم، يعني كل إنسان مسلم وكافر وموافق ومخالف يقول: لا، ما عجز؛ لأنه هو الذي أوجدهم، الخلق الأول كلهم يقرون به، لكن المسألة في الإعادة {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} [(15) سورة ق] "أي لم نعيا به، فلا نعيا بالإعادة" يعني لن نعجز عن الإعادة؛ لأننا لم نعجز عن البدء، والبدء أشد، فلا نعيا بالإعادة {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} [(15) سورة ق] شك، واللبس كما يكون بالشك يكون أيضاً بالخلط، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ} [(82) سورة الأنعام] الفعل: لبس له معان منها: الشك، يعني الالتباس، التباس الأمر واسبتهامه، هذا لبس وهو شك، ومنه أيضاً اللبس الخلط {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام] يعني لم يخلطوا إيمانهم بظلم، وأما اللبس للقميص ونحوه فهو معروف.

{بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} [(15) سورة ق] يعني شك {مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} وهو البعث، هم في شك من البعث، لماذا؟ لأنهم لم يؤمنوا بالأخبار التي جاءت به، ولم يروه بأعينهم، يعني ما عندهم وسيلة من وسائل الاعتراف والإقرار؛ لأنهم صموا أسماعهم وعميت أبصارهم عن إدراك هذه الحقيقة التي دلت عليها الدلائل القطعية، عموا عن ذلك فلم يؤمنوا به، وإن كان بعضهم قد علم به؛ لإيمانه بأن الخالق هو الله -جل وعلا-، هم كلهم يعترفون بأن الله -جل وعلا- هو الخالق الرازق المدبر، لكن شركهم في الألوهية، بعضهم من باب المكابرة جحد بتوحيد الربوبية، جحد بتوحيد الربوبية، {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [(23) سورة الشعراء] {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [(14) سورة النمل] فإذا استيقنت بها أنفسهم من لازم ذلك، من لازم الإقرار بتوحيد الربوبية الإقرار بتوحيد الألوهية، ولا شك أن النتيجة لتوحيد الألوهية إنما تكون بعد البعث، فهي متلازمات، فمن أقر بتوحيد الربوبية عليه أن يقر بتوحيد الألوهية، ثم بعد ذلك إذا أقر بتوحيد الألوهية ما الدافع للإقرار بتوحيد الألوهية إلا من أجل الإقرار بالبعث بعد الموت والجزاء. باقي وقت وإلا ما باقي؟ والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة ق (3)

تفسير الجلالين - سورة (ق) (3) من آية: (15 - 35) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في قوله -جل وعلا-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [(16) سورة ق]. يقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ} [(16) سورة ق]، والمراد به الجنس، جنس الإنسان من لدن آدم إلى قيام الساعة، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ} [(16) سورة ق] الواو هذه واو الحال، ونعلم: خبر لمبتدأ مقدر تقديره نحن، ولذا قال: "حال بتقدير نحن" الآن إذا قلت: جاء زيد قارئاً، أو راكباً، يعني حال كونه قارئاً أو راكباً، وإذا قلت: رأيت زيداً يضحك حال، لا نحتاج إلى تقدير نحن كما هنا، يقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ} [(16) سورة ق] "حال بتقدير نحن" لماذا نحتاج إلى تقدير نحن؟ لأن الحال إذا جاء مبدوءاً بمضارع لا بد أن يخلو عن الواو. وذات بدءٍ بمضارعٍ ثبت ... حوت ضميراً ومن الواو خلت . . . . . . . . . جملة الحال المبدوءة بمضارع لا بد أن تخلو من الواو، هنا في واو، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ} [(16) سورة ق] هل نقول: إن القاعدة غلط لأن القرآن جاء بخلافها؟ أن جملة المضارع تقترن بالواو لا ما قرروه. وذات بدءٍ بمضارعٍ ثبت ... حوت ضميراً ومن الواو خلت وهنا يقول: "حال بتقدير نحن" لأن جملة المضارع إذا وقعت حالاً لا بد أن تخلو من الواو، لكن إذا اقترنت بالواو لا بد من التقدير لتكون الجملة اسمية. وذات واو بعدها انو مبتدأ ... له المضارع اجعلن مسنداً

اجعل خبره الفعل المضارع، اجعل خبر هذا الذي قدرته الفعل المضارع، من أجل أن يجري على قواعدهم، قواعد العربية عندهم لا بد أن نقدر نحن كما قال المؤلف، يقول: "حال بتقدير نحن" قد يقول قائل: لماذا نحتاج التقدير؟ هل نخضع القرآن لقواعد العربية أو نخضع قواعد العربية للقرآن؟ القرآن هو أفصح الكلام، هم قعدوا القاعدة فاحتاجوا إلى التقدير، كما قال ابن مالك: وذات بدءٍ بمضارعٍ ثبت ... حوت ضميراً ومن الواو خلت وذات واو بعدها انو مبتدأ ... له المضارع اجعلن مسنداً

يعني خبر، فهذه مسألة عظيمة يعني يجب أن يهتم لها طالب العلم، وهو أننا نجد في كتب أهل العلم من المفسرين وغيرهم من يضبط القواعد في أول الأمر ويسيرها على كل كلام، يمشي هذه القواعد على كل كلام ولو كان كلام الله -جل وعلا-، فهنا احتاجوا إلى التقدير لتصحيح القاعدة، وتمشية القاعدة، لماذا لا نقول: إن جملة المضارع تقترن بالواو؟ ومن المعلوم المقطوع به المجزوم به أن القرآن يستشهد به في قواعد العربية بخلاف السنة التي وقع فيها الخلاف الكبير هل يستشهد بها لتصحيح القواعد أو لا؟ القرآن محفوظ بحروفه من الزيادة والنقصان، أما بالنسبة للحديث فجمهور أهل العلم يجوزون الرواية بالمعنى، وإذا جازت الرواية بالمعنى للصحابي جازت للتابعي، جازت لمن بعده، جازت للمتأخر من الرواة من شيوخ الأئمة، وشيوخ الأئمة معروف أنهم جاءوا بعد عصر انقطاع الاحتجاج بكلام العرب على القواعد؛ لأنهم اختلطوا بغيرهم فلا يحتج بهم، وإذا كان شيخ البخاري مثلاً يجوز له أن يروي الحديث بالمعنى، وهو ممن لا يحتج بقوله في العربية، إذن الحديث لا يحتج به في العربية، وهذا قول كثير من أهل العلم، قول معتمد عندهم، يعني قول أئمة، وله وجهة، ومنهم من يقول: أبداً الحديث يحتج به، وإذا لم يحتج بالحديث هو أفضل من الاحتجاج بكلام العرب؛ لأنه كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أفصح العرب، لكن ليس الإشكال أو الدخل أتانا من كونه كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما الدخل جاءنا من تجويز العلماء الرواية بالمعنى، فلا يمنع أن يكون الراوي المتأخر أبدل كلمة بكلمة، أو زاد حرف أو نقص حرف مما لا يتغير به المعنى مما يجوزه أهل العلم، ولذلك لما جاء في حديث جابر: ((هل تزوجت بكراً أم ثيباً؟ )) حاس الشراح وداسوا من أجل إيش؟ لأن (أم) لا تأتي بعد (هل)، (أم) لا تأتي بعد (هل) فقالوا: هذا من تصرف الرواة، وإلا فالأصل أن يقول: (أو) وهناك قول أيضاً نصره كثير من النحويين أن الحديث يحتج به؛ لأن شيوخ الأئمة جلهم على رأس المائتين، جلهم على رأس المائتين إلى مائتين وعشرين، وهذا محل يعني محل حفظ للغة، وتلقي للغة من العرب في البوادي والقرى، يعني ما تغيرت لهجات الناس تغيراً شديداً،

على كل حال الآن نحن بين يدي كتاب الله -جل وعلا-، بين أيدينا كتاب الله -جل وعلا-، وقدروا المبتدأ: نحن من أجل تمشية وتمرير القاعدة. {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [(1) سورة الإنشقاق] {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} [(1) سورة الإنفطار] نقول: لا بد أن نقدر: إذا انفطرت السماء انفطرت، فالسماء فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور إذا انفطرت السماء انفطرت، إذا انشقت السماء انشقت وهكذا من أجل إيش؟ تمرير القواعد، لكن ما المانع أن تبنى القواعد على كتاب الله -جل وعلا-، ويكون هذا جائز بل أولى من الاستشهاد بكلام العرب؛ لأنه كلام الله -جل وعلا-. فلهذا نعرف قولهم، معنى قوله: "حال بتقدير نحن" (ما) {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ} [(16) سورة ق] (ما) هذه مصدرية، ونحن نعلم وسوستهم، أو وسوسة نفوسهم، فتكون (ما) مصدرية، ويجوز أن تكون موصولة، ولقد خلقنا الإنسان ونعلم الذي توسوس به نفسه، توسوس: تحدث، والوسوسة: هي تكرار الحديث في النفس وترديده فيه، وحديث النفس يقول: توسوس تحدث حديث النفس معفو عنه ((إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت بها أنفسها)) أو نفوسهم، على الخلاف في النفس هل هي منصوبة وإلا مرفوعة؟ ((ما لم يتكلم أو يعمل)) يعني ما لم يرتب على حديث النفس كلام؛ لأن هذا يؤاخذ به، أو يعمل، فهو مؤاخذ بعمله، وأما مجرد حديث النفس فليس فيه مؤاخذة، وهو المرتبة الثالثة من مراتب القصد الخمس. مراتب القصد خمس: هاجس ذكروا ... فخاطر فحديث النفس فاستمعا يليه هم فعزم كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الأخذ قد وقعا

يعني المراتب الأربعة ما فيها مؤاخذة، لكن الأخير الذي هو العزم يؤاخذ عليه، العزم يؤاخذ عليه، {تُوَسْوِسُ} [(16) سورة ق] "تحدث به" الباء زائدة أو للتعدية، زائدة أو للتعدية، يعني هل الفعل لازم أو متعدي؟ إذا قلنا: لازم قلنا: الباء للتعدية، إذا قلنا: الفعل لازم "توسوس"، قلنا: الباء للتعدية، وإذا قلنا: متعدي قلنا: الباء زائدة، طيب كيف نقول: الباء زائدة والقرآن محفوظ من الزيادة والنقصان؟ يعني لو حذفناها ما تأثر الكلام؟ يعني زائدة من حيث الإعراب، لا يتأثر الكلام وأما بالنسبة للمعنى لا شك أنها تعطيه قوة، يعني مثل ما قالوا في قوله -جل وعلا-: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [(72) سورة الكهف] وفي الآية الثانية: {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} [(75) سورة الكهف] يعني هل الآية الثانية تختلف عن الآية الأولى؟ الأولى ما فيها (لك)، والثانية فيها (لك) قالوا: لك زائدة، وقالوا: إن هذا مجاز بالزيادة، واسترسلوا في مثل هذا الكلام، لكن المقطوع به المجزوم به أن القرآن مصون من الزيادة والنقصان، ليس معنى هذا أنه جاء من زادها بالكلام، لا، هذا ما يقول به أحد لأن الذي يقول بمثل هذا يكفر، لو قال مثلاً، قرأ الباء زائدة، ثم جاء بالقلم ومسحها، ما دام زائدة ما لنا بها لازم، وأنكرها، ما دامت زائدة ليست من القرآن، لا، هذا خطر عظيم، هذا كفر، إذا أنكرت حرفاً من بين الدفتين أو زدت حرفاً يعني الأمة أجمعت عليه، أجمعوا عليه من الصحابة إلى يومنا هذا، فهو مصون من الزيادة والنقصان، وهذا في زيادة حرف أو نقصه، فكيف بمن يقول: إن القرآن ناقص والموجود بأيدي الناس ما يعادل ولا الثلث؟ هذا نسأل الله العافية كفر بواح، مقصودهم بالزائد هنا يعني من حيث الإعراب، ومن حيث المعنى باعتبار أن الفعل يتعدى بنفسه، وقد يزاد الحرف للتقوية، ما جاءني من أحد، نقول: هذه من زائدة، والأصل: ما جاءني أحد، لكنها جيء بها لتأكيد النفي، لتأكيد النفي وتمحضه، فمن حيث المعنى تفيد الكلام قوة، وإن كانت من حيث الإعراب يجوز حذفها في الكلام العادي لا في كلام الله -جل وعلا-.

كثيراً ما يعبرون عن الحرف الزائد يقولون: صلة، صلة، وهذا موجود حتى في هذا التفسير، الباء صلة، إيش معنى صلة؟ لا محل لها من الإعراب مثل صلة الموصول، ولا شك أن في مثل هذا أدب، تأدب مع القرآن المصون من الزيادة والنقصان، المحفوظ، المقصود أن مثل هذا يتنبه له؛ لأنه يمر على طلاب العلم المبتدئ قد يوجد عنده ريبة، شيء من الشك، يعني القرآن فيه زيادة؟ فيه نقصان؟ لا، لا زيادة ولا نقصان، ما بين الدفتين محفوظ، فمثل هذا ينتبه له، الباء زائدة أو للتعدية، زائدة إذا قلنا: إن الفعل يتعدى بنفسه، وللتعدية إذا كان .. ، إذا قلنا: إن الفعل وسوس يوسوس هذا فعل لازم، والضمير للإنسان، ما توسوس به، الضمير في (به) يقول: الضمير للإنسان، أولاً: نفسه هو فاعل توسوس، والضمير للإنسان وليت معنا تفسير الجلالين لكن ما .. ، الأصل أننا نتفق مع الإخوان على هذا التفسير وينبه عليه في الإعلان، ويكون بأيدي الإخوان، لأن هذا مهم وجوده باليد مهم أثناء الشرح؛ لأن مثل هذه يقول: والضمير للإنسان، الضمير في (به) أو نفسه؟ مقتضى صنيع المؤلف أن الضمير للإنسان في (به) لأنه هو الذي تقدم الحديث عنه، (به) الباء زائدة أو للتعدية والضمير للإنسان، الضمير في (به) للإنسان؟ لا، أبداً ما يقول هذا أحد، توسوس به أي بحديث النفس، نفسه فاعل توسوس، والضمير في نفسه هذه يعود للإنسان، والأصل أن يقول: الباء زائدة أو للتعدية، نفسه، الضمير يعود إلى الإنسان، أما في (به) الضمير في به هل يعود للإنسان؟ {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ} [(16) سورة ق] أي بالإنسان أو بحديث النفس؟ بحديث النفس، يبقى أن الضمير العائد للإنسان ما في قوله: {نَفْسُهُ} [(16) سورة ق] هذا نفسه نفس الإنسان، ونحن أقرب من حبل الوريد {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [(16) سورة ق] ونحن أقرب يقول المؤلف: "بالعلم" من حبل الوريد، يقول المؤلف: "بالعلم"، المعية، المعية فسرها جمهور السلف بالعلم حذراً مما يظن من حلول الله -جل وعلا- في كل مكان، نفياً لمقالة الحلولية، وأن الله حال في كل مكان، وهنا يقول: نحن أقرب فيقول: "بالعلم" الأصل المتكلم ولقد خلقنا الإنسان ونحن السياق واحد،

من الذي خلق الإنسان؟ نعم هو الله -جل وعلا-، ونحن أقرب إليه السياق على نسق واحد، فظاهر السياق يدل على أن الضمير ضمير متكلم يعود إلى الله -جل وعلا-، والعرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، كما قال ذلك الإمام البخاري في صحيحه في تفسيره سورة: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [(1) سورة القدر] في تفسيره سورة: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [(1) سورة القدر] من صحيح البخاري يقول: "العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع"، السياق في قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ} [(16) سورة ق] يدل على أن المراد المتكلم هو الله -جل وعلا-، أقرب وصفة القرب ثابتة لله -جل وعلا-، صفة القرب ثابتة لله -جل وعلا-، مع أنه مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، ولا تعارض ولا تناقض كما في حديث النزول، الرب -جل وعلا- ينزل في آخر كل ليلة إلى السماء الدنيا، مع أنه مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، حتى قرر شيخ الإسلام أنه لا يخلو منه العرش، لا يخلو منه العرش مع نزوله -جل وعلا- نزولاً يليق بجلاله وعظمته، هؤلاء الذين أولوا القرب وهو ثابت لله -جل وعلا- بالعلم فراراً من اللازم وهو الحلول، تعالى الله عما يقوله الظالمون علواً كبيراً يقولون: حل في كل مكان، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [(16) سورة ق] لا شك أن من يؤوله بالعلم كما أول السلف المعية بالعلم درءاً لما يفهمه اللفظ من الحلول له وجه، وقال بهذا أئمة، شيخ الإسلام -رحمه الله- ويؤيده ابن القيم وابن كثير في قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ} [(16) سورة ق] قال: الملائكة، وقرب الشيء، قرب الشيء يعني في المحسوسات بقرب أعوانه ملحوظ، والملائكة لا شك أن الله -جل وعلا- يوكلهم ببعض الأعمال، يوكلهم ببعض الأعمال، فقربهم هنا .. ، شيخ الإسلام هل نقول: شيخ الإسلام ينفي صفة القرب أو ابن القيم وابن كثير؟ لا، يعني لو قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [(16) سورة ق] ما عرف لا عن شيخ الإسلام ولا ابن القيم ولا ابن كثير قاله أي مفسر من المفسرين الذين التأويل متعمد عندهم، قلنا: قالوا هذا فراراً من صفة القرب، لكن يقول هذا الكلام من يثبت صفة القرب هل يتهم بأنه يفر من إثباتها؟ لا، وهذا ملحظ ينبغي أن يلاحظه طلاب العلم، أحياناً تجد في كلام شيخ

الإسلام أو ابن القيم أو غيرهم من أئمة التحقيق ما ظاهره التأويل، فمثلاً لو جاءنا قال ابن القيم في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الذي نفسي بيده)) قال: "روحي في تصرفه" هل نقول: إن ابن القيم يفر من إثبات صفة اليد؟ لا، ما يمكن أن نقول هذا، لكن لو قالها النووي أو ابن حجر أو غيره؛ لأننا نعرف من مذهبهم التأويل، ونعرف من مذهب ابن القيم الإثبات قلنا: إنه فسر باللازم فراراً من إثبات الصفة.

وعلى كل حال شيخ الإسلام في هذه الآية ومثله كلام ابن القيم وابن كثير في كون المتكلم هنا بضمير (نحن) الملائكة، بدليل ما يليه، فمن فسره بأن المتكلم هو الله -جل وعلا-، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل وريده، قرباً يليق بجلاله وعظمته كسائر صفاته الثابتة عنه وعن نبيه هذا هو الأصل، من فسره بالعلم لا سيما وأن المسألة ليست من المسائل المتفق عليها بين سلف هذه الأمة، المسائل المتفق عليها لا يسوغ لأحد الخلاف، وليست محل نظر ولا جدال، لكن ما يحصل فيه خلاف ما يحصل فيه خلاف إذن الخلاف سائغ، ما دام اختلف السلف في هذا للخلف أن يختلفوا، فمثل هذا التأويل (نحن) يعني الملائكة، أو نحن أقرب بالعلم كما يقول المؤلف، ويقول به جمع من أهل العلم، أو يكون المتحدث كما هو الأصل {وَلَقَدْ خَلَقْنَا} [(16) سورة ق] المتكلم هو الله -سبحانه وتعالى-، هو الذي خلق الإنسان وهو الذي أقرب إليه من حبل الوريد، والسياق يدل على هذا، {مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [(16) سورة ق] يقول: "الإضافة للبيان" الإضافة للبيان، حبل الوريد: الإضافة بيانية، وفيها شوب تبعيض، يعني مثل ما تقول: خاتمُ حديدٍ، خاتم حديد، خاتم حديد إضافة بيانية؛ لأننا بينا الخاتم بكونه من الحديد، وفيها شوب تبعيض كما يقول أهل العلم لأن الخاتم بعض من هذا الحديد، والحبل هنا بُين بكونه حبل الوريد، فهو يقول: "الإضافة للبيان، والوريدان عرقان بصفحتي العنق" بصفحتي العنق، عرقان بصفحتي العنق، هذه قريبة من روح الإنسان، بحيث إذا قطعا تعرضت حياته للزوال، وهما أيضاً قريبان وارتباطهما بالقلب ارتباطاً وثيقاً، فالله -جل وعلا- على ما يدل عليه السياق أقرب من هذين الحبلين، من هذين الوريدين في صفحتي العنق، ومنهم من يقول: الوريد عرق يتخلل جميع جسد الإنسان، وهو عرق خطر بحيث لو انفجر صارت الحياة مهددة، يقول: "والوريدان: عرقان بصفحتي العنق" لماذا ما قال: من حبلي الوريد؟ قال: حبل الوريد وهما عرقان؟ قد يذكر المفرد ويراد به الجنس، يعني مثل حديث: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) عاتقه: المراد جنس العاتق، فيدخل العاتق الثاني، فهما العاتقان، بدليل الرواية الأخرى: ((ليس على

عاتقيه منه شيء)) فيطلق المفرد ويراد به التثنية. {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} [(17) سورة ق] يقول .. ، وهذا كثير جداً في هذا التفسير وغيره من التفاسير يجعلون (إذ) منصوبة بفعل مقدر تقديره: اذكر، " (إذ) ناصبه اذكر مقدراً" هو منصوب، وناصبه على هذا الكلام فعل أمر مقدر تقديره: اذكر إذ يتلقى المتلقيان، وكثيراً ما تقدر (اذكر) قبل (إذ) في مواضع كثيرة من القرآن، هل يصح أن تتعلق (إذ) بما قبلها من الكلام؟ هل يصح أن نقول: ولقد خلقنا الإنسان إذ يتلقى؟ ولقد خلقنا الإنسان إذ يتلقى؟ أو يقول: ونعلم ما توسوس به إذ يتلقى المتلقيان، أو يقال: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان؟ هل يجوز أن تتعلق (إذ) بالجملة السابقة؟ أو نأتي بمقدر لأنه لا يصلح تعلق (إذ) هذه بالجمل السابقة؟ كأنه على رأي المؤلف أنها لا تصلح أن تتعلق بشيء مما تقدم، فقدر (اذكر). أولاً: ولقد خلقنا الإنسان إذ يتلقى المتلقيان هذا لا يمكن تعلقه بخلقنا، ونعلم إذ يتلقى ما يصلح أيضاً، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى، هل يمكن أن يعلق هذا {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [(17) سورة ق] ونحن أقرب إليه من حبل الوريد؟ هذا الكلام يمكن على رأي شيخ الإسلام، وهو أن ضمير المتكلم الجمع يعود إلى .. ، أو يفسر بالملائكة إذ يتلقى نحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى، فمتعلق بهذا القرب من قبل هؤلاء الملائكة.

{إِذْ يَتَلَقَّى} [(17) سورة ق] يعني: "يأخذ ويثبت" {الْمُتَلَقِّيَانِ} [(17) سورة ق] "الملكان الموكلان بالإنسان ما يعمله" يعني على رأي شيخ الإسلام يصح أن يكون متعلق الظرف (إذ) هو ما تقدم {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [(16) سورة ق] يتلقى: "يأخذ ويثبت"، {الْمُتَلَقِّيَانِ} [(17) سورة ق] "الملكان ... بالإنسان ما يعمله" أحدهما عن يمينه، عن اليمين، والثاني عن الشمال ... ، من هذا الإنسان وأحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، أحدهما يكتب الحسنات، والثاني يكتب السيئات، فهما موكلان بالإنسان بما يعمله، أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال، وهذا مقطوع به، {قَعِيدٌ} [(17) سورة ق] فعيل، أي قاعدان، يعني واحد قاعد عن اليمين والثاني قاعد عن الشمال، هل المراد بالقعود هنا بصفته المعروفة قعيد بمعنى قاعد أو أن قعيد بمعنى ملازم؟ ملازم، فرق بين الأمرين، يعني إذا قلت: زيد قاعد مع عمرو، يعني يتم هذا ولو قعد عنده لحظة واحدة قلنا: أنه قاعد عنده، لكن إذا قلنا: قعيد ملازم للقعود عنده، إذا قيل: زيد قعيد الملك يعني أنه ملازم، لكن قاعد عند الملك ولو مرة واحدة، فتفسيره بقوله: "قعيد أي: قاعدان" هذا لا يفيد المطلوب، وإنما المراد بالفعيل صيغة المبالغة، صيغة المبالغة تدل على الملازمة، ملازمة هذا القعود، قعيد، هما متلقيان، وهما ملكان، وأخبر عنهما بقعيد، قعيد: فعيل، تصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، تقول: زيد قعيد عمرو، وهند قعيد فاطمة، والزيدان قعيد عمرو، والرجال أو العلماء قعيد الملك مثلاً، فيصلح أن يخبر بفعيل عن الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، ولذا ما قال: قعيدان، عن اليمين وعن الشمال قعيدان، كما في قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ} [(56) سورة الأعراف] ما قال: قريبة، قريب من المحسنين ما قال: قريبة من المحسنين، وهنا قال: قعيد، ففعيل يصح أن يخبر بها عن الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، وهذا ظاهر وواضح مثل: قريب، {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [(56) سورة الأعراف] منهم من يقول: هما قاعدان، ولكنه قول فيه ما فيه، أوضح الأقوال أن

يقال: فعيل .. ، صيغة فعيل يخبر بها عما تقدم، ونظيرها في القرآن: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ} [(56) سورة الأعراف] وهذا واضح، لكن ماذا قال المؤلف؟ "أي قاعدان، وهو مبتدأ خبره ما قبله" مبتدأ خبره ما قبله، الجملة التي قبله هي الخبر، لماذا أخر المبتدأ؟ {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [(17) سورة ق] هنا يجوز تأخير المبتدأ أو لا يجوز؟ أو يجب؟ لأنه قال: "وهو مبتدأ خبره ما قبله" يعني مبتدأ مؤخر، وخبره ما قبله، فهل تأخير المبتدأ هنا جائز أو ممنوع أو واجب؟ نعم؟ واجب، لماذا؟ لأنه نكرة. ونحو عندي درهم ولي وطر ... ملتزم فيه تقدم الخبر

ملتزم فيه تقدم الخبر، هذان الملكان المتلقيان الموكلان بالإنسان، أحدهما يكتب الحسنات والثاني يكتب السيئات، {مَا يَلْفِظُ} [(18) سورة ق] الإنسان {مِن قَوْلٍ} [(18) سورة ق] من قول: نكرة في سياق النفي فتعم كل قول، {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ} [(18) سورة ق] "حافظ" {عَتِيدٌ} "حاضر وكل منهما بمعنى المثنى" ما يلفظ من قول المكلف ما يلفظ من قول، وقول نكرة في سياق النفي فتعم كل قول، ما يؤجر عليه ويثاب عليه، وما يؤاخذ به، وما لا يؤاخذ به، وما لا يؤجر عليه، كل كلام ينطق به، كـ (قمت وقعدت وكذا وكذا) يسجل، وما يؤاخذ به كقول الزور والبهت والقذف وما أشبه ذلك يؤاخذ عليه، وما يؤجر به من تلاوة القرآن، ومن الذكر، وقول الحق، والدعوة إلى الخير هذا أيضاً يكتب، فكل شيء يكتب، وهذا قول من أقوال أهل العلم يدل له: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق] فهما يكتبان كل شيء، طيب إذا كان الذي عن اليمين يكتب الحسنات واللي عن الشمال يكتب السيئات فمن الذي يكتب الكلام المباح؟ يعني إذا قال: قمت وقعدت وكذا، من الذي يكتب الكلام المباح على هذا القول؟ هل يعد هذا الكلام مما يحفظ له ويثاب عليه فيكتبه الملك الذي عن يمينه أو يكتب في كفة سيئاته فيكتبها الملك الذي عن شماله؟ هو لا هذا ولا هذا، مباح، إلا أنه باعتبار أنه يشغل عما يثاب عليه فهو مذموم به من هذه الحيثية، ثم بعد ذلك يمحى لأنه لا ثواب ولا عقاب، ومنهم من يقول: إنه لا يكتب إلا ما يثاب عليه وما يعاقب به، ما يثاب عليه وما يعاقب به، يعني لو افترضنا أن شيخ من الشيوخ يملي على طلابه يشرح كتاب ووجدنا طالب نبيه لا يكتب إلا ما يفيد، وطالب آخر يكتب كل شيء، لو عطس الشيخ كتب: عطس الشيخ، لو يكح قال: كح الشيخ، ويكتب الكلمة مرتين ثلاث حسب تكرارها في كلام الشيخ أيهما أفضل؟ لا شك أن اللي يقتصر على المفيد بحيث لا يفرط بشيء منه، ويترك ما لا فائدة فيه أصلاً هذا لا شك أنه أكمل، لكن هل يتسنى لكل أحد مثل هذا؛ لأن هذا يعاني منه كثير من الطلاب، بعض الطلاب يقول: أنا ما أكتب إلا ما يفيد، ثم بعد ذلك يفرط في فوائد كثيرة، يظنها غير مفيدة، وغيره يظنها مفيدة،

ولذلك لو استعرضتم كتب الطلاب التي يحضرون بها الدروس لوجدت التفاوت العجيب، تجد هذا الكلام مفيد عند فلان، والكلام غير مفيد عند فلان لكنه كتب غيره، وحينئذ تعليق الشيخ على الكتاب ينبغي أن ينظر في جميع الكتب الموجودة، ما ينظر إلى تعليق واحد، هذا مجرد استطراد وإلا فالذي عندنا المسألة خلافية، هل يكتب الملكان كل شيء حتى ما لا ثواب فيه ولا عقاب ثم بعد ذلك يمحو الله ما يشاء ويثبت؟ أو يقال: إنه لا يكتب إلا ما يثاب عليه أو يعاقب به لأنه هو محل الجزاء؟ وهما قولان معروفان عند أهل العلم، والآية مخيفة بالنسبة لمن يطلق لسانه بالقيل والقال، من يطلق لسانه بالقيل والقال {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق] فعلى الإنسان أن يتحرى، ولذا لما قال معاذ -رضي الله عنه-: "وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) أنت مؤاخذ بالكلام، بالقيل والقال، والإنسان الذي عود نفسه على كثرة الكلام لا شك أن من كثر كلامه كثر سقطه، وقد يتحرى في المجلس الأول ولا يقول إلا المباح، لكنه قد يضطر بعد ذلك إلى المفضول والفضول من الكلام، ثم إلى المحرم منه، وهذا شيء مشاهد. {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ} [(18) سورة ق] "حافظ" {عَتِيدٌ} "حاضر وكل منهما بمعنى المثنى" رقيب وعتيد مثل قعيد، يخبر بهما عن الاثنين، الأصل أن يقال: رقيبان، عتيدان، لأنهما ملكان، لكن يخبر بفعيل كما قال: قعيد مثل {رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ} [(56) سورة الأعراف] قال: أيضاً رقيب وعتيد وهما اثنان، ولذا قال المفسر: "وكل منهما بمعنى المثنى".

{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} [(19) سورة ق] سكرة الموت: "غمرته وشدته" غمرته وشدته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يعالج من الموت شدة، ويقول: ((إن للموت لسكرات)) ولا شك أن مثل هذه الشدة مما يكفر بها عن الإنسان، {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} [(19) سورة ق] "غمرته وشدته" {بِالْحَقِّ} [(19) سورة ق] "من أمر الآخرة" الآن إذا بدأ النزع واطلع الإنسان على ما كان يخفى عليه، ووصل إلى حد الغرغرة قبيل خروج الروح هذا لا ينفعه ندم، ولا يقبل منه توبة، لماذا؟ لأنه عاين الآن انتهى، الآن وصل إلى مرحلة المعاينة، والإيمان والعمل الصالح إنما ينفع في حال الغيب، {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [(3) سورة البقرة] الآن صار شهادة، ولذا جاء في الحديث الصحيح أن التوبة مقبولة ما لم يغرغر، ما لم تطلع الشمس من مغربها، ما لم يأت الدجال أو الدابة، كل هذه معاينة، انكشف الغطاء، فلا ينفع الإيمان، فلا ينفع نفس إيمانها.

{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} [(19) سورة ق] "غمرته وشدته" {بِالْحَقِّ} [(19) سورة ق] "من أمر الآخرة حتى يراه المنكر لها عياناً" عياناً فالمخالف يبشر بالنار، والعذاب، والذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا يبشرون بالجنة، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [(30) سورة فصلت] الآن صار عيان الآن ما فيه، ما ينفع الإيمان في هذا الوقت، "حتى يراه المنكر لها عياناً، وهو نفس الشدة" وهو نفس الشدة، جاءت سكرة الموت بالحق، خلاص هذه المقدمة التي ينكشف له فيها ما لم يره قبل ذلك، جاءته بالحق، الآن حق اليقين؛ لأن عندك اليقين مراتب: علم اليقين، وحق اليقين، وعين اليقين، فعلم اليقين إذا أخبرك من تثق به وتجزم بصحة خبره بأمر من الأمور، إذا قال لك: جاء العسل، الآن يباع في الأسواق، وهذا صادق، وجاءك ثاني وثالث ورابع، بحيث تجزم بأن العسل يباع في الأسواق، أو غيره من المأكولات التي انقطعت، هذا علم اليقين، فإذا رأيته إذا رأيته صار عين اليقين، وإذا لعقت منه صار حق اليقين، حق اليقين الذي لا مراء فيه، أحد يبي ينكر شيء وهو بيأكل منه؟ نعم، أحد ينكر شيء إلا في حال غفلة وإلا ذهول وإلا اختلال عقل، وإلا ما يمكن يأكل منه ويقول: ما هو بموجود، هذا إيش؟ حق اليقين، جاءت سكرة الموت بالحق خلاص ما عاد في مجال للإنكار.

{ذَلِكَ} [(19) سورة ق] "الموت" {مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} ما كنت منه تحيد: "تهرب وتفزع" تحيد عن أسباب الموت، لكن إذا جاء وقته لا مفر ولا مهرب ولا مفزع، قد يقال لك مثلاً: إن الحج في هذه السنة فيه وباء وافد من بعض الحجاج، تقول: والله السنة هذه ما أنا بحاج، أخشى من هذا الوباء، تهرب من الموت وتفزع منه، لكن {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(49) سورة يونس] والراكب في القصة التي عرفها الناس كلهم، الطائرة التي احترقت قبل سنين كان واحد من ركابها رأت أمه في النوم أن هذه الطائرة سوف تحترق، فبينما ولده نائماً وقال لها: أيقظيني في الساعة الفلانية مثلاً الساعة السابعة؛ لأن الحضور الساعة ثمان مثلاً صباحاً، أمه بعد هذه الرؤيا ما أيقظته، انتبه في الساعة الثامنة ولا ما يمديه، غضب غضباً شديداً وصار يتحدث ويتكلم بألفاظ بذيئة على أمه ويذم ويشتم، ما صارت الساعة تسعة ونصف إلا الطائرة وقد حصل لها ما حصل، رجع الولد فنام، لما أيس نام، الساعة التاسعة والنصف حصل للطائر ما حصل، فجاءت الأم لتبشر ابنها أنه ما مات معهم، فإذا به ميت في فراشه، ما في مفر ولا مهرب ولا مفزع، {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(49) سورة يونس] والله المستعان.

{ذَلِكَ} [(19) سورة ق] يعني "الموت" {مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} "تهرب وتفزع" {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [(20) سورة ق] البوق الذي ينفخ فيه ملك الموت النفخات المعروفة نفخة الصعق، والفزع والبعث على خلاف بين أهل العلم هل النفخات اثنتان أو ثلاث؟ كلام معروف لأهل العلم، وهل الفزع نفخة مستقلة أو هي مقدمة للصعق؟ على كل حال بسط هذا له موضعه، ونفخ في الصور وكيف ينعم الإنسان وملك الموت الموكل بالنفخ قد حنا ظهره والتقم البوق –الصور- لينفخ فيه؟ {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] {فَذَلِكَ} إيش؟ {يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [(9) سورة المدثر] هل يدرك الإنسان معنى هذا الكلام وعظمة هذا الكلام؟ لكن القلوب غطى عليها ما غطى وإلا فزرارة بن أوفى سمع الإمام يقرأ {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] ففاضت نفسه وهو في الصلاة، وهذه الآية لا تحرك ساكن، بل قد يتجاوزها الإنسان وما شعر بها، وهنا {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [(20) سورة ق] يعني: "للبعث" {ذَلِكَ} يعني "يوم النفخ" {يَوْمُ الْوَعِيد} "للكفار بالعذاب" يوم الوعيد للكفار بالعذاب، وهو أيضاً يوم الوعد بالنسبة للمؤمنين بالنعيم كما أنه إذا قبر الميت وجاءه الملكان وسألاه، معروف وضعهم كما جاءت به السنة الذي لا يجيب، الذي يقول: هاه هاه لا أدري، هذا يعذب ويضيق عليه قبره، ويفتح له باب إلى النار، ويقول: رب لا تقم الساعة، بينما الذي يجيب بالأجوبة السديدة الصحيحة يفتح له باب إلى الجنة، ويوسع له في قبره، ويأتيه من روح الجنة، ثم يقول: يا رب أقم الساعة، لماذا؟ لأن الأول: ما وراءه أعظم مما هو فيه، والثاني: ما وراءه أعظم مما هو فيه.

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [(20) سورة ق] "للبعث" {ذَلِكَ} "يوم النفخ" {يَوْمُ الْوَعِيد} "للكفار بالعذاب" {وَجَاءتْ} [(21) سورة ق] "فيه" يعني في هذا اليوم {كُلُّ نَفْسٍ} [(21) سورة ق] "إلى المحشر" موضع الحشر الذي يحشر فيه الناس، {مَّعَهَا سَائِقٌ} [(21) سورة ق] معها "ملك يسوقها إليه" {وَشَهِيدٌ} [(21) سورة ق] "يشهد عليها" وشهيد: "يشهد عليها بعملها" يقول: "وهو الأيدي والأرجل وغيرها" الشاهد يحتمل أن يكون الملك أو الملكان اللذان وكلا به في حال حياته يكتبان ما يعمل وما ينطق به يشهدان عليه، ويحتمل ما ذكره من الأيدي والأرجل وغيرها، والمواضع التي عبد الله فيها تشهد له، {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} [(65) سورة يس] اليد تتكلم تنافح وتدافع باعتبار أنها كالجزء من الإنسان؛ لقربها من قلبه، وأما الرجل فكأنها بعيدة عنه كما قال بعض أهل العلم فاليد تتكلم والرجل تشهد، فتشهد عليه، وإذا أعطي المخالف كتابه بشماله ونظر فيه قال: لا أقبل إلا شاهداً من نفسي، هؤلاء زادوا علي، لا بد من شاهد علي من نفسي، فتنطق الأيدي، وتشهد الأرجل، ويقول: بعداً بعداً، سحقاً سحقاً، كنت عنكن أنافس وأنافح، وهذا من باب قيام الحجة، والله -جل وعلا- عالم بما يعملون، وعالم بما تؤول إليه أمورهم، وليس بحاجة إلى من يشهد، لكنه من باب إقامة الحجة، ولذا يقول أهل العلم: أن القاضي لا يحكم بعلمه، بل لا بد من المقدمات الشرعية، قاضي يعلم من فلان من الناس أنه يشرب الخمر؛ لأنه من جيرانه، ومطلع على أحواله، لا يقضي عليه القاضي ويحكم عليه بالجلد بعلمه، لا بد أن يشهد عليه ببينة أو يعترف، فالقاضي لا يحكم بعلمه، وهذا أمر مقرر معروف، وإن كان بعض قدماء القضاة يحكمون بالعلم كشريح القاضي والله -جل وعلا- يعلم السر وأخفى، يعلم ما تكنه الضمائر، ويعلم ما تخونه الأبصار، لكنه من باب قطع الحجة أتي بالصحف ووضعت في الميزان، وشهد على الإنسان أقرب الناس إليه وهو أبعاضه وأجزاؤه، "ويقال للكافر" يقول المؤلف: "ويقال للكافر: {لَقَدْ كُنتَ} [(22) سورة ق] "في الدنيا" -لقد كنت يعني فيما مضى في الدنيا-

{فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} [(22) سورة ق] "من هذا النازل بك اليوم" كنت غافلاً عنه، {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} [(22) سورة ق] "أزلنا غفلتك بما تشاهده اليوم" {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [(22) سورة ق] "حاد تدرك به ما أنكرته في الدنيا" {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [(22) سورة ق] يعني: حاد {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} [(22) سورة ق] غفلة في الدنيا، من هذا "النازل بك في هذا اليوم" يعني مثل الطالب -مثال تقريبي- الطالب طول العام وهو في غفلة، يلهو ويلعب ويسرح ويمرح، يجتمع بالناس، ويغدو ويروح ثم بعد ذلك إذا جاءت أيام الامتحانات كان في غفلة، فالآن تبدأ ثم إذا اختبر وطلعت النتائج أين أنت أيام الغفلة؟ فعلى الإنسان أن يعد العدة. {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} [(22) سورة ق] "أزلنا غفلتك بما تشاهده اليوم" {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} "حاد تدرك به ما أنكرته في الدنيا" وهذا على أساس أن الخطاب للكافر كما قال المؤلف. منهم من يقول: إن المخاطب الجنس جنس الإنسان، الجنس المؤمن والكافر، كان في غفلة من هذا، من هذا الذي سيحصل، حتى المؤمن المستعد المؤمن بالله -جل وعلا- المؤتمر للأوامر، المنتهي عن النواهي عنده شيء من الغفلة، ولولا هذه الغفلة لعمر وقته كله بطاعة الله، ولما ترك لحظة تفوت من عمره إلا فيما يرضي الله -جل وعلا-، هذه غفلة.

ومنهم من يقول: الخطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام-، {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} [(22) سورة ق] الخطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- الأسلوب أسلوب مدح وإلا ذم؟ السياق سياق مدح وإلا ذم؟ سياق ذم، لقد كنت -والخطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- يا محمد في غفلة من هذا، يعني قبل البعثة {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} [(22) سورة ق] ببعثتك إلى أمتك، وإرسال جبرائيل إليك بالوحي كشفنا عنك الغطاء، {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [(22) سورة ق] حاد تدرك به ما في المستقبل، ولا شك أن الناس يتفاوتون حتى المسلمون والمؤمنون والعلماء والعباد يتفاوتون في هذا تفاوت شديد، منهم من يرى ما سيجري في الآخرة نظر العيان، كما قال الصحابي -رضي الله عنه-: "أصبحت مؤمناً حقاً" قال: ((اعلم ما تقول، فإن لكل حق حقيقة)) ثم شرح يقول: "كأني أرى عياناً ما يدور في القيامة" يرى كذا ويرى كذا ويرى كذا، فالناس لا شك أنهم يتفاوتون، والاثنان من العلماء، أو من العباد، أو من العوام، أو من طلاب العلم بينهما تفاوت كبير، تجد هذا يدرك ما لا يدركه هذا، وهذا يتصور ما لا يتصوره هذا، تجد بعض الناس عند أدنى شيء يشك، وأدنى نص تجده يقف عنده قد يحتار، وتجد بعض الناس ما يقف في وجهه شيء، حتى أعقد الأمور بمسائل القضاء والقدر تنكشف له مثل الشمس، وهذا كلما رسخ القدم في العلم ووقر الإيمان في القلب تكشفت له الأمور، فإذا كان الخطاب هذا للنبي -عليه الصلاة والسلام- {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} [(22) سورة ق] يعني قبل بعثتك {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} [(22) سورة ق] الذي غطى عليك قبل الرسالة، انكشف بالرسالة {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [(22) سورة ق] يعني تجد بعض الناس يأتي إلى عالم يقول: والله أنا هذا النص حيرني، كأني أحس أن فيه شيء من التناقض، تجد هذا ما عنده أدنى تردد في مثل هذا النص، بصره حديد حاد في مثل هذه الأمور، وتجد النصوص اللي فيها شيء من الاختلاف، اللي يعرف بمختلف الحديث تجد عند بعض أهل العلم من أسهل الأشياء، ولذا يقول ابن خزيمة: "من كان عنده خبران متضادان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليأتِ إليّ لأؤلف بينهما"

يعني هناك أخبار فيها تعارض في الظاهر تشكل على بعض طلاب العلم لكنها عند الراسخين في العلم لا إشكال فيها. {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [(22) سورة ق] يعني حاد تدرك به ما أنكرته في الدنيا.

{وَقَالَ قَرِينُهُ} [(23) سورة ق] الملك الموكل به، هذا أي الذي لدي عتيد، اعتدته وأعددته لهذا اليوم، هذه الصحف التي فيها حسناته، وهذه الصحف التي فيها سيئاته، انتظاراً لهذا اليوم، {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [(31) سورة يوسف] فهذا معد وهو عتيد، يقول: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [(23) سورة ق] أي: "حاضر" معد جاهز، فيقال لمالك خازن النار: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [(24) سورة ق] إذا كان القول متجه لمالك يعني كون الضمير مثنى ويعود للسائق والشهيد وهما اثنان واضح أو يعود للملكين الموكلين به، فيقال: أنتم اللذان رصدتما أعماله فألقياه في العذاب الشديد، أو للسائق والشهيد على خلاف بين أهل العلم هل هما الذي عن اليمين وعن الشمال أو غيرهما؟ المقصود أن عود الضمير إلى ما تقدم من التثنية ظاهر، {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [(24) سورة ق] والمفسر يرى أنه يعود لمالك خازن النار، {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [(24) سورة ق] والتثنية هنا ليست من باب تثنية المسند إليه، وإنما هو من باب تثنية المسند، إيش معنى هذا الكلام؟ أنه تكرار للفعل، ألق، ألق ولذا قال: "أي: ألق ألق" فكرر الفعل للتأكيد، وثني الفعل المكرر لفظاً، فكأن ألقيا: ألق ألق، وهذا له شواهده، ومنهم من يقول: إن الألف هذه ليست ألف تثنية، وإنما هي ألف منقلبة عن نون التوكيد ألقين، يا مالك ألقين، مثل لنسفعاً تكتب بالألف، وهنا ألقيا "أو ألقين، وبه قرأ الحسن فأبدلت النون ألفاً" {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [(24) سورة ق] "معاند للحق" معاند للحق، الآيات السابقات دلالة ظاهرة على أن واحد عن اليمين والثاني عن الشمال، لكن من أهل العلم من يرى أنه إذا كان جالساً فواحد عن يمينه وواحد عن شماله، إذا كان ماشياً فواحد من أمامه والآخر من خلفه، وإذا كان نائماً مضطجعاً فواحد عند رأسه وواحد عند رجليه، لكن هنا النص صريح في أن أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال، {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [(24) سورة ق] يعني: "معاند للحق" مخالف للحق مع عناد، والكفار: صيغة مبالغة فعال، وهل هذا الأمر {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [(24) سورة ق] خاص بالكفار العنيد؟ وإذا عرفنا أن كفار صيغة مبالغة

فالكافر دونه، هناك كافر غير معاند، أو أن كل كافر كفار، وكل كافر معاند فيدخل الجميع في هذا الوعيد، لا شك أن كل كافر مآله إلى النار، وهو خالد مخلد فيها، فهل نقول: إنهم كلهم كل كافر كفار باعتبار أنه يزاول الكفر باستمرار وينوي الاستمرار عليه، فيستحق الوصف بالمبالغة، وهو أيضاً عنيد جاءته النصوص، وركب فيه من الاختيار ما يجعله يختار، الصراط المستقيم ومع ذلك خالفه وجانبه، فيصدق كل كفار عنيد، على كل كافر. {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} [(25) سورة ق] مناع: صيغة مبالغة للمنع للخير الواجب عليه كالزكاة والنفقات، أو مناع لمن أراد أن يدخل في الإسلام كما قيل في شأن الوليد أنه منع أبناء أخيه من الدخول في الإسلام، هذا مناع للخير -نسأل الله العافية-، وهذا أعظم من منع المال، ويدخل في ذلك أيضاً من يمنع ما وجب عليه. {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} [(25) سورة ق] "كالزكاة"، {مُعْتَدٍ} "ظالم"، يعني يتعدى على غيره، ظالم معتدٍ {مُّرِيبٍ} "شاك في دينه" والريب: هو الشك، والمريب: اسم الفاعل هو الذي يغشى مواطن الريب، شاك في دينه، {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [(26) سورة ق] مبتدأ، الذي جعل مع الله إلهاً آخر، الذي: مبتدأ ضمن معنى الشرط، ضمن معنى الشرط، خبره {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [(26) سورة ق] ولما ضمن معنى الشرط اقترن جوابه وخبره بالفاء، كأنه قال: من جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد، الذي جعل مع الله إلهاً آخر: مبتدأ ضمن معنى الشرط، فاقترن خبره بالفاء، {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [(26) سورة ق] تفسيره مثل ما تقدم، فألقياه تفسره مثل ما تقدم، فـ (من) ضمير التثنية يعود على من؟ يعني كونه يعود على المذكور في الآيات قبلها واضح، السائق والشهيد، الملكان عن اليمين وعن الشمال، ألقياه، هذا وضوحه ما يحتاج إلى استدلال؛ لأن ضمير التثنية يعود على الاثنين، لكن إذا قلنا: إنه يعود إلى مالك خازن النار واحد، فإما أن نقول: إن الفعل بمعنى: ألق ألق، الفعل مكرر وثني بسبب هذا التكرار، أو نقول: إن الألف ألقياه منقلبة عن نون التوكيد على ما تقدم، ولذلك قال: "تفسيره مثل ما تقدم".

{قَالَ قَرِينُهُ} [(27) سورة ق] "الشيطان" وكل إنسان له قرين كما جاء في الحديث الصحيح، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن الله -جل وعلا- أعانني عليه فأسلم)) يعني فلا يأمر إلا بخير. {قَالَ قَرِينُهُ} [(27) سورة ق] "الشيطان"، {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [(27) سورة ق] لأنه لما قيل: {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [(26) سورة ق] أراد أن يحتج، قال: ليست العهدة علي العهدة على هذا الشيطان الذي أغواني، العهدة على هذا الشيطان الذي أغواني. {قَالَ قَرِينُهُ} [(27) سورة ق] "الشيطان"، {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [(27) سورة ق] "أضللته" {وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [(27) سورة ق] "فدعوته فاستجاب لي"، هو قابل نفسياً لهذه الدعوة فاستجاب، وليس بمجبر على أن يتبعني، هو عنده شيء من التخيير، وعنده شيء من الإرادة، بطوعه واختياره أطاع القرين، أطاع الشيطان، {وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [(27) سورة ق] "فدعوته فاستجاب لي، وقال: هو أطغاني بدعائه لي"، وقال: هو أطغاني بدعائه لي. قال الله تعالى: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} [(28) سورة ق] لأنها خصومة هذه، هذا الكافر يقول: الشيطان أغواني وأطغاني، الشيطان قال: أبداً، {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [(27) سورة ق] لكن هو قابل دعوته فاستجاب، وهذه وظيفة الشيطان الأكبر إبليس، وذريته من شياطين الجن.

{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} [(28) سورة ق] الآن ينفع الخصام وإلا ما ينفع؟ "ما ينفع الخصام"، وقد قدمت إليكم، {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم} [(28) سورة ق] يعني: "في الدنيا" بالوعيد "بالعذاب في الآخرة لو لم يؤمنوا ولا بد منه" يعني ليس لأحد عذر، ليس لأحد عذر، هديناه النجدين، بين له طريق الحق، الطريق المستقيم الصراط المستقيم وطريق الضلال، فاختار طريق الضلال ما الحيلة ما دام بطوعه واختياره؟ ولم يجبر على اختياره بل فيه حرية واختيار وله مشيئة، وله إرادة، نعم حريته واختياره، ومشيئته وإرادته كلها تابعة لإرادة الله -جل وعلا- ومشيئته، لكنه فيه اختيار، يعني أحد يمنع إنسان لو أراد أن يسلم يقول له .. ، هل حاول إنسان أن يسلم وما استطاع؟ في أحد حاول يسلم وما استطاع؟ في أحد حاول أن يقوم وما استطاع القيام؟ إرادته للقيام موجودة، قدرته على القيام موجودة، لكن الله لو أراد ألا يقوم ما قام، وكل إنسان يجرب من نفسه يحاول يقوم يقوم، مما يدل على أنه له شيء من الاختيار، يعني ليس بمجبور كما تقول الجبرية، وليست إرادته وحريته واختياره مما يستقل به عن إرادة الله -جل وعلا- كما تقوله المعتزلة القدرية. {مَا يُبَدَّلُ} [(29) سورة ق] ما يبدل يعني: يغير، {الْقَوْلُ لَدَيَّ} [(29) سورة ق] ما يبدل القول لدي في ذلك، في الحكم، في الوعيد، ما يبدل، وهذا بالنسبة للكافر المشرك ما فيه تبديل، ما يمكن بحال من الأحوال أن يبدل القول فيدخل المشرك الجنة، {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] هذا وعيد، والوعيد تعارف الناس على أن إخلافه كرم. وإني وإن أوعدته ووعدته ... لمنجز إيعادي ومخلف موعدي

وإخلاف الإيعاد كرم، ويمدح به الإنسان، لكن الله -جل وعلا- حكم بأن الشرك لا يغفر، فهل يخلف مثل هذا الإيعاد؟ لا يمكن أن يخلف، لكن يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، يعني ما دون الشرك تحت المشيئة، أما بالنسبة للشرك فإنه لا يغفر، ما يبدل، يعني لا يغير القول لدي في ذلك، يعني ما يقال: والله لما اختصموا قال: ظلمني هذا الشيطان وأغواني، قال: أجل أدخلوه الجنة، ما يمكن هذا.

{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(29) سورة ق] وما أنا بظلام للعبيد: "فأعذبهم بغير جرم" وظلام: "بمعنى: ذي ظلم، لقوله: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [(17) سورة غافر] " لماذا احتجنا أن نقول: بظلام ذي ظلم يعني: ظالم؟ لماذا؟ لأنه أيهما أبلغ ظلام وإلا ظالم؟ ظلام: صيغة مبالغة وظالم؟ نعم؟ اسم فاعل، ليس فيها شيء من المبالغة لو وقع الظلم مرة واحدة قلنا: ظالم، لكن من تكرر منه الظلم قلنا: ظلام، وهنا أيهما أبلغ أن يؤتى بصيغة المبالغة أو باسم الفاعل؟ لأنه قال: "بظلام: بمعنى: ذي ظلم" يعني ظالم، يعني ظلام صيغة مبالغة صيغة المبالغة في حال النفي لا تفيد إفادة غير المبالغة، إذا قيل: فلان يسفك الدماء مثلاً، ثم قال: والله ما أنا بسفاك للدماء هل نفى عن نفسه التهمة كاملة وإلا نفى المبالغة في هذه التهمة؟ إذا قال: والله ما أنا بسفاك ولا سفاح، ما نفى عن نفسه التهمة من أصلها -انتبهوا يا الإخوان- إذا قال: والله ما أنا بسفاك هل ينفي أن يكون قتل واحد أو اثنين أو ثلاثة؟ هو ينفي صيغة المبالغة أن يكون قتل عشرات أو مئات أو ألوف ليس بسفاك، لكن لا ينفي أن يكون سافك للدماء، قاتل ولو مرة أو مرتين؛ لأن نفي المبالغة لا ينفي ما دونها، يعني من ضرب شخص هل يستحق أن يقال: ضراب للرجال؟ هل يستحق ذلك؟ ضرب مرة واحدة يستحق مبالغة؟ لا، لكن لو قيل له: أنت ضربت فلاناً، قال: والله ما أنا بضراب للرجال، هل ينفي أن يكون ضرب مرة واحدة إذا نفى المبالغة؟ ما ينفي، ولذلك اضطر أن يجعل ظلام بمعنى ذي ظلم لينتفي الظلم كله عن الله -جل وعلا-، "لقوله: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [(17) سورة غافر] " لا ظلم نافية للجنس، لجنس الظلم، الظلم كله منفي، فعندنا ظلام، ولا يظلم، ولا يريد ظلماً للعالمين، ليس بظلام، ولا يظلم ربك أحداً، ولا يريد الظلم، أبلغها إيش؟ لا يريد؛ لأن نفي إرادة الشيء أبلغ من نفي الشيء، يليها ما جاء بدون مبالغة ثم آخرها المبالغة، وتؤول المبالغة بمجرد حصول الظلم، كما قال المؤلف، لا ظلم اليوم.

{يَوْمَ} [(30) سورة ق] "ناصبه ظلام"، وما أنا بظلام للعبيد يومَ نقول لجهنم؛ لأن الآية الأخرى: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [(17) سورة غافر] وهو اليوم الذي يقال فيه لجهنم: هل امتلأت، يومَ منصوب، ناصبه ظلام، {نَقُولُ} [(30) سورة ق] "بالنون والياء" يعني: نقول ويقول، {لِجَهَنَّمَ} [(30) سورة ق] اسم من أسماء النار -نسأل الله تعالى السلامة- منها. {هَلِ امْتَلَأْتِ} [(30) سورة ق] استفهام وتحقيق هل امتلأت؟ "استفهام وتحقيق لوعده بملئها" {لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [(119) سورة هود] "استفهام وتحقيق" هل امتلأت؟ "استفهام وتحقيق لوعده بملئها" {وَتَقُولُ} [(30) سورة ق] "بصورة الاستفهام كالسؤال" {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [(30) سورة ق] "أي لا أسع غير ما امتلأت به، أي قد امتلأت" هذا قال به كثير من المفسرين، أنها لما يقال لها: هل امتلأت؟ تقول: هل من مزيد؟ يعني: لا أستوعب غير ما بي، خلاص امتلأت، تقول: هل من مزيد؟ أي لا أسع غير ما امتلأت به، أي قد امتلأت، هذا قال به كثير من المفسرين، لكن ما الذي يدل عليه الحديث المتفق عليه؟ ((لا تزال جهنم يلقى فيها {وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [(30) سورة ق] حتى يضع فيها رب العزة قدمه فتقول: قطٍ قطٍ)) ما الذي يدل عليه هذا الحديث؟ هل من مزيد أنها تطلب المزيد، هات، بدليل أنها ما امتلأت، لو كانت امتلأت ما احتيج إلى أن يضع فيها رب العزة قدمه، فتقول: قط، قط، يعني قد امتلأت.

ننظر في كلام المؤلف: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ} [(30) سورة ق] يقول: "استفهام تحقيق لوعده بملئها"، {وَتَقُولُ} [(30) سورة ق] "بصورة الاستفهام كالسؤال" {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [(30) سورة ق] "أي لا أسع غير ما امتلأت به، أي قد امتلأت" خلاص، ما .. ، كيف هل من مزيد وأنا مليانة؟ ما يمكن، وهذا قال به جمع غفير من أهل التفسير، لكن الذي يدل عليه الحديث الصحيح: ((لا تزال جهنم يلقى فيها {وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [(30) سورة ق])) يعني هل تقول: امتلأت؟ في الحديث: (({هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [(30) سورة ق])) هل معناه امتلأت؟ لا، بدليل: ((حتى يضع فيها رب العزة قدمه فتقول: قطٍ قطٍ)) يعني يكفي، حسبي حسبي امتلأت، فكانت قبل ذلك حينما تقول: "هل من مزيد" لم تمتلئ بعد، وأولى ما يفسر به القرآن القرآن ثم السنة.

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} [(31) سورة ق] أزلفت يعني: "قربت" الجنة {لِلْمُتَّقِينَ} جمع: متقي، والتقي هو فاعل الواجبات، مجتنب المحرمات، لا يترك واجباً ولا يرتكب محرماً إلا إذا غفلت نفسه وهفت في منكر بادرت للاستغفار منه والتوبة النصوح، فهذا وجوده مثل عدمه، وإلا فليس المتقي معناه المعصوم الذي لا يفعل المنكرات ولا يترك الواجبات، قد يترك واجباً ثم يعود إلى رشده ويعود ويستغفر ويتوب، ولذا قال بعد ذلك: {لِكُلِّ أَوَّابٍ} [(32) سورة ق] {لِلْمُتَّقِينَ} "مكاناً" {غَيْرَ بَعِيدٍ} [(31) سورة ق] أزلفت: قربت لهم؛ لئلا ينالهم في الذهاب إليها عناء ولا تعب ولا مشقة، "أزلفت: قربت لهم مكاناً (غير بعيد) منهم فيرونها، ويقال لهم: (هذا) المرئي -هذه الذي ترونه- ما توعدون، بالتاء والياء -توعدون ويوعدون- في الدنيا" يعني هذا الذي وعدناكم في الدنيا، هذا الذي جاءت به الرسل، هذه هي الجنة، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، "ويبدل من {لِلْمُتَّقِينَ} قوله: {لِكُلِّ أَوَّابٍ} [(32) سورة ق] " وأزلفت الجنة لكل أواب، بدلاً من للمتقين، فكل أواب بدل من المتقين، والمراد بالأواب الرجاع إلى طاعة الله تعالى، صيغة مبالغة، الأواب من الأوبة وهي الرجوع فيما إذا حصل منه غفلة أو هفوة أو زلة فإنه يبادر فيرجع، وكلما غفل رجع وتاب وأناب إلى الله -جل وعلا-، فاستحق المبالغة فقيل: {أَوَّابٍ} "رجاع إلى طاعة الله تعالى، {حَفِيظٍ} [(32) سورة ق] حافظ لحدود الله -جل وعلا-" حافظ لحدود الله، فلا يتعدى ولا يتجاوز فيرتكب المحرمات، {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [(187) سورة البقرة] {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [(229) سورة البقرة] لا يتجاوز ولا يقصر دونها، لا يقصر دون الواجبات، ولا يتجاوز إلى المحرمات، فهو حافظ لحدوده.

{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} [(33) سورة ق] الخشية المحمودة والإيمان المحمود، والعمل الصالح المحمود إنما هو في حال الغيب، لا في حال الشهادة، لا في حال الشهادة، يعني في حال الصحة، في حال الفراغ، في حال الشباب، في حال القوة، في حال النشاط، أما إذا أقبل الإنسان على آخرته في آخر عمره، وغلب على ظنه أنه ينتهي، هذا لا شك أنه ينفعه إيمانه، تنفعه صدقاته، تنفعه أعماله الصالحة ما لم يغرغر، لكن التعرف على الله في الرخاء قبل هذه الشدة لا شك أنه يعين على التعرف على الله في هذه الشدة، أما إذا انكشف الغطاء كما تقدم فلا فائدة. {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} [(33) سورة ق] {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [(3) سورة البقرة] هذا محل المدح، هذا محل المدح، يعني لو قال لك شخص: إن العسل جاء، قلت: والله يا أخي ما أظنه. . . . . . . . . وما أشبه ذلك، فجاء تقول: والله يا أخي ما أظنه جاي، ثم ذهبت أنت وياه إلى السوق فرأيته بعينك قلت: صدقت، ينفعك هذا التصديق؟ ما ينفع هذا التصديق، خلاص رأيته بعينك، ما يحتاج إلى خبر. {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} [(33) سورة ق] "خافه ولم يره"، {وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} [(33) سورة ق] وجاء بقلب منيب: "مقبل على طاعة الله -جل وعلا-" جاء بقلب منيب، وهو القلب السليم الذي لا ينفع من القلوب سواه، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88 - 89) سورة الشعراء] سالم سلامة تامة من شوائب الشرك، من شوائب البدع، من شوائب المعاصي، من شوائب الشبهات، من شوائب الشهوات، هذا القلب الذي ينفع، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88 - 89) سورة الشعراء] وهنا قال: {وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} [(33) سورة ق] "مقبل على طاعته".

"ويقال للمتقين أيضاً: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} [(34) سورة ق] "أي سالمين من كل مخوف"، ادخلوها مصاحبين بسلام، ادخلوها مصاحبين بسلام، "أي سالمين من كل مخوف، أو مع سلام"، مقترناً بالسلام الذي هو تحية أهل الجنة، وتحية المسلمين، "أي سلموا وادخلوا"، أي سلموا وادخلوا الجنة. {ذَلِكَ} [(34) سورة ق] "اليوم الذي حصل فيه الدخول" {يَوْمُ الْخُلُودِ} [(34) سورة ق] "الدوام في الجنة" الخلود ذلك يوم الخلود بالنسبة لهؤلاء الذين دخلوا الجنة، وهو أيضاً يوم الخلود بالنسبة لأولئك الذين دخلوا النار من الكفار والمشركين والمنافقين وغيرهم ممن حكمه الخلود في النار، بخلاف العصاة فإنهم لا يخلدون فيها وإن دخلوها، فإنما يعذبون على قدر ذنوبهم. {يَوْمُ الْخُلُودِ} [(34) سورة ق] "الدوام في الجنة" {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [(35) سورة ق] ولدينا مزيد: "زيادة على ما عملوا وطلبوا" فهم يكافئون على أعمالهم، ويزاد لهم في هذه المكافئة، التي من أعظم النعيم في الجنة النظر إلى وجه الله -جل وعلا-، {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [(35) سورة ق] قال جمع من أهل العلم: إن المراد به النظر إلى وجه الله -جل وعلا-، وهو أعظم نعيم، وأعظم لذة في الجنة، لهم الحسنى وزيادة، {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [(26) سورة يونس] {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [(35) سورة ق] ((إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضَامُون في رؤيته، أو لا تُضَامُّون في رؤيته)) حديث متواتر قطعي الثبوت، فالرؤية لله -جل وعلا- يوم القيامة يراه المؤمنون، ويثبتها سلف هذه الأمة وأئمتها بإجماع، ولا يخالف فيها إلا المبتدعة. الآن بقي عندنا هذا المقطع ولو جعلناه درساً في المغرب واستغنينا به عن الأسئلة أتممنا إكمال السورة، أو يكون درس المغرب على ما أعلن لقاء وأسئلة وأجوبة ونترك بقية السورة لفرصة أخرى؟ الأمر إليكم. أما الآن الساعة ست ما عاد بقي، إيش ترجحون؟ طالب:. . . . . . . . . مهمة؟ إذن يبقى الإعلان على ما هو عليه، وتترك بقية السورة، فيها مقدار محاضرة كاملة، يعني درس كامل، لعله يتيسر له مناسبة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة الذاريات (1)

تفسير الجلالين - سورة الذاريات (1) من آية: (1 - 5) الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فلا يخفى على أحد حتى من عامة المسلمين فضلاً عن طلاب العلم ما لكتاب الله -جل ذكره- من منزلة عظيمة في الإسلام، ولما لمن يعتني به من هذه الأمة من شرف، كما قال الله -جل وعلا-: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [(44) سورة الزخرف] يعني شرف لك ولقومك، فالعناية بكتاب الله تعلماً وتعليماً، قراءةً وإقراءً، حفظاً فهماً تدبراً من أولى ما يقضي به الإنسان أنفاسه وعمره المحدود؛ لينال بذلك رفعة الدارين شريطة أن يكون مخلصاً لله -جل وعلا- في ذلك كله، القرآن لسنا بحاجة إلى بيان منزلته من سائر الكلام، وأنه كلام الله، وأن من قام يقرأه كأنما يخاطب الله -جل علا-، لكن مع الأسف أنه يلاحظ عند كثير ممن يعتني بطلب العلم إهمال جانب التفسير، قد يعنى طلاب العلم بحفظ كتاب الله -جل وعلا-، يعنون بحفظه والبوادر -ولله الحمد- طيبة، وحلقات التحفيظ لا يمكن حصرها ولا عدها ولا إحصاؤها، والطلاب والطالبات يعني من الجنسين ممن يلتحق بهذه الحلقات ألوف مؤلفة -ولله الحمد-، بعد أن كانوا يعدون أفراداً في كل بلد، صاروا لا يمكن حصرهم ولا عدهم، لا يجمعهم ديوان ولا يعدهم عاد، فهذه من نعم الله -جل وعلا-، لكن هذه وسيلة إلى ثمرة عظمى، وسيلة إلى ثمرة عظمى وهي العمل بكتاب الله -جل وعلا-، والعمل بالقرآن لا يتسنى إلا بعد فهمه، وفهمه لا يمكن إلا عن طريق سلف هذه الأمة، وفهم هذه الأمة، ولذا يذكر في أولى ما يفسر به كلام الله هو كلام الله -جل وعلا-، فالله -جل وعلا- قد يجمل في موضع ويبين في موضع آخر، وما في تفسير الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- من العناية بهذا النوع دليل واضح على ذلك، وكذلك ما سلكه الشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله- من إيضاح القرآن بالقرآن، وهذا معروف ومسلوك عند أهل العلم، ثم بعد ذلك يلي ما ذكرنا تفسير القرآن بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو المبين عن الله، وظيفته البيان عما جاء عن الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك فهم السلف الصالح الذين لم تتلوث أفكارهم، ولم تتغير فطرهم، ولا محيص ولا محيد عن فهمهم، ثم بعد ذلك ما يفهم وما يدرك في لغة العرب وأساليبها، وفنون العلم المختلفة.

ولهذا كله يشترط أهل العلم في المفسر أن يكون جامعاً بين الفنون، فنون العلم من العلوم الغائية، ومن وسائل العلم التي يفهم بها هذه الغايات، فالغاية فهم ما جاء عن الله -جل وعلا- من نصوص الوحيين، والوسائل المعينة على فهم هذه النصوص في غاية الأهمية لطالب العلم، فلا يجوز لأحد أن يفسر حتى يستطيع أن يفهم ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فلا بد أن يكون عارفاً بالنصوص، فاهماً لمراد الله -جل وعلا- ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- من هذه النصوص، بعد معرفة ما يعين على فهمها مما يسميه أهل العلم بعلوم الآلة، والآلة معروف أنها هي التي يتوصل بها إلى المراد، هي الوسائل التي يستطاع بواسطتها فهم ما يراد فهمه، فعلوم العربية في غاية الأهمية لطالب العلم، وتتعين وتتأكد في حق من يتصدى لشرح كلام الله -جل وعلا- وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن القرآن بلسان عربي مبين، فكيف نفهم هذا القرآن ونحن لا نفهم لغة العرب؟ ولغة العرب ليست منحصرة في النحو مثلاً، لذا يتعجب كثير من طلاب العلم إذا وجدوا في سياق كلام أهل العلم قرأ في النحو والعربية، إيش ... ؟ النحو هو العربية؟! لا، لا، العربية أكثر من عشرة فروع، وكلها طالب العلم بأمس الحاجة إليه، نعم لا يلزم أن يكون متخصصاً في كل فرع من فروعها، بل ولا في جميعها، وإنما يفهم من ذلك ويعرف من هذه الفروع ما يعينه على فهم كلام الله -جل وعلا-، وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، من ذلك النحو والصرف والبيان والمعاني والبديع، والوضع والاشتقاق، وفقه اللغة، متن اللغة، الغريب، وغير ذلك من العلوم التي يحتاجها المتعلم، الذي يؤهل نفسه لأن يكون عالماً مرجعاً في هذه الأمور، ممن يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في جوف البحر، أما إذا أراد أن ينقل من كتب التفاسير وليست لديه أهلية للتفسير أن هذا مبلغ وليس بمفسر، وقد يدخل عليه الخلل يتطرق إليه الخلل بسبب جهله في فن من هذه الفنون.

أيضاً ما يتعلق بعلوم القرآن وقواعد التفسير هذه في غاية الأهمية لمن يتصدى لتفسير القرآن، كذلك علوم الحديث؛ لأن التفسير يحتاج إلى الحديث لبيانه، والحديث محتاج إلى علوم الحديث التي بواسطتها يميز طالب العلم بين الصحيح والضعيف، المقبول والمردود.

يحتاج أيضاً لكي يحسن التعامل مع هذه النصوص إلى علم أصول الفقه، لا يستطيع أن يتعامل مع نصوص الكتاب والسنة إلا بعد أن يأخذ قدراً كافياً من أصول الفقه، كيف يعرف الناسخ من المنسوخ؟ العام من الخاص؟ المطلق من المقيد؟ كيف يعرف المجمل من المبين؟ لا يستطيع أن يعرف هذه الأمور إلا بعد أن يأخذ ما يكفيه من علم أصول الفقه، لكن التوسع في هذه العلوم لا شك أنه يكون على حساب علم المقاصد، الغايات، يعني إذا اشتغل الإنسان بالوسائل لا شك أنه على حساب المقاصد والغايات؛ لأن العمر لا يستوعب، لا يستوعب أن يكون مجتهداً في كل علم من هذه العلوم، إنما يأخذ من هذه العلوم ما لا يسع جهله، والعلماء في تفاسيرهم صنفوها وألفوها على أنحاء، فمنهم من عني بالتفسير بالأثر، واقتصر على تفسير القرآن بالقرآن والسنة، وأقاويل الصحابة والتابعين، وهذه هي أهم كتب التفسير؛ لما جاء في التحذير من تفسير القرآن بالرأي، ومنهم من جعل همه وهمته في أحكام القرآن والاستنباط منه، وهذا أيضاً جانب مهم بالنسبة لطالب العلم، وفيه كتب، وكل مذهب من المذاهب المتبوعة المعروفة ألف في أحكام القرآن على ضوء هذا المذهب لا سيما الحنفية والشافعية والمالكية أيضاً لهم في أحكام القرآن، ويبقى الحنابلة لهم كتب لكنها غير مطبوعة ولا معتنى بها، يعني على قلتها، فهم أقل المذاهب تأليفاً في هذا الجانب، وشرحنا كيف يصل طالب العلم إلى أحكام القرآن من خلال المذهب الرابع مذهب الإمام أحمد، ولا يعني هذا أننا نجعل القرآن أو السنة تابعاً لهذه المذاهب، بل نجعل القرآن والسنة قائد لهذه المذاهب، لكن مع الاطلاع على مذاهب العلماء وفقهاء الأمصار مهم جداً بالنسبة لطالب العلم لئلا يشذ، وكتب أحكام القرآن إدامة النظر فيها تمرن طالب العلم على الاستنباط من القرآن، ومحاكاة أولئك الذين ألفوا في أحكام القرآن، ومنهم من جعل همته في غريب القرآن، ولغة القرآن، ونحو القرآن وصرف القرآن، وهذه أيضاً كتب مهمة جداً تربط القرآن بلغة العرب، تفيد طالب العلم فائدة عظيمة من هذه الكتب بحيث تعينه على فهم القرآن من جهة، وعلى ضبط اللغة العربية من جهة، ولذا نوصي طلاب العلم إذا أرادوا ضبط النحو مثلاً أو

الصرف أن يطبقوا على القرآن، ما يحتاج أن يقول: قام زيد، وضرب عمرو، ما ينفع، هذه أمثلة توضيحية، لكن يحتاج طالب العلم لفهم القرآن؛ لأنه يتعلم علوم العربية من أجل فهم الكتاب والسنة، فإذا أنهى متناً صغيراً من متون العربية وليكن مثلاً الآجرومية يعرب الفاتحة، يقوم بإعراب الفاتحة من تلقاء نفسه وعلى ضوء ما درسه، وليخطئ في أول الأمر، ما في ما يمنع، ثم يعرض إعرابه على كتب الأعاريب إعراب القرآن فيه كتب فينظر في كتب الإعراب من المتقدمين والمتأخرين، فإذا طابقه .. ، طابق إعرابه لهذه الكتب فليحمد الله، وليعمل أنه ضبط هذا المتن الذي درسه، ولا شك أن للإعراب ومواضع الكلمات من الإعراب ومواقعها من الإعراب في غاية الأهمية لفهم الكلام؛ لأن كثير من طلاب العلم حينما يقرأ في العربية يحفظ كتاب ويحضر شرحه وبعد ذلك إذا أراد أن يعرب يعني ما تسنى له ذلك، لا سيما في المواضع الخفية، أو أراد أن يتكلم لحن كثيراً، فيصاب باليأس، نقول: يا أخي لا تيأس ولو لحنت في الكلام؛ لأن الفائدة من معرفة العربية أمران، قد يتيسر لك واحد ولا يتيسر الثاني، قد تكون عارف بمواقع الكلمات من الإعراب لكنك إذا تكلمت لحنت كثيراً وهذا موجود، كثير من طلاب العلم يضبط المتون، يضبط الآجرومية وشروح الآجرومية ويضبط القطر، ويضبط الألفية يحفظها حفظاً عن ظهر قلب، وإذا أعطيته جملة أعرب دون تردد، فإذا قام يتكلم قلت: ليته سكت، لحن شنيع، نقول: لا تيأس أنت الآن استفدت فائدة عظيمة إذا عرفت موقع الكلمة من الإعراب فهمت الكلام، بخلاف الذي لا يعرف موقع الكلمة من الإعراب فإنه لا يستطيع أن يفهم الكلام، وهب أن شخصاً مرن لسانه على عدم اللحن لكنه ضعيف في معرفة مواقع الكلمات من الإعراب هذا أدرك جانب مهم، وذاك أدرك أيضاً جانباً مهماً، وليحرص الإنسان على تحقيق الفائدة العظمى كاملة بعصمة لسانه من اللحن، وعصمة فهمه من الخطأ في الإعراب ومواقع الكلمات؛ لأن هناك كتب، قلنا: هذا لأن هناك كتب ألفت ولا نجد طلاب العلم يهتمون بها، مثلاً البحر المحيط، البحر المحيط لأبي حيان على اسمه، بحر محيط يحتاج إلى غواص ماهر، لكن مع ذلك هو مدرك يعني، يهتم بهذا الجانب ويعنى به عناية

فائقة، فإذا جمع الإنسان بين تفسير أو تفسيرين أو ثلاثة بالأثر، فمثلاً اقتنى تفسير إمام المفسرين الطبري تفسير البغوي، وتفسير الحافظ ابن كثير، وضم إليها الشوكاني والدر المنثور انتهى، ثم بعد ذلك يضيف من كل فرع من فروع العلم والمعرفة كتاباً واحداً أو اثنين إن شاء، فيعنى بأحكام القرآن لابن العربي، الجامع لأحكام القرآن، ويعنى أيضاً بالبحر المحيط من جانب .. ، من الجانب الآخر اللي هو العربية وما يتعلق بها؛ البحر المحيط شوف لو تشوف كلمة (أف) وهي مركبة من حرفين ذكر فيها أكثر من أربعين ضبط، أين تجد مثل هذا الكلام؟ هناك تفاسير فيها فوائد، فيها فوائد، وفيها استنباط دقيق في علوم كثيرة، لكن يعوق دونها ما اشتملت عليه من البدع الكبرى، مثل تفسير (الكشاف) هذا للعالم المنتهي لا مانع أن يقرأ فيه، لكن طالب العلم يخشى عليه منه؛ لأنه يدس اعتزالياته في الكلام بحيث لا يشعر طالب العلم بها، حتى قال من علق عليه: "إننا استخرجنا هذه الاعتزاليات بالمناقيش". كذلك تفسير الرازي تفسير فيه غوص على دقائق المعاني، لكنه تفسير بالرأي، وفيه البدعة ظاهرة، وأسس عليها وبني عليها، وألف من أجلها، يعني خدمة لمذهبه، وهو منظر في مذهب الأشعرية، وهو أيضاً من ناحية القضاء والقدر جبري كما هو معروف، فطالب العلم يخشى عليه من قراءة مثل هذه الكتب. كتب المعاصرين من المفسرين الذين جاءوا متأخرين فيها فوائد، وفيها ضبط لكثير من القضايا التي أشير فيها في القرآن بالقضايا المعاصرة يعني ربط بين الحياة المعاصرة بالنصوص، ومن أهمها تفسير القاسمي، تفسير جيد، وإن كان يلاحظ عليه أنه يجمع من تفاسير المحققين وتفاسير غيرهم، فتعجب حينما يقول: قال الإمام المحقق ابن القيم وقال ابن عربي قدس سره، لكن الكتاب فيه علم، فإذا نقل عن المبتدعة يترك نقله عنهم، وإذا نقل عن ابن القيم وهو خبير بكتب ابن القيم، يعني يستخرج لك نُقُول من كتب ابن القيم ما تخطر على بالك، وهو من هذه الحيثية ينفع، لكن إذا نقل عن المبتدعة وهم معروفون لا سيما رؤوسهم وكبارهم مشتهرون.

من ذلك أيضاً تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور كتاب نفيس، تعب عليه مؤلفه، وصنفه في أربعين عاماً، وضبطه وأتقنه، واهتم فيه على بيان المعاني، ووجوه البلاغة في القرآن، يفيد منه طالب العلم من هذه الحيثية، على أننا لو اقتصرنا على تفاسير السلف ما فاتنا شيء، يعني كنت أظن أن تفسير الطبري تفسير أثري محض، فلما عانينا الكتاب وجدناه في كل الفنون، يعني في علوم العربية يمكن يكون في الدرجة الأولى، يعني ما هو كتاب خاص بعلم العربية، لا، لكن فيه من أفانين العربية ما لا يوجد في غيره، حتى أن أعظم خصائص تفسير الكشاف هو ما فيه من البيان، يعني من علم البيان وعلم المعاني، اهتم بها الزمخشري، لكن خرج دراسات مقارنة بين ما في تفسير الطبري من علمي المعاني والبيان، وبين الزمخشري فوجد ما في الطبري أكثر، هذه نتيجة مذهلة، يعني قد يقول طالب العلم: يمكن هذا ما هو بصحيح، لماذا؟ لأن تفسير الطبري وطالب العلم يقرأه كله حدثنا قال: حدثنا، قال: أخبرنا، قال .. ، يعني من رأى .. ، من قرأ تفسير الذاريات مثلاً هذه الكلمة في تفسير الطبري وجده يقول: الذاريات: الريح تذرو التراب، ثم ساقه من ثلاثين وجه، يعني لو ساقه بسطر واحد كفى، فهذه الكثرة كثرة المرويات وسياق الوجوه بطرق متعددة هذه تغطي على ما في الكتاب من علوم أخرى، ففيه من هذه الناحية شيء لا يخطر على البال، يعني في علم المعاني والبيان، وفيه أيضاً من النحو والصرف شيء يعني لو أفرد كتاب في النحو والصرف من تفسير الطبري لكفى، فيه أيضاً الفقه المعتمد على النصوص، فقه الطبري من ... ، أعني الطبري إمام فقيه كما هو معروف وصاحب مذهب متبوع، لكنه انقرض، يعني لا يوجد من يتبع الطبري في اجتهاداته، لكنه مع ذلك هو فقيه، إلى غير ذلك من العلوم التي تجعل طالب العلم يعنى بهذه التفاسير، يعني نسمع من يقول: تفسير الطبري وتفسير ابن كثير هذه انتهى وقتها، يعني قيلت، وسمعناها وسمعها غيرنا، هذه كتب انتهى وقتها، وهذا الكلام ليس بصحيح، تفسير الحافظ ابن كثير كلما قرأه الإنسان يفيد منه فوائد عظيمة غير ما قرأه في المرة الأولى، ونعرف من قرأ التفسير مراراً أربع مرات خمس مرات، طلاب علم جادين ما هم بـ ..

إذا قرأ الإسناد ضاق صدره، وترك الكتاب هذا الكلام ليس بصحيح، يعني الإسناد قد يتثاقله بعض الطلاب الذين لا خبرة لهم به ولا معرفة بقيمته، لكن شئنا أم أبينا ما في معرفة صحيح من ضعيف إلا بالإسناد، حتى قال بعض من سمع عن الاختصار قالوا: ظهر مختصر لابن كثير، قال واحد من طلاب العلم كبير في السن: ماذا صنع المختصر؟ قال: حذف التكرار وحذف الإسرائيليات، قال: إنا ما نتلذذ إلا بها الإسرائيليات، يعني هذا همه من التفسير القصص، ولا هي بقصص القرآن الثابتة، يعني ما جاء عن بني إسرائيل، هذا لا شيء يعني في الإطلاع عليه، وجاء في الحديث الصحيح: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) في رواية البزار: ((فإن فيهم الأعاجيب)) هذا ما فيه إشكال لكن كونه يكون هو الهدف هو المقصود، لا، يعني شرع من قبلنا معروف وفي حكمه هل هو شرع لنا أو ليس بشرع لنا؟ لكن يبقى أن المعول عندنا على نصوص الوحيين، وما يخدم هذه النصوص، وما يعين على فهم هذه النصوص، هذه مقدمة وتوطئة لهذا الدرس الذي هو في التفسير. احنا بدأنا التفسير من المفصل، فأنهينا سورة الحجرات و (ق) ونثلث بالذاريات في هذه الليلة على وجه مختصر، والدرس مربوط بتفسير الجلالين؛ لأنه تفسير متين، يمكن أن يعتمد عليه طالب العلم، ويراجع عليه التفاسير المطولة، وعليه حواشي كثيرة تحل رموزه؛ لأنه كتاب معتصر، متن متين مختصر يمكن أن يبنى عليه طالب علم، فعلى كل حال نبدأ بتفسير هذه السورة على وجه يسمح به الوقت. أولاً: هذا التفسير تكلمنا عنه مراراً وفي مناسبات كثيرة، لكن نشير إلى أنه من تأليف شخصين، ولذا قيل له: تفسير الجلالين، جلال الدين المحلي، وبدأ بتفسير الكهف إلى أن أنهى القرآن، وفسر الفاتحة، يعني رجع عليه من أوله فما أكمله، وكمله من البقرة إلى آخر الإسراء جلال الدين السيوطي، ولكون كل واحد منهما يقال له: جلال الدين سمي تفسير الجلالين، وهو تفسير نافع ومفيد على مخالفات عقدية وأوهام يسيرة تبين في مواضعها منه -إن شاء الله تعالى-.

في هذه السورة يقول جلال الدين المحلي؛ لأنها من نصيبه في النصف الثاني، يقول: "سورة الذاريات مكية ستون آية" مكية ستون آية، بيان السورة من حيث مكان النزول وهل هي مكية أو مدنية؟ هذا مهم في معرفة المتقدم والمتأخر ليعلم الناسخ من المنسوخ، ولذلك أهل العلم يفصلون في هذا إذ يقولون: السورة مكية، وإذا كان هناك استثناء في بعض الآيات ذكروه إلا آية كذا وكذا، من أجل معرفة أن هذه السورة نزلت بمكة، أو على الاصطلاح الصحيح نزلت قبل الهجرة، وإذا قالوا: مدنية فمعناها أنها نزلت بعد الهجرة، والمتقدم ما نزل قبل الهجرة إذا تعارض مع ما نزل بعد الهجرة يحكم عليه، إذا لم يمكن الجمع بوجه من الوجوه المعروفة عند أهل العلم يحكم عليه بأنه منسوخ. "ستون آية" يعني الاهتمام بعد الآي لا شك أنه محل عناية من أهل العلم، ويعدون الآيات، ويكتفون بعد الآيات ثم زاد الأمر حتى عدوا الحروف، حروف القرآن، كل سورة يعدون حروفها، وهذا موجود في بعض التفاسير، ما الذي نستفيده من عد الآيات؟ القرآن محفوظ بين الدفتين، تكفل الله بحفظه؛ لئلا يقال مثلاً: هذه السورة ستين آية فلماذا زادت هنا واحد وستين أو اثنين وستين؟ على كل حال بيان العدد يستفاد منه معرفة هذه السورة عند مذهب من عد الذي هو المفسر، نعم السورة عند الكوفيين كذا، السورة على عدد البصريين كذا، نعم، اختلاف العدد قد تزيد آية وقد تنقص آية لا لنقص أو زيادة في القرآن في الآيات أبداً، الكلمات ما تتغير يعني من مصحف إلى آخر، ومعول الجميع على المصاحف التي بعثها عثمان إلى الأمصار، إنما اختلافهم في عد البسملة مثلاً هل هي آية أو ليست بآية، فمن يعدها يزيد آية، ومن لا يعدها ينقص آية، هذا لا أثر له في الواقع، أيضاً بعض الآيات على عد بعض الجهات تقسم، كما في الفاتحة {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} [(7) سورة الفاتحة] آية {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] آية، فيختلفون في موضع نهاية الآية ورأس الآية، ولا شك أن هذا مما يعنى به طالب العلم.

أما بالنسبة لعد الحروف فهو من الترف، ولا يعرف عند المتقدمين البتة، عد الحروف، حتى وجد من يعدها وإن كان القصد من عدد الحروف معرفة كم في هذه السورة من حرف لنعرف كم فيها من حسنة فالله -جل وعلا- لن يضيع أجر من أحسن عملاً، إذا أحسنت العمل فاضمن، وإن كان القصد منه مجرد أن هذه السورة تبلغ كذا أو تبلغ كذا فهذا لا قيمة له، وليس من اهتمامات السلف، بل السلف يهتمون بالغايات أكثر، والآن العد يعني السلف حينما يختلفون في مسند الإمام أحمد هل هو أربعين ألف أو ثلاثين ألف؟ يعني مو بالخلاف في عشرة أحاديث عشرين حديث مائة حديث، يدل على أنهم ما عدوا جزاف، تقريباً، وصحيح مسلم قالوا: سبعة آلاف وخمسمائة حديث، وقال: أحمد بن سلمة اثنا عشر ألف حديث، يعني الفرق كبير جداً، مما يدل على أنهم لا يعدون، ذكروا بالنسبة لتفسير الجلالين أن طالب علم من طلاب العلم باليمن أشكل عليه هل يقرأ في التفسير بطهارة وإلا ما يحتاج إلى طهارة؟ هل يحتاج أن يتوضأ ليقرأ في تفسير الجلالين أو لا يحتاج؟ والمقرر أن الحكم للغالب، والمقرر أن الحكم للغالب، فقال: ما ندري ما الغالب؟ التفسير مختصر، ما ندري هل الأكثر القرآن أو الأكثر التفسير؟ فعد حروف القرآن وحروف التفسير، قال: من أول القرآن إلى المزمل العدد واحد، ومن المزمل إلى آخر القرآن زاد عدد حروف التفسير فانحلت عنده المشكلة فصار يقرأ في تفسير الجلالين دون وضوء، هذا ما يمكن أن يصنعه شخص حريص على الوقت، ما يمكن، قد يقول قائل: إن الترقيم والعدد هذا مهم جداً، يعني مسند الإمام أحمد بدون ترقيم يصعب ضبطه والرجوع إليه، لكن لما رقم هان، كذلك كتب السنة كلها لما رقمت سهل الرجوع إليها، فلماذا ما اهتم السلف من القدم في ترقيم هذه الكتب ليسهل الرجوع إليها، أولاً السلف لا يهتمون بما يعين طالب العلم على الرجوع أبداً، ما يضعون وسائل تسهل على طالب العلم الرجوع إلى الكتب؛ لأن هذا يجزمون بأنه يصرف طالب العلم عن قراءة هذه الكتب، إذا أراد شيئاً رجع إليه مباشرة بواسطة الفهرس ما استفاد فائدة كبرى من الكتاب، همهم أن يقرأ الكتاب، وإذا احتاج طالب العلم مسألة من هذا الكتاب يقرأ حتى يقف على هذه المسألة

فيستفيد فوائد عظيمة، هنا الآن لما ضعفت الهمم رقمت الكتب، وأفيد منها؛ لأن الطالب إذا أراد فائدة وصعب عليه منالها تركها، فائدة في مسند الإمام أحمد، والله ميئوس منها، لا سيما وقد سمع من الكبار، يعني سمعنا نحن من الكبار أنهم منهم من جلس سنتين يبحث عن حديث في مسند الإمام أحمد ما وقف عليه، لماذا؟ لأن الطبع مرصوص ولا أرقام ولا فهارس ولا شيء، يقول: بلاش من مسند الإمام أحمد، لا، السلف يبونك تقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، وهذا مقصد وهدف عند كثير منهم، لذلك ابن حبان لما ألف صحيحه ما ألفه إلا على الأنواع والتقاسيم، والهدف من ذلك أن الإنسان إذا أراد حديثاً قرأ الكتاب من أوله إلى آخره، يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، وهنا يضطر الإنسان مثل هذا اليماني يعد حروف التفسير، يعني إذا عد حروف القرآن قلنا: ترف، فكيف بحروف التفسير؟ فهذا لا يوجد من سلف هذه الأمة ولا الأئمة. يقول: "مكية ستون آية، بسم الله الرحمن الرحيم" هذه البسملة موجودة في مائة وثلاث عشرة سورة من القرآن، في أوائلها بدءاً من الفاتحة إلى الناس باستثناء براءة، ويختلف أهل العلم هل هي آية من كل سورة أو ليست بآية مطلقاً؟ أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ الخلاف معروف وأدلته مشهورة عند أهل العلم، لكن هي بعض آية في سورة النمل إجماعاً، وليست بآية من سورة التوبة اتفاقاً، هذا محل إجماع، والخلاف فيما عدا ذلك، فمن أهل العلم من يرى أنها آية في كل سورة، ومنهم من يرى أنها في الفاتحة فقط، ومنهم من يقول: إنها ليست بآية مطلقاً، ومنهم من يقول: إنها آية واحدة، آية واحدة نزلت للفصل بين السور، وكأن هذا هو الذي يراه ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية. وتفسير البسملة مضى مع تفسير الفاتحة يعني من احتاج إليه يرجع إليه، وكلام أهل العلم في البسملة كثير.

في قول الله -جل وعلا-: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [(1) سورة الذاريات] {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [(1) سورة الذاريات] الواو قسم، والذاريات مقسم به، وما عطف عليه فجوابه {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [(5) سورة الذاريات] جواب القسم، والقسم بالحروف الثلاثة الواو والباء والتاء، وهي من حروف الجر، هي من حروف الجر، تجر ما بعدها، والقسم والحلف كما هو معلوم لا يجوز إلا بالله -جل وعلا- باسم من أسمائه أو صفة من صفاته و ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) نسأل الله السلامة والعافية، فلا يجوز الحلف بغير الله -جل وعلا-، وهنا قال الله -جل وعلا-: {وَالذَّارِيَاتِ} [(1) سورة الذاريات] الله -سبحانه وتعالى- له أن يقسم بما شاء من عباده، من مخلوقاته، له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، ومن المفسرين من يضمر رب هنا، فيقول: والذاريات يعني ورب الذاريات، وهو الله -جل وعلا-، لكن الله -جل وعلا- له أن يقسم بما شاء من خلقه، التكليف إنما هو للجن والإنس، فالله -جل وعلا- يفعل ما شاء ويحكم ما يريد، ولا يسأل عما يفعل. {وَالذَّارِيَاتِ} [(1) سورة الذاريات] قال المفسر: "الرياح تذرو التراب وغيره" الذاريات: جمع ذارية، جمع ذارية، والمراد بالذارية: الريح، والذاريات: الرياح، التي تذرو التراب وغيره ذرواً مصدر، المصدر هو التصريف الثالث من تصاريف الكلمة، من تصاريف الكلمة، الذاريات: جمع ذارية، ذارية فاعلة، اسم فاعل من الذرو الذي هو المصدر، والمصدر هو أصل المشتقات، أصل اسم الفاعل، وأصل الفعل، وأصل اسم المفعول، وأصل أفعال التفضيل، وأصل صيغة المبالغة وغيرها من المشتقات، هو أصلها. يقول: "ذرواً مصدر" وعرفنا أن المصدر هو التصريف الثالث من تصاريف الكلمة، تقول: ذرا يذرو ذرواً وضرب يضرب ضرباً، وهكذا، فالأول الماضي، ثم الثاني المضارع والثالث المصدر، مع أن المصدر هو أصل لجميع المشتقات بما فيها الأفعال. . . . . . . . . . ... وكونه أصلاً لهذين انتخب يعني المصدر أصل لجميع المشتقات، ففي تصاريف الكلمة يبدءون بالفعل الماضي ثم المضارع ثم المصدر، وإن كان الأصل هو المصدر، أصل المشتقات كلها هو المصدر.

"ذرواً مصدر، ويقال: تذريه ذرياً" فالفعل ذرا واوي ذرواً، ويائي في الوقت نفسه يصلح أن تقول في غير القرآن: ذرياً واللفظة ما زالت مستعملة، اللفظة ما زالت مستعملة، يعني عند المزارعين ما يسمى إيش؟ ما في مزارعين؟ عندهم يعني إذا أرادوا تخليص إيش؟ طالب:. . . . . . . . . ذراية عندهم، عندهم آلة، آلة تذرو العيش، إذا أرادوا تخليصه من شوائبه وضعوه في هذه الذراية وذروه، فالريح هنا تذرو التراب، إذا هبت به طار الخفيف منه، وكذلك الذراية في الزرع إذا وضع فيها الزرع وأريد تخليصه من شوائبه، هذا الخفيف يطير، ومازالت اللفظة مستعملة، فذرواً وذرياً كلاهما صحيح، من حيث العربية؛ لأن الفعل ذرا واوي، وهو يائي في الوقت نفسه، لكنه في القرآن ذرواً قراءة واحدة، مثل حثا يحثو حثواً وحثياً، فهو واوي ويائي في الوقت نفسه.

"ويقال: تذريه ذرياً تهب به" الرياح تهب بالتراب فيتطاير منه ما يتطاير، ويبقى منه ما يبقى، وفي هذا التراب الذي يتعرض للرياح في جميع فصول السنة من الأعاجيب ما فيه، فتجد من الرمال ما هو ثابت، وتجد منه ما هو متحرك، القدرة الإلهية تجد أحياناً الخطوط نازلة، والرمال من عن يمينها وشمالها، ومع ذلك لا تتحرك الخط دائماً نظيف، وتجد خطوط مرتفعة والرمال عن يمنيها وعن شمالها، وتجد هذه الخطوط كثيراً ما تعلوها هذه الرمال، وإن كانت نازلة عنها، القدرة الإلهية شيء لا يستطيع الإنسان دركه، ولا التفكير به، يعني تجد رمل مرتفع فتأتيه الرياح ما يتحرك، ورمل منخفض تأتيه الرياح تنقله من مكان إلى مكان، وهذا مشاهد، الرياح تذرو التراب وغيره، تذرو أيضاً الحب، تذروه الرياح، إذا وضع في مكان بارز ومرت عليه الرياح أطارت ما علق به، وقد تستعمل الرياح هذه في ذرو الماء، الماء إذا أنتن وأجن من طول مكثه يعرض على هذه الرياح فيطيب طعمه، وتطيب رائحته، مثل ذرو العيش والحب يؤخذ منه بإناء ويرفع ويصب هذه الرياح تأتي إلى هذا الماء فتذهب بهذه الرائحة، فهذه الرياح من نعم الله -جل وعلا-، هذه الرياح من نعم الله -جل وعلا-، والرياح الممدوحة هي الرياح المجموعة، بخلاف الريح المفردة التي أرسلها الله -جل وعلا- عذاباً على بعض الأمم، وإذا هبت الرياح جاء الدعاء المأثور: ((اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً)) لأن الرياح المتعددة والأعاصير إذا كانت متعددة ومن جهات يخفف بعضها بعضاً، بينما إذا كانت من جهة واحدة وصارت ريح واحدة لا شك أنها تدمر ما تمر به، والإنسان ضعيف، ورأينا في هذه السنوات الأخيرة ما صنعته هذه الرياح وهذه الأعاصير بأقوى الدول وأعتى الدول من النواحي المادية، دمرت عليهم أشياء لا تقدر أقيامها، ومع ذلك هم يزعمون أنهم لا يحصل شيء في بلادهم إلا تمكنوا من السيطرة عليه، ومع ذلك أعلنوا فلسهم، وخسروا الخسائر العظيمة، ووضعوا ورصدوا ما يكتشف الرياح قبل وقوعها ولم يفلحوا، وهذا يدل على أن البشر خلق من ضعف، مهما بلغ من حيث معرفته لظاهر الحياة الدنيا، فإنه لن ولم يعرف حقائق هذه الأمور بحيث يستطيع مقاومتها قبل حصولها، إنما يعرف الظاهر

ولا يعرف الباطن. في قوله -جل وعلا-: {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ} [(33) سورة الشورى] هذه ريح، والسياق يدل على أن سكون هذه الريح ليس بمحمود، وليس من مصلحة الناس، وقلنا: إن الرياح هي المحمودة، والريح مذمومة، وهذه أغلبية لا كلية، يعني الرياح في البحار مجموعة لا شك أنها تعرض السفن والبواخر للهلاك، ومن فيها، إذا تقاذفتها الأمواج من كل وجه لا شك أنها تتعرض للهلاك، بينما إذا كانت ريح واحدة من جهة واحدة تدفعها إلى المقصود، هذه هي المحمودة بالإفراد، بينما لو كانت متعددة من جوانب متعددة صارت ضارة، {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [(33) سورة الشورى] ومعروف أهمية الريح بالنسبة للسفن سلباً وإيجاباً، ابن جبير في رحلته لما قفل من الحج بعد سنتين من ذهابه على البحر لما قفل من الحج وركب من سواحل الشام إلى الأندلس مكث ستة أشهر، لماذا؟ لأن الرياح تتقاذف من كل جانب، ثم لما شارف الوصول إلى الأندلس جاءت ريح معاكسة فردته إلى سواحل الشام في زمن يسير، يعني ستة أشهر ذاهب إلى الأندلس ذهبت هباءً، وهذا يبين لنا القدرة الإلهية، وأن الإنسان لا بد أن يكون تعلقه بالله -جل وعلا- لا بآلته، الآلة ما تنفع بمفردها، لا بد أن يكون التعلق بالله -جل وعلا-، يعني هناك بواخر كبيرة الآن موجودة تحمل الملايين من الأوزان حسبما يقدرون، وأحياناً تحمل عشرة آلاف سيارة، ويكمل حملها بما أدري كم ألف طن من كذا، شيء ما يخطر على البال، ومع ذلك الضعف فيها ظاهر، وضعف من خلقها أو من صنعها أظهر لأدنى سبب يحصل فيها ما يحصل، ثم بعد ذلك تكون الكوارث، فليكن تعلق الإنسان بربه -جل وعلا-، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

بعد ذلك يقول الله -جل وعلا-: {فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} [(2) سورة الذاريات] قال المفسر: "الحاملات السحب تحمل الماء، وقراً: ثقلاً، مفعول الحاملات" الحاملات: السحب تحمل الماء الذي هو المطر، وتنتقل به من مكان إلى مكان، والوقر: هو المحمول، هو المحمول والمراد به الثقل، ولا شك أن ما تحمله .. ، ما يحمله السحاب فيه ثقل، والوقر والحمل والثقل معروف، حتى أنه مستعمل الآن، الوِقر مستعمل، بخلاف الوَقر، الوَقر ما هو؟ يكون في الآذان، يكون في الآذان وهو الصمم وعدم السمع، وهنا الوقر هو الثقل الذي تحمله هذه السحاب، هذه السحب، وقراً: مفعول الحاملات، الحاملات وقراً، الحاملات جمع حاملة أو حامل، وهو اسم فاعل، واسم الفاعل يعمل عمل فعله، يعمل عمل فعله، فوقراً مفعول للحاملات جاء تفسير هذه الألفاظ: الذاريات بالرياح، والحاملات بالسحب، والجاريات بالسفن، والمقسمات بالملائكة جاء عن السلف، فكان هذا من الأسئلة التي سئلها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ففسرها بهذا، وجاء تفسيرها أيضاً عن ابن عباس، وجاء أيضاً عن -وإن كان فيه كلام- عن عمر -رضي الله عنه- في أسئلة صبيغ بن عسل فسرها عمر -رضي الله عنه- بهذا وفهم من السائل عن تفسيرها أنه متعنت، فأدبه وعزره. يقول: "فالحاملات" اللفظ أعم من أن تكون السحب، فكل حاملة يقال: فالحاملات، حتى من النساء تحمل ثقل، تحمل وقر، وهو ما في بطنها من جنين، والحمل أعم من أن يكون على الظهر أو في البطن أو بين اليدين، فكل ما اتصف بهذا الصفة يدخل في هذا، لكن ما جاء عن سلف هذه الأمة أولى ما يتمسك به، وإن كان بعضهم يجعل اللفظ عام، مثل الذاريات.

"فالجاريات: السفن تجري على وجه الماء" السفن: الفلك تجري على وجه الماء، يجريها الله -جل وعلا- بهذه الرياح، وبالأسباب التي وضعها من صنع هذه السفن، فهي من صنع البشر، وهي وصانعها من خلق الله -جل وعلا-، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] فهي مصنوعة للبشر باعتبار المباشرة، وهو بالنسبة لهذا الصنع كالآلة، والخالق الأول هو الله -جل وعلا-، فهو خالقها وخالق من صنعها، فهي تجري على وجه الماء، وتوصل الأحمال من بني آدم وأمتعتهم من مكان إلى آخر، وتقطع بهم المسافات البعيدة، هذه السفن لا شك أن فيها خطر، ولذا جاء في بعض الآثار النهي عن ركوب البحر، أما النهي عن ركوبه عند هيجانه هذا أمر معروف، أما النهي عن ركوبه مطلقاً ففيه ما فيه، ولذا لم يجيء ذكر البحر في وسائل تأدية الفرض الركن الخامس {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [(27) سورة الحج] ها؟ {يَأْتُوكَ رِجَالًا} أو إيش؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} {رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحج] فركوب الوسائل أو بدون وسيلة، وليس في ذلك ركوب البحر، {رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحج] إما بواسطة الوسائل البرية أو رجلاً بدون وسيلة، قد يقول قائل: ما ذكر الجو أيضاً؟ فعدم الذكر لا يعني عدم الوجود، نقول: البحر موجود وقت التنزيل والسفن موجودة وقت التنزيل، لكن المراكب الفضائية من الطائرات وغيرها ليست موجودة، وإن كانت داخلة في: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [(8) سورة النحل] لكن التنصيص عليها وهي غير موجودة لا شك أنه يوجد فتنة وشك وريب من السامع، فالمراكب البحرية موجودة، ولذا قال بعض أهل العلم: إن من حال دونه ودون مكة البحر لا يجب عليه الحج؛ لأن هذه الوسيلة ما ذكرت في الآية، استجابةً للنداء ما ذكر البحر، يعني الذي جرنا إلى هذا الكلام في قوله: "السفن تجري على وجه الماء" فإذا لم يوجد إلا هذه السفن والإنسان في بلد في جزيرة من الجزر فلا يستطيع الوصول إلى مكة إلا من طريق البحر قال بعضهم: لا يلزمه الحج، هو غير مستطيع لماذا؟ لأن هذه الوسيلة لم تذكر في التقسيم لوسائل الوصول إلى مكة، وقضاء هذا الركن، يعني في الآية يأتوا إلى أين؟ إلى مكة، ومكة ليست على بحر، ليست على بحر لينص على البحر، يعني كونهم يأتون إلى جدة مثلاً، لا يعني أنهم يأتون إلى مكة، لكن الوصول إلى مكة إما أن يكون على كل ضامر أو .. ، إما مشاة وإلا ركبان، وليست هناك آلة ثالثة، ولو كانت مكة على البحر لنص على البحر، لذا القول بأن من حال دونه ودون مكة البحر أنه لا يلزمه الحج قول ضعيف، فإذا غلب على الظن السلامة لزمه الحج، ولو حال البحر دونه ودون مكة. فالجاريات: جمع جارية، السفن الجارية لفظ مشترك بين السفن كما هنا وبين البنت التي لم تبلغ سن التكليف من الحرائر أو الأمة، وأيضاً الجارية تطلق على العين، العين، وعلى الصدقة الجارية، فهو لفظ مشترك، لكن المراد به هنا السفن اتباعاً لتفسير السلف، وإلا فاللفظ أعم من السفن، "تجري على وجه الماء".

{يُسْرًا} [(3) سورة الذاريات] يعني بسهولة، وهو راكب على هذه السفن وهذه البواخر كأنه في فراشه، إذا كانت الظروف عادية ما فيها رياح ولا ماء يكدر سير هذه السفن "يسراً: مصدر في موضع الحال" يسر الأمر يعني سهل الأمر "يسراً مصدر في موضع الحال" في موضع الحال، كأنها ميسرة، يعني يسرها الله -جل وعلا-، ولذا قال: "أي ميسرة" يسراً: يعني "بسهولة مصدر في موضع الحال أي ميسرة" لماذا لم يقل: حال؟ يسراً حال؟ يسراً حال لماذا؟ يقول: في موضع الحال، وأول اليسر بميسرة، اسم مفعول لماذا؟ نعم الأصل في الحال أن يكون مشتقاً، أن يكون مشتقاً، والمصدر لأن هذه مصدر يسراً مصدر، المصدر أصل المشتقات فليس بمشتق على رأي البصريين، وإن كان على رأي الكوفيين مشتق، لكن هو أصل المشتقات، والأصل في الحال أنه مشتق، وقد جاء في بعض الأمثلة كون المصدر غير مشتق جامد، ولذا قال ابن مالك: وكونه منتقلاً مشتقاً ... يغلب لكن ليس مستحقا هذا الغالب، هذا الغالب، ولذا قال: "مصدر في موضع الحال" هو مصدر بالفعل لكن هل هو حال أو ليس بحال؟ وعلى قول البصريين لا يكون حال؛ لأن المصدر أصل المشتقات، والأصل في الحال أن يكون مشتقاً إذن ليس بحال، قالوا: في موضع الحال أي ميسرة، وكذلك الحال لا يأتي معرفاً، فإن عرف أول بنكرة. والحال إن عرف لفظاً فاعتقد ... تنكيره معنىً كوحدك اجتهد يعني منفرداً، لا بد من التأويل إذا لم يأتِ على ضوء القواعد المعروفة، وهنا أول بميسرة. {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} [(4) سورة الذاريات] المقسمات: قال المفسر -رحمه الله-: "الملائكة تقسم الأرزاق، والأمطار وغيرها بين العباد والبلاد" المعطي لهذه الأرزاق والرازق للخلق هو الله -جل وعلا-، لا رازق غيره، والله المعطي –كما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام--: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) المعطي في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، وإن كان بعض الناس جعلهم الله أسباب لهذا العطاء، فحينما يقال: أعطى فلان الفقير؛ لأنه باشر الإعطاء وصار سبباً فيه، وإلا فالأصل أن المال مال الله، وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، والمعطي هو الله -جل وعلا-.

قال: "فالمقسمات: الملائكة تقسم الأرزاق" تقسم الأرزاق، والمعطي هو الله -جل وعلا-، "تقسم الأرزاق والأمطار وغيرها بين العباد والبلاد" بين العباد والبلاد، تقسمها على ضوء الحكمة الإلهية في الإعطاء والمنع، في الإعطاء والمنع، والإعطاء كما يكون رحمة للمعطى يكون أيضاً ابتلاء واختبار، قد تكون نتيجته سيئة، مع عدم الشكر كما أن المنع إنما هو للابتلاء أيضاً ولتكفير الذنوب، ومعلوم أن الله -جل علا- لا يمنع القطر إلا بسبب الذنوب والمعاصي "يبن العباد والبلاد". {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [(5) سورة الذاريات] جواب القسم والذاريات، {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [(5) سورة الذاريات] (ما) مصدرية، يقول: " (ما) مصدرية أي –أن- وعدهم بالبعث وغيره لصادق لوعدٌ صادق" لوعدٌ صادق، يقول: " (ما) مصدرية" حينئذٍ تؤول مع ما بعدها بمصدر فقال: "إن وعده" ولا مانع من أن تكون موصولة، إن الذي توعدونه لصادق، من البعث وما يتلوه مما يكذب به المشركون، لصادق: يعني إنه لوعد صادق، وهذا الوعد الذي ذكره الله -جل وعلا- هو صادق، ويصح أن يقال: صِدق، وعد صدق لا إخلاف فيه، لا يخلف، وفاعل تطلق على المصدر والعكس، المصدر يطلق ويراد به اسم الفاعل، كما يقال: فلان عدل يعني عادل، فلان عدل يعني عادل، وصادق بمعنى صدق.

{وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [(6) سورة الذاريات] وإن الدين "الجزاء بعد الحساب" أو هو الحساب نفسه، إما أن يقال: إن الدين محاسبة المكلفين "لواقع لا محالة" لا بد من الحساب، لا بد من نصب الموازين، لا بد من القصاص، لا بد من المحاسبة، لكن كما جاء في الحديث الصحيح ((من نوقش الحساب عذب)) والحساب لا بد منه، وإن الدين الجزاء والحساب لا بد منه، لواقع يعني لا محالة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من نوقش الحساب عذب)) كيف يكون الحساب واقع لا محالة والرسول يقول: ((من نوقش الحساب عذب))؟ كيف؟ أولاً: استشكلت عائشة -رضي الله عنها- الحديث، وقالت للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "ماذا عن قول الله -جل وعلا-: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [(8) سورة الإنشقاق] وأنت تقول: ((من نوقش الحساب عذب))؟ فبين النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الآية .. ، الحساب في الآية معناه العرض، قال: ((ذلك العرض)) وليست المناقشة الدقيقة، والمحاسبة بالجرائم بدقة، وقد يقرر الإنسان، ويناقش مناقشة من أجل إظهار فضل الله عليه، ألم تفعل يوم كذا كذا؟ ألم تفعل كذا؟ ثم بعد ذلك يخاف خوفاً شديداً أن تحيط به هذه الأعمال، فيقول الله -جل وعلا-: ((أنا سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك الآن)) فالحساب لا شك أنه لا بد من وقعه، يعني جنس الحساب واقع، والموازين والمقاصة لا بد منها، ونتيجة الحساب إما رجحان الحسنات فالمآل إلى الجنة أو رجحان السيئات فإلى الأخرى، أو التكافؤ، وبعض الناس يحاسب ويدقق عليه الحساب ويناقش، وحينئذٍ يهلك يعذب؛ لأن أعماله مهما بلغت فإنها لن تفي بنعمة واحدة من نعم الله -جل وعلا-، ومن الناس من يخفف عليه الحساب، وهؤلاء في الغالب هم الذين يحاسبون أنفسهم في الدنيا ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [(18) سورة الحشر] فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب، وإذا حاسب نفسه لا شك أنه ينتفع فائدة عظيمة من هذا الحساب؛ لأنه لن تخرج نتيجته في الحساب سيئة أو رديئة ثم يعود إلى ما فعل بالأمس، يعني إذا أوى إلى فراشه وبدأ بالحساب منذ

استيقاظه إلى أن أوى إلى فراشه حاسب نفسه بالنسبة للصلاة ماذا فعلت؟ كم فاتك من ركعة؟ وكم أدركت؟ هل فاتتك الجماعة أو أدركت الجماعة؟ هل صليت الرواتب أو ما صليت؟ هل أدركت الرواتب القبلية أو ما أدركت؟ هل قضيتها بعد الصلاة؟ هل زدت من النوافل أو ما زدت؟ ثم يأتي إلى سائر الأعمال الصالحة الذكر ماذا صنعت بالذكر؟ هل أكثرت من الأذكار؟ هل لهجت بذكر الله؟ الأذكار الواردة في الصباح والمساء، المحددة بأعداد، هل فعلت أم لا؟ لا بد أن تكون النتيجة طيبة؛ لأنك إذا ظهرت نتيجتك، والله اليوم سبعة عشر ركعة من الفرائض ما أدركت إلا عشر وفاتك سبع أو العكس، تسعى من الغد أنك تحسن وضعك؛ لأنه إذا فاتك سبع يعني ما يفوتك شيء من الغد؛ لأنك حاسبت وانتبهت لهذا الأمر واهتممت به، والله من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، يعني قلتها وإلا ما قلتها؟ ما قلتها قلها الآن يا أخي، لا إله إلا الله في الصباح مائة مرة، أنت قلتها صباح اليوم اللي فات وإلا ما قلتها؟ تحرص أن تقولها في اليوم الثاني؛ لأن المحاسبة والمراقبة من أعظم ما يعين الإنسان على الطاعة؛ لأنه لن يحاسب نفسه ثم تطلع النتيجة رديئة ويستمر، اليوم –والله- فاتنا عشر ركعات غداً يفوته اثنا عشر ركعة ما هو بصحيح وإلا ويش فائدة الحساب؟ فإذا حاسب نفسه طيب اليوم ركعت نوافل عشر ركعات، وفي المقابل اغتبت لك اثنين أو ثلاثة، توازن بين هذه الركعات وبين هذه الغيبة التي ضررها متعدٍ، وحقوق الخلق مبنية على المشاحة، إذن كيف تصلي ركعات زائد تكسب حسنات ثم تهدمها بهذه الغيبة ونحوها، المحاسبة من أعظم ما يفيد الإنسان في تكثير الطاعات وتقليل السيئات، وعند ذلك إذا وصل إلى المورد يجد الحساب اليسير، وأنه مجرد عرض، لماذا؟ لأنه حاسب نفسه، وقلل بقدر الإمكان من المخالفات، واستزاد بقدر إمكانه من الطاعات.

{وَإِنَّ الدِّينَ} [(6) سورة الذاريات] يعني "الجزاء بعد الحساب" أو الحساب نفسه كما يقولون "لواقع لا محالة" لا يخلف، إيش معنى وضع موازين؟ نصب الموازين لأي شيء؟ لا بد من الحساب، لكن المطلوب جنس الحساب؛ لأن هناك من لا يحاسب إنما يعرض عرض، وهناك في الحساب ما يعرف بالمقاصة، ما يعرف بالمقاصة في حديث المفلس، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، المحاسبة على حقوق الله -جل وعلا-، وأيضاً المقاصة في حقوق العباد ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: من لا درهم له ولا متاع، هذا اللي هم يعرفون، وكلام صحيح، كلام صحيح أن من وجد ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به، هذا المفلس ما له درهم ولا متاع، أو تكون الموجودات عنده أقل من ديونه، هذا أيضاً مفلس يحتاج إلى من يحجر عليه، والحجر والتفليس معروف عند أهل العلم، لكن المفلس الحقيقي والخاسر الحقيقي التي تكون خسارته في الآخرة، أما من خسر في الدنيا يخسر اليوم ويربح غداً أو لا يربح أبداً، المدة كلها يسيرة جداً، وكرب الدنيا لا شيء بالنسبة لكرب الآخرة ((المفلس الذي يأتي بأعمال)) وفي بعض الروايات: ((أمثال الجبال)) تجد عنده صيام، تجد عنده صلاة كثيرة، وصيام وزكاة وحج وعنده أعمال كثيرة جداً، ثم بعد ذلك يأتي وقد وزع هذه الأعمال لفلان كذا، ولفلان كذا، ولفلان كذا، وفلان كذا، يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، ووقع في عرض هذا، يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، كلهم لا بد أن يقتصوا منه، وإذا كانت الوالدة لا تتبرع بحسنة لفلذة كبدها فكيف يتبرع شخص أنت أسأت إليه في الأصل؟ فالإنسان يهتم بهذا الأمر، لا يكون ممن كالتي نقضت غزلها، كالتي نقضت غزلها، يعني يجمع ثم بعد ذلك يفرق، يعني لو أن إنساناً يكدح في تجارته من طلوع الشمس إلى غروبها، فإذا صلى المغرب وزع الأموال هذه لا يقصد بذلك وجه الله ولا التقرب إلى الله -جل وعلا- قيل: هذا مجنون، فكيف بالحسنات التي تؤهله لدخول الجنة، وتبلغه المنازل في الجنة، وإن كان أصل الدخول لا يملك بمثل هذا، وإنما يملك ويحصل برحمة أرحم الراحمين. {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ * وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ} [(6 - 7) سورة الذاريات] وصلت الإقامة؟ طالب:. . . . . . . . . نكمل بعد الصلاة ...

سورة الذاريات (2)

تفسير الجلالين - سورة الذاريات (2) من آية (6 - 19) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في قول الله -جل وعلا-: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ} [(7) سورة الذاريات] {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ} هذا قسم بالسماء الموصوفة بأنها ذات الحبك، يقول: "جمع حبيكة كطريقة وطرق أي صاحبة الطرق في الخلقة" فالحبك طرق والحبيكة والطريقة الحبك: الطرق، والحبيكة الطريقة وزناً ومعنىً، وزناً ومعنى، قال: "جمع حبيكة كطريقة وطرق" هل يقصد بذلك الوزن فقط؟ لأنهم يأتون بالكلمة ثم يبينون وزنها بما يوافقها في الميزان الصرفي، إذا قيل: قائم كنائم، يعني في الوزن لا في المعنى، وقد يأتون بالنظير من حيث المعنى دون الوزن، فيقولون مثلاً بالمعنى دون الوزن فيقولون: حرام ابن عثمان بلفظ ضد الحلال، فلا يقصدون بذلك الوزن، وإنما يضبطونه بأمر معروف، ومتداول بين الناس، ضد الحرام هل يختلف أحد في ضبطه؟ يمكن أن يقال: حِلال وإلا حُلال وإلا خلال وإلا جلال؟ ما يمكن، خلاص ضد الحرام: حلال انتهى الإشكال، كل الناس يعرفون هذا، فهم لهم طرق في ضبط الكلمات بالنظائر وبالضد، فهذا الذي يضبطون به أحياناً يوافق في اللفظ دون المعنى، وأحياناً يوافق في المعنى دون اللفظ، وأحياناً يوافق بالأمرين معاً فيكون الكلمة مساوية للأخرى وزناً ومعنى.

هنا قال: "جمع حبيكة كطريقة وطرق" كطريقة وطرق، لو انتهينا على هذا لقلنا: من حيث الوزن، لكنه قال: "أي صاحبة الطرق في الخلقة" صاحبة الطرق، فالحبك هي الطرق وزناً ومعنى "كالطريق في الرمل" على هذا تكون السماء فيها طرق، وفيها أيضاً مسارات وهي أيضاً طرائق، لكن هذه الطرائق مضبوطة متقنة محبوكة؛ لأن الحبك يدل على الإتقان والحسن وبديع الصنع، يعني كما يقال: ثوب محبوك، يعني متقن في صناعته، ولعل أخذ حبك الكتاب من هذا، يعني تجليد الكتاب يسمونه حبك، يعني إتقان وضبط لهذا الكتاب بعد أن تكون أوراقه متناثرة يضم بعضها إلى بعض فتجلد وتحبك، والحبك ما زال دارج ومعروف، ولعله من هذا، ويعنى بذلك ويقصد بذلك الضبط والإتقان والحسن، أيضاً التجليد فيه جمال للكتاب، يعطي الكتاب جمال وبهاء ورونق غير ما لو كان أوراق متناثرة، نعم قد يوجد بعض المجلدين الذين لا ذوق لهم يضبطونه من حيث القوة والمتانة لكن الجمال ما فيه، هذا موجود، لكن العبرة بمن يحبك ويجلد على الأصول، فتجد الكتاب متقن مضبوط، فيه بهاء وفيه جمال وفيه رونق، يشد القارئ، يشد المقتني، يشد المشتري، وهنا {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ} [(7) سورة الذاريات] يعني المتقنة التي فيها من الإتقان والضبط وبديع الصنع ما يرجع بعده الطرف حسير، الطرف الذي يبحث عن العيوب، يبحث عن الفتوق، يبحث عن الشقوق يرتد حسير، ما يجد فيها شيء مما يعاب، فهي من أعظم الأدلة على عظم الخالق -جل وعلا-، من أعظم الأدلة على عظم الخالق، ورفعت هذه السماء بغير عمد ترونها، بغير عمد ترونها، وهذا من أعظم الأدلة على عظمة الخالق، يعني السماء جرم عظيم عظيم لا يقدر قدره، لا يمكن أن تحد مساحته، ومع ذلك بغير عمد ترونها، والخلاف في العمد هل هي موجودة أو بدون عمد أصلاً؟ يعني هل هناك عمد لكنها لا ترى أو ليس هناك عمد أصلاً؟ يعني ركبت على هواء، وفي كلا الاحتمالين ما يدل على عظمة الخالق، يعني كون هذا الجرم العظيم على غير عمد، الإنسان إذا أراد أن يبني عشرة في عشرة ثم سقفه لا بد أن يكون له عمد؛ لأن الجسور ما تتحمل هذه السعة عشرة في عشرة، اللهم إلا إذا احتيط في الجسور وضوعفت، ضوعفت هذه الجسور نعم تتحمل عشرة في

عشرة، وإذا ضوعفت مرة ثانية تحملت أكثر، أما أن تكون من الأصل بلا عمد ما يمكن، فضلاً عن أن تكون البناية أكثر من ذلك، يعني ألف متر مثلاً لا يتصور أن يقوم بغير عمد إلا بمشقة عظيمة جداً على البناء، وعلى صاحب البناية، فكيف بهذه المسافات والمساحات الشاسعة طولاً وعرضاً؟! لا يمكن أن يحيط بها مخلوق، ومع ذلك بغير عمد أصلاً، على هذا القول أو بعمد لكنها لا ترى، وأيضاً هذا أيضاً من أعظم الدلالات على عظمة الخالق، يعني كون الشيء مخفي ما يرى، والمعول معتمد عليه، المرتكز عليه هذا أيضاً شيء عظيم، والخلاف في هذا معروف عند أهل العلم، ففي قوله: {تَرَوْنَهَا} [(10) سورة لقمان] هل هو وصف له مفهوم أو ملغى لا مفهوم له؟ على كل حال المسألة خلافية، وأكثر أهل العلم على أنها بغير عمد البتة، ويكون ترونها وصف كاشف لا مفهوم له، ومنهم من يقول: له مفهوم، وقد تكون الدلالة على عظمة الله أكبر، أكبر من كونها بلا عمد أصلاً؛ لأن كون الشيء يعتمد عليه يعني في المحسوسات، كون الشيء يعتمد عليه ثم بعد ذلك يكون هذا خفي لا يرى مع إمكان الرؤية، هذا لا شك أن دلالته على عظمة الخالق شيء عظيم جداً، لا يمكن أن يدركه الإنسان بعقله، فإذا تأمله وتدبره عرف واعتبر وادكر، عرف قدر نفسه من جهة، وما هو إلا شيء حقير جداً بالنسبة لهذه المخلوقات، وما عظمة الخالق -جل وعلا- من خلال هذه المخلوقات العظيمة إلا شيء لا يمكن الإحاطة به، يعني قد يقول قائل: استطاع الناس أن يؤسسوا أمور ينتفعون بها وهي لا ترى، يعني بإمكانك أن تضع يديك هكذا وتغسل، ما تشوف مواصير ولا تشوف شيء، ألا يوجد مثل هذا؟ الآن الموجود مواصير لكن ما فيها أقفال، ما في شيء تقفله ولا ذا، موجود أيضاً على مستوى أعلى من هذا ما في مواصير، ضع يدك بس وغسل، ما في مواصير ترى، لكن في مواصير لو فتحت ما يحول دونك ودون الجدار الأصلي وجدت هذه المواصير لكنها مخفية، يعني ما رحنا بعيد، يعني قدرة البشر هي قدرة البشر، يعني يستطيع أن يغطي إلى حد، لكن يغطي بالكلية بحيث لو بحث الباحث ما وجد، لو رفع هذا الساتر لظهرت المواصير وظهر كل الأسباب التي تجلب هذا الماء، ولم يكن ذلك إلا للخالق -جل وعلا-، الله

المستعان. {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} [(7 - 8) سورة الذاريات] "إنكم يا أهل مكة في شأن النبي -عليه الصلاة والسلام- والقرآن لفي قول مختلف" لم يتفقوا على وصفه بوصف واحد، "وكفاهم عيباً تناقض قولهم"، "إنكم يا أهل مكة في شأن النبي -عليه الصلاة والسلام- والقرآن لفي قول مختلف، قيل: شاعر، ساحر، كاهن" هذا بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- وقيل في القرآن: أنه شعر، أو سحر، أو كهانة، يختلفون ما يتفقون على شيء؛ لأنهم لو اتفقوا على شاعر، العرب تعرف الشعر وموازين الشعر، وهم أهل الشعر، لا شك أن بعضهم سوف يرد على بعض وقد حصل، الوليد بن المغيرة لما سمع القرآن قال: هذا ليس بالشعر، ولو قالوا: كاهن العرب يعرفون الكهانة، ولو اتفقوا على هذا لوجدوا من يرد عليهم، ولو قالوا: سحر كذلك، فهم اختلفوا لينشغل كل فرقة وطائفة بما جنحوا إليه، وينشغل بعضهم عن بعض، وكل هذه الأقاويل باطلة؛ لأن بمقدورهم أن يقولوا الشعر لماذا لم يقولوا ولم يأتوا بمثل هذا القرآن؟ ولم يكن شاعرهم مثل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ولو قالوا: ساحر لو كان ساحراً وما جاء به سحر هم يعرفون السحر، وفيهم سحرة {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} [(8) سورة الذاريات] اختلفوا فيه -عليه الصلاة والسلام-، اختلفوا فيما جاء به.

{يُؤْفَكُ} [(9) سورة الذاريات] "يصرف {عَنْهُ} عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن، أي عن الإيمان بهما {مَنْ أُفِكَ} يعني صرف عن الهداية في علم الله -جل وعلا-" يعني من علم الله -جل وعلا- أنه لا يهديه هذا مصروف، هذا مصروف لأي شيء؟ لما سبق له في الكتاب من أنه شقي، وهل هو بهذا الصرف مظلوم؟ لا، ليس بمظلوم، يصرف بسبب منه هو، الله -جل وعلا- بين له الطريقين، وضح له الصراط المستقيم، هداه النجدين، ومع ذلك اختار طريق الغواية، ولم يختر الهداية، جعل الله فيه -جل وعلا- من التركيب وحرية الاختيار ما يجعله يختار؛ لئلا يقول قائل: يؤفك يعني يصرف عنه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- القرآن وعن الإيمان به من صرف عن الهداية في علم الله تعالى، فيأتي هذا على مذهب الجبرية، قد يستدل به الجبرية، فيقولون: ما دام الصرف من الله -جل وعلا- فكيف يعاقب ويعذب والله -جل وعلا- هو الذي حال دونه ودون الهداية؟ نقول: نعم هذا في سابق علم الله -جل وعلا-، لكن ما الذي يمنعك من أن تختار طريق الهداية؟ يعني لو سمع الإنسان المؤذن، الإنسان سمع المؤذن وفي المكان ثلاثة، واحد قام مع الأذان، وواحد قام مع الإقامة، والثالث ما قام أصلاً، صلى في البيت، والرابع ما صلى أصلاً، إيش الفرق بين هؤلاء؟ هل في ما يمنع الإنسان .. ؟ هل قيد الرابع عن الصلاة؟ ألا يستطيع أن يقوم متى شاء؟ يستطيع أن يقوم متى شاء، فعنده حرية، وعنده اختيار، وليس بمجبور، وليست حركته كحركة الرياح ولا الورق، أوراق الشجر في مهب الرياح، إنما هو مختار، قادر، لديه قدرة وله حرية وله اختيار وله مشيئة، لكن كل ذلك في إطار قدرة الله -جل وعلا- ومشيئته {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] يعني ما أصبت إذ حذفت الحجر، لكن الله -جل وعلا- هو الذي أصاب، لكن أثبت له الرمي، وأما الإصابة فمن الله -جل وعلا-، ومن أعظم ما يصرف -ننتبه لهذا الأمر- {يُؤْفَكُ} [(9) سورة الذاريات] يصرف {عَنْهُ} عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن وعن الإيمان به {مَنْ أُفِكَ} من صرف عن الهداية في علم الله -جل وعلا- وأعظم من يصرف المتكبر {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ

الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [(146) سورة الأعراف] وهل هذا من فعله أو مجبر عليه؟ الكبر من فعله وإلا مجبر عليه؟ من فعله بطوعه وحريته واختياره يتكبر، فيستحق الصرف عن هذا، يستحق الصرف، المعتزلة يقولون: إن العرب لديهم القدرة على معارضة القرآن، والإتيان بمثله، والقرآن من هذه الحيثية ليس بمعجز؛ لأن العرب يستطيعون، لكن الله صرفهم عن ذلك، ويقولون: بالصرفة، الصرفة هي صرف العرب عن معارضة القرآن، القدرة موجودة، يستطيعون أن يأتوا بمثل القرآن، أو قد يتطاول بعضهم ويقول: أعظم، لكن الله -جل وعلا- حال بينهم وبين ما يستطيعون، نقول: هذا الكلام باطل، هذا الكلام باطل، لو كان بعضهم لبعض ظهيراً ما استطاعوا، لو اجتمع الجن والإنس ما استطاعوا أن يعارضوه، المحاولات التي حصلت لمعارضة القرآن يعني نزلت عن الحد المعقول، نزلت عن العقل إلى السفه والجنون، يعني في كلام مسيلمة ما يضحك الأطفال، فضلاً عن العقلاء، يضحك منه الأطفال كل هذا لأنه تصدى إلى معارضة القرآن، وهو ليس بأهل ولا يستطيع، والله -جل وعلا- أخبر أنهم لن يستطيعوا ذلك، للمعري كتاب اسمه: (الآيات البينات في مواعظ البريات) هو في الأصل: في معارضة الآيات، في معارضة الآيات، فقيل له: إن هذا الكتاب لن يروج ما دام فيه معارضة القرآن لن يقبله مسلم، فغير العنوان، والمعري معروف أنه من الزنادقة المعروفين، ملحد، نسأل الله العافية، كما جاء عن الزمخشري أنه افتتح كتابه بقوله: "الحمد لله الذي خلق القرآن" الذي خلق القرآن، ثم قيل له: إن الكتاب لن يروج على المسلمين بهذه الافتتاحية، فالحمد لله خالق القرآن، ثم عدل إلى الحمد لله جاعل القرآن، فجاء بعض من جاء لكي يروج الكتاب؛ لأن جعل تأتي بمعنى خلق، وجاء من جاء ثم غير اللفظة إلى الحمد لله الذي .. نسيتها الآن، من أجل أن يروج الكتاب، مثل هذه الأمور لا شك أن فيها تطاول على كلام الله -جل وعلا-، ومع ذلك إذا حصل مثل هذا لا بد أن يخذل الفاعل، ووجد من الأدباء المعاصرين يعني قبل خمسين وستين سنة من تطاول على القرآن، وزعم أنه قابل للتصحيح والتعديل كغيره، وأن قلمه الأحمر لم يسلم منه شيء حتى القرآن، ومع ذلك عوقب بنقيض قصده، نسأل الله

العافية، نزل في أدبه الذي يزعمه نزولاً وأسفّ فيه إسفافاً جعل الجهال لا يقبلونه. {يُؤْفَكُ} [(9) سورة الذاريات] أي "يصرف {عَنْهُ} عن النبي –عليه الصلاة والسلام- والقرآن، أي عن الإيمان به {مَنْ أُفِكَ} صرف عن الهداية في علم الله تعالى"، {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [(10) سورة الذاريات] قتل الخراصون: يعني "لعن الكذابون أصحاب القول المختلف" الذين سبقت الإشارة إليهم: إنكم لفي قول مختلف، هؤلاء هم الخراصون الأفاكون، فقتل: لعن، والقتل يأتي بمعنى اللعن ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يعني لعنهم، وجاء في الحديث الصحيح ((لعن المؤمن كقتله))، ((لعن المؤمن كقتله)) فهؤلاء قتلوا يعني لعنوا، الكذابون أصحاب القول المختلف، هم الخراصون الكذابون، وأهل الظن والحدس والخرص يتخرصون ويتخبطون ويكذبون أيضاً، " {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [(10) سورة الذاريات] لعن الكذابون أصحاب القول المختلف". {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ} [(11) سورة الذاريات] في "جهل يغمرهم" يعني يغطيهم كما تغطي غمرات الماء العميقة من يدخل فيها، غمرة: جهل وغفلة وسهو عما خلقوا له من أمر الآخرة، {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ} [(11) سورة الذاريات] يعني في جهل يغمرهم. {سَاهُونَ} [(11) سورة الذاريات] "غافلون عن أمر الآخرة" ويدخل في هذا دخولاً أولياً الكفار الذين غفلتهم تامة، ويخشى على من غفل عما خلق له أن يخرج منه وهو لا يشعر، وإن كان ممن ينتسب إلى القبلة؛ لأن هذه الغمرات، وهذه الغفلة نسبية، يعني يدخل الماء الذي يغطي عقبيه ثم يقتحم إلى ركبتيه، ثم لا يلبث أن يغمره الماء فيغرقه، هذا الغافل عما خلق له، يغفل عن الواجبات، ثم يبتلى بارتكاب محظورات، ثم يعاقب بارتكاب ما هو أعظم منها إلى أن ينسلخ من دينه بالكلية، فهذه الغفلة وهذا السهو عما خلق له الإنسان لا شك أنه يعرض الإنسان للانسلاخ؛ ليكون من جنس أولئك الخراصين.

والعقوبات الإلهية لمن خالف الأوامر والنواهي لا شك أنها واقعة ومحسوسة؛ لأن الإنسان قد يضعف في فعل المستحب، يعني يتساهل في الرواتب، يتساهل في قيام الليل ثم لا يلبث أن تدعوه نفسه إلى ترك .. ، إلى التساهل في الواجبات، ثم إذا تساهل في الواجبات دعته نفسه إلى ما هو أوجب منها وهكذا، وكذلك في المحظورات، يعني مثل نشوء البدع، نشأت يعني يسيرة، فعوقب أهلها بما هو أشد منها، بأن أصروا عليها وألزموا بلوازم، أصروا عليها ودعوا إليها، وألزموا بلوازمها فالتزموا، فالتزموا، ثم بعد ذلك أخذتهم العزة بالإثم وأصروا على هذه اللوازم ثم عوقبوا بما هو أعظم منها، عوقبوا بما هو أعظم منها، يعني الإنسان يسمع كلام من المبتدعة ما يصدر ولا عن مجنون، يعني شراح ومفسرين يشرحون ويفسرون كلام الله -جل وعلا-، ويشرحون كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- ومع ذلك يذكرون في هذه الكتب أشياء مضحكة، يعني لديهم عقول، ولديهم أفهام، ولديهم تحليل يعني يبهر القارئ، لكن أحياناً يعاقب بشيء فيأتي بكلام مضحك، يعني الأشعرية حينما قالوا -وهذا موجود في شروح البخاري- حينما يقولون: إن أعمى الصين يجوز أن يرى بقة الأندلس، هذا يعني لو سمعه الإنسان أول مرة قال: جنون هذا ما في إشكال، ما يستطيع البقة إذا أبعدت عنه متر، إذا أبعدت متر واحد ما شافها، وكل عاد على حسبه في قوة النظر، لكن عشرة أمتار على أي حال ما ترى البقة صغار البعوض، كيف أعمى الصين في أقصى المشرق يرى بقة الأندلس؟! يعني هل يمكن أن يخطر على قلب عاقل مثل هذا الكلام؟ إلا أنهم ألغوا الأسباب تأثير الأسباب، وقالوا: إن البصر سبب، والشيء يحصل عنده لا به، ثم استدرجوا إلى أن قالوا ما قالوا، فمثل هذه الأمور يخشاها الإنسان ويقف عندها، ولا يتعدى النص؛ لأن العصمة إنما هي بالكتاب والسنة، يعني شيء لا يخطر على البال حينما يقرأ لابن عربي: ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ ... وتنطمس البصائر والقلوبُ

هذا كيف يزعم أنه مسلم؟ والله -جل وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] وهو يقول: تزاد الذنوب؟ وإن أوله من أوله من أتباعه، لكن يبقى أن الإنسان أول ما يصل من هذا الكلام، يقول: نسبته ليست صحيحة إلا إذا كان كافر غير مسلم، لكنه صحيح وثابت ومدون في كتبه، فعلى الإنسان ألا يبتعد لا يمين ولا شمال، لا أمام ولا خلف في دائرة الاستقامة والالتزام، في دائرة الاعتصام بالكتاب والسنة ليحفظ، ليحفظ في علمه، يحفظ في دينه، أهم المهمات كونه يزيغ ويضل ولو حفظ في ماله، ولو حفظ في بدنه هذه أمور منتهية، العبرة بمن يحفظ في دينه، بمن يحفظ في علمه، لا يزل ولا يَضل، ولا يُضل، ولا يكون ممن يكون سبباً لغواية الناس -نسأل الله السلامة والعافية-، وأنتم سمعتم وقرأتم من كان يفتي الناس على الجادة وبقال الله وقال رسوله، ثم بعد ذلك حصل أن زل، مثل هذه الأمور على الإنسان أن يحتاط لها، سواءً كانت في العلم أو في العمل.

يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- سؤال مجرد سؤال للفائدة {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [(12) سورة الذاريات] ليس بسؤال إفادة، وإنما هو سؤال استهزاء، ومتى هذا اليوم الذي تذكر؟ متى؟ سؤال استفهام واستهزاء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- واستبعاد لهذا اليوم، واستحالة في نظرهم لوقوع هذا اليوم {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [(12) سورة الذاريات] أي متى؟ متى يوم الدين الذي تذكر؟ إن كان لنا شيء يا الله الآن، {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [(12) سورة الذاريات] "أي متى مجيئه؟ " حدد لنا إن كنت صادق؟ لكن هذا اليوم أخفاه الله -جل وعلا- عن جميع المخلوقات، عن كل أحد سواه، حتى أنه كاد أن يخفيه على نفسه {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] يعني حتى عن نفسي، وهذه الأمور التي قطع الشرع بعدم وقوعها لا تدخل تحت امتحان ولا تحت مطالبة، لا يقول: والله أيان يوم الدين؟ ما أجاب، إذن كيف نسأله ولا يجيب؟ لماذا؟ إذن كيف نسلم؟ نعم، يعني هل عدم إجابته -عليه الصلاة والسلام- مبرر لعدم استجابتهم لدعوته؟ ليس بمبرر؛ لأن مثل هذا لا يدخل تحت القدرة ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل)) يسألون النبي -عليه الصلاة والسلام- استفهام استهزاء {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [(12) سورة الذاريات] "أي متى مجيئه؟ " وجوابهم: يجيء" {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [(13) سورة الذاريات] أي يعذبون فيها، هم يسألون عن الساعة التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام-، يسألون عن البعث الذي أنكروه، وهنا قال: "جوابهم: يجيء" {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [(13) سورة الذاريات] " يعني هل هذا جواب أو هذا من باب أسلوب الحكيم؟ وهو إجابة السائل بغير ما سأل عنه مما هو أنفع له، يعني لو قيل أيان يوم الدين؟ قيل: سنة ألف وخمسمائة مثلاً، هل هذا أنفع لهؤلاء وأبلغ في الموعظة أو قوله: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [(13) سورة الذاريات]؟ لا شك أن ما أجيبوا به أنفع لهم وأبلغ في موعظتهم إن كان في قلوبهم شيء من الوازع، شيء من الحياة، لا شك أن هذا في غاية البلاغ والإبلاغ والتبليغ، {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [(13) سورة

الذاريات] أي يعذبون فيها، أنت لا تنظر إلى المقدمات، انظر إلى النتيجة، انظر إلى النتيجة، قيام الساعة والبعث مقدمة للجنة والنار، مقدمة لشقي أو سعيد، مقدمة لدخول الجنة أو لدخول النار، إن كنت لا تسأل عن مقدمات ماذا تستفيد؟ ماذا أعددت لهذا اليوم؟ يعني لو نظرنا إلى شخص مهتم لموعد الامتحان متى موعد الامتحان يسأل؟ والله إلى الآن ما بعد صدر شيء في موعد الامتحان، ومهتم للجدول، ويش المقدم؟ ويش المؤخر؟ ويش عندنا أول يوم ولا يذاكر هذا يستفيد؟ لو عرف أن أول يوم تفسير أو رياضيات ما استفاد، العبرة بما يفيدك وينفعك، يعني كون الامتحان يبدأ في يوم كذا، أو يبدأ في مادة كذا هذا ما يفيدك ما دام لن تذاكر ادخل الامتحان في أي يوم وفي أي مادة ما في فرق، والنتيجة معروفة، فإذا كان هذا في امتحان الدنيا التي يمكن يسلك الإنسان بعض الحيل وبعض المسالك ويمشي نفسه، أو يمر عليه معلومات خطفها أو تلقفها من يمين أو يسار قد يستفيد، لكن في أمور الآخرة صفر، ما في، إذا ما عملت لهذا اليوم واستعديت، وتم الاستعداد التام فلن تستفيد حتى ولو عرفت التاريخ، علماً بأن التاريخ لن يستطيع معرفته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فهم يسألون أيان يوم الدين، وجوابهم بأسلوب حكيم: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [(13) سورة الذاريات] يعذبون، وإذا أريد فتنة الذهب هل هو سليم أو مغشوش؟ هل هو خالص أو مشوب؟ إنما يكون ذلك بعرضه على النار، وكذلك هؤلاء يفتنون ويختبرون ويمتحنون بعرضهم على النار.

{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [(13) سورة الذاريات] "أي يعذبون فيها، ويقال لهم" من باب الزيادة في التقريع والتبكيت "حين التعذيب {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [(14) سورة الذاريات] ذوقوا فتنتكم يفتنون يعذبون، فتنتكم: تعذيبكم، تعذيبكم هذا التعذيب الذي كنتم به تستعجلون في معرفة وقته في الدنيا، هذا ما قال هذه، ذوقوا فتنتكم هذه؛ لأن الضمير يعود على الفتنة، والمراد بالفتنة العذاب وهو مذكر، فعادت الإشارة إلى المعنى لا إلى اللفظ، وإلا فاللفظ مؤنث، ذوقوا فتنتكم تعذيبكم هذا التعذيب الذي كنتم به تستعجلون في الدنيا، تستعجلون عن معرفة وقته {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [(12) سورة الذاريات] ثم بعد أن ذكر حال الأشقياء ومآلهم ذكر حال أو ثنى بحال السعداء، وهذا وجه من وجوه تسمية القرآن بالمثاني، يعني يذكر حال الأشقياء ثم يثني بحال السعداء والعكس قد يذكر حال السعداء ثم يثني بحال الأشقياء، فقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ} [(15) سورة الذاريات] المتقون هم من لازم التقوى، والتقوى فعل الأوامر واجتناب النواهي، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ} [(15) سورة الذاريات] يعني بساتين واسعة يعني من بساتين الدنيا؟ لا، بستان الدنيا يعني قد يوجد بستان في الدنيا ومشروع كبير بالكيلوات لكنه لا شيء بالنسبة لثمرة واحدة من صنف واحد مما في جنات النعيم، يعني لو قرنت الدنيا نعيم الدنيا من بدء الخلق إلى قيام الساعة بثمرة واحدة بحبة عنب أو تفاح أو شيء من هذا. . . . . . . . . لا شيء، فكيف إذا كان نصيب آخر من يدخل الجنة، آخر من يدخل الجنة يخرج من النار يقال له: تمن، تنقطع به الأماني ويش يقول؟ يعني كأنه لسان حاله يقول: والله ما لي وجه أتمنى، فيقال له: أترضى أن يكون لك كملك أعظم ملك من ملوك الدنيا؟ يقول: إي وربي، إي يا رب، الملك؟ يعني اعتبر ملك هارون الرشيد مثلاً الذي ملك غالب الأرض، أو ملك ذو القرنين، أو ملك سليمان الذي لا ينبغي لأحد من بعده تمنى مثل هذا، قال: هو لك، ومثله، ومثله ومثله، إلى عشرة أمثاله، ملك أعظم ملك من ملوك الدنيا، وفيه في هذا الملك العظيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر،

لكنه النعيم المقيم الذي لا ينتهي، نعيم أبدي سرمدي، يعني لو عمر الإنسان مائة سنة ثم جاءت مقدمات الموت وعلاماته يسأل، يعني نوح سئل ما مثل هذه الدنيا، ولبث في قومه في الدعوة ألف سنة إلا خمسين عاماً، والله أعلم كم بعد لبث قبلها؟ يقول: كأنها دار دخلت من باب وخرجت من باب، والأعمال لا تقاس بالأعمار، الأعمال لا تقاس بالأعمار، فكم من شخص عمر أكثر من مائة سنة ولا أثر له في الوجود، لا في نفسه ولا في غيره، ولا في أقرب الناس إليه، والأنبياء والرسل أثرهم وفضلهم وشرفهم باقٍ إلى قيام الساعة، العلماء انظر إلى أثرهم قرون وأعمارهم قليلة جداً، يعني الإمام الشافعي كم تبعه من وقته إلى يومنا هذا من الأتباع؟ الإمام الشافعي من أكثر الأئمة تبع، يعني لو قيل: إنه بعد الحنفي، هو بعد الحنفي بالفعل في الأتباع، ولكن كم عمر الإمام الشافعي يوم أن مات؟ أربعة وخمسين سنة، أربعة وخمسين سنة، والواحد منا يبلغ هذا السن ويخطط ويفكر للمستقبل، يقول: اللي راح إلى الله المشتكى ما حصلنا شيء، لكن المستقبل تخطيط للمستقبل، من أجل أن يكون عالم يبدأ يخطط من هذا السن، والإمام الشافعي تبعه الملايين من البشر منذ نهاية القرن الثاني إلى يومنا هذا كم؟ أكثر من اثنا عشر قرن، والأئمة من أئمة الشافعية يتبعونه ويلهجون بالترحم عليه، والثناء عليه، والدعاء له، وكم من شخص استفاد من علمه وعلم أتباعه، يعني أجور لا تخطر على البال، والعمر أربعة وخمسين سنة ولد سنة مائة وخمسين، ومات سنة مائتين وأربعة، وتسأل واحد أربعين سنة. . . . . . . . . أربعة وخمسين سنة تو ما بعد صار شيء، ما بعد صار شيء، الأعمار بيد الله، يعني هناك على النقيض من يقول: ما بقي بالعمر كثر ما مضى أنا والله ما أنا بمشتغل، أتعب على لا شيء، ما بيجيب العمر. . . . . . . . . والله قد يعمر، وقد يعمر، يعني شخص توفيت زوجته سنة الرحمة، سنة سبعة وثلاثين، قيل له: لماذا لا تتزوج يا فلان؟ قال: ما بيجيب العمر كثر ما مضى، وبقي من العمر مرتين كثر ما مضى، عمر سبعين سنة بعدها، وبالمقابل ناس يخططون لما بعد التقاعد، والمنايا تتخطف الناس الصغار والوفيات فيهم والشباب أكثر من الكهول والشيوخ،

فعلى الإنسان أن يهتم لهذا الأمر ويغتنم، ما يقول: والله أنا الآن في عصر شباب، ما زلنا خلنا إذا وصلنا الأربعين وبلغنا الأشد واتجهنا، كثير من أهل العلم إذا وصل الأربعين اعتزل الناس، من يؤمنك إلى أن تصل الأربعين، وإذا تجاوز الأربعين قال: خلاص الستين أعذر الله لامرئ بلغه الستين، إذا وصلنا الستين انقطعنا، من يؤمنك أن تصبح بعد ما أمسيت، أو تمسي بعدما أصبحت؟ والله المستعان. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ} [(15) سورة الذاريات] بساتين {وَعُيُونٍ} تجري فيها، تجري من تحتها الأنهار، من تحتها، ما يحتاج إلى والله تركب دآبة وإلا تركب سيارة وإلا تركب وسيلة لتذهب إلى الأنهار الجارية من تحتك تمشي، ما تقول: والله الآن الثيل مرشوش ما يصلح نجلس عليه، كما نفعل الآن إذا رشوا الثيل قال: خلاص ما يصلح للجلوس، لا، تجري تحتك الأنهار. أنهارها في غير أخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضانِ ما تفيض ولا تسيح لا يمين ولا يسار وهي بغير أخاديد، تجري هكذا، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ} [(15) سورة الذاريات] بساتين، {وَعُيُونٍ} تجري فيها {آخِذِينَ} [(16) سورة الذاريات] حال من الضمير في خبر (إن) حال من الضمير في خبر (إن) (إن) حرف توكيد ونصب، ينصب المبتدأ ويرفع الخبر {فِي جَنَّاتٍ} جار ومجرور متعلق بمحذوف هو الخبر، كائنون أو مستقرون، كائنون أو مستقرون {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [(15) سورة الذاريات] {آخِذِينَ} حال من الضمير في خبر (إن) حال من الضمير في خبر (إن) الذي هو إيش؟ الواو، كائنون أو مستقرون واو الجماعة في خبر (إن) {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ} [(16) سورة الذاريات] يعني أعطاهم ربهم من الثواب والجزاء، {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ} يعني ما أعطاهم ربهم من الثواب والجزاء على إعمالهم الصالحة، الجنة لا تنال بالعمل، إنما تنال برحمة أرحم الراحمين، تنال برحمة أرحم الراحمين، لكن منازل هذه الجنة تنال بالأعمال، تنال بالأعمال.

{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} [(16) سورة الذاريات] أي قبل دخول الجنة {مُحْسِنِينَ} محسنين لأعمالهم، والإحسان إحسان العمل المعول عليه في القبول {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [(30) سورة الكهف] ما في من أكثر، لا، من أحسن، فالمعول على الإحسان {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [(16) سورة الذاريات] قبل دخول الجنة محسنين في الدنيا، والإحسان يشمل العمل اللازم والعمل المتعدي، محسنين لصلواتهم، متقنين لها، مقيمين لها، محسنين لسائر عباداتهم من صيامهم وحجهم، محسنين أيضاً للأعمال المتعدية لزكواتهم، لكسبهم الأموال من حلها، وصرفها فيما يرضي الله -جل وعلا-، فالإحسان ملازم لهم في جميع تصرفاتهم، إنهم كانوا قبل ذلك، قبل دخول الجنة محسنين أي في الدنيا، ثم بين بعض أعمالهم. {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، يقول: "ينامون" والهجوع هو النوم الخفيف "ينامون، وما زائدة" يعني كانوا قليلاً من الليل يهجعون، زائدة يعني صلة كما يقول المفسرون كالطبري وغيره يقولون: صلة، ويريدون بذلك زائدة، لكن من الأدب أن لا يقال: زائدة؛ لأن القرآن مصون ومحفوظ من الزيادة والنقصان ولو باللفظ، يعني لا يقول قائل: إنها مادامت زائدة لماذا لا نمسحها؟ لو مسحتها كفرت، حتى الذي يقول: زائدة لو يمسحها كفر، إنما تزاد بعض الحروف دعامة للكلام، دعامة للكلام وتقوية له.

{كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] احذف ما من الكلام وكانوا قليلاً من الليل يهجعون، ينامون قليل، ويستغلون باقي الليل فيما ينفعهم في العلم في التعليم في الذكر في الصلاة ثم بعد ذلك إذا بقي الشيء اليسير من الليل وقت السحر يستغل بالاستغفار، وختم الأعمال بالاستغفار يقضي على داء الكبر، وداء العجب، يقضي عليه؛ لأن الإنسان إذا عمل عملاً قد يراه في نفسه ويعجب به، ويظن أنه ليس بحاجة للاستغفار، الآن جاء من صلاة كيف يستغفر؟ لكن ختم الأعمال الصالحة بالاستغفار تذكيراً بالتواضع لله -جل وعلا-، وأن العبرة بما في القلوب لا في الصور ولا في الأعمال، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر، وكم من نائم أفضل من ألف قائم، لكن لا يعني هذا أننا نبرر للنائمين أو لأنفسنا أن ننام ونقول: نحن بنومنا أفضل من بعض من قام، لا، لا، كل إنسان له ما يخصه من خطاب الشرع، أنت قم واحرص لأن هذا من أعظم الأسباب لدخول الجنة ونيل المنازل، {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] يعني يهجعون قليلاً، ويصلون كثيراً، ويصرفون كثيراً من أوقات الليل فيما يقرب إلى الله -جل وعلا- من الصلاة والتلاوة والذكر لا سيما الاستغفار في آخره.

منهم من يقول: إن هذه (ما) نافية وليست زائدة، يعني كانوا قليلاً من الليل ما ينامون، يعني لا ينامون، لا ينامون قليل من الليل معناه أنهم ينامون كثير ويقومون قليل عكس المعنى السابق، ومعلوم أن النوم لا يمدح به، فهذا القول وإن اعتمده كثير من المفسرين إلا أنه من حيث المعنى ضعيف، يعني ينامون طويلاً فإذا بقي شيء قليل قاموا، حتى قال بعضهم: إن المشار إليه في هذا وما بين صلاة المغرب وصلاة العشاء، حتى قال بعضهم إن هذه الآية في صلاة العشاء فقط، {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] المدح بالقيام وإلا بالنوم؟ بالقيام، لكن إذا كان النوم في مقابل ضياع الأوقات حتى في المباح أو حتى أو في المكروه أو في المحرم من باب أولى فالنوم يمدح به، الليل سكن، يمدح به في المقابل، لكن من يسهر لعلم، لتعليم لمدارسة، لحفظ، لفهم، لصلاة، لذكر، هذا لا شك أنه أفضل من النائم، ولا مقارنة بينهم هنا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يسمر في العلم، وترجم عليه البخاري: "باب: السمر في العلم" فقضاء الأوقات في ما ينفع في العبادات لا شك أنه أفضل من قضائه في المباحات ومنها النوم، النوم نعم يستعان به على طاعة الله فإذا كان في مقابل مباح فالنوم أفضل، في مقابل مكروه النوم أفضل، لكن في مقابل فاضل، يعني صلى العشاء ومسك التفسير وإلا الحديث وإلا كتاب ينفعه في علمه، ينفعه في علاج قلبه هذا لا شك أنه أفضل من النوم، لو قدر أنه مشى على قيام داود، نام نصف الليل وقام ثلثه ونام سدسه، هذا أيضاً أفضل القيام، لكن قيام الليل يقدر بالوقت، بالزمن، يعني في سورة المزمل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [(2 - 4) سورة المزمل] للتقدير بالأوقات، التقدير بالوقت، فكلما زدت الله أكثر، لكن عليك أن تحفظ هذا الوقت، ما تقول: والله أنا قايم الليل وأنت كل شوي يعني تصلي لك ركعتين ثم تذهب للي يسمرون وتجلس معهم وتسمع حديثهم وتقول: أنا والله قمت الليل كله، ما هو بصحيح، نعم قد تستعمل ما ينشطك على القيام، تكون عندك أشياء تنشطك، هذا مما يستعان به على الطاعة فهو طاعة، هذا

ما فيه إشكال، لكن مع ذلك لا تقول: والله أنا قمت الليل، وأنت أكثر الليل إما في استراحة وإلا في مجلس سمر وإلا شيء، هذا ما هو بقيام، القيام الذي يستغل فيما ينفع، هب أنك جلست مع أهلك وسمرت معهم ووجهتهم لما ينفعهم، هذا قيام، أو جلست في استراحة مع جمع من أصحابك ونفعتهم بفائدة ووجهتم، وتكلم بعضهم بما لا ينفع فوجهته لما ينفع هذا قيام {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] ومنهم من يقول: إن (ما) مصدرية، تؤول مع ما بعدها بمصدر، فتكون: كانوا قليلاً من الليل هجوعهم، يعني نومهم، وهذا جيد، قليل من الليل هجوعهم، شوف لما كان قيام الليل يحصل في خفاء يكون الجزاء أيضاً من جنس العمل، قيام الليل دأب الصالحين في الأمم كلها، و ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [(16) سورة السجدة] {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [(17) سورة السجدة] أخفي الجزاء كما أخفي العمل، والقيام مثل ما ذكرنا، وهذه الآية وغيرها مما جاء في معناها لسنا من أهلها، لسنا من أهلها، نسأل الله -جل وعلا- أن يحيي هذه القلوب الميتة، الإنسان والله يقولها من حرقة، كلام صحيح؛ لأن الإنسان هذا هو الواقع والله لسنا من أهلها، والعالم وطالب العلم إنما يتميز بهذا، إنما يتميز بهذا، فإذا كان محروماً في هذا الباب ليجزم ويعلم أن في طلبه، في علمه، في تعليمه خلل {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] يعني وين؟ الذين يعلمون هم الذين تتجافى جنوبهم، وهم الذين قليلاً من الليل ما يهجعون، وهم الذين يحذرون الآخرة ويرجون رحمة الله بقيام الليل، {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] "ينامون، وما زائدة" ويهجعون، خبر كان، كانوا قليلاً اسمها الضمير الواو واو جماعة، ويهجعون خبرها، وقليلاً

ظرف أي ينامون في زمن يسير من الليل ويصلون أكثره. من أهل العلم من المفسرين من يقول: {كَانُوا قَلِيلًا} [(17) سورة الذاريات] ويقف {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا} [(15 - 17) سورة الذاريات] الذين هذه أوصافهم قلة، يعني عددهم قليل، ثم الاستئناف {مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] لكنه قول ضعيف؛ لأن هذا يقطع أول الكلام عن آخره، وقيام الليل من أوصاف المتقين الذين يستحقون هذا الجزاء العظيم، وينامون في زمن يسير من الليل ويصلون أكثره.

قد يقول قائل: السنة الإلهية أن الليل سكن، والنهار معاش، فهل يلام الإنسان إذا قلب هذه السنة الإلهية لعمل صالح؟ يقول: أنا والله بالليل أنشط لي، وأقل الوارد كانوا قبل سنين قبل ثلاثين سنة شيء أدركناه الليل ما في طلعة خلاص، الانتشار الآن كله في الليل، وقلبت السنن الإلهية على لا شيء، لكن من أراد أن يقلب هذه السنة الإلهية لكن على شيء، يقول: أنا أصلي العشاء وأجلس في البيت وأقسم الوقت من صلاة العشاء إلى أذان الصبح فيما ينفع، أقسمه أثلاث أو أرباع أو على حسب ما يسع بعضه قراءة، وبعضه مراجعة، وبعضه حفظ، وبعضه صلاة، وبعضه ذكر، وبعضه إلى أن .. ، هذا أنشط لي؛ لأن النهار يعني يلاحظ في عصرنا هذا النهار في الحقيقة بعد القلب الذي حصل لا سيما من ليس لديه عمل معين، ما هو مرتبط بعمل، وفي الإجازات يتضح هذا، تجد أكثر الناس يسهر الليل إلى صلاة الفجر، ثم ينام إلى صلاة الظهر، ومرتاح مبسوط، لكن خله ينام الليل إلى الفجر ثم يقوم إلى صلاة الظهر يتلفت يمين يسار يبي أحداً يكلمه يبي أحداً يتصل عليه ما في، فإذا كان قلب السنة الإلهية لمجرد القلب وأن عمله في النهار هو عمل الليل ما يصلح، لكن إذا كان عمله بالليل أنشط فيما يقربه إلى الله -جل وعلا- فالنبي -عليه الصلاة والسلام- في العشر الأواخر يحيي الليل، يستغل هذه الأوقات، وإذا أردت أن تستغل أوقات الغفلات فيما ينفعك فلا تلام، إذا كان أنشط لك الليل وأردت أن تقسم هذا الليل كما كان يفعل كثير من السلف لكنهم يهجعون قليلاً، يهجعون قليلاً ينامون قليلاً من أجل أن يستعينوا بهذه الهجعة على ما بعد صلاة الصبح من أعمال.

{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [(18) سورة الذاريات] وبالأسحار: يعني آخر الليل يستغفرون، فيقولون: اللهم اغفر لنا، ومنهم من يقول: بالأسحار يصلون، يعني تتصل صلواتهم وعباداتهم إلى طلوع الفجر، لكن اللفظ وإن كان الاستغفار من أعمال الصلاة إلا أن حقيقته المطابقة قول: "اللهم اغفر لي"، "استغفر الله، استغفر الله" ينوع، ثم يأتي بسيد الاستغفار، ثم .. ، المقصود أنه يأتي بالاستغفار بصيغه الواردة في الأدلة والأحاديث الصحيحة، يستغفر، ويستحضر أنه مهما بلغ ومهما عمل من الأعمال .. ، مهما عمل من الأعمال أنه جميع أعماله لن تدخله الجنة ((ولن يدخل أحدكم الجنة بعمله)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) فالأعمال لا تدخل الجنة، إنما دخول الجنة برحمة أرحم الراحمين، فأنت تجلس تستغفر وتنكسر بين يدي ربك في آخر الليل عسى الله ولعل الله أن يقبل عملك، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة]. {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(19) سورة الذاريات] في أموالهم، أضيفت الأموال إليهم إضافة ملك، يملكونها، وإن كان هو وما يملك ملك لله -جل وعلا-، {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ} [(33) سورة النور] فالمال لله، ويملكه باعتبار الملك البشري، بحيث أنه يسوغ له شرعاً أن يتصرف فيه تصرفاً مضبوطاً بضوابط شرعية، ليس بتصرف مطلق أو مرسل عن الضوابط الشرعية لا، فهو ماله باعتبار أنه يتصرف فيه، لكنه مال الله بحيث لا يتصرف فيه إلا على ضوء مراد الله -جل وعلا-.

{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} [(19) سورة الذاريات] حق واجب وحق مندوب، وجاء من حديث عائشة: ((إن في المال حق سوى الزكاة)) وجاء عنها أيضاً: ((ليس في المال حق سوى الزكاة)) فالمراد بالمثبت في المال حق سوى الزكاة المندوب، حق مندوب، وليس في المال حق يعني واجب سوى الزكاة، وعلى كل حال الصدقات منها، والزكوات منها، والنفقات منها المندوب ومنها الواجب، وفي هذه الآية {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(19) سورة الذاريات] الذي لا يسأل يتعفف، السائل الذي يتعرض للناس، الذي يتعرض للناس، والمحروم الذي لا يتعرض للناس، ولا يتكفف الناس، ولا يسأل، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ومنهم من يقول: إن المحروم الذي حرم من الانتفاع بماله بأن جاءت جائحة وقضت عليه، وليس المحروم المعروف عند الناس عرفاً، الذي أمواله وأرصدته في البنوك ولا يستفيد منها لبخله وشحه، لا، ليس هذا هو المحروم الوارد في النصوص، لا يجوز أن يدفع له شيء هذا، هذا عليه زكوات وعليه صدقات، فإذا بخل بما أوجب الله عليه يعطى من الزكاة؟ أبداً، ولو مات، ما يعطى من الزكاة مثل هذا، وإن شاع عرفاً أن هذا محروم، لكن ليس هو المراد بالنصوص. من أهل العلم من يقول: إن الآية في الزكاة، إذا قارنها بالآية الأخرى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(24 - 25) سورة المعارج] فالمعلوم والمحدد شرعاً هو الزكاة هي التي لها أنصبة ولها فروض ولها .. ، هي المعلوم، حق المعلوم بالتحديد من الشارع إنما هو في الزكاة، أما الصدقات المندوبة ليس لها ضابط يضبطها تأتي من ((ولو بشق تمرة)) إلى أن تبرع أبو بكر بجميع ماله، هذا كله من المندوب، وليس بمعلوم، يعني سواءً تصدقت بشق تمرة، ((ولو بفرسن شاة محرق)) إلى أن يصل إلى أن تتصدق بجميع مالك كما فعل أبو بكر -رضي الله عنه-، الآن نكتفي بهذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة الذاريات (3)

تفسير الجلالين - سورة الذاريات (3) من آية (20 - 37) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول الجلال المحلي في نصيبه من تفسير الجلالين، يقول -رحمه الله تعالى-: {وَفِي الْأَرْضِ} [(20) سورة الذاريات] من الجبال والبحار والأشجار والثمار والنبات وغيرها آيات دلالات على قدرة الله -سبحانه وتعالى- ووحدانيته {لِّلْمُوقِنِينَ} [(20) سورة الذاريات].

وفي الأرض من جميع ما على وجهها من الجبال والرمال والسهول والوعور والنباتات بأنواعها آيات، جمع آية، وهي ما يدل على عظمة الله -جل علا-، وأنه -جل وعلا- هو المتفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة، وأنه هو المستحق للعبادة، لكن آيات لمن؟ آيات لجميع الخلق هذا هو الأصل، لكن هل من مدكر؟ هل من متعظ؟ هل من معتبر؟ هل من مستدل؟ ولذا جاء تعظيم التفكر والاعتبار والنظر في مخلوقات الله وآياته، للدلالة بذلك على وحدانيته، فهدى الله أقواماً امتثلوا ما أمروا به ونظروا في ملكوت السماوات والأرض {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} [(190) سورة آل عمران] لكن من؟ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] أهل الغفلة ليس لهم نصيب من ذلك، ولذا تجد كثير من الناس هذا الأمر لا يرفع به رأساً، وهو من أعظم ما يثبت الإيمان في القلب، ومن أعظم ما يزيده في النفس، فمن أعظم ما يزيد الإيمان الذي جاءت الأدلة على أنه يزيد وينقص من أعظم ما يزيده التفكر في آيات الله، في مخلوقاته، في آياته، فيما أنزله على خلقه ليعتبروا ويدكروا ويتعظوا، وكما قال الله -جل وعلا- عن القرآن: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] يعني لا يتسنى لجميع الناس أن يتعظوا ويعتبروا وينظروا، لكن الموفق من وفقه الله -جل وعلا- لاستعمال ما ركب فيه من هذه الحواس التي تعينه على ما أرداه الله -جل وعلا-، فكم من بصير أعمى، وكم من أعمى بصير، الأعمى بإمكانه أن ينظر، بإمكانه أن يتفكر بعين البصيرة، وكم من أعمى يتقلب في فراشه خوفاً من ربه، وتعظيماً له، وكم من بصير ينظر يميناً وشمال لكنه لا يستفيد شيئاً، والله المستعان.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: " {وَفِي الْأَرْضِ} [(20) سورة الذاريات] من الجبال والبحار والأشجار والثمار والنبات وغيرها" كل ما على وجه الأرض يدل على عظمة الله -جل وعلا-، يدل على أنه لا شريك له، بل هو المتوحد المتفرد "آيات دلالات على قدرة الله -سبحانه وتعالى- ووحدانيته" الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة، الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة، لكنها آيات للموقنين، آيات للموقنين، ليست لكل أحد الذي في قلبه اليقين التام والتصديق بما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، اليقين والإيمان الثابت الراسي في القلب، الراسخ هذا هو الذي ينفع صاحبه، ومن أعظم ما يعين على ذلك مثل ما ذكرنا النظر في آيات الله، في مخلوقاته العظيمة، وفي آياته، وما أنزله على رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "قراءة القرآن على الوجه المأمور به، "قراءة القرآن على الوجه المأمور به" يعني ليست مثل قراءتنا الذي يهمنا فيها أن ننهي الحزب المقرر الذي قرره الإنسان على نفسه اليومي، يهمه أن ينتهي، لكن القراءة على الوجه المأمور به هي التي تورث القلب من الإيمان واليقين مثل ما قال شيخ الإسلام مما لا يوجد عند غيره، عند غير هذا الشخص الذي قرأ القرآن بالتدبر والترتيل، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ من أعظم ما يثبت الإيمان في النفس، ويزيد اليقين في القلب هو قراءة القرآن على الوجه المأمور به، مع النظر في آيات الله وملكوته، يقول الشيخ حافظ -رحمه الله تعالى-: وبالتدبر والترتيل فاتلوا كتاب الله ... لا سيما في حندس الظلمِ

في حندس الظلم، وجاء في الحديث: ((المسر بالقرآن كالمسر بالصدقة، والجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة)) وليس المراد فيما يظهر -والله أعلم- أن المسر بالقرآن الذي يقرأه بحيث لا يسمع، إنما يقرأه بحيث لا يرى، بحيث لا يرى لتتم المطابقة في التشبيه، الممدوح المتصدق الذي لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وأما كون الإنسان يقرأ القرآن بين الناس وإن كانوا لا يسمعون لفظه، هذا لا شك أنه معرض، معرض للخدش، للرياء، بخلاف من يقرأ القرآن كما قال الشيخ: "لا سيما في حندس الظلم" وقد يحتف بهذا الأمر المفوق ما يجعله فائقاً فيتصدق علانية ليقتدى به، كما في حديث: ((من سن سنة حسنة)) كما أن الذي يقرأ القرآن في السر وهذا هو الغالب من أحواله قد يعرض لقراءته علناً ما يجعله أفضل من قراءته في السر لا سيما إذا كان ممن يقتدى به، وحجة كثير من طلاب العلم حينما يقال لهم: لا نراكم تقرؤون القرآن؟ يقولون: ما نشوف شيوخنا يقرؤون القرآن، ما يدرون أن لهم نصيب وافر من قراءة القرآن، ومن القيام بالقرآن في الليل، لكن أيضاً هؤلاء الشباب لا بد لهم من قدوات، فإذا رأوا الشيخ يتقدم إلى الصلاة ويقرأ القرآن، ويتأخر بعد الصلاة ويقرأ القرآن اقتدوا به، فيضم إلى أجر قراءته القرآن أجر الاقتداء والاستنان به، وإن كان الأصل خلاف ذلك، لكن يبقى أنه كما قرر أهل العلم أنه يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، والمرجوح ما يجعله راجحاً، فالصدقة السر هي الأصل، والقراء في السر هي الأصل، لكن قد يكون بالنية الصالحة من أجل الاقتداء به يؤجر على الجهر بالشيء وعلى إعلان الشيء إضافة إلى أجره الأصلي أجر من يقتدي به ((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) ونحن نرى الكبار من الشيوخ لا يُقرِئون القرآن، يقرئون العلوم من الحديث والفقه والعقيدة وسائر العلوم ولا نراهم في أيامنا الأخيرة يقرئون القرآن، كان الشيوخ الكبار أول ما يبدأ بالقرآن، فتجد كثير من طلاب العلم يأنف من إقراء القرآن، يقول: هذه وظيفة معلمي الصبيان، أو الكتاتيب أو ما أشبه ذلك، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) والله ما نشوف للشيخ فلان درس في القرآن، قد يقرأ

عليه في التفسير لكن ما عنده درس في القرآن، فينبغي أن يتخطى هذا الأمر، وإن كان تلقين الحروف وتصويب وتصحيح القراءة قد يحصل ممن دون الطبقة العليا، لكن ينبغي أيضاً أن يكونوا قدوات، يعني سمعت عن أساتذة في الجامعة دكاترة في الأحساء يقرئون القرآن ويلقنون القرآن وهذه منقبة حقيقةً يعني، صحيح أنها اندرست عندنا لكنها منقبة لهم، وما المانع أن يكون بداية الدرس تسميع وحفظ للقرآن وتصحيح للقرآن وشرح لبعض مفرداته؟ في أول الدرس ثم بعد ذلك تقرأ العلوم الأخرى؛ لأن القرآن ينبغي أن يكون منطلق لكل عالم وكل متعلم، ففيه كل ما يحتاجه طالب العلم، لكننا تربينا على غير هذا مع الأسف، وجعل القرآن لأناس يتخصصون به ويعتنون به، لكن القرآن هم كل مسلم، وقاسم مشترك لجميع المعلمين والمتعلمين، ما يمكن أن يستغني عنه أحد. ثم قال: " {وَفِي أَنفُسِكُمْ} [(21) سورة الذاريات] آيات أيضاً" في الأرض آيات، في الأرض: خبر مقدم، جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره كائن أو مستقر، خبر مقدم آيات مبتدأ مؤخر، وسوغ الابتداء بالنكرة تقدم الخبر، يعني تأخيره يسوغ الابتداء به. ونحو عندي درهم ولي وطر ... ملتزم فيه تقدم الخبر {وَفِي أَنفُسِكُمْ} [(21) سورة الذاريات] وهو أيضاً خبر مقدم أو متعلق بمحذوف خبر مقدم، آيات: تقدير المبتدأ محذوف مقدر "آيات أيضاً من مبدأ خلقكم إلى منتهاه، وما في تركيب خلقكم من العجائب" {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [(21) سورة الذاريات] يعني من الغفلة أن يطلب الإنسان الشيء البعيد ويترك القريب، يطلب وينظر إلى الشيء البعيد والذي بين يديه يتركه لا ينظر في خلقه، لا يتفكر في خلقه، ليرى العجب العجاب.

ابن القيم -رحمه الله- أفاض في هذه المسألة في (مفتاح دار السعادة) وذكر وظائف الجسم، وأعضاء الجسم، ومفاصل الجسم، يقول: جفن العين هذا ما فائدته؟ يعني لو كانت العين مكشوفة تصور ويش يصير الوضع؟ والحر والبرد والرياح تهبها، لا يقدر قدر هذا الجفن إلا من فقده، الناس يعني أشبه ما يكون بالمساحة مساحة الزجاج تجدها باستمرار تمسح، وإلا تراكمت عليها المكروبات والجراثيم وغيرها، وتعرض للحر والبرد والرياح، فتأثرت لكنها محفوظة محمية بهذا الجفن، وذكر شيء لا يخطر على البال، فعلى طالب العلم أن يعنى بمثل هذه الأمور؛ لأنها مما يثبته ويزيد في يقينه، يعني في كل عضو كل سلامى من جسد الإنسان كل مفصل من المفاصل ثلاثمائة وستون مفصل، كل واحد يحتاج إلى صدقة؛ لأنها نعم تحتاج إلى شكر، تصور لو أن أصبعك الصغير لا تستطيع أن تثنيه كم تتأذى بهذا الأصبع؟ فكيف بالرجل؟ كيف باليد لو كانت ممدودة هكذا لا تستطيع ثنيها؟ كيف بالرقبة لو كانت لا تستطيع أن تلتف يمين ولا شمال ولا ترفع رأسك ولا تخفضه؟ أمور على الإنسان أن يتفكر بها، وينظر فيها بعين الاعتبار، وأن يشكر هذا الخالق المنعم الرازق الذي تفضل عليه بهذه النعم الكثيرة، يعني لو أن إنساناً أصيب بعرق نابض ما هنأ له عيش، لا يهنأ له عيش، ولا يطيب له عيش، فهذه أمور كلها تحتاج إلى شكر، كل نعمة من هذه النعم تحتاج إلى شكر، ولو أن إنساناً عبد الله -جل وعلا- منذ التكليف إلى أن مات بعد أن عمر مائة سنة كل هذه العبادة لا تساوي نعمة من النعم، فلو وضعت في ميزان ووضع في مقابلها نعمة البصر أو السمع ما قامت لها، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لن يدخل أحدكم عمله الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) فدخول الجنة برحمة الله -جل وعلا-، لكن كما قال أهل العلم: المنازل بالأعمال، أما الدخول فهو برحمة الله -جل وعلا-، وإلا لو حوسب الإنسان كما ذكرنا في الدرس السابق: ((من نوقش الحساب عذب)) أياً كان، كما جاء في الحديث الصحيح.

{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [(21) سورة الذاريات] "تبصرون ذلك فتستدلون به على صانعه وقدرته" يعني الاعتبار بما في النفس وما تحويه من بدن وجسد مركب من لحم ودم وعظم وعصب وشعر وظفر، كل هذا إنما يعرفه من وفقه الله -جل وعلا- من يزاول مهنة الطب، ولذا نجد عند الأطباء من خصائص الأعضاء ومعرفة فوائد هذه الأعضاء ما لا نجده عند غيره، وأدرج بعض المفسرين من المعاصرين بعض هذه الأمور متلقاة من علم الطب، فعلى الإنسان أن يهتم بهذا الموضوع؛ لأنه يزيد في إيمانه ويرسخ يقينه، قد يقول قائل: اليقين والإيمان الحمد لله موجود، لكن تجده موجود في وقت السعة، لكن ابحث عنه في وقت الضيق خله يحصل لك حادث وإلا مصيبة وإلا لولدك أقرب الناس إليك، وأحب الناس إليك أدنى شيء تشوف اليقين وين يروح؟ كثير من المسلمين كلامه دعوى، فإذا جاءت المضايق وجاءت أوقات الامتحان وجدته صفراً، وحصل لنا ولغيرنا مثل هذا، فما وجدنا شيء في وقت الضيق، لماذا؟ لأن الكلام في الغالب لا يتجاوز اللسان إلى القلب، هذه مشكلتنا، والله المستعان.

تجد -ما شاء الله- بعض الناس يعني وجدنا، يعني واحد من المشايخ عنده محاضرة بعد صلاة العشاء وتنتهي في الحادية عشرة، وكنت على موعد معه الساعة الحادية عشرة مع نهاية المحاضرة، وجلسنا عنده إلى وقت متأخر، ونرجو أن يكون هذا السمر وإن كنا نتذرع بذلك وهذا السهر فيما ينفع -إن شاء الله تعالى-، نعم هو بالنسبة لذلك الشخص السمر معه ينفع بلا شك، فلما خرجنا منه الساعة الواحدة والرجل لم يتغير من وضعه شيء على عادته في جده وفي أسئلته وفي تبسطه على عادته، فبعد أن خرجنا منه بعد ربع ساعة قال لنا واحد من الإخوان: أتدرون ما الذي حصل للشيخ؟ قلنا: والله ما ندري عن شيء، قال: ابنه الأكبر وقع بين يديه مغماً عليه، فذهب به إلى المستشفى وأدخل العناية المركزة ولا يشعر بشيء، والأطباء يقولون: ما ندري ويش اللي فيه؟ يعني أمر لا يطاق يعني في تقديرنا، وما تعودناه وما تربينا عليه، يعني لو أن الولد يصاب بأدنى شيء قلق الإنسان، وألغى كثير من ارتباطاته، والله العظيم إن هذا الواقع، وآخر ولده بكره يصدم ويموت بحادث ونزوره ونعزيه ونواسيه والله إنه أثبت منا وأصبر، وثالث وهو من الأطباء قبل أقل من شهر ولده حافظ للقرآن وإمام مسجد يخرج من بيته فيحصل عليه حادث ويموت، ونأتي لتعزيته حقيقة إن كانت أيامه كلها على هذا الوضع فهو سعيد، يعني في اليوم الذي مات فيه ولده أو من الغد إن كان هذا وضعه في أيامه العادية في أيام سروره فالرجل سعيد، هذا اليقين، لكن أين هو إذا وجدت مثل هذه المضايق؟ كثير من الناس ينسى، ينسى اليقين، وينسى الدين كله، ثم تجده من أبلغ الناس إذا وعظ، وتجده في هذا المجال صفر، يعني هذا جربناه في أنفسنا قبل الناس يعني، يعني طلبة علم تقول له: وين يا فلان؟ أين ما تعلمت؟ لا يحير جواب، والله المستعان.

يقول: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [(21) سورة الذاريات] "ذلك فتستدلون به على صانعه وقدرته" والبصر كما يكون بالعين يكون أيضاً بالبصيرة، بالتفكر بالإمكان أن يتفكر الإنسان ويعتبر ويتعظ وهو تحت الأغطية في فراشه، يتأمل ويتدبر، ثم بعد ذلك إن فاضت عينه من بعد هذا الاعتبار وهذا التذكر فهنيئاً له ((رجل ذكر الله خالياً ففاضت عينه)) "فتستدلون به على صانعه وقدرته" {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ} [(22) سورة الذاريات] "أي المطر المسبب عنه النبات الذي هو رزق" في السماء الرب -جل وعلا- {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} [(16) سورة الملك] الرب -جل وعلا- في السماء، و (في) هذه بمعنى (على) ومنه ينزل كل خير وكل رزق، لا يختص ذلك بالنبات إنما كل الرزق من عند الله -جل وعلا- ينزل من جهة العلو، من جهة .. ، من الرب -جل وعلا-، وهنا يقول: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ} [(22) سورة الذاريات] "أي المطر" هذا تفسير للعام ببعض أفراده، لماذا؟ لأن رزق مفرد مضاف وهو من صيغ العموم، جميع الرزق في السماء "أي المطر المسبب عنه النبات الذي هو زرق" فهو تفسير للعام ببعض أفراده. {وَمَا تُوعَدُونَ} [(22) سورة الذاريات] "من المآب والثواب والعقاب أي مكتوب ذلك في السماء" مكتوب في اللوح المحفوظ، مكتوب في اللوح المحفوظ، والأمر به من لدن الله -جل وعلا-، وهو في السماء، وإن كان الرزق المباشر بعد نزول الأمر به من السماء يكون في الأرض؛ ليسهل تناوله من قبل المخاطب.

{فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ} [(23) سورة الذاريات] يقسم الرب -جل وعلا- بنفسه، وهو رب السماء والأرض، لا رب غيره، ولا إله سواه، وأقسم بنفسه في مواضع، وأقسم بغيره كما تقدم بالذاريات وما عطف عليها، وأمر نبيه أن يقسم به، أمر نبيه أن يقسم به على البعث في ثلاثة مواضع: في يونس: {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [(53) سورة يونس] وفي سبأ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [(3) سورة سبأ] وفي التغابن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [(7) سورة التغابن] ثلاثة مواضع أمر الله نبيه أن يقسم، والقسم معروف شأنه وحكمه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يقسم على الأمور المهمة ويحلف من غير استحلاف، مما يدل على جوازه في الأمور المهمة، أما في غيرها فجاء النهي عنه {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ} [(224) سورة البقرة] لا تجعل القسم على يمينك في الأشياء التافهة التي لا قيمة لها.

{فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ} [(23) سورة الذاريات] أي رزقكم، وما توعدون، إلا أنه قال: "أي ما توعدون" فورب السماء والأرض أنه أي ما توعدون، وعود الضمير على جميع ما تقدم من الرزق وما يوعدون أولى؛ لأنه متعقب لأكثر من جملة، وما يتعقب جمل سواءً كان في مثل هذا الموضع القسم، أو الاستثناء، أو الوصف يعني عوده إلى جميع ما تقدم إن أمكن هو الأصل، وإذا منع منه مانع حمل على البعض دون ما منع منه مانع، كما في قول الله -جل وعلا- في آية القذف في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(5) سورة النور] فالاستثناء متعقب لثلاث جمل، حكم بها على القاذف {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [(4) سورة النور] هذا الحكم الأول، هل يتناوله الاستثناء بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(5) سورة النور]؟ لا، لا يتناوله الاستثناء لوجود مانع؛ لأنه حق آدمي لا تسقطه التوبة {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(5) سورة النور] أما وصف الفسق فيرتفع بالتوبة اتفاقاً، ويبقى الخلاف في {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النور] فمع هذا التأبيد قال بعض أهل العلم أنه لا تقبل شهادته مطلقاً ولو تاب، ولو ارتفع عنه وصف الفسق، ومنهم من قال: إنه لا يوجد ما يمنع من قبول شهادته إذا ارتفع الوصف المانع من قبول الشهادة وهو الفسق، وهنا: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ} [(23) سورة الذاريات] الضمير يعود على ما قال المؤلف -رحمه الله-: "أي ما توعدون" ولا مانع من أن يعود على ما تقدم، إنه أي رزقكم وما توعدون أيضاً {لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [(23) سورة الذاريات] حق صدق، كلام أصدق من تكلم، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} [(122) سورة النساء] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} [(87) سورة النساء] لحق: لصدق، يقول هنا: {مِّثْلَ

مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [(23) سورة الذاريات] يعني هل يماري أحد في أن فلاناً من الناس الذي تكلم من دون مانع، تكلم أمامه هل يماري أحد في أنه ينطق؟ يعني لو افترضنا شخص عنده درس ويتكلم، لو قال واحد لجاره: أتظن الشيخ أخرص ما يتكلم؟ كيف؟ بماذا نصفه؟ بأي شيء؟ نقول: مجنون، أنت ما تسمع؟ {مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [(23) سورة الذاريات] يعني هذا لا يماري فيه أحد، وهذا في الأصل أن الإنسان ناطق لكن قد يوجد أخرص لكن هذا ما يخرم القاعدة، الأصل في الإنسان أنه ناطق، لكن إذا وجد عارض وجد مانع في نوادر من الناس وفي قلة، هؤلاء لا يلتفت إليهم {مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [(23) سورة الذاريات] يقول: "برفع مثل صفة" صفة لحق، لحقٌ مثلُ ما أنكم تنطقون، يقول: "برفع مثل صفة، وما مزيدة" وما مزيدة، يعني لو رفعت ما تأثر الكلام، وأما زيادتها فلفائدة عظيمة وهي دعامة للكلام تقوي الكلام، لا يقال: إن في القرآن ما يجوز حذفه، فالقرآن مصون من الزيادة والنقصان، كثيراً ما يعبر أهل العلم عن مثل هذا بقولهم: (ما) صلة، صلة يعني من باب التأدب؛ لأن القرآن محفوظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] مصون من الزيادة والنقصان، لو قيل بزيادة حرف أو نقص حرف كفر نسأل الله السلامة والعافية؛ لأن الأمة أجمعت على أن هذا القرآن المحفوظ بين الدفتين هذا لا يقبل الزيادة ولا النقصان، وتكفل الله -جل وعلا- بحفظه، بخلاف الكتب السابقة التي استحفظ أهلها عليها، فلم يحفظوها، غيرها وبدلوا وحرفوا وزادوا ونقصوا قدموا وأخروا، لكن كتابنا محفوظ، وكثير من طلاب العلم يستشكل أن يقال في كتب التفسير (ما) زائدة، ويتأدب بعضهم فيقول: (ما) صلة، يعني تشبيهاً لها بصلة الموصول التي لا محل لها من الإعراب.

يقول: "وبفتح اللام مركبة مع (ما) " مركبة مع (ما) والتركيب المزجي يقتضي فتح الجزأين، مثل أحد عشر، بعلبك مثلاً ثلاث عشرة، ثلاثة عشر أربعة عشر تركيب مزجي هذا، فإذا ركبت مع (ما) فتحت، صارت مثلما، مثل كلما "المعنى مثل نطقكم في حقيقته، أي معلوميته عندكم ضرورة صدوره عنكم" يعني مثل ما ذكرنا، إن الإنسان التي ليست به علة ولا آفة وينطق نطقاً واضحاً مفهوماً معروفاً على ما تعارف عليه الناس في كلامهم لو قال الإنسان: والله فلان أبكم، قيل: مجنون، هذا القائل مجنون، لا يعي ما يقول، والتشبيه بالنطق، التشبيه بالنطق ما قال: مثل ما أنكم تسمعون؛ لأن السمع أمر خفي، السمع أمر خفي، وأما النطق فهو ظاهر، النطق ظاهر يسمع ينتقل من قائله إلى غيره، أما السمع فهو آلة تلقي، يعني يمكن يجلس شخص بجوارك لمدة ساعة لكنك لا تخاطبه فلا تدري هل هو يسمع أو لا يسمع؟ وقد تخاطبه ولا يرد عليك لأمر من الأمور ولا تجزم بأنه لا يسمع، بينما الذي يتكلم لا يتردد أحد في أنه يتكلم. يقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [(24) سورة الذاريات] هل أتاك "خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-" خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو استفهام تقريري، وتكررت قصة إبراهيم -عليه السلام- مع ضيفه من الملائكة في مواضع من القرآن، ومن أبسطها ما جاء في سورة هود.

{هَلْ أَتَاكَ} [(24) سورة الذاريات] يعني يا محمد، وأحياناً يأتي أسلوب القرآن في مثل هذا معبراً عنه بالرؤية، معبراً عنه بالرؤية، لماذا؟ لأنه أمر مقطوع به، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يره بعينه، لكنه بلغه بخبر من يقطع بخبره وهو الله -جل وعلا-، ولذا يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أدرك هذه الحوادث وهذه الوقائع، لكنها بلغته بطرق قطعية كأنها مشاهدة، فعبر عنها بالرؤية، وهنا يقول -جل وعلا-: {هَلْ أَتَاكَ} [(24) سورة الذاريات] يعني يا محمد، خطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام-، {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [(24) سورة الذاريات] مكرمين؛ لأن إبراهيم -عليه والسلام- من أشرف الخلق، بل هو أفضلهم بعد محمد -عليه الصلاة والسلام-، هو الذي تولى خدمتهم بنفسه، وهم أيضاً ممن أكرمه الله -جل وعلا- بأن جعلهم من الملائكة، فهم مكرمون من جهتين، من جهة أن الله -جل وعلا- كرمهم فجعلهم من الملائكة، وأيضاً خدمهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إبراهيم بنفسه، ما وكل خدمتهم إلى أحد، وهكذا ينبغي أن يفعل بالضيف، ينبغي أن يكرم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) وبعض الناس لا يهتم بضيفه، يكل خدمة الضيف إلى الخدم أو إلى غيره، فلا يتولى ذلك بنفسه، نعم إذا كان مشغول بأمور هامة، بأمور لا يستطيع التنصل منها هذا معذور، لكن إذا لم يكن ثم شغل فعليه أن يكرم ضيفه. يقول: "وهم ملائكة اثنا عشر أو عشرة أو ثلاثة" يعني المسألة ذكرها المفسرون، منهم من قال: اثنا عشر ومنهم قال: عشرة، ومنهم من قال: ثلاثة، لكن المتفق عليه "منهم جبريل" ولذا قال: "منهم جبريل" يعني موجود في الأقوال كلها، في الأقوال كلها ونص عليه هو.

" {إِذْ} ظرف لحديث ضيف"، {دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا} [(25) سورة الذاريات] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا} [(23 - 24) سورة الذاريات] جمع دخلوا واو الجماعة دخلوا يعود إلى ضيف، وضيف مفرد، ما قال: إذ دخل، قال: المكرمين ما قال: المكرم، وضيف مصدر يصدق على الواحد والاثنين والجمع، وعلى المذكر والمؤنث بلفظ واحد، مثل طفل {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [(67) سورة غافر] ما قال: أطفال، كذلك حمل، كذلك جنب، (إذ) يقول: "ظرف لحديث ضيف" إبراهيم، (إذ) يعني وقت، دخلوا عليه على إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- فقالوا: سلاماً، أي هذا اللفظ، قال: سلامٌ أي بهذا اللفظ، قالوا: سلاماً، قال: سلام، يعني رد التحية بلفظها، والأفضل نعم أن ترد يعني بأحسن منها؛ لأن الذي يقول: وعليكم السلام، عشر حسنات، والذي يقول: ورحمة الله، عشر، وبركاته عشر، يعني ثلاثين، فكونها ترد بأفضل هذا الأفضل، هذه مسألة، الأمر الثاني: أنه في بعض المواضع ما في رد، ما في رد، ما قال: سلاماً في سورة الحجر؟ في سورة الحجر؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا} [(52) سورة الحجر]؟ طالب:. . . . . . . . .

لا، ما في، ما في رد، أما سورة هود فيها رد، سورة هود فيها الرد، قالوا: سلاماً قال: سلام {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} [(51 - 52) سورة الحجر] ما في رد، فهل يمكن أن يقول قائل: إن إبراهيم -عليه السلام- ما رد؟ إبراهيم -عليه السلام- رد، والواقعة واحدة، ولا يلزم النقل في كل واقعة، ما دام نقل في موضع واحد لا يلزم النقل في كل موضع، وفي كل حادثة، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما سلمت عليه أم هانئ، فقالت: السلام عليك يا رسول الله، قال: ((مرحباً بأم هانئ)) سلمت عليه فاطمة قال: ((مرحباً بابنتي)) هل نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال: وعليكم السلام ما رد؟ أو نقول: ما دامت النصوص محفوظة فيها الرد فلا يلزم نقل الرد، ما هو ما يلزم الرد، لا يلزم نقل الرد في كل مناسبة، كما عندنا هنا، الرد مقطوع به، لكن كونه لا ينقل في موضع لا يعني أنه لم يرد، يعني في حديث الثلاثة الذين دخلوا وسلموا ما رد، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما نقل أنه رد، هل نقول: إنه ما رد؟ وهل في مندوحة ألا نرد؟ لا، ما في مندوحة عن الرد، يعني إذا شككت في الشخص يعني الأمر بيدك، يعني إذا غلب على ظنك أنه ليس ممن يسلم عليه شرعاً الأمر بيدك، لكن إذا سلم لا بد أن ترد، ولو غلب على ظنك أنه ممن لا يستحق الرد، يعني رد قال: السلام عليكم وأنت ما تدري هو مسلم وإلا كافر؟ الكلام إذا غلب على ظنك أنه مسلم تقول: وعليكم السلام، إذا غلب على ظنك أنه كافر ما ترد عليه بنفس التحية تقول: وعليكم، لكن لا بد من الرد، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ} [(94) سورة النساء] المقصود أن الرد لا بد منه، وهنا نقول: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- رد على أم هانئ، ورد على فاطمة، ورد على الثلاثة، لكن ما يلزم نقله، إذا ثبت هذا بنص صحيح ففي بقية المواضع لا تلزم، وإن كان بعض أهل العلم يقول: إن مرحباً تكفي في الرد، بعضهم يقول: إذا قلت: مرحباً خلاص يكفي، ما تقول: وعليكم، ما يلزم تقول: وعليكم السلام.

{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا} [(25) سورة الذاريات] أي هذا اللفظ {قَالَ سَلَامٌ} أي هذا اللفظ" يقول العلماء: إن سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة، أبلغ من سلام الملائكة لماذا؟ قالوا: لأن سلام الملائكة مصدر، والمصدر ينوب مناب فعله، والجملة الفعلية لا تدل على الدوام والثبوت كالجملة الاسمية، فسلام إبراهيم -عليه السلام- جملة اسمية، سلام الملائكة جملة فعلية، والجملة الاسمية تدل على الثبوت والدوام والاستمرار بخلاف الفعلية. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد -صلى الله عليه وسلم-. {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} [(25) سورة الذاريات] لا نعرفهم قال ذلك في نفسه" أنكرهم، لا يعرفهم، ولا يدري من أي بلد جاءوا، ولا إلى أي قبيلة ينتمون، وليس ثم قرينة تدل على أنهم من البلد الفلاني أو من القبيلة الفلانية، أو من الإقليم الفلاني، يعني كما جاء في حديث جبريل لما جاء يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل عليه رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، لا يعرفه منا أحد، ما فيه دليل ولا قرينة تدل على الجهة التي جاء منها، هؤلاء رآهم فأنكرهم، لا يدري من أي بلد جاءوا؛ لأنك إذا قابلت شخص هناك ما يدل عليه، تدري والله إن هذا الشخص جاء من مصر مثلاً، وهذا جاء من الشام، وهذا جاء من العراق، وهذا جاء من خراسان، في دلائل وقرائن أنت تستدل بها على ذلك، لكن هؤلاء ما في أي قرينة تدل على انتمائهم إلى بلد أو قبيلة أو أي ما يمكن أن ينتمي إليه الإنسان، أنكرهم في نفسه، قال: والله هذولا أناس ما أدري ويش هم؟ ما في ما يدل عليهم، ثم أنكر أيضاً مسألة عدم أكلهم مما قدمه لهم من الطعام. {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} [(25) سورة الذاريات] لا نعرفهم قال ذلك في نفسه، وهو خبر مبتدأ مقدر أي هؤلاء" قوم منكرون، أي هؤلاء قوم منكرون.

{فَرَاغَ} [(26) سورة الذاريات] فراغ: مال يعني بسرعة وخفية، والروغان إنما يقال إذا كان فيه سرعة وخفاء، {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} [(26) سورة الذاريات] سراً، انسل من بينهم سراً، لماذا؟ لأنه يخشى أن يعرفوا ماذا يريد، ثم يمنعونه من تقديم ما يجب للضيف، يعني لو قام من المجلس كما يفعل بعض الناس، قال: عن إذنكم يا الإخوان لحظة، ها وين تبي؟ وين تبي؟ اقعد، عن إذنكم بس، يعني هذا نوع من الإعلان، لكن لو قال: عن إذنكم لحظة با طلب لكم أكل وإلا شيء هذا نوع أشد من الإعلان، نعم، فيخشى في مثل هذه الحالة أن يقولوا: لا أبداً لا تأتي بشيء، فإبراهيم -عليه السلام- راغ سراً، انسل من بينهم ليحضر ما يكرمهم به، وهذه غاية في الكرم، وهذه غاية في الكرم.

{فَرَاغَ} [(26) سورة الذاريات] يعني "مال إلى أهله سراً" {فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [(26) سورة الذاريات] هذا وصف العجل "وفي سورة هود {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [(69) سورة هود] أي مشوي" جاهز للأكل، قد يقول قائل: إنه تأخر عليهم وتركهم حتى شوى العجل، أو الله أعلم كيفية شي هذا العجل، المقصود أنه جاء به مشوي وجاهز، وصنيعه كله يدل على زيادة في الكرم، يعني يوجد من الناس من يطلع الضيف على ما يريد ليمنعه، وقد يصرح بذلك، ومنهم من يخفي أمر هذه الضيافة إلى حد لا يشعر به، يعني شخص نزل عليه ضيوف في محله التجاري، وجلسوا عليه وتحدث، جلسوا إليه فتحدث معهم فأخذ الدفتر، دفتر الديون وما له وما عليه وتأبطه وخرج موهماً هؤلاء الضيوف أنه يذهب ليأتي بأموال من محل أو كذا، وقال: عن إذنكم أنا أريد مشوار، فذهب واشترى لهم ما يستحقون من ضيافة من الذبيحة ودخلها المطبخ ورجع بدفتره، يعني هذا يوهم الضيوف بأي شيء؟ أنه يريد أن يتابع عمله التجاري، هذا أيضاً كرم، هذا نوع من أنواع الكرم الزائد على ما يفعله الناس، فكون الإنسان يخفي ما يريد لا شك أن هذا زيادة في الكرم، ومن هذا النوع بل من أعظم ما يدخل في هذا النوع صنيع إبراهيم -عليه السلام-، يعني هذا الشخص الذي تأبط الدفتر دفتر القيودات ما له وما عليه، ومر المحل الفلاني والثاني إلى أن غاب عن أعينهم ذهب ليجهز لهم ما يحتاجون من طعام؛ لئلا .. لأن بعض الناس يظهر للناس ماذا يريدوا على شان يقولوا: والله ما تجيب شيء، والله ما تتكلف، وهذا يحضر لهم بحيث لا يشعرون، وهذا ما صنعه إبراهيم -عليه السلام- من جنسه، بل من أعظم ما .. ، لأنه راغ بخفية ومسرع، وشوى لهم العجل عاد سواءً بنفسه أو بأمره هذه أمور مطوية، يعني تفاصيلها ما ذكرت.

{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [(27) سورة الذاريات] (ألا) عرض، يعني في بداية الأمر قربه إليهم، ما قال وضعه في مجلس ثاني يسمونه المجلط، وقال: تفضلوا على شان ما يكلفهم، وهم في أماكنهم قربه إليهم، هذا أيضاً نوع من إكرام الضيف، لم يكلفهم القيام إليه إنما قربه إليهم، (ألا) هذا عرض، هذا عرض، ما قال: كلوا، أمر؛ لأن العرض لا سيما في مبدأ الأمر أفضل من الأمر الصريح، ثم بعد ذلك إذا ترددوا أمر، وقد يضطر إذا رأى أن عدم الأكل من باب الخجل ومن باب الاستحياء منه يصر على أن يأكلوا، لكن هنا قربه إليهم {قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [(27) سورة الذاريات] "عرض عليهم الأكل فلم يجيبوا" {فَأَوْجَسَ} [(28) سورة الذاريات] أضمر في نفسه منهم خيفة، أنكرهم في الأول؛ لأنه لا يعرفهم، في الأخير لما لم يأكلوا أوجس منهم خيفة؛ لأن العادة جرت أن الذي لا يأكل من الطعام الذي يقدم هذا قد بيت شيء، والعرب ما زالوا إلى يومنا هذا يدركون مثل هذا الأمر، وأنه إذا جاء وأكل خلاص انتهى، يعني ما في شر المسألة، وأنه إذا مالح انتهى الإشكال، يعني إذا أكل من عندهم، أما إذا لم يأكل فالمسألة فيها شيء، فإما أن يكون قد بيت شراً، أو بيت طلباً ملحاً أنه ما يأكل حتى يحقق له هذا الطلب، ولذا أوجس: أي أضمر في نفسه خيفة، قالوا: لا تخف إنا رسل ربك، الملائكة لا يأكلون، لكن في محاورات بعض العامة شخص قدم لضيوفه من لحم البقر بعض المجتمعات ما تأكل لحم البقر، ما يأكلون لحم البقر يرونه يعني لحم مفضول، أو بعضهم يستنكف من أكله، وهذا موجود يعني ما يأكل لحم البقر، بعض العامة ما يأكل لحم البقر، فلما قيل له: ما لقيت إلا لحم البقر تقدمه لضيوفك؟ ما هو معروف عندكم في البلد أن من الناس من لا يأكل لحم البقر؟! معروف بكثرة يعني، المقصود أنه قال له: ما وجدت تقدم لضيوفك إلا لحم البقر؟ قال رد عليهم فقال: لو يوجد أفضل من لحم البقر لقدمه إبراهيم -عليه السلام- لضيوفه، وهم أكر الضيوف ملائكة، فقال الآخرة هذا محاورة لا تستند إلى دليل لكنها تدل على شيء من النباهة، وإن كانت خلاف ما يدل عليه النص، قال الثاني المحاور: أثبت أنهم أكلوا ونقول: أفضل شيء،

لما شافوه لحم بقر تركوه، هذه سرعة بديهة لكنها مخالفة للنص، هؤلاء ملائكة ما يأكلون، ملائكة، فهذا أراد أن يستدل به على تفضيل لحم البقر، والثاني أراد أن يستدل بالواقعة على أن لحم البقر مفضول وليس بفاضل، وهذه المفاضلة ليست من أهل علم، ولا وجدت في نص، يعني كلام عوام، لكنها تدل على أن في العامة من لديه نباهة وسرعة بديهة، ولا تدخل في مدلول الآية لا من قريب ولا من بعيد، لكنها بالمناسبة يعني تذكر "عرض عليهم الأكل فلم يجيبوا" {فَأَوْجَسَ} [(28) سورة الذاريات] أضمر في نفسه منهم خيفة {قَالُوا لَا تَخَفْ} [(28) سورة الذاريات] أمنوه وطمأنوه "لا تخف إنا رسل ربك" إنا رسل ربك، يعني من الملائكة {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [(75) سورة الحج] "إنا رسل ربك {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [(28) سورة الذاريات] بغلام عليم "ذي علم كثير، وهو إسحاق كما ذكر في سورة هود" يعني من وراء إسحاق يعقوب ومن وراء إسحاق يعقوب، هنا يقول في سورة هود: {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [(71 سورة هود] البشارة بإسحاق لأنه لما يقول هنا: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [(28) سورة الذاريات] ويقول المفسر: إسحاق، الذي لا يربط الآيات بعضها ببعض يقول: كيف يمال إلى أن المبشر به إسحاق ثم يذهب ذهنه إلى الذبيح وأنه إسماعيل، وأن هناك قول متلقى من أهل الكتاب وأن الذبيح إسحاق، لا، هذا نص، بشروه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، هذه البشارة غير مسألة قصة الذبيح.

"وهو إسحاق كما ذكر في هود {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ} سارة" أو سارَّة بالتخفيف والتشديد عند أهل العلم {فِي صَرَّةٍ} [(29) سورة الذاريات] صيحة" لما سمعت هذه البشارة امرأة عجوز عقيم تناهز المائة تسعين سنة أو تسعة وتسعين سنة يقال: يبشر بغلام؟ {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} [(29) سورة الذاريات] في صيحة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} لطمت وجهها امرأة عجوز عقيم يبشر زوجها {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [(28) سورة الذاريات] يعني شيء ما ذكره أهل التفسير لكن يلوح للإنسان من خلال النص أن سبب ما صنعت أنها ما دامت عجوز عقيم المرأة لها سن ينقطع عندها فيه الحمل، والرجل ليس له سن ينقطع فيه، فلعلها توقعت أنه بشر بغلام يمكن يكون من غيرها، ما في ما يمنع، يعني لو أن رجلاً من الموجودين عمره سبعين سنة، وامرأته عمرها خمسة وستين سنة ما رزقوا بأولاد ثم رأى في الرؤيا من يقول له: إنه يولد لك ولد، وأولت على هذا أنه يولد له ولد، اتفق العابرون على أنه يولد له ولد، الرجل يفرح بهذه الرؤية، لكن هل المرأة تفرح بهذه الرؤيا؟ نعم؟ ما تفرح؛ لأن لعلمها أنها أيست من الحمل، فلا بد أن يكون الولد من غيرها، فهي لا تفرح بمثل هذه الرؤيا، والله أعلم. {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ} [(29) سورة الذاريات] سارة {فِي صَرَّةٍ} يعني "صيحة، حال، أي جاءت صائحة" أي جاءت صائحة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} لطمته {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} يعني أنا عجوز عقيم لم ألد، يعني "لم تلد قط، وعمرها -كما قالوا-: تسع وتسعون سنة، وعمر إبراهيم مائة سنة، أو عمره مائة وعشرون وعمرها تسعون سنة" لكن يمكن أن تكون المائة تقابل الخمسين عندنا أو أقل؛ لأن أعمارهم تطول، وإبراهيم -عليه السلام- اختتن وعمره ثمانون بالقدوم، اختتن وعمره ثمانون سنة، فلا يعني أن تركيب أجسام المتأخرين على مثل تركيب أجسام المتقدمين، لكن ما ذكرته هو مجرد استرواح، يعني هذا يوجد فيما بيننا أن المرأة العقيمة الآيسة إذا بشر زوجها جزمت بأنها من غيرها وهي تكره الضرة، تبقى عقيم هي وزوجها أفضل من أن يتزوج عليها ثانية وتلد أولاد، هذا لا يسرها.

{قَالُوا كَذَلِكَ} [(30) سورة الذاريات] أي مثل قولنا في البشارة {قَالَ رَبُّكِ} يعني إحنا مجرد رسل نبلغ عن الله -جل وعلا-، يعني هذا ليس من تلقاء أنفسنا، ليس من عندنا هذا، إنما البشارة من الله -جل وعلا- على ألسنة هؤلاء الملائكة.

{قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ} [(30) سورة الذاريات] في صنعه {الْعَلِيمُ} بخلقه" وهذا يجعل الإنسان لا ييأس من أي علة تصيبه، العقيم لا ييأس يدعو {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا} [(89) سورة الأنبياء] والمريض بأي مرض ولو قرر الأطباء أنه لا علاج له لا ييأس ((ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله)) وإن كان بعض الأطباء أحياناً يجرءون ويقولون: هذا لا علاج له، مرضك هذا ما في علاج أصلاً، ما يوجد له علاج، نقول: لا فيه علاج، ما في داء إلا وله دواء، إلا وله شفاء بإذن الله -جل وعلا-، لكن علمه من علمه، وجهله من جهله، لكن لو الإنسان حينما يذكر هذه الأمور ويجزم يقول: على حد علمي والله أعلم، فتيئيس الناس وتقنيطهم من هذا الأمر لا شك أنه غير وارد، مع أن النص بخلافه، وبالمقابل أيضاً من قبله المريض، واحد يقرر الأطباء وعمره أكثر من خمسة وسبعين سنة تقريباً ويقرر الأطباء أن فيه سرطان في الكبد، وتعداها إلى غيرها، وأن أيامه محدودة، لكن من يبلغ هذا المريض ذكر ذلك لأقرب الناس إليه، من أجل إيش؟ من أجل أن يستعد يتصدق يتوب، يستغفر، يقبل على الله -جل وعلا-، يكثر من الذكر، يكثر من كلمة التوحيد، فلما قيل له: لعلك يا فلان -هو عقيم- لعلك يا فلان تتصدق وأنت في خير وعافية، يعني الأمراض هذه لا تقرب ولا تبعد، يعني كم من مريض عاش طويلاً وكم من صحيح مات فجأة، فمن نصيحتي لك أنك تتصدق، والرجل يعرف وضعه منتهي، لكنه الأمل، قال: والله ما عندي إلا شيء يسير إذا خرجت من المستشفى با أعالج عن العقم، يعني كل له خطابه من الشرع، هذا المريض في هذا الوضع يعني عليه أن يتدارك يعني مهما كان، ما دامت العلامات واضحة يعني يتدارك ويتصدق ويكثر من الذكر ونوافل العبادة، وأيضاً الطبيب عليه أن لا يؤيس المريض من الشفاء، ومع ذلك هذا من جهته يقبل على الله -جل وعلا- وذاك من جهته يطمئن ويبين له أن هذه الأمراض ليس معناها أنها النهاية مقرونة بهذا المرض أو بذاك المرض، وليس طول العمر مقرون بالصحة أبداً.

قال: {كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ} [(30) سورة الذاريات] لأن الخطاب للمثنى {قَالُوا كَذَلِكَ} أي مثل قولنا في البشارة {قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ} [(30) سورة الذاريات] في صنعه {الْعَلِيمُ} بخلقه" قال إبراهيم -عليه السلام-: {فَمَا خَطْبُكُمْ} [(31) سورة الذاريات] يعني ما شأنكم {أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}؟ يعني ما الأمر الذي جئتم من أجله؟ أنتم أناس لا نعرفكم وقدمنا الطعام ولا أكلتموه؟ ما شأنكم؟ ماذا تريدون؟ {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} [(32) سورة الذاريات] إلى قوم مجرمين كافرين، يريد قوم لوط، يعني ومع الكفر الجريمة الشنعاء الفاحشة العظمى اللواط، وذكر القرطبي في تفسير سورة هود أن الله -جل وعلا- جرت عادته وسنته الإلهية أنه لا يؤاخذ بالشرك فقط، لا بد أن يكون هناك معصية يختصون بها، وتشاع بينهم ولا ينكرونها فيما بينهم، ولذلك تجد أن الذي يركز عليه في قصة قوم لوط هي الفاحشة، وقوم شعيب التطفيف، وقوم كذا عندهم كذا، وقوم كذا عندهم معاصي يتواطئون عليها، ويتداولونها بينهم ولا ينكرها بعضهم على بعض، فبها يستحقون تعجيل العقوبة، أما العذاب الأمدي الأبدي السرمدي هذا من أجل الشرك، معروف أن المشرك خالد مخلد في النار، لكن لا تعجل لهم العقوبة بسببه، إنما يعجل لهم العقوبة في أمر يختصون به من المعاصي الشنيعة من الكبار يتداولونها بينهم ولا ينكرها بعضهم على بعض، وإذا عمت الفاحشة استحقوا تعجيل العذاب، فنسأل الله تعالى السلامة والعافية.

{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ} [(33) سورة الذاريات] من طين مطبوخ بالنار، الطين معروف أنه لين، وإذا ضرب الإنسان قد لا يتأثر به مثل ما يتأثر في حالة ما إذا ضرب بشيء صلب، وهذا طين مطبوخ بالنار، نسأل الله العافية {مُسَوَّمَةً} [(34) سورة الذاريات] معلمة، مسومة معلمة، يعني عليها علامات، كل حجر عليه علامة أنه لفلان، عليه علامة أنه أرسل على فلان، حتى قال بعضهم: إنه مكتوب عليه اسم من أرسل إليه معلمة عليها اسم من يرمى به عليها اسم من يرمى به عند ربك {مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ} [(34) سورة الذاريات] ظرف لها، يعني وضعت عليها العلامات وهذه السمات عند الله -جل وعلا-، الذي عاقبهم بها، ظرف لها {لِلْمُسْرِفِينَ} [(34) سورة الذاريات] بإتيانهم الذكور مع كفرهم، مع كفرهم بالله -جل وعلا-، وهذه الفاحشة ما سبقهم بها أحد من العالمين، ما سبقهم بها أحد من العلامين، إتيان الذكور نسأل الله العافية، وخلاف للفطر السليمة، حتى قال الوليد بن عبد الملك وهو خليفة، وبيوت الخلفاء تجمع، تجمع الأحرار والعبيد والخدم والناس متفاوتون في الأذواق وفي الديانات، تجمع بيوت الخلفاء، ومع ذلك يقول الوليد بن عبد الملك: "لولا أن الله -جل وعلا- ذكر اللواط في كتابه ما صدقت أن ذكراً يعلو ذكراً" هذه الفطر السليمة تأباه وتنفر منه.

{فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا} [(35) سورة الذاريات] أي في قرى قوم لوط {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} من أجل إهلاك الكافرين؛ لأنهم لو لم يخرجوا لهلكوا معهم؛ لأن العقوبات إذا نزلت عمت، عمت الصالح ومن يستحق ومن لا يستحق، ثم بعد ذلك يبعثون على نياتهم، لكن الله -جل وعلا- أنقذ لوطاً وابنتيه ومن آمن به على خلاف بين أهل العلم في العدد، لكن لوط وابنتيه أنقضهم الله -جل وعلا- فقال: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا} [(35) سورة الذاريات] أي في قرى قوم لوط {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} من أجل، لأجل إهلاك الكافرين، {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} [(36) سورة الذاريات] أخرجنا، يعني أرادنا إخراج من كان فيها من المؤمنين؛ لتنزل العقوبة على هؤلاء المجرمين {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} [(36) سورة الذاريات] وهم لوط وابنتاه وصفوا بالإيمان والإسلام أي هم مصدقون بقلوبهم عاملون بجوارحهم الطاعات، أي هم مصدقون بقلوبهم، هذا هو الإيمان، عاملون بجوارحهم الطاعات هذا هو الإسلام، يعني اتفق فيهم الوصفان: الإيمان والإسلام، يعني هل يقول قائل: إننا أردنا إخراج من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا أحد من المؤمنين وإنما وجدنا بيت من المسلمين؟ هل يمكن أن يقال هذا؟ وهو بيت لوط وفيه ابنتيه؟ لا يمكن، وإنما هذا دليل لمن يقول: بأن الإيمان والإسلام شيء واحد، ومعروف أن الإيمان مرتبة فوق مرتبة الإسلام، والإحسان فوق الإيمان لكن هنا الإيمان والإسلام شيء واحد؛ لأن البيت موصوف بالإيمان وموصوف بالإسلام، وكل مؤمن مسلم، لكن ليس كل مسلم مؤمناً، والإيمان والإسلام إذا اتحدا افترقا وإذا افترقا اتحدا، وعلى هذه القاعدة يعني هذه الآية تخرج عن هذه القاعدة، يعني في حديث جبريل لما سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان عرف الإسلام بحقيقة تختلف عن الإيمان، وعرف الإيمان بحقيقة تختلف عن الإسلام، لكن لما افترقا وجاء في حديث وفد عبد القيس السؤال عن الإيمان عرفه قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته)) عرف الإيمان بأركان الإسلام في حديث عبد القيس عرف الإيمان بأركان الإسلام فدل على أن

الإسلام والإيمان شيء واحد إذا افترقا، يعني إذا ذكر الإسلام يدخل فيه الإيمان، إذا ذكر الإيمان دخل فيه الإسلام، لكن إذا اجتمعا في نص واحد فالإسلام يحمل على الأعمال الظاهرة، والإيمان يحمل على الأعمال الباطنة أعمال القلب. وهنا اجتمعا وإلا افترقا؟ اجتمعا، فهل نقول: إن الإيمان هنا في الآية الأولى شيء والإسلام شيء آخر؟ أو نقول: هما شيئان واجتمع هذان الشيئان في هذا البيت الإيمان والإسلام؟ اجتمعا في هذا البيت؟ قال: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} [(36) سورة الذاريات] وهم لوط وابنتاه وصفا بالإيمان والإسلام، أي هم مصدقون بقلوبهم وهذا هو الإيمان عاملون بجوارحهم الطاعات، والتصديق لا يكون مساوٍ للإيمان من كل وجهة، يعني ليس الإيمان هو التصديق من كل وجه، نعم حقيقة الإيمان اللغوية هي التصديق لكن حقيقته الشرعية زيد فيها، زيد فيها كما قرر ذلك شيخ الإسلام في كتابه الإيمان، وهكذا كل الحقائق اللغوية تقر في الشرع لكنها يزاد عليها قيود وضوابط {وَتَرَكْنَا فِيهَا} [(37) سورة الذاريات] أي بعد إهلاك الكافرين، تركنا في هذه القرى بعد إهلاك الكافرين قوم لوط، الكفار المرتكبون للفاحشة المصرون عليها {آيَةً} [(37) سورة الذاريات] علامة على إهلاكهم، علامة على إهلاكهم من وجود الأنقاض ووجود آثار هذا التعذيب فيه علامة معتبر مدكر لمن يمر بها، آية لكن لمن؟ كثير من الناس يمر على المواطن، مواطن العذاب لكنها لا تحرك فيه ساكناً، بل بعض الناس يذهبوا إليها من أجل النزهة، وقد جاء النهي عن دخول هذه الأماكن إلا باكين أو متباكين، إنما تدخل للاعتبار والادكار، وبعض الناس يتخذها أماكن للنزهة.

يقول: {وَتَرَكْنَا فِيهَا} [(37) سورة الذاريات] بعد إهلاك الكافرين {آيَةً} أي علامة على إهلاكهم لمن؟ {لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [(37) سورة الذاريات] فلا يفعلون مثل فعلهم، فلا يفعلون مثل فعلهم، فعلى الإنسان أن يعترف ويعتبر ويدكر ويزدجر وينظر في مثل هذه الآيات؛ لأنه ليس المراد بهذا قوم لوط، وليس المراد بعاد ولا ثمود ولا الأمم المعذبة كلها، ولا المقصود فرعون في هذه القصص، ليس المقصود فيها فرعون، وليس المقصود قوم لوط، كما قال عمر -رضي الله عنه-: "مضى القوم، انتهوا، "مضى القوم ولم يرد به سوانا، من أجل إيش؟ {لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [(37) سورة الذاريات] ننظر في الأسباب التي من أجلها عذبوا فنجتنب هذه الأسباب، إذا كنا نخاف مثل هذا العذاب الأليم لا بد أن نعتبر، يعني ننظر في أحوال الأمم الماضية لماذا عذبوا؟ عذبوا من أجل كذا، إذاً ليش؟ لماذا ذكرت قصصهم في القرآن؟ {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [(111) سورة يوسف] {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [(111) سورة يوسف] يعني ما أنزلت هذه القصص من أجل أن يتحدث بها في المجالس، مثل قصص ألف ليلة وليلة وعنترة بن شداد أو فلان وعلان، لا، هذا {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [(111) سورة يوسف] لا بد من اعتبار، لا بد من الادكار، يعني الآن نعيش أشياء، ونعيش مخالفات، ونعيش أمور، اشتهرت بين المسلمين من غير نكير، ألا نعتبر، ألا ندكر، يعني لو قرأنا في أسباب سقوط الأندلس مثلاً، في الجزء السادس من نفح الطيب، وطبقناها على واقع المسلمين في كثير من البلدان، السنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، السنن الإلهية ليس لها تبديل ولا تغيير، وجدت الأسباب التي عذب بها أي قوم يعذب بها غيرهم، يعني لا يوجد أناس بينهم وبين الله -جل وعلا- صلة غير أن يحققوا ما خلقوا من أجله كما سيأتي {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [(38) سورة محمد] فلا بد من النظر في أسباب هلاك الأمم، لماذا أهلكوا؟ فنجتنب هذه

الأسباب، وكونه يكثر بعض المعاصي التي عذبت بها الأمم السابقة، يعني أين عقول الناس؟! يعني يوجد من يزاول هذه الفاحشة في بلدان المسلمين، وسجلات المحاكم فيها الشيء الكثير، ويطلع عليها من يطلع ممن له أمر أو نهي، ثم بعد ذلك لا يحرك ساكن، هذا معقول؟! يعني نستحق عقوبة بهذا، لا بد من الأخذ على أيديهم وأطرهم على الحق، لا بد من تنفيذ شرع الله فيهم، لا بد من قطع دابرهم؛ لئلا يقضى على الجميع، وقل مثل هذا إذا كثر الزنا، إذا كثرت السرقة، كثر الربا، وفشا الربا، هناك عقوبات مرتبة على هذه الفواحش، لكن المسألة إذا كانت خفية ما يطلع عليها أحد، ومسائل فردية ونادرة هذه لن يخلو منها مجتمع من المجتمعات، وليس ... العصمة يعني متصورة في أي مجتمع، فالمخالفات اليسيرة وقعت في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الشأن في كون هذه الأمور تكثر تصير ظواهر، هذا الإشكال، ولا يوجد من ينكر هنا تستحق العقوبة، والسنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل. {لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [(37) سورة الذاريات] فلا يفعلون مثل فعلهم". اللهم صل وسلم بارك على عبدك ورسولك محمد.

سورة الذاريات (4)

تفسير الجلالين - سورة الذاريات (4) من آية (38 - 60) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: يقول: {وَفِي مُوسَى} [(38) سورة الذاريات] يقول: "معطوف على فيها، المعنى وجعلنا في قصة موسى آية" تركنا فيها آية، الآية السابقة، وأيضاً في قصة موسى آية وعبرة للمعتبر، يعني كما جعل في قرى قوم لوط آية وعبرة للمدكر للذين يخافون العذاب الأليم، كذلك جعل في قصة موسى مع فرعون آية وعبرة لمن يخافون العذاب الأليم.

يقول: "معطوف على فيها، المعنى وجعلنا في قصة موسى آية" حينما تكبر وتجبر جاءه موسى بالآيات البينات فعتا وادعى الربوبية والألوهية فكان مصيره ومآله إلى أن أغرقه الله -جل وعلا- وجعل بدنه لمن خلفه آية، لكن آية لمن؟ للذين يخافون العذاب الألم، وإلا فكم من شخص يذهب إلى ديارهم وينظر العلامات والدلائل الواضحات من باب النزهة ويحصل هناك ما يحصل من المخالفات الشرعية ومن اللهو واللعب خلاف ما يطلب من المسلم الذي يخاف العذاب الأليم، لو أن هناك عقل فضلاً عن دين، تجد موضع أهلك فيه شخص عادي، يعني لو أنت في صباك رأيت منظراً شخص قتل في هذا المكان، شخص قتل أو دهس في هذا المكان، يعني تستصحب هذا المنظر إلى أن تموت، كلما رأيت هذا المكان تذكرت، هذا في ظروف عادية، يعني يمكن يكون قتله قصاص، يعني مطلوب شرعاً، أو مثلاً قضاء يعني اعترض لسيارة ودهسته، يعني أمر عادي ومع ذلك تستصحب ولو كان بعد خمسين سنة تمر بهذا المكان تقول: الله المستعان، هذا المكان الذي دهس فيه فلان، وتجد في قلبك شيء من الشعور المناسب لهذا المقام، فكيف بأمة أهلكت وأمم أهلكت في هذا المكان ولا يحرك ساكناً؟! كأن القرآن أنزل لغيرنا أو أنزل لنتفكه بالحديث في أخبار الأمم السابقة، يعني كأننا نقرأ مع أن الإنسان إذا قرأ في كتب التواريخ كتب التواريخ يقرأ فيها طالب العلم ويديم النظر فيها من أجل الاعتبار والادكار؛ لأنها تشتمل على العبر والمواعظ والتواريخ على ما يقال: التاريخ يعيد نفسه، والأسباب قد تتعدد الأسباب، لكن المصير هو الهلاك لهذه الأمم المخالفة.

يقول: {وَفِي مُوسَى} [(38) سورة الذاريات] يقول: "معطوف على فيها، المعنى وجعلنا في قصة موسى آية" {إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ} [(38) سورة الذاريات] ملتبساً أو متلبساً {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [(38) سورة الذاريات] بحجة واضحة" ملتبس من الالتباس واللبس وهو الاختلاط، المتلبس يعني المتقمص لهذا السلطان وهو الحجة البينة الواضحة {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [(38) سورة الذاريات] أي بحجة واضحة، جاء موسى -عليه السلام- بأبين الحجج إلى هذا الطاغية، لكن إذا كان الله -جل وعلا- قد كتب عليه الشقاوة فلا ينفعه، فلا تفيد فيه المواعظ، ولا تفيد فيه المعجزات، ولا تفيد فيه الآيات، يذكر عن شخص وظيفته الطيران طيار يعني، من طوال من الناس يعني طوله واضح، وهو مجرم نسأل الله العافية، منتهك للمحرمات، مجاهر بذلك، مترفع على الناس، متعالٍ عليهم، فقدر الله -جل وعلا- أن سقطت الطائرة فمات من فيها، هذا قائد الطائرة حصلت له كسور في جميع عظامه، وجلس في المستشفى يقولون: ما يقرب من عشر سنين وخرج وقد نقص طوله متر أو نصف متر نسيت عاد، عظامه التي تهلهلت وترضرضت وما استطاعوا أن يضعوها في أماكنها سببت في نقصه، ثم بعد ذلك خرج يمشي على رجليه، ماذا تتوقعون بعد هذه المدة وبعد أن رأى الموت بعينه، {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ} [(101) سورة يونس] خرج أشر وأشد، أشد مما كان عليه، فعلى الإنسان أن يلهج بالسؤال وأن يطلب الله -جل وعلا- وأن يدعوه ضارعاً إليه أن يثبته على دينه، وأن يزيده من الإيمان والخشية لله -جل وعلا-. جاءه {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [(38) سورة الذاريات] بحجة واضحة بآيات معجزات باهرات خوارق {فَتَوَلَّى} [(39) سورة الذاريات] أعرض عنه وعن الإيمان به، {بِرُكْنِهِ} تولى بركنه، الركن: جانب الشيء الأقوى، جانب الشيء الأقوى، ترون أركان البيت لو سقط منها واحد سقط البيت، أركان الإسلام جوانبه الأقوى، أركان الصلاة ما يبطلها، وهكذا.

{فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} [(39) سورة الذاريات] مع جنوده؛ لأنهم له كالركن" ولذا من فقد هذا الركن وهذا المعين من البشر قال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [(80) سورة هود] هذا من؟ هذا لوط، وجاء في الحديث الصحيح: ((ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد)) وهو الله -جل وعلا-، فلا شك أن الدعم والعون ركن للإنسان، وردء للإنسان، لكن إذا عدم الأسباب المادية الحسية فلن يعدم الركن والجانب الأقوى وهو خير معين وأعظم معين وهو الله -جل وعلا-، فلا يقول الإنسان: والله أنا الآن في بلد غريب ما لي أحد ما لي قريب، ما لي معين، ما لي ناصر، أهلي بعيدون كل البعد عني، فلا بد أن أتنازل عن بعض الأشياء من أجل أن أتقرب إلى الناس بها، لا، تأوي إلى ركن شديد وهو الله -جل وعلا- ((ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد)) وهذا تكبر وتجبر وأعرض عن الإيمان بركنه، معتمداً على جنوده؛ لأنهم له كالركن، وقال لموسى هو -يعني موسى-: {سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [(39) سورة الذاريات] ساحر أو مجنون، حينما جاء بـ (أو) هنا ساحر أو مجنون، هو قال: ساحر، وقال: مجنون أيضاً و (أو) هذه قالوا: أنها بمعنى الواو، وربما عاقبت الواو التي هي أو؛ لأنه قالهما، قال: ساحر وقال: مجنون، لكنه قال: ساحر في وقت، وقال: مجنون في وقت آخر، وعلى هذا العطف بالواو هنا ساحر ومجنون، يعني قالهما في أوقات متفاوتة، ما قالهما في آن واحد، أو يقال: إن (أو) هذه للإبهام كأنه يقول: لا أدري هل هو ساحر وإلا مجنون؟ للتقليل من شأنه؛ أن مثل هذا الشخص في نظره أنه ليس بأهل أن أحقق في أمره هل هو هذا أو هذا؟ المقصود أنه لا يلتفت إليه، هذا جاء ليضل الناس بسحره أو يتكلم لهم بكلام لا معنى له كالمجنون.

{فَأَخَذْنَاهُ} [(40) سورة الذاريات] الله -جل وعلا- يقول: {فَأَخَذْنَاهُ} [(40) سورة الذاريات] كثيراً ما يعبر عن نفسه -جل وعلا- بضمير الجمع {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [(1) سورة القدر] يقول: {فَأَخَذْنَاهُ} [(40) سورة الذاريات] والعرب كما في صحيح البخاري في تفسير سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [(1) سورة القدر] يقول البخاري: "العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع" تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، {فَأَخَذْنَاهُ} [(40) سورة الذاريات] أي أخذنا فرعون {وَجُنُودَهُ} [(40) سورة الذاريات] ركنه الذي يأوي إليه {فَنَبَذْنَاهُمْ}: طرحناهم {فِي الْيَمِّ} وهو البحر فغرقوا، الذي لا يعرف السباحة يغرق، وأيضاً ولو عرف السباحة وكان في مكان من البحر في قاموس البحر وسط البحر لأن القاموس وسط البحر (القاموس المحيط والقابوس الوسيط لما تفرق من لغة العرب شماطيط) تعرفون الكتاب هذا؟ يعني تكميل الاسم يمكن ضيع الكتاب، نعم، القاموس المحيط أشهر من نار على علم، ما في طالب علم إلا ويعرف القاموس المحيط.

المقصود أنه يقول: طرحناهم في اليم يعني في البحر فغرقوا، وهو أي فرعون، {مُلِيمٌ} مليم: فعيل آت بما يلام عليه من تكذيب الرسل ودعوى الربوبية، وهو مليم: يعني آت ليست على وزن فعيل، مليم قالوا: آت بما يلام عليه، مليم: اسم من لام يلوم فهو ملوم، ملوم، وفعيل: يراد بها اسم المفعول، فهو ملوم، فقد أتى بما يلام عليه من تكذيب الرسل ودعوى الربوبية، فرعون الذي طغى وبغى وتجبر، وفعل ما فعل وادعى الربوبية وادعى الألوهية {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [(38) سورة القصص] ومع هذا يقول: مليم، آت بما يلام عليه، ويأتي في حق ذي النون يونس بن متى، مليم يأتي وصفه بأنه مليم آت بما يلام عليه، هذا طاغية متجبر، وهذا نبي مرسل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث يقول: ((لا تفضلوني على يونس بن متى)) هذا مليم، وهذا مليم، يعني هل الاشتراك في الوصف يقتضي الاشتراط في الفعل والجزاء؟ في السبب والجزاء؟ لا يلزم؛ لأن اللوم نسبي، اللوم نسبي، المشرك آت بما يلام عليه، الذي لا يصلي مع الجماعة آت بما يلام عليه، الذي يرتكب معصية آت بما يلام عليه، الذي يترك واجب آت بما يلام عليه، طالب العلم إذا نام الليل كله ولم يصل ملوم، مليم، يلام على هذا، فاللوم نسبي، اللوم نسبي، يعني دعونا في النوافل مثلاً لو أن معلماً يعلم القرآن مثلاً وحدد للطلاب حفظ ورقة كل يوم، فجاء الطلاب يحفظون ورقة غالبهم، وجاء واحد حفظ ورقتين، وجاء ثالث حفظ نصف ورقة صفحة، الذي حفظ نصف ورقة ألا يستحق اللوم؟ ألا يمكن أن يقال: مليم، يعني آت بما يلام عليه؟ ألا يؤنبه المعلم لأنه قصر؟ يلام، الذي يتراخى في طلب العلم وهو سنة يلام، لماذا يا فلان؟ فاللوم نسبي، وكل يلام على حسبه، وعلى حسب بمنزلته، إذا قصر عنها عما ينبغي أن يكون عليه من المستوى يلام، فيونس بن متى مليم، آت بما يلام عليه، وفرعون الطاغية الذي ادعى الربوبية والألوهية مليم، فلا يقال: وصف فرعون بمليم، ووصف يونس بن متى ذو النون بأنه مليم إذن حكمهما واحد؟ لا، الذي لا يحج الفرض مليم آت بما يلام عليه، لكن لو كان يحج كل سنة وأخر سنة ما حج

ما يلام؟ يلام يا أخي ليش .... تأخرت؟ لأنك عملت عملاً فالمفترض أنك تثبت هذا العمل؛ لأن اللوم نسبي، الحرمان نسبي، يعني الذي يملك سعة وجدة وما يحج هذا محروم، وإن كان يحج كل سنة، حرم أجر هذه الحجة، يعني لا يلزم أن يكون محروم بمعناه الشرعي أنه آت بمخالفة شرعية، لا، لكن هذه أمور نسبية والناس منازل، يعني يلام زيد على ما يمدح به زيد، يلام زيد على ما يمدح به زيد، لو أن الإمام صلى بالناس والتفت سلم والتفت ورأى اثنين فاتهم شيء من الصلاة وسلم عليهم بعد الصلاة قال: ما شاء الله، الله يجزاك خير ويزيدك توفيق يقولها لواحد، والثاني: يا أخي ليش وراك الله يهديك اليوم؟ يلومه ليش تأخر؟ لأن منزلة هذا غير منزلة هذا، هذا ما هو بواقع يا الإخوان؟ واقع، يا أخي أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، هذا تفرح أنه جاء يصلي لو ما أدرك إلا التشهد، وذاك طالب علم قدوة بين الناس، ما يصلح أنه يقضي من الصلاة شيء، وإن كان يعني على أجر، وعلى خير وأدرك الجماعة، لكن فرق بين فلان وفلان، ولذلك يكرر أهل العلم مقولة يقولون: حسنات الأبرار سيئات المقربين، حسنات الأبرار سيئات المقربين، وليس معنى هذه السيئات التي يعاقب عليها لا، لكنها بالنسبة لهم، للمقربين يعني يلامون عليها، يلامون عليها، وأما بالنسبة للأبرار يكفي منهم مثل هذا، ومثل ما قلنا: هذا والله فاته ركعة وذا فاته ركعة، هذا ما شاء الله تشجعه وتقول: جزاك الله خير وما شاء الله وأكثر الله من أمثالك، وطيب إنه يجي يصلي مع الناس، والثاني: لا والله يا أخي أنت طالب علم عليك. . . . . . . . . ليش تفوتك الصلاة؟ ترى مثلك يقتدى به، ويلام على صنيعه، فمن هذه الحيثية وصف فرعون بأنه مليم، ووصف ذا النون بأنه مليم، ولا يقتضي التساوي في الوصف.

يعني جاء في حديث أن الفقراء يدخلون قبل الأغنياء الجنة بخمسمائة عام، وجاء بمائة وعشرين عاماً، وجاء بسبعين عاماً، يعني هل نقول: إن الأحاديث مضطربة هذه متناقضة؟ لا يا أخي، يعني بين أغنى الناس وأفقر الناس خمسمائة، ثم بعد من دون الأعلى ومن فوق الأدنى ما يناسب، إلى أن يكون التقارب بينهم إلى أن يصل إلى حد سبعين، فما يقال في مثل هذا تناقض بل الأشخاص والأوصاف تتفاوت وهذه أمور نسبية. "آت بما يلام عليه من تكذيب الرسل ودعوى الربوبية" {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] يعني من الطرائف التي تذكر في كتب الأدب، من أخبار المتنبئين جيء لأحد الولاة أظنه المنصور جيء له بشخص ادعى الربوبية وادعى أنه موسى بن عمران، قال: أنا موسى بن عمران، موسى بن عمران نبي بني إسرائيل مات منذ ألوف، قال: أنا موسى بن عمران، طيب أنت موسى بن عمران؟ إذن العصا التي بيدك هي عصا موسى التي تنقلب حية؟ قال: نعم، قال: {أَلْقِهَا يَا مُوسَى} [(19) سورة طه] خلينا نشوف، قال: لا، ما ألقيها حتى تقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] إذا قلت، فأمر به وسجن وضرب إلى أن تاب، فيقول: موسى ما تفعل يعني العصا بمجردها حتى تقول، والمسلم لن يقول مثل هذا، على كل حال هذه تذكر من الطرائف في كتب الأدب، وينشط بها السامع، لا مانع، وإن كانت .. ، الله المستعان. "دعوى الربوبية {وَفِي} [(41) سورة الذاريات] إهلاك {عَادٍ} آية" هنا يقول: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [(41) سورة الذاريات] في إهلاك عاد آية، لكن لمن؟ {لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [(37) سورة الذاريات] ليست لكل أحد، وإلا تجد من يذهب إلى ديارهم للنزهة مع الأسف نجد، لكن الذين يخافون العذاب الأليم لا يجوز لهم أن يدخلوها إلا باكين، وجاء النهي عن الصلاة في مواضع الخسف، ترجم البخاري بهذا وذكر بعض القصص، والله المستعان.

{وَفِي} [(41) سورة الذاريات] إهلاك {عَادٍ} آية" {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [(41) سورة الذاريات] الريح العقيم: الأصل في العقم عدم الإنتاج، عدم الإنتاج، ففي البشر عدم الولادة، من لا يولد له يقال: عقيم، وكثيراً ما يقال: هذا جدل عقيم، إيش معنى هذا؟ يعني ليست فيه فائدة، ليست له ثمرة ولا نتيجة، ما في إنتاج مثمر، "هي التي لا خير فيها؛ لأنها لا تحمل المطر ولا تلقح الشجر" عقيم، قال: "وهي الدبور" هي الدبور، يعني على ما جاء في الحديث الصحيح: ((نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور)). {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ} [(42) سورة الذاريات] من نفس أو مال" ما تذر من شيء (ما) نافية، و (شيء) نكرة في سياق النفي تفيد العموم، وأدلخت (من) لتأكيد هذا العموم، وتأكيد النفي " {أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} كالبالي المتفتت" لكنه عموم يراد به الخصوص، {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [(25) سورة الأحقاف] لكنه الشيء الذي يقبل التدمير، والذي كتب الله عليه الدمار، فما دمرت السماوات ولا الأرض ولا الجبال، لكنها دمرت ما أرسلت من أجله، {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [(25) سورة الأحقاف] يعني مما أرسلت له، {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ} [(42) سورة الذاريات] من نفس أو مال {أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} كالبالي المتفتت"، يعني العظام وهي رميم، {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [(78) سورة يس] يعني أنها تفتت، إذا مضى عليها مدة خلاص صارت رميم وتفتت، صارت مثل الجص، بودرة بيضاء، تفتت، هذا هو الرميم البالي المتفتت.

بعد ذلك قال: {وَفِي ثَمُودَ} [(43) سورة الذاريات] أي "وفي إهلاك {ثَمُودَ} آية" وفي إهلاك ثمود آية، يعني كما في إهلاك عاد آية، وفي موسى آية، وتركنا فيها آية، هذه آيات، ونجد الإنسان يمر هذه السورة بدقيقتين ما كأنها تحمل أي معنى، وقد لا يشعر بها يقرأ في (ق) ثم لا يتذكر إلا إذا أراد أن ينتهي من القراءة، هذا خلل، هذه آيات هذه عبر، إن كنت ممن يخاف العذاب الأليم قف عند هذه الآيات، واعتبر وادكر، لكن نشكو إلى الله قسوة القلوب، صارت لا تفيد المواعظ، ذكر بالقرآن من يخاف وعيد، يعني من لم يتذكر بالقرآن بأي شيء يتذكر، بأي شيء يتعظ، والحسن يقول: ابحث عن قلبك في ثلاثة مواطن: عند قراءة القرآن، وفي الصلاة، والذكر، يقول: إن وجدته وإلا فاعلم أن الباب مغلق، ما في صلة بينك وبين ربك، إذا ما وجدته في هذه المواطن ما في القلب ميت، والواحد منا وهذا حال كثير من الناس يقول: دخلت مسجد واسع جديد كبير، يقول: يوم صفيت خلف الإمام نظرت فإذا المسجد ما في منبر، كبر ونظر في المسجد وإذا ما فيه منبر، وتأمل في المسجد قال: إن كان هذا ما هو بجامع ما في شيء يصلح جامع، ما في منبر، يقول: تأملت ها وين نحط المنبر؟ فإذا فيه غرفة عن يمين المحراب، قلت: هذه تصلح منبر، وسلم الإمام وأنا أنقل الأثاث من هذه الغرفة من أجل أن نجعلها منبر، يا إخوان هذه حال كثير منا ترى يا إخوان، والله إننا واقعين في هذا كثير، هذه الصلاة يعني هل نجد فيها ما يعبر عنه النبي بـ ((أرحنا بالصلاة؟ )) أبداً والله، يعني اليأس ما هو بوارد، لكن يبقى أن هذا حال كثير من الناس، لا بد من مراجعة، يقول: إن وجدت قلبك في قراءة القرآن والذكر والصلاة وإلا فاعلم أن الباب مغلق، يعني ابدأ من جديد، حاول فتح الباب.

يقول: "وفي إهلاك {ثَمُودَ} آية {إِذْ قِيلَ لَهُمْ} [(43) سورة الذاريات] بعد عقرهم الناقة {تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} تمتعوا بما تيسر لكم من متع الحياة، تمتعوا أمر تهديد {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [(205 - 207) سورة الشعراء] يعني تمتعوا بأنواع الملذات والمشتهيات، لكن جاءهم ما كانوا يوعدون، ويش الفائدة؟ جاءهم ملك الموت وقبض أرواحهم، خلاص انتهت المدة، يعني يغمس في النار غمسة واحدة ينسى مائة سنة عاشها في النعيم، وهذا أنعم أهل الدنيا.

"وفي إهلاك {ثَمُودَ} آية {إِذْ قِيلَ لَهُمْ} [(43) سورة الذاريات] بعد عقرهم الناقة {تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} أي إلى انقضاء آجالكم" تمتعوا إلى الأجل الذي حدد لكم "كما في آية {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} [(65) سورة هود] ثلاثة أيام: بعد عقر الناقة، عقروها انبعث أشقاها فعقروها، ثلاثة أيام، قال: لكم ثلاثة أيام يأتيكم العذاب، طيب اليوم الأول الثاني الثالث، جاءهم العذاب، انعقدت الأسباب فلا دافع لها ولا رافع ولا مانع، وما استثني من الأمم بعد انعقاد الأسباب إلا قوم يونس، إلا قوم يونس، ما استثني إلا هم، وإلا فالسنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، والأسباب التي تقتضي الهلاك في الأمم السابقة هي موجودة، يعني إلى قيام الساعة كل من عمل من الأعمال ما عذب به أولئك، فإنه مستحق للعقاب بمثل عقابهم، ولذا يقول أهل العلم: في إرسال الحجارة من طين على قوم لوط يقولون: فيه وجوب رجم اللوطي أنه يرجم، وهنا {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} [(65) سورة هود] اليوم الأول، الثاني، الثالث، بعد ذلك {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [(44) سورة الذاريات] تكبروا وتجبروا {عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} أي عن امتثاله {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ} بعد مضي الثلاثة الأيام، أي الصيحة المهلكة، الصاعقة الصيحة المهلكة، الأصل في الصاعقة أنها نار تنزل من السماء يصحبها صوت مهول عظيم، فأطلقت على ذلك الصوت، وإن لم يكن معها نار، أهلكوا بالصيحة المهلكة {وَهُمْ يَنظُرُونَ} بالنهار، ينظرون: يبصرون، بالنهار، أو ينتظرون ما حدد لهم.

{فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ} [(45) سورة الذاريات] أي: "ما قدروا على النهوض حين نزول العذاب" الجالس جالس ما استطاع أن يقوم، فضلاً عن كونه يستطيع الهرب، ما استطاع القيام، لا تحمله رجله، فكيف يهرب من عذاب الله؟ {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ} [(45) سورة الذاريات] أي: "ما قدروا على النهوض حين نزول العذاب، {وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ} وما كانوا منتصرين: على من أهلكهم، الذي أهلكهم هو الله -جل وعلا-، والتعبير بمنتصرين معلوم أن المخلوق لا يستطيع ولا يحاول الانتصار على خالقه، وإنما قد يحاول الانتصار على السبب الذي يهلك به، هو لا يحاول أن ينتصر على خالقه الذي أهلكه بهذا السبب، لكنه يحاول أن ينتصر على السبب، يعني مثل: "من عصاني وهو يعرفني سلط عليه من لا يعرفني" كما هو واقع في بلدان المسلمين اليوم، العقوبة من الله -جل وعلا- بسبب ذنوب {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى] سلط الله على هؤلاء العصاة من لا يعرفهم، من لا يعرف الله -جل وعلا- من الكفار، فهل هؤلاء الذين يريدون أن يدفعوا عن أنفسهم في على حد زعمهم أنهم يريدون الانتصار على المسبب أو على السبب؟ على السبب، إنما يريدون الانتصار على السبب، يعني هل يستطيعوا أن ينتصروا على الصاعقة؟ لا يمكن، هل يستطيعون أن يتقوا هذه الصاعقة بوسائلهم؟ ما كانوا منتصرين، ما استطاعوا.

{وَقَوْمَ نُوحٍ} [(46) سورة الذاريات] في قراءة بالجر {وقومِ نوح} يقول: "بالجر عطف على ثمود" وفي ثمودَ ممنوع من الصرف، ثمود المراد به القبيلة، منعت للعلمية والتأنيث، ثمود، وقوم نوح، قوم مصروف عطف على ثمود فيجر بالكسرة الظاهرة، نوح أيضاً مصروف، نوح عربي وإلا أعجمي؟ أعجمي، لماذا صرف؟ لأنه ثلاثي ساكن الوسط، فيصرف ثلاثي ساكن الوسط، مثل: هند، ثلاثي ساكن الوسط، ليت هنداً، مصروفة لماذا؟ لأنها ثلاثية ساكنة الوسط، والسبب في منع الاسم من الصرف ثقل الصرف، والثلاثي ساكن الوسط خفيف، فإذا وجدت العلتان العلمية والتأنيث كما هنا يمنع من الصرف، فاطمةَ، عن فاطمةَ، عن أبي هريرةَ، يمنع من الصرف علمية وتأنيث، لكنه يصرف إذا كان ثلاثياً ساكن الوسط، حمص علمية وتأنيث وعجمة، ثلاث علل، لكنه ثلاثي ساكن الوسط، فهل نقول: إنه مصروف مثل هند ومثل نوح، ثلاثي ساكن الوسط؟ قالوا: هذه يختلف فيها هل هذه الخفة الناشئة من كونه ثلاثي ساكن الوسط ترفع علة ويبقى علتين ويستمر الممنوع من الصرف أو كفيلة بأن يصرف مثل هند مادام خفيف يصرف ويش المانع؟ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم ومعروف الخلاف فيها. {وَقَوْمَ نُوحٍ} [(46) سورة الذاريات] بالجر عطف على ثمود" أي وفي إهلاكهم بما في السماء والأرض آية، وبالنصب: أي وأهلكنا قوم نوح، يعني في إهلاك ثمود إهلاك ثمود كذلك اعتبروا، كما في إهلاك ثمود أهلكنا قوم نوح، قوم نوح، ألا يمكن أن يقال في رواية النصب وقومَ نوح أن نقدر الفاء ونقول: إنه منصوب على نزع الخافض، يعني وفي ثمود وفي قوم نوح، لكن ارتفع نزع الخافض فانتصب ما بعده، كثيراً ما يقولون: انتصب على نزع الخافض، الظروف إنما نصبت بانتزاع الخافض، يومَ، في يوم، أو بتقدير: أهلكنا قوم نوح من قبلُ أي قبل إهلاك هؤلاء المذكورين، (من) حرف جر، (قبلُ) مجرور بـ (من) لكنه مبني على الضم، لماذا؟ لأنه حذف المضاف مع أنه منوي، حذف المضاف مع نيته، لو ذكر المضاف نعم لو قيل: من قبل إهلاك هؤلاء قلنا: يجر، لو ذكر المضاف {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} [(137) سورة آل عمران] ولو حذف المضاف ولم ينو فساغ لي الشراب وكنت قبلاً ... . . . . . . . . .

يعرب مع التنوين، لكنه هنا قبل وبعد والجهات الست إذا حذف المضاف ونوي معناه فإنه يبنى على الضم، مثل: أما بعد. أي قبل إهلاك هؤلاء المذكورين {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [(46) سورة الذاريات] العلة الفسق، والفسق كما يطلق على ارتكاب المحرمات التي لا تخرج من الدين يطلق أيضاً على الكفر، يطلق أيضاً على الكفر {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا} [(18) سورة السجدة] يعني هو مقابل بالإيمان، فالفاسق هو الكافر، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [(46) سورة الذاريات]. " {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [(47) سورة الذاريات] بقوة" بأيد: بقوة، معروف أن المفسر عنده شيء من التأويل، فهل نقول: إنه أول اليد بالقوة أو نقول: إن التفسير هنا صحيح، نعم التفسير صحيح الأيدي هنا القوة، وهو تفسير مأثور عن السلف، وهذه الآية ليست من آيات الصفات وإلا فاليد ثابتة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، على منهج أهل السنة والجماعة لا على طريقة المخالفين من تأويلها بالنعمة أو بالقوة وما أشبه ذلك، اليد ثابتة، لكن هنا هذه الآية ليست من آيات الصفات، وجاء تفسيرها عن جمع من السلف بالقوة، فلا يستدرك عليه هنا، بأيدٍ بقوة. " {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [(47) سورة الذاريات] قادرون" موسعون قادرون، يعني الموسع في مقابل المقتر، والموسع قادر على تحقيق ما يريد بخلاف المقتر، لكن هنا حينما ارتبطت بالسماء عرفنا أن السعة هذه يراد بها السماء، يعني لموسعون بناءها، بناء هذه السماء، وإذا كانت الأرض التي لا يمكن تقديرها مع أن الوسائل البشرية تطورت، وجابت أقطار الأرض، لكن يبقى أن هناك ما لم يطلع عليه البشر من هذه الأرض إذا كانت نسبتها إلى السماء كحلقة ألقيت في فلاة، أو كدراهم سبعة، السماوات السبع كدراهم سبعة بالنسبة إلى العرش، والأرض بالنسبة للسماء كحلقة ألقيت في فلاة، فما سعت هذه السماء؟! وإذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأمور من هذه العظمة، عظمة الله -جل وعلا- لا تدركها الأفهام، ولا تبلغها الأوهام مهما تخيلت، مهما تخيلت ما يصل، خيالك لن يصل.

" {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [(47) سورة الذاريات] قادرون" يقال: آد الرجل يئيد قوي، وأوسع الرجل صار ذا سعة وقوة" ويريد أن يجعل الفعل هنا أوسع من اللازم؛ لأن لو قلنا: إن السعة هذه متعلقة بالسماء لقلنا: إنه من المتعدي، لموسعون خلقها، خلق هذه السماء، والمؤلف يرى أنها من أوسع الرجل اللازم، الذي لا يتعدى إلى المفعول بنفسه، وأوسع الرجل أي صار ذا سعة وقوة، لكن هذه السعة يدخل فيها دخولاً أولياً، ما جاء النص عليه في النص، يعني ما يذكر في النص دخوله فيه قطعي، يعني السعة هنا " {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [(47) سورة الذاريات] في كل شيء، يعني قادرون على كل شيء، يعني لو تأملنا قليلاً ما ورد في النصوص، ضرس الكافر مثل جبل أحد، مثل الجبل العظيم ضرس، وما بين منكبي الكافر جاء فيه كذا وكذا، المقصود أن هذه الأمور تثبت سعة الله -جل وعلا- وقدرته على كل شيء، كل شيء قابل للتوسيع في قدرة الله -جل وعلا-، ومنها السماء المنصوص عليها في الآية، يعني دخولها في هذا العموم قطعي، أي "صار ذا سعة وقوة". " {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} [(48) سورة الذاريات] مهدناها" لكي تناسب العيش عليها فهي مفروشة، يعني لو كانت الأرض كلها جبال لصعب العيش فيها، لكن الجبال إنما أوجدت لترسية الأرض {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [(32) سورة النازعات] ولذا إزالة هذه الجبال كما يفعل الآن لا شك أنه يعرض هذه الأرض لخلاف ما أوجدت الجبال من أجله، نعم لو وجد هناك ضرورة ملحة، وهذه الجبال عائقة في طريق المسلمين لا شك أن المسألة مصالح ومفاسد مترتبة عليها، كما قالوا في وجود مقبرة في طريق المسلمين هذه مسألة تقدر بقدرها، لكن كونها تزال من أجل حطام الدنيا هذا لا شك أنه ينافي الحكمة من إيجاد هذه الجبال، {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [(32) سورة النازعات] ينافي الحكمة من إيجاد هذه الجبال. " {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} [(48) سورة الذاريات] مهدناها" جعل الأرض مهد يعني يلازمها الناس وغيرهم ممن يعيش على ظهرها، كما يلازم الطفل المهد، فهي ممهدة راسية ثابتة والأرض فرشناها مهدناها " {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [(48) سورة الذاريات] نحن" فالمخصوص بالمدح محذوف تقديره: نحن.

{وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [(49) سورة الذاريات] من كل شيء خلقنا زوجين يقول: "متعلق بقوله: خلقنا" الجار والمجرور متعلق بخلقنا، خلقنا زوجين من كل شيء، يعني صنفين، من كل جنس تجد صنفين، الذكر والأنثى، السماء والأرض، الشمس والقمر، السهل والجبل، الصيف والشتاء، الحلو والحامض، النور والظلمة" هذا يمشي إذا لم يوجد ثالث لهذه الأصناف، أو لا يوجد فرد لا ثاني له من المخلوقات، هذا على عمومه يبقى، لكن العرش واحد، والكرسي واحد، والقلم واحد، فهذا مستثنى من كل شيء، أيضاً هناك أشياء منها ثلاثة، وأشياء منها أربعة، الذكر والأنثى، هذا الأصل يعني في المخلوقات ذكر وأنثى، قد يوجد صنف ثالث لا ذكر ولا أنثى، لكن هذا خلاف الأصل، السماء والأرض ماشي، الشمس والقمر ماشي، السهل والجبل ماشي، قد يوجد نوع ثالث مثلاً ليس بسهل ولا جبل وإنما هو منهبط من الأرض، الصيف والشتاء فيه أيضاً ربيع وخريف، وأيضاً الحلو والحامض، فيه المالح وفيه المز الذي ليس بحامض ولا حلو، النور والظلمة متقابلة، هناك ما هو من قبيل الضد، وهناك ما هو من قبيل النقيض، فما هو من قبيل النقيض نعم يدخل في هذا، لكن ما هو من قبيل الضد .. ، لو تقول مثلاً: منها الأبيض والأسود فيه ألوان أخرى. على كل حال {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [(49) سورة الذاريات] هذا هو الغالب نعم {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [(49) سورة الذاريات] بحذف إحدى التائين من الأصل" الأصل لعلكم تتذكرون، فحذفت إحدى التائين فصارت تذكرون، ومنهم من يقول: إن التاء الثانية أدخلت أدغمت في الذال، فصارت تذَّكرون تذَّكرون، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [(49) سورة الذاريات] بحذف إحدى التائين من الأصل فتعلمون أن خالق الأزواج فرد فتعبدونه" خالق هذه الأشياء هو المستحق للعبادة، هو المستحق للعبادة.

{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [(50) سورة الذاريات] ففروا إلى الله، يعني هل الفرار إلى الله -جل وعلا- بأن نركب المراكب الفضائية لنحلق بها إلى ما فوق العرش، نفر إليه بأبداننا إليه -جل وعلا-؟ أو نفر مما يبعدنا منه إلى ما يقربنا إليه؟ لأن التقريب هو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأقرب للإنسان من عنق راحلته، لكن القرب ثابت لله -جل وعلا- لكن قربنا إليه؟ قربه إلينا ثابت بالنصوص، لكن قربنا إليه بما يقربنا إليه من فعل أوامره واجتناب نواهيه، و ((أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد)) ففروا إلى الله، فروا إلى ما يقربكم إليه، ولذا يقول: "فروا إلى ثوابه من عقابه بأن تطيعوه ولا تعصوه" فعلى الإنسان أن يفر إلى الله -جل وعلا-، إذا جلس معه أناس وطال بهم المجلس وهناك مكان يمكن أن يختفي به عن هؤلاء وراغ عنهم بخفية وانسل إلى هذا المكان وجلس يذكر الله ويقرأ القرآن، بحيث لا يلفت أنظارهم إليه، أو يصلي ركعتين ثم رجع إليهم وكأن شيئاً لم يكن هذا فرار إلى الله. {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [(50) سورة الذاريات] وأمثال ذلك كثيرة، يعني أقل ما يكون فرار القلب إلى الله -جل وعلا-، وكم من إنسان يخالط الناس من خواص المسلمين من عبادهم من علمائهم من فضلائهم تجده يخالط الناس ببدنه وقلبه معلق بالله -جل وعلا-. " {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [(50) سورة الذاريات] بين الإنذار" بين الإنذار. {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [(51) سورة الذاريات] يقدر قبل ففروا قل لهم" قل لهم، قل لقومك بعد أن نظروا في أحوال الأمم الماضية، وما فعل الله بهم، وما أنزل بهم من عقوبات، قل لهم: فروا إلى الله بتوحيده، بعبادته، {إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [(51) سورة الذاريات] فلا تتركوا هذا التوحيد، وهذه الأوامر.

ثم قال: {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [(51) سورة الذاريات] لا تشركوا به {إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [(51) سورة الذاريات] يعني أنا لكم نذير مبين في البابين، في باب فعل الأوامر التي على أرسها التوحيد، وفي باب ترك النواهي التي على رأسها الشرك. وقال: {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [(51) سورة الذاريات] يقدر قبل ففروا قل لهم".

ثم قال: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا} [(52) سورة الذاريات] كذلك مثل ما حصل من الأمم السابقة ومثل ما قيل لك يا محمد كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا: هو ساحر أو مجنون يعني لمن أرسل إليهم، كثير من الأمم كما مر في قول فرعون {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [(39) سورة الذاريات] يعني لكل قوم وارث، تجد بعض الأمور يتوارثها الناس من غير توصية، من غير توصية، وإلا هل يقال: إن فرعون وقوم فرعون أوصوا قريش أن يقولوا كما قال -جل وعلا- منكراً: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [(53) سورة الذاريات] يعني المسألة مسألة توارث، توارث من غير إيصاء، الآن كم بيننا وبين الجاهلية؟ مفاوز ألف وأربعمائة ويمكن كم؟ وثمان وثلاثين سنة، أو ألف وأربعمائة وأربعين سنة قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ألف وأربعمائة وأربعين سنة أو واحد وأربعين سنة، نعيش الآن من مظاهر الجاهلية التي ذكرت في الكتب ما لم نطلع عليه في كتاب سابق، يعني هل وجدنا في كتب ذكرت عن لباس الجاهلية لنرثه عنهم؟ أبداً، الشيطان أوحى إلى الناس بأن نقع فيما وقعوا فيه، يقول القرطبي في تفسيره: "من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين" يعني هل هذا يخطر على بال مسلم حينما تلبس زوجته أو تلبس بنته مثل هذا أن الجاهلية أوصوه بهذا أو .. ؟ لا، لكنه الشيطان الذي ينقل هذه المخالفات من جيل إلى جيل ومن أمة إلى أمة و ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)) وهنا يقول: كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا هو يعني محمد ساحر أو مجنون، أي مثل تكذيبهم لك بقولهم: إنك ساحر أو مجنون، تكذيب الأمم قبلهم رسلهم بقولهم ذلك، تجد من يتفوه بكلام تجده وقد سبق إليه بالحرف، الآن مما يكتب تجد أن الإنسان هذا مسبوق إليه، اطلع أو لم يطلع.

" {أَتَوَاصَوْا} [(53) سورة الذاريات] كلهم" يعني من الكفار المتقدمون الأمم السابقة كلهم إلى قومك يا محمد (به) أتواصوا "به؟ استفهام بمعنى النفي" يعني لم يتواصوا به لماذا؟ لانقطاع الأسانيد انقطاع الاتصال بين أمتك وأممهم، يعني من يوجد في آخر الزمان ويقول بمثل ما قاله أبو جهل مثلاً؟ هل نقول: إن أبا جهل أوصاه بالسند المتصل؟ ما يمكن، لكنه الشيطان الذي يوحي إلى أتباعه بمثل هذا، "أتواصوا كلهم به، استفهام بمعنى النفيط يعني لم يتواصوا به {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [(53) سورة الذاريات] إضراب، لم يتواصوا به {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [(53) سورة الذاريات] "جمعهم على هذا القول طغيانهم" يعني اشتراكهم في المبدأ، اشتراكهم في المبدأ جعلهم يتفقون على ما يمليه عليهم هذا المبدأ، جعلهم يتفقون على ما يمليه عليهم هذا المبدأ، ولذلك تجد مثلاً من وسائل الكفار في الشرق والغرب في محاربة الدين وأهله ما يتفقون عليه من غير ما يتوافقون عليه من غير اتفاق، ما يتوافقون عليه من غير اتفاق " {أَتَوَاصَوْا بِهِ} كلهم، استفهام بمعنى النفي، {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} جمعهم على هذا القول طغيانهم". {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [(54) سورة الذاريات] يعني أعرض عنهم، لا تلتفت إلى كلامهم، لا يؤثروا عليك، لا يثنونك عما أنت بصدده، وهذا للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى من يدعو بدعوته، يعني لو قيل: فلان، يعني العبارة الآن التي تدرج بين الناس: فلان مسكين، مسكين يدخل نفسه في شيء لا يخصه، أو قد يعرضه للابتلاء، قد يعرضه لتعذيب، قد يعرضه لشيء مما يترتب على الأمر والنهي.

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ} [(54) سورة الذاريات] عليك أن تؤدي ما عليك، أنت مأمور ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) لا تقول: والله هاذول بيهددون وبيضربون، لكن أنت عليك أيضاً أن تسلك المسلك الذي يحقق المصلحة، ولا تعرض نفسك لما يترتب عليه مفسدة، لا، أنت ما أنت مأمور بهذا، أنت مأمور أن تغير، ولذلك جعلت مراتب، تستطيع تغير باليد عليك أن تغير باليد، لا تستطيع باللسان، لا تستطيع بالقلب، أما أن تقول: والله هذا أمر لا يهمني، ولا أنا مكلف ولا شيء، لا، لكن لو قيل لك وأنت تأمر وأنت تنهى: والله مسكين هذا يدخل نفسه فيما لا يخصه، ويعرض نفسه لكلام الناس ولأذى الناس، نقول: تول عنهم، هؤلاء الذين يتكلمون أنت عليك بذل السبب، يعني سواءً ترتب عليه نتيجة، ارتفع المنكر، اهتدى هذا الضال الذي تدعوه إلى الله -جل وعلا-، أو لم يهتد الأجر مرتب على مجرد بذل السبب {فَتَوَلَّ} [(54) سورة الذاريات] أي أعرض عنهم {فَمَا أَنتَ بِمَلُوم} لأنك بلغت الرسالة، وأديت ما عليك {مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} [(99) سورة المائدة] {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] يعني النتائج بيد الله -جل وعلا-، أما بذل السبب فلا بد منه، لا بد منه، ولا أحد يعفى من بذل السبب، كل على حسب قدرته واستطاعته.

{وَذَكِّرْ} [(55) سورة الذاريات] يعني عظ بالقرآن، كما جاء في آخر سورة (ق) {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] عظهم بالقرآن، وكم يتأثر الإنسان إذا سمع القرآن بصوت مؤثر من شخص مخلص في قراءته، تجده يتأثر تأثر بالغ، هذا إذا كان فيه شيء من حياة، والقرآن مؤثر، مؤثر يعني جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ سورة الطور كاد قلبه أن يطير وهو كافر مشرك ما أسلم، فالقرآن مؤثر إلا إذا كانت القلوب أقسى من الحجارة {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [(21) سورة الحشر] وكما يقال: الجبل ما ألين لأحد، الحجارة ما ألينت لأحد، بينما الحديد ألين لداود، ومع ذلك الحجر الذي ما ألين لأحد يلين للقرآن، وجدته خاشعاً، لكن أكثر القلوب فيما نعيشه ونعايشه أشد من الحجارة، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] ما هو بكل الناس يتذكرون بالقرآن {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ} [(54) سورة الذاريات] لأنك بلغت الرسالة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- وجد في نفسه وكذلك الصحابة أن المسألة انتهت، بلغت الرسالة وانتهيت، فما بقي إلا العذاب كما حصل للأمم السابقة، جاء بعد ذلك قوله: {وَذَكِّرْ} [(55) سورة الذاريات] يعني عظ بالقرآن {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [(55) سورة الذاريات] من علم الله تعالى أنه يؤمن، عرف بهذا أن المسألة ما انتهت، تابع التذكير، تابع التذكير، {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [(55) سورة الذاريات] لأنهم هم الذين ينتفعون بها، سواءً كان منهم من آمن بالفعل أو من كان مآله إلى الإيمان، مثل جبير بن مطعم كافر، النصارى إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع، تفيض من الدمع، يعرفون الحق، يعرفون شيء من الحق، وكثير من المسلمين يعني عهدنا كبار السن وفيهم الصلاح الظاهر إذا قرأ عليهم الإمام بكوا، ثم مازال هذا الأمر ينقص حتى فقدناه بالكلية، الآن تجد القارئ يقرأ القرآن من أوله إلى آخره نادر الذي يتأثر.

{وَذَكِّرْ} [(55) سورة الذاريات] يعني "عظ بالقرآن" {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [(55) سورة الذاريات] "من علم الله تعالى أنه يؤمن" من علم الله أنه مؤمن بالفعل تنفعه الذكرى، من علم الله -جل وعلا- أنه يؤمن أيضاً تنفعه الذكرى. {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] هذا هو الهدف الإلهي من وجود أو من إيجاد الجن والإنس، إنما هو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، الهدف تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ولما كان الأمر كذلك خشي على بعض الناس أنه ينقطع لهذا الأمر فقيل له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] لأن أمور الآخرة لا تقوم إلا بشيء من أمور الدنيا، أمور الآخرة لا تقوم إلا بشيء من أمور الدنيا؛ لأن الإنسان ركب من أبعاض تحتاج إلى أكل وإلى شرب وإلى بقاء النوع الإنساني يحتاج إلى نكاح، أمور الناس لا يمكن أن تتحقق أو يحققها الإنسان بمفرده فاحتاج إلى غيره، فقيل له: لا تنس نصيبك من الدنيا؛ لأن المسلم إذا سمع مثل هذا الكلام {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] يمكن أن ينقطع للعبادة ويترك أمور الدنيا، لكن هذا ليس بمنهج شرعي، قد يوجد للإنسان من يكفيه أمر الدنيا من والد أو ولد أو ما أشبه ذلك، لكن إذا لم يوجد لا بد أن يتسبب، فلا تنس نصبيك من الدنيا، ومع الأسف الشديد أننا نعيش بين أناس جلهم لا يقال: كلهم بحاجة إلى أن يقال له: لا تنس نصيبك من الآخرة، يعني انهمك في أمر الدنيا بكليته، انصرف إلى أمر الدنيا، وإذا أدى شيئاً من أمر الآخرة تجده بدن بلا روح، جسد بلا روح، يزاول هذه العبادات لمجرد أنه أمر بها ويريد أن يتخلص منها، فلا يتلذذ بها.

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] هذا الهدف الشرعي من خلق الجن والإنس، الله -جل وعلا- خلقهم لهذا، يعني في قضائه الشرعي في قضائه الشرعي، خلقهم للعبادة لكن في قضائه الكوني يعني ألا يوجد من خرج عما خلق له؟ نعم، أمروا بالصلاة ما صلوا، أمورا بالزكاة ما زكوا، هل نقول: إن الله -جل وعلا- قدر عليهم أن يصلوا وما صلوا؟ لا، إنما أمرهم بذلك وقدره السابق من الشقاوة والسعادة نافذ لا مرد له، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] ولا ينافي ذلك عدم عبادة الكافرين، عدم عبادة الكافرين؛ لأن الغاية لا يلزم وجودها، الغاية لا يلزم وجودها كما في قولك: بريت هذا القلم لأكتب به، فإنك قد لا تكتب به، نعم في حق المخلوق هذا ظاهر، قد يقدر شيء وفي تقديره أنه يستعمل هذا القلم يشتريه ليكتب، اشتراه ليكتب به ثم يضيع أو يؤخذ منه أو يهبه لأحد فما تحققت العلة، هنا وجد عندهم إشكال أن هذه العلة من وجود الجن والإنس وهذه الحكمة يعني ما تحققت في كثير من الناس فتخلفت هذه العلة التي من أجلها، لكن إذا نظرنا أن هناك قضاء إلهي قدري وقضاء شرعي، ولا تناقض ولا تنافي بين الأمرين، يعني هنا خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، يعني أمرهم بالعبادة بتوحيده بعبادته بطاعته بترك معاصيه شرعاً وإلا كوناً وقدراً؟ أمرهم بذلك شرعاً، لكنه كوناً وقدراً جعل بعضهم سعداء منهم شقي ومنهم سعيد، منهم شقي ومنهم سعيد، وركب فيهم ما يجعلهم يختارون أحد الطريقين، ولم يجبرهم على سلوك أي طريق، يعني بين لهم هداهم النجدين وركب فيهم من حرية الاختيار ما ركب، فليس بظالم لهم، وقدره السابق نافذ لا راد لما قضى الله -جل وعلا-، فمن كان سعيداً فهو سعيد، ومن سبق عليه الكتاب بالشقاوة فهو شقي، ولا تعارض بين ذلك وما جاء في هذه الآية، وإن كان الإشكال أطال فيه المفسرون لكنها ليست بمشكلة؛ لأن المسألة يمكن أن تنفك الجهة يمكن أن تنفك، فإذا كان الله -جل وعلا- قدر عليهم يعني أمرهم شرعاً بالعبادة وقدر عليهم كوناً بعدم العبادة مثل ما في جميع الأوامر، ما في جميع .. ، ولذلك الجبرية حينما يقولون: إن

الإنسان مجبور، وحركته كحركة ورق الشجر في مهب الريح، ماله أي تصرف هنا يكون مظلوم، حينما كتب عليه وقيد لا يفعل ولا يترك، قيد. ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له: ... إياك إياك أن تبتل بالماءِ هذا مظلوم، يعني شخص أوثق شخص بحبل ثم قال له: لا تبتل بالماء، قلنا: ظلمه، وهذا قدر الله عليه أن يكفر ثم عذبه يقول الجبرية: ظلمه، نقول: نعم ظلمه لو جبره على ذلك، لكن الله -جل وعلا- جعل له من حرية الاختيار ما يجعله يختار، يعني لو أن نفراً خمسة أو ستة جالسين في مكان أقيمت الصلاة قال واحد: يا الله يا الإخوان، ثم قال واحد: ما أستطيع طيب فيك شيء أنت؟ يقول: ما أستطيع، أنا مكتوب علي أني ما أصلي، ويش دريك؟ ما الذي يدريك أنه مكتوب عليك أنك ما تصلي؟ أنت مختار الآن جلست، بإمكانك أن تقوم إلى البرادة لتشرب، ما الذي يمنعك؟ بإمكانك أن تقوم إلى مكان الصلاة فتصلي، هذا كل إنسان يدركه من نفسه، فالذي يقول: إنه مجبور هذا الكلام ليس بصحيح، ولو سرق له مال، أو ضرب بعصا التفت على الذي ضربه لماذا تضربني؟ لو قال: أنا مجبور، قال: أنت مجنون ما أنت بمجبور، ففي أمور الدنيا ما يقرون بالجبر، في أمور الآخرة يقولون: مجبور هذا الكلام ليس بصحيح، نعم الله -جل وعلا- قدر على الخلق أن منهم فريق في الجنة وفريق في السعير، لكن الله -جل وعلا- بين لهم الطريقين، وأرسل لهم الرسل وأنزل لهم الكتب، وجعل فيهم من حرية الاختيار ما يختارون مما لا يجبرهم على الطريق الثاني فلم يكن لأحد حجة. يقول: "ولا ينافي ذلك عدم عبادة الكافرين؛ لأن الغاية لا يلزم وجودها، كما في قولك: بريت هذا القلم لأكتب به فإنك قد لا تكتب به"

{مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} [(57) سورة الذاريات] لي، ولا لأنفسهم، ولا لغيرهم، {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} إطلاقاً، لا يرزقوني ولا يرزقوا أنفسهم ولا يرزقون غيرهم، إنما خلقتهم لمصلحتهم، لتحقيق العبودية ثم بعد ذلك النعيم الأبدي السرمدي، وما عند الله -جل وعلا- من الرزق لا ينفد، ويمينه ملأى سحاء الليل والنهار، ولو اجتمع الخلق كلهم إنسهم وجنهم، أولهم وآخرهم، فسألوا الله وأعطى كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملك الله شيء، فالله -جل وعلا- لا يريد من خلقهم لا تكثر من قلة، ولا تعزز من ذله، الله -جل وعلا- خلقهم ليعبدوه. {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} [(57) سورة الذاريات] لي ولأنفسهم وغيرهم" {وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [(57) سورة الذاريات] ولا أنفسهم ولا غيرهم، من الذي يطعمهم؟ من الذي يطعم غيرهم؟ من الذي يطعمهم؟ الذي يطعمهم هو الله -جل وعلا-، ((يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم)) ووجد من انقطعت به الأسباب وكاد قارب وشارف الهلاك ثم نزل عليه رزقه، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يترك الأسباب، الأسباب مأمور بها، والسماء لا تمطر ذهب ولا فضة ((ولو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير)) كيف يرزق الطير؟ تجلس في أوكارها وأعشاشها يأتيها الرزق وإلا تغدو وتروح؟ ((تغدو خماصاً وتروح بطاناً)) يعني ابذلوا الأسباب، ابذلوا ما تستطيعوا من الأسباب ثم بعد ذلك النتائج بيد الله -جل وعلا-، وقد يحرم الإنسان من الأسباب التي يستطيع بها طلب الرزق فيرزق بدون أسباب، فيرزق بدون أسباب، وهناك قصص كثيرة وحادث ووقائع في أول الزمان وآخره من هذا النوع، والسبب {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [(58) سورة الذاريات] إن الله هو الرزاق، يعني تعريف الجملتين حصر فلا رازق إلا الله -جل وعلا-، والتأكيد بأن وضمير الفصل يدل على أنه لا رازق إلا الله -جل وعلا-، وفي ذلك الأسلوب الحصري في تعريف جزئي الجملة، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [(58) سورة الذاريات] يعني لو قيل: إن الله رازق أو رزاق لاحتمل أن يكون معه رازق آخر، لكن لما جيء بالجملة معرفة الجزأين دل ذلك على الحصر.

{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ} [(58) سورة الذاريات] صاحب القوة الذي لا يغالب، والذي يقول للشيء: كن فيكون {الْمَتِينُ} الشديد بالضم المتينُ وصف لذو، وقرئ المتينِ وصف للقوة؛ لأن الوصف إذا جاء بعد مضاف ومضاف إليه يحتمل أن يكون وصفاً للمضاف ويحتمل أن يكون وصفاً للمضاف إليه، تقول: مررت بغلامِ زيدٍ الفاضلِ، الفاضل وصف لزيد وإلا لغلامه؟ ما أحد يجزم، ما أحد يجزم بهذا ولا ذاك، إنما الذي يحدد وصف الشخص، واقع الشخص، هل الغلام موصوف بالفضل؟ أو هل زيد موصوف بالفضل؟ لينطبق عليه هذا الوصف، ولذلك تحديد المراد فيه صعوبة، إلا إذا كان الإعراب بالحروف، إذا كان الإعراب بالحروف وصار المضاف إما مرفوع أو منصوب، والمضاف إليه مجرور على كل حال، لكن إذا كان المضاف مجرور التبس الأمر إلا بقرائن ترشد إلى ذلك من خلال السياق، فمثلاً في قول الله -جل وعلا-: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ} [(27) سورة الرحمن] وصف للمضاف لا محالة؛ لأن الوجه مرفوع وذو مرفوع، وفي قوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي} [(78) سورة الرحمن] وصف للمضاف إليه؛ لأن ربك مجرور بالإضافة، وذي مجرور بالياء، ما تستطيع أن تقول: ذو، أو وصف للاسم لا، الذي يقع فيه الإشكال إذا كان المضاف والمضاف إليه في حالة جر كلاهما مجرور كما في مررت بغلام زيد الفاضلِ. {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [(58) سورة الذاريات] الشديد وهو وصف لذو صاحب القوة الشديد في هذا الباب وفي غيره، المتين الشديد، أما إذا قلنا: إن المراد بالقوة الشديدة يعني مما يرجح أنه وصف لذو وأنه المتين وصف لذو مما يرجح رفعه وأنه وصف لذو تفسيره بالشديد، وأيضاً تذكير المتين، تذكير المتين، القوة مؤنثة، لو أراد وصف القوة لقال: ذو القوة المتينة، نعم، وهذا مما يرجح قراءة الضم.

{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} [(59) سورة الذاريات] ظلموا أنفسهم بالكفر من أهل مكة وغيرهم" والظلم يطلق على أشياء منها: ما هو أعظم الظلم وهو الشرك {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام] قال: الشرك، ومنه الظلم ظلم الإنسان لنفسه وظلم الإنسان لغيره بالعظائم والكبائر والموبقات والصغائر أيضاً كله ظلم للنفس {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} [(32) سورة فاطر] ظالم لنفسه بالمعاصي سواءً كانت كبيرة كالشرك فما دونه إلى صغائر الذنوب. {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} [(59) سورة الذاريات] أنفسهم بالكفر من أهل مكة وغيرهم" يعني ليس هذا خاص بأهل مكة " {ذَنُوبًا} [(59) سورة الذاريات] نصيباً من العذاب" أصل ذنوب الدلو المملوء ماءاً، الذنوب الدلو الكبيرة المملوءة ماءاً، نصباً من العذاب مثل ذنوب نصيب أصحابهم، طيب النصيب عبر عنه بالذنوب؛ لأن القوم الذين يردون الموارد من المياه إنما يكون نصيبهم بالدلو يؤخذ من البئر بالدلو ويعطى هؤلاء نصيبهم، ويؤخذ بالدلو ويعطى هؤلاء نصيبهم يستقى يمتح بالدلو ومن البئر ويعطى هؤلاء نصيبهم، يعني الأعلى يسمى ماتح، الذي يزعب من الأعلى في أعلى البئر يسمى ماتح، والذي في أسفل البئر يملأ هذه الذنوب أو هذا الدلو يسمى مايح بالياء، لأنهم يقولون: الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل، التاء نقطتان فوق، والياء نقطتان من تحت، وهنا يقولون: الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل، كما قالوا في دَجاجة ودِجاجة بالكسر قالوا: المفتوحة للذكر، والمكسورة للمؤنث، يعني هذا من الطرائف التي يذكرونها. الأصل في قسمة نصيب الناس من الماء الذي به الحياة إنما يكون بالذنوب، فعبر بالنصيب بآلته التي يستخرج بها، الذي هو الذنوب، هؤلاء لهم ذنوب وهؤلاء لهم ذنوب، وذاك من الماء وهذا من العذاب.

{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} [(59) سورة الذاريات] يعني أنفسهم بالكفر من أهل مكة وغيرهم" " {ذَنُوبًا} [(59) سورة الذاريات] نصيباً من العذاب، مثل ذنوب مثل نصيب أصحابهم الهالكين قبلهم" من الأمم السابقة الذين قص الله علينا أخبارهم {فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ} [(59) سورة الذاريات] لأنهم استعجلوا العذاب، لا يستعجلون ينتظرون نصيبهم من العذاب، الذي حل بغيرهم لا بد أن يحل بهم، فلا يستعجلون بالعذاب إن أخرتهم إلى يوم القيامة فالعذاب بالنار إن أخذهم فأخذه أليم شديد، أخذ عزيز مقتدر ((إن الله -جل وعلا- ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته)) {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [(42) سورة إبراهيم] يعني هذا آخر حد لهم، وإلا قد يؤخذون، وقد يأخذهم بالعذاب قبل ذلك. {فَوَيْلٌ} [(60) سورة الذاريات] شدة عذاب، يقولون: وادٍ في جنهم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت، لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت، واد في جهنم، أو كلمة عذاب {لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ} [(60) سورة الذاريات] يومهم ظرف، والأصل أن الذي يقدر للظرف (في) الظرف المحتوى هل يكون غاية ابتداء غاية مثلاً؟ هل يكون تبعيض؟ هل يكون بيان؟ لأن (من) تأتي لابتداء الغاية، تأتي للتبعيض، تأتي للبيان، لكنها ظرف، من يومهم يعني هل نقول: من يومهم إلى يوم القيامة لتكون ابتداء غاية؟ أو في يومهم الذي يوعدون فتكون ظرفاً، اليوم هذا ظرف لهذا الوعيد، فالمناسب للظرف (في) وقالوا: إن (من) بمعنى (في) لأنه هو المناسب للظرف والحروف تتقارض، إلا إذا قدرنا فعل يتعدى بالحرف المذكور، وشيخ الإسلام يرى أن تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} [(60) سورة الذاريات] فليخافوا من يومهم، إذا قدرنا فعل يتعدى بالحرف المذكور الذي هو (من) أولى من تضمين الحرف، وضمنا (من) معنى (في) عند شيخ الإسلام، وإن كان بعضهم يقول: لا، تضمين الحرف أسهل من تضمين الفعل. {مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [(60) سورة الذاريات] يعني يوم القيامة، يعني يوم القيامة، والذي فيه الجزاء، وفيه الحساب، وفيه العذاب والنكال، نسأل الله السلامة والعافية، وفيه يجاء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، نسأل الله السلامة والنجاة. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة الطور (1)

تفسير الجلالين سورة الطور (1) الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة وبركاته الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فاستكمالاً لما مضى من درس في العام الماضي في تفسير سورة الحجرات، وما تلاه بعد ذلك من تفسير سورة: (ق، والذاريات) نتابع في تفسير سورتي الطور والنجم، وبدون مقدمة للتفسير حيث مضى التقدمة في أكثر من مناسبة لا سيما في هذا المسجد سورة الحجرات، فلا داعي للتقديم في بيان أهمية التفسير. تفسير سورة الطور التي نحن بصدد الحديث عنها، هذه السورة من سور القرآن سورة عظيمة تهز قلب الكافر قبل المسلم، ففي الصحيح من حديث جبير بن مطعم: أنه قدم المدينة في فداء أسرى بدر -وكان يومئذ كافراً-، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، وأخبر عن نفسه أن قلبه كاد يطير من سماع هذه السورة. قال: وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، وهذا كافر لا يؤمن بالله ولا بما جاء عن الله، لكنه بفطرته مع تذوقه للكلام، فالعرب الذين نزل القرآن بلغتهم يفهمون ما يلقى إليهم، ومما يؤسف له أن كثيراً من المسلمين لا يعون ولا يدركون مثل هذا الإدراك، فتقرأ سورة الطور، وتقرأ سورة هود، وتقرأ الآيات التي لو أنزلت على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، ومع ذلك لا تحرك ساكناً، هذا كافر كاد قلبه أن يطير والنصارى {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [(83) سورة المائدة]، ومع الأسف أن المسلم في عصرنا هذا لا تكاد تحرك فيه ساكناً إلا من رحم الله وهم قلة؛ حتى أنا نجد من أنفسنا ونحن مع إخواننا من طلاب العلم، يعني لنا صلة وإن كانت ضعيفة حقيقة الصلة ضعيفة بكتاب الله، لكنها موجودة يعني ولو كانت ناقصة ومع ذلك كلام الله لا يحرك فينا ساكناً.

وما ذلكم إلا لقسوة القلوب وما ران عليها من الذنوب، ومن أظهر ذلك التخليط في المأكول الذي ران على القلوب، وغطاها وغشاها فصارت لا تفقه شيئاً إذا كان كلام الله يتلى بأصوات مؤثرة، ومع ذلك القلب لا يوجف ولا تزيدنا إيماناً مع الأسف، والله -جل وعلا- حصر الإيمان بالذين إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً، وجلت قلوبهم. نحن لا تحرك ساكناً، فانشكوا إلى الله -جل وعلا- قسوة القلوب، ومع هذه الشكوى لا بد من بذل الأسباب لإحياء الشعور فيها، أبو جهل وأبو لهب وغيرهم من مشركي قريش من عتاة، من صناديد قريش قيل لهم: قولوا: لا إله إلا الله نفروا وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [(5) سورة ص]، وتجد المسلم منذ قرون يطوف بالقبر وهو يقول: لا إله إلا الله فهل هذا يفهم معنى لا إله إلا الله كما يفهمها أبو جهل وأبو لهب؟ والله ما يفهم لا إله إلا الله، تجده يقول: لا إله إلا الله، ويقول: يا علي، يا حسين، هل هذا يفهم معنى لا إله إلا الله؟ ونحن نسمع كلام الله بالأصوات المؤثرة، التي لو قرئ فيها كلام عادي يعني تتأثر من جمالها وحسنها وترقيقها، فيكف بكلام الله المؤثر بنفسه بذاته؟ هذا كافر كاد قلبه أن يطير، فماذا عنا، هل نحن بهذا الصفة؟ أتكلم عن نفسي وأعرف من حال كثير من إخواني أنهم ليسوا كذلك، فلا بد من مراجعة الحسابات، الحسن يقول: تفقد قلبك في ثلاثة مواطن: 1/ في قراءة القرآن. 2/ في الصلاة.

3/ في الذكر. فإن وجدته وإلا فعلم أن الباب مغلق، فعلم أن الباب مغلق يعني -بينك وبين ربك في حجاب. يعني فاسعى إلى رفع هذا الحجاب، فهل سعينا إلى رفع هذا الحجاب سعينا بجد، وبذلنا الأسباب، وعملنا على انتفاء الموانع التي تمنع ارتفاع هذا الحجاب؟ على طريقة واحدة منذ بدأنا الطلب إلى يومنا هذا ونحن طريقتنا لا تتغير، بل الملاحظ أنها تتغير إلى الأسوأ، أيام بداية الطلب يمكن قلوبنا أفضل من الآن، وهذا يجعل الإنسان يسيء الظن بنفسه وبنيته وبطلبه للعلم، هل هو على الجادة؟ العلم فائدته العمل، والقرب من الله -جل وعلا- فهل أفادنا هذا العلم القرب من الله -جل وعلا-؟ هل استحضرنا لذة المناجاة بين يدي الله -جل وعلا-؟ هل تلذذنا بصلاة ركعتين في جوف الليل؟ لا بد من إعادة الحساب فإذا كان هذا كافر يسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ بسورة الطور فيكاد قلبه أن يطير، يكاد قلبه أن ينخلع كما في بعض الروايات، فماذا عنا ونحن ننتسب إلى طلب العلم، ونعنى في الظاهر والله أعلم بالبواطن والخفايا؟ في الظاهر نعنى بكتاب الله، وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- وهي ديدن كثير من الأخوان وطلاب العلم، لكن مع ذلك النتيجة، الغاية هل نحس منها أو فيها لذة؟ ما نحس بشيء فلا بد من إعادة النظر، لابد من بذل الأسباب والسعي بجد على انتفاء الموانع. يعني اعلم أن الباب مغلق، يعني لا أبالغ أنني قلت: مراراً أبدأ بسورة يونس ولا أشعر إلا وأنا بسورة يوسف، أقول هذا عن نفسي، أين ذهبت سورة هود بين السورتين يعني -الثلاث السور واحد وأربعين صفحة من القرآن-؟ الثلاث السور تبدأ من أولها إلى أخرها، مررت بسورة هود ولا كأن شيئاً حصل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما سأله أبو بكر وغيره أراك شبت يا رسول الله،! قال: ((شيبتني هود وأخواتها)) ... ، الحديث لا يسلم من كلام لأهل العلم حتى قيل: إنه مضطرب، لكن الحافظ ابن حجر يقول: إنه يمكن ترجيح بعض الوجوه على بعض فيكون حسناً.

قصص لأمم غابرة ارتكبت ما ارتكبت من الذنوب والمخالفات، وعذبت بصنوف من العذاب نقرؤها ونسمعها وكأن الأمر لا يعنينا، والمسِألة كما قال عمر وغيره: "مضى القوم ولم يرد به سوانا"، نحن المقصودون بهذا القران، ليس المقصود لا عاد ولا ثمود ولا أصحاب الأيكة ولا مدين ولا قوم فرعون انتهوا، لمن أنزل القرآن؟ أنزل لنا لنعتبر ونتعظ وندكر، والسنن الإلهية واحدة لا تتغير، عذبوا بأسباب إذا وجدت مثل هذه الأسباب يعذب بها غيرهم {َلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [(62) سورة الأحزاب]، ولم يستثن من الأمم إلا قوم يونس، ما استثني من هذه السنة إلا قوم يونس يعني لما انعقدت الأسباب وحقت كلمة العذاب، نفعهم إيمانهم لكن غيرهم السنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، ونحن الآن واقعون في مسائل، وفي عظائم موجودة يعني في مجتمعنا وفي غيرنا أكثر، ونخشى من عقوبة تنزل بنا، ومن أن يحل بنا ما حل بغيرنا من المثلات، والقوارع، نرى الناس يتخطفون من حولنا ونحن في بلد أمن، فعلينا أن نشكر هذه النعمة، ونقوم بشكرها، ونؤديها على الوجه المطلوب، لا يكفي اللسان بل لا بد من العمل.

حديث جبير بن مطعم يستدل به أهل العلم على أن الراوي في وقت التحمل لا يشترط فيه شرط، لا يشترط له شرط في وقت التحمل، إنما الشروط إنما هي في وقت الأداء، هذا كافر، ورواية الفاسق مردودة كما تقدم في سورة الحجرات، رواية الفاسق مردودة فكيف بالكافر؟ من باب أولى إذا كان المسلم الفاسق روايته مردودة، فالكافر من باب أولى، وعلى هذا فرواية الكافر، رواية الفاسق، رواية الصغير وغيرهم ممن لا تنطبق عليهم الشروط التي اشترطها أهل العلم في قبول الرواية لا تشترط حين التحمل، إنما تشترط حال الأداء إذا أراد أن يحدث غيره، نظر هذا المتلقي فإن كان ممن تنطبق عليه الشروط قبل منه وإلا فلا، أما وقت التحمل ليتحمل وليكن كافراً كما في حال جبير بن مطعم، وما جاء مما يتعلق بابن الديان هذا يهودي متطبب يحضر مجالس الحديث عند الحافظ المزي وغيره، فترددوا في كتابة اسمه في السامعين هذا يهودي قالوا: كيف يكتب اسمه في الطباق، وهو يهودي؟ الرواية للمسلمين، وإنما تقبل من المسلمين فكيف يكتب؟ فسئل شيخ الإسلام فقال: اكتبوا اسمه، وهذا ينفع في باب التأليف، وإن لم ينفع في باب الرواية إلا إذ أسلم، ومع ذلكم أسلم الرجل وصار يحدث بما سمع، قبل عنه الحديث، يهودي. على كل حال قصة جبير بن مطعم وراويته لهذا الخبر مسطرة في الصحيحين وغيرهما، ودل على صحة الرواية حال الكفر، وأما الأداء لا بد أن يكون أهلاً للرواية. يقول الله -جل وعلا-: {وَالطُّورِ} [(1) سورة الطور] أولاً: سورة الطور مكية تسع وأربعون أية، تسع وأربعون أيةً وعلى عد البسملة منها أية تكون خمسون أية على الخلاف المعروف بين أهل العلم. هل تعد البسملة آية وليست بآية؟ على ما ذكرناه فيما تقدم. بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام على البسملة في معناها وإعرابها والخلاف فيها تقدم في مناسبات كثيرة، ومن سمع تفسير سورة الفتح سمع شيئاً من التفصيل فيها.

يقول الشارح المفسر -وهو جلال الدين المحلي-: الذي بدأ التفسير، وذكرنا في درس مضى في العام الماضي أننا نجعل بين أيدينا تفسير الجلالين؛ لأن التفسير المطلق المرسل هكذا لا يحصل له أوقات محدودة تنتهي، مثل هذا يحتاج إلى استطراد من اليمين والشمال، وتوسع، والإنسان إذا لمن يتقيد بشيء معين قد لا ينجز ما وكل إليه. الجلال المحلي عرفنا أنه فسر من القرآن من سورة الكهف إلى آخر القرآن، ثم رجع من أوله ففسر الفاتحة، وأكمله جلال الدين السيوطي من سورة البقرة إلى آخر الإسراء، ولذا قيل لهذا التفسير المختصر: "تفسير الجلالين"، وهذا التفسير تكلمنا عنه فيما مضى فلا حاجة إلى إعادة القول فيه، إلا أن التنبيه على أن فيه بعض المخالفات العقدية مما ينبه على ما يمر منها -إن شاء الله تعالى-. يقول المفسر: {وَالطُّورِ} [(1) سورة الطور] الواو هذه واو القسم، واو القسم والمقسم به مجرور؛ لأن حروف القسم الثلاثة: الواو، والباء، والتاء من حروف الجر، من حروف الجر، والقسم بالطور الذي هو الجبل من الله -جل وعلا- الذي لا يسأل عما يفعل واقع، وإن كان بعض المفسرين يقدر "رب" هنا فيقول: "ورب الطور، ورب الذاريات"، لكن لا داعي لهذا التقدير؛ لأن الله -جل وعلا- له أن يقسم بما شاء من خلقه، وأما بالنسبة للخلق فلا يجوز أن يقسموا إلا بالله -جل وعلا-، إلا بالله -جل وعلا- ((فمن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))، ((لا تحلفوا بآبائكم)) الإقسام بالشيء والحلف به يدل على عظمته وأهميته، فما أقسم الله به في كتابه يدل على أن له شأن، وأن له خصيصة وميزة؛ لأن القسم الأصل فيه التعظيم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كثير ما يقسم على الأمور المهمة، ويحلف من غير استحلاف، ويحلف من غير استحلاف، مع أن الله -جل وعلا- نهانا أن نجعل الله عرضة لأيماننا، لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك في الأمر المهم يحلف الإنسان ولو لم يستحلف، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يقول: والذي نفسي بيده. قد يقول قائل: ماذا عن الحلف بالطلاق هل هو شرك؟ الحلف بالطلاق هل هو شرك أو ليس بشرك؟

أولاً: الحلف بالطلاق ليس بيمين، وإنما قيل له حلف؛ لأنه يلزم عليه، على من حنث فيه كفارة اليمين فهو يشبه اليمين من هذه الحيثية، وإلا فليس فيه من حروف القسم شيء، ليس فيه من حروف القسم شيء، لو قال لزوجته: إن خرجت فأنتِ طالق، وهو لا يريد الطلاق قالوا: هذا حكمه حكم اليمين -هذا الحلف بالطلاق-؛ لأن حكمه حكم اليمين وإلا ما في أحد يبي يقول: والطلاق، والواو واو القسم أبداً. يقول: {وَالطُّورِ} [(1) سورة الطور] "أي الجبل الذي كلم الله عليه موسى"، "الجبل الذي كلم الله عليه موسى" طور سيناء، طور سينين، الطور: "هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى"، وابن كثير -رحمه الله تعالى- يخص الطور بالجبل الذي فيه نبات، فيه شجر، وأما إذا تجرد عن ذلك فهو جبل وليس بطور، وجاء في بعض الروايات أن الطور من بعض جبال الجنة، ذكر ذلك المفسرون ورووا في ذلك ما رووا من جبال الجنة، الطور، وأحد، واثنان غيرهما قالوا: من جبال الجنة، كما أن النيل والفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة، وما بين البيت والمنبر روضة من رياض الجنة، وكون هذه الأشياء من الجنة، روضة من رياض الجنة، أو من أنهار الجنة، أو من جبال الجنة هذا يدل على أن فيها فضل، لكن التعبد فيها يحتاج إلى دليل، هل معنى أن النيل والفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة أنه يشرع الاغتسال فيها؟ لا، وكون الطور أو أحد من جبال الجنة، هل يشرع صعودها؟ لا، إلا بدليل، إلا بدليل.

قد يقول قائل: إن الخبر بأنها من أنهار الجنة، أو من جبال الجنة يكون عارياً عن الفائدة، يقول: ما في فائدة يعني كغيره إذا كان ما يشرع الاغتسال فيه ولا التنظف فيه، ولا، يكون كغيره من الجبال، نقول: نعم العبادات توقيفية نحفظ هذه الميزة، لكن لا نفعل إلا ما أمرنا به وما شرع لنا، فماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة))،؟ ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) لولا أنه جاء في الحديث الصحيح: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) لقلنا إن هذه البقعة كغيرها؛ لأننا لا نتعبد إلا بدليل، وقد جاء في الحديث: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) وهذه روضة من رياض الجنة، وتفسير رياض الجنة بحلق الذكر، حلق العلم تفسير للعام ببعض أفراده، لا يقتضي تخصيصاً فإذا مررنا بأي روضة جاء النص على أنها من رياض الجنة نرتع للأمر: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) تفسير العام ببعض أفراده لا يقتضي تخصيصاً، نعم أولى ما يرتع فيه حلق الذكر، وحلق العلم، وحلق التحفيظ، دروس العلم هذه أولى ما يرتع فيه، لكن إذا جاءنا نص من النصوص يدل على أن هذه البقعة من رياض الجنة نرتع بما يناسب من صلاة وذكر وتلاوة، وألا نعبد الله إلا بما شرع، لا نتعبد في هذه الأماكن بغير ما شرعه الله، فما بين البيت والمنبر روضة من رياض الجنة نرتع فيه، لكن على طالب العلم الذي ينظر إليه ويقتدي به أن ينظر في مسألة المصالح والمفاسد، هو مأمور أن يرتاع لكن إذا كان يقتدى به بحيث إذا رأوه بعض المبتدعة زاولوا بدعهم، وقالوا: إن هذه البدعة يتبرك فيها، ويتعظم، ويعتقد فيها ما يعتقد، ولولا أن الأمر كذلك ما جاء الشيخ فلان وجلس فيها ليذكر الله ويقرأ القرآن، إلا أنها ما، فيصرف فيها ويتعبد فيها بما لم يشرعه الله -جل وعلا-، فلا شك أن سد الذريعة هو المطلوب، ويبقى أن الحكم معروف وواضح ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)). نعم نرتع نصلي، نذكر، ندعو لا بأس، لكن إذا ترتب على ذلك مفسدة بحيث يقتدى بالإنسان في مثل عمله الظاهر هذا، فيزاول فيها ما لم يشرع فعلى الإنسان أن يكف، وأجره -إن شاء الله تعالى- في ذلك أعظم.

وقلنا: إن التنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص، هذه روضة من رياض الجنة، فحلق الذكر، حلق العلم هذه روضة من رياض الجنة، وهي أولى ما يدخل النص؛ لأنها منصوص عليها بالتخصيص والتعيين. يقول: {وَالطُّورِ} [(1) سورة الطور] "أي الجبل الذي كلم الله عليه موسى" وجاء ذكره في مواضع من القرآن. {وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} [(2) سورة الطور] كتاب الذي هو المكتوب، والكتاب مصدر أصله يراد به المكتوب، مصدر كتب يكتب كتابةً كتباً وكتاباً هذه مصادر كتب، والأصل في المادة الجمع يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، وقيل: لجماعة الخيل كتيبة، ومنه الكتابة لاجتماع الحروف والكلمات، والمراد المكتوب المسطور المكتوب الـ {مَّسْطُورٍ} يعني كتب أسطر، والمراد به إما اللوح المحفوظ، أو التوراة لمناسبة الطور، وقد كتبها الله -جل وعلا- بيده، كتبها بيده، أو القرآن، أو جميع الكتب الإلهية. {وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} [(2) سورة الطور] أو يراد بذلك الكتب عامة كما أقسم بالقلم، والمراد بالكتاب هنا المكتوب الجامع لما فيه من علوم، {مَّسْطُورٍ} يراد به مكتوب، مسطور مكتوب، كتاب هو المكتوب، ومسطور يعني مكتوب أسطر، فإذا قلنا: إن المراد بالكتاب؛ لأن الكتاب يطلق ويراد به الكتابة، ويراد به المكتوب، كما أن القرآن يطلق على القراءة، ويطلق على المقروء وكذلك الكتاب، {مَّسْطُورٍ} يعني مكتوب أسطر كما هي العادة في الكتاب يكتب أسطر، السطر الأول، الثاني، كلمة، كلمتين، ثلاثة، أربع، عشر تشكل سطراً، ثم بعد ذلك الذي يليه، ثم الذي يليه، والمسطور هو المكتوب، وهو أيضاً المزبور، كثيراً ما يقرأ يعني في المخطوطات زبره يعني- كتبه في فلان بن فلان- يعني كتبه، والزبر الكتب.

{فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ} [(3) سورة الطور]، {فِي رَقٍّ} الرق: هو ما يكتب عليه، ما يكتب عليه، والأصل فيه ما يرقق من الأديم، من الجلود؛ لأن الورق ليست موجودة في ذلك الوقت إنما صنعت فيما بعد أظن في عهد الرشيد، لكن لا يوجد ورق إنما في الغالب يكتب على جلود ترقق، ويوجد بعض الكتب النفيسة مكتوبة على رق غزال، يعني -جلد غزال مرقق-، ووجد نسخة كاملة من المدونة للإمام مالك مكتوبة على رق غزال، يوجد كتب كثيرة في هذا للاهتمام بها، والرق هو ما يكتب عليه، والأصل الجلد المرقق، المرقق ليسهل التعامل معه ويخف حمله، يعني تصور القرآن كتب على جلد يحتاج إلى من يحمله، فضلاً عن السنة مثلاً: لو كتبت على جلود، أو على عظام، أو على حصى. . . . . . . . . وغيرها، كما كانت الكتابة في أول الأمر تحتاج إلى من يحملها أحمال، ولذا يقولون: إن كتب فلان حمل ثلاثين جمل مثلاً كلها؛ لأنها مثل هذا النوع تحتاج إلى من يحمله. إن الذي هو في المصاحف مثبت ... بأنامل الأشياخ والشبان هو قول ربي كله لا بعضه ... ومدادنا والرق مخلوقان المداد الحبر مخلوق، والرق مخلوق الذي يكتب عليه، لكن كلام الله المكتوب في هذه الأوراق وفي هذا الرق هو كلام الله كله لا بعضه. {فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ} [(3) سورة الطور] {مَّنشُورٍ} يعني مفتوح مبسوط يُقرأ، يقرأه كل من يعرف القراءة، كل من يقرأ ويكتب يقرأ يقول: "أي التوراة أو القرآن"، "التوراة أو القرآن" التوراة لمناسبة الطور، والله -جل وعلا- كتب التوراة بيده، أو القرآن؛ لأنه هو كتابنا، ونحن المخاطبون بهذا الكلام.

{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [(4) سورة الطور]، {الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} يقول: "هو في السماء الثالثة أو السادسة أو السابعة"، الحديث حديث الإسراء في الصحيح يدل على أنه في السماء السابعة، وما عدا ذلك ضعيف حتى قيل: إنه في السماء الدنيا، لكن الصواب أنه في السابعة بحيال الكعبة يعني-بإزاء الكعبة- بحيث لو سقط لسقط على الكعبة، بيت معمور، معمور بعبادة الله -جل وعلا-، معمور بعبادة الله -جل وعلا- يزوره ويدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، "سبعون ألف ملك يعمرونه بالطواف والصلاة لا يعودون إليه أبداً"، تصور منذ أن خلق الله الخلق إلى قيام الساعة يدخله يومياً سبعون ألف ملك لا يعودون إليه مرة ثانية، كم عدد الملائكة؟ كم عددهم؟ لا يحصيهم إلا الله -جل وعلا-، وجاء في الحديث حديث الأطيط وهو معروف، مضعف عند جمع من أهل العلم ((أطت السماء وحق لها أن تأط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد أو قائم))، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو} [(31) سورة المدثر] خلائق لا يحصيهم إلا الذي خلقهم، سبعون ألف ملك يدخلون هذا البيت المعمور -يعمرونه بطاعة الله- ثم لا يعودون إليه أبداً، لا إله إلا لله -ما أعظمه-.

{بَيْتِ الْمَعْمُورِ} العمارة لا تكون بالأجر والجص والطين والألوان والزخرفة، إنما تكون بالعبادة هذه هي العمارة الحقيقة، {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [(18) سورة التوبة] وإذا كانت المسألة مسألة عمارة وتشييد لا عمارة حقيقية معنوية، جاء قول الله -جل وعلا- {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِر} [(19) سورة التوبة]، ومن مسائل الجاهلية التي ذكرها الإمام المجدد، من مسائل الجاهلية التمدح بعمارة المسجد الحرام، عمارة المسجد الحرام المقصود بها العمارة الحسية: بالطين، أو بالآجر، أو بالمسلح، أو بغيرها إذا كانت في مقابل الإيمان، أما إذا كانت مع الإيمان فمن أفضل الأعمال ((من بنى لله بيتاً ولو كمفحص قطاة، بنى الله له بيتاً في الجنة))؛ لأن هذه الآية يوردها من يوردها من بعض الناس الذين لا يرون لعمارة البيت المعظم قيمة، وأن من تمدح بعمارته، أو أثنى على عامره يريدون عليه {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ} نقول: إذا كانت مع الإيمان فهي من أفضل الأعمال، لكن الشأن في تمدح قريش في مقابل الإيمان، نعم في مقابل الإيمان لا شيء، فالعمارة الحقيقية هي العمارة بالعبادة -العمارة المعنوية-، فإذا اجتمعت العمارتان فنور على نور؛ لأن عمارة بيوت الله -جل وعلا- جاءت النصوص القطعية بفضلها ((من بنى لله بيتاً ولو كمفحص قطاة -لو شبر- بنى الله له بيتاً في الجنة)) فننتبه لمثل هذا؛ لأن الآية تورد في حق من يعمر بيت الله -جل وعلا- وهو ليس من الصنف الذي جاء ذمه في القرآن، الذم في القرآن إنما جاء للمشركين الذين يتمحدون بعمارة البيت وهم أبعد الناس عن العمارة الحقيقية.

{وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} [(5) سورة الطور] {وَالسَّقْفِ} السماء، مرفوع {السَّمَاء رَفَعَهَا} [(7) سورة الرحمن] هي سقف مرفوع محفوظ {وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا} [(32) سورة الأنبياء] يعني لا تناله أيدي العابثين، ولا يمكن أن يصل إليه مخلوق فهو محفوظ، وأيضاً هو مرفوع، وهو بالنص سقف, وأهل العلم يقولون: وإن جاء النص بأن السقف على أن السماء سقف إلا أنه لا يحنث، من حلف ألا يجلس تحت سقف ثم جلس تحت السماء، أو لا ينام على فراش ونام على الأرض، والأرض فراش والسماء سقف بالقرآن فلا يحنث إذا قال: ما أنا، وأقسم بالله ألا ينام تحت سقف ولا فوق فراش، فنام فوق الأرض وتحت السماء، قالوا: لا يحنث لماذا؟ لأن الأيمان مبناها على الأعراف، الأيمان مبناها على الأعراف، والعرف لا يسمي السماء سقفاً، ولا الأرض فراشاً قال: نام في العراء يعني لا تحت سقف، ونام على الأديم على الأرض لا على فراش، ومثل ما قلنا: الأيمان مبناها على الأعراف فلا يحنث، إلا إذا نوى، فإذا نوى فهو حانث لا محالة. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} [(5) سورة الطور]، {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ *ٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [(1 - 6) سورة الطور] هذه الإيمان المكررة، ومنهم من يقول: اليمين والطور وما عداه معطوف عليه، فالواو في قوله: وكتاب مسطور، والبيت المعمور, والسقف المرفوع، والبحر المسجور هذه واو العطف وليست بقسم، لكن أكثرهم على أن الله أقسم بهذه الأشياء بالطور، وكتاب مسطور، والبيت المعمور، والسقف المرفوع، والبحر المسجور، وجوابه {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [(7) سورة الطور].

{الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [(6) سورة الطور]، {الْمَسْجُورِ} يقول المؤلف: "المملوء" نعم هو مملوء ماء، وكما يطلق المسجور على المملوء، يطلق أيضاً على الموقد، الموقد الذي فيه نار، لكن ابن جرير رجح أنه المملوء؛ لأننا نرى البحار ليس فيها نار وهي تحول فيما بعد إلى نار والتسجير الإيقاد، جهنم تسجر وقت الزوال أو قبل الزوال حين يقوم قائم الظهيرة فإنها تسجر فيها جنهم، وهذا سبب النهي عن الصلاة في هذا الوقت يعني توقد، وفي حديث كعب حديث الثلاثة الذين خلفوا وتيب عليهم: جاءه كتاب من ملك غسان يذكر فيه أنه ما دام على هذه الحال، وأنه مهجور بين المسلمين ليقدم علينا؛ لنكرمه ونواسيه، لكن كعب عد هذه بلية من البلايا، عدها بلية من البلايا يقول: فسجيت بها التنور يعني -أوقدت بالكتاب التنور-، أوقدت بالكتاب التنور، وهذا لا شك أن المسلم لا يجوز له أن يعرض نفسه ودينه للفتنة، بحيث يترك بلاد المسلمين لما أصابه من ضر وضيق ويذهب ليقيم بين الكفار، فيخسر بذلك الخسارة الفادحة في دينه وهو لا يشعر وقد يشعر، ولما دعاء ملك غسان كعب بن مالك، وقد أصابه من الضيق ما أصابه بسبب الهجر مدة خمسين يوماً، عد هذه بلية ومصيبة وكارثة فسجر التنور بالخطاب، فليصبر المسلم على ما يصيبه في بلاد المسلمين ولا يعرض نفسه للفتنة، ويهاجر على ما زعموا المسلم من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفر يقول: نجد الحرية، لكن ما الأثر عليه في نفسه وولده؟ كم من شخص ذهب من أجل الحرية وفقد أولاده تنصروا نسأل الله العفو والعافية؟ وكيف يعلم أولاده في مدارس الكفر والكفار؟ والله المستعان.

{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [(6) سورة الطور] "أي المملوء" أو الموقد؛ لأن التسجير الإيقاد، أقسم الله -جل وعلا- بالطور والكتاب، والبيت، والسقف، والبحر خمسة أقسام جواب القسم {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [(7) سورة الطور]، {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} "لنازل بمستحقه"، {لَوَاقِعٌ} يعني نازل بمستحقه، والمستحق للعذاب هو المخالف التارك لما أوجب الله عليه، الفاعل لما نهي عنه بدأً من تارك التوحيد، وفاعل الشرك إلى تارك الواجبات، وفاعل المحرمات إلا أن الأول عذابه حتم، والثاني تحت المشيئة {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} "لنازل بمستحقه". {مَا لَهُ مِن دَافِعٍ} [(8) سورة الطور] ليس له من يدفعه، ليس للمستحق لهذا العذاب إذا وقع ليس له أحد يدفع عنه، من يستطيع أن يدفع؟ لا يستطيع أحد أن يدفع عن نفسه فضلاً عن أن يدفع عن غيره {مَا لَهُ مِن دَافِعٍ} لا يرده، ولا يدفعه قبل وقوعه، ولا يرفعه بعد نزوله أي دافع {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [(58) سورة النجم] يعني غير الله -جل وعلا- لا يستطيع شيء لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، {مَا لَهُ مِن دَافِعٍ} يعني يدفع "عنه" هذا العذاب النازل به وهو بالمستحق، {يَوْمَْ} "معمول لواقع"، {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ* يَوْمَْ} يعني الظرف متعلق بواقع ولذا قال: "معمول لواقع".

{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا} [(9) سورة الطور] تتحرك وتدور، {يَوْمَ تَمُورُ} يوم مضاف إلى جملة، مضاف إلى جملة صدرها مبني وإلا معرب؟ نعم صدرها معرب، وحينئذ يعرب وإلا يبنى؟ يعرب، لكن لو أضيف إلى جملة صدرها مبنى بني على الفتح ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))، ((كيوم ولدته أمه)) هذا مبنى لماذا؟ لأنه أضيف إلى جملة صدرها مبنى، ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) أضيف إلى جملة صدرها مبني، فبني وهنا صدرها معرب فأعرب، قد يقول قائل: لماذا لا يكون مبنى على الفتح؟ لأنه مفتوح يومُ ينفع، هذا يومُ ينفع صدرها معرب فأعربت، لكن هنا ما الذي يدرينا أن يوم هنا معرب وإلا مبنية؟ {يَوْمَ تَمُورُ} قلنا: إنها أضيفت، أضيف الظرف إلى جملة صدرها معرب فيعرب، وقلنا: ((كيوم ولدته أمه)) أضيف إلى جملة صدرها مبنى فبني، لماذا لا نقول: إنه مبنى؟ لا، هنا ليس بمبنى وإنما هو معرب، والأصل فيه الإعراب لا البناء، والظرف الأصل فيه أنه منصوب، الأصل فيه أنه منصوب، ولكن عرفنا أن ذاك مبني لماذا؟ لأنه دخل عليه حرف جر، دخل عليه حرف جر ومع ذلك نصب، عرفنا أنه مبنى، عرفنا أنه مبنى لدخول حرف الجر، وأما هنا فموضعه النصب، موضعه النصب فهو معرب، وهو معمول يعني متعلق بواقع، {لَوَاقِعٌ} اسم فاعل، وعمله كعمل فعله معمول لواقع، {تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا} يعني "تتحرك وتدور" وتضطرب، ويدخل بعضها في بعض وتشقق، {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا} "تتحرك وتدور" وتضطرب.

{وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} [(10) سورة الطور] يقول: "تصير {هَبَاء مَّنثُورًا} [(23) سورة الفرقان] وذلك في يوم القيامة"، {وَتَسِيرُ} يعني "تصير هباء"، وَتَسِيرُ {الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [(3) سورة التكوير]، {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [(88) سورة النمل]، السير غير كونها هباء منثوراً، نعم {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [(5) سورة القارعة] كالصوف المندوف تتفتت وتتطاير "تصير هباء منثوراً"، لكنها قبل ذلك تسير، يعني لها أحول منها: السير كما في قوله -جل وعلا-، {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [(88) سورة النمل] تشمي، {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} يعني تمشي، ويستدل بهذا أهل الهيئة ومن يقول بقولهم على دوران الأرض، إننا نظن أن الجبال جامدة وهي تمر مر السحاب تجري، تمشي، لكن الكلام على أنها إذا قالوا: إن الأرض تدور فأنت تدور معها فهي بالنسبة لك ثابتة في مكانها، وهذا ليس في الدنيا {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} ليس في الدنيا هذا مثل هنا {تَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} إنما هو في القيامة قبل أن تكون هباء منثوراً، وقبل أن تكون {كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} يعني كالصوف المندوف المفتت، قبل ذلك {َتَسِيرُ} فليس فيه دلالة على ما يقولون؛ لأن الشيء إذا سرت معه فهو في مكانه بالنسبة لك، لكن لو قدر أنها تسير بمفردها، وأنت جالس في مكانك لعلمك بها أنها بجوارك، ثم إذا أصبحت إذا هي بعيدة عنك هذا سيرها، أما إذا كانت تسير مع غيرها فليست تسير هي ثابتة في مكانها، وإنما الذي يسير غيرها فليس فيه دلالة على ما أرادوا، ليس فيه دلالة على ما أرادوا، {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} يقول: "تصير هباء منثوراً وذلك في يوم القيامة"، وعرفنا أن السير غير كونها هباء، وغير كونها كالعهن المنفوش.

{فَوَيْلٌ} [(11) سورة الطور] الفاء هذه ما المقتضي لها؟ {فَوَيْلٌ} الفاء هذه يسمونها، ماذا تسمى الواقعة في جواب شرط مقدر؟ الفصيحة "الفاء الفصيحة" واقعة في جواب شرط مقدر، إذا كان الأمر كذلك {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [(11) سورة الطور] {فَوَيْلٌ} يقول: "شدة عذاب"، ولا شك أن ويل كلمة عذاب، وجاء تفسيرها بأنها وادٍ في جنهم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من حره، ويل وادٍ في جنهم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من حرة، يقولون: وفيه قيح وصديد المعذبين نسأل الله السلامة والعافية. {فَوَيْلٌ} "شدة عذاب" {يَوْمَئِذٍ} يومئذ يعني -يوم القيامة-، {يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} "للرسل" ويل لهم، ثم ويل لهم، -نسأل الله العافية- وجاء من وصفهم أنهم مكذبون للرسل. {الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} [(12) سورة الطور] {الَّذِينَ هُمْ} يعني من وصفهم أيضاً الذين هم خوض، يعني في "باطل" يخوضون، يخوضون في الباطل ويتداولونه بينهم، ويرفعون شأنه، ويسعون جاهدين لإبطال الحق ورفع الباطل، {فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} "أي يتشاغلون بكفرهم" بباطلهم، عن الإيمان وعن الحق. ويل لهم {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [(13) سورة الطور] {يَوْمَ يُدَعُّونَ} يعني في ذلك اليوم -يوم القيامة، يعني "يدفعون بعنف، يدفعون بعنف، ويوم بدل من قوله: {يَوْمَ تَمُورُ} " كل هذا في القيامة، {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ} يدفعون إليها بعنف لماذا؟ لأنهم لا يريدونها، ويحاولون جاهدين أن يمتنعوا، ثم يدفعون بعنف وقوة وشدة ولا رحمة حينئذ!، والدفع بعنف. يقول: "بدل من {يَوْمَ تَمُورُ}، {يَوْمَ تَمُورُ} هو يوم يدعون هو نفسه اليوم واحد وهو يوم القيامة، في قوله -جل وعلا- {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [(1 - 2) سورة الماعون] يدعه يعني -يدفعه-، وهذا ليس في قلبه أدنى رحمة، وحينئذ هؤلاء الذين يكذبون ويخوضون ويلعبون هؤلاء يدعون من دون أي رحمة يعني -يدفعون بعنف-.

ويقال لهم تبكيتاً وزجراً: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} [(14) سورة الطور]، {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ}؛ لأن الكافر لا يؤمن بجنة ولا نار، ولو أمن بجنة لعمل لها، ولو صدق بنار لبذل الأسباب للفرار منها. وإذا كانت نار الدنيا المتوقعة تبذل الأسباب لعدم وقوعها، تجدون وسائل السلامة والطفايات وغيرها على أهبة الاستعداد؛ خوفاً من أن يقع شيء من نار الدنيا -يلتمس كهرباء، وإلا ينفجر غاز، وإلا شيء- أسباب السلامة الناس يحتاطون لها، وهي جزء من سبعين جزء من نار جنهم ((ناركم التي توقدون عليها أنها جزء من سبعين جزءاً، وإن نار الآخرة أو نار جنهم فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً))، وجاء في بعض الآثار أن أهل النار لو خرجوا إلى الدنيا لناموا في نارها -ينامون-، والآن إذا ارتفعت درجة الحرارة قليلاً ما نام الناس بدون نار، بدون شمس تحت السقف والحرارة ترتفع إلى الأربعين تجد الإنسان ما ينام، فكيف بنار الدنيا التي تذيب الحديد؟ وكيف بنار الآخرة التي فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً؟ يعني العاقل عليه أن يتأهب، ونسمع النصوص من الكتاب والسنة، ونسمع في الأخبار الصحيحة أن دخول النار رتب على كذا من الأعمال، وتجد المسلم المؤمن المصدق الموقن قد يرتكب بعض هذا الأعمال التي رتب عليها دخول النار لمجرد شهوة أو نزوة، وقد تكون هذه الشهوة لا يستفيد منها ولا يتلذذ بها، فعلى سبيل المثال أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، ثلاثة: المجاهد الذي يقتل في سبيل الله في الظاهر، يؤتى به يوم القيامة ويقال له: ماذا صنعت؟ فيقول: قاتلت وجاهدت في سبيلك حتى قتلت، فيقال له: كذبت إنما قاتلت وجاهدت حتى قتلت ليقال: جري أو شجاع فيسحب على وجهه في النار، ومثله الذي يعلم الناس، يتعلم يسهر ويتعب العقود؛ ليتعلم العلم، ثم بعد ذلك يعلم الناس عشرات السنين، ثم يأتي به يوم القيامة فيقال له: ماذا صنعت؟ فيقول: تعلمت فيك العلم، وعلمت الناس فيقال له: كذبت إنما تعلمت وعلمت ليقال، فيسحب كصاحبه على وجهه إلى النار. ومن يكن ليقول الناس يطلبه ... أخسر بصفقته في موقف الندم

والثالث: المتصدق الذي لا يترك باباً من أبواب الخير إلا ويبذل فيه، ويبذل فيه، فيقال له: ماذا صنعت؟ قال: كسبت المال، ثم أنفقته في وجوه الخير فيقال: كذبت إنما أنققت ليقال: جواد. هذه الأمثلة محسوسة يعني في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- من أبلى بلاء حسناً قال النبي: ((هو في النار)) في الجهاد، ويوجد من يعلم الناس والله أعلم بنيته ومراده {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر]، فعلى الإنسان أن يُعنى بهذا الباب ويهتم به، وكم من متصدق ليقال؟ وإذا كان وجد من بعض الأثرياء من إذا جاءه من يجيء لطلب مساعدة، تجده يستخرج الدفتر -دفتر الشيكات- وعنده الحضور وعنده الوجهاء والأعيان فيتبرع بمبلغ كبير -هذا الشيك-، ثم إذا ذهب ممن يذهب -هذه واقعة ما هي بافتراضية-، اتصل على البنك قال: وقفوا الشيك، شيء لا يخطر على البال يعني! ما الذي يضره أن يقول: والله ما فيش شيء؟ لكن قد يقول قائل: إننا نتعلم العلم ونعلم، وفي نياتنا دخن، وفيها غبش، وجاهدنا وحاولنا أن نصحح وعجزنا هل نترك العلم والتعليم؟ نقول: لا تترك لا العلم ولا التعليم تابع، وألح على ربك أن يصحح نيتك؛ لأن الترك ليس بعلاج، تترك إلى أي بدل، وإلا فالأمر عظيم يعني بدلاً من أن يكون ممن رفعه الله درجات يكون من أول من تسرع بهم النار؛ لأن العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا تقبل التشريك. {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} [(14) سورة الطور] وأنت. . . . . . . . . أخبار والله ما هو بصحيح ولا معقول نار هذه صفتها، وجنة عرضها السموات والأرض وين النار؟ إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض يعني ما في مكان للنار {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} ليس الخبر كالمعاينة، والله المستعان. لكن هل يقول: ما فيه نار وهو يراها يمتنع من دخولها ولا يقدم عليها؟ فيدفع دفعاً شديداً ويكب على وجهه ومنخره في النار رغم أنفه لا بطوعه واختياره؛ لأنه لا يقبل هذا.

{أَفَسِحْرٌ هَذَا} [(15) سورة الطور] "العذاب الذي ترون كما كنتم تقولون في الوحي هذا سحر"، {أَفَسِحْرٌ هَذَا} يعني - "العذاب الذي ترون" -؛ لأنهم قالوا للنبي: ساحر، وقالوا في الوحي سحر، هذا النار التي ترونها هذه سحر حقيقة وإلا خيال {أَفَسِحْرٌ هَذَا} "العذاب التي ترونه كما كنتم تقولون في الوحي هذا سحر" {أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} [(15) سورة الطور] يعني إن كذبتم وقلتم سحر ذوقوا العذاب يدفعون إليه دفعاً، ولا يمكنهم الهرب، ولا يمكن أن يقولوا: سحر؛ لأنهم يرونها بأم عيونهم، بأمات عيونهم تتلظى {نَارًا تَلَظَّى} [(14) سورة الليل] تتلهب، يدركهم حرها وسمومها قبل دخولها، {أَفَسِحْرٌ هَذَا} يعني هذا "العذاب وهذه النار التي ترون كما كنتم تقولون في الوحي"، نعم الذي لا يصدق يقول: سحر، لكن إذا رأى هل يستطيع أن يقول: سحر؟ لا يستطيع أن يقول سحر، {أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} هل أنتم لا ترون هذه النار التي أمامكم، أو هي سحر؟ لا هذا، ولا هذا ليست بسحر وإنما هي حقيقة، وصلهم مقدماتها ويبصرونها ويرونها بأعينهم {أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ}؟. {اصْلَوْهَا} [(16) سورة الطور] صلي النار حرها، وشدة حرها الذي يصطلي يعني يستدفئ في النار لعلكم تسطلون، فلا شك أن النار حارة ومحرقة، لكن يستفاد منها في الدنيا بقدر الحاجة، يستدفأ بها لكن ما يجلس الإنسان في وسطها في سواها {فِي سَوَاء الْجَحِيمِ} [(55) سورة الصافات]، ما يستطيع الإنسان أن يجلس، لكن يستفيد منها يوقد على طعامه؛ لينضج، ويقترب منها ؛ ليستدفأ لكنه لا يصلاها كما يصلى النار {إِلَّا الْأَشْقَى} [(15) سورة الليل]. {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} [(16) سورة الطور] يعني "اصبروا عليها" أولا تصبروا سيان؛ لأنه لا ينفع لا الصبر ولا الجزع، الصبر ينفع في الدنيا، الصبر إنما ينفع في الدنيا، الصبر على أوامر الله على الواجبات بأدائها، والصبر عن المحرمات بعدم اقترافها، الصبر على الأقدار المؤلمة هذا ينفع {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر]، لكن إذا دخلوا النار ماذا يستفيدون؟ اصبروا أو لا تصبروا.

{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا} "عليها {أَوْ لَا تَصْبِرُوا} صبركم وجزعكم سواء، صبركم وجزعكم سواء"؛ لأن الآخرة ليست دار تكليف، يقال نؤجر على الصبر؟ لا سواء صبرتم أو جزعتم فـ {سَوَاء عَلَيْكُمْ}؛ "لأن صبركم لا ينفعكم" {سَوَاء عَلَيْكُمْ}، " لأن صبركم لا ينفعكم"، {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [(16) سورة الطور] يعني جزاء ما كنتم تعملون، يقول أي "جزاءه" {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني جزاء عملكم، جزاء عملكم، أو جزاء الذي كنتم تعملونه، فما موصولة أو مصدرية جزاء عملكم، أو جزاء الذي تعملونه. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [(17) سورة الطور] ذكر الله -جل وعلا- في الآيات السابقة حال الأشقياء وما أعد لهم في الآخرة، ثم ثنى بحال السعداء، وهذه طريقة القرآن إذا ذكر حالاً ذكر ضدها، وهذا من أوجه تسمية القرآن المثاني {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} جنات بساتين، {جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} في هذه الجنات، يتنعمون ويتلذذون {جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [(24) سورة الواقعة] يجزون بأعمالهم في الدنيا، فالمحسن يجزى بإحسانه، والمسيء كما تقدم يجزى بإسأته، وكل يجازى بعمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهنا يجزى المتقون الجنات والنعيم المقيم الأبدي السرمدي الذي لا ينقطع، وفي الجنات ما لا عين رأت، ولا آذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} المتقين الملازمين للتقوى بفعل الأوامر واجتناب النواهي، الذين جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمروا به واجتناب ما نهوا عنه.

{فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ} [(17 - 18) سورة الطور] "متلذذين" بهذه الجنات، وما أعد لهم فيها من النعيم المقيم، " {فاكهين} متلذذين" {بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} {بِمَا} ما هذه "مصدرية {آتَاهُمْ} أعطاهم"، ربهم من هذا النعيم بأنواعه وكيفياته، " {آتَاهُمْ} أعطاهم"، {رَبُّهُمْ} الرب هو الذي يربي بالنعم، فالذي ربّا الخلق بالنعم في الدنيا وأغدق عليهم، وينعم عليهم في الآخرة بأمور لا تخطر على القلب هو الرب، وهذا من أسماء الله التي تدل على عطفه ورحمته بخلقه، فهو الذي رباهم، أولاً: هو الذي خلقهم وأجدهم ورزقهم ورباهم بنعمه، وأغدق عليهم من النعم الظاهرة والباطنة.

في الدنيا نماذج يسيرة يمكن أن يستدل بها الإنسان على ما يدخر له في الجنة، هناك نعم لا يقوم الإنسان بشكرها، لكن عليه أن يشكر قدر استطاعته {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [(18) سورة الطور] عطفاً على آتاهم، آتاهم من النعيم المقيم {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}؛ لأن الأمر لا يخلوا من أربع حالات، إما أن يعطى من النعيم المحض الذي لا يخالطه شيء من المكدرات والمنغصات، وهذا هو ما سيكون للمؤمنين يوم القيامة {بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}، أو يكون النعم المخلوطة بالمكدرات، وهذا شأن نعيم الدنيا، ما في نعيم خالص لا بد له من تبعات، لا بد له من تبعات فليس بخالص، ولو كان النعيم في الدنيا خالص لنسي نعيم الآخرة، وقد يعطى الإنسان من العذاب الخالص الذي لا نعيم معه وهذا عذاب الكفار في النار، وقد يكون هناك عذاب مخلوط بشيء من الفتور والنعيم المحدود، وهذا يكون في الدنيا قد يعيش الإنسان في نعيم في الدنيا لكنه ليس بنعيم خالص، ليس بنعيم خالص، وقد يعيش في شقاء في الدنيا لكنه ليس بشقاء خالص، فالنعيم في الدنيا لا بد له من مكدر، والشقاء في الدنيا لا بد له من انقطاع، ولا بد له من فترة، ولا بد أن يمر شيء مما يسر المخلوق فليس بخالص، أما في الآخرة فخالص، نعيم الجنة لا مكدر له، وعذاب النار لا نعيم معه البتة، لذلكم الشاطبي في الموافقات لما تكلم عن السعادة والشقاوة وذكر أنه لا سعادة خالصة، ولا شقاوة خالصة، ورد على من قال بأن هذا مطرد في الدنيا والآخرة، رد على من قال بذلك؛ لأن منهم من يقول: إنه وإن كان الإنسان في النعيم في الجنة النعيم الخالص، لكن لا بد معه من شيء ينغصه، بدليل أن من كان في المنزلة الدنيا في الجنة، مع أن نعيمه نسبي بالنسبة لمن فوقه في الجنة، لكن إذا استحضرنا أن من دخل الجنة وإن كان أدناهم منزلة لا يشعر بأن من فوقه أفضل منه، ولا يشرع في قلبه شيء من المكدرات ونزعنا ما في قلوبهم من غل، وإذا كان أدناهم منزلة وليس فيهم دنيء من هو على المسك الأذفر، وعلى المنابر، وعلى نجب العقيان، فكيف يكون مع هذا النعيم كدر؟ وإن كان فوقه ناس في منازلهم،

والناس يتراءون أهل العلم كالكوكب الدري الغابر في السماء، ويحصل هذا لأناس أمنوا بالله وصدقوا المرسلين، المقصود أن نعيم الجنة لا يخالطه كدر البتة، ومثل ما قيل في هذا، قيل أيضاً في عذاب النار، منهم من قال: إن الذي يعذب في النار ما دام يرى أن في النار من هو أسفله منه فإن هذا يدخل السرور على قلبه، أي سرور، وأقل الناس عذاباً يوم القيامة؟ يعني من أقلهم بشفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- من عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، يغلي منهما دماغه، أبو طالب شفع له النبي -عليه الصلاة والسلام- في ضحضاح من نار يغلي دماغه، هل هذا يقول إن أخاه أبا لهب أشد منه، أو أن أبا جهل أشد منه عذاباً فيستر بذلك؟ لا يمكن أن يدخل عليه سرور وهو في النار، والشاطبي -رحمه الله- في الموافقات ذكر مثل هذه الأمور فيرجع إليه. المقصود أن الذي في النار لا يرى غيره شراً منه، والذي في الجنة لا يرى غيره خيراً منه، وإن كانت الدرجات في الجنة متفاوتة، والدركات في النار متفاوتة بخلاف منه في نعيم الدنيا وعذابها، يعني من في نعيم الدنيا ولو كان يملك ما يملك من أمور الدنيا، ويستفيد من هذه على وجهها، يعني دعونا من غني محروم حرمه الله من ماله لا يتلذذ به ولا يستمتع به هذا معذب بماله، لكن شخص يتمتع بماله وينتفع به، ثم بعد ذلك وجد شخصاً أرفع منه لاشك أن حياته تتكدر والنعيم نسبي، كما أن الشقاء في هذه الدنيا نسبي، ولذلك أمرنا أن ننظر في أمور الدنيا إلى من هو دوننا -إلى من هو أسفل منا-، لماذا؟ لنشكر الله -جل وعلا- على النعم، وألا نزدري نعمة الله علينا، يعني إذا كنت مدين وعليك أقساط، وأحياناً لا تستطيع السداد، ويتصل عليك الدائن ويضيق صدرك كثيراً، انظر إلى من هو مدين بالملايين، تقول: الحمد الله إنا ديني مقدور عليه، وإذا كنت لا تجد ما تأكل في يوم من الأيام أنظر إلى جهات لا يجدون ما يأكلون البتة، ومنهم من يموت من الجوع، إذ كنت تبرد في الشتاء فانظر إلى من يبيت بالعراء، انظر إلى من هو دونك؛ لئلا تزدري نعمة الله عليك، وما من إنسان وإلا ويوجد من هو دونه.

المريض يجد منه أشد منه مرضاً، وإذا نظر إلى المرض وأنه قد يكون منحة إلهية شكر الله -جل وعلا- على هذه النعمة أن جعله مسلم يصبر على الضراء فيؤجر عليها، فالمسلم مطالب بأن ينظر في أمور الدنيا إلى من هو أسفل منه؛ لئلا يزدري نعمة الله عليه، ولكن في أمور الدين ينظر إلى من هو أعلى منه؛ ليجد ويجتهد ويسعى في تكميل النقص الذي عنده، ولا يشبع مما يقربه إلى الله -جل وعلا-. ويقال لهم، يقول المفسر: "ويقال لهم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} [(19) سورة الطور] حال {وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} أي مهنئين"، {بِمَا} الباء سببية {كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، الباء سببية {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، الباء سببية يعني بسبب ما كنتم تعملون، أولاً: دخول الجنة ((لن يدخل أحد الجنة بعمله)) كما جاء في الحديث الصحيح، ((قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) فضلا عمن دونه -عليه الصلاة والسلام- ((لن يدخل أحد الجنة بعمله)) إن هذا العمل مهما كان، إذا قورن بنعمة واحدة من نعم الله -جل وعلا- رجحت به هذه النعمة، فلا يدخل أحد الجنة بعمله، لكن برحمة أرحم الراحمين. وهنا يقول: {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} والباء سببية، بسبب {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني هذا النعيم دخول الجنة بالرحمة، لكن هذا النعيم وهذا التفاوت بين الداخلين إنما هو بالأعمال، إنما يصنفون بأعمالهم وجاءت بذلك النصوص الكثيرة، وأما دخول الجنة أصله إنما هو برحمة أرحم الراحمين، {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله -جل وعلا- وعلى رأسها التوحيد الذي لا يدخل الجنة إلا موحد, فالمشرك الجنة عليه حرام ومأواه النار.

{مُتَّكِئِينَ} [(20) سورة الطور] يقول: "حال من الضمير المستكن {فِي جَنَّاتٍ}، "حال من الضمير المستكن في قوله تعالى: {جَنَّاتٍ} {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} ما الداعي إلى أن نقول: هذا الحال من الضمير المستكن في قوله تعالى: {فِي جَنَّاتٍ}، و {فِي جَنَّاتٍ} جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره كائنين أو مستقرين في جنات، كائنين أو مستقرين في جنات؟ {مُتَّكِئِينَ} "حال من الضمير المستكن في قوله تعالى: {فِي جَنَّاتٍ} " إن المتقين في جنات فاكهين، متكئين، " {فاكهين} يعني متلذذين" يعني حال كونهم فاكهين، وحال كونهم متكئين لماذا قال: مستكن؟ يعني مستتر في قوله: {فِي جَنَّاتٍ}، في قوله تعالى: {فِي جَنَّاتٍ} يعني في جنات فاكهين، في جنات متكئين، فاكهين ومتكئين أحوال، وهنيئاً حال {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} [(19) سورة الطور] حال من الواو في قوله: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} فالأكل والشرب هنيئاً، والهنيء والمريء الذي لا عاقبت له سيئة؛ لأن بعض الأكل تكون له عاقبة غير محمودة، بخلاف الهنيء المريء الذي تكون عاقبته محمودة.

{مُتَّكِئِينَ} حال من الضمير المستكن في قوله: {جنات} " يعني في جنات متكئين، الاتكاء هذا المصدر فعله يكون في ظرف متكئ في أي شيء، يعني في الجنة أو خارج الجنة، يعني الناس في مجالسهم إنما يتكئون في مجالسهم، وأهل الجنة يتكئون في جناتهم ولذلك احتاج أن يقول: "حال من الضمير المستكن في قوله تعالى: {في جنات}، {عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} [(20) سورة الطور] {سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} يعني "بعضها إلى جنب بعض" سرر مصفوفة بعضها إلى جنب بعض بحيث ينتقل منها من سرير إلى سرير وفي وكل سرير ما ليس في السرير الأخر، {عَلَى سُرُر {ٍ {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} [(20) سورة الطور] "بعضها إلى جنب بعض" {وَزَوَّجْنَاهُم} عطف على في جنات إن المتقين في جنات ونعيم {وَزَوَّجْنَاهُم} "عطف على {في جنات}، أي: قرناهم، قرناهم" يعني الإنسان يقترن بزوجه في الجنات، "عطف على {في جنات} يعني قرناهم" الزواج والقران بمعنى واحد، فالزوج يقرن بزوجته والزوجة تقرن بزوجها، قرناهم {بِحُورٍ عِينٍ} {بِحُورٍ عِينٍ} يقول: "عظام الأعين حسانها" {بِحُورٍ عِينٍ} يعني "عظام الأعظم حسانها" يعني التنصيص على العين مما أخذ، العين أخذ من العيون، والحور أيضاً من الحور، والحور يكون في العين فالكلمتان مأخوذتان من الأعين وما يحتف بها، فالعِين المراد به السعة في العين، والحور مأخوذ من الحور ويكون بالعين فجمالها في عيونها وهذا هو المنصوص عليه، ولا يعني أن بقية الجسم ليس كذلك، بل بقية الجسم جاء فيه من الأوصاف ما جاء في الأخبار الصحيحة، وأخذ الاسم من أخص ما يميز المرأة في جمالها، جمالها يكون، جمالها الجاذب للرجال إنما يكون في العين. إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلنا يعني العين هي التي تجذب فنص عليها، وأما بقية الجسد فحدث ولا حرج من منتهى الجمال، ومنتهى ما يتلذذ به وذكر هذا في السنة، جاءت الأوصاف في السنة، وابن القيم -رحمه الله- في "حادي الأرواح"، وفي أخر النونية ذكر الأوصاف أوصف العين فيرجع إليه. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم} [(21) سورة الطور] هذا للدرس القادم -إن شاء الله تعالى-.

يقول هذا: ما المقصود بقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((روضة من رياض الجنة))، أهي من الجنة لمن قعد فيها كأنه قعد في الجنة، أم التعبد فيها سبب للجنة، وقد سمعت من يقول: بإنها من الجنة حقيقة، فكيف يكون من الجنة حقيقة وهو فيها يحس الإنسان بالجوع والظمأ، وقد قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [(118) سورة طه]؟ هذا خبر صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هي روضة من رياض الجنة، والتعبد فيها سبب موصل إلى الجنة، لكن على ما ذكرنا أنه إذا ترتب على ذلك مفسدة فلا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والإنسان إذا راع مثل هذه الأمور يعطاه ما يعطاه العامل بل أكثر. {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [(124) سورة طه] كيف نفرق بين الظنك والبلاء، فنجد بعض الناس صلته مع ربه ضعيفة، ولكن نجده بعيد عن الضنك؟ تجده في الظاهر بعيداً عن الضنك، تجده في الظاهر بعيد عن الضنك، لكنه في حقيقة الأمر {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} [(125) سورة الأنعام] تجد صدره ضيقاً حرجاً يعني إن أنس بك أثناء وجودك معه، وتبادلتم أطراف الحدث ووجدته يضحك، لكن الضنك ملازم له، أما بعيد عن الضنك فهذا ليس بصحيح. ما أفضل طبعة تنصحون بها لتفسير الجلالين؟ ذكرت أن الشيخ أحمد شاكر قبل خمسين سنة طبع الكتاب للمعاهد العلمية في جزأين، في مجلدين، في مطبعة المعارف على نفقة الرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية، وطبع لهم كتب أخرى لكن تفسير الجلالين طبعته جيدة. يقول: ما القول الصحيح في قول بعض أهل العلم: إن الآيات القرآنية فيها التوقف دون أن نسأل، ونقول ما الحكمة من قول الله تعالى كذا وكذا، فهل هذا القول صحيح؟ على كل حال الله -جل وعلا- حكيم ولا يأمر إلا لحكمة، ولا ينهى إلا لحكمة، ولا يفعل إلا لحكمة، فالحكمة مقترنة بأفعاله -جل وعلا-، وإذا عرفناها فلا شك أن هذا أمر طيب والبحث عنها جيد؛ لأنها من وسائل التثبت، وإذا لم نستطع الوقوف عليها فعلينا أن نرضى، ونسلم، ونأتمر، وننتهي حسب ما طلب منا ولو لم نقف على الحكمة، وعلى المسلم أن ينقاد، ويقول: سمعنا وأطعنا كما قال أهل العلم: قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، يكفي.

سورة الطور (2)

تفسير الجلالين سورة الطور (2) الشيخ / عبد الكريم الخضير ومراجعة كتب التفسير المختصرة لا سيما المتعلقة بغريب القرآن، ولا تكلف شيئاً حفظها سهل، ومن كتب الغريب ما طبع في حاشية المصحف، وهذا ييسر أكثر لكن قراءة جزء في كل يوم بالنسبة لطالب العلم كأنها قليلة بالنسبة لكتاب الله -جل وعلا-، لا يشق على طالب العلم أن يجلس بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس، وحينئذ يتيسر له أن يقرأ القرآن في سبع كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الله بن عمرو لذلك حيث قال له: ((اقرأ القرآن لسبع ولا تزد))، ومع قراءته يدون الكلمات الغريبة ليراجع عليها بعد الفراغ من القراءة، يراجع عليها كتب التفسير، يراجع عليها كتب الغريب، فكتاب الله ينبغي أن يكون عناية طالب العلم به أكثر، نعم يعنى بالحفظ أولاً، ثم بعد ذلك بالمراجعة، ثم القراءة من أجل تحصيل أجر الحروف، التدبر والترتيل والعمل كل هذا مطلوب بالنسبة لطالب العلم، يعني بالنسبة للعامي الذي يعرف أن يقرأ القرآن هذا حصل أجر الحروف بالنسبة له يكفي، أما بالنسبة لطالب العلم لا بد أن يتفقه من كتاب الله، وأن يتعلم، وأن يتعلم كتاب الله، ويعلم كتاب الله بعد ذلك، أما إذا قرأ القرآن في شهر كل يوم جزء بإمكانه أن يقرأ معه تفسير مختصر، سهل أن يقرأ تفسيراً مختصراً في شهر إذا كان يقول: أنا لا أزيد على جزء من القرآن مع مراجعة التفسير هذا لا بأس، حينئذ يتعلم القرآن علماً وعملاً على طريقة الصحابة -رضوان الله عليهم-، لكن على الإنسان أن يستكثر من هذا الباب الذي فتح له مما يقربه إلى الله -جل وعلا-. يقول: هل في الجنة نار؟ للاستفادة منها بطبخ أو غيره؟ لا ليس فيها نار ولا يحتاج الطعام إلى طبخ، إذا اشتهي ما يشتهي يحضر بين يديه، فإذا اشتهي طائراً صار على قنوانه نضيجاً جاهزاً للأكل كما جاء في بعض الأحاديث، ثم بعد ذلك إذا انتهى وفرغ منه طار هذا الطائر؛ لأن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، أمور الآخرة خير محض لا يخالطه أدنى تعب، ولا عناء، ولا مشقة. يقول: هل حديث كفارة المجلس صحيح أم ضعيف؟

ستأتي الإشارة إليه في أخر الصورة، لكن مع ذلك أعله جمع من الحفاظ منهم أحمد، والبخاري، وجمع من الحفاظ أعلوه، لكنه أعلوه من طريق وله طرق أخرى يجعله في مرتبة الحسن -إن شاء الله تعالى-. يقول: هل تنصح بقراءة كتاب: "الزواجر عن اقتراف الكبائر" لابن حجر الهيثمي، وكتاب: "قصص لا تثبت" لمشهور سلمان؟ كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر لا شك أن فيه ترهيب من هذه الكبائر، وفيه ما يستدل به المؤلف من الأخبار الصحيح والضعيف، فلو أن الإنسان راجعه واقتصر منه على الصحيح، وعلم عليه أو الحسن واختصر الكتاب؛ لأن الكتاب فيه أحاديث ضعيفة كثيرة، وعلى طريقة الجمهور يتسامحون في مثل هذه الأبواب؛ لأنها من باب الترغيب والترهيب يرون فيها الأحاديث الضعيفة، كتاب: "قصص لا تثبت" لمشهور سلمان على كل حال الرجل معروف بتحريه ودقته واطلاعه، وأما الكتاب فلم أقرؤه لا أستطيع الحكم عليه. يقول: ((ماء زمزم لما شرب له))، ولا تزول فضيلته وفائدته بنقله من مكة، فعن عائشة -رضي الله عنها- "أنها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يحمله"، قال المباركفوري: فيه استحباب حمل ماء زمزم إلى المواطن الخارجة عن مكة، وبعث إليه سهيل بن عمرو وهو بمكة بمزادتين -يعني بقربتين- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حمل شيئاً من ماء زمزم جاز فقد كان السلف يحملونه. في حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- لما انصرف من عرفة إلى مزدلفة، ونزل وقضى حاجته توضأ وضوءاً خفيفاً جاء في بعض الروايات أنه من ماء زمزم، وعلى هذا يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- نقل له ماء زمزم من مكة إلى عرفة وهي خارج الحرم، وبهذا يستدل على أنه يجوز النقل، وأن فائدة الماء لا تزول بذلك إضافة إلى ما ذكر. يقول: ما رأيكم فيمن يقول: إن ما يحصل من كوارث بأنه سنن كونية ليس للمعاصي دور في ذلك، فلا يجب وعظ الناس وتذكيرهم بما يحصل بل حثهم على المساعدة؛ لأن فيه تزكية لأهل هذا البلد أو تذكية. . . . . . . . . وهم عندهم معاصي؟

على كل حال هذا القول مخالف لما جاء في كتاب الله -جل وعلا- {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى] يعني ما ينزل مصيبة إلا بسبب ذنب، فإن لم يكن فلرفع درجات, وهذه الكوارث التي تحصل لاشك أنها بسبب الذنوب، قد يقول قائل: إن هناك من البلدان ومن المجتمعات ما هو شر من هذه البلدان التي أصيبت، الله -جل وعلا- لا يسأل عما يفعل وله الحكمة البالغة، وله المشيئة النافذة قد يعاقب أهل جهة ويترك من هو شر منهم؛ لما يدخره لهم من عذاب أشد. والمؤمن هو الذي يصاب كخامة الزرع تثنيه الرياح وتعطفه من جهة إلى جهة، وأما الكافر فهو كالأرز ثابتة حتى إذا جاء يومها قصمت قصماً، فالنصوص كثيرة أن الابتلاء للمؤمنين، ولا يلزم أن يكون هم شر الناس يعني من ابتلي هم شر الناس، لا، ((أشد الناس بلاء الأنبياء)) إذا علم هذا فإنما هذه المصائب إنما هي لتكفير الذنوب أو لرفع الدرجات؛ لأنها تصيب هذا العاصي وتصيب غيره، فهذا العاصي تكفر ذنوبه، غيره ترفع درجاته، والعقوبات والمثلات إذا نزلت عمت -تعم الصالح والطالح-، ثم بعد ذلك يبعثون على نياتهم، وقد يوجد على وجه الأرض من هو شر منهم ولا تعجل لهم العقوبة؛ ليدخر لهم ما هو أعظم منها -نسأل الله السلامة والعافية-. ومع ذلك يعني في وقت الكارثة وجمع المساعدات لا مانع من أن يذكر أهل البلدان بما حصل لأولئك؛ ليرتدعوا ويرعوا عن معاصيهم وغيهم وضلالهم ويعتبروا بغيرهم، لكن مع ذلك مع التأكيد على الحث على الإنفاق في هذا الباب، لا يفهم من كون هذه الكوارث وهذه المصائب بسبب الذنوب أنهم لا يستحقون الإعانة لا، يستحقون الإعانة؛ لأنهم مسلمون، فالمسلمون مستحقون للإعانة على أي حال ما دام في دائرة الإسلام، تصرف له حتى الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام، وعلى كل حال لا يصحب هذا؛ لأن بعض الناس وهو يقول، إذ يقرر مثل هذا، أن هذا بسبب المعاصي كأنه مع يفهم من كلامه أن ما جاءهم بسببهم فلا يستحقون شيئا يتحملون مسؤوليتهم، هذا الكلام ليس بصحيح هم أصيبوا، وهو أخوانك بأمس الحاجة إلى مساعدتك، وعليك أن تدكر وتتعظ بما حصل له.

يقول: لقد غضبت على زوجتي قبل ما يقرب من شهر، وقلت: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق وسألت شيخ وقال: الثلاث واحدة، وأشهد عدلين، فرجعت زوجتي، وأشهد عدلين فهل فعلي صحيح؟ أولاً: إذا سالت من يغلب على ظنك ولو بالاستفاضة بين الناس أن هذا الشيخ تبرأ الذمة بتقليده، وأنت لست من أهل النظر يكفي فلا تسأل غيره، وإذا كان ليس من أهل الفتوى ممن تبرى بذمته فلا يجوز أن تسأله وهو أصلاً، وعلى كل حال إن كنت من أهل النظر فإنما يلزمك العمل بما أداك إليه اجتهادك من غير نظر في أقوال أخرى، وإذا كان الشيخ الذي سألته تبرأ الذمة بتقليده كفاء ولا تسأل غيره، ومن أهل العلم من يقول بهذا: إن الثلاث بلفظ واحد، أو بألفاظ متعددة لم تتخللها رجعة أنها طلقة واحدة، وعلى كل حال إن كنت أنت أردت التأكيد أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، يعني أن الأولى هي التي أوقعتها، والثانية مؤكدة فهذا لا إشكال فيه، ويبقى النظر فيمن استفتيته لأول مرة. هل أجر من بنى مسجد ولو كمفحص قطاة كأجر من بنى مسجد بأعمدته وجدرانه؟ إنما يستحق من الأجر بقدره، ويبنى له بقدره نسبياً، وإلا ما يقال: إنه يبنى له قصر في الجنة كمفحص قطاة أبداً، يعني الجزاء ليس مطابق للعمل من كل وجه، فالجزاء أعظم عند الله -جل وعلا-. يقول: هل ورد في فضل قراءة سورة الطور؟ لا أعرف حديث يخصها إلا ما جاء من حديث: جبير بن مطعم وأنها مؤثرة. متى كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرؤها؟ يقرأها المغرب، يقرأها في المغرب. في قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [(88) سورة النمل] في قوله: {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} ألا يفيد أن ثابتة بالنسبة للإنسان؟ هذا فيها من. . . . . . . . . {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [(3) سورة التكوير] {تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} يعني قبل أن تكون كالعهن المنفوش، فليس مستمسك لأهل الهيئة في دوران الأرض على ما زعموا. يقول: ما حكم صلاة المرائي؟

إذا كان الباعث له على الصلاة والناهز له إلى هذه الصلاة الرياء في باطلة حابطة -نسأل الله السلامة والعافية-، وإن طرأ عليه الرياء في أثناء الصلاة وجاهد نفسه وطرده بسرعة فهذا لا يؤثر -إن شاء الله تعالى-، وإن استرسل معه فهذا محل خلاف بين أهل العلم، هل يحبط ويبطل هذه الصلاة أو لا، أو أن الحكم للغالب؟ على كل حال الرياء خطر عظيم فإن كان كثيراً في صلاته فعليه أن يعيد. يقول: ما حكم صلة الأرحام المبتدعين؟ البدعة لا تخلوا إما أن تكون مغلظة، أو مكفرة، فهؤلاء حكمهم حكم الكفار لا يزارون إلا بنية الدعوة والتأليف، وتقريبهم إلى الإسلام، وتحبيب المسلمين إليهم، وأما إذا كانت بدعتهم غير مغلظة فينظر أيضاً في المصلحة والمفسدة، إذا كانت الزيارة تجدي ونفعها أعظم فيزارون ويوصلون، وهذا هو الغالب أن الصلة أنفع بالنسبة لهذا النوع، وإن كانوا بحيث إذا زارهم الإنسان يظنون أنهم موافق لهم فمثل هذا الهجر هو المناسب، لا سيما إذا كان الهجر يتضايقون منه، ويحاولون أن يصححوا ما عندهم من بدع، وعلى كل حال كما قال أهل العلم: الهجر والصلة علاج فينظر في الأنفع. يقول: نذرت نذراً، وقلت: إن حملت زوجتي لله علي أن أذبح بقرة، حملت زوجتي ولكن لا أستطيع، ولا أقدر على ذبح البقرة؛ لأن سعرها غالي ولا يتوفر هذا المال فماذا أفعل؟ عليك أن تصبر حتى يتيسر لك هذا المال، فإذا أيست من ذلك ولم تحصل عليه وغلب على ظنك أنك لا تستطيع، لكن هو دين في ذمتك، على كل حال كدين الآدمي تنتظر حتى يجتمع لك هذا المبلغ، وإذا أيست وقنطت من ذلك كفر كفارة يمين. يقول: ما هو القول الصحيح في مسألة العذر بالجهل؟

الجاهل معذور {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] وإذا بلغته الحجة وقامت عليه ارتفع عليه الجهل مجرد ما تبلغه الحجة؛ لبلوغ القول الصحيح بدليله من الكتاب أو السنة الصحيحة فهذا لا يعذر، فإن كان ممن يفهم الدليل هذا لا إشكال في كونه لا يعذر، ومن الناس قد يبلغه القول بدليله لكن لا يفهم، ومن العرب منهم في مستوى الأعاجم في عدم فهم النصوص، من العرب منهم في مستوى الأعاجم في فهم النصوص هذا موجود، هذا لا بد أن يوضح لهم تقام عليه الحجة، لكن إزالة المانع من قبول الحجة إذا بلغته الحجة وفهم الحجة فلا يلزم بعد ذلك إزالة المانع من قبول الحجة، ويوجد في كثير من أقطار المسلمين ما يمنع من قبول الحجة وهو اقتدائهم بشيوخهم، تجد المسلم وهو يقول: لا إله إلا الله ويصلي ومع ذلك يزاول منكرات بدع كالطواف بالقبور، والنذر، والذبح لغير الله، الحلف بغير الله، هؤلاء إذا أوردت عليهم الحجة وقيل لهم: هذا قول الله وقول رسوله، هذا قول مشائخ الإسلام، قالوا: لستم بأعلم من فلان وفلان من شيوخنا، فثقتهم بشيوخهم تمنعهم من قبول الحجة فهذا المانع ليس بلازم، لا يلزم زوال المانع؛ لأن الأصل الدليل أما زوال المانع من دليله فلا؛ لأن المشركين استدلوا بفعل أبائهم أنهم وجدوا آباءهم على هذا الضلال وتبعوهم. إذا دخلت البدعة على عبادة لا تتجزأ فهل يقبل العمل أم لا؟ العمل إذا كان مأمور به ثم دخل عليه شيء منهي عنه فلا يخلوا: إما أن يكون هذا الداخل في أصل، في ذات العمل، أو في جزئه -يعني في ركنه-، أو في شرطه، إن كان هذا المحرم دخل عليه في ذاته، أو في جزئه -ركنه-، أو في شرطه فإنه يبطله؛ لأن القاعدة عند أهل العلم أن النهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه فإنه يبطل يعني مع التحريم، وإذا عاد إلى أمر خارج عن ذلك فإن العمل يكون صحيحاً، وعليه إثم هذه المعصية. يقول: إذا دخلت مع الناس في جماعة وكانوا سجوداً فكبرت للإحرام، ولما كبرت للسجود وافق تكبير الإمام للرفع منه، فهل أسجد ثم أرفع من السجود؟ أم أجلس رغم أن تكبيرتي الثانية خاصة بالسجود؟ وماذا يترتب على ذلك، وهذا كثير الوقع؟

ثبت في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فلا يصنع كما يصنع الإمام، إن أدركته ساجد تسجد، وإن رفع من سجوده تجلس معه)). يقول: حرص سلف هذه الأمة على طيب المطعم والمشرب وقدوتهم في ذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا الوقت تعددت مصادر الدخل وتنوعت، فكيف نطيب المطمع والمشرب، لا سميا أنني طالب وأسكن مع أقاربي، وهو الذين ينفقون علي؟ أنظر في كسبهم فإن كان حلالاً مباحاً فهو بالنسبة لك طيب، ما في إشكال إذا كان نطيب نفس منهم، وإذا كان دخلهم أو مصادر رزقهم فيها أمور محرمة، أو فيها شبهات فالورع عن مثلها هو الأصل. إذا صلى المسافر صلاة العشاء ركعتين خلف شخص مقيم يصلي المغرب، فهل عمله هذا صحيح، وما الواجب فعله الآن؟ المرجح في مثل هذه المسالة أن يتم يأتي برابعة، يأتي على الثلاثة ويأتي برابعة؛ لأن الصلاة صلاة إقامة، المغرب لا تتغير لا في سفر ولا إقامة فكأنها صلاة مقيم. ما رأيكم في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة؟ الإعجاز العلمي لا شك أن القرآن معجز، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مخبر عن ربه بما كان وما سيكون وهذا في حد ذاته إعجاز، لكن يبقى أننا لا نسترسل فننزل النصوص في غير منازلها، أو ننزلها على نظريات قابلة للتغيير والتبديل. ما رأيكم في طبعات عمدة القاري وإرشاد الساري للمكتبة العلمية في بيروت؟ إذا كانت مصورات على الطبعة السابقة فهذه حكمها حكم الطبعات السابقة، نحن نعرف أن عمدة القارئ مصورة على منير، وإرشاد الساري مصور على بولاق، وإن كان صف جديد فيحتاج إلى النظر فيه -في صحة هذه الطبعات-. يقول: ما هو التدرج الصحيح في التفسير لفهمه؟

ذكرنا في مناسبات كثيرة أن طالب العلم أول ما يبدأ يبدأ في كتب الغريب -غريب القرآن-، ومختصرة يعني المختصرة مثل: غريب القرآن، مثل: ابن عزيز السجستاني يسمى مختصر ومتين وجيد وجامع، وفيه أيضاً العمدة في قرير القرآن للموفق، وفي أيضاً "بلغة الأريب" لأبي حيان الأندلس صاحب البحر المحيط، في كل كتب كثيرة في الغريب يعتنى بها، وفيه أيضاً بل من أجمعها كتاب: "المفردات في غريب القرآن" للراغب، هذا كتاب نافع ينبغي أن يصحبه طالب العلم سفراً وحضراً، يستفيد منه فائدة كبير إذا أشكل عليه شيء يراجعه مراتب على الحروف، كتاب جامع يعني -يذكر الآيات كلها التي مرت- وهو أجمع من غيره يستفاد منه، ثم بعد ذلك يقرأ في المختصرات من التفاسير، وذكر أن تفسير الشيخ ابن سعدي مناسب لطالب العلم المتوسط، وتفسير الشيخ فيصل بن مبارك كذلك، وتفسير الجلالين إذا أمن مسألة المخالفات العقدية، انتفع به طالب العلم. يقول: الشفاعة في الحدود محرمة، فهل تكون محرمة في بديتها؛ لأنها تمر بمراحل أولاً: الشرطة، ثم المحكمة وغيرها، ومتى تحكم؟ تحكم إذا بلغت السلطان أو نائب السلطان ونائبه هو القاضي، لكن الشفاعة في الحدود ينبغي أن يقدر بقدرها، وينظر في ظروفها في ظروف الفاعل لهذا الحد، وفي ظروف المجتمع ككل، وفي المجتمع الذي تقل فيها هذه المخالفات، فمثل هذه الشفاعات ومثل الستر على المرتكب متجه ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) وينظر إلى الفاعل بمفرده، هل هو من أهل الجرائم والسوابق فمثل هذا لا يشفع فيه لا بد أن يقام عليه الحد؛ ليرتدع بنفسه، ويرتدع به غيره، وإلا أدى ذلك إلى تعطيل الحدود، الحكمة من مشروعية الحدود هي: تطهير النفوس، وتطهير المجتمعات فلا يجوز الشفاعة لمثل هذا، لا يجوز الستر عليه، لكن إن حصلت من مسلم هفوة أو زلة وتاب منها وأناب، مثل هذا يستر عليه ويشفع فيه قبل أن تصل إلى السلطان. يقول: كيف يطلب الرسول -عليه الصلاة والسلام- من عمر الدعاء؟ هذا من باب التشريع للأمة، كما أنه طلب منا أن نسأل له الوسيلة بعد كل آذان نطلب للنبي -عليه الصلاة والسلام- الوسيلة كما هو معروف، والله المستعان.

يقول: ليت الأسئلة هذه تستغل يستغل وجود الشيخ ويسأل عنها؛ لأنه مع وجوده لا ينبغي أن يعدل عنه إلى غيره؟ يقول: كنت مسافراً من بعد صلاة العصر إلى الساعة الحادية عشر ليلاً، ومن تعب السفر نمت ولم أصلي المغرب والعشاء، وإن كنت نسيت هذا الشيء؟ نسيت فنمت هذا لا شيء عليك ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) فإن كنت تذكر ونمت ويغلب على ظنك أنك تفوت الصلاة عن وقتها، ووقت العشاء ينتهي بمنتصف الليل، فعليك أن تصلي الصلاتين ثم تنام، ثم إذا نسيت من شدة التعب، نسيت أن وراءك صلاة المغرب والعشاء فنمت، ولم تتذكر إلا بعد ما صليت الفجر فلا شيء عليك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فيقول المفسر -رحمه الله تعالى- في قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} [(21) سورة الطور]، يقول: " {وَالَّذِينَ آمَنُوا} مبتدأ"، والواو حينئذ تكون استئنافاً يعني - {الَّذِينَ آمَنُوا} مبتدأ"، " {وَاتَّبَعَتْهُمْ} معطوف على آمنوا" فعل على الفعل، " {ذُرِّيَّتُهُم} الصغار والكبار، الصغار والكبار"، هذا الأصل في الذرية أنهم النسل صغاراً كانواً أو كباراً، " {بِإِيمَانٍ} من الكبار"، ومن الآباء في الصغار، الذين آمنوا معروف بتوابعه ولوازمه بأركانه الستة التي لا يصح إلا بها، بالعمل المشترط فيه آمنوا، " {اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} من الكبار والذرية" يشمل الصغار والكبار، فالكبار مطالبون بالإيمان، يقول: ومن الآباء يعني -الإيمان من الآباء بالنسبة للصغار-؛ لأنه قد يقول قائل: {اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} كيف نعرف إيمان الصغير من أبوين مسلمين؟ محكوم بإسلامه فهو مسلم حكماً ما دام موجود بين أبوين مسلمين ولم يبلغ، هذا صغير لكنه محكوم بإسلامه {اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} الصغار والكبار بإيمان من الكبار؛ لأن الكبار مطالبون بالإيمان فعليهم أن يتصفوا به، والصغار حكمهم حكم الأبوين، فمن ولد بين أبوين مسلمين فهو مسلم حكماً وأولادهم في الجنة معهم، كما جاءت في ذلك الأحاديث الصحيحة، الصغير الغير مكلف هذا معروف أنه لا يؤاخذ فيما يرتكبه من معاصي، أو يتركه من واجبات؛ لأنه لم يجب عليه في الشرع شيء، لكن لو أن صبياً في العاشرة من عمره بين أبوين مسلمين أعجب بالنصرانية؛ لأن الأمور الآن صارت تصل إلى كل شيء، الدعوة إلى الأديان، وإلى المذاهب، وإلى الفرق تصل إلى بيوت المسلمين في قعرها، ويطلع على هذه الأمور الكبار والصغار، الشيوخ والعجائز والأطفال، فأعجبته النصرانية وقال: هو نصراني، هو لم يكلف، هل نقول: إن هذا يتبع أبويه ويلحق بهم، باعتبار أن كلامه هذا لغو؛ لأنه غير مكلف، أو نقول: إنه مؤاخذ به ما دام ليس بمؤمن، وخلع. . . . . . . . . الإيمان والإسلام من عنقه فماذا عن مثل هذا؟ لأن القيد {واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ}

ماذا يقال في مثل هذا؟ الأصل أن من لم يبلغ الحنث هذا غير مكلف، يعني لو نطق بكلمة كفر، لو نطلق بكلمة شرك هذا الأصل المؤصل عند أهل العلم؛ لأن القلم مرفوعاً عنه: ((رفع القلم عن ثلاثة))، وتصرفاته له وعمده في حكم الخطأ، ومنهم: ((الصبي حتى يبلغ)) ولو أن إنساناً في منامه تكلم بكلام فهم منه الردة -نسأل الله السلامة والعافية- ما يؤاخذ عليه حتى يستيقظ، وكذلك المجنون لا يؤاخذ ولو قال ما قال، فهؤلاء مرفوع عنهم القلم فلهم حكم آبائهم حتى يكلفوا. ومن الآباء في الصغار، والخبر خبر المبتدأ " {الَّذِينَ آمَنُوا} مبتدأ"، "خبره {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} المذكورين -من الكبار والصغار- في الجنة، فيكونون في درجتهم وإن لم يعملوا بعملهم تكرمة للآباء باجتماع الأولاد إليهم"، {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} سواء كانوا كباراً أدركوا وآمنوا وعملوا الأعمال الصالحة إلا أنهم لم يبلغوا منازل الوالدين، هؤلاء يلحقون بوالديهم تكرمة لهم، والشرط متحقق يعني -الشرط في دخول الأصل أصل دخول الجنة- متحقق، لكن هؤلاء في منزلة الدنيا وآبائهم في منزلة عليا يلحقون بهم، وهذا ما في إشكال فضل من الله -جل وعلا-. يقول: "فيكونون في درجتهم وإن لم يعملوا بعملهم تكرمة للآباء لاجتماع الأولاد إليهم"، الصغير إذا مات ولم يبلغ الحنث أيضاً ليس لديه من العمل ما يؤهله إلى منزلة أبيه فيلحق به، الزوجة مع زوجها كما هو معروف، فأمهات المؤمنين مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في منزلة، وهذا ما دعا ابن حزم أن يقول: إن أمهات المؤمنين أفضل من أبي بكر وعمر، يعني عائشة أفضل من أبيها، وحفصة أفضل من أبيها، وسودة أفضل من أبي بكر وأفضل من عمر وهكذا، لماذا؟ لأنها في منزلة النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجنة هذا ما يقوله ابن حزم، لكن هذا القول ليس بصحيح.

ليست بأفضل من أبي بكر ولا عمر ولا من هو فوقهم من الصحابة، وكون الشيء يثبت تبعاً يعني هذا التكريم التبعي لا يعني ارتفاع المنزلة استقلالاً، يعني كون الإنسان من الطبقة العليا بالنسبة لأمور الدنيا -أمير وإلا وزير وإلا كبير وإلا ثري ويتنعم بملذوذات هذه الدنيا، يسكن المساكن الفاخرة، ويركب المراكب الفارهة، ويأكل المطاعم الناهية، وعنده خدم السائق مثلاً يأكل معه، ويسكن معه في بيته، هل نقول: إن هذا السائق أفضل من الطبقة التي تلي هذه من الأغنياء، ومن الأمراء، من نواب الوزراء مثلاً؟ لا. كون الإنسان يكرم لغيره لا يعني أنه أفضل ممن دون ذلك الغير، تجد بعض الخدم والسائقين يسكنون في ملاحق عند من ينتسبون إلى خدمته ملاحق، وهذه الملاحق أفضل من بيوت كثير من أوساط الناس، ويأكلون من المطاعم أفضل مما يأكله كثير من الناس، لكن كون هذا يكرم من أجل غيره لا يعني أنه أكرم من غيره، لا، فأبو بكر وعمر أفضل من أمهات المؤمنين، والعشرة أفضل من أمهات المؤمنين، ومع ذلك دونهن في المنزلة؛ لأنهن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في منزلته، وهؤلاء الذرية من كبار وصغار ليسوا بأفضل ممن دون آبائهم وإن كانوا مع آبائهم في المنزلة، إلا إنهم لن يكونوا أفضل ممن دون آبائهم، يعني لو نظرت إلى أكبر عالم في البلد مثلاً عالم عامل، يعني أفضل من في البلد وعنده أولاد صغار وكبار، هل نقول: إن هؤلاء الأولاد أفضل من الشيخ الذي يليه في المرتبة لا؛ لأنهم أكرموا لا لذواتهم إنما أكرموا تبعاً لآبائهم، وكل هذا لأجل كلام ابن حزم في تفضيل أمهات المؤمنين على أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة.

{اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} لكن إذا لم تتبعهم بالإيمان {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [(38) سورة المدثر] ما ينفع، {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] خلاص، قد يكون الولد في عليين، والأب في أسفل سافلين، والعكس إذا كان من أهل النار لم يلحق بإيمان مثل هذا انتهى، جاء في الخبر أن خديجة سِألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: عن ولدين لها توفي في الجاهلية؟ فقال -عليه الصلاة والسلام- ((هما في النار))، فكأنها وجدت في نفسها -تأثرت-، فقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لو رأيتهما أو لو رايتيهما، -إيه عشان لو لكان كذا شرطية يعني لو رأيتهما -طيب- لأبغضتيهما)) مثلها كلها هذه مشكلة، يعني لو حصل منك الرويا لهما لحصل منك البغض لهما؛ لأن الله -جل وعلا- ينزع ما في قلوب أهل الجنة مما يؤثر عليها ومما يكدرها، ولذلك لما سُئل سأل شخص النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له: أين أبي؟ فقال: ((أبوك في النار)) فتأثر، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن أبي وأباك في النار)) ماتوا في الجاهلية ماتوا على الكفر، فمثل هؤلاء لا يلحقون بذويهم فالشرط موجود {اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ}، هذا لا ما اتبعوا بإيمان فالشرط غير متحقق، " {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} المذكورين في الجنة، فيكونون في درجتهم، وإن لم يعملوا بعملهم تكرمة للآباء باجتماع الأولاد إليهم". طيب هذا بالنسبة للأولاد فماذا عن الآباء؟ يعني الابن في مرتبة عالية جداً والأب عمله أقل، عرفنا أن الذرية تلحق بالأب لكن ماذا عن الأب؟ الذرية يشمل الأصول، ويشمل الفروع، ظاهر في الفروع ذرية، لكن في الأصول {حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [(41) سورة يس] {ذُرِّيَّتَهُمْ} من بعده، وإلا الذي من قبلهم؟ الذين من قبلهم، يعني أصولهم -حملنا أصولهم- فهم داخلون في مسمى الذرية.

" {وَمَا أَلَتْنَاهُم} [(21) سورة الطور] بفتح اللام وكسرها"، و {أَلَتْنَاهُم} ألِتناهم من باب ضرب ألت يألت، وكسرها من باب علم علم يعلم، ألت يألت "نقصناهم {مِّنْ عَمَلِهِم مِّن} من زائدة"، ما نقصناهم من عملهم من شيء، يعني إذا كانت أمور الدنيا مبنية على الحسابات، نعم مبنية على الحسابات الزائد والناقص فإن أمور الآخرة ليست كذلك فضل الله واسع، يعني لو افترضنا أن الأب تقدم إلى بلد، وسكن في فندق، في جناح الفندق ثلاثة أجنحة -جناح ألف وباء وجيم- وسكن في جناح ألف، ثم جاء أولاده بعده فما وجدوا في ألف فما وجدوا إلا في جيم مثلاً، بحيث نفترض أن الأب مع أولاده مصروف لهم سكن من قبل الدولة، إذا افترضنا أن الجناح ألف -بألف وخمس مائة- الليلة، وباء -بألف-، وجيم -بخمس مائة- ما وجدوا في ألف، وجدوا في جيم وهو مصروف لهم، الأب له سكن خاص في ألف، والأولاد في جيم هكذا صرف لهم فقال الأب: أنا أريدهم معي في ألف قالوا: لا والله التوجيه يقتضي أنهم في جيم ما هم معك، كيف تحسب أمور الدنيا علشان يتعادلون، ويُلحق الأولاد بأبيهم؟ قال: ينزل إلى باء ويرتفعون هم إلى باء صح، وإلا علشان تكون بقدر المبلغ الذي خصص لهم من قبل الدولة، لكن هل هذا في الجنة. . . . . . . . . لا والله، أنت في منزلة عالية جداً تبى تنزل قليلاً ويرفعون لا، لا {وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} ما نقصناهم شيء هم في منزلته. {وَمَا أَلَتْنَاهُم} نقصانهم {مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} ومن هذه زائدة، ومر بنا مراراً أن زيادتها من حيث أنها لو حذفت استقام المعنى، لكن لا يعني أنها ليست لها فائدة، لها فائدة وهي تأكيد النفي، تزاد بعض الحروف دعامة للكلام من شيء يزاد في عمل، يزاد في عمل الأولاد، يعني إذا تقرر أنهم يرفعون إلى منازل آبائهم فمعناه أننا زدنا في عملهم، زدنا في علمهم مقتضى الزيادة في عمل الأولاد أن ينقص من عمل الآباء، لكن ما ألتناهم من عمله من شيء، هذا الشيء الذي زدناه في عمل الأولاد ليس معناه أننا نحسمه من عمل الآباء، يلحقون بهم يزاد من عمل الأولاد.

طيب قد يقول قائل: هذا فيه بيان مزية وفضل لمن له أولاد، فماذا عن من حرم الأولاد- شخص عقيم-؟ ما في شك لمن لهم أولاد بيرفعون عنده، لكن هذا محروم من الأولاد، ماذا له حرمانه من الأولاد مع صبره واحتسابه ورضاه بقدر الله، له من الأجر ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فعليه أن يصبر ويحتسب ولا ينظر إلى مثل هذه الأمور، بل يرضي بما قدر الرحمن. وكن صابراً للفقر وادرع الرضى ... لما قدر الرحمن واشكره واحمدِ عليك أن ترضى بما كتب الله لك. {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [(21) سورة الطور] " {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ} من عمل خير أو شر {رَهِينٌ} -يعني مرتهن- مرهون يؤاخذ بالشر ويجازى بالخير" هذا هو الأصل، هذه القاعدة أن كل عامل بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر، لكن فضل الله -جل وعلا- لا يحد، والنقص من عمله من أجل تسديد شيء أخر {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} يعني لو أن الأب نزل من منزلته لكان عقابه بغير عمله، والله -جل وعلا- يقول: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} من خير أو شر مرهون مرتهن بحيث يؤاخذ بالشر ويجازى على الخير، ويجازى بالخير {كُلُّ امْرِئٍ} من صيغ العموم، {كُلُّ} من صيغ العموم فيشمل المسلم والكافر، ومنهم من يقول: إن هذا خاص بالكافر {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [(38) سورة المدثر]، إلا أصحاب اليمين فإنها ليست مرتهنة فالمؤمن لا يدخل في هذه الآية؛ لأنه مستثنى في الآية الأخرى، الارتهان معروف أنه يتفاوت، {رَهِينٌ} يعني بمرتهن أو مرهون، منهم من يرتهن بالشيء اليسير، ومنهم من يرتهن بالشيء الكبير فالكافر مرتهن بكفره بحيث لا يفك أسره ولا رهنه، والمسلم يرتهن بعمله ((وكل مولود مرتهن بعقيقته)) يعني -محبوس بالشفاعة لأبويه حتى يعق عنه-، والدين أيضاً رهن مرهون بدينه ذمته معلقة بدينه مرتبطة به، فلا شك أن الرهن والإرتهان أمور نسبية، لكن الرهن والارتهان بالنسبة للكافر لا شك أنه لا فكاك منه؛ لأن الكافر مخلد في النار نسأل الله العافية.

وأما المسلم إذا عمل سيئة أو عمل شر هو مرتهن بهذا الشر، لكن مألوه إلى أن يفك عنه الرهن، فالاستثناء {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} [(39) سورة المدثر] هؤلاء لا شك أنهم إن ارتهنوا فرهن مؤقت يفك، وهو أيضاً تحت المشيئة إن شاء عاقبه، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه، وإن شاء عفا عنه، وأما الكافر فلا يرد فيه مثل هذا. {وَأَمْدَدْنَاهُم} [(22) سورة الطور] "زدناهم في وقت بعد وقت"، {بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} وإن لم يصرحوا بطلبه"، {أَمْدَدْنَاهُم} فعل أمد الرباعي والفعل الثلاثي أمد. يقول أهل العلم: إن الفعل الرباعي لا يكون إلا في الخير، والثلاثي في الشر {أَمْدَدْنَاهُم}، وأما بالنسبة لثلاث {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} [(79) سورة مريم]-نسأل الله العافية- فرق بين مدا وأمدا، وهنا الفعل الرباعي "أمددناهم، زدناهم في وقت بعد وقت" يعني متتابع في وقت بعد وقت، {بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} يعني وإن لم يصرحوا بطلبه"، ما يحتاج إلى أن يطلب مجرد ما يشتهون، يحصل لهم ما يشتهونه، يحصل لهم ما يشتهونه، وهذا نعيم الجنة الذي لا يقدر قدره إلا الله -جل وعلا- فيها ((ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)) مجرد ما يشتهي يحصل له ما يشتهي. جاء في بعض الأخبار مثل ما أشرنا قريباً أن صاحب الجنة، المؤمن إذا دخل الجنة يشتهي الطائر، فينزل على خوانه جاهز للأكل، هو طائر يطير ينزل جاهز للأكل، ثم بعد ذلك يأكل منه ما يريد، ثم بعد ذلك يطير؛ لأن نعم الآخرة لا تنتهي ولا تزول، نعيمهم دائماً يقول: "وإن لم يصرحوا بطلبه". {يَتَنَازَعُونَ} [(23) سورة الطور] هذا ليس من النزاع والشقاق لا؛ لأنه لا يوجد في قلوبهم غل، ونزعنا ما في قلوبهم من غل، وكل شيء موجود ومتوفر بحسب الشهوة بدون طلب يحصل و " {يَتَنَازَعُونَ} يتعاطون بينهم" يتبادلون بينهم كل واحد يعطي الثاني بينهم، " {فِيهَا} أي: في الجنة"، {كَأْسًا} يعني "خمراً"، والكأس لا يقال له كأس حتى يكون مملوءاً يقال له كأس.

" {لَّا لَغْوٌ فِيهَا} أي بسبب شرب يقع بينهم"، {لَغْوٌ} كلام خصام نزاع، كلام باطل، كلام لا خير فيه لا ما يحصل هذا، {لَّا لَغْوٌ فِيهَا} "أي بسبب شربها يقع بينهم" كما في خمر الدنيا كما إذا شربها في الدنيا -نسأل الله السلامة والعافية- أصدر من الكلام ما يضحك الأطفال والمجانين، حمزة لما شربها مع من معها في أيام عرس علي بفاطمة، وعلى عمل واجتهد في الكسب حتى أشترى ناقة يستعين بها على زواجه مهرة ووليمته شرب الخمر مع مجموعة معه، فقال ما قال وأخذ وقيل له ألا يا حمز للشرف الواء فبقر بطنها، وقال: ما أنتم إلا عبيد لأبي هذه -خمر الدنيا تفعل بصاحبها هكذا-، وهي أم الخبائث فقد يقتل، قد يزني، قد يقع على محارمه، قد يكفر وهو لا يشعر، ينطق بكلام، والخلاف بين أهل العلم معروف في كون الآثار المترتبة على السكر يؤاخذ بها، أولا يؤاخذ، المسألة معروفة لكن الأكثر على أنه مؤاخذ؛ لأنه هو الذي اختار هذا الأمر بطوعه واختياره، ومنهم من يقول: حكمه حكم المجنون لا يؤاخذ، على كل حال خمر الدنيا معروف حكمها وتحريمها ومن لعن فيها -نسأل الله السلامة والعافية-، لعن فيه عشرة وهي أم الخبائث ((من شربها في الدنيا، لم يشربها في الآخرة)) وأيضاً لو أن الإنسان أعمل عقله لم يشربها، كيف بشخص أنعم الله بالعقل ثم يسعى، يعني -إذا رأى مجنوناً حمد الله وشكره- إن لم يكن مجنوناً، ثم بعد ذلك يسعى إلى زوال ذلك العقل! ألا يخشى أن يعاقب بعدم عودة عقله إليه -وهي أم الخبائث-، وقد لعن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيها عشرة، وهي ((أم الخبائث من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة، {لَّا لَغْوٌ فِيهَا} "أي بسبب شربها يقع بينهم {وَلَا تَأْثِيمٌ} به يلحقهم بخلاف خمر الدنيا" يعني لا يلحقهم بسبب شربها إثم، وجاء ما يدل على أن الخمرة يطلق عليها إثم، يطلق عليها الإثم، ولا يوجد ذلك في خمر الآخرة. وخمر الآخرة تجري أنهار من تحتهم أنهار بغير أخدود -تجري هكذا-، ولا تفيض يميناً ولا شمالاً أنهارها من غير أخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضان

إضافة إلى الأنهار الأخرى من العسل ومن اللبن ومن الماء، ويطوف عليهم للخدمة، يطوف على أهل الجنة يخدمونهم غلمان أرقى لهم، يطوف عليهم للخدمة غلمان لهم، ما قال: غلمانهم يطوف عليهم غلمانهم، يقول: يطوف عليهم لخدمتهم غلمان لهم أرقى؛ لأنه لو قال غلمانهم لاستصحب الإنسان ما كان هل في الدنيا من كان يخدمه في الدنيا يخدمه في الآخرة، ومن لا يخدم في الدنيا لا يخدم في الآخرة، لكن {غِلْمَانٌ لَّهُمْ} [(24) سورة الطور] يعني للجميع ليست للمخدوم في الدنيا دون غيره، غلمان للخدمة، خدمة في طلب جميع ما يشتهون، في إحضار جميع ما يشتهون. وجاء في بعض الآثار أنه إذا نادى قال له ألف غلام على بابه: لبيك، لبيك، نعيم دائم لا تبلغه الأفهام، ولا تدركه الأوهام، نعيم لا يخطر على قلب بشر، وهناك كتاب اسمه -نسيت أول اسمه-، لكن في الرد على الخواطر الشيطانية من بعض الكتاب المعاصرين، ممن استولى على أفكارهم الشياطين قال: إنهم يستخدمون هؤلاء الغلمان في الاستخدام القبيح في الدنيا -نسأل الله العافية-، ويقولون: إنهم يتمتعون بهم في الآخرة، وهذا كلام باطل وهو في الدنيا قبيح فكيف بالآخرة؟ على كل حال هذا الكلام إنما يقال؛ لئلا يغتر به، وله عليه رد طيب اسمه: في الرد على فلان في خواطر شيطانية، أو في بعيد العهد عني الكتاب، لكنه قول شنيع نسأل الله السلامة والعافية، ولا يظن بهذا القول إلا أنه نسأل الله السلامة والعافية أنه ممن فتن بهذا العمل.

" {وَيُطَوفُ عَلَيْهِم} [(15) سورة الإنسان] للخدمة {غِلْمَانٌ} أرقاء {لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ} حسناً ولطافة" يعني -في حسنهم ولطافتهم- {لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} هؤلاء الغلمان " {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} مصون في الصدف؛ لأن اللؤلؤ المكنون في الصدف أحسن منه في غيره"، اللؤلؤ المكنون يعني لؤلؤ الدنيا المكنون في صدفه، أفضل من اللؤلؤ الذي أبرز من صدفه؛ لأنه يتعرض للمتغيرات كالهواء والمناخ، يتغير إذا أخرج من كنه، وما زال مكنون فهو أجمل وأحفظ، وهؤلاء الغلمان {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ}، وهذا معروف أنه مثال تقريبي لما في الجنة، وإذا كان هذا في الغلمان والخدم فكيف بمن يخدم؟! كيف بمن يخدم؟! إذا كان هذا هو الخادم كأنه لؤلؤ مكنون فكيف بمن يخدم؟!، يعني سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذا السؤال فقال: ((إن صاحب الجنة بالنسبة لخادمه كمثل القمر ليلة البدر)) على أقل كوكب الفرق بينهما هكذا، فإذا كان الخادم الغلام الذي يخدم المؤمن في الجنة هذا وصفه كأنه لؤلؤ مكنون فكيف بالمخدوم؟!. {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} [(25) سورة الطور] " {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} يعني يسأل بعضهم بعضاً عما كانوا عليه، وما وصلوا إليه تلذذاً واعترافاً بالنعمة"، يتسألون فاكهين فرحين يسأل بعضهم بعضاً كنا نفعل كذا، كنا نفعل كذا في الدنيا، يتذكرون أفعالهم التي أوصلتهم إلى هذا المكان، يعني من الأمثلة أنه إذا ظهرت النتائج واجتمع المتميزون عن غيرهم، افترض مثلاً الخمسة الأوائل في الليلة التي أعلنت فيه النتائج، أخذوا يتناقشون والله كنا نفعل، كنا ندرس، كنا نذاكر، يستمتعون بهذا الكلام، لكن اذهب إلى القوم الآخرين الراسبين، ويش بيقول يمكن ما يجتمعون، وهنا " {أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} يسأل بعضهم بعضاً عما كانوا عليه وما وصلوا إليه تلذذاً واعترافاً بالنعمة".

{قَالُوا} إيماء إلى علة الوصول" الذي أوصلهم إلى هذا النعيم " {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا} يعني في الدنيا" " {مُشْفِقِينَ} خائفين من عذاب الله" وجلين خائفين، وجلين من عذاب الله، فالخوف من عذاب الله -جل وعلا- لا شك أنه من أثر التقوى، والخشية من الله -جل وعلا- من أثر العلم النافع {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] والخوف من الجليل من أثر التقوى، فكانوا خائفين من عذاب الله راجين لرحمته -جل وعلا-، فهذا يدل على الإنسان في هذه الدنيا ينبغي أن يكون خائفاً وجلاً من سوء العاقبة، ولا يعتمد على ما عنده أو علم أو عمل لا يغتر بهذا؛ لأنه ما يدري في أي لحظة يسلب هذا العلم، أو ذلك العمل، " {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا} يعني في الدنيا" " {مُشْفِقِينَ} خائفين من عذاب الله"، وجلين من عذاب الله، وهذه حال أهل الإيمان. {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [(27) سورة الطور] بالمغفرة"، {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} لدخولها في المسام"، {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} عذاب السموم عذاب النار، والسموم هو الحر الشديد الذي يدخل في مسام الجلد، يعني هذه الفتحات الصغيرة التي لا يدخل فيها الهواء يدخل فيها هذا السموم، يدخل في مسام الجلد فقيل له: سموم يعني لو أنت لو نخفت يدك ما بان لهذا النفح أثر، لو هبت ريح شديدة ما دخل هواء لو غمستها فيها ماء ما دخلها ماء، لكن مع ذلك يدخلها السموم ينفذ في مسام الجلد -نسأل الله السلامة والعافية-، {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} وقالوا: إيماء أيضاً".

{إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ} [(28) سورة الطور] أي في الدنيا" قبل {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا} في الدنيا، {مُشْفِقِينَ} خائفين من عذاب الله" ومشفقين راحمين لأهلينا في الدنيا، فصفة الرحمة والشفقة على النفس وعلى الغير لا شك أنها صفة المؤمنين: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد)) يشفقون على أنفسهم، يشفقون على أهليهم، يشفقون على ذويهم، يشفقون على غيرهم من المؤمنين، "وقالوا أيضا إيماء" {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ} "أي في الدنيا" {نَدْعُوهُ} أي نعبده موحدين"، ندعوه دعاء العبادة، وأيضاً دعاء المسألة، يسألونه دعاء يا ربنا، يا ربنا يسألون الله الجنة، ويستعيذون به من النار، يسألونه ما يقربهم إليه، ويستعيذون به مما يبعدهم عنه {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ} "أي في الدنيا" {نَدْعُوهُ} أي نعبده، أي دعا المسألة، ودعاء العبادة. " {إِنَّهُ} بالكسر استئنافاً، وإن كان تعليلاً معنى -يعني الجملة تعليلية فبالكسر تعليل معنى-، وبالفتح تعليل لفظ"، {إِنَّهُ} كأن لام التعليل مقدرة؛ لأنه فإذا كسرت همزة إن صارت الجملة تعليلية من حيث المعنى، وإن كانت استئنافية من حيث اللفظ ومعناها التعليل، وإذا قلت أنه صار التعليل لفظي بتقدير اللام لأنه، " {هُوَ الْبَرُّ} المحسن الصادق في وعده"، المنجز لوعده {الْبَرُّ} الذي في جميع خصال {الْبَرُّ} -جل وعلا-، {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} المحسن الصادق، " {الرَّحِيمُ} العظيم الرحمة" بخلقه.

{فَذَكِّرْ} الرسول -عليه الصلاة والسلام- يذكر هذه وظيفته فيؤمر بالتذكير {فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} [(29) سورة الطور] وفي أخر ق: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] فالتذكير التي هي الوعظ هي وظيفة الأنبياء، ووظيفة وراثهم وأتباعهم التذكير والوعظ، لا سيما بالقرآن من أعظم من يوعظ به ويذكر به القرآن، وللقراء ولأئمة المساجد لا سيما الذين يحرصون على تزيين وتحسين الصوت بالقرآن لهم نصيب من هذا إذا استحضروا هذا، وتجد بعضهم عندهم الصوت الجميل والقراءة الجيدة ثم بعد يبخل على الناس، يقرأ الآية والآيتين ثم يركع والناس بحاجة إلى التذكير بكلام رب العالمين. {فَذَكِّرْ} هو يذكر هذه وظيفته، لكن يؤمر بذلك للدوام عليه، كما أن المؤمن يؤمر بالإيمان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ} [(136) سورة النساء] يعني دوموا على إيمانكم، فالمتلبس بالشيء المتصف به يأمر به من أجل الاستمرار عيله، " {فَذَكِّرْ} دم على تذكير المشركين ولا ترجع عنه لقولهم لك كاهن مجنون".

{فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} يعني بفضل الله عليك، ما أنت بإنعامه عليك، ما أنت بكاهن، خبر ما بكاهن، واقترن خبر ما بالباء معاملة لها معاملة ليس وهي حينئذ على هذا القول حجازية، حجازية يعني تعمل عمل ليس، أما تميمية فلا تعمل فهي في هذه الآية حجازية؛ لأنه اقترنت الباء بخبرها مثل ليس " {فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} بإنعامه عليك"، {بِكَاهِنٍ} يعني تدعي الغيب، وتتلقفه من مسترق السمع لست كذلك، و {لا مَجْنُونٍ} معطوف عليه يقال: كاهن، يقال: ساحر، يقال: مجنون، لكن الذب يصف بهذه الأوصاف المتناقضة المتباينة كاهن يختلف تصرف الكاهن عن تصرف المجنون، المجنون لا يعي ما يقول، والشاعر يضبط ما يقول، ويزن ما يقول أكثر مما يزنه الناثر، فكيف مرة يقولون: شاعر يعني -كلامه موزون منضبط، متسق، مقفى-، ثم يقولون: مجنون لا يعي ما يقول، لا شك أن هذا تخبط مما يدل على أن قولهم لا أصل له، ولا رصيد له من الواقع، بل هم في قرارة أنفسهم يشهدون له بضد ذلك، يشهدون له بخلاف ذلك، لكنهم من باب المعاندة، ومن باب التزهيد فيه وفيما جاء به يصفونه بهذه الأوصاف، " {وَلَا مَجْنُونٍ} معطوف عليه"، معطوف على المجرور مجرور، يقول هنا: {أَمْ} بمعنى "بل" تكون إضراب، والأصل أنه استفهام إنكاري، يعني كما قال الخليل: أم في سورة الطور كلها استفهام، وكررت خمس عشرة مرة في هذه السورة، {يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [(30) سورة الطور] حوادث الدهر فيهلك كغيره من الشعراء"، وهذا شاعر من الشعراء مثل ما مات الشعراء زهير وقبله امرأ القيس يهلك ونرتاح منه، " {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} حوادث الدهر فيهلك كغيره من الشعراء.

" {قُلْ تَرَبَّصُوا} [(31) سورة الطور] هلاكي" انتظروا، نتربص يعني -ننتظر انتظروا هلاكي- {فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [(31) سورة الطور] يعني أنا أيضاً انتظر هلاككم، " {فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} هلاككم فعذبوا بالسيف بوم بدرٍ، والتربص: الانتظار"، أنتظر النبي -عليه الصلاة والسلام- هلاكهم كما انتظروا هلاكه، فكان الذي حصل أن قتل رؤوسهم وصناديدهم في معركة بدر -قتل منهم سبعون، وأسر سبعون- وهذا هلاك، وأيضاً موت كل واحد منهم هلاك، إضافة إلى الهلاك الدائم في نار جنهم -نسأل الله السلامة والعافية-.

{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم} [(32) سورة الطور]؟ يعني عقولهم {بِهَذَا} [(32) سورة الطور] حلم العقل؛ لأن العاقل عقله يحميه عن الطيش الذي يناقض الحلم، " {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم} يعني عقولهم {بِهَذَا} أي قولهم له: ساحر، كاهن، شاعر، مجنون" يعني لو كانت موجودة، لو كان لهم أحلام لم تأمرهم بذلك؛ لأن هذه أقوال متناقضة ما يقولها عاقل، يعني إذا كانت عقولهم تأمرهم بهذا، إذا كانوا يصدرون عن عقولهم فليس لهم عقول {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [(32) سورة الطور] يعني بل هم قوم طاغون كما قال المفسر، يعني أحلامهم لا تأمرهم بهذا، هم يعرفون أنهم في قرارة أنفسهم أنه على خلاف وضد ما يقولون، لكنهم قوم طاغون معاندون تجاوزوا الحد في طغيانهم، يعني الإنسان إذا أراد أن يصف شيئاً بما ينفر به عنه يصفه بأمر يوجد أصله فيه، ولا يصفه بشيء يكذبه كل من سمعه به، يعني بعض الناس تجده يصف إنساناً أو يمدح إنساناً بما يشبه الذم، ما يذمه ذماً مباشراً مكشوفاً بشيء ليس فيه، إذا كان عاقلاً وأراد أن يذم خصمه ما يذمه بشيء يكذبه الناس كلهم من أجله، وإنما يذمه بوصف هو متلبس به إذا كان عاقلاً، لكنه يضخم هذا الوصف يكون فيه أصل يجعل الناس يصدقونه، ويضخم ويفخم هذا الوصف بحيث ينفر الناس عنه بهذه الطريقة، أما أن يصفه بوصف يجزم أنه على خلافه، وأن الناس يكذبونه فإنه لن يستفيد إلا المعاملة بنقيض القصد، ولذا قال: {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} أي تجاوزوا الحد في الإقذاع بالسب، وإن كان هذا السب لا قيمة له، يعني تأتي إلى شخص عنده معاصي وأنت تريد أن تذمه فتضخم هذه المعاصي وترتب عليها آثاراً، لكن تأتي إلى شخص صالح، شخص تقي، وتقول: فلان يشرب الخمر، أو يزني، أو يفعل، أو، كل الناس تقول كذبت، لكن تأتي بأعمال إذا قلت صالح يمكن أن تصفه بالغلو بالتطرف؛ لأن عنده أصل العبادة وأنت تزيد تذمه بمثل هذا تجد من يصدقك؛ لأن الرجل بأنه رجل عابد، وملازم للمسجد، ومنقطع عن الدنيا، ويمكن أن تستدل بنصوص جاءت في الغلو والتطرف ومجاوزة الحد في العبادة تجد من يصدقك، لكن أن تأتي بالنقيض لا تجد من يصدقك، وهكذا لو

تصف شخصاً فاسقاً بأنه متطرف أو غال في عبادته ما صدقوك، لكن عنده معاصي -تضخم هذه المعاصي- تجد من يصدقك، وهؤلاء وصفوا النبي -عليه الصلاة والسلام- بنقيض ما يتصف به -عليه الصلاة والسلام-، ولذا جاء الأسلوب التهكمي {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم}؟ عقولهم" التي أوصلتهم إلى هذا الحد، يعني مثل ما نقول بالنسبة للكفار الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه من أمور تتعلق بظاهر الحياة الدنيا، نقول: شوف العقول، العقول، الأحلام التي أوصلتهم إلى ما أوصلت من حضارة، لكنها لا توصلهم إلى الاستنجاء الذي هو أخص من أخص ما يتصفون بضده، الظاهر لا يستنجون -يقضي حاجته ويرفع سراويله-، هذا العقول التي صنعت وفعلت وأدركت من ظاهر الدنيا ما استطاعت أن تنظف ثيابها لذلك، تذم الإنسان بما فيه؛ لتصدق، أما تذمه بما ليس فيه هذا ما يصدقونك الناس.

{أَمْ يَقُولُونَ} [(33) سورة الطور] هؤلاء الكفار للنبي -عليه الصلاة والسلام- {تَقَوَّلَهُ} تقوله تفعل يعني تكلف في اختلاقه، وكذبه للقرآن، واختراعه من تلقاء نفسه، ومرة يلقى إليه، ومرة يتلقاه عن غيره، "اختلق القرآن والواقع أنه لم يختلقه" {بَل لَّا يُؤْمِنُونَ} استكباراً فإن قالوا: اختلقه" هو عربي من بيئتهم وعاش بينهم، وما انتقل إلى بلد أخر يتلقى عنه ما يتلقى، هو من بلدهم يعرفونه من ولادته إلى بعثته، يعني لو أن لك أخاً يسكن معك في البيت لمدة عشرين سنة، وتعرفه ما فارقك ولا فارق البيت وأنت معه سفر وحضر، ثم فجأة قال لك: إني أحسن اللغات، أجيد عشرة لغات من فين، متى، متى تعلمت؟ هم يعرفون حاله ما راح لا يميناً ولا يساراً، كيف يختلق مثل؟ هذا إن كان اختلقه وأنتم مثله، أنتم مثله في العربية، في الفصاحة، في البلاغة يعني -مستواكم ما يقل عنه-، إلا أنه -عليه الصلاة والسلام- أوتي جوامع الكلم، لكن مع ذلك من الذي آتاه جوامع الكلم هو الله -جل وعلا-، إن كنتم تصدقون بمثل هذا فأمنوا بمن آتاه جوامع الكلم، إن كنت تقولون أخترعه من تلقاء نفسه، فأنتم بمنزلته عرب تفهمون ما يقول، وتستطيعون أن تعبروا عما في أنفسكم بأعلى درجات الفصاحة والبلاغة فأتوا، {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ} [(34) سورة الطور] ولو مختلق" من تلقاء أنفسهم، {مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ} [(34) سورة الطور] في قولهم" إنه اختلقه، {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} تحداهم بجميع القرآن، ويا الله تعاونو كلكم يا معشر العرب، أو يا معاشر العرب تعاونوا وأتونا بمثله، واستعينوا بالجن، تحداهم أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا، ثم تحداهم بعشر سور فلم يستطيعوا، ثم تحداهم بسورة واحدة فلم يستطيعوا، فإن قالوا: اختلقه {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ} مختلق {مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ} يعني في قولهم".

{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [(35) سورة الطور] خلقوا من عدم، من غير شيء لا خالق لهم أم هم الخالقون لأنفسهم، هذه الآية وما بعدها هي التي أثرت في جبير بن مطعم وكاد قلبه يطير منها، {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} من غير خالق"، هل يتوقع أن شيئاً يتصرف بنفسه من غير أن يتصرف فيه غيره؟ لو افترضنا أن سفينة باخرة ليس لها قائد هي بنفسها تحمل البضائع، وتقود نفسها من قطر إلى قطر هل يتصور مثل هذا؟ العالم كله بمنزلة هذه السفينة، ما يمكن أن تقود نفسها بل لا بد لها من قائد يقودها ويسيرها. {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} أم هم الخالقون لأنفسهم؟ "، يعني هل يتصور أن إنساناً كان معدوماً ثم أوجد نفسه، أو وجد من غير خالق؟ يعني ما أوجده أحد، وجد فجأة كذا، {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} لأنفسهم"؟ لا هذا ولا هذا، "ولا يعقل مخلوق بغير خالق ولا معدوم يخلق، لا مخلوق بغير خالق ولا معدوم يخلق"، لو أن إنساناً جالساً من هؤلاء فجاء أخر فضربه على ظهره -ولا في غيره ما في واحد ثالث- التفت فإذا به هذا، فقال: لماذا ضربتني؟ قال: ما ضربتك! يصدق وإلا ما يصدق، ضربة من غير ضارب يا أخي أنت تقول مخلوق من غير خالق هذه ضربة من غير ضارب، يصدق وإلا ما يصدق؟ ما يصدق يعني نظير قول الجبرية، حينما قالوا: إن الإنسان ما يتصرف ولا يؤاخذ على أفعاله؛ لأن مؤاخذته وهو مجبور ظلم، يعني لو ضربهم أحد وقال: أنا ما أتصرف ما ضربتك لا بالغ في مؤاخذته وأعده مجنون بهذا، إذا أنت كيف تفعل المعاصي، وتقول: أنا ما تصرفت، أنا مسير لست بمخير؟ لا مخير يا أخي، فأنت في تصرفاتك نظير تصرف هذا الذي ضربك، لك حرية واختيار ويؤاخذ على فعله، وأنت لك حرية واختيار ومؤاخذ على فعلك.

وهذا الذي قال: أنكر أن يكون له خالق يسأل خلقت من غير شيء، من غير خالق، وجدت كذا، أم أنت خلقت نفسك؟ يعني هل العدم شيء بحيث ينسب إليه فعل؟ ليس بشيء، "ولا يعقل مخلوق بغير بخالق ولا معدوم يخلق، فلا بد لهم من خالق وهو الله الواحد، فلم لا يوحدونه ويؤمنون برسوله وكتابه"؛ لأنه تفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة والأمور كلها بيده -جل وعلا- إذا هو المستحق بالإفراد بالعبادة، وغيره لا يملك شيئاً إذا لا يستحق شيئاً. {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [(36) سورة الطور] من خلقهم؟ من خلق السموات والأرض؟ يعني لو أن الخلائق كلها اجتمعت لتخلق سماء مثل السماء الموجودة يستطيعون، هل تحدثهم أنفسهم أن يفعلوا مثل هذا الفعل؟ لا يمكن أن تحدثهم أنفسهم بمثل هذا الفعل، {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ولا يقدر على خلقهما إلا الله الخالق فلم لا يعبدونه، {بَل لَّا يُوقِنُونَ} به"، وإلا لأمنوا بنبيه؟ يعني لو استعملوا عقولهم ونظروا في هذه الأمور الملزمة لأمنوا؛ لأن الإنسان حينما يقرر في أشياء لا جواب له عنها، وأشياء واقعة لا يستطيع إنكارها. . . . . . . . . مخلوق وإلا ماهو بمخلوق، يعني موجود وإلا معدوم؟ موجود، من أوجده؟ أوجد نفسه وإلا أوجد من غير موجد؟ كل هذا لا يكون، إذاً لا بد له من موجد، من الموجد فلان وإلا علان، أبوه وإلا عمه وإلا خاله؟ هو مثله، إذا الموجد هو الله -جل وعلا-. {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} هل هم خلقوها، هل هم أوجدوها، هل يمكن أن يدعي أن والده هو الذي خلق السماء، أو ملكه العظيم المعظم عنده؟ يعني هل قال أهل مصر: إن فرعون خلق السماء؟ ما قالوا، ولا يمكن أن يدعوا ذلك؛ لأنهم يعترفون بقدرته وأنها محدودة، مع إيمانهم بإلهيته وربوبيته التي أجبرهم عليها " {بَل لَّا يُوقِنُونَ} [(36) سورة الطور] به وإلا لآمنوا بنبيه -عليه الصلاة والسلام-".

{أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ} [(37) سورة الطور] من النبوة والرزق وغيرهما فيخصوا من شاؤوا بما شاؤوا"، من أعظم الرزق أن يمنح المنحة الإلهية العظمى "النبوة"، لما بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- اقترح أهل مكة أن يكون النبي على رجل من القريتين عظيم، إما أبو جهل من مكة، وإما عروة بن مسعود الثقفي من الطائف اقترحوا هذا، لكن {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [(124) سورة الأنعام]، هذا من الله -جل وعلا- لا يتصرف فيها أحد، فالمرسل هو الذي يختار الرسول. الرزق عندهم خزائن الرزق يستطيعون أن ينزلوا المطر متى شاؤوا، لتنبت لهم الأرض ما يعيشون به ويتعيش به دوابهم، أصيبوا بالسنين، ماتوا من الجوع، ما استطاعوا أن يقدموا ولا يؤخروا، أعظم ما عندهم أبو جهل وأبو لهب ونظرائهم ما استطاعوا أن يوجدوا لقمة عيش يأكلونها، يرون الجو كله دخان رائح جاي من الجوع، والجوع بئس الضجيع يريك ما لا ترى، يري عيناك ما لا تراه، فهل استطاعوا أن ينزلوا المطر، هل استطاعوا أن يوجدوا شيئاً يأكلونه؟ ما استطاعوا. " {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ} من النبوة والرزق وغيرهما فيخصوا من شاؤوا بمن شاؤوا"؟، إذا كان عندهم الخزائن يخصوا، إذ معروف أن الذي عنده شيء من المال أو من الطعام يعطي هذا الجار، وقد لا يعطي هذا الجار وهذا مجرد قسمة، وإلا فالمعطي هو الله -جل وعلا- ((إنما أنا قاسم والله هو المعطي)) {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور]، يعني وإن كانت عنده خزينة وعنده مستودعات، لكن هي مال الله، ومع ذلك هو أؤتمن على هذا المال فلا يجوز له أن يصرفه إلا على مقتضى نظر الشرع، فيخصوا من شاؤوا بمن شاؤوا. {أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} المتسلطون الجبارون، وفعله سيطر، ومثله بيطر وبيقر" مسيطر، مبيطر، مبيقر، مهيمن، مجيمر أو محيمر أو مخيمر هذا الكلمة ضبطت بالجيم والحاء والخاء، وقالوا: لا يوجد على صيغة مفعيل إلا هذه الكلمات الخمس.

{الْمُصَيْطِرُونَ} المتسلطون" وتقراء بالسين والصاد، "المتسلطون الجبارون وفعله سيطر مثل بيطر"، بيطر يعني عالج، والبيطار المعالج، والبيطري الذي يعالج الدواب، وبيقر أفسد خلاف ضد عالج، بيطر, افسد وأهلك. {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} [(38) سورة الطور] مصعد مرقى يصعدون به، ويرتقون به إلى السماء، يستمعون فيه يعني عليه؛ لأن السلم يصعد عليه، لا يصعد فيه، اللهم إلا إذا قلنا: إن الصعود، يعني لا بد أن نضمن الحرف في بمعنى على {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} يعني عليه، {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [(71) سورة طه] يعني على جذوع النخل، فنضمن الحرف معنى حرف أخر، أو نضمن الفعل معنى فعل آخر يتعدى بنفس الحرف {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} كأنه قال: لأدخلنكم في جذوع النخل، يعني كأنه من قوة الربط ينفتح الجذع فيدخلون فيه هذه مبالغة في الصلب، وهنا إذا أمكن تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف كما قال شيخ الإسلام، وهنا ضمن الحرف معنى حرف آخر، كيف نقول يستمعون فيه كأنه مع صعودهم على هذا السلم يريدون الاستخفاء؟ لئلا يصيبهم الشهاب الذي يصيب الجني مسترق السمع فيستخفون في هذا السلم، يعني سلم مشتمل على شيء يخفيهم فكأنهم دخلوا فيه، هذا إذا أردنا أن نضمن الفعل، وهذا أولى من تضمين الحرف على رأي شيخ الإسلام.

" {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} يعني عليه كلام الملائكة حتى يمكنهم منازعة النبي بزعمهم إن ادعوا ذلك"، النبي -عليه الصلاة والسلام- يأتيه الوحي من السماء بواسطة جبريل، يقول: إن استطعتم أن تأتوا بوحي فأحضروا سلماً واصعدوا إلى السماء، واسمعوا كلام الملائكة، وانقلوه للناس فتكون أتيتم بمثل ما أتى به، {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم} أي مدعي الاستماع عليه {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بحجة بينة واضحة"، {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} يأتي بحجة بينة واضحة" يأتي بكلام الملائكة هات ما عندك، يعني كون مسيلمة يدعي أنه ينزل عليه وحي، وذكر ما ينزل عليه على حد زعمه من الوحي الشيطاني فرمي بالجنون، يا وبر، يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وما أدري إيش، كلام لا معنى له، نعم إن كان عندكم شيء من السمع استمعتوه من الملائكة هاتوا {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بحجة بينة واضحة"، هذا تدل على أنه فعل ذلك وأصابه. قال المفسر -رحمه الله-: ولشبه هذا الزعم، بزعمهم أن الملائكة بنات الله"، "ولشبههم هذا الزعم بزعمهم أن الملائكة بنات الله" قال تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [(39) سورة الطور] أي بزعمكم"، {وَلَكُمُ الْبَنُونَ} تعالى الله عما زعموه"، {لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} ومعروف أن البنين أقوى من البنات فأنتم تستعينون عليه بالبنين على حد زعمكم، سوف يستعين عليكم بالبنات، ومقتضى ذلك أنكم تغلبونه ما دام ما عنده إلا بنات وأنتم عندكم بنين فأنتم تغلبونه، لكن هذا الزعم الباطل {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} أي بزعمكم"، {وَلَكُمُ الْبَنُونَ} تعالى الله عما زعموه"، يعني قالوا الملائكة: بنات الله، وعبدوهم من دون الله. {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} [(40) سورة الطور] على ما جئتهم به من الدين {تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} على ما جئتهم به من الدين" {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ} يعني من غرم ذلك {مُّثْقَلُونَ} " فلا يسألون.

يعني لو كان النبي لما أرسل -عليه الصلاة والسلام- فرض على من يدخل في هذا الدين مبلغاً، لقال كثير من الناس ما دام يأخذ علينا هذا المبلغ لا أدخل في الدين؛ لأنه يثقلنا هذ المبلغ " {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} على ما جئتهم به من الدين"، يعني لو فرض على كل واحد ألفاً لقال كثير منهم أنا والله ما عندي ألف {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}، من هذا الغرم الذي ألزمتهم به مثقلون، يعني لا يستطيعون أن ينووا به ويحملوه، يعني لو تصورنا المسألة في جامعة أهلية فرضت على كل طالب أربعين ألفاً، هل يتصور أن الناس بيدخلون في هذا الجامعة؟ نعم قد يدخلها بعض الناس؛ لأن عنده هذا المبلغ ويترقب الفائدة أعظم، يدخل لكن كثير من الناس يقول: والله يا أخي، ما نستطيع أن ندخل {مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} ما نقدر، ما نتحمل، فهل طلب النبي -عليه الصلاة والسلام- ممن يتبعه على دينه مبلغاً قليلاً أو كثيراً؟ أبداً. {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} يعني من مغرم، من الغرم الذي تطلبه منهم {مُّثْقَلُونَ} فلا يسلمون"؛ لأنه يثقلهم ولا يستطيعونه. {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ} [(41) سورة الطور] أي علمه"، أي علم الغيب " {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ذلك، يكتبون ذلك الغيب حتى يمكنهم منازعة النبي -عليه الصلاة والسلام- في البعث، وأمور الآخرة بزعمهم". الرسول -عليه الصلاة والسلام- أخبر عما سيكون في أخر الزمان، وأخبر عما يكون في البرزخ، وأخبر عما يكون بعد البعث، وكل هذا غيب لا يمكن أن يطلع عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- بنفسه، وإنما أطلعه الله عليه {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [(65) سورة النمل] هؤلاء إذا كان عندهم علم غيب يأتوا ماذا يكون غداً؟ والله ما يدورن، ما الذي يكون بعد سنة؟ والله ما يدرون، ما الذي يكون بعد مائة سنة؟ ما يدرون، ما الذي يكون بعد موت الإنسان؟ ما يدرون.

{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [(41) سورة الطور] اكتبوا ذلك الغيب وهاتوه، نعرضه على ما قرره النبي -عليه الصلاة والسلام- من المغيبات، {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ} أي علمه {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ذلك حتى يمكنهم منازعة النبي -عليه الصلاة والسلام- في البعث وأمور الآخرة بزعمهم"، لا شيء عندهم، اسألهم عما يكون بعد ساعة ما الذي يكون؟ اسأل أي مخلوق سواء كان مسلماً أو كافراً ما الذي يكون غداً -يعني من المغيبات الخمس التي لا يعملها إلا الله- -جل وعلا-؟ {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [(188) سورة الأعراف]؟ هذا كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [(34) سورة لقمان] يعني محل تجاري كبير دخله على حسب ما مضى عشرة ألف في الشهر، أو في اليوم هل يستطيع أن يقول أني أكسب غداً عشرة ألآلف، أو تسعة ألاف، أو عشرين ألف، أو ألف؟ لا يستطيع أن يحدد هذا كله بيد الله، قد يقول قائل: أنا أعرف ماذا أكسب؟ لأنني موظف وراتبي معروف، وفي نهاية الشهر يأتيني الراتب، قد يقول قائل مثل هذا الكلام، فأنا أعرف ما الذي سيكون في يوم خمسة وعشرين وإن كان غيباً اعرفه، نقول: والله ما تدري عن شيء، يمكن ما تداوم بكرة ثم. . . . . . . . . عليك، أو تحدث عملاً تفصل بسببه، أتدري ماذا تكسب غداً؟ والله ما تدري ماذا تكسب غداً، {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ} أي علمه {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ذلك حتى يمكنهم منازعة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالبعث وأمور الآخرة بزعمهم". {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} [(42) سورة الطور] بك ليهلكوك يقول: في دار الندوة"، أولاً أن السورة مكية، ودار الندوة إنما صارت متى؟ ليلة الهجرة، فالتقييد بدر الندوة لا داعي له.

{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} هم يكيدون للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وحاولوا وخططوا لقتله، {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} بك ليهلكوك {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} المغلوبون المهلكون فحفظه الله منهم، ثم أهلكهم ببدر، أهلكهم ببدر" يعني أهلك رؤوسهم؛ لأن القوم إذا هلك رؤوسهم تحطموا، أهلك سبعين من رؤوسهم وصناديدهم، أهلك رؤوسهم وصناديدهم فقتل منهم سبعون، وأسر سبعون، وإذا هلك الرؤوس انهزم الباقي، ومع ذلك هم المكيدون المهلكون في العاجل أو الآجل -والله أعلم-. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛؛

سورة الطور (3)

تفسير الجلالين سورة الطور (3) الشيخ / عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا البحث عن حديث: ((لو رأيت ِ مكانهما لأبغضتهما)) قال: حدثنا عبد الله في المسند، قال: حدثني عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن محمد بن عثمان، عن زادان، عن علي -رضي الله عنه- قال: سألت خديجة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ولدين ماتا لها في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هما في النار)) فلما رأى الكراهية في وجهها قال: ((لو رأيت ِ مكانهما ل أبغضتهما)) قالت: يا رسول الله، فولدي منك؟ قال: ((في الجنة))، قال: ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم} [(21) سورة الطور])) يقول: هذا تعليق على المسند، يقول: شعيب الأرنؤوط، يقول: إسناده ضعيف بجهالة محمد بن عثمان قال: ذهب في الميزان لا يدرى منه فتشت عنه في أماكن، ثم ذكر وساق هذا الحديث، وقال ابن الجوزي: في جامع المسانيد كما في كنز العمال في إسناده محمد بن عثمان ولا يقبل حديثه، ولا يصح في تعذيب الأطفال حديث، يعني ما ورد في الأطفال سواء كانوا أطفال المسلمين المؤمنين، أو في أطفال الكفار، ورد فيهم أحاديث منها ما يدل على أنهم كلهم في الجنة، كلهم في الجنة، منها ما يدل على التوقف الله أعلم بما كانوا عاملين.

ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طبقات المكلفين، في آخر، في طبقات الناس، في آخر طريق الهجرتين بحث المسألة بحثاً جيد، فمنهم من يقول: إن أولاد الكفار كالمجانين وأهل الفترة الذين لم يبلغهم دعوة هؤلاء يمتحنون، يمتحنون، وعلى كل حال الخبر يسوقه المفسرون لا على أنه جزم بأنهم في النار، وإنما ليبينوا أن أولاد المؤمنين والمسلمين قد جاء فيهم ما يدل على أنهم في الجنة على سبيل الاستقلال، والمفسرون لا يعتنون بصحة الأخبار بدقة، وإنما يجمعون فيها ما يقفون عليه، والخبر مثلما ذكر أهل العلم ضعيف، وفيه محمد بن عثمان هذا قال: قالوا عنه: إنه مجهول، المجهول كما هو مقرر عند أهل العلم في مسألة الجهالة هل هي جرح في الراوي أو عدم علم بحاله؟ هل هي جرح في الراوي فيضعف الخبر بسببه، أو هي عدم علم بحال الراوي فيتوقف فيه حتى يعلم حاله؟ وأهل الحديث حينما رتبوا مراتب وألفاظ الجرح والتعديل، وجعلوا الجهالة في مراتب الجرح هذا يدل على أن الخبر يضعف بسبب هذا المجهول، وأبو حاتم كثيراً ما يقول: فلان مجهول -أي لا أعرفه- وهذا لا يقتضي القدح؛ لأنه إن لم يعرفه قد يعرفه غيره، وابن حجر في النخبة قال: ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً أو تجريحاً أو جهالة، فجعل الجهالة قسيم للجرح وليست قسماً منه، وعلى كل حال مثل ما ذكرنا أولاد الكفار جاء فيهم أحاديث، منهم ما يدل على أنهم هم مع أهليهم، ومنها ما يدل على التوقف الله أعلم بما كانوا عاملين، ومنها ما يدل على أنهم يمتحنون، ومنها ما يدل على أنهم خدم أهل الجنة، المقصود أن مثل هذه المسألة إذا ذكرت في كتب التفسير فإنهم لا يريدون تقرير هذه المسألة بعينها، وإنما يأتون بها للدلالة على ضدها. يقول: ذكر الله -عز وجل- في كتابه: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [(21) سورة الحديد]، وذكر أيضاً {وَسَارِعُواْ} [(133) سورة آل عمران]، فما الفرق بين المسابقة والمسارعة؟

المسابقة ظاهر من لفظها أنها تقتضي المفاعلة بين أثنين فأكثر، يعني أسبقوا غيركم، والمسارعة تطلب الإسراع في الامتثال والمبادرة فيه وإن لم يكن هناك مشارك، كما قال موسى -عليه السلام- {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [(84) سورة طه]، المقصود أن المسابقة تقتضي أكثر من طرف هذه هي المسابقة، والمسارعة تقتضي الإسراع؛ لأن المفاعلة أصلها بين طرفين، وقد تأتي من طرف واحد كما في المسافرة والمطارقة. يقول: ما الحد المعتبر في أدى الأمانة في تدريس المناهج المقررة في المدارس، هل هو إنهاء المنهج المقرر، أم لا بد من استغلال كل وقت حصة دراسية بالدرس وشرحه، وهل إذا جعل بعض وقت الحصة بعد إنهاء الدرس اليومي لدعوتهم إلى الله-عز وجل- وتعليمهم أمور دينهم، ينافي أداء الأمانة على الوجه المطلوب؟ هذا من أعظم الأمانة؛ لأن الهدف من إيجاد هذه المدارس لا يتحقق إلا باستقامتهم على دين الله، وعلى أمره، المدارس إنما أسست على ذلك هذا الأصل في تأسيسها، فعلى المدرس أن يستغل الوقت الذي اتفق معه عليه ولا يضيع منه إلا ما يضيع غالباً من الأمور التي لا يمكن ضبطها؛ لأن لا يتصور أن المدرس منذ أن يدخل مع باب الفصل إلى أن ينتهي وهو يتكلم ويشرح لا، إنما ينظر في حال الطلاب قد تكون كثرة الشرح بالنسبة لهم تضيعهم؛ لأنهم لا يدركون مع الكثرة يضيع بعض الكلام بعضاً، وهو يقتصر على المنهج المقرر بحيث يشرحه ويوضحه للطلاب، ثم يسألهم عما يشكل عليهم في المقرر، ثم بعد ذلك يوجههم وكثير منهم بحاجة إلى هذا التوجيه، فإذا لاحظ على أحد ما يمكن التنبيه عليه، ينبه عليه على سبيل العموم، يقول: إن بعض الطلاب هداه الله يفعل كذا، أو يتصرف كذا، وهذا لا شك أنه مطلوب، وإلا من الصعب في المنهج، لكن الإشكال فيمن يتشاغل عن الدرس يتأخر في الدخول، ويبادر في الخروج، وفي أثناء الدرس تجده يتشاغل بأمور، تجده الجوال يكلم، أو معه آلة وشاشة يبيع ويشتري هذا حصل في الأيام الأخيرة، يضيعون الدرس هذه أمانة لا يجوز التفريط فيهم، -نسأل الله العافية-.

يقول: يعد كثير من الناس من شباب وشيب ونساء وأطفال أن الانتصار أو الانتصار في فوز فريق كرة القدم، ويجدون كما يتوهمون لذة لهذا الانتصار، فمن الذي صرفهم عن المفهوم الحقيقي للانتصار؟ على كل حال اهتمامات الناس جماعات وأفراد كلها دخلها ما دخلها، والسبب في هذا الانفتاح على الدنيا إذا بسطت وفتحت وتبعتها أنظار الناس لا بد أن يوجد مثل هذا، ولو انشغل الناس بلقمة العيش ما صار الأمر هكذا، لكنه الترف يعني فتحت الدنيا وبسطت وتنافسها الناس، وانشغلوا بدلاً من الضروريات بالكماليات، ثم بعد ذلك إلى الترف المنهي عنه، والذي جاء ذمه في النصوص، المقصود أن هذا لا شك نتيجة حتمية لانفتاح الدنيا ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح الدنيا، وتبسط الدنيا عليكم فتنافسوها كما تنافسوها)). يقول: عود كثير من الآباء حتى من الصالحين لبس الكفار، وأصبح هذا عادة عندهم حتى في ذهابهم إلى المسجد، ويضطرون في إلباسهم الثياب عند ذهابهم إلى المدرسة؟ لعله يقصد إنه عود كثير من الآباء حتى من الصالحين لبس يعني -إلباس أولادهم لبس الكفار؛ لأن الكبار ما يلبسون إلا لبس البلد، وأما بالنسبة إلى الصغار فيظهر فيهم لباس الكفار من البنطلون وما فوقه، لا شك أن هذا تقليد للكفار وفيه التشبه فلا يجوز من هذه الحيثية، لكن إذا كثر وشاع وصاروا يلبسونه؛ لأمور معينة لنوم أو شبهه ما لم يكون عادة، واللبس كما يقول أهل العلم: "اللباس عرفي" يتبع عرف البلد ما لم يدخل في منصوص على حظره، أو منعه، أو الحث عليه وطلبه، وإلا فالباقي عرفي، فمثل هذه الألبسة التي يلبسها الشباب من الصغار، لا شك أن لبس البلد وعرف البلد إلزامهم به أولى، لكن إذا كثر في البلد وشاع وصار هو لباس الصغار، ينتقل من كونه تشبهاً إلى كونه مفضولاً. يقول: أنا أطلب العلم، وقد أبقى طوال اليوم أقرأ مع ما يكون خلال ذلك من الصوارف كأغراض الأهل وما أشبه ذلك، ولا يأتي الليل إلا وأنا مرهق فأنام حتى أقوم بعد الفجر وأقرأ، ولا أقوم الليل بسبب أني إذا تأخرت في الليل لا أقرأ في النهار، ويضطرب برنامجي فما العمل؟

المطلوب التسديد، وتنوع العبادات في شرعنا من نعم الله علينا، فتجد النفس ترتاح إلى عمل، وهذا الكلام لا يجري على الفرائض والواجبات، الفرائض والواجبات لا بد من فعلها سواء كانت النفس تنقاد إليها، أو لا تنقاد، لكن مسألة النوافل تنوع العبادات عندنا ولله الحمد من نعم الله؛ لأن بعض الناس ينقاد إلى عمل البدن، فعنده استعداد أن يصلي مائة ركعة في اليوم، يقوم الليل ما عنده إشكال، يصوم النهار، ومنهم من ييسر لهم أمر الإنفاق في سبيل الله، ويصعب عليه عمل البدن، ومنهم أيضاً من ييسر له عمل جزئي من عمل البدن فتجده يستطيع الصلاة، ولا يستطيع الصيام يعني -إلا بمشقة-، وبعض الناس تجده يصلي لكن يصعب عليه التلاوة، وبعض الناس يسهل له أمر التلاوة فيقرأ ساعة والساعتين في المصحف، أو عن ظهر قلب ولا يمل، وإذا مرة به آية سجدة صعوبة عليه؛ لأن جلس الصلاة ثقيلة عليها، فمن نعم الله -جل وعلا- أن نوع لنا هذا العبادات، لكن ينبغي أن يأخذ من جميع هذه العبادات؛ لأنه جاء الحث عليها في الشرع، فلا ينهمك في طلب العلم عن النوافل الخاصة، وإن كان المفضل عند أهل العلم طلب العلم وأنه أفضل من نوافل العبادة وهذا عند التعارض، لكن إذا أمكن أن يصرف جزءاً من وقته لطلب العلم ويقسم هذا الوقت إلى وقت للحفظ، ووقت للفهم، ووقت لمجرد سرد ومطالعة، ويصلي في أثناء ذلك بين كل فينة وأخرى له ركعتين، ويحرص على ما جاء الحث عليه من صيام النوافل، ويساعد الناس ببدنه وبماله، ويقضي حوائج أهله لا يتأخر عنها؛ لأن من المشاكل التي تمر بالشباب طلاب العلم من أعظمها، ما يزعمونه من تعارض بين طلب العلم وصلة الأرحام وبر الوالدين، تجد طالب العلم يصعب عليه جداً أن يقضي حاجة لأمه، أو يوصلها إلى مكان، أو يصل رحمه من عم أو خال أو ما أشبه ذلك، ومع ذلك يسهل عليه أن يركب مع زميله ويذهبان إلى مكان للنزهة أو غيرها يقضون فيه الساعات، هذا لا شك أنه خلل في التصور فالمسألة أولويات، وعلى الإنسان أن يبدأ بالمهم، فعلى مثل هذا التسديد والمقاربة يجعل له نصيب من صلاة الليل، وإذا كان في يوم من الأيام قد أرهق وتعب في النهار، ويخشى على عدم القيام من أخر الليل يصلي الوتر قبل أن

ينام، يوتر قبل أن ينام. يقول: نسمع قراءة بعض العلماء للقرآن بدون غنة، ولا تفخيم، ولا ترقيق، ولا مدود وهم أحرص الناس بشرع الله يعني -على شرع الله وتطبيقه-، فهل هذه الأحكام لها دليل، وهل نطبقها أم نقرأ القرآن قراءة بمهل، وبدون لحن جلي؟ أما اللحن الذي يحيل المعنى فلا يجوز اتفاقاً، وأما اللحن الذي لا يحيل المعنى فالصلاة معه صحيحة، لكن يبقى أنه مذموم؛ لأن القرآن بلسان عربي وليس فيه لحن، حتى قال بعض أهل العلم: إن الذي يلحن في الحديث يخشى أن يدخل في حديث: ((من كذب))؛ لأنك إذا قلت: ((إنما الأعمالَ بالنيات)) فنصبت الأعمال قلت على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، وفي الحديث الصحيح: ((من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) فليحذر الإنسان من اللحن، يبقى مسالة أحكام التجويد من المدود والغنة والإظهار والإقلاب والإخفاء وما أشبه ذلك، هذه يوجبها أهل التجويد . . . . . . . . . ... من لم يجود القرآن آثم

هذا عندهم، ويستدلون على ذلك بأنه تلقي هكذا، تلقي عن الشيوخ طبقة عن طبقة هكذا فلا بد من تطبيق الأحكام، وقد يتعارض عند طالب العلم مثل هذا الكلام مع ما يسمعه من شيوخه، ومع ما يسمعه من أهل التجويد أيضاً من خلل كبير بهذه الأحكام، فهل تتوقع أن أشهر القراء، وأمهر القراء في قراءته للركعتين الأولتين في الصلاة الجهرية يفعل مثلها، مثل هذه القراءة في الركعتين الأخريين يعني -يرتل إذا اسر-، نحن نسمعهم وهم يصلون بجوارنا ما يرتلون، ولا يطبقون الأحكام، وليس هذا بدليل على الإيجاب ولا على المنع، لكن مما يدل على أن القرآن يقرأ سهلاً سمحاً لا يمطط فيه، ولا يهث كهذ الدقلة، ولا كهذ التراب، والمجزوم به أن هذه القراءة حينما أنزل القرآن على النبي -عليه الصلاة والسلام- وقراءه على أصحابه، وفيهم كبار السن، وفيهم الصغار، وفيهم قبائل مختلفة بعضهم يطاوعه لسانه أن يمد، وبعضهم لا يطاوعه ولذلك جاء الأمر على قراءة القرآن على سبعة أحرف، كل هذا من باب التسهيل والتيسير لقرآة القرآن في أول الأمر، ثم بعد ذلك اتفق على حرف واحد، لكن إذا أوجبنا التجويد فما الذي نوجبه على أي قراءة؟ يعني إذا كان إظهار حرف أو إخفائه -الهمز وعدمه- بعض القراء يهمز، وبعض القراء لا يهمز "النبيئون، والنبييون" مثلاً، أيهما أسهل أن نهمز أو نظهر المدغم؟ ثم بعد ذلك إذا قلنا بالإظهار والإدغام على أي قراءة؛ لأن ما أنا ملزم بقراءة شخص بعينه؛ لأن القراءة كلها سبعية متواترة، واختلاف الأداء في هذه القراءات، واختلاف الأداء في هذه القراءات يدل على أن الأمر فيه سهل؛ لأنها كلها سبعية، كلها متواترة، يعني من مد ست حركات وغيره يمد أربع حركات هذه ثابتة بالتواتر، وهذه ثابتة بالتواتر، فما الذي يلزمني بست أو أربع أو اثنتين، كلها ثابتة بالتواتر فيدل على أن الأمر ليس كما يقولون، نعم تجويده وضبطه وإتقانه وإخراج الحروف من مخارجه هذا أمر مطلوب، لكن التأثيم يحتاج إلى دليل.

وينص كثير منهم على أنه واجب عندهم في فنهم، وأما تأثيم التارك فيحتاج إلى قول فقيه هذا كلامهم، يقولون مثل هذا الكلام، يعني هل كلامهم في وجوب المد، في وجوب التجويد مثلاً، هل هو مثل كلام النحاة في وجوب رفع الفاعل، أو نصب المفعول يعني -وجوب فني ما هو بوجوب شرعي-؟ لأنه حتى بعضهم ينص من أهل التجويد أن هذا الوجوب وجوب علم، وجوب تلقي، وجوب هذا الفن يعني بيننا يجب لا يفرط فيه، لكن مع ذلك تأثيم التارك يحتاج إلى قول فقيه مجتهد هذا كلامهم، مما يدل على أن المسألة فيها سعة المقصود أن القرآن يقرأ ويحسن الصوت بالقرآن، ويزين القرآن بالصوت، ويتغنى به بحيث يتأثر القارئ، ويؤثر في السامع، لكن التطبيق بدقة على ضوء ما قرروه تأثيم تاركه يحتاج إلى دليل، يعني حتى القراء المجودون المتقنون إذا قرؤوا القرآن للاستدلال، أو في خطبة للاستشهاد مثلاً، أو قرأها غيرهم وهم يسمعون ذلك، هل يؤثمونه؟ أحياناً يورد الدليل بسرعة كما هو شأن من يستدل للمسائل العلمية، يعني يندر أن تجد من يقرؤها على قواعد التجويد، وأنا أقول على المسلم أن يحرص على تطبيق هذه القواعد حتى في الخطبة، إذا قرأ القرآن يقرأه مجوداً، وحتى في قراءته للكتب يحرص على أن يجوده وأن يميزه عن كلام البشر. يقول: يوجد مسجد بحي المثناة مهجور يقصده بعض الجاليات، يتصورون عنده يعني -يصورون بالكمرات-، ويتبركون به، ويقولون: إن هذا المسجد جلس عنده الرسول -عليه الصلاة والسلام- فله ميزة عن غيره؟ ليست له ميزة، الميزة للمساجد الثلاثة فقط وما عداها فحكمها واحد، ولو صلى فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- حكمها واحد هي بيوت الله، وإذا كان مهجوراً لا يصلى فيه فهو كغيره من الأبنية -هذا ليست له أحكام المسجد-، إذا كان لا يصلى فيه فهو كغيره من الأبنية، ولا يجوز التبرك بالبقاع أيّا كانت. يقول: ما الضابط في النهي عن صوت الجرس؟

لا شك أن الناس ينازعون في هذه النغمات التي تصدر من الجوال، يقول: هذه موسيقى، وآخر يقول: لا ليست بموسيقى، والحد الفاصل بين المأذون والمسموح والممنوع، الحد الفاصل هو: صوت جرس الدواب الذي لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس، جرس الدواب صوت معروف له طنين متدارك، لكن أدنى هذه النغمات من الجوال أشد منه، وأحياناً في السيارات فيها طنين إذا تعدت السرعة المحددة مائة وعشرين ظهر هذا الطنين، وهو أشبه ما يكون بصوت جرس الدواب فيمنع من هذه الحيثية وما هو أشد منه في الإطراب أشد المنع، وما دونه في الإطراب مأذون فيه. يقول: ما حكم أكل لحم الضفدع والتمساح؟ باعتبارها تعيش في البر والبحر فهي ممنوعة عند الجمهور. أيهما أولى في الصلاة النزول على الركبتين أم على اليدين؟ لا شك أن حديث أبي هريرة: ((إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) أرجح من حديث وائل: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يضع ركبتيه قبل يديه" أو هو أصح، وبعضهم يحكم على حديث أبي هريرة بأنه مقلوب وليس الأمر كذلك، فالنزول على اليدين برفق هذا ليس ببروك البروك- بورك البعير إذا نزل على يديه بقوة، وأثار الغبار، وفرق الحصى حينئذ يسمى بروكاً-، أما إذا وضع يديه قبل ركبتيه فهذا ليس من البروك كما قرر في مواضع كثيرة. نأتي إلى درسنا. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين:

وقفنا على قوله -جل وعلا-: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [(43) سورة الطور] لما قرر على سبيل الاستفهام الإنكاري {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ} [(35 - 36) سورة الطور]، هذه الأمور هل يتصور أن أحداً يقول: خلقت من غير شيء، وجدت هكذا، أو يقول: إنه خلق نفسه؟ لا يمكن أن يدعي هذا أحد، لا بد أن يدعي له خالقاً، والفعل لا بد له من فاعل، {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ} [(36) سورة الطور] هل يستطيعون أن يخلقوا ما دون السماوات والأرض من المخلوقات اليسيرة؟ {لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [(73) سورة الحج]، لا يستطيعون أن يخلقوا شيئاً {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [(73) سورة الحج]، تجد الذباب إذ أخذ شيئاً وفر به تجد الواحد يتبعه، ولذلك يقول أهل العلم: إن الذباب إذا أخذ شيئاً مع أنه يأخذ شيئاً يسير جداً يستحيل مباشرة عن هيئته، بحيث لا يمكن لو اجتمع الجن والإنس على استخلاصه منه ما استطاعوا -هذا في هذه الحشرة الصغيرة-، لا يستطيع المخلوق كلهم من جنهم وانسهم لا يستطيعون أن يخلقوا ذباباً، قد يقول قائل: إنهم خلقوا ما هو أعظم منه من طائرات، وبواخر، وسفن فضائية، وبوارج وغيرها أيضاً هذه ليست بشيء -هذه جمادات-، فليخلقوا شيئاً فيه روح، فيه حياة لا يستطيعون، مع أن علمهم بهذه الأمور علم بالظاهر لا علم باطن {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [(7) سورة الروم]، قد يقول قائل: كيف يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم وصلوا إلى عمقها وتخومها في أعماق البحار، وفي الأجواء، هذا ظاهر الحياة الدنيا؟ نعم هذا ظاهر الحياة الدنيا، والله لو علموا باطن الحياة الدنيا لأسلموا؛ لكن عقولهم لم تتعدى الظاهر، لو علموا الباطن حقائق الأمور وعلى وجهها لما بقي منهم كافر.

{أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [(37) سورة الطور] عندهم الخزائن بحيث يتصرفون فيها، فيعطون من شاء ويمنعون من شاء، هل هذا بأيديهم؟ لا، الذي بيده المال هو مجرد قاسم والله هو المعطي، بدليل أنه يدخل عليه الشخص ويشرح له ظرفه فيعطيه، ثم يدخل الآخر وهو أولى منه بالعطاء وظرفه أشد والمقتضي أعظم فلا يعطيه، من الذي أعطى الأول ومنع الثاني؟ هو الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور]. {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [(38) سورة الطور] لهم سلم يصعدون فيه إلى السماء ليسترقوا السمع، ويأخذوا الوحي قبل نزوله على محمد -عليه الصلاة والسلام-، {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} يأتون بمثل هذا القرآن الذي استمعوه وصعدوا إليه يأتوا بحجة بينة من جنس هذا القرآن الذي ينزل به جبريل، من لدن الله -جل وعلا- على نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام-.

{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [(39) سورة الطور] أم له -جل وعلا- الجنس الأضعف ولكم الجنس الأقوى، البنات في الغالب هن الأضعف، والبنون هم الأقوى، وإذا كان الأمر كذلك فلتتصدوا له إذا كان معكم القوة، وناصره ضعيف تصدوا له {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} [(39 - 40) سورة الطور] هل تسألهم من جراء دعوتك إياهم، هل تسألهم أجرة إذا دعوت أحداً قلت: هات، تفرض عليهم أجرة فيستثقلونها ولو قلت؟ ولا شك أن ما كان من هذا النوع ثقيل، يعني لو تذهب إلى بلد فقير ثم تدعوهم وعندهم مخالفات، تدعوهم الاستجابة قليلة، وإن طلبت منهم مالاً وهم في مقابل دعوتهم فالاستجابة أقل، لكن إن بذلت لهم المال فالاستجابة أكثر؛ لأنهم منشغلون بعيشهم، فإذا كفيتهم المؤنة استجابوا لك، وإذا دعوتهم وبينت لهم، ووضحت لهم ما ينفعهم وما يضرهم في دينهم ودنياهم استجاب من كتب الله له الهداية، وأعرض من كتبت عليه الشقاوة، وإذا طلبت منهم مالاً في جراء هذا الدعوة الاستجابة نادرة وقليلة جداً {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}، تجد ما يطلب لله -جل وعلا- ثقيل، يعني من الصعب جداً على كثير من الأغنياء والأثرياء إلا من الله عليه، أن تطلب منه الزكاة نسبة اثنين ونصف بالمائة، لكن السعي تجده يبذله، والنفس منشرحة منقادة، اثنين ونصف بالمائة ولو طلبت أكثر من ذلك لبذل، ثم إذا حاز هذا المال قلت له: اثنان ونصف بالمائة زكاة تأخر تردد {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}.

{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [(41) سورة الطور] الغيب الذي لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-، هل عندهم منه شيء كما يقول المفسر -رحمه الله- {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ}؟ يعني علم الغيب، علم الشيء المغيب {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ذلك حتى يمكنهم من منازعة النبي -عليه الصلاة والسلام- في البعث وأمور الآخرة التي يخبر عنها من المغيبات، يعني أخبر مثلاً عن الدجال، فهل أخبروا عن شخص أخر يأتي في زمن الدجال، أو قبله، أو بعده من المغيبات؟ لا يستطيعون، لا يستطيع عما وراء هذا الجدار، ليس عندهم شيء من علم الغيب إلا باستعانتهم بعد شركهم بالله -جل وعلا- فيمن يعينهم من الجن والشياطين، قد يعرفون ما وراء هذا الجدار، أو ما في البلد الفلاني بواسطة الشياطين التي تعينهم، لكن بذواتهم لا يستطيعون، الشياطين والجن لا يعلمون الغيب، لكن في مقدورهم حيث جعل الله تعالى فيهم هذه القدرة أنهم يتنقلون من بلد إلى بلد، من مكان إلى آخر بسرعة هائلة فيأتون بمثل هذه الأخبار، وإلا فلا يعلم الغيب الإ الله -جل وعلا-. {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} [(42) سورة الطور] مكراً بك ليهلكوك كما تواطؤ على قتله من جمع منهم من قبائل متعددة ليتفرق دمه في القبائل، لكنهم لم يستطيعوا؛ لأن الله حافظهم وناصرهم. {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} المغلبون المهلكون فحفظه الله منهم، ثم أهلكهم ببدر وبغيرها، الذي مات ببدر، والذي مات على فراشه، وأسباب الموت متنوعة فهلكوا، وقد تربصوا بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وانتظروا وفاته وهلاكه، وخططوا لذلك من مشركي العرب، ومن اليهود أيضاً، لكنهم لم يستطيعوا ذلك؛ لأن الله -جل وعلا- تولى حفظه.

{أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [(43) سورة الطور] {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} يعبد بحق، هم يعبدون غير الله -جل وعلا- هذا واقعهم، لهم آلهة، ولهم أصنام يعبدونها من دون الله، يدعون لها الربوبية ويصرفون لها حقوق الألوهية ويعبدونها، لكنها ليست بحق؛ لأنها لا تسمع، ولا تنطق، ولا تنفع، ولا تضر فكيف يصرف لها شيء من العبادة، وتترك عبادة الخالق الرازق النافع الضار المحيي المميت؟ لا شك أن هذا سفه، وقال عمرو بن العاص: لما سئل أين عقولكم حينما كنتم تعبدون التمرة، ثم إذا جعتم أكلتموها؟ فقال: قضى عليها باريها، أو أخذها باريها، العقل بمفرده لا يدرك، نعم الناس مفطورون على الفطرة، لكن إذا اجتالتهم الشياطين ضاعوا، إذا انحرفوا عن الفطرة، ولم يأتمروا بأمر سمعي، ولم يقتدوا بشرع فإن عقولهم لا تدلهم بل يبقون في الحيرة والضلال، وإذا كان ممن يدعي العلم، وممن ينتسب إلى الدين ظهرت عليه الحيرة مع أنهم من الأذكياء الكبار، وأعطوا ذكاء عظيماً، ولكن لم يعطوا ذكاء انحرفت بهم عقولهم، وتاهوا في الضلالات، والبدع، والخرافات، فجاءوا بأفعال لا يقرها عقل ولا نقل؛ لأن العقل إذا لم ينقد لزمام الشرع فإنه يضل صاحبه، الاسترسال مع العقل من غير نظر في نص، لا شك أنه متاهة ومضلة ومزلة قدم، ولذا كبار من أهل العلم أذكياء يقولون كلاماً ما يقوله ولا المجانين، يعني ما تصور أن مجنوناً يقول: سبحان ربي الأسفل، وقالها من قالها ولا يتصور أن أبله يقول: إن الأعمى في الصين يرى بقة الأندلس، يعني من أقصى المشرق إلى المغرب وهو أعمى لا يبصر يده، كل هذا بسبب البعد عن النصوص واستعمال الأقييسة والعقول في الغيبيات دون تقيد بنص، فعلى طالب العلم أن لا يتصرف إلا عن أثر أستمسك به؛ لئلا يضل كما ضلوا، ومع ذلك يكون ديدنه الهج بسؤال الله -جل وعلا- الثبات على دينه، {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} نعم يعبدون آلهة، لكنها إنما تعبد زوراً وبهتاناً وإن سموها آلهة فليست بآلهة، لا إله إلا الله لا إله غيره ولا رب سواه، فهو الذي خلق الخلق، وهو الذي أوجدهم، وهو الذي رزقهم، وهو الذي رباهم بنعمه، وهو المستحق

للعباد وحده لا شريك له {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} نعم هم أشركوا، زعموا أن معه آلهة، وأشركوا هذه الآلهة بالله -جل وعلا- صرفوا لها أنواع من العبادة، لكنهم لله -جل وعلا- يعرفون في أوقات الأزمات من يلتجئون إليه، آلهتهم يعرفون أنها لا تنفع ولا تضر في أوقات الأزمات {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [(65) سورة العنكبوت] ولذا يقول الإمام المجدد -رحمه الله تعالى- في القاعدة الرابعة: إن مشركي زماننا أعظم شركاً من الأولين؛ لأن شرك الأولين في الرخاء دون الشدة، يعني إذا أصابتهم الشدة والضراء رجعوا إلى الله -جل وعلا-، وإذا نجاهم من هذه الشدة رجعوا إلى معبوداتهم، ومشركوا زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة، في الرخاء والشدة، تجد الإنسان في أضيق الظروف وأحلكها، في أوقات يغلب فيها الهلاك، ويرى الناس يهلكون بين يديه، ويوطأ، ويداس ويقول: يا على، يا حسين، يا بدوي، يا جيلاني، يا فلان، يا فلان، شركهم دائم في الرخاء والشدة- نسأل الله السلامة والعافية-.

{سُبْحَانَ اللَّهِ} تنزيل لله -جل وعلا- عما لا يليق به، ومن أعظم ذلك الشرك عما يشركون به من الآلهة، والشرك نقيض الأمن، والتوحيد هو السبب الحقيقي للحفاظ على الأمن {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام] {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور] فالأمن مقرون بالتوحيد، وذهاب الأمن مقرون بالشرك، من أراد المحافظة على الأمن فليحرص على التوحيد، ويحمي جناب التوحيد، ويوصد جميع الأبواب الموصلة إلى ضده، هذا هو الأمن الحقيقي الموعود به في أصدق الكلام -في كلام الله -جل وعلا-، "والاستفهام بأم في مواضعها يعني -الخمسة عشر المذكورة-، يقول: للتقبيح والتوبيخ"؛ لأن كل هذه التي أستفهم عنها يذعنون لها، لا يستطيعون أن يقولون نعم نستطيع ذلك، نحن خلقنا أنفسنا، أو وجدنا من غير خالق، نحن خلقنا السموات والأرض لا يستطيعون أن يجيبوا بنعم، كل هذا توبيخ وتقبيح يعني لم يسأل الإنسان عن شيء يتفق الطرفان على أنه ليس بمقدوره، يعني لما يقال لإنسان عادي قدرته في الخمسين من الكيلوات، يحمل خمسين كيلو صخرة مرفوعة، أو في جبل زنته خمسمائة كيلو إذا أراد أن يوبخ صاحبه أو يقرعه أو ليظهر له ضعفه أنت الذي رفعت هذا الحجر، كلهم يعرفون أنه ليس هو الذي رفع هذا الحجر، وهذه الصخرة، "للتقبيح"؛ لأن هذه الأمور القبيحة التي وقعوا فيها يستحقون عليها التقريع والتوبيخ والتقبيح.

{وَإِن يَرَوْا كِسْفًا} {سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} [(44) سورة الطور] بعضاً"، قطعه {مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا} عليهم"، ساقط عليهم ما يقولون هذا عذاب، ماذا يقولون: سحاب مرقوم متراكم، سحاب أمطار نروى بها وتروي بها أرضنا، ونعيش بسببها، {وَإِن يَرَوْا كِسْفًا} يعني قطعة بعضاً {مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا} عليهم كما قالوا: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء} [(187) سورة الشعراء] هذا ما أورده المفسر هنا، والآية نزلت في قوم شعيب، وقراءة التسكين {كِسْفًا} يعني قطعة بعض، والكسف جمع يعني قطع، يعني المفسر أورد الآية {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء} وهذه في قوم شعيب، ما قالت قريش: فأسقط علينا، إنما الآية المناسبة هي ما جاء في سورة الإسراء، {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [(92) سورة الإسراء] يعني قطعاً هذا الذي طلبوه، وهي المناسبة للسياق "أي تعذيباً لهم، {يَقُولُوا} هذا {سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} متراكم نروى به ولا يؤمنون" كما قالت عاد لما جاءتهم الريح {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} [(24) سورة الأحقاف] فهل هو عارض مثل ما قال هؤلاء، مثل ما يقول هؤلاء؟ فجاءتهم الريح العقيم التي تدمر كل شيء.

ولا يؤمنون، متراكم نروى به ولا يؤمنون"؛ لأن من كتب الله عليه الشقاوة لا يؤمن، ومن كتب عليه الضلال لا يهتدي، ومن مسخ قلبه لا يرعوي، يعني ذكر ابن القيم -رحمه الله- في "إغاثة اللهفان" في آخر الزمان يمضي الاثنان إلى المعصية فيمسخ أحدهم خنزيراً، فماذا عن الثاني، هل يقول: الحمد على السلامة، ويتوب، وينيب إلى الله -جل وعلا- ويرجع إليه-؟ يمضي في معصيته، نسأل الله العافية والسلامة، يا إخوان، مسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان، كثير من الناس يقول: إنه يفعل المعاصي، وفلان يفعل المعاصي ولا عوقب، قد يكون معاقب بأعظم العقوبات في قلبه {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ} [(126) سورة التوبة]، الإنسان يفتن ويعاقب في قلبه، فتجد الإنسان قلبه ممسوخ وظاهره الاستقامة وهو لا يدري، وما كثير من التصرفات التي ترى من بعض المسلمين، إلا لأنهم مسخت قلوبهم، تجد بعض الناس يفعل شيئاً لو كان في عقله ورشده ما فعلها، ومع ذلك هو معاقب في قلبه وهو لا يشعر، والعقوبة في القلب أعظم وأشد من عقوبة البدن. {فَذَرْهُمْ} [(45) سورة الطور] أتركهم {حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} يموتون"، حتى يأتي اليوم الموعود الذي يطلعون فيه على حقائق الأمور، ثم يطلبون الرجعى والعتبى، ومع ذلك لات ساعات مندم إذا ندموا لا يمكن أن يرجعوا، ومع ذلك لو مكنوا من الرجوع لعادوا {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [(28) سورة الأنعام]. {يَوْمَ لَا يُغْنِي} [(46) سورة الطور] يقول: "بدل من يومهم" {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ}، {يَوْمَ لَا يُغْنِي} فهي بدل من يومهم". {عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ}، {كَيْدُهُمْ} الذي كادوه لك لا يغني عنهم، يعني اجتمعوا، تقوا بعضهم ببعض وأرادوا أن يكيدوك ليهليكوك، هذا كيدهم لا ينفعهم ولا يغني عنهم شيئاً.

{وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ} يمنعون من العذاب في الآخرة"، يعني لا يوجد من ينتصر لهم، يعني له يستطيع الأب إذا ألقي ولده في النار -فلذت كبده- يستطيع أن ينقذه وينصره؟ لا يستطيع نصر نفسه، فضلاً عن أن ينصر غيره. {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} [(47) سورة الطور] بكفرهم"، والظلم يطلق ويراد به أعظمه وهو الشرك {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان]، يطلق على ما دون ذلك من المعاصي والكبائر والجرائم والصغائر كلها ظلم من الإنسان لنفسه، ويدخل في ذلك أيضاً دخولاًٍ أولياً ظلم الإنسان لغيره، وهنا يقول: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} يعني بكفرهم {عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} أي في الدنيا قبل موتهم" يعذبون، ولو ظهرت عليهم آثار النعيم هم في عذاب، ويعذبون كما عذبت قريش "بالجوع والقجط سبع سنين، وبالقتل يوم بدر" و {دُونَ ذَلِكَ} يعني دون العذاب الأكبر {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [(21) سورة السجدة]، وهذا يشمل ما كان في الحياة، وما كان بعد الممات في القبر -في البرزخ-، {دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} الذي هو عذاب جنهم، نسأل الله السلام والعافية، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أن العذاب ينزل بهم" يعني لا يصدقون بهذا، لا يصدقون بأن هناك بعث، وأن هناك جزاء، وأن هناك جنة ونار، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أن العذاب ينزل بهم".

{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [(48) سورة الطور] بإمهالهم، ولا يضق صدرك"، يعني كثير من المسلمين إذا رأى ما عليه المسلمون من ذلة وفقر في بعض البلاد، وشدة وحروب وقتل في بلاد المسلمين، وبلاد الكفار أشبه ما تكون بالجنات بالبساتين يضيق صدره، لكن الذي يوقن ويؤمن بوعد الله -جل وعلا- وما أعده لمن آمن به، وما أعده من كفر به الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، ويعرف أن ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر))، فإذا عرف حقيقة الدنيا وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك لما سقى منها كافر شربة ماء، لكن من يدرك مثل هذا إنسان يمدون أعينهم إلى ما متع به الكفار، تراهم إذا رأوا الكافر في رغد من العيش، وفي سعة، وفي رفاهية يضيق صدره يقول: نحن المسلمون المؤمنون المطيعون الممتثلون على هذه الحالة والكفار يوسع عليهم، وصار ذلك سبب فتنة لبعض المسلمين، حتى زعم من زعم أن الدين هو الذي غل أهله، وقيدهم عن لحاق الكفار في مظاهر الدنيا، وألف في ذلك كتاباً أسماه: "هذه هي الأغلال" سمى الدين غل، وبعضهم ينبز الدين بأنهم أفيون الشعوب يعني -مخدر-، مع أنه هو دين الذي يجمع بين الدنيا والآخرة، لكن الهدف الأعظم والأسمى هو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وأما بالنسبة للدنيا فهي لمجرد الاستعانة بها لتحقيق هذا الهدف، فإذا نظر الإنسان إلى هذه الدنيا بعين البصيرة ما التفت إليه، واطمأنت نفسه وارتاح قلبه، ولا يأسف على ما فات، ولا يحزن على ما مضى، فليحرص على مستقبله الحقيقي الدار الحقيقية -دار الآخرة-، وأما هذه الدنيا فليست بشيء، يقال: أن نوح -عليه السلام- سأل لما حضرته الوفاة، قيل ما مثل هذه الدنيا؟ قال: كمثل بيت دخلت من باب وخرجت من باب، ونوح عاش كم؟ ألف سنة إلا خمسين عاماً في الدعوة، والله أعلم كم كان قبل ذلك؟ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أن العذاب ينزل بهم".

{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} بإمهالهم ولا يضق صدرك، {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أي بمرأى منا نراك ونحفظك، بمرأى منا نراك ونحفظك" كما في قوله -جل وعلا-: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [(39) سورة طه] يعني بمرأى مني، وفيه إثبات العين لله -جل وعلا- والبصر كما يليق بجلاله وعظمته، من لازم هذه المرأى الحفظ والعناية. {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} سبح متلبساً {بِحَمْدِ رَبِّكَ}، يعني تسبيحاً ممزوجاً بحمد، وكثيراً ما يقرن بين التسبيح والحمد "سبحان الله وبحمده"، ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)) {وَسَبِّحْ} تسبيحاً، نزه ربك تنزيها ممزوجاً بحمده وشكره والاعتراف بنعمه، أي قل: سبحان الله وبحمده، مثلما قلنا من قالها في اليوم مائة مرة حطت عنه خطاياه، وأما في الركوع والسجود فتقول: " سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى"، وزيادة وبحمده هذه لفظة منكرة لا تثبت في سنن أبي داوود، أنكرها أبي داوود وحكم عليها بأنها غير محفوظة، وكذلك الإمام أحمد -رحمه الله-. {وَسَبِّحْ} متلبساً {بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي قل: سبحان الله وبحمده، {حِينَ تَقُومُ} من منامك أو من مجلسك"، يعني إذا قمت من نومك تبادر بالذكر بذكر الله -جل وعلا- على ذلك التسبيح والتحميد والاعتراف لله -جل وعلا- بالأولهية، ولنبيه بالرسالة، المقصود أنك تكثر من الذكر لا سيما المنصوص عليه، الوارد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- "من منامك أو من مجلسك"، وفي هذا إشارة إلى كفارة المجلس ((من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه، فليقل: سبحان اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك)) هذه كفارة لما يحصل في المجلس إن حصل فيه ما يقتضي التكفير، وإن لم يحصل فيه فزيادة رفعة درجات وكسب للحسنات.

{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} منهم من يقول: هذا أمر بالتسبيح حين القيام للصلاة بالاستفتاح ((سبحانك اللهم وبحم، د وتبارك اسمك وتعالى جدك))، وهذا الاستفتاح خطب به عمر -رضي الله عنه- على المنبر كما في صحيح مسلم وهو المرجح عند الإمام أحمد، وإن كان من حيث الثبوت مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- حديث أبي هريرة: ((اللهم باعد بيني وبين خطايا)) هذا أثبت منه في الصحيحين مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، {حِينَ تَقُومُ} من منامك أو من مجلسك" أو إلى الصلاة أو إلى أي شيء يحتمله اللفظ. {حِينَ تَقُومُ} حين تقوم حذف المتعلق لإرادة التعميم، يعني وأنت جالس قمت وقفت تقول: سبحان الله وبحمده امتثالاً لهذه الآية، واللفظ يشمل فهو أعم من القيام، من النوم، أو من مجلس، أو إلى الصلاة، أو إلى غيره، كل ما يحتمله اللفظ يستحب فيه التسبيح الممزوج بالحمد. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [(49) سورة الطور] حقيقة أيضاً" أكثر من التسبيح والتنزيه والتحميد لله -جل وعلا- في آناء الليل وأطراف النهار، وعلى هذا المسلم أن يحرص على الأذكار، والذكر فيه فوائد عظيمة ذكر ابن القيم في مقدمة "الوابل الصيب" ما يناهز المائة منها، فوائد عظيمة عظيمة لو لم يكن منها إلا واحدة لكفت، والذكر لا يكلف شيئاً يعني مجرد اللسان لا تحتاج أن تتوضأ لتذكر الله، لا تحتاج إلى أن تشعل المصابيح لتذكر الله، تذكر الله على كل حال {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(190 - 191) سورة آل عمران]، فالذكر من أعظم ما يحي الألباب التي هي القلوب، لكن ينبغي أن يكون الذكر مما يتواطأ فيه القلب مع اللسان، أما إذا كان بمجرد اللسان فهذا تترتب عليه الحسنات والأجور والحفظ الذي رتب عليه من قال كذا فله كذا، يصح عنه أنه قال فيثبت له الأجر إن شاء الله تعالى، وأما ما ينفع القلب من هذا الذكر فإنه لا يترتب إلا مع استحضاره بقلبه.

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} حقيقة بلسانك، أو بصلاتك والصلاة تسمى سبحة، كما هو معروف النافلة تسمى سبحة، {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} مصدر، أي عقب غروبها سبحه أيضاً، أي عقب غروب النجوم سبحه أيضاً، أو صلّ في الأول العشاءين"، يقول: أو صلِّ في الأول من الليل فسبحه العشاءين، ومنهم من يقول: إن هذا على حث على كثرة الصلاة بين العشاءين، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} يعني بين العشاءين، وهنا يقول: صلِّ في الأول {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} العشاءين المغرب والعشاء، وفي الثاني: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} الفجر، وقيل: في فرق بين الفجر والصبح، وفي الثاني الفجر وقيل: الصبح"، كل النسخ هكذا، أيهما عندك، ويش معك طالب. . . . . . . . . الآن نريد نص الكتاب، لا لا ما نريد الحاشية، الآن ركعتي الفجر في الأول أو في الثاني، قالوا: وفي الثاني الفجر، وقيل: الصبح هكذا عندكم، نعم الثاني الفجر في مقابل العشاءين، يعني أمر بأداء الفرائض {فَسَبِّحْهُ} المغرب والعشاء صلي المغرب والعشاء، {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} صلاة الصبح هذه كلها فرائض، ومن يقول: إن المراد فسبحه صلي بين العشاءين، يقول: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} صلي ركعتي الصبح وهما خير من الدنيا وما فيها، خير من الدنيا وما فيها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يترك ركعتي الصبح -راتبة الصبح- لا سفراً ولا حضراً، وجاء التأكيد في شأنها، ونقف على هذا. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة النجم (1)

تفسير الجلالين - سورة النجم (1) من آية: (1 - 13) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير ثم قال بعد ذلك -رحمه الله تعالى-: "سورة النجم" في بعض النسخ: "والنجم"، كما في بعض النسخ: "والطور، والذاريات"، "مكية، ثنتان وستون آية" وفي العد الآخر مع اعتبار البسملة: ثلاث وستون آية. بسم الله الرحمن الرحيم {وَالنَّجْمِ} [(1) سورة النجم] النجم اختلف فيه، و (أل) هذه هل هي للجنس فيراد بالنجم جميع النجوم و (أل) هذه جنسية أو للعهد فيراد به النجم المعهود عند الإطلاق وهو الثريا؟ النجم إذا أطلق ينصرف إلى النجم المعهود وهو الثريا، ولذا فسره بما عهد وعرف، {وَالنَّجْمِ} [(1) سورة النجم] "الثريا" ومنهم من يقول: (أل) هذه جنسية؛ لأنه لا يوجد ما يخصص الثريا، وليست لها مزية على غيرها، نعم الثريا علق بها أحكام، منها أحكام بيع التمر، حتى يغيب النجم الذي هو الثريا بحيث يأمن العاهة غالباً؛ لأنه ما دام النجم طالع، فإنه حينئذٍ لا يأمن العاهة، يعني حتى ينضج، {وَالنَّجْمِ} [(1) سورة النجم] قال: "الثريا" والقول الآخر: المراد به الجنس، جنس النجم المراد به جميع النجوم. ومنهم من يقول: إن المراد بالنجم القرآن؛ لأنه نزل منجماً في بضع أو في ثلاث وعشرين سنة، فنزل منجماً، وعلى كل حال المتبادر إلى الذهن المراد به النجم المعروف، الذي هو زينة للسماء، ورجوم للشياطين، وعلامات يستدل بها المسافر. {إِذَا هَوَى} [(1) سورة النجم] إذا "غاب" إذا هوى: إذا غاب، ومنهم من يقول -من المفسرين-: إذا هوى: إذا نزل من السماء لرجم الشيطان المسترق للسمع. {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} [(2) سورة النجم] هذا جواب القسم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [(1) سورة النجم] وهذا الإقسام من الله -جل وعلا- بالنجم كغيره من المخلوقات التي لله -جل وعلا- أن يقسم بها دون خلقه، الخلق لا يجوز لهم أن يقسموا بغير الله -جل وعلا- كما تقدم في الطور.

جواب القسم "والنجم": {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} [(2) سورة النجم] "محمد -عليه الصلاة والسلام- عن طريق الهداية"، {وَمَا غَوَى} [(2) سورة النجم] "ما لابس الغي، وهو جهل من اعتقاد فاسد" {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} [(2) سورة النجم] والمراد به: "محمد -عليه الصلاة والسلام- عن طريق الهداية"، {وَمَا غَوَى} [(2) سورة النجم] "ما لابس الغي، وهو جهل من اعتقاد فاسد"، ضل عن الصراط المستقيم، ضل عن طريق الهادية {وَمَا غَوَى} [(2) سورة النجم] بارتكاب عمل أو اعتقاد فاسد، ما ضل نفي يستدل به من يقول: إنه كان معصوماً قبل البعثة، أنه ما ضل مطلقاً، ويستدل بقول الله -جل وعلا-: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [(7) سورة الضحى] أنه قبل البعثة غير معصوم، والمسألة خلافية بين أهل العلم، أما العصمة بعد البعثة هذه محل اتفاق.

{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} [(2) سورة النجم] صاحبكم: الخطاب للمسلمين وإلا للكفار؟ صاحبكم: المخاطب الجميع، يعني كل من يتأتى منه أو يصلح الخطاب له يدخل في هذا، والصحبة بالنسبة للمسلمين واضحة، لكن بالنسبة للكفار الصحبة تطلق لأدنى مناسبة، تطلق لأدنى مناسبة، يعني لو جلس مجموعة متفرقون أوزاع من الناس وواحد منهم متكئ على عمود فقال الأب لولده: ادع لي .. -خرجوا من المسجد- فقال: ادع لي صاحب العمود، أسلوب صحيح، الصحبة تطلق لأدنى مناسبة، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قالت له عائشة: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام في مقامك لا يكاد يسمع القرآن، قال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) كررت عليه فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إنكن صواحب يوسف)) يعني في إبداء خلاف ما في الباطن، عائشة -رضي الله عنها- لما قالت هذا الكلام مرادها ألا يتشاءم الناس بأبيها، ألا يتشاءم الناس بأبيها؛ لأن الذي يأتي بعد أفضل الناس لا بد أن يلحظ الفرق، وإذا لحظ الفرق حصل التنقص، حصل التنقص، فالذي يأتي بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن الناس تتخذ منه في النفس، يعني منها موقف، وهذا ملحوظ، يعني لو أن شخصاً تولى عمل فأبدع فيه، أبدع فيه إبداع لا مزيد عليه، ثم بعد ذلك حصل له ما حصل من موت أو عزل أو شبهه، ثم عين مكانه بدله ممن هو أقل منه تجد الناس لا يرتاحون، وينظرون إلى هذا الشخص وإن كان أقرب إلى الكمال من غيره، يعني أولى الناس بهذا المنصب هو، لكنه بعد الأول تجد الناس ما يرتاحون؛ لأن أمور الدنيا كلها نسبية، كلها نسبية، يعني لو أن مدرسة فيها عشرون مدرساً، وكلهم متميزون، واحد منهم أقل مرتبة، تجد جميع المدرسة من طلاب وغيرهم يزدرون هذا المدرس، وإن كان بالنسبة لغيره من المدرسين في المدارس الأخرى يمكن يكون متميز، يمكن يكون متميز، فالنظرات نظرات البشر نسبية، فعائشة أرادت ألا يتشاءم الناس بأبيها، يقف بعد الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن النفوس تتخذ منه موقف، وإن كان هذا أمر لا بد منه، يعني أمر شرعي، ولذا يقول القائل: "لقد أتعبت من بعدك يا عمر" إما أن يتعب تعباً شديداً وإلا فلن يصل إلى ما وصلت إليه، فإذا لم يصل إلى ما وصلت إليه

فإن الناس لا بد أن يتخذوا منه موقف. {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} [(2) سورة النجم] "محمد -عليه الصلاة والسلام- عن طريق الهداية"، {وَمَا غَوَى} [(2) سورة النجم] "ما لابس الغي .. " ما فعل ما يحكم له من أجله بالغواية "وهو جهل من اعتقاد فاسد" ما غوى قبل النبوة، فضلاً عما بعدها. {وَمَا يَنطِقُ} [(3) سورة النجم] "بما يأتيكم به" {عَنِ الْهَوَى} [(3) سورة النجم] "هوى نفسه"، {وَمَا يَنطِقُ} [(3) سورة النجم] "بما يأتيكم به" من الوحي سواءً كان الوحي المتلو الذي هو القرآن أو السنة، ما يأتيكم به عن الهوى هوى نفسه؛ لأن هواه تبع لما يرضي الله -جل وعلا-، فهو إنما ينطق بما يأتيه عن الله -جل وعلا-.

{إِنْ هُوَ} [(4) سورة النجم] يعني "ما" هو (إن) هذه نافية، (إلا) بدليل الاستثناء بعدها، {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [(159) سورة النساء] إن هذه نافية، بدليل الاستثناء، يعني ما هو {إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} "إليه" يعني لو نظرنا في أحاديثه -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما الأعمال بالنيات)) نقول: هذه وحي؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ومن الوحي ما هو متعبد بلفظه وبتلاوته، ولا يجوز تغييره عن لفظه، ومنه ما يجوز روايته ونقله بمعناه والأمر فيه أوسع وهو السنة، ويستدل بهذه الآية من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجتهد، لا يجتهد، إن جميع أحكامه توقيفية، فكثيراً ما يسأل عن الشيء ثم يسكت، لماذا؟ ينتظر الوحي، ينتظر الوحي، فليس له أن يجتهد؛ لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وكثير من أهل العلم يرون أنه يجتهد، واجتهد واجتهاده المقر من قبل الله -جل وعلا- وحي؛ لأن الشيء يكتسب الشرعية بالإقرار، يعني إذا نظرنا إلى حديث: بدأ الأذان، حديث عبد الله بن زيد رؤيا: "طاف بي وأنا نائم رجل بيده ناقوس، قلت له: أتبيع الناقوس؟ قال: ماذا تريد به؟ قال: لنعلن به في الصلاة، قال: ألا أدلك على خير منه، قال: تقول: الله أكبر، الله أكبر .. " إلى آخره، الرؤيا معروف في الشرع أنها لا يثبت بها حكم شرعي، اكتسبت الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، فصارت هذه الرؤيا من الشرع بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، صارت من السنة؛ لأن من السنة الإقرار، والحديث ما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله أو فعل أو تقرير، فإذا أقر الله -جل وعلا- اجتهاد نبيه -عليه الصلاة والسلام- صار وحي بالإقرار، أما إذا عوتب في اجتهاده فإنه حينئذٍ لا يكتسب الشرعية؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يفعل خلاف الأولى، كما صنع في قصة أسرى بدر، عوتب على ذلك، وافقه أبا بكر وخالفهما عمر، فعوتب النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك، هذا يدل على أنه يجتهد؛ لأنه لو كان لا يجتهد -عليه الصلاة والسلام- لما اجتهد في هذه المسألة، ولو كانت وحي لما عوتب

عليها، إذاً له أن يجتهد، والمسألة خلافية بين أهل العلم. {وَمَا يَنطِقُ} [(3) سورة النجم] "بما يأتيكم به" {عَنِ الْهَوَى} [(3) سورة النجم] "هوى نفسه" وقد يقول قائل: إن هذه الآية لا تمنع الاجتهاد إنما تمنع ما يتكلم به وما يحكم به من تلقاء نفسه مما هو تبعاً لهواه، إنما النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يحكم بالهوى، وإذا عرفنا أنه معصوم من ذلك قلنا: إن جميع ما يحكم به هو من عند الله -جل وعلا-، سواءً كان بالوحي المنطوق الذي هو القرآن، أو الذي يوحى به إليه من غير القرآن. {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [(5) سورة النجم] علمه إياه شديد القوى، من الذي علم النبي -عليه الصلاة والسلام- القرآن؟ شديد القوى، علمه إياه ملك شديد القوى وهو جبريل -عليه السلام-، من الذي علمه جبريل؟ الله -جل وعلا-، الله -جل وعلا- تكلم به لجبريل، وجبريل نقله إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، علمه إياه ملك شديد القوى، وجبريل -عليه السلام- في جناح واحد رفع قرى قوم لوط إلى قريب من السماء حتى سمع الملائكة صياح ديكتهم. يقول: بعضهم يستدل على جواز سماع الجرس بحديث عائشة في الوحي: ((يأتيه مثل صلصلة الجرس))؟

أورد العلماء هذا الإشكال، وقالوا: إن الوحي محمود والجرس مذموم فكيف يشبه المحمود بالمذموم؟ وأجابوا عن ذلك: بأن الجرس له أكثر من جهة، ولا يلزم مطابقة المشبه للمشبه به من كل وجه، الجرس له صوت متدارك متتابع، وله طنين مطرب، فمن حيث تتابعه وتداركه يشبه به الوحي، ومن حيث طنينه وإطرابه يمنع، والتشبيه لا يقتضي من كل وجه كما في أول زمرة تدخل الجنة على صورة البدر، صورة القمر ليلة البدر هل هذا التشبيه مطابق؟ البدر له عينان وله فم وله أنف وله .. ؟ لا، ليس له شيء، فالتشبيه من وجه دون وجه، ومثل هذا قلنا في تشبيه السجود على اليدين ببروك البعير، يعني أنه مشبه له من وجه دون وجه، فهو من حيث النزول بقوة بحيث يثير الغبار، ويفرق الحصا يشبه بروك البعير، وأما مجرد تقديم اليدين ليس فيه شبه من وجه آخر من الوجه المحذور؛ لأن المحذور في الصلاة أن ينزل الإنسان بقوة، يعني لو نزل على ركبتيه بقوة؛ لأن بعض الناس ينزل على ركبتيه، يقول: أنا متبع، ولا أبرك بروك البعير، أنا أنزل على ركبتي، فتجد بعض الناس يتخلخل البلاط من ركبتيه، نقول: أنت نزلت نزول الحمار، أشد من البعير؛ لأن المحظور في المسألة النزول بقوة، الصلاة بطمأنينة ورفق، فمجرد وضع اليدين على الأرض هذا ليس هو بروك البعير، كما أن وضع الركبتين مجرد وضع على الأرض ليس بروك الحمار، وفي الحديث الصحيح في البخاري وغيره: "فبرك عمر بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- على ركبتيه" هل نقول: إن البروك هذا بروك بعير؟ نعم مشبه لبروك البعير لأنه نزل بقوة، لكن هذا ليس في الصلاة؛ لشدة الأمر الذي يريد أن يعرضه على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا شك أنه التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه.

{عَلَّمَهُ} [(5) سورة النجم] إياه ملك {شَدِيدُ الْقُوَى}، {ذُو مِرَّةٍ} [(6) سورة النجم] ذو مرة: "قوة وشدة" وهذا من باب التأكيد، شديد القوى ذو مرة أي: "قوة وشدة"، والوصف قد يتعدد باعتبار تعدد اللفظ، وإن كان المعنى واحد، ويؤتى به حينئذٍ للتأكيد، والصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي، يعني قوة وشدة يستطيع أن يكتسب سوي ليس فيه عاهة تمنعه من التكسب، قوة وشدة ومن المفسرين من يقول: إن معنى المرة هنا الطول والجمال وحسن الهيئة، ولا تنافي بين هذا وهذا، قال: "أو منظر حسن والمراد جبريل -عليه السلام-"، علمه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد تلقاه عن الله -جل وعلا-، {فَاسْتَوَى} [(6) سورة النجم] "استقر"، {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} [(7) سورة النجم] " أفق الشمس عند مطلعها على صورته التي خلق عليها، فرآه النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان بحراء قد سد الأفق إلى المغرب، فخر مغشياً عليه، وكان قد سأله أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها، فوعده بحراء، فنزل جبريل له في صورة الآدميين". جبريل: خلق عظيم من خلق الله -جل وعلا-، شديد القوى له ستمائة جناح، الواحد منها يسد الأفق، وبجناح منها رفع قرى قوم لوط، طلب منه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يراه على خلقته، فاتفق معه على أن يخرج إلى حراء، ولذا يقول: {فَاسْتَوَى} [(6) سورة النجم] أي "استقر"، {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} [(7) سورة النجم] "أفق الشمس" استوى جبريل، وهو أي جبريل بالأفق الأعلى؛ لأن هناك تفسير يختاره الطبري لم يسبق إليه قال: "فاستوى جبريل وهو -يعني والنبي -عليه الصلاة والسلام- استويا في الأفق الأعلى"، لكنه لم يوافق على هذا التفسير، والعطف على ضمير الرفع المتصل لا يجوز عند أهل العربية، أورد له شواهد، لكنه لا يجوز إلا في ضرورة الشعر. وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد أما في النثر لا يجوز، وهذا مما يضعف قول ابن جرير -رحمه الله-.

{فَاسْتَوَى} [(6) سورة النجم] جبريل يعني: "استقر"، {وَهُوَ} [(7) سورة النجم] يعني: جبريل {بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} "أفق الشمس" أي عند مطلعها على صورته التي خلق عليها، ستمائة جناح، سد الأفق بين المشرق والمغرب، التي خلق عليها فرآه النبي -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: إنه لم يره أحد على هذه الصورة إلا النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه مرتين كما سيأتي، هذه التي طلبها قال: "فرآه النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان بحراء قد سد الأفق إلى المغرب فخر مغشياً عليه"، يعني أمر مهول، أمر عظيم، مغشي عليه، يعني أمر لا يمكن أن يثبت له مخلوق خلق بقدرته العادية، يعني الواحد من الناس لو يقابله فرس له ثلاثة رؤوس يمكن يغمى عليه، بعض الناس يمكن يغمى عليه، نعم لو يقابله وحش يمكن يغمى عليه، لو يقابله أدنى ما يقابله التركيب البشري ضعيف في الجملة، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رأى هذا الخلق العظيم يقول: "فخر مغشياً عليه"، ولعل هذا من تعظيم الخالق لا من تعظيم المخلوق، استحضار عظمة المخلوق إنما هي استحضار لعظمة الخالق، وهذا هو اللائق به -عليه الصلاة والسلام-، إن صح الخبر أنه خر مغشياً عليه، وإلا فالقرآن ينزل عليه وهو ثقيل، {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [(5) سورة المزمل] ومع ذلك يثبت له -عليه الصلاة والسلام-، مع أنه أعظم من يستشعر عظمة القرآن، يعني ثقل الوارد مع قوة المورود فيه تكافؤ لكن بعد ذلك .. ، يعني الصحابة على طريقته -عليه الصلاة والسلام- ما حصل لهم شيء لما سمعوا القرآن، جاء الجيل الذي بعدهم واستشعروا قوة الوارد من التابعين -رحمهم الله-، استشعروا قوة الوارد مع ضعف المورود، يعني النفوس بدأت تضعف، فصار يسمع أن فلاناً أغمي عليه، وفلان غشي عليه، وفلان صعق، وفلان مات، بعض الناس ينكر، يقول: لو كان هذا شيء فيه خير لكان أسبق الناس إليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما حصل له شيء من ذلك، يعني فيه تكافؤ بين قلبه -عليه الصلاة والسلام- وما فيه، وما ركب فيه من قوة مع قوة الوارد، فلا يحصل أيضاً صحابته فيهم هذه القوة، لكن من دونهم من يستشعر قوة الوارد {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ

لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا} [(21) سورة الحشر] الذي يستشعر هذا لا بد أن يحصل له شيء، مع ضعف المورود، يحصل هذا الغشي وهذا الإماء وهذا أمر معروف، يعني لا يكاد ينكر، يعني قيل لمحمد بن سيرين: إن بعض الناس يصعق ويغمى عليه إذا قرئ عليه القرآن، قال: اجعلوه فوق جدار إن سقط فهو صادق، يعني وإلا فهو تمثيل، لكن هذا كثير في التابعين، يعني ننظر إلى التدرج، قد يقول قائل: الواحد منا ونحن أضعف من التابعين بكثير ما يحصل لنا شيء، لماذا؟ لأننا لا نستحضر قوة الوارد، قلوب ما فيه، أقسى من الحجارة، ما نستشعر شيء مما نسمع، ولو كنا نستشعر عظمة الوارد ما صارت حالنا هذه، عمر يسمع الآية ثم يجلس عشرين يوم يعاد مريض، هل يحصل هذا لأحد من المخلوقين اليوم؟ ما يحصل، يعني المسألة تدريجية قوة وارد مع قوة مورود ما يحصل شيء تكافؤ، يحصل استشعار وعظمة ومبادرة لامتثال، وتأثر وبكاء، وله أزيز كأزيز المرجل، صدره -عليه الصلاة والسلام- وصحابته كذلك، ثم جاء بعدهم التابعون يستشعرون هذه القوة ويبكون، لكن القلب ضعف صار ما يتحمل، ما يتحمل، يعني مَن مِن الناس اليوم يصاب بمصيبة يحزن قلبه، وتذرف عينه الدمع، تدمع عينه، ومع ذلك لا يعترض على القدر بأي وجه من الوجوه، يعني لا يلتفت إلى هذا المصاب، يعني مضايق مضايق أنظار لا تستطيع التوفيق بينها، يعني إذا كنت صادق في فعلك، أما الكاذب الذي يمثل يستطيع أن يتلون بما شاء، يستطيع أن تدمع عينه وقلبه يضحك، أمر مفروغ منه.

الفضيل بن عياض -رحمه الله- لم يستطع أن يوفق، فلما مات ولده ضحك بين الناس ليبرهن ويأطر نفسه على تمام الرضا بالقدر، ومع ذلك لم يستطع أن يقف في هذا الموقف موقف النبوة، والناس لا شك أنهم يتفاوتون، وكثر في التابعين من يتأثر بالقرآن ويصعق، وزرارة بن أوفى سمع الإمام يقرأ فإذا نقر في الناقور خر مغشياً عليه ومات، وبعض الناس لا يدخل مزاجه مثل هذا الكلام، فتجده ينكره لأنه ما يجد في قلبه شيء، أدنى إحساس من هذا الأمر، شيخ الإسلام يثبت مثل هذا، وهو من أبعد الناس عن الخرافات، قد يقول قائل: إن هذا يكثر في العباد يكثر في كذا، لا يكثر في العلماء، نقول: المسألة مسألة توفيق، يعني من استشعر هذه العظمة لا بد أن يحصل منها، والعلماء هم أهل الخشية، هم أهل الخشية، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر]. "فنزل جبريل له في صورة الآدميين" {ثُمَّ دَنَا} [(8) سورة النجم] "قرب منه"، دنا جبريل عند أكثر المفسرين، {فَتَدَلَّى} "زاد في القرب" إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- {فَكَانَ} [(9) سورة النجم] "منه" فكان جبريل منه -عليه الصلاة والسلام- {قَابَ} قدر {قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} القوس معروف الذي ترمى به السهام، القوس الذي فيه الوتر، ومن خلاله ينطلق السهم إلى الرمية، "قاب" يعني: قدر قوسين، العرب تقيس بالقوس، تقيس بالرمح، إذا ارتفعت الشمس قد رمح، تقيس بالباع، وبالذراع، وبالشبر، وبالفتر، عندها أقيسة، هذه وإن كانت فيها شيء من التفاوت إلا أنها معمول بها عندهم، فشبر زيد ليس كشبر عمر، لكن هذا الشبر إنما يتفق عليه بعد الرؤية، ما يقول شخص غائب: أبيع عليك بشبري عشرة أشبار بكذا؛ لأنه ما يدرى كم شبره؟ لكن إذا نظرت إلى شبره وأنه كبير أو صغير إما توافق وإلا تخالف، المقصود أن هذه مقاييس عند العرب، {قَابَ قَوْسَيْنِ} [(9) سورة النجم] يعني: قدر قوسين {أَوْ أَدْنَى} "من ذلك حتى أفاق وسكن روعه".

في القصة الأولى التي رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- جبريل على صورته فخر مغشياً عليه، فنزل جبريل له في صورة الآدميين ليسكن روعه، ليسكن روعه؛ لأنه في صورته العادية، وكثيراً ما يأتي جبريل بصورة دحية الكلبي، {ثُمَّ دَنَا} [(8) سورة النجم] "قرب منه"، {فَتَدَلَّى} "زاد في القرب" {فَكَانَ} [(9) سورة النجم] "منه" {قَابَ} قدر {قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} "من ذلك حتى أفاق وسكن روعه" لأن القرب لا شك أنه أقرب إلى الهدوء من الكلام الذي يسمع من بعد، أو الشبح الذي يرى من بعد. {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [(10) سورة النجم]، {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ} [(9 - 10) سورة النجم] الضمير عند أكثر المفسرين يعود إلى جبريل، ومنهم من يقول: الضمير يعود إلى الله -جل وعلا-، {ثُمَّ دَنَا} [(8) سورة النجم] "قرب"، {فَتَدَلَّى} "زاد في القرب" وهذا لا يمتنع في حقه -جل وعلا- باعتبار أن حديث النزول .. ، يعني هذا فهم، قد يقول: هذا فهم واحتمال من الآية فلا دلالة فيه، لكن حديث النزول يدل على النزول دلالة قطعية، يعني الحديث متواتر: ((ينزل ربنا)) ولا ينكره إلا المبتدعة، و {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [(10) سورة النجم] مقتضى قولنا: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ} [(8 - 9) سورة النجم] أن الضمير يعود إلى جبريل أن أوحى أيضاً يعود إلى جبريل؛ لتكون الضمائر متناسقة، فأوحى جبريل إلى عبده إلى عبد الله ورسوله محمد -عليه الصلاة والسلام- لكن ضمير عبده يحتاج إلى عائد وهو الله -جل وعلا- ولا ذكر له، فهذا يقتضي أن الضمائر كلها في نسق واحد، وهذا يرجح قول من يقول: ثم دنا: يعني الرب -جل وعلا-، وتعالى عن مشابهة المخلوقين، تعالى الله عما يقول المشبهة علواً كبيراً قرب فتدلى زاد في القرب، فكان منه من النبي -عليه الصلاة والسلام- قاب قدر قوسين أو أدنى من ذلك حتى أفاق وسكن روعه.

{فَأَوْحَى} [(10) سورة النجم] الرب -جل وعلا- {إِلَى عَبْدِهِ} جبريل {مَا أَوْحَى} "جبريل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يذكر الموحى تفخيماً لشأنه" يعني صرفت الضمائر بعضها عن بعض، يعني {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ} [(8 - 9) سورة النجم] هذه لجبريل، {فَأَوْحَى} [(10) سورة النجم] من الذي أوحى؟ عند المفسر الله -جل وعلا-، {إِلَى عَبْدِهِ} جبريل، {مَا أَوْحَى} "جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر الموحى تفخيماً لشأنه". نعم قد يعود الضمير على غير مذكور، نعم قد يعود الضمير على غير مذكور للعلم به، {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [(32) سورة ص] الشمس ما مر لها ذكر لكن للعلم به، {فَأَوْحَى} [(10) سورة النجم] الموحي هو الله -جل وعلا- ولو لم يسبق له ذكر في الضمائر السابقة للعلم به، وأنه هو الذي يوحي، وهو الذي يبدأ بالوحي، {فَأَوْحَى} [(10) سورة النجم] تعالى {إِلَى عَبْدِهِ} جبريل {مَا أَوْحَى} "جبريل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يذكر الموحى تفخيماً لشأنه" ما ذكره يعني ما ذكر الشيء الذي أوحاه إلى جبريل، وأوحاه جبريل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، الله -جل وعلا- على عرشه بائن من خلقه، جبريل هو الذي دنا فتدنى فكان قاب قوسين أو أدنى {فَأَوْحَى} [(10) سورة النجم] الله {إِلَى عَبْدِهِ} جبريل {مَا أَوْحَى} "جبريل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يذكر الموحى تفخيماً لشأنه" أو لعدم العلم به، ما نقل، ما نقل، وعلينا أن نؤمن بأن الله -جل وعلا- أوحى في هذا الظرف ما أوحاه إلى عبده وما تلقاه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ربه بواسطة جبريل، علينا الإيمان وإن لم نعرف التفصيل، ومنهم من ذكر أشياء أن مما أوحاه الله إلى عبده: إن الله حرم الجنة على الأنبياء حتى تدخلها، وحرم الجنة على الأمم حتى تدخلها أمتك إلى غير ذلك مما قالوه لكن لا يدل عليه دليل.

{مَا كَذَبَ} [(11) سورة النجم] وما كذّب، "بالتخفيف والتشديد، أنكر" {الْفُؤَادُ} [(11) سورة النجم] ما كذب، يعني ما أنكر الفؤاد "فؤاد النبي -صلى الله عليه وسلم-" {مَا رَأَى} "ببصره من صورة جبريل"، ما كذب الفؤاد ما رآه، والمراد بالفؤاد القلب، قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر الشيء الذي رآه؛ لأن الإنسان قد يرى شيء يهوله فيقول: أبداً هذا ليس بحقيقة؛ لأن الناس أعداء لما يجهلون، أعداء لما يجهلون، فتجد الشيء أمامك بين عينيك، تراه وتبصره ينكره قلبك؛ لأن هذا شيء ما اعتدته، وإذا كان الناس ينكرون بعض المخترعات، الساعة أول ما صنعت ألف فيها هل هي سحر أو صناعة؟ ثم بعد ذلك أخذ الناس عليها فعرفوا أنها صناعة، ولا يعني هذا أن المسألة مختلطة لا يفرق بين التخييل وبين السحر الذي له حقيقة وبين الأمور التي يفعلها البشر إما خوارق وإما كرامات وإما معجزات بالنسبة للأنبياء، أو خفة بالنسبة لبعض المحترفين، لكن مع ذلك إذا خرج عن مقدور البشر وطاقة البشر يجب أن يتثبت فيه؛ لئلا يختلط الحق بالباطل، وينظر إلى هذا الفاعل، وتقاس أفعاله بالشرع، فإن كان مقتفياً مقتدياً فلا شك أن مثل هذه الأمور تكون كرامات يجريها الله على يديه وإلا فهي خوارق شيطانية يجريها الشياطين على يديه، وكتاب الفرقان لشيخ الإسلام وضح مثل هذه الأمور.

المقصود أن الإنسان إذا رأى شيئاً أول ما يراه ينكره فؤاده وينفر منه، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر ذلك فؤاده، {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [(11) سورة النجم] ما كذّب الفؤاد، ما قال: يا جبريل هذا شيء ليس بمعقول، ونجد من يقول إذا سمع صبر العلماء على شدائد تحصيل العلم والعمل به قال: هذا ليس بمعقول، هذا لا يمكن، والإمام أحمد يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، يقول: هذا ليس بصحيح، ليس بمعقول، لماذا؟ لأنه ما اعتاد هذا الأمر، نعم لو زاد الأمر كما ذكر ابن المطهر في منهاج الكرامة الرافضي المعروف، ذكر أن علي بن أبي طالب يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، قال شيخ الإسلام: الوقت لا يستوعب، يعني لو افترض كل ركعة بدقيقة الوقت ما يستوعب، والذي يقول: الوقت لا يستوعب فما هو بمعقول ثلاثمائة ركعة لأنه ما جرب، ما جرب، ولا تعرف على الله في أيام الرخاء، ليستغل أيام المضاعفات والشدة، في ما ينفعه وما يقربه إلى الله -جل وعلا-. النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كذبه فؤاده ولا أنكر ما رأى، {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} [(11) سورة النجم] فؤاد النبي -عليه الصلاة والسلام- {مَا رَأَى} "ببصره من صورة جبريل" يعني هذا الأمر المهول، {أَفَتُمَارُونَهُ} [(12) سورة النجم] "تجادلونه وتغلبونه" المماراة هي المجادلة ومن ذلك: ((من طلب العلم ليماري به العلماء)) ليماري يعني: يجادل به، هذا على خطر عظيم، جاء الوعيد في حقه، {أَفَتُمَارُونَهُ} [(12) سورة النجم] وفي قراءة: "أفتُمرونه" وفي قراءة: "أفتَمرونه" يعني تجحدونه، والمماراة: هي المجادلة، تجادلونه وتغلبونه، والمجادلة في الغالب إنما تكون ممن يريد التثبت أو من جاحد، يريد أن يغلب من جاء بهذا المجحود بالحجة.

{أَفَتُمَارُونَهُ} [(12) سورة النجم] "تجادلونه وتغلبونه" {عَلَى مَا يَرَى} [(12) سورة النجم] "خطاب للمشركين المنكرين رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل" {أَفَتُمَارُونَهُ} [(12) سورة النجم] "تجادلونه وتغلبونه" {عَلَى مَا يَرَى} [(12) سورة النجم] "خطاب للمشركين المنكرين رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل، أنكروا الإسراء وقالوا: إلى بيت المقدس يحتاج إلى شهر ورجوع يحتاج إلى شهر، هذا مجرد مشي على الأرض فكيف بالعروج إلى السماء؟ فأنكروا ذلك، فأنزل الله -جل وعلا- فيهم ما أنزل، وصدقه أبو بكر، وبذلك سمي الصديق. {وَلَقَدْ رَآهُ} [(13) سورة النجم] على صورته {نَزْلَةً} مرة {أُخْرَى} {عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [(14) سورة النجم]، ونقف على هذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة النجم (2)

تفسير الجلالين - سورة النجم (2) من آية: (13 - 32) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ما موقف المسلم من الإسرائيليات؟ وهل صحيح أن من وضع الإسرائيليات هو كعب الأحبار؟ وهل هو ممن كان يدس في الإسلام؟

أولاً: الإسرائيليات ما يروى عن بني إسرائيل من اليهود والنصارى، مما جاء فيه قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) وعند البزار: ((فإن فيهم الأعاجيب)) والحديث عن بني إسرائيل لا حرج فيه إذا لم يرد شرعنا بخلافه، ولم يكن مناقضاً ومخالفاً لما جاء في شرعنا؛ لأن ما يذكر عن بني إسرائيل إما أن يوافق ما عندنا فهذا يذكر والعبرة بما جاء في شرعنا، أو يكون مخالفاً لما جاء في شرعنا فمثل هذا لا يذكر إلا من أجل التنبيه عليه، أو يكون لا موافقة ولا مخالفة، ليس في شرعنا ما يشهد له وليس فيه أيضاً ما يعارضه ويناقضه فهذا هو الذي فيه الكلام، وفيه ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) شريطة ألا ينشغل المسلم بهذه الإسرائيليات عما هو أهم منها، ونجد كثيراً من المفسرين أكثروا واستطردوا من ذكر الإسرائيليات في تفاسيرهم، لا مانع أن يذكر منها شيء يسير للعبرة والاتعاظ؛ لأن فيها شيء من الأعاجيب، وفيها شيء من الاعتبار والادكار، لا مانع من ذلك، لكن يستطرد فيها، ويستوعب ما جاء في ذلك، بحيث يكون على حساب فهم القرآن الفهم الصحيح، ويكون على حساب ما نقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن صحابته الكرام، وعن التابعين لهم بإحسان في معنى الآيات، أقول: لا مانع أن يذكر منها الشيء الذي لا يرده نقل ولا عقل، ومع الأسف أن بعض المفسرين حشا تفسيره بكثير من الإسرائيليات التي تردها العقول الصحيحة الصريحة، فضلاً عن النقول الصحيحة، وبعض المفسرين اشترط ألا يذكر شيئاً من الإسرائيليات كالقرطبي ومع ذلكم ذكر؛ لأن بعض القصص تفرض نفسها، تتابع المفسرون على نقلها، ثم بعد ذلك يجد الإنسان نفسه ملزم، هذا إذا لم يكن حازم عند تطبيق شرطه ينساق وراء ما ذكره أهل العلم في هذا المجال، المقصود أن الإسرائيليات لا مانع من التحديث بها إذا لم تكن مخالفة ومناقضة لما جاء في شرعنا، ولا تكون على حساب الصحيح من التفسير المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو إلى الصحابة والتابعين لهم بإحسان، الذين هم سلف هذه الأمة وأئمتها. يقول: وهل صحيح أن من وضع الإسرائيليات هو كعب الأحبار؟

هذا ليس بصحيح، إنما كعب ناقل، وليس بواضع ولا كذاب، يعني أحياناً قد يخطئ وينقل ما لا يثبت، والخطأ في لغة قريش يسمونه كذب، فهو كذب من هذه الحيثية باعتبار أنه أخطأ في نقل ما لم يثبت، وإلا فليس هو من الكذابين الوضاعين. قال: وهل هو ممن كان يدس في الإسلام؟ لا، ليس من هذا النوع، وإن جاء فيما ينقل عنه ما لا يثبت، والله أعلم. يقول: هل صلاة الإحرام تكون قبله أم بعده؟ أولاً: النزاع في مسألة صلاة الإحرام معروف بين أهل العلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عقد الإحرام بعد الصلاة، بعد الصلاة عقد الإحرام، لكنها صلاة فريضة، بهذا يستدل من يقول: إن الإحرام إنما يكون بعد صلاة، فإن كانت فريضة فبها ونعمت، وإن لم تكن فريضة فيصلى ركعتين، ويشهد لهذا ما جاء في الحديث من قوله: ((صل في هذا الوادي المبارك، وقل)) فرتب القول والدخول في الإحرام على الصلاة، يعني بعد الصلاة، وهذه حجة قوية لمن يقول بركعتي الإحرام قبله، ومنهم من يقول: إنه إنما صلاها بعد الفريضة، ولم تكن هناك سنة للإحرام ثابتة مستقلة، وعلى كل حال إذا صلى قبل الإحرام سواءً كانت فريضة أو نافلة فقد أحسن، ومن ترك فلا شيء عليه. يقول: بعض الناس تجده قد يلزم نفسه بالاستغفار أو التسبيح في اليوم عشرة آلاف مرة يقل أو يزيد، كل على حسب حاله، وكل ذلك من باب تعويد النفس وتربيتها على مداومة ذكر الله تعالى، في كل وقت وحين هل يدخل في باب البدعة وتخصيص ما لم يخصصه النبي -عليه الصلاة والسلام-، أفيدونا؟ نعم، جاء عن أبي هريرة أنه كان يسبح في كل يوم اثنتي عشر ألف تسبيحة بقدر الدية من الدراهم، ويرى أنها فكاك نفسه، هذا إن صح عنه. وعلى كل حال التحديد بعدد معين لم يرد به نص هذا لا شك أنه داخل في حيز الابتداع، لكن على الإنسان أن يكون لسانه رطباً بذكر الله من دون عدد، من دون عدد معين، ولا وقت محدد، إلا ما جاء التحديد به من قبل الشرع. يقول: كَثُر في الآونة الأخيرة ضرب الدف مع النشيد للرجال فما حكم ذلك؟ وهل من كلمة؟

أولاً: الدف ما جاء إلا في العرس، جاء في العرس فقط، وهو خاص بالنساء، وليس من شأن الرجال، وليس من شأن الرجال، وهو خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد النص، وعلى الرجل -الذي يعتبر نفسه رجلاً- أن يربأ بنفسه عن مثل هذه التفاهات. يقول: في درس اللامية بالمدينة. أولاً: درس اللامية أظن في جدة ليس في المدينة. أنه ذكر عند الشيخ ابن باز -رحمه الله- ابن حزم فنهى عن الترحم عليه، نريد أن نفهم هل حصل لنا خلط من الفهم منكم؟ نعم في موقف من المواقف ذكر عن ابن حزم كلام قبيح شنيع، فكأن الشيخ ما ارتاح إلى الترحم عليه، بل قال فيه كلاماً شديداً، ولا شك أن ابن حزم في مسائل الاعتقاد عنده خلل كبير، خلل كبير في مجال الاعتقاد، وعنده أيضاً في باب الفروع العملية، عنده أيضاً عدم القول بالقياس واتباع الظاهر، هذا أيضاً خلل في مسألة التفقه، والذي يضر به أكثر هو مخالفاته العقدية، مخالفاته العقدية، ومن أقواله قوله القبيح في القرآن وإنه ليس عندنا قرآن واحد ولا اثنين ولا ثلاثة عندنا أربعة قرآنات، فهذا نسأل الله العافية ضلال كبير هذا، هذا لم يسبق إليه، وعلى كل حال عنده مخالفات، لكن عامة أهل العلم على أنه من .. ، هذه البدع لا تخرجه عن دائرة الإسلام، بل بعضهم يحسن الظن به كثيراً، ويرى عنده من تعظيم النصوص ما لا يوجد نظيره أو قريب منه عند كثير من أهل العلم. قال: هل يثبت لله صفة الظل؟ جاء في الحديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله)) يظلهم الله في ظله، والحديث ثابت بلا إشكال، فتثبت هذه الصفة لله -جل وعلا-، وصفة الشخص جاء أيضاً: ((لا شخص أغير من الله)). ما حكم لبس الكعب للنساء؟

كغيره مما يتزين به، فإن كانت المرأة تتزين به للرجال الأجانب فهذا لا يجوز، ولا يجوز إبداؤه، ولا إخراج .. ، إبداء الزينة لغير الزوج، وإن كان لزوجها فلا مانع، كغيره مما يتزين به النساء؛ لأن مسألة التشبه كانت في أول الأمر يعني لما ورد الأمر من الكفار، أول من اقتدى بهم ونظر إليهم تشبه، لكن الناس اليوم بعد أن تواطئوا وتوارثوا هذه الأمور فإنها انتفت صفة التشبه عنها، يبقى مسألة أنها خلاف للخلقة التي خلق الله الناس عليها والفطرة، وجاء في صحيح مسلم ما يدل على أن هذا الصنيع لبس الكعب بالنسبة للنساء إنما هو .. ، إنما ابتدأه امرأة بغي من اليهود من بني إسرائيل، يعني رأت أن الرجال لا ينظرون إليها فصنعت هذا الكعب. يقول: ما حكم صلاة المغرب للمفرد سراً؟ الأصل أن المنفرد صلاته سر، والجهر إنما هو للمأموم، للإمام ليسمع المأموم، وانتفت هذه العلة فتعود المسألة إلى السر، مع أنه لو كان صوته بين السر والجهر لكان أفضل، {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [(110) سورة الإسراء]. يقول: حديث أو أثر عن عمر بن الخطاب في استحباب العمرة في رجب؟ هو الخبر عن ابن عمر في الصحيح في البخاري أنه أثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب، في صحيح البخاري، وردت عليه عائشة -رضي الله عنها-، وقالت: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في رجب، ولا اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا وابن عمر معه" يعني شهد العمر الأربع مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس منها واحدة في رجب. يقول: لو كان ولد الولد في منزلة عالية في الجنة فبرحمة الله يرفع إليه أبوه فهل إذا كان أبي - يريد جده - أقل كذلك يلحق بمنزلة الأب للابن الأول؟ على كل حال الجد أب، في النصوص الجد أب، والآية التي يستدل بها أهل العلم على أن الأب من الذرية والمراد به أب بعيد فهو جد، {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [(41) سورة يس] أجداد قدامى. يقول: أقصد هل يلحق الجد بابن الابن والعكس؟ هذا الظاهر، وهو الذي تدل عليه الآية، التي يستدل بها أهل العلم على أن الوالد يلحق بولده.

يقول: الأصل أن التدلي ثم الدنو فلماذا قدم الدنو قبل التدلي كما في قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [(8) سورة النجم]؟ صحيح، وهذا ذكره المفسرون أن التدلي قبل، والدنو نتيجة لهذا التدلي، لكنهم يقولون: إذا كان المعنى واحد لا يتغير سواءً قلنا: هذا أو ذاك فيجوز التقديم ويجوز التأخير على حد سواء، كما تقول: ضربني فأساء، أكرمني فأحس، أحسن فأكرمني، أساء فضربني، ما في فرق، إذا كان المعنى متحد، من الأمثلة الآن التي يفهمها كثير من الناس وهذا يذكر لمزيد الإيضاح، يقول: لو قيل لك: اربط حزام الأمان، أو احزم رباط الأمان في فرق وإلا ما في فرق؟ في فرق؟ المعنى واحد سواءً قدمت وإلا أخرت، ضربني فأساء، أو أساء فضربني ما في فرق، ولذلك قالوا: إن قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [(8) سورة النجم] ما في فرق بينه أن يقال: تدلى فدنا أو العكس؛ لأن المعنى واحد، مثل ضربني فأساء أو أساء فضربني، أكرمني فأحسن أحسن فأكرمني، ما في فرق قدمت أو أخرت، ومثل المثال الذي ذكرناه لأن المعنى ما يختلف. يقول: ما الفرق بين أحمد شاكر ومحمود شاكر؟ أما بالنسبة للشيخ أحمد شاكر وأبوه القاضي محمد شاكر وكيل المشيخة، على كل حال الأب معروف متميز محمد ما له سمي، والشيخ أحمد كذلك المحدث البارع المعاصر المصري أحمد شاكر معروف أيضاً لا يلتبس بغيره، محمود أخوه الكبير محمود شاكر أيضاً معروف له يد في تحقيق الكتب سواءً كانت الشرعية أو اللغوية والأدبية، وله يد أيضاً طولى في التاريخ يشبهه أيضاً آخر اسمه: محمود شاكر، الأول: شقيق الشيخ أحمد هذا مصري، هذا مصري توفي من سنين قريبة يعني من خمس أو ست سنوات، محقق بارع يعني في تحقيق الكتب، وفي محمود شاكر الحرستاني هذا معاصر موجود شامي، فهذا له كتب أيضاً في التاريخ الإسلامي، وفي مواطن الشعوب الإسلامية يعني في الجغرافيا، وأيضاً مجود الرجل يعني ما .. ، لكن ليس مثل محمود شاكر شقيق الشيخ أحمد، لكنه جيد، كتبه نافعة. يقول: ما رأيكم في تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير؟ وما هي أفضل طبعاته؟

أولاً: أفضل طبعاته الطبعة التونسية، وطبع منه مجلدان في مطبعة الحلبي بمصر، ثم أكمل طبعه في تونس، وصورت جميعاً طبعة الحلبي الجزأين الأول والثاني، وطبعة تونس أيضاً صورت أخيراً، وتداول الناس المصور، والكتاب كتاب لا شك أنه مفيد جداً لطالب العلم يعنى بالنواحي اللغوية والبلاغية، ومكث في تأليفه أكثر من أربعين عاماً، حتى حرره وأتقنه وجوده، فالكتاب لا سيما فيما يتعلق بعلم المعاني والبيان متميز، يستفيد منه طالب العلم. يقول: ما رأيكم في طريقة أحدثها بعض طلاب العلم يأتي بأحاديث الأربعين النووية أو أحاديث العمدة، أو أحاديث كتاب التوحيد، ويأتي بسند ثلاثي أو رباعي لهذا الحديث، نود أن تبينوا مدى فائدتها من شخص إلى شخص؟ يعني ما دام وصل إلى السند الرباعي لماذا لا يسندها من مصنف الكتاب الذي عزيت إليه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني أحاديث العمدة يذكر أسانيدها من البخاري ومسلم إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- رباعية أو خماسية، يعني لو زاد راوي أو راويين بحيث يضمن سند الصحيح، ولا يقتصر على بعضه دون بعض، مع أن الاقتصار على البعض فيه فائدة، ما يسلم من فائدة لطالب العلم؛ لأن العناية بالأسماء أسماء الرواة، العناية بالأسانيد وحفظها، يستفيد منها طالب العلم فائدة كبيرة؛ لأنه إذا عرف أن هذا الراوي من رواة البخاري يرتاح في نقده في جرحه وتعديله إذا مر عليه بسند من كتاب لم تشترط فيه الصحة، فإذا عزي الحديث إلى البخاري يذكر سند البخاري، عزي الحديث إلى مسلم يذكر سند مسلم، إلى أبي داود يذكر سند أبي داود، وإن اقتصر على البعض فكله خير، كله نافع. يقول: هل تنصح طالب العلم بحفظ القرآن أولاً أو يبدأ بقراءة بعض الكتب الأساسية؟

إذا كانت الحافظة تسعفه بحيث ينجز حفظ القرآن في مدة قصيرة فهذا أولى ما يعنى به طالب العلم ليضمن حفظ القرآن؛ لأنه كلما تقدمت به السن وكثرت عليه المشاغل فإنه يصعب عليه حينئذٍ حفظ القرآن، ولو حفظه بعد تقدم سنه فإنه يصعب عليه استحضاره في أوقات الحاجة، بخلاف ما إذا حفظ وهو صغير، يصعب عليه الاستنباط منه والاستدلال به والاستشهاد به في أوقات الحاجة إذا حفظه في الكبر، أما إذا حفظه في الصغر فإنه يذلل به لسانه ويستحضره متى شاء، لا سيما إذا عود نفسه على فهم القرآن والاستنباط من القرآن، فإن كانت حافظته لا تسعف بحيث يفوته الوقت وهو يعاني من حفظ القرآن، ثم بعد ذلك يضيع عليه وقت التحصيل، فمثل هذا يحفظ القرآن بالتدريج، يعني في كل يوم يحفظ آيتين ثلاث بقدر حافظته، وينظر في المتون الأخرى، ذكرنا مراراً أن طريقة المغاربة تختلف عن طريقة المشارقة في هذا، فالمغاربة يضمنون حفظ القرآن قبل كل شيء، يضمنون حفظ القرآن قبل كل شيء، ما يدخلون عليه أي علم من العلوم، وهذا لا شك أنه مكسب لطالب العلم إذا ضمن حفظ القرآن، ولو لم يقدر له علم، ولو عاش عامياً بعد أن ضمن حفظ القرآن، فهو على خير كثير، وطريقة المشارقة يحفظون القرآن بالتدريج، يحفظون القرآن بالتدريج، ويحفظون معه علوم أخرى من صغار العلم، في مرحلة المبتدئين، كتب المبتدئين، ثم المتوسطين وهكذا. يقول: ما هي الكتب التي يستطيع طالب العلم قراءة شروحها بمفرده؟

طالب العلم لا شك أنه يختلف مستواه من مبتدئ إلى متوسط إلى متقدم ومنتهي، فإن كان من المبتدئين فلا يستطيع أن يقرأ شروح بمفرده إلا بإعانة شيخ يقرأه عليه ويوضحه له، أو بسماع شروح المشايخ المعاصرين الذين يشرحون لطلاب العلم بلغة العصر التي يفهمها الطلاب، أما شروح المتقدمين فلا بد لها من شيخ، إذا كان الطالب في مرحلة متوسطة من المتوسطين فإنه يستطيع أن يقرأ الشروح بمفرده لا سيما الشروح السهلة الميسرة، والطالب المتوسط الآن يستطيع أن يقرأ كتب الشيخ ابن سعدي، وكتب الشيخ ابن عثيمين، وكتب شيوخنا المعاصرين، كتب الشيخ ابن باز، والشيخ صالح الفوزان وغيرهم، يستطيع أن يقرأها بسهولة طالب العلم المتوسط ويستفيد منها، وقد شرحوا كتب العلم فيستفيد منها بنفسه، هذه لا تحتاج إلى شيخ، يعني ما كان طلاب العلم يتطاولون على زاد المستقنع بدون شيخ، الآن بعد الشرح الممتع كل طالب علم يستطيع أن يقرأ ويفهم؛ لأن الشيخ -رحمه الله- بطريقته التي سببها الفهم الدقيق لهذا العلم؛ لأن بعض الناس يشرح وكأنه ما أضاف شيء، يعني يشرح بطريقة العلماء المتقدمين، يعني يفهم كلام أهل العلم ويلقيه على طلابه، هذا ما فيه تجديد، بينما الشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه- فهم كلام المتقدمين، وهضم شروح المتقدمين ثم بسطها لطلاب العلم بطريقته الخاصة المتميزة، بأسلوبه وفصاحته وبيانه المعروف -رحمة الله علينا وعليه-. نشوف هذا السؤال يقول: يتحدث الكفار عن الكسوف والخسوف قبل أن يحدث بأيام هل هذا من علم الغيب؟

هذا يتحدث به الكفار، ويتحدث به المسلمون أيضاً، وقديماً اختلف في هذا هل هو مما يدرك بالحساب أو لا يدرك بالحساب؟ فالذي يراه ابن العربي وجمع من أهل العلم أنه من ادعاء علم الغيب، فتنبؤه والكلام فيه قبل وقوعه من المحرمات، شديد التحريم؛ لأنها من ادعاء علم الغيب وضرب من الكهانة، وكثير من أهل العلم أيضاً في المقابل يرون أنه مما يدرك بالحساب، أنه مما يدرك بالحساب، ولا شك أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله كما جاء في الحديث الصحيح: ((يخوف بهما عباده)) وكان الناس يخافون من تغير هذه التي أجراها الله -جل وعلا- على سنن ثابتة يخافون خوفاً شديداً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خرج يجر رداءه، يظنها الساعة، وأسماء -رضي الله عنها- أصابها الغشي، لما رأت الناس يصلون فاستفهمت من عائشة فأشارت عائشة إلى السماء، فقالت: آية؟ فأشارت برأسها: أن نعم، فأصابها الغشي، فأغمي عليها ورشت بالماء، كل هذا من شدة الخوف من الله -جل وعلا-، وهذا لا شك أنه ضعف، بعد إخبار الناس بالوقوع بالكسوف قبل وقوعه صار أمر عادي عند الناس لا يؤثر فيهم، ولا يحرك ساكناً، ولا شك أن الإخبار به قبل وقوعه سبب لإذهاب هذا الخوف وهذه الخشية، ولو كان مما يدرك بالحساب يترك، قد يقول بعض الناس: إن الناس مع اتساع المدن والأنوار والجلبة والصخب الذي يحصل من الناس في الليل قد لا ينتبهون له، يكسف القمر أو يخسف القمر وينتهي وما شعر الناس به، نقول: الأمر كذلك، لكن ينبغي أن يكون المسلم مرتبط بربه، فإذا رأى هذه الآية فليفزع إلى الصلاة، ويحصل منه ما يحصل، ولو قدر أنه علم قبل ذلك ينبغي بل عليه أن يخاف ما الذي يضمن له أن ترجع هذه الآية إلى ما كانت عليه، وما الذي يؤمنه أن يصاحب هذه الآية من المتغيرات التي يتضرر بها هو وغيره، ويحصل كثيراً مع الكسوف ومع الخسوف أمور أشياء آيات أخرى يموت بسببها أناس، يموت بسببها أناس، ويصاب بعض الأموال، وبعض البلدان بكوارث من جرائها، حصل أنهم استهتروا بها في ما مضى في الماضي القريب وحصل وصاحبها أمور تضرر بها كثير من الناس.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: في قوله -جل وعلا-: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [(13) سورة النجم] {وَلَقَدْ رَآهُ} رأى النبيُ -عليه الصلاة والسلام- جبريلَ -عليه السلام- على صورته للمرة الثانية، {نَزْلَةً أُخْرَى} يعني: مرة أخرى، لأنه سبق أن رآه بحراء، لما طلب ذلك رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم رآه نزلة أخرى ليلة الإسراء. يقول: {وَلَقَدْ رَآهُ} "على صورته" {نَزْلَةً} يعني: "مرة" {أُخْرَى} {عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [(14) سورة النجم] يعني: مرة ثانية {عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} يقول: "لما أسري به في السماوات" ليلة الإسراء أسري به في السماوات، معروف أن الإسراء كما قال الله -جل وعلا-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [(1) سورة الإسراء] هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، يقول: "لما أسري به في السماوات" والمراد عرج به إلى السماوات، وأما الإسراء فهو من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، بدايته من المسجد الحرام وغايته ونهايته إلى المسجد الأقصى، ومن هناك عرج به إلى السماء، تسمى ليلة الإسراء لا بأس؛ لأن الإسراء حصل في تلك الليلة، لكن لما أسري به في السماوات يعني عرج به في السماوات، "وهي شجرة -يعني سدرة المنتهى- شجرة نبق عن يمين العرش، لا يتجاوزها أحد من الملائكة وغيرهم"، هذه لا يتجاوزها أحد، إليها ينتهي كل مخلوق، لا يتجاوزها أحد، ولذلك سميت سدرة المنتهى، ينتهي إليها كل أحد من الملائكة وغيرهم، ولا جبريل يتجاوزها، عند سدرة المنتهى نهاية ما ينزل ونهاية ما يصعد، فينزل إليها من الرب -جل وعلا- ما يتلقاه جبريل ويبلغه من شاء من عباده، وجبريل يصل إليها ولا يتعداها بل هي المنتهى، لا يتجاوزها أحد من الملائكة وغيرهم، وهي شجرة نبق -السدر- معروف جمع سدرة، السدرة واحدة السدر مما يفرق بين جمعه وواحده بالتاء، سدر سدرة، تمر تمرة، نبق نبقة وهكذا.

يقول: "هي شجرة نبق"، يعني ثمرها النبق، أو السدرة مجموعها النبق على ما قال أهل العلم، السدر نبت طيب الرائحة يستعمل استعمالات جاءت بها النصوص كتغسيل الميت، اغسلنها بماء وسدر؛ لأن له دور في تماسك الجسم وعدم تحلله، وأيضاً ينظف، ينظف الجسد من الأوساخ، وله أيضاً رائحة، ويستعمل أيضاً في علاج السحر، وفيه فوائد كثيرة، ولذا جاء في سنن أبي داود: ((من قطع سدرة صوب رأسه في جهنم)) في سنن أبي داود، وحسنه بعض أهل العلم وحمله أبو داود قال: إن هذا الحديث مختصر؛ لأن معناه مشكل؛ لأن الإنسان قد يزرع السدر يستفيد منه ثم يقطع ما لا يحتاج منه، وهل يبقى شجر السدر ولو آذى الناس في طرقهم ومساكنهم أو يقطع فيحصل هذا الوعيد؟ قال أبو داود: "هذا الحديث مختصر"، من قطع سدرة في طريق الناس الذي يحتاجونها يستظلون بها يستظل بها مسافر يحصل له هذا الوعيد، لكن هذا يذهب فائدة تخصيص السدر؛ لأن هذا يشمل الأشجار الأخرى التي يستظل بها الناس، التي يستظل بها الناس، يعني الناس يستظلون بالأشجار سواءً كانت سدر أو غير سدر، فالذي يقطعها يتسبب في إزالة هذه الفائدة من هذه الشجرة، سواءً كانت من السدر أو من غيره، فلا يكون للسدر في هذا خصيصة ولا ميزة، والحديث جاء بالتنصيص على السدر، وعلى كل حال مثل ما يقال في شجر الحرم لا يجوز قطعه إلا إذا أضر أو أذى بالناس وصار في طريقهم، أو اشتدت الحاجة إليه، كما استثنى النبي -عليه الصلاة والسلام- الإذخر، ويبقى إذا صح الخبر أن الأصل المنع. {عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [(14 - 15) سورة النجم] سدرة المنتهى جاء في الحديث الصحيح: إنها في السماء السابعة، وجاء ما يدل على أنها في السماء السادسة، وجاء ما يدل على أنها في السماء السادسة، القرطبي وابن حجر وجمع من أهل العلم قالوا: أصلها في السادسة، وورقها وفروعها في السابعة، وبهذا يتم الجمع بين الروايتين.

{عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [(15) سورة النجم] "تأوي إليها الملائكة وأرواح الشهداء والمتقين" جنة المأوى: يأوي إليها فهي مآل ومأوى المتقين، والملائكة أيضاً يأوون إليها، وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح تغدو وتروح في هذه الجنة، المقصود أنها من أوى يأوي إذا صار إلى الشيء، فهذه الجنة يصير إليها الملائكة، ومن أهله عمله بعد رحمة الله -جل وعلا- لدخولها، وهناك جنات أخرى، هناك الفردوس، وهناك جنة عدن، والمسألة جنات، والله المستعان. {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [(16) سورة النجم] إذ يغشى السدرة: {إِذْ} "حين" ظرف {يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [(16) سورة النجم] "من طير وغيره"، يغشاها من الأمور المهولة كما جاء في الحديث من التهاويل والأشياء التي تغشاها ما لا يستطيع الواصف بوصفها كما جاء الحديث، لا يستطيع أحد أن يصفها من عظم ما يغشاها من الأنوار والطيور والملائكة أيضاً تنزل عليها كما تنزل الغربان على الشجر كما في الحديث، كما في الخبر، شيء لا يخطر على البال، وكل هذا يحدو المسلم إلى مضاعفة العمل عله أن يبلغ هذه المنازل فيكون من أهلها، {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [(16) سورة النجم] "من طير وغيره، وإذ معمولة لرآه"، ولقد رآه إذ يغشى السدرة ما يغشى، يقول: "إذ معمولة لرآه" لظرف متعلق بالفعل رأى.

{مَا زَاغَ الْبَصَرُ} [(17) سورة النجم] من النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَمَا طَغَى} ما زاغ البصر، عرج به إلى مكان محدد فما زاغ بصره لا يميناً ولا شمالاً، {وَمَا طَغَى} أي: "ما مال بصره عن مريئه المقصود له، ولا جاوزه تلك الليلة"، وهذا من الأدب أن الإنسان إذا دعي إلى مكان لا يلتفت يمنياً ولا شمالاً، لا ينظر في باب ولا ينظر في نافذة ولا ينظر في شيء مما لا يعنيه؛ لأن بعض الناس إذا دخل مجلس لا سيما إذا كان من المجالس التي فيها شيء من مظاهر الدنيا من الزخارف وغيرها تجده لا يكف بصره يمنياً وشمالاً، وإن كان بعد أمره أشد تجد بصره يزيغ يميناً وشمالاً في النوافذ وفي الأبواب عله أن يلمح شيئاً، لا شك أن هذا مخل بالأدب، وإن كان القصد سيء بعد كان الأمر أشد، فعلى الإنسان أن يحفظ بصره، ولذا يقول الله -جل وعلا-: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} [(17) سورة النجم] من النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَمَا طَغَى} أي: "ما مال بصره عن مريئه المقصود له، ولا جاوزه تلك الليلة".

والواحد منا إذا صف في صلاته يعني كون الإنسان خارج الصلاة الأمر فيه سعة، وإن كان الأدب أن يحفظ بصره، لكن ماذا عما إذا كان في الصلاة؟ تجده من يكبر تكبيرة الإحرام إلى أن يسلم وبصره يمين وشمال وينظر في هذا، وإذا كان في المسجد زخارف وكتابات وأشياء تجده يحفظ كل ما كتب وهو يصلي، ورأينا الأذكار بعد الصلاة مثل هذه المعلقة يعني الإخوان هنا أحسنوا في جعلها خلف المسجد؛ لأن رأينا في بعض المساجد في قبلة المسجد، تجد المصلي يحفظها وهو في صلاته ليقولها بعد صلاته، أيهما أهم الصلاة أو حفظ هذه الأذكار؟ الصلاة أهم بلا شك، كل ما يشغل عن الصلاة تجب إزالته، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما انشغل بالخميصة خميصة أبي جهم، أو الخميلة، قال: ((إنها كادت أن تفتني في صلاتي، أتوني بأنبجانية أبي جهم)) يعني كساء بدون خطوط وبدون شيء، يعني رد عليه الكساء المخطط الذي يشغله في صلاته، وطلب منه جبراً لخاطره، يعني ما ردها رداً بدون مقابل، إنما ردها وطلب غيرها ليجبر خاطره، كل هذا لأن ذا الخطوط أشغلته وألهته وفتنته في صلاته، ماذا عن بعض المساجد التي تعمر في بلاد المسلمين؟! يعني موجود الزخرفة قديمة في البلدان بلدان المسلمين، وهي طارئة في بلادنا، بلدان المسلمين الذين يعتنقون المذهب الحنفي ما عندهم إشكال في زخرفة المساجد؛ لأن الزخرفة إذا زخرف الناس بيوتهم فزخرفة المساجد بيوت الله من باب أولى عندهم، وما أمرنا بتشييد المساجد ولا زخرفتها، وحصول هذا لا شك أنه من علامات الساعة، وهو أيضاً مذموم في الشرع، وهو يشغل المصلي، بالنسبة للحنفية هذا مذهبهم، والظاهرية يبطلون الصلاة ولو لم ينشغل بها المصلي، يبطلون الصلاة في المسجد المزخرف، والجمهور يطلقون الكراهة على حسب ما ينتج عنها، ولا شك أن الخشوع في الصلاة مطلوب، الجمهور على أنه مستحب وأوجبه جمع من أهل العلم، فإذا شغله عن الخشوع فعلى حسب حكمه، وإن شغله عن صلاته بالكلية فليس له عليها أجر، إن شغله عن نصفها ليس له من صلاته إلا ما عقل، فهذه الزخارف لا شك أنها مذمومة شرعاً، جاءت النصوص بذمها ومنعها، وإذا تولى عمارة المساجد بعض العامة من المحسنين يعني قد يخفى عليهم مثل هذا، لكن

الإشكال إذا زخرفت المساجد والمشرف على تنفيذها من طلاب العلم هنا يكمن الإشكال، وكأن المسألة إنما هي مسألة إنفاذ للأمر القدري، أنها تزخرف المساجد في آخر الزمان، وعمر قال: "لا تحمروا ولا تصفروا"، ومع الأسف أنك تجد هذه الألوان من الحمرة والصفرة كثيرة جداً في المساجد، وهي في الفرش أكثر، تجد اللون أحمر والخط أصفر، من غير قصد هذا الذي يظهر، في أحد يبي يسمع النهي، ولو سمعه ونسيه أو غاب عن باله حينما اشترى الفرش، أو أراد صبغ المسجد .. ، على كل حال على طالب العلم أن ينتبه الذي يتولى هذه الأمور، والخطاب للجميع، لكن الإشكال أنه يتولى طلاب علم تنفيذ المساجد ومع ذلك يوقعون في المحذور، وإلا الجاهل معذور بجهله، لكن عليه إذا نبه أن يتنبه، يعني بعض المساجد إذا صلى فيها من له أدنى ذوق في الرسم أو الخط أو الفن المعماري أو ما أشبه من ذلك لا يعقل من صلاته شيء، لا يعقل من صلاته شيء، هذا كله مذموم في الشرع. {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} [(17) سورة النجم] من النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَمَا طَغَى} أي: "ما مال بصره عن مريئه المقصود له، ولا جاوزه تلك الليلة" ولا شك أن هذا من كمال أدبه -عليه الصلاة والسلام-، وكان خلقه القرآن كما قالت عائشة -رضي الله عنها- في وصفه -عليه الصلاة والسلام-، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [(4) سورة القلم].

"ولا جاوزه تلك الليلة" {لَقَدْ رَأَى} [(18) سورة النجم] "فيها" أي: في تلك الليلة {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} أي: "العظام أي بعضها، فرأى من عجائب الملكوت رفرفاً أخضر سد أفق السماء، وجبريل له ستمائة جناح"، حينما رآه في النزلة الأخرى على خلقه أمر مهول، أمر عظيم، {لَقَدْ رَأَى} [(18) سورة النجم] "فيها" أي: في هذه الليلة {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} أي: "العظام أي بعضها" فعلى هذا (من) تبعيضية، رأى من الآيات، رأى من الآيات الكبرى بعضها؛ لأن (من) تبعيضية، رأى من الآيات الكبرى بعضها، أو رأى بعض الآيات التي هي الكبرى منها، يعني رأى أكبر الآيات، أو رأى بعض آيات الآيات الكبرى، تأملوا في الآية، {لَقَدْ رَأَى} [(18) سورة النجم] "فيها" أي: في هذه الليلة {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} يعني هل نقول: إنه رأى الكبرى من آيات ربه؟ فرأى جميع الآيات الكبار، وهي بعض من الآيات بمجملها؟ أو نقول: إنه لم ير الآيات الكبرى كلها بل رأى بعضها؟ وحينئذٍ الكبرى وصف لأي شيء؟ يعني (من) هل هذه بيانية أو تبعيضية؟ إذا كانت بيانية نقول: رأى آيات ربه الكبرى كلها، وإذا قلنا: تبعيضية قلنا: رأى بعض الآيات الكبرى، يعني كما في قوله -جل وعلا-: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] وننزل من القرآن ما هو شفاء إذا قلنا: (من) بيانية قلنا: القرآن كله شفاء، وإذا قلنا: تبعيضية قلنا: إن بعض القرآن شفاء، بعض القرآن شفاء وبعضه أحكام، وبعضه آداب، وبعضه قصص، وبعضه عقائد، بعضه مواعظ، وبعضه شفاء، يعني لو جاءك مريض فطلب منك الرقية ثم قرأت عليه، نفثت عليه وقرأت: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [(222) سورة البقرة] يعني مقتضى كون القرآن كله شفاء أنت اقرأ مثل هذه الآية، وتقرأ تبت يدا أبي لهب، وتقرأ .. ، صح وإلا لا؟ إذا قلنا: القرآن كله شفاء، وإذا قلنا: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] تبعيض، هناك آيات للشفاء، وهناك آيات للأحكام، وهناك آيات للقصص، وهناك آيات عقائد، واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعود إلى الآية {لَقَدْ رَأَى} [(18) سورة النجم] "فيها" في

هذه الليلة {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} أي: "العظام أي بعضها" فعلى هذا (من) تبعيضية، (من) تبعيضية، على أن الوصف .. ، الوصف يقتضي تبعيض الآيات، و (من) تقتضي تبعيض الآيات الكبرى، الوصف بالكبرى يخرج الآيات الصغرى والكبرى بعض الآيات، حتى ولو قلنا: (من) بيانية هنا، وإذا قلنا: (من) تبعيضية قلنا: إنه رأى بعض الآيات الكبرى ولم ير بعض الآيات الكبرى فضلاً عن الآيات الصغرى، "أي بعضها فرأى من عجائب الملكوت" الملكوت والجبروت والرحموت تزاد الواو والتاء للمبالغة، "رفرفاً أخضر سد أفق السماء" في سورة الرحمن في آخرها ماذا قال المفسر؟ {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ} [(76) سورة الرحمن] نعم قال: جمع رفرفة، رفرف جمع رفرفة أي بسط أو وسائد، أي بسط أو وسائد، وهنا يقول: "رفرفاً أخضر سد أفق السماء" يعني بساط أخضر سد أفق السماء، ورأى أيضاً "جبرائيل له ستمائة جناح". {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [(19) سورة النجم] أفرأيتم: استفهام إنكاري توبيخي {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ} [(19 - 20) سورة النجم] "للتين قبلها" {الْأُخْرَى} "صفة ذم للثالثة"، أفرأيتم ومثل هذا يقول بعض المفسرين معناه: أخبروني، أفرأيتم: أخبروني، أرأيت: أخبرني، {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ} [(19) سورة النجم] اللات: صنم مشتق من الإله كما قال بعضهم أو من الله، هم يشتقون لأصنامهم من الأسماء الحسنى، فاشتقوا اللات من الإله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان أو من غيرهما، هذا على قراءة التخفيف: اللات، وهو صنم يعبد هنا في الطائف، وراكم استغربتم؟ قريش كانت تعبد صنم، الأوس والخزرج يعبدون، تميم كلها، كل الجزيرة على هذا قبل بعثته -عليه الصلاة والسلام-، خيار الأمة الذين أسلموا معه -عليه الصلاة والسلام- في أول دعوته كانوا يعبدون، يعني هذا لا يضير ولا ينقص، يعني ما هي المسألة بأن هذا يعني كونه يوجد صنم في الطائف أن هذا ذم لأهل الطائف ويوجد صنم .. ، يعني في وقته نعم ذم، لكن الآن؟ الإسلام يهدم ما كان قبله، أبو بكر حصل منه ما حصل، عمر حصل منه ما حصل، ومع ذلك هم أفضل الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-.

قالوا: اللات بالتخفيف، ومنهم من يقولها بالتشديد، اللاتَّ، اللاتَّ، أفرأيتم اللاتَّ، ويقولون: إنه رجل كان يلت السويق للحجاج، يلت السويق للحجاج، وكان يجلس بجوار صخرة فلما مات عبدوا هذه الصخرة، وسموها باسمه: اللاتّ، يلت السويق للحجاج، رجل محسن في وقته لكن إحسانه لا ينفعه إذ مات مشركاً، كما سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ابن جدعان، قد أحسن على الناس بالطعام والشراب هل ينفعه ذلك؟ قال: ((لا، لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)) ما ينتفع بهذا إذا مات على كفره، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر]، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [(23) سورة الفرقان] {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [(18) سورة إبراهيم] لا قيمة له مع الشرك؛ لأن شرط القبول الإيمان ولم يوجد. {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ} [(19) سورة النجم] أو اللاتّ، {وَالْعُزَّى} اللات: صنم بالطائف، والعزى: بين مكة والطائف تعبد من دون الله، وقال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزة لكم يوم بدر، فأجيب بماذا؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، الله مولانا ولا مولى لكم. {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [(19 - 20) سورة النجم] مناة: بوادي المشلل، يهل منها المشركون إذا أرادوا الحج أو العمرة، وهي صنم أيضاً يعبد من دون الله، وأرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الثلاثة وإلى غيرها مما يعبد من دون الله من يهدمها. {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ} [(20) سورة النجم] يعني بعد اللات والعزى الثالثة، الثالثة يعني في الذكر، يعني الذكر اللات الأولى، والعزى الثانية، ومناة الثالثة، الثالثة للتين قبلها هذا في الذكر، ولا يلزم من أن تكون دونها في المنزلة عندهم، ومنهم من يقول: إنها دون اللتين قبلها في المنزلة أيضاً فمن يعبد اللات أكثر، ومن يعبد العزى أكثر، فهي دونها في المنزلة والتعظيم -نسأل الله العافية-.

{الْأُخْرَى} [(20) سورة النجم] "صفة ذم للثالثة"، الأخرى صفة ذم للثالثة، منهم من يقول: إن هذا اللفظ لا يكون إلا للثاني من الشيئين، للثاني من الشيئين إذا كان هناك شيئان قيل: الأولى والأخرى، مثل جمادى الآخرة، اليد اليمنى والأخرى، الرجل اليمنى والأخرى وهكذا، ومجيئه هنا وصف للثالثة يضعف هذا القول {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ} [(20) سورة النجم] "للتين قبلها" {الْأُخْرَى} [(20) سورة النجم] "صفة ذم للثالثة"، وهي أصنام من حجارة يقول المفسر: "وهي أصنام من حجارة، كان المشركون يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله"، يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله، لكن أين العقول؟ والجواب في كلام عمرو بن العاص: أخذها باريها، كيف يعبدون هذه حجارة لا تنفع ولا تضر ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله؟ لماذا لا يعبدون الله -جل وعلا- مباشرة؟ قد يقول قائل: إنهم يحتقرون أنفسهم من أن يتوصلوا إلى عبادة الله -جل وعلا- بدون واسطة، ولا واسطة بين المخلوق وخالقه فيما يصعد من المخلوق إلى الخالق، والواسطة لا بد منها فيما ينزل من الخالق إلى المخلوق، يعني هل يمكن أن يوجد مخلوق يتلقى من الله -جل وعلا- دون واسطة؟ يعني جبريل والنبي -عليه الصلاة والسلام- وموسى الكليم، لكن المخلوق العادي الذي ليس من الملائكة ولا من الرسل، لا بد له من واسطة الرسل تبلغهم عن الله -جل وعلا-، أما بالنسبة لما بين المخلوق وخالقه فيما يصعد من المخلوق إلى الخالق هذا لا واسطة فيه، والواسطة شرك -نسأل الله العافية-، كما قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [(3) سورة الزمر] لا نستطيع أن نصل بأنفسنا لا بد من الواسطة، وهنا وهي أصنام من حجارة كان المشركون يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله، لكن شروط الشفاعة إذن الله للشافع، ورضاه عن المشفوع له، هذا لم يتحقق واحد منهما.

ومفعول: أفرأيتم مفعوله الأول .. ؛ لأنه يتعدى إلى مفعولين: "اللات وما عطف عليه"، اللات مفعول أول لرأى وما عطف عليه والعزى ومناة الثالثة "والثاني محذوف، والمعنى أخبروني ألهذه الأصنام قدرة على شيء ما فتعبدونها دون الله القادر على ما تقدم ذكره؟ "، على ما تقدم ذكره، المفعول الثاني محذوف وهو عبارة عن هذه الجملة الاستفهامية: "أخبروني ألهذه الأصنام قدرة على شيء ما فتعبدونها دون الله القادر على ما تقدم ذكره؟ "ولما زعموا أيضاً أن الملائكة بنات الله مع كراهيتهم للبنات" نزل في مواطن كثيرة وصفوا الملائكة بأنها بنات الله، في نصوص كثيرة من القرآن وصفوا الملائكة بأنهم بنات الله، "ولما زعموا أيضاً أن الملائكة بنات الله" يعني زعموا أولاً: أن هذه الأصنام تشفع لهم عند الله، وزعموا أيضاً أن الملائكة بنات الله مع كراهيتهم للبنات نزل قول الله -جل وعلا-: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى} [(21) سورة النجم] إنكار، {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [(21 - 22) سورة النجم] "جائرة" قسمة جائرة، يعني تعرفون أن الذكور أقوى من الإناث، تعلمون أن الذكور أقوى من الإناث فاخترتم الذكور، واخترتم للرب الخالق الرازق الموجد المتصرف المحيي المميت اخترتم له الإناث؟! {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [(22) سورة النجم] "جائرة، من ضازه يضيزه إذا ظلمه وجار عليه"، ومنهم من يهمزه فيقول: ضئزى، من ضأزه يضئزه، إذا ظلمه وجار عليه.

{قِسْمَةٌ ضِيزَى} [(22) سورة النجم] يعني لو افترضنا أنهم عكسوا جعلوا له الذكور ولهم الإناث، قالوا: الذكور أولاد الله بدلاً من الملائكة بنات الله تكون القسمة جائرة وإلا عادلة؟ أو قالوا: النصف والنصف؟ لو قالوا: الذكور أولاد الله والإناث لنا؛ لأنه {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [(21 - 22) سورة النجم] يعني ما عدلتم في القسمة، القسمة جرتم فيها وظلمتم فيها، افترض أنهم قالوا: الذكور أولاد الله والبنات لنا، أو قالوا: النصف والنصف هل يقال: إنهم عدلوا في هذه القسمة؟ لا، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [(3) سورة الإخلاص]. {إِنْ هِيَ} [(23) سورة النجم] "أي: ما المذكورات" من تسمياتكم بآلهتكم اللات والعزى ومناة، وادعائكم أنها تنفع وأنها تشفع، وأنها تستحق العبادة من دون الله -جل وعلا-، حقيقة الأمر أنها لا قيمة لها، وهذه الأسماء على أمور لا وجود لها، {إِنْ هِيَ} [(23) سورة النجم] "أي: ما المذكورات" {إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} [(23) سورة النجم] أسماء سميتموها، الأسماء تسمى أو يسمى بها؟ يسمى بها، ولذلك قال: "أي: سميتم بها"، سميتم بها، {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} [(23) سورة النجم] أسماء سميتموها يعني: "سميتم بها"، وهذا الكلام فيه على الاسم دون المسمى، ولو أريد المسمى لقال: إن هي إلا أسماء يعني مسميات سميتموها بهذه الأسماء فلا نحتاج إلى تقدير، والخلاف في مسألة الاسم والمسمى في الاتحاد والافتراق مسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: إن الاسم هو المسمى، ومنهم من يقول: إن الاسم غير المسمى، والمسألة تحتاج إلى تفصيل، فإذا قلت: ضربت زيداً وقد ضربت جسده بالسوط، ضربت زيداً، قلنا: الاسم هو المسمى، وإذا كتبت زيد في ورقة وأحرقتها وقلت: أحرقت زيداً، قلنا: الاسم غير المسمى، فلا يقال بإطلاق: إن الاسم هو المسمى، ولا يقال بإطلاق: إن الاسم غير المسمى، فإذا قلت: ضربت زيداً ومعك سوط، وضربت جسده قلنا: إن الاسم يراد به المسمى، وإذا كتبت اسمه في ورقة فأحرقتها وقلت: أحرقت زيداً، فإنما تريد بذلك الاسم دون المسمى، وقل مثل هذا في الصورة، يعني هذا اسم زيد

وهذه صورة زيد، بين الصورة والمصور ما بين الاسم والمسمى، {إِنْ هِيَ} [(23) سورة النجم] "أي: ما المذكورات" {إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} [(23) سورة النجم] "أي: سميتم بها"، {أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم} [(23) سورة النجم] "أصناماً تعبدونها" سميتم بهذه الأسماء أصنام تعبدونها، {مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [(23) سورة النجم] ما أنزل الله بها: يعني: "بعبادتها" من سلطان: من "حجة ولا برهان". {إِن يَتَّبِعُونَ} [(23) سورة النجم] (إن) هذه هي النافية، معناها (ما) يتبعون في عبادتها إلا .. ، ولذلك صح الاستثناء بعدها؛ لأنها بمعنى (ما)، {إِلَّا الظَّنَّ} [(23) سورة النجم] يعني مثل ما ذكرنا بالأمس {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(4) سورة النجم] {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} [(159) سورة النساء] هذه بمعنى (ما) وليست المخففة من الثقيلة، ليست هي المخففة من الثقيلة، وإنما هي نافية، ولذلك قال: {إِن يَتَّبِعُونَ} [(23) سورة النجم] يعني: "ما يتبعون في عبادتها" {إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} [(23) سورة النجم] وما تهوى الأنفس: "مما زين لهم الشيطان من أنها تشفع لهم عند الله تعالى"، {وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} [(23) سورة النجم] الشيطان زين لهم، والنفس الأمارة أيضاً تهوى ما يهواه الشيطان. وخالف النفس والشيطان واعصهما ... وإن هما محضاك النصح فاتهمِ {وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} [(23) سورة النجم] "مما زين لهم الشيطان من أنها تشفع لهم عند الله تعالى. {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} [(23) سورة النجم] يعني قامت عليهم الحجة "على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام-، بالبرهان القاطع، والدليل الساطع، فلم يرجعوا عما هم عليه"، فلم يرجعوا عما هم عليه يعني: بعد أن بين لهم الصراط المستقيم، ووضح لهم طريق الهداية، اختاروا طريق الغواية، مختارين بطوعهم واختيارهم بإرادتهم ومشيئتهم التي هي في الأصل تابعة لإرادة الله -جل وعلا- ومشيئته، فلم يجبروا على الكفر، ولم يجبر العاصي على المعصية، إنما وضع فيه من حرية الاختيار ما يختار فيه طريق النجاة أو طريق الهلاك.

{أَمْ لِلْإِنسَانِ} [(24) سورة النجم] أي: جنس الإنسان "لكل إنسان منهم" {مَا تَمَنَّى} "من أن الأصنام تشفع لهم ليس الأمر كذلك"، {أَمْ لِلْإِنسَانِ} [(24) سورة النجم] يقول: "لكل إنسان منهم" مقتضى كون (أل) للجنس، وهذا ما يدل عليه قوله: لكل إنسان أنه منهم ومن غيرهم، أم لكل إنسان منهم ومن غيرهم {مَا تَمَنَّى} "ليس الأمر كذلك"، الإنسان قد يتمنى ولا يحصل له ما تمنى، لكنه قال: أم لكل إنسان منهم يعني من هؤلاء المشركين، ما تمنى من أن الأصنام تشفع لهم، ليس الأمر كذلك. {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [(25) سورة النجم] له الآخرة وله أيضاً الأولى التي هي "الدنيا فلا يقع فيهما إلا ما يريده تعالى" لا يقع إلا ما يريده الرب -جل وعلا-، هنا الآخرة والأولى وهناك الأخرى، قال: صفة ذم، الأخرى صفة ذم للثالثة، معنى أنها تفيد أنها متأخرة، والتأخر في الجملة ذم، وما يزال الإنسان يتأخر عن الصلاة حتى يؤخره الله، فالتأخر صفة ذم، وهنا قال: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [(25) سورة النجم] الأولى: هي الدنيا، والآخرة ما بعد الموت، فهل التأخر هنا ممدوح وإلا مذموم؟ هي آخرة باعتبار أنها .. ، باعتبار الزمن نعم، باعتبار الزمن لا باعتبار تأخر الفعل المطلوب، الشوكاني في ديوانه يقول: قالوا: جئت آخراً ... قلت: جنة الخلد أخرى يعني التأخر ليس بذم مطلقاً، إنما هو التأخر عما يمدح به الإنسان ذم، وقد يكون في التأخر مما سببه التأني والحلم والأناة مدح بخلاف العجلة، وأما التأخر عن المسابقة وعن المسارعة هذا مذموم، وهنا قال: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [(25) سورة النجم] "أي: الدنيا فلا يقع فيهما إلا ما يريده الله تعالى" هي لله، ملك لله تعالى، الآخرة والأولى، الدنيا والآخرة وما فيهما، لا يقع فيهما إلا ما يريده الله تعالى.

{وَكَم مِّن مَّلَكٍ} [(26) سورة النجم] "أي: وكثير من الملائكة" و (كم) هنا خبرية مفيدة للتكثير، مفيدة للتكثير، ولذا قال: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ} [(26) سورة النجم] "أي: وكثير من الملائكة" {فِي السَّمَاوَاتِ} [(26) سورة النجم] "وما أكرمهم عند الله -جل وعلا-! " تعجب، الملائكة لهم منزلة عند الله -جل وعلا-، {وَكَم مِّن مَّلَكٍ} [(26) سورة النجم] يعني: كثير من الملائكة {فِي السَّمَاوَاتِ} [(26) سورة النجم] رغم قربهم من الله وكرامتهم عند الله -جل وعلا- {لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} [(26) سورة النجم] يعني لا تفيد شفاعتهم شيئاً، إن ابتدءوا بها قبل إذن الله -جل وعلا-، لذ قال: {إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ} [(26) سورة النجم] "لهم فيها" في الشفاعة، {إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ} [(26) سورة النجم] "لهم فيها" {لِمَن يَشَاء} [(26) سورة النجم] "من عباده"، {وَيَرْضَى} "عنه"، يأذن للشافع، ويرضى عن المشفوع له، لقوله -جل وعلا-: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [(28) سورة الأنبياء]، لا بد من الرضا عن المشفوع له، يعني يشفع أحد لمشرك لكافر لا يمكن، يشفع لعاصي والله -جل وعلا- ما يرضى عنه، ولا يغفر له هذه المعصية لا يقبل الله شفاعته إلا إذا رضي عن المشفوع له، وأذن للشافع بالشفاعة، ومعلوم أنها لا توجد منهم، يعني من هؤلاء إلا بعد الإذن فيها، {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [(255) سورة البقرة].

ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى} [(27) سورة النجم] قد يقول قائل: هؤلاء لا يؤمنون بالآخرة فلماذا يزعمون أن أصنامهم تشفع لهم؟ ما دام ما في آخرة ما الداعي لهذه الشفاعة؟ كيف يقولون: {إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [(3) سورة الزمر] يزعمون أنها تشفع لهم وهم لا يؤمنون بالآخرة، ما له داعي يطلبون شفعاء عند الله وما في آخرة، ما في بعث بعد الموت، هذا إشكال وإلا ليس بإشكال؟ إشكال وارد، لكنهم عندهم على سبيل التنزل، يعني على .. ، في معتقدهم أنه ما في بعث ولا في نشور ولا آخرة ولا جنة ولا نار، لكن على سبيل التنزل افترض يا محمد إن كلامك صحيح، نعم، هؤلاء بيشفعون لنا، يعني لن يتركونا، وهذا على سبيل التنزل، وإلا فالإشكال وارد ما دام لا يؤمنون بآخرة ما يحتاجون إلى شفعاء، يعني على سبيل التنزل، أو على أنهم يعترفون ببعث لا يوافق ما جاء في النصوص، يعني لا يؤمنون بالآخرة الإيمان لذي ينجيهم أو ينفعهم يؤمنون بها على وجه لا ينفهم كما قال بعض المفسرين، والمنفي هنا {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [(27) سورة النجم] إيمان ينفع الذي هو ركن من أركان الإيمان، {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى} [(27) سورة النجم] "حيث قالوا: هم بنات الله". {وَمَا لَهُم بِهِ} [(28) سورة النجم] بهذا المقول {مِنْ عِلْمٍ} [(28) سورة النجم]، وما لهم به: أي بهذا المقول أنهم بنات الله من علم، (ما) نافية ولهم به يعني: بهذا المقول أن الملائكة بنات الله من علم، و (من) زائدة لتأكيد النفي، (إن) هذه نافية أيضاً معناها (ما) {يَتَّبِعُونَ} [(28) سورة النجم] "فيه" في هذا الكلام، وتسمية الملائكة تسمية الأنثى وغيره، يتبعون فيه {إِلَّا الظَّنَّ} [(28) سورة النجم] الظن: "الذي تخيلوه"، {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [(28) سورة النجم] من الحق يعني: العلم، اليقين، الظن لا يغني من الحق شيئاً يعني: "عن العلم فيما المطلوب فيه العلم".

شوفوا المفسر ماذا قال: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [(28) سورة النجم] كيف مع أن أهل العلم يقولون: أكثر الأحكام ثابتة بغلبة ظن، ثابتة بغلبة ظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، قال المفسر: لا يغني من الحق شيئاً يعني: "عن العلم فيما المطلوب فيه العلم" وهذه المسألة التي هي مسألة الإيمان بالآخرة والإيمان بالملائكة يطلب فيها العلم عنده عند المفسر؛ لأن المسائل عقدية، ومسائل الاعتقاد يطلب فيها العلم يعني اليقين، فلا تثبت بخبر الواحد الذي يفيد الظن، يعني ننتبه لمثل هذه المسائل التي يبنى عليها مسائل كبرى؛ لأنه يقول: أي: "عن العلم فيما المطلوب فيه العلم" يعني هل تجدون من يعلق على الجلالين يبين مثل هذا؟! لأن هذا مهم جداً؛ لأنه يقول: هذه المسائل مسائل عقدية نطلب فيها العلم، ومسائل الاعتقاد لا تثبت بالأخبار الظنية، نعم الأحكام تثبت بأخبار الواحد، بأخبار الآحاد؛ لأنها تفيد الظن، والعقائد لا تثبت إلا بالعلم، ولذلك قال: لا يغني من الحق شيئاً "عن العلم فيما المطلوب فيه العلم" أما ما يطلب فيه الظن كالأحكام تغني، في العقائد لا تغني، وهم يفرقون بين العقائد والأحكام، الأشاعرة وغيرهم يفرقون، فضلاً عن المعتزلة ومنهم فوقهم في الابتداع يفرقون يقولون: العقائد ما تثبت بخبر الواحد، ما تثبت إلا بالخبر اليقيني القطعي، ولذلك يردون أحاديث الصفات؛ لأنها أخبار آحاد، فلا يثبت بها علم، فلا تثبت بها عقائد، والعقائد والأحكام وغيرهما من أبواب الدين كلها متساوية الأقدام، ما يثبت به الأحكام يثبت به العقائد، ما يثبت به العقائد يثبت به الفضائل وهكذا، لكن الظن درجات، يبدأ من أكذب الحديث كما جاء في الحديث الصحيح: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) إلى أن يمر بمثل هذا النص: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [(28) سورة النجم] إلى أن ينتهي بقول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] يقطعون ويجزمون بأنهم ملاقو ربهم، فالظن في النصوص متفاوت، الظن في النصوص بدأ من كونه أكذب الحديث إلى أن ينتهي {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم

مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] يكفي ظن في البعث؟ في ملاقاة الرب؟ ما يكفي، الظن ما يغني، لكن هذا الظن يقيني، فالظن ليس إطلاقه واحد في النصوص، فيطلق ويراد به أكذب الحديث، يطلق ويراد به ما لا يغني عن الحق شيئاً، يطلق ويراد به الاحتمال الراجح وهو الذي استقر عليه الاصطلاح عند أهل العلم، ويطلق ويراد به ما هو بإزاء العلم اليقيني القطعي، وإلا فهم يقسمون المعلوم يقولون: ما عنه الذكر الحكمي إما ألا يحتمل النقيض فهذا هو العلم، أو يتحمل النقيض المرجوح، يحتمل النقيض المرجوح فالراجح هو الظن، والمرجوح هو الوهم، والمساوي هو الشك، والمساوي هو الشك، هذا الاصطلاح لا شك أنه حادث، يعني من ضمن الاصطلاحات العلمية المقررة في العلوم الشرعية لكنها لا تعارض بها النصوص، ما ننزل الظن الذي هو الاحتمال الراجح على جميع ما جاءنا في النصوص؛ لأن الحقائق العرفية الاصطلاحية قد تختلف مع الحقائق الشرعية، فالعبرة بالحقائق الشرعية حينئذٍ.

هناك اصطلاحات سواءً كانت في علوم القرآن أو علوم الحديث أو أصول الفقه أو غيرها، اصطلاحات حادثة، وقد يكون في بعضها مخالفة لبعض النصوص، يعني من الحقائق العرفية: الألوان، من الحقائق العرفية: الألوان، والألوان تختلف من وقت إلى وقت، تختلف من وقت إلى وقت، يعني مر علينا في تفسير القرطبي: "ولونه قرمزي" إيش معنى قرمزي؟ هذا العرف يعني إلى قبل ربع قرن معروف عندنا، ثم صار الناس يقولون: بنفسجي، ثم صار الناس الآن يقولون: موف، ثم صار .. ، الألوان متطورة، يعني أنا أريد أن أقرر مسألة أن الحقائق العرفية لا تعارض بها النصوص الشرعية، يعني لو أن شخصاً أقسم بالله العظيم أنه من عمره من ولد إلى يومه هذا ما رأى جمل أصفر، والله -جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] يقول: والله ما شفت جمل أصفر، الأصفر هذا عندنا في عرفنا هذا التمر مثلاً، لونه قبل أن يكون تمراً لونه أصفر، صح وإلا لا؟ هل في جمل بهذا اللون؟ في جمل بهذا اللون؟ ما في جمل بهذا اللون، فهو يحلف على الحقيقة العرفية ولذلك لا يحنث ولا يأثم، كما قلنا بالأمس: من حلف ألا يستظل بسقف وألا ينام على فراش، فنام على الأرض تحت السماء، السماء سقف والأرض فراش يحنث وإلا ما يحنث؟ ما يحنث، لذلك على طالب العلم أن يكون متنبه لمثل هذه الأمور؛ لأنه لو سمع من يقول: والله ما شفت جمل أصفر، قلنا: عارض القرآن وكابر، القرآن يثبت جمل أصفر، نقول: هو على حسب الحقيقة العرفية، الحقيقة العرفية معتبرة في بعض الأبواب الشرعية، يعني الأيمان والنذور مبناها على العرف، اللباس عرفي عند أهل العلم، على كل حال ننتبه لمثل هذه الأمور، فالظن العرفي الاصطلاحي عند أهل العلم: الاحتمال الراجح، في النصوص متفاوت يبدأ من أكذب الحديث إلى أن يفيد العلم القطعي اليقيني، ولذلك كثير من الإخوان الآن من باب غيرتهم على العقيدة ينزل بقوة على تقسيم الأخبار، وأن هذا يفيد الظن ... ، نقول: لا، ما في إشكال -إن شاء الله-، ما في إشكال، إذا قلنا: إن الظن هو الظن الاصطلاحي وهو الاحتمال الراجح، قلنا: تثبت به الأحكام، تثبت به العقائد، تثبت به الفضائل ويش المانع؟ لأن ويش معنى ظن؟ خبر

الثقة يفيد ظن وإلا قطع؟ إذا قلنا: قطع معناه أنه لا يحتمل النقيض، يعني مالك جميع أخباره مطابقة للواقع؟ يعني ما يمكن أن يخطئ؟ أخطأ مالك نجم السنن. . . . . . . . . . ... ومالك سمى ابن عثمان عمر غيره كلهم يقولون: عمرو بن عثمان من الشيوخ والعلماء والحفاظ يقولون: عمرو بن عثمان، ووجدت هذه النسبة تنزل خبر مالك من مائة بالمائة إلى تسعة وتسعين أو سبعة وتسعين أو خمسة وتسعين بالمائة هذا احتمال راجح، لكن يبقى أن خبر مالك حجة ومقبول يجب العلم به، لكن ما تستطيع أن تقول: إن مالك أصاب وأخطأ غيره، يعني هذا مع الأحاديث التي يتخلف فيها مالك مع غيره من الحفاظ، فالمسألة اصطلاحية لا أثر لها في عقائد ولا غيرها، نعم قد يخشى من الالتباس على عوام، على أنصاف متعلمين، يبين لهم، ولا شك أن الذي يتكلم في هذه الموضوعات لا نشك أن الباعث على مثل هذا الكلام ومثل هذا التشديد الغيرة على العقيدة، يعني ما نشك في هذا، لكن أيضاً عموم المسلمين جروا على هذا من الاصطلاحات كلها ووجدت في سائر الفنون، يعني ما نهدم هذه الاصطلاحات التي نفع الله بها نفعاً عظيماً، وما يعارضها من النصوص أو ما تعارضه من النصوص العبرة بالنص، العبرة بالنص. {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا} [(29) سورة النجم] "أي: القرآن" {وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [(29) سورة النجم] يعني ما له في الآخرة أدنى نظر، دعوته ونصحته، جادلته، ناقشته، حاولت هدايته ما في، تولى عن ذكرنا يعني: القرآن، ولم يرد إلا الحياة الدنيا هذا أعرض عنه، يقول أهل العلم: إن هذه منسوخة بآية السيف، ولذا قال: "وهذا قبل الأمر بالجهاد"، ومنهم من يقول: إنه لا معارضة بين هذا الأمر بالإعراض وبين الأمر بالجهاد، يقول: يجادل ويناقش بالتي هي أحسن، بالأسلوب المناسب، ما استجاب يجاهد، يقاتل، وما في تعارض حينئذٍ.

{فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا} [(29) سورة النجم] "أي: القرآن" {وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [(29) سورة النجم] "وهذا قبل الأمر بالجهاد"، {ذَلِكَ} [(30) سورة النجم] "أي: طلب الدنيا" {مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ} يعني: مبلغ أولئك الكفار، هذا مبلغهم من العلم، ما عندهم غير هذا، هذا الذي أوصلته إليهم عقولهم، "أي: نهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة"، فخابوا وخسروا، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [(30) سورة النجم] الله -جل وعلا- لا يخفى عليه حال أحد من خلقه، لا تخفى عليه خافية، لا تظن أن هذا الذي ضل بيخفى على الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك بطريقة أو بأخرى يدخل الجنة مع أهل الجنة، لا، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ} [(30) سورة النجم] وسوف يجازيه بما يستحق؛ لأنه لا تخفى عليه خافية، وهو أعلم بأمور الناس وأحوالهم، يعني في أمور الدنيا قد يخفى أمر فلان أو علان على الناس، فيمدح مثلاً وهو لا يستحق المدح؛ لأنه تظاهر بمظهر يستحق به المدح، عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية راوٍ من الضعفاء ومالك شديد في التوثيق ومع ذلك وثقه، ثم قال: "غرني بكثرة جلوسه في المسجد" وثقه بهذا، لكن الله -جل وعلا- الذي يعلم السر وأخفى يمشي عليه مثل هذه الأمور؟ المدرس قد يتوسم في طالب النجابة والذكاء وهو على خلاف ذلك، فيعطيه من الدرجات أكثر مما يستحق، وينجح بها ولا يستحق النجاح، لكن {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [(30) سورة النجم] أي: "عالم بهما فيجازيهما" يعني إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [(31) سورة النجم] أي: "هو مالك لذلك" اللام للملك، هنا للملك، وتأتي لشبه الملك، القفل للباب، والجل للفرس وهكذا، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [(31) سورة النجم] أي: "هو مالك لذلك، ومنه الضال والمهتدي" أي ملك أيضاً، وإن ضل فهو ملك لله، وإن اهتدى فهو ملك لله -جل وعلا-، وهو الذي "يضل من يشاء ويهدي من يشاء" يضل من يشاء ويهدي من يشاء، يعني كتب على الإنسان وهو جنين في بطن أمه شقي أو سعيد، وهو الذي يضل وهو الذي يهدي، بإرادته وكونه القدري، وقد طلب منه الهداية فلم يهتد، طلب منه شرعاً أن يهتدي، ولا تعارض بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، لماذا؟ ولا ظلم ولا جبر، يضل من يشاء ويهدي من يشاء خلافاً للقدرية، خلافاً للقدرية الذين يرون أن الإنسان يستقل بإرادته ومشيئته دون أن تكون إرادته تبعاً لإرادة الله -جل وعلا- ومشيئته، القدرية النفاة للقدر، وأيضاً خلافاً للجبرية الذي يقولون: إن الإنسان من قوله: {يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء} [(93) سورة النحل] {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] يقولون: الإنسان مجبور، وتعذيبه ظلم، لا هذا ولا هذا، الإنسان له إرادة ومشيئة، وله حرية وله اختيار، لكنها مربوطة بإرادة الله ومشيئته، فالذي يقول: إنه كتب الله عليه الضلالة فلن يصلي ولن يصوم، ولن ليش يتعب والله كتب .. ؟ نقول: وما الذي يدريك أن الله كتب عليك الضلال؟ تعلم الغيب؟ وما يدريك لعل الله كتبك من المهتدين؟ فأنت الذي اخترت ترك الصلاة، ترك الصيام، ترك العبادات، فعل المنكرات، هل حاول إنسان أن يقوم إلى الميضأة فيتوضأ ثم يذهب إلى المسجد فعجز، ما في أحد حاول وعجز أبداً، له حرية وله اختيار، لكن هذه الحرية كل إنسان يدرك هذا من نفسه، يعني الجبر يستعمله في أمور الدين، يقولون: هو مجبور لا يستطيع أن يفعل، يعني من الجبرية لا من أهل السنة، معروف أهل السنة مذهبهم واضح ووسط بين القدرية النفاة وبين الجبرية، يعملون بالنصوص كلها، لكن لو أن جبرياً جاء شخصاً فضربه بحث عنه قال: أنت الذي ضربتني، قال:

والله يا أخي أنا مجبور أنا ما لي حرية ولا اختيار، مجبور على ضربك، شوف الذي جبرني هو .. ، بحريتك واختيارك ضربت، إذن بحريتك وخيارك تركت الصلاة وتركت غيرها من الأعمال، فلا جبر، فلا جبر ولا اختيار ولا حرية إلا مربوطة باختيار الله -جل وعلا- وإرادته ومشيئته، وليست هناك خيرة مطلقاً للمكلف، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] نفى الرمي وأثبته، نفى الرمي المستقل من الإنسان وأثبته، أثبت له الرمي المربوط بإرادة الله -جل وعلا-، إذ رميت، أثبت له الرمي، يعني في أحد يأخذ حجر ولا يستطيع أن يرميه؟ ما يمكن، هذا كله القدرة موجودة، يعني نعم الفرق بين القدرة بين أهل السنة والأشاعرة في القدرة. . . . . . . . . تفصيلات هذه كثيرة جداً في المسألة. أهل السنة يقولون: عنده قدرة مبيتة وقديمة وخلق على هذه القدرة، يعني متى شاء أخذ حجر ورماه، يقول الأشعرية: لا ما عنده قدرة، القدرة مع الفعل، يعني أخذ حجر ورماه وجدت القدرة هنا، الاستطاعة وجدت مع الفعل ما توجد قبله، وما رميت إذ رميت: ما أصبت إذ رميت يعني: إذ حفت الحجر ما أصبت، ولكن الله هو الذي أصاب؛ لأنك قد ترمي حجر فتصيب به الهدف الله الذي -جل وعلا- أصابه، بدليل أنك تأخذ حجر ثاني وترميه ما تصيب، فليست الإصابة بيدك، الرمي بيدك، لكن الإصابة ليست بيدك.

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [(31) سورة النجم] أي: "هو مالك لذلك، ومنه الضال والمهتدي، يضل من يشاء ويهدي من يشاء"، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا} [(31) سورة النجم] "من شرك وغيره" بأعمالهم السيئة يجزيهم، {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا} [(31) سورة النجم] "بالتوحيد وغيره من الطاعات" {بِالْحُسْنَى} التي هي: "الجنة" التي فيها الثواب العظيم الذي تقدم شيء منه، أي: "الجنة، وبين المحسنين بقوله .. " ليجزي الذين أحسنوا من الذين أحسنوا؟ بينهم "بقوله: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [(32) سورة النجم] يجتنبون كبائر الإثم والفواحش يعني: من عطف الخاص على العام؛ لأن الفواحش كبائر، من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، وضابط الكبيرة: ما فيه حد في الدنيا أو عقوبة في الآخرة، يعني ما جاء فيه الوعيد بالنار أو لعن صاحبه، أو رتب عليه حد في الدنيا، هذه كبائر وفواحش، منها فواحش كا .. لا سيما ما يتعلق بالزنا واللواط وما أشبه ذلك كلها فواحش، {إِلَّا اللَّمَمَ} [(32) سورة النجم] هذا الاستثناء إما أن يكون متصلاً وإما أن يكون منقطعاً، فإن كان اللمم من جنس الكبائر والفواحش قلنا: استثناء متصل؛ لأن المستثنى من جنس المستثنى منه، فاللمم يكون من الكبائر، لكن يلم به ويتوب منه، يعني يزني مرة يتوب منها، يسرق مرة يتوب منها ولا يعود إليها، يشرب مرة ويتوب منها ولا يعود إليها، هذا لمم، يلم بالمعصية، يلم بالكبيرة، يلم بالفاحشة مرة، زلة، هفوة، ثم يتوب منها ويقلع عنها، هذا لمم، وحينئذٍ يكون الاستثناء متصلاً، ومنهم من يقول: إن الاستثناء منقطع، والمستثنى ليس من جنس المستثنى منه، يعني إذا قلت: قام القوم إلا زيداً استثناء متصل؛ لأن المستثنى من جنس المستثنى منه، إذا قلت: قام القوم إلا هنداً متصل وإلا منقطع؟ يعني على الخلاف في دخول النساء في القوم، لا يسخر قوم من قوم ولا نساء من نساء، فالنساء على هذا لا تدخل في القوم، وإذا قلنا: قام القوم إلا حماراً هذا الاستثناء منقطع بلا شك، فإذا كان اللمم من جنس الكبائر من جنس

الفواحش، ألم به فتاب منه ولم يعد إليه قلنا: هذا لمم، وهذا أيضاً داخل في الذين أحسنوا؛ لأن التوبة بشروطها، التوبة النصوح إحسان، وإذا قلنا: إن الاستثناء منقطع فيكون اللمم من غير ما تقدم، من غير ما استثني منه، من غير الفواحش، من غير الكبائر، هو يقول: "هو صغار الذنوب" يعني ليست كبائر ولا فواحش إذن الاستثناء منقطع، "كالنظرة والقبلة واللمسة فهو استثناء منقطع والمعنى لكن اللمم يغفر باجتناب الكبائر" مراده أن الصغائر مكفرة، الصغائر مكفرة، تكفر باجتناب الكبائر {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] يعني الصغائر فهي مكفرة باجتناب الكبائر وبهذه الآية بهذا الاستثناء، وهي مكفرة بالصلوات الخمس، مكفرة برمضان إلى رمضان، مكفرة بالعمرة إلى العمرة، وهكذا المكفرات كثيرة.

{إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [(32) سورة النجم] واسع المغفرة: حيث يغفر هذا اللمم وهذه الصغائر ولو لم يتب منها بل بمجرد اجتناب الكبائر، مجرد فعل الطاعات مع سعة رحمة الله -جل وعلا- ومغفرته، وإلا فالأصل أن الإنسان محاسب بما يعمل مجزي به حتى الصغائر، لكن {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [(32) سورة النجم] "بذلك وبقبول التوبة, ونزل فيمن كان يقول: صلاتنا، صيامنا، حجنا" يعني الذي في المجالس يتحدث: أنا والله صليت، أقوم الليل، أصوم النهار، أحج، أفعل، أترك، أتصدق، نزل في مثل هذا قول الله -جل وعلا-: {هُوَ أَعْلَمُ} [(32) سورة النجم] هو أعلم: يقول المفسر: "أي: عالم" لماذا؟ {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ} [(32) سورة النجم] يقول: أعلم بمعنى: عالم، أعلم أفعل تفضيل لماذا لا تبقى على بابها؟ وعالم ما فيها تفضيل ولا فيها مبالغة ولا فيها شيء من ذلك؛ لأن أفعل التفضيل تأتي لاثنين اشتركا في وصف أو أكثر، اشتركا في وصف فاق أحدهما الآخر في ذلك الوصف، يعني اشتركا في الوصف، إذا قلنا: أعلم أفعل تفضيل وهي على بابها أثبتنا أن مع الله -جل وعلا- من يعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض، يعلم مع الله -جل وعلا-، لكن الله -جل وعلا- فاق هذا الذي يعلم، لكن قالوا: عالم من أجل ألا يشاركه أحد؛ لأن أفعل التفضيل هذا مقتضاها، إذا قلنا: إنها على بابها قلنا: إنه يوجد من يشترك مع الله -جل وعلا- في العلم بمن أنشأ، أو بما أنشأ، أو إذ أنشأ يوجد من يشارك الله -جل وعلا- في هذه الصفة، لكن الله -جل وعلا- أعلم منه، ولذلك قال المفسر: {هُوَ أَعْلَمُ} [(32) سورة النجم] "أي: عالم" {بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ} [(32) سورة النجم] "أي: خلق أباكم" أنشأكم يعني أنشأ أصلكم من الأرض "أي: خلق أباكم آدم من التراب" أنشأكم من الأرض يعني: من التراب، خلق آدم من تراب بلا شك، والأرض والتراب يطلق ويراد بهما شيء واحد، وإن كان التراب جنس خاص مما يعلو على الأرض، {إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ} [(32) سورة النجم] "أي: خلق أباكم آدم من التراب"، {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [(32) سورة

النجم] أجنة: "جمع جنين" جمع جنين سمي بذلك لاجتنانه واستتاره في بطن أمه، ومن ذلك الجنة مستورة عن الأنظار الآن، وهي أيضاً تجن من دخلها تخفيه وتستره، والجن مستترون عن أعين الناس، إذ أنتم أجنة والمجن الذي يلبسه المحارب لأنه يستره، {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ} [(32) سورة النجم] "جمع جنين" {فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} الله -جل وعلا- ما يحتاج أن تقول: فعلت، وفعلت وفعلت، هل تظن أنك فعلت شيئاً يبي يفوت عليك؟ ما يكتب في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق] يعني كأنه بهذا يذكر الله -جل وعلا- يقول: صمنا صلينا، فإما أن يكون هذا أو يكون يقصد به الرياء عند من يسمعهم هذا الكلام، لا تزكي نفسك، الله -جل وعلا- الذي يعلم بك، إذ أنشأك من الأرض، أنشأ أصلك من التراب، {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [(32) سورة النجم] في البطون يعلم بك فكيف لا يعلم عملك الظاهر؟ {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} [(16) سورة الحجرات] وبهذا رد على من يجهر بالنية؛ لأن الله -جل وعلا- أعلم بك وأنت في بطن أمك، فكيف لا يعلم بصلاتك التي تؤديها بين يديه -جل وعلا-؟!

{فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [(32) سورة النجم] يعني: لا تمدحوها "لا تمدحوها على سبيل الإعجاب" نحن فعلنا، نحن تركنا، لا؛ لأن حب المدح والثناء هذا قدح في الإخلاص، قدح في الإخلاص، وابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول في كتاب الفوائد: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء بسكين علمك أنه لا أحد مدحه ينفع ولا ذمه يضر إلا الله -جل وعلا-" ما في أحد ينفع مدحه ولا يضر إلا الله -جل علا-، فكيف تعرض نفسك تبدي ما فعلته لله -جل وعلا- مخلصاً فيه ثم بعد ذلك تنشره أمام الناس ليمدحوك؟! وإن كان بعض أهل العلم يستنبط من قول الله -جل وعلا-: {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} [(188) سورة آل عمران] أن محبة المدح بما يفعله الإنسان لا يدخل في الذم، لكن يبقى أنه لا بد أن يخدش في الإخلاص، إذا ذكر ذلك على سبيل الإعجاب لا بد أن يقدح في الإخلاص، يقول: "لا تمدحوها أي على سبيل الإعجاب، وأما على سبيل الاعتراف بالنعمة فحسن" يعني إذا أردت أن تبين للناس أن الله -جل وعلا- وفقك ويسر لك الحج ما في إشكال، يعني على سبيل الاعتراف بالنعمة، يسر لك مثلاً كتاب كذا الذي تستعين به على فهم العلم، يسر لك شيء من أمورك التي تنفعك، لا شك أن هذا لا بأس به، قالوا: هذا من التحدث بالنعمة، أما المحذور تزكية النفس بالتحدث بما فيها، أو بما فعله الإنسان من خير على سبيل الإعجاب. والعجب فاحذره إن العجب مجترفٌ ... أعمال صاحبه في سيله العرمِ {هُوَ أَعْلَمُ} [(32) سورة النجم] أي: "عالم" أيضاً، هو أعلم أي: عالم، {بِمَنِ اتَّقَى} [(32) سورة النجم] بمن اتقاه وجعل بينه وبين عذابه وقاية بفعل المأمورات وترك المحظورات، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة القمر (1)

تفسير الجلالين - سورة القمر (1) من الآية 1 إلى الآية 17 الشيخ: عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فأرى الأخوة ليسوا بحاجة إلى تذكيرهم بأهمية تفسير القرآن فهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، وأنه أهم العلوم وأشرفها لشرف الغاية والمقصد التي هي معرفة كلام الله -جل وعلا-، وإذا كان الناس في أمورهم العادية يهتمون اهتماماً بالغاً بما يأتيهم من مراجعهم ورؤسائهم، فتجد الأنظمة واللوائح إذا وردت على الدوائر الرسمية من الجهات العليا يجتمعون لها، فترى المدير يجمع الوكلاء رؤساء الأقسام، ويتدارسون هذه اللوائح وهذه الأنظمة، وإذا أشكل عليهم شيء سألوا عنه وتثبتوا وطلبوا لوائح تفسيريه فيكف بما يتعلق بكلام الله -جل وعلا-؟. المسلم مطالب بأن يفهم عن الله -جل وعلا- كلامه وأن يتدبره ليعمل به، أقول إذا كانت العناية بكلام البشر بهذه القوة والاهتمام من قبل المرؤوسين في فهم كلام الرؤساء، وهم بشر مثلهم يصيبون ويخطون، فكيف بكلام -جل وعلا- الذي تعبدنا بتلاوته؟ مجرد قرأت القرآن رتب عليها من الأجور العظمية ما لا يقدر قدره إلا الله -جل وعلا-، -يعني مجرد التلاوة- كلام الله -جل وعلا- الذي من قام يقرأه كأنما خاطب الرحمن هو الكتاب الذي من قام يقرأه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلم هذه مجرد قراءة مجرد تلاوة، فكيف بالقدر الزائد على ذلك، مما أمر به من تدبر وترتيل وفهم لكلام الله -جل وعلا- من أجل العمل؟ إذ لا يستطيع ويتمكن من العمل إلا من فهمه لا يستطيع أن يعمل إلا من فهمه فلا بد من فهم كلام الله-جل وعلا- ولابد من الاهتمام به، ولا بد من العناية به من جميع الوجوه، ولهذا بدأنا بتفسير المفصل موزعاً على مناطق متعددة، واعتمدنا في التفسير ليكون بأيدي الإخوان تفسير الجلالين؛ لأن الكلام المرسل هكذا دون تقيد بكتاب معين لا ينتهي، قد يكون الكلام والاستطراد في آية على حساب آيات أخرى، وإذا كان بأيدينا كتاب استطعنا أن نحدد البداية والنهاية، وعرفنا متى نبدأ، ومتى ننتهي.

الصورة المقررة في هذه الدورة في الأيام الثلاثة هي "سورة القمر"، وتفسير الجلالين كما هو معروف، لكن من باب التكرير والتذكير مؤلف من قبل شخصين، يقال لكل منهما جلال الدين. الأول: جلال الدين المحلي ابتداء التفسير من الكهف إلى أن وصل إلى نهاية القرآن، ثم شرع من أوله ففسر الفاتحة، ثم بعد ذلك جاء الجلال جلال الدين السيوطي فأكمله بدء من البقرة إلى نهاية الإسراء، ولهذا يقال له: تفسير الجلالين، والتفسير محل عناية من قبل أهل العلم، وكثرة عليه الحواشي والتعليقات، وكثر من يدرسه ويدرسه من أهل العلم وطلابه، فهو محل عناية وهو جدير بهذا العناية خليق بها؛ لأنه تفسير متقن مضبوط متن متين، يصلح أن يربى عليه طالب العلم في التفسير، يراجع عليه ما أشكل من أمهات كتب التفسير؛ لأن فيه وعورة، فيه صعوبة، وهذا هو السر في كونه يصلح لأن يربى عليه طالب علم. فيه أيضاً بعض المخالفات، مخالفات عقدية ينبه عليها في مواضعها، المقصود أن الكتاب كتاب نفيس ومتين. وأما بالنسبة للكتب السهلة الميسرة من تفاسير مختلفة هذه يقرأها المثقف العادي ما يحتاج أن يراجعها عليها أحد، أما بالنسبة لهذا الكتاب فهو متن يصلح لأن يشرح ويدرس، ويتعلم عليه طالب العلم الذي يريد أن يؤصل نفسه بقوة. يقول -رحمه الله تعالى-: "سورة القمر" معروف أن السورة تسمى بكلمة ترد فيها، اختير القمر هنا؛ لأنه هو الآية الآفتة للنظر في هذه السورة، وإلا بالإمكان أن يقول قائل لماذا لم تسمى بصورة الساعة؟ الساعة أشير إليها في مواضع من القرآن كثيرة، بينما انشقاق القمر، القمر أيضاً أشير إليه في مواضع، لكن انشقاقه اللي هو الآية التي طلبها المشركون من النبي -عليه الصلاة والسلام- وتحققت خارقة للعادة، لا شك أنها أنبه ما في هذه السورة مما يمكن أن يسمى بها.

يقول: "سورة القمر"، هنا في العنوان عنوان السورة لو رأيتم في المصحف، وجدتم "سورةُ القمرِ" مضاف إليه كذا، هذا الأصل لكنهم في القرآن في الغالب إنما يذكر بالحكاية، باللفظ الإلهي، وما جاء في كلام الله-جل وعلا- القمر مرفوع {انشَقَّ الْقَمَر} [(1) سورة القمر] فهل يمكن أن يقول: سورة القمرُ، كما يقول: سورة المنافقين أو المنافقون؟ المنافقون {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ} [(1) سورة المنافقون] على الحكاية، سورة المؤمنين أو المؤمنون؟ نعم المؤمنون، فالأصل أن يحكى اللفظ الإلهي في التسمية، وإلا فليقل سورة المؤمنين؛ لأنه مضاف إليه، سورة المنافقين مضاف إليه، وعلى هذا طرداً لهذا أن يقال، أن يقال: سورة القمر، وأن كان الوقف يعني لو قيل سورة القمر ماشي؛ لأنه الوقوف أيضاً على رؤوس الآي كلها ساكنة. {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر* وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [(1 - 2) سورة القمر] مستقر، مستمر، مزدجر كلها ساكنة، لكنها ضبطت بالكسر في المصحف، وإلا لو تركت قلنا: إنها على الحكاية على السكون. يقول: مكية، فائدة معرفة المكي من المدني معروفة عند أهل العلم، يتكلمون فيها في علوم القرآن، ويعنون بذلك أهل التفسير عناية فائقة في بيان المكي والمدني، والاستثناء ممكن الاستثناء منه لمعرفة المتقدم من المتأخر، الناسخ من المنسوخ، هذه فائدة معرفة المكي من المدني.

والقول المرجح عند أهل العلم أن مكي ما نزل قبل الهجرة ولو كان نزوله خارج مكة، والمدني ما نزل بعد الهجرة ولو نزل بمكة عام الفتح أو حجة الوداع يقال له مدني لماذا؟ لأنه ليس المقصود المكان، المكان ليس مقصوداً، وإنما المقصود معرفة المتقدم من المتأخر، ومعرفة ذلك بالزمن، والزمن إنما يكون في وقت محدد، واصطلح العلماء على الهجرة في كثير من أمور الدين، ومنها معرفة المكي من المدني، ما نزل قبل الهجرة مكي، وما نزل بعد الهجرة مدني، وما نزل في وقت الهجرة أثناء الهجرة ينص عليه عند أهل العلم؛ لأنه في البرزخ بين المكي والمدني، مكية إلا {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} ٍ [(45) سورة القمر] ومنهم من يقول: إلا ثلاث آيات {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} الآية، الآيةَ يعني أكمل الآية، الحديثََ يعني أكمل الحديث. {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [(45) سورة القمر] وهي خمس وخمسون آية على خلاف بينهم في العد، على اعتبار البسملة آية من السورة أو ليست بأية، والخلاف بين أهل العلم معروف في مسألة البسملة، هل آية من كل سورة؟ أو هي أية واحدة نزلت في الفصل بين السور، أو أية من الفاتحة فقط، أو ليست بآية مطلقا؟ بعد إجماعهم على أنها بعض آية من سورة النمل، وليست بآية في سورة التوبة، هذا محل اتفاق. يقول -رحمه الله تعالى-: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(1) سورة الفاتحة]، الآية مثبتة إجماعاً في صدر السورة كما هو معروف ولا يحتاج إلى كلام.

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} يقول المفسر: "قربت القيامة" اقتربت: يعني قربت، الفعل المجرد قرب، والمزيد اقترب والمعنى واحد، المعنى واحد ولذلك قال: اقتربت بمعنى قربت، إلا أن زيادة المبنى عند أهل العلم تدل على زيادة المعنى غالباً، زيادة المبنى يعني عندنا زيادة أكثر من حرف في اقتربت، لو قرنا بين اقتربت وقربت وجدنا الفرق همزة الوصل والتاء، قالوا: زيادة المبنى، زيادة الحروف في الكلمة تدل على زيادة المعنى غالباً، لئلا يرد على هذا اسم الفاعل مع صيغة المبالغة "فعل" مثل: حاذر وحذر، حذر أبلغ في المعنى من حاذر، وإن كانت حاذر أكثر في الحروف {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} يعني قرب قيامها وأزف مجيئها {أَزِفَتْ الْآزِفَةُ} [(57) سورة النجم] في السورة التي قبلها، أزفت قربت والآزفة القيامة، والساعة أمر أخفاه الله-جل وعلا- عن جميع المخلوقين لم يطلع عليها أحد لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، ولما سأل جبريل النبي -عليه الصلاة والسلام- عنها قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، يستوي فيها جبريل ويستوي فيها أجهل الناس.

وفي قوله -جل وعلا-: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] يعني ظاهر اللفظ يدل على أنه أظهرها، لكنه إظهار لم يطلع عليه إلا النادر من الناس أو من الخلق؛ لأن كاد إذا أثبت غير كاد إذا نفي {أَكَادُ أُخْفِيهَا} يعني يقرب إخفائها، {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] يقرب عدم فعلهم لها، مع أنه لم يطلع عليها أحد، ولا جبريل ولا محمد ولا من دونه، ولذا يقول العلماء في قوله-جل وعلا-: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} حتى عن نفسي يعني مبالغة في إخفائها، مقتضي قوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} يعني قرب إخفائها، فمعناه أنه أظهرها إظهاراً قريباً من الخفاء والإخفاء، والواقع أنه أخفاها لم يظهرها لأحد، ولذا يقول جمع من المفسرين: أن معنى {أَكَادُ أُخْفِيهَا} يعني حتى عن نفسي مبالغة في إخفائها، وبهذا نعلم خطأ من قدر قيام الساعة بمقدمات باطلة فمن قائل يقول: إن الساعة تقوم سنة ألف وأربع مائة، ومن قائل يقول: إن الساعة تقوم سنة ألف وأربع مائة وسبعة، وللسيوطي كتاب اسمه: "الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف"، طيب من قال: ألف وأربع مائة، قال: إن عمر هذه الأمة هو وقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس، وهذا بالنسبة للنهار الخمس، والخمس سبعة آلاف، ألف وأربع مائة، هل يصلح مثل هذا أن تعارض به النصوص القطعية في الثبوت والدلالة؟ من قال: ألف وأربع مائة وسبعة، قال: لا تأتيكم إلا بغتة، وبغتة بحساب الجمل ألف وأربع مائة وسبعة ومثل هذا تعارض به النصوص القطعية؟ كلا، وهذا نظير ما قاله اليهود في مدة هذه الأمة لما نزل قول الله-جل وعلا-: {الم} [(1) سورة البقرة] قالوا: عمر الأمة سبعون سنة، دين مدته سبعون سنة ما يستحق أن يدخل فيه الإنسان حساب الجمل، هذا باطل بلا شك {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [(34) سورة لقمان] إلى آخر الخمس التي لا يعلمها إلا الله-جل وعلا-.

قد يقول قائل: إن هذا الخمس التي لا يعلمها إلا الله-جل وعلا- والحصر إنما جاء في الحديث الصحيح، ((في خمس لا يعلمهن إلا الله)) وإلا قد ينازع من ينازع في الآية أنها لا تدل على حصر {إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}، وإن كان تقديم المعمول على العامل يدل على الحصر مثل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة] يدل على الحصر، وقد يقول قائل: إن الأطباء الآن يعرفون ما في الأرحام، وإذا توصلوا بآلاتهم إلى معرفة ما في الأجنة فلا يبعد أن يصل الناس إلى معرفة وقت قيام الساعة، ما نفاه الله -جل وعلا- لا يمكن إثباته، لا يمكن إثباته حتى ولو قال الأطباء ما قالوا، يبقى أنه لا يعلم ما في الأجنة إلا الله-جل وعلا-، وعلى الكيفية التي يعملها الله-جل وعلا- لا يمكن أن يعرفها أحد، نعم إذا عرف الملك واطلع عليها الملك انتهى عند إرادة الغيب، إذا بلغ الأربعة الأشهر وأرسل إليه الملك انتهى يمكن أن يطلع عليه الأطباء هذا ما في إشكال، لكن قبل ذلك لا يمكن، وإذا اطلعوا عليه من جهة فلن يطلعوا عليه من جهات أخرى التي نفاه الله-جل وعلا- لا يمكن أن يطلعوا عليه، وأمة محمد -عليه الصلاة والسلام- أمة إتباع واثر واقتفاء حتى لو قالوا ما قالوا لا نصدقهم، والتصديق والتكذيب مرده إلى الشرع، مرده إلى مطابقة الشرع وعدم مطابقته، فإن طابق الشرع فهو صدق، وإن خالفه فهو كذب وإن كان مطابقاً للواقع، ولهذا لو ذهب أحد إلى كاهن وأخبره بما يطابق الواقع يجب عليه أن يقول: كذبت، أولاً: لا يجوز له أن يذهب، لكن إذ ذهب وأخبره بالواقع وذكر له القصة والحادثة بتفاصيلها كما هي في الواقع، يجب أن يقول: كذبت وهو كاذب في هذا وإن صدق؛ لأن المسألة مسألة شرعية يجب عليه أن يكذبه، والقاذف كاذب ولو رأي بعينه ما لم يأتي بالشهداء الأربعة.

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} يقول: قربت الساعة {وَانشَقَّ الْقَمَر}، يقول: "انفلق فلقتين على أبي قبيس وقعيقعان آية للنبي -عليه الصلاة والسلام- وقد سئلها" طلبوا منه آية مجملة فانشق القمر إلى نصفين، أو طلبوا منه ذلك، طلبوا منه انشقاق القمر فانفلق نصفين على أبي قبيس وقعيقعان، -يعني جبلان معروفان في مكة- أبي قبيس جبل معروف، وإن كانت العمليات الإصلاحية التي يسوونها لخدمة الحجاج قضت على بعض هذه المظاهر فأبو قبيس تصرفوا فيه وكانوا يعايون به يقولون الذي على جبل أبي قبيس يرى الطائف كم بين أبي قبيس والطائف؟ الآن ما يرى الطائف، كم بينها. طالب. . . . . . . . . نعم الذي يطوف بالكعبة الذي يسمع يقول: كيف سبعين أو ثمانين كيلو يشوف الواحد؟ مو بصحيح لا الذي يطوف الكعبة، "انفق فلقتين على أبي قبيس وقعيقعان" -وهما جبلان معروفان بمكة- "آية للنبي -عليه الصلاة والسلام- وقد سئلها فقال: ((أشهدوا)) رواه الشيخان" وغيرهما، لكنهم ما نفعت فيهم هذه الآية استمروا معرضين على كفرهم وغيهم، وقالوا: سحرنا محمد، فسلوا المسافرين؛ لأن السحر يمكن إن يؤثر في الحاضر لكن البعيد ما يؤثر فيه، فسل المسافرون فجاءوا المسافرون فأثبتوا ذلك. استشهدهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالوا" ((أشهدوا)) فشهدوا بذلك لكنهم مع غيهم وظلالهم ما كتب الله لبعضهم من الشقاوة استمر على كفره. -نسأل الله العافية-. فقال-جل وعلا-: {وَإِن يَرَوْا} "يعني كفار قريش". {آيَةً} "معجزة له صلى الله عليه وسلم " {يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا} "هذا" {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} الذي لا تكتب له الهداية فلا حيلة فيه ولا يجدي فيه شيء، من أظهر ذلك ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- مع عمه أبي طالب الذي قامت عليه الحجة، وعرف الإسلام، ونبي الإسلام من قرب، وأقسم بأنه من خير أديان البرية ومع ذلك لم يؤمن. ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دين ما الذي منعه لولا المذمة أو حذار مسبة ... لرأيتني سمحاً بذاك مبين

لكنه القضاء المبرم المكتوب على الإنسان وهو في بطن أمه شقي أو سعيد، وأبو طالب مع ما قام عليه من حجة لا يمكن أن يعتذر بعذر، وعرف الحق لكنه لم يتبعه وهو كافر، شفع فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- فوضع في ضحضاح من نار يغلي دماغه وفي رواية: ((شراكان من نار يغلي منهما دماغه)) -نسأل الله العافية- يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)) يعني لولا هذه الشفاعة من النبي -عليه الصلاة والسلام- لكان في الدرك الأسفل من النار، ومعلوم أن الدرك الأسفل للمنافقين كفار أو مشركون فوق المنافقين في دركات النار، -نسأل الله العافية-. لكن باعتبار أنه عرف الحق وقامت عليه الحجة ولم يكن له في قبولها أي عذر، استحق أن يحشر مع المنافقين لولا شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-. {وَإِن يَرَوْا آيَةً} [(2) سورة القمر] يروى يعني "كفار قريش" معجزة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والمعجزة أمر خارق للعادة كانشقاق القمر، وانفلاقه فلقتين -يعني قطعتين- أمر خارق للعادة، يخرق السنن الإلهية مقرون بالتحدي ودعوى النبوة، انفلق فلقتين فلقة كقطعة ووزناً ومعنىً، وجاء ما يدل على أنه انفلق فلقتين -يعني مرتين-، ولكن المرجح أنه مرة واحدة {يُعْرِضُوا}، ويقولوا: هذا الذي نراه واستشهدهم عليه من انشقاق القمر {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ}، "قوي من المرة" وهي القوة ذوو مرة، يعني قوة شديد، يعني جبريل -عليه السلام-، ذو مرة يعني قوة وشدة وهنا سحر مستمر يعني قوي من المرة.

قال: أو دائم من الاستمرار وهو الدوام، إما من القوة أو من الاستمرار والدوام، ومنهم من يقول: إنه مستمر من المرارة، يعني سحر مرارته تصل إلى الحلوق، ولا شك أن ما يؤذي الإنسان مر فهم يتأذون بهذا السحر على حد زعمهم، وقيل: من المرور وهو العبور، سحر عابر ومنتهي ومنقضي كغيره من السحرة، فهم يتربصون بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وسحره، يتربصون به ريب المنون كما تقدم، لكن المؤلف اعتمد معنيين فقط من المعاني الأربعة، قال: مستمر قوي، سحر قوي، ولا شك أن السحر مراتب فيه القوي وفيه الضعيف، والسحرة كذلك لهم مراتب وبعضهم يدل على بعض إذا عجز عما يراد منه، قال: اذهب إلى فلان فإنه أشد وأقوى سحراً، -نسأل الله العافية-. والسحر كفر بالله العظيم، والذهاب إليهم مجرد الذهاب لا تقبل له صلاة أربيعين يوماً، ومن صدقهم كفر وذكرنا أنفاً أنهم لو طابقوا الواقع، ولو طابقوا الواقع. ذهب واحد -نسأل الله العافية- ينتسب إلى طلب العلم إلى ساحر ليفك عنه السحر، فشرح له ما حصل بالتفصيل وقال: لما دخلت على زوجتك جاءتكم امرأة هذه صفتها بطيب هذا باقيه فأحضر له الوعاء، وعاء الطيب فما كان من ذلك الرجل الذي ينتسب إلى طلب العلم إلا أن قال: صدقت -نسأل الله العافية-، وبهذا كفر نسأل الله السلامة والعافية، ولو طابق كلامه الواقع فإن هذا كذب يجب أن يقال كذبت، وصدق الله ورسوله، وعرفنا أن الصدق والكذب مربوط بمطابقة الشرع، يعني لو شهد ثلاثة أنهم رأوا الزاني بأم أعينهم رأوه يفعل بالمرأة كما يفعل الزوج بزوجته هم عند الله كاذبون إذا لم يأتوا بأربعة شهداء، -هذا نص القرآن.

والساحر ولو أحضر ما أحضر مما يطابق الأمر يجب أن تقول: كذبت، وهو كاذب شرعاً؛ لإن بعض الناس يحصل عنده شيء من التردد، يجد نفسه مجبر وملزم إذا طابق الواقع، لا يجب عليك أن تكذب؛ لإن هذه الأمور مربوطة بشرع، يعني لو ذهب إليه يحرم عليه الذهاب ولا تقبل له صلاة أربعين يوماً، إذا صدقه الأمر أعظم من ذلك فقد كفر، فماذا عمن يذهب إلى الساحر ليفك السحر وقد أفتاه من أفتاه في ذلك؟ -نسأل الله السلامة والعافية- وسهل له أمر الكفر، لا بد أن يصدق ومعه فتوى يعتمد عليها مناقضة معارضة لما جاء عن الله وعن رسوله، -نعوذ بالله من الخذلان- {وَكَذَّبُوا} [(3) سورة القمر]-النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} الآيات لا تغني {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [(101) سورة يونس] لا تغني الآية ولا تفيد فيهم فإذا طبع الله على القلب صار لا ينفذ فيه خير، وإذا وجد هذا من بعض المسلمين الذين ينتسبون إلى القبلة وجد منهم بعض هذا الطبع -نسأل الله العافية-، ترك ثلاث جمع طبع الله على قلبه، وإذا مسخ القلب لا يجدي فيه شيء ولو لم يصل إلى حد الكفر، الرآن إذا غطى على القلوب تجده لا يستفيد من النصوص. ابن القيم -رحمه الله تعالى- ذكر في إغاثة اللهفان: أن الرجلين في أخر الزمان يمضيان إلى المعصية فيمسخ أحدهما خنزيراً، ويش المتوقع من الثاني الذي يسلم يعني يندم ويتوب ويقلع فوراً ويقبل إلى ربه الذي نجاه من هذا المسخ، لكن مسخه أعظم من مسخ صاحبه يذهب إلى معصيته، كذبوا النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا: هذا الذي حصل للقمر سحر سحرتنا فرأيتنا نبصر خلاف الواقع. {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} "يعني في باطلهم" {وَكُلُّ أَمْرٍ} يقول: "من الخير والشر" {مُّسْتَقِرٌّ} "بأهله في الجنة أو النار"، كل أمر سواء كان من أمور الخير أو من أمور الشر، مستقر بأهله يعني موصل لأهله أهل الخير إلى الجنة، وأهل الجنة إلى النار كل أمر مستقر.

{وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء} [(4) سورة القمر] جاء كفار قريش من الأنباء، من الأخبار العظيمة المهمة ومنها: "إخبار إهلاك الأمم المكذبة لرسلهم"، إخبار إهلاك الأمم المكذبة لرسلهم {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [(4) سورة القمر] قد يقول قائل: إن قريشاً أهل فترة ما جاءهم شيء على فترة من الرسل، ما جاءهم شيء، وما بلغهم شيء؟ جاءهم وبلغهم وهذه أمور متواترة يتحدث بها الركبان جيل عن جيل، والله-جل وعلا- يقول: {وَلَقَدْ جَاءهُم} ولهذا استحقوا النار -نسأل الله العافية- فمنهم من مات مشركاً؛ لأنه جاءهم من الأنباء وإن سمي عصرهم عصر فترة، عصر فترة؛ لأنه ما في رسل لكن الرسالات بلغتهم، ومنهم بقايا على دين إبراهيم -عليه السلام- وبقايا من أهل الكتاب، المقصود أن الله-جل وعلا- يقول: {ولقد جاءهم من الأنباء}؛ لأنه قد يقول قائل: وقد قيل: كيف يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- ((إن أبي وأباك في النار)) وهو يقول والله-جل وعلا- يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] ما بعث إليهم رسول {جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} وقامت عليهم الحجة بهذا. {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء} يعني من إهلاك الأمم المكذبة لرسلهم ما فيه مزدجر، يعني ما يكفي لازدجارهم واتعاظهم وارعوائهم عن غيهم وضلالهم، {مُزْدَجَرٌ} يقول: مزدجر "لهم اسم مصدر، أو اسم مكان"، أصل الفعل "زجر"، والافتعال "ازدجر" افتعل، فإن كان من زجر فهو مزجر وهو من افتعل مثل: اقترب، والتاء تاء الافتعال أبدلت بالدال، فبدل من ازتجر افعتل، ازدجر "والدال بدل من تاء الإفتعال، وازدجرته، وزجرته" الأصل زجر المجرد مع تاء الافتعال ازتجر، وقلبت التاء دالاًً فصار ازدجر.

يقول: "وازدجرت وزجرته -يعني مجرداً ومزيداً- نهيته بغلظة"، الزجر: النهي بغلظة وشدة كما فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- بالأعرابي الذي بال في المسجد، زجروه نهوه بشدة وقوة وغلظة فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تزرموه)) اتركوه، "نهيته بغلظة وما موصولة أو موصوفة" {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} ما موصولة {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء} الذي فيه مزدجر تكون حينئذ موصولة أو موصوفة، موصوفة يكون تقدير الكلام ولقد جاءهم مجيئاً فيه مزدجر فتكون موصوفة، نكرة موصوفة، اسم مصدر، أو اسم مكان مزدجر، المفعل يأتي للمصدر ويأتي لاسم المكان، المقام {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] مصدر قام يقوم قياماً ومقاماً، قام يقوم قياماً ومقاماً مصدر، ويصلح أن يكون اسم مكان -مكان القيام-، فالمقام إما أن يراد به مكان القيام، أو المصدر الذي هو القيام نفسه، فمكان المقام إذا نقل مثلاً "المقام" الذي هو المصدر إلى مكانه، فهل مكانه الصخرة التي حصل عليها القيام، أو المكان الذي فيه الصخرة -الحصاة- التي فيها الأثر؟ المعروف، المقام المعروف {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} هل المراد به الحصاة الصخرة، أو المكان التي كان فيها الصخرة؟ نعم المكان الذي فيه الصخرة، وعلى هذا لما تأخرت الصخرة، الصخرة الأصل فيها أنها قريبة من الجدار احتيج إليها لما ارتفع البناء، لو احتيج إلى تأخير هذه الصخرة إلى الأروقة مثلاً، اقتضى الاجتهاد أن تدخل في الأروقة؛ لأنها تضيق على الطائفيين كما أخرت من قبل في عهد عمر، يعني المسألة مسألة المقام ويراد به الصخرة، أو مكان القيام الملاصق للجدار، المسألة معروفة عند أهل العلم واللفظ محتمل، لكن ما الذي يترتب على القولين؟ يترتب عليه إن قلنا إن المراد بالمقام الذي أمرنا باتخاذه مصلى هو الصخرة، فإننا نتبعها أينما ذهبت، يعني لو أدخلت في الأروقة صارت الصلاة هناك عندها، وإذا قلنا إن المقام مكان القيام الأصلي الذي كانت الصخرة فيه ملاصقة للجدار أن نتخذ هذا المكان ولو أبعدت الصخرة، كلام أهل العلم في هذا معروف فيه رسائل، والمقام لا يجوز تقديمه أو تأخيره، أو

لا يجوز فيه كتب وفيه ردود معروفة. يقول: {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} لهم يعني يزجرهم عن كفرهم وغيهم وعن ضلالهم، جاءهم من الآيات والنذر والبينات والحجج والبراهين القاطعة ما يزجرهم، ويجعلهم لا يترددون في الدخول في هذا الدين، {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء}. {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} [(5) سورة القمر] يعني مع ما جاءهم من الأنباء، وما جاءهم من، يزجرهم ويعضهم من الحجج القاطعة والبراهين الساطعة التي لم تترك لأحد عذر، ومع ذلك ما آمنوا والله -جل وعلا- بين لهم ولم يترك لهم حجة ولا عذر يعتذرون به، وركب فيهم من حرية الاختيار ما يمكنهم من الدخول في هذا الدين، فليس لأحد حجة لا بالقدر السابق ولا بعدم بلوغ الحجة، الحجة بلغتهم، والقدر السابق غيب لا يعلمه إلا الله-جل وعلا-، فكون الإنسان يزعم أنه مجبور على الاستمرار على الكفر، أو مجبور على فعل معاصي هذا لا حجة لهم فيه ولا مستمسك؛ لأن لديهم من حرية الاختيار مع بيان ما ينفع وما يضر، ومع ذلك اختاروا ما يضرهم، والذي يحتج بالقدر ويقول: إنه مجبور هذا شيء كتبه الله عليه، لا يستطيع أن يخالف ما كتب عليه نقول: كما جاء في النصوص الكثيرة أن الله-جل وعلا- بين لهم وقطع عذرهم، وركب فيهم من حرية الاختيار ليسوا بمجبورين، كما يزعمون أن حركاتهم مثل حركات الشجر وورق الشجر في مهب الريح هذا الكلام ليس بصحيح، بدليل لو أن أحداً اعتدى على واحد منهم ما تركه ما قال: هو مجبور مسكين، لو ضربه للتفت وخاصمه ورفع أمره أو ضربه، جازاه على صنيعة فإذا قيل له: إنسان مجبور مكتوب عليك أنه يضربك، ومكتوب له أن يضربك قال: هذا جنون.

لكن إذ ما جاءت مسألة الدين، إذا ما صلى قال: والله مكتوب عليه أنه ما يصلي، ما أسلم هذا القدر السابق ويحتج بالقدر، المشركون {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكُواْ} [(107) سورة الأنعام] ويحتج به أيضا الفساق من المسلمين يحتجون بالقدر، لكنه القدر إنما يحتج به على المصائب لا على المعايب، واحتج آدم موسى كما في الصحيحين وغيرهم: ((فقال موسى: محتجاً على الله-جل وعلا- بأنه خلقه بيده، وأسجد له ملائكته قال: أخرجتنا ونفسك من الجنة، فقال: يا موسى، أنت الذي اختصك الله بكلامه، وكتب لك التوراة بيده، فكم تجدني كتب علي هذا قبل أن أخلق، فقال: بكذا وكذا سنة فحج آدم موسى)) يعني آدم احتج بالقدر على المعيب وإلا على المصيبة؟ على المعصية وإلا على المصيبة؟ المعصية ذهب أثرها، وجودها كأنه لم يعص تاب، تاب منها، اجتباه الله وهداه بعد ذلك ما كان له أثر، ليس له أثر، وإنما بقية المصيبة المترتبة على هذه المعصية احتجوا بالقدر عليها، يعني لو أن شخصاً سقط فانكسرت رجله فقيل له: لماذا؟ وراء ما شفت، وراء ما انتبهت؟ هذا شيء كتبه الله علي هذا صحيح، لكن لو سرق لا يجوز له أن يقول هذا شيء كتبه الله عليه ولو شاء الله ما سرقت، هذا كلام المشركين {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام] ليس لأحد حجة، وليس لأحد عذر بعد هذا البيان. {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} [(5) سورة القمر] "حكمة خبر مبتدأ محذوف أو بدل من ما {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} " يعني {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أو بدل من ما" يقول: ولقد جاءهم من الأنباء حكمة بالغة بدل من ما أو بيان له، {حِكْمَةٌ} خبر مبتدأ محذوف هذا حكمة، أو هذه حكمة بالغة خبر مبتدأ محذوف، أو بدل من ما أو من مزدجر، المزدجر هو الحكمة، أو الذي فيه مزدجر هو الحكمة، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه حكمة بالغة وصف، حكمة بالغة يعني: "تامة"، بلغة الغاية في هذه الحكمة.

{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [(5) سورة القمر] فما تغني "تنفع فيهم" النذر جمع نذير بمعنى منذر، النذر جمع نذير ولو جاءهم كل يوم نذير جديد ما. . . . . . . . . {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [(101) سورة يونس] فما تغني يعني ما تنفع فيهم، ولا تفيد فيهم، ولا ينتفعون بها، والنذر جميع نذير بمعنى منذر أي الأمور المنذرة لهم، والعاقل ينظر إلى النذر نظر عيان، مما يمر به في جميع أحواله يعتبر، يدكر، يتعظ من كل ما يمر به، كل شيء يضعه على باله، {وَجَاءكُمُ النَّذِيرٍُ} [(37) سورة فاطر] الشيب نذير، موت القريب نذير، موت البعيد نذير، موت الولد نذير، موت الأب نذير نذر، قد يقول قائل: والله أنا شاب فتى في العشرين في الثلاثين في الأربعين من العمر وأرى الناس يعمرون إلى المائة، لكن انظر إلى الوفيات واحضر إلى الأماكن التي يصلى فيها على الجنائز، ترى أن موت الشباب والأطفال أكثر من موت الشيوخ، واقرأ في الصحف التي تنشر فيها هذه الأخبار تجد لا سيما في الأيام الأخيرة نرى الموت بين الثلاثين إلى الأربعين أكثر من غيرهم، يعني المسألة مسألة تتبع، انظر ما ينشر في الصحف تجد الكثير يعني نادراً تجد مات عن ثمانين سنة عن تسعين سنة قليل هذا، تجد أطفالاً بالعشرات مواليد، وتجد شباباً كثير، الحوادث وما أشبهها هذا أيضا كثر في أخر الزمان فليس هناك عذر لأحد، ولا مستمسك لشخص، يقول: أنا والله ما زلت شاباً وأعمار الأمة بين الستين والسبعين، أنا باقي على السبعين خمسين سنة نعم هذا كثير يعني بالنظر إلى من يجاوز ذلك الذي يجاوز قليل، لكن من يموت دون ذلك كثير، وشخص بلغ الستين من عمره لا يصلي -نسأل الله العافية- ولم يتزوج فذهب إليه قريب له في بلد غير بلده ذهب إليه ووعظه وذكره، وقال: أنت في الستين الآن، وأعمار الأمة بين الستين والسبعين، ولا تدري متى يفاجؤك الأمر؟ أنت لو تصلي لتكون من أهل الجنة، وتتزوج شخصاً يرثك ويدعوا لك، فقال: له يا فلان، كم عمري والدي يوم ما مات؟ قال: ما عليك من والدك، قال: ليش ما علي، كم عمره؟ قال: مائة وعشرين صحيح، مائة وعشرين، كم عمر عمي؟ قال: مائة وعشرة، كم

عمر خالي؟ فتنة لهذا الرجل قال: مائة، وفلان عمر طويلاً فما اتعظ ولا ازدجر وكان كلامه في يوم الجمعة، فرجع إلى بلده بعد أن أدى ما أوجب الله عليه من النصح لهذا القريب، يقول: فما جاءت الجمعة الأخرى إلا ويأتينا نعيه، -نسأل الله حسن الخاتمة- {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [(101) سورة يونس] ما في فائدة والله المستعان. {فَمَا تُغْنِي} تنفع فيهم النذر "جمع نذير بمعنى منذر أي الأمور المنذرة له" وسواء كانت من الرسل، أو ما جاءت به الرسل، أو من قبل وراث الأنبياء من أهل العلم والدعاة وغيرهم، أو من الأمور الكونية التي ينتجها التفكر فيها، الإنسان إذا جلس يحاسب نفسه، ونظر في نعم الله عليه وآلاء الله عليه، ونظر في مخلوقات الله العظيمة لا شك أنه يستفيد. {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ} [(190) سورة آل عمران] لكن لكل أحد، {لأولي الألباب}، وما يوفق لمثل هذا إلا من ذكر بعد ذلك {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] هم الذين يوفقون للتذكر والتفكر، و {ما} في قوله: {فَمَا تُغْنِ}: للنفي يعني ما تفيد للنفي أو للاستفهام الإنكاري، ما تغني النذر استفهام إنكاري، يقول: وعلى الثاني، وهي على الثاني مفعول مقدم، وعلى الثاني مفعول مقدم، يعني كونها استفهامية، استفهامية مفعول مقدم يجب تقديمها؛ لأن لها صدر الكلام. {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [(6) سورة القمر] تولى يعني: أعرض، يقول: "هو فائدة ما قبله وتم به الكلام".

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [(6) سورة القمر] يعني إذا كان لا تغني فيهم النذر فلا فائدة، ولا جدوى من متابعة دعوته؛ لأن هؤلاء حكم عليهم وقضى عليهم، ولا يقول قائل: إنه دعا فلاناً أو فلاناً من قريب أو بعيد صاحب منكر فلم يستفد من وعظه، يقول: تولى عنه، اتركه هذا ما فيه فائدة، لا يقال تابع؛ لأنه ما يدريك أنه لا تغني النذر بالنسبة له، هنا جاء النص أن هؤلاء ما تغني النذر، وحينئذ تذكيرهم وعدمه سواء، لكن أنت إذا وجدت عاصياً ونصحته وأنكرت عليه ما استفاد مرة، مرتين، ثلاث أربع، عشر تابع، وفي كل مرة أنت مأجور على هذه الدعوة، وعلى هذا النصح والتذكير والإنكار، أنت مأجور على هذا وعليك بذل السبب والنتيجة بيد الله-جل وعلا-، إن كان الله يريد له هداية على يدك ((فلئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)). {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} يعني أعرض، "وهو فائدة ما قبله"؛ لإن هؤلاء لا تغني فيهم النذر ما في فائدة لا تتعب نفسك، تولى عنهم ومن أهل العلم بل أكثر المفسرين يقول: إن هذا منسوخة بآية السيف، منسوخة بأية السيف، التولي والإعراض عن الكفار هذا منسوخ بالأمر بقتالهم، ومنهم من يقول إنها محكمة، {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} يعني اتركهم بالكلية لا، أنت بذلت ما يجب عليك كمرحلة أولى وهي الدعوة، فلما لم يستجيبوا وجب قتالهم يعني أعرض عن نصحهم وتوجيههم وإرشادهم وهذه الطريقة الشرعية، أن من لا يستجيب لهذه الدعوة أولاً يدعى يعرض عليه أمور، لا يقاتل مباشرة بل يعرض عليه أمور، إما أن يستجيب للإسلام فيسلم، أو يدفع الجزية، أو يقاتل. الآن {فتول عنهم} إن كان على قول الأكثر منسوخ بآية السيف فالمطلوب قتالهم، وإن كانت الآية محكمة فتولى عن دعوتهم وجاهدهم؛ لأنك أديت ما عليك في نصحهم وإرشادهم وتوجيههم ودعوتهم، يقول: "وتم به الكلام" {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} وعلى عنهم ميم يعني وقف لازم.

{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ} يوم يدعوا الداعي هو إسرافيل، وقيل: جبرائيل {يَدْعُ الدَّاعِ} قال: "هو إسرافيل وناصب يوم يخرجون بعد" وناصب يوم، {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} [(7) سورة القمر] إلى أخره يقول: "ناصب يوم يخرجون بعد" فهو متعلق بيخرجون {إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ} "بضم الكاف وسكونها - {نُّكُر} و {نُّكْر} - أي منكر تنكره النفوس لشدته وهو الحساب"، تنكره النفوس، وتنفر منه، تشمئز منه لشدته وهو الحساب، {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ} كل يخشي من هذا الحساب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من نوقش العذاب عذب)) وكل إنسان يخشي من هذا الحساب؛ لأن نتيجته العذاب لا محالة. قالت عائشة -رضي الله عنها-: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [(8) سورة الانشقاق] كيف من نوقش الحساب عذب؟ يعني كل من نوقش الحساب يعذب، وهناك حساب يسير قال: ((ذلكِ العرض)) الحساب اليسير العرض وليست المناقشة الدقيقة، يعني تعرض الأمور إجمالاً يقرر بها صاحبها، ثم تبدل السيئات حسنات، وأما المناقشة على الصغير والكبير في {كِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [(49) سورة الكهف] من نوقش عذب لا محالة، فهو أمر منكر تنكره النفوس وتنفر منه وتشمئز لشدته، وإذا كانت النفوس تنفر من مناقشة المخلوقين، فكيف بمناقشة من لا تخفي عليه خافية؟ ((وما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه بغير ترجمان)) فعلت كذا، فعلت كذا فيشفق ويخشى، ولا شك أن مثل هذا أمر مهول.

{خُشَّعًا} المفسر مشى على القراءة الأخرى، {خَاشعاً} يعني "ذليلاً"، وفي قراءة، أو يقول: "وفي قراءة {خُشََعا} بضم الخاء وفتح الشين المشددة" {أبصارهم} "حال من فاعل" {يخرجون} "أي الناس" {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} وبالقراءة الأخرى {خاشعاً أَبْصَارُهُمْ}، ويجوز {خاشعة أبصارهم} بالإفراد, والجمع، والتذكير، والتأنيث، والخشوع، قالوا: هو الخضوع كما في القاموس خاضعة أبصارهم، قال في القاموس: وقيل: الخضوع للبدن، والخشوع للبصر، مع أن الخضوع يأتي بالقول كما في قوله -جل وعلا-: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [(32) سورة الأحزاب] ليس خاصاً بالبدن كما في القاموس، على كل حال هنا يقول: {خاشعة} أو {خشعا أبصارهم} خشع جمع خاشع، و {أَبْصَارُهُمْ} فاعل لاسم الفاعل؛ لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله، {خشََعاً أبصارهم} أي ذليلة، والأثر يبدو على البصر قبل غيره، الذل والهوان والانكسار يبدو على الأبصار قبل غيرها من البدن، {خشعاً أبصارهم} يقول: حال، حال من فاعل يخرجون، يعني يخرجون حال كونهم خشعاً، أو خاشعاً على ما اختاره المؤلف، يخرجون أي الناس {من الأجداث} جمع جدث وهي "القبور"، وتقال: بالفاء جدف كأنهم جراد منتشر، "لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة! والجملة حال من فاعل يخرجون، وكذا قوله: {مهطعين}. {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} [(7) سورة القمر] يعني إذا نظرت إلى غوغاء الجراد عند كثرته واحدة إلى اليمين، وواحدة إلى الشمال، وواحدة إلى الأمام، وواحدة إلى الخلف، واحدة تنزل، واحدة ترتفع تصور الناس على هذه الحالة، وفي تصوير آخر {كالفراش المبثوث}، كالفراش الذي يذهب لا إلى غاية يطير يميناً وشمالاً، وينخبط، ويقع في النار، وهذا من الذهول الذي يصيب الناس. يقول {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة! والجملة حال من فاعل يخرجون، وكذا قوله مهطعين أي: "مسرعين مادين أعناقهم" {مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} [(8) سورة القمر] {مهطعين} "مسرعين مادين أعناقهم" في حال ذهول شديد إذا دعاهم الداعي، مهطعين مسرعين إليه، مسرعين إليه.

هناك قال {منتشر} لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة، ثم قال: {مهطعين} أي: مسرعين مادين أعناقهم إلى الداعي يعني إلى مصدر الصوت، إذاً هم يدرون أين يذهبون، والتمثيل بالجراد هنا في هذا الموطن قالوا: لإن الجراد سياقه واحد، وطريقه واحد، نعم إذا وجد عدد يسير حول نور، نعم تجده يذهب إلى هذه النور ويفارقها ويرجع إليها وهكذا، لكن الجراد في الجملة يأتي من جهة إلى جهة، فجهته معروفة بخلاف الفراش، الفراش لا جهة له. وقوله: {كأنهم جراد منتشر} "لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة والجملة حال"، لكنه قال بعد ذلك مهطعين إلى الداعي مسرعين إليه، وقد يقول قائل: إن تمثيلهم بالجراد وبالفراش في أول الأمر، أول ما يخرجون من الأجداث يتخبطون، ثم إذا نودوا إلى الحساب اتجهوا إلى مصدر الصوت، {مهطعين} يعني "مسرعين مادين أعناقهم"، {إلى الداع} بدون ياء وقرئ بها ولا يوجد سبب لحذفها غير إتباع الرسم، يعني حذفها هذا منقوص مقترن بأل مثل "القاضي" الأصل فيه الياء، نعم إذا تكرر وكثر على اللسان مثلما تقول: عمرو بن العاص وأصلها العاصي، شداد بن الهاد ابن الهادي إذا كثرت وثقلت على اللسان لا مانع عند أهل العربية، لكن يبقى {مهطعين إلى الداع} هذا إتباعا للرسم، ولا تجوز مخالفته مع أنه قُرئ بالياء وعدمها، منهم من يقرؤها على رسمها بدون ياء، ومنهم من يثبت الياء؛ لأنها الأصل. {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [(64) سورة الكهف] أصلها نبغي ولا يوجد ما يدل على ما يوجب حذف الياء إلا إتباع الرسم، وإتباع الرسم واجب عند أهل العلم ولا يجوز تغييره بحال أجمعت الأمة على هذا الرسم، وتلقوه جيلاً عن جيل فلا يجوز تغييره، ولذلك المطالبات التي حصلت بكتابة المصحف بالكتابة الإملائية المعروفة هذه وإن كانت موجودة وقائمة إلا أنها مردودة.

{يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [(8) سورة القمر] "منهم" يعني من هؤلاء الذين بعثوا {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} هذا يوم عسر أي: "صعب على الكافرين كما في المدثر" يوم عسير {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُور*ِفَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ *عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [(8 - 9 - 10) سورة المدثر]-نسأل الله العافية آيات تهز القلوب إن كان هناك قلوب {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} [(9) سورة القمر] يعني قريش {كذبت قبلهم} يعني "قبل قريش" قوم نوح، نوح أول الرسل، أو الرسل كذبت قبلهم قبل قريش {قوم نوح} "تأنيث الفعل -كذبت- لمعنى قوم"، وهم الجماعة أو القبيل؛ لأنه مؤنث يقول: "تأنيث الفعل لمعنى قوم"، المراد بهم الجماعة أو القبيلة. {فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} كذبت فكذبوا، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا} يعني تكرار الفعل يعني لو قال: كذبت قبلهم قوم نوح عبدنا كفا الفعل الأول، لكنه كرر الفعل الذي هو التكذيب؛ لأن قريشاً تشاركهم فيه في التكذيب فأكده وكرره مرة ثانية؛ ليفهم أن سبب تعذيب وإغراق قوم نوح هو التكذيب، فإذا وجد منكم هذا السبب فالنتيجة حتماً لازمة والسنة الإلهية لا تتغير، نعم قد تتغير طريقة الإهلاك من أمة إلى أخرى لكن الإهلاك حاصل بسبب التكذيب. {فكذبوا} "عبدنا يعني نوحاً -عليه السلام-" الذي مكث يدعوا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وكل ما ذهب جيل وجاء بعدهم نفس المنهج ونفس الطريقة الذي هو التكذيب توارثوه كابراً عن كابر. {وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} مجنون وازدجر أي: "انتهروه بالسب وغيره"، {مجنون وازدجر} أي: "انتهروه بالسب وغيره" زجروه وانتهروه وشدد عليه وسبوه والمجنون إذ زجر زاد، المجنون إذا زجر وحورش وأجلب عليه، أو صوت به، أو اجتمع عليه من يؤذيه فإنه يزداد قالوا: هذه حال نوح -عليه السلام-.

{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي} [(10) سورة القمر] "أي بأني" {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} وفي قراءة {إِني} بكسر الهمزة؛ لأن الدعاء مضمن معنى القول، {فدعاء ربه} قائل: يا رب إني مغلوب لا قدرة ولا طاقة لي بهم، {فانتصر} يعني لي منهم، وهذه حال المسلمين اليوم اللهم إننا مغلبون فانتصر ومظلومون فانتقم. قال: {فدعاء ربه أني} بالفتح أي بأني مغلوب يعني لا قدرة لي بهم فانتصر يعني لي منهم وأنتقم، {فَفَتَحْنَا} [(11) سورة القمر] "بالتخفيف والتشديد" فتّحنا {أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ} "منصب انصباباً شديداً" من السماء مباشرة من غير سحاب، فتحت أبواب السماء من غير سحاب، ومنهمر منصب انصباباً يعني وليس كالتنقيط كالمطر لا، {بماء منهمر} "منصب انصبابا شديداً".

قال: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [(12) سورة القمر] تنبع يعني جاءهم الماء من السماء ومن الأرض، {فجرنا الأرض عيوناً}، عيوناً تمييز محول عن الفاعل أو المفعول؟ المفعول، الأصل وفجرنا عيون الأرض قالوا: وهو أبلغ من أصله، أبلغ من فجرنا عيون الأرض؛ لأنه بالتمييز صارت كأن الأرض كلها عيون، {فجرنا الأرض} يعني كلها عيون صارت، لكن لو جاء بالأصل فجرنا عيون الأرض، الأرض باقية يابسة تراب، تبقى عيونها هي التي تفرجت، والعدول من المفعول إلى التمييز، والتحويل من الأسلوب الأصلي إلى الفرعي أبلغ، {فجرنا الأرض عيوناً} "تنبع" يعني من كل مكان، {فالتقى الماء} "ماء السماء والأرض"، {التقى الماء} الماء يصدق على الكثير والقليل، وعلى الواحد وعلى المتعدد، ويجمع نظر لتعدد أنواعه كما قالوا: في كتب العلم باب: "المياه" وإلا يكفي أن يقال: باب الماء، والماء ينصرف إلى قليله وكثيره، باقيه ومتغيره كله ماء، وهنا قال: {فالتقى الماء} "ماء السماء والأرض" وقرئ: {فالتقى الماءاني} ماء السماء وماء الأرض وقرئ: {الماواني}، و {الماياني} لكن الثلاث القرأت قرآت شاذة، {التقى الماء} النازل من السماء بقوة، المنصب من السماء، والنابع من الأرض بقوة {على أمر} يعني على "حال"، {قد قدر} "قضي به في الأزل وهو هلاكهم غرقاً" {قد قدر} قضي به في الأزل يعني القضاء المحتوم، القضاء والقدر هذا أمر مقدر عليهم أنهم يهلكون غرقاً، وهو هلاكهم غرقاً؛ لأن {قدر} تأتي لمعاني، تأتي من التقدير يعني من القضاء والقدر المكتوب عليهم، وتأتي بمعنى التضييق {قدر عليه رزقه} يعني ضيق عليه، ويمكن أن تحمل الآية على هذا المعنى، بحملها على أن الأرض ضاقت بهم، ما دام امتلأت الأرض ماء، النابع والنازل فسوف يضيق عليهم المكان لا محالة، بخلاف ما يحصل، قد يحصل فيضان في بلد لكن ينتقل منه إلى بلد أخر -والأرض واسعة-، لكن بالنسبة للطوفان لا، عم الأرض وبلغ ذرا الجبال.

{وَحَمَلْنَاهُ} [(13) سورة القمر] يعني "نوحاً" -عليه السلام-، {وحملناه} يعني ومن معه على {ذات} يعني على "سفينة" {ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}، الألواح، الألواح معروفة يعني من الخشب، ودسر يقول: "وهو ما تشد به الألواح من المسامير وغيرها"، يعني أكثر المفسرين على أن الدسر جمع "دسار ككتاب" وكتب، وخمار وخمر، وحمار وحمر، الوزن مطروق من المسامير وغيرها واحدها دسار ككتاب، يقول من المسامير وغيرها يعني ما تدسر به، يعني تشد به من المسامير والحبال والأربطة وغيرها مما تشد به هذه الألواح إذا جمعت، ومنهم من يقول: الدسر المسامير، دسار مسمار، ومنهم من يضيف إليها ما يحتاج إليه؛ لأن بعض المواضع ما يفيد فيه المسمار قد يحتاج إلى حبل يشد به، أو إلى عصب، أول إلى شيء تربط به، على كل حال المعنى واضح {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [(13) سورة القمر]. {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [(14) سورة القمر] أي "بمرأى منا" ومقتضى ذالك الحفظ والرعاية والعناية والصيانة "بمرأى منا أي: محفوظة" من أن تغرق أو تتلف أو يصيبها أو يصيب من فيها شيء مما يحذر، {جزاء} "منصوب بفعل مقدر أي: أغرقوا انتصارا" {جزاء لمن كان كفر} يعني كفر به، وبما جاء به وبمن أرسله "وهو نوح -عليه الصلاة والسلام-"، {جزاء لمن كان كفر} يعني انتقاماً وانتصاراً لمن دعاء فقال: {إني مغلوبُ فانتصر} أغرقوا جزاء له وانتصاراً له وانتقاماً له وهو نوح -عليه الصلاة والسلام-، "وقرئ {كَفَر} " {جزاء لمن كان كَفَر} هذا العذاب جزاء له؛ لأنه كفر بالله -جل وعلا- "بناء للفاعل أي أغرقوا عقاباً لهم" أي "أغرقوا عقاباً لهم".

{وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا} [(15) سورة القمر] "أبقينا هذ الفعلة" يعني خبر الطوفان خبر الغرق بقي يتناقله الناس إلى قيام الساعة، أو السفينة التي نجوا بسببها بقية إلى أن أدركها أوائل هذه الأمة كما يقول بعض المفسرين، {ولقد تركناها} "أبقينا هذه الفعلة" {آية} "لمن يعتبر بها أي شاع خبرها واستمر" نعم الأخبار والحوادث والوقائع الكبيرة يستمر الناس في نقلها، يتناقلونها جيلاً عن جيل لا تنسى، بخلاف الأخبار التي لا يهتم بها هذه تنسى، يتناقلها جيل عن جيل ثم تندرس، وإذا بقي الأثر بقي الذكر، {وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(15) سورة القمر]، يعني على سبيل المثال أهل العلم على مر الأجيال يتناقل الناس أخبارهم، لا سيما لمن ترك أثراً كالتأليف مثلاً، يعني ما زلنا نذكر العلماء من القرن الثاني الذين ألفوا إلى يومنا هذا، لكن الذين ليس لهم تأليف ما ترك لهم آية ولا ترك لهم ذكر ولو كانوا كباراً، نعم يذكرهم طلابهم الجيل الذي بعدهم يذكرونهم، ثم طلابهم أيضاً يتناقلون بعض أخبارهم ثم تندرس أخبارهم، يعني هل ذكر الإمام البخاري مثل ذكر ابن واره؟ يعني هم في تعليل الحديث يمكن ما ينقص ابن واره عن البخاري، لكن تسأل ويش اسم ابن واره مجالس طلاب العلم، هل تعرف من أخباره شيئاً؟ والله ما أدري عنه شيء، هذا يدلنا على أهمية التأليف بالنسبة للعالم وبقاء أثره إلى قيام الساعة. شوف العلماء المعاصرين يعني بعض شيوخنا ما له تأليف خلاص انتهى -يعني احنا نعرفهم-، لكن الذي بعدنا يمكن ما يعرفهم، أئمة كبار قبل ما أدركناهم أدركهم شيوخنا وتناقلنا أخبارهم، وما زالت أخبارهم على نطاق ضيق ثم تندرس خلاص، إذا ما لهم مؤلف يموت طلابهم وطلابهم ثم خلاص ينتهي ذكرهم. فهذا يدلنا على أهمية الذكر بعد موت الإنسان، يعني تجد طالب علم له مؤلفات ولو مختصرات الكتب نفع الله بها مع صدق النية يتداولها الناس، وقال -رحمه الله تعالى-وفلان -رحمه الله تعالى-ما ينسى، لكن تجد عالم كبير جداً ما له مؤلفات ينسى، فالشيء بالشيء يذكر.

{وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً} تركت السفينة آية وعلامة، ترك الخبر خبر إغراقهم آية وعلامة، فمثل هذه الأمور ينتبه لها، {آية} "لمن يعتبر بها أي شاع خبرها واستمر" يعني تناقلته الأجيال لأن مثل هذا الخبر لا ينسى لا يمكن أن ينسى، حتى غير المسلمين من الأمم تعرف أن قوم نوح أغرقوا؛ لأن هذه أمور تناقلها الرواة وتباينت بها الأخبار، يعني من أقطار متعددة ولا يمكن أن تكون ناشئة وصادرة عن إشاعة مصدرها واحد أبداً، ولذا قال: {وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يعني هذه الآية بلغت المشارق والمغارب، ومع ذلك لم ينتفع بها ولم يزدجر ولم يستفد منها إلا أهل الذكر، أهل التذكر {فهل من مدكر} "معتبر ومتعظ بها وأصله مذتكر"؛ لأنه من الذكر افتعال من الذكر، فالذال موجودة والتاء تاء الافتعال موجودة " {مذتكر} أبدلت التاء دالا"، تاء الافتعال تبدل دالاً مثل ازدجر، دالاً مهملة وكذا المعجمة أبدلت دالاً فأدغمت الدال بالدال فصارت مدكر، وقرئ {مذكر} بالذال لأنها الذال أصلية وتاء الافتعال أبدلت دالاً فأبدلت الذال دال وأدغمت الذال في الدال وأدغمت فيها. {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [(16) سورة القمر] "أي إنذاري، استفهام تقرير" فكيف كان عذابي يقررهم فكيف كان عذاب ونذر يعني أمره سهل عذاب مثل هذا العذاب يطاق تصبرون على مثله هذا تقريرُ له، "أي إنذاري استفهام تقرير" وكيف خبر كان لكنها تقدم؛ لإن لها الصدارة "خبر كان وهي للسؤال عن الحال"، لا يسأل بها عن ذات إلا بتقدير حاله، إذا قيل: كيف زيد؟ إنما يراد كيف حال زيد "والمعنى حمل المخاطبين على الإقرار بوقوع عذابه تعالى بالمكذبين لنوح موقعه" {فكيف كان عذابي ونذر} يقول: "والمعنى حمل المخاطبين على الإقرار"؛ لأنه استفهام تقرير فحملهم على الإقرار يعني إذا سئل استفهم كيف كان العذاب؟ هل يمكن أن يقول قائل: إنه عذاب سهل عذاب يسير يمكن أن يفر منه، يمكن أن يحاد عنه، جواب الجميع لا، لا يمكن.

فهذا التقرير يحمل المخاطب على الإقرار والإذعان بوقوع العذاب بالمكذبين لنوح موقعه وأن السنة واحدة، ما حل بهم يحل بمن فعل فعلهم، وهذه هي فائدة القصص في القرآن {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [(111) سورة يوسف] لكن لمن {لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} يعني ليس مجرد قصص وتسلية وأخبار مثل ما يذكر في كتب السمر مجرد أخبار لا حقيقة لها، يعني قد يقرأ الإنسان سيرة عنترة بن شداد ثمانية مجلدات، أو حمزة بهلوان، أو الأميرة ذات الهمة قصص سواليف، ثم ماذا فيها عبرة؟ ما فيها عبرة؛ لأنها خيال ليست بواقع، أو فيها واقع لا يفيد، بينما قصص القرآن عبرة وليست مجرد تسلية، هي تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتسلية لهذه الأمة، تسلية لمن اعتبر واتعظ وادكر، لكن مع ذلك هي إنما سيقت لنخشى ونحذر السبب الذي عذبوا من أجله، ولذا يقول عمر -رضي الله عنه- "مضى القوم ولم يرد به سوانا" يعني ما الفائدة أن نعرف أن قوم نوح اغرقوا، وقوم عاد أهلكوا بالريح، وقوم ثمود إلى آخره كما سيأتي؟ لا فائدة من ذلك إلا أننا نتصور ما وقع بهم، ونجتنب ما أوقعهم في هذا العذاب. {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] يقول: سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر، {يسرنا القرآن} يعني سهلناه للحفظ، وهيأناه للتذكر بخلاف الكتب الأخرى فإنها لم تيسر، ومن صفة هذه الأمة أن أناجيلها في صدورها {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] بينما الأمم السابق لا، يقرؤون في الألواح، يقرءونه مكتوباً فلم ييسر لهم حفظ كلام الله -جل وعلا-، وكلام الله -جل وعلا- قوي لا يستطاع إلا بإعانة من الله-جل وعلا-.

وهنا {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} يقول: "سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر" فمن يعتذر بأن القرآن صعب عليه، قد يوجد من هذا النوع من يوجد لكنه بسببه، وإلا فالله-جل وعلا- يسر وسهل القرآن، ويوجد عجائز في السبعين والثمانين من تحفظ القرآن، وشيوخ كبار لا يقرؤون ولا يكبتون ويحفظون القرآن؛ لأن القرآن ميسر، لكن لمن لمن يسره الله عليه من المدكرين {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] متعظ وحافظ، ابذل من نفسك، وتعب في تحصيله، أما أن تسترخي وتتمنى وتخطط ولا تنفذ، هذا ما تحفظ ما يمكن تحفظ بهذه الطريقة، قد يقول قائل: القرآن فيه المتشابه كثير فأنت تحفظ في سورة ثم تخرج إلى غيرها لما يشبهها من الآيات، نعم لأنه قول ثقيل يحتاج إلى تعب، ويحتاج إلى صدق وعزيمة، ورتب عليه أجور عظيمة سواء كان في قرأته، أو في حفظه، أو في فهمه، أو تدبره، أو في ترتيله، أوفي العمل به، والتفقه منه، هذه أجور لا يمكن أن يقدر قدرها إلا الله-جل وعلا-، ولذلك تحتاج إلى عناء وتحتاج إلى تعب، والتيسير هذا لا ينافي المشقة على بعض الناس، ((والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق يتتعتع فيه)) هذا لا ينافي التيسير، لأن الله-جل وعلا- إذا علم الصدق النية من هذا الشخص وبذل من نفسه، أعانه عليه ويسره عليه، ((والدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) ومع ذلكم الدين أوجب الجهاد الذي فيه إزهاق النفوس، وأجب الحج الذي فيه ما فيه من المشقة العظيمة، ومع ذلك الدين يسر ما فيه تنافي بين هذا وهذا أبدا، لكن من بذل يسر له الأمر، من بذل وأعطى من نفسه بصدق ويقين بموعود الله -جل وعلا- يبشر، أم الذي يتمنى هذا لن يحصل له شيء. {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} "سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر"، {فهل من مدكر} "متعظ به وحافظ له، والاستفهام بمعنى الأمر" {فهل من مدكر} يعني ادكروا، اعتبروا، اتعظوا، احفظوا، اقرءوا، تدبروا، أعملوا كل هذا أمر، "والاستفهام بمعنى الأمر أي احفظوه، واتعظوا به، وليس يحفظ من كتب الله عن ظهر القلب غيره".

ليس يحفظ وهذا معنى قوله: {ولقد يسرنا القرآن} والتيسير هذا خاص بكتاب الله -جل وعلا- الذي هو القرآن، أم غيره من الكتب فما يسرت، موسى يقرأ على قومه من الألواح وإن قالوا، في بعض التفاسير يقول: إن موسى وهارون وعزير ويوشع كلهم يحفظون التوراة، لكن النصوص الكثيرة تدل على أن تيسر الحفظ إنما هو لكتاب الله الذي هو القرآن، "وليس يحفظ من كتب الله عن ظهر قلب غيره"، يعني غير القرآن؛ لأن بعض الناس يتذرع يقول: حاولت أحفظ ما قدرت، هذا إما لسوء في الطريقة، أو لدخن في النية، أو لملل؛ لأن بعض الناس يمل ما يصبر على الحفظ، إما لملل، إما لما جبل عليه، يعني ما عنده صبر ولا عنده جلد، يجلس اليوم ويحفظ عنده همة قوية، لكن غداً ما يجلس، أو لسوء في الطريقة، تجد حافظته لا تسعفه، يعني بإمكانه أن يحفظ ثلاث آيات، فيحمل نفسه عشر آيات، وبإمكانه أن يحفظ عشر فيحمل نفسه إلى أكثر، هذا يقرأ القرآن ويحفظ القرآن بالتدريج، ويتعلم ما فيه من علم وعمل إذا كان لا يستطيع أن يستغل الوقت في الحفظ؛ لأن الناس يتفاوتون، من الناس من يحفظ جزء في اليوم، ويحفظ القرآن في شهر، ومنهم من يحفظ في شهرين، ومنهم من يحفظ في ثلاثة، ومنهم من يحتاج إلى عشرة سنوات، والحمد لله هو على خير والأجر واحد سواء حفظ بسنة أو بعشر الأجر واحد. المقصود أنه يحرص ويبذل من نفسه، ويسلك المسالك التي تؤديه إلى النتائج المحمودة، لا يكون كالمنبت يحفظ في يوم جزء ثم ينتظر شهراً ما حفظ شيئاً، بحيث إذا رجع يكون نسي ما حفظ يحفظ بالتدريج، وإذا كانت حافظته تسعفه ورقة يحفظ ورقة الحمد لله، الأمر ليس من الأمور التي هي على الفور، إنما هي على قدرة الإنسان وما أتاه الله-جل وعلا-، فلا يكلف {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] هذا الذي لا يستطيع أن يحفظ إلا آية واحدة ويحتاج إلى عشرين سنة ليحفظ القرآن أحسن من لا شيء؛ لأن العمر يمر بدون فائدة، لكن الذي يستطيع أن يحفظ أكثر فالله أكثر.

هذه من المغرب تقول: هناك طريقة جديدة لعمل الكحل، وتحديد أحمر الشفاه بطريقة التاتو أشبه ما يكون بالوشم، لكنه مؤقت ويزول وتصل مدته إلى ستة أشهر أو سنة بدلاً من الكحل العادي وقلم تحديد الشفاه؟ هذا إذا كان يمكث هذه المدة الستة الأشهر أو السنة فالذي يظهر أنه قريب من الوشم، والوشم محرم لكن باعتباره يزول فلا يأخذ حكم الوشم بالتحريم المجزوم به، لكنه على كل حال قريب منه، فليحذر وليجتنب أما إطلاق التحريم فلا. يقول: منا الله علي بالزواج من ثانية، فهل إذا حصل لإحداهما عذر شرعي كالولادة والنفاس يجوز لي اعتزالها والمبيت عند الأخرى خلال هذه المدة المعينة؟ الأصل أن المرأة يجب لها القسم مطلقاً، يقسم لها سواء حائضاً أو نفساء، لكن مع ذلك إذا اتفق مع المرأتين برضا الزوج أن من ولدت أو حاضت أنها لا يقسم لها ورضي الجميع كل الأطراف رضية بذلك، فالأمر لا يعدوهم. تقول هذه من المغرب أيضاً: ما المقصود من قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [(78) سورة الإسراء] هل هي قراءة القرآن التي نقرؤها في صلاة الفجر، أم قراءة القرآن قبل الفجر؟ أم بعد الفجر -وجزاكم الله خيراً-؟ الآية ليس فيها تحديد، وإن كان بعض أهل العلم كابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين يرى أنها القراءة التي في الصلاة، الصلاة مشهودة صلاة الفجر ولذا حث -رحمه الله- على القرب من الإمام في هذه الصلاة على وجه الخصوص، وإن كان المطلوب مطلقاً لكنه في هذه الصلاة المشهودة ولها تأثير في السامع أكثر مما قرئ القرآن خارج الصلاة أو في صلاة غيرها، فالمشهودة المقصود بها الصلاة صلاة الفجر وقراءتها تدخل دخولاًُ أولياً ومع ذلك القراءة في هذا الوقت سواء كانت قبل الفجر، أو قبل صلاة الفجر وبعد طلوع الفجر، أو بعد صلاة الفجر إلى أن تنتشر الشمس هذا وقت في غاية النفع بالنسبة للقارئ، يعني وقت اجتماع القلب قبل تشتت الذهن. هناك من يدعو الله ويقول: اللهم اغفر لي هذا الليلة أقسم عليك يا ربي أن تقضي حاجتي هذا الأسبوع، أو تزوجني هذا الأسبوع يعني يحدد فهل هذا الدعاء جائز؟

جاء في الخبر الصحيح ((من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره من لو أقسم على الله لأبره)) لكن لا ينبغي على المسلم أن يعرض نفسه إلى مثل هذا إلا إذا وقع في مأزق لا يستطيع الخروج منه ممكن، وأما في حال السعة فلا يحدد؛ لأنه لو لم يحصل له هذا الأمر مع تحديده لغلب على ظنه أنه ليس من هذا النوع، والأمر الثاني أن في هذا تزكية للنفس إذا أقسم على الله وزعم أنه من أهل هذه الصفة أن هذا فيه تزكية لنفسه، والله-جل وعلا- يقول: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [(32) سورة النجم] فالتزكية لا تجوز من الإنسان لنفسه، اللهم إلا إذا وقع في مأزق وأراد التخلص منه يدعوا الله-جل وعلا-، وإن أقسم على الله في فعل أو توسل إليه بعمل صالح من أعماله فله أصل. هذه من فرنسا تقول: تعرض البعض بسبب حوادث في السيارات بارتجاج في المخ وقد يصابون بالغيبوبة وفقدان الوعي فهل إذا أفاقوا من الغيبوبة يجب عليهم قضاء الصلوات الفائتة أم تسقط عنهم؟ هذه الغيبوبة محل نزاع بين أهل العلم ويستعمل فيها قياس الشبه ويحددون الثلاثة أيام على ما جاء في خبر عمار بن ياسر أنه أغمي عليه ثلاثة أيام فقضى الثلاثة الأيام قالوا ملحقة بالنوم وما زاد على ذلك ملحقة بالجنون، فما يلحق بالنوم ثلاثة فما دون هذه يجب قضاء الفوائت فيها، وأما ما زاد على ذلك فهو ملحق بالجنون والمجنون ليس عليه قضاء. هذا تقول: إذا لم أجد مصلى للنساء وخشيت من فوات الوقت صليت الفريضة في السيارة هل يجب علي إعادتها؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي النافلة على الراحلة، وأما الفريضة فلا ولا يفعل ذلك في المكتوبة، المكتوبة لا بد أن تؤدى بجميع واجباتها وأركانها. انتهى. . . . . . . . .؛؛

سورة القمر (2)

تفسير الجلالين - سورة القمر (2) من الآية 18 إلى الآية 40 الشيخ: عبد الكريم الخضير هذا يقول في صلاة الاستخارة الدعاء متى يكون، يقول: متى يكون وقت الدعاء هل يكون في السجود أم بعد الصلاة؟ إذا فرغ من صلاته ((إذا هم أحدكم بالأمر فليصلي ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل)) يعني بعد السلام. يقول: ما رأيكم فيمن يقول: إن السحر خيال لا حقيقة له، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: {يخيل إليه من سحرهم} [(66) سورة طه]؟ قول الحنفية معروف في هذا وأنه تخييل وأنه لا حقيقة له، والجمهور على أن له حقيقة ومنه ما هو خيال، يعني منه ما هو خيال لا حقيقة له، ومنه ما له حقيقة والوقع يشهد بذلك. هذا يقول: رئيسه في عمله مديره المباشر من المبتدعة، وعملي مرتبط به ومكتبي في نفس الغرفة، ولكنه لم يبادرني بأي شيء سيئ، بل إنه إذا خرجنا لمهمة وحان وقت الصلاة أوقف السيارة وصلى معنا في المسجد، ويطلب مني الإفطار معه يومياً، ويعطيني الهدايا باستمرار فما حكم الإفطار معه وأخذ الهدايا وتبادلها معه، مع العلم أيضاً أنني نصحته وحاورته ولكنه رفض غير مذهبه، وأنا قليل الخبرة في محاورته بمذهبه؟ على كل حال هذا أسلوب يسلكه هؤلاء المبتدعة من باب الدعوة، هو يدعوك إلى مذهبه بحيث تشعر أو لا تشعر "فالفرار، الفرار" يعني ابحث عن عمل آخر، أو أنتقل عنه أقل الأحوال. يقول: أحيانا تنشط همتي ما بين الظهر والعصر فهل يجوز لي الصلاة بينهما؟ يعني صلاة النافلة ليس لها وقت محدد، النوافل المطلقة متى ما نشطت تصلى على ألا تتقيد بهذا الوقت، بحيث تتكرر معك في كل يوم تتخذ وقتاً لهذا العبادة الخاصة، أما النوافل المطلقة فليس لها وقت إلا ما جاء النهي عنه. يقول: رجل قال لي عن امرأته: أنا طلقتها فنهيته عن ذلك فكررها، فهل تحل له علما أنه لم يدخل بها؟

غير المدخول بها تبين بواحدة، وليس له عليها عدة إذا كانت مرة واحدة، وإخباره بأنه طلقها منشأ بذلك الطلاق، أو أنشأه ويخبر عنه؛ لأنه قد يقول إنه طلقها وهو يكذب لأن هذا خبر وليس إنشاء، إذا أراد بالخبر الإنشاء وقع، وإذا أوقعه قبل ذلك ثم أخبر عنه يكون الطلاق حينئذ واقع، والواحدة تبين غير المدخول بها هذا إذا كانت واحدة، أما إذا كررها فالخلاف معروف، وعلى كل حال إذا كانت واحدة وأراد أن يرجع إليها فبعقد جديد ونكاح جديد ومهر جديد. هل من السنة فتح أزارير الثوب؟ أهل العلم ينصون على أن ما يتعلق باللباس أمر عرفي إلا ما ورد فيه نص من الحث عليه أو المنع منه، وما عدا ذلك فهو أمر عرفي تابع للعرف، ما تعارف عليه الناس يلبس، وما تعارف الناس على تركه وما أوجد مخالفة أو شهرة فإنه يمنع حينئذ، والأزارير من هذا النوع إذا كانت جرت العادة بأنها تفتح تفتح، وإن جرت العادة بأنها تزر وتغلق تزر، وجاء الأمر بالزر ((زره ولو بشوكه))، وجاء فتح الأزارير على كل حال على حسب عادة الناس في ذلك. يقول: ما أفضل كتب التفسير المختصرة؟ أفضل كتب التفسير المختصرة معروف أن هذا التفسير تفسير الجلالين تكلمنا عليه في مناسبات كثيرة، وأيضا تفسير الشيخ ابن السعدي مناسب جدا لطالب العلم المبتدئ ولعموم الناس، وللمتعلمين من غير المتخصصين في العلم الشرعي أيضا ينفعهم كثيرا؛ لأنه سهل وواضح وليس فيه تعقيد، تفسير الشيخ فيصل بن المبارك توفيق الرحمن لدروس القرآن مختصر من الطبري والبغوي وابن كثير فليحرص عليه طالب العلم. يقول: طالعتنا جريدة المدينة اليوم بخبر مفاده، أن أحد علماء الأزهر أفتى بأن الطلاق لا يقع ولا يتم حتى ولو كان بمائة لفظ، وإنما الواجب على الزوجين إذا أرادا الطلاق أن يصطحبا شاهدين ويذهبا إلى المحكمة ويثبتان حكم الطلاق؟ الطلاق يقع بلفظه الصريح، وبالكناية إذا صاحبتها النية ولو لم يشهد على ذلك، كما أن البيع يقع بدون شهادة، نعم الشهادة إنما تطلب عند المقاضاة، -يعني لو ادعى أنه لم يطلق وادعت أنه طلق تطلب الشهادة-، وأما ماعدا ذلك فالمسألة مسألة ديانة بين العبد وبين ربه.

يقول: وقد سمعنا قبل ذلك فتوى غريبة من الأزهر، والسؤال هل يعد هذا تراجع في مكانة الأزهر العلمية، وما توجيهكم في مثل هذه الأمور؟ على كل حال الأزهر له مكانة على مر العصور منذ ألف عام مكانة في علوم معينة، يعني في الفقه، في أصوله، في علوم العربية، في التفسير من نواحي معينة، العناية بالتفاسير التي تهتم بالصناعة اللفظية هذا معروف دور الأزهر في مثل هذا. أما دوره في الحديث فضعيف، دوره في العقيدة يقرر عقيدة الأشاعرة والماتريدية وغيرهم من العقائد، ولا يعني أن أفراد هذه المؤسسة كلهم بهذه المثابة، لكن في الجملة يعني خلال ألف عام هذه مقرراته، يعني اهتمامه بالفقه، أصول الفقه، علوم العربية بفروعها، أيضا له عناية بالتفسير، لكنه من حيث الصناعة اللفظية أما من تفسير الأثر فعنايتهم به ليست على مستوى الجوانب الأخرى.

العقائد المقررة فيه معروفة يعني هم يقررون المذاهب السائدة في بلدانهم مذهب الأشاعرة، والمذاهب الأخرى مما فيه مخالفة لمذهب السلف، والأزهر كغيره من المؤسسات العلمية تقوى في وقت، وتضعف في وقت، وهناك مؤثرات وضغوط أيضاً، ومعروف المؤسسات العلمية كلها عليها شيء من الضغط، ولو لم يكن في ذلك إلا الانفتاح، انفتاح الدنيا على أهلها يعني كان الأزهر يشترطون لدخوله حفظ القرآن، ما يلتحق طالب بالأزهر إلا حافظ للقرآن، ثم بعد ذلك نجد في الكتب المطبوعة في مصر قبل ستين وسبعين سنة، "شرح الكفراوي" مقرر على أولى ابتدائي -الأجرومية شرح متين ليس بالسهل مقرر على أولى ابتدائي كامل-، شرح القطر على ثاني ابتدائي كامل، شرح شذور الذهب على ثالث ابتدائي كامل، شرح ابن عقيل على الألفية للرابع ابتدائي كامل، لكن تصور أنه عند الدخول يشترط حفظ القرآن والقرآن ييسر جميع العلوم، يسهل على طالب العلم كل العلوم، يعني إذا تأهل لحفظ القرآن فهو أهل لهذه الكتب ولغيرها، لكن هذه أمثلة من مقررات الأزهر، ثم دخله ما دخل غيره من التغيير، تغيير المناهج فصار كغيره من المؤسسات التعليمية العامة التي لا تخرج عالماً، وإنما تخرج إذا كان متميزاً طالب علم يمكن أن يواصل تعليمه من خلال القراءة في الكتب، كما هو وضع التعليم النظامي في كثير من البلدان الإسلامية. يقول: هل يجوز زيارة الكنائس والمعابد البوذية من أجل الإطلاع والتنزه؟ يعني التنزه والفرجة والسياحة في أماكن المعصية، هذه أماكن معصية ليست أماكن طاعة لا يجوز إلا على جهة الاعتبار والاتعاظ وشكر النعمة أن خلقه بين أبوين مسلمين وأوجده بينهما، وملتزم للإسلام ظاهراً وباطناً حسب استطاعته أما مجرد زيارة للفرجة فلا. يقول: ما الفرق بين أحوال الناس في قوله تعالى: {خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر} [(7) سورة القمر]، وبين قوله: {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} [(4) سورة القارعة]؟ العلماء قالوا: إن الجراد المنتشر هذا يعرف غايته، يذهب إلى غاية معينة، والفراش المبثوث لا غاية له، فكأنه في أول الأمر كالفراش المبثوث لا غاية لهم، ثم إذا دعاهم الداعي اتجهوا إليه فتحددت غايتهم.

هذا يقول أو هذه تقول: تعرفون أن العنوسة أصبحت -من المغرب- يقول: أصحبت منتشرة بشكل رهيب في البلدان العربية، وهذا بسبب تعطيل شرع الله فلماذا لا يكون لكم دور فعال في هذا الأمر، تحرضون الشباب على التعدد الذي هو سنة الأنبياء، فالعانسات والمطلقات أصبحن في هم وكرب عظيم تتمنى الواحدة منهن أن تكون رقم أربعين وليس أربعة، فتجد من يؤنسها ويخفف عنها ألآمها ووحشتها، فنرجوا من فضيلتكم أن تدرسوا الأمر وتجدوا له حلاً؟

الحلول في شرع الله يعني التعدد حل لهذه المشكلة، التعدد حل لهذه المشكلة، وعلى كل حال ليس كل إنسان يطيق التعدد؛ لأنه إذا لم يستطع العدل فواحدة لا يجوز له أن يعدد وهو لا يستطيع أن يعدل، ومع ذلك إذا استطاع النفقة على هذه المرأة إلا إذا تنازلت، كما يوجد الآن ما يسمى بزواج المسيار تتنازل عن جميع حقوقها لتتلافى ما بقي من عمرها، قد تصل إلى الأربعين ثم يكون وقت الإنجاب مدته قصيرة فتتنازل عن كل شيء في مقابل أنها تأتي بولدين أو ثلاثة في هذه العشر السنوات أو ما يزيد عليها قليلا، فلا شك أن المسألة كما يقول الناس في أمورهم العادية: مسألة عرض وطلب، تجد البنت قبل العشرين في رأسها شروط مثاليات، والزوج المرسوم في الذهن يمكن لا وجود له في الواقع، ثم بعد ذلك تتنازل تتنازل إلى أن يصل الحد إلى ألا تطلب شيئا، اللهم إلا مبلغاً يسيراً من أجل وجوب الصداق، ومع ذلك لا تريد قسم ولا نفقة ولا سكنى ولا شيء إنما مسيار، يمر عليها إذا تيسر له في الأسبوع مرة أو في الشهرة مرة من أجل الإنجاب، فعلى جميع الأطراف سواء كانوا أولياء الأمور وسواء كان النساء من صغار وكبار، أو الرجال الراغبين في الزواج من كبار وصغار أن ينظروا إلى هذا الأمر بعناية؛ لأن لا شك أن العنوسة شبح مخيف بالنسبة للنساء، لما يرين في مجتمعهن وفي محيطهن، وبنت في السابعة عشرة من عمرها تتصل على شخص كبير يعني فوق الخمسين تطلب منه أن يتزوجها، فسألها ما الذي دعاك إلى هذا؟ فقالت: في بيتنا خمس أكبر مني، خمس، والكبرى أربعين، وسبعة وثلاثين، وخمسة وثلاثين، اثنين وثلاثين، يعني أصغرهن ثلاثين، وبينها وبين الصغرى منهن ثلاثة أولاد أو أربعة ذكور، فتقول: أخشي أن يصير مصيري مثل مصيرهن فأبادر في هذا، لاشك أن مثل هذا عقل منها محاولة للحل وكونها تعمد إلى هذا الكبير يعني ما عمدة إلى شاب؛ لأنه قد يتردد الشاب يقول: ما عرضت نفسها إلا لأن فيها شيء، الكبير شبه مضمون؛ لأنه لو بحث عن مثلها قد لا يجد فهي أرادة أن تقطع الطريق على هذا الشبح المخيف، ولا شك أن مثل هذا يحتاج إلى تضافر جهود من الولاة والعلماء والدعاة والمصلحين وأولياء الأمور والنساء والشباب أيضاً، هذا يحتاج إلى

أن يجتمع الجميع على همة صادقة وعزم أكيد لحل هذا المشكلة، وهي في المغرب بعض الأنظمة القوانين الوضعية تمنع التعدد، هذه مشكلة، هذه كارثة مما يضطر الإنسان أن يتزوج زوجاً شرعياً في الباطن ويظهر خلافه لهذه الأنظمة، إذا عثر عليه يدعي أنها ليست بزوجه، يعني تصل الغربة إلى هذا الحد، غربة الدين تصل إلى هذا الحد في بلاد ينتشر فيها المسلمون، ويكثر فيها المسلمون -والله المستعان-. هذه من المغرب تقول: ما الفرق بين الذنب والسيئة وهل معنى قوله تعالى: {ن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [(53) سورة الزمر] جميعا: يعني بما فيها المظالم التي تكون بين العباد بعضهم بعضا؟ لا شك أن هذه الآية عامة خصتها آية الشرك {إن الله لا يغفر أن يشرك به} [(48) سورة النساء] ودخل التخصيص في حقوق العباد المبنية على المشاحة، مبنية على المشاحة فلا تدخل في هذا ولابد من التخلص منها. هذا يقول: سائق سيارة أجرة أوقفه شخص لينقله إلى مكان فلاحظ أنه يحمل معه قارورة خمر، فهل يجوز له نقله؟ لا يجوز له نقله؛ لأنه يعينه إلى المكان الذي يؤويه عن نظر المسئولين. وما حكم الأجرة إن حمله معه؟ إذا قيل لا يجوز حمله فإن الأجرة حينئذ لا تجوز. وهل هناك فرق إذا كان الراكب في حالة سكر؟ يعني متلبس بالمعصية، أيضا لا يجوز حلمه إذا كان في حالة سكر، إلا إذا خشي من ضرره على الناس، إذا خشي أن يتعدى ضرره إلى غيره فمثل هذا ينقل إلى مكان بحيث يؤمن هذا الضرر، وإذا بلغ عنه أهل الحسبة هذا هو الأصل، لكن إذا عرف هذا الشخص وأنها هفوة وإلا زلة وأراد الإنسان أن يستر عليه له ذلك، أما إذا كان صاحب سوابق ومدمن فمثل هذا لابد أن يبلغ عنه. هل يشمل الفزع الحاصل في يوم القيامة على الكافرين والمؤمنين؟ ففزع من في السموات ومن في الأرض شامل لكل أحد. أم أنه فقط على الكافرين؟ هو شامل لكل أحد. يقول: لا صلاة بعد أن تقام الصلاة إلا المكتوبة؟ حديث ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) يقول: فكيف يقطعها، ومتى، وهل يقطعها؟

إذا أتم ركعة كاملة، الركعة الكاملة تسمى صلاة، وإذا كان إتمامه للركعتين لا يفوت عليه الركعة فإن هذا يتمها خفيفة، أما إذا لم يكمل ركعة كاملة فإنه لم يمض منه حينئذ صلاة أقل من ركعة لا تسم صلاة. يقول: ما معنى قوله تعالى: {سيماهم في وجوههم من أثر السجود} [(29) سورة الفتح]؟ الذي يظهر لعموم الناس وهو المتبادر أنه ما يوجد في الجبين من أثر للسجود، لكن القرطبي -رحمه الله- وكثير من أهل التفسير لا يرون مثل هذا؛ لأنه قد يوجد في أفسق الناس؛ لأنه قد يوجد في بعض المنافقين، وبعض الناس يتعمد ويصنعه في نفسه، -يعني يضع على جبينه مادة تحول لونه إلى شيء من هذا الأثر-، ولا شك أن مثل هذا كون الإنسان يقصد إلى أن يوجد هذا الأثر في جبينه هذا مناقض مناقضة تامة للإخلاص، فأهل العلم يقولون: إن {سيماهم في وجوههم} نور يرى في وجه المؤمن المسلم المصلي ولو لم يكن له أثر يميزه عن بقية الوجه، يعني ما يلزم أن يكون في الجبين، أو في طرف الأنف الذي هو مباشر للسجود، المقصود أنه نور ينبعث وترى بعض الناس من أبيض الناس وجها ًثم بعد ذلك ترى عليه الكآبة والظلمة وهو أبيض الوجه، ومنهم من وجهه أقل بياضاً لكن وجهه مشرق من أثر الطاعة والعبادة. يقول: عندي بقرة مربوطة بحبل منذ سنين؟ يعني عندنا هذا الأمر مستغرب جداً، يعني يوجد بقرة عند شخص مربوطة مستغرب تعرفون أنتم الآن البلديات تمنع وجود هذه البهائم في البيوت؛ لأنها تنبعث منها روائح، وتجتمع عليها الحشرات، وما زال المسلمون على مر العصور عندهم من هذه الحيوانات ما عندهم، عندهم وسائل النقل الحمر مربوطة في البيوت، وعندهم البقر، وعندهم الغنم الحمد الله أمور جرت عليه، ولذلك لما قرأت السؤال! يقول: عندي بقرة مربوطة بحبل منذ سنين كالعادة في ربط البهائم، وجدتها في أحد الأيام قد ماتت، يقول: مكتوية بالحبل أو ملتوية نعم ملتوية بالحبل، هل علي شيء؟ لا شيء عليك إذا كان ربطها ربطا عاديا،، مضى على ذلك سنين فهذا أجلها وهذا حتفها، هل عليه شيء يقصد من الإثم في كونه صار سبباً لتعذيبها؟ وإلا معروف أنه لا كفارة ولا دية إنما لو أساء إليها وعذبها، لا شك أنه أثم لكنه في هذه الحالة لا شيء عليه.

يقول: من المعلوم أن تكرار الآية للتذكير والتنبيه لكن ما مناسبة تكرار قوله: {ولقد يسرنا القرآن} [(17) سورة القمر] بين كل قصة وأخرى، مع أن القصص عن الأمم السابقة؟ على كل حال هذا يأتي -إن شاء الله تعالى-. يقول: أنا من الجنوب مقر إقامتي وعملي في الجنوب، وعندي شقة ملك في جدة وأقضي أكثر الإجازة في جدة، فهل يجوز لي أن أحرم بالعمرة من جدة مع أن النية من الجنوب، أم لا بد أن أرجع إلى الميقات من حيث أنشأت؟ من حيث أنشأت العمرة، إذا أنشأت العمرة من الجنوب فميقاتك ميقات الجنوب، وإن أنشأتها من جدة فمن حيث أنشأت. يقول: ذكرتم في أحد محاضراتكم أنه من وسائل تدبر القرآن الاستماع لقارئ مؤثر؟ فما هي ضوابط هذا القارئ المؤثر؟ الذي يقرأ القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر، والترتيل، والتخشع، وتحسين الصوت وتزيينه، هذا لا شك أن مثل هذا يؤثر لاسيما إذا كان هذا القارئ معروف بصلاحه في الظاهر والباطن -يعني مشهود له-، والتأثر بالقراء لا شك أنه أمر نسبي يختلف من شخص إلى أخر، ولذلكم تجدون الأقوال المتباينة في نظرات الناس إلى القراء، يعني لو وجدت عشرة من طلاب العلم في مجلس وسألتهم من الذي يؤثر فيك من القراء؟ قد لا تجد اثنين متفقين ابدأ يختلفون، هذا يقول فلان، وهذا يقول فلان، وهذا يقول فلان، وهذا في وزن فلان لا شيء، وهذا في وزن فلان كل شيء؛ لأن المسألة مسألة أذواق، يعني كما يختلفون في الألوان، يختلفون في الأشكال، يختلفون في مثل هذا، الأصوات تجد مثلاً من يرجح القارئ الفلاني، وهذا هو القارئ المفضل عنده، والثاني يرجح القارئ الفلاني وهكذا، فالذي يؤثر فيك إلزمه، إلزمه. يقول: نرى كثيراً من المستقيمين بدؤوا يخففون لحاهم فهل من توجيه؟ على كل حال قبل انتشار الأقوال، والترخص بفعل بعض الصحابة ما عرف هذا بين الناس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان كث اللحية، وتعرف قراءته من خلفه باضطراب لحيته، وجاء الأمر بإعفاء اللحى، وإكرام اللحى، وتوفير اللحى، وليس لأحد مع هذا كلام البتة. يقول. . . . . . . . . نعم أهل العلم ينصون على ذلك. يقول: يوجد حديث للرسول -عليه الصلاة والسلام- ذكر فيه سورة هود وأخواتها؟

حينما سأله أبو بكر وغيره؛ لأنه جاء من طرق أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن شيبه؟ فقال: ((شيبتني هود وأخواتها))، ((شيبتني هود وأخواتها)) مع أن الشيب فيه -عليه الصلاة والسلام- قد نفاه بعض الصحابة، وبعضهم أثبته، وسبب نفيه أنه قليل، يعني أنه من بعد لا يرى، والذي يحدد ويقرب من النبي -عليه الصلاة والسلام- كأنس يثبت مثل هذا، أما البعيد لا يثبته؛ لأن الشعر البياض إذا كان شعرات معدودة، كما قيل: اثنا عشر، أو إلى عشرين بضعة، عشر شعرة هذه لا، إذا كانت متفرقة لا ترى من بين الألوف من الشعر، الحديث مثل به بعض أهل العلم الحديث المضطرب، وحكموا باضطرابه؛ لأنه جاء على طرق مختلفة متساوية، وابن حجر أمكنه الترجيح بين هذه الطرق فحكم بحسنه، ولا شك أن سورة هود وما فيها من القصص للأمم الماضية المكذبة للرسل وما صنع الله بهم يعني أمر يؤثر في قلب المسلم، قلب الحي، القلب السليم، أما قلوبنا التي قد غطاها الران من أثر المكاسب، وأثر الاختلاط الخلطة والتخليط هذا لا شك أن مثل هذا التأثير ضعف، حتى أن الإنسان يقرأ هود، أو يقرأ أي سورة من السور لا فرق، أو يقرأ أو يسمع القرآن أو يسمع الأخبار لا فرق، قد يتأثر من بعض الأخبار وبعض المناظر أكثر مما يتأثر بالقرآن، والله -جل وعلا- يقول: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} [(45) سورة ق] فعلى الإنسان أن يحضر القلب عند قراءة القرآن، وعند سماع القرآن. الحسن يقول: تفقد قلبك في ثلاثة مواطن: في قراءة القرآن، وفي الصلاة، والذكر فإن لم تجده فاعلم أن الباب مغلق، يعني اسعى في فتحه من جديد، إذا أغلق الباب بينك وبين ربك ماذا ترجو؟ وماذا تأمل؟ ومن ترجو سواه اسع إلى فتحه. يقول: وأخواتها فماذا يعني بأخواتها؟ جاء في بعض الروايات الواقعة، إذا الشمس كورت ونظائرها. نكتفي بهذا لأن الأسئلة كثيرة يجاب عليها، يعني على بقيتها غدا -إن شاء الله تعالى- لكن هذا كأنه محتاج إلى حل. يقول: حضرنا من الرياض وكانت لدنيا رغبة في العمرة إن تيسرت لنا، ووصلنا جدة لحضور الفرح، وبعد حضور الفرح أردنا العمرة من أين نحرم من جدة أو نعود للميقات؟

على حسب ما يغلب على الظن، يقول: إن تيسرت لنا يعني هذا التردد إن كان الراجح فيه أنك تعتمر فتحرم من ميقاتك الأصلي، وإن كان الراجح عندك أنك لا تعتمر فتحرم من جدة من حيث أنشأت، وإن ترددت وشككت في ذلك فأحرم من جدة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المفسر -رحمه الله تعالى- في قوله: {كذبت عاد} [(18) سورة القمر] {كذبت عاد} "نبيهم هودا" يعني فعندما ذكر من الأنباء التي فيها المزدجر والادكار والاتعاظ ذكر منها قصة نوح مع قومه، وكيف أهلكهم الله -جل وعلا- بالغرق؟ أتبع ذلك بعاد قوم هود، وقصص القرآن في غاية الأهمية، معرفتها في غاية الأهمية بالنسبة لطالب العلم؛ لأنها ما سيقت من أجل المتعة ولا على أساس أنها قصص تاريخية واقعية يتسلى بها الناس، وإنما كما قال الله -جل وعلا- في أخر سورة يوسف: {لقد كان في قصصهم عبرة} [(111) سورة يوسف] لكن عبرة لمن {أولي الألباب} فطالب العلم وهو بصدد دراسة قصص القرآن عليه أن يجمع هذه القصص من القرآن، بدأ من قصة آدم -عليه السلام- فيجمعها من جميع المواطن في القرآن، قصة آدم يجمعها من القرآن كله، والحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في أول "البداية والنهاية " صنع ذلك.

قد يكتفي ببعض المواطن عن بعض التي يرى أنه ليس فيه زيادة وهذا الاكتفاء ليس بجيد، بل على طالب العلم أن يجمع أطراف القصة الواحدة من جميع القرآن؛ لأن هذه القصة تأتي مختصرة في موضع، تأتي مطولة في موضع أخر، تأتي متوسطة في موضع ثالث وهكذا، فالتصور التام لهذا القصة وتمام الإفادة من عبر هذه القصة إذا تصورت في المواطن كلها، والربط بين هذه المواضع في القصة الواحدة لا شك أنه ينير الطريق لطالب العلم، فيبدأ بقصة آدم وما حصل له من مبدأ خلقه إلى نهايته، يتصور تصوراً كاملاً لهذه القصة ويقرأ ما كتبه أهل العلم من الثقات كالحافظ ابن كثير مثلاً في هذه القصة؛ لأنه يجمع إلى ما جاء في القرآن ما جاء في الحديث والأثر، فقصص القرآن للحافظ ابن كثير مهم جداً بالنسبة لطالب العلم، مع أن طالب العلم عليه أن يستخلص هذه القصة في مواطنها المتعددة من القرآن بنفسه ولا يعتمد على أحد، وهذا أمر متيسر يعني القرآن يمكن الإحاطة به بآياته، وهو يقرأ يصنف القصص ما يتعلق بآدم يضعه في موضع واحد، ما يتعلق بنوح يضعه في موضع واحد، هود كذلك، صالح كذلك إلى آخره ليكون تصوره دقيق، ولا يقع فيما وقع فيه بعض من علق على فتح الباري، البخاري وقع فيه بالنسبة لقصص الأنبياء تقديم وتأخير، والحافظ ابن حجر يذكر عن أبي الوليد الباجي أن نسخة البخاري في هذا الموضع كانت غير محبوكة يعني غير مجلدة-أوراق-، فسقطت بعض الأوراق ووضعت في غير محلها وحصل التقديم والتأخير.

الذي علق على فتح الباري طبعة الكليات الأزهرية قال: وقدم البخاري قصة مدين نسيت والله بالضبط ليبين أن شعيباً هو نبي ثمود، يعني التقديم والتأخير الذي حصل؛ لأنه ذكر قصة شعيب بعد عاد، والأصل أن تكون متأخرة عنها يعني بعد عاد ثمود فقال: ليبين -رحمه الله- أن شعيباً هو نبي ثمود، وفي القرآن {وإلى ثمود أخاهم صالحا} [(73) سورة الأعراف] يعني يقع في مثل هذا الوهم الذي لا يقع فيه صبي، كله بسبب أنه ما تصور القصص على وجهها، وإلا في مثل هذا الخطأ لا يقع فيه أحد، نعم أوقعه في هذا الخطأ ما استصحبه من دقة الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في النظر والاستنباط والتحرير والترتيب، لكن مع ذلك هو بشر يعني كونه يقدم ويؤخر لا يعني أنه يقضى بكلامه على القرآن، أقول طالب العلم يجمع هذه القصص من جميع المواطن.

هناك كتاب اسمه: "تفصيل آيات القرآن" جمع فيه النظائر إلى بعض، لكنه الرجل ليس بمسلم وهذا الجمع إنما هو على حسب فهمه، فيه أيضاً لبعض المسلمين محاولات جمع للنظائر في القرآن، وموضوعات القرآن، لكن مع ذلك أنا لا أرتضي لطالب علم يريد المتابعة في هذا الطريق والسير على هذه المحجة أن يعتمد على غيره لا في القرآن ولا في السنة ولا في غيرها من العلوم، -يعني إذا تأهل لذلك- أم طالب المبتدئ لا يمكن أن يصنع شيئاً حتى يتأهل، لكن أنا أخاطب طلبة متأهلين لمثل هذا فما المانع أن يمشي على القرآن من أوله إلى آخره، يسجل هذه القصص في كراس، أو في أوراق ما يتعلق بآدم يجعله على حدة في جميع القرآن، ما يتعلق بنوح يجعله على حدة وهكذا إلى أن ينتهي من الأنبياء المسمين وغير المسمين، هذا بالنسبة للقصص، وقصص غير الأنبياء كثير في القرآن، ثم يأتي إلى الأمثال وأهميتها لطالب العلم؛ لأن الله -جل وعلا- قال: {وما يعقلها إلا العالمون} [(43) سورة العنكبوت]، لابد أن نعقل هذه الأمثال عن الله -جل وعلا- يأتي إلى هذه الأمثل ويصنفها، يأتي إلى أقسام القرآن، يأتي إلى أنواع كثيرة في القرآن لابد أن يكون طالب العلم على معرفة تامة بها؛ لأنه إن لم تكن العناية بكتاب الله فبأي شيء تكون، يستفيد أيضا من قصص القرآن فيما كتبه أهل العلم الثقات من المؤرخين، وأيضاً ما جاء في السنة يعني البخاري -رحمه الله تعالى- ذكر هذه القصص، ذكر الأنبياء، وذكر أحوال الأمم الماضية وأبدع في ذكرها، والاستنباط منها، والتراجم عليها -رحمه الله- إلا ما حصل من التقديم والتأخير الذي أشرنا إليه، -والله المستعان-.

الطبعة السلفية من فتح الباري رقموا الأبواب حسب التسلسل التاريخي، فتجده مثلاً قال: واحد، اثنين، ثلاثة، سبعة عشر؛ لأن هذا الباب متأخر جداً عن الذي بعده، ثم رجع إلى أربعة، خمسة، ثم رجع إلى ثمانية عشر، إلى آخره، يعني هذا الترتيب ينبغي أن يعتني به طالب العلم؛ لأن هذا على حساب الترتيب التاريخي، يعني كون طالب العلم يجهل هذه الأمور لا شك أنه نقص وخلل في تحصيله، نعم كثير من طلاب العلم يعتني بالأحكام الحلال والحرام وهي محل عناية؛ لأنه لا يستطيع أن يعبد الله -جل وعلا- على الوجه المأمور به حتى يعرف الحلال من الحرام. العقائد أيضا رأس المال الفقه الأكبر يعتني بها طلاب العلم، ولله الحمد والعناية واضحة، السنة أيضا لها أهل ولها وجود، ولها من يعتني بها في متونها، وأسانيدها، وشروحها، التفقه منها هذا واضح ولله الحمد، لكن العناية بكتاب الله ليست على المستوى المطلوب اللآئق بكتاب الله، نعم يوجد من يتخصص بكتاب الله، ومن يتخصص بعلوم القرآن، لكن القرآن قاسم مشترك لجميع طلاب العلم، ما يقول: أنا والله متخصص بالسنة ما لي علاقة بالقرآن، هذا ما يمكن أن يقوله طالب علم أو العكس طالب علم متخصص بالقرآن يقول: ما لي علاقة بالسنة، ما يمكن أن يفهم القرآن إلا من خلال السنة، فالعلوم الشرعية متكاملة مترابطة، لما انتهى من قصة نوح مع قومه وما حصل من إغراقهم إهلاكهم بالغرق.

قال: {كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر} [(18) سورة القمر] يقول المفسر: {كذبت عاد} "نبيهم هودا فعذبوا" يعني هل يتصور أن طالب علم تخرج في الجامعة من كلية شرعية ما يعرف أن هود هو نبي عاد؟ يوجد لأنه الآن يخرج طلاب يحفظون هذه المذكرات التي كتبها الأساتذة، وفيها خير وفيها علم، لكن ليست متكاملة، الأستاذ يعطى منهج، والمنهج فيه مفردات، قد تكون هذه المفردات على طريقة هذا الشيخ تحتاج إلى سنوات وهذا الشيخ عرف بالتطويل والاستطراد، لكنه لا يأتي على نصف المنهج، هذا الشيء مررنا به، ومر به غيرنا أحيانا ما نستطيع أن ننجز ولا ثلث المنهج، طالب العلم لا يعرف شيء، ويتخرج ويمكن نصف أو أكثر من نصف المناهج ما مرت عليه، ولا شك أن هذه الطريقة طريقة التعليم، وترك الأساتذة كل على منهجه، كل على طريقته، من الأساتذة من أنجز المنهج في شهر وجاء إلى القسم يسأل يقول: ماذا نصنع انتهينا من المنهج، وهو مقرر لثلاثة أشهر؟ قالوا: أنت أنهيته على سبيل الإيجاز فأعده على سبيل البسط ما في إلا هذا الكلام، ويش قال: نعم لا شك أن مثل هذا التدريس ناقص، أيضا بالمقابل بعض الأساتذة يستطرد فيأخذ في الحديث خمس محاضرات، ست محاضرات ثم يأتي في نهاية الفصل وقد شرح خمسة أحاديث أو ستة أحاديث والبقية ما شرحت، أو عشرة أحاديث بقي عشرين، أو ثلاثين حديث ما شرح، هذا أيضا خلل يعني الطريقة المناسبة جداً للموازنة بين الوقت والمنهج أن يتخذ كتاباً معيناً، وليكن شرحه مختصراً ما في إشكال، ثم يضيف إلى هذا الشرح المختصر ما يفتح الله به عليه من علمه، أو من مراجعته للكتب هذا مناسب جداً؛ ليوازن بين الوقت والزمن، وهذا الذي جعلنا نعتمد هذا التفسير وإلا بالإمكان أن نأخذ آية نستطرد فيها ثم ينتهي الوقت وما سوينا حاجة، ولذلك أقول قد يتخرج الطالب في الجامعة من كلية شرعية ويخفى عليه مثل هذا؛ لأنه لا يحفظ القرآن، وما مر عليه التفسير كامل -مر على بعض الآيات- وما مر عليه في قصص القرآن إلا نتف يسيرة، مثل هذا ما يحسن شيئاً يتخرج في كثير من الأبواب جاهل، نعم يعرف شيئاً مما مر عليه ومما ذاكره للامتحان يعرف.

لذلك التعليم النظامي مثل ما قلنا مراراً إنه لا يخرج علماء، نعم يخرج طالب علم هذا المتميز من هؤلاء الطلاب، يخرج طالب العلم يستطيع التعامل مع الكتب بحيث يستطيع أن يتابع التحصيل بنفسه، ولذلك كثير من طلاب العلم لما تخرجوا من الكليات الشرعية وباشروا الأعمال وجاء المحك والامتحان وجدوا أنفسهم محرجين، يسألونهم الموظفين في هذه الدائرة، والطلاب في المدارس، وكذا الجماعة في المسجد هذا تخرج من كلية الشرعية هذا شيخ، ثم بعد ذلك لا شيء، ما عنده شيء، يعني شيء يذكر مما يسأل عنه وإلا قد يكون عنده شيء، لكن ما يسأل عنه ثم بعد ذلك يحبط في نفسه ويتحسر، فإما أن يبدأ الطلب من جديد أو يقول: بلاش من العلم الذي أمضينا فيه بضعة عشرة سنة ثم لا شيء النهاية، فعلى الإنسان أن يهتم بنفسه، ويؤصل نفسه، ويقرأ الكتب كاملة، ويحضر شرح الكتب كاملة عند أهل العلم، ولا يقتصر على الدراسة النظامية، وإن كان بعض الناس ينتقد كلمة نظامية للمدارس والجامعات الرسمية ينتقد كونها نظامية؛ لأنه يفهم من ذلك أن دروس المساجد فوضوية. إذا كانت هذه منظمة ونظامية فمفاد هذه الكلمة أن الدروس في غير المدارس والجامعات فوضوية؛ لأن النظام والأصل فيه الانتظام وما عدا الانتظام فوضى، وهذا لا يفهم لا من قريب ولا من بعيد، لكن أبداه بعض الناس فينبه عليه لا، لا الانتظام في دروس المساجد أكثر؛ لأنه يبدأ فيها الكتب من أولها إلى أخرها، ما يترك فيها فجوات كما هو في الدارسات الرسمية؛ لأنها غير محدودة بوقت، نعم قد يكون من طبائع بعض الشيوخ شيء من عدم الانتظام، قد يكون في طبيعة بعض الطلاب شيء من عدم الانتظام هذا موجود، لكن الأصل في دروس المساجد ما تحدد بوقت، فتكمل الكتب ولا يقال: والله هذا وقت ضاق علينا فنترك هذا الباب، لا لأنه ما في وقت محدد، قد يمر هذا في الدراسات الرسمية لكن في الدراسات أو في الدروس المساجد لا. كذبت عاد نبيهم هوداً {فكيف كان عذابي ونذر} {فكيف كان عذابي} هذا السياق مختصر جداً، وفيه طي وحذف قدره المؤلف بقوله: " فعذبوا " {فكيف كان عذابي ونذر} هذا إجمال "أي إنذاري"

{فكيف كان عذابي ونذر} "أي إنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله أي وقع موقعه" {فكيف كان عذابي ونذر} يعني تصور أيه المسلم كيف عذب قوم هود!، كيف عذبوا؟ عليك أن تبحث كيف عذبوا مما في هذا السورة، وفي غيرها من السور، وما جاء في السنة، وما تناقله المؤرخون الثقات من اجل إيش؟ ما الفائدة؟ نعم، تعتبر تزدجر، تعرف سبب العذاب فتجتنب لئلا يحل بك ما حل بهم، إنذاري {فكيف كان عذابي} الذي وقع بهم بسبب المخالفة، بسبب التكذيب، بسبب الكفر {ونذر} "أي إنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله". الله -جل وعلا- ما ترك لأحد حجة أنذرهم، ورسولهم بينوا وبلغوا البلاغ المبين "أي وقع موقعه وقد بينه بقوله": {إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصراً} [(19) سورة القمر] "أي شديدة الصوت" {فأقبلت امرأته في صرة} [(29) سورة الذاريات] يعني في صوت {صرصراً} شديدة الصوت، ويأتي الصر صر والصر بمعنى البرد الشديد، فهي شديدة الصوت ويصاحبها برد شديد، ريح باردة شديدة مصوتة مدوية {في يوم نحس} "شوم". هذا يقول: ألا يوجد تعارض بين قوله: {في يوم نحس} وبين نهي النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الطيرة أو التشاؤم من الأيام التي تحصل فيها مكروه للعبد؟

لكن هذا في القرآن، والنصوص لا يضرب بعضها ببعض، الله -جل وعلا- سمى ذلك اليوم نحس، الذي أهلك فيه عاد قوم هود سماه نحس -يعني شوم عليهم-، وسمي لملابسة وقوع العذب فيه لا لذاته، وإنما الشؤم الحقيقي في فعلهم الذي أوقعهم في هذه المصيبة وهذه البلية، لكن باعتبار الملابسة صار هذا اليوم ظرفاً لهذا العذاب صار بالنسبة لهم نحس شؤم، لكنه بالنسبة لهود مثلاً لا، بالنسبة لهود خير، وهكذا لا يعارض ما ورد فيه النص من تسميته نحس ونحسات، لا يعارض بهما، ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من الطيرة والتشاؤم وما أشبه ذلك؛ لأن الطيرة فيها معارضة للقدر، ومناقضة للقدر، والتشاؤم كذلك كل شيء يرد من غير ما يدل عليه، قد يكون هذا اليوم الذي تراه شؤم أو تتطير فيه ويمنعك من حاجتك قد يكون يمن بالنسبة لك، هذا الذي حصل لك تقول: والله خرجت إلى الدوام فحصل لي حادث فتتشاءم في هذا اليوم حيث وقع لك في أوله ما وقع، ألا تدري أن الله -جل وعلا- قد يكون ادخر لك من أجر هذه المصيبة ما يكفر به سيئاتك أو يرفع به درجاتك فيكون هذا خير لك، وليس بنحس ولا شؤم، لا تدري أن الله -جل وعلا- قد دفع عنك من الشر أضعاف ما وقعك لك فيكون هذا الحادث خير لك، وما الذي يدريك أنه نحس وما الذي يدريك أنه شؤم، لكن الله -جل وعلا- حكم على هذا اليوم بأنه نحس، لكن أنت ليس لك أن تحكم ولو حصل لك فيه ما حصل، أنت افترض أنك خرجت لصلاة الفجر فعثرت في حفرة وانكسرت رجلك ذهبت للمستشفى وجبرت، ثم جئت على العربة لصلاة الظهر فحصل لك ما حصل استطدام بسيارة مثلاً، أو انزلاق من درج. . . . . . . . . حصل لك أكثر، وكذلك في صلاة العصر تقول: خلاص لا أصلي؛ لأن الصلاة صارت شؤم ونحس بالنسبة لي، كل ما خرجت أصلي وقد قالها بعضهم: والله ما عمري طلعت المسجد إللي اصدم، يا أخي هذا كيف تحكم على؟ مثل هذا، أمر أوجبه الله عليك وكلفك به وما يدريك لعل الله -جل وعلا- يرفعك بهذه الأمور دراجات لا تستطيع أن تصل إليها بعملك.

فالمخلوق ليس له أن يسمي إلا ما سماه الله -جل وعلا- أ"وجاءت تسميته بالنص، أما هو لا يدري أين الخيرة حصل له في هذا اليوم ما حصل لكن يمكن دفع عنه من الشر أعظم، ورفع به منازل، وحطت عنه خطايا، وهكذا هذا شأن المصائب، وأشد الناس بلاء الأنبياء فلا يجوز لإنسان أن يتشاءم أو يتطير {إنا أرسلنا عليهم ريح صرصراً} "أي شديدة الصوت" {في يوم نحس} "شؤم" {مستمر} في يوم هل عذاب عاد في يوم واحد، أو في سبع ليالي وثمانية أيام؟ نعم ثمانية أيام من الأربعاء إلى الأربعاء ثمانية أيام، وهنا قال: {في يوم} إما أن يراد باليوم الوقت الذي عذبوا به طال أو قصر كما يقال: فتحدثا ساعة، الساعة هذه ليس المراد به الساعة الفلكية التي هي ستون دقيقة، وإنما هي وقت قد يكون ساعتين، ثلاث، وقد يكون نصف ساعة أو ربع ساعة فلكية، المقصود أن اليوم يطلق والساعة تطلق ولا يراد بها حقيقة الزمن المحدد المقدر كما في قوله في الحديث الصحيح: ((فما رأينا الشمس سبتا)) يعني أسبوعاً من الجمعة إلى الجمعة ليس المراد به السبت فقط، وإنما المراد به الأسبوع الكامل من دعائه -عليه الصلاة والسلام- بالمطر إلى أن دعاء برفعه. {مستمر} يعني "دائم الشؤم أو قويه" كما تقدم من المرة، وهي القوة ذوي مرة يعني ذي قوة، "وكان يوم الأربعاء أخر الشهر" ومعلوم أن عذابهم وهذه الريح التي أرسلها الله عليهم من الأربعاء إلى الأربعاء ثمانية أيام وسبع ليال.

{تنزع الناس} [(20) سورة القمر] "تقلعهم من حفر الأرض المندسين فيها وتصرعهم على رؤوسهم فتدق رقابهم فتبين الرأس عن الجسد" {تنزع الناس} يعني هم حفروا حفر ولج ؤ وا إلى الشعاب، وتصدى لأفواه الشعاب رجال من أشدائهم وأقويائهم؛ ليردوا عن النساء والصبيان والضعاف هذه الريح، لكن أول ما بدأت بهؤلاء الشداد، وبعضهم حفر لنفسه حفرة فقتلعته واجتثه من هذه الحفرة، ورفعته ونكسته على رأسه فبان رأسه عن جسده، وبهذا يتم التصوير الدقيق {كأنهم أعجاز نخل منقعر} يعني إذا انتزعت النخلة من مكانها ما الذي يبقى في الأرض؟ حفرة، فيه أصل هذه النخلة، عجز هذه النخلة، عروق هذه النخلة هم أيضاً اجتثوا من الأرض ورفعوا عنها كما تصور رفع النخلة بالشياول والرافعات، لكن هذا الأمر أشد، ريح اجتثتهم من أصولهم إلى أن رفعتهم فنكستهم على رؤوسهم فدقت رؤوسهم وفصلتها عن أجسادهم، {تنزع الناس} "تقلعهم من حفر الأرض المندسين فيها وتصرعهم على رؤوسهم فتدق رقابهم فتبين الرأس عن الجسد" {كأنهم} "وحالهم ما ذكر" يعني وما حل بهم ما صور {أعجاز} "أصول" نخل منقعر، أصول أصل النخلة في قعر من الأرض -ومن أصعب الأمور قلع النخل-، يعني الأشجار الأخرى أسهل منها؛ لأنها راسية ثابتة شديدة، وتشبيههم بالنخل لطولها وقد تميزت عاد بالطول، يقول بعض المفسرين: إن طولهم يبلغ إلى اثني عشر ذراعاً -ستة أمتار-، وإن كان بعضهم ينازع في هذا ويقول: نحن رأينا بعض القبور في ديارهم قبور عادية يعني تصل إلى ثلاثة أذرع مثلاً كغيرهم، أربعة أذرع يعني من المترين فما دون، لكن يشهد لما يقوله المفسرون من أن آدم خلق طوله ستون ذراع، وما زالت ذريته تنقص حتى وصلت إلى ما نشاهد، ولذا أهل الجنة الطول طول أبيهم الطول -ستون ذراعا- صح هذا في الصحيحين وغيرهما طول أبيهم. على كل حال تشبيههم بالنخل من عدة وجوه: ومنها ثبات النخل، وشدة وصعوبة اجتثاثها وخلعها صاروا مثلها، بحيث حفروا لأنفسهم وثبتوا أنفسهم بالأرض ومع ذلك نزعتهم هذه الريح. {أعجاز}، أصول نخل منقعر، هنا يقول في هذا الطبعة منقطع ومنقلع، إيش عندكم في أحد معه تفسير الجلالين منقلع، منقطع نعم هو الأصل منقلع من القلع وهو الإزالة.

{أعجاز نخل منقعر} والتعبير بمنقعر دليل على أنهم وصلوا في حفرهم إلى مبلغ يثبتهم "وقعر الشيء: منتهاه " قعر الشئ منتهاه "منقطع ساقط على الأرض، وشبهوا بالنخل لطولهم، شبهوا بالنخل لطولهم وذكر هنا وأنث في الحاقة" {كأنهم أعجاز نخل خاوية} [(7) سورة الحاقة] هنا قال: أعجاز نخل منقعر وهناك قال في الحاقة {نخل خاوية} فذكر هنا منقعر، ما قال منقعرة وأنث في الحاقة، ما قال خاوي يقول المفسر: "مراعاة للفواصل في الموضعين" يعني مراعاة لرؤوس الآي، والنخل إن نظر إلى مفرده نخلة فهو مؤنث، وإن نظر إلى الجمع فهو مذكر، والجمع أيضاً يذكر ويؤنث، أعني جمع التكسير يذكر ويؤنث، يذكر باعتبار الجمع ويؤنث باعتبار الجماعة، {فكيف كان عذاب ونذر} يعني كما تقدم، {فكيف كان عذاب ونذر} يعني تأملوا، اعتبروا، تفكروا فيما حل بهم {فكيف كان عذاب ونذر} كيف كان عذابي لهم بهذا الطريقة، وهل تتحملون ما حل بهم، وكيف كان إنذاري إياهم بالآيات البينات، بالعظات البالغات على لسان أفصح قومه؟ وحصل لكم ما حصل من النذر بما لا يدع لأحد أي حجة. {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [(17) سورة القمر]. وهذا يقول: من المعلوم أن تكرار الآية للتذكير والتنبيه، لكن ما مناسبة تكرار قوله: {ولقد يسرنا القرآن} بين كل قصة وأخرى، مع أن القصص على الأمة السابقة؟ الخطاب هنا ليس للأمم السابقة، الأمم السابقة كلها مضت، ولم يرد بهذا الخطاب سوانا فكوننا يكرر لنا قوله -جل وعلا-: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} نعم الأخبار والقصص للأمم السابقة، وانتهت الأمم، ومضت الأمم السابقة، بقي دورنا {ولقد يسرنا القرآن} المشتمل على هذه القصص وعلى غيرها مما ينفع المكلف في دنياه وأخراه، لكن هل من مدكر؟ هل من متعظ؟.

كذبت ثمود بعد ذلك ثلث بقصة ثمود، قوم صالح -عليه السلام- {كذبت ثمود بالنذر} [(23) سورة القمر] "جمع نذير بمعنى منذر، أي بالأمور التي أنذرهم بها نبيهم صالح إن لم يؤمنوا به ويتبعوه" {كذبت ثمود بالنذر} "جمع نذير بمعنى منذر" والمنذر كما يطلق ويراد به من جاء بالنذارة، يطلق ويراد به النذارة نفسها، لأنها تنذر وتحذر، جمع نذير بمعنى بمنذر أي بالأمور التي أنذرهم بها نبيهم صالح، النذر إذا أردنا به الأنبياء الذين أنذروا وحذروا أرسل إليهم صالح، لكن من كذب صالح كذب غيره من الأنبياء؛ لأنه من كذب نبيا واحدا فقد كذب سائر الأنبياء، ولذا قال: {بالنذر} أو كذبوا بما أنذرهم به صالح -عليه السلام- من الأساليب المتعددة التي أنذرهم بها إن لم يؤمنوا به ويتبعوه {فقالوا} [(24) سورة القمر] كان ردهم أن قالوا {فقالوا ابشرا} "منصوب على الاشتغال" يفسره الفعل نتبعه فالتقدير فقالوا: أنتبع بشرا منصوب على الاشتغال {منا واحدا} صفات، أو "صفتان لبشرا" أين الصفتان؟ {منا} هذه صفة؛ لأنها جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره: " كائنا منا" متعلق بمحذوف صفة، {واحدا} صفة ثانية، الآن بشر نكرة حاجته إلى الوصف أكثر من حاجته إلى الحال وصف بكونه منهم، فهل هو بحاجة إلى وصف ثاني؟ أو حاجته إلى بيان حاله، أولى من وصفه؟ بعضهم يقول: {واحدا} حال مقدر، أو مؤولاً بمنفردا -يعني حال كونه منفرداً-، وعلى كل حال النكرة حاجته إلى الصفة والنعت أولى من حاجته إلى بيان الحال، لكن كونه بيُن وصفه بكونه منهم يعني يستوي فيه قوله: {واحدا} أنه وصف له أو بيان لحاله {نتبعه} "مفسرا للفعل الناصب له، مفسراً للفعل الناصب له والاستفهام بمعنى النفي" والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، كيف نتبعه ونحن جماعة كثيرة وهو واحد منا وليس بملك، أو ليس بملَك أي لا نتبعه؟ "بمعنى كيف نتبعه ونحن جماعة كثيرة وهو واحد منا يعني منفرد؟ وليس بملًك من غيرنا أي لا نتبعه" ما له وصف يميزه، ما الذي يميزه علينا بأن يدعي ما ادعاء أو يخص من بيننا بالرسالة {إنا إذا} إنا أصلها إننا {إذا} يعني "إن اتبعناه" {لفي ضلال} لفي ضلال يقول المفسر: "ذهاب عن الصواب"، الضلال ضد الهدى إن اتبعنا واحد ليس له

ما يميزه إذا نحن ضالون ولسنا بمهتدين؛ لأنهم يزعمون أن الواحد شاذ، والرأي إنما هو مع الجماعة فكوننا نتبع وآحاد ونترك الجماعة هذا ضلال، هذا على حسب تقديرهم. {لفي ضلال} "ذهاب عن الصواب" {وسعر} أي "جنون" إما أن يكون مفردا أو جمع سعر، إما جمع السعير أو يكون مفرداً ومعناه الجنون، والمادة تدل على هذا التفسير يعني أصلها ومشتقاتها تدل على هذا فيقال: "سَعَر" و"انسعر" الفعل المطاوع إذا أصيب بالجنون أو ما يشبه الجنون، إذا أصيب بالجنون انسعر، وما يشبه الجنون من الافتتان بشيء لا يستحق، إما وراء دنيا ينسعر بها، ويتبعها نفسه، وتهيمن وتسيطر عليه على جميع أركانه وعلى تفكيره هذا انسعار، وهذا شبيه بالجنون، يعني إذا آثر ما يضر وترك ما ينفع هذا تصرف المجانين فقالوا: {إنا إذا} "إن اتبعناه" وليس له ما يميزه فنحن مجانين، انسعرنا وراءه تركنا عقولنا؛ لأن الذي ينسعر بالشيء، ويهتم له ويمشي وراءه من غير تفكير يكون قد ألقى عقله وراء ظهره، وهذا الشيء مشاهد يعني بعض الناس يلهث وراء هذه الدنيا، وتستولي عليه بجميعه بمجموعه بكليته فيتصرف تصرف المجانين، وإلا ماذا يستفيد الشخص إذا جمع مئات الملايين، بل زاد على ذلك، وأمضى وقته كله؟ هذا موجود في مشاهدة الشاشات والبورصات، وينظر ارتفع الذهب نزلت الفضة، ارتفع الدولار نزل الين، إذا ارتفع شيء أكل الحبة حبة الضغط، إذا نزل شيء أكل حبة السكر، إذا كذا وتارك جميع ملذات الدنيا لمشاهدة هذه الشاشات، بالله عليكم هل هذا عاقل وإلا مجنون؟ يعني أولاً ترك ما خلق لأجله وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ترك الأنس بالأهل والأموال والأصحاب، ترك جميع ملذات الدنيا، هل هذه حياة؟ هل هذا عقل؟ يعني يملك ما يكفيه، ويكفي ولده العاشر من بعده إلى الطبقة العاشرة، أو إلى العشرين وهذه حياته، يطلع الفجر وهو على هذه الحالة، هذا انسعار، هذا ضرب من الجنون، ومن الناس من انسعر بأمور أخرى في متابعة النساء، في مشاهدة الأفلام، في كذا وكذا فيما يضر، هذا انسعار، هذا ضرب من الجنون.

ولذا أهل العلم يقولون: لو أوقف شخص وقفاً وقال: تصرف غلته للعقلاء هل ينظر في الأسواق أيهم أكثر كسباً؟ هؤلاء هم العقلاء، لا ينظر إلى العباد هؤلاء هم العقلاء الذين سعوا فيما يخلصهم من عذاب الله -جل وعلا-، الذين حققوا ما خلقوا من أجله، هؤلاء هم العقلاء حقيقة، أما من عداهم فكل بحسبه على حسب ما يسيطر عليه {إنا إذا} "إن اتبعناه" {لفي ضلال} "ذاهب عن الصواب" {وسعر} "جنون". {أؤلقي الذكر عليه} [(25) سورة القمر] أؤلقي يقول: "بتحقيق الهمزتين، أؤلقي بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية" أؤلقي، كيف تنطق أؤلقي، إيه بتسهيل الثانية "وإدخال ألف بينهما" بين الهمزتين أاؤلقي "على الوجهين" يعني على التحقيق والتسهيل "وتركه" فتكون القراءات أربعاً، {الذكر} "الوحي"، {عليه من بيننا} يعني كيف وقع الاختيار على هذا الشخص من بين المجموعة؟ إذا لم يوح إليه قال: "لم يوحَ إليه" {بل هو كذاب} "في قوله أنه أوحي إليه ما ذكر" يعني ما في ما يميزه من بين جماعته بحيث يوحي إليه، إذا "لم يوح إليه" {بل هو كذاب} "في قوله أنه أوحي إليه ما ذكر" {أشر} "متكبر بطر"، {بل هو كذاب أشر} يعني إذا كان يدعي ما لا دليل عليه حينئذ يكون كذاباً يعني كما نقول: لو قام واحد وقال: هو عيسى بن مريم مثلاً ماذا نقول له؟: كذاب، لو قام أخر وقال: أنا هارون الرشيد نقول: كذاب، لو قال: أنا ويدعي صفة نجزم بكذبه يكذب، لكن هل عندهم من الأدلة ما يجزمون بكذبه؟ ليس عندهم من الأدلة ما يدلهم على كذبه بل عندهم ما يدل على صدقه؛ لأن الأنبياء إنما هم خيار قومهم، خيار قومهم فهو أولاهم بهذه المهمة. {بل هو كذاب} في قوله: إنه أوحي إليه، {أشر} "بطر متكبر" يعني يدعي وصفا يتميز به عن غيره هذه صفة المتكبر، لو ادعى شخص وصف قال: إنه يحمل ثلاث مائة كيلو مثلاً ادعى هذا الوصف، ما الذي دعاه إلى هذه الدعوى؟ ما يدعوه إلا إرادة التميز على غيره والتكبر والأشر عليهم، وإلا فالمتواضع لو كانت حقيقته كذلك ما يقول هذا.

قال تعالى: {سيعلمون غدا} [(26) سورة القمر] يعني "في "الآخرة" {من الكذاب الأشر}، {سيعلمون غدا} ويطلق الغد ويراد به الآخرة، {اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} [(18) سورة الحشر] {ما قدمت لغد} يعني ليوم القيامة، وقد يراد بالغد هنا يوم العذاب الآتي ذكره. {سيعلمون غدا} "في الآخرة" {من الكذاب الأشر} "وهو هم الذين كذبوا فيما زعموه أنه كذاب بأن يعذبوا على تكذيبهم نبيهم صالحا"، {سيعلمون غدا من الكذاب الأشر} "وهو هم الذين كذبوه وكذبوا عليه وكذبوا على مرسله فهم أهل الكذب بأن يعذبوا على تكذيبهم نبيهم صالحا". {إنا مرسلو الناقة فتنة لهم} [(27) سورة القمر] ابتلاء اختبار هم طلبوا، قالوا: ما دام تدعي هذه الدعوة فلك إله ولنا آلهة، نطلب من آلهتنا وتطلب من إلهك، الذي يتحقق له ما يطلب هو الإله الحق، الذي يحقق الطلب هو الإله الحق، قالوا: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد ناقة عُشَراء وبراء فطلبوا من آلهتهم ما حصل شيء، فطلب من الله -جل وعلا- فأخرج لهم هذه الناقة العشراء الوبراء من صخرة من هضبة. {إنا مرسلو الناقة} "مخرجوها من الهضبة الصخرة كما سألوا" قالوا: تخرج لنا من هذا الصخرة، من هذه الهضبة ناقة عشراء وبراء فخرجت، هذه معجزة لهذا النبي الكريم لكن كما قال الله -جل وعلا-: {وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} [(101) سورة يونس] {فتنة} محنة وابتلاء واختبار لهم لنختبرهم ما الذي حصل؟ كذبوا استمروا على تكذيبه، وفي النهاية قتلوها، {فارتقبهم} "يا صالح أي انتظر ما هم صانعون وما يصنع بهم"، ارتقب انتظر، انتظر ما هم صانعون، هل يصدقونك ويؤمنون بك، أو يكذبونك ثم بعد ذلك انتظر النتيجة ماذا يصنع بهم؟ وما لهم؟ {واصطبر} "الطاء بدل من تاء الافتعال أي أصبر على آذاهم"، أصلها أصتبر "تاء الافتعال تقلب طا صارت " اصطبر " أي اصبر على آذاهم لا بد من الصبر، لابد من التحمل هذه سبيل الأنبياء، وهذه طريقهم، لا بد من الدعوة إلى الحق ولابد من الصبر على الأذى فيه، أي اصبر على آذاهم. {ونبئهم} أخبرهم أن الماء {قسمة} يعني مقسوم بينهم وبين الناقة فيوم لهم ويم لها.

{ونبئهم أن الماء قسمة بينهم} [(28) سورة القمر] يعني "مقسوم" {بينهم} "وبين الناقة فيوم لهم ويوم لها" السياق يحتمل أن الماء يكون مقسوم بينهما فقط هم من غير ذكر للناقة هنا، لكن في موضع أخر {لها شرب} نعم، نعم. فالآية الأخرى تفسر ما هنا {ونبئهم أن الماء قسمة} يعني "مقسوم" {بينهم} "وبين الناقة فيوم لهم ويوم لها" والجمع، بجمع المذكر لوحظ فيه تغليب الناس مقسوم بينهم وبين الناقة فيوم لهم ويوم لها {كل شرب} "نصيب"، الشرب النصيب، والشرب المصدر، مصدر شرب يشرب أو يشرب "نصيب من الماء" {محتضر} يعني محضور، ليس معناه من الحظر الذي هو المنع لا، إنما هو من الحضور محتضر "يحضره القوم يومهم والناقة يومها" يعني يحضره القوم، يعني قوم صالح في يومهم ونوبتهم، وتحضرها الناقة في يومها ونوبتها، فتمادوا على ذلك"، يعني في يوم يشربون من هذا الماء، في اليوم الثاني تشرب الناقة ويشربون من لبنها، يعني حرمانهم من الماء في اليوم الثاني إلى بدل أفضل منه، فالمتوقع من أناس كرام عقلاء يقدرون الأمور قدرها أن يؤمنوا ويشكروا هذا النعمة، لكن ما الذي حصل؟ فتمادوا على ذلك يعني مشوا عليه مدة ثم ملوه فهموا بقتل الناقة، ولا شك أن هؤلاء قوم لئام هموا بقتل الناقة. {فنادوا صاحبهم} [(29) سورة القمر] قدار بن سالف أشقى القوم، "قدارا ليقتلها" {فتعاطى} -يعني "تناول السيف" - {فعقر} "به الناقة"، يعني ضربها في الأول مع رجلها بالسيف أو بسهم، يقولون: فرغت وبركت ثم جاء فأجهز عليها بالسيف، {إذ انبعث أشقاها} [(12) سورة الشمس] أشقى القوم، أشقى القبيلة الذي باشر، وإلا فالعقر نسب إليهم جميعهم؛ لأنهم أمروا به ورضوا به فالفعل ينسب إلى المباشر كما ينسب إلى المتسبب، وينسب إلى الراضي به ومن أعان عليه، ولذا جاء {فعقروها} [(157) سورة الشعراء] وهنا {فتعاطى فعقر} "أي قتلها موافقة لهم" فنسب إليه؛ لأنه هو المباشر، ونسب إليهم؛ لأنهم أمروا بذلك وأقروه ورضوا به، فالفعل ينسب إلى الجميع، ولذا نزل العقاب عليهم بعامة -نسأل الله العافية-.

{فكيف كان عذابي ونذر} [(21) سورة القمر] "أي إنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله أي وقع موقعه" والسنن الإلهية لا تتبدل ولا تتغير ولا تتحول، سنن مضطردة من أول الناس إلى أخرهم هذه عاقبة المكذبين، ولم يستثنى من ذلك إلا قوم يونس، لما رأوا العذاب أمنوا فكشف عنهم، أما بالنسبة لمن عداهم فالسنن واحدة والخشية من هذه السنن؛ لأن من ارتكب ما ارتكبوا عذب بما عذبوا به جزاء وفاقا "وبينه بقولهم: {إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر} [(31) سورة القمر] أي الذي يجعل أو الذي يجعل المحتظر "هو الذي يجعل لغنمه حظيرة من يابس الشجر والشوك يحفظهن فيها من الذئاب والسباع وما سقط من ذلك فداسته يسمى الهشيم" فعيل بمعنى مهشوم مفعول؛ لأنه هشم هشمته هذه التي حظر عليها ومنع من دخول ما يؤذيها ومنعة من الخروج أيضا؛ لأن راعي الغنم وراعي الإبل وراعي المواشي يضع لها حظيرة إما من خشب وهذا كثير غالب، أو بسور مثلا، وفي البادية قد لا يتيسر لهم شيء من ذلك، فيضعون أشجاراً وأشواكاً وما أشبه ذلك تمنعها من الخروج، وتمنع من دخول غيرها إليها، ما يتساقط من هذا المواد التي احتظر بها تدوسه هذه الماشية، فإذا جاءته الريح ذرته هشيم تذروه الرياح، يطير. {فكانوا}، {إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر} [(31) سورة القمر] وما زال العامة في مزارعهم يضعون أو يجعلون شيئاً يسمونه حضار من هذا الباب، ـويتساقط منه أشياء وهو هشيم تذروه الرياح إذا جاءت الرياح طارت به، كناية على رقته وخفته وضعفه، يقول الشاعر: ولكن البلاد إذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم

يعني إذا ما بقي إلا هو إلى الله المشتكى، يعني كما يكون في بعض البلدان، في بعض الأزمان، يعني يحتاج الناس إلى أصغر طلاب العلم يسألونه، يعني يأتي مفتي مثلاً من بلاد من البلدان البعيدة تجده ما يعادل طالب علم صغير والأمة كلها متعلقة به؛ لأن البلاد اقشعرت وصوح نبتها ما فيها إلا هذا، لكننا نجد بعض أهل العلم الكبار يصدرون الفتوى بمثل هذا البيت، يعني وجدنها في فتوى كثيرة من أهل العلم كبار كبار بالفعل، علماء ربانيين يسأل فيصدر الفتوى بهذا البيت يعني من باب التواضع، وإلا قد يلجأ الناس إلى مثل من يتصف بهذا الوصف إذا ما وجد في البلد غيره، ولذا على طالب العلم أن يسعى جاهداً في خلاص نفسه وخلاص غيره، خلاص نفسه يكون بالعلم المؤسس المبنى على أساس متين من نصوص الوحيين، وفهم لكلام أهل العلم، واطلاع على أقوال فقهاء الأمة من أجل ألا يأتي بأقوال شاذة فلا يكون هشيما يتصف بهذا الوصف؛ لأن الناس قد يثقون بشخص ويسألونه ثم بعد ذلك إذا تتابع الناس عليه وتداركوا عليه اضطر أن يفتي بعلم وبغير علم، وهذا يوجد بكثرة في مثل هذه الأيام كما جاء في الحديث الصحيح ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، وإنما يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهال، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) وهذا موجود الآن يعني الوسائل تعددت، وكثير ممن يقول: ابن اعرفوني يتصدر لمثل هذا الأمور، بينما لو قرأنا في سير السلف وجدناهم يتدافعون الفتي، قد يتردد الشخص بين عشرة لا يجد من يفتيه والمسألة الاحتياط فيها صعب، والتحري فيها أيضاً مع منازعة النفس حظوظها فيه أيضاً ما فيه، فعلى الإنسان أن يسعى في خلاص نفسه، إذا كان العلماء الأئمة الكبار يصدرون الفتوى أنا وقفت عليها كثيراً ما هو بافتراض هذا إذا إيش البيت: ولكن البلاد إذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم

فهو يعتبر نفسه هشيم، وبعض طلاب العلم الصغار يعتبرون أنفسهم أئمة، لاشك أن مثل هذا منذر بخطر، ونسمع من يفتي بالفتاوى الشاذة المخالفة للنصوص، والمخالفة لما عليه صنيع الأئمة، ويبادر قد يسأل غيره في المجلس، يسأل شيخ كبير وهو حاضر فيبادر بالجواب قبله، تبي عافية لأن هذ مسؤولية وعليها تبعة؛ لأن الذي يفتي بغير علم هذا يكذب على الله -جل وعلا- {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] هذا كذب على الله -جل وعلا- ويدخل مثل هذا دخول أوليا في قوله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] فالإنسان يحرص على ألا يتعجل في مثل هذه الأمور، نعم إذا احتيج إليه واضطر إليه ما في البلد غيره، ولا يمكن الاتصال بغيره، المسألة ضاق وقتها يجتهد إذا كان من أهل الاجتهاد، وإذا كان يحفظ فتوى لأهل العلم يقول: أنا أحفظ لفلان، أنا أحفظ قول لفلان، لا يكلف نفسه ولا يحمل نفسه ما لا يطيق {فكانوا كهشيم المحتضر}. {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] كررت مراراً ولقد يسرنا القرآن للذكر للتذكر سهل ولله الحمد، وهذه الأمة أناجيلها في صدوها، لكن لمن يدكر، لمن يتذكر لا لأهل الغفلة، لا لأهل الأماني {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر].

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} [(33) سورة القمر] انتهى من قوم نوح وعاد وثمود، ثم ذكر قوم لوط {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} [(33) سورة القمر] "أي بالأمور المنذرة لهم على لسانه" على لسان لوط وهو ابن أخي إبراهيم -عليهم الصلاة والسلام-، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} "أي بالأمور المنذرة لهم على لسانه" قوم لوط تكثر النسبة لمن يفعل الفاحشة نسبته إلى لوط فيقال: لوطي مثلاً نسبة إلى هذا النبي الكريم، ويفعل الفاحشة الفعلة يقال: لها لواط يعني فإذا قيل الفاحشة أما زنا أو لوط، والقذف الرمي بالزنا أو باللواط، فإذا قيل: فلان لوطي بمعنى أنه يرتكب هذه الفاحشة، فهل هذه النسبة لوطي إلى النبي لوط أو إلى الفعلة الخبيثة اللواط؟ يعني من فعل الفاحشة ينسب إلى لوط أو إلى الفاحشة نفسها؟ الفاحشة بلا شك، كما يقال: "زاني" يقال: " لوطي " بالنسبة إلى هذه الفاحشة، بعض الناس يستنكر هذه النسبة؛ لأن لوطي أضيفت ياء النسب إلى لوط فانتسب إليه كما يستنكر أيضا النسبة إلى المسيح، فالنصارى الذين بدلوا وحرفوا لا ينسبون إلى المسيح، فلا يقال: فلان مسيح؛ لأن ديانته اختلفت عن ديانة المسيح بالتحريف والتبديل والتغيير، فالمخالفة لا تنسب إلى الأنبياء فيقال: نصراني، ولا يقال: مسيحي، وهنا ماذا نقول بالنسبة لمن ارتكب هذه الفاحشة وهذه الفعلة الشنيعة المخالفة للفطر؟ حتى قال الوليد بن عبد الملك: لولا أن الله ذكر هذه الفاحشة في كتابه ما توقعت ولا صدقت أن ذكراً يعلوا ذكراً، فطر سليمة، فهل يقال لوطي، أو الأولى أن يقال: لواطي نسبة إلى الفعل لواط يعني أصل التسمية باللواط، لا شك أن يعني التسمية فيها شيء من اسم هذا النبي الكريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم، فيها وإلا ما فيها، لكن لواط اسم منحوت من فعلت قومه، من فعلت قومه فهل الأولى النسبة لهذه الفعلة الفاحشة أن يقال: لوطي باعتبار أن المسالة الفعلة نحتت من اسمه، أو نقول: لواطي نسبة إلى الفعلة نفسها، مع أن الألف قد تحذف في النسب، وقد تزاد في النسب فالنسب أمر فيه سعة قد تحذف منه الألف وقد، يعني النسائي والنسئي، يماني ويمني تحذف وتزاد، مسألة النسب أمرها فيه

سهولة، ومن هذه الحيثية كثر التعبير بالنسبة إلى هذا اللفظ، وإلا فالأصل أن النسبة إلى الفعل لواطي حذفت الألف تخفيفاً في النسبة. {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} "أي بالأمور المنذرة لهم على لسانه". {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} [(34) سورة القمر] يعني عذابهم بهذا {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} "ريحاً ترميهم بالحصباء وهي صغار الحجارة الواحد دون ملء الكف فهلكوا" ريحاً {حَاصِبًا} ريحاً لأن حاصب اسم فاعل، الحاصب الفاعل للحصب وهو الرمي بالحصباء، فالذي ترميهم بالحصباء هي الريح، "ريح ترميهم بالحصباء وهي صغار الحجارة الواحد دون ملء الكف فهلكوا". {إِلَّا آلَ لُوطٍ} يعني عذابهم حصل بأن جبريل -عليه السلام- رفع القرى، قرى قوم لوط إلى عنان السماء حتى سمع الملائكة صياح ديكتهم ونباح كلابهم، ثم نكسها فأتبعوا بالحجارة، وبهذا قال جمع من أهل العلم: إن فاعل هذه الفعلة الشنيعة يفعل به هكذا، يرمى من شاهق ويتبع بالحجارة، وقال بعضهم: إنه يرجم على أي حال؛ لأنهم أهلكوا بهذا الحاصب {إِلَّا آلَ لُوطٍ} "وهم ابنتاه معه" لما جاء الملائكة إلى لوط بعد مرورهم بإبراهيم -عليه السلام- وإكرامه لهم، جاءوا إلى لوط فامرأة لوط أخبرت القوم بأن عنده أضياف على أحسن صورة، فجاءوا إلى لوط طرقوا الباب فلم يفتح لهم حاولوا الاقتحام يعني على ما جاء في التفاسير فقال جبريل: دعهم افتحوا الباب فطمست أعينهم كما سيأتي، طمست أعينهم فلم يروهم وقالوا للوط: رأيناهم دخلوا فأين ذهبوا؟ فأين ذهبوا؟ -الله المستعان-. فهؤلاء في طغيانهم يعمهون -نسأل الله السلامة والعافية- وهذا شأن من ابتلي بهذه الشهوة، تجده لا ينظر إلى من أمامه، لا ينظر إلى شهوته، ولذلك يقولون: من ابتلي بهذه الشهوة سواء كانت بالنسبة للنساء أو للذكور تجده لا ينظر ما أمامه عقوبة من الله، وتجده سهل من السهل جداً أن يعثر عليه يعمى عما أمامه، {إِلَّا آلَ لُوطٍ} "وهم ابنتاه معه".

{نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} بسحر من الأسحار، قال من الأسحار لماذا؟ ليبين أن لفظ سحر هنا نكرة؛ لأنه لو كان معرفة لمنع من الصرف لقيل {نجيناهم بسحرَ} بسحر "من الأسحار أي وقت الصبح من غير يوم معين"، يقول: {إِلَّا آلَ لُوطٍ} "وهم ابنتاه معه" وأما النسبة لامرأته فقد ضرب الله بها مثلاً للذين كفروا مع امرأة نوح، وهما ابنتاه معه {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ}، بسحر يعني من الأسحار ليبين أنه نكرة في أي وقت الصبح من يوم غير معين؛ لأنه كان في يوم معين صار معرفة، معروف فيمنع من الصرف، يقول: "لو أريد من يوم معين لمنع من الصرف؛ لأنه معرفة معدول عن السحر، لأن حقه أن يستعمل في المعرفة بأل" وإذا كان معدول عن المعرفة فيمنع للعدل كما في عمر معدول عن عامر، والعدل من العلل كما هو معروف، أي: وقت الصبح الأصل في السحر أنه ما بين في أخر الليل قبل طلوع الصبح، لكن جاء في موضع آخر موعدهم الصبح وليس الصبح بقريب. طيب لو كان يوم معين صار معرفة ومنع من الصرف، يعني مثل مصر إذا أريد به المصر المعروف وقال: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ} [(21) سورة يوسف] منع من الصرف، وإذا كان مصر أي مصر من الأمصار فإنه يصرف كما في قوله تعالى طالب. . . . . . . . . هاه.

{اهْبِطُواْ مِصْراً} [(61) سورة البقرة] يقول: وهل أرسل الحاصب على آل لوط أو لا؟ {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} [(34) سورة القمر] هذا الاستثناء هل يدل على أنه أرسل إليهم الحاصب كقوم لوط؟ أو أن الاستثناء إلا آل لوط لم يرسل عليهم؟ أو أرسل عليهم لكن {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} الذي يظهر أنهم نجوا بسحر قبل الصبح الذي وقت حلول العذاب، ولذا يقول المؤلف: "وهل أرسل الحاصب على آل لوط أو لا؟ قولان" والذي يظهر أنه لم يرسل إليهم، نجاهم الله -جل وعلا- بالسحر قبل أن يحل هذا العذاب على قوم لوط في الصبح، "وعبر عن الاستثناء على الأول بأنه متصل"، يعني أرسل إليهم فالاستثناء متصل المستثنى من جنس المستثنى منه، كلهم أرسل إليهم "وعبر عن الاستثناء عن الأول بأنه متصل وعلى الثاني" على الأول بأنه متصل "وعلى الثاني بأنه منقطع" أنهم لم يرسل إليهم، لأنهم ليسوا من جنسهم، هم من جنسهم على كل حال، هم من الجنس على كل حال من الجنس البشري فهو متصل، اللهم إلا إذا قلنا إن من كذب جنس ومن آمن جنس قلنا استثناء منقطع، "وعلى الثاني بأنه منقطع وإن كان من الجنس تسمحاً"، هو من الجنس يعني باعتبار الجنس البشري، وباعتبار الموافقة والمخالفة من غير الجنس، وعلى كل حال آله الذين أمنوا به نجوا معه {إِلَّا آلَ لُوطٍ} ويدخل لوط في آله دخولاً أولياً، يدخل لوط في آله يعني هل يقال: إنه نجا آله وما يدرى عن مصيره، نجا من باب أولى والشخص يدخل في آله دخولاً أولياً كما في قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] وهو معه بل هو يقدمهم نسأل الله العافية.

{نِعْمَةً} "مصدر، أي إنعاماً" {مِّنْ عِندِنَا}، {إلا آل لوط نجيناهم بسحر* نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا} [(35) سورة القمر] "مصدر، أي أنعاما من عندنا" {كَذَلِكَ} "أي مثل ذلك الجزاء" {نَجْزِي مَن شَكَرَ} "أنعمنا وهو مؤمن"، الشاكر هل نحتاج أن نقول وهو مؤمن، أو من أمن بالله ورسوله وأطاعهما، يعني هل يمكن أن يكون الشكر من كافر، {كَذَلِك َنَجْزِي مَن شَكَرَ} الشكر من شرطه، صحة الشكر من شرطه الإيمان، أي مثل ذلك الإيمان {نَجْزِي مَن شَكَرَ} "أنعمنا وهو مؤمن أو من أمن بالله ورسوله وأطاعهما"؛ لأن الإيمان شرط لقبول الأعمال التي منها الشكر. {وَلَقَدْ أَنذَرَهُم} [(36) سورة القمر] "خوفهم لوط" {بَطْشَتَنَا} أي: "أخذتنا إياهم بالعذاب" {وَلَقَدْ أَنذَرَهُم} "خوفهم لوط -عليه السلام-" {بَطْشَتَنَا} أي: "أخذتنا إياهم بالعذاب" {فَتَمَارَوْا} "تجادلوا وكذبوا"، تماروا من المراء والامتراء وهو الجدال، أو من المرية وهي الشك، شكوا في ذلك {بِالنُّذُرِ} أي: "بإنذاره". {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} [(37) سورة القمر] {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ} قومه راودوا لوط عن ضيفه أي: "أن يخلي بينهم وبين القوم الذين أتوه في صورة الأضياف ليخبثوا بهم، وكانوا ملائكة"، ملائكة جاءوا من أجل تنفيذ ما أمر الله به -جل وعلا- من عذابه، مروراً بإبراهيم حين أكرمهم ثم بلوط -عليه السلام-، هؤلاء جاءهم الخبر أن لوطاً عنده أضياف على صور شباب في غاية من الحسن والبهاء والجمال، جاءوا فراودوه يعني تفاوضوا معه وكرروا ذلك "أن يخلي بينهم وبين القوم الذين أتوه في صورة الأضياف ليخبثوا بهم"، يعني ليفعلوا بهم هذا العمل الخبيث الشنيع "وكانوا ملائكة" {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} "أعميناهم وجعلناها بلا شق كباقي الوجه" طمس مسح ما في فتحات للعيون، ومنهم من يقول: إنهم أخذت أبصارهم وبقية عيونهم قائمة.

{فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} "أعميناهم وجعلناها بلا شق كباقي الوجه بأن صفقها جبريل بجناحه"، {فَذُوقُوا} "فقلنا لهم ذوقوا"، "فقلنا لهم ذوقوا" وكثيراً ما يقدر القول {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم} [(106) سورة آل عمران] يعني فيقال لهم: أكفرتم وهنا {فَذُوقُوا} "فقلنا لهم ذوقوا" {عَذَابِي وَنُذُرِ} "أي إنذاري وتخويفي أي ثمرته وفائدته" هذه النتيجة، ذوقوا هذه النتيجة المرة؛ لأن الذوق يبين الطعم {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} "أي إنذاري وتخويفي أي ذوقوا ثمرته وفائدته" فالثمرة هي التي تذاق. {وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً} [(38) سورة القمر] "وقت الصبح من يوم غير معين" للعلة السابقة في سحر، {عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} "دائم متصل بعذاب الآخرة" {مُّسْتَقِرٌّ} "دائم متصل بعذاب الآخرة" يعني مستقر، يعني متواصل على أن هلكوا جميعهم، ومباشرة بوشروا بعذاب البرزخ الذي يتلوه عذاب النار -نسأل الله السلامة والعافية- {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [(39) سورة القمر] كما تقدم. {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(40) سورة القمر]. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. . . . . . . . .؛؛؛

سورة القمر (3)

تفسير الجلالين - تفسير سورة القمر (3) من الآية 41 إلى آخر السورة الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذا يقول: خرجت مع أهلي إلى السوق، واشتريت لهم أغراضاً ورجعت إلى البيت بعد العشاء، لكن رأيت كثيراً من النساء متكشفات لا يغطين شعورهن وأيديهن يقول: لو أخبرنا أحد أن هذا في غير بلاد المسلمين ممكن نصدق، لكن هذا الشيء موجود في بلاد غير بعيدة عن الحرمين الشريفين؟ على كل حال التبرج موجود والمخالفات موجودة، التبرج موجود في بلاد الحرمين وغيرها من البلدان، ولا شك أن هذا تساهل من أولياء الأمور بالنسبة للنساء، والنساء بحاجة إلى أن يحزم أمرها من قبل وليها ولا يترك لها هذا الأمر؛ لأنها ضعيفة وسريعة التأثر والتقليد، النساء من القدم على هذا إلا من منّ الله عليها بالهداية، ولذا جاء النهي عن التبرج في نصوص الكتاب والسنة {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [(33) سورة الأحزاب]، لكن كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذة بالقُذة)) وذكر القرطبي أن من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى يقول: شق القميص من الجانبين، نظرت إلى أسواق المسلمين وما يعرض فيها وجدت هذا الأمر موجوداً، وهي معصية من المعاصي مخالفة من المخالفات، ولا شك أن لها أثرها على الشباب وغير الشباب ممن يفتتن بهذه المظاهر والمناظر، فهي شريكة لمن يفتتن بها بل هي السبب في فتنة الرجال بها. وفتنة الرجال بالنساء هي أخوف ما يخافه النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذه الأمة، وقد وقع ما خافه وجد التبرج، وجد التحرش من الجنس الثاني، ولا شك أن الطرفين شريكان في هذا الأمر والمسؤولية والتبعية تقع أولاً على ولي أمر المرأة، المرأة نفسها المباشرة، ثم على ولي أمرها، ثم على ولاة الأمر عامة، وولاة الأمر كما هو معلوم وظفوا لمن ينكر هذا الأمور في الأسواق، ولكن لا شك أن المسألة تحتاج إلى مزيد عناية ومزيد حزم في هذا الباب ونسأل الله التوفيق للجميع. يقول: هل وضع لافتة على الطريق مراقب بالرادار يعد من الكذب؟

يعني إن كان ليس بمراقب فهو كذب، إن خالف الواقع صار غير مراقب بالفعل فهو كذب. يقول: أنا من الذين يتمنون العلم، وأعمل جاهداً لعمل برامج للمراجعة سواء للقرآن أو الدروس، لكنها لا تنجح؟ فبماذا تنصحونني؟ على كل حال المسألة إذا عرفت قدر العلم، إذا عرفت قدر ما تطلب ولن تعرف ذلك إلا بقراءة النصوص الواردة، والنظر في سير أهل العلم الذين صبروا على شدائد التحصيل، هذا يعطيك دفعة قوية لمضاعفة الجهد، فعليك أن تعنى بهذا الأمر وتتابع الحفظ والمراجعة. يقول: رجل لا يستطيع المشي ويسكن في الدور الثاني؟ هل يجب عليه أن يذهب إلى صلاة الجماعة ولو بشراء عربية يركب عليها؟ صلاة الجماعة واجبة بالنسبة لمن يسمع النداء، لما جاء ابن أم مكتوم ورجل أعمى بعيد عن المسجد، وبينه وبين المسجد وادي وفيه مشقة عليه، رخص له النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر، ثم قال له: ((أتسمع النداء))، قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) فإذا كان يستطيع شراء العربية بما لا يشق عليه في ماله فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. يقول: أنا شخص كنت أقوم الليل، أقوم من الليل كهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم إني بدأت أترك القيام شيئاً فشيئا حتى تركته؟ فما الأسباب المعينة على قيام الليل؟ أولاً: تعلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- "إذا عمل عملاً أثبته" وأنت لو أنك من الأصل ما تقوم كان أسهل من كونك تقوم ثم تترك؛ لأن ترك الشيء عدولاً عنه ورغبة عنه يدل على ضعف في التدين -ضعف طارئ-، كنت على قدر من التدين قوي ومتين ثم بعد ذلك أصبحت تتنازل عنه، ((وأحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل))، فحاول أن تعود إلى قيام الليل تدريجياً، وإن كنت لا تستطيع أن تقوم بعد النوم فتوتر قبل أن تنام. يقول: يكثر في مدينة جدة نقل الطالبات والمعلمات، والغالب على من يقوم بتوصيلهن مجموعة من الأخوة المستقيمين، فهل يعتبر إذا لم تبق في الحافلة إلا واحدة من الطالبات خلوة مع وجود فاصل زجاجي داخل المدينة، وهل هذا يعد من الدخول على النساء؟ لاشك أن هذه خلوة، وعلى الذي ينقل الطالبات داخل البلاد دون سفر أن يتخذ محرماً من محارمه؛ لئلا تحصل الخلوة المحرمة.

يقول: ما حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج؟ بدعة ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا صحابته الكرام، ولا سلف هذه الأمة ولو كان خيراً لسبقونا إليه. الأمر الثاني: أن معرفة الليلة التي أسري فيها بالنبي -عليه الصلاة والسلام- محل خلاف بين أهل العلم لم يتفق عليها. وما حكم صنع الحلويات في هذا اليوم؟ تابع له، المرتب على البدعة بدعة أيضاً. وهل ورد أثر في تخصيص هذا اليوم بعبادة أو صوم أو ... ؟ لم يرد فيه شيء، جميع ما ورد فيه لا أصل له. يقول: ما حكم إزالة شعر الوجه للمرأة من غير الحاجبين؟ المرأة، الشعر الذي يخرج في وجه المرأة إزالته داخل في النمص إلا ما يقذرها، بحيث تقذر به، وتعاب به، ومن ذلك كما قال أهل العلم: لو خرج في موضع الشارب أو اللحية فإنها تزيله. يقول: هل جلوس الإمام في غرفة تابعة للمجسد يذكر الله يدخل في أجر من جلس إلى الإشراق، وهل الحديث ((ثم جلس في مصلاه)) يعم جميع المسجد؟ المسجد كله مصلى، ما كان داخل سور المسجد فهو كله مصلى، لكن المصلى الأخص هو المكان الذي أدى فيه الصلاة، فإن أمكنه أن يجلس فيه بلا مشقة فدخوله في النص قطعي يبقي بقية أجزاء المسجد، إن كان جلوسه في مكان أخر أرفق به ومما يعينه على الجلوس فالمسجد كله مصلى. هذه من المغرب تقول: هل اللعب على الورق وما يمسى بالكارطا عندنا جائز، كما أنني حلفت ألا ألعبها وبعد ذلك حنثت فهل علي كفارة؟ نعم الكفارة لازمة، واللعب بالورق إذا كان لمجرد التسلية وليس فيه ضياع للوقت، ولا صد عن ذكر الله، ولا عن الصلاة، ولا يترتب عليه ألفاظ بذيئة، وليس فيها جعل مالي فإذا توافرت هذه الشروط فجمع من أهل العلم يطلقون الكراهة في مثل هذا، ولمشابهته للشطرنج التي جاء التحذير منها منع جمع من أهل العلم هذا الباب بالكلية وسدوه بالكلية، لكن العبث اليسير الذي لا يترتب عليه شيء، لا شك أن له أصل عبث يسير لا يترتب عليه شيء، كنتف عود مثلاً، أو إدخال للخاتم ولعب به وما أشبه ذلك هذا كله لا يؤثر، هذا من العبث واللهو الذي له أصل، أما ما عدا ذلك مما يترتب عليه شحناء وبغضاء كالعلل الموجودة في تحريم الخمر فإن هذه لا تجوز بالكلية البتة.

يقول: ((ما من امرأة خلعت ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها)) هل هذا الحديث صحيح؟ نعم، ثابت. وهل يدخل في هذا إذا خلعت المرأة ثيابها في غرف تبديل الملابس في بعض المحلات لتجرب الفستان؟ نعم يدخل فيه. وهل يدخل أيضاً إذا خلعت ملابسها في المشاغل النسائية لإزالة الشعر وغيره؟ نعم يدخل فيه، لكن لو زارت أهلها أو أحداً من محارمها أو أقاربها أو احتاجت أن تسكن في بيت أخر غير بيت زوجها، ثم احتاجت إلى خلع الملابس فلا مانع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لفاطمة بنت قيس: ((اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك)). يقول: ما نصيحتكم لنا من الآن حتى نعان على العبادة في رمضان؟ عليك أن تتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء، يعني في أيام السعة في مثل هذه الأيام؛ لأن أيام المواسم إنما يستفيد منها ويستغلها من تعرف على الله في الرخاء، أما شخص عاش على اللهو والغفلة ثم بعد ذلك إذا جاءت أيام المضاعفات أراد أن يستغلها فهذا في الغالب لا يعان. يقول: هل يجوز مشاهدة الصور الجنسية، أو الأفلام بحجة تعلم فنون المعاشرة؟ وهل يجوز للزوج إجبار زوجته على مشاهدة مثل هذه الأفلام؟ لا يجوز له هو فضلاً عن أن يجبر زوجته، ولا يجوز له اقتناء مثل هذا الأفلام. هذا يقول: ما هي أحكام الزينة المتعلقة بالعروس سواء ليلة الدخلة أم ليلة العقد، وهل تظهر بكامل زينتها للنساء أم هو خاص للزوج فقط، مع العلم بوضع رموش تركيبة على رموش العين، ورسم الحواجب بقلم الكحل الأسود، أو بني، أو إدعاج العين برسم من الألوان المختلفة؟ الزينة ليلة العرس معروف أنها مطلوبة لكنها في الأصل للزوج، الأصل أن التزين إنما يكون للزوج، ولا مانع أن تخرج بزينتها للنساء بالحدود الشرعية بالأمور المباحة؛ لأن حكم النساء حكم المحارم فلا تبدي من بدنها ما لا يجوز إظهاره لغير المحارم. مع العلم بوضع رموش تركيبة على رموش العين؟ هذا وصل لا يجوز. رسم الحواجب بقلم الكحل الأسود أو بني أو إدعاج العين؟

هذا إذا سلم من التشبه وكان بلون الشعر، أو بلون أخر غير لون البشرة، بحيث إذا رآها الرائي قال: إنها نامصة، فهذا، وسلم الأمر في ذلك كله من التشبه، فالأمر في سعة -إن شاء الله تعالى-. يقول: بخصوص كفارة الإطعام، هل يجوز إخراج نوع من الطعام لا يحبه المخرج، بينما يحبه من يأكله؟ {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [(92) سورة آل عمران] {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ} [(267) سورة البقرة] كل هذا يدل عل أن الإنسان عليه أن يخرج مما يحب، لكن قد يكون كما هو حال بعض الناس يحب أشياء يتفرد بها، بينما غيره لا يحبها فينظر إلى الأنفع للمتصدق عليه. بخصوص العدد، هل يكون احتساب العدد بالنسبة لمن يأكل هذا المقدار، أو بالنسبة لمن يكفيهم هذا الطعام؟ إذا كان الطعام نيئاً غير مطبوخ فالمعتبر أنه بالكيل المعروف نصف صاع، نصف صاع لكل مسكين -خمسة آصع- كفارة اليمين، أما إذا كان مطبوخاً وقدر مثلاً أن هذا الطعام طعام على ما يقولونه في المطاعم عشرة أنفار فإن هذا يكفي؛ لأن القصد الإطعام. يقول: هناك بعض المطاعم تأتي بلحوم من خارج المملكة، ويقول: ولقد وردني أن طريقة ذبحها غريبة، يقول: إن هناك جهاز ينطق ببسم الله وهو نفس الجهاز ويذبح الحيوان دجاج أو غنم أو بقر؟ هذه ليست بذبحية، الذبح إنما هو يكون بيد مكلف، ويذكر اسم الله عليه، والمكلف إما مسلم أو كتابي لا يجوز ذبح الآلات من غير حضور مكلف وتسمية المكلف. يقول: في قوله تعالى في أواخر سورة الزمر: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [(58) سورة الزمر] أنه لم يقل فأكون من المسلمين، أو من المؤمنين، بل ذكر الإحسان؛ لأنه أعلى الدرجات؟ هو بعد ما عاين وتمنى الرجعة لا شك أنه لن يتمنى الأدنى مع قدرته على الأعلى، وكل واحد حتى من الأحياء من المسلمين يتمنى أن يكون محسناً مع أن من تمنى هذا الأمنية بعد أن عاين، أخبر الله -جل وعلا- عنه وعن أمثاله أنه سوف يعود إلى ما كان عليه قبل وفاته {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ} [(28) سورة الأنعام].

يقول: عندما يريد طالب العلم قراءة تفسير مختصر القرآن، هل من أول القرآن لآخره من قراءة سريعة، بحيث يأخذ فكرة عامة عن معنى هذه الآيات التي في السور؟ ومن ثم يقرأ من المطولات، أم أنه يبدأ من أول القرآن بتفسير مطول مفصل مثل: تفسير ابن كثير والطبري، أو يبدأ بالأجزاء الأخيرة ويقرأ في تفسيره على مختلف درجاتها؟ على كل حال الطالب المبتدئ يقرأ في المختصرات، ويقرأ في كتاب واحد يعتمده أما تفسير الشيخ ابن سعدي، أو تفسير الشيخ فيصل بن المبارك، ويقرآه من أوله إلى آخره قراءة درس كمتن من المتون، ويهتم بالكلمات الغريبة، ويراجع تفسير غريب القرآن للسجستاني، أو ابن قتيبة، أو المفردات للراغب، أو غيرها، يهتم؛ لأن معرفة الغريب يحل عند طالب العلم كثير من الإشكالات، ويعني أيضا بالإشكال بالنسبة للمعاني، المشكلات من ذلك مشكل القرآن لابن قتيبة وغيره، ويقرأ بعد ذلك ما يناسب الطبقة التي تلي طبقته من الكتب المتوسطة، فإذا قرأ في تفسير الشيخ ابن سعدي وتفسير الشيخ فيصل مع الجلالين استفاد فائدة عظيمة، ثم ينتقل إلى تفسير ابن كثير والشوكاني ثم بعد ذلك ينتقل إلى التفاسير المطولة. يقول: يوجد في الأسواق أسور يوضع على معصم اليد يفيد في إزالة الموجات الكهربائية من الجسم، ما حكم استخدامه وهل يعتبر تِولة؟ ينظر فيه الآن هو اتخذ سبب لإزالة هذه الموجات، كونه سبب شرعي، ليس بسبب شرعي؛ لأنه لم يرد فيه نص، كونه سبب عادي إذا اتفق أهل الخبرة والمعرفة وجرب واضطرد في ذلك، واحتيج إليه، احتاج إليه بعض الناس ممن تزيد عنده هذه الموجات ووصف له كعلاج لا بأس إذا كان مضطرداً، أما إذ لم يعرف بذلك فهو من الشرك؛ لأنه ليس بسبب عادي ولا شرعي فلابد أن ينتبه لهذا، وقد يحتاجه فلان فيصرف له، وقد لا يحتاجه فلان فيكون من النوع الثاني. يقول: نريد دورة في التفسير في منطقتنا بأبهى لقلة الدروس عندنا وحاجتنا إلى ذلك؟ على كل حال النظر في الطلب يجري -إن شاء الله تعالى- ولعل الله ييسر.

هذا يقول: ثناؤك في الدرس الأول على التصنيف، وأنه يحفظ اسم المصنف يفرحنا كثيراً، ويجعلنا نسأل عن شروحاتك المكتوبة التي نطالبك بها من زمن كشرح نظم النخبة وغيرها، فهل هناك كتب تحت الطبع؟ أما بالنسبة للمكتوب فكثير، لكنه بيد غيري على كثرة التفريغات تحتاج إلى مراجعة، والوقت يعني ما يسعف بمراجعة كل ما كتب فنحتاج إلى شيء من الوقت، أما نظم النخبة فيصدر قريباً -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما الكتب التي يعتمد عليها طالب علم الحديث معرفة رجال الأسانيد والحكم عليها، ومن هم شيوخهم وطلابهم مع ذكر أحسن الطبعات؟ معروف أن كتب الرجال كثيرة ومتشعبة، منها تواريخ الإمام البخاري، وسؤالات الإمام أحمد وعلله، ومنها أيضاً ما كتبه الإمام على بن المديني ويحيى بن معين والأئمة الكبار، والجرح والتعديل لأبن أبي حاتم، والثقات والمجروحين لابن حبان، ثم بعد ذلك ما يدور في فلك الكتب الستة الكمال للحافظ عبد الغني، وتهذيبه للحافظ المزي، وتهذيب تهذيبه لابن لحجر، والتقريب والكاشف والتذهيب وغيرها من الكتب، كلها ولله الحمد موجودة ومتداولة، أما ذكر أحسن طبعاته فتحاج إلى وقت لعله أن يتيسر في ذلك شيء مكتوب. يقول: بعض العلماء ألحق الماتريدية والأشاعرة المتقدمين بأهل السنة الحنابلة، وعلل ذلك بكون الخلاف في بعض مسائل الاعتقاد يسوغ لإمكان الاجتهاد فيها، فقد اختلف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعضها، وفرق بين المتأخرين منهم والمتقدمين، وقال: بإن المتأخرين أتوا بطوام لم يكن عليها أسلافهم؟ لا شك أن المتأخرين بعد أن ألزموا بلوازم التزموا بها، فأخرجتهم عن مسار أئمتهم المتقدمين، والسفاريني ذكر في مقدمة شرحه لعقيدته أن أهل السنة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم الإمام أحمد بن حنبل. والأشعرية وإمامهم أبو الحسن.

والماتريدية وإمامهم أبو منصور، لكن هذا الكلام لم يوافق عليه، وكون الصحابة اختلفوا في بعض مسائل الاعتقاد كالروية مثلاً، كرؤية النبي -عليه الصلاة والسلام- لربه وما أشبه ذلك، يجعل المتأخر له حق النظر فيما اختلفوا فيه، أما ما اتفقوا عليه فليس له حق النظر، ما اتفقوا عليه وأجمعوا عليه لا يسوغ لأحد النظر فيه، ولا يسوغ فيه خلاف ولا الاجتهاد، ما دام الصحابة اتفقوا على ذلك، فكيف يقال: إن الأشاعرة الذين ينفون الصفات التي أجمع عليها سلف الأمة يتأولونها يقال: هم من أهل السنة لا، نعم لو قيل إنهم أقرب إلى أهل السنة نعم، أقرب من غيرهم في بعض أبواب الاعتقاد مع أنهم في بعض الأبواب هناك بعد بينهم وبين أهل السنة، وهناك لوازم ألزموا بها والتزموا بها، شيء لا يمكن أن يقروا عليه، فالذي ينكر ما ثبت عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لما يتعلق بالرب -جل وعلا- من أسماء وصفات وأفعال وما أشبه ذلك هذا لا يمكن أن يكون من أهل السنة ويخالف السنة، وكذلك الماتريدية. يقول: سؤالي عن صحة قول بعض المفسرين: بأن يوسف -عليه السلام- تزوج بامرأة العزيز بعد وفاة زوجها، ووجدها عذراء، ورزق منها بنين؟ هذا يتداوله بعض المفسرين الذين لهم نهم بالإسرائيليات، والله أعلم بصحة ذلك. يقول: لماذا لم يهلك الله -عز وجل- هذه الأمم الكافرة به -سبحانه وتعالى- المشركة، رغم أنهم قد فعلوا في الأرض أكثر، وأكثروا فيها الفساد، وفعل، يقول: وفعل بوش وأعوانه للمسلمين كما فعل فرعون وأعوانه بموسى ومن معه، فما الحكمة من عدم إهلاكهم؟

أولاً: الأمم التي أهلكت آذت من لا يستحق الأذى، آذت أنبياء، آذت أولياء، وأما بالنسبة للأمم المتأخرة فلا شك أن فيهم ظلم وطغيان وجبروت، ولديهم من الأسلحة الفتاكة التي يتوصلون إلى أذى المسلمين أكثر مما كان عليه الأمر في السابق، لكنهم سلطوا على المسلمين بذنوبهم هم ظلمة ومستحقون للانتقام من الله -جل وعلا-، لكن بالمقابل الطرف الثاني {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى] يعني فرق بين من يتصدى لنبي من الأنبياء ويؤذيه ويؤذي أصحابه والمتبعين له المقتدين به، وبين من يؤذي، بعضهم استحق هذا الأذى بذنوبه، والبعض الآخر يبعثون على نياتهم؛ لأن المصائب إذا نزلت عمت الصالح والطالح، وكثير منهم شركاء، والساكت عن الحق والساكت عن الإنكار مستحق للعقوبة، على كل حال هذا ابتلى من الله -جل وعلا- وهذا تمحيص، لا يعني أنهم استحقوا هذا العذاب بمعنى أنه لا يلام من آذاهم؛ لأن الإنسان، والمسائل مثل هذا المسائل يكون فيها أكثر من طرف، يكون فيها أكثر من طرف، دعونا في أمور فردية شخص من المسلمين عاصي سلط عليه ظالم، نقول: سلط عليه بما كسبت يداه هذا بالنسبة لهذا العاصي، وبالنسبة للظالم {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [(42) سورة إبراهيم] كل له خطابه من الشرع، كل له ما يخصه من خطاب الشرع، يعني كون هذا مستحق للعقوبة؛ لأنه عاصي لا يعني أن من اعتدى عليه ليس بآثم ولا ظالم لا، فهذا مستحق لهذه العقوبة لتكفير ذنبه، وذاك ظالم بلا شك لاعتدائه على مسلم، وإن كان في الأصل مستحق لكن العقوبة ليست من البشر، العقوبة من الله -جل وعلا-، هو الذي يعاقب على هذه الذنوب، لكن قد يعاقب بعذاب الآخرة وقد يعجل هذه العقوبة على يد ولي أمر يقيم عليه الحد بأمر الله -جل وعلا-، وقد يعاقبه بتسليط ظالم عليه، لكن هذا لا يعفي الظالم من كونه مرتكب لجريمة. يقول: أخذت على نفسي عهداً ألا أحضر درساً يشغلني عن وردي اليومي من القرآن فهل هذا صحيح؟

نعم صحيح، وردك اليومي من القرآن لابد أن تعتني به ولا تتركه على الفراغ؛ لأن بعض طلاب العلم يترك القرآن في أوقات الفراغ، فإذا تقدم إلى الصلاة قبل الإقامة بربع ساعة أو أقل أو أكثر قرأ القران وإلا فلا، هذا لن يقرأ القرآن حتى يكون له ورد مخصص محدد له أول وله أخر في كل يوم، وطالب العلم يليق به جداً أن يقرأ القرآن في سبع ولا يشق عليه ولا يعقه عن أي عمل من الأعمال، في وقت ضائع يصلي الصبح ويجلس في مصلاه يقرأ القرآن حتى تنتشر الشمس، وحينئذ يقرأ القرآن في سبع وهذا لا يعقه عن شيء، لا من أمر دينه ولا دنياه. يقول: عمري خمس وثلاثون سنة، وأقسم بالله أن عندي رغبة شديدة لطلب العلم وبعض الأخوة يقولون: لا تستطيع أن تكون طالب علم مؤصل، فهل أستطيع أن ابدأ بطلب العلم بعد هذا العمر، وكيف ابدأ؟ تستطيع، وحفظ القرآن عجائز جاوزن السبعين من العمر، وصالح بن كيسان بدأ بطلب العلم على أحد الأقوال وعمره تسعون سنة، وأقل ما قيل في عمره خمسون، وتابع الطلب وحفظ الحديث ولازم الزهري حتى عد من كبار الآخذين عن الزهري، مع كثرة من أخذ الحديث عن الزهري يعد صالح بن كيسان من كبارهم ومن أشهرهم، وأقل ما قيل في عمره خمسون سنة فلا تيأس. الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين: أما بعد: ـ

فيقول المفسر -رحمه الله تعالى- في قوله -جل وعلا-: {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} [(41) سورة القمر] {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ} "قومه"، {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ} الآل: هم الأهل في الأصل والأتباع، ويدخل فيهم الشخص دخولاً أولياً {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] مع أنه جاء في سورة هود أنه يقدم قومه فهل يسلم فرعون؟ لأن الله -جل وعلا- قال: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} فماذا عن فرعون؟ دخوله في آله دخولاً أولياً {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ} "قومه معه"، {النُّذُرُ} "الإنذار"، نذر قضايا أنذرهم بها موسى -عليه السلام- فالمراد بـ {النذر} "الإنذار على لسان موسى وهارون فلم يؤمنوا"، والنذر يأتي ويراد به جمع النذير، والنذير والمنذر بمعنى واحد، جاءهم أكثر من منذر جاءهم موسى، جاءهم هارون، ويطلق الجمع على الاثنين، فأقل الجمع اثنان عند جمع من أهل العلم، أو يكون المراد بالنذر ما أنذرهم به وخوفهم به موسى -عليه السلام-. فلم يؤمنوا، بل {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا} [(42) سورة القمر]، يقول: أي "التسع التي أؤتيها موسى"، التسع: اليد، والعصى، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس وأيضاً، الجراد، والسنين بقت واحدة، نعم. طالب. . . . . . . . . الطوفان إيش لا، الدم نعم تسع. طالب: ذُكر نعم كيف؟ قبل ذلك، طيب نعيد، هات. طالب:. . . . . . . . .

الطوفان، الجراد، القمل، الضفادع، الدم هذه خمس، العصى، واليد، والطمس، والسنين تسع بل {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا} أي: "التسع التي أؤتيها موسى"، {فَأَخَذْنَاهُمْ} الله -جل وعلا- يملي ويمهل لكنه لا يهمل، وإذا أخذ {أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} يعني ما في مثناوية بقوة، وهذا أمر يسير عليه -جل وعلا-، {فَأَخَذْنَاهُمْ} "بالعذاب" أخذ {عَزِيزٍ} "قوي"، {مُّقْتَدِرٍ} "قادر لا يعجزه شيء"، "قادر لا يعجزه شيء"، يعني إذا نظرنا إلى قدرة البشر مثلاًَ بآلاتهم وبجموعهم وعددهم وعتادهم وجدنا أن هناك شيء من القوة، بل قوة قد تكون مهولة يعني كما حصل من التتار في منتصف القرن السابع، حيث شنوا حروب إبادة للمسلمين وقتل في بغداد وحدها في ثلاثة أيام يعني قيل: "ألف ألف وثمان مئة ألف" -مليون وثمان مئة ألف في ثلاثة أيام- قوة مهولة، وتيمور لما أحاط بدمشق فعل ما فعل نسأل الله العافية آبادها عن بكرة أبيها، محاها من الوجود، ما بقي إلا رسوم يسيرة ونفر يسير لا شأن لهم، والتواريخ ما زالت شاهدة بهذا، وما فعله النصارى بالأندلس قريباً من ذلك، قوى قد ينهار أمامها كثير من الناس لكنها مع ذلك قوى بشريه لا تعدوا أن تكون قوى بشرية، تحت قدرة الباري -جل وعلا- سلط مثل هؤلاء الظلمة على المسلمين بما كسبت أيديهم، يعني لو نظرنا إلى تاريخ المسلمين قبل حروب وغزو التتار، وجدناهم في انصراف عن ما خلقوا له وتشبث بهذه الدنيا، تمسك بها، ولهو وغفلة ومعاصي استحقوا بها هذه العقوبة التي من حكمها التصفية، والرجعة، والعودة إلى الله -جل وعلا- وهكذا حصل.

في الحروب الأخيرة في بعض البلدان المنتسبة أهلها إلى الإسلام حصل فيها شيء من هذا، لكن قبل ذلك ما كان، ماذا عن وضع المسلمين فيها؟ لا يعرفون من الإسلام إلا الاسم، لا يعرفون منه إلا الاسم ليس هناك شر محض، يعني في بلاد البلقان شخص من الدعاة ذهب إليهم قبل الحرب، يقول: إن في شخص كبير في السن ذو لحية كثة بيضاء، ويكرر من قول: لا إله إلا الله يبيع سمك، وعنده مصحف جوامعي قطع كبير، إذا باع سمكة قطع ورقة ولف السمكة فيها وأعطاها الزبون، يعرفون من الإسلام شيئاً هؤلاء؟ ما يعرفون شيئاً، لكن شوف وضعهم الآن، تغير وضعهم فهم ليس هناك شر، ليس هناك شر محض، يعني التفت الناس إلى الدين، وتعلموا الدين، وعملوا بالدين نعم هذا الأمور التي ابتلي بها المسلمون لا يجوز للمسلم أن يفرح بها، لا يجوز للمسلم أن ينظر إلى أخيه المسلم وهو يهان، وهو يقتل، وينتهك عرضه هذا لا يجوز أن يصبر على هذا بل تجب عليه إعانته، لكن مع ذلك الله -جل وعلا- حكيم عليم، تغيرت الأحوال وتبدلت تغيراً كبيراً جداً، يعني لو نظرنا إلى ما فعله الدنمارك بالنسبة لجناب المصطفى -عليه الصلاة والسلام- هذا ليس بشر محض، كثير من بيوت المسلمين لا يعرفون عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أن اسمه محمد وأنه رسول، لكن ماذا عن حياته؟ ماذا عن خصائصه، ماذا عن شمائله؟ ماذا عن سيرته؟ ماذا عن أوصافه -عليه الصلاة والسلام-؟ ما يعرفون شيئاً، كثير من بيوت المسلمين تقرأ فيها كتب السيرة والشمائل والمغازي الآن بقوة، كثير من طلاب العلم اضطروا إلى أن يرجعوا إلى المصادر فاستفادوا كثيراً، وإذا كان الكلام في عرضه -عليه الصلاة والسلام- فالله -جل وعلا- يقول عنه: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(11) سورة النور] نعم خير، شوف الآثار المترتبة على مثل هذا تغيرت أحوال المسلمين بعد غزو التتار، ورجعوا من جديد وعادوا إلى الإسلام من جديد، فلا يعني هذا أننا نفرح بمثل هذا المصائب أبداً، لكن لها جوانب وجوانب أخرى، يعني لو راجعنا مثلاً الجزء الثاني عشر من "النجوم الزاهرة" واطلعنا على ما فعله تيمور بدمشق بحيلة ماكرة، يعني شيء، أمر مخوف يجعل الإنسان يتوقع

العقوبة في أي لحظة؛ لأن حالنا ليست بعيدة من أحوالهم، فعلينا أن نقرأ ونتدبر ونعتبر، وأن ما حل بالقوم يحل بنا مثل ما قص الرب -جل وعلا- عن الأمم الماضية، الآن قص علينا قصة نوح، وقصة هود مع قومه عاد، وقصة ثمود، وقوم لوط، ثم القصة الخامسة قصة فرعون مع موسى -عليه السلام-، ومآل الجميع الهلاك والدمار فليخشي الإنسان أن يقع في مثل ما وقعوا فيه، فتكون نتيجته كنتيجتهم كما سيأتي. {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} [(43) سورة القمر] يعني هل أنتم أفضل منهم؟ {أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ} معكم صكوك من الرب -جل وعلا- نزل عليكم كتب تبرئكم مما حل بهم. {فَأَخَذْنَاهُمْ} "بالعذاب" {أَخْذَ عَزِيزٍ} "قوي" {مُّقْتَدِرٍ} "قادر لا يعجزه شيء"، الآن الأمم الكافرة وقد أجلبت على المسلمين بخيلها ورجلها بجموعها بقوتها، هل استطاعوا أن يدفعوا عن أنفسهم ما حل بهم؟ يعني ما هم يشنون حروب إبادة على المسلمين، وقع في بلدانهم كوارث من فيضانات وغرق وحرائق استطاعوا أن يردوا شيئاً، في أثناء هذه الحروب استطاعوا أن يردوا شيئاً ما استطاعوا، لكن الله -جل وعلا- ((إذا أخذ الظالم لم يفلته)) {فَأَخَذْنَاهُمْ} يعني "بالعذاب" {أَخْذَ عَزِيزٍ} "قوي"، {مُّقْتَدِرٍ} "قادر لا يعجزه شيء"، يعني النهاية أن ماتوا غرقاً خلاص، بطريقة لا يقدر عليها إلا الله -جل وعلا-، لما موسى ضرب البحر بعصاه صار طريقاً يبساً ولوجوا فيه، فتبعهم فرعون وقومه لما تكاملوا أغرقوا، ما يحتاجون ولا إلى قبور الآن في أيسر وسيلة قادر لا يعجزه شيء.

{أَكُفَّارُكُمْ} أيه المخاطبون من "قريش"، {خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} "المذكورين من قوم نوح"، قوم هود، قوم صالح، قوم لوط، قوم موسى، يعني هل كفار قريش، ومن يأتي من بعد قريش، هل هم أفضل من أولئك الكفار؟ لا فرق، لا فرق بين كافر وكافر، الكافر من قريش، الكافر من بني هشام مثل الكافر في أبعد وأوضع قبيلة وأبعد قرية لا فرق {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} "المذكورين من قوم نوح إلى فرعون فلم يعذبوا"، فلم يعذبوا، أكفاركم فلم يعذبوا، أو فلن يعذبوا، لم وإلا لن، والمناسب يعني أكفاركم ممن قد مات فنقول لم يعذبوا، أو ممن هو موجود وقت الخطاب، موجود وقت الخطاب نقول لن يعذبوا في المستقبل، أو من مات منهم لم يعذبوا؛ لأن لم تقلب الفعل المضارع إلى المضي، تقلب الفعل المضارع إلى المضي فلم يعذبوا في الماض، وإذا قلنا لن يعذبوا يعني في المستقبل أيهما أولى، يعني الآن الخطاب لكفار قريش، {أَكُفَّارُكُمْ} "يا قريش"، {خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} "المذكورين من قوم نوح إلى فرعون" هؤلاء الذين عذبوا، وانتهى أمرهم {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ} من هؤلاء الذين عذبوا فلن يعذبوا، كفاركم لم يعذبوا؛ لأنهم خير من أولئك. {أَمْ لَكُم} "يا كفار قريش"، {بَرَاءةٌ} "من العذاب"، {فِي الزُّبُرِ} "الكتب"، يعني هل نزل من كتب الله -جل وعلا- جاء عنه ما يدل على أن لكم براء من العذاب ولو كفرتم؟ الجواب عن الأول لا، ليسوا بخير من الكفار السابقين، وليست لديهم براءة من الله -جل وعلا- فالنتيجة هي نتيجة أولئك، النتيجة الحتمية لهؤلاء هي النتيجة الحتمية التي آل إليها أمر أولئك من الأمم السابقة. {أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ} "من العذاب" {فِي الزُّبُرِ} يعني "الكتب"، "والاستفهام في الموضعين بمعنى النفي أي: ليس الأمر كذلك"، فلستم بخير من أولئكم ولا يوجد لديكم براءة من الله -جل وعلا- من عذابه، فمصيركم مصيرهم، ومالكم مآلهم.

{أَمْ يَقُولُونَ} [(44) سورة القمر] "أي كفار قريش"، {نَحْنُ جَمِيعٌ} "أي: جمع"، {مُّنتَصِرٌ} "على محمد"؛ لأنهم اجتمعوا واتحدوا ضد النبي -عليه الصلاة والسلام- في بدر، يقول: {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} يعني كلامهم قبل بدر لأن الآية مكية، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: لا أدري ما معنى هذه الآية؟ {يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [(44 - 45) سورة القمر] ما أدري متى؟ لكن لما حصلت وقعة بدر ناشد النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه، وألح بالدعاء، ثم خرج فقال: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فقال عمر: الآن عرفت معنى الآية، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}. {أَمْ يَقُولُونَ} "أي كفار قريش" {نَحْنُ جَمِيعٌ} "أي جمع"، {مُّنتَصِرٌ} "على محمد"، ولما قال أبو جاهل يوم بدر: إنا جمع منتصر" نزل {سيهزم الجمع ويولون الدبر} "، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} في أول السورة قال المؤلف: السورة مكية إلا {سيهزم الجمع} بناء على أن الآية نزلت لما قال أبو جهل: إنا جميع منتصر، نزل على إثر ذلك قوله -جل وعلا-: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} مع أن بعضهم يرون أن هذه الآية أيضاً مكية فالسورة كلها مكية، وأنها سيهزم يعني في المستقبل وهذا وعد من الله -جل وعلا- لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يلزم أن يكون نزولها في وقت تحققها. {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}، {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ}، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} منتصر والدبر، منتصر مفرد، والدبر مفرد، والجميع جمع، والأصل أن يقول: نحن جميع منتصرون، سيهزم الجمع ويولون الأدبار، لكن مراعاة رؤوس الآي، مراعاة رؤوس الآي إنما يكون بالإفراد، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} "فهزموا ببدر ونصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم" انتهى الأمر، ما انتهى هذا العذاب الأدنى، هذا العذاب الدنيوي، وهناك عذاب أعظم {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [(21) سورة السجدة].

{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} [(46) سورة القمر] ما انتهى الأمر، {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} "بالعذاب"، {وَالسَّاعَةُ} "أي: عذابها" يعني ما يعقبها من عذاب، {أَدْهَى} أي "أعظم بلية"، {وَأَمَرُّ} "أشد مرارة من عذاب الدنيا"، والساعة يعني العذاب الذي يعقبها، {أَدْهَى} أي "أعظم بلية" من عذاب الدنيا، من العذاب الأدنى، {وَأَمَرُّ} "أشد مرارة من عذاب الدنيا"، والمرارة إنما تذاق بالفم، الطعوم كلها إنما تدرك بالذوق عن طريق الفم، وسيأتي قوله: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [(48) سورة القمر]، {ذوقوا مس سقر}. والذي قال: {أَدْهَى وَأَمَرُّ} يعني "أشد مرارة من عذاب الدنيا". {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ} [(47) سورة القمر] {فِي ضَلَالٍ} يقول: "في هلاك بالقتل في الدنيا"، والضلال إنما يقابله الهدى، فهم ضالون: المجرمون ضالون عن طريق الله المستقيم، حائدون مائلون عنه ملحدون جائرون عن سواء السبيل، وهنا قال: {فِي ضَلَالٍ} يعني "في هلاك بالقتل في الدنيا"، {وَسُعُرٍ} "نار مسعرة بالتشديد"، "نار مسعرة بالتشديد"، مسعرة "أي مهيجة في الآخرة"، موقدة، مسجرة -نسأل الله العافية-، مسعرة يصلونها يوم الدين. {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [(48) سورة القمر] يعني "في الآخرة"، بعضهم يقول: {يُسْحَبُونَ فِي} بمعنى إلى، -يسحبون يجرون يدعون-، {يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ}، وأشرف ما في الإنسان وجهه، وإذا سحب على وجهه وجر على وجهه، ماذا يبقى له من الإكرام والاحترام؟ إذا كان يسحب على وجهه، هل يبقى له شيء من التقدير والاحترام والإكرام والإنعام؟ أبداً. {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} أي "في الآخرة، {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} يعني يقال لهم: {ذوقوا} وكثيراً ما يحذف القول ويقدر، يعني مثل ما ذكرنا في درس سابق {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم} [(106) سورة آل عمران] يعني يقال لهم: أكفرتم، "وهنا يقال لهم: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} إصابة جنهم لكم" وتمسكم النار.

{مَسَّ سَقَر} -نسأل الله العافية-، و {سَقَر} اسم من أسماء النار، {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} ممنوع من الصرف؛ لأنه علم من الأعلام بالنسبة للنار، وهي مؤنثة علمية وتأنيث فهو ممنوع من الصرف. {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} [(49) سورة القمر] "منصوب بفعل يفسره" خلقناه، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} الأصل إننا، إنا دخلت على نون ناء المتكلم والأصل أنها للجمع، والعرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، {إنا} أصلها إننا، وناء بالنسبة للجماعة المتكلمين، لكن العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، وهذا ذكره الإمام الحافظ في صحيحه في تفسير سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [(1) سورة القدر] العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، {إِنَّا كُلَّ} "منصوب بفعل يفسره" خلقناه، يعني إنا خلقنا كل شيء، {خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} {بِقَدَرٍ} يعني "بتقدير"، وفي هذا إثبات للقدر والإيمان به ركن من أركان الإيمان لا يصح إلا به، وظهر في أواخر عصر الصحابة من ينكر وينفي القدر، ويزعمون أن الأمر أنُف كما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عمر، وابن عمر قال: أخبرهم أنهم لو أنفقوا مثل أحد ذهب لم يتقبل منهم حتى يؤمنوا بالقدر، فالإمام بالقدر معروف ركن من أركان الإيمان. ورأي أهل السنة والجماعة فيه وسط بين القدرية النفاة مجوس هذه الأمة، وبين الجبرية، أولئك ينفون القدر وأن الله -جل وعلا- لا يعلم الأشياء قبل وجودها، ولم يقدر على أحد شيئاً، والإنسان يتصرف بكامل الحرية، وله مشيئة وإرادة مستقلة عن إدارة الله ومشيئته، فيثبتون خالقاً مع الله -جل وعلا-، والجبرية على الضد من ذلك يرون أن الإنسان مجبور، وأن تصرفات المكلف وغير المكلف إنما هي كحركة ورق الشجر في مهب الريح ليس له أي دور في أعماله.

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] فهما على طرفي نقيض، وأهل السنة وسط بين القدرية الغلاة في النفي، وبين أولئك الجبرية الغلاة في الإثبات، أهل السنة وسط بينهما يرون أن المكلف له حرية، وله اختيار، وله مشيئة لكنها تابعة لمشيئة الله -جل وعلا- وإرادته، وأنه لن يخرج عما قدره الله عليه، ولن يحصل في ملك الله إلا ما يريد، وله حرية، ما أجبر على عمل لا يستطيعه، ما سلب الحرية والاختيار ثم قيل له افعل؛ ليكون تعذيبه في الجهتين تعذيبه ظلم، صار مجبور على الفعل تعذيبه ظلم، وفر القدرية من هذه الشبهة إلى ما هو شر منها فأثبتوا مع الله -جل وعلا- خالقاً أخراً، ولذا جاء الخبر بتسميتهم مجوس هذه الأمة، وأهل السنة مثل ما قلنا وسط في البابين يثبتون الحرية واختيار، ومع ذلك هذه الحرية والاختيار ليست مطلقة بل مقيدة بإرادة الله -جل وعلا-. {بِقَدَرٍ} يقول: "حال من كل -يعني إن خلقنا كل شيء خلقناه- مقدراً"، مقدراً "حال من كل مقدراً"، "وقرئ {كل} بالرفع مبتدأ خبره خلقناه"، إذا عرفنا الناصب لكل، وننتبه للمقارنة بهذه الآية {إِنَّا كُلَّ} هذا هو المرجح قراءة النصب هي المرجح، قرئ {كُلُ} بالرفع وسيأتي {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} [(52) سورة القمر] المرجح الرفع مع أنه بالإمكان أن يقول: فعلوا كل شيء {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} يكون منصوب بفعل يفسره المذكور تقديره: فعلو كل شيء فعلوه فهنا المرجح النصب، وهناك المرجح الرفع لماذا؟ ما الفرق، وما السبب في ترجيح النصب هنا وترجيح الرفع هناك، إذا قلنا {كُلُ} بالرفع جعلناها مبتدأ خبره خلقناه {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(49) سورة القمر]، ما الذي يترتب على هذا؟ طالب. . . . . . . . . الشيخ: لا لا المسألة مسألة متعلقة بالاعتقاد نعم. طالب. . . . . . . . . كل شيء مخلوق مثل القرآن

الشيخ: لا لا خالق كل شيء ما في إشكال، يعني يرد شيء مما لا يتعلق به الله -جل وعلا- من أسمائه وصفاته هذا خارج {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} يعني إنا خلقنا كل شيء، يعني المخلوق كله مقدر لله -جل وعلا-، وإذ قدرنا يعني على رواية الرفع {كلُ شيء} كل شيء هذا مبتدأ خلقناه {بِقَدَرٍ} فيكون القدر متعلق بخلقناه ما هو متعلق بكل شيء على رواية النصب، القدر متعلق بكل شيء لا يخرج شيء عن تقدير الله -جل وعلا-، وإذا قلنا كل شيء خلقناه صار التقدير: بقدر متعلق بخلقناه، فيكون هناك أشياء لا يتناولها القدر مما لم يخلق؛ لأن خلقنا فعل ماضي يعني مما لم يخلق بعد لا يتعلق به القدر، يعني لو نظرنا إلى {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [(20) سورة البقرة] بعضهم يقول: إن الله على ما يشاء قدير، أيهما أعم؟ نعم. طالب. . . . . . . . . الأولى أعم بلا شك؛ لأن القدرة متعلقة بكل شيء ما يشاءه وما لا يشاءه، قدرة الله -جل وعلا- علقتها بكل شيء مما شاءه الله -جل وعلا- ومما لم يشاءه، منهم من يقول: إن الأمر في ذلك سهل؛ لأن الذي لا يشاءه الله -جل وعلا- ليس بشيء يعني عدم والعدم لا يتعلق به موجود، مثل مسألة من الدقائق تحتاج إلى انتباه، الطبري -رحمه الله- في أول سورة الملك قال: إن الله على ما يشاء قدير، والمفسر هنا ماذا قال في أول موضع؟ {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [(20) سورة البقرة] الآية عشرين من سورة البقرة {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ماذا قال؟ إن الله على كل شيء شاءه قدير هذا الكلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ نعم ليس بصحيح. هذا الأصل أن القدرة باقية على عمومها وأنها تتناول كل شيء، لكن يشكل على هذا في صحيح مسلم في حديث أخر من يخرج من النار، لما يقول له: تمنى فيتمنى، ((يقول الله -جل وعلا-: فإني على ما أشاء قادر)). هذا يشكل على ما قررناه وإلا ما يشكل؟ يشكل، كيف نخرج من هذا الإشكال؟ يعني الطبري ما فيه، سهل نرد عليه، يعني لو لم يرد إلا كلام الطبري وهو إمام من أئمة السنة، يعني في أوائل سورة الملك قال: فإن الله على ما يشاء قادر، والمؤلف قال ذلك، والآية مطلقة.

وشيخ الإسلام رد على من قيدها لأن من المفسرين من قال: لا يوجد عام إلا وقد دخله الخصوص، وذكروا منها هذا، وشيخ الإسلام في الفتاوى قال: إن في سورة الفاتحة والورقة الأولى من سورة البقرة عمومات كثيرة جداً لم يدخلها خصوص -محفوظة- باقية على عمومها ومنها هذه الآية، لكن لا يشكل علينا إلا ما جاء في حديث مسلم: ((فإني على ما أشاء قادر))، وفي سورة الشورى‍ {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} [(29) سورة الشورى] هذه ترد علينا وإلا ما ترد؟ {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} يعني هل مفهومها أنه إذ لم يشأ لا يقدر؟ نعم أجيبوا يا أخوان، نعم، يعني يكون في ذلك ما يعرف بتعارض القُدَر، تعارض القدر ويكون هذا من باب المحال، والمحال كما قال شيخ الإسلام: ليس بشيء، ليس بشيء فلا يدخل في كل شيء، ليس بشيء أصلاً ما يتعلق به شيء لا نفي ولا إثبات، المسألة تحتاج إلى فهم دقيق يعني المسألة من دقائق المسائل، يعني لما أورد مثلاً بعض المبتدعة والمجلس مجلس علم وإلا مثل هذ الكلام ما يقال في مجالس عامة، لما أورد بعضهم بعض المفتونين قال: هل يستطيع الرب -جل وعلا- --تعالى الله عما يقولون- أن يخلق صخرة لا يستطيع تفتيتها، قالوا هذا في مثل هذا تعارض القدر فيه نفي وإثبات في آن واحد، لشيء واحد، متجهة لذات واحدة فهذا من باب النقيض، والنقيض عدم لا يتعلق به بشيء؛ لأنه محال، محال أن يوجد النقيضان في آن واحد أو ينتفيان في آن واحد، فمثل هذا لا يتعلق به حكم لا نفي ولا إثبات.

نكتفي بهذا لأن الموضع كل ما يبسط أظنه يزداد تعقيداً، هذا شأن المباحث الكلامية مشكلتها أنها لا تنتهي إلى حد مع أن الأمور محسومة شرعاً، يعني ولذلك الذي لا تدرك عقولهم مثل هذه الأشياء عليهم ألا يخوضوا فيها كما في مسائل القضاء والقدر، أهل العلم يحسمون هذه المسائل وينهون ويؤكدون على مسألة الكف عن الخوض فيها؛ لأنها قد توجد شبهات يضعف الإنسان عن حلها، فإذا ضعف الإنسان عن حلها صارت عالقة بذهن السامع بحيث لا يستطيع لا فهم الحل، لذا يحذرون من طرح هذه المسائل على عامة الناس، أما بالنسبة لطلاب العلم فسواء طرحت عليهم في الدروس، أو قراؤها في الكتب لا بد أن يطلعوا عليها، لابد أن يطلعوا عليها. يقول -رحمه الله تعالى- في قوله: {وَمَا أَمْرُنَا} [(50) سورة القمر] "لشيء نريد وجوده" {إِلَّا وَاحِدَةٌ} "إلا أمرةُ" {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} يقول: "وما أمرنا لشيء نريد وجوده، {إلا} أمرةُ، {واحدةُ كلمح بالبصر} في السرعة وهي قول: كن فيوجد" {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [(82) سورة يس]، {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} وهذا لا شك أنه تقريب وإلا إذا أراد شيئاً كان وما يشاءه يكون، قد يقول قائل: إن لمح البصر وإن كان في غاية من الخفة والسرعة إلا أنه يحتاج إلى وقت، إيش معنى وقت، يعني لا يلزم أن يكون وقت دقيقة أو أكثر أو أقل لا، المقصود أن لمح البصر يحتاج إلى وقت وإن كان يسيراً جداً بحيث لا يعتبر شيئاً يعني مثل ما جاء في ((لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)).

المخيط ينقص شيئاً من البحر وإلا ما ينقص، يعني يخرج يابس وإلا رطب، نعم رطب إذاً ينقص مهما كان ولو شيء يسير جداً، ما علمي وعلمك يقول الخضر يقول لموسى: ((علمي وعلمك إلا بمقدار ما نقص هذا العصفور من البحر)) لعصفور شرب من البحر، لكن كل هذا أمثلة تقريبية للمكلف، وإلا فالحقيقة لا ينقص شيئاً وهذا لا يحتاج إلى وقت البتة ولا كلمح البصر، لكن هذه أمور باعتبار أن البصر المخلوق لا يدرك أقل منها، المخلوق لا يدرك أقل من هذه الأمور فقربت له. {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} [(51) سورة القمر] "أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية"، يعني كما تقدم في إهلاك قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم فرعون في هذه السورة خمس من الأمم أهلكت وكلهم أشياع لقريش، لأنهم أمثال لهم ونظراء لهم، "أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية"، {فَهَلْ مِن مُّدَّكِر}؟ "استفهام بمعنى الآمر، أي ادكروا واتعظوا". {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} [(52) سورة القمر] "أي العباد مكتوب"، {فِي الزُّبُرِ} "كتب الحفظة"، أو في اللوح المحفوظ في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} [(52) سورة القمر] "أي العباد مكتوب"، {فِي الزُّبُرِ} "كتب الحفظة" {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق]، وأهل العلم يقررون مثل هذه المسائل فيقولون: إن الحفظة تكتب كل شيء سواء كان فيه ثواب أو عليه عقاب، أو لا ثواب فيه ولا عقاب وهو مقتضى النصوص العامة، ومنهم من يقول: إنه لا يكتب إلا ما عليه حساب ثواب أو عقاب؛ لأن ما لا حساب عليه لا ثوب فيه ولا عقاب يعني من قبيل المباح ما الداعي إلى كتابته؟ يقول لا فائدة من كتاباته، لكن النصوص العامة تثبت أن الملائكة تكتب كل شيء، ولذا يقول: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}.

{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} [(53) سورة القمر] "من الذنب أو العمل" {مُسْتَطَرٌ} "مكتوب في اللوح المحفوظ" في كتاب {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [(49) سورة الكهف] وهنا يقول: {كُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} "من الذنب أو العمل" {مُسْتَطَرٌ} "مكتوب في اللوح المحفوظ"، ومكتوب أيضاً في كتب الحفظة. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} [(54) سورة القمر] هناك {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} [(47) سورة القمر] وهنا {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [(54) سورة القمر] القرآن مثاني إذا تحدث عن حال الكفار تحدث عن حال المؤمنين، هناك {فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} وهنا {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ} "بساتين" {وَنَهَرٍ} "وأريد به الجنس" وإلا فلأصل أنهار فيها أنهار، "أريد به الجنس"، وعدل عن الجمع إلى المفرد مراعاة لرؤوس الآي كما تقدم نظيره مراراً وإلا فالمراد الجنس، "وقرئ بضم النون والهاء نُهُر جمعاً كأسد وأُسُد المعنى أنهم يشربون من أنهارها الماء واللبن والعسل والخمر" {فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ} [(15) سورة محمد] إلى آخره وهذه الأنهار تجري من تحتهم، وتجري بغير أخاديد ولا تحيد ولا تميل يميناً ولا شمالاً. أنهارها في غير أخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضان

لا تحيد يميناً ولا شمالاً مع أنها ليس فيها أخاديد وتجري من تحتهم، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يعني هل يخطر على قلب بشر أن النهر يجري من تحت الإنسان؟ لا يصيبه، وليس فيه أخدود، ولا يميل يميناً ولا شمالاً، يعني من العجائب أن يوجد عين تنبع عين ضعيفة جداً تنبع وتسير على الأرض، وتقصد الجهة المرتفعة دون النازلة يعني هذا شيء مذهل بالنسبة للإنسان؟ هذا شيء مذهل، يعني وجدت هذه في الدنيا فكيف بأنهار الجنة، يعني الناس ينظرون إلى هذا العين وهي ضعيفة جداً تنبع من الأرض والأرض قريبة من الاستواء إلا أن جهة من جهاتها فيها شيء من الارتفاع وتصعد، هذه بالنسبة لعقل البشر وتقدير البشر ووسائل البشر فيها شيء من الاستغراب، لكن فكيف بهذه الأنهار، أنهار تتدفق تجري من تحتهم، وهذا نهر ماء، وهذا نهر لبن، وهذا نهر خمر، وهذا نهر عسل، وكلها من غير أخاديد {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍَ} [(17) سورة السجدة] فهذه الأمور حقيقة ينبغي أن يقف عندها المسلم لا سيما طالب العلم؛ لأنها تحدوه إلى العمل. منهم من فسر {نهر} بالضياء أخذاً من النهار الذي فيه الضياء، {في جنات} وضياء لا ظلام؛ لأن بساتين الدنيا بأشجارها قد تحجب هذه الأشجار الأنوار، فيكون فيه شيء من الظلام لا سيما فجر الليل وما قرب منه، يقول: {ونهر} فيه ضياء، وذكروا في هذا قول الشاعر: لست بليل ولكني نهِر ... لا أدرج الليل ولكن أبتكر يعني من النهار نهاري وليس بليلي ما يسهر، وعمله كله بالنهار، على كل حال هذا قول فيه بعد والنهر واحد الأنهار، وأُثر الإفراد مراعاة لرؤوس الآي.

{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [(55) سورة القمر] "مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وأريد به الجنس" {مَقْعَدِ صِدْقٍ}، مقعد مضاف والمفرد إذا أضيف أفاد العموم، {مَقْعَدِ صِدْقٍ} "مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم، وأريد به الجنس" يعني مقاعد ومجالس، ((المقسطون على منابر من نور، المقسطون على منابر من نور، عن يمين الرحمن الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا وما ولو)) وقرئ {مقاعد} في مقاعد صدق، "المعنى أنهم في مجالس من الجنات سالمة، في مجالس من الجنات سالمة من اللغو والتأثيم بخلاف مجالس الدنيا" التي لا تسلم غالباً من اللغو والتأثيم، "فقل أن تسلم من ذلك وأعرب هذا خبراً ثانياً". {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [(54) سورة القمر]، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [(55) سورة القمر] خبر ثاني، خبر بعد خبر، خبر ثاني وأعرب "بدلاً وهو صادق ببدل البعض، {فِي جَنَّاتٍ}، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} مقعد الصدق بعض من الجنات يعني إن المتقين في جنات في مقعد صدق، يعني خبر بعد خبر وتتعدد الأخبار. من يك ذا بت فهذا بت ... مصيف مقيض مشت أخبار متتابعة، ويجوز أن يكون بدل بدل بعض من كل، {في مقعد} المقعد بعض بالنسبة للجنة وصادق ببدل البعض وغيره الذي هو بدل اشتمال، بدل اشتمال يصدق به أيضاً؛ لان الجنة مشتملة على المقعد فيكون من باب بدل الاشتمال، "وهو صادق ببدل البعض وغيره". {عِندَ مَلِيكٍ} [(55) سورة القمر] فعيل صيغة مبالغة، يقول: "مثال مبالغة" من ملك، وملك أيضاً مبالغة، فعل، مبالغة والأصل مالك اسم الفاعل، وهذه صيغ المبالغة التي منها فعيل وفعل، {مَلِيكٍ} مثال مبالغة أي عزيز الملك، "عزيز الملك واسعه". {مُّقْتَدِرٍ} "قادر لا يعجزه شيء وهو الله -جل وعلا-" قادر، وأي قدرة أعظم من أن يجازي آخر من يدخل الجنة أخر من يخرج من النار بعشرة أمثال ملك أعظم ملك في الدنيا، يعني لو تصورنا ملك ذو القرنين أو ملك هارون الرشيد على سعته، يكفيك ملك هارون الرشيد يقول نعم، ((لك ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله))، {مُّقْتَدِرٍ} "قادر لا يعجزه شيء وهو الله تعالى".

وعند، {الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ} يعني بالنسبة للمخلوق، إذا قيل: عند مليك معناه هكذا الملك جالس هنا، وهذا عنده هذا بالنسبة للمخلوق واضح ولذا يقول: "وعند، إشارة إلى الرتبة والقربة من فضله تعالى"، أو منه صفة القرب ثابتة، وإلا ما هي بثابتة؟ ثابتة بالنسبة لله -جل وعلا- قرب يليق بجلاله وعظمته فلا نحتاج إلى مثل هذا إشارة إلى الرتبة والقربة من فضله تعالى، فصفة القرب ثابتة لله -جل وعلا-، ومعروف أن القرب يكون من الجانبين، فإذا كان الرب قريب من ربه، فالعبد قريب من ربه، وأقرب ما يكون العبد قريب من ربه وهو ساجد. والله اعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ...

سورة الرحمن (1)

تفسير الجلالين - سورة الرحمن (1) من آية: (1 - 27) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله أصحابه أجمعين، أما بعد: فمتابعة لتفسير المفصل من القرآن الكريم الذي بدأناه .. أما بعد: فاستكمالاً لما بدأناه من مشروع تفسير المفصل من القرآن الكريم في مواقع متعددة يكون نصيب هذا الجامع المبارك تفسير سورة الرحمن. ولست بصدد تكرار ما قلناه مراراً في أهمية تفسير القرآن الكريم لطالب العلم ولغيره من عموم المسلمين؛ لأن القرآن كلام الله وخطاب الله لعباده، وأوامره ونواهيه، دستوره الخالد الذي لا يمكن العمل به إلا بعد فهمه، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- في طريقتهم لفهم القرآن، وتبعهم على ذلك سلف هذه الأمة وأئمتها أنهم لا يتجاوزون العشر الآيات من هذا القرآن إلا وقد عرفوا ما فيها من علم وعمل؛ لأن الغاية من فهم الكلام العمل به، الغاية من فهم كلام الله -جل وعلا-، وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- العمل، العمل هو الثمرة العظمى، نعم قراءة القرآن فيها ثواب، وفيها فضل عظيم، وفي كل حرف عشر حسنات، لكن الثمرة العظمى هي العمل؛ لأنها من أجلها طلب العلم والتعلم، والجاهل لا يستطيع أن يعبد الله -جل وعلا- على مراده حتى يتعلم ما يدله على العمل الصحيح، وما ينير له الطريق، وما يوصله إلى الله -جل وعلا-. هذا الكلام رددناه في مناسبات كثيرة، في مطلع كل سورة، فلسنا بحاجة إلى أن نفيض فيه، ونذكر الفوائد وكيفية التعلم لكتاب الله -جل وعلا-، هذا ما كررناه مراراً ولا داعي لذكره في هذا المقام؛ لأن تفسير سورة الرحمن فيه شيء من الطول، لكن مع ذلك نسدد ونقارب بقدر الإمكان أن تنتهي في ثلاثة الأيام المحددة -إن شاء الله تعالى-.

اعتمدنا في تفسير المفصل على أن يكون بأيدي الإخوان تفسير الجلالين، وذكرنا أن هذا أفضل من التفسير المرسل، الذي لا يتقيد بكتاب؛ لأن التفسير المرسل لا ينتهي، لا ينتهي، ويكون الكلام في بعض الآيات على حساب الكلام في البعض الآخر، كالمنهج بيد طالب العلم أن يعتني بتفسير مختصر، يكرر النظر فيه ويراجعه، يكون بيده سفراً وحضراً، ومن أنسب التفاسير المختصرة لعموم طلاب العلم، بل لعامة المثقفين تفسير الشيخ ابن سعدي، وتفسير الشيخ فيصل بن مبارك (توفيق الرحمن لدروس القرآن) تفسير الجلالين هذا تفسير متين لا يصلح إلا لطالب علم ينوي تأصيل نفسه في هذا الفن، وأشبه ما يكون بالمتون، ولذلك وضعت عليه الحواشي الكثيرة لأهميته لطالب العلم، ولمتانة أسلوبه وقوته، فيه بعض المخالفات العقدية التي يمر التنبيه عليها -إن شاء الله تعالى- في مواطنها، إضافة إلى ما مر سابقاً، تفسير النصف الثاني من الكهف إلى آخره لجلال الدين المحلي الشافعي، بدأ من الكهف إلى أن انتهى ثم عاد ففسر الفاتحة ثم وافته المنية قبل إكماله فأكمله جلال الدين السيوطي على نفس الطريقة والمنهج، ولذا قيل له: تفسر الجلالين، جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي. يقول -رحمه الله تعالى-: "سورة الرحمن مكية" والسورة مكية وعرفنا الفائدة من بيان المكي من المدني، قلنا: في مناسبات ما قاله أهل العلم في الحد الفاصل بين المكي والمدني: أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها، يستفاد من ذلك معرفة المتقدم من المتأخر، وبذلك نستطيع أن نعرف الناسخ من المنسوخ.

يقول: "مكية" يعني كلها وهذا قول، "أو إلا {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(29) سورة الرحمن] وهذا هو القول الثاني "الآية فمدنية" والعلماء يقولون: إن الآية التي تليها معها {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(30) سورة الرحمن] فيكون المستثنى من كونها مكية آيتين لا آية واحدة، ويقول: "مكية" هذا القول معروف، هذا قول أكثر أهل العلم، القول الثاني: "أو إلا {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(29) سورة الرحمن] الآية .. " يعني اقرأ الآية، والآية التي بعدها تبع لها {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(30) سورة الرحمن]، فالمستثنى آيتان لا آية واحدة، ومنهم من قال: إن السورة كلها مدنية هذا قول ثالث في المسألة، لكنه قول مرجوح؛ لأنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأها ليلة الجن، وهذه بمكة على ما سيأتي من عتاب الصحابة، من عتاب النبي -عليه الصلاة والسلام- لصحابته حينما قرأ عليهم وسكتوا ولم يتكلموا بشيء، وسيأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-.

يقول: "وهي ست أو ثمان وسبعون آية" وهي ست أو ثمان وسبعون آية، يعني الفرق بين القولين آيتين، قد يقول قائل: أين ذهبت الآيتين على القول بأنها ست وسبعون؟ ومن أين جيء بالآيتين على القول بأنها ثمان وسبعون آية؟ الخلاف في العد لا في الزيادة والنقصان، القرآن مصون عن الزيادة والنقصان، تولى الله -جل وعلا- حفظه، وتكفل بذلك، ولم يكله إلى غيره، الكتب المنزلة كلها استحفظوا عليها فلم يحفظوها ووقع فيها التحريف والتبديل، وأما هذا القرآن فقد تولى الله -جل وعلا- حفظه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] فهو مصون من الزيادة والنقصان، من زعم أن هناك حرف زائد أو ناقص هذا يكفر عند علماء الإسلام؛ لأن ما بين الدفتين اتفق عليه الصحابة، فما كان خارج عن مصحف عثمان، الذي أرسله إلى الأمصار، واتفق فيه مع الصحابة ليس بقرآن، قد يروى قراءات لكنها إلى التفسير أقرب، أو من الحروف المنسوخة؛ لأن القرآن أنزل على سبعة أحرف مراعاةً لحال من أنزل إليهم؛ لأن فيهم الكبير الذي لا يطاوعه لسانه لقراءة بعض الكلمات فوسع على الناس، وسع على الناس أن يقرؤوا القرآن على سبعة أحرف، وهذا شيء مشاهد، لو يأتي عامي عمره سبعون أو ثمانون سنة وهو لم يقرأ تريد أن تقرئه سورة تعبت معه تعباً شديداً، تعبت معه تعباً شديداً، وسمعت من يلقن عامياً في فجر يوم الجمعة سورة الكهف، سورة الكهف نصف جزء تحتاج إلى عشر دقائق بالترتيل، بالقراءة المأمور بها، إلى عشر دقائق أو اثنا عشر دقيقة وبالهذ يكفيها خمس ست دقائق، يلقنه هذه السورة في ساعة ونصف حرفاً حرفاً، فكبار السن لا تطاوعهم ألسنتهم، ونزل القرآن على جمع من هذا النوع، فاحتيج إلى أن يوسع في الأمر مراعاةً لهم فيقرؤونه على سبعة أحرف، وإلى وقت قريب والقراءة في الكتاتيب تجمع الصغير والكبير، وأعرف شخصاً ترك القرآن من أجل كلمة عجز أن ينطقها، فلم يتجاوزها القارئ المكتِب المعلم {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى} [(6) سورة العلق] وهو يقرأها ليطقى، ثم يضربه المعلم، ثم يعود إليها فيكررها، أخيراً ترك قراءة القرآن، لو وفق المعلم وتجاوز هذه الكلمة كونه يترك كلمة ثم يعود

إليها يعرفها فيما بعد -إن شاء الله تعالى- فمراعاة حال هؤلاء وهذه نصيحة لإخواننا الذين يتولون تعليم القرآن بالنسبة للكبار سواءً من الرجال أو من النساء أن يرفقوا بهم، ويعاملوهم على حد أو على حسب ما يطيقون؛ لأن البديل الترك، الترك ليس بحل، البديل لهؤلاء الترك أن يتركوا تعلم القرآن، وهذا ليس بحل، وكونهم يدركون ما يدركون منه على أي وجه لا يدخل في المحظور بركة. القرآن مصون من الزيادة والنقصان وهنا يقول: "ست أو ثمان وسبعون آية" لا زيادة حرف ولا نقص حرف، إنما الاختلاف في عد البسملة آية فيكون الفرق آية واحدة، وعد {الرَّحْمَنُ} [(1) سورة الرحمن] آية مستقلة، أو بعض آية، فيكون {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [(1 - 2) سورة الرحمن] آية، وهذا في جميع القرآن، يعني العد البصري والعد الكوفي والعد كذا على حسب ما يرون في البسملة، وفصل بعض الآيات عن بعضها، بعضهم يجعل الآية آيتين، وبعضهم يجعلها آية واحدة، مثل الفاتحة الآن، الفاتحة سبع آيات {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} [(87) سورة الحجر] سبع آيات، وتجدون في المصاحف بعضها البسملة معدودة والعدد سبع، وفي بعضها البسملة غير معدودة والعدد سبع، والسبب {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} [(7) سورة الفاتحة] إما أن تكون آية كاملة أو نصف آية، فإن عددنا البسملة قلنا: نصف آية، وأكملنا إلى آخر السورة آية واحدة، وإذا قلنا: البسملة آية .. ، إذا قلنا: إنها آية عددنا الآيتين {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] آية واحدة، وإذا قلنا: البسملة ليست بآية، وبدأنا من {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(2) سورة الفاتحة] الأولى قسمنا هذه الآية إلى آيتين، وهذا أمر معروف، وهذا لا يتأثر به القرآن، القرآن مصون من الزيادة والنقصان، يعني العد هذا لا تأثير له، لكن الإشكال أن يفهم أنه ما دام قال واحد: ست وسبعين وقال: ثمان وسبعين الفرق آيتين وين راحت الآيتين؟ أين ذهبت الآيتان؟ لا، لا ما ذهب شيء ولا يحتمل زيادة ولا نقصان إنما مرد الخلاف هذا.

يقول: " {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} " سور القرآن افتتحت بالبسملة بدءاً من الفاتحة وختماً بالناس، يختلف أهل العلم في البسملة هل هي آية من كل سورة أو ليست بآية مطلقاً وإنما كتبها الصحابة للفصل بين السور؟ أو هي آية واحدة آية واحدة نزلت للفصل بين السور، هي آية لا من سورة بعينها بعد إجماعهم على أنها بعض آية من سورة النمل، بعض آية من سورة النمل في أثنائها، وأنها ليست بآية بالاتفاق في أول براءة، وما عدا ذلك هو محل الخلاف وبسطه لا يحتمله المقام. {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {الرَّحْمَنُ} [(1) سورة الرحمن] اسم من الأسماء الحسنى، لا يسمى به غير الرب -جل وعلا-، لا تجوز التسمية به، وأما تسمية مسيلمة الكذاب برحمن اليمامة هذا من شدة عتوه وعناده وعناد أتباعه، وإلا فالاسم خاص بالله -جل علا-، وأما بالنسبة للفظ الجلال (الله) فهذا الله -جل وعلا- قبض الألسنة عن أن يسمى به، وهو خاص به، وهناك أسماء مشتركة مثل الكريم، الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، العزيز {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [(51) سورة يوسف] والله -جل وعلا- هو العزيز. هناك أسماء مشتركة وهناك أسماء خاصة بالله -جل وعلا-، والرحمن من الأسماء الخاصة بخلاف الرحيم، الرحيم مشترك، والرحمن تقدم شرحه في البسملة يعني في أول الفاتحة، وشرحنا البسملة هناك من أراد أن يراجع شرحها فهي موجودة ومتداولة، تفسير الفاتحة موجود يعني في أربعة أشرطة متداول.

{الرَّحْمَنُ} [(1) سورة الرحمن] على القول بأنها آية مستقلة قالوا: نحتاج إلى تقدير إما مبتدأ أو خبر، فإما أن نقول: اللهُ الرحمنُ هذا على تقدير مبتدأ، أو يقال: الرحمن ربنا، على تقدير أن الرحمن مبتدأ يحتاج إلى خبر، {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [(1 - 2) سورة الرحمن] يقول: "علم من شاء القرآن" الرحمن الرب -جل وعلا- علم من شاء القرآن، يعني من شاء هدايته، ومن شاء أن يكون من خير هذه الأمة ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) من شاء له التوفيق في أمور دينه ودنياه يعلمه القرآن، بخلاف من صد عن تعلم القرآن، أو تعلمه ولم يقم به، علم من شاء، وبعضهم يقدر المفعول الأول بجبريل، علم جبريل القرآن، وجبريل نزل به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقدر المفعول الأول بدلاً من التعميم من شاء بمحمد -عليه الصلاة والسلام-، علم محمداً القرآن، وهذا رد لقول المشركين {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [(103) سورة النحل] والتعميم يشمل جبريل -عليه السلام-، ومحمد -عليه الصلاة والسلام-، ويشمل من أراد الله به خيراً من هذه الأمة، وفيهم كثرة -ولله الحمد-، سلف هذه الأمة وأئمتها عنايتهم بالقرآن لا تحتاج إلى استدلال، فلا يعرف عالم من علماء المسلمين المتقدمين من ليس له عناية بالقرآن أبداً، نعم قد يوجد في العصور المتأخرة من ينتسب إلى العلم ويهتم بالحديث ويقصر في القرآن، يوجد من يعنى بالعقيدة ويقصر في جانب القرآن، يوجد من يعنى بالفقه والأحكام من الحلال والحرام ويقصر في القرآن، لكن من علماء الأمة الربانيين الذين يستحقون هذا اللقب هذا لا يعرف فيهم، ولذا في تراجمهم ما عرفنا إلا في ترجمة ابن أبي شيبة قالوا: إنه لا يحفظ القرآن، وأما غيره ما نص عليه، دليل على أن تعلم القرآن وتعليم القرآن قاسم مشترك للعلماء كلهم من مفسرين ومحدثين وفقهاء وغيرهم، ممن له عناية بالعلم الشرعي، وعلم من شاء القرآن، فـ (علّم) يتعدى إلى مفعولين، والقرآن يطلق ويراد به المصدر القراءة، ويطلق ويراد به اسم المفعول أي المقروء، وإذا تعلم القراءة تعلم المقروء؛ لأن القرآن كما يطلق على ما بين الدفتين من كلام الله -جل علا- يطلق أيضاً على القراءة.

. . . ... يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً يعني قراءة للقرآن، ومن فروع هذه المسألة الخلاف في اللفظ بالقرآن هل المراد به المقروء الملفوظ به أو يراد به اللفظ الذي هو المصدر القراءة؟ وهذه مسألة معروفة عند أهل العلم ومبحوثة وشددوا فيها، شدد فيها سلف هذه الأمة؛ لئلا يتطرق القول أو إلى عقيدة المسلم القول بخلق القرآن، ومعروف الخلاف في مسألة اللفظ بين الإمام البخاري والذهلي، وكلهم من أئمة الإسلام، لكن سلف هذه الأمة وأئمتها يحسمون هذه المادة، ولا يقبلون التفصيل في هذا. {عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ} [(2 - 3) سورة الرحمن] خلقه أوجده من العدم، والمراد بالإنسان "الجنس" جنس الإنسان، من آدم -عليه السلام- إلى آخر مخلوق من هذا الجنس، الله -جل وعلا- هو خالقه، وأما ما يزعمه البشر من أنهم يخلقون نعم يفعلون ويصنعون، والله -جل وعلا- هو خالقهم، وخالق ما يعملون، خالق أفعالهم، ويزعمون أنهم يخلقون إنسان يسمونه آلي، لكنه في الحقيقة ليس بإنسان، فالخالق للإنسان هو الله -جل وعلا-، والإنسان هو الذي يأنس ويؤنس به، فهذه الآلة التي يخلقونها ويزعمون أنها إنسان آلي لا تأنس ولا يؤنس بها جماد، ولن يستطيعوا أن يخلقوا ما فيه روح، ولو اجتمعوا على ذلك، وتضافروا عليه، ولن يستطيعوا أن يخلقوا أقل المخلوقات شأناً وهو الذباب، ولو اجتمعوا له، يعني لو اجتمعت قوى الشرق والغرب ما استطاعوا أن يخلقوا ذباباًَ، كما قال الله -جل وعلا- في آخر سورة الحج.

{خَلَقَ الْإِنسَانَ} [(3) سورة الرحمن] أي جنس الإنسان {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [(4) سورة الرحمن] والمراد بالبيان "النطق" ما يبين به عما في ضميره، النطق هذا هو الذي يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، يشارك كثيراً من الحيوانات النامية في الحياة والنمو لكنه ينفصل عنهم، وينفرد عنهم بالنطق، فإذا قيل: حيوان ناطق، لا يدخل فيه غير الإنسان، هذا وصف كاشف مخرج لجميع أفراد ما ينطبق عليه الحيوان، فإذا قيل: ناطق، انتهى، خرج ما عدا الإنسان، ولذلك قال: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [(4) سورة الرحمن] "النطق" فهو الذي يستطيع أن يبين عما في نفسه، وبقية الحيوانات عجماوات، وجاء في الحديث: ((العجماء جبار)) يعني جناية العجماء –الدابة- جبار؛ لأنها عجماء لا تبين عن نفسها، عما في نفسها فهي عجماء، من ذلك سمي الأعاجم والعجم هذا الذين لا ينطقون بالعربية، فباعتبار أن العربية هي لغة الكتاب والسنة فكأن ما عداها لا قيمة له، لا يستطيع أن يبين عما في نفسه بالنسبة لهذه اللغة، ولذلك قوبلت الأعجمية بالعربي {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [(44) سورة فصلت]

{عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [(4) سورة الرحمن] "النطق" {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [(5) سورة الرحمن] قال: "يجريان" لكن لو قدم المتعلق الذي هو الفعل وهو في الحقيقة خبر على ما يتعلق به لكان أولى، لو قال: الشمس والقمر يجريان بحسبان، اللي معه التفسير يلحظ هذا، قال: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [(5) سورة الرحمن] "يجريان" لو قال: الشمس والقمر يجريان بحسبان؛ لأن الأصل تقديم المتعلق، فبحسبان جار ومجرور متعلق بيجريان، الشمس تجري لمستقر لها والقمر كذلك يجري، وكل في فلكه، فلا يتقدم أحدهما على الآخر بنظام بديع مرتب، لا يختل إلا إذا اختل حال العالم {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [(40) سورة يس] أمور مرتبة بدقة عجيبة متتابعة تتابعاًَ بديعاً، فالشمس آية النهار، والقمر آية الليل، محيت آية الليل فصار فيه الظلام، وبقيت آية النهار مبصرة فصار فيها الضوء والإشراق، ولذا يقولون: في الصباح ما يغني عن المصباح، إذا طلع الصباح انتهى، وفي الليالي المقمرة شيء من الضوء لكنه إشراق بدون إحراق، ضوء ضعيف بخلاف ضوء الشمس، وهما آيتان من آيات الله، أجراهما على هذا النظام البديع، ولا يتغيران ولا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، بل هما آيتان يخوف الله بهما عباده، وفائدتهما والحكمة من خلقهما لا تخفى على أحد، كما هي حكمة التغاير بين الليل والنهار، يعني لو تصورنا أن الكون كله مظلم، كله ليل سرمدي، أو نهار سرمدي اختل النظام، لا يتم المعاش على هذه الأرض على الوجه المطلوب، لا تدري اليوم من الأمس من الغد، معاملات الناس كلهم وأمورهم كلها تضطرب، لكن جعل هاتين الآيتين مما يتميز به الليل والنهار، وقبل وضع التاريخ فيه ليل ونهار، لكن فيه أيضاً شيء من الاضطراب، يعني وجود الليل والنهار يحل الإشكال، آتيك غداً نهاراً، آتيك غداً ليلاً، أو يحل المبلغ في النهار، يحل المبلغ في الليل، يحل شيء من الإشكال، لكن أيضاً معرفة التاريخ في غاية الأهمية، الذي هو من نتاج تغاير هاتين الآيتين، يعني جيء لعمر بصك فيه دين يحل في شعبان قبل التاريخ، فقال: شعبان الماضي أو شعبان المستقبل؟

قالوا: ما ذكر شيء، الوثيقة في شعبان، فوضع التاريخ -رضي الله عنه وأرضاه-، هذه الأمور معاش الناس لا يستقيم إلا بها، لا يستقيم أمر الناس إلا بها، وكان الناس يحددون ويؤرخون بالوقائع، ثم بعد ذلك صاروا يؤرخون بالسنين، وهذا من فائدة هاتين الآيتين المميزتين لليل من النهار، يجريان بحسبان، الشمس تجري، لكن ماذا عن قول أهل الهيئة وأنها ثابتة والأرض تدور حولها؟ هذا مخالفة للنص القطعي، ولذا أفتي بكفر من يقول بهذا القول، ثبوت الشمس القول به مخالف لقول الله -جل وعلا-: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي} [(38) سورة يس] وأيضاً الشمس تجري في فلكها لا تحيد عنه ولا تميل ومع ذلك تسجد في آخر كل ليلة تحت العرش، وتستأذن بالطلوع في الحديث الصحيح، الحديث صحيح في أن الشمس تسجد تحت العرش في آخر كل ليلة تستأذن في أن تطلع من المغرب أو المشرق، ومع ذلكم هي في فلكها، لا يحس بها، وما جاء في النصوص الصحيحة لا بد من الإيمان به، ما يقول قائل: إنها تفقد .. ، كيف تفقد؟ يعني لو ذهبت وسجدت تحت العرش لا بد أن تفقد من فلكها والمشاهد أنها خلال الأربعة والعشرين ساعة تجري؟ نقول: نؤمن بهذا، ونسلم بما جاء عن وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- دون نقاش، ولا يقول قائل: إن الإسلام يلغي العقول، لا، إنما أتى بأمور تحتار فيها العقول؛ ليعرف الإنسان قدر نفسه، ولذا يقول أهل العلم: قنطرة الإسلام لا تثبت أو قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، يعني هناك أمور لا بد أن تقف دونها، يعني العقل لا يمكن أن يدرك كل شيء، العقل محدود، يعني كما قرر في حديث النزول مثلاً إن الله ينزل في آخر كل ليلة يقرر شيخ الإسلام أن العرش لا يخلو منه؛ لأنه مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، هذه أمور لا بد من التسليم فيها، لا بد من أن يسلم الإنسان فيها، وإذا حصل عنده أدنى شك فيما ثبت عن الله وعن رسوله فمآله ومصيره إلى الضلال المبين، كما حصل لأصول أو لكبار المبتدعة ابتلوا بمثل هذه المناقشات، وزعموا أن عقولهم تدرك كل شيء وبعد ذلك صدر عنهم ما يضحك منه المجانين والأطفال، عقوبة من الله -جل وعلا-، فعلى الإنسان الحريص على سلامته أن يستسلم، والإسلام هو الاستسلام، هو الاستسلام لله

-جل وعلا-. {وَالنَّجْمُ} [(6) سورة الرحمن] والنجم يقول المفسر: "ما لا ساق له من النبات" {وَالشَّجَرُ} [(6) سورة الرحمن] ما له ساق" يعني النجم لا ساق له مما يمتد على وجه الأرض، يمتد على وجه الأرض، ما له ساق يرفعه عن الأرض، والشجر الذي له ساق، له جذع، وله فروع، أما النجم يمتد على وجه الأرض، ولا ساق له يرفعه عنها، هذا ما مشى عليه المؤلف وهو أحد القولين بالنسبة للنجم، فمنهم من يقول: إن النجم هو جنس النجوم الموجودة في السماء، والتي تظهر للناظر بالليل، النجم واحد النجوم، أو هو جنسها لأن (أل) هذه يحتمل أن تكون جنسية فتشمل جميع النجوم، ويحتمل أن تكون عهدية فتطلق على نجم واحد، وهو الثريا كما تقدم فيما مضى {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [(1) سورة النجم] النجم "ما لا ساق له من النبات" نعم يطلق عليه نجم في لغة العرب "والشجر ما له ساق" {يَسْجُدَانِ} [(6) سورة الرحمن] {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [(6) سورة الرحمن] لله -جل وعلا-، فيخضعان لما يراد منهما، وسجود كل شيء بحسبه؛ لأنه قد يقول قائل: أنا والله ما رأيت عمري كله أنا فلاح منذ سبعين سنة ما رأيت شجرة ساجدة، لكن أنت لا تحس بمثل هذا، لا تحس بمثل هذا، لكن {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} [(44) سورة الإسراء] تسبح تذكر الله على حسب حالها، إما بلسان المقال والقدرة الإلهية صالحة لمثل هذا، بل أعظم منه {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [(11) سورة فصلت] أو بلسان الحال بعدم امتناعها مما يطلب منها، ولذا يقول: {يَسْجُدَانِ} [(6) سورة الرحمن] "يخضعان لما يراد منهما" هل تمتنع الشجرة من الإثمار المراد منها؟ نعم قد يوجد قد لا يوجد السبب، وقد يوجد السبب ويوجد مانع، لكن إذا وجد السبب وانتفى المانع فالأثر حاصل بإذن الله -جل وعلا-، فيخضعان لما يراد منهما، يراد من الشجر الثمرة، يراد من الشجرة الظل، يراد من النجم كذلك، يراد من النجم على القول بأنه نجوم السماء ما خلقت من أجله من الحكم الثلاث المعروفة: زينة للسماء، وهداية للناس، ورجوم للشياطين، هل يؤمر النجم بأن يرجم شيطان فيتأخر؟ لا، "يخضعان لما يراد منهما".

{وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [(7) سورة الرحمن] السماء رفعها: منصوب بفعل يفسره المذكور، التقدير ورفع السماء رفعها، ووضع الميزان "أثبت العدل" لأن العدل إنما يتم في الموزونات بالوزن، وفي المكيلات بالكيل، في المذروعات بالذراع وهكذا، {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [(7) سورة الرحمن] المراد منه العدل، والظلم محرم، حرمه الله -جل وعلا- على نفسه، كما جاء في الحديث القدسي: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)) ولذا توزن أعمال العباد يوم القيامة؛ لئلا يكون للناس حجة على الله -جل وعلا-، والله عالم بما يعملون قبل عملهم، وعالم به بعد عملهم به، وما يؤولون إليه، وكتب على كل إنسان ما يؤول إليه أمره من سعادة أو شقاوة، ومع ذلكم وضع الموازين ليقطع الحجج على المحتجين، وإلا فالمعتزلة كما هو معروف ينكرون الميزان، يقولون: ما له داعي، الله -جل وعلا- يعرف أعمال العباد حسنها وسيئها، لكنه الله -جل وعلا- جرت حكمته على إخراج هذا المعلوم من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، بحيث يراه الإنسان ويطمئن، أحياناً تأتي إلى البائع ويكون ثقة وتقول له: أعطني عشرة كيلو من كذا فيعطيك، يعطيك شيء في كيس جاهز، يقول: هذه عشرة كيلو، وهو ثقة نعم تأخذ هذا لكنك يبقى في نفسك شيء لماذا لا يزن الميزان موجود؟ يا أخي ضعه في الميزان من أجل إيش؟ أن يطمئن قلبي، من أجل أن يطمئن قلبي، فإذا وضعه في الميزان خلاص انتهى الإشكال ما في أدنى تردد، فالله -جل وعلا- رفع السماء بغير عمد ترونها، بغير عمد ترونها، وما قاله أهل العلم في القيد "ترونها" هل هو وصف مؤثر أو غير مؤثر؟ له مفهوم أو لا مفهوم له؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم؛ لأن مفاد قوله: {تَرَوْنَهَا} [(10) سورة لقمان] أن لها عمد، لكن هذه العمد لا ترى، هذا إذا قلنا: إن الوصف مؤثر، وإذا قلنا: إنه غير مؤثر ولا مفهوم له، قلنا: إن السماء رفعت بغير عمد البتة، وقوله: {تَرَوْنَهَا} [(10) سورة لقمان] يعني من شأن المعدوم ألا يرى، وإنما هو مجرد وصف لا مفهوم له، وإذا قلنا: إن له مفهوم قلنا: إن السماء رفعت بعمد لكنها لا ترى.

{وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [(7) سورة الرحمن] من أجل العدل، وضع الميزان ليتعامل به الناس، ووضعه أيضاً يوم القيامة {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [(47) سورة الأنبياء] فمن أجل العدل وضع الميزان، وضعه بالنسبة إلى الخلق فيما بينهم، وبالنسبة لوزن أعمالهم، ووزنهم أو وزن بعضهم يوم القيامة، فيؤتى بالرجل السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، فأحياناً يكون الموزون العمل، وأحياناً يكون الموزون العامل، وأحياناً يكون العامل مع عمله. {أَلَّا تَطْغَوْا} [(8) سورة الرحمن] "أي: لأجل أن لا تجوروا" لأجل أن لا تجوروا، {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [(8) سورة الرحمن] من أجل إيش؟ ألا تجوروا، ولا تظلموا غيركم، والطغيان مجاوزة الحد، لو لم يوجد هذا الميزان وقلت له: أعطني بمبلغ كذا من هذا التمر أو من هذا البر فلا يؤمن أن يطغى البائع أو الشاري، فالبائع يطفف ويعطيه أقل مما يستحق، وإن ترك الأمر للمشتري زاد في الكمية، لكن وجد هذا الميزان من أجل ألا تطغوا، ألا تطغوا أي لأجل ألا تجوروا في الميزان، يعني ما يوزن به، ذو الكفتين، الميزان له كفتان، واحدهما، أو واحدتهما إيش؟ كفة، وبالنسبة لما يوضع في الثوب يقال له: كُفة، يقولون: كل مستدير كِفة، وكل مستطيل كُفة. {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [(9) سورة الرحمن] "بالعدل" وأقيموا الوزن بالقسط يعني بالعدل، وكرر الأمر بالعدل والوزن والميزان ولئلا تطغوا، ولئلا تجوروا، كل هذا من أجل بيان شناعة الظلم والبغي والطغيان؛ لأنه هو المقابل للعدل. {وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [(9) سورة الرحمن] أقيموا الوزن بالقسط، بالعدل، لا يزيد، الأصل أن لسان الميزان مستوي، لسان الميزان مستوي لا يزيد ولا ينقص، هذا الأصل، هذا العدل، لكن هناك فضل، تجد بعض الناس إذا وزن ما يجعل لسان الميزان مستوي ينزل شوية وهذا فضل، أما بالنسبة لو عكس وجعل الموزون أخف من المطلوب هذا تطفيف -نسأل الله العافية-.

{وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [(9) سورة الرحمن] "تنقصوا الموزون" فالأصل أن يتساوى لسان الميزان .. ، الموزون مع ما يوزن به هذا الأصل، هذا هو العدل، لكن إن زاد فهو فضل وإن نقص فهو تطفيف {وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [(9) سورة الرحمن] أي: "تنقصوا الموزون" لأن بعض الناس من شدة تحريه للعدل وإن كان الفضل أفضل من العدل الفضل أفضل من العدل، تجده إذا وزن برتقال مثلاً إن وضع واحدة رجحت وإن رفعها قل الموزون، وهذا لا يريد أن يتفضل ما جبل على فضل، نعم، وهذا شاهدناه من بعض الناس، يصير مجبول على شيء من الشح ولا ... ، يمكن لو يتيسر له أنه يطفف يمكن ما يتأخر لكن الزبون أمامه، فلا يريد الفضل هو فيأتي بمادة ثانية من نوع ثاني فاكهة أخرى تكون أخف فيضعها من أجل لا تظلمون ولا تظلمون، هذا عدل ما في إشكال، لكن يبقى أن الفضل لا تنسوا الفضل.

والوزن كما يكون بالمحسوسات يكون أيضاً في المعاني، والعدل كما يطلب في وزن المحسوسات يطلب أيضاً في وزن المعاني، لا بد من العدل، العلماء حينما تكلموا في الرواة جرحاً وتعديلاً اهتموا بمسألة العدل، لا يجوز أن يجرح الراوي بأكثر مما فيه، كما أنه لا يجوز أن يعطى من الأوصاف والثناء ما يغرر بقبول خبره، وهو مما لا يقبل خبره، يعني لا بد أن يوزن الرجال بالقسط، وأعني بالرجال من يحتاج إلى وزنهم، من يحتاج إلى وزنهم، السنة لا تثبت إلا بالأسانيد، والأسانيد مشتملة على رواة، وكل راوٍ من الرواة له منزلة عند أهل العلم، لا يجوز أن ينزل عنها بحيث يرد خبره، ولا يجوز أن يرفع من شأنه بحيث يقبل خبره، وهو في الأصل لا يقبل خبره، لا بد من العدل، لا بد من الإنصاف، تجد بعض الناس إذا تكلم في بعض الأشخاص نسي الحسنات، وبعضهم إذا تكلم نسي السيئات، أولاً: الكلام في الناس وفي أعراضهم ينبغي أن يتقيه، أن يتقيه المسلم المتحري الحريص على براءة ذمته إلا بقدر الحاجة، يعني إن احتيج إليه، جاء شخص يسألك يستشيرك يقول: تقدم لنا فلان لخطبة البنت مثلاً تشير عليه، إذا كان فيه ما يمدح بسببه تمدح، وإذا كان فيه ما يذم بسببه تذم، ويكون هدفك بذل النصح لصاحبك، لا يكون هدفك التفكه بعرض فلان أو علان، ويكون بقدر الحاجة، وما زاد عن الحاجة يعود إلى الأصل وهو المنع، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، يقول ابن دقيق العيد: "وقف على شفيرها العلماء والحكام" فالعلماء يحتاجون إلى الكلام في الناس، الحكام يحتاجون إلى الكلام في الناس، فلا تجوز الزيادة عن الحاجة، وأن يكون الكلام بالعدل بالقسط، لا يزاد في حق فلان ولا .. ؛ لأنه لو زدت في حقه ورفعته فوق شأنه إن كان راوياً جعلت الناس يقبلون خبره، وهو في الحقيقة خبره غير مقبول، هذا ضرر عظيم، وإن نقصت من شأنه جعلت الناس يردون حديثه، وقد يكون حديثه مقبول، فأنت غررت بهم، وإن كان مما يسأل عنه من أجل ولاية ونحوها إن رفعت من شأنه غششت به الأمة، وإن حططت من شأنه ظلمته وظلمت غيره، فلا بد من العدل، والإنسان ما دام في عافية ما علق هذا الأمر به ولا أنيط به فعليه أن يحرص على إبراء ذمته؛ لأن العدل في مثل هذه

الأمور فيه صعوبة، يعني إذا سئلت عن شخص قد تمدحه اليوم وتذمه غداً، إما أن يكون قد ظهر لك من أمره ما لم يظهر، أو يكون تعامله معك في هذا اليوم تغير، مع أن العدل مطلوب سواءً تعامل معك على وجه حسن ترضاه ويروق لك، أو خلاف ذلك، فنعتني بهذا ونهتم به، والإنسان لا يأتي يوم القيامة مفلساً، يجمع الحسنات من الصيام والصلاة والزكاة والبر وغيرها وطلب العلم والتعليم ثم بعد ذلك يأتي يوزع هذه الحسنات على غيره، فيكون مفلساً، كما جاء في الحديث الصحيح، يحرص على أن يحافظ على ما اكتسبه، والوزن مثل ما ذكرنا كما يكون في المحسوسات يكون أيضاً في المعنويات، فلا بد من العدل، ولا بد من القسط. {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [(10) سورة الرحمن] وضعها: "أثبتها" وثبتها وأرساها لئلا تميد ولا تضطرب؛ لأنها لو مادت أو اضطربت ما تم العيش عليها براحة، والأرض وضعها: أثبتها، وبالجبال أرساها، أرساها بالجبال الرواسي لتثبت، فلا تميد بالخلق بالأنام الذين على ظهرها من الجن والإنس وغيرهم، ولو مادت واضطربت وحصل لها ذلك لأصيب الناس بالذعر، كما هو شأن الهزات الأرضية والزلازل -نسأل الله السلامة والعافية-، والحكمة من وجود هذه الجبال هو إرساء الأرض وتثبيتها من أجل أن تثبت لهؤلاء الأنام، لهؤلاء الخلق الذين جعلت لهم كالمهد، فيلازمونها كما يلازم الصبي مهده، ولذا القضاء على هذه الجبال لا شك أنه مخالف للحكمة الإلهية من وجودها، ونرى الأمر يزداد في هذه الأيام في إزالة الجبال من أجل .. ، لا شك أنه من أجل الانتفاع بهذه الأرض، لكن هل المقصود بالانتفاع لذاته أو للكسب المادي؟ لا شك أن الذين يفعلون هذا يريدون الكسب، وكونهم يزيلون هذه الجبال التي حكمتها إرساء الأرض وتثبيت الأرض، يقولون: نضع مكان هذه الجبال مشاريع عملاقة، عمارات طويلة أطول من هذا الجبل، نقول: مهما كانت لن تكون بمنزلة هذا الجبل في إرساء الأرض، نعم إذا دعت مصلحة عامة صار هذا الجبل في طريق لا بد منه، لا بد من سلوكه فهذا له شأن، لكن تبقى الجبال من أجل إرساء الأرض وتثبيتها.

{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا} [(10) سورة الرحمن] يعني "أثبتها" {لِلْأَنَامِ} [(10) سورة الرحمن] "للخلق للجن والإنس وغيرهم" لمن يعيش على ظهرها، ومن يقول بأن الأرض تدور مثلاً وأهل الهيئة يتفقون على أنها تدور حول الشمس، وعرفنا أن من يقول بأن الشمس ثابتة حكم أهل العلم بكفره؛ لأنه مصادم للنص، وبالنسبة للأرض والقول بدورانها مسألة معروفة عند أهل الهيئة ويتفقون عليها، واستنكر هذا القول، ورد عليه في أول الأمر، ثم بدأ الناس من كثرة ما يسمعون من هذا الكلام، وما ذكر لهم من أدلة قد يقتنع بها بعضهم، وما زال أهل العلم يرون أن الأرض ثابتة راسية، على ما جاء في النصوص، وإن كان بعضهم يقول: إن دورانها لا ينافي ثبوتها ولا رسوها، ثابتة باعتبار أنها لا تضطرب ولا تهتز ولا يتأثر من فيه، وتتحرك حركة لا يشعر بها، كما جاء في الجبال يوم القيامة {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [(88) سورة النمل] فهذه الأرض تدور بمن فيها على ما قالوا، ومثل هذه المسائل التي لا يسأل عنها الإنسان، وليس لها نتيجة عملية، لو ترك البحث فيها كان أولى؛ لأن بعض الناس يصرف الوقت الطويل لبحث مثل هذه المسائل فيما لا جدوى له، سواءً كانت ثابتة أو تدور على ظهرها، على الإنسان أن يعبد الله -جل علا- على حسب ما طلب منه، وهو تحقيق العبودية، وبعض العلماء مثل الشيخ ابن باز -رحمه الله- ألف في المسألة مؤلف، ألف في هذه المسألة مؤلف، وشدد في مسألة دوران الأرض، وبعضهم من حكم بكفره من يقول: بدورانها؛ لأن النصوص جاءت بأنها راسية وثابتة، وإن كان الطرف الثاني يقول: إنها مع دورانها راسية وثابتة، يعني مثل ما تقول في بعض السيارات وهي تسير تمشي عليها مائة وخمسين مائة وستين تكون راسية وهي ليست ثابتة تمشي، على كل حال مثل هذه الأمور الخلاف فيها ليست له ثمرة ولا جدوى، ولسنا بمسئولين عنه إذا قبرنا.

{فِيهَا} [(11) سورة الرحمن] يعني في الأرض أقرب مذكور {فَاكِهَةٌ} فيها فاكهة، {وَالنَّخْلُ} {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ} [(11) سورة الرحمن] يقول: "المعهود" النخل المعهود؛ ليبين أن (أل) هنا للعهد، وفيها فاكهة فما السر في تنكير فاكهة وتعريف النخل؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [(11) سورة الرحمن] ما قال: فيها فاكهة ونخل، أو فيها الفاكهة والنخل، نعم الفاكهة كثيرة الأشكال، كثيرة الأجناس، كثيرة الأنواع، النخل شيء واحد ثمره التمر، والفاكهة متنوعة، فالتنكير هنا للتعميم، وأما بالنسبة للنخل فالمراد به النخل المعهود المثمر للتمر فقط. {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [(11) سورة الرحمن] جمع كِم، جمع كم، وهذا يقال له: كِم وإلا كُم؟ كُم، وواحد الأكمام كِم، وهو وعاء الطلع، وعاء الطلع، الظرف الذي يكون فيه الطلع، ولذا قال: {ذَاتُ الْأَكْمَامِ} [(11) سورة الرحمن] "أوعية الطلع" أوعية الطلع {وَالْحَبُّ} [(12) سورة الرحمن] كالحنطة والشعير الحب الذرة الدخن والحبوب كثيرة، {وَالْحَبُّ} "كالحنطة والشعير" {ذُو الْعَصْفِ} العصف قال: "التبن" لأن الحب له قشر، له قشر وله سنبل، كل هذا إذا استخلص الحب الباقي تعصف به الريح، يكون خفيف تعصف به الريح، ولذا قال: ذو العصف، الحب له عصف، له قشور، وله تبن، وله أشياء إذا استخلص الحب الباقي تعصف به الريح، ومنهم من يقول: ذو العصف المراد به ورق الشجر إذا يبس وسقط منها عصفت به الريح، لكن إضافته للحب إضافته للحب تدل على أنه ملازم للحب، مما يتصف به الحب، الحب ذو، الحب ذو، موصوف بكونه صاحب العصف، والفعْل هنا مقصود به اسم المفعول، كالحمل بمعنى المحمول، العصف يعني المعصوف به وهو التبن وما في حكمه مما يخف للريح فتعصف به.

{ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [(12) سورة الرحمن] الريحان قالوا: هو الورق، الريحان: هو الورق، وفي بعض النسخ الرزق، الرزق بدل الورق، والرزق بلغة حمير يسمونه الريحان، أو المشموم الريحان له رائحة يشم رائحة قوية نفاذة ومن قوته تأثيره في بعض الجروح لقوة تأثيره ونفوذه فرائحته متعدية يشم من بعد، ولذا نص عليه فهو المشموم أو الرزق على لغة حمير، واشتمال القرآن على بعض المفردات من اللغات الأخرى سواءً كانت عربية أو غير عربية، غير لغة قريش، القرآن في الأصل نزل بلغة قريش، لكن فيه من لغات القبائل الأخرى كما هو معروف، فيه من لغات القبائل الأخرى، والخلاف في وجود بعض الكلمات بلغات الأمم الأخرى، يعني هل في القرآن ألفاظ غير عربية؟ الإجماع على أنه ليس فيه تراكيب وجمل أعجمية؛ لأنه بلسان عربي مبين، كما أن الإجماع قائم على أن فيه أعلام أعجمية، يعني أسماء أعجمية، وليس فيه تراكيب ولا جمل أعجمية، بقي المفردات مثل: مشكاة، ومثل: استبرق وغيرهما، يعني هل فيه من لغة الحبشة شيء؟ هل فيه من لغة فارس شيء؟ أو ليس فيه شيء من ذلك؟ المسألة خلافية بين أهل العلم منهم من يثبت، وفيه كلمات إذا بحثت عنها في معاجم اللغات الأخرى وجدت لها ذكر، فمن أهل العلم من يثبت، ومنهم من يقول: ليس فيه كلام غير عربي، بل الكلمات الموجودة التي يدعى أنها أعجمية هذا مما اتفقت فيه اللغات، يعني تكلم به العرب وغيرهم، أو مما عرب يعني أصله أعجمي ثم عرب، وفي لغة العرب ما يعرف بالمعرب، فيه كتاب اسمه: (المعرب) للجواليقي كتاب من أنفس الكتب، ينبغي لطالب العلم أن يعتني به.

{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(13) سورة الرحمن] فبأي آلالاء: آلاء: النعم، الآلاء: النعم، واحدها (إلى) كـ (معى) أو (ألى) كـ (حصى) وفيها لغات أخرى، المقصود أن الآلاء هي النعم، {فَبِأَيِّ آلَاء} [(13) سورة الرحمن] أي فبأي نعم ربكما أيها الإنس والجن، هل سبق ذكر للإنس والجن وإلا ما سبق؟ {خَلَقَ الْإِنسَانَ} [(3) سورة الرحمن] هذا ذكر للإنس، لكن الجن لم يسبق لهم ذكر، وقد يعود الضمير على غير مذكور للعلم به، لأنه لا يوقع في لبس، {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [(32) سورة ص] ما هي التي توارت بالحجاب؟ الشمس، لكن لم يسبق لها ذكر، فالجن لم يسبق لهم ذكر، والإنس يفهم ذكرهم من جنس الإنسان الذي تقدم، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا} [(13) سورة الرحمن] أيها الإنس والجن والخطاب للمكلفين، والتكليف إنما هو للإنس والجن، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات].

{تُكَذِّبَانِ} [(13) سورة الرحمن] وهذه الآية ذكرت في هذه السورة إحدى وثلاثين مرة، إحدى وثلاثين مرة، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(13) سورة الرحمن] يقول: "ذكرت إحدى وثلاثين مرة، والاستفهام فيها للتقرير" للتقرير، يقول: "لما روى الحاكم عن جابر قال: قرأ علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: ((ما لي أراكم سكوتاً؟ للجن كانوا أحسن منكم رداً، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة –يعني ولا مرة- إلا قالوا –يعني {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(13) سورة الرحمن]- إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد)) " وصرح جمع من أهل العلم أنه يستحب للقارئ أو السامع أن يقول مثل هذا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- عتب على أصحابه حينما سكتوا، والجن نطقوا، قال: ((ما لي أراكم سكوتاً؟ للجن كانوا أحسن منكم رداً، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(13) سورة الرحمن] إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد)) والخبر فيه كلام لأهل العلم، لكن له طرق تدل على أن له أصلاً، يعني لو قالها مرة واحدة في أول مرة أو في آخر مرة يكفي، لكن الأكمل أن تقال عند كل مرة؛ لأنه خطاب للمكلفين ينبغي الرد عليه.

{خَلَقَ الْإِنسَانَ} [(14) سورة الرحمن] أصله، وهو آدم -عليه السلام- {مِن صَلْصَالٍ} يعني هل كل إنسان من المتقدمين أو من المتأخرين خلق من صلصال؟ كيف يخلق الإنسان؟ معروف خلق الإنسان بدايته آدم من طين، وحواء خلقت من ضلعه، وبقية الخلق من التلاقح بين الذكر والأنثى، وهنا يقول: {خَلَقَ الْإِنسَانَ} [(14) سورة الرحمن] إذا أردنا إذا قلنا: الجنس جنس الإنسان كما تقدم في الأول {خَلَقَ الْإِنسَانَ} [(3) سورة الرحمن] هناك في أول ما وضع {خَلَقَ الْإِنسَانَ} [(3) سورة الرحمن] أي الجنس, هنا {خَلَقَ الْإِنسَانَ} [(14) سورة الرحمن] آدم، نعم الله -جل وعلا- خالق آدم وخالق غير آدم، جميع الناس الله -جل وعلا- هو الذي خلقهم، لكن بهذا المتعلق {مِن صَلْصَالٍ} [(14) سورة الرحمن] يراد به آدم؛ لأن من عداه لم يخلقوا من صلصال، إنما الذي خلق من صلصال "طين يابس يسمع له صلصلة أي صوت إذا نقر" إذا نقر بالأصبع ليرى هل فيه عيب؟ يسمع له صلصلة وصوت طنين من صلصال يقول: "من طين يابس يسمع له صلصلة أي صوت إذا نقر" {كَالْفَخَّارِ} [(14) سورة الرحمن] "وهو ما طبخ من الطين" وهو ما طبخ من الطين، جاء خلق آدم من تراب، ومن طين، ومن طين لازب، ومن حمأ مسنون، وهنا {مِن صَلْصَالٍ} [(14) سورة الرحمن] لأنها مرت بمراحل أولاً: التراب جمع يابس، ثم أضيف إليه ما يجعله طيناً، ثم ترك حتى صار حمأ مسنون، ثم صور، أو طبخ صار صلصال، وصور فمروره بهذه المراحل يعني ما يقال هنا يقول: {مِن صَلْصَالٍ} [(14) سورة الرحمن] وهناك {مِن تُرَابٍ} [(59) سورة آل عمران] وهناك {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [(26) سورة الحجر] هذا ليس فيه اختلاف إنما هي مراحل أولاً: تراب يابس ثم أضيف إليه ما يجعله من طين، ثم صار هذا الطين لازب يعني يلصق يتماسك ثم صور ولما جف صار كالصلصال، يعني قال: "طين يابس يسمع له صلصلة إذا نقر" {كَالْفَخَّارِ} [(14) سورة الرحمن] "وهو ما طبخ من الطين" الفخار معروف، وما زال يصنع منه بعض الأواني، يصنع منه بعض الأواني.

{وَخَلَقَ الْجَانَّ} [(15) سورة الرحمن] "أبا الجن وهو إبليس" يعني أصلهم، يعني كما خلق أصل الإنس من الطين من الصلصال خلق الجان يعني أباهم إبليس أو المراد بالجان الجن كلهم فكلهم خلقوا من نار، أو أن أصلهم كما خلق آدم من طين أصل الإنس خلق أصلهم، وهو إبليس من النار، وأما بقيتهم كبقية بني آدم من التوالد، قولان معروفان عند أهل العلم. {مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} [(15) سورة الرحمن] قالوا: "هو لهبها الخالص من الدخان" {مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} [(15) سورة الرحمن] "هو لهبها الخالص من الدخان" أو المارج اللسان الذي يخرج منها من اللهب الذي فيه أكثر من لون، يعني أحياناً يخرج بلون أصفر وأحمر وأخضر من النار، من هذا المارج الذي يسمى مارج يعني مختلط، من أمور كثيرة، و "هو لهبها الخالص من الدخان" {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(16) سورة الرحمن] والآلاء هي النعم، والله -جل وعلا- يقرر عليهم نعمه، ويلزمهم بشكرها، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(16) سورة الرحمن] يعني هل تنكرون شيء من هذه النعم أو تنسبونها إلى غيري فتكذبون بها؟ لأن المنكر بالكلية هذا معروف، المكذب معروف، من نسب هذه النعمة إلى السبب مثلاً ونسي المسبب كمن قال: مطرنا بنوء كذا هذا أيضاً مكذب ((كافر بالله مؤمن بالكوكب)) كما جاء في الحديث، نعم قد يوجد هناك أسباب تنشأ عنها بعض النعم، لكن المسبب هو الله -جل وعلا-، والأسباب وإن كان لها دور في إيجاد المسبب فهذه الأسباب لولا أن الله -جل وعلا- جعل فيها هذا الأثر ما نفعت، فالأسباب مؤثرة لكنها لا بذاتها، بل بجعل الله -سبحانه وتعالى- الأثر فيها، ولذا قد توجد هذه الأسباب ولا يوجد المسبب لوجود مانع، أو لأمر يريده الله -جل وعلا-، فالأسباب عند أهل السنة لها أثر، لكنها لا تستقل بهذا الأثر، فالمسبب هو الله -جل وعلا- خلافاً للأشعرية الذين يقولون: لا قيمة لها، وجودها مثل عدمها، وخلافاً للمعتزلة الذين يقولون: مؤثرة بذاتها، ومذهب أهل السنة وسط بين المذهبين، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(16) سورة الرحمن].

{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ} [(17) سورة الرحمن] يعني هو رب المشرقين {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْن} التثنية هنا على إرادة مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ورب المغربين كذلك مغرب الشتاء ومغرب الصيف؛ لأن الشتاء يقصر فيه النهار، والصيف يطول فيه النهار، مقتضى ذلك أن الشمس في الصيف تبقى مدة أطول من بقائها في الشتاء، فالشتاء له مشرق تشرق من جهة وتغرب من جهة في أقصر مسافة، بينما الصيف لطوله تجدها تجدونها تشرق من جهة وتغرب من جهة هي أطول مسافة؛ لأنها تبقى في السماء مدة أطول؛ لأن النهار أطول من نهار الشتاء، فالمراد بالمشرقين مشرقي الصيف والشتاء والمغربين كذلك، وجاء الإفراد {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [(9) سورة المزمل] يعني جهة المشرق وجهة المغرب، وجاء أيضاً الجمع {بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [(40) سورة المعارج] فرب المشرقين الشتاء والصيف، والمشرق والمغرب المراد به الجهتين، جهة الشرق وجهة الغرب، والمشارق والمغارب مشرق كل يوم ومغرب كل يوم بحسبه {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(18) سورة الرحمن] كما تقدم. {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [(19) سورة الرحمن] مرج: أي: أرسل يقول المؤلف: "مرج أي أرسل"، " {الْبَحْرَيْنِ}: العذب والملح" العذب الحلو والمالح {يَلْتَقِيَانِ} في رأي العين" يلتقيان في رأي العين، يعني يصب النهر الحلو في البحر المالح يلتقيان، وهذا معروف يعني لو نظرت إلى الأنهار الكبيرة مثل النيل، النيل وين يصب؟ في البحر الأبيض، دجلة والفرات أيضاً مياه عذبة تصب في البحر المالح، هذا على قول، ومنهم من يقول: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [(19) سورة الرحمن] المراد به ماء السماء وماء الأرض، أرسل ماء السماء على ماء الأرض، ماء السماء عذب وماء الأرض مالح، ومنهم من يقول: إن هناك من البحار ولعله يقصد بها الأنهار عذبة حلوة تصب في المياه المالحة " {يَلْتَقِيَانِ} في رأي العين" تنظر هذا يدخل في هذا.

{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} [(20) سورة الرحمن] "حاجز" يقول: "من قدرته تعالى" وغيره يقول: لا داعي لـ (من) هذه، حاجز هي قدرته تعالى، قدرة الله -جل وعلا- تحجز بين هذين المائين الحلو والمالح، فلا يختلط هذا بهذا، يستمر الحلو حلو ويستمر المالح مالح، {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} [(20) سورة الرحمن] "حاجز من قدرته تعالى" {لَّا يَبْغِيَانِ} [(20) سورة الرحمن] "لا يبغي واحد منهما على الآخر فيختلط به" لا يبغي واحد منهما على الآخر فيختلط به، يستمر العذب عذب والمالح مالح، ويقولون يقول المفسرون ويذكر بعضهم أنه جرب هذا أنه حفر بجوار المالح فخرج له ماء حلو، يعني معزول، الحلو معزول لا يختلط بالمالح، بينما المائعات الأخرى يختلط بعضها ببعض، لو صب الإنسان لبن على الشاي ثم خلطهما يستمر الشاي معزول واللبن معزول؟ لا، يختلط بعضهما .. ، لكنها القدرة الإلهية، مع لطافة الماء وشفافيته مع ذلك لا يختلط هذا بهذا، وهذه قدرة عجيبة مذهلة، وإلا فالأصل أن المائعات تمتزج، يعني قابلة للامتزاج وإلا فالزيت والدهن لا يمتزج بالماء يبقى يعني بشكله وهيأته {لَّا يَبْغِيَانِ} [(20) سورة الرحمن] لا يبغي واحد منهما على الآخر فيختلط به {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(21) سورة الرحمن] وهذا كما تقدم.

{يَخْرُجُ} [(22) سورة الرحمن] أو يُخرَج، {مِنْهُمَا} يَخُرج بالبناء للفاعل، ويَخُرج بالبناء للمفعول {مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [(22) سورة الرحمن] يقول أهل العلم: إن العذب لا يخرج منه لؤلؤ ولا مرجان، إنما اللؤلؤ والمرجان يخرجان من الملح، من الماء المالح، يقول: " {مِنْهُمَا} من مجموعهما الصادق بأحدهما وهو الملح" من مجموعهما الصادق بأحدهما وهو الملح، ويش معنى هذا الكلام؟ {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} [(22) سورة الرحمن] الأصل اللؤلؤ والمرجان مقابلة مثنى بمثنى، هل نقول: إن مقابلة المثنى بالمثنى مثل مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد لكل واحد نوع؟ عندنا (منهما) عندنا بحران عذب ومالح، وعندنا يخرج منهما لؤلؤ ومرجان، يعني إذا قلنا: مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد لكل واحد نوع خاص قد يكون اللؤلؤ يخرج من المالح والمرجان يخرج من الحلو أو العكس وقيل بهذا من باب أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، كما في: (ركب القوم دوابهم) كل واحد ركب دابته، المؤلف هنا مشى على أن العذب لا يخرج منه شيء، إنما اللؤلؤ والمرجان يخرجان من المالح، قال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} [(22) سورة الرحمن] يعني "من مجموعهما الصادق بأحدهما وهو الملح" يعني نظير ذلك لو أن هناك مسابقة مسابقة بين فريقين، مسابقة علمية مثلاً بين فريقين ألقيت الأسئلة على الفريق ألف ألقيت أسئلة، أجاب عنها واحد منهم ألا يصلح أن نقول: أجاب فرق ألف عن الأسئلة؟ وهو واحد اللي أجاب، والمؤلف يريد ما جاء في هذه الآية من هذا النوع، إذا قيل مثلاً: إن أهل البلد الفلاني زرعوا الزيتون مثلاً، أهل البلد الفلاني زرعوا الزيتون، فأنتج وأثمر عندهم، وهو بلد حار في الأصل لا ينتج زيتون هل معنى هذا أن كل أهل البلد زرعوا أو من يزرع منهم أو من زرع منهم ولو كان واحد أو اثنين؟ المؤلف يريد ما جاء في هذه الآية من هذا النوع، "منهما" يعني: من مجموعهما.

يقول: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} [(22) سورة الرحمن] والقراءة الأخرى: يُخرج بالبناء للمفعول والبناء للفاعل "منهما من مجموعهما الصادق بأحدهما وهو الملح" {اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [(22) سورة الرحمن] اللؤلؤ معروف، المرجان يقول: "خرز أحمر أو صغار اللؤلؤ" صغار اللؤلؤ يسمى مرجان، وعلى القول بأن البحرين المائين ماء السماء وماء الأرض يقولون: إن ما ينزل من السماء يتلقاه الصدف في البحر فيخرج منهما من التزاوج من المائين اللؤلؤ والمرجان، ومن المفسرين من قال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} [(22) سورة الرحمن] من العذب والملح من تزاوج المائين يخرج اللؤلؤ والمرجان، فجعلوا الماء العذب بمنزلة ماء الرجل، والماء الملح بمنزلة ماء المرأة، فينتج عن المائين هذا المذكور اللؤلؤ والمرجان، وعلى كل حال اللؤلؤ والمرجان موجود، موجود في البحار، وأهل الغوص يعرفون كيف يستخرجونه، وكونه من الملح فقط أو من العذب فقط، وإن كان ظاهر السياق يدل على أنه من المائين هذا الأصل في مثل هذا {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(23) سورة الرحمن] كما تقدم. {وَلَهُ الْجَوَارِ} [(24) سورة الرحمن] السفن {الْمُنشَآتُ} يقول: المحدثات {فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} "كالجبال عظماً وارتفاعاً" {وَلَهُ الْجَوَارِ} [(24) سورة الرحمن] وقرئ بإثبات الياء، والأكثر على أنها كسرة وليست ياء، وقرئ شاذاً: "الجوارُ" لكنها شاذة، {وَلَهُ الْجَوَارِ} [(24) سورة الرحمن] السفن التي تجري في البحار.

{الْمُنشَآتُ} يعني المحدثات التي أنشأها البشر وصنعوها هي لله -جل وعلا-؛ لأنه هو الذي يسيرها، يعني وسائل النقل الأخرى تسير لكن كيفية سيرها؟ إن كانت من صنع البشر فأمرها واضح، يعني لو قلنا: مثلاً السيارات والطائرات وغيرها، ما الذي يسير .. ؟ كيف تسير السيارة؟ على أمور محسوسة، أمور محسوسة صنعها البشر، وإن كان البشر لا يستقل فالله خالقه وخالق ما عمل، خالقه، خالق الصانع وخالق الصناعة، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] لكن بالحس يدرك أن هذا الذي صنع هذه السيارة وصنع لها هذه الكفرات تجري على هذه الطريقة المحسوسة، الطائرات أيضاً أمرها واضح، لكن السفن التي تسيرها الرياح، وهي من الله -جل وعلا-، {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ} [(33) سورة الشورى] يعني السفن أمرها يختلف عن الوسائل الأخرى، يعني الإبل والخيل والبغال والحمير ترى وسائل مشيها بالأرجل أو بالكفرات أو بغيرها، لكن السفن؟ الله -جل وعلا- هو الذي يجريها على هذا الماء، وإن كان هو المجري للجميع ولو شاء -جل وعلا- ما مشى شيء، لكن يبقى أن ما خفي أمره الاعتبار به أكثر، يعني مثل هذه السفن التي تجريها الريح، يعني كما في قوله -جل وعلا-: {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [(33) سورة الشورى] يعني ابن جبير ذكر في رحلته أنه في طريقه من سواحل الشام إلى الأندلس ستة أشهر على السفن، ستة أشهر، فجاءت ريح معاكسة في يوم أو يومين أرجعتهم إلى سواحل الشام. {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ} [(24) سورة الرحمن] المحدثات التي صنعها البشر بأمر الله -جل وعلا- وبإرادته وبتعليمه إياه؛ لأنه هو الذي علم الإنسان ما لم يعلم.

{فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [(24) سورة الرحمن] يعني كالجبال، العلم الجبل، الأعلام واحدها علم، وهو الجبل، وكثيراً ما يقال: فلان علم في رأسه نار، أو كأنه علم في رأسه نار، يعني كأنه جبل في ذروته نار، يشاهده القريب والبعيد {كَالْأَعْلَامِ} [(24) سورة الرحمن] "كالجبال عظماً وارتفاعاً" عظماً وارتفاعاً، ومنهم من يقول: إن السفن لا يقال لها: منشئات حتى ترفع أشرعتها، لتكون كالأعلام مرتفعة، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [(25 - 26) سورة الرحمن] كل من عليها يعني الأرض من الحيوان {فَانٍ} [(26) سورة الرحمن] يعني: "هالك" {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} [(26) سورة الرحمن] يعني على وجه "الأرض من الحيوان" التي تحله الحياة فانٍ بمعنى أنه يموت، وتقدير الأرض هنا وإن لم يجري لها ذكر يجعل اللفظ العام (كل) باقٍ على عمومه، فكل من على وجه الأرض فانٍ، فلا يستثنى شيء وأما في قوله -جل وعلا-: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [(88) سورة القصص] فيستثنى منه، يستثنى منه ما يجمعه قول الناظم: ثمانية حكم البقاء يعمها ... من الخلق والباقون في حيز العدم هي العرش والكرسي نار وجنة ... وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم

ثمانية أشياء هذه مستثناة من قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [(88) سورة القصص] وأما: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [(26) سورة الرحمن] هذه لا يستثنى منها شيء، ولذا قال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} [(26) سورة الرحمن] يعني: "الأرض من الحيوان" {فَانٍ} [(26) سورة الرحمن] يعني "هالك، وعبر بـ (من) تغليباً للعقلاء" لأن (من) للعاقل و (ما) لغير العاقل، فقال: {كُلُّ مَنْ} [(26) سورة الرحمن] قد يقول قائل: إن هذه تخصص بالعقلاء، فلا يعني أن غير العقلاء من الحيوانات تهلك وتفنى، لا، هنا قال: {مَنْ عَلَيْهَا} [(26) سورة الرحمن] تغليب للعقلاء؛ لأنه لا بد أن يؤتى بـ (من) أو بـ (ما) لا بد أن يؤتى بـ (من) أو بـ (ما)، فإذا أتي بـ (من) غلبنا العقلاء، لا سيما وأنهم هم الذين يستفيدون من مثل هذا الكلام، لكن لو غلب غير العقلاء وهم أكثر وقيل: كل ما عليها فان لقال العقلاء: إننا لا ندخل في هذه الآية؛ لأن المقصود غير العقلاء، لكن إذا قيل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [(26) سورة الرحمن] العقلاء هم المعنيون بهذا الكلام، فلن يقولوا: إننا لن نفنى؛ لأنهم داخلون فيها دخولاً أولياً منصوص عليهم، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ يعني هل يمكن أن يقول قائل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [(26) سورة الرحمن] إننا لن .. ، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} [(26) سورة الرحمن] وهي (من) هذه العقلاء نقول: لن نفنى هذا خاص بغيرنا؟ لا، أنتم تدخلون في هذا دخول أولي، نعم لو قيل: كل ما عليها فان لأمكن أن يقول العقلاء: نحن لا ندخل في هذا؛ لأن (ما) لغير العاقل ولذا غلبوا؛ لأنهم هم المعنيون بهذا، وأما من عداهم فلن يحتج لأنهم ليسوا بعقلاء، ويغلب العقلاء في كثير من المواطن لشرفهم على غيرهم. {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [(27) سورة الرحمن] يقول: "ذاته" وهذا فرار من إثبات الوجه لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته، ففي الآية إثبات الوجه لله -جل وعلا-، على ما جاء عنه وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وعلى ما يليق بجلاله وعظمته.

{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ} [(27) سورة الرحمن] ذو: من الأسماء الخمسة، مرفوع بالواو، فهو حينئذٍ نعت للمضاف أو للمضاف إليه؟ للمضاف، وهذا بين واضح؛ لأن الإعراب بالحرف، لكن لو كان الإعراب بالحركة نعم، ما تدري، ما تدري إلا إذا وجدت الحركة، لكن لو قلت: مررت بغلام زيدٍ الفاضلِ، تستطيع أن تقول: إن هذا وصف للمضاف أو للمضاف إليه؟ ما تستطيع، لا تستطيع أن تقول: إنه وصف للمضاف أو للمضاف إليه لأن كلاهما مجرور، وهنا واضح أنه وصف للمضاف لأنه مرفوع والمضاف مرفوع، بينما في آخر السورة {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي} [(78) سورة الرحمن] وصف للمضاف إليه، {ذِي الْجَلَالِ} [(78) سورة الرحمن] و {ذُو الْجَلَالِ} [(27) سورة الرحمن] وجه الرب -جل وعلا- ذو الجلال، والرب أيضاً ذو الجلال والإكرام، ذو الجلال: العظمة، والإكرام: للمؤمنين بأنعمه عليهم، الإكرام للمؤمنين ولغيرهم من بني آدم في الدنيا، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [(70) سورة الإسراء] وأما بالنسبة للآخرة فالإكرام خاص بالمؤمنين، الإكرام بالنعيم المقيم الذي لا يشوبه كدر، ولا يخالطه تنغيص هذا في الآخرة، بينما غيرهم من الكفار فهؤلاء لهم العذاب الدائم السرمدي الذي لا يشوبه أدنى نعيم، ولذا نعيم الدنيا مهما بلغ فلا بد من الشوائب، لا بد من المكدرات، طبعت على هذا، الدنيا، فلا نعيم إلا ويشوبه كدر، ولا بؤس ولا شقاء إلا ويتخلله نعيم في الدنيا، يعني هل وجد إنسان على وتيرة واحدة من ذو أن ولد إلى أن مات ما تكدر؟ أو يوجد إنسان من ولد إلى أن مات ما ضحك؟ ولو عاش في شقاء دائم وبؤس مستمر لا بد أن يتخلل شيء، وإنما الخالص من الأمرين من النعيم أو من العذاب إنما هو في الآخرة.

الشاطبي في الموافقات بحث هذه المسألة بالنسبة للدنيا واضح أنه ما في نعيم محض صرف لا يشوبه كدر، ولا في شقاء صرف لا يشوبه شيء من اللذة، بينما في الآخرة موجود هذا، وأورد على ذلك أن من في النار ويعذب بأنواع من العذاب وألون من العذاب قد يقول قائل: إنه قد يتنعم إذا رأى من هو أشد منه عذاباً، إذا رأى من هو أشد منه عذاباً قد يتلذذ؛ لأنه يرى من هو أشد منه عذاباً يقول: وفي المقابل أيضاً من في الجنة إذا رأى من هو أكثر منه نعيم قد يتألم، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن أدنى من في الجنة منزلة لا يرى أن هناك من هو أفضل منه، لا يرى أن هناك من هو أفضل منه، كما أن من هو في أقل الناس أو في أقل الناس عذاباً في النار لا يرى أن هناك من هو أدنى منه أو أقل عذاب، يعني مثلاً أبو طالب الذي شفع له النبي -عليه الصلاة والسلام- فجعل في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، أو ألبس نعلان من نار يغلي منهما دماغه لا يرى أن في النار من هو أشد منه، يعني وأي شيء أعظم من كون الدماغ يغلي بالنار؟ مع أنه يوجد من هو شر منه وأشد منه عذاباً، لكن ما في مجال لأن يوجد أي أنس بتفاوت العذاب، وكذلك أهل الجنة إذا كان أدناهم منزلة وما فيهم دني يعني آخر من يدخل الجنة ويخرج من النار يقال له كما في الحديث الصحيح: تمن، فيتمنى، تنقطع به الأماني، فيقال له: أيرضيك أن يكون لك ملك أعظم ملك في الدنيا؟ يقول: إي وربي، يقال: لك ومثله ومثله ومثله، وعشرة أمثاله، فمثل هذا لا يجد في نفسه من المنغصات ما يوجد في أمور الدنيا، تجد الإنسان عنده مئات الملايين وفي صحة تامة وعنده الولد والمسكن والمركب، وكل ما يحتاجه، لكنه إذا نظر إلى من هو إلى من هو فوقه في أمر الدنيا كأن ما عند شيء، وهذا يدلنا على حقارة هذه الدنيا، يعني إلى متى يجمع؟ إلى متى؟ ومع ذلك تجده في شقاء، لا سيما إذا نظر إلى من فوقه، ولذا أمرنا كما في الحديث الصحيح أن ننظر في أمور الدنيا إلى من هو أسفل منا؛ لئلا نزدري نعمة الله علينا، وأما في أمور الدين فننظر إلى من هو فوقنا؛ لكي نزيد من هذه النعمة نعمة الدين ونعمة العبادة ونعمة الطاعة، ونشمر إلى ما يرضي الله -جل وعلا-، ونسبق من سابقنا، ونسارع إلى مرضاته -سبحانه وتعالى-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة الرحمن (2)

تفسير الجلالين - سورة الرحمن (2) من آية: (29 - 61) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا سائل يقول: هل من يقول بخلق القرآن يكفر؟ السلف في هذه المسألة أطلقوا الكفر على من قال: بأن كلام الله مخلوق، كفروه، لكنه تكفير جنس لا تكفير عين، فلا يقال مثلاً: الزمخشري كافر؛ لأنه معتزلي والمعتزلة يقولون بخلق القرآن، لا، لكن هذه المقالة -نسأل الله السلامة والعافية- كفر، فرق بين تكفير الأجناس التكفير بالوصف وتكفير الشخص؛ لأن تكفير الشخص يعتريه ما يعتريه من توافر الأسباب وانتفاء الموانع وعدمها. يقول: هل المطلوب حفظ القرآن أم التدبر؟ هما معاً، مطلوب الحفظ ومطلوب أيضاً أن يقرأ على الوجه المأمور به بالترتيل والتدبر. يقول: بعض طلبة العلم عندما نسألهم في بعض المسائل الفقهية يفتي، ويقول: أنا لا أعمل بالقول هذا، ولكن أفتي غيري به؟ الأصل أن ما يفتي به هو ما يعمل به، وما يعتقده، وما يدين الله برجحانه، فإذا ترجح عنده بالدليل فيعمل به بنفسه ويفتي به غيره، لكن قد يعتري بعض المسائل ما يعتريها، من أنه يترجح للإنسان قول بدليله فيعمل به في نفسه لكنه يفتي الناس على ما شاع في بلدهم وعند علمائهم؛ لئلا يحصل هناك اضطراب، ويحصل هناك شيء من الضياع للفتوى، لا سيما إذا كانت الفتوى من جهة ملزمة، يعني لو أفتت اللجنة الدائمة مثلاً التي عينت من قبل ولي الأمر بقول وترجح له غيره مخالفة العلماء هؤلاء لا سيما مع اجتماعهم يجعل عند الإنسان تردد فيما اختاره لنفسه، يتهم نفسه، وقل مثل هذا في ما لو كان ترجيحه مخالف لمذاهب الأئمة الأربعة، لا شك أن الأصل أن العمل بالدليل من الكتاب والسنة، لكن التوقف حينما يكون الاختيار مخالفاً لمذاهب الأئمة الأربعة وأتباعهم إنما يكون سببه اتهام النفس بالقصور أو بالتقصير، ولا يعني هذا أنه يقدم قول الأئمة على الدليل، لا، كثير من أهل العلم يهابون مخالفة الأئمة، فإذا كان الباعث على ذلك هذا لا سيما إذا كان الدليل محتملاً، أحياناً يكون الدليل محتمل، قد يترجح عندك أحد الاحتمالين، ويترجح عند غيرك غير هذا الاحتمال الذي ترجح عندك.

يقول: هل نستمع لتفسير الشعراوي؟ تفسير الشعراوي كما هو معروف تفسير عقلي باستنباطه هو، ولا شك أن لديه شيء من المعرفة، وشيء من الذكاء، وشيء من الدقة، يغوص على بعض المعاني التي قد يكون في بعضها لم يسبق إليه، فيستفاد منه من هذه الحيثية، لكن يكون معول طالب العلم ومرده إلى تفاسير السلف. يقول: ما حكم: "صدق الله العظيم" حكم قول: "صدق الله العظيم" يعني بعد الفراغ من القراءة؟ أما اتخاذ ذلك ديدن وشعار فلا، هذا لم يثبت، كلما مفرغ من القراءة قال: صدق الله العظيم، الجملة صحيحة {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} [(122) سورة النساء] لكن مع ذلك لا تتخذ عادة. يقول: يوجد كاتب في إحدى الصحف لا هم له إلا تنقص العلماء والمشايخ والدعاة ورموز الصحوة -على قوله- حتى وصل به الحال إلى أن نسب القول بالفسق والتكفير والضلالة على ألسنتهم، ويقول: هذا نتاج ما تعلموه في مدارسهم ومعاهدهم وكلياتهم الشرعية، وعمدتهم على رمزين: الأول: قبل سبعة قرون، وهو عالم موسوعي وتلميذه الثاني قبل ثلاثة قرون عالم مجدد، ويقصد بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، الثاني: شيخ الإسلام الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، يقول: فما رأيكم هل نتقدم للقضاء بمحاكمته؟ أم نرد عليه؟ أم ماذا نفعل؟ أولاً: مثل هذا في أول الأمر يناصح، تسدى له النصيحة سراً؛ لأنها أقرب وأدعى إلى القبول, وأقرب إلى الإخلاص للمتكلم، هذا في بادئ الأمر، ويجعل منه بعد رجعته من يرد على نفسه بنفسه، هذا إذا رجع يناصح من قبل مجموعة من أهل العلم، ويكرر عليه النصح إن أجدى به وإلا فيرد عليه رداً علنياً، وإن تطاول مع ذلك وتعدى ذلك إلى الشرع نفسه فيحاكم، هذا لا بد من محاكمته، ورفع أمره إلى ولاة الأمر. يقول: في قول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [(173) سورة آل عمران] هل لفظة: (الناس) عام أريد به الخصوص؟ نعم هذا يمثل به، يمثل به أهل العلم للعام الذي أريد به الخصوص؛ لأنه لم يقصد به في أول الأمر العموم، ثم بعد ذلك جاء ما يخصصه.

يقول: هل هو عام أريد به الخصوص أم أنه عام مخصص بالعقل؟ فإن العقل لا يمكن أن ... الناس كلهم كلموا النبي ... ، كملوا الناس كلهم؟ هذا معروف الذي قال لهم الناس هو نعيم بن مسعود كما هو معروف شخص واحد، {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [(173) سورة آل عمران] يعني أبا سفيان وقومه، {جَمَعُواْ لَكُمْ} [(173) سورة آل عمران] يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، على كل حال ليس المراد به العموم على أي قول، وأهل العلم يمثلون بالآية على العام الذي يراد به الخصوص. يقول: هل يجوز أن أطلق على غير السعوديين أجانب؟ هذا إذا كانوا مسلمين فهم مثل غيرهم لهم من الحقوق ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن كانوا غير مسلمين فلا شك أنهم أجانب، ويبقى أن لفظ الأجنبي يعني إطلاقاته واسعة ابن العم بالنسبة للمرأة أجنبي، الجار إذا لم يكن له قرابة صار أجنبي، وهكذا المقصود أن الإطلاق ليس .. ، يعني لا يدل على شيء من التنقص، وصف لغوي شرعي ما فيه أدنى إشكال، اللهم إلا إذا أريد به التفريق بين المسلمين. هذا يقول: نريد درس شهري في جدة؟ هذا طلب كثير، والنظر جاري في هذا -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما الأشياء الثمانية التي تستثنى من الفناء؟ ذكرتها بالأمس، ويجمعها قول الشاعر: ثمانية حكم البقاء يعمها ... من الخلق والباقون في حيز العدم هي العرش والكرسي نار وجنة ... وعجب. . . . . . . . . يعني: عجب الذنب الذي يبقى من بدن الإنسان. . . . . . . . . . ... وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم يقول: ما تقولون في رجل ابتلي ببلية مع أهل بيته من محارمه، فأصبح بسبب هذه البلية لا يستطيع أن يقدم لهم فائدة، ولا يعطي لهم نصيحة، ولا ينكر عليهم منكر، وعلى هذه الحالة منذ فترة فنرجو إفادتنا؟

ما أدري ويش المقصود بهذه البلية؟ يعني إن كان ابتلي بعرضه بأحد من أهل بلده من أهل بيته، فلا شك أن هذه كارثة، وإن كانت منه فهي أعظم -نسأل الله السلامة والعافية-، ومع ذلك باب التوبة مفتوح، التوبة تهدم ما كان قبلها، ولا يعني التساهل بمثل هذه الأمور؛ لأن هذه عظائم الأمور، هذه الفواحش -نسأل الله السلامة والعافية-، فإن كانت من غيره وقعت في عرضه من أهل بيته من غيره، فلا شك أن هذا له حكمه الشرعي، وإن كانت منه نفسه -نسأل الله السلامة والعافية- فالأمر أعظم، وعلى كل حال هذا ليس بمانع من أن يستفيد هو ويتوب إلى الله -جل وعلا-، وتحسن حاله إذا صدقت توبته بشروطها، وكذلك توبة من وقع منه هذا الأمر، ثم بعد ذلك يتبادلون النصح، وينسون ما حصل. يقول: ماذا نفعل في حالة اختلاف العلماء في مسألة؟ السائل لا يخلو إما أن يكون من أهل النظر أو لا، فإن كان من أهل النظر، لديه أهلية النظر في الأقوال وأدلتها، ويستطيع بنفسه أن يصل إلى أرجح هذه الأقوال فهذا هو المتعين عليه أن يأخذ بالراجح، وإن كانت ليست لديه أهلية النظر ولا الاستدلال، بل هو عامي أو في حكم العامي من مبتدئي الطلاب، فإن هذا يقلد من هو أوثق عنده علماً وديناً وورعاً. يقول: هل لطالب العلم أن يدرس جميع فنون العلم الواحد، مثل أن يدرس جميع علوم القرآن، ثم ينتقل لما بعده، أم يأخذ أساسيات كما .. ، أو أساسيات من أجل إدراك العمر؟ على كل حال هو لا بد أن يتفنن طالب العلم، لا بد أن يأخذ من كل علم بطرف، يأخذ من علوم القرآن كتاباً مختصراً، من علوم الحديث كذلك، ومن أصول الفقه، ثم فروع العربية أيضاً كذلك، ثم يأخذها دفعة واحدة، ما يمنع أن يأخذها دفعة واحدة، ثم إذا انتهى منها انتقل إلى ما بعدها، ويكون بذلك أدرك من العلم ما يكتب له في المدة المناسبة. يقول: هل يجوز الاستعانة بالجن المسلمين؟ وهل يجوز الزواج بنسائهم؟ وهل في القرآن والسنة ما يمنع ذلك؟

سيأتي في قول الله -جل وعلا-: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [(56) سورة الرحمن] ما قاله أهل العلم في هذه المسألة، وأما الاستعانة بالجن فهي من خواص سليمان -عليه السلام-، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يوثق الجني فتذكر دعوة سليمان -عليه السلام- فترك، وهذا في البخاري؛ لأن هذا من خواصه -عليه السلام-، فلم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه مسألة، المسألة الثانية: أن الجن قد يدعون الإسلام، ويدعون الاستقامة والالتزام ثم بعد ذلك يتبين خلاف هذا، فإذا أوقعوا المستعين بهم في حبالهم وشركهم، وتخلوا عنه لا بد أن يحصل له شيء من التقرب إليهم، وسد الذرائع الموصلة للشرك أمر لا بد منه. يقول: سجود الشمس تحت العرش كل ليلة نؤمن به، ولكن هل من تبصير شرعي للظاهر من أنها مستمرة في الدوران؟ أقول: كونها مستمرة في فلكها هذا هو الأصل، والحس والواقع يشهد بذلك، وأيضاً ما جاء به الدليل الشرعي من أنها تسجد كل ليلة تحت العرش وتستأذن هذا أمر لا جدال فيه؛ لأنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا تعارض هذا مع هذا لا بد أن يؤمن بالجميع على حقيقته، قد لا يدرك العقل مثل هذا، ويظن فيه شيء من التناقض، أقول: أقرب نظير له ما قرره شيخ الإسلام في شرح حديث النزول: إن الله ينزل في آخر كل ليلة، وأورد على هذا ما أورد على سجود الشمس من أنه .. ، من أن الثلث الأخير يختلف من بلد إلى بلد، لكن علينا أن نؤمن، علينا أن نستسلم ونسلم، حتى قال شيخ الإسلام: إنه مع ذلك ينزل آخر كل ليلة ولا يخلو منه العرش، فما فيه إلا تسليم، يعني ما فيه إلا استسلام، يعني كثير من القضايا التي جاء الشرع بمثلها، التي لا يدركها العقل؛ لأن الشرع قد يأتي بما تحتار منه العقول، ويكون هذا نسبياً أيضاً، قد يكون الحل عند بعض الناس موجود، عند بعض أهل العلم موجود، لكنه لم يظهر لغيرهم، وهكذا المتشابه من آي القرآن، قد يكون متشابه بالنسبة لبعض العلماء، ومحكم بالنسبة لبعضهم. ما الحكم إذا قامت الصلاة وأنا أصلي ركعتين هل أقطع أم أكمل؟

إذا لم تأتِ بركعة كاملة فأنت ما زلت لم تصل؛ لأن الصلاة أقلها ركعة فتقطعها، وإن كنت أتممت صلاة بركعة كاملة فأنت تكمل هذه الصلاة بركعة ثانية خفيفة. يقول: قد علق في ذهني مذهب الأشاعرة في مسألة خلق الله لأفعال العباد، فإن كان ليس صواباً فما هو الصواب؟ الله -جل وعلا- خالق للعباد ولأفعالهم، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] هذا معروف، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن العبد يخلق فعله، فأثبتوا خالقاً مع الله -جل وعلا-. هذا يسأل يقول، يسأل عن التصوير الفوتوغرافي: ما حكمه؟ وهل يجوز تعديل الصور من خلال برنامج الفوتوشوب أفيدونا؟ أولاً: التصوير الفوتوغرافي والتصوير عموماً بأي آلة كانت سواءً كان بآلة أو باليد كله داخل في النصوص، وفيه المضاهاة لخلق الله، وفيه السبب الذي كان أول الأسباب للشرك بالله -جل وعلا-، هذا كله موجود، والعلل كلها متوافرة، فهو داخل في نصوص التحريم. يقول: عندما يحول علي الحول مثلاً في شعبان وأردت أن أقدم الزكاة في رجب فهل أحسب في الزكاة أيضاً شهر شعبان أم أحسب ما أملكه حتى شهر رجب؟ لا أنت تزكي ما عندك، وقت الزكاة تزكي ما عندك، يعني أنت قدمت الزكاة شهر في يوم إخراجك للزكاة تحسب جميع ما عندك واخرج زكاته، ثم إذا حال الحول الثاني احسب جميع ما عندك، قد يكون هناك تحايل، قد يكون هناك تحايل بحيث يرجو حصول مبلغ كبير في شعبان، ويقول: اخرج الزكاة وهو من نماء المال السابق؛ لأن نماء التجارة له حكم أصله، ويقول: أنا أخرج الزكاة في رجب قبل حصول هذا النماء الكبير لهذه التجارة، والأمور بمقاصدها، فإن كان قصده ذلك لا بد أن يخرج هذا النماء في شعبان في وقته. يقول: ما حكم استخدام نظام تشغيل للحاسب الآلي من نسخة منسوخة من الأصل حيث أن الأصل بسعر خمسمائة ريال، بينما النسخة سعرها من عشرة إلى خمسين ريالاً؟

على كل حال إذا كان يتضرر الذي تعب على الأصل وهو مسلم فلا يجوز الضرر، الضرر لا بد من إزالته، إذا كان يتضرر بذلك، كما لو تعب على كتاب وألفه وطبعه وباعه في الأسواق بقدر تكلفته، ثم جاء من ينسخه أو يطبعه طبعة ثانية بقيمة نازلة يتضرر بها، نقول: لا يجوز، الضرر لا بد من إزالته. يقول: في ذكر التهليل يعني من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة وثبت ما ثبت له من الأجر، في ذكر التهليل لم يأت أحد بعمل خير منه إلا من قال مثله أو زاد، فما المراد بالزيادة هنا؟ منهم من يقول: إنه لو زاد على المائة عشر أو عشرين كل شيء بأجره، وبهذا يستدل من يقول: بأن الزيادة مقبولة في الأذكار، في الأذكار المحددة، وأن من هلل مائة وعشرين صدق عليه أنه هلل مائة والزيادة بأجرها، وهذا قول معتبر عند جمع من أهل العلم. ومنهم من يقول: من زاد يعني جاء بمائة ثانية، بحيث لا يزيد على المائة، بحيث لا يزيد على المائة، كثير من الناس لا يستطيع ضبط هذه الأعداد، إما أن يزيد أو ينقص، فيقول: يزيد من باب الاحتياط، نقول: عليه أن يتحرى الدقة في العدد، وأما إذا شك هل بلغ العدد أو لم يبلغه؟ فيزيد حتى يجزم بأنه بلغ العدة. يقول: هل يجوز التصدق لعمال البلدية علماً بأن منهم هندوس، وبعضهم يغيرون الديانة من أجل العلم في هذه البلاد الطيبة، وهل يجوز التستر على من أخفى ديانته الهندوسية؟ غير المسلمين معروف أن الزكاة لا تصرف لهم، لا تصرف إلا من باب التأليف، إن كانوا من المؤلفة قلوبهم فحينئذٍ هم من الأصناف الثمانية، وأما من عداهم فلا، لا يصرف لهم شيء من الزكاة، وأما الصدقة فبابها أوسع، فتصرف لغير المسلم لا سيما إذا غلب على الظن أنه تسهل دعوته إلى الإسلام، وأما تغيير الديانة ظاهراً من أجل العمل في هذه البلاد فإنه لا شك أن من اطلع عليه لا بد من أن يبلغ؛ لأن المسلم له معاملة تختلف عن ديانة غيره، وإذا أخفى ديانته وهو غير مسلم ثم ظهر للناس باسم الإسلام فإن هذا لا شك أنه يغرهم.

يقول: أنا بدأت العمل ولم أستلم الراتب إلا بعد ستة أشهر فمتى يبدأ عندي الحول للزكاة؟ هل من وقت تسلمي للراتب أو من وقت الاستحقاق؟ إذا كان صاحب العمل الذي بدأت عنده العمل مليء بحيث لو طلبته في وقته أعطاك إياه، فإنك تحتسب الزكاة من أول الاستحقاق، وإن كان مماطلاً بحيث لو طلبت المبلغ ما تيسر لك ولا أعطاكه فإنك تحتسب المدة تحسب الحول من الاستلام. هذا يقول: ما رأيكم في هذه الكتب: الجدول في إعراب القرآن وبيانه وصرفه محمود صافي؟ هذا كتاب جيد، يعني تفسير إعراب مفصل للقرآن، مع أن كتاب محمود درويش أفضل عندي، وهما متقاربان في الحجم. يقول: التحرير والتنوير لابن عاشور؟ هذا أيضاً كتاب متقن ومحرر ومضبوط فيه فوائد لا سيما ما يتعلق بالصناعة اللفظية من علوم البلاغة وغيرها. تيسير العلي القدير لنسيب الرفاعي؟ هذا من مختصرات ابن كثير، وهو من أفضلها؛ لأن المؤلف عني بجانب العقيدة. يقول: هل يجوز للعالم أو طالب العلم إذا ألف كتاباً أن يبيعه؟ وكذلك أشرطة المحاضرات والدروس؟ وهل يجوز احتكارها لمؤسسة معينة؟ هذا مبناه على مسألة كبرى وهي أخذ الأجرة على التعليم، ومثله التأليف، وفي قوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) ما يدل على جواز هذا كله، لكن بحيث لا يكون الهدف والقصد والباعث على التأليف هو كسب الدنيا. يقول: كيف يضبط أو كيف يضبط من جعل بعض الآيات مكية بسور مدنية أو العكس؟ هذا بالتنصيص النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا نزلت الآية قال: ((اكتبوها في السورة التي يذكر فيها كذا بعد كذا)) يعني ترتيب الآيات توقيفي، النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يشير إلى موضع الآية. يقول: هل هناك حديث أو أثر يقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان"؟ نعم هذا جاء الخبر مرفوعاً لكنه ضعيف، الحديث ضعيف. يقول: نحتاج إلى التصوير الفوتوغرافي الثابت لتوثيق برامج وأنشطة التوعية الإسلامية بالمدارس، فما حكمها؟

هو تصوير، هو تصوير داخل في النصوص، داخل في النصوص، والتشديد في أمر التصوير معروف، بل جاء في المصورين أنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة -نسأل الله العافية-، وهذه البرامج وهذه الأنشطة كلها مما يبتغى به الأجر من الله -جل وعلا-، وما عند الله لا ينال بسخطه. يقول: في أيام الحج عند النفر من عرفات ربما ينتصف الليل ونحن ما زلنا في الباصات، وهي تسير فمتى وكيف نصلي خاصة من كان معه نساء يخشى ضياعهن؟ أولاً: الفريضة لا تصح على الراحلة كما هو معروف، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي النافلة على الراحلة، يبقى أن الفريضة لا بد أن تصلى على الأرض، وفي مثل هذه الظروف العمل بقول الجمهور، وأن وقت العشاء لا ينتهي إلا بطلوع الفجر متجه، لا سيما وأن له أدلته فينتظر فإذا خشي طلوع الصبح يصلي الإنسان على حسب حاله. الأسئلة يا إخوان ما تنتهي نجيب على سؤال ويجينا اثنين أو ثلاثة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في تفسير قول الله -جل وعلا-: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [(29) سورة الرحمن].

يقول: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(29) سورة الرحمن] أي: "بنطق أو حال" أي بنطق أو حال، أحياناً يكون السؤال بلسان المقال بالنطق، وأحياناً يكون السؤال بلسان الحال، الفرق بينهما؟ يعني مثال ظاهر يعني لو جاء شخص فقير وتقدم وقام أمام الناس وسألهم، وذكر حاجته هذا بلسان المقال، تكلم وأعطاه الناس تحقيقاً لطلبه، هذا بالنطق، أما بلسان الحال لو جلس مبيناً حاجته من غير كلام، جلس في مكان عادة يجلس فيه من يتصدق عليه، قام من الصف بعد السلام وجلس عند الباب، وما تكلم بكلمة هذا يسأل لكنه بلسان الحال لا بلسان المقال، وهنا يقول: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(29) سورة الرحمن] أي: "بنطق أو حال" وكثيراً ما تكون الحال أبلغ من المقال، وفي بعض الآثار: "علمك بحالي يغني عن مقالي" هذا بالنسبة لله -جل وعلا- لا تخفى عليه خافية، لكن بالنسبة للبشر لو أن شخصاً محتاجاً وجاء في هيئة حسنة وجلس عند رجل ثري، هذا الثري ما يفهم منه أنه جاء يطلب الزكاة، أو يطلب الصدقة، لكن لو جاء في هيئة رثة وجلس مجلساً على صفة معينة، وعلى هيئة معينة فإنه يسأل، لكنه بلسان الحال لا بلسان المقال، ونظير ذلك طلب الرقية، الاسترقاء الذي جاء في حديث السبعين الألف طلب بأن يذهب إلى فلان ويقول: ارقني يا فلان هذا بلسان المقال، لكن لو أنه ذهب إليه أو زاره هذا الشخص الذي ترجى إجابة دعوته ولم يقل له: أرقني، وإنما فتح الأزارير أزارير الثوب وتهيأ للرقية، هذا استقرى لكنه بلسان الحال لا بلسان المقال، وهل يؤثر مثل هذا في عدم الدخول في سبعين الألف أو لا يؤثر؟ هذا محل نظر، هذا محل نظر.

أي: "بنطق أو حال ما يحتاجون إليه" نعم من الذي يستغني عن الله -جل وعلا-؟ كل الخلائق بحاجته، فهم يسألونه سواءً كانوا من أهل السماوات من الملائكة وغيرهم، أو من أهل الأرض كل يسأل، ما يحتاجون إليه "من القوة على العبادة" هذا بالنسبة لأهل السماوات والأرض أيضاً "والرزق والمغفرة" هذا بالنسبة لأهل الأرض؛ لأن أهل السماوات لا يسألون الرزق ولا يسألون المغفرة، وإنما يسألون القوة على العبادة، وقد يسألون الرزق لأهل الأرض والمغفرة لهم {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ} [(5) سورة الشورى] "وغير ذلك" فالمسألة لا شك أن كل إنسان بحاجة إلى خالقه ورازقه، بحاجة إلى ما يعنيه على أمر دينه ودنياه، ولا يمكن أن يستغني الإنسان عن ربه طرفة عين، سواءً كان من أهل السماوات أو من أهل الأرض، سواءً كان من الإنس أو الجن أو الدواب أو غيرهم. {كُلَّ يَوْمٍ} [(29) سورة الرحمن] يعني كل وقت {هُوَ فِي شَأْنٍ} المراد باليوم، ليس المراد به الزمن المحدد بأربع وعشرين ساعة، وإنما المراد به الوقت، كل الوقت مشغول في شأن من شئونه -جل وعلا-.

{فِي شَأْنٍ} [(29) سورة الرحمن] يقول المفسر: "أمر يظهره على وفق ما قدره في الأزل" أمر يظهر على وفق ما قدره، الله -جل وعلا-، قدر المقادير قبل خلق السماوات والأرض فهذه المقادير تقديرها في علم الله -جل وعلا- وكتابته هذا أمر سابق، لكن إظهار هذه المقادير إلى عالم الشهود هو الشأن الذي أشير إليه في الآية، {هُوَ فِي شَأْنٍ} [(29) سورة الرحمن] "أمر يظهره على وفق ما قدره في الأزل، من إحياء وإماتة وإعزاز وإذلال، وإغناء وإعدام، وإجابة داعٍ، وإعطاء سائل، وغير ذلك" يقول: "من إحياء وإماتة" هذا شأن {يُحْيِي وَيُمِيتُ} [(258) سورة البقرة] "وإعزاز وإذلال" يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، يعز من يشاء، ويذل من يشاء "وإغناء وإعدام" تجد الإنسان فقير يغنيه الله في لحظة، أو غني يفتقر في لحظة، "وإغناء وإعدام، وإجابة داعٍ" إلى ما سال، أو إلى غيره مما هو أعظم منه، أو لا يجاب، بل يدخر له، تدخر له دعوته في الآخرة، أو يدفع عنه من الشر ما هو أعظم مما طلب، "وإعطاء سائل" الله -جل وعلا- يعطي من سأله {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] ((هل من سائل فأعطيه؟ )) في حديث النزول، وفي حديث -الحديث الإلهي-: ((يا عبادي لو أن آخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألني كل واحد مسألته فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيء)) "وغير ذلك" من الشئون والتصاريف التي تختلف من شخص إلى آخر، فلا يشغله شخص عن غيره، ولا أمة عن غيرها، ولا جنس عن غيره، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(30) سورة الرحمن] ولا شك أن تغيير الأحوال إنما هي من الآلاء من النعم، فإذا تغيرت حال الإنسان من الفقر إلى الغنى هذه بالنسبة له نعمة، عليه أن يشكر هذه النعمة، إذا تغيرت حاله من غنى إلى فقر هي أيضاً نعمة، والخيرة فيما يختار الله -جل وعلا-؛ لأنه احتمال أن يطغى بغناه فيهلك فيكون الفقر خيراً له، فهذه نعمة وهكذا. "من إحياء وإماتة" قد تكون حياته خير له، قد تكون وفاته خيراً له؛ لئلا يفتتن، المقصود أن هذه كلها نعم إذا نظرنا إليها بعين البصيرة.

"من إعزاز وإذلال" الذل في أمور الدنيا يعني من فقر ونزع ملك أو فصل من وظيفة أو ما أشبه ذلك قد يكون خير لهذا الشخص، والخيرة فيما يختاره الله -جل وعلا-، لكن على الإنسان أن يفعل ما يناسب المقام إن كانت نعمة لا شك أنه عليه أن يشكر هذه النعمة، وإن كانت في الظاهر مصيبة فعليه أن يصبر على هذه المصيبة، ويجزم بأن الأجر المرتب عليها خيراً منها، فتنقلب حينئذٍ نعمة، وكثيراً ما تنقلب المحن منح. {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} [(31) سورة الرحمن] سنفرغ لكم: يعني "سنقصد لحسابكم"، سنقصد لحسابكم؛ لأن الفراغ الأصل فيه أن يكون عن شغل، والذي يفرغ من الشغل الذي ينشغل بالأشغال هو المخلوق، وأما الرب -جل وعلا- فلا يشغله شيء عن شيء بحيث يفرغ من الشغل الذي انشغل به، هذا لا يذكر في جانب الله -جل وعلا-، ولذا قال: "سنقصد لحسابكم" سنقصد لحسابكم، أولاً: في الآية الأولى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [(29) سورة الرحمن] رد على اليهود الذين يقولون: إن الله -جل وعلا- يوم السبت لا يصنع شيئاً، يرتاح فيه، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} [(31) سورة الرحمن] يقول المؤلف: "سنقصد لحسابكم"، سنقصد لحسابكم، وإلا فالله -جل وعلا- لا ينشغل بشيء؛ لأن مقتضى الفراغ أن يكون مشغولاً بما قبله، الفراغ للشيء مقتضاه أن يكون مشغولاً بما قبله، وهذا لائق بالمخلوق، لكنه لا يليق بالله -جل وعلا-، وإنما المراد به سنقصد لحسابكم؛ لأنه مع كونه -جل وعلا- كل يوم في شأن بالنسبة لآحاد الناس وأفرادهم، لآحاد الخلائق كلها، يصرف أمورها، لكنه لم ينشغل بذلك -جل وعلا-، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [(82) سورة يس] فلا يقتضي ذلك شغلاً منه حتى يفرغ منه، لا، قال: سنقصد لحسابكم، وإنما جاء الخطاب على حسب ما يفهمون.

{أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [(31) سورة الرحمن] "الإنس والجن"، الثقلان: الجن والإنس، وفي حديث الميت إذا قبر وأتاه الملكان فالذي لا يجيب عن أسئلتهم يضرب بمرزبة من حديد، يسمعها الخلائق إلا الثقلين، والمقصود بذلك الجن والإنس، وهنا: {أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [(31) سورة الرحمن] "الإنس والجن" يقول المفسرون: قيل لهما ثقلان لثقلهما على الأرض، لثقلهما على الأرض، لكن الإنس والجن ليسو بأثقل من غيرهما، ومنهم من يقول: لثقل كواهلهم بالتكاليف؛ لأن الإنس والجن هم المكلفون من بين الخلائق، وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون، وما خلقت .. ها؟ أيهما المقدم؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لأن أحياناً يأتي تقديم الجن، وأحياناً يأتي تقديم الإنس كما سيأتي، ولكل موضع ما يناسبه من المعنى. {أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [(31) سورة الرحمن] الإنس والجن مثل ما قلنا: من أهل العلم من يقول: قيل لهما الثقلان لثقلهما على الأرض، لكن يوجد من المخلوقات ما هو أثقل منهما، وقيل: لثقل كاهلهما بالتكاليف إذ لم يكلف غير الإنس والجن. {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(32) سورة الرحمن] على ما تقدم الآلاء النعم، وكان الجن يقولون بعد قراءة كل آية يقولون: ولا بشيء من آلائك ونعمك ربنا نكذب فلك الحمد.

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ} [(33) سورة الرحمن] يا معشر الجن والإنس هنا قدم الجن، وفي معارضة القرآن {لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ} [(88) سورة الإسراء] قدم إيش؟ الإنس، لماذا قدم الإنس هناك وقدم الجن هنا؟ هناك في المعارضة المسألة تحتاج إلى فصاحة وبيان والإنس بها أليق، فقدموا، وهنا: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] هنا فيه ما يحتاج إلى قدرة والجن في مثل هذا أقدر من الإنس، يعني النفوذ إلى جهة العلو قدرة الجن أعظم من قدرة الإنس عليها بدليل أنهم يسترقون السمع، يعني كانوا يسترقون السمع وما حصل هذا من الإنس، هل استطاع إنسي أن يصعد إلى السماء فيسترق السمع؟ ما استطاع، فقدم الجن هنا: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] تخرجوا {مِنْ أَقْطَارِ} [(33) سورة الرحمن] من "نواحي" السماوات والأرض {فَانفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] أمر تعجيز، {لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} يعني بقوة، ولا قوة لكم على ذلك {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(33) سورة الرحمن] والكفار لما صنعوا ما صنعوا من المراكب الفضائية، وزعموا وادعوا أنهم وصلوا إلى الكواكب، وصلوا إلى القمر، وصلوا إلى المريخ، وصلوا إلى كذا، وقال من يستدل لهم بأن هذا ممكن أن عندهم سلطان، عندهم سلطان العلم، ووصلوا بواسطته ونفذوا، وهذا على القول بأن القمر في السماء، كما هو مفاد قوله -جل وعلا-: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [(16) سورة نوح] يعني هو في السماء، يقولون: وصلوا إلى القمر وهو في السماء، وهل هو في السماء الدنيا أو في ما فوقها؟ كلام طويل لأهل التفسير، ومنهم من يرى أن القمر دون السماء وحينئذٍ لا إشكال، هم ما نفذوا، والذي يقر أن القمر في السماء يقول: إنهم نفذوا لكن بسلطان، ولا شك أن هذا جهل وضلال؛ لأن الأمر ليس أمر إمكان، إنما هو أمر تعجيز، {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] تخرجوا {مِنْ أَقْطَارِ} [(33) سورة الرحمن]

نواحي {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] {لَا} أمر تعجيز، يعني إذا كان بمقدوركم أن تهربوا من قدر الله -جل وعلا-، وتنفذون من ملكه الشامل للسماوات والأرض فتخرجون إلى غيرهما فانفذوا، وهل يستطيع شخص أن ينفذ؟ لا يستطيع، ولا يتمكن أي مخلوق أن يفر من قدرة الخالق، {فَانفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] "أمر تعجيز" {لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [(33) سورة الرحمن] "بقوة، ولا قوة لكم على ذلك" هل يستطيع مخلوق أن يخرج من الأرض؟ لا يستطيع؛ لأن من خرج عن من الأرض إما أن ينزل تحت أو يرتفع فوق، والكل تحت القدرة الإلهية أمره هين يسير {لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [(33) سورة الرحمن] يعني إلا "بقوة، ولا قوة لكم على ذلك" {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(34) سورة الرحمن] يعني قد يقول قائل: إن بعض هذه الأمور التي عقبت بهذه الآية الكريمة ليست من النعم، هذا التهديد وهذا التعجيز هل هو من الآلاء من النعم؟ نعم مآله إلى النعم، المآل إلى النعم، يعني لما هدد الإنسان بمثل هذا، وهدد الجان بمثل هذا الفائدة من هذا التهديد أن يرجع إلى ربه، الفائدة أن يذعن لربه، أن يخضع لربه، وكل هذه نعم، فمآل هذا التهديد نعمة، لمن كتب الله له السعادة. {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا} [(35) سورة الرحمن] {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] جمع وعندنا جن وإنس تثنية، النظر هنا إلى أفراد هذين الجنسين، فالجن جمع والإنس جمع فالنظر إلى مجموع الأفراد من الجنسين، ولذا قال: {تَنفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] وقال: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(34) سورة الرحمن] تثنية، فنظر إلى الجنسين {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] اقتتلوا جمع بالنظر إلى أفراد الطائفتين جمع، وبالنظر إلى الفريقين والطائفتين تثنية، وجاء هنا الجن والإنس تثنية، وأعيد الضمير عليهما أحياناً بالمثنى، وأحياناً بالجمع نظراً إلى هذا، فالتثنية نظر إلى الجنسين، والجمع نظر إلى أفراد الجنسين.

{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ} [(35) سورة الرحمن] شواظ من النار يعني: "لهب النار الخالص من الدخان أو معه" يعني على الخلاف في الشواظ هل هو اللهب الخالص من الدخان أو مع الدخان؟ {وَنُحَاسٌ} [(35) سورة الرحمن] أي دخان لا لهب فيه {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ} [(35) سورة الرحمن] يعني هذا يكون بعد دخول النار، ومنهم من يقول: إن هذا الشواظ الذي يرسل على الإنس والجن من أجل الحشر، يكون وراءهم من أجل ألا تسول لأحد منهم أنه يستطيع أن يفر من هذا المحشر، فتحشرهم النار، وجاء في آخر الزمان أن النار تحشرهم إلى أرض المحشر، {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ} [(35) سورة الرحمن] هو "لهبها الخالص من الدخان أو معه" {وَنُحَاسٌ} [(35) سورة الرحمن] "أي دخان لا لهب فيه" وجاء النحاس بمعنى الدخان، والظاهر من النحاس أنه المادة التي هي الصفر المذاب النحاس معروف، النحاس معروف نوع من أنواع المواد الصلبة كالحديد والصفر والفضة والذهب وغيره، لكنه هو نحاس، وخص النحاس لأنه هو الذي يقبل الحرارة بسرعة، ولا يفقدها بسرعة، والأمر الثاني: أنه هو أشد المواد حرارةً إذا أحمي، فإذا أذيب وصب عليهم -نسأل الله السلامة والعافية- على أن المراد به النحاس المعدن المعروف، وأما على ما اختاره المفسر من أنه دخان لا لهب فيه فهذا من جنس الذي قبله.

{فَلَا تَنتَصِرَانِ} [(35) سورة الرحمن] والكلام موجه إلى الجن والإنس، {فَلَا تَنتَصِرَانِ} [(35) سورة الرحمن] يعني لا "تمتنعان من ذلك" لا تمتنعان من ذلك، من الذي يستطيع من الجن أو الإنس أن يمتنع من الشواظ والنحاس؟ لا يستطيع أحد ذلك "بل يسوقكم إلى المحشر" هذه النار تسوق الناس إلى المحشر، وهذا الذي جعل المفسر يختار أن النحاس هو الدخان، الشواظ اللهب الذي لا دخان معه، أو معه، والنحاس: الدخان الذي لا لهب فيه، يريد أن هذه نار تكون في آخر الزمان تحشر الناس إلى أرض المحشر، والذي يقول النحاس المراد به المعدن المعروف إذا أذيب يقول: هذا في النار {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [(19) سورة الحج] وأيضاً مثل هذا النحاس يذاب ويصب عليهم، ومن استمع إلى الغناء جاء في الخبر: ((صب في أذنه الآنك يوم القيامة)) الرصاص المذاب -نسأل الله العافية-. {فَلَا تَنتَصِرَانِ} [(35) سورة الرحمن] يعني: فلا "تمتنعان من ذلك بل يسوقكم إلى المحشر" {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(36) سورة الرحمن] الآلاء النعم، وما ذكر تخويف، تهويل، تشديد، فأي نعمة في هذه النار؟ وأي نعمة في هذا الرصاص؟ وأي نعمة .. ؟ نعم الذي يعتبر ويتعظ ويرعوي ويخاف من سوء العاقبة تكون له نعمة، فالتخويف بمثل هذا نعمة، ولذا جاء: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [(46) سورة الرحمن] فهذه وإن كانت في ظاهرها نقم إلا أنها في باطنها نعم.

{فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء} [(37) سورة الرحمن] "انفرجت أبواباً لنزول الملائكة" {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [(1 - 2) سورة الإنشقاق] يعني: استمعت، {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا} [(25) سورة الفرقان] يقول: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء} [(37) سورة الرحمن] "انفرجت أبواباً لنزول الملائكة" السماء تتشقق، {فَكَانَتْ وَرْدَةً} [(37) سورة الرحمن] فكانت وردة يقول: "محمرة" {كَالدِّهَان} "كالأديم الأحمر على خلاف العهد بها، وجواب إذا: فما أعظم الهول" {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء} [(37) سورة الرحمن] "انفرجت أبواباً لنزول الملائكة" {فَكَانَتْ وَرْدَةً} [(37) سورة الرحمن] أي: مثلها مثل الوردة محمرة، الورد أحمر، فصارت مثل الوردة محمرة {كَالدِّهَان} "كالأديم الأحمر على خلاف العهد بها" يعني السماء العهد بها أنها لونها أزرق، وجاء أيضاً ما يدل على أنها خضراء ((ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء)) وهنا تكون وردة يعني كالوردة محمرة، {كَالدِّهَان} كالأديم الأحمر يقول: "على خلاف العهد بها" لأنها معهودة على غير هذا اللون، ولا شك أن السماء تتلون، أحياناً تكون السماء حمراء، ولعل هذا سببه ما يحول بيننا وبينها، ما يحول بيننا وبينها، وبعضهم يقول: إن لونها الحقيقي أحمر، وهذه الألوان التي نراها من زرقة أو خضرة أو قترة أحياناً إنما هي في الوسائط بيننا وبينها، ويمثلون ذلك بالعروق التي في بدن الإنسان، الإنسان يرى العروق خضراء، وهي محشوة بالدم، الأصل أن تكون حمراء، التمثيل ظاهر وإلا مو بظاهر؟ هذا كلام أهل التفسير، ومنهم من يقول: إنها تكون في ذلك اليوم حمراء بسبب تأثير حرارة النار فيها، تكون وردة كالدهان، يعني حمراء ومنهم من يقول: إن ... من الأصل هي حمراء، لكن الذي نراه الآن هو ما يحول بيننا وبينها، وعلى كل حال هذا أمر يدل على عظمة الخالق -جل وعلا-، حيث لم يصل المخلوق إلى حقيقة الأمر، أحياناً يقول: خضراء، وأحياناً يقول: زرقاء، وأحياناً تكون حمراء، وأحياناً .. ، يعني الحقائق تتغير بالنسبة للرائي، وذلك لضعفه عن إدراك حقيقة الأمر.

قد يقول قائل: إن هذا اللون الذي نراه وهذا لا بد من الانتباه له، قد يكون هو الأحمر، وإن كان في عرفنا غير أحمر، هو في عرفنا لا نسميه أحمر، وفي عرف الشرع في النص في الحقيقة الشرعية أنها حمراء، ونحن نسميها زرقاء، وأحياناً تسمى خضراء، وهي حقيقة واحدة لا تتغير، ولا شك أن الألوان تتغير، تتغير يعني المسميات تتغير، يعني في قوله -جل وعلا-: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] يعني لو قال شخص: أنا عمري كله هو صاحب إبل ويربي الإبل ويبيع ويشتري في الإبل منذ خمسين أو أكثر من خمسين سنة ويقول: ما مر علي ولا جمل أصفر، نعم، يقول: ما مر علي جمل أصفر، والقرآن يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] إيش معنى هذا؟ هل نقول: إن الألوان تتغير من جيل إلى جيل ومن بلد إلى بلد؟ يعني أدركنا ألوان كانت تسمى بها ثم بعد ذلك تغيرت، فيه لون اللي صار اسمه بنفسجي ثم صار الآن يسمونه إيش؟. . . . . . . . . ما أدري إيش يسمونه؟ كان يسمى قبل ثلاثين أو أربعين .. -قرمزي- وهذه التسمية ليست من الألفاظ الدارجة، يعني مر علينا في تفسير القرطبي: "ولونها قرمزي" يعني ما هو بيقال: هذا اصطلاح بلد خاص أو شيء من هذا، نعم، فهذه الألوان لا شك أنها تتغير، وكان من الألوان ما يقال له يسمونه: حلبي، والآن يسمونه: زهري، المقصود أن الألوان قابلة للتحديث والتغيير فهل نقول: إن السماء من هذا النوع كان يسمى لونها أحمر؟ مع أن الأحمر الذي يغلب على الظن أنه هو الأحمر من خلق السماوات إلى يومنا هذا، يعني الأحمر يعني في عرف الناس ما يتغير لا من بلد ولا من جيل ولا غيره، الأحمر أحمر والأسود أسود والأبيض أبيض، لكن الألوان الأخرى هي اللي قابلة للتغير، وإذا قبل {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] أن تطلق على غير الأصفر يقبل أيضاً أن تكون السماء الحمراء وردة كالدهان، أو أن هذه .. ، أو أن هذا اللون يتغير في ذلك الوقت يتغير، ولذا قال: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً} [(37) سورة الرحمن] كانت هل معناها كانت في الماضي أو صارت؟ نعم، معناها صارت، صارت وردة كالدهان، قال: "كالأديم الأحمر على خلاف العهد بها،

وجواب (إذا) " إذا الشرطية لها جواب، يقول: "جوابه فما أعظم الهول" أمر مهول، أمر عظيم {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(38) سورة الرحمن] وهذا كما تقدم من أن مآله إلى أن يكون نعمة، إذا استفيد منه واستغل في الرجعة الصادقة إلى الله -جل وعلا-. {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [(39) سورة الرحمن] لا يسألون، كون الإنسان عمله معروف فلا يحتاج إلى أن يسأل هل أنت محسن وإلا مسيء؟ {لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [(39) سورة الرحمن] ونفي السؤال هنا، وأثبت: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [(92 - 93) سورة الحجر] قال: {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [(39) سورة الرحمن] "عن ذنبه" أيضاً، لا يسأل الإنس عن ذنبه، ولا الجن عن ذنبه، "ويسألون في وقت آخر" لما طرح السؤال على ابن عباس، يعني جاء في النصوص أنهم لا يسألون، وجاء في بعضها أنهم يسألون {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [(92 - 93) سورة الحجر] قال: هي مواقف، الآخرة ليست موقف واحد، وإنما هي مواقف، في بعضها يكون السؤال، وفي بعضها لا يكون سؤال.

يقول: "والجان هنا وفيما سيأتي بمعنى الجني، والإنس فيهما بمعنى الإنسي" الجان هم الجن، والإنس معروف واحد الجن جني، وواحد الإنس إنسي، وهذا مما يفرق بينه وبين واحده بالياء ياء النسب، يعني عرب عربي، زنج زنجي، يفرق بين الواحد وبين الجمع بالياء، ياء النسب، يقول: "والجان هنا وفيما سيأتي بمعنى الجني، والإنس فيهما بمعنى الإنسي" يقول: {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [(39) سورة الرحمن] يريد أن يقرر أن السؤال ليس للمجموع، سؤال واحد، ما ذنوبكم أيها الإنس، ما ذنوبكم أيها الجن، لا، يسأل كل واحد بعينه، ما ذنبك يا جني، ما ذنبك يا إنسي ما ذنبك يا .. إلى آخره، وهذا الذي دعا المفسر أن يقول: "والجان هنا وفيما سيأتي بمعنى الجني" لأن السؤال فردي ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان)) فالسؤال إفرادي، يخلو الرب -جل وعلا- بعبده ويقرره، ويسأله ويحاسبه، وجاء في الحديث الصحيح: ((من نوقش الحساب عذب)) ((من نوقش الحساب عذب)) قالت عائشة -رضي الله عنها-: "وماذا عن قوله -جل وعلا-: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [(8) سورة الإنشقاق]؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ذلكِ العرض))، ((ذلكِ العرض)) يعني ما هو بحساب هو مجرد عرض على الله -جل وعلا- والله -جل وعلا- يعرض على العبد ويقرره ببعض ذنوبه ثم يسترها عليه ويغفرها له، "والإنس فيهما بمعنى الإنسي" {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(40) سورة الرحمن] قال: بعد ذلك: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [(41) سورة الرحمن] يعرف المجرمون بسيماهم: أشكالهم سود الوجوه، زرق العيون، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [(106) سورة آل عمران] والعيون زرق، وفي غاية البشاعة -نسأل الله السلامة العافية- كما أن غيرهم من المؤمنين المسلمين والمحسنين يعرفون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء، وهنا يقول: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [(41) سورة الرحمن] أي "سواد الوجوه وزرقة العيون" كما أنا المسلمين والمؤمنين يعرفون بسيماهم؛ لأنهم غر محجلون من آثار الوضوء.

{فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [(41) سورة الرحمن] الناصية: الجبهة، {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [(41) سورة الرحمن] يعني يجمع بين ناصية الإنسان المجرم هذا وقدمه فيلوى ويعصر بعضه على بعض حتى ينكسر ظهره -نسأل الله السلامة والعافية- فيقلى في جنهم، على هذه الهيئة، {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَام * ِفَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(41 - 42) سورة الرحمن] يقول: أي: "تضم ناصية كل منهم إلى قدميه من خلف أو قدّام ويلقى في النار" يعني فإن كان من خلف يجمع بين ناصيته وقدميه هذا لا شك أنه سوف ينكسر ظهره، وتختلف أضلاعه، وكذلك إذا كان من قدام سوف يحصل له ما يحصل -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا فيه زيادة نكال، وتعذيب لهذا المجرم، يلقى في النار، يسحب في النار على وجهه، بعد ذلك بعد أن يجمع بين ناصيته وقدمه ويقذف في نار تتلهب، نار فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً مثلاً، يعني ناركم التي توقدون منها جزء من سبعين جزء، فهل يستطيع الإنسان أن يصمد لهذه النار أو يقترب منها؟ لا يتقحم النار بس مجرد أن يقترب منها هل يستطيع أن يثبت ويصبر عليها؟ لا يستطيع، فكيف يصبر على نار فضلت على ناركم بتسعة وستين جزءاً؟ "ويقال لهم: هذه جهنم" يعني لما كان الخبر ما نفع، ينفع العيان وليس الخبر كالعيان، بعضهم لا يصدق بالخبر، وبعضهم يصدق بلسانه وفعله فعل المكذب، وهذا حال كثير من المسلمين، تجده يقرأ مثل هذه الآيات ولا تؤثر فيه، ويفعل المخالفات مع وجود مثل هذه الأمور المخوفة، المهولة التي قصها الله -جل وعلا- في كتابه.

"يقال لهم: هذه جهنم" يعني تقدير القول في كثير من المواضع في النصوص يحذف القول كما هنا "يقال لهم: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [(43) سورة الرحمن] هذه جهنم، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم} [(106) سورة آل عمران] يعني فيقال لهم: أكفرتم، وهنا: "ويقال لهم: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [(43) سورة الرحمن] كانوا يكذبون بها في الدنيا، لكن هل يستطيعون التكذيب إذا رأوها؟ هل يستطيعون التكذيب إذا رأوها؟ والخبر خبر الله -جل وعلا- كالمشاهد في القطعية، وجاءت الأخبار عن الأمم الماضية مما لم يرها النبي -عليه الصلاة والسلام- وقيل له: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] عبر عن هذه الأخبار القطعية بلفظ: الرؤية؛ لأنها مثلها في القطعية لا تردد فيها، لكن المجرم -نسأل الله السلامة والعافية- ومن كتب عليه الشقاوة لا يلتفت إلى مثل هذه الأخبار ولا يصدق بها، بل يكذب، "فيقال لهم: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [(43) سورة الرحمن] إذا كانوا لا يصدقون بالأخبار فهل لهم أن يكذبوا إذا عاينوا أو رأوا؟ وليس الخبر كالعيان. {يَطُوفُونَ} [(44) سورة الرحمن] يعني: "يسعون" والسعي هو الطواف، والطواف هو السعي، {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] يعني: يسعى بينهما، {يَطُوفُونَ} [(44) سورة الرحمن] يعني: "يسعون" {بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [(44) سورة الرحمن] جهنم وحميم، يعذب هنا ويعذب هناك، {يَطُوفُونَ} [(44) سورة الرحمن] يسعون مرة في الجحيم، ومرة في الحميم، بينما في المقابل من خاف مقام ربه له جنتان على ما سيأتي، مرة في هذه الجنة ومرة في هذه الجنة، {يَطُوفُونَ} [(44) سورة الرحمن] يقول: "يسعون بينها وبين حميم آن" يعني: "ماء حار" ماء حار، يطلبون الماء ثم يؤتون بماء حار، تسقط معه فروة الرأس، وجلدة الوجه، وما أشبه ذلك.

{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [(44) سورة الرحمن] "ماء حار ... شديد الحرارة، يسقونه إذا استغاثوا من حر النار" لأنهم يعرفون في الدنيا أن النار تطفأ بالماء، فيطلبون ماءً من أجل أن يتبردوا به، سواءً كان في داخل أجسامهم فيشربونه، أو خارج الأجسام التي لفحتها جهنم وأحرقتها ليطفئوا هذه النار، وحرارة النار بالماء. يقول: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [(44) سورة الرحمن] "شديد الحرارة، يسقونه إذا استغاثوا من حر النار" وآن، يقول: "منقوص كقاض" أصله آني كقاضي، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(45) سورة الرحمن] ثم بعد ذلك لما ذكر حال الأشقياء المجرمين ثنى بحال السعداء الأتقياء، {وَلِمَنْ خَافَ} [(46) سورة الرحمن] أي: "لكل منهم أو لمجموعهم"، {وَلِمَنْ خَافَ} [(46) سورة الرحمن] أي: "لكل منهم أو لمجموعهم"؛ لأن (من) تصدق على المفرد وتصدق على الجماعة، تقول: من قام .. أو من اجتهد نجح، ومن اجتهدوا نجحوا؛ لأنها تصدق على المفرد وتصدق على الجماعة، قال: {وَلِمَنْ خَافَ} [(46) سورة الرحمن] أي: "لكل منهم" كل فرد فرد له جنتان، يستقل بهما، "أو لمجموعهم" يجتمعون في جنة ثم ينتقلون إلى أخرى، جنتان للمجموع، ولذا يقول: "لكل منهم" باعتبار أن (من) للمفرد ويدل عليه الصلة (خاف) واحد، ما قال: لمن خافوا؛ ليكون للمجموع، ولمن خافوا مقام ربهم جنتان، هذا يرجح أن لكل واحد جنتان، {مَقَامَ رَبِّهِ} [(46) سورة الرحمن] يعني قيامه بين

يديه للحساب، لمن خاف مقام ربه أي: قيامه بين يديه للحساب، إذا خاف هذا المقام ثم ماذا بعد هذا الخوف؟ العمل بما أوجبه الله -جل وعلا-، والترك لما حرمه عليه، يعني المقصود بالخوف والرجاء الممدوحين في النصوص جاءت النصوص بمدحهما، الخوف والرجاء المقصود به الخوف الذي يحدو إلى العمل، والرجاء الذي يدعو إلى العمل، وإلا خوف بدون عمل ما يفيد، والرجاء بدون عمل اغترار، يقول: {مَقَامَ رَبِّهِ} [(46) سورة الرحمن] "قيامه بين يديه للحساب فترك معصيته" هذه الفائدة من الخوف، جنتان، لمن خاف مقام ربه جنتان، أهل العلم يتكلمون بكلام طويل في المراد بالجنتين في كلام لا دليل عليه، منهم من يقول: إن الجنة له خاصة به، وجنة لأزواجه وخدمه كما يفعله أهل الدنيا، ومنهم من يقول: هما جنتان يرتاح في إحداهما ثم ينقلب إلى الأخرى؛ لأن ملازمة المكان الواحد نعم ممل، وهذا في أمور الدنيا في أمر الدنيا ظاهر، تجد الإنسان في قصر فخم واسع جميل ثم بعد ذلك يضع له استراحة، إذا مل من هذا القصر ذهب إلى الاستراحة، وإذا مل من الاستراحة رجع إلى القصر، هذا في الدنيا واضح، لكن هل هناك ملل أو سأم في الآخرة في الجنة؟ لا، لكن التنويع في الجنة موجود، جنة فيها أنواع، وهي أيضاً نوع يختلف عن نوع الجنة الثانية، ولا شك أن هذا من زيادة الإكرام لمن خاف مقام ربه. {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(47) سورة الرحمن] ولا شك أن هذه من أعظم النعم، نعم الله -جل وعلا- وآلائه فلا يكذب بهما.

{ذَوَاتَا} [(48) سورة الرحمن] "تثنية ذوات"، {ذَوَاتَا}: "تثنية ذوات -على لفظها- على الأصل ولامها ياء" في الحاشية قال: تثنية ذوات على الأصل ولامها ياء، أي في تثنية ذات لغتان: الرد إلى الأصل فإن الأصل ذوية، فالعين واو واللام ياء؛ لأنها مؤنثة ذوى، والثانية التثنية على اللفظ فيقال ذاتان، الجمع ذوات، ذوات جمع ذات فإذا ثنينا الجمع قلنا: إيش؟ كما في الآية: {ذَوَاتَا} [(48) سورة الرحمن] ولا حاجة إلى ما قالوه، خلاص ثنيت على لفظها من غير رجوع إلى أصلها ومفردها، الذي يحتاج إلى الرد إلى الأصل والمفرد هو النسب، النسب هو الذي يحتاج إلى الرد إلى المفرد، وأما الجمع فلا يحتاج إلى رد إلى المفرد، قالوا: النسبة إلى الجمع شاذة، فيلزم على هذا رده إلى مفرده، فإذا أردت أن تنسب إلى الصحف تقول: صُحفي وإلا صَحفي؟ صُحفي شاذ لأنه نسبة إلى الجمع، ترده إلى مفردة فتقول: صحيفة، والأصل أن تقول: صحيفي، هنا لا نحتاج إلى رده إلى مفرده فنقول: {ذَوَاتَا} [(48) سورة الرحمن] كما قال الله -جل وعلا-، تثنية ذات على الأصل ولامها ياء. {أَفْنَانٍ} [(48) سورة الرحمن] يقول: "أغصان، جمع فنن كطلل" جمعه أطلال، ومنهم من يقول: إنه جمع فن، الأفنان جمع فنن، وهي أغصان الشجر، فيها أشجار كثيرة لها أغصان جميلة، يسير في ظلها المدد المتطاولة أو يقال: إنه جمع فن، والفن يقصد به النوع، ذواتا أنواع كثيرة، لا تخطر على قلب بشر، ولا يحيط بها وصف {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(49) سورة الرحمن]. {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [(50) سورة الرحمن] في هاتين الجنتين عينان {تَجْرِيَانِ} [(50) سورة الرحمن] يقول بعضهم: عينان تجريان لمن جرت عيناه بالبكاء من خشية الله وخوفه في الدنيا، وجاء في الحديث حديث السبعة: ((من ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) و ((عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)).

{فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ} [(50 - 52) سورة الرحمن] "في الدنيا أو كل ما يتفكه به" {زَوْجَانِ} "نوعان: رطب ويابس، والمر منهما في الدنيا كالحنظل حلو" {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ} [(52) سورة الرحمن] "في الدنيا -أي- كل ما يتفكه به" {زَوْجَانِ} يعني في فواكه الدنيا ما يوجد اسمه في الآخرة، وليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء كما قال ابن عباس، وإلا فالحقائق مختلفة، وإلا فالحقائق مختلفة، {زَوْجَانِ} "نوعان: رطب ويابس" إن كان التنوع بالرطوبة واليبوسة ففيه من الرطب وفيه من اليابس؛ لأن الإنسان قد يشتهي أحياناً رطب، وأحياناً قد يشتهي اليابس حتى في الدنيا، يعني لو نظرنا على سبيل المثال مثلاً التمر، العنب، التين، من أمور الدنيا تجد بعض الناس أو الإنسان نفسه في وقت يفضل الرطب، ويتيسر له هذا الرطب، لا سيما بعد وجود هذه الوسائل التي تحفظ هذه الأشياء السنة والسنتين وأكثر، وأحياناً يفضل اليابس، وهذا كله موجود في الآخرة، أحياناً يكون التين رطب، وأحياناً يكون يابس أفضل عند بعض الناس، وقد يكون عند الإنسان نفسه أحياناً يفضل هذا الرطب، وأحياناً يفضل اليابس، التمر أحياناً يفضل رطب، وأحياناً يفضل يابس، العنب أحياناً يفضل رطب، وأحياناً يفضل زبيب مثلاً وهكذا، "نوعان: رطب ويابس، والمر منهما في الدنيا كالحنظل حلو" حلو، الحنظل على مرارته يكون حلواً في الآخرة {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ} [(53 - 54) سورة الرحمن] "حال عامله محذوف أي يتنعمون" متكئين: والاتكاء إما الاضطجاع أو قريب منه على أحد الشقين أو التربع، كما جاء تفسير قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا آكل متكئاً)) يعني في الدنيا، لا يحسن الأكل متكئاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا آكل متكئاً)) يعني لا متربعاً لأن هذا يقتضي المزيد من الأكل والشره فيه، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يأكل مستوفزاً أو مقعياً أحياناً؛ لئلا يكثر من الأكل، بينما في الآخرة متكئين، يقول: {مُتَّكِئِينَ} [(54) سورة الرحمن] "حال عامله محذوف أي يتنعمون" أي:

يتنعمون {عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [(54) سورة الرحمن] {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} {عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [(54) سورة الرحمن] "ما غلظ من الديباج وخشن والظهائر من السندس" الظهائر من السندس، يعني إذا كان الناس في دنياهم يتخذون الفرش الناعمة وبقية حياتهم كما هو معلوم أرض تراب أو حصى أو ما أشبه ذلك، فكيف يكون الفراش في دار ترابها المسك؟ التراب مسك فيكف يتصور الفراش؟ يعني إذا كان الناس يتخذون الفرش الناعمة في دار ترابها إما التراب الملوث أو المكسو بالحجارة الضارة بالنسبة لمن وقع عليها، فيكف بدار ترابها المسك الأذفر؟! يعني كل هذا يهز القلوب، يجعل الإنسان يعمل لهذه الدار، أما نستمع الكلام ونتكلم بمثل هذا الكلام ونحن .. ، وهو مجرد أشبه ما يكون بالاستهلاك، يعني مجرد تمضية وقت، المتكلم لا يستفيد والسامع لا يستفيد، نحتاج في أنفسنا إلى إعادة نظر، كيف نتلقى هذه الأخبار من الله -جل وعلا-، وهذا الوعد منه، وهو لا يخلف الميعاد، ومع ذلك يبقى أمور وأمور لم تقص علينا، {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [(17) سورة السجدة] {عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [(54) سورة الرحمن] يقول: "ما غلظ من الديباج وخشن، والظهائر من السندس". {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ} [(54) سورة الرحمن] يعني ثمر الجنتين المعدتين لمن خاف مقام ربه، يعني مما يذكر أن شخصاً قال لامرأته هي طالق إن لم أكن من أهل الجنة، قال لزوجته: أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة، فسألوا فقال: لا تطلق زوجتك؛ لأنك ما جئت تسأل إلا لأنك خائف أن تقع على زوجتك وهي لا تحل لك، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [(46) سورة الرحمن] أنت خائف مقام ربك، لو أنت ما أنت بخائف ما جيت تسأل واستدل بهذه الآية، لكن الخوف في هذه المسألة هل يقتضي الخوف الدائم؟ لأنه قد يسأل يخاف، نعم في هذه المسألة ومع ذلك مرتكب للجرائم، ولا يخاف من الله -جل وعلا- لا في نفسه ولا في غيره، اللهم إلا إذا كانت حاله تدل على أنه بالفعل من أهل الخوف من الله -جل وعلا- فهذا ممكن.

{وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ} [(54) سورة الرحمن] ثمرهما {دَانٍ} يعني "قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع" يعني: جنى جنان الدنيا وبساتين الدنيا بعيد، يعني إن كان قريب من شيء صار بعيد عن شيء آخر، وإذا قرب من شجرة بعدت عنه الأخرى، وإذا كان يناله وهو قائم لا يناله وهو جالس، وإذا كان يناله وهو جالس لا يناله وهو مضطجع، وهنا: جنى الجنتين "دان: قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع" فلا كلف ولا عناء ولا مشقة، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(55) سورة الرحمن] والآلاء والنعم بعد هذه الآيات ظاهرة. {فِيهِنَّ} [(56) سورة الرحمن] يعني: "في الجنتين وما اشتملتا عليه من العلالي والقصور" مثل هذا يحتاج إليه لأنه قال: {فِيهِنَّ} ما قال: فيهما تثنية؛ لأن هاتين الجنتين وإن كانتا اثنتين إلا أن في كل واحدة منهما ما يستحق الجمع، فهي معادلة بل أعظم من جنان الدنيا كلها الواحدة منها، ولذلك قال: {فِيهِنَّ} في الجنتين، أما على قول من يقول: إن أقل الجمع الاثنين هذا ما عنده إشكال في مثل هذا، لكن الذي يقول: إن أقل الجمع ثلاثة يقول: كيف قال: {فِيهِنَّ} وهما جنتان؟ قال المفسر: {فِيهِنَّ} "في الجنتين وما اشتملتا عليه من العلالي والقصور". {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [(56) سورة الرحمن] "العين" {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} "العين على أزوجهن المتكئين من الإنس والجن" قاصرات الطرف، قصرت طرفها على زوجها، فهي لا ترى أن في الجنة من هو أحسن منه وأجمل وأكمل، قاصرات الطرف فيكون من باب إضافة .. ، من باب الإضافة إلى الفاعل أو إلى المفعول؟ إلى الفاعل، وعلى القول بأن قاصرات الطرف أنهن يقصرن أطراف أزواجهن فلا يلتفتوا إلى غيرهن فيكون من باب الإضافة إلى المفعول {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [(56) سورة الرحمن] يعني: "العين على أزوجهن المتكئين من الإنس والجن" سيأتي الفرق بين قاصرات ومقصورات، من الإنس والجن.

{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} [(56) سورة الرحمن] يعني: لم "يفتضهن وهن من الحور أو من نساء الدنيا المنشئات" {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} يعني: لم يفتضهن، أبكار، كلما جاء إليها وجدها بكراً، سواءً كانت من الحور أو زوجته أو أزواجه التي كن في الدنيا، ولو كن في الدنيا ثيبات يعدن أبكاراً، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} يعني: لم يفتضضهن سواءً كن من الحور أو من نساء الدنيا المنشئات التي أدخل عليهن من التغيير ما يجعلهن عرباً أتراباً. {إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [(56) سورة الرحمن] يعني: ما جامعهن ولا افتضهن قبلهم لا إنس ولا جن، وهذا يستدل به من يرى أن الجن يجامعون كما يجامع الإنس، وقد يجامع الجني إنسية، وقد يجامع الإنسي جنية؛ لأن الامتنان هذا على الإنس وعلى الجن، فنساء الإنس من الحور أو نساءهم اللواتي كن لهم في الدنيا لم يطمثهن يعني لم يجامعهن قبلهم لا إنس ولا جان، وكذلك نساء الجان سواءً كن من الحور أو نساؤهم في الدنيا لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، وبعضهم يقول: إن هذا يستحيل لا يمكن أن يجامع الجني إنسية ولا العكس؛ لأن خواص الإنس تختلف عن خواص الجن، طبائع الإنس تختلف عن طبائع الجن، خلقة الإنس تختلف عن خلقة الجن، والآية فيها دليل على أن الإنسي قد يقع على الجنية والعكس، ويذكر بعض القصص أن فلان من الناس تزوج جنية، ويذكر أيضاً في الأسئلة الآن يكثر أن المرأة الممسوسة قد لا يمكنها الجني من الصلاة حتى يقع عليها، هذا موجود في الأسئلة يعني، سئل عنه مراراً، فهذا يدل على الإمكان، وقالوا في بلقيس قالوا: إن أحد أبويها جني، فعلى كل حال مثل هذه الأمور كثرت الوقائع فيها، والأسئلة عنها، وذكر أيضاً من القصص والحوادث ما يدل على وجود مثل ذلك، وإن كان جمع من أهل العلم، الماوردي ينفي هذا نفياً قاطعاً، وغيره من المفسرين، والقرطبي بحث هذه المسألة في مواضع من تفسيره فليرجع إليه.

{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ} [(56 - 58) سورة الرحمن] صفاءً {وَالْمَرْجَانُ} أي: "اللؤلؤ بياضاً" {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [(56 - 58) سورة الرحمن] صفاءً {وَالْمَرْجَانُ} أي: "اللؤلؤ بياضاً" {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} منهم من يقول: الياقوت لونه أحمر، والمرجان أبيض، ومنهم من يقول العكس، فقد يقول قائل: هل اللون أبيض مشرب بحمرة؟ كونه أبيض هذا ما فيه إشكال، جاءت به النصوص، لكن الأخذ من هذين الوصفين الياقوت والمرجان قال بعضهم: إنه يمكن أن يكون أبيض مشرب بحمرة، مع أن الأحاديث تدل على أنهن بيض اللون، وفي قوله -جل وعلا-: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} [(49) سورة الصافات] يقول المفسرون: هو بيض النعام، بياض مشرب بصفرة لا بحمرة، وسواءً كان هذا أو ذاك فهن في غاية من الجمال والكمال بحيث لا يستطيع الإنسان تصور هذا الأمر، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [(59 - 60) سورة الرحمن] يعني (هل) قالوا: تأتي بمعنى (ما) النافية، هل وجدتم؟ هذا استفهام، يعني تأتي للاستفهام، لطلب الخبر والاستخبار، وتأتي نافية كما هنا: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [(60) سورة الرحمن] وتأتي بمعنى (قد) {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} [(1) سورة الإنسان] ولها معان تدرك من مغني اللبيب وغيره، (هل) هنا نافية بدليل الاستثناء {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ} [(60) سورة الرحمن] بالطاعة من قبل المكلف {إِلَّا الْإِحْسَانُ} من الله -جل وعلا- بالنعيم المقيم، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(61) سورة الرحمن]. ونقف على هذا، على قوله: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [(62) سورة الرحمن] والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة الرحمن (3)

تفسير الجلالين - سورة الرحمن (3) من آية: (62 - 78) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول: هل يبتدئ الطالب بالتفسير بالجلالين؟ وما أفضل طبعة له؟ وكذلك أفضل حاشية؟ أولاً: تفسير الجلالين معروف أنه متين، وفيه شيء من الوعورة والصعوبة، فإن كان المبتدئ يريد أن يقرأه على شيخ يحل له هذه الإشكالات لا بأس، وإلا فيقرأ قبله تفسير الشيخ ابن سعدي، أو تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، أفضل طبعة له على حد علمي، وما اطلعت عليه من الطبعات طبعة الشيخ أحمد شاكر، هذه طبعت في مجلدين قبل خمسين سنة أو أكثر، طبعت للمعاهد العلمية في مجلدين، لكنها هذه ليست موجودة، حتى ولا صورت، يعني من ظفر بها يستمسك بها، وإلا فالغالب أنها لا توجد، طبعة الشيخ صفي المباركفوري -رحمه الله-، جيدة، أفضل حاشية حاشية الجمل. يقول: لماذا سميت المعلقات بهذا الاسم؟ هل لأنها عقلت على الكعبة أم لا؟ لا، ما أدري ما يريد بالمعلقات؟ هل المراد المعلقات من القصائد المعروفة عند العرب المشهورة؟ أو المراد الأحاديث المعلقة فيما يبحث من معلقات البخاري أو معلقات مسلم؟ فلا بد أن يحدد المطلوب. يقول: في الآونة الأخيرة ظهر عندنا ظاهرة جديدة لم تكن من قبل تأتي بعض محطات البنزين بإعلان على المحطة عبئ بعشرة ريالات واحصل على علبة مناديل وكذل بالمضاعفة، مما حدا بعض الناس على اختيار المحطة التي تعطي أكثر أو مميزات أفضل، فهل هذا حلال أم حرام؟ هذا إذا لم يكن فيه غرر، يعني الإعلان يبن أن الذي يتعامل مع هذه المحطة يعطى شيئاً معيناً، محدداً هذا لا بأس به، لكن إذا كان أمراً مجهولاً فلا، هذا إذا لم يضر بالآخرين، إذا ضر بالآخرين بحيث تتضرر المحطات الأخرى فهذا الضرر لا بد من رفعه، وإلا فالأصل أنه لو قال: تعبئ بعشرة ريال نعطيك كرتون مناديل قيمته مثلاً نصف ريال مثلاً، كأنهم خفضوا لك في سعر البنزين.

يقول: نحن مجموعة نعمل في رابغ، ومقر إقامتنا في جدة، والمسافة بين جدة ورابغ مائة وستين كيلو، ونحن نسافر يومياً إلى رابغ من وقت صلاة الفجر، ولا نعود إلا بعد صلاة ... ما ذكر، يقول: لدينا عدة أسئلة: هل لنا أن نقصر ونجمع الظهر مع العصر بالرغم أننا نصل إلى جدة في الساعة الرابعة والنصف أي بعد صلاة العصر بقليل؟ إذا غلب على ظنك أنكم لا تدركون صلاة العصر مع الجماعة فلكم ذلك، لكم أن تجمعوا وتقصروا. أحياناً يكون العمل بعد الظهر بمعنى أننا نصلي العصر والمغرب والعشاء في العمل، فهل لنا أن نقصر العصر والعشاء؟ على كل حال إذا كان مقر العمل وطنتم أنفسكم على العمل في هذا المكان فهو محل إقامة، فهو محل إقامة، إذا كان في مقر الإقامة سواءً كانت هنا أو في رابغ لأن الإنسان قد يكون له أكثر من مقر إقامة، فمثل هذا تصلون مع الجماعة، يلزمكم إجابة النداء. هذه مسألة يعني الكلام فيها طويل جداً، والمناقشات والأدلة والردود يعني ما تنتهي في مثل جواب سريع في دقيقة أو دقيقتين مسألة الحجاب، هل حجاب الوجه واجب أو لا؟ المسالة معروفة عند أهل العلم، لكن الذي تدل عليه النصوص الصحيحة الصريحة أنه يجب تغطية الوجه من أوضح ما جاء من الأدلة قول عائشة في قصة الإفك في البخاري: "وكان يعرفني قبل الحجاب" لو كان الوجه مكشوف ما احتاجت إلى مثل هذا الكلام. ما حكم من حفظ القرآن ثم نسيه إما بسبب الذنوب أو الانشغال بالدنيا؟ جاء الوعيد الشديد في حق من حفظ القرآن ونسيه هذا إذا كان بإمكانه أن يراجعه، أما إذا كان نسيانه له بسبب ضعف لا يد له في الذاكرة، يعني ليس بسبب تفريط، إن كان بسبب التفريط هذا يأثم، وإن كان بسبب ضعف في الحافظة فهذا ليس بيده، ولا يأثم بسببه. يقول: علمنا من ترجمة بعض الأئمة أهل الحديث من القرون المفضلة بأن البعض وصف بالتشيع أو النصب أو غيرهما؟ الأئمة ما وصفوا بهذا، إنما وصف بعض الرواة، بعض الرواة منهم من وصف بالتشيع، ومنهم من وصف بالنصب. يقول: فهل يسوغ عذر المتأخرين ما يفعلون في الصحابة وهم يخالفون أصل متقرر عند أهل السنة بمثل ما عذر به الأولين نرجو التفصيل؟

أولاً: البدع كما هو معلوم متفاوتة، منها البدع الكبرى، ومنها البدع الصغرى، والحافظ الذهبي في مقدمة الميزان وضح ذلك توضيح على طالب العلم أن يراجعه فينكشف له هذا الأمر. هذا يقول: لو أعدتم تفسير قول الله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(13) سورة الرحمن]؟ يعني فبأي نعمه التي لا تعد ولا تحصى تكذبان يا معشر الجن والإنس. يقول: رجل يكفل عمال ويعطونه مبلغاً سنوياً دون أن يطلب منهم، ولم يتفق معهم على شيء .. ، معهم على ذلك مسبقاً فهل يحل له هذا المبلغ؟ إذا كانت نفسه تتشوف لهذا المبلغ بحيث لو قطع تغيرت معاملته لهؤلاء العمال، كان عنده تشوف فلا يجوز له أن يأخذ، وإن كانت نفسه لا تتشوف فيكون من باب المكافئة له من قبل هؤلاء العمال. هذا يقول: هل يجوز على شخص مسلم اسم ولكن فعل لا يعني ... ؟ -اضطراب هذا في الكلام- لا يصلي ولا يعمل شيء فقط يعمل المنكرات هل يجوز أن أقول له: أنت كافر؟ على كل حال التكفير مسألة خطيرة جداً، والعمل شرط صحة عند أهل السنة والجماعة، والمراد جنسه كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، فالذي لا يعمل شيئاً ليس لديه من الإيمان شيء. يقول: المعروف عند المحدثين أن المنافاة شرط في رد زيادة الثقة، ولكن هل هناك أمثلة لبعض الأئمة ممن رد زيادة الثقة وليس فيها منافاة لأصل الرواية؟ نعم زيادة الثقة إما أن تكون هذه الزيادة مخالفة لما رواه من هو أوثق منه، هذه التي يحكم عليها أهل العلم بالشذوذ ويردونها، إذا لم تكن هناك منافاة بأن تكون زيادة لا تتضمن منافاة لما يرويه الثقات هذه هي التي يتفق المتأخرون على قبولها، ونقل فيها الإجماع من قبل جمع من أهل العلم، لكن صنيع المتقدمين فيها يخضعونها للقرائن، يعني إن دلت القرائن على أنها محفوظة قبولها، وإن دلت القرائن على أنها غير محفوظة لم يقبلوها، هذه طريقة المتقدمين. يعني زيادة: ((إنك لا تخلف الميعاد)) ما فيها مخالفة، ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) أيضاً لا تقتضي مخالفة مع أن من أهل العلم من ردها، كثير من المتقدمين يردونها، وهي لا تتضمن مخالفة. يقول: أفضل كتاب في قصص القرآن لطالب العلم المبتدئ؟

هناك كتب كثيرة في قصص القرآن، لكن من أوثقها ما كتبه الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في أول البداية والنهاية. يقول: ما حكم من شك بالاحتلام ولم يدر ولم ير الأثر؟ إذا لم ير الأثر فلا غسل عليه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- علق وجوب الغسل على رؤية الماء. ما هو أكبر معين لطلب العلم؟ أكبر معين لطلب العلم أن تنظر في النصوص الواردة في فضل العلم، وأهل العلم، وتقرأ في سير العلماء وصبرهم على شدائد التحصيل، وتحسن تصلح النية، تصلح ما بينك وبين ربك. يقول: ما حكم تسمية الأولاد والبنات باسم أفنان، وجنى، وآلاء، وغير ذلك من كلمات القرآن؟ ما يظهر لي فيها شيء -إن شاء الله تعالى-. يقول: هل يرى الله -جل وعلا- في المنام؟ نعم، أهل السنة والجماعة كثير منهم يقرر أن هذه الرؤية ممكنة، رؤية المنام وقد حصلت للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وحصلت لبعض سلف هذه الأمة من الصحابة وغيرهم، هذا في المنام، وأما الكيفية التي يرى فيها الرب -جل وعلا- فالله أعلم بها. يقول: لقد سمعنا أن بعض العلماء جوز قراءة المرأة الحائض للقرآن، وأن تمس المصحف؟ جوزوا قراءة القرآن بالنسبة للحائض، وفرقوا بينها وبين الجنب بأن الجنب أمره .. ، الجنابة أمرها لا يطول بخلاف الحيض، والحيض ليس باليد، يعني لا تستطيع أن تتطهر منه حتى تطهر، بخلاف الجنابة فإن أمره بيده، الجنب أمره بيده، إذا اغتسل ارتفع الحدث عنه، فلا يقرأ القرآن وجاء الدليل على منعه، وجاء أيضاً: ((لا يقرأ القرآن جنب ولا حائض)) وعلى كل حال زيادة: "حائض" هذه محل كلام لأهل العلم، ومن منعها قال: هي أولى بالمنع من الجنب؛ لأن حدثها أكبر من حدث الجنب، وهذا هو الظاهر وهو المتجه، لكن من أهل العلم من يفتي الآن أن الحائض إذا خشيت نسيان القرآن أنها تقرأ القرآن، لكن لا تمس المصحف، ولا يمس المصحف إلا طاهر. هذا يقول: هل كلاً من الكتابان الآتيان في تفسير القرآن صحيح أم لا؟ -الخط سقيم جداً، فعلى صاحبه أن يعتني بخطه- يقول: تفسير ابن عباس المسمى: صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، يعني هل هي صحيحة أم لا؟

معروف الانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس معروف، فالصحيفة في الجملة من خلال إسنادها ضعيفة، لكن يبقى أن أهل العلم اعتنوا بها، واعتمدوا عليها، حتى أن البخاري قد ينتقي منها، قد ينتقي منها. تفسير غريب القرآن، أو غريب القرآن وتفسيره لعبد الله بن يحيى اليزيدي، تحقيق محمد سليم؟ ما أعرفه. يقول: هل الدعاء الوارد بين الأذان والإقامة مخصوص بالوقت أم بالمكان؟ هو مخصوص بالوقت بين الأذان والإقامة، وإن كان من منتظر للصلاة فهو أحرى بالقبول. ما حكم تشبيك الأصابع؟ تشبيك الأصابع في الصلاة يطلقون فيه الكراهة، وكذلك قبل الصلاة إذا قصد الصلاة لأنه في صلاة، وأما بعد الصلاة فلا شيء فيه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث اليدين في الصحيحين: شبك بين أصابعه. يقول: لماذا جمعت السماوات ولم تجمع الأرض بقوله: أرضين؟ هذا محل كلام طويل لأهل العلم، وهل الأرضين متعددة كالسماوات سبع؟ يعني أصرح ما في ذلك {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق] يعني جمع السماوات وكونها سبع هذا نصوص قطعية، لكن الأرض ليس فيها نص قطعي في أنها سبع، إلا ما كان من قوله -جل وعلا-: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق] وأيضاً ((لو أن السماوات السبع في كفة والأرضين السبع في كفة)) وأدلة أخرى، لكن جمع الأرضين ليس بقوة جمع السماوات. يقول: رجل اقترض مالاً من رجل، لكنه يعمل في البنك، لما أرجع له المال ترك له نصيب منه، يسأل حكم أخذه لهذا المال؟ رجل اقترض مال من رجل، لكنه يعمل في البنك، يعني المقرض أو المقترض؟ الذي يظهر أنه المقرض، يعني المقرض يعمل في البنك، فهل يجوز أن أقترض منه أو لا؟ يقول: رجل اقترض مالاً من رجل لكنه يعمل في البنك، لكن لما أرجع له المال ترك لي يقول: تصيب منه، أو نصيب، يقول: يسأل عن حكم أخذه لهذا المال؟

حقيقة وضوح السؤال يعين على وضوح الجواب، وضوح السؤال يعين على فهمه ثم الجواب بالجواب المناسب، أحياناً ما يكون هناك وضوح في السؤال، ويقع في الجواب شيء من عدم المطابقة، فالمرجو لمن أراد أن يسأل أن يوضح سؤاله وأن يكتبه بكتابة صحيحة، هذا فيه كم من خطأ الآن؟ مع أنه كتابة آلة، على كل حال إذا كان المقصود أن المقرض يعمل في بنك وأردت أن تقترض منه، النبي -عليه الصلاة والسلام- اقترض من اليهودي، وتعامل معهم، فعلى كل حال هذا الأمر فيه .. ، يحتاج إلى شيء من التفصيل؛ لأن مثل هذا إذا كان الاقتراض منه يجعله يستمر في عمله بالبنك، وأن ماله لا شبهة فيه، بدليل أن فلان الورع اقترض منه، فهذا يجتنب، وأما إذا كان مع بيان أن عمله في البنك لا يجوز، وأن المسألة حاجة تدفع بأي شيء، بخلاف هديته، إذا أهدى إليك، أو دعاك إلى وليمة النبي -عليه الصلاة والسلام- أضافه اليهودي على خبز شعير وإهالة سنخة، فهذا الذي ماله أكثره محرم مثل هذا لا تجاب دعوته، لماذا؟ لأنه مسلم يتدين بتحريم هذا المحرم، بخلاف اليهودي الذي يتعامل بالربا ولا يرى فيه شيئاً. يقول: ما حكم من قصر على والده في النفقة حيث لا يجد إلا ما أعطاه أن يعطيه بحسب ما عنده، أي يعطيه بحسب ما عنده؟ وما حكم من رفع صوته لتعليم أبيه حيث أنه ثقيل السمع؟

أما كونه يقصر على والده في النفقة لأنه لا يجد أكثر مما يعطي، هذا لا يلام، لا يلام {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] يعطيه مما يجد، وأما كونه يرفع صوته لتعليم أبيه حيث أنه ثقيل السمع وهذا أيضاً لا يضره، هذا أيضاً لا يضره، ولما نزل قول الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} [(2) سورة الحجرات] ثابت بن قيس بن شماس خطيب ومعروف أن الخطيب يحتاج إلى رفع الصوت بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما نزلت الآية أوثق نفسه في بيته وقال: إنه لن يخرج لأن عمله حبط، فقده النبي -عليه الصلاة والسلام- وسأل عنه، سأل عنه، قالوا: إنه لما نزلت هذه الآية قال: إن عمله حبط؛ لأنه يرفع صوته فوق صوت النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: إنه ليس من أهل هذه الآية، وأن يبشروه بالجنة؛ لأن الخطيب يحتاج إلى رفع الصوت، الخطيب يحتاج إلى رفع الصوت، فإذا احتيج إلى رفع الصوت فإنه لا يدخل في مثل هذا. يقول: هل ثبت قول: "ما شاء الله" لما يعجب به المرء، والمعلوم لدي هو التبريك لكن يكثر على ألسنة الناس قولهم: "ما شاء الله"؟ هذا منصوص عليه في سورة الكهف، {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ} [(39) سورة الكهف] ما فيها إشكال -إن شاء الله-. يقول: ما حكم حجز الأماكن في الصف الأول في المسجد؟

حجز المكان لشخص خارج المسجد هذا لا يجوز؛ لأن المسجد كغيره من الأماكن المباحة وهي لمن سبق، ولا يجوز له أن يقيم ولده من مكانه ليجلس فيه، فلا يجوز الحجز في المساجد، لكن إذا كان موجود داخل المسجد وانتقل إلى مكان أرفق به، أو أبعد عن التشويش ليقرأ أو ليصلي له ذلك؛ لأنه سبق إلى هذا المكان، وكذلك إذا كان قد تقدم إلى المسجد ثم خرج من المسجد ليعود إليه قريباً فهذا أيضاً لا يؤثر، والحجز يحصل كثيراً ويحصل بسببه نزاع ومشاكل، وفي المسجد الحرام يحصل قضايا كثيرة، يعني لا سيما في الليالي الفاضلة في أوقات الزحام، الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر، تجد الناس يحجزون ويتزاحمون ويتشاجرون وقد يتضاربون، مع أن الحجز أشير إليه بقوله -جل وعلا-: {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} [(25) سورة الحج] يعني العاكف في المسجد المقيم في المسجد لا يختلف حكمه عن حكم البادي الذي جاء ليصلي فريضة واحدة ثم يرجع، لا فرق، فليس هذا بأولى من هذا، ثم قال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [(25) سورة الحج] دل على أن هذا إلحاد، وأمره خطير، وتجد بعض الناس يعني حصل قضايا في المسجد الحرام شاهدناها وشاهدها غيرنا يجعلون بعض الناس الذين لا يحسنون التعامل مع الآخرين يحجزون لهم بأجرة وتجد هذا الأجير مستعد يضارب عند هذا المكان، وسمعنا وسمع غيرنا في آخر لحظة من رمضان من حصل منه شيء من ذلك، وقالوا: إننا بعد خروج رمضان نتواعد في مكان خارج الحرم ليتضاربون، وهذا في صحن الحرم يعني، لا شك أن هذا خلل، خلل في .. ، يعني الإنسان قد يفقه المسألة، ويرى أن التقدم والقرب من الإمام والقرب من الصف الأول يفقهها ويعرف نصوصها، لكن كيف يطبق هذا الفقه؟ هذا الذي يخفى على كثير من الناس، وهذا هو المهم، تجد بعض الناس يعرف أن التراص في الصف مطلوب، ويحرص عليه أشد الحرص، ويعرف أن الصحابة كان بعضهم يلصق العقب بالعقب، ثم بعد ذلك يؤذي الناس، وبعضهم لا يقتنع حتى يطأ رجل الآخر ليتأكد هل هو ألصق أو ما ألصق؟ مما جعل الطرف الآخر المقابل ينفر نفرة شديدة، ويجعل هناك فرجة ثم يتبعه الآخر ثم يحتاج إلى أن يدافع عن نفسه، ووجد

يعني أمور يندى لها الجبين، يعني وجد من ضغط على إصبع جاره، ووجد من يربي ظفر، المسألة مسألة فقه، فقه التطبيق هذا مطلوب، بعض الناس يؤذي وهو لا يشعر، بعض الناس نفور، لا يستطيع أن يصبر على أن تمس رجله أو توطأ رجله، يكون حساس جداً، وإذا كان واحد من طلاب العلم قطع الصلاة لوجود خيط نازل من ثوبه يتردد على رجله، بعض الناس عنده حساسية شديدة في هذا الباب، فالمعاملة مع الناس لا بد أن تكون بالرفق واللين، والتطبيق للسنن لا بد أن يكون أيضاً عن فقه. هل من يتصور يأخذ نفس إثم المصور؟ القاعدة عند أهل العلم أن ما حرم أخذه حرم دفعه، ما حرم أخذه حرم دفعه، تقول: والله هذا آكل ربا، نقول: أنت موكل ربا ((لعن الله آكل الربا وموكله)) قال: أنا ما أكلت ربا، أنت موكل ربا، فأنت ما صورت بنفسك إنما صورت ومكنته أنت شريكاً له بالإثم، وأنت معين له على هذا الإثم. هذا جاء التوضيح يقول: ما سبب تسمية المعلقات القصائد بهذا الاسم، نقصد القصائد التي رواها العرب؟ يعني المعلقات العشر أو السبع المعروفة من معلقة امرئ القيس وغيره، هذه كانت تعلق على الكعبة، كما هو معلوم، سببها أنها تعلق على الكعبة. هذا يقول: دروسكم في التفسير قليلة مع حاجتنا الماسة لها، ليتكم خصصتم درساً أسبوعياً في التفسير؟ إحنا عندنا درسين في الأسبوع في التفسير من خلال تفسير القرطبي، تفسير القرطبي الآن بدأنا به منذ خمسة عشر عاماً، من سنة ثلاثة عشرة بعد الأربعمائة والألف ووفقنا على يس الآن، يعني أنهينا منه أربعة عشر جزءاً وبقي ستة منه، لكن طريقة الشرح والتعليق على تفسير القرطبي تختلف عن طريقة التعليق على تفسير ابن كثير أو تفسير الجلالين، يعني كل كتاب يتعامل معه على حسب طبيعته، تفسير القرطبي تفسير مبسوط، يعني لو عومل مثل تفسير الجلالين إيش يكفيه؟ هو بقدر الجلالين عشرين مرة، فلا يمكن أن يشرح مثل تفسير الجلالين، وعلى كل حال إننا بدأنا في تفسير الجلالين بسورة الفاتحة وأخذنا ورقتين من سورة البقرة، ثم توقف العمل به، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى المفصل، بدءاً من الحجرات. يقول: كيف يؤصل طالب العلم نفسه في تفسير كتاب الله؟

عرفنا أن التفسير كغيره من العلوم ألف فيه التفاسير المختصرة للمبتدئين، والمتوسطة للمتوسطين، والمطولة للمنتهين، ومن راجع أشرطة سميت: كيف يبني طالب العلم مكتبته؟ يجد شيء من هذا التدرج في العلوم كلها. يقول: هل تربية الشعر من السنة؟ وهل لبس العمامة من السنة؟ وما هي صفتها؟ وهل لبس الخاتم من السنة؟ هذه كلها ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما بالنسبة للشعر فلم يكن يحلق شعره -عليه الصلاة والسلام- إلا في النسك، لكن الحلق ثابت، أمر بحلق شعر أولاد جعفر لما استشهد، وقال لمن رآه حلق بعض شعره وترك البعض: ((احلقه كله أو دعه كله)) فدل على جواز الحلق، مع أنه جاء أن الحلق من سيما الخوارج، من سيما الخوارج، لكن ليس معناه أنه من سيماهم أنه لا يجوز، يجوز، يعني من سيماهم العناية بالصلاة وقراءة القرآن وغيرها من العبادات ((تحقرون صلاتكم مع صلاتهم)) نقول: الصلاة لا تجوز؟ لا، قراءة القرآن أيضاً من سيماهم، على كل حال مثل هذه مطلوبة وإن كانت من .. ، يعتنون بها، وعرفوا بها، فالشعر على كل حال إذا لم يكن لم يبق من السنن غيره، يعني إذا دلت القرائن على صدق المتخذ له، فلا شك أنه سنة، ولولا أن له تعب وله مئونة كما قال الإمام أحمد، لكان اتخاذه سنة، لكنه متعب، الشعر متعب، يحتاج إلى عناية، يحتاج إلى خدمة، يحتاج إلى دهن، ويحتاج إلى ترجيل، فلمشقته .. ، لكن إذا دلت القرائن على صدق المتخذ، أما شخص يحلق لحيته ويربي شعره، نقول: أبداً أنت ما اقتديت بمحمد -عليه الصلاة والسلام-، أنت تقتدي بمن تراه من الكفار -نسأل الله العافية-؛ لأنهم يربون شعورهم. هل لبس العمامة من السنة؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لبس العمامة، وتركها يعني يعتم أحياناً، ويتركها أحياناً، ومع ذلك اللباس عموماً عند أهل العلم عرفي يخضع للعرف، فإن كنت في بلد يلبس العمامة فهي سنة، وإن كنت في بلد لا يلبس العمامة ولا يلبسها إلا أنت فهي لباس شهرة، على أنه جاء أن: ((صلاة بعمامة خير من سبعين صلاة)) وهو حديث ضعيف.

لبس الخاتم من السنة، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يلبس الخاتم، اتخذ خاتم من ذهب ثم رماه، ورمى الصحابة خواتمهم، اتخذ خاتماً من ورق يعني من فضة لما قيل له: إن فارساً لا تقرأ إلا كتاب مختوم فاتخذه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالسبب يدل على أنه سنة لمن يحتاجه، لمن يحتاجه لختم الأوراق ويعتمد أوراقه الرسمية به، أما من لا يحتاجه فسبب اتخاذه يدل على أنه لا حاجة له ولا داعي له، فلا يدخل في السنة. يقول: أين بلغتم في شرح كتاب: (المحرر) بمكة؟ وما هي مواعيد الدرس؟ ما زلنا في صفة الصلاة، وآخر حديث يعني وقفنا عليه: "الهوي إلى السجود" في حديث أبي هريرة وحديث وائل كما هو معروف. يقول: هل الرجل إذا اقترض من آخر سواءً قريب أم زميل هل يقبل هديته والعكس؟ إذا كانت هذه الهدية في مقابل أو بسبب القرض وهذا معروف عند الطرفين فهذا من القرض الذي جر نفعاً لا يجوز، وإن كان من باب حسن القضاء يعني رجع عليه المبلغ، اقترض منه ألف فأعاده إليه ومعه كتاب، هذا لا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- اقترض بكراً، ورد خياراً رباعياً، فهذا من حسن القضاء. يقول: كنت أستعمل الغش في الاختبارات الدراسية، والآن من الله علي بالاستقامة والتوبة هل أذهب إلى الأساتذة في المواد التي غششت فيها وأخبرهم أني غششت أم ماذا أفعل؟ وما حكم شهادتي وعملي بهذه الشهادة؟ أولاً: هذه خيانة لا شك، هذه خيانة لنفسك ولغيرك، لكن إذا تم هذا الأمر في أمر يسير، يعني ما بنيت الشهادة كلها على الغش، يعني تخلل الاختبارات شيء يسير جداً، لا يخل بالنجاح، يعني قدر زائد على درجة النجاح، يعني أنت لو ما غشيت أخذت درجة النجاح، غشيت تأخذ درجة أعلى، فمثل هذا تجبه التوبة، أما إذا كان له أثر في النجاح الرسوب فلا بد من إخبار المسئولين عن هذا. يقول: إني شاب محب للعلم الشرعي بشكل كبير جداً، وعندي رغبة قوية في طلبه لكن في بعض الأحيان أسمع من يقول لي: إني لا أملك مؤهلات العالم الرباني الذي سينتفع الناس بعلمه في المستقبل القريب؟

أنت ابذل السبب، عليك بذل السبب، وأما النتيجة فبيد الله -جل وعلا-، فقد تطلب العلم سبعين سنة ثم يكتب لك شيء، قد تستفيد أنت فائدة قليلة من هذا العلم، لكن غيرك لا يستفيد منه، وقد تطلب العلم في مدة يسيرة ثم بعد ذلك يكتب لك القبول، والقبول وانصراف وجوه الناس إليك ليس هذا بهدف؛ لأن من طلب العلم ليصرف وجوه الناس إليه جاء الوعيد الشديد في حقه، أنت تطلب العلم بنية صالحة لأنه مما يبتغى به وجه الله، ومن أمور الآخرة المحضة التي لا تقبل التشريك، تطلب العلم بنية تحقيق العبودية التي من أجلها خلقت على مراد الله -جل وعلا-، وعلى ضوء ما جاء عنه وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك تسعى لإخراج الناس من الظلمات إلى النور. يقول: هل يعتبر التصوير الفوتوغرافي بالجوال تغير في خلق الله؟ إيش تغير؟ لا هو مضاهاة لخلق الله، الذي علل به النهي عن التصوير، على كل حال التصوير الفوتوغرافي سواءً كان بالجوال أو بالكاميرا أو غيرهما من الآلات داخل في نصوص التصوير. يقول: ورد في قصة المرأة التي طلقها زوجها ثم تزوجت بآخر، وأنها أرادت أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)) وورد في ألفاظ أخرى للحديث: أن الرجل الثاني قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "والله إني لأنفضها نفض الأديم" فصرح الرجل بأنه جامعها، فلماذا لا تعود لزوجها؟ هي أرادت الرجوع إلى زوجها الأول؛ لأن الثاني كما جاء في بعض الروايات: "إنما معه مثل هدبة الثوب" يعني ضعيف، ضعيف لا يستطيع أن يطأ، فمثل هذا لا يكفي، لا يحللها لزوجها الأول، حتى يذوق العسيلة، حتى يتم الجماع. في صيام القضاء عن الميت هل يشترط أن تكون النية مبيتة أم يكفي أن تكون عامة؟ هذا الصيام معروف أنه لا يقضى عنه إلا ما نذره على نفسه، والنذر واجب، والواجب يجب له تبييت النية. يقول: قرأت في بعض الكتب أنه لا يجوز إطلاق لفظ: كوكب على الأرض فهل هذا صحيح؟ هذا لا أدري ما مستند المنع، لا أدري ما مستند المنع، إلا أن الكوكب إذا أطلق يعني في النصوص الشرعية إنما ينصرف إلى النجوم.

لماذا نصبت السماء في قوله تعالى: {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا} [(7) سورة الرحمن]؟ نصبت بفعل محذوف يفسره المذكور، ورفع السماء رفعها. وأيضاً يقول: ألا يدخل الجن في قولنا: حيوان ناطق؟ المقصود بالحيوان الذي يعيش على ظهر الأرض وتتعامل معه، وإلا فالملائكة ينطقون، والحيوان من الحياة. نكتفي بهذا القدر. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [(62) سورة الرحمن] {وَمِن دُونِهِمَا} "أي الجنتين المذكورتين" في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [(46) سورة الرحمن] دون "الجنتين المذكورتين {جَنَّتَانِ} أيضاً لمن خاف مقام ربه" له جنتان، وله أيضاً من دون هاتين الجنتين جنتان أخريان، هذا على كلام المؤلف؛ لأنه يقول: {وَمِن دُونِهِمَا} [(62) سورة الرحمن] "أي الجنتين المذكورتين {جَنَّتَانِ} أيضاً لمن خاف مقام ربه" فيكون لمن خاف مقام ربه أربع جنان، أربع جنان، ومنهم من يقول: لا، من خاف مقام ربه له الجنتان الأوليان، ومن دونهما جنتان لمن هو دونه في المنزلة، حتى قيل: إن الجنتين الأوليين للمقربين، والجنتين الآخرين لأصحاب اليمين، على ما فصل في سورة الواقعة؛ لأن المحسن .. ، أولاً: طبقات الناس الملتزمين بالتكاليف يعني ممن هم في دائرة الإسلام منهم المحسن، ومنهم المقتصد، ومنهم الظالم لنفسه، الطبقة الأولى والثانية أهل الإحسان، وأهل الاقتصاد، الإحسان الذين يفعلون الواجبات والمستحبات، ويتركون المحرمات والمكروهات، الطبقة الثانية: المقتصد الذي يفعل الواجب ويترك المحرم، والظالم لنفسه الذي يخل بالواجب وقد يرتكب محرم، هؤلاء طبقات المكلفين من المسلمين.

ابن القيم -رحمه الله- فصل هذا تفصيل دقيق وبديع في (طريق الهجرتين) وتكلم بكلام مفصل، ومنهج واضح للطبقة الأولى والثانية ممن سماهم المقربين والأبرار، والمقربون لا شك أنهم أفضل من الأبرار، ورسم المنهج الذي يسير عليه المقربون، والمنهج الذي يسير عليه الأبرار، فجعل المقربين طبقة عليا، يليق بهم الجنتان الأوليان {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [(46) سورة الرحمن] من دون هاتين الجنتين جنتان أخريان، دونهما في المنزلة، يعني أقل منهما في المستوى المؤلف يرى أنها أيضاً لمن خاف مقام ربه، والجمهور على أن الجنتين الأوليين للمقربين، والأخريين لأصحاب اليمين يعني الأبرار، على أن من أهل العلم من يرى أن الجنتين الأخريين أفضل وأعلى من الجنتين الأوليين، يعني الجمهور على أن الجنتين الأوليين أفضل وأعلى منزلة وأكثر إكرام لأصحابهما من الجنتين الأخريين، هذا قول جماهير المفسرين؛ لأنه قال في الأخريين: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [(62) سورة الرحمن] دونهما يعني في المنزلة، قول آخر في المسألة وهو مروي عن الضحاك ومقاتل والترمذي الحكيم -يفرق بين الترمذي هذا الحكيم صاحب نوادر الأصول، وبين الترمذي صاحب الجامع المعروف- ويرجحه الزمخشري أن الجنتين الأخريين أفضل من الجنتين الأوليين، طيب "من دونهما"؟ إيش معنى: "من دونهما" عند هؤلاء؟ نعم هي غيرهما، لكن كيف نقول: "من دونهما"؟ إذا قلت: هذا دون هذا يعني أنه أقل إما في المكان أو في المكانة، إما في المكان أو في المكانة، هم يقولون: نعم هاتان الجنتان الأخريان دون الجنتين الأوليين بالنسبة إلى العرش، يعني أقرب إلى العرش من الجنتين الأخريين، فهما أفضل منهما، والقرطبي ذكر مقارنة بين الجنتين الأوليين والأخريين، وكذلك الحافظ ابن كثير مقارنة من وجوه متعددة، وكلها تدل على أن الجنتين الأوليين أفضل وأعلى وأسنى من الجنتين الأخريين.

يقول: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [(62) سورة الرحمن] إذا كانت الجنتان الأوليان لمن خاف مقام ربه فهل الجنتان الأخريان لمن لم يخف؟ كلاهما يخاف، كلاهما يخاف مقام ربه، كلاهما يخاف مقام ربه إلا أن الخوف درجات كما أن النعيم درجات، والجنات درجات، وكلاهما يخاف مقام ربه، فالجنتان الأوليان لمن هو أعظم خوفاً من الله -جل وعلا-، من أصحاب الجنتين الأخريين، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(63) سورة الرحمن] يعني مع هذه الجنات المشتملة على النعيم المقيم التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بشيء من هذه النعم التي قصها الله علينا في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- بشيء من هذه النعم نكذب معاشر الجن والإنس. {مُدْهَامَّتَانِ} [(64) سورة الرحمن] مدهامتان: يقول: "سوداوان من شدة خضرتهما" مدهامتان: سوداوان من شدة خضرتهما، يعني جمعن ثلاثة ألوان: الأدهم والأسود والأخضر، يمكن يتصور مثل هذا؟ الأدهم ما لونه؟ هاه؟ أسود؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الأزرق الغامق؟ طالب:. . . . . . . . . الأدهم، على كل حال هو اللون الداكن الغامق سواءً كان أصله عند التحديد أزرق أو أخضر أو بني يسمى أدهم، الخيل الدهم معروف أنها التي تميل إلى السواد وإن كان لونها يميل إلى اللون البني، "مدهامتان: سوداوان من شدة خضرتهما" الأخضر الغامق الداكن من بُعد يسمى أسود، وأحياناً يشك الإنسان هل هذا اللون أسود أو أخضر أو بني أو كحلي لشدة خضرته أو زرقته، ومن ذلك يقال: سواد العراق، سواد العراق، يسمى السواد لكثرة الزرع فيه، والزرع يتفاوت لونه خفةً وقوة، فإذا أكثر عليه الماء زادت خضرته، وصار لونه أخضر غامق، إذا خفف عليه الماء خف لونه، إذا ضعف عنه الماء خف لونه إلى أن يصير أصفر، هاتان الجنتان مدهامتان خضرتهما شديدة الخضرة، قريبة من السواد، وذلكم لأن العناية بما فيهما من أشجار العناية تامة، عناية إلهية، ولذا قال بعد ذلك: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [(66) سورة الرحمن] سوداوان من شدة خضرتهما {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(67) سورة الرحمن] هذا على ما تقدم.

{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [(66) سورة الرحمن] "فوارتان بالماء" لا ينقطعان، فوارتان بالماء لا ينقطعان، في عندنا النضح، وفيه أيضاً النضخ، وفي الجنتين الأوليين عينين تجريان، عندنا النضح اللي هو مجرد الرش، نعم يعني انضح فرجك وتوضأ مجرد رش هذا، النضخ أقوى، أقوى، فيه قوة، وفيه فوران للماء، والجري أشد، وهذا من الأوجه التي رجح بها أكثر المفسرين الجنتين الأوليين على الأخريين. {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [(66) سورة الرحمن] "فوارتان بالماء" لا ينقطعان، الذين يقولون أهل القول الثاني: إن الجنتين الأخريين أفضل من الجنتين الأوليين أيضاً يستمسكون بهذه الآية، {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [(66) سورة الرحمن] "فوارتان بالماء" الماء إذا فار بقوة يقف وإلا يجري؟ يجري، الماء قد يجري من غير فوران، قد يجري من غير أن يرتفع فوق ثم ينزل ليجري، وهذا في الماء المحسوس في الدنيا، وأما ما كان في الآخرة مما ذكره الله -جل وعلا- في الجنات فالأمر يختلف، لا نستطيع أن نقيس مثلاً على هاتين العينين النضاختين الفوارتين على النوافير اللي عندنا، لا؛ لأن أصل القياس ما هو بوارد، يعني أنهار تجري ومن غير أخدود تجري، سبحان ممسكها عن الفيضان، بينما إذا زادت مياه الدنيا فاضت على الناس وأتلفتهم وأتلفت زروعهم، مما يرجح به الجنتان الأخريان عند من يقول بذلك أن فيهما عينان نضاختان، فوارتان بقوة، ثم بعد ذلك يحصل الجري تبعاً لذلك، وهناك: عينان تجريان، عينان تجريان، ولا يلزم من ذلك أن تكونا فوارتين، لا ينقطعان {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(67) سورة الرحمن] كما تقدم.

يقول بعد ذلك: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [(68) سورة الرحمن] "هما منها، وقيل: من غيرها" هما يعني النخل والرمان منها يعني من الفاكهة، وقيل: من غيرها، {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [(68) سورة الرحمن] أولاً: فاكهة ونخل ورمان هذه نكرة في سياق الإثبات، نكرة في سياق الإثبات يقول الحافظ ابن كثير: إنها لا تعم، نعم النكرة في سياق النفي، النكرة في سياق النهي، في سياق الشرط تعم، لكن في سياق الإثبات، لا، وهنا نكرة في سياق الإثبات، ونص الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: على إنها لا تعم، لكن أهل العلم في كتب الأصول يذكرون هذه الآية مثال للنكرة في سياق الامتنان، فهي تعم، يعني من صيغ العموم النكرة في سياق الامتنان فهي تفيد العموم.

{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [(68) سورة الرحمن] فاكهة كلها نكرات، فاكهة ونخل ورمان، وفيها عطف، يعني عطف الرمان على النخل يدل على المغايرة وإلا الموافقة؟ يعني هل الرمان هو النخل؟ العطف يدل على المغايرة، عطف النخل والرمان على الفاكهة يدل على المغايرة وإلا لا؟ يدل على أن النخل والرمان غير الفاكهة أو من الفاكهة؟ الأصل في العطف أنه يدل على المغايرة، ولذلك أورد الاحتمالين، فيهما فاكهة ونخل ورمان، هما يعني النخل والرمان منها يعني من الفاكهة، وقيل: من غيرها، يعني من غير الفاكهة، أما بالنسبة للنخل الذي نتاجه التمر، فالعرف على أن الفاكهة غيره، على أنه ليس بفاكهة، وأما الرمان فالعرف يدل على أنه من الفاكهة، مع أن ابن القيم يثبت أن النخل فاكهة، يعني يتفكه به ما دام رطباً، ضرب من الفاكهة، وعلى كل حال سواءً قلنا: إنها من الفاكهة أو من غير الفاكهة الخلاف يظهر في الأيمان والنذور الأيمان والنذور، وأيضاً في العتق والطلاق، إذا قال لعبده: إن أحضرت لي فاكهة فأنت حر، فأحضر له تمر، أو أحضر له رمان، يعتق وإلا ما يعتق؟ هذا محل أو فائدة الخلاف هل هو فاكهة وإلا ليس بفاكهة؟ أحضر له رمان، إن أحضرت لي فاكهة فأنت حر، أحضر رمان، أو قال لزوجته: إن أكلت فاكهة فأنت طالق، فأكلت تمر، تطلق وإلا ما تطلق؟ أو أكلت رمان؟ هذا محل أو هذه فائدة الخلاف، ولكن مثل هذه الأمور إنما مردها إلى العرف، الأيمان والنذور مبناها على الأعراف، مبناها على العرف، يعني إذا قلنا مثلاً: إن الشعر والظفر في حكم المنفصل، في حكم المنفصل، هذه قاعدة معروفة عند أهل العلم، وبحثها الحافظ ابن رجب في قواعده هل الشعر والظفر من المتصل أو من المنفصل ورجح أنها من المنفصل، ثم بعد ذلك قال: لو حلف ألا يمس شاة فوضع يده على ظهرها يحنث وإلا ما يحنث؟ هو مس الشعر ما مس الشاة، العرف بين الناس مس شاة وإلا ما مس شاة؟ مس شاة، مس شاة في عرف الناس، فحينئذٍ يحنث؛ لأن الأيمان والنذور مبناها على الأعراف، وكذا لو قال: والله أنا ما قصدت التمر، أحضرت تمر قال: أنا قصدت فاكهة تفاح برتقال، موز وما أشبه ذلك، يقبل، لكن أيضاً العرف لو أحضرت رمان قال: ما قصدت،

نقول: عرفك يا أخي أن الرمان من الفاكهة، فأنت قاصد سواءً شئت أم أبيت، فمثل هذه الأمور تختلف من بيئة إلى بيئة ومن جيل إلى جيل فمردها إلى الأعراف، ولذلك قال: هما منها يعني من الفاكهة وقيل: من غيرها، وفائدة هذا الخلاف مثل ما ذكرنا في الأيمان والنذور، وفي العتق والطلاق، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(69) سورة الرحمن] على ما تقدم. {فِيهِنَّ} [(70) سورة الرحمن] أي في الجنتين وما فيهما يعني على ما تقدم من العلالي والقصور؛ لئلا يقال: هما اثنتان، وفيهن: ضمير جميع، يعني في الجنتين وما فيهما {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} حور، خيرات جمع خيرة، وأصلها خيِّرة، خيرات: يعني في أخلاقهن، حسان: في وجوههن وأجسادهن {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} وهناك {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [(56) سورة الرحمن] وهنا {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [(72) سورة الرحمن] هذا أيضاً من وجوه الترجيح بين الجنتين الأوليين والأخريين، حور مقصورات، حور يقول: "شديدات سواد العيون وبياضها" هذا الحَوَر في العين معروف، والحور جاءت نصوص كثيرة في وصفهن، وابن القيم -رحمه الله- أفاض في وصفها -وصف الحور- في (حادي الأرواح) وفي آخر نونيته، فمن أراد التفصيل في وصفها يرجع إلى هذين الكتابين. {حُورٌ} [(72) سورة الرحمن] يقول: "شديدات سواد العيون وبياضها" {مَّقْصُورَاتٌ} مستورات {فِي الْخِيَامِ} "من در مجوف مضافة إلى القصور شبيه بالخدور" هناك قاصرات الطرف وهنا مقصورات أيهما أفضل أن تكون قاصرة وإلا مقصورة؟ أيهما أفضل قاصرة قصرت طرفها على زوجها أو قصرت طرف زوجها عليها من كمال حسنها؟ أو مقصورة مستورة في الخيام؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

قد تكون مقصورة وليست قاصرة، لا تقصر الطرف، هناك فيهن نعم فيهن يعني في الجنتين وما اشتملتا عليه من العلالي والقصور قاصرات الطرف العين على أزوجهن المتكئين من الإنس والجن، لم يطمثهن إنس وكذلك في الحور لم يطمثهن إنس يشتركن في هذا، فهل القاصرات والسبب ينبعث منهن عندنا قصر لكن هل هذا القصر في قاصرات ينبعث منهن أنفسهن ومقصورات القصر ينبعث من غيرهن، يعني كون الإنسان مزيته تنبعث منه لا شك أنها أكمل من كونها تنبعث من غيره، قد يقول قائل مثلاً: السلام عليه يوم ولد، السلام عليَّ يوم ولدت أيهم أفضل؟ نعم؟ عليَّ وإلا عليه؟ نعم؟ عليه؛ لأن السلام عليه من الله -جل وعلا-، والسلام علي من عند نفسه، هذا يمشي مع ما قلنا وإلا ما يمشي؟ نعم؟ ما يمشي من جهة، لكن إذا نظرنا إلى أن المسلم عليه من قبل الله -جل وعلا- من هو؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يحيى بن زكريا، والمسلم على نفسه من هو؟ عيسى -عليه السلام-، وأيهما أفضل؟ عيسى أفضل، فمسلم ومسلم عليه، فالمسلم عليه أفضل من المسلم، المسلم أفضل من المسلم عليه، وهنا هذا مثال تقريبي، عندنا قاصرات، القصر من .. ، منبعث من الداخل منهن، ومقصورات القصر الذي هو هذه الميزة إنما جاءت من خارج لا منها، ولذا ذكر من ينصر القول الثاني وهو أن الجنتين الأخريين أفضل من الأوليين يقول بمثل هذا، والذي ينصر القول الأول أيضاً عنده ما يؤيد قوله، وعلى كل حال الذي يعني المكلف أن يشتغل بما أمر به، أن يشتغل بما أمر به، عله أن يدرك الأوليين أو الأخريين، وهو على خير عظيم سواءً كان في الأوليين أو في الأخريين، لكن عليه أن يشمر ويجد ويجتهد في العمل مخلصاً لله -جل وعلا-.

{حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ} [(72) سورة الرحمن] مستورات {فِي الْخِيَامِ} "من در مجوف مضافة إلى القصور شبيهة بالخدور" يعني هذه الخيام مضافة إلى القصور، يعني ما هي قصور بس أو خيام فقط، لا، في قصور، وفي خدور، وفي خيام، أمور يعني لا تخطر على البال {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [(17) سورة السجدة] والستر هناك يدلنا على أهمية الستر هنا، إذا كانت الحور مقصورات مستورات في الخيام فلتتذكر المرأة المسلمة أن الستر هو صفتها في الدنيا والآخرة، ويتذكر ولي أمرها الذي يريد أن ترافقه معه في الجنة أن يحرص على هذا الستر، ولذا قال أهل العلم: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [(50) سورة الرحمن] لمن جرت عيناه بالدمع من خشية الله، فليتذكر مثل هذا في هذه الآية {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [(72) سورة الرحمن] يقصر من تحت يده، ويستر من تحت يده، ويكن من تحت يده في بيتها.

{حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [(72) سورة الرحمن] "من در مجوف مضافة إلى القصور شبيهة بالخدور" {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ} [(73 - 74) سورة الرحمن] يعني قبل أزواجهن مثل ما تقدم، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} يعني: لم يفتضضهن، سواءً كن من الحور هناك، ما بين أنهن حور، وهنا قال: {حُورٌ} لم يطمثهن، وهناك يشمل الحور ويشمل نساء الدنيا، يشمل الحور ويشمل نساء الدنيا، هناك قال: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} يفتضهن وهن من الحور أو من نساء الدنيا المنشئات {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا} [(35 - 37) سورة الواقعة] يعني تعاد من جديد، وكل ما وقع عليها عادت بكر {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [(74) سورة الرحمن] وهناك في الحور أيضاً كذلك، ويختلف أهل العلم في المفاضلة بين نساء الدنيا وبين الحور، لكن لا شك أن المرأة المسلمة الصينة الدينة الممتثلة للأوامر والنواهي مفضلة على الحور؛ لأنها نالت هذا الفضل إنما هو بسبب عملها، والحور خلقن لذلك من غير تكليف سابق، يعني كونهن في الجنة مجازات لأعمالهن، يتفق أهل العلم على أن نساء الدنيا الملتزمات للأوامر المجتنبات للنواهي أفضل من الحور العين، ويبقى أن نساء الدنيا أيضاً ممن يدخل الجنة متفاوتات، وإذا كان دخول الجنة بسبب رحمة أرحم الراحمين و ((لن يدخل أحد الجنة عمله)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله -جل وعلا- برحمته)) فهؤلاء الحور وأولئك الرجال إنما يدخلون برحمة أرحم الراحمين، والمنازل إنما تنال بالأعمال، المنازل والدرجات في الجنة إنما تنال وتتفاوت بسبب تفاوت الأعمال، فمن المؤمنات المسلمات اللواتي يدخلن الجنة وينشأن إنشاءً من هي أفضل من الحور، ومن هي دون الحور؛ لأن منازلهن متفاوتة بسبب تفاوت أعمالهن، يعني يوجد امرأة تدخل الجنة وعملت معاصي، تركت واجبات وارتكبت محرمات، وقد تعاقب بما رتب على هذه المحرمات وترك الواجبات، وقد يغفر الله لها؛ لأن الذنوب تحت المشيئة، فهذه المرأة التي دخلت الجنة بعد أن دخلت النار وعذبت بقدر

ما عندها، أو غفر لها ما سبق أن اقترفته من الذنوب والمعاصي، لو قال قائل: إن الحور أفضل منها ما يبعد، لا سيما وأن الخلاف معروف عند أهل العلم في المفاضلة، يعني نظير ما جاء في المفاضلة بين المؤمنين وبين الملائكة، بين الأنبياء وبين الملائكة، لا شك أن المؤمنين يتفاوتون تفاوت عظيم، وإذا وجد مثل هذا الخلاف فلا بد أن يكون المفضول أفضل من بعض الفاضل، يعني الجنس بالجنس لتفاوتهم في العمل. {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ} [(74) سورة الرحمن] يعني قبل أزواجهن {وَلَا جَانٌّ} لا إنسي ولا جني، ويرد هنا ما ذكرناه بالأمس من إمكان المواطئة والمجامعة بين الإنس والجن وعدمه على ما تقدم. {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ} [(75 - 76) سورة الرحمن] متكئين: المقصود بذلك الأزواج، وهناك قال: "أي يتنعمون متكئين حال عامله محذوف أي يتنعمون" وهنا أيضاً متكئين يعني الأزواج، "وإعرابه كما تقدم" حال عامله محذوف تقديره: يتنعمون متكئين، ويرد فيه أيضاً ما ذكرناه بالأمس من أن الاتكاء في الجنة من ألوان ما يتنعمون به، وأما بالنسبة للدنيا فإن الأكل حال الاتكاء خلاف الأولى، خلاف الأولى؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا آكل متكئاً)) فالأكل مع الاتكاء خلاف الأولى، كما أنه قال -عليه الصلاة والسلام- ... ، جاء في وصفه أنه ما أكل -كما في الصحيح- على خوان ولا سكرجة، الخوان معروف الطاولات التي يأكل عليها الناس، النبي ما أكل على خوان، لكن الصحابة لما توسعت عليهم الدنيا بعضهم أكل على الخوان، مما يدل على أنه ليس بممنوع ولا محرم، وإنما هو خلاف الأولى، والسكرجة المقصود بها الإناء المرتفع عن مستوى الأرض، الإناء المرتفع عن مستوى الأرض، ويختلفون في تعريفه اختلافاً كثيراً.

{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} [(76) سورة الرحمن] يقول: "رفرف جمع رفرفة" وجمع الرفرف: رفارف، وقرئ بها، قرئ بالجمع، "رفرف: جمع رفرفة أي بسط أو وسائد" ومن خلال تركيب الكلمة يدل على الحركة، أصل المادة يدل على الحركة، وجاء في تفسير النجم يقول: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [(18) سورة النجم] أي العظام أي بعضها، فرأى من عجائب الملكوت رفرفاً أخضر سد أفق السماء، وجبريل له ستمائة جناح، هذه من الآيات الكبرى، وهنا يقول: {عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} والجمع رفرفة أي بسط أو وسائد" ولعل من طبيعة هذه البسط أنها تنتقل بهم من مكان إلى مكان، والموضع الذي هو الجنة يحتمل مثل هذا وأعظم، ففيها ما لا يخطر على قلب بشر. {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [(76) سورة الرحمن] "جمع عبقرية أي طنافس" طنافس: جمع طنفسة، وهي أيضاً من أنواع من البسط المزخرفة، والعبقري يقولون: إن هناك وادٍ يسمى وادي عبقر، أكثر من يسكنه الجن، فإذا أرادوا أن يصفوا شيئاً بما يعجب ويتعجب منه قالوا: هذا عبقري، إذا أرادوا أن يوصفوا شيئاً يتعجب من وصفه قالوا: هذا عبقري؛ لأن هذا الوادي فيه من الأمور ما يتعجب منه، ومنهم من يقول: إنه بلد في اليمن تصنع فيه هذه الطنافس وهذه المزخرفات والمزركشات، وعلى كل حال حتى لو قالوا ما قالوا فإن ما في الجنة لا يدانيه ولا يقاربه، وليس في الدنيا مما فيها إلا الأسماء، يعني يوجد الاسم وأما المسمى فمختلف تماماً، يعني الرمانة بقدر الناقة المسرجة، شيء لا يخطر على البال، وهذا أيضاً وصف تقريبي، وصف تقريبي {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [(76) سورة الرحمن] جمع عبقرية أي طنافس.

{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(78) سورة الرحمن] تقدم، الذي تقدم {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو} [(27) سورة الرحمن] {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(26 - 27) سورة الرحمن] يقول: ويبقى وجه ربك ذاته تقدم أن في الآية إثبات للوجه لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، ذو، ذو قلنا: إنه وصف للمضاف، وصف للمضاف؛ لأنه مرفوع، والمضاف مرفوع، وأما المضاف إليه مجرور، ولو كان وصفاً للمضاف إليه لقال: ذي، كما في الآية الأخيرة: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي} [(78) سورة الرحمن] هنا وصف للمضاف إليه، وصف للمضاف إليه، ذو الجلال: أي العظمة، ولذا قال: تقدم، ذو الجلال والإكرام، قال هناك: ذو الجلال: يعني العظمة، والإكرام: للمؤمنين بإنعامه عليهم، أو بأنعمه عليهم. قال: "تقدم ولفظ اسم زائد" {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(78) سورة الرحمن] البركة للاسم وإلا للمسمى؟ نعم إذا قلنا: للمسمى قلنا: كلامه صحيح لفظ اسم زائد؛ لأن الذي تبارك هو الله تعالى، وإذا قلنا: الاسم عين المسمى قلنا: إن اسم ليست زائدة، وعلى كل حال ذي الجلال والإكرام إنما هو تابع للمضاف إليه ربك، والذي تبارك هو الاسم أو المسمى؟ على كلام المؤلف الذي تبارك المسمى، ولفظ الاسم زائد، وقد يزاد الاسم. إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... . . . . . . . . .

يعني: ثم السلام عليكما، وهنا .. ، أولاً: من الأمور القطعية في عقيدة المسلمين أن القرآن محفوظ مصون من الزيادة والنقصان، فإذا أمكن حمل الكلام على وجه يصح دون القول بالزيادة تعين، والاسم أحياناً يكون غير المسمى، وأحياناً يكون عين المسمى، يعني من ذهب إلى أن الاسم غير المسمى مطلقاً كلامه ليس بصحيح، ومن ذهب إلى أن الاسم عين المسمى مطلقاً كلامه غير صحيح، أحياناً يكون الاسم عين المسمى، وأحياناً يكون الاسم غير المسمى، فإذا قلت: يا محمد، أو يا زيد التفت إليك؟ أنت تريد الذات وإلا تريد الاسم؟ نعم، تريد الذات، فالاسم عين المسمى هنا، الاسم زيد ومحمد عين المسمى؛ لأنك تدعو الذات، وإن تلفظت بالاسم فأنت تدعو الذات، فدل على أن الاسم عين المسمى، لكن لو كتبت زيد في ورقة، ماذا تقول عن هذا الاسم هو عين المسمى وإلا غيره؟ غيره، غير المسمى، ولذلك لو أحرقته يتأثر المسمى وإلا ما يتأثر؟ ما يتأثر، وقل مثل هذا في الصورة، يعني إذا رأيت صورة زيد، وقلت: هذا زيد تقصد الذات المصورة بهذه الصورة، نعم وإذا أحرقت هذه الصورة فالصورة غير المصوَّر. وعلى كل حال {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(78) سورة الرحمن] يقول: "لفظ اسم زائد" وبحث الاسم والمسمى وهل هو عينه أو غيره؟ مسألة طويلة الذيول عند المتكلمين، وأفاضوا فيها في تفسير البسملة، وأكثروا فيها الكلام، ومرد ذلك إلى ما ذكرنا، يعني من قال: إنه عين المسمى قال: إننا إذا قلنا: يا الله فإنما ندعو الذات المسماة بهذا الاسم، الذات التي تسمت بهذا الاسم، وإذا كتبنا الاسم وأسأنا إليه فإن المسمى لا يتضرر بذلك، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة الواقعة (1)

تفسير الجلالين - سورة الواقعة (1) من أول السورة إلى قوله تعالى: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} [(7) سورة الواقعة] الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:

فتمنيت لو أن الشيخ عبد الله -وفقه الله- كشف اللبس الحاصل بين فهمنا وفهمه لموضوع الدورة، الخطاب جاء في أول الأمر بما أُعلن يعني أنه شرح بلوغ المرام، ولما كان البلوغ مشروحاً، ولم يبق فيه إلا الشيء اليسير وهو موجود ومتداول في التسجيلات اعتذرنا عن هذا الموضوع في وقته، وقلنا: إننا جرينا على تفسير المفصل، معتمدين في ذلك على الله -جل وعلا-، وبين أيدينا تفسير الجلالين، هذه الطريقة اتبعناها وسلكناها في بعض الدورات، فقبلوا ذلك لكنهم كأنهم عند الإعلان أو عند. . . . . . . . . هذا الإعلان رجعوا إلى خطابهم الأول ونسوا ما اتفقنا عليه فحصل فيه لبس، أنا فوجئت لما قرأت الإعلان بعد أذان المغرب اليوم، .... شرح بلوغ المرام، فتمنيت لو أن الشيخ عبد الله كشف هذا اللبس، وأراحني منه لئلا يظن أن هناك شيء من الاختلاف، والله ما بيننا اختلاف، ولو كان الإخوان مصرين على بلوغ المرام فأنا على أتم استعداد في شرحه، ما عندي أدنى مانع وهو أسهل علي من التفسير؛ لأن التفسير أمره خطير، وهو ليس السهل أن يتصدى الإنسان لكلام الله -جل وعلا- والآلة ناقصة، نسأل الله العون والتسديد، أيضاً كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- ليس بالسهل، ونسمع كثيراً من يخطئ في كلام الرسول ممن ليست لديه الأهلية، ويكتب في الصحف، ويتكلم من خلال وسائل الإعلام بما هو بمنأ بعيد عن مراد الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يتكلمون في النصوص من خلال الحقائق العرفية التي تداولوها وما تعارفوه من إطلاقاتهم سواء كان في ذلك الكتاب أو السنة ثم بعد ذلك يتصدون لشرح الحقائق الشرعية من غير أن يرجعوا إلى أصل ويأوون إلى أصل يعينهم على ذلك. تجد الإنسان من أبعد الناس من كتاب الله وسنة رسوله يتكلم في القرآن والسنة ويهرف بما لا يعرف؛ مع أنه جاءت النصوص الكثيرة المتضافرة والوعيد الشديد على من قال في القرآن برأيه، وكذلك السنة أمرها شديد، كما بين ذلك الإمام أحمد وغيره؛ فالسنة جديرة بالتحري، حرية بالتوقي من طالب العلم. الصحابة لما بين النبي -عليه الصلاة والسلام- أن من أمته من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب وهم سبعون ألفاً بات الصحابة يلوكون لعلهم، ما قالوا: هم كذا وهم

كذا، أو هم كذا هم كذا، ترجوا، قالوا: لعلهم كذا، لعلهم كذا، لعلهم كذا؛ لأنه لا يجوز الجزم لا في نصوص الكتاب ولا في نصوص السنة إلا معتمداً فيه على أصل صحيح وعلى جادة مطروقة عند أهل العلم، يعني فسرت الآيات والأحاديث بما لم يسبق إليه هذه المفسر، ووجدنا من تصدر للتفسير وألف في التفسير مجلدات كثيرة تزيد على العشرين بل على الثلاثين وهي لا تستند في ذلك إلى الأصول المعتمدة في تفسير القرآن التي كما بينها أهل العلم الاعتماد على القرآن في تفسير القرآن؛ لأنه قد يأتي اللفظ مجملاً، أو جملة مجملة أو القصة مجملة في موضع، توضح في موضع أخر من القرآن أو من السنة، التي هي في الأصل إنما هي لبيان ما أنزل الله، النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما وظيفته البيان عن الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك عن الصحابة الذين هم أعرف الناس بالحقائق الشرعية التي .... فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى قال بعضهم: إن تفسير الصحابي له حكم الرفع. الحاكم بن أبي عبد الله يقول: إن تفسير الصحابي مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه لم يوافق على هذا بل حملوا قوله على أسباب النزول؛ لأن أسباب النزول؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- لا بد أن يكون طرفاً فيها. يعد ما فسره الصحابي ... رفعاً فمحمول على الأسباب ثم بعد ذلك ما جاء عن التابعي؛ لأنهم لزموا الصحابة لا سيما مشاهيرهم كمجاهد، وقتادة، والحسن، وابن سيرين وغيرهم، ممن له العناية بكتاب الله -جل وعلا-، ثم يأتي من لا عناية له بل لا يحسن قراءة القرآن، ويقول: إن الآية معناها كذا، أو يرد على من يستدل على مسألة بآية لا يفهم معناها، أو بحديث لا يدري ما دلالته، ولا يعرف ما يوافقه وما يعارضه، ومع ذلك يتصدون وهم الذين يتبعون المتشابه تبعاً لأهوائهم وأمزجتهم والله المستعان.

على كل حال التفسير يحتاج إلى وقت طويل، والدورة لا تكفي لتفسير الواقعة، لكن على ما يقتضيه المقام في الوقت الذي فسرنا به السورة السابقة، وعلقنا فيه على الجلالين في السور الماضية من الحجرات إلى أن وقفنا على الواقعة تفصيل أو تعليق متوسط، توضيح كلام الجلالين وهما جلال الدين المحلي، وجلال الدين السيوطي، حيث بدأ المحلي بتفسير القرآن من سورة الكهف إلى آخر القرآن، ثم فسر الفاتحة، ثم أكمله الجلال السيوطي بأن فسر من سورة البقرة إلى آخر الإسراء، والتفسير لا يلحظ فيه أدنى اختلاف، مع أنه من مؤلفين، مع أنه من مؤلفين، يعني سار السيوطي على نهج المحلي، حرف بحرف، اختلف معه في أحرف يسيرة لكنها لا تؤثر وبينها، بينها في خاتمة كلامه على سورة الإسراء، أنه خالف الجلال المحلي في آيات أو حروف، بل كلمات يسيرة جداً؛ مع أن الصواب في غير ما اختاره، وعلى كل حال تفسير الجلالين كما معروف ومتداول ومشهور تفسيرٌ متين مختصر، وأشبه ما يكون بالمتون، وعناية أهل العلم به كبيرة ولهم عليه حواشي كثيرة، وهو ينبغي أن يعول عليه طالب العلم؛ إلا إنه يستدرك عليه ما يستدرك من مسائل الاعتقاد؛ لأن كلاً من المفسرين المحلي والسيوطي هما على مذهب الأشاعرة كما هو معلوم، وكلامه في الاستواء سوف يمر -إن شاء الله تعالى- ويبين في موضعه؛ لأنهم أشبه ما يكون بالتفويض في بعض المسائل، على كل حال نشرع اغتناماً للوقت. يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: والمفصل من نصيب الجلال المحلي، كما ذكرنا أنه فسر من الكهف إلى آخر القرآن، ثم شرع في أوله ففسر سورة الفاتحة، فالواقعة من نصيبه.

يقول -رحمه الله- تعالى: سورة الواقعة مكية إلا آيتي واحد وثمانين واثنين وثمانين فمدنية، وآياتها ست وتسعون، أو سبعٌ وتسعون، أو تسع وتسعون، الاختلاف في هل هذه الآية مكية أو مدنية سهل، لكن يرد الإشكال في الاختلاف في عد الآيات؛ لأن بعض من يسمع أن آيات هذه السورة ست وتسعون، أو سبع وتسعون، أو تسع وتسعون، يظن أن هذه الآيات عند من يعدها ست وتسعين أن في المصحف زيادة على ما زاد عن ست وتسعين أو سبع وتسعين أو تسع وتسعين، ومن يقول هي تسع وتسعون يقول: المصحف فيه نقص عن عدده، والخلاف لا يرجع إلى زيادة في آيات ولا نقص في حروف ولا شيء من هذا، القرآن محفوظ من الزيادة والنقصان، {إِنّا نحْنُ نزّلْنا الذِّكْر وإِنّا لهُ لحافِظُون} [(9) سورة الحجر]، وهناك قصة ذكرها الحافظ البيهقي في دلائل النبوة قال: إن يحيى بن أكثم القاضي دعا يهودياً إلى الإسلام فما استجاب، ما استجاب، بعد مضي سنة كاملة جاء مسلماً على يد القاضي يحيى بن أكثم، فسأله ما الذي جعله يتأخر في إسلامه سنة كاملة، قال: عمدت إلى التوراة فنسخت منها نسخاً قدمت فيها وأخرت في كثير من المواطن وزدت ونقصت نسخ، فذهب بها إلى سوقهم، -سوق اليهود- فباعها ما تأخر في بيعها تلقفوها واعتمدوها وأخذوا يقرؤونها ويعملون بما فيها، ثم عمد كذلك إلى نسخ نسخها من الإنجيل، وفعل فيها مثل ما فعل في التوراة قدم وأخر وزاد ونقص، فذهب بها إلى سوق النصارى فتلقفوها ما مكثت في يده ولا لحظة واعتمدوها وقرؤوها، وعملوا بما فيها وقد تصرف فيها، يقول: فعمدت إلى المصاحف نسختها، فغيرت فيها تغيير لا يكاد يطلع عليه يسير جداً، فذهبت بها إلى سوق المسلمين مريداً بيعها، فكل من رآها رماها في وجهي، قال: هذه نسخ محرفة؛ فعلمت أن هذا الدين محفوظ، وأنه من عند الله حقاً، فلما ذكر ذلك للقاضي يحيى بن أكثم حج بعد ذلك القاضي فالتقى بسفيان بن عيينة، فذكر له القصة، قال: ما نحتاج في هذا إلى أحد، هذا في كتابنا بالنسبة للقرآن {إِنّا نحْنُ نزّلْنا الذِّكْر وإِنّا لهُ لحافِظُون} [(9) سورة الحجر] تكفل الله بحفظه لم يكل حفظه إلى أحد، وأما بالنسبة للكتب السابقة قال: {بِما اسْتُحْفِظُواْ} [(44) سورة

المائدة] ووكل إليهم حفظها فما حفظوها؛ فالقرآن لا زيادة فيه ولا نقصان، ولا يستطيع أحد أن يتجرأ أن يزيد عليه أو ينقص، يعني إذا وجد الوضع والكلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن القرآن محفوظ من الزيادة والنقصان، ولذا قوله: "وآيتها ست وتسعون أو سبع وتسعون أو تسع وتسعون" الخلاف في ذلك مرده إلى اعتبار البسملة، هل آية أو ليست بآية، وبعض الآيات قد تكون آيتين عند بعض القراء، وبعض الآيات الثنتين تكون واحدة إما بالجمع أو بالتفريق، وهذا لا يؤثر في القرآن بزيادة ولا نقصان، القرآن كما هو من غير زيادة ولا نقصان، ومثلاً في آخرة سورة آل عمران فقرأ العشر آيات من آخر سورة آل عمران لما قام النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى التهجد بدءاً من: {إِنّ فِي خلْقِ السّماواتِ والأرْضِ .... } [(190) سورة آل عمران]، إلى آخر السورة، وإذا نظرنا إليها في المصحف الذي بين أيدينا وجدناها، كم؟ إحدى عشرة، نعم، {إِنّ فِي خلْقِ السّماواتِ والأرْضِ .... } الآية مائة وتسعين إلى مائتين كم؟ إحدى عشرة؛ لأن {إِنّ فِي خلْقِ السّماواتِ والأرْضِ .... } الآية يعني خارجة عن العشر، المقصود أنه لا يظن أن الآية زيدت أو نقصت، أبداً القرآن كما هو محفوظ من الزيادة والنقصان ولو أتينا بالنسخ التي أرسلها عثمان إلى الأمصار، طبقناها على ما في أيدي الناس في آخر الزمان الذي نعيشه الآن ما وجدنا فرقاً، فبعض الناس يشكل عليه مثل هذا الأمر؛ لكن العدد هذا اعتبر فيه بعض القراء يجمع الآيتين، وبعضهم يفرق الآية يجعلها آيتين، ويختلفون في العدد من هذه الحيثية، أما بالنسبة لحروف الكلمات والآيات فلم يحصل فيه اختلاف قط حتى بين القراء، ما في اختلاف إنما اختلافه فيما يعود إلى رسم الكلمة، فيما يعود إلى رسم الكلمة.

بسم الله الرحمن الرحيم، الآن الترجمة التي هي سورة الواقعة ومكية إلا آيتين إلى أخره، هذه لا توجد في المصحف التي اتفق عليه الصحابة، إنما البدء بالبسملة، لكن هذه في التفسير، هذا في التفسير ليس من القرآن، لكن في القرآن يجعلون سورة الواقعة وترتبيها وآياتها، هذا قدر زائد على ما في القرآن مما اتفق عليه الصحابة وكتبه عثمان في المصاحف التي وزعها على الأمصار، هذه متميزة ولا يمكن أن تختلف في القرآن، أما إذا خشي من اختلاط غير القرآن بالقرآن فلا يجوز البتة أن يكتب في القرآن شيء غير القرآن، ولذا جاء حديث أبي سيعيد في صحيح مسلم: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن ومن كتب شيئاً غير القرآن فليمحه)) فليمحه، حتى السنة لا تكتب خشية أن تختلط بالقرآن فضلاً عن أن تكون هذه المكتوبات وهذه التعليقات في المصحف نفسه، ونجد مصاحف تأتي من المشرق تجد فيها تعليقات بين الأسطر على الكلمات، لا شك أن هذا خطأ من أراد أن يكتب شيئاً للتوضيح سواء كان في المعاني أو في الإعراب وما أشبه ذلك يكتبه خارج الإطار أو البرواز الذي وضع على المصحف، لئلا يختلط بالقرآن؛ مع أن القرآن حقيقة متميز بنفسه، ومحفوظ في الصدور والسطور، يعني لو تقرأ على عامي .... بكلمة نفر منها، نفر منها. بعض الدعاة جرب جاءه شخص أعجمي، فقرأ عليه آيات من القرآن، بصوت ندي يتغني به فأسلم هو لا يفهم شيء من القرآن فجاء بقصة سبكها وحبكها وأداها على نفس الأداء الذي أدى به القرآن، فقال إيش هذا، يعني في كلامه، هذا لا شيء، وحينما يقرأ القرآن تدمع عيناه وهو لا يفهم شيئاً ليس من العرب، ثم أعلن إسلامه هذا القرآن مؤثر بذاته؛ لأنه كلام الله. هو الكلام الذي من قام يقرأه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلم

كلام لا تثبت له الجبال، لا تثبت له الجبال، ومع ذلك يسمع بها المسلم ولا يحرك فيه ساكناً، يعني هذه الصورة التي معنا سورة الواقعة، لو أن الإنسان تأملها وتدبرها بقلب حي يمكن لا يستطيع إكمالها، لا يستطيع إكمالها، جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((شيبتني هود وأخواتها)) وذكر من أخواتها الواقعة، والحديث مختلف فيه منهم من حكم عليه بالاضطراب، وابن حجر استطاع أن يرجح بعض الطرق على بعض فانتفى الاضطراب. يقول -رحمه الله-: بسم الله الرحمن الرحيم، وهي ثابتة في القرآن في جميع صوره عدا براءة، اتفاق الصحابة على كتابتها، ولذا يختلف أهل العلم هل هي من القرآن؟ لأن الصحابة أجمعوا على كتابتها، ولم يجمعوا على شيء سوى القرآن، ومنهم من قال ليست بآية من القرآن مع إجماعهم على أنها بعض آية من صورة النمل، وأنها ليست بآية من سورة التوبة، هذا محل إجماع، لكن الخلاف فيما عدا ذلك، في مائة وثلاثة عشر موضعاً، هل هي من القرآن؟ هل هي آيات؟ أو ليست من القرآن أصلاً أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ فمن قال: إنها من القرآن، قال: إن الصحابة اتفقوا وأجمعوا على كتابتها، ولم يكتبوا في المصحف في الإمام إلا القرآن، ومنهم من قال: ليست بآية مطلقاً، لماذا؟ لأن الناس اختلفوا فيها، والقرآن لا يختلف فيه، من خالف في حرف من حروف القرآن المجمع عليه يكفر، ولو كانت البسملة من القرآن في المواضع في أوائل السور من أوائل القرآن لما جاز الاختلاف فيه، ومنهم من يقول: هي آية واحدة نزلت للفصل بين السور، نزلت للفصل بين السور، ويوجد ما يدل على هذه الأقوال من السنة، وهي محمولة عند أهل العلم على أوجه، لكن الاستدلال لهذه الأقوال يحتاج إلى وقت قد يخرجنا من موضوع الدرس وقد بسط في مناسبات. بِسْمِ اللهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

{إِذا وقعتِ الْواقِعةُ} [(1) سورة الواقعة]، "قامت القيامة"، وقعت الواقعة، قامت القيامة، قامت تفسير لوقعت، والقيامة تفسير للواقعة، والفعل والفاعل من مادة واحدة، والتفسير من مادتين، قامت القيامة، وقعت الواقعة، إذا وقعت الواقعة، "إذا" هذه منهم من يقول إنها ظرفية، ومنهم من يقول إنها شرط، وجوابها سيأتي، "وقعت" يعني قامت، وقعت يعني قامت، والواقعة: هي القيامة؛ فالواقعة من أسماء يوم القيامة، ولها أسماء كثيرة، وأسماؤها قوية ومؤثرة تهز القلوب؛ فالقيامة، والواقعة، والطامة، والصاخة، والقارعة، والحاقة؛ كلها أسماء لهذا اليوم العظيم، كلها تهز القلب الحي، أما القلب الميت ما فيه حيلة، {إِذا وقعتِ الْواقِعةُ} منه من يقول: "إذا" هذه زائدة، ويتأدب بعضهم ويقول: صلة، إيش معنى زائدة؟ ما هي من حيث المحل الإعرابي لا محل لها، ويصح الاستغناء عنها من حيث المعنى، فإذا قلت: {وقعتِ الْواقِعةُ} كما في قوله: {أتى أمْرُ اللهِ} {أتى أمْرُ اللهِ فلا تسْتعْجِلُوهُ} [(1) سورة النحل] فهنا إذا قلنا: إذا شرطية فهي للمستقبل، إذا وقعت مستقبلاً، وهذا مطابق للواقع، لكن: {أتى أمْرُ اللهِ فلا تسْتعْجِلُوهُ} "أتى": عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه، لتحقق وقوعه، وهنا إذا وقعت الواقعة، "إذا": ظرف لما يستقبل من الزمان وهو مطابق للواقع؛ لأنها لم تقع بعد، وإنما تقع مستقبلاً، ومن يقول: إن "إذا" زائدة فنقول: إذن الكلام ليس بصحيح؛ لأن ثبوتها وكونها للاستقبال هذا هو الواقع للاستقبال هذا هو الواقع، وكونها مما يتحقق وقوعه كما في قوله: {أتى أمْرُ اللهِ فلا تسْتعْجِلُوهُ} هذا يحتاج إليه إذا حذفت "إذا" على خلاف الأصل، فنحتاج إلى أن نقول: عبر بالماضي لتحقق الوقوع فنزيد عنه، أما ما عندنا فهو المطابق للواقع فلا يحتاج إلى أن يجاب عنه. قامت القيامة {ليْس لِوقْعتِها كاذِبةٌ} [(2) سورة الواقعة] نفس تكذب: بأن تنفيها كما نفتها في الدنيا.

كثير من الناس في الدنيا يكذبون بيوم القيامة، كثير من الناس يكذبون بيوم القيامة، هذه في الدنيا وبإمكانهم ذلك؛ لأن لهم شيء من الاختيار الذي من أجله يؤاخذون على تكذيبهم، وليسوا مجبورين على ما يقولون خلافاً لما يقوله الجبرية، هم مختارون، ولهم مشيئة، ولهم إرادة لكنها تابعة لإرادة الله -جل وعلا-، تابعة لمشيئته الكونية، في الدنيا يوجد من يكذب، لكن إذا قامت هل يستطيع أحد أن يكذب بالشيء إذا وقع؟ لا يستطيع أن يكذب في أحد ينكر الموت؟ لأنه يراه بأم عينه، ما ينكره؛ لأن من الطوائف الشركية من يرى أن الموت من مفارقة الحياة يحصل لكنه موت مؤقت حتى تنتقل الروح إلى بدن آخر، وهذا كلام لا قيمة له؛ لأنه قول من يقول بالتناسخ وهو قول لا أثارة عليه لا من عقل ولا من علم، حتى العقل يرده؛ لأنه لو انتظروا ميتهم سنين هل يعود إليهم؟ لا يمكن أن يعود إليهم، إذا رأى الإنسان القيامة بعينه هل يستطيع أن ينفيها؟ لا يستطيع ولذا قال: {ليْس لِوقْعتِها كاذِبةٌ}؛ لأنه إذا وقعت الواقعة وقامت القيامة لا يستطيع أن يكذب، كاذبة، كاذب: اسم فاعل أُنث، باعتبار النفس وهي مؤنثة كاذبة، ومعنى كاذبة يعني مكذبة تكذب، وكاذب ومكذب اسم فاعل، إما من كذب وإما من كذّب، لكن اسم الفاعل من كذب الثلاثي كاذب، وهو الذي يكذب فيما يصدر عنه، واسم الفاعل من كذّب يعني غيره، فهو مكذب، فكيف قال كاذبه وهو الأصل مكذبه؛ ولذا جاء في التفسير نفس تكذب، ممكن أن تقرأ نفس تكذب، نفس تكذب، والكذب الإخبار على خلاف الواقع، الإخبار عن الشيء على خلاف الواقع، فإذا أخبر عن القيامة أنها لا تكون سواء كان في الدنيا أو في الآخرة فهو كاذب في خبره، وإذا وجد هذا في الدنيا الكذب وهو عدم مطابقة الواقع في الخبر، إذا أمكن وجوده في الدنيا فإنه لا يمكن وجوده في الآخرة، فصح أن يقال عن المكذِّبة بأنها كاذبة لماذا؟ لأنها أخبرت عن الواقع على خلاف ما هو عليه، فهي كاذبة، وإن كان الأوضح في تعبير المتداول مكذبة، لكن كاذبة اسم فاعل من كذب، ومن أخبر عن الشيء بخلاف الواقع فهو كاذب، فهو كاذب، فلا يوجد من يكذب فيخبر عن القيامة من خلال الواقع إذا قامت؛ لأنها تكون حينئذ محسوسة، والمحسوس

لا يمكن أن يكذب به، لا يمكن أن يكذب به حتى السمنية الذين ينكرون الأخبار القطعية لا يمكن أن ينكروا ما ثبت بالحواس، لا يمكن أن ينكروا ما ثبت بالحواس، وإن أنكروا الأخبار القطعية المتواترة فإنهم لن يستطيعوا أن ينكروا ما ثبت بالحواس، وإلا كان وجودهم في هذه الحياة عند أنفسهم كذب، كان وجودهم عند أنفسهم كذب؛ لأنهم ينكرون الحواس، لكنهم لا ينكرون ما يدرك بالحواس، هم ينكرون ما يدرك بالأخبار، ولو كانت قطعية ما يؤمنون بشيء اسمه خبر.

{خافِضةٌ رّافِعةٌ} [(3) سورة الواقعة] هذه القيامة وهذه الواقعة إذا قامت ترتب على ذلك أن يرتفع أقوام وأن ينخفض آخرون، بعض الناس في هذه الدنيا له شأن من علية القوم، من الملأ في هذه الدنيا، لكن إذا قامت القيامة ووقعت الواقعة ذهب هذا كله هباء، لأنه يعتمد في جاهه وأبهته على ما لا ينفعه في الآخرة، وبعض الناس تجده ليس من أهل الشأن في الدنيا، لا يلتفت إليه الناس، كما جاء في الحديث: ((إن شفع لم يشفع، وإن خطب لم يزوج))، ومع ذلك شأنه عظيم عند الله. وجاء في الحديث: "لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن شخص قالوا: هذا حري بأن إن شفع أن يشفع، وإن خطب أن يزوج"، ثم سأل عن آخر فقالوا: هو بالعكس، فقال: ((إن هذا خير من ملئ الأرض من هذا))؛ فالميزان الحقيقي هو الميزان الشرعي، الميزان الحقيقي هو الميزان الشرعي فهذا الذي ارتفع في أعين الناس في الدنيا في موازين الناس في دنياهم؛ تجده عند الله لا يزن عند الله جناح بعوضة، لا يزن جناح بعوضة، وهذا الرجل الذي يزدريه الناس، ولا يرونه شيئاً تجده أثقل من جبل أحد، كما جاء في ساقي ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه-، فالمقصود أن الشخص المسلم عليه أن يزن بالميزان الشرعي، نعم عموم الناس ينظرون إلى أهل الدنيا بموازينهم، فيجعلون هذا له شأن عظيم باعتبار أنه من أهل الدنيا وأهل الجاه وأهل المال، ثم بعد ذلك عند الامتحان إذا قامت القيامة ووقعت الواقعة ذهب كله سراب، بينما هذا الشخص الخفي الحفي تجد الناس لا ينظرون إليه في الدنيا، ثم بعد ذلك إذا انكشف الغبار، وقامت القيامة عرف الميزان، وعرف أن هذا يزن عند الله من الصنف الآخر أكثر من ملئ الأرض؛ لأن هذا لا شيء في الميزان الشرعي، وهذا وزنه عند الله عظيم.

يقول: "مظهرة" {خافِضةٌ رّافِعةٌ} "مظهرة لخفض أقوام" يعني كانوا ارتفعوا في الدنيا "بدخولهم النار"، وأي جاه مع دخول النار، "ولرفع آخرين بدخولهم الجنة"؛ لأنه يؤتى بأنعم الناس في الدنيا فيغمس غمسة واحدة في النار، ثم يسأل عن نعيمه الذي تنعمه سبعين ثمانين مائة سنة؟ يقول: ما رأيت شيء، ثم يؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا و. . . . . . . . . لكن كان يعيش سبعمائة سنة في شقاء وتعاسة، ثم بعد ذلك يغمس في الجنة، ثم يقال له: هل رأيت بؤساً قط، قال: لا والله ما رأيت لماذا؟؛ لأن هذه الدنيا لا تعادل شيء، لا شيء في الميزان الشرعي، لا تزن عند الله جناح بعوضة، لكن من يدرك حقيقة هذا الأمر؟، من يدرك؟، يدرك أمثال سعيد بن المسيب الذي جاءه السفير الواسطة الذي يخطب ابنته لابن الخلفية لابن الخلفية يقول: جاءتك الدنيا بحذافيرها يا سعيد، ابن الخليفة يطلب بنتك، جاءتك الدنيا بحذافيرها قال: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا أن يقص لي من هذا الجناح؟، فيزوجها تلميذاً له من أفقر الناس لا يجد شيئاً، وكثير من الناس في غفلة من هذا، إذا رأى صاحب الدنيا ارتعد وخاف ووجل، مع أنه لن يناله بسوء حتى ولو كان سلطان جائر، لن يناله إلا بما كتب له، واعلم أن الناس أو الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك فلن يضروك، والعكس، وتجد بعض الناس إذا قيل له أن فلاناً من الناس من النوع الذي. . . . . . . . . والعلم عند الله -جل وعلا- يوم القيامة، إذا قيل له ذكرك البارح في مجلسه وأثنى عليك، يمكن لا يكاد أن ينام من الفرح، وبعد هذا المدح ينفعه بشيء؟ لا ينفعه بشيء، ويغفل عن مثل قوله -عليه الصلاة والسلام- عن ربه -عز وجل-: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)) أي ذكر هذا الإنسان، ولو كان من خيار الناس، ولو كان من عبادهم إلا أن الشهادة من مثل هذا يعني لها دلالتها يعني من عاجل بشرى المؤمن، لكن شهادة من لا تنفع شهادة ممن يطير به كثير من الناس فرحاً، هذه لا تزيد شيئاً، ولا تعدل شيئاً، بل العكس إن شهادة الناقص نقص، بخلاف شهادة الخيِّر الصالح؛ مع أن المدح من الطرفين لا شك أنه

إذا كان مترقباً متشوفاً إليه خدش في الإخلاص حتى يستوي عنده المادح والذام. يقول ابن القيم -رحمه الله- في الفوائد: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكينك علمك أنه لا أحد ينفع مدحه أو يضره ذمه إلا الله -جل وعلا-"، وجاء في حديث الأعرابي الذي قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "أعطيني يا محمد فإني مدحي زين وذمي شين، قال: ((ذاك الله -جل وعلا-)) هو الذي ينفع مدحه ويضر ذمه، أما أنت فلا تضر ولا تنفع، مع الأسف أنه شاع من غير نكير مسألة المدح والذم ولأدنى شيء تجد الإنسان يرفع فوق منزلته أو ينزل إلى الحضيض بأدنى شيء أو بدون شيء بدون سبب، وتجد نفوس كثير من الناس من المسلمين بل من طلاب العلم من يستشرف إلى المدح، وتعالمنا على هذا النمط من غير نكير، وأدركنا شيوخنا ومن في طبقتهم وشيوخ لا يرضون بأدنى شيء من المدح؛ لأن هذا يضر كثير من الناس، بعض الناس يتأثر بالمدح ويصاب بعجب وغرور وهذا يقتل. والعجب فحذره إن العجب مجترفٌ ... أعمال صاحبه في سيله العرم

فمن يدخل الناس ولو كان من أشراف الناس، وعلية القوم فإنه مخفوض في هذا اليوم، ومن يدخل الجنة ولو كان من أحط الناس قدراً، وأقلهم شأناً في الدنيا فإنه مرتفع، {خافِضةٌ رّافِعةٌ} [(3) سورة الواقعة]؛ مع أن هذا الخفض والرفع بالنسبة للدنيا، وإن كان في الظاهر، إلا أنه في الباطن لا حقيقة له، في الباطن لا حقيقة له، فهل الذي خفض إذا وقعت الواقعة بدخوله النار، وهو مرتفع عند الناس في دنياهم وعند نفسه، تجد هذا في الظاهر لا في الباطن، فقد يكون من أشقى الناس، وإن كان ممن رآه الناس خافوا ووجلوا ورعبوا، وقبلت أطرافه تجده في نفسه يتمنى أن لو كان مثل فلان، الذي يحقره الناس وهو في سعادة ونعيم، شخص من أصحاب الأموال الطائلة، من أصحاب المليارات، رأى شخص نائم على كرتون ثلاجة في الشارع، نائم يغط وتمنى أن يكون في مقامه ومكانه، يقول: أنا لا أستطيع أن أنام رغم ما عندي من الأموال الطائلة ما ينام إلا بالمهدئات، لن تنفعه دنياه، تنفعه شيء؟ ما تنفعه شيء فيجد مجموعة من التجار من رآهم خاف ووجل من عموم الناس من السذج وهم يسهرون الليل إلى الصبح، ينظرون ويطالعون الشاشات في البنوك، في أماكن خاصة يعني لا تتاح لكثير من الناس، في أماكن خاصة وينظرون إلى الشاشات إذا ارتفع شيء تناول حبة، ارتفع عنده الضغط، إذا انخفض شيء تناول حبة، نزل السكر إذا كذا هكذا يعيش، هذه حاله، هم من علية القوم في الدنيا ممن يطلب الناس ودهم، لكن هل هذه حياة؟، وتجد أفقر الناس يعيش، لو نظرنا في الحكمة الإلهية وجدنا أن أفقر الناس أكثر الناس ضحكاً، وأغنى الناس أكثرهم عبوس، حكمة إلهية؛ لأن هذا اللي يضحك ما في قلبه شيء من أمور الدنيا يخشى عليه ويش يفيد، وهذا أيضاً في أمور الدنيا، إذا دعي هذا بادر إلى الصلاة؛ لأنه ما في شيء ينشغل به، وإذا أقيمت الصلاة أقبل على الله -عز وجل-؛ لأن ما في قلبه شيء يشغله بخلاف الثاني، يعني والله المستعان، مو قصد هذا الدعوة إلى بطالة وترك عمل ولا تنس نصيبك من الدنيا، لكن المسألة الخشية من أن يقال للمسلم لا تنس نصيبك من الآخرة، لانشغاله بكليته في الدنيا، كما هو واقع كثير من الناس، يعني سُمع من يجهر بصلاة الظهر والجماعة

يؤمنون، لماذا؟ انشغلت قلوبهم ما يدورن ويش يصلون، وواحد يشير بأصبعه وهو ساجد ما يدري يتشهد وإلا شيء يسلم ويقول: آمين، وهذا أيام ثورة الأسهم قبل ثلاث سنوات أو أربع سنوات؛ كل هذا من الانصراف إلى الدنيا عن الآخرة، هذا الذي ارتفع في أعين الناس، إذا غمس في النار انتهى كل ما مضى صار لا شيء، وهذا الذي عاش بين الناس كل يزدريه، رفع إذا قامت القيامة ووقعت الواقعة إذا دخل الجنة. {إِذا رُجّتِ الْأرْضُ رجًّا} [(4) سورة الواقعة] "حركت حركة شديدة"، وهو بمعنى إذا زلزلت {إِذا رُجّتِ الْأرْضُ رجًّا} حركت حركة شديدة، طيب ما الذي يحصل، ننظر إلى الزلازل في الدنيا ثانية واحدة ثانية ترج الأرض ثم النتيجة؟ الملايين من البشر يهلكون، والأموال تنتهي، تدمر ويعقبها ما يعقبها من فيضانات وغيرها، فهل من مدكر، إذا كانت هزة واحدة ثانية أو ثانيتين أو ثلاث ثواني على الكثير تدمر بلدان كثيرة فما رأيكم بقوله تعالى: {إِذا رُجّتِ الْأرْضُ رجًّا} تأكيد يدل على قوة هذه الحركة وهذه الرجة، {إِذا زُلْزِلتِ الْأرْضُ زِلْزالها} [(1) سورة الزلزلة].

{إِذا رُجّتِ الْأرْضُ رجًّا} "حركت حركة شديدة"، {وبُسّتِ الْجِبالُ بسًّا} [(5) سورة الواقعة] "فتتت"، جبال تكون مثل الرمل، أو أقل من الرمل مثل الهباء، الغبار أنت إذا فتحت النافذة ودخلت الشمس ونضرت إلى الشمس الداخلة من هذه النافذة تجد يتحرك فيها، شيء ما يمكن أن يمسك، مهما حاولت تمسك ما تمسك شيء، هباء تكون الجبال هكذا، التي جعلها الله -جل وعلا- لتثبيت الأرض وإرسائها، {إِذا رُجّتِ الْأرْضُ رجًّا} حركت حركة شديدة {وبُسّتِ الْجِبالُ بسًّا} يعني "فتتت"، فتت فكانت -يعني الجبال- هباء يعني غباراً مبنثا يعني منتشراٍ في الهواء، ينتشر بنفسه ما يحتاج إلى ريح تنشره، ينتشر بنفسه فيكون كالهباء الذي يدخل مع النوافذ وتوضحه وتبينه الشمس، والجو مملوء بمثله ونحن لا نشعر به ولا نراه إلا إذا كان في شمس في ظلام، يمكن أن يراه قوي البصر، وأما إذا كنا في شمس دون ظلام أو في ظلام دون شمس، فإننا لا نراه مهما وضعنا من الأجهزة، والجو مملوء من مثل هذا مما لا يحس به، فإذا كان لا يحس به فما جرمه وما زنته لا هذا ولا هذا لا يزن شيء، يعني تجد كفة الميزان فيها الملايين من هذا الهباء، لكن هل ترجح هذه الكفة بالهباء؟، ما ترجح؛ لذا في قوله: {إِذا رُجّتِ} يقول المؤلف: الثانية بدلاً من الأولى، بدل، بدل من الأولى، "وإذا" الأولى والثانية، مثل ما قلنا أولاً إما ظفر وإما شرط أو منصوبة بفعل مقدر تقديره اذكر يا محمد لقومك {إِذا وقعتِ الْواقِعةُ} و {إِذا رُجّتِ الْأرْضُ رجًّا}.

يقول -رحمه الله- تعالى: {وبُسّتِ الْجِبالُ بسًّا} [(5) سورة الواقعة] اختار المؤلف أن معنى {بُسّتِ} "فتتت" من بين أقوال لأهل العلم منها "سيرت"، وفي الحديث الصحيح: "لما فتحت الأمصار كما هو في صحيح مسلم فذهب الناس يبثون يعني إن هذه الأمصار كمصر والشام والعراق واليمن، يعني يسيرون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" فالبث بمعنى السير. . . . . . . . . لأنهم يسيرون بأهليهم وأموالهم ودوابهم سيراً بطيئاً، {وترى الْجِبال تحْسبُها جامِدةً وهِي تمُرُّ مرّ السّحابِ} [(88) سورة النمل] يعني تسير مثل السحاب، وهذه مما قيل في تفسير هذه الآية، لكن اختيار المؤلف أن {بُسّتِ} معناها "فتتت" فكانت هباء أي غباراً منبثاً يعني منتشراً، منتشراً في الجو، و"إذا" الثانية بدل من الأولى، بدل من الأولى كما ذكرنا في أول الأمر، أن "إذا" سواء كانت الأولى أو الثانية، موقعها واحد إما شرطية أو ظرفية أو منصوبة بالفعل المقدر أذكر كما يقدره العلماء في جميع المواضع من التفسير، {وَكُنتُمْ} في يوم القيامة إذا وقعت الواقعة، {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا} [(7) سورة الواقعة] أصنافاً، يعني كل صنف يسمى زوج؛ لأنه يشابهه، فيميل إليه كما يميل الزوج إلى زوجته للمشابهة، وأنت تجد إذا كان بين اثنين نوع تشابه وجدت بينهما نوع ميل، فهم أصناف وأزواج متشابهون، وكل صنف يشبه بعضه بعضاً من هذه الأصناف والأزواج الثلاثة، {وَكُنتُمْ} في القيامة {أَزْوَاجًا} أصنافاً {ثَلاثَة}، ثم جاء التبيين والتفصيل، ثم يجيء النشر بعد اللف، يعن ذكر العدد إجمالاً ثم بين، وفائدة ذكر العدد المجمل كما قرر أهل العلم أنه ينفع للتذكر، ينفع في التذكر، يعني لو قال: كنت أصنافاً أو أزواجاً ما قال ثلاثة، أو قال: اجتنبوا الموبقات، أو قال أهل العلم أركان الصلاة ثم عددوها، إذا أراد الإنسان أن يستذكر حفظه يراجع حفظه، ويستذكر المعلومات التي حفظها أركان الصلاة أربعة عشر يفترض أنه ما قال أربعة عشر، ثم حفظها فأخذ يراجعها، عدد منها أحد عشر وترك ثلاثة، قد يظن أنه أتى عليها جمعياً لكن لما يقال أركان الصلاة أربعة عشر، ثم يأتي يعدد بأصابعه فإذ عدد أحد عشر قال: باقي ثلاثة أين الثلاثة؟

ثم يراجعها مرة ثانية حتى يضبطها وهنا {وكُنتُمْ أزْواجًا ثلاثةً} [(7) سورة الواقعة]. ((اجتنبوا السبع الموبقات))، حفظها الإنسان؛ لأنها من الأوامر الشرعية فيحفظها ليجتنبها، لو لم سبع اجتنبوا الموبقات، حفظ الحديث ثم ذكر ست ما الذي يدريه أنه ترك واحدة؟، لكن لما يقال: اجتنبوا السبع الموبقات، ثم يعددها واحدة اثنتان ثلاث أربع خمس ست، بقيت واحدة، فيرجع إلى الحديث ليتذكر هذه الواحدة التي نسيها وهذه فائدة جاءت بها النصوص من الكتاب والسنة كما هنا وفي الأحاديث، لكن قد يرد مثل حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة))، ثم إذا عددنا في النصوص وجدنا أكثر من ثلاثة، وأوصلها بعض الشراح إلى سبعة، سبعة! كيف الرسول -عليه الصلاة والسلام- يحصر العدد في ثلاثة وتصل إلى سبعة، اعتماداً على نصوص ليس من فراغ أو اجتهاد أو قياس لا، اعتماداً على نصوص؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر بالثلاث ثم أخبر بالزيادة، بما زاد على، وهذا أيضاً جاءت به بعض النصوص، وأساء الأدب من الشراح من قال: في هذا الحصر نظر، ينظر في كلام من؟ ينظر في كلام من لا ينطق عن الهواء، هذه إساءة أدب وغفلة من هذا القائل، وإن كان عن عمد وتيقن فالأمر أعظم، {وكُنتُمْ أزْواجًا} يعني في ذلك اليوم، إِذا وقعتِ الْواقِعةُ، أزواجاً يعني أصنافاً ثلاثة، يأتي بينها إن شاء الله في الدرس اللاحق ونشوف بعض الأسئلة. يقول: ذكرتم أن الفاعل والمفعول في قوله تعالى: {إِذا وقعتِ الْواقِعةُ} من مادة واحدة وأن التفسير من مادتين؟ لا، لا هذا خطأ، هذا سبق لسان، هذا ليس بصحيح، سبق لسان مني. يقول: أرجو التوضيح ببسط أكثر "كاذبة ومكذِّبة" من حيث المعنى ووجه اختيار الأول دون الثاني للآية؟

لا شك أن الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف الواقع، فإذا استطاع بما أوتي من حرية أن يكذب ويخبر عن القيامة بخلاف الواقع حال الحياة فإنه لن يستطيع أن يخبر بخلاف الواقع إذا قامت القيامة، ووقعت الواقعة؛ لأنها تكون محسوسة، ولا يستطيع أن يكذب أو يكذِّب في المحسوسات، لو أن شخصاً قال: إن الشمس طالعة الآن، إن الشمس طالعة، نقول: كاذب؛ لأنه يخبر عن الشيء بخلاف الواقع، وهل يمكن أن يقول إنسان سوي الشمس طالعة في الليل يستطيع؟ سوي لا يستطيع، لا يمكن، وإذا قامت القيامة ووقعت الواقعة، هل يستطيع إنسان أن يكذب في خبر، فهو كاذب إذا قال: إنها ليست قائمة أو واقعة فهو كاذب، وحينئذ لا يوجد كاذب في ذلك الوقت؛ لأنه لا يستطيع إنكار ما يُرى بالعين المجردة، ولو أخبره مخبر يعني في الدنيا يمكن أن يكون مكذب، ويمكن أن يكون كاذب، وفي الآخرة يختار الكاذب؛ لأنه يخبر عن الشيء بخلاف الواقع؛ لأنه إذا وقع ما يحتاج أن يخبر به، هو في الدنيا أُخبر بأن القيامة ستقع، وحينئذ يكون مكذباً إذا نفى وقوعها، لكن في القيامة هل يخبر بأنها قامت، فيقال مكذب، لا إنما يقال: كاذب؛ لأنه أخبر عنها بخلاف الواقع. طالب:. . . . . . . . . أي مجنون إذا قال الشمس طالعة في الليل فهو مجنون. يقول: كتب التفسير كثيرة، ولكن نريد منك أن تذكر لنا بعض الكتب التي توصي بتلقي التفسير منها؟ هناك أشرطة خمسة أشرطة سميت: (كيف يبني طالب العلم مكتبته)، ذكرت فيها كتب التفسير التي تصلح لجميع طبقات المتعلمين، فليرجع إليها. يقول: ما درجة صحت حديث: ((فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر))؟ حديث صحيح من حديث عائشة، وجاء فيه أيضاً في المسند: ((إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة)). هذا يطلب يقول أيضاً: لو ذكرتم حد الإقامة والمسافر لكي يصبح مقيماً؟ الجمهور على أن حد الإقامة أربعة أيام، فما زاد عنها فهو في حكم المقيم. ما صحة حديث: ((من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة))؟ هذا مروي من حديث ابن مسعود عند الترمذي وغيره لكنه ضعيف، لكنه ضعيف.

عثمان بن عفان الخليفة المعروف الراشد الثالث زار ابن مسعود في مرض موته، فقال له: "ألا نعطيك من هذا العطاء"، فقال له: لا يريد، وسأله عما يشتكي؟ قال: "أشتكي ذنوبي" وماذا تشتهي؟ قال: "أشتهي رحمة ربي"، يشتكي ذنوبه، ويشتهي رحمة ربه، فقال: "ألا نعطيك" قال: في بعض الروايات منعتني بالحياة وتعطيني بعد الممات قال: يكون لبناتك من بعدك، قال: "بناتي أوصيتهن بقراءة سورة الواقعة، فإن من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة"، لكن الخبر ضعيف، الخبر ضعيف، هل يقال أن بين عثمان وبين ابن مسعود خلاف؟ بحيث منعه العطاء في دنياه، ابن مسعود فوق السبعين من العمر، وعثمان بن عفان -رضي الله عنه- خليفة المسلمين يقول: "ألا نزوجك بكراً تعيد لك ما مضى من شبابك"، ابن مسعود فقير، وهذا الخليفة، يقول له الخليفة: "ألا نزوجك بكراً تعيد لك ما مضى من شبابك"؟ يعني ما بينهم خلاف، فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر الشباب)) ما قال يا معشر الشيوخ ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج))، قال: ((يا معشر الشباب))؛ لأن في تزويج الصغيرة للكبير ظلم، اللهم إذا رضيت، وكان في هذا الكبير ما يجبر هذا النقص، وفيه قوة وقدرة على الباءة؛ فالأمثلة كثيرة من هذا النوع، لكن في الغالب أن الشيخ مآله إلى ظلم هذه الصغيرة، وعلى كل حال الحديث ضعيف عند أهل العلم. ما أفضل مختصرات ابن كثير؟ في بعض العبارات لتي تصدر بها الأسئلة أجيب عنها أنا سراً، يعني ما يحتاج إلى أن أذكرها. ما أفضل مختصرات ابن كثير -رحمه الله-؟

من مختصراته: تفسير الشيخ أحمد شاكر، عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير، صدر منه خمسة أجزاء في حياة الشيخ أحمد -رحمه الله-، هذه الخمسة لا نظير لها في المختصرات؛ لأنه تولها الشيخ بنفسه وصححها وأشرف عليها، وصاغها بأسلوبه، ثم بعد ذلك بعد زمن طويل كُمِّل الكتاب ونسب إلى الشيخ، الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- اعتناء بالخمسة الأجزاء إلى سورة الأنفال، الأجزاء من مطبوعه، والشيخ يطبع بحجم صغير، يعني لو طبعت في مجلدين متوسطين، لكن ميزة هذه الأشياء أن الشيخ صاغها بأسلوبه، والشيخ بارع في هذا الباب، وأشرف عليها بنفسه حتى في الطباعة هو الذي صححها، أما بقية الكتاب فأكمل من نسخته من تفسير ابن كثير؛ لأن الشيخ -رحمه الله- قرأ في تفسير ابن كثير، وشطب على التكرار، وأبقى ما ليس فيه تكرار، فطبع هذا القسم الذي أبقاه وترك ما شطبه من ابن كثير، وسمي بمختصر الشيخ أحمد شاكر، نعم باعتباره هو الذي ألغى، وهو الذي أثبت، ينسب إليه لكن ليس مقامه وقدره مثل ما تولاه بنفسه وصاغه بأسلوبه. هذا يذكر أن بينه وبين أخ له خصومة، وأنه لم سمع تفسير: {خافضة رافعة} وأنه أخذ عليه مبلغاً كبيراً من المال، وأنه نوى أن يتركه لهذه الآية؟ جزاه الله خيراً، وعوضه خير من ذلك في دنياه وأخراه. حديث: إدراك تكبيرة الإحرام أربعين يوماً؟ هذا فيه كلام لأهل العلم، وإن قواه الشيخ الألباني -رحمه الله-. ومثله حديث: الجلوس إلى طلوع الشمس وارتفاعها من حيث الأجر المحدد بحجة تامة، هذا في كلام أيضاً لأهل العلم، لكن منهم من حسنه بمجموع طرقه، وأما مجرد الجلوس إلى ارتفاع الشمس فهو صحيح ثابت من فعله -عليه الصلاة والسلام-؟ حديث: دخول السوق، أيضاً ضعفه بعضهم مما اشتمل عليه من الأجر العظيم على العمل اليسير، وقواه آخرون؛ فليحرص الإنسان على ما جاء في هذه الأحاديث، وإن قيل فيها ما قيل. ما صحت حديث: ((من قرأ سورة الإخلاص عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة)). هذا الحديث حسن. يقول: لو كنت في صلاة سرية، وكنت إماماً، وقرأت سورة فيها سجدة، فهل أسجد أم أترك السجود حتى لا ألبس على المأمومين صلاتهم؟

الأولى أن لا تقرأ، يعني قراءة السورة التي فيها سجدة في الصلاة السرية، الأولى أن لا تقرأها لئلا تلبس على المأمومين، وإن قرأتها وجهرت بآية السجدة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يسمعهم الآية أحياناً وسجدت حصل المقصود. يقول: ما حد عورة المرأة أمام محارمها، وأمام النساء، وما مقدار عورتها أمام الرجال، وهل يداها عورة أمام الرجال، نأمل الإجابة والتوضيح لحاجة الناس في هذا الزمان وخاصة النساء؟

عورة المرأة أمام المحارم هي ما يظهر غالباً، من الذراعين والقدمين، والرأس والشعر، والعنق، وما تحتاج إليه في الوضوء، هذه تحتاج إليها، وهي غالباً تخرج؛ لأنها لو كلفت أن تستر جميع بدنها أمام المحارم لشق عليها ذلك، وهي عورتها أمام النساء؛ لأن النساء عطفن على المحارم في آيتي النور والأحزاب، وإن كان قول جمع من أهل العلم، وينسبه بعضهم إلى الجمهور أن عورتها أمام النساء كعورة الرجل أمام الرجال، من السرة إلى الركبة، لكن هذا القول لا يدل عليه دليل، وإن كان قول الجمهور، والآيتان في سورة النور والأحزاب تردان هذا القول، فعورتها عند النساء مثل عورتها أمام المحارم، وترتب على إفتائها بقول الجمهور أنه تنازل كثير من النساء وتساهلوا في أمر الحجاب، وأُظهرت العورات، بل العورات يعني شيء يندى له الجبين. يذكر بعض النساء أنه في بعض المناسبات ترى العورات المغلظة، يلبس عليها أشياء رقيقة لا تسترها، ويذكرون أشياء لا يمكن الجهر بها، كل هذا من آثار هذه الفتوى التي لم تدرس آثارها، مع أن الآية في سورة النور وفي سورة الأحزاب عطفت النساء على المحارم، فيبقى أن ما تظهر لأخيها ولأبيها ولعمها ولوالد زوجها وابن زوجها مثل ما تظهره للنساء، وتظهر للنساء ما تظهره لهؤلاء المحارم، وإذا وجد فتنة وافتتان حتى من النساء، يعني لو وجد فتنة بالنسبة للأخ مع أخيه لا تجد لا يجوز لها أن تبدي شيئاً من بدنها، وإذا وجد فتنة وأهل العلم يركزون على ولد الزوج، على ولد الزوج، والفتنة تحصل به كثيراً مع أنه محرم، فإذا وجد مثل هذه الفتنة، فإنه لا بد من سد هذه الذريعة، وأيضاً النساء وجد منهم وبينهن ما يوجد بين الرجال والنساء وعثر على ممارسات لا يمكن أن تذكر في هذا المكان وبين هذه الوجوه، والأخوان المتتبعون لهذه الأمور يذكرون صوراً عديدة من هذا النوع. يقول: على عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما سمع امرأة لعنت الناقة قال: ((دعيها فإنها ملعونة)) هل هذا يشمل كل من لعن دابته وسيارته أو غيرها في هذا الزمن؟

هذا المكان الذي نام فيه النبي عله الصلاة والسلام، نام النبي -عليه الصلاة والسلام- عن صلاة الصبح فما أيقضهم إلا حر الشمس فأمر بالانتقال منه، وقال: إن هذا المكان حضر فيه الشيطان، هل يلزم كل من نام في مكان وفاتته الصلاة أن ينتقل من هذا المكان؟ أو إذا انتقل من هذا المكان هل يعود إليه مرة ثانية يعني حضر في هذا الوقت فقط، ثم خرج منه، مسائل تحتاج إلى النظر في معنى الحديث، والهدف والسبب في إيراده. قد يقع مثل هذا الكلام، قد تعزر هذه المرأة؛ لأنها لعنت هذه الدابة، ويؤدب الجميع وتصير عبرة للأمة كلها، لكن هل هذا التأديب يصل إلى هذا الحد عند جميع من لعن، اللعن أمره عظيم وشأنه خطير، الطرد من رحمة الله، و ((لعن المؤمن كقتله)) كما جاء في الحديث ولا .... أن يعزر الإنسان بمثل هذا، نفوت عليه شيئاً من أمر الدنيا لئلا يعود مرة ثانية إلى اللعن؛ لأن أمر اللعن عظيم وشأنه خطير، وكثير من الناس يعني يسهل عليه أن يلعن حتى نفسه، ويعلن والديه، يعني يجري على لسانه، ومعاشرة قرناء السوء تدعو على مثل هذا، بعضهم يقلد بعض بحيث يشعر أو لا يشعر، لكن مع ذلك كونها تؤمر، كون الإنسان إذا لعن السيارة مثلاً يقال اتركها، وإذا ذكرك هل هي طيبة أو خبيثة بمعنى أنها وتصدق بها أو تصرف إلى جهة شرعية هي خبيثة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((دعيها فإنها ملعونة))، ومع ذلك كان الصحابة يرونها ولا يتعرضون لها، وقد تموت ولا يستفاد منها، فهل مثل هذه الأموال تهدر، يعني هناك ما يعارض المفهوم الظاهر من هذا الحديث من النهي عن إضاعة المال. وعلى كل حال المسألة تقدر بقدرها، فإذا وجد إنسان مستهتر باللعن، فمثل هذا يعزر بمثل هذا، وإذا وجد إنسان لم يعرف بهذا الأمر، وحصل منه زلة أو غفوة أو سبقت لسان أو غلب على أمره، فقال على كلمة لم تخطر على باله، هذا حكمه آخر. ما حكم لبس الخاتم للرجال؟ الخاتم إذا كان المقصود منه كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في خاتمه أنه لم يلبسه حتى قيل له: إن فارس لا يقرؤون الكتاب إلا مختوماً فاتخذ الخاتم، فمن اقتدى به وهو يحتاج إليه كان من قبيل المشروع المسنون، وإن كان لا يحتاج إليه فهو من المباح.

يقول: وقع حادث لأحد الأشخاص وذلك في طريق شديد الانحدار العقبة، حيث لم يتمكن من السيطرة على سيارته، وقد خرجت عن طور سيطرته بسبب هذا الانحدار الشديد مما نتج عنه وفاة ابن له، فهل عليه شيء؟ نعم عليه أن يصوم شهرين متتابعين إلا إذا استطاع أن يعتق رقبة. إذا جاء وقت الإقامة نبهوني، وصل .. وقت الإقامة. يقول: البسملة إذا كانت من القرآن وهي آية مستقلة، فلماذا لا يجهر بها بالصلاة الجهرية؟ إذا كانت آية مستقلة وليست بآية من كل سورة فليست من هذه السورة، وإذا جهر بهذا السورة، فإنه لا يجهر بها، هي من القرآن، لكن ليست من هذه السورة، كما لو قرأ آية من السورة التي قبلها، يعني لا يجهر بها، إنما إذا قرأ الفاتحة، وجهر بها، ونظر لوجود الخلاف بين أهل العلم في هذه الآية في هذه الجمل يعني البسملة، فإنه لا يجهر بها لا سيما وأن الجمهور على أنها ليست بآية، وأما الشافعية الذين يرون أنها آية على قول عندهم من كل سورة أو من الفاتحة فقط فإنه يجهرون بها، فإنهم يجهرون بها، ومن يرى أنها ليست بآية فإنه لا يجهر بها. هل يجوز الكتابة على المصحف للتعليم مثلاً، توجيه الطلاب لوضع خط تحت الكلمات الصعبة؟

هل تأذن بالتصرف بداخل المصحف وبين أسطره وآياته لا ينبغي، ينبغي الحذر من ذلك، ونرى في المصاحف التي كانت للطلاب يدرسون فيها أشياء، تصرفات لا تليق بالقرآن، فعلى المعلمين أن ينتبهوا لهؤلاء الطلاب، ورأينا فيها أرقام وعبارات بذيئة، بل رأينا فيها صور، فعلى المعلم أن ينتبه لهؤلاء الطلاب، وعلى الأب إذا أراد أن يضع مصحف ابنه في المسجد أن يفحصه ويفرده قبل ذلك، فما كان فيه من عبارات تمسح تطمس، وإذا كان فيه شيء زائد يمحى ويزال؛ لأن هذا يؤثر في كلام الله، هذا أثره سيئ حتى من يقرأ في هذا المصحف ويطلع على رقم، ويجد مكتوب عليه اسم بنت مثلاً، هذا خطر على هذه البنت، ويجد فيه صورة مثلاً يعني سوف يجد بمبالغات يعني كلكم رأى هذا، يعني. . . . . . . . . في المصاحف التي توضع في المساجد بعد أن يفرغ منها الطلاب نجد هذه الأشياء، يعني الصورة رأيناها مرة، لكن الأرقام كثيرة، والأسماء من بنين وبنات كثيرة أيضاً، وبعضهم جمل بذيئة موجودة، فمثل هذا لا بد أن يفرز ويفحص قبل أن يدخل في المسجد. هناك أشياء مؤثرة لا يمكن إزالتها ويوجد مشاريع، يوجد مشاريع، سنها بعض أهل الفضل، بأن يوجد معامل تجليد خاصة بالمصحف، فتجمع هذه المصاحف ويؤخذ من هذه المصحف هذه الملزمة نظيفة، ومن هذا المصحف مثلاً هذه الملزمة، ويلصق من عدة مصاحف مصحف متكامل نظيف، ويتلف ما فيه ما فيه، فهذه سنة حسنة، سنها بعض الأخيار، فيرجى أن يكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا عمل طيب وخير، ينبغي أن يحتذى في جميع البلدان؛ لأننا وجدنا كتابات على المصاحف حقيقة إساءة بالغة إلى المصاحف. طالب:. . . . . . . . . تحرق، تحرق القدر الزائد الذي لا يمكن تصفيته وتنقيته يحرق ما في إشكال. طالب:. . . . . . . . . لا، تحرق ما في إشكال، هذه صيانة لها، إحراقها صيانة لها، وليس امتهاناً لها. بارك الله فيك يا شيخ. جزاكم الله خيراً، والله أعلم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

سورة الواقعة (2)

تفسير الجلالين - سورة الواقعة (2) مقدمة عن مختصرات تفسير ابن كثير- النهي عن الكتابة - الكلام على قوله تعالى: {وكنتم أزوجا ثلاثة ... إلى قوله: والسابقون السابقون}. الشيخ: عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. في درس الأمس جاء سؤال عن مختصرات ابن كثير، وذكرت مختصر الشيخ أحمد شاكر، ثم بعد ذلك تركت الباقي، يعني نسيانا، فمن من مختصراته إضافة إلى عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير للشيخ أحمد شاكر، الذي ذكرناه بالأمس منها مختصر لمحمد نسيب الرافعي، وهو مختصر جيد، وعليه تعليقات جميلة لاسيما بما يتعلق بالعقيدة، فيه أيضا مختصر لمجموعة من المشايخ من مدرسي دار الحديث بمكة، صدر حديثا وهو كتاب جيد يمثل نفس الحافظ ابن كثير لأنه من أسلوبه، ولهم عناية في الاقتصار على الأحاديث الصحيحة، فهو مختصر جيد، فيه أيضا مختصر للشيخ صفي المباركفوري، مختصر نافع، هذه المختصرات الأربعة كلها اطلعت عليها وكلها جيدة ونافعة، هناك مختصرات أخرى لا أستطيع الحكم عليها لأني التصور عنها ليس بكامل، أما هذه فحصتها وخبرتها، فأربعة مختصرات كلها نافعة، وفي الدرجة الأولى منها كمختصر الشيخ أحمد شاكر إلى سورة الأنفال، هي الخمسة الأجزاء التي طبعة في وقته وأشرف على تصحيحها وصاغ بأسلوب لا نظير له، ثم بعد ذلك مختصرات متقاربة، لاسيما مختصر الشيوخ المدرسين في دار الحديث مع مختصر الشيخ المباركفوري متقاربة على حد كبير، مختصر الشيخ محمد بن سيد الرافعي مختصر أكثر اختصار منه لكن ميزته في التعليقات التي ذكرها الشيخ -رحمه الله-.

وفي أيضا مسألة أشرنا إليها وطلب بعض الأخوة التفصيل فيها، وهي مسألة النهي عن الكتابة في حديث أبي سعيد في صحيح مسلم: ((لا تكتبوا عني شيئا سواء القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فل يمحه)) قيل أن هذا كان في أول الأمر خشية أن يختلط غير القرآن بالقرآن، ومنهم من حمل النهي على كتابة غير القرآن مع القرآن في صفحة واحدة، ومنهم من قال: إن النهي عن الكتابة خشية أن يعتمد الناس على الحفظ على الكتابة ثم يضيع الحفظ، ولا شك أن الكتابة لها أثر في إضعاف الحفظ، وكل إنسان يجرب هذا من نفسه، يعني إذا كتبت أي معلومة وأودعتها الورق، لم تهتم بحفظها، والأرقام شاهدة بذلك بينما كان الناس في الهواتف العادية معهم دليل بعض الأرقام يحفظها لأنه تهمه، وبعضها يكتبها فيحفظها بالكتابة، لي نظير ما في الآن من كتابات في الجوال وأرقام في الجوال، تجد الإنسان لا يحفظ ولا رقم أمه ولا أبيه، لماذا؟ لأنه معتمد على كتابتها، لكن لو لم توجد هذه الخدمة اضطر أن يحفظها ولو أقرب الناس إليه، والناس يختلفون في الحافظة بالنسبة لهم تختلف من شخص إلى آخر، عرفنا أناس لا يحملون الدليل دليل الهاتف، يعني قبل وجود الجولات لا يحملون الهاتف وإنما يحفظون كل ما يسمعون من الأرقام، وبعضهم لا يستذكر ولا رقم واحد، وبعضهم يستذكر شيئا وينسى أشياء، وكلفة ذلك ممن له اهتمام بأي شيء بالسيارات مثلا تجده ما تمر عليه سيارة إلا وقد حفظ الرقم، لكن لو كتب عنده نسيه، وهذا هو الذي حصل، لم نهي عن الكتابة اعتمد الناس على الحفظ، صاروا كلهم حفاظ ثم أذن فيها فيما بعد: ((اكتبوا لأبي شاه))، الحديث في الصحيين، قال أبو هريرة: "ما كان أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أكثر حديثا مني إلا ما كان من

عبد الله بن عمر فإنه كان يكتب ولا أكتب"، ثم استمرت الكتابة فردية كل واحد يكتب مروياته ويختصر عليها، إضافة إلى اهتمام الناس بالحفظ في الصدر الأول، والحفاظ ما اعتمدوا على الكتابة كليا لكن لما أذن بالكتابة والتدوين الرسمي من قبل عمر بن عبد العزيز بل أمر به، عمر بن عبد العزيز أمر بالكتابة وأن تدون السنة تدوينا عام شامل فصنفوا المصنفات، ومازالت هذه المصنفات. . . . . . . . . حتى اعتمد الناس على الكتابة ونسي الحفظ، إلي أعلم البرامج الموجودة الآلية حفظت لنا خمس مائة ألف حديث، يعني: بطرق ورواياته، يعني خمسمائة طريق، يعني بدون تكرار لا يصل ولا إلى عشر هذا المقدار، لكن الحديث يكون له عشرين أو ثلاثين طريق يعد حديث واحد، يعد أحاديث في العرف السابق، يعد أحاديث في العرف السابق، وفي عرف المتأخرين يعد حديثا واحدا إذا كان الصحابي واحد، ومع ذلك يحفظ الإمام أحمد سبعمائة ألف حديث، أكثر من البرامج الموجودة، وأبو داوود خمسمائة ألف، وغيره ست مائة ألف وهكذا المقصود أن الناس استرسلوا في التصنيف واعتمدوا على الكتابة فنسوا بل ضاع الحفظ، إلى أن وصلنا إلى وقتنا أو إلى قريب من وقتنا والناس لا يحفظون، يعني: الذي يحفظ البلوغ يقال له محدث، الذي يحفظ البلوغ يقال له محدث، من الذي يجرى على حفظ المنتقى أربعة ألف حديث من غير سند وفي سطر أو سطرين، هذا نادر جدا ثم بعد ذلك أفنية هذه السنة المندثرة، ولو كانت تختلف عن طريقة المتقدمين لأن المتقدمين يحفظون بالطرق وبالأسانيد والمتون كاملة، وهؤلاء يقتصرون على المقتصرات، وعلى كل حال هي نعمة، وفتح بالنسبة للحفظ السنة، والله المستعان، استمر الأمر على الكتابة، وصار الناس يكتبون ويودعون النصوص، وقل الحفظ صار هو على حساب الحفظ ثم جاءت المطابع، جاءت المطابع التي تطبع الكتاب في عشرة مجلدات وعشرين مجلد، وازداد الأمر سواء، لأن طالب العلم يشتري فتح الباري، أو تفسير الطبري ويودعه في الدالوب عنده في الرف، ومتى يرجع إليه؟ متى يرجع إليه؟ عند الحاجة، لكن لو لم توجد هذه المطابع لضطر أن يستعيره ويطلع عليه ليعيده إلى صاحبه، أو يضطر أن يكتب ما يحتاجه منه والكتابة رغم أنها على حساب

الحفظ إلا أنها وسيلة من وسائل تثبت العلم، يعني: الاعتماد على الآلات لما جاءت الآلات لشك أنه بان النقص في الناس، اعتمد الناس على هذه الآلات بحيث يتيسر له الأمر بضغطة أزر خرج لك الحديث من أربعين طريق ثم ماذا إذا أغلق هذا الجهاز كم يثبت في ذهنه من حديث؟ الجواب: لا شيء، يعني خيال يعني يثبت له شيء ما يعطيه تصور عن الحديث ولا إجمال لكن الذي يكتب أفضل من الذي يعتمد على الآلة بكثير، ومن يعتمد على الحفظ أفضل بكثير من الذي يكتب، لأن العلم لاسيما نصوص الوحيين لا بد لها من حفظ، ما يعتمد فيها على مجرد التماس أو تعبير أو تذكر أو شيء لا لأنها علمية محضة، تحتاج إلى حافظ قوية وتحتاج أيضا إلى فهم دقيق، على كل حال كل ما استحدث شيء جديد صار على حساب العلم، وإن كان ييسر، ييسر بالنسبة لطالب العلم، يخدم طلاب العلم لكن العلم متين لا يستطاع براحة الجسم، لا يستطاع العلم براحة الجسم، هذا قاله يحيى ابن كثير كما في صحيح مسلم في كتاب المواقيت، مواقيت الصلاة، وكثير من الشراح تعجب من إيراد هذا الأثر في هذا الموضع، وقال يحيى ابن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسم"، أين مواقيت الصلاة وقت صلاة الصبح وقت صلاة الظهر، صلاة العصر إلى أخره بين الأحاديث لا يستطاع العلم براحة الجسم، بعضهم يقول: هذه مقحمة مالها، يعني: مالها مناسبة، ولكن الإمام مسلم أعجبه تصرف بعض الحفاظ من الرواة في سياق المتون والأسانيد، فهجمت عليه هذه الجملة من حيث لا يشعر ليبن لطلاب العلم أنه لا يمكن أن يودعك مثل هذا العلم وهذا الحفظ إلا مع التعب، فالتحصيل ومن قرأ في سير العلماء ورأى من صبرهم على شدائد التحصيل، هان عنده كل شيء، ورأى أن العلم لا يمكن أن يأتي بهذه السهولة، لا بد من معاناة لا بد من تعب، واحد من الشيوخ توفي - رحمة الله عليه - قبل قبل ستين سنة، توفي - رحمة الله عليه - في ليلة زواجه، في ليلة الزواج لما دخل على المرأة تذكر آية، فأشكل عليه معناها فدخل مكتبته فلم يفق إلا بأذان الصبح، من تفسير إلى تفسير من تفسير إلى آخر، ليلة عرس ليلة زواج، وقبل أن يقضي شيء من حاجته، العلم يحتاج إذا أعطيته كلك أعطاك بعضه، لكن إذا تراخيت ما أمسكت

شيء، فعلينا أن نهتم في تحصيل العلم، والملاحظ على بعض طلاب العلم أنهم صاروا يعتمدون على هذه الآلات وفي النهاية لا شيء لا شيء، قد يقول قائل: إن هذه الآلات نفعت كانت في السابق طالب العلم يستطيع أن يخرج الحديث من خمسة مصادر في ساعة أو ساعتين، الآن الحديث يخرج له من عشرين وثلاثين مصدر في خمس دقائق، ويطلع على ما لم يطلع عليه من نفسه، نقول: هذه الآلات نعمة من نعم الله، لكن ينبغي أن تستغل على الوجه النافع، هذه الآلات يستفاد منها متى، لا يستفاد منها في تحصيل العلم ولا تأصيله، إنما يستفاد منها إذا ضاق الوقت أو للاختبار العمل، يعني خطيب بقي عليه خمس دقائق وعنده حديث لا يدري ما درجة هذا الحديث نقول: ما في مانع أن تستفيد من هذه الآلات وتعرف درجة الحديث، لأنه ما في خيار الآن، الثاني: من أراد أن يختبر العمل، حرص على تخريج الحديث مثلا، أو الإطلاع على أقول أهل العلم في مسألة ماء بأدلتها، وجمع ما جمع ثم أراد أن يختبر عمله، هل هناك طريق لم يطلع عليه؟ هل هناك مصدر لم يصل إليه؟ هل هناك قول ما استطاع الوقوف عليه؟، يمكن أن يستفاد من الآلات وحينئذ القدر الزائد على ما تعبت عليه يجد في القلب حاجة ماسة فيثبت حينئذ، أما أن تعتمد على الآلة من أو الأمر، أصلك ما تهيئة، لكن إذا لم يبق إلا القدر الذي لام تستطع الوقوف عليه فإنه حينئذ يثبت في القلب بلا شك، وحينئذ يستفاد من الآلات بقدر الحاجة. هل يجوز تعليق لوحات مكتوب فيها ما شاء الله لا قوة إلا بالله، أوجزء من سورة: {قل هو الله أحد} من غير أن يعتقد فيها شيء؟ ذكر الله ينبغي أن يصان عن الامتهان، والقرآن ما أنزل لهذه الأمور، ما أنزل لتعليق إنما {هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} [سورة العنكبوت: 49] لا بد أن يكون في الصدور محفوظ ويتبع ذلك التلاوة حق تلاوته، ثم بعد ذلك العمل مهم. ما حكم قول صدق الله العظيم بعد قراءة آيات من القرآن وكذلك كتابتها بعد كتابة الآيات سواء كانت مسائل .... ؟

أما التزام ذلك فليس له أصل، التزامه في كل القراءة فلا أصل له، وإن أشار بعض المفسرين، يعني قال القرطبي وغيره: ينبغي لمن قرأ شيء من القرآن وفرغ منه أن يصدق الله ويشهد لنبيه بالبلاغ وهكذا، لكن التزام ذلك لا أصل له، يعني وإن ذكر أحيانا لا مانع له أما أن يلتزم في كل القراءة فلا. يقول: هل يجوز استعمال جهاز عارض البروجكتر خاص بالمسجد، هل يجوز استخدامه في مركز صيفي لدعوة الشباب؟

أولا: هذه الأجهزة تعرفون أنها محدثة، واستعمالها في العبادات استعمال للمحدث في العبادات، ليتوسع الناس في مثل هذه الآلات توسعا غير مرضي، يعني الأصل أن هذه الجهاز الذي يبلغ لما جاء إلى المسلمين اختلف في هذه العبادة، فمنهم من مات ولم يستعمله، يقول: استعمل الجهاز في صلاة أو في قراءة أو في علم هذا محدث، وليس عليه أمر النبي - عليه الصلاة والسلام - ولا عنه فنعته على هذا، على أنه نعت ومبتدأ، ومنهم من رأى أن مثل هذا الجهاز الذي يبلغ الصوت الحاجة إليه داعية، فإذ دعت الحاجة إلى مثل هذا من غير مفسدة ومصلحته راجحة وأمكن تخريجه على وجه صحيح فيكون بمثابة المبلغ، أي: يسميه أهل العلم المستملي، المستملي في الدروس فالشيخ لا يستطيع أن يبلغ عشرة الآلف فهل يقول له عشرة من المبلغين الذين هم يسمونهم المستملين، يسمى المستملي واحده المستملي، فيكون واحد في هذه الجهة وواحد في الجهة هذه وواحد بعد عشرة صفوف، والثاني كذلك، إلى العشرة، فإذا قال الشيخ كلاما نقله إلى الأقرب إلى الأبعد وهكذا، إلى أن يصل إلى أخر الجمع، هذا مستملي وهذا بمثابته، ولذلك الآن ندر أن يوجد من ينكر هذه الآلات في المساجد، ويندر من يقول أن الصلاة. . . . . . . . . لكن مع ذلك التوسع الموجود في استعمال هذه الآلات غير مرضي، يعني تجد المسجد ما فيه إلا خمسة أشخاص، الإمام وخلفه أربعة وتوجد مكبر صوت ما يخرج الأربعة إلا بصداع، يرفعون الصوت والمؤثرات على شان أيش؟ هؤلاء يكفيهم صوت الإمام، يكفيهم صوت الإمام، وتجد بعض الناس يتصرف في الصلاة من أجل متابعة هذا المكبر تصرفات لا تليق بالصلاة، فتجده إذا سجد يمد عنقه إلى المكبر الذي في الأرض من أجل أن يكون صوت التكبير، ولا داعي لهذا كله، يعني: هناك أجهزة متطورة تلتقط من بعيد لا تحتاج إلى مثل هذا، على كل هذا الأمور أنا من وجهة نظري أن الناس توسعوا فيها، توسعوا فيها ينبغي أن يقتصر فيها على قدر الحاجة، نأتي إلى البروجكتر والتصوير حفل تحفيظ القرآن يكون فيه تصوير. يكون فيه عرض على شان أيش؟، يعني بعض الأخوان القائمين على هذه الأعمال يقول: إننا إذا صورناها وعرضناها على التجار وراء هذا العمل تبرعوا لمثل هذه

المشاريع، لكن لو نكلمهم من دون، من دون صور ومن دون عرض ومن دون كل هذا لا يوجد، ما عند الله لا ينال بسخطه، فعلينا أن ننتبه لأننا نتقرب إلى الله بهذه الأمور، ننتبه لمثل هذه التصرفات إضافة إلى ذلك أنه يخرج مثل هذا الجهاز إلى مركز صيفي، يعني الذي تبرع به أوقفه على هذه المكان، هذا على القول بأنه لا شيء فيه مع أنني لا أقر مثل هذه الأمور لا جملة ولا تفصيل، لكن بعض المشايخ يتسامح ويحضر ويشغل حفل على ما قالوا وهو موجود ويصور ولا ينكر، نقول: أيضا هذا تعدي على إيقاف هذه الآلة على هذه المكان، هذا على فرض القول بأن مثل هذا سائب، أو لائق. رجل مسبوق سلم إمامه بعد الثلاثة في الصلاة الرباعية فقام يكمل ثم ذكر الإمام فقام للرابعة؟ السؤال: هل يرجع المأموم المسبوق ليأتم بإمامه أم لا؟ نعم يرجع، له أن يرجع لأنه لو لحق به ابتداء في الرابعة صلاته صحيحة، إذا يرجع. يقول: في مسند الإمام أحمد - رحمه الله تعالى- نجد أحاديث بعض الصحابة في غير مسند الصحابي نفسه، فمثلا نجد في آخر مسند عمر حديثا لأنس وست أحاديث لابن عمر كما في طبعة الرسالة؟

طبعة الرسالة أخذت من الطبعة الأولى الميمنية بترتيبها، لكن لا شك أن المسند صنف قديما، ونسخه كثيرة ومتفاوتة في بعضها ما ليس في البعض، والترتيب أحيانا يختلف، على كل حال تأليف المتقدمين لا يحاسب مؤلفيها كما يحاسب المؤلف المتأخر، فالمتقدمون لهم طرائف في التصنيف، هم يعتبرون الترتيب ترتيب الكتب يعني فضلة، وليس من متين العلم، يعني هو مجرد فقيد العلم وطالب العلم لكن ليس هو الأساس، الأساس أن تجمع مرويات هذا العالم في هذا الكتاب سواء تقدمة أو تأخرت، ولذلك تجد أحيانا في المناسبات فيها شيئا من القلق، منسبة إيراد الأحاديث تحت الباب أو باب بعده باب، تجديد فيها شيء من الذي لا تظهر له مناسبة، إذا إضافة إلى أن هذه المؤلفات يعني طرائق التصنيف فيها عند المتقدمين فيها تختلف عن المتأخرين، فمثلا يخرج الإمام أحمد ويروي الإمام أحمد بإجماع ما في حد خالف هذا، صنفه الإمام أحمد، إذا مالفائدة من قولهم حدثنا عبد الله قال حدثنا أبي، في المسند وعبد الله يروي المسند عن أبيه، طيب ما الذي دخل الراوي في الكتاب، نقول هذه طريقة للمتقدمين الراوي يثبت اسمه في الكتاب، لتتبين أن هذه النسخة من هذا الكتاب برواية فلان. حدثنا يحيى بن يحي قال: أخبرنا مالك، يستشهد مصنفات الشافعي، حدثنا ضبيه قال: قال الشافعي، والذي لا يعرف هذه الطريقة يحكم على هذه الكتب بأنها ليست لهؤلاء الأئمة، كما صنف بذلك من صنف بالنسبة للأم للإمام الشافعي كتب من كتب إصلاح أشنع خطأ في التاريخ الإسلامي، الأم ليست للإمام الشافعي على شان أيش؟ على شان فيها حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي أو قال الشافعي. هذا لا يعرف هجوم بمجرد وجود اسم الراوي في الكتاب، الأم للإمام الشافعي بإجماع من تقدم من الشافعية وغيرهم، المسند للإمام أحمد بإجماع من سبق من الحنابلة وغيرهم، وكذلك الموطأ وسائر الكتب، على كل حال طرائق المتقدمين تختلف عن طريقة المتأخرين في التصنيف، ومعلوم أن التصنيف كغيره من الأمور التي تحدث شيئا فشيئا تجدون في التأليف أول ما يؤلف في الفن صغير ثم بعد ذلك يأتي من يزيد على هذا المؤلف مسائل وأبواب وفصول ثم يأتي من يرتب وينظم ويهذب وهكذا في جميع العلوم.

هذا يقول: ما صحت حديث فضل سورة الواقعة: ((إذا قرأت كل ليلة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا)). ذكرنا بالأمس أنه حديث ضعيف من حديث ابن مسعود. يقول: في حديث أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أشد حياء من العذراء في خدرها؟ كيف ذلك والعذراء في خدرها تكون أقل حياء منها في غيرها؟ هذا الكلام ما هو بصحيح العذراء البكر أشد حياء من غيرها ويضرب بها المثل، هذا إذا كانت الفطر سليمة، أما إذا مسخت الفطر، وتغيرت الفطر كما هو الحال في عصرنا هذا لا يمكن أن يقاس عليها أحد، بل تجد العذراء أقل حياء من أمه أو جدتها التي عاصرت الحياة وعايشت الناس، والكتابات الآن تنم عن شيء، يعني تجد بنت ما تزوجت تكتب في شريط على قناة أو على شيء تكتب شيء يستحي الرجل من قراءته فضلا عن النطق به، هؤلاء ليسوا بمقياس الكلام فيمن بقي على فطرته، ولن تجتمع شياطين الأنس والجن. والأسئلة كثيرة نحتاج إلى أوقات للإجابة عليها، فنرجع إلى تفسير سورة الواقعة.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى - في تفسير السورة: {وكنتم أزوجا} يعني: في القيامة، يكون الناس أصناف كما أنهم في الدنيا أصناف، هم في الدنيا أصناف وهم في الآخرة أصناف، الدنيا دار ابتلاء، الناس فيها على ثلاثة أصناف، الناس فيها على ثلاثة أصناف: منهم: السابق، ومنهم: المقتصد، ومنهم: الظالم لنفسه، {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} [سورة فاطر: 32] وهو نظير التقسيم الذي سيأتي، فالسابق هم السابقون هنا، والمقتصد هم أصحاب اليمين، والظالم لنفسه هم أصحاب الشمال، التقسيم هنا والتقسيم هناك، مع أن أهل العلم يختلفون في القسم الثالث، إلي هو الظالم لنفسه، ما المقصود به؟ السابق معروف قالوا عنه: أنه هو الذي يفعل المأمورات، سواء كانت واجبات أو مستحبات، ويتركون المنهيات، سواء كانت محرمات أو مكروهات، والمقتصد الذي يقتصر على الواجب ويترك المحرم، ويفرط في شيء من المندوبات وقل يرتكب شيء من المكروهات، هذا مقتصد، لأن هذا كفاف لا له ولا عليه، يعني أبرأ خرج من عهدة الواجب والمحرم وما عد ذلك تركا المندوبات لأنه لا يعاقب عليها، وارتكب بعض المكروهات لأنه لا يعاقب على فعله، هذا مقتصد، نقول للأول: الذي اشترى سلعة وباعها بربح والثاني: باعها برأس ماله يبقى الثالث، الظالم لنفسه: هو الذي باع بخسارة، باع بخسارة، لكن هل الأقسام كلها في دائرة الإسلام؟ لأن آية الملائكة آية فاطر تدل على ذلك، {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ومنهم ومنهم} [سورة فاطر: 32] فكلهم مصطفون، ويبقى أن الظالم نفسه الذي ظلم نفسه بترك بعض الواجبات وارتكاب بعض المحرمات، وهل يطابق التقسيم الذي عندنا، السابقون، أصحاب اليمين، أصحاب الشمال، يأتي في أصحاب الشمال، ما أعد لهم في الآخرة من العذاب، فمن قال إن الظالم لنفسه، في آية فاطر يشمل المسلم المسرف على نفسه بترك بعض الواجبات، وارتكاب بعض المحرمات، كما أنه يشمل من ظلم نفسه بما هو أكبر من ذلك من الشرك والكفر والنفاق، فيدخل فيه من المصطفين من يدخل، ويدخل فيه أيضا من خرج عن دائرة الإسلام بارتكابه ما يخرجه عنها.

القسم الأول: هم السابقون ثم أصحاب اليمين، ثم أصحاب الشمال، أصحاب القسم الأول الذي هم السابقون، هم المقربون والقسم الثاني: هم الأبرار، فالمقربون أعلى درجة من الأبرار، والأبرار لا شك أن العاقبة لهم حميدة ولا إشكال بالنسبة لهم، لكن المقربون أفضل منهم، وهم المعبر عنهم بالسابقين، المقربون لهم أعمال والأبرار لهم أعمال، بالنسبة لأعمال الأبرار وهي دون أعمال المقربين دونها لكنها أعمال توصلهم إلى الجنة، وتنجينهم بإذن الله من النار، وكل ذلك برحمة أرحم الراحمين، يقول أهل العلم: إن حسنات الإبرار سيئات المقربين، حسنات الإبرار سيئات المقربين، ليس معنى هذا أنها سيئات يعاقبون عليها، لكنها أعمال أقل من مستواهم، إذا سلم الإمام واستقبل المأمومين ورأى رجلين يقضيان من الصلاة ما يقضيان، قال: فلان الله يهديه فاتته ركعة أو ركعتين، وقال للثاني: ودخل بعده فاتته ثلاث ركعات، ما شاء الله فلان صلى مع الجماعة، الناس يتفاوتون، الناس منازل بقدر أعمالهم، يعني: إنسان يلام لو فاتته تكبيرة الإحرام، وأخر لو جاء بعد فراغ الناس من الصلاة يقول: ما شاء الله، لأنه هذا معنى قولهم حسنان الأبرار سيئات المقربين، هذا بالنسبة لكونه أدرك ركعة بالنسبة للحسن، لكن الذي فاتته ركعة بالنسبة له سيئة، ولا يعني أن هذا أن هذه سيئة يعاقب عليها لا الميزان واحد، لكن معنى ذلك أن بعض الناس يؤاخذ بما لا يؤاخذ به غيره، وهذا هو شأن الصادقين، وأما شأن من دونه في المنزلة هؤلاء لا يؤاخذون بمثل ما يؤخذ به من تقدمه في المجالات السابقة. {وكنتم} يعني: القيامة أزواج يعني أصنافا ثلاثة وتقدمة {فأصحاب الميمنة} وهم الذين يأتون كتبهم بأيمانهم، أصحاب الميمنة يؤتى كتابه بيمينه، لكن ماذا عن السابقين؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

السابق ألا يؤتى كتابه بيمينه؟ على كل حال كل من نجا فكتابه بيمينه، وكل من هلك فكتابه بشماله، ابن حزم له رأي في المسألة لا أعلم أن أحد قال به، وهو أن المؤمنين يعطون كتبهم بأيمانهم، والكفار يعطون كتبهم بشمالهم، وعصاة المؤمنين يعطون الكتاب من وراء الظهر، العاصي من المؤمنين، ليس من المؤمنين الخلص الذين يعطون الكتب بالأيمان، ولا من الكفار الخلص الذين يعطون الكتاب بالشمال، فتجد الواحد منهم يعطى كتابه من وراء ظهره. فقوله هنا {فأصحاب الميمنة} وهم الذين يأتون كتبهم بأيمانهم {وأصحاب المشأمة} يعطون كتبهم بشمائلهم، لكن ماذا عن السابقين؟ سيأتي في كلام المؤلف أنهم الأنبياء الذين سبقوا الناس في كل ملة، من السابق في كل ملة نبيها ومن بعده تبع له، ويأتي الكلام في هذا.

{فأصحاب الميمنة} [سورة الواقعة: 8] وهم الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، مبتدأ خبره {ما أصحاب الميمنة} خبره {ما أصحاب الميمنة} والتكرير يعني: تكرير الخبر بلفظ المبتدأ لا شك أنه لتعظيم، لتعظيم شأنه، فإذا كررت المبتدأ أو الخبر بنفس المبتدأ لا شك أن هذا يدل على تعظيم شأنه، وكذا لو كررت جواب الشرط بنفس لفظ فعل الشرط، ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله)) هذه تعظيم شأن الهجرة إلى الله ورسوله، لكن بالمقابل ((من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) ما كلف، لأن الهجرة لدينا أو للمرأة لا يستحق التعظيم، بل هو مستحق للذم، والسياق سياق ذم، قد يقول قائل مثلا: لماذا يذم من انتقل من بلد من إلى بلد من أجل أن يتزوج امرأة، أومن أجل أن يضارب في التجارة هل يذم من فعل ذلك؟ بحث عن زوجة في بلده فلم يجد فنتقل إلى بلد أخر عله أن يجد زوجة يذم وإلا ما يذم؟ هذا ما يذم، ومثله من ضاقت به المسالك في بلده في تجارته ما في عمل في بلده فنتقل إلى بدل أخر ونحن نرى الناس من غير ما. . . . . . . . . ينتقلون من بلد إلى بلد تبعا للوظائف، ولا أحد ينكر عليهم، نعم لمجرد الهجرة لمجرد الزوجة، أو لمجرد الدنيا هذا ما يلام صحابه قد فعل مباحا، لكن من هاجر من أجل الدنيا أو من أجل امرأة يتزوجها، وأظهر للناس، وأظهر للناس، أنه هاجر إلى الله ورسوله هذا الذي يذم، هذا الذي يذم، كما في القصة المعروفة في مهاجر أم قيس، يعني نقول ذلك لو استطردنا قليلا لكن التوضيح بالأمثلة مهم جدا لأن هذا قد يقول قائل الناس كلهم يسافرون من أجل التجارة من أجل الزواج حتى من أهل العلم من يفعل هذا، هل العلماء ينقلون من وظائفهم من مكان إلى مكان أو ينتقلون تبع لوظائفهم ولا أحد يلومهم، نقول: نظير ذلك من دخل قبل آذان المغرب في يوم الاثنين ومعه كيس فيه التمر، وفيه الماء، وفيه القهوة، وفيه أشياء قبل أذان المغرب بنصف ساعة وصلى بسط السماط ووضع التمر والقهوة والفناجيل والماء ومدري أيش والمناديل، وكل من دخل من باب المسجد تفضل يا أبو فلان افطر معنا، فلما أذن قال: بسم الله وأكل من التمر وشرب من القهوة، الرجل ما

صام ولا في أحد يقول أن الأكل في مثل هذا الوقت في هذا المكان محرم، مباح الأكل، في المسجد وفي هذا الوقت مباح، لكن ما الذي أظهره لناس؟ أظهر لناس أنه صائم، فهو يذم من هذه الحيثية وأما مجرد الأكل في المسجد ما في إشكال مباح، وكذلك الأكل مع الأذان ما في إشكال، ولو أكل بعده أو قبله لا يختلف إلا إذا أظهر للناس سواء كان بمقامه، أو بحاله ولسان حاله فإنه منهم، وهكذا من هاجر إلى دنيا يصيبها وامرأة يتزوجها، وأظهر للناس أنه مهاجر إلى ورسوله، طيب هاجر من بلد إلى بلد يريد أن يتزوج، وقال للناس والله أنا بانتقل من هذا البلد، هذا كثرت فيه المعاصي والمنكرات، أنتقل إلى بلد المنكرات فيه تقل، والإخوان فيه كثر هناك يعينونك على الطاعة، هذا الذي أظهره للناس، هذا يذم من هذه الحيثية، وقس على هذا تصرفات كثيرة تشبه هذا التصرف، ويقع فيها كثير من الناس بحيث يشعر أو لا يشعر، {ما أصحاب الميمنة} تعظيم لشأنهم بدخولهم الجنة، لاشك أن من دخل الجنة، من زح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، فقد فاز، بعض الناس يستهين بأمر النار ويقول مادام الإيمان موجود أصله موجود والمعاصي لا توجب الخلود في النار فالأمر فيه سعة، هل يصبر على النار ولو لحظة؟ يختبر نفسه لا يمس نار، يأتي لمبة من اللمبات التي مشغلة من ربع ساعة أو خمس دقائق فيلمس يمس يكفي هذا، هل يستطيع أن يصبر أويثبت هل يستطيع أن يضع أصبعه على شيء حار، والله لا يستطيع، هل يستطيع أن يمشي حافي على الإسفلت في صلاة الظهر؟ ما يستطيع، البلدان تتفاوت لكن بلدان أمرها عظيم، إذا سرق الحذاء في صلاة الظهر خلاص يجلس في المسجد، أو العصر، وبعض الناس لا يطيق ذلك في صلاة المغرب والعشاء، لا يطيق؛ لأنه مترف فمثل هذه الأمور يؤاخذ عليها النطق بمثل هذه الأمور يؤخذ عليها أقل المشركين عذاب أبو طالب بشفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، فكيف بمن يغمس كله في النار على ما سيأتي - نسأل الله السلامة والعافية-.

فالنطق بمثل هذا أمره عظيم، ومن يصبر على البلاء، من يصبر على البلاء؟ لو بات ليله وعرق في بدنه تغير عن وضعه الطبيعي يمكن يتمنى الموت من أجله، يتمنى مفارقة الحياة من أجله، أو صداع أو غير ذلك، يعني هناك أمراض في عرف الناس ليست شديدة، بل لا يزار من أبتلي بها كالزكام مثلا، لكن هل الوضع طبيعي مع الزكام؟ فيتغير كل شيء في الحياة، وهو زكام يعني يوم ثلاثة في الغالب ينتهي، فكيف بغيره، لو قطع منك أصبع وذلك النعم الموجودة في أبداننا لا نقدرها، لا يقدرها ألا من فقدها، وفي الحديث الصحيح: ((يصبح على سلاما كل واحد منكم صدقة)) السلاما المفاصل، يحتاج كل مفصل إلى صدقة شكر لهذا النعمة، طيب المفاصل تروح تتحرك على ما يريده الإنسان، طبيعي تتحرك لكن أنت تتصور إن أصبع عندك واحد لا تستطيع أن تثنيه، تعاني من هذا الأصبع من هذا الأصبع مالا يدركه إلا من ابتلي به، لو أن الرجل إذا مددت لا تنفك أو اليد تعبت تعبا شديدا بسببه ولذلك على الإنسان أن يشكر هذه النعم، والله -جل وعلا- يقبل القليل ويثيب عليه، يثيب عليه الثواب الجليل، إلى أن قال: ((ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى)) بدقيقتين ما تحتاج إلى أن تكلف نفسك، أو تسبح، وتهلل وتكبر ثلاثمائة وستين هذي أمرها يسير، فعلى الإنسان أن يهتم لهذه الأمور يعني الاستخفاف بهذه العقوبات أمور أهوال يعني ما قرأنا في كلام أهل العلم الشارح من الكتاب والسنة، يعني: في القرآن ما يغني عن غيره، وفي السنة أيضا ما يجعل الإنسان يعش خائفا وجلا، خوف لا يوصله إلى حد اليأس والقنوط بل يبعثه على العمل، لو قرأنا في سير الصالحين من سلف هذا الأمة عرفنا أن من كان بالله أعرف كان منه أخوف. النبي - عليه الصلاة والسلام- كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ويصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل، والواحد منا يقول: إذا ما كان هناك خلود في النار والمآل إلى الجنة لماذا لا نستمتع، هذا كلام لن يصدر عن عقل فضلا عن دين، فإن الإنسان لو وضع يده على شيء في الشمس ما استطاع أن يصبر عليه، - والله المستعان-.

{وأصحاب المشأمة} الشمال بأن يؤتى كل منهم كتابه بشماله، في مقابل أصاب الميمنة، {ما أصحاب المشأمة} ما أصحاب الميمنة تعظيم لشأنهم وما أصحاب المشأمة تحقير لشأنهم، وألئك تعظيم شأنهم بدخولهم الجنة، وهؤلاء تحقير شأنهم بدخولهم النار، - نسأل الله السلام والعافية – {والسابقون}، الآن الترتيب أحيانا يكون على سبيل التدلي، وأحيانا يكون عل سبيل الترقي، سبيل التدلي من الأسفل إلى الأعلى، من الأعلى إلى الأسفل هذا التدلي، والترقي من الأسفل إلى الأعلى، والذي عندنا بالنسبة للفظ الكلام المجمل، ما في ترتيب لأنه ذكر أصحاب الميمنة ثم أصحاب المشأمة ثم ذكر السابقين، يعني: لو كان على سبيل الترقي لذكر أصحاب المشأمة، ثم أصحاب الميمنة، ثم السابقين، ولو كان على سبيل التدلي لذكر السابقين، ثم أصحاب الميمنة، ثم أصحاب المشأمة، يعني: هناك لف ونشر، اللف حصل في أول الكلام {أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة، والسابقون} هذا لف، نشره فيما بعد؛ لأنه بدأ بشرح أحوال السابقين، ثم ثنى بشرح حال أصحاب اليمين، ثم ثلث بحال أصحاب الشمال، يعني: لو كان ترتيب النشر التفصيلي على نفس ترتيب الإجمال قلنا: لف ونشر مرتب، وإذ اختل الترتيب قال أهل العلم: إنه لف وترتيب مشوش، يعني: يختلف عن ترتيب الإجمال، ابن القيم - رحمه الله تعالى- في كتابه طريق الهجرة ذكر الأصناف، ذكر الأصناف الثلاثة، وشرح البرنامج اليومي الذي يسيرون عليه كأنه واحد منهم، فشرح حال المقربين من الاستيقاظ إلى النوم، وشرح حال أصحاب اليمين الذين هم الأبرار من الاستيقاظ إلى النوم، ولما شرح الحال، حال المقربين ذكر أنه لم يشم لهم رائحة، لأن البرنامج الذي ذكره كأنه يحكي طريقته وخطته، هذا ليس بلازم عن أن الإنسان يتحدث عن ما يعرف ويكون مطبق له بحذافيره، قد يكون مقصر ومع ذلك ابن القيم معروف بالعباد، ومعروف بالإخلاص، روائح الإخلاص تشم من ثنايا كلامه، لكن مع ذلك قال: أنه ما شم لهم رائحة ولا شك أن هذا لا سبيل التواضع. والله ما خوف الذنوب ... وإنها على سبيل العفو والغفران لكن خوفي أن يزيغ القلب ... عن تحكيم هذا الوحي والقران

أنت ما تخاف من المعصية في مقابل الشرك، لكنك تخاف المعصية بعتبار عظم من عصيت، لكن إذا قارنتها بالشرك هانت، لكنها بالنسبة إلى من عصيت أمرها عظيم، شرح حال المقربين، أنا أتمنى من كل واحد من الأخوان أن يرجع إلى هذا الكلام في طريق الهجرتين، شرح البرنامج خطة يسيرون عليها، ثم شرح حال الأبرار ومنهجهم الذي يسيرون عليه، ثم شرح أحوال طبقات الأخرى، يرجع إليها في هذا الكتاب النفيس، الجامع، النافع، الماتع، فهو من أنفس كتب ابن القيم -رحمه الله تعالى- وكل ما كتبه نفيس -رحمه الله-. يقول المؤلف - رحمه الله تعالى - في قوله -جل وعلا-: {والسابقون السابقون} [سورة الواقعة: 10]، قال: والسابقون إلى الخير وهم الأنبياء مبتدأ السابقون تأكيد لتعظيم شأنهم، يعني تأكيد لفظي، {أولئك المقربون*في جنات النعيم} [سورة الواقعة: 11 - 12] السابقون إلى الخير الممتثلين لقوله -جل وعلا-: {سابقوا، سارعوا} وتجد بعض الناس يسمع الإقامة وكأنه لا يسمع، وقد وجد من سلف هذه الأمة من يقول: "إن من لا يحضر إلى المسجد حتى يدعا إنه لرجل سوء"، ما يحضر حتى يدعا حي على الصلاة حي على الفلاح، وتجد من يسمع الإقامة وكأنه لا يسمع، فإذا سمعت الأمر الإلهي فبادر للتطبيق، وإذا سمعت النهي فبادر بالترك ممتثلا.

{سابقو، وسارعوا} لتكون ممن ينطبق عليه هذا الوصف، السابقون السابق من سبق غيره، سبق غيره، وإذا نظرنا إلى الأنبياء الذين خصهم المفسر بهذا الوصف، رأينا هم قد سبقوا غيرهم وهذا سبق مطلق، وهناك سبق نسبي، كسبق أبي بكر إلى الإسلام، وسبق خديجة، وسبق علي، سبق بلال، هؤلاء سابقون، وقد جاء وصف من صلى إلى القبلتين بالسابقين الأولين، على خلاف بين أهل العلم في المراد بالسابقين الأولين، فهم سابقون، وعلى قول المؤلف يخرجهم من السبق الذي وصفهم الله به في القرآن، السبق أمر نسبي فكل من سبق غيره إلى الخير وإلى ترك ما نهي عنه فهو سابق، فالسبق المطلق لا شك أنه للأنبياء، وهناك سبق نسبي، يتصف به من يسارع إلى الاستجابة للأنبياء، فهم سابقون وهناك الأولية المطلقة، والأولية النسبية وهذا معروف في لغة العرب ونصوص الشرع، يعني: حينما يقول في صلاة الكسوف: "صلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، صلاة الكسوف فقام قيام طويلا نحو من سورة البقرة، يعني نحوا من سورة البقرة، هذا طويل يعني: بقراءة النبي -عليه الصلاة والسلام-، نحتاج إلى ساعة أو أكثر، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم قام رفع من الركوع فقام قيام طويلا دون القيام الأول"، الأول هنا أولية مطلقة وإلا نسبية؟ مطلقة؛ لأنه لم يتقدمه شيء، ثم ركع، ثم رفع، ثم سجد، سجدتين طويلتين قال في الركع الثاني دون الركوع الأول، في السجود الثاني دون السجود الأول، لكن في الركعة الثانية، قام إلى الركعة الثانية وقد تقدم قيامان، وركوعان، وسجودان، فقال: " قام قيام طويلا دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قيام طويلا دون القيام الأول"، الآن الأول ما المراد به؟ هل المراد به الأولية المطلقة، فتكون الثلاثة القيامات والثلاثة الركوعات، والثلاث السجدات متساوية، لأنها كلها تتصف بأنها دون الأولية أولية مطلقة، أو أن الصلاة متدرجة، القيام الأول أطول ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، وهكذا الركوع والسجود؟ طالب:. . . . . . . . . نعم طالب:. . . . . . . . .

لا أهل العلم يقررونه نسبي لأن صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذه الطريقة جاءت فكل قيام دون الذي قبله، وكل ركوع دون الذي قبله، فالذي يلي سابق بالنسبة للذي يليه، والذي يليه مسبوق بالنسبة للذي قبله، فالسبق نسبي، فالأنبياء هم السابقون سبقا مطلقا، سبقا مطلقا، وأول من آمن به الزمرة التي هي أول من يؤمن بالأنبياء هم السابقون، سبقا نسبيا بالنسبة لمن تأخر عنه، ومعنى كلمة سلف، يعني: مضى وسبق غيره ممن خلف، ومعلوم أن هذا المصطلح السلفي يمتد إلى نهاية القرن الثالث المنصوص عليه بقوله: ((خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))، والخلاف في الرابع، وعلى كل حال حتى القرن مختلف فيه، هل المراد بأربعين سنة أو سبعين سنة أو مائة سنة، لكن الذي قرر ابن حجر القرون المفضلة التي تنتهي على رأس مائتين وعشرين من الهجرة، فهؤلاء سابقون لمن جاء بعدهم، فالسبق نسبي والمراد به: من اتصف به ولو تأخر زمانه على ما يختاره كثير من أهل العلم، إذا اتصف بهذا الوصف، وهو المسابقة والمسارعة، وإذا قلنا: أن المراد بالسابقين هم المقربون، هم المقربون قلنا: أن من المقربين من تقدم زمنه ومنهم من تأخر وسيأتي في قوله {ثلة من الأولين* وقليل من الآخرين} [سورة الواقعة: 13 - 14]، دل على أن السابقين لا يختصون بالأنبياء، لا يختص وصف السابقين بالأنبياء؛ لأنه قال: والسابقون إلى الخير وهم الأنبياء مبتدأ السابقون تأكيد لتعظيم شأنهم، أولئك المقربون. المقربون موجودون على مر العصور وهم من عمل بعملهم، من فعل المأمورات سواء كانت على سبيل الإلزام أو على سبيل الندب، وترك المحظورات سواء كان على سبيل الإلزام أو على سبيل الكراهية، من طبق هذا يستحق هذا الوصف، يستحق هذا الوصف لاسيما إذ اتصف بالمبادرة، مجرد ما يسمع الأمر يمتثل، ومجرد ما يسمع النهي يكف هذا يستحق أن يوصف بأنه سابق وأنه مقرب، وقوله {ثلة من الأولين* وقليل من الآخرين} حتى على اختياره هو في قوله: {ثلة من الأولين} مبتدأ أي: جماعة من الأمم الماضية. هل هذا الكلام يدل على اختصاص الأنبياء؟ جماعة من الأمم الماضية، وقليل من الآخرين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهم السابقون من

الأمم الماضية وهذه الأمة، يعني: كلامه يؤيد بعضه بعضا أو يرد بعضه على بعض؟ يرد بعضه على بعض؛ لأن كلامه {ثلة من الأولين} جماعة من الأمم الماضية، يعني المقصود بهم أنبياء الأمم الماضية فقط؟ أو ممن تبعهم واتصف بهذا الوصف، {وقليل من الآخرين} من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقال: {وقليل من الآخرين} وهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وثلة من الأولين جماعة الأنبياء السابقين، {وقليل من الآخرين} هم محمد -صلى الله عليه وسلم- كان كلامه يشهد بعضه لبعض لكنه قلق ما يمكن أن يفسر الكلام بهذا، لكن مع ذلك قوله: وهم الأنبياء قول ضعيف، والأنبياء وإن اتصفوا بهذا الوصف، وهم أحق الناس بهذا الوصف إلا أن الأمر لا يقتصر عليهم، بل كل من سبق إلى استجابة للأنبياء، وسبق وبادر إلى فعل الخيرات واجتناب المنكرات والمحظورات فإنه يستحق أن يوصف بأنه من السابقين، {ثلة من الأولين} يقول: مبتدأ خبره {على سرر موضونة} [سورة الواقعة: 15]، {ثلة من الأولين} مبتدأ أي: جماعة من الأمم الماضية، وقليل من الآخرين أي من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهم السابقون من الأمم الماضية وهذه الأمة، والخبر على سرر موضونة. هذا قول أن المراد ثلة أي جماعة من الأولين، والقلة من الآخرين من هذه الأمة يدل على أن من اتصف بهذا الوصف من الأمم السابقة لاسيما إذا نظرنا إلى المجموع من آدم إلى عيسى -عليه السلام-، يعني من سابق إلى الإيمان بهم والتصديق وإتباعهم أكثر ممن سابق وسارع في هذه الأمة، يعني: إذا نظرنا إلى الأفراد فإن هذا الكلام ليس بصحيح، وأن أتباع كل نبي السابقون فيهم أكثر من السابقين في هذه الأمة فهذا الكلام ليس بصحيح؛ لأنه يأتي النبي ومعه الرهط، ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد، هل نقول أن أتباع الأنبياء ممن سارع إلى التصديق بهم كل واحد بعينة أسرع أكثر ممن سارع إلى التصديق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني إذا نظرنا إلى المجموع، مجموع الأمم السابقة وقارنا السابقين منهم مع السابقين ممن آمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، صار للنظر مجال، أما إذا نظرنا إلى أفرادهم فلا، على أن من أهل العلم من يرجح أن الثلة من

الأولين، والقليل من الآخرين كلهم من هذه الأمة، فالثلة من الأولين من الصدر الأول من هذه الأمة في الصحابة، والتابعون، المقربون كثيرة، لأن العلم فهيم أكثر، والعمل فيهم أكثر، بينما المقربون السابقون في آخر هذه الأمة أقل بكثير، لأنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، فمازال الخير ينقص وإن كان باقيا إلى قيام الساعة، وأنه يوجد قليل بالنسبة لمن تقدم ممن يتصف بهذا الوصف من هذه الأمة، ولا شك أن من يتصف بهذا الوصف يتمسك ويعتصم بالكتاب والسنة في الأزمان التي كثرت فيها الفتن والمنكرات، لا شك أن أمره عظيم وشأنه كبير وأجره لا شك أنه عظيم جدا ولذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داوود وهو حديث حسن: ((أن للعامل في آخر الزمان عند تغير الناس أجر خمسين من الصحابة؛ لأنهم قالوا: منا يا رسول أو منهم قال: بل منكم))؛ لأنه لا يجد من يعنيه، والفتن كثير والمغريات أكثر، بيمنا لا يوجد مغريات في الوقت السابق، نعم يوجد هواء ونفس وشيطان، لكن المغريات إلى أن فتحت الدنيا على الناس، قبل ثلاثين سنة فأمر الناس عن الجادة في الجملة، نعم الخير كثير الآن بل لو قال أحد إن الإقبال على الدين والإقبال على العلم أكثر من ذي قبل لما بعد، لكن العبرة بالعمل، يعني: يوجد علم لكن العمل قليل، بيمنا هو في السابقين العمل كثير، وإذا قارنا بين حال أهل العلم من سلف هذه الأمة وممن جاء بعدهم كما قرر ذلك الحافظ بن رجب في فضل علم السلف على الخلف، وجدنا أن العلم يكثر في المتأخرين من جهة القدر، الكم، وأما بالنسبة للكيف، فهو عند السلف أكثر، تجد كلام السلف قليل جدا كلمات معدودة لكنها كافية شافية، بينما الكلام كثير عند المتأخرين، ولكن يمكن أن يستغنى ببعضه عن بعض، يقرر الحافظ بن رجب -رحمه الله- أن من فضل عالم على غيره لكثرة كلامه فقد أجرى بسلف هذه الأمة، فقد أجرى بسلف هذه الأمة، يعني: لو قارنت بين العلماء في زماننا تجد منهم من يتكلم على الآية أو على الحديث بكلمات معدودة لكنها تكفي السامع وتشفيه، ومنهم من يطلق ويتكلم بكلام كثير جدا لكن تجد أكثره مكرر وفائدته قليلة، وهذا وصف علم السلف بالنسبة لعلم الخلف، قد

يقول قائل: إن الناس احتاجوا إلى شيء من البسط والتفصيل ولذا يجيب شيخ الإسلام عن بعض الفتاوى بمائتي صفحة فتوى واحدة يكتبها مائة صفحة في جلسة والإمام أحمد يكتبها بكلمة، أو جملة، هل نقول أن شيخ الإسلام أعلم من الإمام أحمد؟ أبو بكر يفتي بكلمة أو يتوقف، وكذلك الصحابة ومن تبعهم بإحسان هذه طريقتهم، لكن كثر العلم وفرع وشقق، ومع ذلك صار على حساب العمل، صار على حساب العمل، - الله المستعان -، {قليل من الآخرين}، إذا قرن أن الثلة والقليل كلهم من هذه القلة، فمرده إلى هذا، وهو أنهم في أول الأمر على الجادة، وعلى قرب عهد بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والمؤثرات قليلة والاختلاط بالأمم الأخرى قليل، بينما المؤثرات كثيرة، وزمان المتأخر ولذا تجدون والقلوب بين أصعبين من أصابع الرحمن تجد الإنسان اليوم على الجادة لكن من الغد أو بعد مدة تستنكر هذه الإنسان لاسيما إذا غاب عنك مدة ولو يسيرة، تجد فرق بين ما كان يعمله في العام الماضي، وما يعمله في هذه السنة، وكل إنسان يلمس هذا من نفسه، إلا من من الله عليه بتوبة ورجعة صادقة، تجده في يومه أفضل من أمسه وهكذا، لكن الكثير والغالب العكس، كل واحد منا ينظر إلى نفسه ويقارن بين حاله الآن وبين قبل عشرين سنة، كنا إذا سمعنا القرآن قبل عشرين سنة تجد البكاء كثير بين الناس فضلا عن ثلاثين وأربعين سنة، لكن الآن يقرأ القرآن بأصوات مؤثرة ولا حد يتحرك، ولا عاد حرك ساكن بين الناس، - والله المستعان-.

وعلى كل حال في هذا الكلام قولان لأهل العلم منهم من يرى أن لثلة من الأولين من الأمم الماضية، ومن الآخرين من هذه الأمة، ومنهم من يرى أن الثلة والقلة كلهم من هذه الأمة، ولا شك أن المقربين في صدر هذه الأمة أكثر منهم في أخرها، وهم الصادقون من الأمم وهذه الأمة والخبر قوله: {على سرر موضونة} [سورة الواقعة: 15]، {على سرر موضونة}، أخذ يفصل في حال السابقين وهم بالنسبة للإجمال أخر من ذكر، وبالنسبة للتفصيل أول من ذكر، على سرر موضونة يعني منصوبة منسوجة يقول: بقضبان الذهب والجواهر، السرر المنسوجة بقضبان الذهب والجواهر، الذهب حرام على ذكور الأمة أن يشربوا فيه وأن يستعملوه، ولكنه في الآخرة حل لهم، والذهب والحرير يستعملها الكفار في الدنيا، وهي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة، كما في جاء في الحديث ((هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) فليس شيء ممنوع في الآخرة مما منع منه في الدنيا ومن استعماله في الدنيا مع علمه بأنه ممنوع منه كما في جاء في الخمر: ((من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن سمع الغناء في الدنيا لم يسمع غناء الحور العين في الجنة)) والجزاء من جنس العمل، {على سرر} وهو جمع سرير وهو ما يجلس عليه وينام عليه موضونة يعني منسوجة بقضبان الذهب والجواهر، هناك جنتان من ذهب، وجنتان من فضة، على ما ذكر في سورة الرحمن، {متكئين عليها متقابلين} [سورة الواقعة: 16] {متكئين عليها} يعني: على هذه السرر، متقابلين وجوه بعضهم إلى وجوه الآخرين لا يولي أحدهم ظهره، بل الوجوه متقابلة، الوجوه متقابلة، كل إنسان يسمع هذا الكلام ويطمع فيه وتشرئبوا نفسه إليه، لكن مع الأسف أن تجد من يمني نفسه بهذا ولا يعمل أو يخالف أحيانا في بعض المراكب من وسائل النقل كراسي متقابلة، تجد كرسين هنا أو كرسين أو ثلاثة متقابلين، من الذي يركب في هذه ومن الذي يركب في هذه، تجد مع الأسف أن هذه فيها نساء ويقابلها لا رجال من غير محارمهن، هل مثل هؤلاء يرجون مثل هذه السرر التي عليها متقابلين وهن يخوضون في المحرمات؟ كل شيء برحمة أرحم الراحمين والعمل لا ينجي بذاته ((ولن ينجئ أحدكم أو أحدكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن

يتغمدني الله برحمته)) ولا يستطيع أحد أن يحكم على هؤلاء العصاة بحكم أو يقطع لهم بشيء لكن هذه وسائل وأسباب، هذه وسائل وأسباب ويحصل في هذه المراكب ما يحصل من المخالفات، ولذا يقول في هؤلاء: {متكئين عليها متقابلين} وإذا علمنا أن الجزاء من جنس العمل، {جزاء وفاقا} [سورة النبأ: 26]، هل يرجوا من يرتكب مثل هذا المحضور مثل هذا الترغيب؟ ومثل هذا الوعد، {على سرر متقابلين} [سورة الصافات: 44]، متقابلين حال، حال كونهم متقابلين من الضمير في الخبر، على سرر موضونة هذا الخبر متكئين حال، متقابلين حال، حال كونهم متكئين، وحال كونهم متقابلين، يقول: حالا من الضمير في الخبر، الخبر الذي هو على سرر موضونة والمراد: متعلق الجار والمجرور، متعلق الجار والمجرور. {يطوف عليهم} للخدمة {ولدان مخلدون} [سورة الواقعة: 17] ولدان غلمان وزنا ومعنا مخلدون والمراد بطوافه هنا: للخدمة، للخدمة، ولدان مخلدون على شكل الأولاد يهرمون، يعني: شباب صغير يخدمون أصحاب الجنة، يخدمون هذا النوع الذين هم السابقون، {يطوف عليهم ولدان مخلدون} [سورة الواقعة: 17]. وقال بعض من فتن وقال بعض من فتن: أن هؤلاء الغلمان وهؤلاء الولدان يطوفون، عليهم يقولن كلام قبيح لا ينبغي أن يذكر، ورد عليه، يعني: لو بحثتم عن كتاب خواطر شيطانية، وجدتم هذا القول القبيح والرد عليه، وأنا لا أستطيع أن أذكره، لكنه قول في غاية السوء.

يطوف عليهم من أجل الخدمة ولدان مخلدون على شكل الأولاد لا يهرمون، منهم من قال: أن هؤلاء الولدان الذين هم من أولاد المؤمنين الذين لم يعلموا من الصالحات ما يستحقون به أن ينعموا لذواتهم، ولم يرتكبوا من المنكرات ما يعاقبون عليه بسببه فيدخول النار، هذا قول لكنه قول مردود لأن أولاد المؤمنين يتبعون آبائهم {ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} [سورة الطور: 21]، وأطفال المسلمين في الجنة هذا القول المجزوم به المقطوع، ومنهم من يقول: أن هؤلاء الولدان هم أطفال المشركين مهيئون للخدمة، لأنهم لا يعاقبون بذنوب آبائهم، ولم يقدموا شيئا يجزون به دخول الجنة، وعلى كل حال الخلاف في أولاد المشركين قال فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) وابن القيم في طريق الهجرتين في طبقات الناس ذكر الأقوال في أولاد الكفار، وأولاد المسلمين. على شكل الأولاد لا يهرمون، يعني: لا تتغير صورهم، لكن الأولاد في الدنيا تجده في المرحلة الابتدائية على شكل، في المرحلة الثانوية على شكل آخر، بعد ذلك صار رجل كبير، ثم به النقص، هذه حال الدنيا هذه حال الدنيا، أما في الجنة فحال هؤلاء الأولاد على سن واحدة، وعلى شكل واحد لا يتغير، أبد الآباد كما أن أهل الجنة سنهم ثلاثة وثلاثين لا يزيد، كما في الأحاديث الصحيحة، ((وطول كل واحد منهم ستون ذراعا، طول أبيهم)) كما في الصحيحين وغيرهم، وأما بالنسبة للعرض كما في المسند وغيره: ((سبعة أذرع))، كم باقي يا الأخوان. ها، وصل يعني نقف عند هذا، يعني ما في مانع أن نواصل لكن بس أنا أخشى أن يكون في أحد يتضرر بالتأخير. طالب:. . . . . . . . . إيه بس أنا أخشى أن يكون في أحد مرتب أموره على شيء، على كل حال لن نستطيع أن نكمل كل ما يتعلق بالسابقين في هذا الدرس فيرجع إلى درس لاحق إن شاء الله، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. تواصل يا شيخ. على كل حال من الغد إن شاء الله وما بعده سيكون الإقامة بعد نصف ساعة من الأذان، بعد نصف ساعة من الأذان، فترتب الأمور على هذا.

سورة الواقعة (3)

تفسير الجلالين - سورة الواقعة (3) تفسير الآيات من قوله: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} إلى قوله: {لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ}. الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم وحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: ـ فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في شرح حال السابقين، يقول -رحمه الله تعالى-: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} للخدمة {وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا} [سورة الإنسان: 19]، على شكل الأولاد لا يهرمون، بأقداح بأكواب الجار والمجرور المتعلق بيطوف، يعني يطوف هؤلاء الأولاد بالأكواب، والأكواب كما قال المؤلف أقداح لا عرى لها، يعني ليس لها شيء يمسك به، لا عرى لها وأباريق، لها عرى فرق بين القدح والإبريق أن الكوب قدح لا عرى له، لا عروة له يعني منه، ولا خرطوم له يصب منه، يعني أشبه ما يكون بهذا، ليس له عروة يحمل بها، وليس له خرطوم يصب منه هذه الأكواب، يقول أقداح لا عرى لها، وأباريق لها عرى، لها عروة تحمل منها، وخراطيم الخرطوم يصب منه، يسمونه البزبوز مثلاً، حتى بعض الحواشي قال: خراطيم، يعني: بزابيز، يعني: التي تصب منه هذا الأباريق، وكأس الكأس هو الإناء الذي يشرب به الخمر، يعني يشمل ما تقدم إلا أنه خاص بأنه يشرب به الخمر، واستعمال الناس للكأس، استعمال الناس للكأس، بناء على أنه إناء، كالكوب وكالقدح فاستعمالهم له استعمال عرفي عام، وأما بالنسبة للاصطلاح الخاص عند الشراب، فلا يسمون الإناء إلا كأس الذي يشرب به الخمر، - نسأل الله السلامة والعافية-.

إناء يشرب به الخمر لكنه يشرب به خمر الآخرة، هذا الذي مذكور عندنا الذي يشرب خمر الآخرة، {وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} [سورة الواقعة: 18] من معين، أي: خمر جارية، من منبع لا ينقطع أبدا؛ لأن فيها أنهار من خمر في الجنة أنهار من خمر كما ذكر في سورة القتال، من نعيم أن خمر جارية من منبع لا ينقطع أبدا، {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} [سورة الواقعة: 19] هذا الخمر ليست كخمر الدنيا، لأن خمر الدنيا تذهب بالعقل، وينشأ عنها الصداع، وينشأ عنها أيضاً ارتفاع في الحرارة، وينشأ عنها مضار كثيرة جداً لا يمكن حصرها، {لا يصدعون عنها}، لا يحصل عنها صداع كما في خمر الدنيا، {ولا ينزفون} بفتح الزاي وكسرها، لا يصدعون عنها ولا ينزفون، بكسر الزاي هذه قراءة عاصم، وقرأ غيره بفتح الزاي، وهي قراءة نافع، وابن كثير، وابن عامر، ينزفون من نزف الشارب وأنزف، من نزف الشارب وأنزف، من نزف يكون المضارع ينزفون، نزف ينزف، ومن أنزف الرباعي يكون المضارع ينزفون كما هنا، أي: لا يحصل منها، لا يحصل لهم منها صداع، ولا ذهاب عقل، ولا ذهاب عقل، بخلاف خمر الدنيا، خمر الدنيا ينشأ عنها هذه العلل التي أعظمها ذهاب العقل الذي هو نماط التكليف، ذهاب العقل الذي مناط التكليف، وعلى هذا إذا شرب الإنسان وسكر وذهب عقله، هل يلحق بالمجنون؟ بمعنى أنه ترتفع عنه التكاليف أو يقال: أن هذا بسببه وبفعله بنفسه فيعاقب بنقيض قصده، فيخاطب بالتكاليف، وأهل العلم يختلفون في طلاق السكران هل يقع أو لا يقع، من قال يقع قال: هو الذي أذهب عقله بنفسه، فالتبعات الحاصلة على هذا الإذهاب لاحقة به، من باب ربط الأسباب بالمسببات، تسبب هو فلحقته التبعة، ومنهم من يقول لا يقع؛ لأن العقل هو مناط التكليف وقد ارتفع فيكون عليه إثمه، وترتفع عليه التكاليف، عليه إثم الشرب، وترتفع عنه التكاليف، لماذا عم لو اتصل أثناء شربه، هل يقتل أو لا يقتل؟ إذا قيل هو المتسبب لانتزاع عقله يؤاخذ لاسيما وأنه قد يتخذ مثل هذا ذريعة إذا ارآد أن يرتكب منكرا أو يقتل شخصاً شرب، ثم أثبت أنه شرب وحينئذٍ لا يؤاخذ، من أهل العلم من يرى من يبالغ في انفكاك الجهة، يبالغ في انفكاك الجهة، ويش معنى هذا؟ يقول: أن الشرب عليه

إثمه ولا علاقة له بما يترتب عليه من ذلك، بعد ذلك، فإذا قتل عليه إثم الشرب، وعليه الحد، لكن قتل في حال ارتفاع عنه فيه التكليف، هذا المبالغة حتى قال ابن العربي: أنه لو اجتمع قوم يشربون في بيت فسقط عليهم السقف فماتوا يقول: عليهم أثم الشرب، ولهم أجر الشهادة؛ لأنهم سقط عليهم الهديم شهيد، ولا شك أن هذا مبالغة في انفكاك الجهة ولا يراها أكثر أهل العلم، بل إذا فعل شيء بطوعه واختياره يتحمل كل الآثار المترتبة على هذا العمل، ولو قلنا بمثل هذا القول لتذرع كثير من أصحاب المأرب والمقاصد بالوصول إلى ما يريدون بالشرب، إذا أراد أن يقتل شخصاً شرب خمر، وفي بداية النشوة يقتله ويقول: إنه سكران، طيب ماذا عن ما جاء في قصة ماعز، ماعز -رضي الله عنه وأرضاه- حصل منه هفوة وهو الزنا، ثم جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، تائباً يعرض نفسه على النبي -عليه الصلاة والسلام- لإقامة الحد، وهو يعرف أن إقامة الحد هي الرجم فقد نفسه، لأن الحدود كفارات، الحدود كفارات، فإذا رجم كما حصل، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- انه بعد رجمه ينغمس في أنهار الجنة، من ضمن ما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما ردده قال: ((أشربت خمراً))، كل هذا من أجل أن يدرأ عنه الحد -عليه الصلاة والسلام-، ((لعلك قبلت لعلك غمزت لعلك فعلت))، وهو مصر إلا أن يعترف بالزنا الموجب للحد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعرض له لعله أن يرجع، وهل يقال هذا بالنسبة لكل أحد؟ لا ما يقال هذا بالنسبة لكل أحد يعني: من كانت حاله مثل حالة ماعز حصلت منه هذه الهفوة وهذه الزلة، وأراد من وصل إليه الأمر أن يستر عليه قبل ثبوت الحد، قبل ثبوته، أما إذا وصل الحد السلطان وثبت عنده كما جاء في الخبر: ((فإن عفا فلا عفا الله عنه))، ولا يجوز حتى الشفاعة في الحدود، كما جاء في حديث أسامة، ((أتشفع في حد من حدود الله)) المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرض عله كثيراً وأطال له ترديده من أجل أن يرجع عن إقراره لماذا؟ لأنه حصلت منه هذه الهفوة وهذه الزلة وقد تاب توبة نصوحاً، الدليل عليها أنه قدم نفسه لله ولو كانت توبته غير صالحة

وغير صحيحة لما صنع مثل هذا، المقصود أن مثل هذا يعرض له بالرجوع ما لم يثبت الحد، أما إذا ثبت الحد وأقر واعترف بما لا يحتمل أو شهد عليه الأربعة شهادة واضحة صريحة وأنه جامع المرأة كما يجامع زوجته، النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: ((اذهبوا به فرجموه)) لم يجد خيار، لكن قوله الشاهد من ذلك قوله: أشربت خمراً، قال: أبك جنون ثم التفت إلى قومه كأنه يسألهم هل به شيء هل بعقله شيء؟ أبعقله شيء؟ قالوا ما علمنه إلا وفي العقل من صالحينا، أشربت خمر، هل شرب الخمر يدرأ الحد؟ لأنه في مثل هذا المقام الذي يلتمس فيه أدنى شيء أدنى شبه لدرأ الحد، لكن على القول بأن شرب الخمر بطوعه واختياره، بطوعه واختياره، أراد بذلك بالوصول إلى ما يريد من المقاصد التي لا يصل إليها مع كونه عاقلاً مكلفا، إلا بهذه الحيلة فإنه حينئذٍ يعاقب بنقيض قصده، علماً أن شرب الخمر من عظائم الأمور، وإن تساهل فيه الناس، وإن شربوه وسموا الخمر بغير اسمها، ومن شربه في الدنيا أن يشربه في الآخرة، ويسقى من طينة الخبال يوم القيامة، ويجلد الحد لأول مرة والثانية، والثالثة، والخلاف والرابعة، والخامسة هل يكتفا بالحد أو يقتل، كما جاء في الحديث معاوية وغيره ((فإذا شرب الرابعة)) وفي رواية: ((وإذا شرب الخامسة فقتلوه)) لأن قتل المدن هذا له أصل في الشرع وإن كان جمهور أهل العلم يرون أنه منسوخ، جمهور أهل العلم على أن قتل الشارب في الرابعة، والخامسة منسوخ، وابن حزم يقول بقوله، يقول: محكم وبجميع الشراح، وشيخ الإسلام، وابن القيم، والسيوطي، والشيخ أحمد شاكر يرون أنه محكم، لكنه تعزير وليس بحد، بمعنى أنه لا يقتل كل أحد وإنما يقتل بعض الشراب المسرفين، ويقتل في بعض المجتمعات التي لا تردعهم الحدود، لكي يرتدع هؤلاء، وإذا شرب الخرم ارتفع عنه الإيمان، ولا يشرب الخمر فهو يشربه وهو يشربها وهو مؤمن لكنه يعاوده إيمانه بعد ذلك لأنه لا يكفر بإجماع من يعتد بقوله خلافاً للخوارج، خمر الدنيا فيها إثم كبير ومنافع، إثم كبير ومنافع للناس، والإثم أكبر من النفع والإثم أكبر من النفع، ومن المعلوم والمقرر في قواعد الشرع أنه إذا كانت المفسدة محضة أو راجحة فالحكم التحريم، وهذا

في غير الخمر، الخمر مقطوع بتحريمه بالنصوص في الكتاب والسنة، لكن إذا ترجحت المفسدة فالحكم حينئذٍ التحريم، وما المصلحة وما المنفعة من الخمر التي قال الله عنها وعن الميسر: {وفيهما منافع}، وقالوا: أن المنفعة هي من حيث مزاولة الاتجار بها فيها مكاسب مربحة، ولذلك تسمعون في بعض الأحيان أنه قبض على شخص عنده مصنع، يبيع الخمر، قد لا يشربه هو لكنه يتجر به، هذه منفعة بالنسبة له، لكن هل تقاوم المضرة مضرة الدون؟ لا لا تقاوم مضرة الدون ولذا يقال: {إثمهما أكبر من نفعهما}، وعلى أنه جاء في بعض الأخبار: أن الله -جل وعلا- لما حرم الخمرة سلبها المنافع، سلبها المنافع فهي حينئذ ضرر محض، ضرر محض، وأما الاتجار فيصل بأنواع المحرمات لكن العبرة بالبركة، قد يتجر الإنسان ببيع الخمر، ببيع الدخان، ببيع كذا مثل مهر البغي مثلاً، حلوان الكاهن، كلها من وجوه الكسب المحرم، وتدر على أصحابها الدراهم والدنانير لكن ماذا بعد ذلك، قد يشقى بهذه الدراهم والدنانير التي لا بركة فيها، وإذا نشأ جسده عليها وأنشأ من تحت يده من ذرية ونساء على هذا السحت فإن النار أولى به، - نسأل الله السلامة والعافية- وتساهل الناس بأمور المكاسب، تساهل الناس في أمور المكاسب قد يكون الذي يتجه بالخمر ألين، لكن الذين يتجرون بالدخان، الذين يأكلون الربا، الذين يتعالمون بالمشتبهات، هؤلاء كثرة، ولا شك أن طيب المكسب، وطيب المطعم من أعظم أسباب إجابة الدعاء: ((يا سعد أطيب مطعمك تكون مستجاب الدعوة))، ((وذكر الرجل يطيل السفر، يمد يديه إلى السماء أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب))، كونه يطول السفر هذا مظنة للإجابة، والمسافر له دعوة، وكونه أشعث أغبر هذا أقرب للانكسار القلب، وكونه يمد يديه هذا من أسباب الإجابة، والدعاء بهذا الاسم الكريم يا رب يا رب من مظنة الإجابة، كما قال أهل العلم في تفسير أخر آل عمران أنه من قال: يارب يا رب خمس مرات أجيبت دعوته، لأنهم قالوا: ربنا، ربنا، ربنا ثم فستجاب لهم، إذا اجتمعت هذه الأسباب الدعاء مظنة للإجابة، لكن ما المانع من الإجابة، مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى استبعاد، إني يستجاب له، فعلى الإنسان أن يحرص

على طيب المطعم. {وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [سورة الواقعة: 20]، وفاكهة مما يتخيرون أنواع الفواكه، فاكهة كثيرة وإذ جئ بالفاكهة لأنها مما يتفكه به ويتنعم به وأهل الحجاز الذين نزل عليهم القرآن، نزل القرآن على النبي -عليه الصلاة والسلام-، بين أظهرهم الفاكهة عندهم، قليلة، مما يتخيرون فإذا تخير نوع من أنواع الفاكهة حصلت بين يديه من غير تعب ولا عنا، ولا تحتاج إلى حرث ولا إلى زرع، ولا إلى سقي، ولا إلى أن يكلف الإنسان أن يجنيها بل تحصل بين يديه من غير طلب بمجرد التخيل أو بمجرد أن يشتهي هذا الأمر يحصل بين يديه، {وَلَحْمِ طَيْرٍ} [سورة الواقعة: 21] قدم الفاكهة على اللحم، في هذا يقول ابن القيم: ينبغي أن يكون البدء بالفاكهة قبل الطعام، البدء بالفاكهة قبل الطعام.

{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} [سورة الواقعة: 21] يعني: أي شيء يخطر على باله ويشتهيه ويميل إليه وترغبه نفسه يحصل بين يديه، وكما قيل في الخمر أنه لا مضرة فيها بوجه من الوجوه، فكذلك الطعام قد يقول قائل: إذا أكثر من الفاكهة يتضرر، يرتفع عليه شيء أو ينخفض عليه شيء، هذا لا يوجد في الجنة، وكذلك الطعام، {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} ألا يقول بأنه يصاب بتخمة، أو يصاب بشيء مما كان يصاب به في الدنيا، ومما ومما هذه تفيد العموم من كل شيء يتخيلونه، ومن كل شيء يشتهونه، يعني: مهما كثر فإنهم يأكلون، ومع ذلك لا يبولون، ولا يتغوطون، وإنما تخرج فضلاتهم رشح، مسك {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} ولهم أيضاً الاستمتاع بالنساء على أعظم وجوه الاستمتاع، كما أنهم ينتفعون بالأكل والشرب على أعظم وجوه الانتفاع كذلك يستمتعون بالنساء قال: ولهم بالاستمتاع حورعين، حور نساء شديدات سواد العيون وبياضها، عين أي: ضخام العيون، حور يقول: نساء شديدات سواد العيون وبياضها، يعني: هل الأفضل في العين أن تكون سوداء، شديدة السواد، أو فيها لون غير السواد إما خضرة، أو تكون من لون البني الداكن أو شيء من هذا، في الدنيا يرغب كثير من الناس في هذا، ولذلك كثير من النساء تلبس هذه العدسات الملونة، وهنا في الحور العين قال: نساء شديدات سواد العيون وبياضها، وقد يكون المفضل في الدنيا مفضول في الآخرة، ويكون الجمال في الدنيا ليس بجمال في الآخرة والعكس، والعكس، لكن المقصود هنا يقول المفسر: شديدات سواد العيون وبياضها، بياضها لا يخالطه شيء، وأن تجد في عيون بعض الناس يكون فيها نقط إما سوداء وإما حمرا، وهذه شديدة البيض، وبالنسبة للسود فإنه شديد أيضا، وإذا كانت العين بهذه المثابة كان السواد شديداً والبياض شديداً فإن هذه يقال لها حينئذٍ حوراء، عين ضخام العيون، ضخام العيون يعني: سعة العين بالنسبة للعدسات إذا كانت حاجة من أجل توضح المرأى لضعف في النظر هذا ما في إشكال، والتلوين إذا كان للتجمل فهو من نوع ما يتجمل به للزوج لا بأس به، لكن إذا كانت من غير حاجة للتجمل للزوج فإن هذا قد يدخل في التغيير لخلق الله، لكن إذا احتاجت

إلى التجمل به فلا مانع كالتجمل بغيره من الإصباغ، الأصباغ التي توضع في الوجوه مما لا مضرة فيه، ولا يدخل في حيز المحضور لكونه من باب التشبه، فإذا سلم هذا الأمر من التشبه وأرادة به التزين لبعلها فهذا نوع من التبعل لزوج لا شيء فيه. يقول: ضخام العيون، لا شك أن سعة العين أجمل من ضيقها، سعة العين في أعارف الناس قاطبة أجمع من ضيق العين، ضخام العيون يقول: كسرت عيونه بدل ضمها عينٍٍٍٍ الأصل أن العين مضمومة، العين في عين الأصل فيها أنها مضمومة لكن الضم لا يمكن مع الياء، فكسرت العين بمناسبة الياء، كسرت عينه بدل ضمها لمجانسة الياء لأن كل ما فيه الياء هذه حرف اللين فإن الضم لا تناسبه ولا تجانسه، والمناسب له والمجانس هي الياء، لكن ماذا عن عين مثلاً واحد العين، مفتوحة العين لماذا لا تكسر لمجانسة الياء؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

الياء ساكنة لماذا لا نفتح العين؟ قلنا: أن الواو لا تناسب الياء فهل الفتحة تناسب الياء؟ ها لكن إذا فتحنا التبس المفرد بالجمع ولم نستطع أن، يعني لماذا عدلنا عن الفتحة إلى أولاً الضمة لا يمكن، لا تمكن تناسب الياء الفتحة يمكن النطق بها، لكنها تلتبس حينئذ بالمفرد، إذا قيل: {حور عَين} صارت مفردة والمراد الجمع " عِين" وواحد العين عينا، لأنه ليس الحديث عن العين نفسها، وإنما الحديث عن صاحبة العين، وصاحبة العين لا يقال لها: عين، وإنما يقال لها: عينا ومفاده عينا كحمراء، والجمع مثل حمر، حمراء جمعها حمر ولذا قال: الأصل في العين أن تكون مضمومة كالحاء في حمر، الأصل فيها أنها مضمومة كحمر، لماذا؟ لأن عين كحمر، جمع عينا كحمراء، وحمر مضموم الحاء لماذا لا تظم العين؟ لأنها لا تجانس الياء فعدل عنها إلى الكسرة، وفي قراءة بجر حور العين، القراءة التي معنى {وحورُ عين} وقبلها: {ولحم طير مما يشتهون} {ولحم طير مما يشتهون} والعطف على لحم المجرور يقتضى جر المعطوف عليه، تقول: {وحورٍ عينٍ} وإذا قرأ بهما قرأ بجر حورٍ عين كما هي قراءة حمزة والكسائي عطف على لحم طير، وهنا {حور عين}، يقدر قبله لهم، ولهم حور عين، وحور عين يكون حور مبتدأ مؤخر خبره محذوف تقديره لهم، لهم حور عين، وجاز الابتداء بالنكرة لأن أخرت، والتأخير يقتضي الاختصاص ففيه نوع وصف واختصاصه أيضاً وصفٌ بكونها عين، وإذا وصفت النكرة قل شيوعها وأشبهت المعرفة من هذه الحيثية، فجاز الإبتدأ بها، وإلا فلأصل ألا يجوز الابتداء بالنكرة. {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [سورة الواقعة23]، {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} اللؤلؤ أفضل ما يحصل عليه من قاع البحار، اللؤلؤ وأيضاً والغواصون أكثر ما يحرصون عليه دون غيره، فهو شيئاٌُ نفيس ومع ذلك إذا ترك من غير كن من غير ظرف يوضع فيه فإن المؤثرات تغيره، لا يكون متلائلئاً كما كان أول استخراجه، ولذا قال: {مكنون} مصون يودع في ظرف يكنه عن المغيرات، عن المغيرات، كأمثال الكاف هذه نعم؟ الكاف لتشبيه وأمثال، ما قال: كاللؤلؤ المكنون ها؟ طالب:. . . . . . . . .

إلا فيه للؤلؤ يمكن مكنون يكنى لأنه يصان، طيب ما يوجد لؤلؤ؟ يوجد لكن يوجد أيضاً لؤلؤ مصون ولؤلؤ غير مصون، يعني: إذا تركت للمؤثرات ما صار مصون، لكن إذا كنا واصينا عن هذه المؤثرات صار مصون مكنون، كأمثال، الكاف هذه للتشبيه وأمثال أيضاً تشبيه، وهنا تذكر ما قالوا في: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: 11]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، عندنا مثل المثل، عندنا الكاف تشبيه، والمثل تشبيه، فيكون المعنى شبه الشبه، فليس مثل مثله، ليس مثل مثله، وهنا كأمثال هناك نفي وهنا إثبات، مثل المثل، إذا نفي مثل المثل، إذا قلت: زيدٌ ليس له نظير؛ زيد ليس له نظير، هل هو أبلغ أن تقول ليس لمثله نظير؟ أبلغ ليس لمثله نظير لماذا؟ لأن إذا نفينا مثل المثل فمن باب أولى أن ننفي المثل، فمن باب أولى أن ننفي المثل، رأى شخصٌ ثوب بيد إنسان يبيعه فقال له: اشتر لي مثل هذا الثوب، اشتر لي مثل هذا الثوب، اشتر لي مثل هذا الثوب، فشترا له الثوب نفسه، يلزمه أخذه أو لا يلزمه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يلزمه لماذا؟ طالب:. . . . . . . . .

لأن المثل أشبه شيء بالشيء نفسه، لأنه لو اشترى له مثل هذا الثوب لحتمل أن تكون المشابهة فيه تسعين بالمائة، لحتمل أن تكون المشابهة فيه تسعين بالمائة، لكنا لما شراء له الثوب نفسه، المشابهة مطابقة مائة بالمائة، لما اشترى له الثوب نفسه، قال له أنا لا أريد الثوب، أنا ما قلت لك تشتري لي الثوب، قلت لك اشتر لي مثل هذا الثوب، فذهب إلي القاضي شريح فألزمه بأخذ الثوب، فقال له: لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، وإذا قلنا هنا كأمثال، يعني: أشباه أشباه اللؤلؤ المكنون فاللؤلؤ المكنون أمثل من أشباه، اللؤلؤ المكنون أمثل مما شبه به، إذا قلت فلانة مثل اللؤلؤة المكنونة، ومثل الجوهرة المصونة، هل معنى هذا أنها تطابقها من كل وجه، أما أنها تطابقها من بعض الوجوه، لا يلزم أن تطابقها من كل وجه، ولذا جاء في الحديث: ((أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر))، يعني: مثل أو شبه صورة القمر ليلية البدر المطابقة من كل وجه لا إنما المقصود بالإشراق والاستدارة، واللمعان وما أشبه ذلك، لكن بقية الأوصاف لا توجد في القمر، ليس فيه عينان وليس فيه فم، وليس فيه أنف، هل نقول أن هذه الزمرة ليس لها أنوف ولا أعين؟ لا فالتشبيه يكون من وجه دون وجه، فإذا قيل فلانة كأنها لؤلؤة مكنون فإنها تشبهها من بعض الوجوه لا من بعض الوجه، {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} المصون لأن الناس ما يدركون أجمل من هذه الأمر في دنياهم فشبه به وإلا فوجه الشبه من وجه وهو إن المعان والصيانة وعدم التغير من مؤثرات، وأنتم ترون نساء الدنيا وعموم الناس إذا تعرضوا للمغيرات تغيروا، إذا مكث في الشمس مدة تغير، وإذا مكث في هبوب الريح لاسيما في الأوقات الباردة يتغير الوجه، وهكذا لكن هن مصونات مكنونات لا تغيرهن ما يغير نساء الدنيا {جزاء} مفعول له، جزاء مفعوله، يعني: مفعول لأجله، أعطوا هذه الأمور واستحقوا هذه الأمور {جزاء بما كانوا يعملون}، {جزاء بما كانوا يعملون}، مفعول له أو مصدر، جوزوا بذلك جزاءً، أو استحقوا ذلك جزاء، إما مفعول له يعني لأجله أو مصدر والعامل مقدر، أي: جعلنا لهم ما ذكر من جزاء، يعني: جزاء مفعول له أو جزيناهم جزاء أو جازيناهم أو جزيناهم

جزاء، فهو إما مفعول لأجله، أو مصدر {بما كانوا يعملون}، بما كانوا يعملون، في أصحاب اليمين ما قال جزاء بما كانوا يعلمون، قال ذلك في السابقين، قال ذلك في السابقين {جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الواقعة: 24]، لأنهم بعملهم استحقوا هذه المنازل العلياء، وإن كان الأصل في دخولهم الجنة إنما كان برحمة الله -جل وعلا-، ((ولن يدخل أحدكم علمه الجنة، قالوا ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته))، وهنا قال: {جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فلإنسان من السابقين يدخل الجنة برحمة الله، برحمة أرحم الراحمين وكان عمله لا يدخله الجنة، هذا بالنسبة لنبي - عليه الصلاة والسلام- فكيف بمن دونه؟ فكيف بمن دونه؟ فهم يدخلون الجنة برحمة الله -جل وعلا-، لكن هذه المنازل بعد دخولهم برحمة الله استحقوها بما كانوا يعملون، فلو كان هناك، قيل: ((لن يدخل الجنة أحد بعمله)) وهنا قيل: جزاء بما كانوا يعملون نقول: دخولهم الجنة برحمة أرحم الراحمين، واستحقاقهم المنازل، بحسب أعمالهم، ومراتبهم في الجنة بحسب أعمالهم، في أصحاب اليمين ما قال: {جزاء بما كانوا يعملون}، وفي السابقين قال: {جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} لماذا؟ لأن السابقين لهم عمل كبير وكثير، ولذا لا بد من اعتباره ولا بد من التنصيص عليه بخلاف أصحاب اليمين، فدخولهم الجنة واستحقاقهم المنازل برحمة الله -جل وعلا-، بالرحمة أكثر مما يتعلق بالعمل، وهذا هو الفرق بين هذا وهذا، {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا} [سورة الواقعة: 25]، يعني: الجنة: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا} يعني: في الجنة لغواً فاحشاً من الكلام، كم نسمع في الدنيا من اللغو والرفث، والكلام الباطل والثرثرة فيما لا ينفع، نسمع هذه بكثرة، والخصومات والمنازعات، والشتم، والسب، نسمع كثيراً وهذا يقلق الإنسان لاسيما عندما يريد الراحة، يقلق كثيراً من هذا الأمر، لكن في الجنة لا يسمعون فيها لغواً فاحشاً من الكلام ولا تأثيماً يعني: ما يقع الإثم بسببه، ما يؤثم ليس هناك من الأسباب التي تدعوا إلى الإثم فضلاً عن وقوع الإثم، فهم لا يسمعون كلاماً فاحشاً ولا كلاماً يأثمون بسببه، لا كلام مباح لا يترتب عليه

شيئاً من الثرثرة التي نسمعها في الدنيا لاسيما إذا كثرة، ولا ما يقع فيه الإثم من القذف، والسب، والشتم، إلا استثنى لكنه بمعنى لكن، لأنه منقطع، إلا قيلاً يعني: قولاً سلاماً سلاماً، لا يسمعون لغواً ولا تأثيماً، {إِلا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [سورة الواقعة: 26]، المستثنى من جنس المستثنى منه أو من غير جنسه؟ طالب: من غير جنسه. من غير جنسه وهنا يقول الاستثناء هنا متصل وإلا منقطع؟ منقطع لأن المستثنى من غير الجنس المستثنى منه، فإذا قلت قام القوم إلا زيداً استثنى متصل لأن المستثنى من جنس المستثنى منه، وإذا قلت: قام القوم إلا حماراً صار الاستثناء منقطعاً لأن الاستثناء من غير جنس المستثنى منه، وهنا السلام ليس من جسن اللغو ولا التأثيم فهو استثناء منقطع ولذا قال إلا يعني: لكن، لكن يسمعون قيلاً، يعني قولاً سلاماً سلام بدل من قيلا، بدل يسمعون {سَلامًا سَلامًا} بدل من قيلاً فإنهم يسمعونه، فإنهم يسمعونه لأنه كلام طيب، لا لغو ولا تأثيم، ثم لما انتهى من بيان حال السابقين وهم المقربون بدأ بأصحاب اليمين وهم الأبرار، وهم الأبرار. فقال: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [سورة الواقعة: 27]، أصحاب اليمين تقدم أنهم هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، {فِي سِدْرٍ} [سورة الواقعة: 28]، السدر واحده سدرة مما يفرق بينا واحدة وجمعه بالتاء، كتمر، تمرة، شعر، شعرة، سدر، سدرة. طالب:. . . . . . . . . ها. طالب:. . . . . . . . .

مما يفرق بينه وبين والواحد بالتاء، قال: سدر هو شجر النبق، شجر النبق {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} [سورة الواقعة: 28]، السدر العادة أن فيه شوك كثير وثمر قليل، شوك كثير، وثمر قليل، هل يمتن بمثل هذا الشجر الذي هذا وصفه، يمتن به في الجنة؟ شجر شوكه كثير مؤذي وثمره قليل، لا يمتن بمثل هذا إلا إذا سلب المضرة وزيد بالمنفعة، ولذا قال في سدر شجر النبق، مخضود لا شوك فيه، مخظود لا شوك فيه، فجعل بدل هذا الشوك زيادة في الثمر، وجاء في وصف السدرة أن: ورقها كأذان الفيلة، ونبقها أو كقلال هجر، يعني: ثمرتها كقلال هجر، يعني: جميع ما في الجنة لا يشبهه ما في الدنيا لا يشبهه ما في الدنيا ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، فالحبة الواحدة من ثمر الجنة تشبع، وإذا نبقها كقلال هجر، النبقة الواحدة، الثمرة الواحدة مثل القلة الكبيرة التي تصنع في هجر، {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} [سورة الواقعة: 29]، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} [سورة الواقعة: 29]، منضود بالحمل، والحمل ما يحمله من ثمرة، من أسفله إلى أعلاه يعني: مرصوص بعضه فوق بعض، وهذا كناية عن كثرته، {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} طلح منهم من يقول: هو الموز، هو الموز الفاكهة المعروفة، وفسر بتفاسير كثيرة، لكنا هذا هو الذي اختاره المفسرين، منضود، يعني: مرصوص بالحمل من أسفله إلى أعلاه، يعني: لا يوجد فجوات بين هذه الثمرات {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} [سورة الواقعة: 30]، دائم لا ينقطع، ضل ضليل لا نهاية له ولا انقطاع له، فلا يتعرضون لحر الشمس بل هم في الضل الدائم، {وَمَاء مَّسْكُوبٍ} [سورة الواقعة: 31]، جارٍ دائماً يعني: يجري دائماً يجري في أنهار بغير إخدود، {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} [سورة يونس: 9]، {تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [سورة التوبة: 100]، من غير أخاديد كما جاء في الخبر. أنهارها في غيرأخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضان

يعني ما تسيح يمين ولا شمال، فهي تجري في مجرى واحد من غير أخاديد، وهي جارية دائماً لا تنقطع، جارية دائماً لا تنقطع، وإذا نظرنا إلى أمور الدنيا وجدنا الحياة معلقة بالماء، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [سورة الأنبياء: 30]، وأشقى الناس الذين تقل عندهم المياه وأثرها يبدوا على كل شيء كما قال الله -جل وعلا-، يبدوا على بني آدم وعلى الحيوان، وعلى النبات، وعلى الجو، وعلى كل شيء، فلا يتصور عيش بلا ماء وهناك في الجنة، {وَمَاء مَّسْكُوبٍ} [سورة الواقعة: 31]، يجري دائماً، نحن لا نقدر هذه النعمة قدرها، ونهدرها ونتساهل في أمرها، وإذا وقع شيئاً من الاضطراب والإشكال، في هذه النعمة عرفنا قدرها، إذا انقطع الماء أو تعرض للخلل أو عطل عرفنا قدر الماء، إذا جلس الإنسان ينتظر الوايت أسبوع وعشرة أيام لكثرة من يطلبه وبعشرة أضعاف قيمته، عرفنا قيمة الماء، ومادام الإنسان يفتح الصنبور، ويغتسل ويتوضأ فإنه لا يسحب لذلك أدنى حساب، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، والواحد منا ما يكفيه الصاع ليذهب الماء البارد ليأتي الحار، قبل الاستعمال، ثم إذا جاء الاستعمال فتح الصنبورعلى أعلى ما يكون ولا يدري أن هذه المياه مكلفة مرهقة بالنسبة للدولة، ومع ذلك جاء النهي عن الإسراف، وكل شيء فضلاً عمما تتوقف عليه الحياة، والحياة في كثير من البلدان مهددة لنضوب المياه وغور المياه، وكثير من المزارع أهملت وتركت كثير من الزروع سيبت، والمواشي لما قلت الأمطار هزلت ومات كثير منها كل هذا بسبب قلة الماء، والماء بين أيدينا ولا نقدره قدره، ولذلك امتن به على أهل الجنة فقال: {وَمَاء مَّسْكُوبٍ} لأن الواحد منا باعتباره لا يعرف قدر هذا الماء، يعرفه في أزمات إذا عطش وليس حوله ماء عرف قدر الماء، عرف قدر الماء، لكن باعتبار أنا لا نقدر هذا الماء قدرها، قد يقول قائل أين النص على الماء، الماء يمتن به, فيه نعم أعظم منه، وأي نعمة أعظم من نعمة الماء، لكن من الذي يقدره قدره حال وجوده عند فقده كل الناس، إذا روى الحاجة الماسة إليه عرفوا قدر الماء، وعرفوا كيف يتصرفون، وكيف يقتصدون، لكن مادام الماء موجوداً فإن

كثير من الناس لا يحسن التصرف، وهذه نعمة من أعظم نعم الله -جل وعلا-.

{وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} [سورة الواقعة: 32]، {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} هناك قال: {وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [سورة الواقعة: 20] بالنسبة للسابقين وما من صيغ العموم من الذي يتخيرونه، من أي شيء يتخيرونه، وهنا قال: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} لأن الفاكهة في بلادهم قليلة، فقال: {فَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ}، ولم يرد ذلك إلى اختيارهم ولو كانوا، إذا كان في الجنة وعموم أهل الجنة إذا أشتهى أحدهم شيئاً كان حصل بين يديه، ((فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)) أي: شيء تتوهموا فإن الأمر فوق ذلك، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة في زمن ولا ممنوعة بثمن، لا مقطوعة في زمن لماذا؟ لأن فاكهة الدنيا تأتي في زمن دون زمن، فاكهة الصيف في الصيف، وتنقطع في الشتاء، وفاكهة الشتاء وتنقطع في الصيف، هذا الأصل، لكن قدي يقول قائل إننا نأكل فكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، فالفاكهة لا تنقطع، يعني: ألا تصور انقطاعها، هذا الآلات التي تحفظ هذه الفواكه ألا يتصور فيها الخراب، فتنقطع الفاكهة تبع لها، المصادر مصادر هذه الفواكه، ألا يتصور أن تعرض لما يتلف هذه الفواكه، الأجواء وما يحدث فيها من تغيرات من برد شديد وحر شديد ألا يتصور أن تنقطع هذه الفاكهة بسببها، البرد القارس الذي مر بالناس في الشتاء الماضي ألم يؤثر في الزروع والثمار؟ رأينا أكثر الأشجار تالفة بسبب شدة البرد، وقل مثل هذا في شدة الحر، فلا يقول قائل: والله عندنا ثلاجات وعندنا حوافظ وعندنا كذا، فاكهتنا لا تنقطع أبداً تنقطع بفساد هذه الحوافظ من جهة، وفساد هذه الزروع من جهة أخرى، كما حصل يعني: جاء في الشتاء الماضي برد شديد جداً يذكر كبار السن أن بعضهم ما أدرك مثله، فلما انجلى هذه البرد رأينا أن الأشجار كثير منها كثير منها رأت في بعض المزارع بنسبة تسعين بالمائة تالف، وانقطاع الماء أمره أشد، ورأيت شيخ كبيراً يرث المزرعة كابر عن كابر عن أبيه وعن جده فيها ما يزيد على ألف نخلة وفي كل سنة يغرق الأسواق بالتمور، رأيناه يبكى عند مزرعته ما أنتجت ولا تمرة واحدة، لأن الماء نبض، وهذا الفاكهة التي قد يقول القائل: إنها ليست مقطوعة، نأكل البرتقال صيف

وشتاء، نأكل التفاح صيفاً وشتاء، والأصل أنه من زراعة الشتاء، ونأكل زراعة الصيف في الشتاء، ونأكل زراعة الشتاء في الصيف لا تنقطع نقول: هذه الحوافظ معرضة للتلف، والزروع أيضاً معرضة، والثمار بعد خروجها معرضة للتلف، بخلاف فاكهة كثيرة لا مقطوعة في زمن من الأزمان ولا ممنوعة، يقول المؤلف: بثمن، في الجنة لا تدفع ثمن أنت على السرير تتمنى الشيء يمثل بين يديك فوراً، وتأكل منه ما تأكل ويعود كما كان، ويعود كما كان، لا مقطوع بزمن ولا ممنوعة بثمن، يعني ما يحتاج أن تقول: والله أنا اليوم ما معي شيء، لا أستطيع أن آكل لأن ما معي فلوس ليست ممنوعة بثمن، ولا ممنوعة بصاحب، يمنك ولا بسور بستان ولا بارتفاع شجرة، ليست ممنوع بأي شيء يمنع الوصول إليها، وقول المؤلف بثمن مثال وإلا فالمنع قد يكون بالثمن وقد يكون بغيره، قد تأتي إلى صاحب البستان والثمن معك فيقول لك: ليس للبيع هذا فصاحبه يمنعه قد يكون البستان ممنوع بالأسوار، والأبواب، والثمن معك في جيبك وصاحبه يبيع عرف أنه يبيع لكنه في هذا الوقت مرتاح أو مسافر أو ما شابه ذلك فهو ممنوعة، والمنع يكون بأسباب كثيرة منها الثمن. {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} [سورة الواقعة: 34]، فرش مرفوعة على السرر ارتفاعها كما قيل كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، إذا أرد لها صحابها تواضعت ثم بعد ذلك ترتفع به، فرش مرفوعة على السرر، يعني هل الأفضل أن ينام الإنسان على الأرض أو ينام على سرير؟ لا شك أن السرير يحفظ الفراش من الأوساخ ويحفظها من الحشرات والهوام، يحفظ الفراش فكيف بسريرٍ هذا ارتفاعه، - والله المستعان-.

{إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء} [سورة الواقعة: 35]، {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء} يعني: بذلك الحور العين، وهل لا مضى لهن ذكر ليعود الضمير أنشأنهن يعني: الحور العين، هل مضى لهن ذكر؟ يفهم ذكر الحور العين من السرر، من الفرش يفهم ذكر الحور العين من الفرش، لأن الفراش ينام فيه الرجل مع امرأته وكذلك ينام فيه صاحب الجنة من أصاحب اليمين مع هذه الحور العين، {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ} لأنه قد يعود الضمير على عين المذكور، إذ فهم من السياق، أو من قرائن الأحوال {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [سورة ص: 32]، حتى توارت الضمير يعود على آيش؟ على الشمس هل مضى لها ذكر لم يمضي له ذكر لكنها معلومة، وهنا يقول: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ} يعني: الحور العين إنشاءً من غير ولادة، من غير ولادة، كن فيكون خلاص، ما يحتاج إلى حمل وولاة وقبل ذلك جماع وقبل ذلك نكاح لا ما يحتاج ينشأن إنشاء لهم، {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء} يعني: الحور العين من غير ولادة. {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} [سورة الواقعة: 36]، {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} يعني: عذارا، وهناك فرق بين الأبكار والثيبات وإن جاء تقديم الثيبات على الأبكار، في سورة؟ ها طالب:. . . . . . . . . التحريم، في سورة التحريم، هنا قال: عذارا كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن عذارا ولا وجع، يعني: يقع عليها ثم يعود إليها مرة ثانية فيجدها بكر، ولا وجع ينشأ مما ينشأ عنه حال إزالة البكارة في الدنيا يحصل هناك وجع ويحصل هناك ألم، لكن في الجنة كلما يأتي يجدها عذراء ولا وجع حينئذ، كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن عذارا ولا وجع. {عرباً} بضم الراء وسكونها، عرُباً وعرْباً، عرباً جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها، يقول العروب هي المتحببة إلى زوجها عشقا له، يعني تتحبب إليه وتستمليه بالتبعل وحسن التعامل ولين الكلام، محبة له وعشقا له لا تكلف، لأن التكلف لا بد أن ينقطع في يوم من الأيام، لكن هذا محبة وعشق جعله الله -جل وعلا- في هذه الحور.

أتراباً، جمع ترب أي: مستويات في السن، أي: مستويات في السن، يعني على سن واحدة، وقيل: للمستويات في السن أتراب، كما يقال: إن المستوون في السن أقران، بالنسبة للرجال أقران، وبالنسبة للنساء أتراب، واستواهن في السن لأنهن كأنهن وقعن على التراب في وقت واحد، كأنهن ولدن في ساعة واحدة، هذا بنسبة لنساء الدنيا التي ولدن من أمهات، إذا قيل أتراب فكأنهن وقعن على الأرض على التراب في ساعة واحدة وفي وقت واحد، يقال: لهن أتراب، وهنا أنشأن إنشاء من غير ولادة، عرب متحببات لأزواجهن، أتراباً مستويات في السن. {لأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [سورة الواقعة: 38]، {لأَصْحَابِ الْيَمِينِ} الجار والمجرور لأصحاب متعلق بأنشأناهن أن شأناهن لأصحاب اليمين، ولذا قال: {لأصحاب اليمين} صلة أنشأنهن أو جعلناهن لأصحاب اليمين، طيب من أصحاب اليمين، {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ*وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}، {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ*وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ} [سورة الواقعة: 40]، وهناك قال: وقليل من الآخرين، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين، وهنا قال: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ*وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ} لماذا؟ لأن المقربين، المقربون يأتوا هنا ما جاء هناك، فالمراد بالأولين والآخرين، يعني: قول من يقول: إن الأولين من الأمم السابقة، والآخرين من هذه الأمم، هذا قول، وتقدم ذكره وقول آخر، أن الجميع من هذه الأمة، الجميع من هذه الأمة، ثلة الأولى والقليل بالنسبة للسابقين، والثلة الأولى والثلة الآخرة، بالنسبة لأصحاب اليمين كلهم من هذه الأمة، لكن لماذا كان السابقون قليل؟ كثير في الأولين قليل في الآخرين؟ وأصحاب اليمين كثير في الأولين وكثير في الآخرين؟ لماذا؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم، لأن الناس يتغيرون كلما طال بهم العهد، كلما طال بهم العهد تغيروا زاد تغيرهم، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، فوصف السابقين الذي اتصفوا به وهم المقربون وجودهم في صدر هذه الأمة أكثر من وجودهم في أخرها، لكن الوصف، وصف الأبرار أصحاب اليمين كما أنه وجود في صدر هذا الأمة موجود في أخرها على حد سواء، يعني: قد يكون في الآخرين باعتبار كثرة الناس، وإذا كان المجموع في السابق ممن مات عنهم النبي -عليه الصلاة والسلام- حدود مائة ألف، وتصور أن السابقين مثلاً منهم سبعون أو ستون ألف، وأصحاب اليمين البقية أربعون ألف من الصحابة، فالسابقون من الآخرين لم يصلوا إلى العدد الأول لأن المقربين أفراد، وقلة بالنسبة لأصحاب اليمين الأبرار، بينما الأبرار في غمرات أي: جموع كثيرة من المسلمين على مر العصور فيهم كثرة ولذا قال: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ*وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ} ما قال فيهم قليل من الآخرين، لماذا؟ يعني: قد يقول قائل مثلاً: بالنسبة لنتائج المدارس نفترض أن السابقين نضع مكانهم من تقديره ممتاز، وأصحاب اليمين من تقديرهم جيد جداً، وأصحاب الشمال هؤلاء هم الراسبون، أصحاب السابقون بامتياز كم عددهم، يكون كثير قليل لأن الدرجات المطلوبة لهذا التقدير صعبة وثقيلة، كما أن الأعمال المطلوبة من السابقين أيضاً ثقيلة على النفوس، وأصحاب اليمين تجدهم أكثر لأن الشرط أوسع كما أن من تقديرهم جيد جداً أو جيد عددهم كبير بالنسبة للناجحين، أكثر ممن قليل وتقديره ممتاز، هذا على سبيل التقريب، يعني: يوضح لنا أن السابقين بثقل الأوصاف لابد أن يكونوا قلة، لابد أن يكونوا قلة، بمقابل أصحاب اليمين الذين هم الأبرار، وأما بالنسبة لأصحاب الشمال وهم الذين نضرناهم بالراسبين فهم كثرة، بل أكثر لكثرة التفريط عند الناس، كثرة التفريط عند الناس، كم الساعة؟ طالب:. . . . . . . . .

ثم قال بعد ذلك في الصنف الثالث: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ} [سورة الواقعة: 41]، وهم الذين يأخذون كتبهم بشمالهم، {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} [سورة الواقعة: 42]، السموم هي: الريح الحارة ومازال هذا اللفظ مستعمل، إذا اشتدت الريح قالوا: سموم، في سموم ريح حارة، من النار تنفث في المسام، سميت سموم لأنها تنفذ في مسام الجلد، وتصل إلى داخله، إذ جاء في الحديث الصحيح: ((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جنهم، وأشد ما يوجد من الحر فإنه من نفس جنهم وأشد من البرد فهو من زمهريرها))، - نسأل الله السلامة والعافية-، يعني: ناس ويذوقون الحر الشديد والبرد الشديد لكن كما قال الله -جل وعلا-: {هل من مدكر} ترد هذه الأمور إلى ظواهر طبيعة ويدرس وعلى مستوى عالي رؤساء دول يدرسون موضوع الاحتباس الحراري، وأن الحرارة في سنة ألفين وخمسين قد تصل إلى مبلغ لا يطيقه الناس، لكنهم لا يدكرون ولا يعتبرون، وإذا علموا من هذه الدنيا شيئاً فإنما علمهم في الظاهر، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سورة الروم: 7]، قد يقول قائل: كيف يعلمون ظاهر وهم عرفوا أسرار واخترعوا مخترعات أشياء قد يحار العقل فيها، نقول: نعم يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا، ولا يعرفون حقيقة الحياة الدنيا، لأنهم لو علموا حقيقة الحياة الدنيا لأمنوا، والذي يعرف حقيقة الدنيا هو المسلم العامل المرضي لربه، هذا هو الذي يعلم حقيقة الحياة الدنيا، وإلم يعلم ظاهره، يعني ما يستطيع أن يخترع ولا يدرك كنه بعض المخترعات ولكنه يعرف حقيقة الدنيا، إلا أنه يسلم يحقق الهدف الذي من أجله خلق، وهؤلاء أصحاب المخترعات وأصحاب التقنيات لا يعلمون من الدنيا إلا الظاهر، لأنهم لو علموا حقيقة الحياة الدنيا لأسلموا لقادهم ذلك إلى الإيمان، ولذا قيل قال بعض أهل العلم: أنه لو أوصى من العقلاء أو بأعقل الناس لوقف وقفة وجعل لأعقل الناس صريف إلى العباد، الزهاد، الذين عرفوا حقيقة الدنيا وعزفوا عنها، فلن تستملهم، لكن مع ذلك لا بد من الحصول على ما تقول به هذه الحياة الدنيا، ولذا جاء: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص: 77]،

فالعاقل هو الذي يجعل هذه الدنيا مجرد مرر للآخرة، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، عابر السبيل)) الذي يحرص على أن يحمل الأشياء الثقيلة على ظهره وهو في الطريق؟ لا يحمل الخفيف، يحمل ما يبلغه ما يطول به بلاغه، وما عدا ذلك من أمور الدنيا لا يحمله لآلا يثقله ويوهنه يحبسه عن تحقيق الهدف الذي من أجله خلق، يقول: في سموم في ريح حارة من النار تنفذ في مسام الجلد، في مسام يعني تنفث إلى داخل البدن، وحميم ماء حار شديد الحرارة، سموم الهوا شديد الحرارة، والماء شديد الحرارة - نسأل الله السلامة والعافية-، فماء الحميم إذا أقبل به على وجه ليشرب منه سقطت جلدة وجه في الماء، نقول: حميم كم درجة الغيلان؟ لا، المسألة تختلف يعني الماء الحار، الماء الذي يعد لشاي أو للقهوة لا يمكن أن شربه إنسان على أنه ماء لا يمكن، تفتح السخان وتشرب ماء! هذا لا يمكن أن يستساغ، مع أنه بالنسبة للحميم لا شيء، كما أن نسبة نار الدنيا بالنسبة إلى نار الآخرة نسبة واحد إلى سبعين، ((جزء من سبعين جزء، قالوا وإن كانت كافية يا رسول الله، يعني نار الدنيا كافية للإحراق، قال لكنها فضلت عليها بتسعة وستين جزء))، فجاءه بعض بالآثار: ((أن من يدخل النار لو خرج منها لنام في ناركم))، باردة بالنسبة للنار الآخرة، وهنا في {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} [سورة الواقعة: 42]، ماء شديد الحرارة.

{وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} [سورة الواقعة: 43]، لأنه إذا لفحه السموم الحار وشرب من الماء الحار، هرع إلى ضل يستظل به فيجد الظل، فإذا وجده فإذا به من يحموم من دخان شديد السواد، يظنه ظل يتقي به من هذا السموم والحميم فيجده من يحموم، دخان شديد السواد لا بادر كغيره من الأظلال، الظل ليس ببارد، كما هو شأ الظل في الدنيا، الظل في الدنيا بالنسبة إلى العرى الشمس بارد، لا بارد كغيره من الضلال، ولا كريم حسن المنظر لأن فيه دخان شديد أسود ولا كريم، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} يعني: في الدنيا {مُتْرَفِينَ} [سورة الواقعة: 45]، لماذا استحقوا مثل هذا العذاب؟ لأنهم كانوا قبل ذلك يعني: في الحياة الدنيا مترفين منعمين لا يتعبون في الطاعة، يتركون الواجبات؛ لأنها تشق عليهم، تشق عليهم الطاعات، إذا نودي لصلاة الصبح برد، إذا نودي لصلاة الظهر والله حر شديد، العصر وقت راحة، المغرب إلى أخره، مترفين متنعمين، ترف جاء في النصوص كلها مذموم، الترف مذموم والإخلاد إلى الدنيا والراحة وعدم تكليف النفس هذا كله مذموم، وهذا سبب خراب الأمم والدول,كما قرر ذلك ابن خلدون في مقدمته، {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا} [سورة الإسراء: 16]، فالترف مذموم والإخلاد إلى الراحة مذموم، لا بد أن يكون المسلم جاداً في حياته عاملا بما أوجب الله عليه مجتنب لما نهي عنه بحزم وعلم وقوة، لا تردد فيه. {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} يعني: في الدنيا مترفين منعمين لا يتعبون في الطاعة، {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ} [سورة الواقعة: 46]، الذنب يصرون على الذنب العظيم الذي هو الشرك، الذي هو أعظم الذنوب، فهم مشركون يعني: استحقوا الخلود في النار، لأنهم أصروا على الحنث العظيم، وقد يستحقون الدخول دخول النار من غير خلود لإصرارهم على الحنث، الذم الكبير من كبائر الذنوب، ولو لم يخلدوا فيها، إذا لم يصروا على شرك وماتوا على التوحيد فإنهم قد يعذبون بارتكابهم بعض الذنوب وإصرارهم عليها، يمتون على غير توبة منها، {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} يعني: الذنب العظيم الذي هو الشرك.

{وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [سورة الواقعة: 47]، {وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراب وعظاماً أئنا لمبعوثون}، يستبعدون البعث لماذا؟ لأن من مات انقطعت أخباره وفارقت روحه حياته وبلي وفني جسده، وصار عظمه رميماً، {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [سورة يس: 78 - 79]، وكانوا يقولون على سبيل الاستبعاد: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [سورة الواقعة: 47] أئذا، أئنا، في الهمزتين في الموضعين التحقيق أئذا تحقيق الهمزتين في الهمزتين في الموضعين التحقيق، تحقيق الهمزتين بمعنى أنه: ينطق بالهمزتين مع التحقيق وتسهيل الثانية أئنا وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما أآئنا وإدخال ألف بينهما على الوجهين هذه قراءة قراء بها، {أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ} [سورة الواقعة: 48]، للعطف يعني: نحن وآباؤنا الأولون فتح الواو للعطف والهمزة للاستفهام، أوآباؤنا يبعثون كذلك، وهو في ذلك وفيمن قبله للاستبعاد، يعني: هذا الاستفهام يأتون به مستبعدين للبعث بالنسبة لهم ولأبائهم، قال: وهو في ذلك وفيمن قبله للاستبعاد وفي قراءة بسكون الواو، وياء قراءة ابن عامر وقالون، بسكون الواو أو آباؤنا عطفاً بأو، عطفاً بأو، والمعطوف عليه محل إن واسمها، {أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [سورة الواقعة: 47]، أو آباؤنا، ويكون معنى أو هنا معنى الواو لأن أو تأتي بمعنى الواو إذا لم يحصل هناك لبس، كأنه قال أئنا لمبعوثون أو آباؤنا يعني وآباؤنا الأولون فأو تأتي بمعنى الواو. خير أبح قسم بأو وأبهم ... . . . . . . . . . إلى أن قال: وربما عاقبت الواو ... . . . . . . . . . يعني ربما جاءت بمعنى الواو، أو بمكامن الواو عاقبة أي جاءت بمكانها، والمعطوف عليه بمحل إن في قوله: أئنا، أئنا لمبعوثون أو آباؤنا أي وآباؤنا.

{قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ} [سورة الواقعة: 49]، {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ} يعني من لدن آدم إلى قيام الساعة، من آدم -عليه السلام- إلى قيام الساعة، {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ} {لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [سورة الواقعة: 50]، ميقات يعني: وقت يوم معلوم، أي: يوم القيامة، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم إلى بمعنى: اللام، والأصل أن الجمع يعدى بفي لمجموعون في ميقات، في وقت يوم معلوم، لأنه ظرف والظرف يتضمن معنى في وكأن مجموعون ضمن معنى السوق، لمسوقون والسوق يعدا بالا، لمسوقون إلى ميقات يعني: لوقت يوم معلوم في أيام القيامة، ونحن بين أمرين إما أن نظمن الفعل الذي هو الجمع لمجموعون، نظمنه معنى ما يتعدى بالى كأن نقول: لمسوقون لمجموعون يعني: لمسوقون إلى ميقات يوم معلوم، أو نظمن الحرف معنى في، أو اللام كما قدره المؤلف، وأيهما أولى تضمين الفعل أو تضمين الحرف؟ نعم، تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف، أهل العربية يقولون: إن الحروف تتقارب، يعني: يأتي بعضها في مكان بعض، {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [سورة طه: 71] يعني: في جذوع النخل، يقولون إن الحروف تتقارب، وشيخ الإسلام ابن تيمية يقرر أن تضمين الأفعال أولى من تضمين الحروف، أولى من تضمين الحروف، وعلى كل حال التضمين موجود في لغة العرب، ويوجد في الحروف مالا يمكن تضمين الفعل بما لا يناسبه، إذا لا بد من تضمين الحرف أحياناً والأكثر هو تضمين الفعل، وشيخ الإسلام يقول: أبداً لا يمكن تضمين الحرف وتضمين الفعل هو المتعين، وأهل العربية كثير منهم يرى أن تضمين الحرف أسهل من تضمين الفعل، كم؟ نختصر على هذا والله أعلم، وصلى الله وسلام وبارك على عبده نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.

سورة الواقعة (4)

تفسير الجلالين - سورة الواقعة (4) الكلام على التفسير الموضوعي- تفسير من قوله: {فمالؤون منها البطون} إلى قوله: {نحن جعلنها تذكرة ومتاعا}. الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم وحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. هذا يقول: هل يشترط في المدلس أن يكون قد روى عن من دلس عنه غير ما دلسه أما أنه يكفي أن يكون قد عاصره أو لقيه؟ المدلس لا بد أن يصرح بالسماع ممن روى عنه، إذا كان ممن لا يحتمل الأئمة تدليسه، إذا كان ممن لا يحتمل الأئمة تدليسه، في الطبقة الثالثة فإنه لا بد من أن يصرح بالتحديث عمن فوقه، على ألا يوجد في السند مدلس تسوية، لاحتمال أن يكون قد أسقط راوي بين ثقتين أو ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الآخر وإذا وجد في السند راوي عرف بتدليس التسوية لا بد أن يصرح في السند كله بالتحديث، أما إذا لم يوجد من هذا النوع أحد فإنه يكفي في من عرف بالتدليس وروي به إذا لم يضف إلى ذلك قادح آخر، أما إذا وجد سببٌ أخر للقدح غير التدليس فلا يكفي أن يصرح بالتحديث. يقول: شخص القائم على جمعية المتبرعين لأمور الخير، كالمساجد والتحفيظ في القرية وكان المبلغ مائتي ألف خسر فيها مائة ألف في الأسهم هل يضمنها أم لا؟ على أنه صاحب أسرة ومرتبه حوالي سبعة ألاف؟ المقصود: إذا كان ممن خول بالعمل في هذه الأموال، وصرح له من قبل المتبرعين بأن له أن يضارب ويساهم فيها، وإلا فلأصل أنه ليس له أن يتاجر فيها، هذه أموال قيمة عينة جهتها فتصرف فيها، وإذا أريد مثل هذا الزيادة في هذه الأموال، أن تودع في أوقاف تدر على هذه الجهات، تجمع هذه الأموال وتجعل في أوقاف يحسب أصلها ويستفاد من ريعها، أما تعريبها بهذه الطريقة لاسيما للأسهم التي لا يدرك كنهها، ولا يعرف مالها فيوماً تراها في الثرى، ويوماً في الثرياء، هذه ليست تجارة، هذه في الحقيقة ليست تجارة، والذي أراه أنه في هذه الحالة إلم يصرح له من أصحاب الأموال الذين دفعوها بأن يضارب فيها أنه يضمنها. هذا يحكم: ما حكم المخيمات الصيفية وتوجيه الشباب إليها بدون علم وإنما القصص والعبر؟

هذه المخيمات الصيفية والمراكز لا شك أنها إنما وضعت لحفظ الشباب من الضياع في أوقات العطل، هذا الأصل فيها، لكن على القائمين عليها أن يستغلوها بما ينفع الشباب، وأن لا يضيعوا أوقاتهم ويهدروها، ألا يضيعوها أن يرتبوا لهم دروس علمية تنفعهم، يرتبوا لهم حلقات تحفيظ، وحفظ متون وشرح ومحاضرات نافعة، ولا يكون أكثر الوقت مهدر في تمثيليات وأناشيد وما أشبه ذلك، وإن كانت هذه الأمور خفت في السنوات الأخيرة لكن مع ذلك على القائمين عليها أن يستغلوا أوقات لما ينفع هؤلاء الشباب. هل يجوز تقبيل القرآن إذا وقع على الأرض؟ نقول: لا شك أن الداعي إلى هذه التقبيل أنما هو تعظيم القرآن، تعظيم القرآن، واحترام القرآن، لكن هذا لا يكفي بل لا بد أن يوجد له أصل من فعله -عليه الصلاة والسلام- أو من فعل صحابته، وجد ما يدل على ذلك من بعض الصحابة لكن أكثر الصحابة لم يفعلوا ذلك، كبارهم والمعول عليهم لم يفعلوا ذلك. وكل خير في إتباع من سلف. يقول: هل يثبت لله صفة القدمين أم قدم واحدة؟ في الحديث الصحيح: ((لا تزال جنهم يلقى فيها وهي تقول هل من مزيد هل من مزيد حتى يضع فيها ربنا العزة قدمه وفي رواية رجله حتى تقول قطٍ قط))، المقصود أن القدم ثابتة لله -عز وجل- والتثنية لا بد فيها من نص ملزم. يقول: ما الفرق في نطق راهويه أو راهويه عندا لمحدثين، وأهل اللغة؟ أهل الحديث يتداولون أن النطق المعروف المتداول بينهم راهويه، ويروين في ذلك حديثاً ضعيفاً بل منكر أن ويه من أسماء الشيطان، ولذا المضطرد عند أهل اللغة راهويه مثل سيبويه ونفطويه، وهكذا هذه هي الجادة. يقول: نسمع ونرى كثيراً ما يحصل لبعض الشباب من التعدي على بعض العلماء والمشايخ واتهامهم بأنهم سلطان بسبب فتوى في مسألة خلافية وغير ذلك، كيف يكون التعامل مع هؤلاء هداهم الله، وهل الطعن في علماء هذه البلاد أمرٌ يخوض فيه الناس؟

على كل حال أعراض المسلمين عموم المسلمين حفرة من حفر النار، حفرة من حفر النار كما قال ابن دقيق العيد، وجاء في الغيبة ما جاء من نصوص الكتاب والسنة، هذا إذا كان في عامة الناس، الذي لا يترتب على الكلام فيهم أثر بالغ عام يشمل الناس كلهم، فكيف إذا تعدى ذلك إلى العلماء المحققين الراسخين الكلام فيهم يزهد عوام الناس فيهم، وإذا زهد الناس في علمائهم فعلى من يعولوا في بيان الدين وتلقي العلم، والفتوى إذا زهد الناس في أهل العلم ضاعوا كما هو حال كثير من المسلمين في كثير من البلدان، في كثير من البلدان، فلا يجوز حينئذٍ أن يتكلم فيهم بكلمة كسائر الناس، أضف إلى ذلك أن الأثر المترتب على الكلام فيهم أبلغ وأشد من الكلام المترتب على غيرهم، فليتق الله -جل وعلا- من أخذ أعراضهم ونشرها بلسانه وتلقاها بلسانه يتق الله -جل وعلا-ء في ذلك. يقول: أنا كنت أطلب العلم بهمة عالية جداً ولكن النسيان، كأنه يقول: قتلني سواء في أمور ديني أو دنياي، فأرجوا الدعاء وسأدعو لك بظهر الغيب؟ نسأل الله -جل وعلا- أن يثبت العلم في قلبك، وأن يرزقك العلم الذي يدلك على العمل. أسئلة كثيرة جداً عن المسعى الجديد والتوسعة الجديدة؟ هذا العمل لا شك أنه لا ينبغي أن يخوض فيه إلا من أدرك الصفاء والمروة على حقيقتهما، قبل التصرف فيهما، لأن البينية في السعي لا بد من تحققها، لا بد من تحققها، والذي لم يدرك الصفاء والمروة على حقيقتهما لا يدرك المسافة التي يجوز فيها السعي، وحينئذٍ عليه أن يكف عن ذلك وعليه أن يقتدي بمن رأى وعلى كل حال عوام المسلمين من اقتدى بمن تبرأ الذمة بتقليده سواء كان في الفعل أو الكف، على كل حال تبرأ ذمته في ذلك. هل من السنة تغيير المحل في السنة الراتبة, ولقد سأل بعض العلماء وأجاب: بأنه ليس من السنة تغيير المحل؟

طيب مادام سئل بعض العلماء لماذا تسأل مرة ثانية؟ هذه المسألة من يقول: بتغيير المحل هو لا يستند إلى أصل يمكن الاعتماد عليه, إلا مسألة التعدد، تعدد الأمكنة التي تشهد له، وأن هذا من آثاره التي تشهد له، من هذه الحيثية وإلا فقد جاء في صحيح البخاري: "ويذكر عن أبي هريرة، لا يتنوع الإمام في مكانه" يقول البخاري: ولم يصح، ولم يصح. هذا يسأل عن قراءة القرآن في السبع كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمر: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد))؟

هذا وميسر أن يقرأ الإنسان القرآن في سبع ولا يعوقه عن أي مصلحة سواء كانت هذه المصلحة تتعلق بالدين أو بالدنيا، بل هي عائد له على أمور دينه ودنياه، إذا جلس في مصلاه حتى تنتشر الشمس بإمكانه أن يقرأ القرآن في سبع، إذا جلس إلى أن تنتشر الشمس يعني: ساعة بعد الصلاة يقضي فيها الأذكار، وينتظر حتى يقرأ فيها أربعة أجزاء خمسة في اليوم الأول والثاني، وأربعة في بقية الأيام على تقسيم السلف، على تقسيم السلف وتحزيبهم للقرآن ثلاث في اليوم الأول البقرة وآل عمران والنساء، ثم خمس في اليوم الثاني، المائدة والأنعام والأنفال، والأعراف والتوبة، وسبع في اليوم الثالث، وتسع في اليوم الرابع، وإحدى عشرة في اليوم الخامس، وثلاثة عشرة في اليوم السادس، والمفصل من ق إلى آخره في اليوم السابع، وهذه لا تشق على طالب العلم، أبداً وإذا تعودها سهلة عليه جداً، لأن على طالب العلم أن يجعل لنفسه حزباً ثابت من القرآن لا يخل به، أما إذا ترك القراءة حسب التيسير، إن تقدم إلى الصلاة قبل الإقامة قرأ وإلا فلا، هذا لن يقرأ القرآن، الملاحظ على كثير من طلاب العلم يحرص أن يحفظ القرآن ثم إذا حفظ القرآن ضيع القرآن صار ماله ورد مرتب، يقرأ القرآن وإن قرأ نصيبه في جوف الليل فهو أفضل، أفضل لكن إذا كان ممن قيد بذنوبه عن قيام الليل فلا أقل من أن يجلس بعد صلاة الصبح ويقرأ هذا القدر المخصص لكل يوم من أيام الأسبوع، وحينئذ يقرأ القرآن ولا يعوقه هذا عن شيء من أمور دينه ولا دنياه، أمر سهل هذا أمر مجرب، نعرف شباب التزموا هذا فصاروا لا يفرطون فيه، ولا يسامون عليه سفراً ولا حضر، وأمورهم ماشية، أمورهم ماشية، قد يقول قائل: إنا مرتبطين بدروس بعد صلاة الصبح فكيف أقرأ القرآن؟ يا أخي بعد الدرس اجلس ساعة وتنتهي أو قم قبل صلاة الفجر بساعة وتنتهي، على كل حال ضع هذا من أولى أولوياتك وأهم اهتماماتك، ثم تجد الراحة، والمتعة في قضاء هذا الوقت مع كلام الله -جل وعلا-. التقسيم ثلاث هذا في اليوم الأول: البقرة، وآل عمران، والنساء. والثاني: خمس أي: بتدريج ثلاث، خمس، سبع، تسع، إحدى عشرة، ثلاثة عشرة، ثم بعد ذلك يبقى مفصل، من ق إلى آخر القرآن.

البقرة وآل عمران والنساء في اليوم الأول، ثم المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة خمس في اليوم التالي، ثم بعد ذلك من يونس إلى أخر النحل في اليوم الثالث، ثم من الإسراء إلى الشعراء في اليوم الرابع، ثم من الشعراء إلى ياسين في اليوم الخامس، ثم من ياسين إلى ق في اليوم السادس، ثم من ق إلى آخره في اليوم السابع، يعني: تقسيم متقارب نعم في اليوم الأول والثاني فيه زيادة لكن لا يمكن التقسيم بالحروف كما كان يفعل بعضهم، يقف على قوله: {فليتلطف} هذه حتى ولو كان هذا نصف القرآن بالحروف لا ينبغي؛ لأن مراعاة المعاني لا شك أنها مهمة بالنسبة إلى القرآن حتى الوقوف في أثناء سورة ولو قدر أن هذه ثلث أو ربع القرآن كما قرر عند أهل العلم، والتحديد هذا ثابت عن الصحابة في سنن أبي داوود، التحديد الذي ذكرته، ومن أراد أن يقرأ القرآن في ثلاث يقرأ إلى أخر التوبة في اليوم الأول، ثم إلى آخر ألم في سورة السجدة في اليوم الثاني، ثم إلى أخرا لقرآن في اليوم الثالث. يقول: نرجو التذكير بالأيام البيض يوم غدٍ إن شاء الله- تعالى - يوم الأربعاء بدايتها؟ لكن هل هذا مجزوم به رؤيا الهلال؟ أو على التقويم؟ لا لا بد من رؤية الهلال. يقول: تقدم لابنت أخي رجل يعمل في أحد البنوك التي لا تخلوا من المعاملات الربوية بل هو مشهور بذلك، وجاء والدها يستشيروني ويقول: الرجل مشهور بظرافته وحسن خلقه وحبه للغير إلا ما يؤثر عليه في هذا الجانب المذكور؟ مثل هذا لا بد أن تقبل قبل، قبل حسن الخلق أن يكون معروف بالديانة، ((من ترضون دينه، وأمانته فزوجوه))، لا بد أن يكون معروف بالديانة، محتاطاً لنفسه والذي يزاول هذه الأعمال لاشك أنها خرم في دينه، وأي: خرم في الربا من عظائم الأمور وإلم يزاوله بنفسه فقد أعان عليه. يقول: انتشر في الآونة الأخيرة بين الشباب الحزبيات والمنابزات بالألفاظ والالتفاف حول الجماعات ثم ذكر بعض الجماعات؟

لا شك أن هذا مما رضي به الشيطان في جزيرة العرب، لأنه أيس أن يعبد في جزيرة العرب ورضي بالتحريش، ورضي بالتحريش، ولا شك أن هذه الاشتغال بهذه الأمور عائق ومذهب لبركة العمر، مذهب لبركة العلم والعمل، وعلى طالب العلم أن يلتفت إلى ما هو بصدده، من طلب العلم من الوحيين وما يخدم الوحيين، اعتصم بالكتاب والسنة ويقتدي بمن سلف وإذا كان هناك من أهل العلم من تبرى الذمة بتقليده ورآه أرجح من غيره واعتمد فتواه أو قوله إذا لم يكن للنظر والاستدلال فله ذلك، على كل حال على طالب العلم أن ينجلي على نفسه ويترك القيل والقال، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن القيل والقال. أسئلة كثيرة ما ندري ما نأخذ وما ندع، والوقت يضيق على، يضيق حقيقة عن تفسير الآيات التي التزمنا بها هذا في الصورة الأولى فضلاً عن الثانية، لكن هذه موضوع مهم. يقول: ما رأيكم في التفسير الموضوعي حيث نقول بعض الأخوان أن هناك من يعارض عليه؟

التفسير الموضوعي إذا أضيف إلى التفسير التحليلي ينتفع به طالب العلم، فمثلاً في التفسير الموضوعي إذا أخذ موضوعاً مهماً من موضوعات القرآن وينفع في هذه ويقربه، مثل المفردات الراغب، يعني يجيلك المفردات في جميع القرآن ويفسرها في موضع واحد، فمثلاً إذا احتجنا إلى تفسير أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة في سورة الواقعة، إذا نظرنا إلى السورة بمفردها ألا يحصل في هذا نقص وخلل، لكن إذا قارنا فيها ما جاء في السور الأخرى كسورة البلد مثلاً اتضحت السورة لدينا أكثر، فإذا نظرنا إلى موضع أخر أنظم إلى ذلك ما نحتاج إليه في توضيح هذا اللفظ أكثر، يعني: لو جمع الإنسان لفظ أو مادة الترف في القرآن، أو الإخبات، مثلاً أو التقوى، يعني: كونه ينضر إليها في موضع واحد قد يكون هذا الموضع الذي نظر إليه بمفرده مجمل، وقد بني وفصل في موضع أخر، فإذا نظر إلى هذا الموضوع في جميع القرآن اتضحت له الصورة أكثر، يظهر هذا جلياً في قصص القرآن، فقصة آدم تكررت في مواضع من القرآن، قصة موسى تكررت في مواضع، في بعض المواضع تكون مجملة، وفي موضع آخر تكون مفصلة، وفي موضع ثالث تكون على صورة مغايرة لما تقدم، فإذا نظر إلى هذه القصة في جميع القرآن صار التصور كاملاً عنده، لكن إذا نظر إليها في موضع أخر وغفل عن المواضع الأخرى يكون التصور عنده ناقص، يكون التصور عنده ناقص، ولذا التفسير الموضوعي على هذه الكيفية، يعني: أنت مثلاً تبحث عن صفات المؤمنين، صفات المؤمنين لا بد أن تنظر إليها في جميع القرآن، فيكون من ناحية التفسير موضوعي لأن هذا موضوع فلا تنظر إليها من سورة البقرة فقط، بل تنظر إليها في جميع القرآن تتضح لك الصورة وتكتمل، لأن بعض المواضع مثل ما ذكرنا وذكر أهل العلم مجملة وبينة في المواضع الأخرى، وإذا أتي على جميع ما في القرآن على ما يخص هذا الموضوع، ثم بعد ذلك ثني بماء جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم ثلث بما جاء عن سلف هذه الأمة وأئمتها تكون الصورة واضحة مثل الشمس، يعني: الإنسان يحتاج إلى مؤلف مثل مدارج السالكين لابن القيم، مدارج السالكين لابن القيم، كتاب عظيم ومن أنفع ما يقرأه طالب العلم لكن ما يسلم من بعض بقايا الآثار التي

أودعها المؤلف الأصل صاحب منازل السائرين، وابن القيم -رحمه الله- حاول أن يقرب كلامه لكنه لم يقضي على جميع ما عنده من المخالفات، رحمت الله عليه فبإمكانك أنت يا طالب العلم أن تؤلف كتاب نظير مدارج السالكين من غير أن ترجع إلى مدارج السالكين، شوف المنازل التي تكلم عنها ابن القيم، واكتب المنزلة ثم بعد ذلك اشرحها من خلال كتب اللغة، وأتمنى من كل طالب علم أن يعمل بنفسه، ولا يعتمد على غيره، اشرح هذه الكلمة من كتب اللغة، اجمع المنازل التي ذكرها ابن القيم، ثم منزلة منزلة، اشرحها من كتب اللغة، ثم بعد ذلك أنت بنفسك راجع القرآن والأمور متيسرة الآن ما يقال هذا يحتاج إلى حافظ، ما يحتاج إلى حافظ، بإمكانك من خلال المعجم المفهرس لألفاظ القرآن أن تجمع كل ما جاء في هذه اللفظة من القرآن تأتي بها وإن راجعت عليها بعض التفاسير المختصرة ووضحت معاني هذه الكلمات في المواضع كلها اتضحت لك الصورة، ترجع أيضاً إلى المعجم المفهرس لألفاظ الحديث فتذكر ما جاء في هذه اللفظة من أحاديث، ثم بعد ذلك تنضر في أقوال السلف من الصحابة والتابعين، ثم تقابل كلامك بكلام ابن القيم، تجد لابن القيم نفائس ودرر وشيء يعني: ما يخطر البال تضيفه إلى ما كتبت، يعني: إذا انتهى الكتاب يصير عندك من علوم الكتاب والسنة بهذه الطريقة، وأتت ثقة تامة أنك تكون قد أفدت فائدة عظيمة وفي الوقت نفسه ثابت راسخة لماذا؟ لأنك اعتمدت على نفسك ما اعتمدت على أحد، لأنك لو اعتمدت على أحد ما تدرك ما لوا اعتمدت على نفسك، وهذا هو التفسير الموضوعي. لو نجيب على عشرة أسئلة يجين عشرين، على هذا ما ننتهي، يقول: هذا السؤال مهم جداً يعني: في الحديث الذي ذكرناه، إن الشيطان أيس أن يعبد في جزيرة العرب ورضي بعد ذلك بالتحريش، وقد وجد الشرك الأكبر يعني: قبيل بعثة الإمام المجدد وجد الشرك الأكبر، وجد من يعبد الأحجار، وجد من يعبد الأشجار، وجد من يعبد الأولياء والصالحين والقبور في جزيرة العرب، وكون الشيطان أيس هذا على حد ظنه، وهو ظن أنه بعد أن انتشر الإسلام أنه خلاص لن يعبد الإسلام قوي، بعد الفتح قوي، وبعد ذلك من الفتح إلى وفاته عليه الصلاة والسلام صار في غاية القوة، فخيل

للشيطان أنه لن يعبد بعد ذلك، فصار يقنع بالدون بالتحريش، لكن هل ظنه طابق الواقع أو خالف الواقع؟ وهل يكون حينئذٍ ظن أو وهم منه؟ لأن الواقع يشهد على خلاف ظنه، فالأدق أن نقول: توهم أنه لن يعبد في هذه الجزيرة، وأوصله حسرته وندمه على ذلك إلى أن أيس واستحسر أن يعبد، لكن هل ترك؟ ما ترك، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [سورة فاطر: 6]، فهو عدو إلى قيام الساعة، فيقول والله م ما أخشى أن تسلكوا بعدي على التهويل من الدعوة إلى التوحيد لا، التوحيد رأس المال والدعوة إليه سبيل النبي - عليه الصلاة والسلام- وسبيل من اتبعه، لأنه لا يصح أي عمل من الأعمال بدون توحيد، بدون توحيد لا يصح أي عمل {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [سورة النساء: 48]، {لان أشركت ليحبطن عملك} ما في عمل يمكن أن يقبل بحال من الأحوال إلا بعد تحقيق التوحيد.

يقول رحمه الله تعالى في قوله- جل وعلا-: {ثم إنكم أيه الضالون، لآكلون من شجر} ثم إنكم تأكيد بعد تأكيد، ضالون المكذبون، الذين يكذبون بيوم الدين، الذين يصرون على الحنث العظيم، الذي هو الشرك لآكلون من شجر من زقوم، ومن هذه تبعيضية وإلا بيانيه، يقول: بيان للشجر، من زقوم بيانيه، {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} يعني: بيانيه، وننزل {وننزل من القرآن ما هو شفاء} هل هي بيانية وإلا تبعيضية؟ نعم؟ هذه الأكثر على أنها بيانية، وأن القرآن كله شفاء، ومنهم من يقول تبعيضية، لكن ما الذي يترتب على ذلك؟ قال يترتب على ذلك أنه لو جيء لك بمريض تقرأ عليه، وقرأت: {تبت يدا أبي لهب وتب} أنه مظنة للشفاء لأنه القرآن كله شفاء، والي يقول تبعيضية يقول: لا اقرأ عليه ما يناسب القرآن، ما يناسب الحال، لأن من القرآن ما هو شفاء، ومن القرآن ما هو أحكام، ومن القرآن ما هو عقائد، ومن القرآن ما هو قصص، ومن القرآن إلى أخره من الموضوعات المتعددة في القرآن، فعلى هذا إذا جئ لك بمريض لا تقرأ عليه تبت، اقرأ عليه الفاتحة وما يدريك أنها رقية، اقرأ عليه المعوذتين، اقرأ عليه أية الكرسي، اقرأ عليه البقرة إذا كان مسحور، اقرأ عليه ما يناسب المقال، ومن الطرائف أنه دعي شخص لرقية مريض، وهذا الشخص يعرف أن هذا المريض يسرف على نفسه، يرتكب المنكرات، فأراد أن يعضه من خلال الرقي، فجاء له فقرأ عليه الآيات التي تحذر من المنكرات التي يرتكبها: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [سورة الفرقان: 68] ثم يكررها ثلاثاً وينفث عليه، هل هذه رقية؟ إذا قلنا بيانية وأن القرآن كله شفاء نعم، ويعرف عليه بعض المنكرات فأورد عليه الآيات كلها التي يعني اجتهاد من هذا الشاب، لكن هل هو اجتهاد مناسب وهل هذا وقته، وهل الموعظة تكون بمثل هذه الطريقة وهذا الأسلوب؟ هذا كله محل نظر، وإذا قلنا: إن من بيانية ما في إشكال إلم يكن ثم مانع فإنه يشفى لأن قلنا تبعيضية فإن هذه ليست من آية الرقية.

{من زقوم} بيانية من بيانية بيان للشجر المذكور، من شجر {فَمَالِؤُونَ مِنْهَا} [سورة الواقعة: 23] منها أي من الشجر، والشجر مثل السدر ومثل التمر، مما يفرق بينه وبين واحده بالتاء، ويسمونه اسم جنس، فمالؤون منها أي: الشجر البطون، {فمالؤون منها البطون} هل البطن الذي يملأ بما يؤكل ويشرب أو المعدة فقط؟ نعم المأكول والمشروب يذهب إلى أين، إلى المعدة، لكن المعدة إذا امتلأت امتلأ البطن وهذا أمر مشاهد ومحسوس، إذا امتلأت المعدة امتلأ البطن، فصح أن يقال: {فمالؤون منها} لأن هناك استعمالات عرفية، بعض العامة إذا آلمه شيء سواء كان في المعدة أو في الرائية أو في الطحال أو في أي جز من أجزاء ما يحتويه البطن، قال: ما الذي يؤلمه يقول: الكبد، كبده تؤلمه، هذا استعمال عرفي عند كثير من العامة، في بعض الجهات ما يطلقون على ما الجوف كلي إلا الكبد، لكن العرف الخاص عند الأطباء يختلف عن هذا اختلاف جذري، ولذلك الذي لا يعرف هذا المصطلح العرف العام عند الناس، قد يعطيه من خلال كلامه علاج للكبد، ويتضرر به، والألم في الرائية مثلاً، والعامة تقول: امتلأ بطنه لأنه امتلأت معدته وبالتالي امتلأ البطن. {فشاربون عليه} على هذا الزقوم الذي ملأ البطن، الزقوم المأكول من الحميم، {فشاربون عليه} يعني: على هذا المأكول من الحميم، وهو الماء الحار، الماء الحار، الذي جاء في بعض الأخبار: ((أنه إذا أدناه من وجهه سقطت جلدة وجهه))، وجاء في الأثر: " أنه لو جاء شخص يعرفه في الدنيا لعرفه من جلدة وجه الذي سقط"، حميم وهل يقول أن هذا الحميم أن درجته مائة أو ألف درجة الغليان فيه، الله أعلم بمقداره، إذا أدناه من وجهه سقطت جلدة وجهه، {فشاربون عليه من الحميم} فشاربون شرب، أو شَرب أو شِرب هذه الثلاث اللغات في هذه، لها شرب، ولكم شرب، وشرب بفتح الشين هم الجماعة الشراب الذين يشربون، ويقال لهم شرب، والشرب يقال: من مصدر شرب، يشرب شرباً، شرب الماء وسيشربه شرباً وشًرباً، يقول: بفتح الشين وضمها مصدر وابن مالك - رحمه الله- يقول: فعلُ قياس المصدر المعدى ... منذ ثلاثة كرد رد

الأصل الفتح في المصدر، والشرب أصل المصدر، وهنا يقول كلاهما مصدر، شرب، شُرباً، بفتح الشين وضمهما مصدر، يعني: بالفتح قرأ ابن كثير وابن عامر، وابن عمر، والكسائي وغيرهم قرؤوا بالضم شُرب، الهيم، الإبل العطاش، الأصل فيها أن الإبل الهائمة على وجهها، وفي الصحاري والبراري والقفار، هائمة على وجهه، ويترتب على ذلك العطش الشديد فإذا وصلت إلى الماء شربة شرب كثيراً، ولذا قال: الهيم الإبل العطاش، جمع هيمان للذكر، وهيما للأنثى، كعطشان وعطشاء، تقدم في قوله: عين مفرده عينا كحمراء عين مفرده عينا كحمراء وهنا قال: هيم جمع هيمان للذكر، وهيما للأنثى، وهناك مفرده عينا، وأعين، أعين، وعينا، وهنا قال: وذكرنا أنه هناك أن المؤلف - رحمه الله تعالى - سبق قلمه إلى هذا، لأن عين أصلها فعل بضم العين لكن كسرة للمجانسة، وهنا هيم أصلها فعل بضم الهاء فهي كحمر، وحينئذ يكون المفرد بالنسبة للمذكر أحمر أفعل، أهيم، وبالنسبة للمؤنث مثل حمراء هيما، لو عندنا مثلاً هيمان للمذكر، وهيما للأنثى، كعطشان وعطشا، إذا قلنا هيم الأصل أن الهاء مضمومة مثل عين فعل كحمر، والمفر حينئذ على أفعل وفعلا كأحمر وحمراء، وعلى هذا يكون مفرد هيم أهيم، بالنسبة للمذكر، وهيما بالنسبة للأنثى، خلافاً لما يقوله المؤلف -رحمه الله تعالى- حينما قال: جمع هيمان للذكر وهيما للأنثى، كعطشان وعطشا، ما تقدم من الأكل من هذه الشجرة، الخبيثة الزقوم، التي تملأ البطون والشرب عليها بكثرة من هذا الماء الحار شديد الحرارة، {هذا نزلهم} النزل ما يعد للضيف، ما يعد للضيف هذا نزلهم ما أعد لهم يوم الدين، يعني: يوم القيامة، يوم الجزاء، يوم الحساب هذا نزل، يعني: التعبير بما أعد لهؤلاء من الزقوم والماء الحميم الحار، بأنه نزلهم يعني: أول ما يقدم لهم كالنزل الذي يقدم للضيف أول ما يقدم وهذا على سبيل أيش؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم، على سبيل التهكم، على سبيل التهكم، لأن الضيف بصدد أن يكرم، وهؤلاء بصدد أن يهانوا، فلا يقال لهم في الأصل نزل، لكن من باب التهكم، كما في فبشرهم بعذاب أليم، الأصل في البشارة أنها بما يسر لكن البشارة بما يسوء على جهة التهكم، {نحن خلقناكم} يعني: أوجدناكم من عدم، {نحن خلقناكم} يعني: أوجدناكم من عدم، يعني: هل الإنسان وجد من لا شيء، أو وجد من مادة؟ يعني: آدم خلق من تراب، وحواء خلقت من ضلعه، والبقية بالتناسل بين الجنسين، حشا عيسى - عليه السلام - فإنه من أم بلا أب، يقول: أوجدناكم من عدم، يعني: هل وجد الجنس من لا شيء؟ نعم إذا نظرنا إلى جنسه فإن جنسه غير مسبوق به، يعني: آدم غير مسبوق بشيء من جنسه، وكونه يخلق من مادة من غير جنسه كأنه خلق من عدم، بالنسبة لجنسه وإلا هو خلق من شيء موجود وهو التراب، وغيره خلق مما يخرج بين الصلب والترائب، فإذا نظرنا إلى الأصل قلنا: أنه خلق من شيء لكن إذا نظرنا إلى الجنس فإنه خلق من عدم، كما قال المؤلف: أوجدناكم من عدم، فلولا هب، يعني: هلا تصدقون، يعني إذا نظر الإنسان في نفسه تأمل الإنسان في نفسه، يعني: هل خلق من لا شيء؟ هل خلق نفسه؟ هل يمكن أن يدعي أنه خلق نفسه؟ لا لابد أن يعترف بأن له خالق، ولذا الكفار المشركون يقرؤون بأن الله - جل وعلا- هو الخالق وهو الرازق، لكن لا يعترفون بالإلوهية ينبسون لغيره أو يشركون معه غيره أو يعبدون من يقربهم إليه زلفى، تصدقون بالبعث يعني: لا ينكرون أنهم خلقوا وأن الله خالقهم، لا ينكرون أن الله - جل وعلا- هو الخالق الرازق المدبر المميت، إذا كان يعترفون بهذا فلماذا لا يعترفون بالنشأة الأخرى بالعبث بعد الموت؟ إذا القادر على الإنشاء قادر على الإعادة وهو أهون عليه، وهو أهون عليه، القادر على الإنشاء قادر على الإعادة، وهذا لا شك أنه أهون والكل هين على الله - جل وعلا -، الكل هين؛ لأن الأولى والأخرى إنما تكونان بكن فأفعال التفضيل ليست على بابها، لكن في عرف الناس وتصورهم أن إعادة الشيء يعني: في المحسوسات تصنيعه للمرة الأولى مثل تصنيعه للمرة الثانية، لا يختلف، يختلف إعادة التصنيع يعني: عندك المادة موجودة، نعم تحتاج إلى شيء من

التعديل تحتاج إلى شيء لإعادة الصناعة من جديد، والمادة موجودة، أسهل من كون المادة مفقودة بحيث: يسعى في تجميع المادة، ثم تجميع هذه المواد المجتمعة وإعادتها مرة ثانية، وهو أهون عليه، تصدقون بالبعث والقادر على الإنشاء قادر على الإرادة، {أفريتم ما تمنون * نحن خلقناكم} كان الخالق هو الله - جل وعلا - وأنتم تعرفون ويخاطب كفار قريش أنتم تعرفون كيف وجدتم وخرجتم في هذه الحياة الدنيا، يعني: كيف تمت العملية بين الزوج والزوجة ليخرج من بينهما ولد ذكر أو أنثى، {نحن خلقناكم} لكن كيف كان هذا الخلق! توضيحه في قوله {أفريتم ما تمنون} ترقون من المني في أرحام النساء، لهذا تمم العملية يعني: مبدأ العملية ومنشأ العملية من {أفريتم ما تمنون} تريقونه في أرحام النساء، ثم بعد الأطوار أربعين يوماً، ثم أربعين ثم أربعون، نعم؟ ثم بعد ذلك ينفخ فيه الروح ثم يتدرج في بطن أمه إلى أن يخرج إنسانا سوياً. هذا سؤال تكرر كثيراً بل هو طلب. يقول: هل من كلمة إلى ضرورة الاحتساب من الأخوة وفقهم الله على المنكرات المنتشرة في المجتمع حتى لا تنخرق السفينة ويدرس الدين، واستشعار الأجر على ذلك؟

يعني: نعلم جميعاً ويعرف كل من قرأ القرآن أن هذه الأمة إنما فضلت على غيرها بالأمر المعروف والنهي عن المنكر، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [سورة آل عمران: 110] يعني: تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان ألا يدل دلالة واضحة على أهميته، وأنه هو السبب الذي فضلنا فيه على سائر الأمم، وإلا فالأمم السابقة من أمن منهم من أسلم يؤمن بالله، ولا يقبل أي عمل إلا بالإيمان بالله، لكن لماذا قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله؟ لأنه هو السبب الذي فضلنا به، وإلا فالإيمان موجود فينا وموجود في غيرنا، من الأمم السابقة، فعلى الإنسان أن يستشعر من واجبه الذي أوجبه الله عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه)) ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وأهل العلم يجمعون على أنه لا يجوز تغيير المنكر بما يترتب عليه منكر أعظم منه، فعلى الإنسان أن ينكر حسب المرتبة التي يستطيعها، ويقدر عليها من غير تسبب في منكر أعظم، فلا بد في ذلك من توخي الأساليب التي تتحقق بها المصالح وتندفع بها المفاسد وإذا أردنا مصلحة ثم بعد ذلك ترتب على إرادتنا لهذا المصلحة مفسدة أعظم أو أردنا درأ مفسدة ثم ترتب على إرادتنا هذه مفسدة أعظم، فلا شك أن ارتكاب أخف الضررين من أجل تحصيل أعلى المصلحتين ودفع أعظم الضررين أمراٌ مقرر في الشرع، فعلينا أن نحتسب وعلينا أن نكر وعلينا أن نأمر وعلينا أن ننهى لكن بالطرق التي تترتب عليها المصالح وتندفع بها المفاسد، والكلمة الطبية مؤثرة بلا شك، والرفق ما دخل في شيء إلا زانة، قد يقول قائل: أن هذا الكلام يفهم منه أن من يقوم بهذا الأمر اشتهر عنهم العنف لا، لا لا ليس هذا المقصود وليس هذا المراد، الأخوان مازالوا على خير وما زالوا على جادة ولله الحمد ويقومون بعمل - نسأل الله أن يكافئهم وأن يدفع عنهم كل سوء -، لا ليس هذا هو المفهوم لأنه حين يطرق باب الرفق يظن أن باب العنف موجود، لكن هو مجرد تذكير للإخوان ومن أجل أن يقبل

هذا الحق لأن الظرف الذي نعيشه يختلف عن عقود مضت، يختلف عن عقود مضت، فنحتاج إلى شيء من الحكمة أكثر مما كنا نحتاجه من قبل، - والله المستعان - والموضوع لا يخفى على أحد لكن بعض الناس إذا سمع هذا الموضوع يطرق بكثرة ظن أن الواقع خلافه، لا ليس الواقع خلافه، لكن يقال مثل هذا الكلام لتذكير به ولو سكت عنه، يعني: أمر أهل العلم من يعلم الناس أمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ظن خصمه أنه يؤلب الناس؛ لأن هذا الأمر مستهدف، هذا الموضوع مستهدف فلو لم نقل مثل هذا الكلام ونحن على يقين بأن الإخوان عندهم خبر وزاولوه على هذه الطريقة التي نشرحها ويشرحها غيرنا ولله الحمد لا يذكر شيء لا يكاد يذكر من مسائل التي قد يصاحبها شيء من الغيرة التي تحمل بعض الإخوان على أن يترك لبعض المغرضين شيء من الكلام في الموضوع، فإذا ذكر على هذا الموضوع عرف وأخذ عن الجميع صورة أن القصد هو الخير، وأن القصد رفع الشر ورفع الخبث الذي إذا كثر استحقت الأمة الهلاك بسببه، ((أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث)) فهذه المساهمة في رفع أو في بذل السبب الذي يؤخر فيه الهلاك، وليعلم كل أمر وكل ناهي أن النتائج ليست بيده، وأن الله - جل وعلا- ينجي الذين ينهون عن السوء ولو لم يرتفع المنكر، {أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا} فلا بد من النهي عن السوء لينجوا الجميع، وبقدر ما يبذل في الإنكار والأمر والنهي يدفع الله جل وعلا عن المجتمعات من الشرور ما لا يعلمه ولا يحيط به إلا الله - جل وعلا -؛ لأن الإنسان مأمور أن يبذل بما يستطيع وإذا بذل ما يستطيع عذر وثوابه كامل، سواء تغير الواقع أو لم يتغير لأننا مطالبون ببذل السبب والنتائج بيد الله، وإذا كان النبي - عليه الصلاة والسلام - لا يستطيع أن يهدي من يحب فكيف بمن دونه، وهناك وسائل وهناك قنوات يمكن أن يؤخذ بها الصوت الذي لا يمكن أن يصل بمفرده، فطالب العلم يبلغ أهل العلم وأهل العلم يبلغون الولاة وحينئذ تتضافر الجهود ويقضى على المنكرات إن شاء الله – تعالى-.

يقول رحمه الله - تعالى-: {أفريتم ما تمنون} أأنتم بتحقيق الهمزتين أأنتم وإبدال الثانية ألفا أأنتم وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركيب المواضع الأخرى، في المواضع الأخرى، {أأنتم تخلقونه}، {أأنتم أنزلتموه}، {أأنتم تزرعونه} إلى آخره، {أأنتم أنشأتم شجرتها} هذه هي المواضع الأخرى التي ستأتي، تخلقونه أي: هذه المادة التي تقذف في أرحام النساء، {أأنتم تخلقونه} أي: المني بشراً الزوج والمرأة في هذه العملية ينتهي دورهما بإلقاء هذه النطفة، ثم بعد ذلك هل يستطيع الأب أو تستطيع الأم أن تجعل هذه النطفة علقة؟ هل تستطيع أن تجعلها تصل إلى حد تكتمل بشراً سوياً؟ ليس بيد أحد شيء قد يقول قائل: أن الأطباء الآن نجحوا في أخذ حيوان من الرجل وبويضة من المرأة وتلقيحهما في مكان خارج الرحم، ثم بعد ذلك ينشأ هذا المولود في هذا المكان ويولد، لكن هل هذا بقدرتهم وإرادتهم؟! نعم لهم قدرة ولهم إرادة، لكنها مقيدة بإرادة الله - جل وعلا-، وإذا كان الموضع الأصلي لا يؤمن فيه من الإجهاض بتقدير الله - جل وعلا- فكيف بالفرع الذي هو طرف ثالث، {أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} أم هذه يعطف بها بعد الهمزة همزة التسوية أو همزة عن لفظ أي مغنية، وأم هنا {أأنتم تخلقونه أم نحن} هل هذه همزة تسوية! نعم؟ أو نقول هي منقطعة بمعنى بل، بل نحن وأم المنقطة يعطف بها المفرد ولا يعطف بها الجملة، ولا يعطف بها الجملة، والآن المعطوف نحن الخالقون مفرد وإلا جملة، جملة لكنها في معنى المفرد، بمعنى: أنه الخبر الخالقون لو حذف يتأثر الكلام؟ ما يتأثر الكلام فالتقدير أأنتم تخلقونه أم نحن فكأنها عطفت مفرد، وحينئذ يصح كونها منقطعة بمعنى بل، نحن قدرنا بالتشديد والتخفيف، بالتشديد قدرنا، وبالتخفيف قدرنا، قدرنا من التقدير، وقدرنا من القدر، نحن قدرنا يعني: من باب القدر الذي هو شقيق القضاء، قدرنا من التقدير وقدرنا بينكم، ومنهم من يقول: إن التخفيف والتشديد هنا بموضع واحد، والأصل بقدر بالتخفيف أنه من التضييق، {من قدر عليه رزقه}، يعني: من ضيق عليه رزقه لكن قالوا هنا سواء كانت بقراءة التشديد أو التخفيف بمعنى الواحد وهو القدر الذي هو شقيق القضاء، {بينكم

الموتى وما نحن بمسبوقين} ما نحن بمسبوقين يعني: ما نحن بعاجزين مسبوقين، يعني: عاجزين، على أن نقدر ما نشاء، لسنا بعاجزين على أن نقدر ما نشاء وأن الله جل وعلا فعال لما يريد يخلق ما يشاء ويختار، يعني التقدير هذا {نحن قدرنا بينكم الموتى وما نحن بمسبوقين} يعني: بعاجزين ايش معنى بمسبوقين؟ مسبوقين على ما قدرناه، فإذا قدرنا الحياة لن يسبقنا أحد على إماتت من قدرنا حياته، لن يسبقنا أحد على ذلك؛ لأن لدينا القدرة التامة وما عدنا هو العاجز، ومن قدرنا عليه الموت لن يستطيع أحد إحيائه مهما بذل؛ لأن التقدير كله بيد الله، {على أن نبدل} على يعني: عن هنا جعل على بمعنى: عن، على أن نبدل نجعل أمثالكم مكانكم طيب هو جعل على بمعنى: عن، وقلنا: في درس مضى أن العلماء يختلفون في تضمين الأفعال وتضمين الحروف، هنا ضمن الحرف والأكثر على أن تضمين الفعل وهذا ما يقرره شيخ الإسلام أولى من تضمين الحرف، فنأتي بفعلٍ يضمنه ما يتعدى بعلى مسبوق عن كذا أو مسبوق على كذا؟.

عجزت أوسبقت على كذا أو عن كذا، القرآن فيه على، والمفسر قدر عن فضمن عن، على بمعنى: عن وإذا أردنا أن نضمن الفعل وتبقى على في موضعها، فماذا نقول؟ نقول: وما نحن بمسبوقين، بل قادرين على أن نبدل، وما نحن بمسبوقين بل قادرين على أن نبدل نجعل أمثالكم مكانكم، نعم، أمثالهم على أن نبدل نجعل أمثالكم مكانكم يعني: المماثلة هنا في الأشكال أو في الأفعال؟ نعم؟ لا إذا هذب بأقوام وجاء بناس مثلهم في الأشكال في الهيئات وأفعالهم واحدة ما حصل تبديل، يعني: هل التبديل في الأوصاف أو في الأشخاص؟ نعم إذا تغيير الأشخاص بأشخاص غيرهم لا تختلف عنهم أوصافهم، {تتولوا نستبدل قوم غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} يعني: في الأفعال، هذا إذا قلنا: أن المراد تبديل الأوصاف فنأتي بأشخاص آخرين أوصافهم وأفعالهم تختلف عن أفعالكم وهذا تهديد، نجعل أمثالكم مكانكم، وننشئكم، أي: نخلقكم فيما لا تعلمون، وننشئكم يعني: نخلقكم في مالا تعلمون من الصور كالقردة والخنازير، لأنه قد يبدل الأشخاص مع الأوصاف، وقد يبدل الأوصاف دون الأشخاص وقد يبدل الأشخاص والأوصاف، قد تبدل الأوصاف الناس هم هم لكن بدل من أن يكونوا يعملون بالأعمال المغضبة المسخطة لله تبدل أوصافهم بأن يكونوا ممن يعمل بما يرضي الله - جل وعلا- وهذا هو المطلوب، فإن حصل وإلا بدلوا إما بغيرهم ممن يعمل بما يرضي الله - جل وعلا-، أو بأشخاصهم لكن مسخوا كما حصل في الأمم السابقة مسخوا قردة وخنازير، وذكرهم في القرآن وذكر ابن القيم - رحمه الله تعالى- في إغاثة اللهفان في فصل طويل جداً ما يحصل في هذه الأمة من المسخ، من المسخ لكثير من الناس قردة وخنازير، مسخ أشخاص ومسخ قلوب، وهذا أعظم - نسأل الله السلامة والعافية-، حتى ذكر في بعض الآثار أنه ذكر في آخر الزمان الرجلان يذهبان إلى المعصية، فيمسخ أحدهما خنزيراً، طيب الثاني أيش يصير يرجع يتوب، يحمد الله ويشكره على أن عافاه مما ابتلى به صاحبه، يشتمل على معصيته، يعني هذا مسخت صورته وهذا مسخ قلبه، - نسأل الله السلامة والعافية-، وأهل العلم يقررون أن مسخ الصورة أسهل من مسخ القلوب، وكثير من الناس يعيش بين المسلمين بل من طلبة العلم، بل ممن ينتسب إلى

العلم يعيش وهو ممسوخ القلب، وابن القيم يقرر أن أكثر من يتعرض لهذا المسخ طائفتان من الناس، وكل ممن يغير ويحرف شرع الله - جل وعلا-، هؤلاء هم الذين يبتلون ولا نحتاج إلى مزيد التفصيل في هذا، فالأمر ليس بالسهل يعني: الإنسان يحمد الله أنه يعيش مرتاح ومبسوط ومتيسرة أموره ولكن ما يدري عن القلب، والمعول على هذا القلب {يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} [سورة الشعراء: 88 - 89]، على الإنسان أن يتحسس هذا القلب يراجع هذا القلب يسعى بما يصلح هذا القلب، الإنسان قد يفتن في العام مرة أو مرتين أو أكثر وقد يفتن في اليوم ثم لا يتوب ولا يدكر بل لا يدري هل هو مفتون أو غير مفتون؟ وهذه كارثة كون الإنسان يحسب أنه يحسن صنعاً وأنه بالعكس: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [سورة الزمر: 47]، بعض السلف تلى هذه الآية وهو يعلم الناس يفسر لهم القرآن فأطبق المصحف ومشى، قال: أنا أخشى أن يكون هذا الدرس، هذا الدرس الذي أظن أنه يقربني إلى الله مما يبعدني إلى الله، {وبدا لهم من الله}، يظن أنه يحسن صنع وفي النهاية يكون عليه، لأن الأمر خطير جداً، أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، منهم العالم الذي يعلم الناس، ماذا صنعت يا فلان تعلمت العلم سنين وأنا أتعلم ثم بعد ما تعلمت، عقود وهو يعلم الناس الخير والعلم والفضل وكم من الناس من انتفع به؟ لكن كما قيل: "انتفع الرسول وخاب المرسل"، ((يقال له: كذبت إنما تعلمت وعلمت ليقال عالم)) - والله المستعان - فهذا من الثلاث الذين هم أول من تسعر بهم النار، فعلى الإنسان أن يراجع نفسه، ولقد علمت القراءة التي اعتمدها المؤلف هي قراءة ابن كثير النشاآئت الأولى، النشآئة الأولى، أو النشأة هكذا، صورتها النشآئة وفي قراءة بسكون الشين يعني النشأة وهي قراءة من عدى ابن كثير وأبي عامر، {فلوا تذكرون} فيه إدغام التاء الثانية في الأصلي في الذال، تذكرون الأصل تتذكرون, فإذا أدغمت التاء الثانية في الذال صار اللفظ تذكرون، تذكرون، أما تذكرون ما في إدغام، وهنا يقول: في إدغام التاء الثانية في الأصل في الذال، يعني: في الأصل يعني قبل التخفيف، حتى صار

اللفظ تذكرون {أفرأيتم ما تحرثونْ}، وإذا جاء السؤال بهذه الصيغة وبهذا الفعل فالمراد به: أخبروني، أخبروني عما تحرثون تثيرون في الأرض، وتلقون البذر فيها، تثيرون في الأرض وتلقون البذر فيها، هذه الحرث، يعني: الزراعة، الزراعة مكونة من: مراحل أولى هذه المراحل: حرث الأرض، يليها: إلقاء البذر في هذه الأرض، ثم: سقي هذا البذر كلها هذا من صنع المخلوق، من صنع المخلوق {أفرأيتم ما تحرثون} تثيرون في الأرض وتلقون البذر فيها {أأنتم تزرعونه}، نعم تحرثون تثيرون الأرض هذا واضح أنه من عمل المخلوق، أأنتم تزرعونه؛ لأن الزراعة تطلق على الإنبات، على الإنبات الحرث شيء، والزراعة شيء أخر، وإن كانت الزراعة تطلق في العرف على الحرث فلان يزرع وهذه مزرعة فلان تنسب إليه وتسند إليه، لكن الأصل لبن آدم والزراعة من الله - جل وعلا – التي هي الإنبات، أأنتم تزرعونه تنبتونه أم نحن الزارعون، أم نحن الزارعون، الزارع الذي أنبت هو الله - جل وعلا-، والله أنبتكم، والله أنبتكم، فالزارع الذي أنبت هو الله - جل وعلا-، لكن {أم نحن الزارعون} هل نأخذ من هذا اسم لله - جل وعلا - الزارع؟ كما قال بعضهم وكما قال في نحن الوارثون، {إن نحن نرث الأرض} فقالوا من أسمائه الحارث والزارع أم أن هذا إخبار ودائرة الإخبار أوسع لا يشتق منها اسم لكن يخبر عن الله بأنه زارع، يخبر عن الله بأنه طيب، لكن ليس من أسمائه الحسنى لا الزارع ولا الوارث ولا الطيب، ليست من الأسماء الحسنى وإنما يخبر بها عن الله - جل وعلا- ودائرة الإخبار أوسع من دائرة الأسماء الحسنى.

{أم نحن الزارعون* لو نشاء} لو نشاء لجعلنه اللام هذه لام تأكيد ويؤتى بها حينما يكون هناك شيء من التردد عند المخطر، {لو نشاء لجعلناه حطاماً}، الفلاح حينما يحرث الأرض ويلقي فيها الزرع ويسقيها الأيام والشهور حتى يخرج النبات، يعني قد يخيل إليه في نفسه أنه هو الذي أنبت ولذا جاء الخطاب له مؤكداً {لو نشاء لجعلناه حطاماً} يعني: إذا كنتم لا تعترفون بأننا نحن الزارعون {لو نشاء لجعلناه حطاماً}، {لو نشاء لجعلناه} لأنه قد يكون في نفس المخاطب شيء من التردد فجيء به مؤكد لجعلناه حطاماً نباتاً يابساً لا حب فيه، نباتاً يابساً لا حب فيه، فظلتم أصله فظللتم، حذف تخفيفاً أي: أقمتم نهاراً تتفكهون أقمتم نهاراً، ظل فلان يفعل كذا وبات فلان يفعل كذا، ضل يعني يعمل بالنهار، وبات يعمل بالليل، بات يعمل بالليل، وضل يعمل بالنهار، ولا يلزم من البيتوت النوم، ولا يلزم من البيتوت النوم، لأنهم يقولون: بات فلان يرعى أو رعي القمر، وعين باتت تحرس في سبيل الله، ولا يلزم من البيتوت النوم، كما قرر ذلك أهل العلم وإن كانت في الليل، يعني: بات يفعل كذا، وضل يفعل كذا بالنهار، حذف تخفيفاً أي: أقمتم نهاراً لو أريد ألليل لقيل: فبتم تفكهون، لكن لما أريد النهار قال: فظلتم لأن الأصل أن وقت العلم هو النهار والليل سكن، تفكهون حذفت منه أحدى التاءين في الأصل، تعجبون من ذلك، تعجبون من ذلك، التفكه أصله: مأخوذ من الفاكهة، وقد يتوسع في معنى الفاكهة، وبعض الناس يتفكه في أعراض الناس، هذا من باب التوسع في الإطلاق، والنار فاكهة الشتاء، النار فاكهة الشتاء، فمن يرد أكل الفواكه في الشتاء فليصطلي، هذا من التوسع في إطلاق التفكه وإلا فالأصل أن تفكه مأخوذ من الفاكهة، حذفت منه أحد التاءين في الأصل، تعجبون من ذلك، تعجبون من ذلك، يعني: الإنسان يتعب الشهور حتى ينبت الزرع ثم بعد ذلك يكون حطاماً، يكون حطاماً يكون هشيماً تذروه الرياح، ثم بعد ذلك يصبح الناس يتحدثون في المجالس، حصل لفلان كذا، حصل لفلان كذا، وهم قسمان بالنسبة لصاحب الزرع: منهم من يتوجع ويتحسر، ومنهم من يتفكه ويتندر، والله المستعان.

تعجبون من ذلك وتقولون: {إنا لمغرمون} نفقة زرعنا كأننا غرمنا وخسرنا ما بذلناه على هذا الزرع، ثم النتيجة لا شيء، {إنا لمغرمون، بل نحن} بل نحن محرومون أي: ممنوعون رزقنا، ممنوعون الرزق وهذا يحصل بسبب الذنب يصيب الإنسان وقد يحصل رفعة لدرجته في الآخرة ولو لم يكن في مقابل ذنب، {بل نحن محرومون} ممنوعون رزقنا.

{أفرأيتم الماء الذي تشربون} يعني: نعمة من نعم الله، يعني: {أفريتم ما تمنون} من أعظم نعم الله على البشر يعني: هو سبب بقاء النوع الإنساني ثم بعد ذلك الزراعة التي من حصيلتها من يؤكل وتقوم به الحياة؛ ثم بعد ذلك الماء الذي تشربون لأن الماء وحده لا يكفي إلا ما جاء في ماء زمزم؛ لا بد من الطعام ثم الشراب، هذه نعم أصلاً النوع الإنساني إنما يتكون بمعاشرة الزوج مع زوجته على ما تقدم ثم بعد ذلك ما تنبته الأرض من المزروعات فيأكل ويبقى النوع ويستمر وإلا فإذا جاع مات، ثم بعد ذلك الماء الذي تشربون الذي منه حياة كل شيء، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [سورة الأنبياء: 30]، {أفريتم الماء، أأنتم أنزلتموه من المزن} من السحاب، من السحاب جمع مزنا وهي السحابة، أم نحن المنزلون، أم نحن المنزلون، {أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} من الذي ينزل المطر من السحاب هو الله جل وعلا ومن يدعي ذلك فهو كاذب هذه مسائل استمطار كل هذا لا قيمة له ولا ينبغي أن يختلف فيه مسلم، لماذا لأنه جعل خلاف ما جاء في الزارعة، في الزراعة قال: {لو نشاء جعلناه} لأنه قد يوجد من يتردد، لكن في هذا الماء الذي ينزل من السحاب قال: لو نشاء جعلنا لماذا؟ لأنه لن يوجد من يتردد، وهناك من يدعي استمطار وينزلون ومدري ايش كله لا قيمة له، {لو نشاء جعلناه} يعني: ملحاً لا يمكن شربه، ملحاً لا يمكن شربه، فلولا هلا يعني: حظ على الشكر لهذه النعمة، يعني: لو أتيت على الماء أنت عطشان شديد العطش ثم جئت إلى بئر فرحت بها فرحاً شديداًَ فنزعت فيها دلواً فلما شربت منه مججته في الأرض لماذا؟ لأنه أجاج ملح، لا يروي لا يروي الغليل، فهذا ضرره أكثر لأن الأجاج يزيد في العطش ومعلوم أن الطعام إذا زاد فيه الملح زاد فيه العطش، فإذا كان الماء كله أجاج ليش شديد الملوحة يعني هل استفاد الناس من البحار في الشرب؟ لا في الحديث: ((إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإذا توضئنا به عطشنا)) يعني: أنت كالبحر تعطش أنت في البحر نعم تعطش؛ لأن ماء البحر لا ينبت إلا عطش، فتصور أن كل المياه النازلة والنابعة كلها أجاج، ملح أليست هذه نعمة أن تجد الماء عذب زلال

تشرب منه، والآن المليارات تصرف على التحلية من أجل أن يشرب الناس، هذا الماء الملح يشربونه عذاباً زلالاً فتصور كل ما يزل وكل ما ينبع كله ملح، يعني: أليس وجود الماء العذب نعمة من أعظم النعم، {فلولا تشكرون} هلا تشكرون الله - جل وعلا- على هذه النعم، {أفريتم النار} النار التي تورون أي: تقدح الذنب تشتعل النار سواء كانت من الشجر لأن هناك أعواد إذا مس بعضها بعضاً إنقدح وهناك حجارة يقدح بعضها في بعض، تنقدح منها النار، {أفريتم النار التي تورون} أيضاً النار نعمة من نعم الله، نعمة من نعم الله تذكرك بنار الآخرة، وتحملك على العمل للدار الآخرة، {أفريتم النار التي تورون} تخرجون من الشجر الأخضر وهذا من الغرائب والعجائب، لأن الشجر الأخضر الخضرة هذه دليل على نشوف هذه الشجرة وخلوها من الماء أو على وجود الماء؟ على وجود الماء فكون النار تخرج من الماء هذا من آيات الله - جل وعلا- من آيات الله {أفريتم النار التي تورون} يعني: تخرجون وتوقدون من الشجر الأخضر سواء كان ذلك في بداية الإيقاد من ضرب بعض العيدان على بعض، أو من استمرار الإيقاد بجمع هذه الأشجار وهذه الأخشاب، من الشجر الأخضر {أأنتم أنشأتم شجرها} أأنتم أنشأت شجرها كالمرخ والعفار والكلخ، قالوا: الكلخ أن هذا شجر يخرج من المغرب توقد منه النار، وأما المرخ والعفار فهو يخرج بكثرة في بلاد العرب، {أم نحن المنشؤون} يعني: لهذه الشجرة! الله - جل وعلا- هو المنشأ وأنت تصور نفسك أن ما عندك نار، عندك رز عند حب لكن ما عندك نار، ماذا تستفيد؟ تستفيد شيء ما تستفيد، فهي أيضاً من نعم الله - جل وعلا- أو من النعم المترتبة على هذه النار لا تكاد تحصى ولو لم يكن منها إلا أنها تذكر بنار الآخرة لكفى، وقد اجتمع قوم على نار يصطلون يستدفؤن وبينهم صبي في أول التمييز في السادسة في السابعة من العمر، رأى هذه النار فبكى، الكبار ما بكوا، لأن لهم سنين من عشرين سنة والي له خمسين سنة يشبون ها النيران وتدفون، لكن هذا الصبي بكاء، قال ما الذي يبكيك قال: أخاف من جهنم، قالوا: أنت الآن صغير ما عليك تكليف، إلى الآن ما كتب عليك سيئات، قال: لا أنا أشوفكم تبدؤون بالصغار الحطب الصغار قبل

الكبار، هذا القلب الحي، وإلا فالأصل ما عليه تكليف هذا طفل، لكن كيف تذكر كيف اعتبر؟ هذا حث للكبار على مثل هذا التذكر، - والله المستعان-، {نحن جعلناها} يعني: هذه النار تذكرة لنار الآخرة، لنار جهنم وهذه من أعظم فوائدها، لو لم يكن فيها إلا هذه الفائدة كفى، لكن من منا من يتذكر هل من مدكر؟ القلوب تحتاج إلى تحريك تحتاج إلى إعادة نظر، تحتاج إلى مزاولة ما يشفيها من مرضها وما يحييها من موتها؛ {نحن جعلنها تذكرة ومتاعا} لنار جنهم ومتاعاً بلغة للمقوين للمسافرين من أقوى القوم إذا صاروا بالقوى بالقصر والمد أي: القصر وهو مفازة لا نبات فيها ولا ماء، للمقوين يعني: المسافرين، المسافر ما. . . . . . . . . للماء وإذا لم يجد مات، بينما المقيم إذا لم يجد وجد من يعينه من جار من قريب من بعيد يتسبب، لكن لما يكون مسافر في أرض قفر هو أحوج الناس إلى هذه النار، ومنهم من يقول: للمقوين للجائعين، كما يقال: بات فلان القوى، يعني: على جوع، وعلى كل حال هي متاع للجميع للمسافر والمقيم، للجائع وللشبعان، للغني وللفقير، للكبير والصغير، لكنها في حال السفر ضرورة، ضرورة يعني: إذا لم تجد ما توقد عليه على طعامك في بيتك وأنت مقيم ذهبت إلى الجيران عندكم كبريت، عندكم حطب، عندكم غاز، تنحل المشكلة، لكن المسافر في المفاوز الذي لا يجد من يعينه هو أشد الناس حاجة إلى هذه النار. {فسبح} التسبيح هو التنزيه لله جل وعلا بسم قال: هذه زائدة والأصل فسبح ربك العظيم، يعني: نزه ربك العظيم الذي هو الله جل وعلا، فسبح نزه، {باسم} قال: زائدة ونقول: ليست بزائدة كما يسبح الرب جل وعلا وينزه عما لا يليق به كذلك ينزه ويسبح اسمه وينزه عما لا يليق به، أسماء الله الحسنى تنزه عما لا يليق بالله - جل وعلا-، فكلها حسنى وإذا لم ننزها أتينا على هذه الوصف وكونها حسنى أتينا عليها بالنقض ولله الحسنى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ} [سورة الأعراف: 180]، الذين يلحدون هؤلاء هم الذين لا ينزهون الأسماء الحسنى، فعلينا أن ننزه ونسبح الأسماء الحسنى وتكون حينئذ اسم من أصل الكلمة، وأنه كما ينزه الرب جل وعلا تنزه أسمائه الحسنى وصفاته العلى عما لا يليق بجلاله وعظمته، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

سورة الواقعة (5)

تفسير الجلالين تفسير سورة الواقعة (5) تفسير من قوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} إلى آخر السورة. الشيخ/ عبد الكريم الخضير يقول بعضهم: أننا إذا سمعنا القرآن أو قرأنا القرآن قد لا نتأثر، قد نقرأ القرآن ونسمع القرآن من بعض القراء ولا يؤثر فينا، ونسمع القرآن نفس السورة التي قرأت من قراء أخر ونتأثر بها كثيراً، يعني مثلما سمعنا الواقعة خلال الأيام الماضية، وسمعناها من قراءة الإمام، هذا يجده كل واحد منا، تتأثر بصوت قارا ولا تتأثر بصوت أخر، وقد تقرأ القرآن وقد تفهم من خلال قراءة كتب التفسير والتأثير يكون ضعيفا، بخلاف ما إذا سمعت القرآن من شخص إذا أوتي صوتاً حسن يتغنى بالقرآن يحسن صوته بالقرآن، فكثير من طلاب العلم يشكل عنده مثل هذا الاضطراب ومثل هذا الاختلاف ويسأل وقول: هل التأثير للصوت أو للقرآن، يعني إذا كان التأثير للقرآن فلا فرق بين أن يقرأ حسن الصوت أو من دونه، إذا كان التأثير للقرآن، وإذا كان التأثير للصوت فالإشكال باقي، يعني: كون الإنسان يتأثر بغير كلام الله والله -جل وعلا- يقول: {فذكر بالقرآن} وقد يستفيد بعض الحضور من قرأت السورة من الإمام أكثر مما استفاده من تفسير هذه السورة خلال الأيام أيام الدورة، لكن التذكير يحصل بالقرآن.

هذا السؤال مشكل عند كثير من طلاب العلم ونقول لهم: أن التأثير والتأثر حصل بالقرآن المؤدى بهذا الصوت، ليس للصوت تأثير، التأثير للقرآن المؤدى بهذا الصوت، ولذا أمرنا أن نزين القرآن بأصواتنا، وأمرنا أن نتغنى بالقرآن واستمع النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي موسى وتأثر فالتأثير للقرآن المؤدى بهذا الصوت، بدليل أن الذي قرأ القرآن بصوت جميل وأثر في الناس لو قرأ كلاماً غير القرآن ما أثر في الناس، لو قرأ كلام مهما كان بلاغته وفصاحته لن يؤثر في الناس مثل تأثير القرآن؛ فدل على أن التأثير للقرآن المؤدى بهذا الصوت، والقراء فيهم كثرة، فإذا استمع طالب العلم لجمع من القراء وراء أن واحد منهم من بين هؤلاء القراء يؤثر فيه أكثر يعني: القرآن المؤدى بصوته يؤثر فيه أكثر فليلزمهم وليكثر من استماعه، لاسيما إذا كان القارئ ممن عرف بصدق النية وإخلاص العمل وإن كان من أهل العلم العالمين بالقرآن فهو أكثر تأثير، فأقول: أذا كان أحد القراء يؤثر فيك أكثر فأكثر من استماعه، وأنت تتأثر بالقرآن المؤدي بهذا الصوت، يعني: لو قرأ هذا القارئ قصيدة من القصائد، هل تبكي مثل تبكي لاستماع القرآن بصوته ولذا جاء الحديث: ((ليس منا من لم يتغنى بالقرآن)) على خلاف بين أهل العلم في معناه لكن الظاهر أنه معناه تحسين الصوت، ليس المراد أن يؤديه على لحون الأغاني ولحون الأعاجم، ولحون أهل الفسق والتمطيط الذي يخرج عن حقيقته بزيادة حروف كما يفعله بعض القراء، ولذا يحكم بعض أهل العلم على أن التلحين تلحين القرآن، والقراءة بالألحان وهي غير اللحن مبتدعة، مبتدعة، ومثل هذه الأصوات الملحنة من بعض القراء لا أثر لها في القلوب وهذا مجرب، يعني: يوجد قراء يمططون وأصواتهم جميلة لكن ما تؤثر في القلوب، مثلما تؤثر القراءة التي كما أمر الله -جل وعلا-، بالترتيل يعني: من غير زيادة لأن بعض القراء يزيد في حروف المد عما قرره أهل العلم لها، وهذه المسألة مشكلة عند كثير من طلاب العلم لأنه يقول قرآن + صوت = مؤثر، قرآن بدون صوت = غير مؤثر إذا ً التأثير للصوت ليس للقرآن، إذاً النتيجة يعني: إذا عادلناهم معادلة تصبح هذه النتيجة، لكن الواقع غير ذلك فالتأثير للقرآن

المؤدى بهذا الصوت، والدليل واضح أنه لو أن هذا الصوت قرأ به غير القرآن ما أثر، يذكر في كتب التراجم أن زرارة بن أوفى من العباد المشهورين سمع من يقرأ {فإذ نقر في الناقور} وقال سمعها م الإمام في صلاة الصبح فمات، بعض العلماء يشكك في مثل هذه التصرفات وابن سيرين -رحمه الله- يوضع مثل هذا على جدار إن سقط فهو صادق وإلا يعني: كونه يمثل ما هو بصادق لكن كثير من أهل العلم يثبت التأثير إلى هذا الحدث بالنسبة للقرآن لأنه {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا} [سورة الحشر: 21] فالقلب الحي يحصل منه مثل هذا، لكن ليبس هذا كمال لأن هذا وإن كان استشعار لعظمة القرآن إلا أنه فيه ضعف في المورود يعني: قوة الوارد مع ضعف المورود بيمنا لو حصل قوة المورود مع قوة الوارد الذي هو القلب ما حصل التأثر إلى هذا الحد، يحصل تأثير النبي - عليه الصلاة والسلام - يتأثر بالقرآن ويبكي، ولصدر كأزيز المرجل لكن ما مات ولا حصل منه أنه غشي ولا لصحابته الكرام لكن إذا حصل ممن جاء بعدهم لا شك أن هذا علامة استشعار لعظمة القرآن وتأثر بالقرآن لكن القلب ما يتحمل مثل هذه الأمور لكن لا الإشكال الأكبر حينما يكون استشعار الوارث فيه ضعف مع ضعف الموروث ولا يحصل شيء؛ يعني كم قرأنا وكم سمعنا فإذ نقر في الناقور، يقول القائل: مثلاً زرارة بن نوفل هذا الذي مات في الصلاة، أو مرة يسمع {فإذا نقر في الناقور}، يعني: ما قرأها في عمره ولا سمعها في عمره، نقول: لا سمعها مراراً وقرأها مراراً، لكن هذا يجري على قول من يقول: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، لكن إذا زاد الإيمان في وقت من الأوقات ووصل إلى حد يستشعر فيه هذا الكلام السقيم، كما قال الله -جل وعلا- لا شك أنه بيتأثر وتسمعون في الأوقات الرسمية ما بين الأوقات التي ترجى فيها الإجابة، وقت النزول الإلهي العشر الأخر من رمضان الناس يقومون يتأثرون كثيرا لكن إذا انتهى رمضان خلاص لأن درجة الإيمان ترتفع وتنخفض، يزيد وينقص عن المسلم فيحصل فيه من التأثر عن الزيادة مالا يحصل فيه عند النقص،. . . . . . . . . بعض العلماء يشكك في حصول مثل هذا الأمور وكل يتحدث من

مقامه، حسان بن أبي سنان يقول: ما رأيت شيئاً أهون من الورع: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) ما في شيء أسهل من الورع، وسفيان يقول: "ما قطع أعناق العباد والزهاد إلا الورع"، عجزوا عن الزهد والورع سفيان الثوري وهو من الأئمة في الزهد والورع، حسان بن أبي ثابت يقول: " ما رأيت شيئاً أهو على الورع"؛ لأنه سهل عليه هو يسره الله له هو لكن بالنسبة لباقي الناس فعلى هذا كل يتحدث من مقامه، يعني: في أمور الدنيا مثلاً، يعني: في المقاييس الدنيوية يقول الإنسان السكر علاجه سهل ترى يا الأخوان سهل، أمسك يدك وأطلق رجلك، يعني: لا تأكل كثير وامشي كثير، هل هذا سهل على المرضى المساكين؟ هذا ليس بسهل، يعني: من ابتلي بهذا المرض زادة رغته في الأكل، وفيما يثير هذا المرض، لكن الإنسان من مقامه يتحدث يمكن من الأصل هذا لا يحب الأكل يحب المشي من أصله، على كل حال مثل هذه الأمور لاسيما ما يتعلق بالقرآن على الإنسان أن يهتم بكتاب الله - والله المستعان -. نكمل تفسير السورة وبعد ذلك نرجع إلى ما نستطيع الإجابة عليه من الأسئلة.

في آخر الدر س الماضي في قوله -جل وعلا-: {فسبح باسم ربك العظيم} يقول المؤلف: فسبح نزه بسم زائد والذي معه الكتاب حتى في المصحف قراءة باسم فيها ألف. بينما لو نظرنا إليها في البسملة من أول القرآن إلى أخره وفي الكتابات العادية يعني: لا يختص هذا بالرسم العثماني وجدناها بدون ألف، وهنا كتبت بألف، {فسبح باسم ربك العظيم}، وكذلك في أخر السورة لماذا كتبت بالألف هنا ولم تكتب بالألف في البسملة؟ لأن البسملة تكثر كتابتها تكتب باستمرار كل ما كتب شيء صدر بـ {بسم الله الرحمن الرحيم} فحذفت هذه الألف تخفيفاً وهو ألف وصل يعني حذفت الباء لا بد من كتابتها، لكنها تكتب كما تنطق تخفيفاً وهنا ما تتكرر مثل هذه إلا قليلا، ولذا تكتب على الأصل بالألف، هناك بالأمس قالوا: اسم زائدة يقول المؤلف اسم زاده وقررنا أنها بزائدة، لأنه كما ينزه الرب -جل وعلا- تنزه أسمائه الحسنى عما لا يليق به -جل وعلا- العظيم إعرابها: وصف تابع للمتضايفين، للمضاف ومضاف إليه، تابع للمتضايفين وكل من المضاف والمضاف إليه مجرور، كل منهما مجرور، والوصف مجرور، فهل هو وصف للمضاف أو للمضاف إليه؟ يعني التابع للمتضايفين هل يكون تابع للمضاف أو للمضاف إليه؟ كما تقول مررت بغلام. . . . . . . . . هذا وجه وإذا قلنا: أن المتحدث عنه الغلام وليس بزيد، قلنا أنه الأولى بالوصف لكن ليست هناك قاعدة مضطردة والسياق هو الذي يحدد المراد، وإذا جاء في قوله -جل وعلا-: {ويبقى وجه ربك ذو} وقال في آخر السورة: {تبارك اسم ربك ذي} في الآية الأولى وصل المضاف، وفي الثانية التابع للمضاف إليه، إلا إذا كان الإعراب بالحروف ما في إشكال وإذا اختلف إعراب المضاف صار مرفوعاً أو منصوباً، والمضاف إليه بالطبع مجرور انتهى الإشكال، لكن إذا كان الإعراب بالحركات والمضاف والمضاف إليه كلاهما مجروران.

يعني لو قلت: " ضربت غلاب يزيد" " ضربت غلاب يزيد" تقول: الطويلَ أو الطويلِ؟ ها؟ الطويلَ إذا قلنا: أنه وصف للغلام المضروب لأنه مفعول، وإذا قلنا: الطويلٍِ فإنه وصف ليزيد المضاف إليه، وإن كان مجروراً بالفتحة لكن وصفه يجر بالكسرة، وهنا {فسبح باسم ربك} العظيم وصف للاسم أو للرب؟ يعني: إذا استحضرنا آيتي الرحمن وقلنا: في الآية الأولى {ويبقى وجه ربك ذو} والآية الثالثة: {تبارك اسم ربك ذِي} فلاسم إذا كان مضاف إلى الرب فالوصف للاسم وإلا للرب؟ نعم؟ يعني إذا قسنا على آية الرحمن للمضاف إليه، {تبارك اسم ربك ذي} فهو وصف للمضاف إليه، ومسألة الاسم، والمسمى، وهل الاسم عين المسمى أو غيره؟ مسألة يطول الكلام فيها، لكن هنا إذا وجد الاسم وأضيف إلى الرب فالوصف للرب لا للاسم، لكن إذا أضيف الوجه للرب فالوصف يكون للوجه لأنه أخص، وهنا الإضافة إضافة الاسم للرب فالذي يستحق الوصف الاسم أو الرب؟ نعم هنا إذا قلنا أن هذه لاغية نظير ما جاء في سورة الرحمن في آخر سورة الرحمن قلنا: أن العظيم وصف للرب، ترى هذه مسائل دقيقة وتشكل بعض الناس في إعرابه ما يدري فتحتاج إلى مزيد انتباه لاسيما أنه ليس هناك قاعدة أو ضابط عند اللغويين يضبط مثل هذا لا، السياق هو الذي يحدد، وقلنا إذا كان الإعراب بالحروف واختلف إعراب المضاف عن المضاف إليه ما في إشكال، كما في أيتي الرحمن، لكن الإشكال في مثل هذا الموقع، ومثل " مررت بغلام زيدٍ الفاضلٍ" هنا تقف حائر إلا إذا كنت تعرف الغلام وتعرف زيد، وأن أحدهما فاضل والثاني ليس بفاضل، ينتهي الإشكال لكن متى لك في مثل هذه الأمثلة، ما يمكن تقف عليها لأن أكثرها لا حقيقة له ولا واقع له، ثم بعد هذا يقول المؤلف في قوله -جل وعلا- {فلا أقسم بمواقع النجوم} يقول: فلا أقسم لا زائدة، لا زائدة، لماذا؟ لأنه قال: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} الآن الآية الأولى لو قلنا أن لا نافية، لقلنا أنه ما فيه قسم لما قال: {فلا أقسم} وقلنا: أن لا نافية ما في قسم لكن قوله -جل وعلا-: {وإنه لقسم} إثبات أنه قسم ومؤكد وموصوف بأنه عظيم قسم عظيم أيضاً، هل في قسم وإلا ما في قسم؟ لأن الله -جل وعلا- يقول: {فلا أقسم}، ثم قال: {وإنه

لقسم} يعني: لو قلنا لا ناهية نافية، لا نافية للقسم وقلنا: أنه لا قسم قلنا هذا تناقض، اللهم إلا إذا سلطنا لا على مقدر، إذا قدرنا نفينا شيء مضمر ثم أثبتنا القسم بمواقع النجوم أو فلا أقسم بمواقع النجوم، وأقسم بذاتي أو نفسي وإنه لقسم إلى أخره، يعني: كما قيل في قوله -جل وعلا- في الساعة: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [سورة طه: 15] هل الأسلوب يدل على أنه أخفاها أو لم يخفها؟ نعم؟ {أكاد أخفيها} يدل على أنه أخفاها أو لم يخفها؟ لعله لم يخفها، لكن النصوص كلها، النصوص القطعية من الكتاب والسنة هل فيها ما يدل على أن أحد ولو جبريل ولو محمد يعرف متى تقوم الساعة؟ أبداً ما يمكن إذاً أخفاها، فكيف قال أكاد أخفيها احتيج لأن يقال أكاد أخفيها حتى عن نفسي مبالغة في الإخفاء، وهنا حينما يقول: {فلا أقسم} هل هذا قسم؟ إذا قلنا نفي قلنا مع قوله: {وإنه لقسم} تناقض لكن المؤلف قال: لا زائدة، لا زائدة في قراءة الحسن، {فلا أقسم} يعني: زيادة في التوكيد قسم ومؤكد بلام التوكيد، {فلا أقسم بمواقع النجوم} طيب الألف التي بين لا والقاف مو وضعها، تؤثر وإلا ما تؤثر، يعني: عندنا ألفين وفي قوله، وفي قول الحسن بقراءة الحسن: {فلا أقسم} ألف واحد حمزة فقط، نعم له نظير في القرآن إدخال ألف لا محل لها في الكلمة، في قصة الهدهد مع سليمان في سورة النمل: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} [سورة النمل: 21] الآية واحد وعشرين، صفحة ثلاثة وثمان وسبعين في المصحف، الآية واحد وعشرين {لأعذبنه عذاباً شديداً} في ألف زائدة بين الهمزة وبين الدال؟ في وإلا ما في؟ ها طالب:. . . . . . . . . أو لأذبحنه ها أو لأذبحنه، ما في؟ طالب:. . . . . . . . . أحد الإخوان قال: ما في أو لأذبحنه، يعني: لو قرأنا اللفظة على مقتضى قواعدنا لقلنا أولآ أذبحنه لأن فيه لام ألف وبعدها ألف، وهنا يمشي على قراءة الحسن فلا أقسم فلا اقسم، يعني: بدل فلآ أقسم، فتكون هذا الهمزة هذه الألف زائدة مثل ما زيدت في أو لأذبحنه، المشكلة إلي ما معاهم كتب ما يستطيعون يتابعونا مع أنه في مصحف ما هذا في القرآن نفسه، وايش كتبت؟ طالب:. . . . . . . . .

لالا لا تكتب زائدة لا تكتب هي زائدة في الرسم لأنها لا تنطق يعني: الرسم الذي اتفق عليه الصحابة لا يجوز تغييره بحال، وإن خالف مقتضى اللغة العربية، لكن الكلام مافش عليه أنا جبت هذا من باب التنظير لما معنا، من باب التنظير لما معنا، لأنه يقول شوفو: {فلا أقسم} الحسن يقرأ فلا اقسم يثبت القسم المؤكد، كيف الألف الموجودة شو أضعها المفسر قال لا كل ألف هذه كلها زائدة، والأصل سأقسم مواقع النجوم، والحسن يقول: "بدلاً من أن نقول لام ألف زائدة نقول ألف فقط زائدة وتبقى لام ألف وعليها همزة وتكون: {فلا أقسم} نظير أو لأذبحنه، الرسم القرآني الرسم العثماني فيه كثير من المخالفات من الرسم الإملائي الذي تعودنا عليه، أمور كثيرة جداً. يقول: فلا أقسم: لا زائدة، {بمواقع النجوم} وعلى كل حال له قسم سواء قلنا: أن لام زائدة كما قال المؤلف ومعلوم معلوم أن الزيادة بمعنى الزيادة التي لا معنى لها ولا موقع لها هذا القرآن مصون عنها، مصون عن الزيادة والنقصان، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر: 9] لكن ايش معنى الزيادة بعض المفسرين يتأدب ويقول: صلة، ما يقول زائدة صلة تشبيه لها بصلة الموصول الذي لا محل لها من الإعراب، وإلا قد تكون زيادة الحرف من باب الزيادة في المعنى للتأكيد مثلاً.

{فلا أقسم}، لا يقول: زائدة بمواقع النجوم. تدل الزيادة في قوله فيما بعد {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} مالفرق بين قوله: {ما منعك أن تسجد} و {ما منعك ألا تسجد}؟ ما الفرق بينهما، فيه فرق من حيث المعنى؟ أنت لماذا تقول ما في فرق؟ لأنك تعرف أن المعنى متخمن في ذهنك فاهم القصة بعمومها لكنك ما دققت في الألفاظ، كيف يمكن أن نستصحب القصة ومعناها وظاهرة في ذهنك لكن الفرق، ليش وجدت هذه أل-لا- وفقدت في موضع أخر؟ زيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى لكن الحروف يعني: إدخال النافي في مشكلة من حيث المعنى، إذا قررنا أنه بفعل نافذ فيكون خلاف الواقع، أنت تعرفون أن هذا الدرس أخر الدروس لو بدنا نسترسل في هذا الأمور وإلا تنتهي لها نظائر كثيرة جداً وفي كل علم من العلوم إن بغيتم أمثله جدا لكن نرجو من المستطرد لأن آخر درس ودنا نكمل السورة على أي وجه، فالمقصود أنه قسم حاصل ومؤكد، قسم حاصل ومؤكد سواء قلنا: مثلما قرأ الحسن {فلا أقسم}، أو قلنا: {فلآ أقسم} وقلنا: أن لا زائدة كما قال المؤلف: أضمرنا شيء منفي بلا وأثبتنا القسم، كما قرر بعضهم، من الواقع الموجود، يقول: بمساقطها لبرودها، بمساقطها لبرودها، {بمواقع النجوم} يقول: بمساقطها لغروبها. يعني: معروفُ أن الوقوع هو السقوط، إذا قيل وقع شيء على الأرض معناه سقط فهو فسر اللفظ بمواقع النجوم، يعني: بمساقطها للغروبها، وهذا ما في إشكال من حيث اللفظ، ومنهم من يقول: إن مواقع النجوم المراد به: تنزيل القرآن يعني: ما ينزل من القرآن منجماً، ويسمى هذا النزول المنجم المفرق للحكمة الإلهية من أجل أن يستوعب لأنه لو نزل جملة واحدة لصعب استيعابه، من أجل أن يستوعب ينزل منجماً وقد نزل منجماً مفرقاً على حسب الوقائع والحوادث، هذه النجوم كل وحد منها نجم، تفريق تفريق الأشياء، والإتيان بها مفرقة لا دفعة واحدة كل واحد منها يسمى نجم كنجوم الكتابة مثلاً ويش معنى نجوم الكتابة؟ أو نجوم البيع بالتقسيط، يعني: تشتري سيارة بملغ كذا تدفع كل شهر كذا، كل قسط يمسى نجم، ونجوم الكتابة كل دفعة يدفعها المكاتب نجم، يسمونهم نجوم الكتابة وهنا كل دفعة من القرآن أية أو آيتين أو خمس أو أقل أو أكثر

يمسى نجم، وجمع هذه. . . . . . . . . فيكون الإقسام حينئذٍ بالقرآن الذي نزل منجماً، {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} الذي يرجح هذا القول ما سيأتي بعد في الحديث عن القرآن، وإنه أي: القسم بها لو تعلمون عظيم، يعني: لو كنت من ذوي العلم لعلمتم عظم هذا القسم، لأنه إن كان قسم بمواقع النجوم التي خلفت زينة للسماء، وهداية للمسافرين، ورجوماً للشياطين، إن كان قسما بمواقعها فقوله: {لو تعلمون} لا شك أن هذه مما خفي علينا، ايش معنى مواقع النجوم يقسم بها، ما هو القسم بالنجوم القسم بمواقعها، هذا لا شك أنه خفي علينا وإلا الإشارة في قوله: {لو تعلمون} وإذا كان القسم بمواقع النجوم الذي هو القرآن الذي نزل منجماً فلا شك أننا لن نستطيع أن نحيد بقدر هذا الكتاب الذي أقسم به، وجاء القسم والقرآن في المواضع، وجاء القرآن بالقسم في مواقع، ق والقرآن، {وإنه لقسم لو تعلمون}، يعني: لو كنتم من ذوي العلم لعلمتم هذا القسم وكل ما كان الإنسان أكثر علم إذ بانت عظمة هذا الكتاب في قلبه، تزداد عظمة القرآن في قلبه لماذا؟ لأنه كلام الله وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، {إنه لقرآن كريم}، إنه المتلوا عليكم كما يقول المؤلف المدون بين الدفتين المنزل من قبل الله -جل وعلا- الذي تكلم به بحرف وصوتٍ يسمع {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ} [سورة التوبة: 6] منه -جل وعلا- بد لأنه هو الذي تكلم به إبتدا وإن وصل مرة إلى جبريل، ومرة إلى محمد، كما في سورة الحاقة نسب إلى محمد، وفي سورة التكوير نسب إلى جبريل، لكنه الكلام واحد، الكلام الواحد هل يمكن أن يصدر من اثنين؟ مستحيل، ونسب إلى محمد بنص الرسالة {لقول رسول} ونسب إلى جبريل كذلك بلفظ الرسالة، مما يدل على أنه من مرسل إلى رسول، والكلام حقيقة ينسب إلى من قاله ابتداء لا من قاله مبلغاً، إنه المتلوا عليكم لقرآن كريم، قرآن كريم هذا الكتاب، هو الكتاب الذي من قام يقرأه كأنهما خاطب الرحمن بالكلم، يعني: تجلس في زاوية من مسجدك أو في بيتك أو أي مكان تخلوا فيه بهذا الكتاب، يعني أنت تكلم الله -جل وعلا- وهو ويأمرك وينهاك مباشرة بهذا الكتاب، وأي كلام أفضل من كلام الله، {لقرآن كريم} وجملة

مؤكدة بأن والام، اللام التي يسمونها ها؟ اللام الأيش المزحلقة، الأصل أنها لام تأكيد تقترن بالمبتدأ، لكن لا يمكن أن يتوالا مؤكدان فزحلقوها وأخروها إلى الخبر، إنه المتلوا عليكم لقرآن كريم، كريم من كل وجه، يعني خوذ منه بلا حد، وأي كرم يصل إلى هذا الحد، كل يأخذ من القرآن بلا حد، العالم يأخذ، الفقيه يأخذ، الداعية يأخذ، القاص يأخذ، من يداوي المرضى ويعالجهم يأخذ، إلى غير ذلك ممن لا يحاط به، فهذه أعلى أنواع الكرم أن يؤخذ من الشيء ويستفيد منه كل أحد، أي كرم أعظم من هذا، إذا كان يوصف المرء بالكرام لأنه استفاد منه مجموعة من الناس ويش هذا الكرم، فيكف بمن يستفيد منه جميع الثقلين؟ إنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون، في كتاب مكنون في كتاب مكتوب، لأن كتاب مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابتً وكتبً والمراد به المكتوب يعني لو تمسي مابين يديك كتاب مثلاً ايش معك يا أخي معي كتاب، كتاب لا تريد به نفس مصدر كتبا، وإنما تريد المكتوب الجامع للمسائل العلمية، وهنا المكتوب الجامع لكلام الله المنزل على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فالمراد به المكتوب، مكنون، يعني: مصون محفوظ من الزيادة والنقصان: {إنا نحن نزلنا الذكر} من زاد فيه حرف ليس منه يكفر بها، ومن نقص منه حرفاً أجمع عليه الصحابة فإنه بهذا يكفر أيضاً فالذي بين الدفتين المصحف هذا مقطوع به ومكنون ومصون، يقول: وهو المصحف. {في كتاب مكنون} المصحف في كتاب، أو الكتاب هو المصحف يعني القرآن في كتاب، يعني: في مصحف، مكتوب بين دفتين في مجلد مصون من أن يزاد فيه أو أن ينقص منه، منهم من يقول: أن المراد بالكتاب المكنون اللوح المحفوظ، {أنه لقرآن كريم في كتاب مكنون} يعني: في اللوح المحفوظ.

{لا يمسه} يقول: خبر بمعنى النهي إلا المطهرون الذين طهروا أنفسهم من الأحداث، إذا قلنا: المراد به المصحف عين القرآن في كتاب وهو المصحف، مكنون مصون هذا قول والذي مشى عليها المؤلف وإذا قلنا بالقول الثاني وهو أن المراد بالكتاب المكنون اللوح المحفوظ، {لا يسمه إلا المطهرون} على القول الأول وعلى ما جرى عليه المؤلف أنه من بني آدم لا يسمه إلا طاهر، ويؤيده ما جاء في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم- لعمر بن حزم: ((وألا يمس القرآن إلا طاهر))، وألا يمس القرآن إلا طاهر، فلا يمس يجوز مس القرآن بغير طهارة، طيب إذا قلنا أن المراد: بالكتاب المكنون اللوح المحفوظ ولا يمسه إلا المطهرون، يعني: الملائكة، الملائكة مطهرون، هل يدل هذا على المنع من نفس القرآن من غير طهارة؟ يعني: على قول الأول ظاهر أنه لا يمس القرآن إلا طاهر إلا متطهر، وهنا لا يسمه إلا المطهرون الذين طهروا أنفسهم من الأحداث، والمراد بهم: بني آدم، أو قل من المكلفين على قول الثاني هو أن الكتاب المكنون، المراد به: اللوح المحفوظ، ولا يسمه إلا المطهرون يعني: من الملائكة، هل في هذا ما يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا طاهر من البشر؟ منهم من يقول: ما في دلالة على أنه تجب الطهارة، نعم القرآن لا يقرآن لا يقرآه جنب، وفي حكمه الحائض عند الجمهور لكن يبقى الطهارة من الحدث الأصغر، هل تشترط في مس المصحف؟ هذا القول بلا إشكال، تجب، المراد أنه الكتاب المكنون المصحف، ولا يسمه إلا المطهرون من بني آدم، وأما عن القول الثاني ففيه دليل، وإلا ما فيه دليل؟ شيخ الإسلام يرجح أن المراد: بالكتاب المكنون اللوح المحفوظ وألا يمسه إلا المطهرون الملائكة، فهل شيخ الإسلام يقول: بأنه يجوز بأن يمس المصحف شخص غير طاهر، نعم، لا، لماذا؟ ويستدل بالآية يستدل بالآية، ها؟ لا يستدل من الآية، من الآية الدليل، وأنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر، من الآية، والكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ والمطهرون هم الملائكة نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

لأن المسألة ثانية فائته لكن الكلام على اختيار شيخ الإسلام - رحمه الله - في أن المراد بالكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ وأنه لا يسمه إلا المطهرون الملائكة، ويستدل بها على أن بني آدم لا يجوز لواحد منهم أن يمس المصحف إلا طاهر بالآية، يقول: إذا منع الملائكة وهم مطهرون في الأصل ما يحتاج إلى كلام، ما يحتاجون إلى طهارة هم مطهرون في الأصل، لا تعتريهم الأحداث، نعم، فيمنعون من مسه وهو في اللوح المحفوظ فمن باب أولى أن يمنع المحدث من بني أن يمس المصحف، يعني: ما بنقول إذا قلنا: أن المراد باللوح المحفوظ بالكتاب المكنون اللوح المحفوظ، ولا يمسه إلا المطهرون الملائكة انتهت المسألة ولنا: أن نمس المصحف لا نقول: أنت ممنوع من باب أولى، بألا تمس المصحف، كما قرر شيخ الإسلام - رحمه الله-. {تنزيلُ} يعني: منزل من رب العالمين، تنزيل يقول: منزل من رب العالمين، ها؟ طالب:. . . . . . . . .

إيه، يأتي مسائل تفصيلية لهذه المسألة ومس المصحف من غير طهارة، هل يراد به نفس الحروف القرآن بمعنى أنه لا مانع من أن تمس المصحف من أطراف الورق أو تحمل المصحف من خلاف الجلد من خارج الجلد أو العلاقة، أو الكيس؟ العلماء يختلفون في هذا، منهم من يقول: أبداً، ولا بكيس تحمل المصحف، ومنهم من يقول: لا تمس المصحف لأن هذا كله مصحف، بما فيه الجلد وأطراف الورق، ومنهم من يقول: المراد بالقرآن الحروف، فإذا مسست أطراف الورق، أو حملت المصحف من جلده هذا ما مسسته القرآن الذي هو كلام الله لكن يثبت تبعاً عند أهل العلم يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً، يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً هذه الورقة الأصل أنها مخلوق الحبر مخلوق، فأنت لست مخلوق نقول: لا أنت مسست كلام الله، لأن هذا تابع لكلام الله وكلام الله ما يكون إلا بالحروف التي كتبت به والأوراق التي كتبت عليه، يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً، أحياناً المسألة تحتاج إلى، المسألة لها فروع كثيرة يعني: إذا كان المصحف مكتوب كاملاً ومجرد عن أي شي قلنا: لا يجوز مسه، لكن إذا كان مصحف وعلى هامشه تفسير، مثل: تفسير الجلالين، أو تفسير ابن سعدي -رحمه الله- الجميع، هل نقول أنك تمس التفسير ولا تمس المصحف، ألي بيدك تفسير وإلا مصحف؟ تفسير، لكن الحكم إذا كان القرآن متميز مثل ما هنا في برواز لأنه قد يكون في تفسير مطبوع ما فيه قرآن متميز إنما ممزوج مع الكلام، الكلام القرآن الممزوج مع غيره هذا ما في إشكال، لأنك تمس تفسير لكن إذا كان متميزاً مثل ما حصل في السنوات الأخيرة يطبع من المصحف متميز وعلى هامشه القرآن نقول لك أن تمس التفسير وتقرأ في التفسير لكن لا تمس القرآن، تفضل. يقول: بالنسبة لتفسير الجلالين الذي بين أيدينا هل يأخذ حكم التفسير أم حكم المصحف؟

أم إذا طبع القرآن ممزوجاً بكلام المفسر هذا لا إشكال أنه تفسير وأنت تقرأ في تفسيره مهما كان في اختصاره، أما إذا كان القرآن مطبوع على جهة الاستقلال كما حصل في الآونة الأخيرة طبعوا ابن كثير على هامش المصحف على كبره، طبعوا الجلالين وطبعوا ابن سعدي طبعوا تفاسير كثيرة حتى البغوي وابن الجوزي كلها طبعة على هامش المصحف، هنا يقال: الحكم للغالب، الحكم للغالب، كما يقرر أهل العلم، وأشكل هذا على بعض الناس فعد حروف التفسير وحروف القرآن، عد حروف التفسير وحروف القرآن، فوجد الحروف متساوية إلى سورة المزمل، ثم بعد ذلك زادة حروف التفسير قليلاً على حروف القرآن فنحلت المسألة هذه، فيجوز أن تقرأ في التفسير على أنك تقرأ في التفسير لا تقرأ في القرآن من غير طهارة لأنه أكثر الحكم للغالب، يعني ابن السعدي ما في إشكال لأن التفسير أكثر بكثير، ابن كثير يعني من باب أولى لأنه أكثر، وهكذا، لكن لو وجدت قرآن على هامشه مفردات، من مفردات القرآن، لا نقول: تقرأ في القرآن لأن المفردات هذه قليلة.

في مسائل كثيرة متعلقة بالمصحف، وبالقرآن، من حيث: احترامه، وتوقيره، وتقديره، بحيث لا يتكأ عليه ولا يوضع عليه شيء، ينبغي أن يكون فوق كل ما يوضع على الأرض، ولا تمد الأرجل إليه، ولا يكون خلف الظهر إذا قصد ذلك، وإذا لم يوجد ما يوضع عليه إلا الأرض فلا مانع من أن يوضع على الأرض، لا مانع من أن يوضع على الأرض، وأهل العلم يصرحون بأن وضعه على الأرض خلاف ألأولى، خلاف ألأولى، ومثل هذا أي ضروري إذا لم يجد شيء لكن إذ كان عندك مكتبة مثلاً وتريد أن ترصها على الأرض فأنت ترتب لا شك أن القرآن في أعلى هذه الكتب وما قرب من القرآن هو الذي يليه؛ حتى قالوا كتب النحو وكتب كذا هي التي تكون على الأرض، ثم يكون فوقها كتب، الكتب التي هي أقرب منها إلى الكتاب والسنة، المقصود أن مثل هذه الكتب ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار وأن يحترم القرآن، ويقدر القرآن، ولا يبقى بعض الناس نراه إذا أراد أن يسجد سجدة التلاوة تركه منشوراً هكذا، وسجد يصرح أهل العلم بأن هذا مكروه، أن يترك القرآن منشور، فضلاً عن كون وقد رأيت وسألت عن أنه يقلب، تكون الآيات وأوراق القرآن على الأرض والجلد من فوق هذا أشد - نسأل الله العافية -، أشد بكثير من أن يبقى منشور والجلد الذي يلي الأرض، {لا يمسه} خبر بمعنى النهي، إلا المطهرون الذين طهروا نفوسهم من الأحداث، يعني من بني آدم، {لا يمسه} خبر بمعنى النهي لماذا لا يكون خبر، لأنه لا يجوز الخلف بخبر الله -جل وعلا- وقد وجد من يمس القرآن وهو غير طاهر سوا كان من المكلفين المخالفين، المتساهلين، أو من الأطفال الذين يمسون المصحف من أجل حفظ المصحف ولو منعوا من مسه بغير طهارة لا منعوا لأدى ذلك إلى منعه من حفظه، وأهل العلم يتسامحون في حق الصبي، و {لا} هذه قال: خبر بمعنى النهي، لألا تكون خبرا محضاً، لا تقل خبر محض لأنه وجد من خالف هذا الخبر فعلى هذا يقع الخلف في خبر الله وهذا لا يجوز، فهي خبر لكن المراد بها: النهي ولو قلنا لا نهاية ايش يترتب عليه؟ يعني: مع الإدغام ما في فارق من حيث اللفظ سواء قلنا: ناهية أو النافية أو الناهية مع الإدغام، لكن لو فككنا الإدغام لقلنا لا يمسسه إذا قلنا: لا الناهية لم يمسسهم سوء

وهنا نقول لا يمسسه إلا المطهرون إذا قلنا: أن لا ناهية، وأما مع الإدغام فإنه لا يختلف النطق بيمسه لا سميا وأن الضمير مرفوع، يعني: حرك بالضمة لمجانسة حركة الضمير، ولذلك قالوا في قوله: إنا لم نرده إليك لأنا إلا أنا حرم لم نرده إليك، لو فككنا الإدغام لقلنا: لم نردده إليك، لكن مادام وجد الإدغام فيحرك بحركة مجانسة للضمير، ولذا لو قال: لم نردها لو كانت المصير من المؤنث قال: لم نردها حركنا الحرف المضعف بما يناسب الضمير وهو الفتح، ولا يبين الجزم إلا في حال الفك دون الإدغام، {إلا المطهرون} الذين طهروا أنفسهم من الأحداث {تنزيل}، يعني منزل من رب العالمين وكلامه منه بدأ وإليه يعود، فيرفع في أخر الزمان من الصدور ومن المصاحف وعلى الإنسان أن يستغل مدة بقائه القرآن لأنه لا يؤمن أن تقوم من الأيام ثم إذا القرآن رفع، تأتي إلى المصحف وإذا به كالدفتر ما في كلام، حاول تسترجع حافظ ما في فائدة، فعلى الإنسان أن يستكثر منه مادام موجوداً وبالإمكان والقدرة موجودة، أنت في وقت سعة الآن والحرف بعشر حسنات، الختمة بثلاثة ملايين حسنة، كيف بدك تكسب ثلاثة ملايين بمدة يسيرة فالقرآن على طالب العلم أن يستكثر منه.

{تنزيل من رب العالمين أفبهذا الحديث} القرآن ويطلق عليه أنه حديث بالنسبة للكتب السابقة قديمة، وهذا حديث، وأيضاً حديث بالإطلاق العام وهو ما يتحدث به ويتكلم به، وهو محدث كما جاء في قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ} [سورة الأنبياء: 2] وإن كان كلام الله -جل وعلا- الذي هو صفته قديم، يعني قديم النوع حادث متجدد الآحاد فالله -جل وعلا- تكلم في القدم في الأزل، ويتكلم متى شاء، إذا شاء، بما شاء، {أفبهذا الحديث} مدهنون متهانون مكذبون، {أفبهذا الحديث} يقول المفسر: متهانون مكذبون، والإدهان والمداهنة كلها التنازل، تعني التنازل {ودوا لو تدهنوا} يعني: تتنازل عن شيء مما جئت به فيدهنون يتنازلون أيضاً عما بعض ما يصرون عليه، والمداهنة حرام لماذا؟ لأنها تنازل عما أوجب الله عليك، تنازل عما أوجب الله، هذا مداهنة بخلاف المدارات، المدارات شرعية بينما المداهنات محرمة والفرق بينهما أن المدارات لا يترتب عليها ارتكاب محظور ولا فعل، ارتكاب محظور ولا ترك مأمور، بينما المداهنة لا بد أن يترتب عليها شيء من ذلك، {ودوا لو تدهنوا} والمدارات لا بد منها، النبي -عليه الصلاة والسلام-، لما طرق عليه الباب من طرق قال: ((بئس أخو العشيرة))، لما دخل أجيب له ودخل انبسط معه في الكلام يعني ما عامله معاملة من يستحق هذا اللفظ هذا الذم بئس يعني المدارات ما في شيء لكن الإشكال في المداهنة {ودوا لو تدهن فيدهنون}، {أفبهذا الحديث أنتم مدهنون} يقول: متهاونون مكذبون، {وتجعلون رزقكم} من المطر أي الشكر أنكم تكذبون، {وتجعلون رزقكم} الرزق الأصل فيه المطر الذي ينزل من المساء لإحياء الأرض ومن عليها، وبه تقوم حياة كل حي، الرزق هذا هو المطر والمقصود به هنا الشكر لماذا؟ لأنه قوبل بالتكذيب، قوبل بالتكذيب يعني بدلاً من أن تقول مطرنا بفضل الله ورحمته تقول: مطرنا بنو كذا وكذا، يقول أنكم تكذبون بسقيا الله حيث قلتم: مطرنا بنو كذا وكذا، وأصبح النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو بالحديبية إثر سماء يعني: عقب نزول مطر, ((فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: يقول الله -جل وعلا-: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا

بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكوكب، وإذا قال: مطرنا بنو كذا وكذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب)) فنسبة التأثير إلى الكواكب كفر- نسأل الله العافية-، لكن بعض الناس يستعمل الباء، يستعمل الباء بدل في، أين أبوك يا فلان بالمسجد، أين أبوك بالمسجد بالعمل بالبيت، والأصل أن يقول: في المسجد في العمل، وإذا قال: مطرنا في نو كذا وكذا وفي لظرفية، كما يقولون: مطرنا في الوقت الفلاني هذا من حيث المعنى ما في إشكال لكن الإشكال في المشابهة في المشابهة بقول الكفار والاحتمال قائم، لكن إذا خلا عن اعتقاد أن النو له أثر إذا كان يعتقد أن المطر من هذا النوع فهذا كفر أكبر مخرج عن الملة، لكن إذا كان يعتقد أن المطر من الله -جل وعلا- والنو سبب هذا أخف من الكفر الأكبر لكن مع ذلك هو شرك لماذا؟ لأنه جعل النو سبب وهو في الحقيقة ليس بسببٍٍٍ لا شرعي، ولا عرف عادي مضطرد، اتخذ ما ليس بسبب سبب وهذا نوع من الشرك، حيث قلتم: مطرنا بنو كذا {فلولا} تحضيض يعني: فهلا إذا بلغت الروح، إذا بلغت الروح وقت النزع الحلقوم الذي هو مجرى الطعام الذي هو الروح صعد إلى أن وصلت إلى الحلقوم وسدت المجرى عن النفس فهلا يقول فلولا إذا بلغت الحلقوم أي ما في ذكر للروح ولا في شيء تقدم يمكن أن يفهم منه أن الضمير يعود إلى الروح نقول: إذا كان ما يعود إليه الضمير معلوم لدى السامع والمخاطب فإنه يجوز يحذفه {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [سورة ص: 32] ما في ما يدل على الشمس مالها ذكر سابق، ما في ما يدل على ذلك فيجوز الحذف إذا لم يقع فيه لبس، وهنا إذا بلغت الحلقوم يعني: يقصد بذلك الروح في وقت النزع في وقت الاحتضار، والحلقوم مجرى الطعام.

{وأنتم} يا حاضري الميت حينئذٍ تنظرون إليه، طيب {فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون} إلى هذا الميت الذي في النزع هل تستطيعون بما أوتيتم من قوة وكثرة، وذكاء وخبرة، هل تستطيعون بكاملكم أن تردوا هذا الروح إلى مقرها بعد أن بلغت الحلقوم، يقول: {ونحن أقرب إليه منكم} المؤلف يقول: بالعلم القرب بالعلم، وليس قرب حسياً {ونحن أقرب إليه منكم} الله -جل وعلا- يدني وينزل إلى السماء الدنيا، وأقرب من حبل الوريد على خلاف بين العلماء في آية ق وهذا الآية التي {نحن أقرب إليه منكم} هل المراد به الرب -جل وعلا- أو الملائكة الذين يقبضون الروح بأمره مسألة خلافية بين أهل العلم، والسبب في ذلك الضمير {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} وهنا {ونحن أقرب إليه منكم} يعني: الملائكة الذين وكلوا بقبض روحه ملك الموت وأعيانه، ومنهم من يقول أن هذا من آيات الصفات قرب بجلاله وعضمته والضمير وإن كان ضمير جمع إلا أن العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع كما قرره الإمام البخاري في تفسير {إن أنزلناه} من صحيحة، {ونحن أقرب إليه منكم} من البصيرة يقول المؤلف أي لا تعلمون ذلك، لا تبصرون ما المانع أن يكون من البصر، والمشاهدة لأن من يحضر المحتضر لا يشاهد شيء، لا يبصر شيء لا يبصر ملك الموت ولا أعوانه، ولا لا يبصر شيء لا مانع من أن يكون قوله ولا تبصرون من البصر الذي هو الرؤيا والمشاهدة وأما من البصيرة أيضاً كذلك لا يمكن أن يعلم مثل هذا الأمر لخفائه عن الأنظار وعن القلوب، فلولا الموضع الثاني يعني فهلا كسابقه {إن كنتم غير مدينين} مجزيين بأن تبعثوا أي: غير مبعوثين على حسب زعمكم، فلولا إن كنتم غير مدينين المراد بالدين هنا أو بالدين الجزاء، {مالك يوم الدين} يعني يوم الجزاء، {فلولا إن كنتم غير مدينين} مجزيين، والجزاء متى يكون؟ يكون بعد البعث، وإذا كانوا منكرون البعث فهم منكرون الجزاء، فإذا كنتم تنكرون البعث، وتنكرون الجزاء، {فلولا إن كنتم غير مدينين} يعني: غير مجزيين ومن باب أولى غير مبعوثين، مجزيين بأن تبعثوا أي: غير مبعوثين على حد زعمكم، {ترجعونها}، ترجعونها، من الفعل الثلاثي، هل يقال رجع وإلا أرجع؟ يعني اشتريت سيارة أو أي: سلعة

فما أعجبتك وأعدتها إلى صحابها، تقول: رجعت السيارة أو أرجعت السيارة؟ ها وهنا ترجِعونها أو تُرجعونها؟ يأتي بالممثلات من الرباعي {فَإِن رَّجَعَكَ اللهُ} [سورة التوبة: 83]، رجعك وأرجعك بمعنى واحد، وهنا ترجعونها من الثلاثي، تردون الروح إلى الجسد، بعد بلوغ الحلقوم، يعني إن كنتم بالفعل تستطيعون أو تنكرون البعث والجزء ابدوا بمنع المقدمات، أبدأو بمنع المقدمات لأنه إذا وجدت المقدامات وجدت النتائج، أنتم إذا أرتم إلا يبعث وألا يحاسب ولا يجازا أمنعوا عنه الموت ليستمر في الحياة، {ترجعون} تردون الروح إلى الجسد بعد بلوغ الحلقوم إن كنتم صادقين فيما زعمتم؛ فلولا الثانية تأكيد للأولى يعني تأكيد لفظي، لأنه جاء: {فلولا إذا بلغت}، والثانية: {فلولا إن كنتم غير مدينين} الثانية تأكيد لفظي للأولى، وإذا {فلولا إذا بلغت الحلقوم} وإذا ظرف لترجعونها المتعلق به، المتعلق به الشرطان، والمعنى: هلا ترجعونها إن نفيتم البعث صادقين في نفيه لينتفي عن محلها الموت كالبعث، يعني إذا رجعتم الروح هذه إلى وضعها الطبيعي، إن كنتم تقدرون تستطيعون ذلك فرجعوا الروح إلى وضعها الطبيعي، لماذا؟ لألا يترتب على ذلك أن تفارق بدنه ثم يموت ثم يقبر بعد ذلك يبعث ثم يحاسب ويجازى، إذا كنتم تستطيعون منع الموت فبإمكانكم أن تنفوا جميع ما يترتب عليه، لكن من يستطيع أن يمنع الموت! وإذا كنتم لا تستطيعون أن تمنعوا الموت، ثلة من الأذكياء والعباقرة محتفين بأحب الناس إليهم وتنزعوا روحه من بين يديهم، لا يستطيعون أن يتصرفوا يا الله هات تكلم أين ذكائكم ردوا هذا الروح التي تطلع، وإذا لم تستطيعوا أن تفعلوا هذا فالموت حاصل لا محالة، وإذا اعترفتم بهذا واعترفتم بعجزكم، لماذا لا تعترفون بالبعث وما يترتب عليه؟ ترجعونها إن كنتم صادقين فيما زعمتم، والمعنى: هلا ترجعونها إن نفيتم الباعث صادقين في نفيه أي لينتفي عن محلها الموت كالبعث، فإما إن كان الميت من المقربين، يعني: في أول السورة، قسمهم على حسب أعمالهم في حال الحياة، ثم ذكر وضعهم حال الوفاة ثم ما يحصل لهم بعد البعث، ما الذي يحصل لهم في قبورهم، وبعد ما يبعثون من قبورهم؟ على ما تقدم، كلُ على منزلته

ومرتبته، {فأما إن كان} الميت {من المقربين}، يعني: من السابقين من الصنف الأول {فروحٌ وريحان وجنة نعيم} يعني: فله روح يعني: استراحة، يرتاح من عناء الدنيا وشقائها وما جبلت عليه وما طبعت عليهم من أكدار، يستريح ولذا جاء في الحديث: ((مستريح ومستراح منه)) يعني: بعض الناس يستريح من عناء الدنيا إذا كان مأآله إلى خير ومن الناس مستراح منه يرتاح منه الناس في هذه الدنيا ويكون مأآله إلى خلاف ذلك في الآخرة. {فروح} أي: فله استراحة وراحة {وريحان}، رزق حسن هكذا يقول المؤلف، روح وريحان، روح منهم من قرأها يقول روح، روح وعبر بالروح عن الحياة أن له حياة أفضل من هذه التي فارقها، وريحان يعني: رائحة طيبة وجاء في بعض الأخبار أن ملك الموت معه ما يودع فيه هذه الروح مما رائحته طيبة، وقد حصل يعني في بعض الجنائز أنها تشم هذه الروح، رائحة الريحان، رائحة المسك من الشهيد وغيره تشم {فروح وريحان} يقول: رزق حسن، {وجنت نعيم} وهل، وهل الجواب عندنا أنا شرط وإن كذلك، شرطان عندنا شرطان وكل من الشرطين يحتاج إلى فعل للشرط وجواب للشرط، {فأما إن كان من المقربين فروح وريحان} هذا الجواب جواب الشرط، هل هو لأن أو لإن؟ أو لهما؟ يقول المؤلف: أقوال، يعني عندهم في القاعدة إذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للسابق منهم، الجواب للسابق منهما، لكن إذا اجتمع شرطان في الجوال لأيهما؟ ثلاثة أقوال: ـ 1/ إما للأول للسابق2/ أو للمتأخر3/ أو لهما معا من باب الاكتفاء بجواب أحد الشرطين، هذا الصنف الأول الذين هم المقربون وهم السابقون في صدر الصورة. {وأما إن كان من أصحاب اليمين} وهم الصنف الثاني {فسلام لك} يعني: أصحاب اليمين الذين يعطون كتبهم بأيمانهم {فسلام لك} أي: السلامة.

يقول: فسلام لك، أي: له {وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين} والمفسر يقول: {فسلام لك} يعني: له السلام، صاحب اليمين سلام لك، أي: له السلامة، السلامة لصاحب اليمين والظاهر من السياق أن صاحب اليمين يسلم على غيره، {فسلام لك من أصحاب اليمين} يعني: ظاهر السياق أن صاحب اليمين هذا يسلم على غيره، وعلى من يسلم المخاطب بقوله لك؟ كل من يصح أن يخاطب بمثل هذا الكلام وأول من خوطب به النبي -عليه الصلاة والسلام-، سلام لك يا محمد أدعوا لك بالسلامة وسلام لأتباعك لكل من يقرأ، لكل من يقرأ مخاطب بهذا الضمير، ضمير الخطاب، له السلامة من العذاب من أصحاب اليمين من جهة أنه منهم، يعني من أصحاب اليمين يعني لأنك أنت من أصحاب اليمين فأنت تسلم عليهم وهم يسلمون عليك. {وأما إن كان من المكذبين الضالين} قال في أصحاب اليمين قال: {وأما إن كان من أصاحب اليمين} مقتضى التنظير أن يقال: وأما إن كان من أصحاب الشمال، هي التي تقابل اليمين، لكنه قال: {وأما إن كان من المكذبين الضالين} يعني التسوية بالوصف المؤثر، هم أصحاب الشمال وانتهينا أخذوا كتبهم بشمالهم بشمائلهم، لكن لماذا أخذوها بشمائلهم؟ هنا وصف مؤثر وهو التكذيب والظلال، لماذا استحقوا هذا العذاب؟ استحقوه لهذا الوصف المؤثر وهو التكذيب والضلال. {فنزل من حميم} يعني جزائهم - نسأل الله السلامة والعافية-، نزل من حميم على ما تقدم {وتصلية جحيم} نار تتلظى عذاب أبدي سرمدي، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ} [سورة النساء: 56] هذا بالنسبة لصلي النار وأما بالنسبة للحميم فذكرناه بالأمس وهو الماء الحار الذي إذا أدناه الواحد من وجهه سقطت جلدت وجهه كما قال ذلك أهل العلم.

{وتصلية جحيم، إن هذا} يقول: من إضافة الموصوف إلى صفته، يعني كأنه قال: إن هذا لهو اليقين الحق، من إضافة الموصوف إلى صفته، الحق اليقين وإذا قلنا: بالعكس من ضابط الصفة إلى الموصوف، قلنا: اليقين الحق، وهناك ما يسمى بحق القين، وعلم اليقين، وعين اليقين، ثلاثة أشياء كلها تضاف إلى القين فعلم اليقين، يعني: العلم الضروري الواقع بواسطة الخبر، أي: جاءك مائة من الثقات وقالوا: أن العسل يباع في السوق، هذا علم اليقين، ألا تستطيع أن تترد في الخبر مع أنه جاءك هذا العدد الكبير ممن تثق بهم هذا علم اليقين، فإذا ذهبت إلى السوق ورأيت العسل يباع في الأسواق صار " عين القين" فإذ أخذت بملعقة وأدخلت أصبعك ولعقته صار " حق اليقين" وهذا أعلى الدرجات ولذا قال: {إن هذا لهو حق} يقول: من إضافة الموصف إلى صفته. {فسبح باسم ربك العظيم} يعني: على ما تقدم في الآية التي بدأنا بها الدرس، {فسبح بسم ربك} يعني قال: سبح نزه واسم زائدة والعظيم الله -جل وعلا-، نعم وكون المفسر العظيم بالله -جل وعلا- دل على أنه وصف للمضاف إليه على ما تقدم، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. يقول: ما حكم ترتيل الأحاديث النبوية لأن هذا الأمر قد كثر في الآونة الأخيرة؟ أما بالنسبة لترتيل على ضوء القواعد والقوانين التي وضعت لترتيل كلام الله -جل وعلا- فلا يجوز تشبيه كلام المخلوق، وإن كان النبي -عليه الصلاة والسلام- بكلام الله -جل وعلا-، يعني قواعد التجويد لا يجوز أن تطبق على غير كلام الله -جل وعلا-، يرتل الحديث أو غير من كلام البشر كما يرتل القرآن لا، لكن قراءة الحديث من غير تطبيق لقواعد التجويد بأصوات حسنة هذا ما في إشكال، بل قد تكون أدعى إلى الإصغاء ومن ثم الانتباه والفهم. هذا يقول: يذكر بعض المشتغلين بالإعجاز العلمي للقرآن بأن مواقع النجوم، النجوم هي أماكنها فهل ذلك وجهة؟ نعم، لما تقول موقع الشيء الفلاني تريد بذلك مكانه وإن أردت على ما ذكر المفسر وغيره من المفسرين أن المواقع مساقط النجوم فالمكان الذي يقع فيه هو الذي يسقط فيه. يقول: ما حكم زكاة البهيمة المعلفة؟

يعني تعلف طول طول الحول، مدة الحول كاملة، هذه ليس فها زكاة إلا إذا كانت معدة للبيع أما زكاة السائمة لا بد أن تكون ممن يسوم الحول أو أكثر الحول يعني يرعى. يقول: والدي يرغب في بقائي هنا في هذه المنطقة وأنا أرغب في أن أواصل الدراسة في الماجستير خارج هذه المنطقة علماً بأن دراستي هنا ليست في التخصص الذي أريده وأتقنه؟ أطع أباك، أطع أباك. هذا يطلب الإجازة في تفسير الجلالين؟ أنا إلى الآن لم أجز أحد، لا في الجلالين ولا في أي كتاب سواء كان في كتب السنة أو غيرها، يرحمك الله. يقول: أريد أن أتوب من أيمان حلفتها غير صادقة من أي. . . . . . . . .

§1/1